أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (64) قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (65) بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ (66) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَإِذَا كُنَّا تُرَابًا وَآبَاؤُنَا أَئِنَّا لَمُخْرَجُونَ (67) لَقَدْ وُعِدْنَا هَذَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (68) قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ (69) وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (70) وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (71) قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ (72)
قوله تعالى (أمّن يبدأ الخلق ثم يعيده ومن يرزقكم من السماء والأرض أإله مع الله قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين)
انظر سورة الأنبياء آية (104) .
قال ابن كثير: أي: هو الذي بقدرته وسلطانه يبدأ الخلق ثم يعيده، كما قال في الآية الأخرى: (إن بطش ربك لشديد إنه هو يبدئ ويعيد) وقال: (وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده، وهو أهون عليه) ... (قل هاتوا برهانكم) على صحة ما تدعونه من عبادة آلهة أخرى (إن كنتم صادقين) في ذلك، وقد علم أن لا حجة لهم ولا برهان، كما قال: (ومن يدع مع الله إلها آخر لا برهان له به فإنما حسابه عند ربه إنه لا يفلح الكافرون) سورة المؤمنون: 117.
قوله تعالى (قل لا يعلم من في السموات الغيب إلا الله وما يشعرون أيان يبعثون)
انظر سورة الأنعام آية (59) .
قوله تعالى (بل ادارك علمهم في الآخرة ... )
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (بل ادارك علمهم في الآخرة) يقول: غاب علمهم.
قوله تعالى (وقال الذين كفروا أءِذا كنا ترابا وعظاما وآباؤنا أئنا لمخرجون لقد وعدنا هذا نحن وآباؤنا من قبل إن هذا إلا أساطير الأولين)
انظر سورة الرعد آية (5) ، وسورة الصافات آية (16) .
قوله تعالى (قل عسى أن يكون ردف لكم بعض الذي تستعجلون)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (قل عسى أن يكون ردف لكم) يقول: اقترب لكم.(4/34)
وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (75) إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (76) وَإِنَّهُ لَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (77) إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ (78) فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ (79) إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (80)
قوله تعالى (وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالأرْضِ إِلاّ فِي كِتَابٍ مّبِينٍ)
انظر سورة الأنعام آية (59) .
قوله تعالى (إن هذا القرآن يقص على بني إسرائيل أكثر الذي هم فيه يختلفون)
قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (إن هذا القرآن يقص على بني إسرائيل أكثر الذي هم فيه يختلفون) ومن ذلك اختلافهم في عيسى، فقد قدمنا في سورة مريم ادعاءهم على أمه الفاحشة، مع أن طائفة منهم آمنت به، كما يشر إليه قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا كونوا أنصار الله كما قال عيسى ابن مريم للحوارين من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله فآمنت طائفة من بني إسرائيل وكفرت طائفة) والطائفة التي آمنت قالت الحق في عيسى، والتي كفرت افترت عليه وعلى أمه. كما تقدم إيضاحه في سورة مريم.
قوله تعالى (وإنه لهدى ورحمة للمؤمنين)
انظر سورة الإسراء آية (9) .
قوله تعالى (إن ربك يقضي بينهم بحكمه وهو العزيز العليم)
انظر حديث ابن مسعود عند البخاري المتقدم عند الآية (93) ، من سورة النساء، وهو حديث: "أول ما يقضى بين الناس في الدماء".
قوله تعالى (إنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين)
قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (إنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين) ، اعلم أن التحقيق الذي دلت عليه القرائن القرآنية واستقراء القرآن، أن معنى قوله هنا: إنك لا تسمع الموتى لا يصح فيه من أقوال العلماء إلا تفسيران:
الأول أن المعنى: إنك لا تسمع الموتى: أي لا تسمع الكفار الذين أمات الله قلوبهم، وكتب عليهم الشقاء في سابق علمه إسماع هدى وانتفاع لأن الله كتب عليهم الشقاء، فختم على قلوبهم، وعلى سمعهم، وجعل على قلوبهم الأكنة،(4/35)
إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (80) وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلَالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ (81) وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ (82)
وفي آذانهم الوقر، وعلى أبصارهم الغشاوة، فلا يسمعون الحق سماع اهتداء وانتفاع: ومن القرائن القرآنية الدالة على ما ذكرنا أنه جل وعلا قال بعده: (إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون) ... التفسير الثاني: هو أن المراد بالموتى الذين ماتوا بالفعل، ولكن المراد بالسماع المنفي في قوله (إنك لا تسمع الموتى) خصوص السماع المعتاد الذي ينتفع صاحبه به، وإن هذا مثل ضرب للكفار، والكفار يسمعون الصوت، لكن لا يسمعون سماع قبول بفقه واتباع كما قال تعالى (ومثل الذين كفروا بربهم كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء) ، فهكذا الموتى الذين ضرب بهم المثل لا يجب أن ينفي عنهم جميع أنواع السماع كما لم ينف ذلك عن الكفار، بل قد انتفى عنهم السماع المعتاد الذي ينتفعون به، وأما سماع أخر فلا، وهذا التفسير الثاني جزم به واقتصر عليه العلامة أبو العباس ابن تيمية رحمه الله.
وانظر سورة البقرة آية (17) .
قوله تعالى (وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم)
قال مسلم: حدثنا عبيد الله بن معاذ العنبري، حدثنا أبي، حدثنا شعبة، عن فرات القزاز، عن أبي الطفيل، عن أبي سريحة، حذيفة بن أسيد. قال: كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في غرفة ونحن أسفل منه، فاطلع إلينا فقال: ما تذكرون؟ قلنا: الساعة.
قال: إن الساعة لا تكون حتى تكون عشر آيات: خسف بالمشرق، وخسف بالمغرب، وخسف في جزيرة العرب، والدخان، والدجال، ودابة الأرض، ويأجوج ومأجوج، وطلوع الشمس من مغربها، ونار تخرج من قعرة عدن ترحل الناس.
(الصحيح 4/2226 بعد رقم 2901 -ك الفتن وأشراط الساعة، ب في الآيات التي تكون قبل الساعة) .
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (وإذا وقع القول عليهم) قال: حق عليهم.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم) قال: تحدثهم.(4/36)
وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ (83) حَتَّى إِذَا جَاءُوا قَالَ أَكَذَّبْتُمْ بِآيَاتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْمًا أَمَّاذَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (84) وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ بِمَا ظَلَمُوا فَهُمْ لَا يَنْطِقُونَ (85)
قوله تعالى (ويوم نحشر من كل أمة فوجا ممن يكذب بآياتنا فهم يوزعون) قال الشيخ الشنقيطي: ظاهر الآية الكريمة خصوص الحشر بهذه الأفواج المكذبة بآيات الله، ولكنه قد دلت آيات كثيرة على عموم الحشر لجميع الخلائق، كقوله تعالى بعد هذا بقليل (وكل أتوه داخرين) ، وقوله (وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا) ، وقوله تعالى (ويوم يحشرهم جميعا) .
أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد (من كل أمة فوجا) قال: زمرة.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (ممن يكذب بآياتنا فهم يوزعون) قال: يقول: فهم يدفعون.
قوله تعالى (حتى إذا جاءوا قال أكذبتم بآياتي ولم تحيطوا بها علما أمّاذا كنتم تعملون)
قال ابن كثير: (حتى إذا جاءوا) ، أي: أوقفوا بين يدي الله عز وجل في مقام المساءلة (قال أكذبتم بآياتي ولم تحيطوا بها علما أمّاذا كنتم تعملون) ؟
أي: ويسألون عن اعتقادهم، وأعمالهم فلما لم يكونوا من أهل السعادة وكانوا كما قال الله تعالى عنهم: (فلا صدق ولا صلى ولكن كذب وتولى) ، فحينئذ قامت عليم الحجة، ولم يكن لهم عذر يعتذرون به كما قال تعالى: (هذا يوم لا ينطقون ولا يؤذن لهم فيعتذرون ويل يومئذ للمكذبين) .
قوله تعالى (ووقع القول عليهم بما ظلموا فهم لا ينطقون)
قال الشيخ الشنقيطي: الظاهر أن القول الذي وقع عليم هو كلمة العذاب، كما يوضحه قوله تعالى (ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها ولكن حق القول مني لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين) ونحو ذلك من الآيات، وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة (فهم لا ينطقون) ، ظاهره أن الكفار لا ينطقون يوم القيامة، كما يفهم من قوله تعالى (هذا يوم لا ينطقون ولا يؤذن لهم فيعتذرون) ، وقوله تعالى (ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا وبكما وصما) الآية،(4/37)
أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (86) وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ (87) وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ (88)
مع أنه بينت آيات أخر من كتاب الله أنهم ينطقون يوم القيامة، ويعتذرون، كقوله تعالى عنهم (والله ربنا ما كنا مشركين) …
قوله تعالى (ألم يروا أنا جعلنا الليل ليسكنوا فيه والنهار مبصرا إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون)
انظر سورة الإسراء آية (12) .
قوله تعالى (ويوم ينفخ في الصور ففزع من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله وكل أتوه داخرين)
انظر حديث مسلم الطويل عن عبد الله بن عمرو الآتي عند الآية (24) من سورة الصافات، وفيه ذكر النفخ في الصور.
وانظر حديث أبي داود عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما المتقدم تحت الآية (73) من سورة الأنعام وهو حديث: "الصور قرن ينفخ فيه".
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (ويوم ينفخ في الصور) قال: كهيئة البرق.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (ويوم ينفخ في الصور) ، أي في الخلق (ففزع من في السماوات ومن في الأرض) ، يقول: ففزع من في السماوات من الملائكة ومن في الأرض من الجن والإنس والشياطين، من هول ما يعاينون ذلك اليوم.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (وكل أتوه داخرين) يقول: صاغرين.
قوله تعالى ( ... وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب صنع الله الذي أتقن كل شيء)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (وترى الجبال تحسبها جامدة) يقول: قائمة.(4/38)
وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ (88) مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ (89) وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (90)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (صنع الله الذي أتقن كل شيء) يقول: أحكم كل شيء.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (الذي أتقن كل شيء) قال: أوثق كل شي وسوى.
قال ابن كثير: وقوله (وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب) أي: تراها كأنها ثابتة باقية على ما كانت عليه، وهى تمر مر السحاب، أي: تزول عن أماكنها، كما قال تعالى (يوم تمور السماء مورا وتسير الجبال سيرا) وقال: (ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا فيذرها قاعا صفصفا لا ترى فيها عوجا ولا أمتا) ، وقال تعالى (ويوم نسير الجبال وترى الأرض بارزة) سورة الكهف: 47.
قوله تعالى (من جاء بالحسنة فله خير منها وهم من فزع يومئذ آمنون ومن جاء بالسيئة فكبت وجوههم في النار ... )
قال مسلم: وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب، قالا: حدثنا أبو معاوية عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر قال: أتى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رجل فقال: يا رسول الله! ما الموجبتان؟ فقال: "من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة. ومن مات يشرك بالله شيئا دخل النار".
(الصحيح 1/94 ح93 -ك الإيمان، من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة) .
قال الطبري: حدثني محمد بن خلف العسقلاني، قال: ثني الفضل بن دكين قال: ثنا يحيى بن أيوب البجلي، قال: سمعت أبا زرعة، قال: قال أبو هريرة -قال يحيى: أحسبه عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: " (من جاء بالحسنة فله خير منها وهم من فزع يومئذٍ آمنون) قال: وهى لا إله إلا الله (ومن جاء بالسيئة فكبت وجوههم في النار) قال: وهي الشرك".
(التفسير 20/22) وإسناده حسن، وأخرج ابن أبي حاتم في (تفسيره رقم 578 من سورة النمل) من طريق يحيى بن أيوب به، لكن موقوفاً على أبي هريرة، وأشار إلى شطره الأول عن أبي هريرة موقوفاً.(4/39)
مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ (89) وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (90) إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (91) وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ (92)
أيضاً (عقب رقم 573 من سورة النمل) ويشهد له ما أخرجه الطبري في (تفسيره رقم 14272-14274) وابن أبي حاتم في (تفسيره رقم 573 من سورة النمل) ، والحاكم في (المستدرك 2/406) وفي إسناده سقط، والبيهقي في (الأسماء والصفات ص133) من طرق عن الحسن بن عبيد الله عن جامع بن شداد عن الأسود بن هلال عن عبد الله بن مسعود قال: (من جاء بالحسنة) قال: من جاء بلا إله إلا الله، قال: (من جاء بالسيئة) قال: الشرك. وأخرجوه أيضاً -سوى ابن أبي حاتم- من طريق الأعمش عن جامع به، وفي بعض الروايات الاقتصار على شطره الأول، وصححه الحاكم على شرط الشيخين وأقره الذهبي. وورد نحوه أيضاً من رواية علي بن أبي طلحة عن ابن عباس موقوفاً عند الطبري (رقم 14290 و20/22) وابن أبي حاتم (رقم 1223 من سورة الأنعام، ورقم 579 من سورة النمل) والبيهقي في (الأسماء والصفات ص345-135) . وإسناده جيد.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (من جاء بالحسنة فله خير منها) يقول: من جاء بلا الله إلا الله (ومن جاء بالسيئة) وهو الشرك.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (فله خير منها) يقول: له منها حظ.
قوله تعالى (إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها)
قال البخاري: حدثنا علي بن عبد الله، حدثنا جرير بن عبد الحميد، عن منصور عن مجاهد، عن طاوُس، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم فتح مكة: "إن هذا البلد، حرّمه الله، لا يُعْضَد شوكه، ولا يُنفّر صيده، ولا يلتقط لُقطته إلا مَن عرفها".
(صحيح البخاري 3/525 -ك الحج، ب فضل الحرم ح1587) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها) يعني: مكة.
قوله تعالى (ومن ضل فقل إنما أنا من المنذرين)
قال الشيخ الشنقيطي: جاء معناه في آيات كثيرة كقوله تعالى (فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب) . وقوله تعالى (إنما أنت نذير والله على كل شيء وكيل) وقوله تعالى (فتول عنهم فما أنت بملوم) .(4/40)
وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (93)
قوله تعالى (وقل الحمد لله سيريكم آياته فتعرفونها)
قال الشيخ الشنقيطي: جاء معناه في غير هذا الموضع كقوله تعالى (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق) .
قوله تعالى (وما ربك بغافل عما تعملون)
قال الشيخ الشنقيطى: جاء موضحا في آيات كثيرة كقوله تعالى (ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار) .
أخرج آدم ابن أبي إياس بشده الصحيح عن مجاهد، قوله (سيريكم آياته فتعرفونها) قال: في أنفسكم، وفي السماء والأرض والرزق.
وانظر سورة فصلت آية (53) .(4/41)
طسم (1) تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) نَتْلُو عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (3) إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (4) وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ (6)
سورة القصص
قوله تعالى (طسم (1) تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (2))
انظر بداية سورة الشعراء (طسم)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (طسم (1) تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (2))
يعني مبين والله بركته ورشده وهداه.
قوله تعالى (نتلو عليك من نبإِ موسى وفرعون بالحق لقوم يؤمنون)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (نتلو عليك من نبإ موسى وفرعون بالحق لقوم يؤمنون) يقول في هذا القرآن نبأهم، وقوله (لقوم يؤمنون) يقول: لقوم يصدقون بهذا الكتاب.
قوله تعالى (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ)
أخرج ابن أبي حاتم والطبري بسنديهما الحسن عن قتادة (إن فرعون علا في الأرض) أي: بغى في الأرض.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وجعل أهلها شيعا) أي فرقا يذبح طائفة منهم، ويستحيي طائفة ويعذب طائفة، ويستعبد طائفة قال الله عز وجل (يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم إنه كان من الفاسدين) .
وانظر سورة البقرة آية (49) .
قوله تعالى (ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ونمكن لهم في الأرض ونُري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض) قال: بنو إسرائيل.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ونجعلهم أئمة) أي: ولاة الأمر.(4/42)
وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ (6) وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (7) فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ (8) وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (9) وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (10) وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (11) وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ (12)
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة قوله (ونجعلهم الوارثين) قال: يرثون الأرض من بعد آل فرعون.
قال الشيخ الشنقيطي: لم يبين هنا السبب الذي جعلهم أئمة جمع إمام أي قادة في الخير، دعاة إليه على أظهر القولين. ولم يبين هنا أيضاً الشيء الذي جعلهم وارثيه، ولكنه تعالى بين جميع ذلك في غير هذا الموضع، فبين السبب الذي جعلهم به أئمة في قوله تعالى: (وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون) فالصبر واليقين، هما السبب في ذلك، وبين الشيء الذي جعلهم له وارثين بقوله تعالى (وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها) الآية وقوله تعالى (كم تركوا من جنات وعيون وزروع ومقام كريم ونعمة كانوا فيها فاكهين كذلك وأورثناها قوما آخرين) ، وقوله تعالى (فأخرجناهم من جنات وعيون وكنوز ومقام كريم كذلك وأورثناها بني إسرائيل) .
قال ابن كثير: قال تعالى (ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثون ونمكن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون) وقد فعل تعالى ذلك بهم، كما قال (وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون) وقال (كذلك وأورثناها بني إسرائيل) .
قوله تعالى (وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (7) فَالْتَقَطَهُ آَلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ (8) وَقَالَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (9) وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (10) وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ(4/43)
لَا يَشْعُرُونَ (11) وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ (12))
وفيهن قصة موسى أول حياته، انظر سورة طه (37-41) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وأوحينا إلى أم موسى) وحيا جاءها من الله، فقذف في قلبها، وليس بوحي نبوة أن أرضعي موسى (فإذا خفتِ عليه فألقيه في اليم ولا تخافي ولا تحزني) ... الآية.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (فألقيه في اليم) قال: هو البحر النيل.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا) عدواً لهم في دينهم، وحزنا لما يأتيهم.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قالت امرأة فرعون: (قرة عين لي ولك) تعني بذلك موسى.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وهم لا يشعرون) قال: وهم لا يشعرون أن هلاكهم على يديه، وفي زمانه.
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الصحيح عن ابن عباس (وأصبح فؤاد أم موسى فارغا) قال: فارغا من كل شيء غير ذكر موسى.
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة (وأصبح فؤاد أم موسى فارغا) قال: فارغا ليس بها همّ غيره.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي، قال: لما جاءت أمه أخذ منها، يعني الرضاع، فكادت أن تقول: هو ابني، فعصمه الله، فذلك قول الله (إن كادت لتبدي به لولا أن ربطنا على قلبها) .
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة، قال الله (لولا أن ربطنا على قلبها) أي: بالإيمان (لتكون من المؤمنين) .
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (لأخته قصيه) قال: اتبعي أثره كيف يصنع به.(4/44)
أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (عن جنب) قال: بعد.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فبصرت به عن جنب وهم لا يشعرون) أنها أخته، قال: جعلت تنظر إليه كأنها لا تريده.
أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (وحرمنا عليه المراضع من قبل) قال: لا يقبل ثدي امرأة حتى يرجع إلى أمه.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وحرمنا عليه المراضع من قبل) قال: جعل لا يؤتى بامرأة إلا لم يأخذ ثديها، قال (فقالت) أخته (هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فرددناه إلى أمه) فقرأ حتى بلغ (لا يعلمون) ووعدها أنه راده إليها وجاعله من المرسلين، ففعل الله ذلك بها.
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الصحيح عن قتادة قوله (ولتعلم أن وعد الله حق) فوعدها أنه راده إليها و (جاعله) من المرسلين، ففعل الله بها ذلك.
قوله تعالى (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آَتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (14) وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ (15) قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (16) قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ (17) فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قَالَ لَهُ مُوسَى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ (18) فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُمَا قَالَ يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ (19) وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ (20) فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (21))
في هذه الآيات قصة قتله للقبطي والبحث عن موسى لقتله، وقد ورد ذكر هذه القصة في سورة طه (40) والشعراء (14) .(4/45)
وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (14) وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ (15) قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (16) قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ (17) فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قَالَ لَهُ مُوسَى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ (18) فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُمَا قَالَ يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ (19) وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ (20) فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (21)
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله (ولما بلغ أشده واستوى) قال: استوى: بلغ أربعين سنة.
أخرج آدم ابن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (آتيناه حكما وعلما) قال: الفقه والعقل والعمل قبل النبوة.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها) قال: دخلها بعد ما بلغ أشده عند القائلة نصف النهار.
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن ابن عباس قوله (ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها فوجد فيها رجلين يقتتلان هذا من شيعته) -إسرائيلي- (وهذا من عدوه) -قبطي-.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قال: عرف المخرج، فقال (ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر له) .
أخرج عبد الرزاق والطبري بسنديهما الحسن عن قتادة (فلن أكون ظهيرا للمجرمين) يقول: فلن أعين بعدها ظالما على فجره، وقال: قلما قالها رجل إلا ابتلى، قال: فابتلى كما تسمعون.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (فأصبح في المدينة خائف يترقب) قال: خائفا أن يؤخذ.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فإذا الذي استنصره بالأمس يستصرخه) قال: الاستنصار والاستصراخ واحد.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فلما أراد أن يبطش بالذي هو عدو لهما قال) : خافه الذي من شيعته حين قال له موسى (إنك لغوي مبين) .(4/46)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي قال موسى للإسرائيلي (إنك لغوي مبين) ثم أقبل لينصره، فلما نظر إلى موسى قد أقبل نحوه ليبطش بالرجل الذي يقاتل الإسرائيلي، (قال) الإسرائيلي، وفرِق من موسى أن يبطش به من أجل
أنه أغلظ له الكلام: (يا موسى أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس إن تريد إلا أن تكون جباراً في الأرض وما تريد أن تكون من المصلحين) فتركه موسى.
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن ابن عباس قال (وجاء رجل) من شيعة موسى (من أقصى المدينة) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فخرج منها خائفا يترقب) خائفا من قتله النفس يترقب الطلب (قال رب نجني من القوم الظالمين) .
قوله تعالى (وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ (22) وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ (23) فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (24) فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (25) قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (26) قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (27) قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ (28))
وفيها قصة موسى في منطقة مدين وزواجه هناك.
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الصحيح عن قتادة قوله (ولما توجه تلقاء مدين) ومدين ماء كان عليه قوم شعيب.(4/47)
وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ (22) وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ (23) فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (24) فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (25) قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (26) قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (27) قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ (28)
قال الطبري: حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا عباد بن راشد، عن الحسن (عسى ربي أن يهديني سواء السبيل) قال: الطريق المستقيم.
وسنده حسن.
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله (سواء السبيل) قال: قصد السبيل.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (أمة من الناس) قال: أناسا.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (تذودان) يقول: تحبسان.
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله (حتى يصدر الرعاء) قال: فتشرب فضالتهم.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون ووجد من دونهم امرأتين تذودان) قال: أي حابستين شاءهما تذودان الناس عن شائهما.
قوله تعالى (فسقى لهما ثم تولى إلى الظل فقال ربي إني لما أنزلت إليّ من خير فقير)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قال: تصدق عليهم نبي الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فسقى لهما، فلم يلبث أن أروى غنمهما.
أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (من خير فقير) قال: شيء من طعام.
قال الطبري: حدثنا ابن بشار، قال ثنا عبد الرحمن، قال ثنا سفيان، عن أبي إسحاق عن نوف (فجاءته إحداهما تمشي على استحياء) قال: قد سترت وجهها بيديها.
وسنده صحيح.(4/48)
قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (26) قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (27) قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ (28) فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (29) فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (30) وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ (31) اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (32) قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (33) وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (34) قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ (35)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله لموسى (إن خير من استأجرت القوي الأمين) يقول: أمين فيما ولي، أمين على ما استودع.
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله (إن خير من استأجرت القوي الأمين) قال: بلغنا أن قوته كانت سرعة ما أروى غنمهما. قال: بلغنا أنه ملأ الحوض بدلو واحدة. قال: وأما أمانته فإنه أمرها أن تمشي خلفه.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (قال ذلك بيني وبينك أيما الأجلين قضيت) إما ثمانيا وإما عشرا.
أخرج البستي بسنده الحسن عن سعيد بن جبير قال: سألت ابن عباس: أي الأجلين قضى موسى؟ قال: أخيرهما وأوفاهما.
قوله تعالى (فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آَنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آَنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آَتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (29) فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (30) وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآَهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآَمِنِينَ (31) اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (32) قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (33) وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (34) قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآَيَاتِنَا أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ (35))
وفيها قصة تكليم الله موسى وتمكينه بمعجزة العصا واليد، وقد تقدم ذكرها في سورة الأعراف (143-144) وسورة طه (9-24) والشعراء (10-15) .(4/49)
فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (29) فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (30) وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ (31) اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (32)
قوله تعالى (فلما قضى موسى الأجل وسار بأهله آنس من جانب الطور ناراً قال لأهله امكثوا إني آنست ناراً لعلي آتيكم منها بخبر أو جذوة من النار لعلكم تصطلون)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (فلما قضى موسى الأجل) قال: عشر سنين، ثم مكث بعد ذلك عشراً أخرى.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (آنس من جانب الطور ناراً قال لأهله امكثوا إني آنست ناراً) أي: أحسست ناراً.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (أو جذوة من النار) يقول: شهاب.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (أو جذوة) والجذوة أصل شجرة فيها نار.
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة (أو جذوة من النار) قال: شعلة.
قوله تعالى (فلما أتاها نودي من شاطئ الواد الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة أن يا موسى إني أنا الله رب العالمين)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (فلما أتاها نودي من شاطئ الواد الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة) قال: نودي من عند الشجرة (أن يا موسى إني أنا الله رب العالمين) .
قوله تعالى (وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآَهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآَمِنِينَ (31) اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (32))
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ولى مدبرا) فسارا منها (ولم يعقب) يقول: ولم يرجع على عقبه.(4/50)
وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ (31) اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (32) قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (33) وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (34) قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ (35) فَلَمَّا جَاءَهُمْ مُوسَى بِآيَاتِنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُفْتَرًى وَمَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ (36) وَقَالَ مُوسَى رَبِّي أَعْلَمُ بِمَنْ جَاءَ بِالْهُدَى مِنْ عِنْدِهِ وَمَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (37) وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ (38) وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ (39) فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (40)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (اسلك يدك في جيبك) أي: في جيب قميصك.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (واضمم إليك جناحك من الرهب) أي: من الرعب.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (فذانك برهانان من ربك) العصا واليد آيتان.
قوله تعالى (قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (33) وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (34))
أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (فأرسله معي ردءا يصدقني) قال: عونا.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (ردءا يصدقني) يقول: كي يصدقني.
قوله تعالى (وقال فرعون يا أيها الملأ ما علمت لكم من إله غيري فأوقد لي يا هامان على الطين فاجعل لي صرحا لعلي أطلع إلى إله موسى وإني لأظنه من الكاذبين واستكبر هو وجنوده في الأرض بغير الحق وظنوا أنهم إلينا لا يرجعون فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم فانظر كيف كان عاقبة الظالمين)
قال ابن كثير: يخبر تعالى عن كفر فرعون وطغيانه وافترائه في دعوى الألهية لنفسه القبيحة - لعنه الله - كما قال تعالى (فاستخف قومه فأطاعوه إنهم كانوا قوما فاسقين) وذلك لأنه دعاهم إلى الاعتراف له بالإلهية، فأجابوه إلى ذلك بقلة عقولهم وسخافة أذهانهم، ولهذا قال (يا أيها الملأ ما علمت لكم من إله غيري)
قال تعالى إخبارا عنه (فحشر فنادى فقال أنا ربكم الأعلى فأخذه الله نكال الآخرة والأولى إن في ذلك لعبرة لمن يخشى) .
وانظر سورة الزخرف آية (54) وسورة النازعات (23-26) وسورة غافر (36-37) .(4/51)
وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ (42) وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَى بَصَائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (43) وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ وَمَا كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ (44) وَلَكِنَّا أَنْشَأْنَا قُرُونًا فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ وَمَا كُنْتَ ثَاوِيًا فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (45) وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (46) وَلَوْلَا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (47) فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا لَوْلَا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ (48)
قوله تعالى (وأتبعناهم في الدنيا لعنة ويوم القيامة هم من المقبوحين)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وأتبعناهم في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة) قال لعنوا في الدنيا والآخرة، قال هو كقوله (وأتبعوا في هذه لعنة ويوم القيامة بئس الرفد المرفود) .
قوله تعالى (وما كنت بجانب الغربي إذ قضينا إلى موسى الأمر وما كنت من الشاهدين)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (وما كنت) يا محمد (بجانب الغربي) يقول: بجانب غربي الجبل (إذ قضينا إلى موسى الأمر) .
قوله تعالى (وما كنت بجانب الطور إذ نادينا ولكن رحمة من ربك لتنذر قوماً ما أتاهم من ندير من قبلك لعلهم يتذكرون)
قال النسائي: أنا علي بن حجر، أنا عيسى - وهو: ابن يونس - عن حمزة الزيات، عن الأعمش، عن علي بن مدرك، عن أبي زرعة، عن أبي هريرة (وما كنت بجانب الطور إذ نادينا) قال: نودي أن يا أمة محمد أعطيتكم قبل أن تسألوني وأجبتكم قبل أنا تدعوني.
(التفسير 2/143 ح402) وأخرجه الطبري (التفسير 20/81-82) من طريق سليمان وحجاج.
وابن أبي حاتم (التفسير - سورة القصص - آية 46، ح335) والحاكم (المستدرك 2/408) كلاهما من طريق أبي قطن عمرو بن الهيثم، كلهم عن حمزة الزيات به، وعند الطبري عمرو بن الهيثم، كلهم عن حمزة الزيات به، وعند الطبري زيادة، وهي قوله: قال: وهو قوله حين قال موسى (واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة وفي الآخرة…) . قال الحاكم: حديث صحيح على شرط مسلم. ولم يخرجاه. وصحح إسناده كل من محقق تفسيري النسائي وابن أبي حاتم.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ولكن رحمة من ربك) ما قصصنا عليك (لتنذر قوما) ... الآية.
قوله تعالى (فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا لَوْلا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله (سحران تظاهرا)
قال: يهود لموسى وهارون.(4/52)
فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا لَوْلَا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ (48) قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (49) فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (50) وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (51) الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ (52) وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ (53) أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (54) وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ (55)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (سحران تظاهرا) يقول: التوراة والقرآن.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (قالوا سحران تظاهرا) قالت
ذلك أعداء الله اليهود للإنجيل والفرقان، فمن قال (ساحران) فيقول: محمد، وعيسى بن مريم.
أخرج ابن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (إنا بكل كافرون) قالوا: نكفر أيضاً بما أوتي محمد.
قوله تعالى (ولقد وصلنا لهم القول لعلهم يتذكرون)
قال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن سنان، ثنا يزيد بن هارون، ثنا حماد، عن عمرو بن دينار، عن يحيى بن جعدة، عن رفاعة القرظي، قال: نزلت (ولقد وصلنا لهم القول) في عشرة، أنا أحدهم.
(التفسير - سورة القصص/51 ح370) . وأخرجه الطبري (التفسير 20/56) من طريق عثمان بن مسلم عن حماد بن سلمة به. وأخرجه الطبراني في (المعجم الكبير 5/47) بإسنادين إلى رفاعة، قال الهيثمي عن أحدهما: متصل ورجاله ثقات (مجمع الزوائد 7/88) وصحح إسناده محقق ابن أبي حاتم.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ولقد وصلنا لهم القول) قال: وصل الله لهم القول في هذا القرآن يخبرهم كيف صنع بمن مضى، وكيف هو صانع (لعلهم يتذكرون) .
أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (ولقد وصلنا لهم القول) قال: قريش.
قوله تعالى (الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ (52) وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آَمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ (53) أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (54) وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ (55))
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (الذين أتيناهم الكتاب من قبله هم به) ... إلى قوله (لا نبتغي الجاهلين) في مسلمة أهل الكتاب.(4/53)
أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (54)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (وإذا يتلى عليهم قالوا آمنا به إنه الحق من ربنا إنا كنا قبله مسلمين) قال الله (أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا) وأحسن الله عليهم الثناء كما تسمعون فقال (ويدرءون بالحسنة السيئة) .
قوله تعالى (أولئك يؤتون أجرهم مرتين)
قال مسلم: حدثنا يحيى بن يحيى، أخبرنا هشيم، عن صالح بن صالح الهَمْداني، عن الشعبي، قال: رأيت رجلا من أهل خراسان سأل الشعبي فقال: يا أبا عَمرو! إن مَنْ قِبلنا مِن أهل خراسان يقولون، في الرجل، إذا أعتق أمته ثم تزوجها: فهو كالراكب بدنته. فقال الشعبي: حدثني أبو برده بن أبي موسى، عن أبيه، أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ثلاثة يُؤتون أجرهم مرتين: رجل مِن أهل الكتاب آمن بنبيه وأدرك النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فآمن به واتّبعه وصدّقه، فله أجران. وعبدٌ مملوك أدّى حق الله تعالى وحق سيده، فله أجران. ورجل كانت له أمة فغذاها فأحسن غذاءها. ثم أدّبها فأحسن أدبها. ثم أعتقها وتزوجها، فله أجران".
ثم قال الشعبي للخراساني: خذ هذا الحديث بغير شيء، فقد كان الرجل يرحل فيما دون هذا إلى المدينة.
(صحيح مسلم 1/134-135- ك الإيمان، ب وجوب الإيمان برسالة نبينا محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ح154) .
قال أحمد: ثنا يحيى بن إسحاق السيلحيني، ثنا ابن لهيعة، عن سليمان بن عبد الرحمن، عن القاسم، عن أبي أمامة، قال: إني لتحت راحلة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم الفتح، فقال قولا حسناً جميلاً، وكان فبما قال: "من أسلم من أهل الكتابين فله أجره مرتين وله ما لنا وعليه ما علينا، ومن أسلم من المشركين فله أجره وله ما لنا وعليه وما علينا".
(المسند 5/259) . وأخرجه الطبراني (المعجم الكبير 8/224 ح7786) من طريق: عبد الله بن صالح عن الليث عن سليمان بن عبد الرحمن به، فهذه متابعة من الليث بن سعد لابن لهيعة يتقوى بها حديثه. فيكون حسناً إن شاء الله) .(4/54)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين) لا يجارون أهل الجهل والباطل في باطلهم، أتاهم من أمر الله ما وقذهم عن ذلك.
وقده الحِلم: إذا سكنه، والوقد في الأصل: الضرب المثخن والكسر (النهاية لابن الأثير 5/212) .
قوله تعالى (إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين)
قال البخاري: حدثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيب، عن الزهري قال: أخبرني سعيد بن المسيب عن أبيه قال: لما حضرت أبا طالب الوفاة جاءهُ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فوجد عنده أبا جهل وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة فقال: أي عمّ، قل لا إله إلا الله كلمةً أحاجّ لك بها عند الله. فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية: أترغب عن ملة عبد المطلب؟ فلم يزل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يعرضها عليه ويُعيدانه بتلك المقالة حتى قال أبو طالب آخر ما كلمهم: على ملة عبد المطلب، وأبى أن يقول لا الله إلا الله. قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لأستغفرن لك ما لم أُنه عنك. فأنزل الله (ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين) وأنزل الله في أبي طالب فقال لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (إنك لا تهدي من أحببت، ولكن الله يهدي من يشاء) .
(صحيح البخاري 8/365 - ك التفسير - سورة القصص ح4772) ، (صحيح مسلم 1/54- ك الإيمان، ب الدليل على صحة إسلام من حضره الموت ح24) .
أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (وهو أعلم بالمهتدين) قال: بمن قدر له الهدى والضلالة.
قال الشيخ الشنقيطي: ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أن نبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
لا يهدي من أحب هدايته، ولكنه جل وعلا هو الذي يهدي من يشاء هداه، وهو أعلم بالمهتدين. وهذا المعنى الذي دلت عليه الآية موضحا في آيات كثيرة كقوله (إن تحرص على هداهم فإن الله لا يهدي من يضل) الآية، وقوله (وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ) .(4/55)
وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (57) وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ (58) وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ (59) وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلَا تَعْقِلُونَ (60) أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (61)
قوله تعالى (وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آَمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (وقالوا إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا) قال الله (أولم نمكن لهم حرما آمنا يجبى إليه ثمرات كل شيء) يقول: أو لم يكونوا آمنين في حرمهم لا يغزون فيه ولا يخافون، يجبى إليه ثمرات كل شيء.
قوله تعالى (وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ (58) وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ (59))
انظر سورة الإسراء آية (15-17) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (حتى يبعث في أمها رسولا) وأم القرى مكة، وبعث الله إليهم رسولا محمدا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
قوله تعالى (وما أوتيتم من شيء فقاع الحياة الدنيا وزينتها وما عند الله خير وأبقى ألا تعقلون)
قال ابن كثير: يقول تعالى مخبرا عن حقارة الدنيا، وما فيها من الزينة الدنيئة والزهرة الفانية بالنسبة إلى ما أعده الله لعباده الصالحين في الدار الآخرة من النعيم العظيم المقيم، كما قال (ما عندكم ينفذ وما عند الله باق) وقال (وما عند الله خير للأبرار) وقال (وما الحياة الدنيا في الآخرة إلا متاع) وقال (بل يؤثرون الحياة الدنيا والآخرة خير وأبقى) وقال الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "والله ما الدنيا في الآخرة، إلا كما يغمس أحدكم إصبعه في اليم، فلينظر ماذا يرجع إليه".
قوله تعالى (أفمن وعدناه وعداً حسناً فهو لاقيه كمن متعناه متاع الحياة الدنيا ثم هو يوم القيامة من المحضرين)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (أفمن وعدناه وعدا حسناً فهو لاقيه) قال: هو المؤمن سمع كتاب الله فصدق به وآمن مما وعد الله فيه (كمن(4/56)
أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (61) وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (62) قَالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنَا أَغْوَيْنَاهُمْ كَمَا غَوَيْنَا تَبَرَّأْنَا إِلَيْكَ مَا كَانُوا إِيَّانَا يَعْبُدُونَ (63) وَقِيلَ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَرَأَوُا الْعَذَابَ لَوْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَهْتَدُونَ (64)
متعناه متاع الحياة الدنيا) هو هذا الكافر ليس والله كالمؤمن (ثم هو يوم القيامة من المحضرين) : أي في عذاب الله.
قوله تعالى (ويوم يناديهم فيقول أين شركائي الذين كنتم تزعمون)
قال ابن كثير: يقول تعالى مخبرا عما يوبخ به الكفار المشركين يوم القيامة، حيث يناديهم فيقول (أين شركائي الذين كنتم تزعمون) يعني: أين الآلهة التي كنتم تعبدونها في الدار الدنيا، من الأصنام والأنداد، هل ينصرونكم أو ينتصرون؟
وهذا على سبيل التقريع والتهديد كما قال (ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء لقد تقطع بينكم وضل عنكم ما كنتم تزعمون) .
وانظر سورة الكهف آية (52) .
قوله تعالى (قَالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنَا أَغْوَيْنَاهُمْ كَمَا غَوَيْنَا تَبَرَّأْنَا إِلَيْكَ مَا كَانُوا إِيَّانَا يَعْبُدُونَ)
انظر سورة البقرة آية (166) .
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله تعالى (هؤلاء الذين أغوينا أغويناهم كما غوينا) قال: هم الشياطين.
قوله تعالى (وقيل ادعوا شركاءكم فدعوهم فلم يستجيبوا لهم ورأوا العذاب لو أنهم كانوا يهتدون)
قال ابن كثير: وقوله (لو أنهم كانوا يهتدون) أي: فودوا حين عاينوا العذاب لو أنهم كانوا من المهتدين في الدار الدنيا وهذا كقوله تعالى (ويوم يقول نادوا شركائي الذين زعمتم فدعوهم فلم يستجيبوا لهم وجعلنا بينهم موبقا ورأى المجرمون النار فظنوا أنهم مواقعوها ولم يجدوا عنها مصرفا) .
وانظر سورة الكهف آية (52-53) .(4/57)
وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ (65) فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْبَاءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لَا يَتَسَاءَلُونَ (66) فَأَمَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَعَسَى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ (67) وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (68) وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ (69)
قوله تعالى (ويوم يناديهم فيقول ماذا أجبتم المرسلين فَعِمَيَت عليهم الأنباء يومئذ فهم لا يتساءلون)
قال ابن كثير: وقوله (ويوم يناديهم فيقول ماذا أجبتم المرسلين) النداء الأول عن سؤال التوحيد، وهذا فيه إثبات النبوات: ماذا كان جوابكم للمرسلين إليكم؟ وكيف كان حالكم معهم؟ وهذا كما يسأل العبد في قبره: من ربك؟
ومن نبيك؟ وما دينك؟ فأما المؤمن فيشهد أنه لا إله إلا الله وأن محمدا عبد الله ورسوله وأما الكافر فيقول: هاه.. هاه. لا أدري. ولهذا لا جواب له يوم القيامة غير السكوت، لأن من كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا، ولهذا قال تعالى: (فَعَميَت عليهم الأنباء يومئذ فهم لا يتساءلون) .
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (فَعَمِيَت عليهم الأنباء) قال: الحجج، يعني الحجة.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (فهم لا يتساءلون) قال: لا يتساءلون بالأنساب ولا يتماتون بالقربات، إنهم كانوا في الدنيا إذا التقوا تساءلوا وتماتوا.
قوله تعالى (وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة سبحان الله وتعالى عما يشركون)
قال ابن كثير: وقوله (ما كان لهم الخيرة) نفي على أصح القولين، كقوله تعالى (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم) .
قوله تعالى (وربك يعلم ما تكن صدورهم وما يعلنون)
قال ابن كثير: (وربك يعلم ما تكن صدورهم وما يعلنون) أي: يعلم ما تكن الضمائر، وما تنطوي عليه السرائر، كما يعلم ما تبديه الظواهر من سائر الخلائق (سواء منكم من أسر القول ومن جهر به ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار) .(4/58)
وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (70) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلَا تَسْمَعُونَ (71) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (72) وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (73) وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (74) وَنَزَعْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا فَقُلْنَا هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (75) إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ (76) وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (77)
قوله تعالى (وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآَخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (70) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلَا تَسْمَعُونَ (71) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (72))
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (إن جعل الله عليكم الليل سرمدا) يقول: دائما.
قوله تعالى (ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون)
انظر سورة الإسراء آية (12) .
قوله تعالى (وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ)
انظر سورة الكهف آية (52) فيها تفصيل عن الشيخ الشنقيطي، وانظر الآية (62) من هذه السورة.
قوله تعالى (وَنَزَعْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا فَقُلْنَا هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (ونزعنا من كل أمة شهيدا) وشهيدها: نبيها، يشهد عليها أنه قد بلغ رسالة ربه.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (فقلنا هاتوا برهانكم) قال: حجتكم لما كنتم تعبدون وتقولون.
قوله تعالى (إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآَتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ (76) وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآَخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (77))
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قال: إنما بغى عليهم بكثرة ماله.
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله (مفاتحه لتنوء بالعصبة) قال: كانت من جلود الإبل.(4/59)
إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ (76) وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (77) قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ (78)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (لتنوء بالعصبة) يقول: تثقل. وأما العصبة فإنها الجماعة.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (إن الله لا يحب الفرحين) يقول: المرحين.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك) يقول: لا تترك أن تعمل لله في الدنيا.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ولا تنس نصيبك من الدنيا) قال الحسن: ما أحل الله لك منها، فإن لك فيها غنى وكفاية.
قوله تعالى (قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ)
قال ابن كثير: يقول تعالى مخبرا عن جواب قارون لقومه، حين نصحوه وأرشدوه إلى الخير (قال إنما أوتيته على علم عندي) أي: أنا لا أفتقر إلى ما تقولون، فإن الله تعالى إنما أعطاني هذا المال لعلمه بأني أستحقه، ولمحبته لي فتقديره: إنما أعطيته لعلم الله فيّ أني أهل له، وهذا كقوله تعالى (فإذا مس الإنسان ضر دعانا ثم إذا خولناه نعمة منا قال إنما أوتيته على علم) أي: على علم من الله بي.
أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد (ولا يسئل عن ذنوبهم المجرمون) كقوله (يعرف المجرمون بسيماهم) زرقا سود الوجوه والملائكة لا تسأل عنهم قد عرفتهم.
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله تعالى (ولا يسئل عن ذنوبهم المجرمون) قال: يدخلون النار بغير حساب.(4/60)
فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ (81) وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلَا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ (82) تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (83)
قوله تعالى (فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ)
انظر حديث مسلم عن أبي هريرة المتقدم عند الآية (37) من سورة الإسراء.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فما كان له من فئة ينصرونه) أي: جند ينصرونه، وما عنده منعة، يمتنع بها من الله.
قوله تعالى (وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلَا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ)
قال ابن كثير: وقوله تعالى (وأصبح الذين تمنوا مكانه بالأمس) أي: الذين رأوه في زينته (قالوا يا ليت لنا مثل ما أوتى قارون إنه لذو حظ عظيم) فلما خسف به أصبحوا يقولون (ويكأن الله يبسط هذا الرزق لم يشاء من عباده ويقدر) أي: ليس المال بدال على رضا الله عن صاحبه، فإن الله يعطي ويمنع ويضيق ويوسع ويخفض ويرفع، وله الحكمة التامة والحجة البالغة، وهذا كما في الحديث المرفوع عن ابن مسعود: "إن الله قسم بينكم أخلاقكم كما قسم أرزاقكم، وإن الله يعطي المال من يحب، ومن لا يحب، ولا يعطي الإيمان إلا من يحب".
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ويكأنه) : أولا ترى أنه.
قوله تعالى (تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين)
قال الطبري: حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن مسلم البطين (تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا) قال: العلو: التكبر في الحق، والفساد: الأخذ بغير الحق.
ورجاله ثقات وسنده صحيح. ومنصور هو ابن المعتمر، وسفيان هو الثوري، وعبد الرحمن هو ابن مهدي.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (والعاقبة للمتقين) أي: الجنة للمتقين.(4/61)
مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (84) إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جَاءَ بِالْهُدَى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (85) وَمَا كُنْتَ تَرْجُو أَنْ يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ ظَهِيرًا لِلْكَافِرِينَ (86) وَلَا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آيَاتِ اللَّهِ بَعْدَ إِذْ أُنْزِلَتْ إِلَيْكَ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (87) وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (88)
قوله تعالى (من جاء بالحسنة فله خير منها ومن جاء بالسيئة فلا يجزي الذين عملوا السيئات إلا ما كانوا يعملون)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (من جاء بالحسنة فله خير منها) أي له منها حظ خير، والحسنة: الإخلاص، والسيئة: الشوك.
قوله تعالى (خير منها)
انظر سورة الأنعام آية (160) .
قوله تعالى (إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد)
أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد في قول لله (إن الذي فرض عليك القرآن) قال: الذي أعطاكه.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (لرادك إلى معاد) قال: يجيء بك يوم القيامة.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (لرادك إلى معاد) قال: الموت.
قوله تعالى (ولا تدع مع الله إله آخر لا إله إلا هو كل شيء هالك إلا وجهه له الحكم وإليه ترجعون)
انظر سورة الرحمن آية (26-27) .(4/62)
الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2)
سورة العنكبوت
قال تعالى (الم)
انظر بداية سورة البقرة.
قال تعالى (أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون)
قال ابن كثير: وقوله (أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون) استفهام إنكار ومعناه أن الله -سبحانه وتعالى- لابد أن يبتلي عباده المؤمنين بحسب ما عندهم من الإيمان كما جاء في الحديث الصحيح: "أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الصالحون، ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان في دينه صلابة زيد في البلاء" وهذه الآية كقوله (أم حسبتم أن تتركوا ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين) .
قال الشيخ الشنقيطي: والمعنى: أن الناس لا يتركون دون فتنة: أي ابتلاء واختبار، لأجل قولهم: آمنا، بل إذا قالوا آمنا فتنوا: أي امتحنوا واختبروا بأنواع الابتلاء، حتى يتبين بذلك الابتلاء الصادق في قوله آمنا من غير الصادق.
وهذا المعنى الذي دلت عليه هذه الآية الكريمة جاء مبينا في آيات أخر من كتاب الله كقوله تعالى: (أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلو من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب) وقوله (أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين) وقوله تعالى: (ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم) .
أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله (آمنا وهم لا يفتنون) قال: لا يبتلون في أنفسهم وأموالهم.(4/63)
وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3) أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (4) مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (5) وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (6) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ (7) وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (8)
قوله تعالى (ولقد فتنا)
أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (ولقد فتنا) قال: ابتلينا.
قوله تعالى (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ) أي الشرك أن يسبقونا.
أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد (أن يسبقونا) أن يعجزونا.
قوله تعالى (من كان يرجوا لقاء الله فإن أجل الله لآت وهو السميع العليم) انظر سورة الكهف آية (110) .
قوله تعالى (ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه) قال ابن كثير: وقوله (ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه) كقوله (من عمل صالحا فلنفسه) .
قوله تعالى والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنكفرن عنهم سيئاتهم ولنجزينهم أحسن الذي كانوا يعملون)
قال ابن كثير: ثم أخبر أنه مع غناه عن الخلائق جميعهم من إحسانه وبره بهم يجازى الذين آمنوا وعملوا الصالحات أحسن الجزاء، وهو أن يكفر عنهم أسوء الذي عملوا، ويجزيهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون، فيقبل القليل من الحسنات، ويثيب عليها الواحدة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، ويجزي على السيئة بمثلها أو يعفو ويصفح، كما قال تعالى (إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما) .
قوله تعالى (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)
قال البخاري: حدثنا أبو الوليد حدثنا شعبة قال: الوليد بن عيزار أخبرني قال سمعت أبا عمرو الشيباني يقول: أخبرنا صاحب هذه الدار -وأومأ بيده إلى دار(4/64)
وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (8) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ (9) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ (10)
عبد الله - قال: سألتُ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أيُّ العمل أحب إلى الله عز وجل؟ قال: "الصلاة على وقتها، قال: ثم أيُّ؟ قال: ثم بر الوالدين. قال: ثم أيُّ؟.
قال: الجهاد في سبيل الله -قال حدثني بهن، ولو استزدته لزادني".
(صحيح البخاري 10/414 - ك الأدب، ب البر والصلة ح5970) .
وانظر حديث مسلم عند الآية رقم (90) من سورة المائدة.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ووصينا الإنسان بوالديه حسناً) ...
إلى قوله (فأنبئكم بما كنتم تعملون) قال: نزلت في سعد بن أبي وقاص لما هاجر قالت أمه: والله لا يظلني بيت حتى يرجع، فأنزل الله أن يحسن إليهما، ولا يطيعهما في الشرك.
وحديث مسلم السابق في سورة المائدة آية (90) يشهد لهذا الأثر.
وانظر سورة الإسراء آية (23) .
قوله تعالى (ومن الناس من يقول آمنا بالله فإذا أوذي في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله ولئِن جاء نصر من ربك ليقولن إنا كنا معكم أوليس الله بأعلم بما في صدور العالمين)
انظر حديث الطبري عن ابن عباس المتقدم عند الآية 97 من سورة النساء.
قال الشيخ الشنقيطي: يعني أن من الناس من يقول: آمنا بالله بلسانه، فإذا أوذي في الله: أي أذاه الكفار إيذاءهم للمسلمين جعل فتنة الناس، صارفة له عن الدين إلى الردة، والعياذ بالله، كعذاب الله فإنه صارف رادع عن الكفر والمعاصي. ومعنى فتنة الناس: الأذى الذي يصيبه من الكفار؟ وإيذاء الكفار للمؤمنين من أنواع الابتلاء الذي هو الفتنة، وهذا قال به غير واحد. وعليه فمعنى الآية الكريمة كقوله تعالى: (ومن الناس من يعبد الله على حرف، فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين) .(4/65)
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ (10) وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ (11) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (12) وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ (13)
قال ابن كثير: ثم قال (ولئن جاء نصر من ربك ليقولن إنا كنا معكم) ، أي: ولئن جاء نصر قريب من ربك - يا محمد - وفتح ومغانم، ليقولن هؤلاء لكم (إنا كنا معكم) أي: إخوانكم في الدين كما قال تعالى (الذين يتربصون بكم فإن كان لكم فتح من الله قالوا ألم نكن معكم وإن كان للكافرين نصيب قالوا ألم نستحوذ عليكم ونمنعكم من المؤمنين) .
قوله تعالى (وليعلمن الله الذين آمنوا وليعلمن المنافقين)
قال ابن كثير: وقوله (وليعلمن الله الذين آمنوا وليعلمن المنافقين) أي: وليختبرن الله الناس بالضراء والسراء، ليتميز هؤلاء من هؤلاء، ومن يطيع الله في الضراء والسراء، ومن إنما يطيعه في حظ نفسه، كما قال تعالى (ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم) وقال تعالى بعد وقعة أحد، التي كان فيها ما كان من الاختبار والامتحان (ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب) الآية.
قوله تعالى (وقال الذين كفروا للذين آمنوا اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم) قال: قول كفار قريش بمكة لمن آمن منهم، يقول: قالوا: لا نبعث نحن ولا أنتم، فاتبعونا إن كان عليكم شيء فهو علينا.
قوله تعالى (وليحملن أثقالهم وأثقالاً مع أثقالهم)
قال ابن ماجة: حدثنا عبد الوارث بن عبد الصمد بن عبد الوارث، حدثني أبي عن أيوب، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة قال: جاء رجل إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فحثّ عليه. فقال رجل: عندي كذا وكذا، قال: فما بقي في المجلس رجل إلا تصدق عليه بما قل أو كثر. فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من استنّ خيراً فاستُنَّ به، كان له أجره كاملاً، ومِن أجور من استن به، ولا ينقص من أجورهم شيئاً. ومن استنّ سنة سيئة، فاستن به فعليه وزره كاملاً، ومِن أوزار الذي استن به، ولا ينقص من أوزارهم شيئا".(4/66)
وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ (13) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ (14) فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ (15) وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (16) إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (17)
(السنن 1/74 ح204 المقدمة - من سن سنة حسنة أو سيئة) ، وأخرجه الإمام أحمد (المسند 2/520-521) عن عبد الصمد بن عبد الوارث عن أبيه به. قال البوصيري: إسناده صحيح. وأخرج الإمام أحمد شاهداً له من حديث حذيفة - رضي الله عنه - بنحوه (المسند 5/387) قال الهيثمي: ورجاله رجال الصحيح إلا أبا عبيدة بن حذيفة، وقد وثقه ابن حبان (مجمع الزوائد 1/167) . وصححه الألباني في (صحيح سنن ابن ماجة ح169) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وليحملن أثقالهم) ، أي أوزارهم (وأثقالاً مع أثقالهم) يقول أوزار من أضلوا.
قوله تعالى (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ (14) فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَا آَيَةً لِلْعَالَمِينَ (15) وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (16))
أخرج عبد الرزاق والطبري بسنديهما الصحيحين عن قتادة قوله: (فأخذهم الطوفان) قال هو الماء الذي أرسل عليهم.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (فأنجيناه وأصحاب السفينة) ... الآية قال: أبقاها الله آية للناس بأعلى الجودي.
قال ابن كثير: وقوله (وجعلناها آية للعالمين) أي: وجعلنا تلك السفينة باقية إما عينها كما قال قتادة: إنها بقيت إلى أول الإسلام على جبل الجودي، أو نوعها جعله للناس تذكرة لنعمه على الخلق، كيف نجاهم من الطوفان: كما قال تعالى (وآية لهم ألا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون. وخلقنا لهم من مثله ما يركبون.
وإن نشأ نغرقهم فلا صريخ لهم ولا ينقذون. إلا رحمة منا ومتاع إلى حين) .
قوله تعالى (وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (16) إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (17))
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (إنما تعبدون من دون الله أوثانا) أصناماً.(4/67)
وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (16) إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (17) وَإِنْ تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (18) أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (19) قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (20) يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ (21) وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (22) وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَلِقَائِهِ أُولَئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (23) فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنْجَاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (24) وَقَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (25)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: (وتخلقون إفكا) يقول وتصنعون كذبا.
قوله تعالى (أولم يروا كيف يبدئ الخلق ثم يعيده..)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (أولم يروا كيف يبدئ الله الخلق ثم يعيده) : بالبعث بعد الموت.
قوله تعالى (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآَخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق) خلق السماوات والأرض (ثم الله ينشئ النشأة الآخرة) : أي البعث بعد الموت.
قال ابن كثير: ثم قال تعالى (قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق ثم الله ينشئ النشأة الآخرة) أي: يوم القيامة (إن الله على كل شيء قدير) وهذا المقام شبيه بقوله تعالى (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق) .
وانظر سورة الأنبياء آية (104) .
قوله تعالى (فَمَا كَان جَوَابَ قَوْمهِ إِلاّ أَن قَالُواْ اقْتُلُوهُ أَوْ حَرّقُوهُ فَأَنْجَاهُ الله مِنَ النّارِ إِنّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لّقَوْمٍ يُؤْمِنُون)
انظر سورة الأنبياء آية (69) وفي بيان أن النار تحولت إلى برد وسلام.
قوله تعالى (وقال إنما اتخذتم من دون الله أوثانا مودة بينكم في الحياة الدنيا ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا ... )
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (وقال إنما اتخذتم من دون الله أوثانا مودة بينكم في الحياة الدنيا ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا) قال صارت كل خلة في الدنيا عداوة على أهلها يوم القيامة إلا خلة المتقين.(4/68)
وَقَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (25) فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (26) وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (27) وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ (28) أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (29) قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ (30) وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ (31) قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطًا قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ (32) وَلَمَّا أَنْ جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالُوا لَا تَخَفْ وَلَا تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلَّا امْرَأَتَكَ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ (33) إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (34) وَلَقَدْ تَرَكْنَا مِنْهَا آيَةً بَيِّنَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (35)
قال ابن كثير: (ويلعن بعضكم بعضاً) أي: يلعن الأتباع المتبوعين، والمتبوعون الأتباع (كلما دخلت أمة لعنت أختها) وقال تعالى (الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين) .
قوله تعالى (وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ (28) أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (29) قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ (30) وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ (31) قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطًا قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ (32) وَلَمَّا أَنْ جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالُوا لَا تَخَفْ وَلَا تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلَّا امْرَأَتَكَ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ (33) إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (34) وَلَقَدْ تَرَكْنَا مِنْهَا آَيَةً بَيِّنَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (35))
وفيها قصة لوط مع قومه وقد فصلت في سورة الأعراف (80-84) ، وسورة هود (77-83) ، وسورة الحجر (57-77) ، وسورة الأنبياء (71-75) ، وسورة الشعراء (161-175) ، وسورة النمل (54-58) .
أخرج البستي بسنده الحسن عن الضحاك يقول: قوله جل ذكره (فآمن له لوط وقال إني مهاجر إلى ربي) إبراهيم القائل: إني مهاجر إلى ربي.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (وآتيناه أجره في الدنيا) يقول: الذكر الحسن.
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة قوله تعالى (وآتيناه أجره في الدنيا) قال: هي كقوله (وآتيناه في الدنيا حسنة) قال: وقال: ليس من أهل دين إلا وهم يتولونه.
أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد (وتأتون في ناديكم المنكر) قال: المجالس، والمنكر: إتيانهم الرجال.(4/69)
وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ (28) أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (29) قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ (30) وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ (31) قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطًا قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ (32) وَلَمَّا أَنْ جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالُوا لَا تَخَفْ وَلَا تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلَّا امْرَأَتَكَ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ (33) إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (34) وَلَقَدْ تَرَكْنَا مِنْهَا آيَةً بَيِّنَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (35) وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (36) فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ (37) وَعَادًا وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَسَاكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ (38)
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة تلا: (إن فيها لوطا قالوا نحن أعلم بمن فيها) قال: لا تجد المؤمن إلا يحوط هذا المؤمن حيث كان.
وانظر سورة الأعراف آية (83) لبيان قوله تعالى (لننجينه وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين) أي: الباقين في عذاب الله تعالى.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (ولما أن جاءت رسلنا لوطا سيء بهم وضاق بهم ذرعا) قال: بالضيافة مخافة عليهم مما يعلم من شر قومه.
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله (سيء بهم) قال: ساء ظنه بقومه وضاق بضيفه ذرعا.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (إنا منزلون على أهل هذه القرية رجزا) أي: عذابا.
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله تعالى (ولقد تركنا منها آية بينة) قال: هي الحجارة التي أبقاها الله.
قوله تعالى (وإلى مدين أخاهم شعيباً)
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله تعالى (وإلى مدين أخاهم شعيبا) قال: بلغنا أن شعيبا أرسل مرتين إلى أمتين: مدين وأصحاب الأيكة.
قوله تعالى (فأصبحوا في دارهم جاثمين)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (أصبحوا في دارهم جاثمين) أي: ميتين.
وانظر سورة هود آية (85-94) .
قوله تعالى (وعادا وثمود وقد تبين لكم من مساكنهم وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل وكانوا مستبصرين)
قال الشيخ الشنقيطي: الظاهر أن قوله: وعادا: مفعول به لأهلكنا مقدرة، ويدل على ذلك قوله قبله (فأخذتهم الرجفة) أي أهلكنا مدين بالرجفة، وأهلكنا عادا، ويدل للإهلاك المذكور قوله بعده (وقد تبين لكم من مساكنهم) أي هي خالية منهم لإهلاكهم. وقوله: بعده أيضاً (فكلا أخذنا بذنبه) .(4/70)
وَعَادًا وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَسَاكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ (38) وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ (39) فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (40) مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (41) إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (42) وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ (43) خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ (44) اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ (45)
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة (وكانوا مستبصرين) في ضلالتهم معجبين بها.
قوله تعالى (وَقَارُون وَفِرْعَوْن وَهَامَان وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مّوسَىَ بِالْبَيّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُواْ فِي الأرض وَمَا كَانُواْ سَابِقِينَ)
انظر سورة القصص آية (76-82) وفي هذه الآيات تفصيل أكثر عن قارون.
قوله تعالى (فكلا أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصباً ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به الأرض ومنهم من أغرقنا وما كان الله ليظلمهم ... )
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا) وهم قوم لوط، (ومنهم من أخذته الصيحة) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ومنهم من أخذته الصيحة) قوم شعيب.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ومنهم من أغرقنا) قوم فرعون.
قوله تعالى (مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتا وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتا) قال: هذا مثل ضربه الله للمشرك، مثل إلهه الذي يدعو من دون الله كمثل بيت العنكبوت واهن ضعيف لا ينفعه.
قوله تعالى (وأقم إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر) قال أحمد: ثنا أبو معاوية، ثنا الأعمش، عن مالك بن الحارث، عن عبد الرحمن بن يزيد، عن عبد الله قال: من لم تأمره الصلاة بالمعروف وتنهاه عن المنكر لم يزدد إلاُ بعداً.
(الزهد 2/107) ، وأخرجه الطبراني (المعجم الكبير 9/107 ح1543) ، قال العراقي: إسناده صحيح (تخريج الإحياء 1/201) ، وقال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح (مجمع الزوائد 2/258) .
وصححه ابن كثير في (التفسير 6/290 ط الشعب) .(4/71)
اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ (45) وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (46)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر) يقول: في الصلاة منتهى ومزدجر عن معاصي الله.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة والحسن، قالا: من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فإنه لا يزداد من الله بذلك إلا بعدا.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (ولذكر الله) لعباده إذا ذكروه (أكبر) من ذكركم إياه.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ولذكر الله أكبر) قال: لا شيء أكبر من ذكر الله، قال: أكبر الأشياء كلها، وقرأ (أقم الصلاة لذكري) قال: لذكر الله: وإنه لم يصفه عند القتال إلا أنه أكبر.
قوله تعالى (ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم ... )
انظر حديث البخاري عن أبي هريرة المتقدم عند الآية (136) من سورة البقرة.
أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد (ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن) قال: إن قالوا شرا، فقولوا خيرا (إلا الذين ظلموا منهم) فانتصروا منهم.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن) ثم نسخ بعد ذلك، فأمر بقتالهم في سورة براءة، ولا مجادلة أشد من السيف أن يقاتلوا حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أو يقروا بالخراج.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (إلا الذين ظلموا منهم) قال: قالوا مع الله إله، أو له ولد، أو له شريك، أو يد الله مغلولة، أو الله فقير أو آذوا محمداً، (وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم) لمن لم يقل هذا من أهل الكتاب.(4/72)
وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الْكَافِرُونَ (47) وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ (48) بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ (49) وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (50) أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (51) قُلْ كَفَى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيدًا يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (52)
قوله تعالى ( ... وما يجحد بآياتنا إلا الكافرون)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وما يجحد بآياتنا إلا الكافرون) ، قال: إنما يكون الجحود بعد المعرفة.
قوله تعالى (وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ (48) بَلْ هُوَ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك) قال: كان نبي الله لا يقرأ كتابا قبله، ولا يخطه بيمينه قال: كان أميا، والأمي: الذي لا يكتب.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (إذاً لارتاب المبطلون) إذن لقالوا: إنما هذا شيء تعلمه محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وكتبه.
أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد، في قول الله: (إذاً لارتاب المبطلون) قال: قريشاً.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم) من أهل الكتاب صدقوا بمحمد ونعته ونبوته ...
قوله تعالى (وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آَيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآَيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (50) أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)
قال البخاري: حدثنا عبد العزيز بن عبد الله، حدثنا الليث، عن سعيد، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ما من الأنبياء نبيّ إلا أعطي من الآيات ما مثله أُومن -أو آمن- عليه البشر، وإنما كان الذي أُوتيته وحياً أوحاه الله إليّ، فأرجو إني أكثرهم تابعاً يوم القيامة".
(الصحيح 13/261 ح7274 - ك الاعتصام، ب قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "بعثت بجوامع الكلم"، وأخرجه
مسلم (الصحيح - ك الإيمان، ب وجوب الإيمان برسالة نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - ح152) .
قوله تعالى ( ... والذين آمنوا بالباطل ... )
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (والذين آمنوا بالباطل) : الشرك.(4/73)
قُلْ كَفَى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيدًا يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (52) وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَوْلَا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجَاءَهُمُ الْعَذَابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (53) يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ (54) يَوْمَ يَغْشَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَيَقُولُ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (55) يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ (56) كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (57) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (58)
قوله تعالى (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَوْلَا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجَاءَهُمُ الْعَذَابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (53) يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ (54) يَوْمَ يَغْشَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَيَقُولُ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)
قال ابن كثير: يقول تعالى مخبرا عن جهل المشركين في استعجالهم عذاب الله أن يقع بهم، وبأس الله أن يحل عليهم، كما قال تعالى (وإذ قالوا اللهم إن كان هذا الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم) وقال ها هنا (ويستعجلونك بالعذاب ولولا أجل مسمى لجاءهم العذاب) أي: لولا ما حتم الله من تأخير العذاب إلى يوم القيامة لجاءهم العذاب قريبا سريعا كما استعجلوه ... (يوم يغشاهم العذاب من فوقهم ومن تحت أرجلهم) كقوله تعالى (لهم من جهنم مهاد ومن فوقها غواش) وقال (لهم من فوقهم ظلل من النار ومن تحتهم ظلل) وقال (لو يعلم الذين كفروا حين لا يكفون عن وجوههم النار لا عن ظهورهم) فالنار تغشاهم من سائر جهاتهم، وهذا أبلغ في العذاب الحسي.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (يوم يغشاهم العذاب من فوقهم ومن تحت أرجلهم) : أي في النار.
قوله تعالى (يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ)
أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد، في قول الله (إن أرضي واسعة) ، فهاجروا وجاهدوا.
قوله تعالى (وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ... ) قال أحمد: ثنا عبد الرزاق، أنا معمر، عن يحيى بن أبي كثير، عن ابن معانق -أو أبي معانق- عن أبي مالك الأشعري قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إن في الجنة غرفة يرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها، أعدها الله لمن أطعم الطعام وألان الكلام وتابع الصيام وصلّى والناس نيام".(4/74)
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (58) الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (59) وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (60)
(المسند 5/343) ، وأخرجه من هذا الطريق -طريق أحمد- الطبراني (المعجم الكبير 3/301 ح3466) ، وابن حبان في صحيحه (الإحسان 2/262 ح509) قال محقق الإحسان: إسناده قوي.
قال الهيثمي -بعد أن عزاه للطبراني-: رجاله ثقات. وللحديث شواهد منها: ما أخرجه أحمد (المسند 2/173) ، والحاكم (المستدرك 1/321) من حديث عبد الله بن عمرو مرفوعا بنحوه. قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.
قوله تعالى (وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)
قال الترمذي: حدثنا علي بن سعيد الكِندي، حدثنا ابن المبارك، عن حيوة ابن شريح، عن بكر بن عمرو، عن عبد الله بن هبيرة، عن أبي تميم الجيشاني، عن عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لو أنكم كنتم توكلون على الله حق توكّله، لرُزقتم كما يُرزق الطير، تغدو خِماصاً وتروح بِطانا".
(السنن 4/573 ح2344 - ك الزهد، ب في التوكل على الله) ، وأخرجه أحمد (المسند 1/30) ، والحاكم (المستدرك 4/318) من طريق عبد الصمد بن الفضل كلاهما عن أبي عبد الرحمن عبد الله بن يزيد المقرئ عن حيوة بن شريح به. قال الترمذي: حديث حسن صحيح. وقال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وصححه الألباني (صحيح ابن ماجة 2/404، والسلسلة الصحيحة ح310) .
قال ابن كثير: ثم أخبرهم تعالى أن الرزق لا يختص ببقعة، بل رزقه تعالى عام لخلقه حيث كانوا وأين كانوا بل كانت أرزاق المهاجرين حيث هاجروا أكثر وأوسع وأطيب، فإنهم بعد قليل صاروا حكام البلاد في سائر الأقطار والأمصار، ولهذا قال تعالى (وكأين من دابة لا تحمل رزقها) أي: لا تطيق جمعه وتحصيله ولا تؤخر شيئا لغد (الله يرزقها وإياكم) أي: الله يقيض لها رزقها على ضعفها، وييسره عليها، فيبعث إلى كل مخلوق من الرزق ما يصلحه حتى الذر في قرار الأرض، والطير في الهواء والحيتان في الماء، قال الله تعالى (وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين) .
قال الشيخ الشنقيطي: ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أن كثيرا من الدواب التي لا تحمل رزقها لضعفها، أنه هو جل وعلا يرزقها، وأوضح هذا(4/75)
وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (60) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (61) اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (62) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (63) وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (64) فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ (65)
المعنى في قوله تعالى: (وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين) .
أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (وكأين من دابة لا تحمل رزقها) : الطير والبهائم لا تحمل الرزق.
قوله تعالى (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ)
انظر سورة الشورى (27) ، والزخرف (32) والفجر (15-16) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فأنى يؤفكون) أي: يعدلون.
قوله تعالى (اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)
انظر سورة الإسراء آية (30) ، وسورة الرعد آية (26) .
قوله تعالى (وَإِنَّ الدَّارَ الْآَخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (وَإِنَّ الدَّارَ الْآَخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) حياة لا موت فيها.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (لو كانوا يعلمون) يقول:
لو كان هؤلاء المشركون يعلمون أن ذلك كذلك، لقصروا عن تكذيبهم بالله، وإشراكهم غيره في عبادته، ولكنهم لا يعلمون ذلك.
قوله تعالى (فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ) فالخلق كلهم يقرون لله أنه ربهم، ثم يشركون بعد ذلك.
وانظر سورة الإسراء آية (66-67) .(4/76)
أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ (67) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ (68) وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (69)
قوله تعالى (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آَمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، في قوله (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آَمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ) قال: كان في ذلك آية أن الناس يغزون ويتخطفون وهم آمنون.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ) أي: بالشرك (وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ) أي: يجحدون.
قوله تعالى (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ)
قال الشيخ الشنقيطي: ذكر جل وعلا في هذه الآية: أن الذين جاهدوا فيه أنه يهديهم إلى سبيل الخير والرشاد، وأقسم على ذلك بدليل اللام في قوله لنهدينهم وهذا المعنى جاء مبينا في آيات أخر كقوله تعالى (والذين اهتدوا زادهم هدى) وقوله تعالى (فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا) الآية ...
قوله تعالى (وإن الله لمع المحسنين)
انظر سورة النحل قوله تعالى (إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون) .(4/77)
الم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (5)
سورة الروم
قوله تعالى (الم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (5))
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: (الم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3)) غلبتهم فارس، ثم غلَبت الروم (في أدنى الأرض) في طرف الشام.
قال البخاري: حدثنا محمد بن كثير، حدثنا سفيان، حدثنا منصور والأعمش، عن أبي الضحى عن مسروق قال: بينما رجل يُحدّث في كندة فقال: يجيء دُخان يوم القيامة فيأخذ بأسماع المنافقين وأبصارهم يأخذ المؤمن كهيئة الزكام، ففزعنا.
فأتيتُ ابن مسعود وكان متكئا، فغضب فجلس فقال: من علم فليقل، ومن لم يعلم فليقل: الله أعلم، فإن من العلم أن يقول لما لا يعلم: لا أعلم، فإن الله قال لنبيه (قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين) . وإن قريشا أبطأوا عن الإسلام، فدعا عليهم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: "اللهم أعنّى عليهم بسبع كسبع يوسف، فأخذتهم سنَة حتى هلكوا فيها وأكلوا الميتة والعظام، ويرى الرجلُ ما بين السماء والأرض كهيئة الدخان، فجاءه أبو سفيان فقال: يا محمد، جئتَ تأمرنا بصلة الرحم، وإن قومك قد هلكوا، فادع الله. فقرأ (فارتقب يوم تأتى السماء بدخان مبين) إلى قوله (عائدون) أفيُكشف عنهم عذاب الآخرة إذا جاء، ثم عادوا إلى
كفرهم فذلك قوله تعالى (يوم نبطش البطشة الكبرى) يوم بدر. و (لِزاما) يوم بدر (الم (1) غلبت الروم) إلى (سيغلبون) والروم قد مضى.
(صحيح البخاري 8/370 - ك التفسير - سورة الروم ح4774)
قال الترمذي: حدثنا الحسين بن حريث، حدثنا معاوية بن عَمْرو عن أبي إسحاق الفزاري عن سفيان الثوري عن حبيب بن أبي عَمْرة عن سعيد بن جبير(4/78)
عن ابن عباس في قول الله تعالى (الم (1) غلبْت الروم في أدنى الأرض) قال: غَلَبَت وغُلبت، كان المشركون يحبون أن يظهر أهل فارس على الروم لأنهم وإياهم أهل أوثان، وكان المسلمون يحبون أن يظهر الروم على فارس لأنهم أهل كتاب، فذكروه لأبى بكر، فذكره أبو بكر لرسول الله قال: أما إنهم سيَغلبون، فذكره أبو بكر لهم، فقالوا: اجعلْ بيننا وبينك أجلا، فإن ظهرنا كان لنا كذا وكذا، وإن ظهرتم كان لكم كذا وكذا، فجعل أجل خمس سنين فلم يظهروا، فذكر ذلك للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قال: ألا جعلته إلى دون، قال: أُراه العَشر، قال أبو سعيد: والبضع ما دون العشر، قال: ثم ظهرت الروم بعد. قال: فذلك قوله تعالى (الم غلبت الروم) إلى قوله (يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء) قال سفيان: سمعت أنهم ظهروا عليهم يوم بدر.
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح غريب، وإنما نعرفه من حديث سفيان الثوري عن حبيب ابن أبي عَمرة. (السنن 5/343-345 - ك التفسير، ب سورة الروم ح3193) ، وصححها الألباني في (صحيح سنن الترمذي ح2551) ، وأخرجه أحمد (المسند 1/276) ، والنسائي (التفسير 2/149 ح409) ، والطبري (التفسير 21/16) ، والطبراني (المعجم الكبير 12/29 ح12377) ، والحاكم في (المستدرك 2/410) كلهم من طريق أبي إسحاق الفزاري له، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي. وصحح إسناده الشيخ أحمد شاكر في حاشية (المسند ح2495) .
قوله تعالى (وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (6) يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآَخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ (7))
قال الشيخ الشنقيطي: وقوله تعالى (وعد الله) مصدر مؤكد لنفسه لأن قوله قبله (وهم من بعد غلبهم سيغلبون) إلى قوله (ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله) هو نفس الوعد كما لا يخفى، أي: وعد الله ذلك وعداً.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (ظاهرا من الحياة الدنيا) يعني الكفار يعرفون عمران الدنيا وهم في أمر الدين جهال.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا) من حرفتها وتصرفها وبغيتها (وهم عن الآخرة هم غافلون) .(4/79)
أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ (8) أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (9) ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَى أَنْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ (10) اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (11) وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ (12) وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَكَائِهِمْ شُفَعَاءُ وَكَانُوا بِشُرَكَائِهِمْ كَافِرِينَ (13) وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ (14) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ (15)
قوله تعالى (أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ)
انظر سورة يوسف آية (109) وسورة كافر (82) .
قوله تعالى (كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ ... )
أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد (وَأَثَارُوا الْأَرْضَ) قال: حرثوا الأرض.
قوله تعالى (ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَى ... )
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (ثم كان عاقبة الذين أساءوا السوأى) يقول: الذين كفروا جزاؤهم العذاب.
قوله تعالى (اللَّهُ يَبْدأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)
انظر سورة الأنبياء آية (104) .
قوله تعالى (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ)
أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (يبلس) قال: يكتئب.
قوله تعالى (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ (14) فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة في قوله (ويوم تقوم الساعة يومئذ يتفرقون) قال: فرقة والله لا اجتماع بعدها (فأما الذين آمنوا) بالله ورسوله (وعملوا الصالحات) يقول: وعملوا بما أمرهم الله به، وانتهوا عما نهاهم عنه (فهم في روضة يحبرون) يقول: فهم في الرياحين والنباتات الملتفة، وبين أنواع الزهر في الجنان يسرون، ويلذذون بالسماع وطيب العيش الهني.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (فهم في روضة يحبرون) قال يكرمون.
أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله (يحبرون) ينعمون.(4/80)
فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ (17) وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ (18) يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ (19) وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ (20) وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21)
قوله تعالى (فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ (17) وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ (18))
قاد الشيخ الشنقيطى: قد قدمنا في سورة النساء في الكلام على قوله تعالى: (إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا) أن قوله هنا (فسبحان الله حين تمسون) الآيتين من الآيات التي أشير فيها إلى أوقات الصلاة الخمس.
أخرج الطبري بأسانيد يقوي بعضها بعضاً عن ابن عباس وغيره قال: جمعت هاتان الآيتان مواقيت الصلاة (فسبحان الله حين تمسون) قال: المغرب والعشاء
(وحين تصبحون) الفجر (وعشيا) العصر (وحين تظهرون) الظهر.
لقوله تعالى (يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة عن الحسن قوله (يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي) المؤمن من الكافر، والكافر من المؤمن.
قال ابن كثير: وقوله (ويحي الأرض بعد موتها) ، كقوله: (وآية لهم الأرض الميتة أحييناها وأخرجنا منها حبا فمنه يأكلون وجعلنا فيها جنات من نخيل وأعناب وفجرنا فيها من العيون) .
وانظر سورة آل عمران آية (27) .
قوله تعالى (وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ)
انظر حديث أبي موسى عند الآية (30) من سورة البقرة.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ومن آياته أن خلقكم من تراب) خلق آدم عليه السلام من تراب (ثم إذا أنتم بشر تنتشرون) يعني: ذريته.
قوله تعالى (وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا)
قال البخاري: حدثنا إسحاق بن نصر، حدثنا حسين الجعفى، عن زائدة، عن ميسرة، عن أبي حازم، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذي جاره، واستوصوا بالنساء خيراً فإنهن خلقن(4/81)
وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21) وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ (22) وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (23) وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (24) وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ (25)
من ضلع وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء خيراً".
(صحيح البخاري 9/160-161 - ك النكاح، ب الوصاة بالنساء ح5185-5186) .
قال ابن كثير: وقوله (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا) ، أي: خلق لكم من جنسكم إناثا يكن لكم أزواجا، (لتسكنوا إليها) ، كما قال تعالى (هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها)
يعني بذلك حواء، خلقها الله من آدم من ضلعه الأقصر الأيسر.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا) خلقها لكم من ضلع من أضلاعه.
قوله تعالى (وَمِنْ آَيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ... )
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة في قوله (ومن آياته يريكم البرق خوفا وطمعا) قال: خوفا للمسافر، وطمعا للمقيم.
قوله تعالى (وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره) قامتا بغير عبد (ثم إذا دعاكم دعوة من الأرض إذا أنتم تخرجون)
قال: دعاهم فخرجوا من الأرض.
قال ابن كثير: (ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره) كقوله: (ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه) وقوله: (أن الله يمسك السماء والأرض أن تزولا) وكان عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - إذ اجتهد في اليمين يقول: "لا، والذي تقوم السماء من الأرض بأمره". أي: هي قائمة ثابتة بأمره لها وتسخيره إياها، ثم إذا كان يوم القيامة بدلت الأرض غير الأرض(4/82)
وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ (25) وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ (26) وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (27)
والسماوات، وخرجت الأموات من القبور أحياء بأمره تعالى ودعائه إياهم، ولهذا قال (ثم إذا دعاكم دعوة من الأرض إذا أنتم تخرجون) كما قال تعالى (يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده وتظنون إن لبثتم إلا قليلا) وقال تعالى (فإنما هي زجرة واحدة فإذا هم بالساهرة) وقال (إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم جميع لدينا محضرون) .
قوله تعالى ( ... كل له قانتون)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (كل له قانتون) أي مطيع مقر بأن الله ربه وخالقه.
قوله تعالى (وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)
قال البخاري: حدثنا أبو اليمان، حدثنا شعيب، حدثنا أبو الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "قال الله تعالى: كذّبني ابن آدم ولم يكن له ذلك، وشتمني ولم يكن له ذلك. فأما تكذيبه إياي فقوله: لن يُعيدني كما بدأني، وليس أول الخلق بأهون عليّ من إعادته، وأما شتمه إياي فقوله: اتّخذ الله ولداً وأنا الأحد الصمد، لم ألد ولم أُولد، ولم يكن لي كفواً أحد".
(الصحيح 8/611 ح4974 - ك التفسير - سورة قل هو الله أحد) .
وانظر آية (11) من السورة نفسها، وسورة الأنبياء آية (104) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (وهو أهون عليه) قال: يقول: أيسر عليه.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (وهو أهون عليه) يقول: إعادته أهون عليه من بدئه، وكل على الله هين. وفي بعض القراءة وكل على الله هين.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن ابن عباس قوله (وله المثل الأعلى في السماوات) يقول: ليس كمثله شيء.(4/83)
ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (28) بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (29) فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (30)
قوله تعالى (ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ ... )
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (ضرب لكم مثلاً من أنفسكم هل لكم من ما ملكت أيمانكم من شركاء في ما رزقناكم فأنتم فيه سواء) قال: مثل ضربه الله لمن عدل به شيئا من خلقه، يقول: أكان أحدكم مشاركا مملوكه في فراشه وزوجته، فكذلكم الله لا يرضى أن يعدل به أحد من خلقه.
قوله تعالى (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ)
قال البخاري: حدثنا عبدان، أخبرنا عبد الله، أخبرنا يونس، عن الزهري قال، أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن أن أبا هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ما من مولود إلا يُولد على الفطرة، فأبواه يهوّدانه أو ينصرانه أو يمجسانه، كما تُنتج البهيمة بهيمة جمعاء، هل تحسون فيها من جدعاء؟ ثم يقول (فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم) .
(صحيح البخاري 8/372 ح4775 - ك التفسير - سورة الروم، ب (لا بديل لحلق الله)) ، (صحيح مسلم، 4/2047 - ك القدر، ب معنى كل مولود يولد على الفطرة ... ) ، وأخرجه ابن حبان في صحيحه (الإحسان 1/341 ح132) ، والحاكم في (المستدرك 2/123) ، والضياء المقدسي في (المختارة 4/247-249 ح1444-1446) من حديث الأسود بن سريع - رضي الله عنه -، وفيه النهي عن قتل الذرية في الحرب، وقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أوَليس خياركم أولاد المشركين ... " وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.
وانظر حديث عياض بن حمار المتقدم عند الآية (168) من سورة البقرة.
أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد (فطرة الله) قال: الدين الإسلام.
أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد (لا تبديل لخلق الله) ، قال: لدينه.
قال ابن كثير: وقوله تعالى (ذلك الدين القيم) أي: التمسك بالشريعة والفطرة السليمة هو الدين القويم المستقيم (ولكن أكثر الناس لا يعلمون) أي:(4/84)
فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (30) مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (32) وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (33) لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (34) أَمْ أَنْزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِمَا كَانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ (35) وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ (36) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (37) فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (38) وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ (39)
فلهذا لا يعرفه أكثر الناس، فهم عنه ناكبون، كما قال تعالى: (وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله) الآية.
وقوله تعالى (من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا) وهم اليهود والنصارى.
قوله تعالى (أم أنزلنا عليهم سلطانا فهو يتكلم بما كانوا به يشركون)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (أم أنزلنا عليهم سلطانا فهو يتكلم بما كانوا به يشركون) يقول: أم أنزلنا عليهم كتابا فهو ينطق بشركهم.
قوله تعالى (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)
انظر سورة الرعد آية (26) وسورة الإسراء آية (30) .
قوله تعالى (فَآَتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)
خرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله تعالى: (فآت ذا القربى حقه) قال: إذا كان لك ذو قرابة مسلم تصله بمالك ولم تمش إليه برجلك فقد قطعته.
وانظر سورة الإسراء آية (26) .
وانظر سورة البقرة آية (177) لبيان ذي القربى والمسكين وابن السبيل.
قوله تعالى (وَمَا آَتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ ... )
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (وما أتيتم من ربا ليربوا في أموال الناس) قال: يعطي ماله يبتغي أفضل منه.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (وما أتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون) قال: هذا الذي يقبله الله ويضعفه لهم عشر أمثالا، وأكثر من ذلك.(4/85)
اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (40) ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (41) قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ (42) فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ (43)
قوله تعالى (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (الله الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يحييكم ثم يميتكم ثم يحييكم) للبعث بعد الموت.
وانظر سورة البقرة آية (28) وغافر آية (11) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شيء) لا والله (سبحانه وتعالى عما يشركون) يسبح نفسه إذ قيل عليه البهتان.
قوله تعالى (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس) قال: هذا قبل أن يبعث الله نبيه محمداً امتلأت ضلالة وظلما فلما بعث الله نبيه رجع راجعون من الناس.
قوله تعالى (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ)
انظر سورة آل عمران آية (137) .
قوله تعالى (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (فأقم وجهك للذين القيم) الإسلام (من قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله يومئذ يصّدعون) فريق في الجنة وفريق في السعير.(4/86)
فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ (43) مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ (44) لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ (45) وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (46) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَانْتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ (47) اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (48)
قوله تعالى (يومئذ يصّدعون)
قال الشيخ الشنقيطي: أي يتفرقون فريقين: أحدهما في الجنة، والثاني: في النار. وقد دلت على هذا آيات من كتاب الله كقوله تعالى في هذه السورة الكريمة (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ (14) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ (15) وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنَا وَلِقَاءِ الْآخِرَةِ فَأُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ (16)) وقوله تعالى (وتنذر يوم الجمع لا ريب فيه فريق في الجنة وفريق في السعير) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (يومئذ يصدعون) يقول: يتفرقون.
قوله تعالى (فلأنفسهم يمهدون)
أخرج آدم ابن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد (فلأنفسهم يمهدون) قال: يسوون المضاجع.
قوله تعالى (وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ ... ) أخرج آدم ابن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد (الرياح مبشرات) ، قال: بالمطر.
قوله تعالى (وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) انظر سورة البقرة آية (164) وسورة المؤمنون آية (22) .
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (وليذيقكم من رحمته) قال: المطر
قوله تعالى (اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فيبسطه في السماء كيف يشاء) ويجمعه، قوله (ويجعله كسفا) يقول: ويجعل السحاب قطعا متفرقة، وقوله (فَتَرَى الْوَدْقَ) يعني: المطر (يخرج من خلاله) يعني: من بين السحاب.(4/87)
وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ (49) فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (50) وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحًا فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ (51) فَإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (52) وَمَا أَنْتَ بِهَادِ الْعُمْيِ عَنْ ضَلَالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ (53) اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ (54)
قوله تعالى (وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وإن كانوا من قبل أن ينزل عليهم من قبله لمبلسين) ، أي: قانطين.
قوله تعالى (فَانْظُرْ إِلَى آَثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)
انظر سورة الأعراف آية (57) .
قوله تعالى (فَإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ) قال البخاري: حدثنا عثمان، حدثنا عبدة، عن هشام، عن أبيه، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: وقف النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على قليب بدر فقال: "هل وجدتم ما وعد ربكم حقاً؟ " ثم قال: "إنهم الآن يسمعون ما أقول". فذكر لعائشة فقالت: إنما قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إنهم الآن ليعلمون أن الذي كنتُ أقول لهم هو الحق". ثم قرأت: (إنك لا تسمع الموتى) حتى قرأت الآية".
(الصحيح/351 ح3980، 3981 - ك المغازي، ب قتل أبي جهل) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (فإنك لا تسمع الموتى) هذا مثل ضربه الله للكافر، فكما لا يسمع الميت الدعاء، كذلك لا يسمع الكافر (ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين) يقول: لو أن أصم ولى مدبراً ثم ناديته لم يسمع، كذلك الكافر لا يسمع ولا ينتفع بما يسمع.
قوله تعالى (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً)
قال الشيخ الشنقيطي: قد بين تعالى الضعف الأول الذي خلقهم منه في آيات من كتابه، وبين الضعف الأخير في آيات أخر قال في الأول (ألم نخلقكم من ماء مهين) وقال (خلق الإنسان من نطفة فإذا هو خصيم مبين) وقال تعالى (أولم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة) الآية. وقال (فلينظر الإنسان مم خلق(4/88)
اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ (54) وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ (55) وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (56)
خلق من ماء دافق) وقال (كلا إنا خلقناهم مما يعلمون) إلى غير ذلك من الآيات. وقال في الضعف الثاني (ومنكم من يرد إلى أرذل العمر) وقال: (ومن نعمره ننكسه في الخلق أفلا يعقلون) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (الذي خلقكم من ضعف) أي من نطفة (ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا) الهرم (وشيبة) الشمط.
ومعنى الشمط: الذي خالط شعره السواد والبياض.
قوله تعالى (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة كذلك كانوا يؤفكون) أي يكذبون في الدنيا، وإنما يعني بقوله (يؤفكون) عن الصدق، ويصدون عنه إلى الكذب.
قوله تعالى (وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)
قال الشيخ الشنقيطي: ذكر جلا وعلا في هذه الآية الكريمة أن الكفار إذا بعثوا يوم القيامة، وأقسموا أنهم ما لبثوا غير ساعة يقول لهم الذين أوتوا العلم والإيمان، ويدخل فيهم الملائكة، والرسل، والأنبياء، والصالحون: والله لقد لبثتم في كتاب الله إلى يوم البعث، فهذا يوم البعث ولكنكم كنتم لا تعلمون. وهذا المعنى الذي دلت عليه هذه الآية الكريمة جاء موضحا في سورة يس على أصح التفسيرين، وذلك في قوله تعالى (قالوا يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (وقال الذين أوتوا العلم والإيمان لقد لبثتم في كتاب الله إلى يوم البعث) قال: هذا من مقاديم الكلام.
وتأويلها: وقال الذين أوتوا الإيمان والعلم: لقد لبثتم في كتاب الله.(4/89)
وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُبْطِلُونَ (58) كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (59)
قوله تعالى (وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآَنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآَيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُبْطِلُونَ)
قال ابن كثير: يقول تعالى (ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل) أي: قد بينا لهم الحق، ووضحناه لهم، وضربنا لهم فيه الأمثال ليتبينوا الحق ويتبعوه (ولئن جئتهم بآية ليقولن الذين كفروا إن أنتم إلا مبطلون) ، أي: لو رأوا أي آية كانت سواء كانت، باقتراحهم أو غيره، لا يؤمنون بها، ويعتقدون أنها سحر وباطل، كما قالوا في انشقاق القمر ونحوه، كما قال تعالى: (إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم) .
قوله تعالى (كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ)
انظر سورة البقرة آية (7) لبيان الطبع على قلوبهم.(4/90)
الم (1) تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ (2) هُدًى وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ (3) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4) أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (6)
سورة لقمان
قوله تعالى (الم (1))
انظر سورة البقرة آية (1) .
قوله تعالى (تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ)
انظر سورة آل عمران آية (58) .
قوله تعالى (هُدًى وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ)
انظر سورة الإسراء آية (9) ، وانظر سورة النمل آية (2) .
قوله تعالى (الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4) أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)
انظر سورة البقرة الآيات (3-5) .
قوله تعالى (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ)
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة قوله (ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل به عن سبيل الله بغير علم) والله لعله أن لا ينفق فيه ماله، ولكن اشتراؤه استحبابه، بحسب المرء من الضلالة أن يختار حديث الباطل على حديث الحق، وما يضر على ما ينفع.
أخرج الطبري بأسانيد بقوي بعضها بعضاً، عن جابر وغيره، في قوله:
(ومن الناس من يشتري لهو الحديث) قال: هو الغناء والاستماع له.
وذكره ابن كثير عن ابن مسعود وابن عباس وعكرمة وسعيد بن جبير ومجاهد ومكحول.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله (ومن الناس من يشتري لهو الحديث) قال: اشتراء المغني والمغنية بالمال الكثير، أو استماع إليهم، وإلى مثله من الباطل.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله (ويتخذها هزوا) ، قال: سبيل الله. ا. هـ. أي ذكر سبيل الله كما ذكر الطبري.(4/91)
وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (7) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ (8) خَالِدِينَ فِيهَا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (9) خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (10)
قوله تعالى (وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آَيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ)
قال الشيخ الشنقيطي: ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أن الكافر إذا تُتلى عليه آيات الله، وهي هذا القرآن العظيم، ولى مستكبرا: أي متكبرا عن قبولها، كأنه لم يسمعها كأن في أذنيه وقرا أي صمما وثقلا مانعا له من سماعها، ثم أمر نبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يبشره بالعذاب الأليم. وقد أوضح جل وعلا هذا المعنى في آيات كثيرة كقوله تعالى (وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (7) يَسْمَعُ آَيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (8) وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آَيَاتِنَا شَيْئًا اتَّخَذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (9) مِنْ وَرَائِهِمْ جَهَنَّمُ وَلَا يُغْنِي عَنْهُمْ مَا كَسَبُوا شَيْئًا وَلَا مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (10)) وقد قال تعالى هنا (كأن في أذنيه وقرا) على سبيل التشبيه وصرح في غير هذا الموضع أنه جعل في أذنيه الوقر بالفعل في قوله (إنا جعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا) .
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله (في أذنيه وقرا) ، يقول: ثقلا.
قوله تعالى (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (خلق السماوات بغير عمد ترونها) قال: قال الحسن وقتادة: إنها بغير عمد ترونها، ليس لها عمد.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وألقى في الأرض رواسي) : أي جبالا (تميد بكم) أثبتها بالجبال.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (من كل زوج كريم) أي حسن.(4/92)
هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (11) وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (12) وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (13) وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14)
قوله تعالى (هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (هذا خلق الله) ما ذكر من خلق السماوات والأرض، وما بث من الدواب، وما أنبت من كل زوج كريم، فأروني ماذا خلق الذين من دونه الأصنام الذين تدعون من دونه.
قوله تعالى (وَلَقَدْ آَتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ)
أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (ولقد آتينا لقمان الحكمة) قال: الفقه والعقل والإصابة في القول من غير نبوة.
قوله تعالى (أن اشكر لله ومن يشكر فإنما يشكر لنفسه)
قال تعالى (وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم) سورة إبراهيم: 7.
قوله تعالى (وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ)
قال البخاري: حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا جرير، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله - رضي الله عنه - قال: لما نزلت هذه الآية (الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم) شق ذلك على أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقالوا: أينا لم يلبس إيمانه بظلم؟ قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إنه ليس بذاك، ألا تسمع إلى قول لقمان لابنه (إن الشرك لظلم عظيم) ".
(صحيح البخاري 8/372 - ك التفسير - سورة لقمان، ب (لا تشرك بالله ... ) ح4776) .
قوله تعالى (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ ... )
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة قوله: (حملته أمه وهنا على وهن) أي: جهداً على جهد.(4/93)
وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14) وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (15) يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (16)
قال أبو داود: حدثنا مسلم بن إبراهيم، ثنا الربيع بن مسلم، عن محمد بن زياد عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لا يشكر الله من لا يشكر الناس".
(السنن 4/255 ح4811 - ك الأدب، ب في شكر المعروف) ، وأخرجه الترمذي (السنن 4/339 ح1954) - ك البر والصلة، ب ما جاء في الشكر) من طريق عبد الله بن المبارك، وأحمد (المسند 2/295) من طلق يزيد، وابن حبان في صحيحه (الإحسان 8/198-199 ح3407) من طريق عبد الرحمن بن بكر كلهم عن الربيع بن مسلم به. قال الترمذي: حديث حسن صحيح وحسنه الهيثمي (مجمع الزوائد 8/181) ، وقال الألباني: صحيح (صحيح سنن الترمذي ح1592 - السلسلة الصحيحة ح417) . وقال محقق الإحسان: إسناده صحيح على شرط مسلم.، له شاهد من حدث أبي سعيد، أخرجه الترمذي في (الباب السابق ح1955) وقال: حديث حسن صحيح.
وصححه الألباني (صحيح سنن الترمذي ح1593) .
قوله تعالى (وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)
انظر حديث سعيد بن أبي وقاص عند مسلم المتقدم في سورة المائدة آية (90) وفيه قصة امتناع أمه عن الطعام والشراب حتى يكفر.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (واتبع سبيل من أناب إلي) أي: من أقبل إليّ.
قوله تعالى (يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (يا بني إنها إن تك مثقال حبة من خردل) من خير أو شر.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة في قوله (فتكن في صخرة) أي في جبل.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (إن الله لطيف خبير) أي: لطيف باستخراجها خبير بمستقرها.(4/94)
يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (17) وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (18)
قوله تعالى (يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ)
انظر سورة آل عمران آية (110) .
قوله تعالى (وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ)
قال مسلم: حدثنا مِنجاب بن الحارث التميمي وسُويد بن سعيد، كلاهما عن علي بن مسهر، قال منجاب: أخبرنا ابن مسهر، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا يدخل النار أحد في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان. ولا يدخل الجنة أحد في قلبه مثقال حبة خردل من كبرياء".
(صحيح مسلم 1/93 - ك الإيمان، ب تحريم الكبر وبيانه) .
وانظر حديث ابن عمر المتقدم في الآية (32) من سورة الأعراف.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (ولا تصعر خدك للناس) يقول: ولا تتكبر فتحقر عباد الله، وتعرض عنهم بوجهك إذا كلموك.
قال الحاكم: أخبرني أحمد بن محمد العنزي، ثنا عثمان بن سعيد الدارمي، ثنا مسلم بن إبراهيم، ثنا الأسود بن شيبان السدوسي، عن يزيد بن عبد الله بن الشخير أبي العلاء، عن مطرف بن عبد الله قال: كان يبلغني عن أبي ذر حديث فكنت أشتهي لقاءه فلقيته فقلت يا أبا ذر كان يبلغني عنك حديث فكنت أشتهي لقاءك قال: لله أبوك فقد لقيتني، قال: قلت حدثني بلغني أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حدثك قال: "إن الله يحب ثلاثة ويبغض ثلاثة". قال فلا إخالني أكذب على خليلي قال: قلت من هؤلاء الذين يحبهم الله قال: رجل غزا في سبيل الله صابراً محتسباً مجاهد فلقي العدو فقاتل حتى قتل وأنتم تجدونه عندكم في كتاب الله المنزل ثم قرأ هذه الآية (إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً كأنهم بنيان مرصوص) قلت: ومن؟ قال: رجل له جار سوء يؤذيه فيصبر على إيذائه حتى يكفيه الله إياه إما بحياة أو موت، قلت: ومن؟ قال: رجل يسافر مع قوم(4/95)
وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (18) وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ (19) أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ (20)
فأدلجوا حتى إذا كانوا من أخر الليل وقع عليهم الكرى والنعاس فضربوا رؤوسهم ثم قام فتطهر رهبة لله ورغبة لما عنده قلت: فمن الثلاثة الذين يبغضهم الله؟ قال: المختال الفخور وأنتم تجدونه في كتاب الله المنزل (إن الله لا يحب كل مختال فخور) قلت: ومن؟ قال: البخيل المنان، قلت: ومن؟ قال: التاجر الحلاف أو البائع الحلاف.
(المستدرك 2/88-89- ك الجهاد) وقال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.
والحديث السابق شاهد لبعضه ولبعضه أيضاً شواهد في الصحيحين.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ) قال: نهاه عن التكبر قوله (إن الله لا يحب كل مختال فخور) متكبر ذي فخر.
قوله تعالى (وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (واقصد في مشيك) قال: نهاه عن الخيلاء.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (واغضض من صوتك) يقول: واخفض من صوتك فاجعله قصدا إذا تكلمت.
أخرج البستي بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله (إن أنكر الأصوات لصوت الحمير) قال: أنكر: أقبح.
قوله تعالى (أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ)
انظر سورة إبراهيم آية (32 و33) لبيان بعض المسخرات.
أخرج الطبري بأسانيد يقوي بعض بعضاً عن مجاهد (وأسبغ عليكم نعمته ظاهرة وباطنة) قال: لا إله إلا الله.(4/96)
أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ (20) وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ (21) وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ (22) وَمَنْ كَفَرَ فَلَا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (23) نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلًا ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَى عَذَابٍ غَلِيظٍ (24) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (25) لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (26) وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (27)
قوله تعالى (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ (20) وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ)
انظر سورة الحج آية (3) . وقول الشيخ الشنقيطي لبيان الجدل بغير علم.
قوله تعالى (وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ)
انظر سورة البقرة آية (112) لبيان ومن يسلم وجهه إلى الله، أي: يخلص لله تعالى. وانظر سورة البقرة آية (256) لبيان العروة الوثقى: الإسلام والإيمان.
قوله تعالى (نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلًا ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَى عَذَابٍ غَلِيظٍ)
قال ابن كثير: ثم قال: (نمتعهم قليلا) أي: في الدنيا (ثم نضطرهم) أي: نلجئهم (إلى عذاب غليظ) أي: فظيع صعب مشق على النفوس، كما قال تعالى: (إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون متاع في الدنيا ثم إلينا مرجعهم ثم نذيقهم العذاب الشديد بما كانوا يكفرون) .
قوله تعالى (وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ)
قال ابن كثير: وإنما ذكرت السبعة على وجهة المبالغة، ولم يرد الحصر ولا (أن) ثم سبعة أبحر موجودة تحيط بالعالم، كما يقوله من تلقاه من كلام الإسرائيليين التي لا تصدق ولا تكذب، بل كما قال تعالى في الآية الأخرى: (قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفذ البحر قبل أن تنفذ كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا) ، فليس المراد بقوله: (بمثله) أخر فقط، بل بمثله ثم بمثله ثم بمثله، ثم هلم جرا، لأنه لا حصر لآيات الله وكلماته.
وانظر سورة الكهف آية (109) .(4/97)
مَا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (28) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (29) ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (30) أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آيَاتِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (31) وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ (32)
قوله تعالى (مَا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (كنفس واحدة) يقول: كن فيكون للقليل والكثير.
قال ابن كثير: وقوله تعالى (ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة) أي: ما خلق جميع الناس وبعثهم يوم المعاد بالنسبة إلى قدرته إلا كنسبة خلق نفس واحدة، الجميع هين عليه و (إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون) ، (وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر) أي: لا يأمر بالشيء إلا مرة واحدة، فيكون ذلك الشيء لا يحتاج إلى تكراره وتوكده: (فإنما هي زجرة واحدة فإذا هم بالساهرة) .
قوله تعالى (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (ألم تر أن الله يولج الليل في النهار) نقصان الليل في زيادة النهار (ويولج النهار في الليل) نقصان النهار في زيادة الليل.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (وسخر الشمس والقمر كل يجرى إلى أجل مسمى) يقول: لذلك كله وقت، وحدّ معلوم، لا يجاوزه ولا يعدوه.
قوله تعالى (وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآَيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ)
قال ابن كثير: (وإذا غشيهم موج كالظلل) أي: كالجبال والغمام (دعوا الله مخلصين له الدين) ، كما قال تعالى: (وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه) ، وقال (فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين) .
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (فمنهم مقتصد) قال: المقتصد في القول وهو كافر.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله (كل ختار) قال: غدار.(4/98)
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (33) إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (34)
قوله تعالى (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ)
انظر سورة البقرة آية (48) .
قوله تعالى ( ... فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ)
قال ابن كثير: (فلا تغرنكم الحياة الدنيا) ، أي: لا تلهينكم بالطمأنينة فيها عن الدار الآخرة (ولا يغرنكم بالله الغرور) يعني: الشيطان: قاله ابن عباس، ومجاهد، والضحاك وقتادة. فإنه يغر ابن آدم ويعده ويمنه، وليس من ذلك شيء بل كما قال تعالى (يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا) .
وانظر سورة النساء آية (120) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (ولا يغرنكم بالله الغرور) ذاكم الشيطان.
قوله تعالى (إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)
قال الشيخ الشنقيطى: قد قدمنا في سورة الأنعام أن هذه الخمسة المذكورة في خاتمة سورة لقمان: أنها هي مفاتح الغيب الذكورة في قوله تعالى (وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو) .
قال البخاري: حدثني إسحاق، عن جرير، عن أبي حيان، عن أبي زرعة، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يوماً بارزاً للناس، إذ أتاه رجل يمشي فقال: يا رسول الله، ما الإيمان؟ قال: الإيمان أن تؤمن بالله، وملائكته، ورُسله، ولقائه، وتؤمن بالبعث الآخر. قال: ما الإسلام؟ قال: الإسلام أن تعبد الله ولا تشرك به شيئا، وتقيم الصلاة، وتؤتى الزكاة المفروضة، وتصوم رمضان، قال: يا رسول الله، ما الإحسان؟ قال: الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن(4/99)
إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (34)
لم تكن تراه فإنه يراك. قال: يا رسول الله، متى الساعة؟ قال: ما المسئول عنها بأعلم من السائل، ولكن سأحدثك عن أشراطها: إذا ولدت المرأة ربتها فذاك من أشراطها، وإذا كان الحفاة العُراة رُءوس الناس فذاك من أشراطها، في خمس لا يعلمهن إلا الله (إن الله عنده علم الساعة ويُنزل الغَيث ويعلم ما في الأرحام) .
ثم انصرف الرجلُ، فقال: رُدوا عَلَيّ. فأخذوا ليُردوا فلم يروا شيئا، فقال: هذا جبريل جاء ليعلمَ الناس دينهم.
(صحيح البخاري 8/373- ك التفسير - سورة لقمان، ب (الآية) ح4777) ، (صحيح مسلم 1/39-40 ح9، 10 - ك الإيمان، ب بيان الإيمان والإسلام والإحسان) .
قال البخاري: حدثنا خالد بن مخلد، حدثنا سليمان بن بلال، حدثني عبد الله
ابن دينار عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "مفاتيح الغيب خمس لا يعلمها إلا الله: لا يعلم ما تغيض الأرحام إلا الله، ولا يعلم ما في غد إلا الله، ولا يعلم متى يأتي المطر أحد إلا الله، ولا تدري نفسٌ بأي أرض تموت إلا الله، ولا يعلم متى تقوم الساعة إلا الله".
(صحيح البخاري 13/374 - ك التوحيد، ب قول الله تعالى (عالم الغيب ... ) ح7379) .
قوله تعالى (وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ)
قال ابن ماجة: حدثنا أحمد بن ثابت الجحدري وعمر بن شبّة بن عبيدة قالا: ثنا عمر بن علي، أخبرني إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم، عن عبد الله بن مسعود، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إذا كان أجل أحدكم بأرض، أوْثَبَتْهُ إليها الحاجة، فإذا بلغ أقصى أثره، قبضه الله سبحانه. فتقول الأرض، يوم القيامة: ربّ! هذا ما استودعتني".
(السنن 2/1424 - الزهد، ب ذكر الموت والاستعداد له ح4263) ، قال البوصيري: هذا إسناد صحيح رجاله ثقات، رواه الحاكم في (المستدرك 1/41-42) من طريق عمر بن علي المقدمي ومحمد ابن خالد الوهبي وهشيم عن إسماعيل بن أبي خالد به. وقال: أسند هذا الحديث ثلاثة من الثقات. (مصباح الزجاجة 2/549) . وقال الألباني: صحيح (صحيح ابن ماجة 2/420) . ذكره ابن كثير (6/359) .(4/100)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (إن الله عنده علم الساعة) الآية، أشياء من الغيب استأثر الله بهن، فلم يطلع عليهن ملكا مقربا، ولا نبيا مرسلا (إن الله عنده علم الساعة) فلا يدري أحد من الناس متى تقوم الساعة، في أي سنة أو في أي شهر، أو ليل أو نهار (وينزل الغيث) فلا يعدم أحد متى ينزل الغيث، ليلا أو نهاراً ينزل؟ (ويعلم ما في الأرحام) فلا يعلم أحد ما في الأرحام، أذكر أم أنثى، أحمر أم أسود، أو ما هو؟ (وما تدري نفس ماذا تكسب غداً) خير أم شر ولا تدرى يا ابن آدم متى تموت؟ لعلك الميت غداً، لعلك المصاب غداً؟ (وما تدري نفس بأي أرض تموت) ليس أحد من الناس يدري أين مضجعه من الأرض في بحر أو برّ أو سهل أو جبل، تعالى وتبارك.(4/101)
الم (1) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (3) اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ (4) يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (5)
سورة السجدة
قوله تعالى (الم (1) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (الم (1) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ) لا شك فيه.
قوله تعالى (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ)
انظر سورة يونس آية (38) .
قوله تعالى (لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ) قال: كانوا أمة أمية، لم يأتهم نذير قبل محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
قوله تعالى (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ)
انظر سورة فصلت من آية (9-12) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم) من أيامكم (كان مقداره ألف سنة مما تعدون) يقول: مقدار مسيرة ألف سنة ما تعدون من أيامكم من أيام الدنيا خمس مئة سنة نزوله، وخمس مئة صعوده فذلك ألف سنة.
قوله تعالى (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: (ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة) قال: هذا في الدنيا تعرج الملائكة إليه في يوم كان مقداره ألف سنة.(4/102)
ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (6) الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ (7) ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ (8) ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ (9) وَقَالُوا أَإِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ هُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ (10) قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (11)
قوله تعالى (ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ)
انظر سورة الرعد آية (8) وتفسيرها.
قوله تعالى (الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ) أخرج آدم ابن إياس بسنده الصحيح عن مجاهد (أحسن كل شيء خلقه) قال: أتقن كل شيء خلقه.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (الذي أحسن كل شي خلقه) حسن على نحو ما خلق.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وبدأ خلق الإنسان من طين) وهو خلق آدم ثم جعل نسله: أي ذريته من سلالة من ماء مهين والسلالة هي الماء المهين الضعيف.
قوله تعالى (ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ (8) ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ)
انظر سورة المؤمنون آية (13-14) .
قوله تعالى (وَقَالُوا أَئِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ هُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ)
أخرج آدم ابن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد (أإذا ضللنا في الأرض) هلكنا في الأرض.
قوله تعالى (قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ) قال الشيخ الشنقيطي: ظاهر هذه الآية الكريمة أن الذي يقبض أرواح الناس ملك واحد معين، وقد بين تعالى في آيات أخر أن الناس تتوفاهم ملائكة لا ملك واحد كقوله تعالى (إن الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم) الآية، وقوله تعالى (فكيف إذا توفتهم الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم) قال: ملك الموت يتوفاكم ومعه أعوان من الملائكة.(4/103)
قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (11) وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ (12) وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (13)
قال ابن كثير: قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا يحيى بن أبي يحيى المقري، حدثنا عمر بن سمرة عن جعفر بن محمد قال: سمعت أبي يقول: نظر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى ملك الموت عند رأس رجل من الأنصار، فقال له النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "يا ملك الموت، ارفق بصاحبي فإنه مؤمن". فقال ملك الموت: يا محمد، طب نفسا وقر عينا فإني بكل مؤمن رفيق، واعلم أن ما في الأرض بيت مدر ولا شعر، في بر ولا بحر، إلا وأنا أتصفحه في كل يوم خمس مرات حتى إني أعرف بصغيرهم وكبيرهم منهم بأنفسهم، والله يا محمد لو أني أردت أن أقبض روح بعوضة ما قدرت على ذلك حتى يكون الله هو الآمر بقبضها. قال جعفر: بلغني أنه إنما يتصفحهم عند مواقيت الصلاة، فإذا حضرهم عند الموت فإن كان ممن يحافظ على الصلاة دنا منه الملك، ودفع عنه الشيطان، ولقنه الملك "لا إله إلا الله، محمد رسول الله" في تلك الحال العظيمة.
قوله تعالى (وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ)
لقد بيّن الله عز وجل أنهم لو أرجعهم الله تعالى إلى ما طلبوا لكذبوا كما في قوله تعالى (وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (27) بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ) سورة الأنعام: 27-28.
قوله تعالى (وَلَوْ شِئْنَا لَآَتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها) قال: لو شاء الله لهدى الناس جميعا، لو شاء الله لأنزل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين (ولكن حق القول مني) حق القول عليهم.(4/104)
فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (14) إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (15) تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (16)
قوله تعالى (فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: (إنا نسيناكم) يقول تركناكم.
وانظر سورة الجاثية آية (34) وتفسيرها.
قوله تعالى (إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآَيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ)
انظر سورة الفرقان آية (73) .
قوله تعالى (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ)
قال الترمذي: حدثنا عبد الله بن أبي زياد، حدثنا عبد العزيز بن عبد الله الأويسي عن سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد عن أنس بن مالك أن هذه الآية (تتجافى جنوبهم عن المضاجع) نزلت في انتظار هذه الصلاة التي تُدعى العَتمة.
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه. (السنن 5/346 ح3196 - ك التفسير، ب سورة السجدة) ، وصححه الألباني في (صحيح سنن الترمذي) .
أخرج الطبري بأسانيد يقوي بعضها بعضاً عن قتادة قال أنس في قوله (كانوا قليلا من الليل ما يهجعون) قال: كانوا يتنفلون فيما بين المغرب والعشاء.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله: (تتجافى جنوبهم عن المضاجع) يقومون يصلون من الليل.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون) قال: خوفا من عذاب الله، وطمعا في رحمة الله، ومما رزقناهم ينفقون في طاعة الله، وفي سبيله.(4/105)
فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (17)
قوله تعالى (فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)
قال البخاري: حدثنا علي بن عبد الله، حدثنا سفيان عن أبي الزناد، عن الأعرج عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "قال الله تبارك وتعالى: أعدَدتُ لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر". قال أبو هريرة: اقرءوا إن شئتم (فلا تعلم نفس ما أُخفي لهم من قرة أعيُن) . وحدثنا علي حدثنا سفيان، حدثنا أبو الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة قال: قال الله.. -مثله- قيل لسفيان رواية؟ قال: فأي شيء؟
وقال أبو معاوية عن الأعمش عن أبي صالح قرأ أبو هريرة: "قرّات أعين".
(صحيح البخاري 8/375 - ك التفسير - سورة السجدة، ب (الآية) ح4779) ، (وصحيح مسلم 4/2178 ح2824 - ك الجنة وصفة نعيمها وأهلها) .
قال مسلم: حدثنا سعيد بن عمرو الأشعثي، حدثنا سفيان بن عيينة عن مطرف وابن أبجر، عن الشعبي، قال: سمعت المغيرة بن شعبة، رواية إن شاء الله. ح وحدثنا ابن أبي عمر. حدثنا سفيان. حدثنا مطرف بن طريف وعبد الملك بن سعيد. سمعا الشعبي يُخبر عن المغيرة بن شعبة؛ قال: سمعته على المنبر، يرفعه إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: وحدثي بشر بن الحكم. واللفظ له. حدثنا سفيان بن عيينة، حدثنا مطر وابن أبجر. سمعا الشعبي يقول: سمعت المغيرة بن شعبة يُخبر به الناس على المنبر. قال سفيان: رفعه أحدهما (أُراه ابن أبجر) قال: "سأل موسى ربه: ما أدنى أهل الجنة منزلةً؟ قال: هو رجلٌ يجيءُ بعد ما أُدخل أهل الجنة الجنة، فيُقال له: ادْخل الجنة. يقول: أي رب! كيف؟ وقد نزل الناس منازلهم وأخذوا أخذاتهم؟ فيُقال له: أترضى أن يكون لك مثل مُلك مَلِكٍ من ملوك الدنيا؟ فيقول: رضيتُ، ربِّ! فيقول: لك ذلك ومثله ومثله ومثله ومثله. فقال في الخامسة: رضيتُ، ربِّ! فيقول: هذا لك وعشرة أمثاله. ولك ما اشتهتْ نفسك ولذّتْ عينُك. فيقول: رضيتُ، ربِّ! قال: ربِّ! فأعلاهم منزلةً؟ قال: أولئك الذين أردتُ غرستُ كرامتهم بيدي. وختمتُ عليها. فلم تر عين ولم تسمع(4/106)
أذن ولم يخطر على قلب بشر. قال: ومصداقه في كتاب الله عز وجل (فلا تعلم نفس ما أُخفي لهم من قرة أعين) الآية.
(صحيح مسلم 1/176 - ك الإيمان، ب أدنى أهل الجنة ح189) .
قال مسلم: حدثني زهير بن حرب، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، حدثنا حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أبي رافع، عن أبي هريرة، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "من يدخل الجنة ينعم لا ييأس. لا تبلى ثيابه ولا يفني شبابه".
(صحيح مسلم 4/2181 - ك الجنة وصفة نعيمها ... ، ب في دوام نعيم أهل الجنة ... ح2836) .
قوله تعالى (أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ) قال: لا والله ما استووا في الدنيا، ولا عند الموت ولا في الآخرة.
قوله تعالى (أَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلًا بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)
انظر سورة النجم آية (14-15) لبيان أن جنة المأوى عند سدرة المنتهى وهي التي ورد وصفها في بداية سورة الإسراء.
قوله تعالى (وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وأما الذين فسقوا) أشركوا (وقيل لهم ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به تكذبون) والقوم مكذبون كما ترون.
قوله تعالى (وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (ولنذيقنهم من العذاب الأدنى) يقول: مصائب الدنيا وأسقامها وبلاؤها مما يبتلي الله به العباد حتى يتوبوا.
أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد (دون العذاب الأكبر) يوم القيامة في الآخرة.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (لعلهم يرجعون) أي: يتوبون.(4/107)
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ (22) وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَلَا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ (23) وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ (24) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (25) أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ أَفَلَا يَسْمَعُونَ (26)
قوله تعالى (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآَيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ)
انظر سورة الكهف آية (57) .
قوله تعالى (وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَلَا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ)
قال مسلم: حدثنا عبد بن حميد، أخبرنا يونس بن محمد، حدثنا شيبان بن عبد الرحمن عن قتادة عن أبي العالية، حدثنا ابن عم نبيكم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ابن عباس قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مررت ليلة أسري بي على موسى بن عمران عليه السلام رجل آدم طوال جعد كأنه من رجال شنوءة، ورأيت عيسى بن مريم مربوع الخلق إلى الحمرة والبياض سبط الرأس، وأري مالك خازن النار والدجال في آيات أراهن الله إياه (فَلَا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ) قال: كان قتادة يفسرها أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد لقي موسى عليه السلام.
(الصحيح 1/151-152- ك الإيمان، ب الإسراء برسول الله - صلى الله عليه وسلم - ح165) ، (وأخرجه البخاري
6/314- ك بدء الخلق، ب إذا قال أحدكم آمين ح3239) وليس في روايته قال: كان قتادة يفسرها..الخ،
وأخرجه الطبري أيضاً في تفسيره 21/112) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ) قال: جعل الله موسى هدى لبني إسرائيل.
قوله تعالى (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا ... )
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا) قال: رؤساء في الخير.
قوله تعالى (أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ أَفَلَا يَسْمَعُونَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (أولم يهد لهم) يقول: أولم يبين لهم.
قوله تعالى (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) انظر سورة البقرة آية (113) ، وسورة الجاثية آية (17) .(4/108)
أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ أَفَلَا يَسْمَعُونَ (26) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلَا يُبْصِرُونَ (27) وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (28) قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (29) فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ (30)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ) عاد وثمود وأنهم إليهم لا يرجعون.
قوله تعالى (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ ... )
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: (إلى الأرض الجرز) قال: الجرز: التي لا تمطر إلا مطرا لا يغني عنها شيئا إلا ما يأتيها من السيول.
قوله تعالى (وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (28) قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ)
قال الشيخ الشنقيطي: أظهر أقوال أهل العلم عندي هو أن الفتح في هذه الآية الكريمة هو الحكم والقضاء، وقد جاءت آيات تدل على أن الفتح الحكم، كقوله تعالى عن نبيه شعيب (على الله توكلنا ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين) أي احكم بيننا بالحق، وأنت خير الحاكمين.
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله (يوم الفتح) قال: الفتح: القضاء.
أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد (يوم الفتح) يوم القيامة.
قوله تعالى (فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ)
قال الشيخ الشنقيطى: قوله تعالى (وانتظر إنهم منتظرون) جاء معناه موضحاً في آيات أخر كقوله تعالى (أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون قل تربصوا فإني معكم من المتربصين) ومعلوم أن التربص هو الانتظار.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فأعرض عنهم وانتظر إنهم منتظرون) يعني: يوم القيامة.(4/109)
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (1) وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (2) وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا (3) مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ (4)
سورة الأحزاب
قال أبو داود الطيالسي: حدثنا ابن فضالة عن عاصم عن زر قال: قال لي أبي ابن كعب: يا زر كأين تقرأ سورة الأحزاب؟ قال: قلت كذا وكذا آية. قال: إن كنا لنضاهي سورة البقرة، وإن كنا لنقرأ فيها (والشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالاً من الله ورسوله) فرفع فيما رفع.
(المسند (35 ح540) وأخرجه ابن حبان في صحيحه (الإحسان 10/273 ح4428 من طريق حماد بن سلمة) ، والحاكم (المستدرك 4/359 من طريق حماد بن زيد) ، والضياء المقدسي (المختارة 3/370-372 ح1164-1166 من طريق حماد بن زيد ومسعر) ، كلهم عن عاصم نحوه. قال الحاكم: حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وصحح إسناده محقق المختارة. وحسن إسناده ابن كثير (التفسير 6/376) .
قوله تعالى (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا)
انظر سورة الكهف آية (28) وسورة الأنعام آية (116) .
قوله تعالى (وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (واتبع ما يوحى إليك من ربك) أي: هذا القرآن.
قوله تعالى (وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا)
انظر سورة آل عمران آية (173) .
قوله تعالى ( ... وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ)
قال الشيخ الشنقيطى: وقد بين الله جل وعلا في قوله هنا (وما جعل أزواجكم اللائي تظاهرون منهن أمهاتكم) ، أن من قال لامرأته: أنت علي كظهر أمي: لا تكون أماً له بذلك،: ولم يزد هنا على ذلك، ولكنه أوضح هذا(4/110)
مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ (4) ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (5)
في سورة المجادلة، فبين أن أزواجهم اللائي ظاهروا لم منهن لسن أمهاتهم وأن أمهاتهم هن النساء اللائي ولدنهم خاصة دون غيرهن، وأن قولهم: أنت علي كظهر أمي منكر من القول وزور.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (وما جعل أزواجكم اللائي تظاهرون منهن أمهاتكم) : أي ما جعلها أمك، فإذا ظاهر الرجل من امرأته، فإن الله لم يجعلها أمه، ولكن جعل فيها الكفارة.
أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (أدعياءكم أبناءكم) قال: نزلت هذه الآية في زيد بن حارثة. وكان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تبناه.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (وما جعل أدعياءكم أبناءكم) وما جعل دعيك ابنك، يقول: إذا دعى رجل رجلا وليس بابنه (ذلكم قولكم بأفواهكم) .
قوله تعالى (ادْعُوهُمْ لِآَبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آَبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ)
قال البخاري: حدثنا يحيى بن بكير حدثنا الليث عن عُقيل عن ابن شهاب أخبرني عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أن أبا حذيفة -وكان ممن شهد بدراً مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تبنّى سالماً وأنكحه بنت أخيه هنداً بنت الوليد بن عتبة - وهو مولى لامرأة من الأنصار - كما تبنى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زيداً، وكان من تبنى رجلا في الجاهلية دعاه الناس إليه، وورث من ميراثه، حتى أنزل الله تعالى (ادعوهم لآبائهم) فجاءت سهلة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - … فذكر الحديث.
(صحيح البخاري 7/365 ح4000 - ك المغازي) .(4/111)
ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (5)
قال مسلم: حدثني هارون بن سعيد الأيلي، حدثنا ابن وهب، قال: أخبرني عمرو، عن جعفر بن ربيعة، عن عراك بن مالك؛ أنه سمع أبا هريرة يقول: إن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لا ترغبوا عن آبائكم. فمن رغب عن أبيه فهو كفر".
(صحيح مسلم 1/80 ك الإيمان، ب بيان حال إيمان من رغب عن أبيه وهو يعلم ح62) .
وأخرجه البخاري من عمر (الصحيح - الفرائض، ب من ادعى لغير أبيه ح6768) .
قال البخاري: حدثنا معلى بن أسد، حدثنا عبد العزيز بن المختار، حدثنا موسى بن عقبة، قال حدثني سالم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أن زيد ابن حارثة مولى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما كنّا ندعوه إلا زيد بن محمد، حتى نزل القرآن (ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله) .
(صحيح البخاري 8/377 ك التفسير - سورة الأحزاب، ب (الآية) ح4782) ، (صحيح مسلم 4/884 ح2425 ك فضائل الصحابة، ب فضائل زيد بن حارثة) .
قال مسلم: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا عفان، حدثنا أبان بن زيد، ح وحدثني إسحاق بن منصور (واللفظ له) أخبرنا حبان بن هلال، حدثنا أبان، حدثنا يحيى؛ أن زيداً حدثه؛ أن أبا سلام حدثه؛ أن أبا مالك الأشعري حدثه؛ أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن: الفخر في الأحساب، والطعن في الأنساب، والاستسقاء بالنجوم، والنياحة" وقال: "النائحة إذا لم تتب قبل موتها، تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران، ودرع من جرب".
(الصحيح 2/644 ح934 - ك الجنائز، ب التشديد في النياحة) .
قال ابن ماجة: حدثنا محمد بن يحيى، ثنا عبد العزيز بن عبد الله، ثنا سليمان ابن بلال، عن يحيى بن سعيد، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "كفر بامرئ ادّعاء نسب لا يعرفه، أو جحده، وإن دقّ".
(السنن 2/916 ح2744 - ك الفرائض، ب من أنكر ولده) وأخرجه أحمد (المسند 2/215) من طريق، المثني بن الصباح عن عمرو بن شعيب به. قال البوصيري في زوائد ابن ماجه: إسناده صحيح. وقال الألباني: حسن صحيح (صحيح سنن ابن ماجة ح2216) . وحسنه السيوطي (الجامع الصغير بشرح فيض القدير 5/7 ح6262) .(4/112)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله) : أي أعدل عند الله (فإن لم تعلموا آبائهم فإخوانكم في الدين ومواليكم) فإن لم تعلوا من أبوه فإنما هو أخوك ومولاك.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به) يقول: إذا دعوت الرجل لغير أبيه، وأنت ترى أنه كذلك (ولكن ما تعمدت قلوبكم) يقول الله: لا تدعه لغير أبيه متعمدا. أما الخطأ فلا يؤاخذكم الله به (ولكن يؤاخذكم بما تعمدت قلوبكم) .
وانظر سورة البقرة آية (233) لبيان جناح أي: حرج.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (تعمدت قلوبكم) قل: فالعمد ما أتى بعد البيان والنهي في هذا وغيره.
وانظر سورة المائدة آية (89) .
قوله تعالى (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ)
قال البخاري: حدثني إبراهيم بن المنذر، حدثنا محمد بن فُليح، حدثنا أبي عن هلال بن علي، عن عبد الرحمن بن أبي عمرة، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ما مِن مؤمن إلا وأنا أولى الناس به في الدنيا والآخرة. اقرءوا إن شئتم (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ) فأيما مؤمن ترك مالا فليرثه عصبته مَن كانوا، فإن ترك دينا أو ضياعا فليأتني وأنا مولاه".
(صحيح البخاري 8/377 ك التفسير - سورة الأحزاب - ح4781) .
قال مسلم: وحدثني زهير بن حرب، حدثنا أبو صفوان الأموي عن يونس الأيلي، ح وحدثني حرملة بن يحيى (واللفظ له) . قال: أخبرنا عبد الله بن وهب، أخبرني يونس عن ابن شهاب، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة، أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يُؤتى بالرجل الميت، عليه الدين. فيسأل: "هل ترك لدينه من قضاء؟ " فإن حُدِّث أنه ترك وفاءً صلى عليه. وإلا قال: "صلوا(4/113)
النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا (6) وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا (7) لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا أَلِيمًا (8)
على صاحبكم" فلما فتح الله علية الفتوح قال: "أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم.
فمن توفِّي وعليه دين فعليّ قضاؤه. ومن ترك مالا فهو لورثته".
(صحيح مسلم 3/1237 ك الفرائض، ب من ترك مالا فهو لورثته) .
أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ) قال: هو أب لهم.
قوله تعالى ( ... وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ) يعظم بذلك حقهن.
وانظر سورة الأنفال آية (75) لبيان أولوية الأرحام.
قوله تعالى (إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا) قال: إلى أوليائكم من أهل الشرك وصية، ولا ميراث لهم.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا) قال: حلفاؤكم الذين والى بينهم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من المهاجرين والأنصار، إمساك بالمعروف والعقل والنصر بينهم.
قوله تعالى (وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى)
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله (وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم) قال: أخذ الله ميثاقهم أن يصدق بعضهم بعضاً.
أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد، في قول الله (من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح) قال: في ظهر آدم.
قوله تعالى (لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (ليسأل الصادقين عن صدقهم) قال: المبلغين المؤدين من الرسل.(4/114)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا (9) إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (10)
قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا ... )
قال مسلم: حدثنا زهير بن حرب وإسحاق بن إبراهيم، جميعاً عن جرير، قال زهير: حدثنا جرير عن الأعمش، عن إبراهيم التيمي، عن، أبيه، قال: كنا عند حذيفة، فقال رجل: لو أدركت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قاتلت معه وأبليت. فقال حذيفة: أنت كنتَ تفعل ذلك؟ لقد رأيتنا مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليلة الأحزاب، وأخذتنا ريح شديدة وقرٌّ ...
(الصحيح 3/1414-1415 ح1788، ك الجهاد - ب غزوة الأحزاب) .
قال البخاري: حدثنا مسلم قال: حدثنا شعبة عن الحكم عن مجاهد عن ابن عباس أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "نصرت بالصبا، وأُهلكت عاد بالدبور".
(صحيح البخاري 2/604 ح1035 - ك الاستسقاء، ب قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نُصرت بالصبا) .
أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (إذ جاءتكم جنود) قال: الأحزاب: عيينة بن بدر، وأبو سفيان بن حرب، وقريظة.
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله (فأرسلنا عليهم ريحاً وجنوداً لم تروها) قال: هي الملائكة.
قوله تعالى (إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا)
قال البخاري: حدثني عثمان بن أبي شيبة، حدثنا عبدة، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها: (إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ) . قالت: كان ذاك يوم الخندق.
(الصحيح 7/461 - ك المغازي، ب غزوة الخندق ... ) وأخرجه مسلم (الصحيح 4/2316 ح3020- ك التفسير) .
قال أحمد: ثنا أبو عامر، ثنا الزبير بن عبد الله، حدثني ربيح بن عبد الرحمن ابن أبي سعيد الخدري، عن أبيه، عن أبي سعيد قال: قلنا يوم الخندق:(4/115)
إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (10) هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا (11) وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا (12)
يا رسول الله، هل من شيء نقوله، فقد بلغت القلوب الحناجر؟ قال: "نعم، اللهم استر عوراتنا وآمن روعاتنا". قال: فضرب الله عز وجل وجوه أعدائه بالريح، فهزمهم الله عز وجل بالريح.
(المسند 3/3) وأخرجه الطبري (التفسير 21/127) عن ابن المثنى، عن أبي عامر به. وعزاه الهيثمي لأحمد والبزار، وقال: وإسناد البزار متصل ورجاله ثقات، وكذلك رجال أحمد، إلا أن في المسند: عن ربيح بن أبي سعيد عن أبيه، وهو في البزار: عن أبيه عن جده (مجمع الزوائد 10/136) .
وهو في الطبري على الصواب كما في البزار، وأصلحنا إسناد أحمد حتى يوافقهما.
أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد (إذ جاءوكم من فوقكم) قال عيينة بن بدر في أهل نجد: (ومن أسفل منكم) ، قال أبو سفيان: قال: وواجهتهم قريظة.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وإذا زاغت الأبصار) : شخصت.
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله تعالى: (وبلغت القلوب الحناجر) قال: شخصت من مكانها، فلولا أنه ضاق الحلقوم عنها أن تخرج لخرجت.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن الحسن (وتظنون بالله الظنونا) قال: ظنونا مختلفة: ظن المنافقون أن محمداً وأصحابه يستأصلون، وأيقن المؤمنون أن ما وعدهم الله حق، إنه سيظهره على الدين كله ولو كره المشركون.
قوله تعالى (هنالك ابتلي المؤمنون)
أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (هنالك ابتلي المؤمنون) قال: محصوا.
قوله تعالى (وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا)
أخرج آدم بن أبي إياس بمسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) قال: تكلمهم بالنفاق يومئذ وتكلم المؤمنون بالحق والإيمان (ما وعدنا الله ورسوله) .
وانظر سورة البقرة آية (10) لبيان في قلوبهم مرض أي: شك.(4/116)
وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا (12) وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا (13) وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيرًا (14)
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله تعالى (ما وعدنا الله ورسوله إلا غروراً) قال ناس من المنافقين: يعدنا محمد أنا نفتح قصور الشام وفارس وأحدنا لا يستطيع أن يجاوز رحله، ما وعدنا الله ورسوله إلا غروراً.
قوله تعالى (وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا)
قال البخاري: حدثنا عبد الله بن يوسف، أخبرنا مالك، عن يحيى بن سعيد قال: سمعت أبا الحباب سعيد بن يسار يقول: سمعت أبا هريرة - رضي الله عنه - يقول: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أمرت بقرية تأكل القرى، يقولون: يثرب، وهي المدينة، تنفي الناس كما ينفي الكير خبث الحديد".
(الصحيح 4/87 ح1871 - ك فضائل المدينة، ب فضل المدينة وأنها تنفي الناس) . وأخرجه مسلم (الصحيح 2/1006 ح1382، ك الحج، ب المدينة تنفي شرارها) .
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (إن بيوتنا عورة) قال: نخشى عليها من السرق.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (ويستأذن فريق منهم النبي يقولون إن بيوتنا عورة وما هي بعورة) وإنها مما يلي العدو، وإنا نخاف عليها السراق، فبعث النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فلا يجد بها عدوا، قال الله (إن يريدون إلا فرارا) يقول: إنما كان قولهم ذلك (إن بيوتنا عورة) إنما كان يريدون بذلك الفرار.
قوله تعالى (وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآَتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيرًا)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ولو دخلت عليهم من أقطارها) أي لو دخل عليهم من نواحي المدينة (ثم سئلوا الفتنة) أي الشرك (لأتوها) يقول: لأعطوها، (وما تلبثوا بها إلا يسيرا) يقول: إلا أعطوه طيبة به أنفسهم ما يحتسبونه.(4/117)
قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لَا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا (16) قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (17) قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا (18) أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُولَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (19) يَحْسَبُونَ الْأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ وَلَوْ كَانُوا فِيكُمْ مَا قَاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا (20) لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21)
قوله تعالى (قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لَا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لَا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا) وإنما الدنيا كلها قليل.
قوله تعالى (قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا (18) أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُولَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا)
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله (هلم إلينا) قال: قال المنافقون: ما محمد وأصحابه إلا أكلة رأس، وهو هالك ومن معه، هلم إلينا.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (أشحة عليكم) في الغنيمة.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فإذا ذهب الخوف سلقوكم بألسنة حداد) أما عبد الغنيمة، فأشح قوم وأسوأ مقاسمة، أعطونا فإن قد شهدنا معكم.
وأما عند البأس فأجبن قوم، وأخذله للحق.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي عن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (سلقوكم بألسنة حداد) قال: استقبلوكم.
قوله تعالى (يَحْسَبُونَ الْأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ وَلَوْ كَانُوا فِيكُمْ مَا قَاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا)
أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (يحسبون الأحزاب لم يذهبوا) قال: يحسبونهم قريبا.
أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (يسألون عن أنبائكم) قال: أخباركم.
قوله تعالى (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا)
قال البخاري: حدثنا يعقوب بن إبراهيم، حدثنا ابن علية، عن أيوب، عن نافع: أن ابن عمر رضي الله عنهما دخل ابنه عبد الله بن عبد الله وظهره لا الدار(4/118)
لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21) وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا (22) مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا (23)
فقال: إني لا آمن أن يكون العام بين الناس قتال فيصدوك عن البيت، فلو أقمتَ. فقال: قد خرج رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فحال كفار قريش بينه وبين البيت، فإن حِيل بيني وبينه أفعل كما فعل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) ثم قال: أشهدكم أني قد أوجبت مع عُمرتي حجًّا. قال: ثم قدم فطاف لهما طوافا واحداً.
(الصحيح 3/577 ح1639 - ك الحج، ب طواف القارن) ، وأخرجه مسلم (2/903 ح1639، 1640، 1708، 1729) .
قوله تعالى (وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله) وكان الله قد وعدهم في سورة البقرة فقال (أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه) خيرهم وأصبرهم وأعلمهم بالله (متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب) هذا والله البلاء والنقص الشديد، وإن أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما رأوا ما أصابهم من الشدة والبلاء (قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيمانا وتسليما) وتصديقا بما وعدهم الله، وتسليما لقضاء الله.
قوله تعالى (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا)
قال مسلم: وحدثني محمد بن حاتم، حدثنا بهز حدثنا سليمان بن المغيرة عن ثابت قال: قال أنس: عمِّى الذي سُميت به لم يشهد مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بدراً. قال: فشق عليه. قال: أول مشهد شهده رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غُيّبت عنه. وإن أراني الله مشهداً، فيما بعد، مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ليراني الله ما أصنع. قال: فهاب أن يقول غيرها. قال: فشهد مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم أحد. قال: فاستقبل(4/119)
مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا (23)
سعد بن معاذ. فقال له أنس: يا أبا عمر! أين؟ فقال: واهاً لريح الجنة. أجده دون أحد. قال: فقاتلهم حتى قُتل. قال: فوُجد في جسده بضع وثمانون من بين ضربة وطعنة ورمية. قال فقالت أخته: عمتي الرُّبيّع بنت النضر: فما عرفت أخي إلا ببنانه. ونزلت هذه الآية: (رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديل) قال: فكانوا يُرون أنها نزلت فيه وفي أصحابه.
(صحيح مسلم 3/1512 - ك الإمارة، ب ثبوت الجنة للشهيد) ، (صحيح الطبري 8/377 ح4783 - ك التفسير - سورة الأحزاب - الآية) .
قال الترمذي: حدثنا أبو كريب، حدثنا يونس بن بكير، عن طلحة بن يحيى، عن موسى وعيسى ابني طلحة، عن أبيهما طلحة: أن أصحاب رسول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قالوا لأعرابي جاهل: سله عمن قضى نحبه من هو؟ وكانوا لا يجترؤون على مسألته يوقرونه ويهابونه، فسأله الأعرابي فأعرض عنه، ثم سأله فأعرض عنه، ثم إني اطلعت من باب المسجد وعلىّ ثياب خضر، فلما رآني رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "أين السائل عمن قضى نحبه"؟ قال: أنا يا رسول الله، قال: "هذا ممن قضى نحبه".
(السنن 5/350 ح3203 - ك التفسير، ب ومن سورة الأحزاب) ، وأخرجه أبو يعلى مسنده (2/26 ح663) ، والطبري في تفسيره (21/147) كلاهما بإسناد الترمذي ولفظه. قال الإمام الترمذي عقبه: حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث يونس بن بكر. وقال الشيخ الألباني: إسناده حسن، رجاله ثقات رجال مسلم، غير أن طلحة بن يحيى تكلم فيه بعضهم من أجل حفظه، وهو مع ذلك لا ينزل حديثه عن رتبة الحسن، ولم ينفرد بالحديث ... وذكر له متابعات وشواهد (السلسلة الصحيحة 1/ رقم 125) .
قال الحاكم: حدثني محمد بن صالح بن هانئ، ثنا يحيى بن محمد بن يحيى الشهيد، ثنا عبد الله بن عبد الوهاب الحجي، ثنا حاتم بن إسماعيل، عن عبد الأعلى ابن عبد الله بن أبي فروة، عن قطن بن وهيب، عن عبيد بن عمير، عن أبي ذره - رضي الله عنه - قال: لما فرغ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم أُحد مرّ على مصعب الأنصاري مقتولاً على طريقة فقرأ (من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه) الآية.
(المستدرك 3/200 - ك معرفة الصحابة. وقال، صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي) .(4/120)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (فمنهم من قضى نحبه) قال: عهده فقتل أو عاش (ومنهم من ينتظر) يوم فيه جهاد، فيقضى نحبه عهده، فيقتل أو يصدق في لقائه.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وما بدلوا تبديلا) يقول: ما شكوا وما ترددوا في دينهم، ولا استبدلوا به غيره.
قوله تعالى (وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ)
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة (ويعذب المنافقين إن شاء أو يتوب عليهم) يقول: إن شاء أخرجهم من النفاق إلى الإيمان.
قوله تعالى (وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا)
قال الشيخ الشنقيطي: ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أنه رد الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا وأنه كفى المؤمنين القتال وهم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأصحابه. ولم يبين هنا السبب الذي رد به الذين كفروا وكفى به المؤمنين القتال ولكنه جل وعلا بين ذلك في قوله (فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها) أي وبسبب تلك الريح، وتلك الجنود ردهم بغيظهم وكفاكم القتال كما هو ظاهر.
قال البخاري: حدثني عبد الله بن محمد، حدثنا يحيى بن آدم، حدثنا إسرائيل، سمعت أبا إسحاق يقول: سمعت سليمان بن صرد يقول: سمعت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول حين أجلى الأحزاب عنه: "الآن نغزوهم ولا يغزوننا نحن نسير إليهم".
(الصحيح 7/467، ح4110 - ك المغازي، ب غزوة الخندق وهي الأحزاب) .
أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد قوله: (وردّ الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا) الأحزاب.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (وردّ الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيراً) وذلك يوم أبي سفيان والأحزاب، ردّ الله أبا سفيان وأصحابه بغيظهم لم ينالوا خيراً (وكفى الله المؤمنين القتال) بالجنود من عنده، والريح التي بعث إليهم.(4/121)
وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا (25) وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا (26) وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا (27)
قال ابن خزيمة: نا بندار، ثنا يحيى، ثنا ابن أبي ذئب، ثنا سعيد المقبري عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري عن أبيه قال: حبسنا يوم الخندق حتى كان بعد المغرب هويا، وذلك قبل أن ينزل في القتال، فلما كفينا القتال، وذلك قول الله عز وجل: (وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويا عزيزا) . فأمر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بلالاً، فأقام -يعني الظهر- فصلاها كما كان يصليها في وقتها، ثم أقام العصر فصلاها كما كان يصليها في وقتها، ثم أقام المغرب فصلاها كما كان يصليها في وقتها.
(الصحيح 2/99 ك الصلاة، ب ذكر فوات الصلوات والسنة في قضائها) وقال الألباني: إسناده صحيح.
وأخرجه أحمد في (مسنده 3/25) ، والدارمي في (سننه 1/358) ، وابن حبان في صحيحه (الإحسان 7/147 ح2890) وقال محققه: إسناده صحيح على شرط مسلم. وأخرجه النسائي (السنن 2/17) ، والشافعي في مسنده (ص32 ح118) كلهم من طريق ابن أبي ذئب به، ونقل ابن الملقن عن البيهقي قوله: ورواة هذا الحديث كلهم ثقات. وقال ابن الملقن: صحيح (البدر المنير ص767 ح290) تحقيق إقبال أحمد رسالة ماجستير. وقال ابن حجر: صححه ابن السكن (التلخيص الحبير 1/195) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وكان الله قوياً عزيزاً) ، قوياً في أمره، عزيزاً في نقمته.
قوله تعالى (وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا (26) وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا)
قال مسلم: وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن العلاء الهمداني، كلاهما عن ابن نمير. قال ابن العلاء: حدثنا ابن نمير، حدثنا هشام عن أبيه، عن عائشة.
قالت: أُصيب سعد يوم الخندق. رماه رجل من قرش -يقال له: ابن العرقة- رماه في الأكحل. فضرب عليه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خيمة في المسجد يعوده من قريب.
فلما رجع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من الخندق وضع السلاح. فاغتسل. فأتاه جبريل وهو ينفض رأسه من الغبار. فقال: وضعتَ السلاح؟ والله! ما وضعناه. اخرُج إليهم.
فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "فأين"؟ فأشار إلى بني قريظة. فقاتلهم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.(4/122)
وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا (26) وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا (27) يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (28) وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا (29)
فنزلوا على حكم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فردّ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الحكم فيهم إلى سعد. قال: فإني أحكم فيهم أن تُقتل المقاتلة، وأن تُسبى الذرية والنساء، وتُقسم أموالهم.
(صحيح مسلم 3/1389 ك الجهاد والسير، ب جواز قتال من نقض العهد ... ح1769) .
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب) قال: قريظة، يقول: أنزلهم من صياصيهم.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب) وهم بنو قريظة، ظاهروا أبا سفيان وراسلوه، فنكثوا العهد الذي بينهم وبين في الله.
أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد (من صياصيهم) يقول: أنزلهم من صياصيهم، قال: قصورهم
أخرج عبد الرزاق والطبري بسنديهما الصحيح عن قتادة قوله (من صياصيهم) أي من حصونهم وآطامهم.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فريقا تقتلون) الذين ضربت أعناقهم (وتأسرون فريقا) الذين سبوا.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وأرضا لم تطئوها) قال: قال الحسن: هي الروم وفارس، وما فتح الله عليهم.
قوله تعالى (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (28) وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآَخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا)
قال البخاري: حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري قال: أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن أن عائشة رضي الله عنها زوج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أخبرته أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جاءها حين أمر الله أن يخيّر أزواجه، فبدأ بي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: إني ذاكر لك أمراً، فلا عليك أن تستعجلي حتى تستأمري أبويك، وقد علم أن(4/123)
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (28) وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا (29) يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (30) وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا (31) يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا (32)
أبوي لم يكونا يأمراني بفراقه. قالت ثم قال: إن الله قال: (يا أيها النبي قل لأزواجك) إلى تمام الآيتين. فقلت له: ففي أي هذا أستأمر أبويّ؟ فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة.
(صحيح البخاري 8/379 ح4785 - ك التفسير - سورة الأحزاب، ب (قل لأزواجك إن كن تردن الحياة الدنيا ... ) ، (صحيح مسلم 2/1103 ح1475 ك الطلاق، ب بيان أن تخير امرأته لا يكون طلاقا إلا بالنية. بزيادة "قالت: ثم فعل أزواج رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مثل ما فعلت") .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا) .. إلى قوله (أجرا عظيما) قال: قال الحسن وقتادة: خيرهن بين الدنيا والآخرة والجنة والنار في كل شيء كن أردنه في الدنيا.
قوله تعالى (يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ)
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله تعالى (يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ) قال: عذاب الدنيا وعذاب الآخرة.
قوله تعالى (وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ) أي من يطع منكن الله ورسوله (وأعتدنا لها رزقا كريما) وهى الجنة.
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله (ومن يقنت منكن لله ورسوله) قال: كل قنوت في القرآن طاعة.
قوله تعالى (يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ)
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة (يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ) يعني نساء هذه الأمة.
قوله تعالى (فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ)
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة (فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ) قال: نفاق.(4/124)
يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا (32) وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا (33)
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة (فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ) قال: قال عكرمة: شهوة الزنا.
قوله تعالى (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآَتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا)
قال الترمذي: حدثنا محمد بن بشار، حدثنا عمرو بن عاصم، حدثنا همام عن قتادة، عن مورق، عن أبي الأحوص، عن عبد الله، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "المرأة عورة، فإذا خرجت استشرفها الشيطان".
(السنن 3/467 ك الرضاع) وقال: هذا حديث حسن غريب. وأخرجه ابن خزيمة في صحيحه (3/93 ك الصلاة، ب اختيار صلاة المرأة في بيتها ح1686) ، وابن حبان في صحيحه (الإحسان 12/412 ح5598) كلاهما من طريق المعتمر بن سليمان عن أبيه عن قتادة به، وعزاه الهيثمي إلى الطبراني وقال: رجاله موثقون (مجمع الزوائد 2/35) . وأخرجه ابن خزيمة في الباب السابق برقم (1685) عن: همام، عن قتادة، عن مورق، عن أبي الأحوص به. قال الألباني معلقا: إسناده صحيح. وصححه السيوطي (الجامع الصغير مع فيض القدير 6/266 ح9193) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى) أي: إذا خرجتن من بيوتكن، قال: كانت لهن مشية وتكسر وتغنج يعني بذلك الجاهلية الأولى فنهاهن الله عن ذلك.
قال مسلم: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن عبد الله بن نمير (واللفظ لأبي بكر) قال: حدثنا محمد بن بشر عن زكريا، عن مصعب بن شيبة، عن صفية بنت شيبة. قالت: قالت عائشة: خرج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غداة وعليه مِرْط مرحل، من شعر أسود. فجاء الحسن بن علي فأدخله. ثم جاء الحسين فدخل معه. ثم جاءت فاطمة فأدخلها. ثم جاء علي فأدخله. ثم قال (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا) .
(صحيح مسلم 4/1883 ك فضائل الصحابة، ب فضائل أهل بيت النبي - صلى الله عليه وسلم - ح2424) .(4/125)
وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا (33) وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا (34) إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (35)
قال الحاكم: حدثنا أبو بكر محمد بن عبد الله الحفيد، ثنا الحسين بن الفضل البجلي، ثنا عفان بن مسلم، ثنا حماد بن سلمة، أخبرني حميد وعلي بن زيد، عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يمر بباب فاطمة رضي الله عنها ستة أشهر إذا خرج لصلاة الفجر يقول: "الصلاة يا أهل البيت إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا".
(المستدرك 3/158 - ك معرفة الصحابة، قال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا) فهل أهل بيت طهرهم الله من السوء، وخصهم لرحمة منه.
قوله تعالى (وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آَيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة في قوله (واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة) : أي السنة، قال: يمتن عليهم بذلك.
قوله تعالى (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا)
قال النسائي: أنا محمد بن معمر، نا المغيرة بن سلمة أبو هشام المخزومي، نا عبد الواحد بن زياد، نا عثمان بن حكيم، لا عبد الرحمن بن شيبة، قال: سمعت أم سلمة زوج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تقول: قلتُ للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ما لنا لا نُذكر في القرآن كما يُذكر الرجال، قالت: فلم يَرُعْنِي ذات يوم ظُهرا إلا نداؤُه على المنبر، وأنا أُسرّح رأسي، فلففت شعري، ثم خرجت إلى حجرة بيتي، فجعلت سمعي عند الجريد، فإذا هو يقول على المنبر: يا أيها الناس، إن الله يقول في كتابه (إن المسلمين والمسلمات) إلى آخر الآية (أعد الله لهم مغفرة وأجر عظيماً) .(4/126)
إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (35)
(التفسير 2/173 ح425) ، وأخرجه أحمد (المسند 6/301، 305) عن يونس وعفان عن عبد الواحد في زياد به. والطبري (التفسير 22/9) بإسناد النسائي، وله طريق آخر عن أم سلمة، فأخرجه النسائي (التفسير ح424) ، والطبري (التفسير 22/8) ، والطبراني في الكبير (23/263 ح554) وغيرهم من طرق عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أم سلمة به. وأخرجه الحاكم (المستدرك 2/416) من طريق: ابن أبي نجيح عن مجاهد عن أم سلمة به. وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. أخرجه الترمذي وحسنه وصححه الألباني (السنن 5/354 - ك التفسير، ب سورة الأحزاب ح3211) . وحسنه الحافظ ابن حجر بعد أن خرجه بطرقه وشواهد (موافقة الخبر الخبر 2/21-25) وقال النووي: إسناده صحيح (انظر تخريج أحاديث الكشاف 3/109) وصححه السيوطي (الجامع الصغير مع فيض القدير 1/277 ح434) .
قوله تعالى (والمتصدقين والمتصدقات)
انظر حديث البخاري تحت الآية رقم (33) من سورة يوسف.
قوله تعالى (والذاكرين الله كثيرا والذاكرات)
قال مسلم: حدثنا أمية بن بسطام العيشي، حدثنا يزيد (يعني ابن زريع) حدثنا روح بن القاسم عن العلاء، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يسير في طريق مكة. فمرّ على جبل يُقال له جُمدان قال: "سيروا. هذا جُمدان. سبق المفردون" قالوا: وما المفرّدون؟ يا رسول الله! قال: "الذاكرون الله كثيرا، والذاكرات".
(صحيح مسلم 4/2062 - ك الذكر والدعاء، ب الحث على ذكر الله تعالى ح2676) .
قال ابن ماجة: حدثنا العباس بن عثمان الدمشقي، ثنا الوليد بن مسلم، ثنا شيبان أبو معاوية، عن الأعمش، عن علي بن الأقمر، عن الأغر عن أبي سعيد وأبي هريرة، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إذا استيقظ الرجل من الليل وأيقظ امرأته فصليا ركعتين، كُتبا من الذاكرين الله كثيرا والذاكرات".
(السنن - 1/423 إقامة الصلاة والسنة فيها، ب ما جاء فيمن أيقظ أهله من الليل ح1335) .
أخرجه أبو داود (السنن 2/70 - الصلاة، ب الحث على قيام الليل) ، وقال الألباني: صحيح (صحيح ابن ماجة 1/223) ، وأخرجه الحاكم من طريق الأعمش به، وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك 1/1316) .(4/127)
وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا (36) وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا (37)
قوله تعالى (أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) قال: زينب بنت جحش وكراهتها نكاح زيد بن حارثة حين أمرها به الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
قوله تعالى (وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا)
قال مسلم: حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا عبد الوهاب، حدثنا داود بهذا الإسناد نحو حديث ابن علية. وزاد: قالت: ولو كان محمد - صلى الله عليه وسلم - كاتماً شيئاً مما أُنزل عليه لكتم هذه الآية: (وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ) .
(الصحيح 1/160 ك الإيمان، ب معنى قوله تعالى: (ولقد رآه نزلة أخرى ... ) بعد رقم 177.
وحديث ابن علية الذي أحال عليه مسلم هو قول عائشة: ثلاث من تكلم بواحدة منهن قد أعظم على الله الفرية) .
قال البخاري: حدثنا محمد بن عبد الرحيم، حدثنا معلى بن منصور عن حماد ابن زيد، حدثنا ثابت عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - أن هذه الآية (وتخفي في نفسك ما الله مبديه) نزلت في شأن زينب بنت جحش وزيد بن حارثة.
(صحيح البخاري 8/383 ك التفسير - سورة الأحزاب، ب (الآية) ح4787) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وإذ تقول للذي أنعم الله عليه) وهو زيد أنعم الله عليه بالإسلام، وأنعمت عليه أعتقه الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه) قال: وكان يخفي في نفسه ودّ أنه طلقها، قال الحسن: ما أنزلت عليه آية كانت أشد عليه منها قوله (وتخفي في نفسك ما الله مبديه) ولو كان نبي الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كاتماً شيئاً من الوحي لكتمها (وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه) قال: خشي نبي الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مقالة الناس.(4/128)
وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا (37) مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا (38)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (لكيلا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطرا) يقول: إذا طلقوهن، وكان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تبنى زيد بن حارثة.
قال مسلم: حدثنا محمد بن حاتم بن ميمون، حدثنا بهز، ح وحدثتي محمد ابن رافع، حدثنا أبو النضر هاشم بن القاسم. قالا جميعا: حدثنا سليمان بن المغيرة عن ثابت، عن أنس. وهذا حديث بهز قال: لما انقضت عدة زينب قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لزيد: "فاذكرها عليّ"، قال: فانطلق زيد حتى أتاها وهى تُخمّر عجينها. قال: فلما رأيتها عظمت في صدري. حتى ما أستطيع أن أنظر إليها أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذكرها. فولّيتها ظهري ونكصتُ على عقبي. فقلت: يا زينب! أرسلَ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يذكركِ. قالتْ: ما أنا بصانعة شيئا حتى أُوامر ربي. فقامت إلى مسجدها. ونزل القرآن. وجاء رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فدخل عليها بغير إذن قال فقال: ولقد رأيتُنا أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أطعمنا الخبز واللحم حين امتدّ
النهار. فخرج الناس وبقي رجال يتحدثون في البيت بعد الطعام. فخرج رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - واتبعته. فجعل يتتبع حُجر نسائه يُسلم عليهن. ويقلن: يا رسول الله!
كيف وجدت أهلك؟ قال: فما أدري أنا أخبرته أن القوم قد خرجوا أو أخبرني.
قال: فانطلق حتى دخل البيت. فذهبتُ أدخلُ معه فألقَى الستر بيني وبينه. ونزل الحجاب. قال: ووُعظ القوم بما وُعظوا به.
زاد ابنُ رافع في حديثه (لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه) إلى قوله (والله لا يستحيي من الحق) .
(صحيح مسلم 2/1048-1049 ح1428 - ك النكاح، ب زواج زينب بنت جحش) .
قوله تعالى (مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَه ... )
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَه) أي: أحل الله له.(4/129)
مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا (38) الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا (39) مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (40)
قوله تعالى ( ... وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا …)
انظر الآية رقم (8) من هذه السورة.
قوله تعالى (الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ)
قال ابن ماجة: حدثنا أبو كريب، ثنا عبد الله بن نمير وأبو معاوية، عن الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن أبي البختري، عن أبي سعيد قال؟ قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا يحقر أحدكم نفسه" قالوا: يا رسول الله! كيف يحقر أحدنا نفسه؟ قال: "يرى أمراً لله عليه فيه مقال، ثم لا يقول فيه. فيقول الله عز وجل له يوم القيامة: ما منعك أن تقول في كذا وكذا؟ فيقول: خشية الناس.
فيقول: فإياي كنتَ أحق أن تخشى".
(السنن 2/1328 ح4008 ك الفتن، ب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) . قال البوصيري في زوائد ابن ماجة: إسناده صحيح رجاله ثقات. وأخرجه أحمد (المسند 3/30) عن ابن نمير عن الأعمش به. وأخرجه أحمد (المسند 3/84، 92) ، وأخرجه الترمذي (4/483 ح191 وقال: حسن صحيح) وابن حبان (الإحسان 1/511-512 ح278) ، والبيهقي (السنن 10/90) من طرق: عن شعبة، عن قتادة، عن أبي نضرة عن أبي سعيد مرفوعاً بلفظ: "لا يمنعن أحدكم مخافة أن يتكلم بحق إذا رآه أو عرفه". وصحح إسناده الألباني (صحيح سنن ابن ماجة ح3237 وصححه الأرناؤوط في حاشية الإحسان) .
قوله تعالى (مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا)
قال البخاري: حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا إسماعيل بن جعفر، عن عبد الله ابن دينار، عن أبي صالح، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إن مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بيتاً فأحسنه وأجمله، إلا موضع لبنة من زاوية، فجعل الناس يطوفون به ويعجبون له ويقولون: هلا وُضعت هذه اللبنة؟
قال: فأنا اللبنة، وأنا خاتم النبيين".
(صحيح البخاري 6/645 ح3535 - ك المناقب، ب خاتم النبيين - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) . صحيح مسلم 4/1791 ح2287 - ك الفضائل، ب ذكر كونه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خاتم النبيين نحوه) .(4/130)
مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (40) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (42) هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا (43)
أخرج عبد الرزاق والطبري بسنديهما الصحيح عن قتادة قوله (ما كان محمد أبا أحد من رجالكم) قال: نزلت في زيد، إنه لم يكن بابنه، ولعمري ولقد ولد له ذكور، إنه لأبو القاسم وإبراهيم والطيب والمطهر (ولكن رسول الله وخاتم النبيين) أي: آخرهم (وكان الله بكل شيء عليما) .
قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله (اذكروا الله ذكرا كثيرا) يقول: لا يفرض على عباده فريضة إلا جعل لها حدا معلوما، ثم عذر أهلها في حال عذر غير الذكر، فإن الله لم يجعل له حدا ينتهي إليه ولم يعذر أحدا في تركه إلا مغلوبا على عقله، قال (اذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم) بالليل والنهار في البر والبحر، وفي السفر والحضر، والغنى والفقر، والسقم والصحة، والسر والعلانية، وعلى كل حال وقال (وسبحوه بكرة وأصيلا) فإذا فعلتم ذلك صلى عليكم هو وملائكته قال الله عز وجل (هو الذي يصلي عليكم وملائكته) .
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة قوله (وسبحوه بكرة وأصيلا) صلاة الغداة، وصلاة العصر.
قوله تعالى (هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ ... )
قال البخاري: حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "الملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مصلاه ما لم يُحدث: اللهم اغفر له، اللهم ارحمْه. لا يزال أحدكم في صلاة ما دامت الصلاة تحبسه، لا يمنعه أن ينقلب إلى أهله إلا الصلاة".
(صحيح البخاري 2/167 ح659 - ك الأذان، ب من جلس في المسجد ينتظر الصلاة..) .
وأخرجه مسلم بنحوه (1/459) ك المساجد، ب فضل صلاة الجمعة ... ح273، 274) .(4/131)
تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا (44) يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (45) وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا (46)
قوله تعالى (تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا)
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة قوله (تحيتهم يوم يلقونه سلام) قال: تحية أهل الجنة السلام.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وأعد لهم أجرا كريما) أي: الجنة.
قوله تعالى (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (45) وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا)
قال البخاري: حدثنا محمد بن سنان، حدثنا فُليح، حدثنا هلال، عن عطاء ابن يسار قال: لقيتُ عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قلتُ: أخبرني عن صفة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في التوراة، قال: أجل. والله إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا) وحِرزاً للأميين، أنت عبدي ورسولي، سمّيتك المتوكل، ليس بفظ ولا غليظ ولا سخّاب في الأسواق، ولا يدفع بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويغفر، ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء بأن يقولوا: "لا إله إلا الله ويُفتح بها أعين عميٌ وآذان صم وقلوب غلف". تابعه عبد العزيز بن أبي سلمة عن هلال عن عطاء عن ابن سلام. غُلف: كل شيء في غلاف، سيف أغلف، وقوس غلفاء، ورجل أغلف إذا لم يكن مختوناً.
(الصحيح 4/402 ح2125 - ك البيوع، ب كراهية السخب في الأسواق) .
قال الحاكم: حدثني محمد بن صالح بن هانئ، ثنا أبو سهل بشر بن سهل اللباد، ثنا عبد الله بن صالح المصري، حدثني معاوية بن صالح عن سعيد بن سويد عن عبد الأعلى بن هلال عن عرباض بن سارية - رضي الله عنه - صاحب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: إني عبد الله وخاتم النبيين وأبي منجدل في طينته وسأخبركم عن ذلك: أنا دعوة أبي إبراهيم، وبشارة عيسى، ورؤيا أمي آمنة التي رأت وكذلك أمهات النبيين يرين وأن أم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رأت حين وضعته له(4/132)
وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا (46) وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا (47) وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا (48)
نورا أضاءت لها قصور الشام ثم تلا (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (45) وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا) .
هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. (المستدرك 2/418، ك التفسير وصححه الذهبي) . وفي إسناده سعد بن سويد تكلم فيه ولكن له تابعات وشواهد ذكرها الزميل د. عبد الله محمد شفيع (في رسالة الماجستير بعنوان: دراسة مرويات الصحابة سهل بن سعد والعرباض بن سارية وثوبان في مسند أحمد ص 495-500) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا) على أمتك بالبلاغ، ومبشرا بالجنة، (ونذيراً) بالنار.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وداعيا إلى الله) إلى شهادة أن لا الله إلا الله.
قوله تعالى (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا)
قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى وبشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلا كبيرا) لم يبين هنا المراد بالفضل الكبير في هذه الآية الكريمة ولكنه بينه في سورة الشورى في قوله تعالى (والذين آمنوا وعملوا الصالحات في روضات الجنات لهم ما يشاءون عند ربهم ذلك هو الفضل الكبير) .
قوله تعالى (وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا)
أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (ودع أذاهم) قال: أعرض عنهم.
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله تعالى (ودع أذاهم) قال: اصبر على أذاهم.
انظر سورة الكهف آية (28) وسورة الأنعام آية (116) .(4/133)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (49) يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (50)
قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا)
قال ابن ماجة: حدثنا أبو كريب، ثنا هشيم، أنبأنا عامر الأحول، ح وحدثنا أبو كريب، ثنا حاتم بن إسماعيل، عن عبد الرحمن بن الحارث، جميعا عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لا طلاق فيما لا يملك".
(السنن 1/660 ح2047 - الطلاق، ب لا طلاق قبل النكاح) . أخرجه أحمد والترمذي وأبو داود من طريق عمرو بن شعيب به، وقال الترمذي: هذا حديث حسن وهو أحسن شيء روي في هذا الباب (السنن 2/189، 190) (السنن - أبواب الطلاق، ب ما جاء لا طلاق قبل النكاح) (السنن - الطلاق، ب في الطلاق قبل النكاح) . وقال الألباني: وإسناده حسن للخلاف المعروف في حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده (الإرواء 6/173) . وأخرجه الحاكم من حديث جابر وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك 2/204) وقال الخطابي: حسن. وصححه ابن الملقن (خلاص البدر المنبر 2/221) وله شواهد ذكرها الحافظ ابن حجر (التلخيص الحبير 3/210-212) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله (يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها) فهذا الرجل يتزوج المرأة، ثم يطلقها من قبل أن يمسها، فإذا طلقها واحدة بانت منه، ولا عدة عليها أن تتزوج من شاءت، ثم يقرأ (فمتعوهن وسرحوهن سراحا جميلاً) يقول: إن كان سمى لها صداقا، فليس لها إلا النصف، إن لم يكن سمى لها صداقا متعها على قدر عسره ويسره وهو السراح الجميل.
قوله تعالى (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آَتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا)
قال البخاري: حدثنا علي بن عبد الله، حدثنا سفيان سمعت أبا حازم يقول: سمعت سهل بن سعد الساعدي، يقول: إني لفي القوم عند رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -(4/134)
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (50)
إذ قات امرأة فقالت: يا رسول الله إنها قد وهبت نفسها لك، فرَ فيها رأيك.
فلم يُجبها شيئاً. ثم قامت فقالت: يا رسول الله إنها قد وهبت نفسها لك فرَ فيها رأيك. فلم يجبها شيئا. ثم قامت الثالثة فقالت: إنها قد وهبت نفسها لك، فر فيها رأيك. فقام رجل فقال؟ يا رسول الله، أنكحنيها. قال: "هل عندك من شيء"؟ قال: لا، قال: "اذهبْ فاطلب ولو خاتماً من حديد". فذهب وطلب، ثم جاء فقال: ما وجدتُ شيئاً، ولا خاتما من حديد. قال: "هل معك من القرآن شيء"؟ قال: معي سورة كذا وسورة كذا. قال: "اذهب فقد أنكحتكها بما معك من القرآن".
(صحيح البخاري 9/112 ح5149 - ك النكاح، ب الترويج على القرآن وبغير صداق) وأخرجه مسلم في (صحيحه ح1425 - ك النكاح، ب الصداق وجواز كونه تعليم قرآن) .
قال الطبري: حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا عبد الوهاب قال: ثنا داود، عن محمد بن أبي موسى، عن زياد، قال لأبي بن كعب: هل كان للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لو مات أزواجه أن يتزوج؟ قال: ما كان يحرم عليه ذلك، فقرأت عليه هذه الآية (يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك) قال: فقال: أحل له ضربا من النساء، وحرّم عليه ما سواهن، أجل له كل امرأة آتى أجرها، وما ملكت يمينه مما أفاء الله عليه، وبنات عمه وبنات عماته، وبنات خاله وبنات خالاته، وكل امرأة وهبت نفسها له إن أراد أن يستنكحها خالصة له من دون المؤمنين.
(التفسير 22/29) وأخرجه الضياء المقدسي (المختارة 3/376 ح1171) ، من طريق: إسماعيل عن داود بن أبي هند به، قال محققه: إسناده حسن) .
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (أزواجك اللائي آتيت أجورهن) قال: صدقاتهن.
أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي) بغير صداق، فلم يفعل ذلك، وأحل له خاصة من دون المؤمنين.(4/135)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (خالصة لك من دون المؤمنين) ، يقول: ليس لامرأة أن تهب نفسها لرجل بغير أمر ولي ولا مهر إلا للنبي، كانت له خالصة من دون الناس، ويزعمون أنها نزلت في ميمونة بنت الحارث أنها التي وهبت نفسها للنبي.
قال الطبري: حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: ثني سعيد، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن خولة بنت حكيم بن الأوقص من بنى سليم، كانت من اللاتي وهبن أنفسهن لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وقال ابن حجر: علقه البخاري ووصله أبو نعيم من طريق أبي سعيد مولى بني هاشم عن هشام أبيه عن عائشة وأخرجه الطبراني من طريق يعقوب عن محمد بن هشام به. (الإصابة 4/291) وسنده ثابت.
أخرج عبد الرزاق والطبري بسنديهما الصحيح عن قتادة، قوله (قد علمنا ما فرضا عليهم في أزواجهم) قال: كان مما فرض الله عليهم أن لا تزوج امرأة إلا بولي وصداق عند شاهدي عدل ولا يحل لهم من النساء إلا أربع، وما ملكت أيمانهم.
قوله تعالى (تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلَا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آَتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَلِيمًا)
قال البخاري: حدثنا حِبّان بن موسى أخبرنا عبد الله أخبرنا عاصم الأحول عن معاذة عن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يستأذن في يوم المرأة منا بعد أن أُنزلت هذه الآية (ترجى من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء ومن ابتغيت ممن عزلت فلا جناح عليك) فقلتُ لها: ما كنتِ تقولين؟ قالت كنت أقول له: إن كان ذاك إليّ فإني لا أريد يا رسول الله أن أُوثر عليك أحداً.
تابعه عباد بن عباد سمعَ عاصما، (صحيح البخاري 8/385 - ك التفسير - سورة الأحزاب ح4789) صحيح مسلم (2/1103 ح1476 - ك الطلاق، ب بيان أن تخيير امرأته لا يكون طلاقا إلا بالنية) .
قال مسلم: حدثنا أبو كريب محمد بن العَلاء، حدثنا أبو أسامة، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة. قالت: كنتُ أغار على اللاتي وهبن أنفسهن لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأقول: وتهب المرأة نفسها؟ فلما أنزل الله عز وجل: (ترجى من تشاء منهن(4/136)
تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلَا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَلِيمًا (51) لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا (52)
وتؤوي إليك من تشاء ومن ابتغيت ممن عزلت) قالت: قلت: والله! ما أرى ربك إلا يُسارع لك في هواك.
(صحيح مسلم 2/1085 - ك الرضاع، ب جواز هبتها نوبتها لضرتها. ح1464) . وأخرجه البخاري (الصحيح - ك النكاح، ب هل للمرأة تهب نفسها 9/164 ح5113) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله (ترجي من تشاء منهن) يقول: تؤخر.
أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (ترجي من تشاء منهن) قال: تعزل بغير طلاق من أزواجك من تشاء (وتؤوي إليك من تشاء) قال: تردها إليك من شئت ممن ترجى.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة في قوله (ومن ابتغيت ممن عزلت فلا جناح عليك) قال: جميعاً هذه في نسائه، إن شاء أتى من شاء منهن، ولا جناح عليه.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ذلك أدنى أن تقر أعينهن ولا يحزن ويرضين بما آتيتهن كلهن) إذا علمن أن هذا جاء من الله لرخصة، كان أطيب لأنفسهن، وأقل لحزنهن.
قوله تعالى (لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا)
قال النسائي: أخبرنا محمد بن عبد الله بن المبارك قال: حدثنا أبو هشام وهو المغيرة بن سلمة المخزومي قال: حدثنا وُهيب قال: حدثنا ابن جريح، عن عطاء، عن عبيد بن عمير، عن عائشة قالت: ما تُوفي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حتى أحلّ الله له أن يتزوج من النساء ما شاء.
(السنن 6/56 - ك النكاح، ب ما افترض الله عز وجل على رسوله وحرمه على خلقه) ، أخرجه الترمذي (5/356 - التفسير، وحسنه وصححه الألباني في صحيح السنن. وأخرجه الدارمي في (سننه 2/154 - ك النكاح، ب قول الله في تعالى (لا يحل لك النساء من بعد..) من طريق المعلى) ، والحاكم في (المستدرك 2/437، ك التفسير من طريق موسى بن إسماعيل كلاهما عن وهب بن خالد به) .
قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.(4/137)
لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا (52) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا (53)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (لا يحل لك النساء من بعد) إلى قوله (إلا ما ملكت يمينك) قال: لما خيرهن، فاخترن الله ورسوله والدار الآخرة قصره عليهن، فقال: (لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج) وهن التسع التي اخترن الله ورسوله.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، عن عكرمة (لا يحل لك النساء من بعد) هؤلاء التي سمى الله إلا (بنات عمك) ... الآية.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (لا يحل لك النساء من بعد) لا يهودية، ولا نصرانية، ولا كافرة.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (ولا أن تبدل بهن من أزواج) ولا أن تبدل بالمسلمات غيرهن من النصارى واليهود والمشركين (ولو أعجبك حسنهن إلا ما ملكت يمينك) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وكان الله على كل شيء رقيبا) أي: حفيظاً.
قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا)
قال البخاري: حدثنا مسدد عن يحيى عن حُميد عن أنس قال: قال عمر - رضي الله عنه -: قلتُ يا رسول الله يَدخل عليك البرّ والفاجر، فلو أمرت أمهات المؤمنين بالحجاب. فأنزل الله آية الحجاب.
قال البخاري: حدثنا محمد بن عبد الله الرقاشى، حدثنا معتمر بن سليمان قال: سمعت أبي يقول: حدثنا أبو مجلز عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال، لما تزوج رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -(4/138)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا (53)
زينب ابنة جحش دعا القوم فطعموا، ثم جلسوا يتحدثون، وإذا هو يتأهب للقيام، فلم يقوموا. فلما رأى ذلك قام، فلما قام قام من قام وقعد ثلاثة نفر، فجاء النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليدخُل فإذا القوم جُلوس، ثم إنهم قاموا، فانطلقت فجئتُ فأخبرتُ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنهم قد انطلقوا فجاء حتى دخل، فذهبت أدخل فألقى الحجاب بيني وبينه، فأنزل الله (يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي) الآية.
(صحيح البخاري 8/387-388 ح4790، 4791 - ك التفسير، سورة الأحزاب) .
قال البخاري: حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا ليث عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير، عن عقبة بن عامر أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إياكم والدخول على النساء" فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله، أفرأيت الحمو؟ قال: "الحمو الموت".
(الصحيح 9/242 ح5232 - ك النكاح، ب لا يخلون رجل بامرأة) ، وأخرجه مسلم (الصحيح 4/1711 ح2172 - ك السلام، ب تحريم الخلوة بالأجنبية ... ) .
قال الترمذي: حدثنا قتيبة، حدثنا جعفر بن سليمان الضبعي عن الجعد بن عثمان عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: تزوج رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فدخل بأهله، قال: فصنعت أمي أم سليم حيسا فجعلته في تور فقالت يا أنس اذهب بهذا إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقل بعثت إليك بها أمي وهى تقرئك السلام وتقول: إن هذا لك منَّا قليلٌ يا رسول الله، قال: فذهبتُ بها إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقلتُ إن أُمي تُقرئك السلام وتقول: إن هذا منا لك قليل فقال ضعه، ثم قال: اذهب لها فادع لي فلانا وفلانا وفلانا ومن لقيت فسمّى رجالا، قال: فدعوتُ من سمّى ومن لقيت، قال: قلت لأنس عددكم كم كانوا؟ قال زهاء ثلاثمائة قال: وقال لي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "يا أنس هات التور"، قال: فدخلوا حتى امتلأت الصُفة والحجرة فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ليتحلّق عشرة عشرة وليأكل كل إنسان مما يليه، قال: فأكلوا حتى شبعوا قال: فخرجت طائفة ودخلت طائفة حتى أكلوا كلهم، قال: فقال لي: "يا أنس ارفع" قال: فرفعت فما أدري حين وضعت كان أكثر أم حين رفعت، قال: وجلس منهم طوائف يتحدثون في بيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ورسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جالس وزوجته مُولّية وجهها إلى الحائط فثقلوا على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فخرج رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -(4/139)
فسلّم على نسائه ثم رجع، فلما رأوا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد رجع ظنوا أنهم قد ثقلوا عليه، قال: فابتدروا الباب فخرجوا كلهم وجاء رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حتى أرخى الستر ودخل وأنا جالس في الحجرة فلم يلبث إلا يسيرا حتى خرج عليّ وأُنزلت هذه الآيات، فخرج رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقرأهن على الناس (يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه) إلى آخر الآية. قال الجعد: قال أنس: أنا أحدث الناس عهداً بهذه الآيات، وحُجبن نساء رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح. (السنن 5/357-358 ك التفسير، ب - سورة الأحزاب، ح3218 وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي. والحاكم في (المستدرك 2/417-418 وصححه الذهبي) .
أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد، في قول الله (إلى طعام غير ناظرين إناه) قال: متحينين نضجه.
أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد (ولا مستأنسين لحديث) بعد أن تأكلوا.
انظر حديث البخاري ومسلم عن عمر المتقدم عند الآية (125) من سورة البقرة وهو حديث: "وافقت ربي في ثلاث ... " وفيه نزول آية الحجاب.
قوله تعالى (إِنْ تُبْدُوا شَيْئًا أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا)
انظر سورة البقرة آية (284) .
قوله تعالى (لا جناح عليهن في آبائهن)
انظر سورة البقرة آية (233) لبيان لا جناح أي: حرج.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، في قول الله (لا جناح عليهن في آبائهن) ومن ذكر معه أن يروهن.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، في قوله (لا جناح عليهن) إلى (شهيدا) : فرخص لهؤلاء أن لا يحتجبن منهم.(4/140)
إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (56)
قوله تعالى (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)
قال البخاري: حدثني سعيد بن يحيى، حدثنا أبي حدثنا مسعر عن الحكم عن ابن أبي ليلى عن كعب بن عُجرة - رضي الله عنه -، قيل يا رسول الله، أما السلام عليك فقد عرفناه، فكيف الصلاة عليك؟ قال: "قولوا اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد. اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد".
(الصحيح 8/392 ح4797 - ك التفسير - سورة الأحزاب، ب الآية) ، ومسلم في (الصحيح 1/305 ح406 - الصلاة، ب الصلاة على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) .
قال مسلم: حدثنا يحيى بن أيوب وقتيبة وابن حجر، قالوا: حدثنا إسماعيل -وهو ابن جعفر- عن العلاء، عن أبيه، عن أبي هريرة، أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "من صلى عليّ واحدة، صلى الله عليه عشراً".
(صحيح مسلم 1/306 ح408 - ك الصلاة، ب الصلاة على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعد التشهد) .
قال أبو داود: حدثنا أحمد بن صالح، قرأت على عبد الله بن نافع، أخبرني ابن أبي ذئب، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا تجعلوا بيوتكم قبوراً ولا تجعلوا قبري عيداً، وصلّوا عليّ فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم".
(السنن 2/218 ح2042 ك المناسك، ب زيارة القبور) . وأخرجه أحمد (المسند 2/367) عن سريح عن عبد الله بن نافع به. ونقل ابن كثير تصحيح النووي للحديث (التفسير 6/465) .
ويشهد له الحديث التالي الذي رواه النسائي من حديث ابن مسعود.
قال النسائي: أخبرنا عبد الوهاب بن عبد الحكم الوراق، قال: حدثنا معاذ بن معاذ، عن سفيان بن سعيد. ح وأخبرنا محمود بن غيلان، قال: حدثنا وكيع وعبد الرزاق، عن سفيان، عن عبد الله بن السائب، عن زاذان، عن عبد الله
قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إن لله ملائكة سياحين في الأرض يبلغوني عن أمتي السلام".(4/141)
(السنن 3/43 - ك الصلاة، ب السلام على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) . وأخرجه أحمد في مسنده (1/441) ، والدارمي في سننه (2/225 ح2777) ، والطبراني في (الكبير 10/270-271 ح10528- 10530) ، وابن حبان في صحيحه (الإحسان 2/134 ح910) ، والحاكم في (المستدرك 2/421) من طرق عن عبد الله بن السائب به. قال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. وقال ابن القيم: هذا إسناد صحيح (جلاء الأفهام ص22 ح26) . وعزاه الهيثمي للبزار بزيادة فيه، ثم قال: رجاله رجال الصحيح (مجمع الزوائد 9/24) . وجعله البغوي في (المصابيح) من قسم الحسن (انظر المشكاة 1/291 ح924) ، وصححه السيوطي (الجامع الصغير مع فيض القدير 2/479 ح2355) والألباني (صحيح الجامع رقم2174) ، والأرناؤوط (حاشية سير النبلاء 17/106) .
قال الترمذي: حدثنا يحيى بن موسى وزياد بن أيوب قالا: حدثنا أبو عامر العقدي، عن سليمان بن بلال عن عمارة بن غزية، عن عبد الله بن علي بن حسين بن علي بن أبي طالب عن أبيه، عن حسين بن علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "البخيل الذي من ذكرتُ عنده فلم يصلّ عليَّ".
(السنن 5/551 ح3546 - ك الدعوات، ب قول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "رغم أنف رجل") وأخرجه النسائي (عمل اليوم والليلة ح55، 56) ، وأحمد (المسند 1/201) ، والحاكم (المستدرك 1/549) من طرق سليمان بن بلال به. قال الترمذي: حديث حسن صحيح غريب، وقال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. وقال ابن حجر: لا يقصر عن درجة الحسن (فتح الباري 11/168) .
قال أبو داود: حدثنا أحمد بن حنبل، ثنا عبد الله بن يزيد، ثنا حيوة، أخبرني أبو هانئ حميد بن هانئ، أن أبا علي عمرو بن مالك حدثه سمع فضالة بن عبيد صاحب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: سمع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رجلاً يدعو في صلاته لم يُمجِّد الله تعالى ولم يصل على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "عجّل هذا". ثم دعاه فقال له أو لغيره: "إذا صلى أحدكم فليبدأ بتمجيد ربه جل وعز والثناء عليه، ثم يصلي على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثم يدعو بعد بما شاء".
(السنن 2/77 ح1481 - ك الصلاة، ب الدعاء) . وأخرجه الترمذي (5/517 ح3477- ك الدعوات، ب 65) من طريق، محمود بن غيلان. وابن حبان في صحيحه (الإحسان 5/290 ح1960) من طريق: يوسف بن موسى القطان، والحاكم (المستدرك 1/230) من طريق السري بن خزيمة، كلهم عن عبد الله بن يزيد المقرى عن حيوة به. والحديث في مسند أحمد (6/18) عن عبد الله ابن يزيد به. قال الترمذي: حسن صحيح. وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. وقال الألباني: صحيح (صحيح الترمذي ح2767) .(4/142)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه) يقول: يباركون على النبي.
قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ) قال البخاري: حدثنا الحميدي، حدثنا سفيان، حدثنا الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "قال الله عز وجل: يؤذيني ابن آدم يسبّ الدهر، وأنا الدهر، بيدي الأمر أقلّب الليل والنهار".
(الصحيح 8/437 ح4826 - ك التفسير، ب سورة الجاثية) . وأخرجه مسلم (الصحيح 4/1762 بعد رقم 2246 - ك الألفاظ، ب النهي عن سب الدهر) .
قوله تعالى (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا)
انظر حديث مسلم عن أبي هريرة الآتي عند الآية (12) من سورة الحجرات "أتدرون ما الغيبة"؟.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (والذين يؤذون) قال: يقفون.
وعلق الطبري فقال: فمعنى الكلام على ما قال مجاهد: والذين يقفون المؤمنين والمؤمنات، ويعيبونهم طلبا لشينهم (بغرر ما اكتسبوا) يقول: بغير ما عملوا.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا) فإياكم وأذى المؤمنين، فإن الله يحوطه، ويغضب له.
قوله تعالى (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا)
أخرج عبد الرزاق: عن معمر، عن ابن خثيم، عن صفية بنت شيبة، عن أم سلمة زوج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قالت: لما نزلت هذه الآية (يدنين عليهن من جلابيبهن) خرج نساء الأنصار كأن على رؤوسهن الغربان من السكينة، وعليهن أكسية سود يلبسنها.(4/143)
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (59) لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا (60)
(التفسير 2/101 ح2377) ومن طريق عبد الرزاق: أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره - كما ساق ابن كثير رحمه الله في تفسيره (3/518) ، وأخرجه أبو داود في سننه (4/356 ح4101 - ك اللباس، ب في قوله تعالى (يدنين عليهن من جلابيبهن) . من طريق ابن ثور، عن معمر بإسناده مختصراً بنحوه.
وصححه الألباني (صحيح سنن أبي داود رقم 3456) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله (يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن) أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة أن يغطين وجوههن من فوق رءوسهن بالجلاليب، ويبدين عينا واحدة.
قال الطبري حدثنا يعقوب، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا هشام، عن ابن سيرين، قال سألت عَبيدة، عن قوله (قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن) قال: فقال بثوبه، فغطى رأسه ووجهه، وأبرز ثوبه عن إحدى عينيه.
وسنده صحيح.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (يدنين عليهن من جلابيبهن) يتجلببن فيعلم أنهن حرائر فلا يعرض لهن فاسق بأذى من قول ولا ريبة.
قوله تعالى (لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (والذين في قلوبهم مرض) قال: شهوة الزنا.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (لنغرينك بهم) يقول: لنسلطنك عليهم.
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة قوله (لنغرينك بهم) يقول: لنحرشنك بهم.(4/144)
مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا (61) سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا (62) يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا (63) إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا (64) خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (65) يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا (66)
قوله تعالى (مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا (61) سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ملعونين) على كل حال (أينما ثقفوا) أخذوا (وقتلوا تقتيلا) إذا هم أظهروا النفاق.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (سنة الله في الذين قد خلوا من قبل) ... الآية يقول: هكذا سنة الله فيهم إذا أظهروا النفاق.
قوله تعالى (وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا)
قال الشيخ الشنقيطى: قوله تعالى (وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا) ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أن الساعة التي هي القيامة لعلها تكون قريبا وذكر نحوه في قوله في الشورى (وما يدريك لعل الساعة قريب) وقد أوضح جل وعلا اقترابها في آيات أخر كقوله (اقتربت الساعة) الآية، وقوله (اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون) وقوله تعالى (أتى أمر الله فلا تستعجلوه) الآية.
قوله تعالى (يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا)
قال ابن كثير: ثم قال (يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا) أي: يسحبون في النار على وجوههم، وتلوى وجوههم على جهنم، يقولون وهم كذلك، يتمنون أن لو كانوا في الدار الدنيا ممن أطاع الله وأطاع الرسول، كما أخبر عنهم في حال العرصات بقوله (ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا يا ويلتي ليتني لم أتخذ فلانا خليلا لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للإنسان خذولا)
وقال تعالى (ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين) .
وانظر سورة الفرقان الآيات (27-29) .(4/145)
وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا (67) رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا (68) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا (69)
قوله تعالى (رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا) أي رءوسنا في الشر والشرك.
قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آَذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا)
قال البخاري: حدثنا إسحاق بن إبراهيم، حدثنا رَوح بن عبادة، حدثنا عوف عن الحسن ومحمد وخلاس، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إن موسى كان رجلا حييا ستّيرا لا يُرى من جلده شيءٌ استحياء منه، فآذاه من آذاه من بني إسرائيل فقالوا: ما يستتر هذا التستر إلا من عيب بجلده: إما برص وإما أدْرة، وإما آفة. وإن الله أراد أن يبرئه مما قالوا لموسى، فخلا يوما وحده فوضع ثيابه على الحجر ثم اغتسل. فلما فرغ أقبل إلى ثيابه ليأخذها، وإن الحجر عدا بثوبه، فأخذ موسى عصاه وطلب الحجر فجعل يقول: ثوبي حجر، ثوبي حجر. حتى انتهى إلى ملأ من بني إسرائيل فرأوه عريانا أحسن ما خلق الله وأبرأه مما يقولون، وقام الحجر، فأخذ ثوبه فلبسه، وطفِق بالحجر ضربا بعصاه، فوالله إن بالحجر لندبا من أثر ضربه ثلاثا أو أربعا أو خمسا، فذلك قوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهاً) .
(صحيح البخاري 6/502 ح3404 - ك أحاديث الأنبياء) .
قال أحمد بن منيع: حدثنا عباد بن العوام، ثنا سفيان بن حسين، عن الحكم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - في قوله عز وجل: (لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا) . قال: صعد موسى وهارون الجبل فمات هارون، فقالت بنوا إسرائيل: أنت قتلته، وكان أشد حباً لنا منك وألين لنا منك، فآذوه بذلك، فأمر الله تعالى الملائكة(4/146)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا (69) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71)
فحملوه حتى مروا على بني إسرائيل، فتكلمت الملائكة -عليهم السلام- بموته، حتى عرفت بنو إسرائيل أنه قد مات، فانطلقوا به فدفنوه، فلم يطلع على قبره أحد من خلق الله إلا الرّخم، فجعله عز وجل أصم أبكم.
(المطالب العالية، ق126/ب - ك أحاديث الأنبياء، ب أخبار موسى وهارون عليهما السلام - النسخة المسندة) . وأخرجه الطبري في تفسيره (22/52) ، وابن أبي حاتم - كما في تفسير ابن كثير (3/520) والحاكم في (المستدرك 2/579) من طرق، عن عباد بن العوام به، قال الحاكم عقبه: حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.
وقال الحافظ ابن حجر في (المطالب العالية) عقب إيراده الحديث عن ابن منيع: هذا إسناد صحيح.
وقال مرة: إسناد قوي. (فتح الباري 8/534) ثم قال رحمه الله: موفقاً بين هذا الأثر وبين الحديث المرفوع في الصحيح والذي فيه أنهم آذوه بقولهم: إنه آدر - قال: وما في الصحيح أصح من هذا، لكن لا مانع أن يكون للشيء سببان فأكثر تقدم تقريره غير مرة) . وقال ابن كثير -رحمه الله- قريباً من ذلك.
قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا)
انظر تفسير الآية (102) من سورة آل عمران، وانظر سورة الإسراء آية (53) (وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن) .
أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد (وقولوا قولا سديدا) يقول: سدادا.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (اتقوا الله وقولوا قولا سديدا) أي: عدلا، قال قتادة: يعني به في منطقه وفي عمله كله، والسديد: الصدق.
قوله تعالى (يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)
في هذه الآية بيان ثمرة الاستجابة للآية السابقة وعاقبة القول السديد والتقوى في الدنيا والآخرة.(4/147)
إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا (72)
قوله تعالى (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا)
قال البخاري: حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان، حدثنا الأعمش عن زيد ابن وهب، حدثنا حذيفة قال: حدثنا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حديثين رأيت أحدهما وأنا أنتظر الآخر: حدثنا أن الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال، ثم علموا من القرآن ثم علموا من السنة، وحدثنا عن رفعها قال: ينام الرجل النومة فتقبض الأمانة من قلبه فيظل أثرها مثل أثر الوكت، ثم ينام النومة فتُقبض فيبقى فيها أثرها مثل أثر المجل، كحمر دحرجته على رِجلك فنفط فتراه صبرا منتبرا وليس فيه شيء، ويصبح الناس يتبايعون فلا يكاد أحد يُؤدي الأمانة، فيقال: إنّ في بني فلان رجلا أمينا، ويقال للرجل: ما أعقله وما أظرفه وما أجلده وما في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان، ولقد أتى عليّ زمان ولا أبالي أيكم بايعت، لئن كان مسلما رده عليّ الإسلام، وإن كان نصرانيا رده عليّ ساعيه، وأما اليوم فما كنت أبايع إلا فلانا وفلانا.
(صحيح البخاري 13/42 - ك الفتن، ب إذا بقي في حثالة من الناس) ، (صحيح مسلم 1/126-127 ح7086 - ك الإيمان، رفع الأمانة والإيمان من بعض القلوب..) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال) إن أدوها أثابهم، وإن ضيعوها عذبهم، فكرهوا ذلك، وأشفقوا من غير معصية، ولكن تعظيما لدين الله أن لا يقوموا بها، ثم عرضها على آدم، فقبلها بما فيها، وهو قوله (وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا) غرا بأمر الله.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال) يعني به: الدين والفرائض والحدود (فأبين أن يحملنها وأشفقن منها) قيل لهن: احملنها تودين حقها، فقلن لا نطيق ذلك (وحملها(4/148)
الإنسان إنه كان ظلوما جهولا) قيل له: أتحملها؟ قال: نعم، قيل: أتودي حقها؟ قال: نعم، قال الله: إنه كان ظلوما جهولا عن حقها.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (إنه كان ظلوما جهولا) غر بأمر الله.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (إنه كان ظلوما جهولا) قال: ظلوما لها، يعني للأمانة، جهولا عن حقها.
قوله تعالى (لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ليعذب الله المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات) هذان اللذان خاناها، (ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات) ، هذان اللذان أدياها (وكان الله غفورا رحيما) .(4/149)
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (1) يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ (2) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (3) لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4)
سورة سبأ
قوله تعالى (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآَخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ)
انظر بداية سورة الفاتحة.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وهو الحكيم الخبير) حكيم في أمره، خبير بخلقه.
قوله تعالى (يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ)
قال الشيخ الشنقيطي: بين جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أنه يعلم ما يلج في الأرض أي ما يدخل فيها من الماء النازل من السماء الذي يلج في الأرض كما أوضحه في قوله تعالى (ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فسلكه ينابيع في الأرض) الآية.
قوله تعالى (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن ابن عباس في قوله (لا يعزب عنه) يقول: لا يغيب عنه.
انظر سورة الزلزلة آية (7) لبيان مثقال ذرة.
قوله تعالى (لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (أولئك لهم مغفرة) لذنوبهم (ورزق كريم) الجنة.(4/150)
وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ (5) وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (6) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ (7) أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَمْ بِهِ جِنَّةٌ بَلِ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذَابِ وَالضَّلَالِ الْبَعِيدِ (8) أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (9)
قوله تعالى (وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آَيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (والذين سعوا في آياتنا معاجزين) أي: لا يعجزون (أولئك لهم عذاب من رجز أليم) قال: الرجز: سوء العذاب، الأليم: المرجع.
قوله تعالى (وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ويرى الذين أوتوا العلم الذي أنزل إليك من ربك هو الحق) قال: أصحاب محمد.
قوله تعالى (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وقال الذين كفروا هل ندلكم على رجل ينبئكم إذا مزقتم كل ممزق) قال ذلك مشركو قريش والمشركون من الناس (ينبئكم إذا مزقتم كل ممزق) إذا أكلتكم الأرض، وصرتم رفاتاً وعظاماً، وقطعتكم السباع والطير (إنكم لفي خلق جديد) ستحيون وتبعثون.
قوله تعالى (أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَمْ بِهِ جِنَّةٌ بَلِ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قال: قالوا تكذيبا (أفترى على الله كذبا) قال: قالوا: إما أن يكون يكذب على الله، أم به جِنة، وإما أن يكون
مجنونا (بل الذين لا يؤمنون) ... الآية.
قوله تعالى (أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (أفلم يروا إلى ما بين أيديهم وما خلفهم) قال: ينظرون عن أيمانهم، وعن شمائلهم، كيف السماء قد أحاطت بهم (إن نشأ نخسف بهم الأرض) كما خسفنا بمن كان قبلهم (أو نسقط عليهم كسفا من السماء) أي قطعاً من السماء.(4/151)
أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (9) وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ (10) أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (11)
قوله تعالى (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ) والمنيب: المقبل التائب.
قوله تعالى (وَلَقَدْ آَتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ)
قال الشيخ الشنقيطي: ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أنه أتى داود منه فضلا تفضل به عليه وبين هذا الفضل الذي تفضل به على داود في آيات أخر كقوله تعالى (وقتل داود جالوت وآتاه الله الملك والحكمة وعلمه مما يشاء) وقوله تعالى (وشددنا ملكه وآتينه الحكمة وفصل الخطاب) وقوله تعالى (ووهبنا لداود سليمان نعم العبد إنه أواب) وقوله تعالى: (فغفرنا له ذلك وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب) وقوله تعالى (يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض) .
أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (يا جبال أوبي معه) قال: سبحي.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وألنا له الحديد) سخر الله له الحديد بغير نار.
قوله تعالى (أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (أن اعمل سابغات) دروع، وكان أول من صنعها داود، إنما كان قبل ذلك صفائح.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وقدر في السرد) كان يجعلها بغير نار، ولا يقرعها بحديد، ثم يسردها. والسرد: المسامير التي في الحلق.
أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله (وقدر في السرد) قدر المسامير والحلق، لا تدق المسامير فتسلس، ولا تجلها.(4/152)
وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ (12) يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ (13)
قوله تعالى (وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ) قال الشيخ الشنقيطي: قد بينا الآيات التي فيها إيضاح له في سورة الأنبياء في الكلام على قوله: (ولسليمان الريح عاصفة تحري بأمره إلى الأرض) الآية.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (ولسليمان الريح غدوها شهر ورواحها شهر) تغدوا مسيرة شهر، وتروح مسيرة شهر، قال: مسيرة شهرين في يوم.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن ابن عباس قوله (وأرسلنا له عين القطر) يقول: النحاس.
قوله تعالى (وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ (12) يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آَلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ)
انظر سورة الأحقاف آية (29) حديث أبي ثعلبة الخشني.
وانظر قوله تعالى في سورة الأنبياء (ومن الشياطين من يغوصون له ويعملون عملا دون ذلك وكنا لهم حافظين) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (ومن يزغ منهم عن أمرنا) أي: يعدل منهم عن أمرنا عما أمره به سليمان (نذقه من عذاب السعير) .
أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (ما يشاء من محاريب) بنيان دون القصور.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (يعملون له ما يشاء من محاريب) وقصور ومساجد.
أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد (وتماثيل) قال: من نحاس.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن ابن عباس قوله (وجفان كالجواب) ، يقول: كالجوبة من الأرض.(4/153)
يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ (13) فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ (14)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وجفان كالجواب) قال: جفان كجوبة الأرض من العظم، والجوبة من الأرض: يستنقع فيها الماء.
أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد (وقدور راسيات) قال: عظام.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن ابن عباس قوله (وقليل من عبادي الشكور) يقول: قليل من عبادي الموحدون توحيدهم.
قوله تعالى (فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ)
أخرج إبراهيم بن طهمان، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "كان نبي الله سليمان إذا قام في مصلاه رأى شجرة نابتة بين يديه. فقال لها ما اسمك؟ قالت: الخرنوب. قال: لأي شيء أنت؟ فقالت: لخراب هذا البيت. فقال اللهم عم عليهم موتي حتى يعلم الإنس أن الجن لا تعلم الغيب. قال فنحتها عصا يتوكأ عليها. فأكلتها الأرضة فسقطت فخر. فحزروا أكلها الأرضة. فوجدوه حولا. فتبينت الإنس أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين -وكان ابن عباس يقرؤها هكذا- فشكرت الجن الأرضة. فكانت تأتيها بالماء حيث كانت.
رواه الذهبي بسنده إلى إبراهيم بن طهمان به ثم قال: إسناده حسن (سير أعلام النبلاء 4/338- 339) . والخرنوب: ويقال: الخروب: وهو نوعان بري وشامي؛ فالأول: ذو أفنان وحمل. وله شوك يرتفع قدر الذراع. وفيه حب صلب زلال بشع. لا يؤكل إلا في الجهد. والثاني: حلو يؤكل. عريض وأكبر من سابقه. التاج (خرب) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن ابن عباس قوله: (إلا دابة الأرض تأكل منسأته) يقول: الأرضة تأكل عصاه.(4/154)
لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ (15)
قوله تعالى (لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آَيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ)
قال الترمذي: حدثنا أبو كريب وعبد بن حميد وغير واحد قالوا: أخبرنا أبو أسامة عن الحسن بن الحكم النخعي، حدثنا أبو سبرة النخعي عن فروة بن مسيك المرادي قال: أتيت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقلت: يا رسول الله ألا أقاتل من أدبر من قومي بمن أقبل منهم؟ فأذن لي في قتالهم وأمرني، فلما خرجت من عنده سأل عني ما فعل
الغطيفي؟ فأخبر أني قد سرت، قال: فأرسل في أثري فردني فأتيته وهو في نفر من أصحابه، فقال: ادع القوم فمن أسلم منهم فاقبل منه، ومن لم يسلم فلا تعجل حتى أحدث إليك قال: وأنزل في سبأ ما أنزل، فقال رجل: يا رسول الله، وما سبأ؟ أرض أو امرأة؟ قال: ليس بأرض ولا امرأة، ولكنه رجل ولد عشرة من العرب فتيامن منهم ستة، وتشاءم منهم أربعة فأما الذين تشاءموا: فلخم وجذام وغسان وعاملة، وأما الذين تيامنوا: فالأزد والأشعريون وحمير ومذحج وأنمار وكندة. فقال رجل: يا رسول وما أنمار؟ قال: الذين منهم خثعم وبجيلة.
(السنن 5/361 ح3222 - ك التفسير، ب ومن سورة سبأ) ، وأخرجه أبو داود (السنن 4/34 ح3988 - ك الحروف والقراءات) من طريق: عثمان بن أبي شيبة وهارون بن عبد الله، كلاهما عن أبي أسامة به مختصراً، فيه ذكر الشاهد فقط. قال الترمذي: حديث حسن غريب. وقال الألباني: حسن صحيح (صحيح الترمذي ح2574) ، وأخرجه الإمام أحمد (المسند 1/316) من عبد الله بن يزيد المقرئ، عن ابن لهيعة، عن عبد الله بن هبيرة النسائي، عن عبد الرحمن بن وعلة، عن ابن عباس بمثله مقتصراً على موضع الشاهد كما عند أبي داود، وأخرجه الحاكم (المستدرك 2/423) من طريق محمد بن أحمد بن أنس القرشي عن المقرئ به، وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. وأخرجه الإمام أحمد من حديث فروة بن مسيك مرفوعاً. وقال ابن كثير: إسناد جيد (التفسير 6/492 ط الشعب) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (بلدة طيبة ورب غفور) وربكم غفور لذنوبكم، قوم أعطاهم الله نعمة، وأمرهم بطاعته، ونهاهم عن معصيته.(4/155)
فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ (16) ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ (17) وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ (18) فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (19)
قوله تعالى (فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ (16) ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُور)
أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله (سيل العرم) قال: شديد. وقيل: إن العرم: اسم واد كان لهؤلاء القوم.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (سيل العرم) يقول: شديد، وكان السبب الذي سبب الله لإرسال ذلك السيل عليهم فيما ذكر لي جرذا ابتعثه الله على سدهم، فثقب فيه ثقباً.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: أبدلهم الله مكان جنتيهم جنتين ذواتى أكل خمط، والخمط: الأراك.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (وأثل) قال الأثل: الطرفاء.
أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد (وهل نجازي) : نعاقب.
قوله تعالى (وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آَمِنِينَ)
أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (القرى التي باركنا فيها) قال: قرى الشأم.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (قرى ظاهرة) أي: متواصلة.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (سيروا فيها ليالي وأياما آمنين) لا يخافون ظلماً ولا جوعاً، وإنما يغدون فيقيلون، ويروحون فيبيتون في قرية أهل جنة ونهر.
قوله تعالى (فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا) بطر القوم نعمة الله، وغمطوا كرامة الله، قال الله (وظلموا أنفسهم فجعلناهم أحاديث) .(4/156)
فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (19) وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (20) وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ (21) قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ (22) وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (23)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وظلموا أنفسهم فجعلناهم أحاديث ومزقناهم كل ممزق) قال قتادة: قال عامر الشعبي: أما غسان فقد لحقوا بالشام، وأما الأنصار فلحقوا بيثرب، وأما خزاعة فلحقوا بتهامة، وأما الأزد فلحقوا بعمان.
قوله تعالى (وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) انظر قوله تعالى في سورة الحجر (لأزينن لهم في الأرض ولأغوينهم أجمعين) الآية.
قوله تعالى (وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآَخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ)
انظر قوله تعالى في سورة الحجر (إلا عبادك منهم المخلصين) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (وما كان له عليهم من سلطان) قال: قال الحسن: والله ما ضربهم بعصا ولا سيف ولا سوط، إلا أماني وغرورا دعاهم إليها.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (إلا لنعلم من يؤمن بالآخرة ممن هو منها في شك) قال: وإنما كان بلاء ليعلم الله الكافر من المؤمن.
قوله تعالى (قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (قل ادعو الذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض وما فيهما من شرك)
يقول: ما لله من شريك في السماء ولا في الأرض (وماله منهم) من الذين يدعون من دود الله (من ظهير) من عون بشيء.
انظر قوله تعالى في سورة الإسراء (قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا) .
وانظر سورة الزلزلة آية (6) .
قوله تعالى (وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ)
انظر قوله تعالى في سورة البقرة (ولا يقبل منها شفاعة) .(4/157)
وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (23) قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (24) قُلْ لَا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ (25)
قوله تعالى (حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ..)
قال البخاري: حدثنا الحميدي حدثنا سفيان حدثنا عمرو قال: سمعت عِكرمة يقول: سمعت أبا هريرة يقول: إن نبي الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: إذا قضى الله الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعاناً لقوله كأنه سلسلةً على صفوان، فإذا فُزِّع عن قلوبهم قالوا: ماذا قال ربكم؟ قالوا للذي قال الحق وهو العلي الكبير، فيسمعها -مسترق السمع ومسترق السمع هكذا بعضه فوق بعض- ووصف سفيان بكفّه فحرفها وبدّد بين أصابعه- فيسمع الكلمة فيُلقيها إلى من تحته، ثم يلقيها الآخر إلى من تحته، حتى يلقيها على لساد الساحر أو الكاهن، فربّما أدرك الشهاب قبل أن يلقيها، وربما ألقاها قبل أن يدركه فيكذب معها مائة كذْبة، فيقال: أليس قد قال لنا يومَ كذا وكذا كذا وكذا، فيصدق تلك الكلمة التي سمع من السماء.
(الصحيح البخاري 8/398 ح4800 - ك التفسير، ب (الآية) سورة سبأ) .
انظر حديث البخاري عن الحارث بن هشام في صفة إتيان الوحي النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، والآتي عند الآية (3) من سورة الشورى.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن ابن عباس قوله (حتى إذا فزع عن قلوبهم) يعني: جلى.
قوله تعالى (قل لا تُسئلون عما أجرمنا ولا نُسئل عما تعملون)
قال الشيخ الشنقيطي: أمر الله جل وعلا نبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في هذه الآية الكريمة أن يقول للكفار: إنهم وإياهم ليس أحد منهم مسئولا عما يعمله الآخر، بل كل منهم مؤاخذ بعمله، والآخر بريء منه. وأوضح هذا المعنى في غير هذا الموضع كقوله تعالى: (وإن كذبوك فقل لي عملي ولكم عملكم أنتم بريئون مما أعمل وأنا بريء مما تعملون) ، وقوله تعالى: (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ) إلى قوله: (لكم دينكم) .(4/158)
قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ (26) قُلْ أَرُونِيَ الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكَاءَ كَلَّا بَلْ هُوَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (27) وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (28)
قوله (قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (قل يجمع بينا ربنا) يوم القيامة (ثم يفتح بيننا) : أي يقضي بيننا.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن ابن عباس قوله (وهو الفتاح العليم) يقول: القاضي.
قوله تعالى (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا)
قال الحاكم: حدثنا أبو بكر أحمد بن كامل بن خلف القاضي، ثنا محمد بن جرير الفقيه، ثنا أبو كريب سمعت أبا أسامة وسئل عن قول الله عز وجل (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا) فقال حدثنا الأعمش عن مجاهد عن عبيد بن عمير عن أبي ذر - رضي الله عنه - قال: طلبت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليلة فوجدته قائما يصلي فأطال الصلاة ثم قال: أوتيت الليلة خمسا لم يؤتها نبي قبلي أرسلت إلى الأحمر والأسود -قال مجاهد: الإنس والجن- ونصرت بالرعب فيرعب العدو وهو على مسيرة شهر. وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً. وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي. وقيل لي سل تعطه فاختبأتها شفاعة لأمتي فهي نائلة من لم يشرك بالله شيئا.
هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. بهذه السياقة إنما أخرجا ألفاظاً من الحديث متفرقة. (المستدرك 2/424 - ك التفسير، وصححه الذهبي) .
انظر حديث جابر مرفوعاً عند البخاري المتقدم في سورة آل عمران آية (151) وفيه: "كان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة".
وانظر حديث مسلم المتقدم عند الآية (1) من سورة الفرقان.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (وما أرسلناك إلا كافة للناس) قال: أرسل الله محمداً إلى العرب والعجم، فأكرمهم على الله أطوعهم له.(4/159)
قُلْ لَكُمْ مِيعَادُ يَوْمٍ لَا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ سَاعَةً وَلَا تَسْتَقْدِمُونَ (30) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْآنِ وَلَا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلَا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ (31) قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءَكُمْ بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ (32) وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْدَادًا وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلَالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (33)
قوله تعالى (قُلْ لَكُمْ مِيعَادُ يَوْمٍ لَا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ سَاعَةً وَلَا تَسْتَقْدِمُونَ) انظر قوله تعالى في سورة يونس (لكل أمة أجل إذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون) .
قوله تعالى (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْآَنِ وَلَا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (لن نؤمن بهذا القرآن ولا بالذي بين يديه) قال: قال المشركون: بن نؤمن بهذا القرآن، ولا بالذي بين يديه من الكتب والأنبياء.
قوله تعالى (وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلَا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ (31) قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءَكُمْ بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ (32) وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْدَادًا وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ)
انظر قوله تعالى في سورة البقرة (إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا) .
قال الطبري: حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن يمان، عن أشعث، عن جعفر بن أبي المغيرة، عن سعيد بن حمير (بل مكر الليل والنهار) قال: سر الليل والنهار.
وسنده حسن.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (ونجعل له أندادا) شركاء.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وأسروا الندامة) بينهم (لما رأوا العذاب) .
قوله تعالى (وَجَعَلْنَا الْأَغْلَالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا)
قال الشيخ الشنقيطى: جاء موضحاً في مواضع أخر كقوله تعالى (إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل) وقوله (أولئك الذين كفروا بربهم وأولئك الأغلال في أعناقهم) وقوله (ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (وما أرسلنا في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا بما أرسلتم به كافرون) قال: هم رؤوسهم وقادتهم في الشر.(4/160)
قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (36) وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ (37) وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ (38) قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (39)
قوله تعالى (قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ)
انظر سورة الإسراء آية (30) وسورة الرعد آية (26) .
قوله تعالى (وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آَمِنُونَ)
انظر سورة العنكبوت آية (58) وفيها حديث أبي مالك الأشعري لبيان صفة الغرفات.
قال مسلم: حدثنا عمرو الناقد، حدثنا كثير بن هشام، حدثنا جعفر بن برقان، عن يزيد بن الأصم، عن أبي هريرة. قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم".
(الصحيح 4/1987 ح بعد 2564 - ك البر والصلة والآداب، ب تحريم ظلم المسلم وخذله واحتقاره) .
أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (عندنا زلفى) قال: قربى.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى) لا يعتبر الناس بكثرة المال والولد، وإن الكافر قد يعطي المال وربما حبس عن المؤمن.
قوله تعالى (قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ)
انظر سورة الرعد آية (26) وسورة الإسراء آية (30) .
قال الطبري: حدثنا ابن بشار، قال: ثنا يحيى، قال: ثنا سفيان، عن النهال بن عمرو، عن سعيد بن جبير (وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه) قال: ما كان في غير إسراف ولا تقتير.
وسنده حسن.
قال البخاري: حدثنا إسماعيل قال، حدثني أخي، عن سليمان، عن معاوية بن أبي مزرد، عن أبي الحباب، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ما من يوم يصبح(4/161)
قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (39) وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ (40) قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ (41) فَالْيَوْمَ لَا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ (42) وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَذَا إِلَّا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُكُمْ وَقَالُوا مَا هَذَا إِلَّا إِفْكٌ مُفْتَرًى وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (43) وَمَا آتَيْنَاهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ (44) وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَمَا بَلَغُوا مِعْشَارَ مَا آتَيْنَاهُمْ فَكَذَّبُوا رُسُلِي فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ (45)
العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقاً خلفاً، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكاً تلفاً".
(الصحيح ح1442 - ك الزكاة، ب قوله تعالى (فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى ... )
وأخرجه مسلم أيضاً: 2/700 ح1010 - ك الزكاة، ب في المنفق والممسك) .
وانظر حديث مسلم عن أبي هريرة التقدم عند الآية (149) من سورة النساء.
وانظر حديث البخاري ومسلم المتقدم تحت الآية رقم (64) من سورة المائدة.
قوله تعالى (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ (40) قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ)
انظر سورة الأنعام (100-138) وسورة الأعراف (38-179) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (ويوم يحشرهم جميعا ثم يقول للملائكة أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون) استفهام، كقوله لعيسى (أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله) ؟.
قوله تعالى (وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَذَا إِلَّا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آَبَاؤُكُمْ وَقَالُوا مَا هَذَا إِلَّا إِفْكٌ مُفْتَرًى…)
انظر سورة الأنفال (31) وسورة لقمان (7) وسورة القلم (15) .
قوله تعالى (وَمَا آَتَيْنَاهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (وما أتيناهم من كتب يدرسونها) أي: يقرءونها (وما أرسلنا إليهم قبلك من نذير) يقول: وما أرسلنا إلى هؤلاء المشركين من قومك يا محمد فيما يقولون قبلك من نبي ينذرهم بأسنا عليه.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وما أرسلنا إليه قبلك من نذير) ، ما أنزل الله على العرب كتاباً قبل القرآن، ولا بعث إليهم نبياً قبل محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
قوله تعالى (وَمَا بَلَغُوا مِعْشَارَ مَا آَتَيْنَاهُمْ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (وَمَا بَلَغُوا مِعْشَارَ مَا آَتَيْنَاهُمْ) من القوة في الدنيا.(4/162)
قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ (46) قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (47) قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (48) قُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ (49) قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ (50) وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ (51) وَقَالُوا آمَنَّا بِهِ وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ (52)
قوله تعالى (إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ)
أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (إنما أعظكم بواحدة) قال: بطاعة الله.
قوله تعالى (أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى)
أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد (أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى) قال: واحد أو اثنين.
قوله تعالى (قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (قل ما سألتكم من أجر) أي: جُعل (فهو لكم) يقول: لم أسألكم على الإسلام جُعلا.
قوله تعالى (قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (48) قُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (قل إن ربي يقذف بالحق) أي بالوحي (علام الغيوب قل جاء الحق) أي القرآن (وما يبدئ الباطل وما يعيد) ، والباطل: إبليس: أي ما يخلق إبليس أحدا، ولا يبعثه.
انظر الحديث المتقدم عن ابن مسعود تحت الآية رقم (81) من سورة الإسراء.
قوله تعالى (وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن ابن عباس (ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت) يقول: فلا نجاة.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة عن الحسن قوله (ولو ترى إذ فزعوا) قال: فزعوا يوم القيامة حين خرجوا من قبورهم.
قوله تعالى (وَقَالُوا آَمَنَّا بِهِ وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ)
أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (وقالوا آمنا به) قالوا: آمنا بالله.
أخرج الطبري بشده الحسن عن قتادة (وقالوا آمنا به) عند ذلك، يعني: حين عاينوا عذاب الله.(4/163)
وَقَالُوا آمَنَّا بِهِ وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ (52) وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ (53) وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ (54)
أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد (وأنى لهم التناوش) قال: الرد آل الدنيا.
قال الطبري: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد (وأنى لهم التناوش) قال: التناول (من مكان بعيد) .
وسنده حسن.
أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (من مكان بعيد)
من الآخرة إلى الدنيا.
قوله تعالى (وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وقد كفروا به من قبل) : أي بالإيمان في الدنيا.
أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله (ويقذفون بالغيب من مكان بعيد) قال: قولهم محمد ساحر، بل هو كاهن، بل هو شاعر.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ويقذفون بالغيب من مكان بعيد) أي يرجمون بالظن يقولون لا بعث، ولا جنة ولا نار.
قوله تعالى (وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ)
أخرج الطبري بأسانيد يقوي بعضها بعضاً عن الحسن، في قوله (وحيل بينهم وبين ما يشتهون) قال: حيل بينهم وبين الإيمان بالله.
أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله (وحيل بينهم وبين ما يشتهون) قال من مال وولد وزهرة.
أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن ابن أبي نجيح (كما فعل بأشياعهم من قبل) قال الكفار من قبلهم كما فعل بأمثالهم.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (كما فعل بأشياعهم من قبل) ، أي: في الدنيا كانوا إذا عاينوا العذاب لم يقبل منهم إيمان.(4/164)
الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (2) يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (3) وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (4) يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (5)
سورة فاطر
قوله تعالى (الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)
انظر أول سورة الفاتحة، ومعنى فاطر: أي خالق كما تقدم في سورة الأنعام آية (14) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع) قال: بعضهم له جناحان وبعضهم ثلاثة وبعضهم أربعة.
قوله تعالى (مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ما يفتح الله للناس من رحمة) أي من خير (فلا ممسك لها) فلا يستطيع أحد حبسها.
وانظر حديث ابن عباس المتقدم في سورة البقرة آية (45) في وصية النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لابن عباس: "يا بني احفظ الله يحفظك، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بما قدر الله لك ... ".
قوله تعالى (أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ)
انظر آخر سورة الملك.
قوله تعالى (وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ…) (… وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ)
أخرج الطبري بشده الحسن عن قتادة (وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ) يعزي نبيه كما تسمعون.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (ولا يغرنكم بالله الغرور) يقول: الشيطان.(4/165)
إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ (6) الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (7) أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (8)
قوله تعالى (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ (6) الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا) فإنه لحق على كل مسلم عداوته، وعداوته أن يعاديه بطاعة الله (إنما يدعو حزبه) وحزبه أولياؤه (ليكونوا من أصحاب السعير) أي ليسوقوهم إلى النار، فهذه عداوته.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (لهم مغفرة وأجر كبير) وهي الجنة.
انظر قوله تعالى في سورة الحج (كتب عليه أنه من تولاه فأنه يضله ويهديه إلى عذاب السعير) .
قوله تعالى (أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآَهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ)
قال الترمذي: حدثنا الحسن بني عرفة، حدثنا إسماعيل في عياش، عن يحيى بن أبي عمرو الشيباني، عن عبد الله بن الديلمي قال: سمعت عبد الله بن عمرو يقول: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "إن الله عز وجل خلق خلقه في ظلمة، فألقى عليهم من نوره، فمن أصابه من ذلك النور اهتدى ومن أخطأه ضل، فلذلك أقول: جفّ القلم على علم الله".
(السنن 5/26 ح2642، ك الإيمان، ب ما جاء في افتراق هذه الأمة) ، وأخرجه أحمد (المسند 2/176) ، وابن حبان في صحيحه (الإحسان 14/43 ح6169) ، والحاكم (المستدرك 1/30) من طرق عن الأوزاعي عن ربيعة بن يزيد عن عبد الله بن الديلمي به، وهو مطول عند الحاكم قال الترمذي: حديث حسن. وقال الحاكم. حديث صحيح قد تداوله الأئمة، وقد احتجا بجميع رواته ثم لم يخرجاه، ولا أعلم له علة. ووافقه الذهبي وقال الهيثمي: رواه أحمد بإسنادين والبزار والطبراني ورجال أحد إسنادي أحمد ثقات (مجمع الزوائد 1/193-194) ونقل المناوي عن ابن حجر قوله: إسناده لا بأس به. وصححه السيوطي (فيض القدير شرح الجامع الصغير 2/230-231 ح1733) .
وقال الألباني: صحيح (صحيح الترمذي ح2130 - والسلسلة الصحيحة ح1076. وقال محقق الإحسان: إسناده صحيح) .(4/166)
أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (8) وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ (9) مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ (10)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (أفمن زين له سوء عمله فرآه حسناً فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء) قال قتادة: الحسن: الشيطان زين لهم ذلك (فلا تذهب نفسك عليهم حسرات) أي لا يحزنك ذلك عليهم، فإن الله يضل من يشاء، ويهدي من يشاء.
قوله تعالى (وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (والله الذي أرسل الرياح فتثير سحاباً) قال يرسل الرياح فتسوق السحب فأحيا الله به هذه الأرض الميتة بهذا الماء فكذلك يبعثه يوم القيامة.
قوله تعالى (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله (من كان يريد العزة) يقول: من كان يريد العزة بعبادته الآلهة (فإن العزة لله جميعاً) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (من كان يريد العزة فلله العزة جميعاً) يقول: فليتعزز بطاعة الله.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن ابن عباس قوله (إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه) قال: الكلام الطيب: ذكر الله، والعمل الصالح: أداء فرائضه، فمن ذكر الله سبحانه في أداء فرائضه حمل عليه ذكر الله فصعد به إلى الله ومن ذكر الله ولم يؤد فرائضه رد كلامه على عمله فكان أولى به.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه) قال قال الحسن وقتادة: لا يقبل الله قولا إلا بعمل، من قال وأحسن العمل قبل الله منه.(4/167)
مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ (10) وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (11) وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (12) يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ (13)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (والذين يمكرون السيئات لهم عذاب شديد) قال: هؤلاء أهل الشرك.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ومكر أولئك هو يبور) أي يفسد.
قوله تعالى (وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ)
انظر قوله تعالى في سورة الحج (يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب) الآية، وانظر سورة النحل آية (4) .
انظر حديث مسلم المتقدم عند الآية رقم (60) من سورة المائدة.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (والله خلقكم من تراب) يعني آدم (ثم من نطفة) يعني ذريته (ثم جعلكم أزواجا) فزوج بعضكم بعضاً.
قوله تعالى (وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ)
انظر قوله تعالى في سورة الفرقان (وهو الذي مرج البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وهذا ملح أجاج) والأجاج المر.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ومن كل تأكلون لحما طريا) أي: منهما جميعاً (وتستخرجون حلية تلبسونها) هذا اللؤلؤ (وترى الفلك فيه مواخر) فيه السفن مقبلة مقبلة ومدبرة بريح واحدة.
قوله تعالى (يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل) زيادة هذا في نقصان هذا، ونقصان هذا في زيادة هذا.(4/168)
يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ (13) إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ (14) يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (15) إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (16) وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ (17) وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (18)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى) أجل معلوم، وحدّ لا يقصر دونه ولا يتعداه.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ذلكم الله ربكم له الملك) أي هو الذي يفعل هذا.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن ابن عباس (من قطمير) يقول: الجلد الذي يكون على ظهر النواة.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ما يملكون من قطمير) والقطمير: القشرة التي على رأس النواة.
قوله تعالى (إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم) أي ما قبلوا ذلك عنكم، ولا نفعوكم فيه.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ويوم القيامة يكفرون بشرككم) إياهم، ولا يرضون، ولا يقرون به.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ولا ينبئك مثل خبير) والله هو الخبير أنه سيكون هذا منهم يوم القيامة.
قوله تعالى (إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد) أي: ويأت بغيركم.
قوله تعالى (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى..)
قال مسلم: حدثنا محمد بن رافع وعبد بن حميد، قال ابن رافع: حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا ابن جريج، أخبرني عبد الله بن أبي مليكة ... فذكر حديثاً طويلاً وفيه تحديث عمر - رضي الله عنه - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: "إن الميت يعذب ببعض بكاء أهله عليه" فقال ابن عباس: فلما مات عمر ذكرتُ ذلك لعائشة. فقالت:(4/169)
وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (18)
يرحم الله عمر. لا والله! ما حدّث رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إن الله يعذّب المؤمن ببكاء أحدٍ ولكن قال: "إن الله يزيد الكافر عذاباً ببكاء أهله عليه".
قال: وقالت عائشة: حسبكم القرآن (ولا تزر وازرة وزر أخرى) قال: وقال ابن عباس عند ذلك: والله أضحكَ وأبكى.
(الصحيح 2/641-642 ح928-929- ك الجنائز، ب الميت يعذب ببكاء أهله عليه) .
قال أبو داود: حدثنا أحمد بن يونس، حدثنا عبيد الله -يعني ابن إياد- حدثنا إياد، عن أبي رمثة قال: انطلقت مع أبي نحو النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثم إن رسول الله قال لأبي: "ابنك هذا"؟ قال: إي ورب الكعبة، قال: "حقاً"؟
قال: أشهد به، قال: فتبسم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ضاحكاً من ثبت شبهي من أبي، ومن حلف أبي عليّ، ثم قال: "أما إنه لا يجني عليك ولا تجني عليه" وقرأ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (ولا تزر وازرة وزر أخرى) .
(السنن 4/635 ح4495 - ك الديات، ب لا يؤاخذ أحد بجريرة أخيه أو أبيه) ، وأخرجه أحمد في مسنده (2/226) ، والدارمي في (سننه 2/119 ح2394، ك الديات، ب لا يؤاخذ أحد بجناية غيره) ، وابن حبان في صحيحه (الإحسان 7/594 ح5963) ثلاثتهم من طرق عن عبيد الله بن إياد عن أبيه به، قال الألباني: صحيح، وإياد بن لقيط ثقة دون خلاف، فالإسناد صحيح.
(إرواء الغليل 7/333) . وصححه أيضاً: الشيخ أحمد شاكر في تعليقه على المسند (ح رقم7109) ، وصححه محققو المسند بإشراف أ. د. عبد الله التركي 11/860) .
انظر قوله تعالى في سورة الإسراء (ولا تزر وازرة وزر أخرى وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا) .
قوله تعالى (وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ)
انظر قوله تعالى في سورة النحل (ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم ألا ساء ما يزرون) .
أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد (وإن تدع مثقلة إلى حملها لا يحمل منه شيء) كنحو (ولا تزر وازرة وزر أخرى) .(4/170)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وإن تدع مثقلة إلى حملها) إلى ذنوبها (لا يحمل منه شيء ولو كان ذا قربى) أي قريب القرابة منها، لا يحمل من ذنوبها شيئا ولا تحمل على غرها من ذنوبها شيئا (ولا تزر وازرة وزر أخرى) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (إنما تنذر الذين يخشون ربهم بالغيب) أي يخشون النار.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ومن تزكى فإنما يتزكى لنفسه) أي: من يعمل صالحا فإنما يعمله لنفسه.
قوله تعالى (وما يستوي الأعمى والبصير)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وما يستوي الأعمى) الآية. خلقا، فضل بعضه على بعض، فأما المؤمن فعبد حي الأثر، حي البصر، حي النية، حي العمل، وأما الكافر فعبد ميت، ميت البصر، ميت القلب، ميت العمل.
قوله تعالى (إن الله يسمع من يشاء وما أنت بمسمع من في القبور) انظر قوله تعالى في سورة النمل (إنك لا تسمع الموتى) الآية.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (إن الله يسمع من يشاء وما أنت بمسمع من في القبور) كذلك الكافر لا يسمع، ولا ينتفع بما يسمع.
قوله تعالى (إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ) انظر سورة البقرة آية (119) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وإن من أمة إلا خلا فيها نذير) كل أمة كان لها رسول.
وانظر سورة الإسراء قوله تعالى (وما كنا معذبين حتى نبعث رسول) .
قوله تعالى (بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتَابِ الْمُنِيرِ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (بالبينات وبالزبر) أي الكتب وقوله (وبالكتاب المنير) يقول: وجاءهم من الله الكتاب المنير لمن تأمله وتدبره أنه الحق.(4/171)
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ (27) وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ (28) إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ (29) لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ (30) وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ (31)
قوله تعالى (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة ي قوله تعالى (ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فأخرجنا به ثمرات مختلفا ألوانها) أحمر وأخضر وأصفر (ومن الجبال جدد بيض) أي: طرائق بيض (وحمر مختلفا ألوانها) أي: جبال حمر وبيض (وغرابيب سود) هو الأسود، يعني لونه كما اختلف ألوان الناس والدواب والأنعام كذلك.
قوله تعالى (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ)
قال البخاري: حدثنا سليمان بن حرب، حدثنا شعبة، عن موسى بن أنس، عن أنس - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيرا".
(صحيح البخاري 11/327 ح6486 - ك الرقاق، ب قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "لو تعلمون ما أعلم..") ، وأخرجه مسلم في (صحيحه ح2359 - ك الفضائل، ب توقيره - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وترك إكثار سؤاله ... ) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (إنما يخشى الله من عباده العلماء) قال الذين يعلمون أن الله على كل شيء قدير.
قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ)
انظر سورة البقرة آية (121) .
ومعنى بن تبور أي: بن تفسد، انظر آية (10) من السورة نفسها.
قوله تعالى (إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ) : إنه غفور لذنوبهم، شكور لحسناتهم.
قوله تعالى (والدي أوحينا إليك من الكتاب هو الحق مصدقا لما بين يديه) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (والذي أوحينا إليك من الكتاب هو الحق مصدقا لما بين يديه) للكتب التي خلت من قبله.(4/172)
ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (32)
قوله تعالى (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (32) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا)
قال أحمد: ثنا وكيع، ثنا سفيان، عن الأعمش، عن ثابت أو عن أبي ثابت أن رجلا دخل مسجد دمشق فقال: اللهم آنس وحشتي وارحم غربتي وارزقني جليساً صالحاً فسمعه أبو الدرداء فقال: لئن كنت صادقاً لأنا أسعد بما قلت منك سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: (فمنهم ظالم لنفسه) يعني الظالم يؤخذ منه في مقامه ذلك فذلك الهم والحزن (ومنهم مقتصد) قال: يحاسب حساباً يسيراً (ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله) قال: الذين يدخلون الجنة بغير حساب.
(المسند 5/194) وأخرجه الطبري (التفسير 22/137) من طريق أبي أحمد الزبيري عن سفيان به، وإسناده صحيح (انظر مرويات أحمد في التفسير 3/460) . وقال الهيثمي: رواه أحمد بأسانيد رجال أحدها رجال الصحيح (مجمع الزوائد 7/95) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن ابن عباس قوله (ثم أورثنا الكتاب) إلى قوله (الفضل الكبير) هم أمة محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ورثهم الله كل كتاب أنزله، فظالمهم يغفر له، ومقتصدهم يحاسب حسابا يسيراً، وسابقهم يدخل الجنة بغر حساب.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (ثم أورثنا الكتب الذين اصطفينا من عبادنا) شهادة لا إله إلا الله (فمنهم ظالم لنفسه) هذا المنافق في قول قتادة والحسن (ومنهم مقتصد) قال: هذا صاحب اليمين (ومنهم سابق بالخيرات) قال: هذا المقرب، قال قتادة: كان الناس ثلاث منازل في الدنيا، وثلاث منازل عند الموت، وثلاث منازل في الآخرة.
أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد قوله: (ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه) قال هم أصحاب المشأمة (ومنهم مقتصد) قال: أصحاب الميمنة (ومنهم سابق بالخيرات) قال: فهم السابقون من الأمم كلها.(4/173)
جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ (33) وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ (34) الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ (35)
قوله تعالى (ولباسهم فيها حرير)
انظر سورة الكهف آية (31) وسورة الحج آية (23) .
وانظر حديث أنس بن مالك المتقدم عند الآية (23) من سورة الحج.
قوله تعالى (وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ)
قال الطبري: حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا أبو أحمد الزبيري، قال: ثنا سفيان عن الأعمش قال: ذكر أبو ثابت أنه دخل المسجد، فجلس إلى جنب أبي الدرداء، فقال: اللهم آنس وحشتي، وارحم غربتي، ويسر لي جليساً صالحاً، فقال أبو الدرداء: لئن كنت صادقاً لأنا أسعد به منك، سأحدثك حديثاً سمعته من رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم أحدث به منذ سمعته ذكر هذه الآية (ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات) فأما السابق بالخيرات، فيدخلها بغير حساب، وأما المقتصد فيحاسب حساباً يسيراً، وأما الظالم لنفسه فيصيبه في ذلك المكان من الغم والحزن، فذلك قوله (الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن) .
(التفسير 22/137. وإسناده صحيح، وتقدم عند الآية 32 من السورة نفسها بأخصر من هذا، وليس في ذكر الآية) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن) قال: كانوا في الدنيا يعملون وينصبون وهم في خوف، أو يحزنون.
قوله تعالى (إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة في قوله (إن ربنا لغفور شكور) لحسناتهم.
وانظر الآية (30) من السورة نفسها وفيها (غفور لذنوبهم) .
قوله تعالى (الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (الذي أحلنا دار المقامة من فضله) أقاموا فلا يتحولون.(4/174)
الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ (35) وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ (36) وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ (37)
قوله تعالى (لا يمسنا فيها نصب)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (لا يمسنا فيها نصب) أي: وجع.
قوله تعالى (وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ)
انظر حديث مسلم وغيره عن أبي سعيد المتقدم عند الآية (39) من سورة البقرة، وهو حديث: "أما أهل النار الذين هم أهلها ... ".
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (لهم نار جهنم لا يقضى عليهم) بالموت يموتوا، لأنهم لو ماتوا لاستراحوا (ولا يخفف عنهم من عذابها) يقول: ولا يخفف عنهم من عذاب نار جهنم بإماتتهم، فيخفف ذلك عنهم.
قوله تعالى (وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ)
ومعنى مصطرخون أي: يستغيثون. انظر سورة إبراهيم آية (22) .
قال البخاري: حدثنا عبد السلام بن مطهر، حدثنا عمر بن علي عن معْن بن محمد الغفاري عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبي هريرة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "أعذر الله إلى امرئ أخّر أجله حتى بلّغه ستين سنة". تابعه أبو حازم وابن عجلان عن المقبري.
(الصحيح 11/243 -6419- ك الرقاق، ب من بلغ ستين سنة فقد أعذر الله إليه في العمر) .
قال ابن ماجة: حدثنا الحسن بن عرفة، حدثني عبد الرحمن بن محمد المحاربي عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين. وأقلهم من يجوز ذلك".
(السنن- الزهد، ب الأمل والأجل - ح4236) . أخرجه الترمذي عن الحسن بن عرفة به، وقال: حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، ثم رواه من وجه آخر من طريق أبي صالح عن أبي هريرة، ثم قال: هذا حديث حسن غريب من حيث أبي صالح عن أبي هريرة وقد روى من غير وجه عنه. قال ابن كثير: وهذا عجب منه. (السنن - أبواب الدعوات، أبواب الزهد، ب ما جاء في أعمار هذه الأمة ما بين الستين إلى السبعين، (تفسير ابن كثير 6/541) . وللحديث طريق آخر عند أبي يعلى إسناده ضعيف وشاهد عن حذيفة عند البزار. ذكرهما ابن كثير (التفسير 6/541، 542) .
وقال الألباني: حسن صحيح (صحيح ابن ماجة 2/415) .(4/175)
وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ (37) إِنَّ اللَّهَ عَالِمُ غَيْبِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (38) هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلَّا مَقْتًا وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلَّا خَسَارًا (39) قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا فَهُمْ عَلَى بَيِّنَتٍ مِنْهُ بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا إِلَّا غُرُورًا (40) إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (41)
روى عبد الرزاق: عن معمر والثوري، عن ابن خثيم، عن مجاهد، عن ابن عباس في قوله (أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر) قال: ستون سنة.
(التفسير (2/111 ح4455) . وأخرجه ابن جرير في تفسيره (22/141) والحاكم في المستدرك (2/427) من طرق عن سفيان، عن ابن خثيم به. قال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.
قوله تعالى (إِنَّ اللَّهَ عَالِمُ غَيْبِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) انظر سورة الأنعام آية (59) .
قوله تعالى (هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلَّا مَقْتًا وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلَّا خَسَارًا)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (هو الذي جعلكم خلائف في الأرض) أمة بعد أمة، وقرنا بعد قرن.
قال ابن كثير: (هو الذي جعلكم خلائف في الأرض) أي: يخلف قوم الآخرين قبلهم، وجيل لجيل قبلهم، كما قال: (ويجعلكم خلفاء الأرض فمن كفر فعليه كفره) .
قوله تعالى (قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ أَمْ آَتَيْنَاهُمْ كِتَابًا فَهُمْ عَلَى بَيِّنَةٍ منه) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (قل أرأيتم شركاءكم الذين تدعون
من دون الله أروني ماذا خلقوا من الأرض) لا شيء والله خلقوا منها (أم لهم شرك في السماوات) لا والله ما لهم فيها من شرك (أم آتيناهم كتاباً فهم على بينة منه) يقول: أم آتيناهم كتاباً فهو يأمرهم أن يشركوا.
قوله تعالى (إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا)
انظر قوله تعالى في سورة الحج (ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا) من مكانهما.(4/176)
وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُورًا (42) اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا (43) أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا (44) وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا (45)
قوله تعالى (فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُورًا)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (فلما جاءهم نذير) وهو: محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وانظر سورة المدثر الآيتان (50-51) .
قوله تعالى (اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّةَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ومكر السيئ) وهو: الشرك.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (فهل ينظرون إلا سنة الأولين) أي: عقوبة الأولين (فلن تجد لسنة الله تبديلا) يقول: فلن تجد يا محمد لسنة الله تغييراً.
قوله تعالى (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا)
انظر سورة يوسف آية (109) وسورة غافر آية (82) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وكانوا أشد منهم قوة) يخبركم أنه أعطى القوم ما لم يعطكم.
كقوله تعالى (وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ) انظر قوله تعالى في سورة النحل (ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة) الآية رقم (61) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة) إلا ما حمل نوح في السفينة.(4/177)
يس (1) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (2) إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (3) عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (4) تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (5) لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ (6) لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (7)
سورة يس
قوله تعالى (يس)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (يس) قال: فإنه قسم أقسمه الله، وهو من أسماء الله.
قوله تعالى (وَالْقُرْآَنِ الْحَكِيمِ (2) إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِين)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (والقرآن الحكيم إنك لمن المرسلين) قسم كما تسمعون (إنك لمن المرسلين على صراط مستقيم) .
قوله تعالى (عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) : أي على الإسلام.
وتقدم مثله مرفوعاً في سورة الفاتحة.
قوله تعالى (لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آَبَاؤُهُمْ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (لتنذر قوماً ما أنذر آباؤهم) قال: بعضهم: لتنذر قوماً ما أنذر آباؤهم من إنذار الناس قبلهم.
قوله تعالى (لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ) قال الشيخ الشنقيطي: الظاهر أن القول في قوله (لقد حق القول على أكثرهم) وفي قوله تعالى (وقيضنا لهم قرناء فزينوا لهم ما بين أيديهم وما خلفهم وحق عليهم القول) الآية. وفِى قوله تعالى: (قال الذين حق عليهم القول ربنا هؤلاء الذين أغوينا أغويناهم كما غوينا) الآية. وفي قوله تعالى (فحق علينا قول ربنا إنا لذائقون) والكلمة في قوله تعالى (إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم) وفي قوله تعالى (قالوا بلى ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين) أن المراد بالقول والكلمة(4/178)
لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (7) إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ (8) وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ (9) وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (10) إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ (11)
أو الكلمات على قراءة، حقت عليهم كلمات ربك بصيغة الجمع، هو قوله تعالى (لأملأن جنهم من الجنة والناس أجمعين) كما دلت على ذلك آيات من كتاب الله تعالى، كقوله تعالى في أخر سورة هود: (ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم وتمت كلمة ربك لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين) وقوله تعالى في السجدة (ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها ولكن حق القول مني لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين) . وقوله تعالى: في أخريات ص: (قال فالحق والحق أقول لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين) .
قوله تعالى (إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ) انظر سورة سبأ آية (33) لبيان الأغلال. وكذا في سورة غافر آية (71) .
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، في قوله (فهم مقمحون) قال: رافعو رءوسهم، وأيديهم موضوعة على أفواههم.
قوله تعالى (وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا) عن الحق فهم يترددون.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا) قال: ضلالات.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فأغشيناهم فهم لا يبصرون) هدى، ولا ينتفعون به.
قوله تعالى (وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ)
انظر سورة البقرة آية (6-7) .
قوله تعالى (إنما تنذر من اتبع الذكر)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (إنما تنذر من اتبع الذكر) وإتباع الذكر: إتباع القرآن.(4/179)
إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ (12) وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ (13) إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ (14) قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ (15) قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ (16)
قوله تعالى (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآَثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ)
قال البخاري: وقال ابن أبي مريم: أخبرنا يحيى بن أيوب حدثني حُميد، عن أنس: أن بني سلمة أرادوا أن يتحولوا عن منازلهم فينزلوا قريباً من النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قال فكره رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يعروا المدينة فقال: ألا تحتسبون آثاركم.
(صحيح البخاري 2/163-164 ح656- ك الأذان، ب احتساب الآثار) .
وأخرجه مسلم بسنده عن جابر مرفوعاً وفيه: "يا بني سلمة دياركم تكتب آثاركم، دياركم تكتب أثاركم".
(الصحيح 1/462 ح665) ، وأخرجه الطبري عن جابر بنحوه (التفسير 22/154) .
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (ما قدموا) قال: من أعمالهم.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (وآثارهم) قال: خطاهم.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وآثارهم) قال: قال الحسن: وآثارهم قال: خطاهم.
وقال قتادة: لو كان مغفلاً شيئاً من شأنك يا ابن آدم أغفل ما تعفى الرياح من هذه الآثار.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (وكل شيء أحصيناه في إمام مبين) كل شيء محصى عند الله في كتاب.
قوله تعالى (إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ (14) قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ (15) قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (فعززنا بثالث) قال: شددنا.
قال ابن كثير: (قالوا ما أنتم إلا بشر مثلنا) ، أي: فكيف أوحى إليكم وأنتم بشر ونحن بشر، فلم لا أوحي إلينا مثلكم؟. ولو كنتم رسلاً لكنتم ملائكة. وهذه(4/180)
إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ (14) قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ (15) قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ (16) وَمَا عَلَيْنَا إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (17) قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ (18) قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (19)
شُبه كثير من الأمم المكذبة، كما أخبر الله تعالى عنهم في قوله (ذلك بأنه كانت تأتيهم رسلهم بالبينات فقالوا أبشر يهدوننا) ، فاستعجبوا من ذلك وأنكروه، وقوله: (قالوا إن أنتم إلا بشر مثلنا تريدون أن تصدونا عما كان يعبد آباؤنا فائتونا بسلطان مبين) . وقوله حكاية عنهم في قوله: (ولئن أطعتم بشراً مثلكم إنكم إذا لخاسرون) ، (وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى إلا أن قالوا أبعث الله بشراً رسولاً) . ولهذا قال هؤلاء: (ما أنتم إلا بشر مثلنا وما أنزل الرحمن من شيء إن أنتم إلا تكذبون قالوا ربنا يعلم إنا إليكم لمرسلون) أي: أجابتهم رُسُلهم الثلاثة قائلين: الله يعلن أنا رسله إليكم، ولو كنا كذبة عليه لانتقم منا أشد الانتقام، ولكنه سيعزنا وينصرنا عليكم، وستعلمون لمن تكون عاقبة الدار، كقوله تعالى: (قل كفى بالله بيني وبينكم شهيداً يعلم ما في السماوات وما في الأرض والذين آمنوا بالباطل وكفروا بالله أولئك هم الخاسرون) .
قوله تعالى (قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (قالوا إنا تطيرنا بكم) قالوا: إن أصابنا شر، فإنما هو من أجلكم.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (لئن لم تنتهوا لنرجمنكم) بالحجارة (وليمسنكم منا عذاب أليم) يقول: ولينالكم منا عذاب موجع.
قوله تعالى (قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (قالوا طائركم معكم) : أي أعمالكم معكم.
وانظر سورة الأعراف آية (131) وسورة النساء آية (78) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (أئن ذكرتم) : أي إن ذكرناكم الله تطيرتم بنا؟ (بل أنتم قوم مسرفون) .(4/181)
وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (20) اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ (21) وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (22) أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنْقِذُونِ (23) إِنِّي إِذًا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (24) إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ (25) قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (26) بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ (27) وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنْزِلِينَ (28) إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ (29)
قوله تعالى (قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (20) اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قال: لما انتهى إليهم، يعني إلى الرسل، قال: هل تسألون على هذا من أجر؟ قالوا: لا، فقال عند ذلك: (يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (20) اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا ووَهُمْ مُهْتَدُونَ) .
قوله تعالى (وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ومالي لا أعبد الذي فطرني وإليه ترجعون) هذا رجل دعا قومه إلى الله، وأبدى لهم النصيحة فقتلوه على ذلك.
قوله تعالى (أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آَلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنْقِذُونِ (23) إِنِّي إِذًا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ)
قال الشيخ الشنقيطي: الاستفهام في قوله تعالى (أأتخذ) للإنكار، وهو متضمن معنى النفي: أي لا أعبد من دون الله معبودات، وإن أرادني الله بضر لا تقدر على دفعه عني، ولا تقدر أن تنقذني من كرب. وما تضمنته هذه الآية الكريمة من عدم فائدة المعبودات من دون الله جاء موضحاً في آيات من كتاب الله تعالى: كقوله تعالى (قل أرأيتم ما تدعون من دون الله إن أرادني الله بضر هل من كاشفات ضره أو أرادني برحمة هل هن ممسكات رحمته قل حسبي الله عليه يتوكل المتوكلون) وقوله تعالى (قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا) .
قوله تعالى (قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ) قال: قيل: قد وجبت له الجنة، قال: ذاك حين رأى الثواب.
قوله تعالى (وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنْزِلِينَ (28) إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (من جند من السماء) قال: رسالة.(4/182)
وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنْزِلِينَ (28) إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ (29) يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (30) أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ (31) وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ (32)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وما أنزلنا على قومه من بعده من جند من السماء وما كنا منزلين) قال فلا والله ما عاتب الله قومه بعد قتله (إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم خامدون) .
قوله تعالى (يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة يا حسرة على العباد أي: يا حسرة العباد على أنفسها على ما ضيعت من أمر الله، وفرطت في جنب الله.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (يا حسرة على العباد) قال: كان حسرة عليهم استهزاؤهم بالرسل.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (يا حسرة على العباد) يقول: يا ويلا للعباد.
قال الشيخ الشنقيطي: وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة (ما يأتيهم من رسول) نص صريح وتكذيب الأمم السابقة لجميع الرسل لما تقرر في الأصول، من أن النكرة في سياق المنفى إذا أزيدت قبلها من، فهي نص صريح في عموم النفي، كما هو معروف في محله. وهذا العموم الذي دلت عليه هذه الآية الكريمة جاء موضحاً وآيات أخر، وجاء في بعض الآيات إخراج واحدة عن حكم هذا العموم بمخصص متصل وهو الاستثناء ... وأما هذه الأمة التي أخرجت من هذا العموم فهي أمة يونس، والآية التي بينت ذلك هي قوله تعالى (فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم إلى حين) ، وقوله تعالى (وأرسلناه إلى مئة ألف أو يزيدون فآمنوا فمتعناهم إلى حين) .
قوله تعالى (أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ (31) وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ألم يروا كم أهلكنا قبلهم من القرون أنهم إليهم لا يرجعون) قال: عاد وثمود، وقرون ببن ذلك كثير.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وإن كل لما جميع لدينا محضرون) أي: هم يوم القيامة.(4/183)
وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ (33) وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ (34) لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلَا يَشْكُرُونَ (35) سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ (36) وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ (37) وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (38)
قوله تعالى (وَآَيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ (33) وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ (34) لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلَا يَشْكُرُونَ (35) سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ)
انظر سورة الأنعام آية (99) ، وسورة الحج أخر الآية (5) وسورة ق آية (7) إلى (11) وسورة الحجر آية (19) .
قوله تعالى (وَآَيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (وَآَيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ) قال: يولج الليل في النهار، ويوج النهار في الليل.
قوله تعالى (وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ)
قال البخاري: حدثنا أبو نعيم حدثنا الأعمش عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن أبي ذرّ - رضي الله عنه - قال: كنتُ مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في المسجد عند غروب الشمس فقال: يا أبا ذرّ، أتدري أين تغرُب الشمس؟ قلتُ: الله ورسوله أعلم: قال: فإنها تذهب حتى تسجُد تحت العرش، فذلك قوله تعالى: (وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) .
(صحيح البخاري 8/402 ح4802 - ك التفسير، سورة يس، ب الآية) ، (صحيح مسلم 1/139 - ك الإيمان، ب بيان الزمن الذي لا يقبل فيه الإيمان، نحوه) .
قال مسلم: حدثنا يحيى بن أيوب، إسحاق بن إبراهيم. جميعا عن ابن علية.
قال ابن أيوب: حدثنا ابن علية. حدثنا يونس عن إبراهيم بن يزيد التيمي (سمعه فيما أعلم) عن أبيه، عن أبي ذر، أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال يوماً: "أتدرون أين تذهب هذه الشمس"؟. قالوا؟ الله ورسوله أعلم. قال: إن هذه تجري حتى تنتهي إلى مستقرها تحت العرش. فتخرّ ساجدة. فلا تزال كذلك حتى يقال لها: ارتفعي.
ارجعي من حيث جئت. فترجع. فتُصبح طالعة من مطلعها. ثم تجري حتى تنتهي إلى مستقرها تحت العرش. فتخرّ ساجدة. لا تزال كذلك حتى يُقال لها: ارتفعي.(4/184)
وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (38) وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ (39) لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (40)
ارجعي من حيث جئت. فترجع. فتُصبح طالعة من مطلعها. ثم تجري لا يستنكر الناس منها شيئا حتى تنتهي إلى مستقرها ذاك، تحت العرش. فيُقال لها: ارتفعي.
أصبحي طالعة من مغربك. فتصبح طالعة من مغربها". قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أتدرون متى ذاكم؟ ذاك حين لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً".
(صحيح مسلم 1/138 ح159 - ك الإيمان، ب بيان الزمن الذي لا يقبل فيه الإيمان) .
قوله تعالى (وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله (حتى عاد كالعرجون القديم) يقول: أصل العذق العتيق.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (حتى عاد كالعرجون القديم) قال: قدره الله منازل فجعل ينقص حتى كان مثل عذق النخلة، شبهه بعذق النخلة.
قوله تعالى (لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، في قوله (لا الشمس ينبغي لها إن تدرك القمر) قال: لا يشبه ضوء أحدهما ضوء الآخر، ولا ينبغي ذلك لهما. وفي قوله (ولا الليل سابق النهار) قال: يتطالبان حثيثين ينسلخ أحدهما من الآخر.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار) ولكلِّ حدٍّ وعلم لا يعدوه، ولا يقصر دونه إذا جاء سلطان هذا ذهب سلطان هذا، وإذا جاء سلطان هذا ذهب سلطان هذا.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قال: مجرى كل واحد منهما، يعني الليل والنهار في ذلك يسبحون: يجرون.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وكل في فلك يسبحون) : أي يا فلك السماء يسبحون.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (وكل في فلك يسبحون) دورانا، يقول: دورانا يسبحون: يقول: يجرون.(4/185)
وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (41) وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ (42) وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلَا صَرِيخَ لَهُمْ وَلَا هُمْ يُنْقَذُونَ (43) إِلَّا رَحْمَةً مِنَّا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ (44) وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (45) وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ (46) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (47) وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (48) مَا يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ (49) فَلَا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلَا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ (50)
قوله تعالى (وَآَيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (41) وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (أنا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون) يقول الممتليء.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وخلقنا لهم من مثله ما يركبون) قال: هي السفن التي ينتفع بها.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، في قوله (وخلقنا لهم من مثله ما يركبون) قال: من الأنعام.
قوله تعالى (وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلَا صَرِيخَ لَهُمْ وَلَا هُمْ يُنْقَذُونَ (43) إِلَّا رَحْمَةً مِنَّا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وإن نشأ نغرقهم فلا صريخ لهم) أي: لا مغيث.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ومتاعا إلى حين) : أي إلى الموت.
قوله تعالى (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (وإذا قيل لهم اتقوا ما بين أيديكم) : وقائع الله فيمن خلا قبلهم من الأمم وما خلفهم من أمر الساعة.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (ما بين أيديكم) قال: ما مضى من ذنوبهم.
قوله تعالى (فَلَا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلَا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فلا يستطيعون توصية) : أي فيما في أيديهم (ولا إلى أهلهم يرجعون) قال: أعجلوا عن ذلك.(4/186)
وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ (51) قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ (52) إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ (53) فَالْيَوْمَ لَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَلَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (54) إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ (55)
قوله تعالى (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ)
قال الشيخ الشنقيطي: ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة النفخة الأخيرة، والصور قرن من نور ينفخ به الملك نفخة البعث، وهي النفخة الأخيرة، وإذا نفخها قام جميع أهل القبور من قبورهم، وأحياء إلى الحساب والجزاء. وقوله (فإذا هم من الأجداث) جمع جدث بالفتحتين وهو القبر، وقوله: ينسلون: أي يسرعون في المشي من القبور إلى المحشر كما قال تعالى (يوم يخرجون من الأجداث سراعا كأنهم إلى نصب يوفضون) وقال تعالى (يوم تشقق الأرض عنهم سراعا) الآية. وكقوله تعالى (يخرجون من الأجداث كأنهم جراد منتشر مهطعين إلى الداع) الآية. وقوله (مهطعين إلى الداع) أي مسرعين مادي أعناقهم على أشهر تفسيرين، ومن إطلاق نسل بمعنى أسرع.
قوله تعالى (من الأجداث إلى ربهم ينسلون)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله (من الأجداث إلى ربهم ينسلون) يقول: من القبور.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله (ينسلون) يقول: يخرجون.
قوله تعالى (قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (قالوا يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا) هذا قول أهل الضلالة. والرقدة: ما بين النفختين.
قوله تعالى (إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (إن أصحاب الجنة اليوم في شغل) قال: في نعمة.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (في شغل فاكهون) يقول: فرحون.(4/187)
هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ (56) لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ (57) سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ (58) وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ (59) أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (60) وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (61) وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ (62) هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (63) اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (64)
قوله تعالى (هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (هم وأزواجهم في ظلال) قال: حلائلهم في ظلل.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (على الأرائك متكئون) قال: هي الحجال فيها السرر.
قوله تعالى (لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ (57) سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ) انظر سورة الأحزاب آية (44) وسورة الحجر آية (46) .
قوله تعالى (وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ) قال: عزلوا عن كل خير.
قوله تعالى (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آَدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (60) وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (61) وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا)
انظر سورة الأعراف آية (172) وحديث الحاكم عن أُبي بن كعب.
انظر سورة الفاتحة وفيها أن الصراط المستقيم: الإسلام.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (ولقد أضل منكم جبلا) قال: خلقاً.
قوله تعالى (هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (63) اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ) قال ابن كثير: يقال للكفرة من بني آدم يوم القيامة، وقد برزت الجحيم لهم تقريعاً وتوبيخاً: (هذه جهنم التي كنتم توعدون) أي: هذه التي حذرتكم الرسل فكذبتموهم (اصلوها اليوم بما كنتم تكفرون) كما قال تعالى: (يوم يدعون إلى نار جهنم دعا هذه النار التي كنتم بها تكذبون أفسحر هذا أم أنتم لا تبصرون) .(4/188)
الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (65) وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ (66)
قوله تعالى (الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)
انظر حديث مسلم عند سورة فصلت آية (21، 22) عن أنس بن مالك.
وسورة النور آية (24) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (اليوم نختم على أفواههم) الآية، قال: قد كانت خصومات وكلام، فكان هذا آخره، وختم على أفواههم.
قال الشيخ الشنقيطي: ما ذكره جل وعلا في هذه الآية الكريمة من شهادة بعض جوارح الكفار عليم يوم القيامة، جاء موضحاً في غير هذا الموضع كقوله تعالى في سورة النور (يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون) وقوله تعالى في فصلت (حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (20) وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ) الآية.
قوله تعالى (وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (ولو نشاء لطمسنا على أعينهم) يقول: أضللتهم وأعميتهم عن الهدى.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (ولو نشاء لطمسنا على أعينهم فاستبقوا الصراط فأنى يبصرون) يقول: لو شئنا لتركناهم عميا يترددون.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (فاستبقوا الصراط) قال: الطريق.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (فأنى يبصرون) وقد طمسنا على أعينهم.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (فأنى يبصرون) يقول: فكيف يهتدون.(4/189)
وَلَوْ نَشَاءُ لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَى مَكَانَتِهِمْ فَمَا اسْتَطَاعُوا مُضِيًّا وَلَا يَرْجِعُونَ (67) وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلَا يَعْقِلُونَ (68) وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ (69)
قوله تعالى (وَلَوْ نَشَاءُ لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَى مَكَانَتِهِمْ فَمَا اسْتَطَاعُوا مُضِيًّا وَلَا يَرْجِعُونَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ولو نشاء لمسخناهم على مكانتهم) أي: لأقعدناهم على أرجلهم (فما استطاعوا مضيا ولا يرجعون) فلم يستطيعوا أن يتقدموا ولا يتأخروا.
قوله تعالى (وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلَا يَعْقِلُونَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ) يقول: من نمد له في العمر ننكسه في الخلق، (لكيلا يعلم بعد علم شيئا) ، يعني: الهرم.
قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (ننكسه في الخلق) أي نقلبه فيه فنخلقه على عكس ما خلقنا من قبل، وذلك أنا خلقناه على ضعف في جسده، وخلو من عقل وعلم، ثم جعلناه يتزايد وينتقل من حال إلى حال، ويرتقي من درجة إلى درجة إلى أن يبلغ أشده ويستكمل قوته ويعقل ويعلم ماله وما عليه، فإذا انتهى نكسناه في الخلق، فجعلناه يتناقص حتى يرجع في حال شيبة كحال الصبي في ضعف جسده وقلة عقله وخلوه من العلم، وأصل معنى التنكيس: جعل أعلى الشيء أسفله. وهذا المعنى الذي دلت عليه هذه الآية الكريمة جاء موضحاً في غير هذا الموضع كقوله تعالى (الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة) الآية، وقوله تعالى (لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ثم رددناه أسفل سافلين) الآية على أحد التفسيرين، وقوله تعالى في الحج (ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئا) .
قوله تعالى (وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآَنٌ مُبِينٌ) انظر سورة الحاقة آية (41) .(4/190)
لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ (70) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ (71) وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ (72) وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلَا يَشْكُرُونَ (73) وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ (74) لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ (75)
قوله تعالى (لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (لينذر من كان حيا) : حي القلب، حي البصر.
وانظر قوله تعالى في سورة النمل آية (80) (إنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء) الآية، وفي سورة فاطر آية (22) في الكلام على قوله تعالى (وما يستوي الأحياء ولا الأموات) . وانظر ما تقدم في هذه السورة آية (7)
عند قوله (لقد حق القول على أكثرهم ... ) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ويحق القول على الكافرين) بأعمالهم.
قوله تعالى (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ (71) وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ (72) وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلَا يَشْكُرُونَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (فهم لها مالكون) : أي ضابطون.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وذللناها لهم فمنها ركوبهم) : يركبونها يسافرون عليها (ومنها يأكلون) لحومها.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ولهم فيها منافع) يلبسون أصوافها (ومشارب) يشربون ألبانها.
قوله تعالى (لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله (وهم لهم جند محضرون) قال: عند الحساب.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (لا يستطيعون نصرهم) الآلهة (وهم لهم جند محضرون) والمشركون يغضبون للآلهة في الدنيا وهى لا تسوق إليهم خيراً، ولا تدفع عنهم سوءا، إنما هي أصنام.(4/191)
أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (77) وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (79) الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ (80) أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ (81) إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (82)
قوله تعالى (أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ)
قال الحاكم: أخبرنا إسماعيل بن محمد بن الفضل بن محمد الشعراني، ثنا جدي ثنا عمرو بن عون ثنا هشيم أنبأ أبو بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: جاء العاص بن وائل إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعظم حائل ففته فقال يا محمد أيبعث الله هذا بعد ما أرم؟ قال: "نعم. يبعث الله هذا يميتك ثم يحييك ثم يدخلك نار جهنم" قال: فنزلت الآيات: (أولم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين) إلى أخر السورة.
هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.
(المستدرك 2/429 - ك التفسير. وصححه الذهبي) وأخرجه ابن أبي حاتم في التفسير من طريق عثمان بن سعيد الزيات عن هشيم به، انظر تفسير ابن كثير 3/925) .
وانظر حديث بسر بن جحاش المتقدم عند الآية رقم (4) من سورة النحل وتفسيرها عن الشيخ الشنقيطي.
قوله تعالى (وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (79) الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ)
انظر سورة الإسراء الآيات (48، 49، 98، 99) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (الذي جعل لكم من الشجر الأخضر ناراً) يقول: الذي أخرج هذه النار من هذا الشجر قادر أن يبعثه.
قوله تعالى (أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ (81) إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (أوليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى وهو الخلاق العليم) قال: هذا مثل إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون، قال: ليس من كلام العرب شيء هو أخف من ذلك ولا أهون، فأمر الله كذلك.(4/192)
أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ (81) إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (82) فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (83)
قال ابن كثير: وهذه الآية الكريمة كقوله تعالى (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) وقال: (بلى وهو الخلاق العليم إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون) أي: يأمر بالشيء أمراً واحداً، لا يحتاج إلى تكرار.
انظر سورة البقرة آية (117) وسورة آل عمران (59) .
قوله تعالى (فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ)
قال ابن كثير: ومعنى قوله (فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء) كقوله عز وجل (قل من بيده ملكوت كل شيء) وكقوله تعالى (تبارك الذي بيده الملك) فالملك والملكوت واحد في المعنى.(4/193)
وَالصَّافَّاتِ صَفًّا (1) فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا (2) فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا (3) إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ (4) رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ (5)
سورة الصافات
قوله تعالى (وَالصَّافَّاتِ صَفًّا)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وَالصَّافَّاتِ صَفًّا) قال: قسم أقسم الله بخلق ثم خلق ثم خلق والصافات: الملائكة صفوفاً في السماء.
قوله تعالى (فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا) قال: الملائكة.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا) قال: ما زجر الله عنه في القرآن.
قوله تعالى (فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا) قال: الملائكة.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا) قال: ما يتلى عليكم في القرآن من أخبار الناس والأمم قبلكم.
قال الشيخ الشنقيطى: أكثر أهل العلم على أن المراد بالصافات هنا، والزاجرات، والتاليات: جماعات الملائكة وقد جاء وصف الملائكة بأنهم صافون، وذلك في قوله تعالى عنهم (وإنا لنحن الصافون وإنا لنحن المسبحون) .
قوله تعالى (إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ (4) رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (إن إلهكم لواحد) وقع القسم على هذا (إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ (4) رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ) قال مشارق الشمس في الشتاء والصيف.
عن السدي (ورب المشارق) قال: المشارق ستون وثلاث مئة مشرق والمغارب مثلها عدد أيام السنة.(4/194)
إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ (6) وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ (7) لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ (8) دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ (9) إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ (10)
قوله تعالى (إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ)
انظر سورة فصلت آية (12) وسورة الحجر آية (16) وسورة الملك آية (5) .
قوله تعالى (وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ (7) لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ (8) دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ (9) إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ)
انظر قوله تعالى (وحفظناها من كل شيطان رجيم إلا من استرق السمع) سورة الحجر آية (17-18) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وحفظا) يقول: جعلتها حفظا من كل شيطان مارد.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (لا يسمعون إلى الملأ الأعلى) قال: منعوها ويعني بقوله (إلى الملأ) إلى جماعة الملائكة التي هم أعلى ممن هم دونهم.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ويقذفون من كل جانب دحوراً) قذفا بالشهب.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (ويقذفون) يرمون (من كل جانب) قال: من كل مكان وقوله (دحورا) قال: مطرودين.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (ولهم عذاب واصب) قال: دائم.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فأتبعه شهاب ثاقب) من نار وثقوبه: ضوءه.(4/195)
فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمْ مَنْ خَلَقْنَا إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لَازِبٍ (11) بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ (12) وَإِذَا ذُكِّرُوا لَا يَذْكُرُونَ (13) وَإِذَا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ (14) وَقَالُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (15) أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (16) أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ (17) قُلْ نَعَمْ وَأَنْتُمْ دَاخِرُونَ (18) فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ يَنْظُرُونَ (19)
قوله تعالى (فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمْ مَنْ خَلَقْنَا إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لَازِبٍ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (أهم أشد خلقا أمن خلقنا) قال: السماوات والأرض والجبال.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (فاستفتهم أهم أشد خلقا) قال: يعني المشركين سلهم أهم أشد خلقا (آمن خلقنا) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (من طين لازب) يقول: ملتصق.
قوله تعالى (بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (بل عجبت ويسخرون) قال: عجب محمد عليه الصلاة والسلام من هذا القرآن حين أعطه وسخر منه أهل الضلالة.
قوله تعالى (وَإِذَا ذُكِّرُوا لَا يَذْكُرُونَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وَإِذَا ذُكِّرُوا لَا يَذْكُرُونَ) أي: لا ينتفعون ولا يبصرون.
قوله تعالى (وَإِذَا رَأَوْا آَيَةً يَسْتَسْخِرُونَ)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (وإذا رأوا آية يستسخرون) قال: يستهزئون يسخرون.
قوله تعالى (أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (16) أَوَآَبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ (17) قُلْ نَعَمْ وَأَنْتُمْ دَاخِرُونَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (16) أَوَآَبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ) تكذيباً بالبعث.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وأنتم داخرون) أي: صاغرون.
قوله تعالى (فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ يَنْظُرُونَ)
انظر سورة النازعات آية (13) وفيها معنى زجرة واحدة: صيحة واحدة.(4/196)
وَقَالُوا يَا وَيْلَنَا هَذَا يَوْمُ الدِّينِ (20) هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (21) احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ (22) مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ (23) وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ (24)
قوله تعالى (هَذَا يَوْمُ الدِّينِ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (هذا يوم الدين) قال: يدين الله فيه العباد بأعمالهم.
عن السدي (هذا يوم الدين) قال: يوم الحساب.
قوله تعالى (هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (هذا يوم الفصل الذي كنتم به تكذبون) يعني: يوم القيامة.
قوله تعالى (احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ (22) مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ)
قال الشيخ الشنقيطي: المراد بالذين ظلموا الكفار كما يدل عليه قوله بعده (وما كانوا يعبدون من دون الله) . وقد قدمنا إطلاق الظلم على الشرك في آيات متعددة، كقوله تعالى (إن الشرك لظلم عظيم) . وقوله تعالى (والكافرون هم الظالمون) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (احشروا الذين ظلموا وأزواجهم) يقول: نظراءهم.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (احشروا الذين ظلموا وأزواجهم) أي: وأشياعهم الكفار مع الكفار.
أخرج الطبري بسنده الحس عن قتادة (وما كانوا يبدون من دون الله) الأصنام.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (فاهدوهم إلى صراط الجحيم) يقول: وجهوهم، وقيل إن الجحيم الباب الرابع من أبواب النار.
قوله تعالى (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ)
قال مسلم: حدثنا عبيد الله بن معاذ العنبري، حدثنا أبي، حدثنا شعبة عن النعمان بن سالم، قال: سمعت يعقوب بن عاصم بن عروة بن مسعود الثقفي(4/197)
وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ (24)
يقول: سمعت عبد الله بن عمرو، وجاءه رجل فقال، ما هذا الحديث الذي تُحدّث به؟ تقول: إن الساعة تقوم إلى كذا وكذا. فقال: سبحان الله! أوْ لا إله إلا الله. أو كلمة نحوهما. لقد هممت أن لا أحدّث أحداً شيئا أبداً. إنما قلت: إنكم سترون بعد قليل أمراً عظيماً. يُحرّقُ البيتُ، ويكون، ويكون. ثم قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "يخرج الدجال في أمتي فيمكث أربعين (لا أدري: أربعين يوماً، أو أربعين شهراً، أو أربعين عاماً) . فيبعث الله عيسى ابن مريم كأنه عروة بن مسعود. فيطلبه فيُهلكه ثم يمكث الناس سبع سنين. ليس بين اثنين عداوة. ثم يرسل الله ريحا باردة من قِبل الشام. فلا يبقى على وجه الأرض أحد في قلبه مثقال ذرّة من خير أو إيمان إلا قبضته. حتى لو أن أحدكم دخل في كبد جبل لدخلته عليه، حتى تقبضه". قال: سمعتها من رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قال: "فيبقى شرار الناس في خفّة الطير وأحلام السباع. لا يعرفون معروفاً ولا ينكرون منكراً. فيتثمل الشيطان فيقول: ألا تستجيبون؟ فيقولون: فما تأمرنا؟
فيأمرهم بعبادة الأوثان. وهم في ذلك دارٌ رزقهم، حسن عيشهم. ثم ينفخ في الصور. فلا يسمعه أحد إلا أصغى ليتا ورفي ليتا. قال: وأول من يسمعه رجل يلوط حوض إبله. قال: فيصعق، ويصعق الناس. ثم يرسل الله -أو قال يُنزل الله- مطراً كأنه الطل أو الظل (نعمان الشاك) فتنبت منه أجساد الناس. ثم ينفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون. ثم يُقال؟ يا أيها الناس! هلم إلى ربكم. وقفوهم إنهم مسئولون. قال ثم يقال: أخرجوا بعث النار.
فيقال: مِن كم؟ فيُقال: من كل ألف، تسعمائة وتسعة وتسعين. قال: فذاك يوم يجعل الولدان شيباً. وذلك يوم يُكشف عن ساق".
(صحيح مسلم 4/2258-2259 ح2940 - ك الفتن وأشراط الساعة، ب في خروج الدجال ومكثه في الأرض ... ) .
انظر قوله تعالى في سورة الأعراف آية (6) (فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين) وتفسيرها.(4/198)
مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ (25) بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ (26) وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (27) قَالُوا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ (28) قَالُوا بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (29) وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بَلْ كُنْتُمْ قَوْمًا طَاغِينَ (30) فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَا إِنَّا لَذَائِقُونَ (31) فَأَغْوَيْنَاكُمْ إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ (32)
قوله تعالى (مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ (25) بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ (26) وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (مالكم لا تناصرون) لا والله لا يتناصرون ولا يدفع بعضهم عن بعض (بل هم اليوم مستسلمون) في عذاب الله.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون) الإنس على الجن.
قوله تعالى (قَالُوا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (إنكم كنتم تأتوننا عن اليمين) قال: قالت الإنس للجن: إنكم كنتم تأتوننا عن اليمين، قال: من قبل الخير، فتنهوننا عنه، وتبطئوننا عنه.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي في قوله (إنكم كنتم تأتوننا عن اليمين) قال: تأتوننا من قبل الحق تزينون لنا الباطل، وتصدوننا عن الحق.
قوله تعالى (قَالُوا بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (29) وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بَلْ كُنْتُمْ قَوْمًا طَاغِينَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قال: قالت لهم الجن: (بل لم تكونوا مؤمنين) حتى بلغ (قوماً طاغين) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (وما كان لنا عليكم من سلطان) قال: الحجة وفي قوله (بل كنتم قوماً طاغين) قال: كفار ضلال.
قوله تعالى (فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَا إِنَّا لَذَائِقُونَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فحق علينا قول ربنا) الآية، قال: هذا قول الجن.(4/199)
فَأَغْوَيْنَاكُمْ إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ (32) فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ (33) إِنَّا كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ (34) إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ (35) وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ (36) بَلْ جَاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ (37)
قوله تعالى (فَأَغْوَيْنَاكُمْ إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ (32) فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ) انظر سورة القصص آية (61-64) وتفسيرها.
قوله تعالى (إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ)
قال ابن حبان: أخبرنا محمد بن عبيد الله بن الفضل الكلاعي بحمص، حدثنا عمرو بن عثمان، حدثنا أبي، حدثنا شعيب بن أبي حمزة، عن الزهري أخبرني سعيد بن المسيب أن أبا هريرة أخبره أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فمَن قال: لا إله إلا الله، فقد عصم مني نفسه وماله إلا بحقه وحسابه على الله. وأنزل الله في كتابه، فذكر قوماً استكبروا، فقال: (إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون) وقال: (إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وألزمهم كلمة التقوى) وهي لا إله إلا الله، ومحمد رسول الله" استكبر عنها المشركون يوم الحديبية.
(الإحسان 1/451-452 وقال محققه: إسناده صحيح) وأخرجه الطبري (التفسير 26/66)
وابن أبي حاتم من طريق الزهري به، كما في تفسير ابن كثير وأضاف أن الزيادة مدرجة من كلام الزهري (التفسير 7/327) والزيادة هي من قوله وانزل الله في كتابه ... الخ وذكرناه هنا من أجل تفسير الزهري لكلمة القوى) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي في قوله (إذا قيل لهم لا الله إلا الله يستكبرون) قال: يعني المشركين خاصة.
قوله تعالى (وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آَلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آَلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ) يعنون محمداً - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
قوله تعالى (بَلْ جَاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (بل جاء بالحق) بالقرآن (وصدق المرسلين) أي: صدق من كان قبله من المرسلين.(4/200)
إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (40) أُولَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ (41) فَوَاكِهُ وَهُمْ مُكْرَمُونَ (42) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (43) عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ (44) يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (45) بَيْضَاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ (46) لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ (47) وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ (48) كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ (49)
قوله تعالى (إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ) قال: هذه ثنية الله.
قوله تعالى (أُولَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (أُولَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ) في الجنة.
قوله تعالى (يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ) قال: كأس من خمر جارية، والمعين: هي الجارية.
قوله تعالى (لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (لا فيها غول) يقول: ليس فيها صداع.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (لا فيها غول) قال: وجع البطن.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (لا فيها غول) يقول: ليس فيها وجع بطن، ولا صداع رأس.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (ولهم عنها ينزفون) يقول: لا تذهب عقولهم.
قوله تعالى (وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ (48) كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُون)
قال الشيخ الشنقيطي: ذكر جلا وعلا في هذه الآية الكريمة ثلاث صفات من صفات نساء أهل الجنة: الأولى: أنهن قاصرات الطرف، وهو العين أي عيونهن قاصرات على أزواجهن، لا ينظرن إلى غيرهم لشدة اقتناعهن واكتفائهن بهم.(4/201)
وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ (48) كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ (49) فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (50) قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ (51) يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ (52) أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَدِينُونَ (53)
الثانية: أنهن عين، والعين جمع عيناء، وهى واسعة دار العين، وهي النجلاء.
الثالثة: أن ألوانهن بيض بياضاً مشرباً بصفرة، لأن ذلك هو لون بيض النعام الذي شبههن به ... وهذه الصفات الثلاثة المذكورة هنا، جاءت موضحة في غير هذا الموضع مع غيرها من صفاتهن الجميلة، فبين كونهن قاصرات الطرف على أزواجهن يقوله تعالى في ص: (وعندهم قاصرات الطرف أتراب) وكون المرأة قاصرة الطرف من صفاتها الجميلة ... وذكر كونهن عين في قوله تعالى فيهن و (حور عين) ، وذكر صفاء ألوانهن وبياضها في قوله تعالى (كأمثال اللؤلؤ المكنون) وقوله تعالى (كأنهن الياقوت والمرجان) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (وعندهم قاصرات الطرف عين) يقول: عن غير أزواجهن.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة في قوله (وعندهم قاصرات الطرف) قال: قصرن طرفهن على أزواجهن، فلا يردن غيرهم.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي في قوله (عين) قال: عظام الأعين.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (كأنهن بيض مكنون) يقول: اللؤلؤ المكنون.
قوله تعالى (فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ) أهل الجنة.
قوله تعالى (قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله (إني كان لي قرين) قال: شيطان.
قوله تعالى (أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَدِينُونَ)
انظر سورة الرعد آية (5) ، وسورة الإسراء آية (49) وتفسيرها.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (أَئِنَّا لَمَدِينُونَ) أئنا لمحاسبون.(4/202)
فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ (55) قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ (56) وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (57) أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ (58) إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (59) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (60) لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ (61) أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ (62) إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ (63) إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ (64) طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ (65)
قوله تعالى (فَاطَّلَعَ فَرَآَهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (في سواء الجحيم) يعني: في وسط الجحيم.
قوله تعالى (قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي في قوله (إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ) قال: لتهلكني.
قوله تعالى (وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ) أي: في عذاب الله.
قوله تعالى (أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ (58) إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (59) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (أفما نحن بميتين) إلى قوله (الفوز العظيم) قال: هذا قول أهل الجنة.
قوله تعالى (أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ)
انظر آية (64-66) من السورة نفسها.
قوله تعالى (إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ (63) إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ) انظر قوله تعالى في سورة الإسراء (وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس والشجرة الملعونة في القرآن) .
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (إنا جعلناها فتنة للظالمين) قال: قول أبي جهل: إنما الزقوم والثمر والزبد أتزقمه.
وأخرجه الطبري بسنده الحسن عن قتادة وبسنده الحسن عن السدي.
قوله تعالى (طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ) قال: شبهه بذلك.(4/203)
فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ (66) ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ (67) ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ (68) إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءَهُمْ ضَالِّينَ (69) فَهُمْ عَلَى آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ (70)
قوله تعالى (فَإِنَّهُمْ لَآَكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ (66) ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ)
قال الشيخ الشنقيطي: ما ذكره جل وعلا في هذه الآية الكريمة من أن الكفار في النار يأكلون من شجر من زقوم، فيملئون منها بطونهم، ويجمعون معها شوبا من حميم. أي خلطا من الماء البالغ غاية الحرارة، جاء موضحاً في غير هذا الوضع، كقوله تعالى في الواقعة (ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ (51) لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ (52) فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ (53) فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ (54) فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ) يقول: لمزجاً.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ) قال: مزاجاً من حميم.
قوله تعالى (ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ) فهم في عناء وعذاب من نار جهنم، وتلا هذه الآية (يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ) .
قوله تعالى (إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آَبَاءَهُمْ ضَالِّينَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آَبَاءَهُمْ ضَالِّينَ) أي: وجدوا آباءهم ضالين.
قوله تعالى (فَهُمْ عَلَى آَثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (فَهُمْ عَلَى آَثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ) قال: كهيئة الهرولة.(4/204)
إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (74) وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ (75) وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (76) وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ (77) وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (78) سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ (79) إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (80) إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (81) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ (82)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فَهُمْ عَلَى آَثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ) أي: يسرعون إسراعاً في ذلك.
قوله تعالى (إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي في قوله (إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ) قال: الذين استخلصهم الله.
قوله تعالى (وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ (75) وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (76) وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ (77) وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآَخِرِينَ (78) سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ (79) إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (80) إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (81) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآَخَرِينَ) انظر سورة الأنبياء آية (76-77) وسورة المؤمنين آية (23-30) وسورة الشعراء آية (117-120) لبيان قصة نوح وقومه.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ) قال: أجابه الله.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (ونجيناه وأهله من الكرب العظيم) قال: من الغرق.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله (وجعلنا ذريته هم الباقين) يقول: لم يبق إلا ذرية نوح.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله (وتركنا عليه في الآخرين) يقول: يذكر بخير.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (وتركنا عليه في الآخرين) يقول: جعلنا لسان صدق للأنبياء كلهم.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ثم أغرقنا الآخرين) قال: أنجاه الله ومن معه في السفينة، وأغرق بقية قومه.(4/205)
وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ (83) إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (84) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ (85) أَئِفْكًا آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ (86) فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (87) فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ (88) فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ (89) فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ (90) فَرَاغَ إِلَى آلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ (91) مَا لَكُمْ لَا تَنْطِقُونَ (92) فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ (93) فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ (94) قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ (95) وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ (96) قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ (97) فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ (98)
قوله تعالى (وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ (83) إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (84) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ (85) أَئِفْكًا آَلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ (86) فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (87) فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ (88) فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ (89) فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ (90) فَرَاغَ إِلَى آَلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ (91) مَا لَكُمْ لَا تَنْطِقُونَ (92) فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ (93) فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ (94) قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ (95) وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ (96) قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ (97) فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ)
وفيها قصة إبراهيم مع أبيه وقومه وانظر لبيان ذلك سورة مريم آية (41-49) وسورة الشعراء آية (69-70) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (وإن من شيعته لإبراهيم) يقول: من أهل دينه.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (وإن من شيعته لإبراهيم) قال: على منهاجه وسنته.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي في قوله (إذ جاء ربه بقلب سليم) قال: سليم من الشرك.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فما ظنكم برب العالمين) يقول: إذا لقيتموه وقد عبدتم غيره.
قوله تعالى (فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ)
انظر حديث البخاري المتقدم تحت الآية رقم (63) من سورة الأنبياء، وفيه: لم يكذب إبراهيم عليه السلام إلا ثلاث كذبات: ثنتين منهن في ذات الله عز وجل قوله (إِنِّي سَقِيمٌ) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، عن سعيد بن المسيب، أنه رأى نجما طلع فقال (إِنِّي سَقِيمٌ) قال: كايد نبي الله عن دينه، فقال: إِنِّي سَقِيمٌ.(4/206)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فتولوا) فنكصوا عنه (مدبرين) منطلقين.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فَرَاغَ إِلَى آَلِهَتِهِمْ) : فمال إلى آلهتهم، قال: ذهب.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فَقَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ) يستنطقهم (مَا لَكُمْ لَا تَنْطِقُونَ) ؟.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فراغ عليهم ضرب باليمين) فأقبل عليهم يكسره.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ) : فأقبلوا إليه يجرون.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي في قوله (فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ) قال: يمشون.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ) الأصنام.
قوله تعالى (وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ)
قال البخاري: حدثنا علي بن عبد الله، ثنا مروان بن معاوية، ثنا أبو مالك عن ربعي ابن حراش عن حذيفة - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إن الله يصنع كل صانع وصفته". وتلا بعضهم عند ذلك (وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ) . خلق أفعال العباد.
(خلق أفعال العباد 39 ح117 وسنده صحيح) ، وأخرجه ابن أبي عاصم (السنة 1/158 ح357) والحاكم (المستدرك 1/31) كلاهما من طريق ابن أبي مالك به وصححه الحاكم ووافقه الذهبي وصححه الألباني في تحقيقه لكتاب السنة وعزاه الهيثمي للبزار وقال: رجاله رجال الصحيح غير أحمد بن عبد الله الكردي وهو ثقة (مجمع الزوائد 7/197) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وأرادوا به كيدا فجعلناهم الأسفلين) فما ناظرهم بعد ذلك حتى أهلكهم.(4/207)
وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ (99) رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ (100) فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ (101) فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (102) فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103) وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (105) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ (106) وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (107) وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (108) سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ (109) كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (110) إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (111)
قوله تعالى (وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ (99) رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ (100) فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ (101) فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (102) فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103) وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (105) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ (106) وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (107) وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآَخِرِينَ (108) سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ (109) كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (110) إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ)
وفي هذه الآيات قصة إبراهيم وابنه إسماعيل في رؤية ذبح إسماعيل وفدائه. ولم تذكر هذه القصة إلا في سورة الصافات فقط.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ) ذاهب بعمله وقلبه ونيته.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي في قوله (رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ) قال: ولداً صالحاً.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ) بشر بإسحاق قال: لم يثن بالحلم على أحد غير إسحاق وإبراهيم.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ) يقول: العمل.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله (فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ) قال: لما شب حتى أدرك سعيه سعي إبراهيم في العمل.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ) : أي لما مشى مع أبيه.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ) قال: رؤيا الأنبياء حق إذا رأوا في المنام شيئا فعلوه.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فلما أسلما) قال: أسلم هذا نفسه لله، وأسلم هذا ابنه لله.(4/208)
إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (111) وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (112) وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ (113) وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ (114) وَنَجَّيْنَاهُمَا وَقَوْمَهُمَا مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (115) وَنَصَرْنَاهُمْ فَكَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ (116) وَآتَيْنَاهُمَا الْكِتَابَ الْمُسْتَبِينَ (117)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وتله للجبين) : أي وكبه لفيه وأخذ الشفرة (وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا) حتى بلغ (وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ) .
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (بِذِبْحٍ عَظِيمٍ) قال: بكبش.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي قال: التفت، يعني إبراهيم فإذا بكبش، فأخذوه وخلى عن ابنه.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآَخِرِينَ) قال: أبقى الله عليه الثناء الحسن في الآخرين.
قوله تعالى (وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ) قال: بشر به بعد ذلك نبياً، بعد ما كان هذا من أمره لما جاد لله بنفسه.
قوله تعالى (وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي في قوله (مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ) قال: المحسن: المطيع، والظالم لنفسه: العاصي لله.
قوله تعالى (وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ (114) وَنَجَّيْنَاهُمَا وَقَوْمَهُمَا مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (115) وَنَصَرْنَاهُمْ فَكَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ (116) وَآَتَيْنَاهُمَا الْكِتَابَ الْمُسْتَبِينَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي في قوله (وَنَجَّيْنَاهُمَا وَقَوْمَهُمَا مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ) قال: الغرق.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وَنَجَّيْنَاهُمَا وَقَوْمَهُمَا مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ) أي من آل فرعون.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وَآَتَيْنَاهُمَا الْكِتَابَ الْمُسْتَبِينَ) : التوراة، ويعني بالمستبين: المتبين هدى ما فيه وتفصيله وأحكامه.(4/209)
وَهَدَيْنَاهُمَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (118) وَتَرَكْنَا عَلَيْهِمَا فِي الْآخِرِينَ (119) سَلَامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ (120) إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (121) إِنَّهُمَا مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (122) وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (123) إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلَا تَتَّقُونَ (124) أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ (125) اللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (126) فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ (127) إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (128) وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (129) سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ (130) إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (131) إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (132) وَإِنَّ لُوطًا لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (133) إِذْ نَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ (134) إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ (135) ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ (136) وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ (137) وَبِاللَّيْلِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (138)
قوله تعالى (وَهَدَيْنَاهُمَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وَهَدَيْنَاهُمَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) الإسلام.
قوله تعالى (وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (123) إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلَا تَتَّقُونَ (124) أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قال: كان يقال: إلياس هو إدريس.
قوله تعالى (أَتَدْعُونَ بَعْلًا)
أخرج البخاري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله (أَتَدْعُونَ بَعْلًا) ؟ قال: ربا.
قوله تعالى (فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ (127) إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (128) وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآَخِرِينَ (129) سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ) في عذاب الله (إلا عباد الله المخلصين) يقول: فإنهم يحضرون في عذاب الله، إلا عباد الله الذين أخلصهم من العذاب (وتركنا عليه في الآخرين) يقول: وأبقينا عليه الثناء الحسن في الآخرين من الأمم بعده.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (سلام على إل ياس) قال: إلياس.
قوله تعالى (وَإِنَّ لُوطًا لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (133) إِذْ نَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ (134) إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ (135) ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآَخَرِينَ (136) وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ (137) وَبِاللَّيْلِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي في قوله (إلا عجوزا في الغابرين) قال: الهالكين.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وإنكم لتمرون عليهم مصبحين) قال: نعم والله صباحا ومساء يطئونها وطئا، من أخذ من المدينة إلى الشام، أخذ على سدوم قرية قوم لوط.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي في قوله (وإنكم لتمرون عليهم مصبحين) قال: في أسفاركم.(4/210)
إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (140) فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ (141) فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ (142) فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ (143) لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (144)
قوله تعالى (الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة في قوله (الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ) كنا نحدث أنه الموقر من الفلك.
قوله تعالى (فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (فساهم) يقول: أقرع.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فساهم فكان من المدحضين) قال:
فاحتبست السفينة، فعلم القوم أنما احتبست من حديث أحدثوه، فتساهموا، فقرع يونس، فرمى بنفسه، فالتقمه الحوت.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ) يقول: من المقروعين.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (مِنَ الْمُدْحَضِينَ) قال: من المسهومين.
قوله تعالى (فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (وَهُوَ مُلِيمٌ) قال: مذنب.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة في قوله (وَهُوَ مُلِيمٌ) أي في صنعه.
قوله تعالى (فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ (143) لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ)
قال ابن كثير: وقيل المراد (فلولا أنه كان من المسبحين) ، هو قوله: (فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فلولا أن كان من المسبحين) كان كثير الصلاة في الرخاء، فنجاه الله بذلك.(4/211)
فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ (143) لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (144) فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ (145) وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ (146) وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ (147) فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ (148)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) لصار له بطن الحوت قبراً إلى يوم القيامة.
قال الشيخ الشنقيطي: تسبيح يونس هذا، عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام المذكور في الصافات جاء موضحاً في الأنبياء في قوله تعالى (وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ) .
قوله تعالى (فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (فنبذناه بالعراء) يقول: ألقيناه بالساحل.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فنبذنا بالعراء) بأرض ليس فيها شيء ولا نبات.
قوله تعالى (وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ) قال: القرع.
قوله تعالى (وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ (147) فَآَمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ) أرسل إلى أهل نينوى من أرض الموصل، قال: قال الحسن: بعثه الله قبل أن يصيبه ما أصابه (فَآَمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ) .
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (إِلَى مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ) قال: قوم يونس الذين أرسل إليهم قبل أن يلتقمه الحوت.
قال الشيخ الشنقيطي: ما ذكره في هذه الآية الكريمة من إيمان قوم يونس وأن الله متعهم إلى حين، ذكره أيضاً في سورة يونس في قوله تعالى (فَلَوْلا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ) .(4/212)
فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ (148) فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ (149) أَمْ خَلَقْنَا الْمَلَائِكَةَ إِنَاثًا وَهُمْ شَاهِدُونَ (150) أَلَا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ (151) وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (152) أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ (153) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (154) أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (155) أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُبِينٌ (156)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ) الموت.
وانظر سورة يونس آية (98) وتفسيرها.
قوله تعالى (فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ) يعني مشركي قريش.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (فاستفتهم) يقول: يا محمد سلهم.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ألربك البنات ولهم البنون) ؟ لأنهم قالوا: يعني مشركي قريت: لله البنات، ولهم البنون.
قوله تعالى (أَمْ خَلَقْنَا الْمَلَائِكَةَ إِنَاثًا وَهُمْ شَاهِدُونَ)
قال ابن كثير: وقوله (أَمْ خَلَقْنَا الْمَلَائِكَةَ إِنَاثًا وَهُمْ شَاهِدُونَ) ، أي: كيف حكموا على الملائكة أنهم إناث وما شاهدوا خلقهم؟ كقوله: (وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثاً أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلونَ) .
قوله تعالى (أَلَا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (أَلَا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ) يقول: من كذبهم.
قوله تعالى (أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ) إلى قوله تعالى (أَفَلَا تَذَكَّرُونَ) قال ابن كثير: (أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ) ، أي: أي شيء يحمله عن أن يختار البنات دون البنين؟ كقوله: (أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِنَاثاً إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلاً عَظِيماً) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ (153) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) يقول: كيف يجعل لكم البنين ولنفسه البنات، ما لكم كيف تحكون؟.
قوله تعالى (أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُبِينٌ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُبِينٌ) أي: عذر مبين.(4/213)
فَأْتُوا بِكِتَابِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (157) وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ (158) سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (159) إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (160) فَإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ (161) مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ (162) إِلَّا مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ (163) وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ (164) وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ (165) وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ (166)
قوله تعالى (فَأْتُوا بِكِتَابِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فَأْتُوا بِكِتَابِكُمْ) أي: بعذركم (إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) .
قوله تعالى (وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي، في قوله (وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا) قال: الجِنة: الملائكة قالوا: هن بنات الله.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ) أنها ستحضر الحساب.
قوله تعالى (فَإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ (161) مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ (162) إِلَّا مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (فَإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ (161) مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ) يقول: لا تضلون أنتم، ولا أضل منكم إلا من قد قضيت أنه صال الجحيم.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فَإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ) حتى بلغ (صال الجحيم) يقول: ما أنتم بمضلين أحد من عبادي بباطلكم هذا، إلا من تولاكم بعمل النار.
قوله تعالى (وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ (164) وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ (165) وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي في قوله (وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ) قال: الملائكة.
روى عبد الرزاق عن الثوري عن الأعمش عن أبي الضحى عن مسروق عن عبد الله بن مسعود قال: إن من السماوات لسماء ما منها موضع شبر إلا عليه جبهة ملك أو قدماه قائماً أو ساجداً قال: ثم قرأ عبد الله (وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ (165) وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ) .(4/214)
وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ (166) وَإِنْ كَانُوا لَيَقُولُونَ (167) لَوْ أَنَّ عِنْدَنَا ذِكْرًا مِنَ الْأَوَّلِينَ (168) لَكُنَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (169) فَكَفَرُوا بِهِ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (170) وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (171) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ (172) وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ (173)
(التفسير ح2565) ، وأخرجه الطبري (23/112) ، ومحمد بن نصر في (تعظيم قدر الصلاة ح524) ص طريق الأعمش به، قال الألباني. وهو في حكم المرفوع، وإسناده صحيح (السلسلة الصحيحة 3/49) وله شاهد من حديث عائشة مرفوعاً عند الطبري في (تفسيره 23/112) وحسن الألباني إسناده بالشواهد (الصحيحة رقم1059) . وله شاهدان آخران من رواية حكم بن حزام وأبي ذر مرفوعاً، لكن ليس فيهما الآيات، ذكرهما الألباني في (الصحيحة رقم 1060 و1722) .
أخرج مسلم بسنده عن جابر بن سمرة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها"؟ فقلنا يا رسول الله وكيف تصف الملائكة عند ربها؟
قال: "يتمون الصفوف الأُول ويتراصون في الصف".
(الصحيح 1/371 ح522 - المساجد ومواضع الصلاة) .
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (وإنا لنحن الصافون) قال: الملائكة.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (وإنا لنحن الصافون) قال: صفوف في السماء (وإنا لنحن المسبحون) أي المصلون، هذا قول الملائكة يثنون بمكانهم من العبادة.
قوله تعالى (وَإِنْ كَانُوا لَيَقُولُونَ (167) لَوْ أَنَّ عِنْدَنَا ذِكْرًا مِنَ الْأَوَّلِينَ (168) لَكُنَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (وَإِنْ كَانُوا لَيَقُولُونَ (167) لَوْ أَنَّ عِنْدَنَا ذِكْرًا مِنَ الْأَوَّلِينَ (168) لَكُنَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ) قال: قد قالت هذه الأمة ذاك قبل أن يبعث محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لو كان عندنا ذكرا من الأولين. لكنا عباد الله المخلصين؛ فلما جاءهم محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كفروا به، فسوف يعلمون.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي في قوله (ذكرا من الأولين) قال: هؤلاء ناس من مشركي العرب قالوا: لو أن عندنا كتابا من كتب، أو جاءنا علم من علم الأولين؟ قال: قد جاءكم محمد بذلك.
قوله تعالى (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (171) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ (172) وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ)
قال الشيخ الشنقيطي: هذه الآية الكريمة تدل على أن الرسل صلوات الله وسلامه عليهم وأتباعهم منصورون دائماً على الأعداء بالحجة والبيان، ومن أمر(4/215)
وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (171) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ (172) وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ (173) فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ (174) وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ (175) أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ (176) فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ (177)
منهم بالجهاد منصور أيضا بالسيف والسنان، والآيات الدالة على هذا كثيرة كقوله تعالى (كتب الله لأغلبن أنا ورسلي) وقوله تعالى (إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد) ، وقوله تعالى (وكان حقا علينا نصر المؤمنين) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين) حتى بلغ (لهم الغالبون) قال: سبق هذا من الله لهم أن ينصرهم.
قوله تعالى (فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ (174) وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فتول عنهم حتى حين) أي: إلى الموت.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وأبصرهم فسوف يبصرون) حين لا ينفعهم البصر.
قوله تعالى (أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ)
انظر قوله تعالى في سورة الرعد آية (6) (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلاتُ) وتفسيرها.
قوله تعالى (فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ)
أخرج الشيخان بسنديهما عن أنس بن مالك: أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غزا خيبر، فصلينا عندها صلاة الغداة بغلس.... فلما دخل القرية قال: "الله أكبر الله أكبر خربت خيبر إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين". قالها ثلاثا.
واللفظ للبخاري مختصراً (صحيح البخاري ح371 - الصلاة، ما يذكر في الفخذ) . (وصحيح مسلم 3/1426 ح1365 - الجهاد، غزوة خيبر) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي في قوله (فإذا نزل بساحتهم) قال: بدارهم (فساء صباح المنذرين) قال: بئس ما يصبحون.
قوله تعالى (سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ) أي: عما يكذبون يسبح نفسه إذا قيل عليه البهتان.(4/216)
ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ (1) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ (2) كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنَادَوْا وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ (3) وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ (4) أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ (5) وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ (6) مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ (7)
سورة ص
قوله تعالى (ص وَالْقُرْآَنِ ذِي الذِّكْرِ (1) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ (2) كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنَادَوْا وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ (3) وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ (4) أَجَعَلَ الْآَلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ (5) وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آَلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ (6) مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآَخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ)
قال الترمذي: حدثنا محمود بن غيلان وعبد بن حميد المعنى واحد، قالا: حدثنا أبو أحمد، حدثنا سفيان عن الأعمش عن يحيى قال: عبد هو ابن عبّاد عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: مرِض أبو طالب فجاءته قريش وجاءه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وعند أبي طالب مَجلس رجل فقام أبو جهل كَيْ يمنعه، وشكوه إلى أبي طالب فقال: يا ابن أخي ما تُريد من قومك؟ قال: إني أُريد منهم كلمة واحدة تدين لهم بها العرب، وتُؤدي إليهم العجم الجزية، قال: كلمة واحدة؟ قال؟ كلمة واحدة، قال: يا عمّ يقولوا: لا إله إلا الله، فقالوا: (إلها واحداً ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة إن هذا إلا اختلاق) قال: فنزل فيهم القرآن: (ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ (1)
بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ) إلى قوله: (مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلاقٌ) .
(السنن 5/365-366 3232 - ك التفسير، ب ومن سورة ص) . قال أبو عيسى: حديث حسن.
وأخرجه ابن حبان (الإحسان 15/79-80 ح6686) من طريق يحيى، عن سفيان به، قال محققه: إسناده صحيح على شرط مسلم، رجاله ثقات رجال الشيخين ... وأخرجه الحاكم في المستدرك (2/432) من طريق عبد الله الأسدي عن سفيان به. وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قال: قال الحسن (ص) قال: حادث القرآن.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (ص) قال: قسم أقسمه الله، وهو من أسماء الله.(4/217)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ص) قال: هو اسم من أسماء القرآن أقسم الله به.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (والقرآن ذي الذكر) قال: ذي الشرف.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ذي الذكر) أي: ما ذكر فيه.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (بل الذين كفروا في عزة وشقاق) قال: ها هنا وقع القسم.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (في عزة وشقاق) : أي في حمية وفراق.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (ولات حين مناص) يقول: ليس حين مغاث.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله (ولات حين مناص) قال: ليس بحين فرار.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وعجبوا أن جاء منذر منهم) يعني محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (فقال الكافرون هذا ساحر كذاب) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب) : أي إن هذا لشيء عجيب.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة) يقول: النصرانية.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله (في الملة الآخرة) قال: ملة قريش.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة) أي: في ديننا هذا ولا في زمننا قط.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (إن هذا إلا اختلاق) يقول: تخريص.(4/218)
مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ (7) أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ (8) أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ (9) أَمْ لَهُمْ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبَابِ (10) جُنْدٌ مَا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزَابِ (11)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله (إن هذا إلا اختلاق) قال: كذب.
قوله تعالى (أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ)
قال ابن كثير: وقولهم (أأنزل عليه الذكر من بيننا) ، يعني: أنهم يستبعدون تخصيصه بإنزال القرآن عليه من بينهم كلهم، كما قالوا في الآية الأخرى (لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم) ؟ قال الله تعالى (أهم يقسمون رحمة ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات) .
وانظر سورة الزخرف آية (31- 32) .
قوله تعالى (أَمْ لَهُمْ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبَابِ)
قال ابن كثير: وهذه الآية شبيهة بقوله (أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذاً لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيراً (53) أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكاً عَظِيماً (54) فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً) . وقوله: (قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي إذا لأمسكتم خشية الإنفاق وكان الإنسان قتوراً) .
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (فليرتقوا في الأسباب) قال: طرق السماء وأبوابها.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (فليرتقوا في الأسباب) يقول: في السماء.
قوله تعالى (جُنْدٌ مَا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزَابِ)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (جُنْدٌ مَا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزَابِ) قال: قريش من الأحزاب، قال: القرون الماضية.(4/219)
جُنْدٌ مَا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزَابِ (11) كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتَادِ (12) وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ أُولَئِكَ الْأَحْزَابُ (13) إِنْ كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقَابِ (14) وَمَا يَنْظُرُ هَؤُلَاءِ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ (15) وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ (16)
قال ابن كثير: أي: هؤلاء الجند المكذبون الذين هم في عزة وشقاق سيهزمون ويغلبون ويُكبتون، كما كبت الذين من قبلهم من الأحزاب المكذبين. وهذه كقوله: (أم يقولون نحن جميع منتصر سيهزم الجمع ويولون الدبر) ، وكان ذلك يوم بدر، (بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر) .
قوله تعالى (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتَادِ (12) وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ أُولَئِكَ الْأَحْزَابُ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (وفرعون ذو الأوتاد) قال: كان له أوتاد وأرسان، وملاعب يلعب له عليها.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وأصحاب الأيكة) قال: كانوا أصحاب شجر، قال: وكان عامة شجرهم الدوم.
وانظر سورة الحجر آية (78) وسورة الشعراء آية (176) .
قوله تعالى (إِنْ كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقَابِ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (إِنْ كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقَابِ) قال: هؤلاء كلهم قد كذبوا الرسل، فحق عليهم العذاب.
قوله تعالى (وَمَا يَنْظُرُ هَؤُلَاءِ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (وَمَا يَنْظُرُ هَؤُلَاءِ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً) يعني: أمة محمد (ما لها من فواق) .
وأمة محمد هنا أي: قوم محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من قريش.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (ما لها من فواق) يقول: من ترداد.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (ما لها من فواق) يقول: ليس لهم بعدها إفاقة ولا رجوع إلى الدنيا.
قوله تعالى (وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا) يقول: العذاب.(4/220)
وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ (16) اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ (17) إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ (18) وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ (19) وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ (20)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ) أي: نصيبنا حظنا من العذاب قبل يوم القيامة، قال: قد قال ذلك أبو جهل اللهم إن كان ما يقول محمد حقا (فأمطر علينا حجارة من السماء) الآية.
قوله تعالى (اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (ذا الأيد) قال: ذا القوة في طاعة الله.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (إنه أواب) قال: رجاع عن الذنوب.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (إنه أواب) : أي كان مطيعا لله كثير الصلاة.
قوله تعالى (إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ (18) وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والإشراق) يسبحن مع داود إذا سبح بالعشي والإشراق.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (والطير محشورة) : مسخرة.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي قوله (والطير محشورة كل له أواب) يقول: مسبح لله.
قوله تعالى (وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآَتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي، قوله (وآتيناه الحكمة) قال: النبوة.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي، في قوله (وفصل الخطاب) قال: علم القضاء.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وفصل الخطاب) البينة على الطالب، واليمين على المطلوب، هذا فصل الخطاب.(4/221)
إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لَا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ (22) إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ (23) قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ (24)
تقوله تعالى (إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لَا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ولا تشطط) أي: لا تمل.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (ولا تشطط) يقول: لا تحف.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (واهدنا إلى سواء الصراط) إلى عدله وخيره.
وقوله تعالى (إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ (23) قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وعزني في الخطاب) أي: ظلمني وقهرني.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وظن داود) : علم داود.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (وظن داود أنما فتناه) قال: ظن أنما ابتلي بذاك.
قال البخاري: حدثنا سليمان بن حرب وأبو النعمان قالا: حدثنا حماد عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ص ليس من عزائم السجود، وقد رأيت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يسجد فيها.
(صحيح البخاري 2/643 ح1069 - ك سجود القرآن، ب سجدة ص) .
قال البخاري: حدثني محمد بن عبد الله، حدثنا محمد بن عُبيد الطنافسي عن العوام قال: سألت مجاهداً عن سجدة ص فقال: سألت ابن عباس من أين سجدت؟ فقال: أو ما تقرأ (ومن ذريته داود وسليمان أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده) فكان داود ممن أمِر نبيكم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يقتدي به، فسجدها داود فسجدها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
(صحيح البخاري 8/405 ح4807 - ك التفسير، سورة ص) .(4/222)
فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ (25) يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ (26) وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ (27) أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ (28) كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (29) وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (30) إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ (31)
قوله تعالى (فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآَبٍ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فغفرنا له ذلك) الذنب.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وحسن مآب) أي: حسن مصير.
قوله تعالى (يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (إنا جعلناك خليفة) ملكه والأرض (فاحكم بين الناس بالحق) يعني: بالعدل الإنصاف (ولا تتبع الهوى) يقول: ولا تؤثر هواك في قضائك بينهم على الحق والعدل يه، فتجر عن الحق (فيضلك عن سبيل الله) يقول: فيميل بك اتباعك هواك في قضائك على العدل والعمل بالحق عن طريق الله الذي جعله لأهل الإيمان فيه، فتكون من الهالكين بضلالك عن سبيل الله.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي قوله (بما نسوا يوم الحساب) ، قال: نسوا: تركوا.
قوله تعالى (أُولُو الْأَلْبَابِ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (أولوا الألباب) قال: أولوا العقول من الناس.
قوله تعالى (وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ)
قال ابن كثير: يقول تعالى مخبراً أنه وهب لداود سليمان، أي نبياً، كما قال: (وورث سليمان داود) ، أي: في النبوة، وإلا فقد كان له بنون غيره.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (نعم العبد إنه أواب) قال: كان مطيعا لله كثير الصلاة.
قوله تعالى (إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله (الصافنات الجياد) ، قال: صفوان الفرس: رفع إحدى يديه حتى يكون على طرف الحافر.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (الجياد) قال: السراع.(4/223)
فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ (32) رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ (33) وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ (34) قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (35)
لقوله تعالى (فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فقال إني أحببت حب الخير) أي: المال والخيل، أو الخير من المال.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (عن ذكر ربي) عن صلاة العصر.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (حتى توارت بالحجاب) حتى دلكت براح. قال قتادة: فوالله ما نازعته بنو إسرائيل ولا كابروه، ولكن ولوه من ذلك ما ولاه الله.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (حتى توارت بالحجاب) حتى غابت.
قوله تعالى (رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (فطفق مسحا بالسوق والأعناق) يقول: جعل يمسح أعراف الخيل وعراقيبها: حبالها.
قوله تعالى (وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (وألقينا على كرسيه جسداً) قال: هو صخر الجني على كرسيه جسدا.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ثم أناب) وأقبل، يعني سليمان.
قوله تعالى (قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ)
قال البخاري: حدثنا محمد بن بشار، حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة عن محمد بن زياد عن أبي هريرة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إن عفريتاً من الجن تفلّت البارحة ليقطع عليّ صلاتي، فأمكنني الله منه، فأخدته، فأردت أن أربطه على سارية من سواري المسجد حتى تنظروا إليه كلُّكم، فذكرت دعوة أخي سُليمان (رب هب
لي ملكاً لا ينبغي لأحد من بعدي) فرددته خاسئًا".
عفريت: متمرد إنس أو جان، مثل زبنية جماعتها الزبانية.
(الصحيح 6/527 ح3423 - ك أحاديث الأنبياء، ب قوله تعالى (ووهبنا لداود سليمان ... ) ، و (صحيح مسلم 1/384 - ك المساجد ومواضع الصلاة، ب جواز لعن الشيطان ... ) .(4/224)
قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (35) فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ (36) وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ (37) وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ (38) هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (39) وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ (40)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (قال رب اغفر لي وهب لي ملكاً لا ينبغي لأحد من بعدي) يقول: ملكاً لا أسلبه كما سلبته.
قوله تعالى (فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، في قوله (تجرى بأمره رخاء) قال: طيبة.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (رخاء) يقول: مطيعة له.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (حيث أصاب) يقول: حيث أراد.
قوله تعالى (وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ (37) وَآَخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (والشياطين كل بناء وغواص) قال: يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل، وغواص يستخرجون الحلي من البحر (وآخرين مقرنين في الأصفاد) قال: مردة الشياطين في الأغلال.
قوله تعالى (هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة في قوله (هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) قال: قال الحسن: الملك الذي أعطيناك فأعط ما شئت وامنع ما شئت.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (فامنن) قال: أعط أو أمسك بغير حساب.
قوله تعالى (وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآَبٍ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآَبٍ) أي: مصير.(4/225)
وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ (41) ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ (42) وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ (43) وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (44)
قوله تعالى (وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ (41) ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (واذكر عبدنا أيوب) حتى بلغ (بنصب وعذاب) : ذهاب المال والأهل، والضر الذي أصابه في جسده.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (اركض برجلك ... ) الآية، قال: ضرب برجله الأرض: أرضا يقال لها الجابية.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قال: ضرب برجله الأرض، فإذا عينان تنبعان، فشرب من إحداهما، واغتسل من الأخرى.
قوله تعالى (وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ووهبنا له أهله ومثلهم معهم) قال: قال الحسن وقتادة: فأحياهم الله بأعيانهم، وزادهم مثلهم.
قوله تعالى (وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (وخذ بيدك ضغثا) يقول: حزمة.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وخذ بيدك ضغثا) ... الآية، قال: كانت امرأته قد عرضت له بأمر، وأرادها إبليس على شيء، فقال: لو تكلمت بكذا وكذا، وإنما حملها عليها الجزع، فحلف نبي الله: لئن الله شفاه ليجلدنها مئة جلدة، قال: فأمر بغصن فيه تسعة وتسعون قضيبا، والأصل تكملة المئة، فضربها ضربة واحدة، فأبر نبي الله، وخفف الله عن أمته، والله رحيم.
وهذه الرواية لها أصل صحيح مرفوع عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.(4/226)
وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ (45) إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ (46) وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ (47) وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِنَ الْأَخْيَارِ (48) هَذَا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ (49) جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوَابُ (50) مُتَّكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ (51) وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ (52) هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسَابِ (53) إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ (54) هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ (55)
قوله تعالى (وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ (45) إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (أولي الأيدي) يقول: أولي القوة والعبادة والأبصار يقول: الفقه في الدين.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار) قال: بهذه أخلصهم الله، كانوا يدعون إلى الآخرة وإلى الله.
قوله تعالى (هَذَا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآَبٍ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (هذا ذكر) قال: القرآن.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي قوله (وإن للمتقين لحسن مآب) قال: لحسن منقلب.
قوله تعالى (وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ (52) هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسَابِ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وعندهم قاصرات الطرف) قال: قصرن طرفهن على أزواجهن، فلا يردن غيرهم.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (قاصرات الطرف أتراب) قال: أمثال.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (هذا ما توعدون ليوم الحساب) قال: هو في الدنيا ليوم القيامة.
قوله تعالى (إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ (54) هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآَبٍ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (إن هذا لرزقنا ما له من نفاد) قال: رزق الجنة، كلما أخذ منه شيء عاد مثله مكانه، ورزق الدنيا له نفاد.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ماله من نفاد) أي: ماله انقطاع.
قال ابن كثير: ثم أخبر عن الجنة أنه لا فراغ لها ولا انقطاع ولا زوال ولا انتهاء، قال: (إن هذا لرزقنا ما له من نفاد) ، كقوله تعالى: (ما عندكم ينفد وما عند الله باق) .(4/227)
إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ (54) هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ (55) جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمِهَادُ (56) هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ (57) وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ (58) هَذَا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ لَا مَرْحَبًا بِهِمْ إِنَّهُمْ صَالُو النَّارِ (59) قَالُوا بَلْ أَنْتُمْ لَا مَرْحَبًا بِكُمْ أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا فَبِئْسَ الْقَرَارُ (60) قَالُوا رَبَّنَا مَنْ قَدَّمَ لَنَا هَذَا فَزِدْهُ عَذَابًا ضِعْفًا فِي النَّارِ (61) وَقَالُوا مَا لَنَا لَا نَرَى رِجَالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرَارِ (62) أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصَارُ (63)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (وإن للطاغين لشر مآب) قال: لشر منقلب.
قوله تعالى (هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (هذا فليذوقوه حميم وغساق) قال: كنا نحدث أن الغساق: ما يسيل من بين جلده ولحمه.
قوله تعالى (وَآَخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي، عن مرة، عن عبد الله بن مسعود (وآخر من شكله أزواج) قال: الزمهرير.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (وآخر من شكله أزواج) يقول: من نحوه.
قوله تعالى (هَذَا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ لَا مَرْحَبًا بِهِمْ إِنَّهُمْ صَالُوا النَّارِ (59) قَالُوا بَلْ أَنْتُمْ لَا مَرْحَبًا بِكُمْ أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا فَبِئْسَ الْقَرَارُ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (هذا فوج مقتحم معكم) في النار (لا مرحبا بهم إنهم صالوا النار قالوا بل أنتم لا مرحبا بكم) . حتى بلغ: (فبئس القرار) قال: هؤلاء الأتباع يقولون للرءوس.
قوله تعالى (وَقَالُوا مَا لَنَا لَا نَرَى رِجَالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرَارِ (62) أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصَارُ)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (أتخذناهم سخريا) قال: أخطأناهم (أم زاغت عنهم الأبصار) ولا تراهم؟.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (وقالوا ما لنا لا نرى رجالا كنا نعدهم من الأشرار) قال: فقدوا أهل الجنة (أتخذناهم سخريا) في الدنيا (أم زاغت عنهم الأبصار) وهم معنا في النار.(4/228)
وَقَالُوا مَا لَنَا لَا نَرَى رِجَالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرَارِ (62) أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصَارُ (63) إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ (64) قُلْ إِنَّمَا أَنَا مُنْذِرٌ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (65) رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ (66) قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ (67) أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ (68) مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلَى إِذْ يَخْتَصِمُونَ (69) إِنْ يُوحَى إِلَيَّ إِلَّا أَنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (70) إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ (71) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (72)
قال ابن كثير: وهذا مثل ضرب، وإلا فكل الكفار هذا حالهم: يعتقدون أن المؤمنين يدخلون النار، فلما دخل الكفار (النار) افتقدوهم فلم يجدوهم، فقالوا (ما لنا لا نرى رجالاً كنا نعدهم من الأشرار أتخذناهم سخريا) ، أي: في الدنيا (أم زاغت عنهم الأبصار) ، يُسَلُّون أنفسهم بالمحال، يقولون: أو لعلهم معنا في جهنم، ولكن لم يقع بصرنا عليهم. فعند ذلك يعرفون أنهم في الدرجات العاليات، وهو قوله: (وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقّاً فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقّاً قَالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) إلى قوله: (ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ) .
وانظر سورة الأعراف آية (44-49) .
قوله تعالى (قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ (67) أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي قوله (قل هو نبأ عظيم أنتم عنه معرضون) قال: القرآن. وقوله (أنتم عنه معرضون) يقول: أنتم عنه منصرفون لا تعلمون به ولا تصدقون بما فيه من حجج الله وآياته.
قوله تعالى (مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلَى إِذْ يَخْتَصِمُونَ (69) إِنْ يُوحَى إِلَيَّ إِلَّا أَنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (70) إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ (71) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ)
قال الترمذي: حدثنا سلمة بن شبيب وعبد بن حميد قالا: حدثنا عبد الرزاق عن معمر، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أتاني الليلة ربي تبارك وتعالى في أحسن صورة، قال أحسبه في المنام فقال يا محمد: هل تدري فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قال قلت: لا، قال فوضع يده بين كتفي حتى وجدتُ بردها بين ثدييّ أو قال في نحري، فعلمتُ ما في السماوات وما في الأرض، قال: يا محمد هل تدري فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلتُ نعم، قال: في الكفارات، والكفارات المكث في المساجد بعد الصلوات، والمشي(4/229)
مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلَى إِذْ يَخْتَصِمُونَ (69) إِنْ يُوحَى إِلَيَّ إِلَّا أَنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (70) إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ (71) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (72) فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (73) إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (74) قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ (75) قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (76) قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (77)
على الأقدام إلى الجماعات، وإسباغ الوضوء في المكاره، ومن فعل ذلك عاش بخير ومات بخير، وكان من خطيئته كيوم ولدته أمه، وقال: يا محمد إذا صليت فقل: اللهم إني أسألك فعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين، وإذا أردت بعبادك فتنة فاقبضني إليك غير مفتون، قال: والدرجات إنشاء السلام وإطعام الطعام والصلاة بالليل والناس نيام.
قال أبو عيسى: وقد ذكروا بين أبي قلابة وبين ابن عباس في هذا الحديث رجلا، وقد رواه قتادة عن أبي قلابة عن خالد بن اللجلاج عن ابن عباس.
(السنن 5/366-367 - ك التفسير) . وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي. وأخرجه بنحوه من حديث معاذ بن جبل وصححه ونقل تصحيح البخاري له (السنن 5/368 ح3235) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (ما كان لي علم بالملأ الأعلى) قال: هم الملائكة، كانت خصومتهم في شأن آدم حين قال ربك للملائكة: (إني خالق بشراً من طين) ... حتى بلغ (ساجدين) حين قال: (إني جاعل في الأرض خليفة) ... حتى بلغ (ويسفك الدماء) ، ففي هذا اختصم الملأ الأعلى.
قوله تعالى (إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ)
انظر سورة البقرة آية (30) حديث أبي موسى الأشعري.
قوله تعالى (فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (73) إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (74) قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ (75) قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ)
انظر سورة البقرِة آية (30-34) ، وانظر سورة الإسراء آية (61-62) .
قوله تعالى (فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ) قال: والرجيم: اللعين.(4/230)
قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (83) قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ (84) لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ (85) قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ (86) إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (87) وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ (88)
قوله تعالى (قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين) ، قال: علم عدو الله أنه ليست له عزة.
قال ابن كثير: (فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) كما قال: (أرأيتك هذا الذي كرمت علي لئن أخرتن إلى يوم القيامة لأحتنكن ذريته إلا قليلاً) ، وهؤلاء هم المستثنون في الآية الأخرى، وهي قوله تعالى (إن عبادي ليس لك عليهم سلطان وكفى بربك وكيلا) .
وانظر سورة الإسراء آية (62-65) .
قوله تعالى (قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ (84) لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي في قوله (الحق والحق أقول) قال: قسم أقسم الله به.
قال ابن كثير: وهذه الآية الكريمة كقوله تعالى: (ولكن حق القول مني لأملأن جهنم من الِجنة والناس أجمعين) وكقوله تعالى: (قال اذهب فمن تبعك منهم فإن جهنم جزاؤكم جزاء موفوراً) .
وانظر سورة الإسراء آية (63) وسورة السجدة آية (13) .
قوله تعالى (إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ)
قال ابن كثير: وهذه الآية كقوله تعالى (لأنذركم به ومن بلغ) ، (ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده) .
قوله (وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ) : أي بعد الموت، قال الحسن: يا ابن آدم عند الموت يأتيك الخبر اليقين.(4/231)
تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (1) إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ (2) أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ (3)
سورة الزمر
قوله تعالى (تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (1) إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ)
قال ابن كثير: يخبر تعالى أن تنزيل هذا الكتاب -وهو القرآن العظيم- من عنده تبارك وتعالى، فهو الحق الذي لا مرية فيه ولا شك، كما قال تعالى (وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (194) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) وقال: (وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (41) لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) .
وانظر سورة فصلت آية (42) وتفسيرها.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق) يعني: القرآن.
قوله تعالى (أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ألا لله الدين الخالص) شهادة أن لا إله إلا الله.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله (ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى) قال: قريش تقوله للأوثان، ومن قبلهم يقوله للملائكة ولعيسى ابن مريم ولعزير.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى) قالوا: ما نعبد هؤلاء إلا ليقربونا، إلا ليشفعوا لنا عند الله.(4/232)
لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لَاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (4) خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أَلَا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ (5) خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (6)
قوله تعالى (لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لَاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ)
قال ابن كثير: ثم بين تعالى أنه لا ولد له كما يزعمه جهلة المشركين في الملائكة، والمعاندون من اليهود والنصارى في العزير وعيسى، فقال: (لو أراد الله أن يتخذ ولداً لاصطفى مما يخلق ما يشاء) أي لكان الأمر على خلاف ما يزعمون. وهذا شرط لا يلزم وقوعه ولا جوازه، بل هو محال، وإنما قصد تجهيلهم فيما ادعوه وزعموه، كما قال: (لو أردنا أن نتخذ لهواً لاتخذناه من لدنا إن كنا فاعلين) ، (قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين) - كل هذا من باب الشرط، ويجوز تعليق الشرط على المستحيل لقصد المتكلم.
قوله تعالى (يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ)
أخرج الطبري بسنده الحسن من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل) يقول: يحمل الليل على النهار.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل) قال: يغشى هذا هذا، ويغشى هذا هذا.
قوله تعالى (خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (خلقكم من نفس واحدة) يعني آدم، ثم خلق منها زوجها حواء، خلقها من ضلع من أضلاعه.
وانظر سورة النساء آية (1) وتفسيرها.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج) من الإبل اثنين، ومن البقر اثنين، ومن الضأن اثنين، ومن المعز اثنين، من كل واحد زوج.(4/233)
خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (6) إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (7) وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ (8)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقا بعد خلق) نطفة، ثم علقة، ثم مضغة، ثم عظما، ثم لحما، ثم أنبت الشعر، أطوار الخلق.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (في ظلمات ثلاث) قال: البطن والرحم والمشيمة.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (فأنى تصرفون) قال: كقوله (تؤفكون) .
قوله تعالى (إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ)
أخرج الطبري بسنده الحسن من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (إن تكفروا فإن الله غني عنكم ولا يرضى لعباده الكفر) يعني الكفار الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم، فيقولوا: لا إله إلا الله.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (ولا يرضى لعباده الكفر) قال: لا يرضى لعباده المؤمنين أن يكفروا.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (وإن تشكروا يرضه لكم) قال: إن تطيعوا يرضه لكم.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (ولا تزر وازرة وزر أخرى) قال: لا يؤخذ أحد بذنب أحد.
وانظر سورة الإسراء آية (15) وتفسيرها.
قوله تعالى (وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (وإذا مس الإنسان ضر) قال: الوجع والبلاء والشدة (دعا ربه منيبا إليه) قال: مستغيثا به.(4/234)
وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ (8) أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (9) قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (10) قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ (11) وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ (12) قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (13) قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي (14) فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (15)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (ثم إذا خوله نعمة منه) قال: إذا أصابته عافية أو خير.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (نسي) يقول: ترك، هذا في الكفر خاصة.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (وجعل لله أندادا) قال: الأنداد من الرجال: يطيعونهم في معاصي الله.
وانظر سورة البقرة آية (24) لبيان أصحاب النار.
قوله تعالى (أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آَنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا)
أخرج الطبري سنده الحمن عن السدي في قوله (أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آَنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا) قال: القانت: المطيع. وقوله (آناء الليل) يعني: ساعات الليل.
قوله تعالى (قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة) قال: العافية والصحة.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (وأرض الله واسعة) فهاجروا واعتزلوا الأوثان.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب) لا والله ما هناكم مكيال وميزان.
قوله تعالى (قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) أخرج الطبري بسنده الحسن من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (قل إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة) قال: هم الكفار
الذين خلقهم الله للنار، وخلق النار لهم، فزالت عنهم الدنيا، وحرمت عليهم الجنة، قال الله (خسر الدنيا والآخرة) .(4/235)
لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ (16) وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ (17) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ (18) أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ (19) لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ (20)
قوله تعالى (لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ)
قال ابن كثير: (لهم من فوقهم ظلل من النار ومن تحتهم ظلل) كما قال: (لهم من جهنم مهاد ومن فوقهم غواش وكذلك نجزى الظالمين) وقال: (يوم يغشاهم العذاب من فوقهم ومن تحت أرجلهم ويقول ذوقوا ما كنتم تعملون) .
وانظر سورة الأعراف آية (41) .
قوله تعالى (وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ (17) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (والذين اجتنبوا الطاغوت) قال: الشيطان.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (وأنابوا إلى الله) : وأقبلوا إلى الله.
قال ابن كثير: (فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه) أي: يفهمونه ويعملون بما فيه، كقوله تعالى لموسى حين أتاه التوراة (فخذها بقوة وأمر قومك يأخذوا بأحسنها) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فيتبعون أحسنه) وأحسنه طاعة الله.
قوله تعالى (أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ) بكفره.
قوله تعالى (لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ…)
انظر سورة العنكبوت آية (58) وفيها حديث أبي مالك الأشعري وفيه صفة الغرف.(4/236)
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ (21) أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (22) اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (23)
قوله تعالى (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ)
انظر سورة الكهف آية (45) .
قوله تعالى (أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه) يعني: كتاب الله هو المؤمن، به يأخذ، وإليه ينتهي.
قال ابن كثير: وقوله: (أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه) أي: هل يستوي هذا ومن هو قاسي القلب بعيد من الحق؟ كقوله تعالى: (أومن كان ميتاً فأحييناه وجعلنا له نوراً يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها) ولهذا قال: (فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله) أي: فلا تلين عند ذكره، ولا تخشع ولا تعي ولا تفهم، (أولئك في ضلال مبين) .
انظر سورة البقرة آية (79) لبيان لفظ (ويل) .
قوله تعالى (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ)
انظر حديث سعد بن أبي وقاص المتقدم عند الآية (1-3) من سورة يوسف.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها) ... الآية تشبه الآية، والحرف يشبه الحرف.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (كتابا متشابهاً مثاني) قال: في القرآن كله.(4/237)
أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (24) كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ (25) فَأَذَاقَهُمُ اللَّهُ الْخِزْيَ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (26) وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (27) قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (28)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (مثاني) قال: ثنى الله فيه الفرائض، والقضاء، والحدود.
وانظر سورة الأنفال آية (2) وتفسيرها لبيان أثر تلاوة وسماع القرآن في المؤمنين.
قوله تعالى (أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله (أفمن يتقى بوجهه سوء العذاب) قال: يخر على وجهه في النار، يقول: هو مثل (أفمن يلقى في النار خير أم من يأتي آمنا يوم القيامة) .
قال ابن كثير: يقول تعالى (أفمن يتقي بوجهه سوء العذاب يوم القيامة) ويقرع فيقال له ولأمثاله من الظالمين (ذوقوا ما كنتم تكسبون) كمن يأتي آمنا يوم القيامة؟. كما قال تعالى: (أفمن يمشى مكباً على وجهه أهدى أمن يمشى سوياً على صراط مستقيم) وقال: (يوم يسحبون في النار على وجوههم ذوقوا مس سقر) وقال: (أفمن يلقى في النار خير أم من يأتي آمنا يوم القيامة) .
قوله تعالى (وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآَنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) قال ابن كثير: يقول تعالى (ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل) بينا للناس فيه بضرب الأمثال، (لعلهم يتذكرون) ، فإن المثل يُقرب المعنى إلى الأذهان، كما قال تعالى: (ضرب الله مثلاً من أنفسكم) ، أي تعلمونه من أنفسكم، وقال: (وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون) .
قوله تعالى (قرآناً عربياً غير ذي عوج)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (قرآناً عربياً غير ذي عوج) : غير ذي لبس.
وأخرج الآجري بسنده من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قول الله عز وجل (قرآناً عربياً غير ذي عوج) قال: غير مخلوق.
وإسناده حسن تقدم في المقدمة وقد أخرجه الآجري بإسناد ابن أبي حاتم والطبري نفسه (الشريعة ص 77) .(4/238)
ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (29) إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (30) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ (31)
قوله تعالى (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (رجلا فيه شركاء متشاكسون ورجلا سلما لرجل) قال: هذا مثل إله الباطل وإله الحق. ا. هـ.
أي: المشرك والمؤمن المخلص.
قوله تعالى (ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ)
قال الترمذي: حدثنا ابن أبي عمر، حدثنا سفيان عن محمد بن عمرو بن علقمة عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب عن عبد الله بن الزبير عن أبيه قال: لما نزلت (ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون) قال الزبير: يا رسول الله أتكرَّر علينا الخصومة بعد الذي كان بيننا في الدنيا؟ قال: نعم، فقال: إن الأمر إذاً لشديد.
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح. (السنن 5/370 ح3236 - ك التفسير، ب سورة الزمر) . وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي. وأخرجه الإمام أحمد وصححه أحمد شاكر (المسند رقم 1434) . وصححه الحاكم في (المستدرك 2/435 ك التفسير) ، والضياء المقدسي في (المختارة 3/49-53 ح852-856) من طرق، عن محمد بن عمرو بن علقمة به، وحسن المحقق أسانيدها. وقال الهيثمي: رواه الطبراني ورجاله ثقات (مجمع الزوائد 7/100) . وقال البوصيري: رواه الحميدي ورواته ثقات (الإتحاف - التفسير ص363) .
قال النسائي: أخبرنا محمد بن عامر، قال: حدثنا منصور بن سلمة، قال: حدثنا يعقوب، عن جعفر، عن سعيد (بن جبير) ، عن ابن عمر، قال: نزلت هذه الآية، وما نعلم في أي شيء نزلت (ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون) قلنا: من نخاصم؟! ليس بيننا وبين أهل الكتاب خصومة، حتى وقعت الفتنة. قال ابن عمر: هذا الذي وعدنا ربنا أن نختصم فيه.
(التفسير ح467) وأخرجه الطبري (24/2) وابن أبي حاتم كما في تفسير ابن كثير (4/54) من طرق يعقوب به، وحسن إسناده محقق النسائي. وأخرجه الحاكم في (المستدرك 4/572-573) من طريق القاسم بن عوف الشيباني عن ابن عمر مطولاً، وصححه على شرط الشيخين، وأقره الذهبي، والقاسم فيه ضعيف (انظر تهذيب التهذيب 8/326-327) . وأخرجه الطبراني كما في المجمع (7/100) بنحو لفظ الحاكم، وقال الهيثمي: رجاله ثقات. وأخرجه نعيم بن حماد في (الفتن ح400) لكن من رواية عبد الله بن عمرو، وفي إسناده مبهم.(4/239)
ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ (31) فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ (32) وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (33) لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ (34) لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ (35) أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (36) وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُضِلٍّ أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقَامٍ (37) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ (38)
أخرج الطبري بسنده الحسن من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله (ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون) قال: أهل الإسلام وأهل الكفر.
قوله تعالى (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ (32) وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وكذب بالصدق إذ جاءه) أي: بالقرآن.
أخرج الطبري بسنده الحسن من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (والذي جاء بالصدق) يقول: جاء بلا إله إلا الله (وصدق به) يعني: رسوله.
أخرج الطبري بسنده الحسن من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (أولئك هم المتقون) يقول: اتقوا الشرك.
قوله تعالى (لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ)
قال ابن كنير: يعني: في الجنة، مهما طلبوا وجدوا، (ذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ (34) لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ) كما قال في الآية الأخرى (أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ) .
قوله تعالى (أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (أليس الله بكاف عبده) يقول: محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (ويخوفونك بالذين من دونه) يقول: بآلهتهم التي كانوا يعبدون.
قوله تعالى (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ)
انظر سورة آل عمران آية (173) وسورة الأنعام آية (17) وتفسيريهما.(4/240)
قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (39) مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ (40) إِنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (41) اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (42)
قوله تعالى (قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (على مكانتكم) قال: على ناحيتكم (إني عامل) كذلك على تؤدة على عمل من سلف من أنبياء الله قبلي (فسوف تعلمون) إذا جاءكم بأس الله، من المحق منا من المبطل والرشيد من الغوى.
قوله تعالى (إِنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ)
انظر سورة الإسراء آية (15) وتفسيرها.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (وما أنت عليهم بوكيل) أي: بحفيظ.
قوله تعالى (اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا)
قال البخاري: حدثنا قبيصة، حدثنا سفيان، عن عبد الملك، عن ربعي بن حراش، عن حذيفة قال: "كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا آوى إلى فراشه قال: باسمك أموت وأحيا. وإذا قام قال: الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور".
(الصحيح 11/117 ح6312 - ك الدعوات، ب ما يقول إذا نام) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي، في قوله (الله يتوفى الأنفس حين موتها) قال: تقبض الأرواح عند نيام النائم، فتقبض روحه في منامه، فتلقى الأرواح بعضها بعضاً أرواح الموتى وأرواح النيام، فتلقى فتسائل، قال: فيخلي عن أرواح الأحياء، فترجع إلى أجسادها، وتريد الأخرى أن ترجع، فيحبس التي قضى عليها الموت، ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى، قال: إلى بقية آجالها.
قال ابن كثير: ثم قال تعالى مخبراً عن نفسه الكريمة بأنه المتصرف في الوجود بما يشاء، وأنه يتوفى الأنفس الوفاة الكبرى، بما يرسل من الحفظة الذين يقبضونها من الأبدان. والوفاة الصغرى عند المنام كما قال تعالى: (وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمّىً ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ(4/241)
اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (42) أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلَا يَعْقِلُونَ (43) قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (44) وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (45) قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (46) وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ (47) وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (48)
ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (60) وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ) . فذكر الوفاتين: الصغرى ثم الكبرى. وفي هذه الآية ذكر الكبرى ثم الصغرى.
قوله تعالى (أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (أم اتخذوا من دون الله شفعاء) الآلهة (قل أولو كانوا لا يملكون شيئا) الشفاعة.
قوله تعالى (قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا) قال: لا يشفع عنده أحد إلا بإذنه.
قوله تعالى (وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ) : أي نفرت قلوبهم واستكبرت (وإذا ذكر الذين من دونه) الآلهة (إذا هم يستبشرون) .
قوله تعالى (قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ…) أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي في قوله (فاطر السماوات والأرض) فاطر، قال: خالق، وفي قوله (عالم الغيب) قال: ما غاب عن العباد فهو يعلمه (والشهادة) : ما عرف العباد وشهدوا، فهو يعلمه.
قوله تعالى (وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ) انظر سورة آل عمران آية (91) وسورة الرعد آية (18) .
قوله تعالى (وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ) انظر سورة النحل آية (34) وانظر سورة الأنعام آية (10) لبيان حاق أي: وقع.(4/242)
فَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (49) قَدْ قَالَهَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (50) فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هَؤُلَاءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ (51) أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (52)
قوله تعالى (فَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (ثم إذا خولناه نعمة منا) حتى بلغ (على علم) : أي على خير عندي.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (إذا خولناه نعمة منا) قال: أعطيناه.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (بل هي فتنة) : أي بلاء.
قوله تعالى (قَدْ قَالَهَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (50) فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هَؤُلَاءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ)
قال ابن كثير: (قد قالها الذين من قبلهم) ، أي: قد قال هذه المقالة وزعم هذا الزعم وادعى هذه الدعوى، كثير ممن سلف من الأمم، (فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون) أي: فما صح قولهم ولا منعهم جمعهم وما كانوا يكسبون، (فأصابهم سيئات ما كسبوا والذين ظلموا من هؤلاء) ، أي: من المخاطبين (سيصيبهم سيئات ما كسبوا) أي: كما أصاب أولئك (وما هم بمعجزين) كما قال تعالى مخبراً عن قارون أنه قال له قومه: (لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ (76) وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآَخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (77) قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ) . وقال تعالى: (وقالوا نحن أكثر أموالاً وأولاداً وما نحن بمعذبين) .
قوله تعالى (أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)
انظر سورة الرعد آية (26) وسورة الإسراء آية (30) .(4/243)
قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ (54)
قوله تعالى (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ)
قال البخاري: حدثني إبراهيم بن موسى أخبرنا هشام بن يوسف أن ابن جُريج أخبرهم قال يعلى: إن سعيد بن جبير أخبره عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن ناساً من أهل الشرك كانوا قد قتلوا وأكثروا، وزنوا وأكثروا، فأتوا محمداً - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقالوا: إن الذي تقول وتدعوا إليه لحسن، لو تُخبرنا أن لما عملنا كفّارة.
فنزل (والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرّم الله إلا بالحق ولا يزنون) ونزل (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله) .
(الصحيح 8/411 ح4810 - ك التفسير، سورة الزمر) ، وأخرجه مسلم في صحيحه (1/113 ح122 - ك الإيمان، ب كون الإسلام يهدم ما قبله) .
قال الحاكم: حدثني أبو إسحاق إبراهيم بن إسماعيل القارئ، ثنا عثمان بن سعيد الدارمي، ثنا الحسن ين الربيع، ثنا عبد الله بن إدريس، حدثني محمد بن إسحاق قال: وأخبرني نافع عن عبد الله بن عمر عن عمر قال: كنا نقول ما لمفتن توبة وما الله بقابلٍ منه شيئاً، فلما قدم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المدينة أنزل فيهم (يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم) والآيات التي بعدها قال عمر: فكتبتها فجلست على بعيري، ثم طفت المدينة، ثم أقام رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بمكة ينتظر أن يأذن الله له في الهجرة وأصحابه من المهاجرين، وقد أقام أبو بكر - رضي الله عنه - ينتظر أن يؤذن لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيخرج معه.
هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. (المستدرك 2/435 - ك التفسير، وصححه الذهبي) وأخرجه الضياء المقدسي في (المختارة 1/317-319 ح212-214) من طريق عن ابن إسحاق به، وحكم محققه بحسن أسانيدها. وقد عزاه الهيثمي للبزار وقال: رجاله ثقات. (مجمع الزوائد 6/61) وعزاه الحافظ ابن حجر إلى ابن السكن في كتابه الصحابة بسند صحيح (الإصابة 3/572) .(4/244)
وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ (54) وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (55) أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ (56) أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (57)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله (الذين أسرفوا على أنفسهم) قال: قتل النفس في الجاهلية.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (وأنيبوا إلى ربكم) : أي أقبلوا إلى ربكم.
قوله تعالى (وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (55) أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ (56) أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (واتبعوا الحسن ما أنزل إليكم من ربكم) يقول: ما أمرتم به في الكتاب (من قبل أن يأتيكم العذاب) .
قال الحاكم: حدثنا أبو الفضل محمد بن إبراهيم المزكي، ثنا محمد بن عمرو الجرشي، ثنا أحمد بن عبد الله بن يونس، ثنا أبو بكر بن عياش، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "كل أهل النار يرى مقعده من الجنة فيقول: لو أن الله هداني فتكون عليه حسرة، وكل
أهل الجنة يرى مقعده من النار فيقول: لولا أن الله هداني فيكون له شكر. ثم تلا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ) .
هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. (المستدرك 2/435 - ك التفسير) ، ووافقه الذهبي، وحسنه الألباني في (صحيح الجامع الصغير 4514) وانظر سورة الأعراف آية (43) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي في قوله (يا حسرتا) قال: الندامة.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله (على ما فرطت في جنب الله) قال: في أمر الله.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة في قوله (أن تقول نفس يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله وإن كنت لمن الساخرين) قال: فلم يكفه أن ضيع طاعة الله حتى جعل يسخر بأهل طاعة الله، قال: هذا قول صنف منهم.(4/245)
أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ (56) أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (57) أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (58) بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ (59) وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ (60)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله) الآية، قال: هذا قول صنف منهم (أو تقول لو أن الله هداني) الآية، قال: هذا قول صنف آخر: (أو تقول حين ترى العذاب) .. الآية، يعني بقوله (لو أن لي كرة) رجعة إلى الدنيا، قال: هذا صنف آخر.
أخرج الطبري بسنده الحسن من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (أن تقول نفس يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله) قال: أخبر الله ما العباد قائلوه قبل أن يقولوه، وعملهم قبل أن يعملوه، قال: (وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ) (أن تقول نفس يا حسرتا على ما فرطت في الله أو تقول لو أن الله هداني) ... إلى قوله (فأكون من المحسنين) يقول: من المهتدين، فأخبر الله سبحانه أنهم لو ردوا لم يقدروا على الهدى، وقال: (ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون) وقال: (ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة) ، قال: ولو ردوا إلى الدنيا لحيل بينهم وبين الهدى، كما حلنا بينهم وبينه أول مرة في الدنيا.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة يقول الله ردا لقولهم، وتكذيباً لهم، يعني لقول القائلين: (لو أن الله هداني) ، والصنف الآخر: (بلى قد جاءتك آياتي) … الآية.
قوله تعالى (أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (58) بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آَيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ)
انظر سورة البقرة آية (167) وسورة الأعراف آية (36) وسورة الشعراء آية (102) .
قوله تعالى (وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ)
انظر سورة آل عمران آية (106) .(4/246)
وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (61) اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (62) لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (63) قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ (64) وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (65) بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (66) وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (67)
قوله تعالى (وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي في قوله (وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ) قال: بفضائلهم.
قوله تعالى (له مقاليد السماوات والأرض)
أخرج الطبري بسنده الحسن من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (مقاليد السماوات والأرض) مفاتيحها.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي قوله (له مقاليد السماوات والأرض) قال: خزائن السماوات والأرض.
قوله تعالى (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ)
قال البخاري: حدثنا آدم، حدثنا شيبان عن منصور عن إبراهيم عن عُبيدة عن عبد الله - رضي الله عنه - قال: جاء حَبْرٌ من الأحبار إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: يا محمد، إنا نجد أن الله يجعل السماوات على إصبع، والأرضين على إصبع، والشجر على إصبع، والماء والثَرَى على إصبع، وسائر الخلائق على إصبع، فيقول: أنا الملك. فضحك النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حتى بدت نواجذه تصديقا لقول الحبر، ثم قرأ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) .
(الصحيح 8/412 ح4811 - ك التفسير - سورة الزمر، ب الآية) . (صحيح مسلم 4/2147 - ك صفة القيامة والجنة والنار نحوه) .
وقال البخاري: حدثنا سعيد بن عُفير قال: حدثني الليث قال: حدثني عبد الرحمن بن خالد بن مسافر عن ابن شهاب عن أبي سلمة أن أبا هريرة قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "يقبض الله الأرض، ويطوي السماوات بيمينه ثم يقول: أنا الملك، أين ملوك الأرض".
(الصحيح 8/413 ح4812 - ك التفسير - سورة الزمر، ب الآية) ، (وأخرجه مسلم في الصحيح رقم2781) .(4/247)
وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (67) وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ (68)
قال الترمذي: حدثنا ابن أبي عمر، حدثنا سفيان عن داود بن أبي هند عن الشعبي عن مسروق عن عائشة أنها قالت يا رسول الله: (والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه) فأين المؤمنون يومئذ؟ قال: "على الصراط يا عائشة".
هذا حديث حسن صحيح (السنن 5/372 ح3242 - ك التفسير، ب سورة الزمر) . وصححه الألباني في (صحيح سنن أبي الترمذي) ، وصححه الحاكم في (المستدرك 2/436 - ك التفسير في حديث طويل)
أخرج الطبري بسنده الحسن من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (وما قدروا الله حق قدره) قال: هم الكفار الذين لم يؤمنوا بقدرة الله عليهم، فمن آمن أن الله على كل شيء قدير، فقد قدر الله حق قدره، ومن لم يؤمن بذلك، فلم يقدر الله حق قدره.
قوله تعالى (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ…)
قال البخاري: حدثني الحسن، حدثنا إسماعيل بن خليل، أخبرنا عبد الرحيم عن زكريا بن أبي زائدة، عن عامر عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إني أول من يرفع رأسه بعد النفخة الآخرة، فإذا أنا بموسى متعلق بالعرش، فلا أدري، أكذلك كان، أم بعد النفخة".
(الصحيح 8/413 ح4813 - ك التفسير - سورة الزمر، ب الآية)
وفي رواية بلفظ "فلا أدري أكان فيمن صعق فأفاق أو كان ممن استثنى الله".
(الصحيح ح3408 - ك أحاديث الأنبياء، باب وفاة موسى) .
قال البخاري: حدثنا عمر بن حفص، حدثنا أبي حدثنا الأعمش قال: سمعت أبا صالح قال: لسمعت أبا هريرة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ما بين النفختين أربعون.
قالوا: يا أبا هريرة، أربعون يوماً؟ قال: أبيت. قال: أربعون سنة؟ قال: أبيت، قال: أربعون شهراً؟ قال: أبيت، وببلى كل شيء من الإنسان، إلا عجْب ذنبه، فيه يُركب الخَلق".
(الصحيح 8/413 ح4814 - ك التفسير - سورة الزمر، ب الآية) ، وأخرجه مسلم في (صحيحه 4/2270 - ك الفتن، ب ما بين النفختين) .(4/248)
وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ (68) وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (69)
قال الترمذى: حدثنا ابن أبي عمر، حدثنا سفيان عن مُطرف عن عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "كيف أنعم وقد التقم صاحب القَرن القرن وحنى جبهته وأصغى سمعه ينتظر أن يؤمر أن ينفخ فينفخ! قال المسلمون: فكيف نقول يا رسول الله؟ قال، قولوا: حسبنا الله ونعم الوكيل توكلنا على الله ربنا، وربما قال سفيان: على الله توكلنا".
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن، وقد رواه الأعمش أيضاً عن عطية عن أبي سعيد (السنن 5/372-373 - ك التفسير، ب سورة الزمر) ، وصححه الألباني في (صحيح سنن الترمذي ح3243) .
وأخرجه ابن حبان (الإحسان 3/105) ، والحاكم وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك 4/559) .
وانظر حديث عبد الله بن عمرو المتقدم عند الآية (73) من سورة الأنعام.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في والأرض) قال: مات.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله) قال: جبريل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت.
قوله تعالى (ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (ثم نفخ فيه أخرى) قال: في الصور، وهي نفخة البعث.
(أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (فإذا هم قيام ينظرون) قال: حين يبعثون.
قوله تعالى (وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة وقوله (وأشرقت الأرض بنور ربها) قال: فما يتضارون في نوره إلا كما يتضارون في الشمس في اليوم الصحو الذي لا دخن فيه.(4/249)
وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (69) وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ (70) وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ (71) قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (72)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ووضع الكتاب) قال: كتاب أعمالهم.
أخرج الطبري بسنده الحسن من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (وجيء بالنبيين والشهداء) فإنهم ليشهدون للرسل بتبليغ الرسالة، وبتكذيب الأمم إياهم.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (وجيء بالنبيين والشهداء) : الذين استشهدوا في طاعة الله.
قوله تعالى (وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آَيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ)
انظر رواية الطبري بسنده عن علي بن أبي طالب في سورة الأعراف آية (43) .
قال ابن كثير: يخبر تعالى عن حال الأشقياء الكفار كيف يساقون إلى النار؟
وإنما يساقون سوقا عنيفا بزجر وتهديد ووعيد. كما قال تعالى: (يوم يدعون إلى نار جهنم دعا) ، أي: يدفعون إليها دفعا. هذا وهم عطاش ظماء، كما قال في الآية الأخرى: (يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْداً (85) وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْداً) . وهم في تلك الحال صم وبكم وعمي، منهم من يمشى على وجهه، (وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمّاً مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيراً) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة في قوله (زمرا) قال: جماعات.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين) بأعمالهم.
قوله تعالى (قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ) انظر سورة الحجر آية (44) لبيان عدد أبواب جهنم أنها سبعة.(4/250)
وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ (73) وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (74) وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (75)
قوله تعالى (وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ)
أخرج البخاري بسنده عن سهل بن سعد - رضي الله عنه - مرفوعاً: "إن في الجنة ثمانية أبواب، فيها باب يسمى الريان لا يدخله إلا الصائمون".
(الصحيح ح3257 - كتاب بدء الخلق، ب صفة أبواب الجنة) .
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (طبتم) قال: كنتم طيبين في طاعة الله.
قوله تعالى (وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (74) وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)
قال ابن كثير: (وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده) ، أي: يقول المؤمنون إذا عاينوا في الجنة ذلك الثواب الوافر، والعطاء العظيم، والنعيم المقيم، والملك الكبير، يقولون عند ذلك: (الحمد لله الذي صدقنا وعده) ، أي: الذي كان وعدنا على ألسنة رسله الكرام، كما دعوا في الدنيا: (رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (وأورثنا الأرض) قال: أرض الجنة.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (نتبوأ من الجنة حيث نشاء) ننزل منها حيث نشاء.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (وترى الملائكة حافين من حول العرش) محدقين.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (يسبحون بحمد ربهم) ... الآية، كلها قال: فتح أول الخلق بالحمد لله، فقال: الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض، وختم بالحمد فقال: (وقضي بينهم بالحق وقيل الحمد لله رب العالمين) .
وانظر تفسير بداية سورة الفاتحة.(4/251)
حم (1) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (2) غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ (3) مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلَادِ (4)
سورة غافر
قوله تعالى (حم)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: (حم) قسم أقسمه الله، وهو اسم من أسماء الله.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (حم) قال: اسم من أسماء القرآن.
قوله تعالى (تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ)
قال ابن كثير: وهو كقوله تعالى (نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم وأن عذابي هو العذاب الأليم) ، يقرن هذين الوصفين كثيراً في مواضع متعددة من القرآن، ليبقي العبد بين الرجاء والخوف.
وانظر سورة الحجر آية (49-50) .
قوله تعالى (ذي الطول)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (ذي الطول) يقول: ذي السعة والغنى.
قوله تعالى (مَا يُجَادِلُ فِي آَيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلَادِ) انظر سورة الحج آية (3) قول الشيخ الشنقيطي لبيان جدل الكفار بغير علم.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فلا يغررك تقلبهم في البلاد) أسفارهم فيها، ومجيئهم وذهابهم.
قال ابن كثير: يقول تعالى: ما يدفع الحق ويجادل فيه بعد البيان وظهور البرهان (إلا الذين كفروا) أي: الجاحدون لآيات الله وحججه وبراهينه (فلا يغررك تقلبهم في البلاد) أي: في أموالهم ونعيمها وزهرتها، كما قال: (لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد متاع قليل ثم مأواهم جهنم وبئس المهاد) وقال تعالى: (نمتعهم قليلاً ثم نضطرهم إلى عذاب غليظ) .
وانظر سورة آل عمران آية (196-197) .(4/252)
كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزَابُ مِنْ بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ (5) وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ (6) الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (7) رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (8) وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (9)
لقوله تعالى (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزَابُ مِنْ بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (كذبت قبلهم قوم نوح والأحزاب من بعدهم) قال: الكفر.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وهمت كل أمة برسولهم ليأخذوه) أي: ليقتلوه.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فأخذتهم فكيف كان عقاب) قال: شديد والله.
قوله تعالى (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ)
انظر سورة الحاقة آية (17) لبيان عدد حملة العرش وهم ثمانية.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (ويستغفرون للذين آمنوا) لأهل لا إله إلا الله.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فاغفر للذين تابوا) من الشرك.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (واتبعوا سبيلك) أي: طاعتك.
لقوله تعالى (رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آَبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (8) وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)
قال ابن كثير: أي: اجمع بينهم وبينهم، لتقر بذلك أعينهم بالاجتماع في منازل متجاورة، كما قال: (والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء) ، أي: ساوينا بين الكل في المنزلة، لتقر أعينهم.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وقهم السيئات) أي: العذاب.(4/253)
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ (10) قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ (11) ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ (12) هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقًا وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ (13) فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (14) رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ (15)
قوله تعالى (لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ) قال: مقتوا أنفسهم حين رأوا أعمالهم، إذ يدعون إلى الإيمان، فيكفرون أكبر.
قوله تعالى (قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين) قال: كانوا أمواتا في أصلاب آبائهم، فأحياهم الله في الدنيا، ثم أماتهم الموتة التي لابد منها، ثم أحياهم للبعث يوم القيامة، فهما حياتان وموتتان.
وانظر سورة البقرة آية (28) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فهل إلى خروج من سبيل) : فهل إلى كرة في الدنيا.
قوله تعالى (ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ)
انظر سورة الإسراء آية (46) وفيها (وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده ولّوا على أدبارهم نفورا) .
قوله تعالى (هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آَيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقًا وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ)
انظر سورة الروم آية (20-25) لبيان بعض آياته سبحانه وتعالى.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (إلا من ينيب) قال: من يقبل إلى طاعة الله.
قوله تعالى (رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ)
قال ابن كثير: يقول تعالى مخبراً عن عظمته وكبريائه، وارتفاع عرشه العظيم العالي على جميع مخلوقاته كالسقف لها، كما قال تعالى: (من الله ذي المعارج تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة) وسيأتي بيان ما بين العرش إلى الأرض السابعة، في قول جماعة من السلف والخلف، وهو الأرجح إن شاء الله.(4/254)
رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ (15) يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (16) الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (17)
وقوله: (يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده) كقوله تعالى (ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده أن أنذروا أنه لا إله إلا أنا فاتقون) وكقوله (وإنه لتنزيل رب العالمين نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (يلقى الروح من أمره) قال: الوحي من أمره.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (يوم التلاق) من أسماء يوم القيامة، عظمه الله، وحذره عباده.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (يوم التلاق) : يوم تلتقي فيه أهل السماء وأهل الأرض، والخالق والخلق.
قوله تعالى (يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ)
انظر سورة الكهف آية (47) وسورة إبراهيم آية (21-48) .
قوله تعالى (الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ)
قال الحاكم: أخبرنا أبو العباس محمد بن أحمد المحبوبي، ثنا سعيد بن مسعود، ثنا يزيد بن هارون، أنبأ همام بن يحيى، عن القاسم بن عبد الواحد، عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: بلغني حديث عن رجل من أصحاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سمعه من رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في القصاص ولم أسمعه، فابتعت بعيرا فشددت رحلي عليه ثم سرت شهرا حتى قدمت مصر، فأتيت عبد الله بن أنيس فقلت للبواب: قل له: جابر على الباب. فقال ابن عبد الله؟ قلت: نعم. فأتاه فأخبره فقام يطأ ثوبه حتى خرج إليّ فاعتنقني واعتنقته فقلت له: حديث بلغني عنك سمعته من رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولم أسمعه في القصاص فخشيت أن أموت أو تموت قبل أن أسمعه فقال عبد الله سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -(4/255)
الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (17) وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ (18) يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ (19)
يقول: يحشر الله العباد أو قال الناس عراة غرلا بهما قال: قلنا: ما بهما، قال ليس معهم شيء ثم يناديهم بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب أنا الملك أنا الديان لا ينبغي لأحد من أهل الجنة أن يدخل الجنة ولا ينبغي لأحد من أهل النار أن يدخل النار وعنده مظلمة حتى اقصه منه حتى اللطمة قال قلنا كيف ذا وإنما نأتي الله غرلا بهما؟ قال: بالحسنات والسيئات قال: وتلا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم) .
صحيح الإسناد ولم يخرجاه. (المستدرك 2/437-438 - ك التفسير، وصححه الذهبي) ، وأخرجه البخاري معلقا بصيغة الجزم مختصراً وحسن إسناده الحافظ ابن حجر (الفتح 1/173-174) ، ووافقه الألباني في (السلسلة الصحيحة 1/302) .
وانظر سورة الزلزلة آية (6-8) .
قال ابن كثير: وقوله (إن الله سريع الحساب) ، أي: يحاسب الخلائق كلهم، كما يحاسب نفساً واحدة، كما قال: (ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة) وقال: (وما أمرنا إلا واحدة كلمح البصر) .
قوله تعالى (وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآَزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ)
انظر سورة النجم آية (57) لبيان يوم الآزفة أي: يوم القيامة.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين) قال: شخصت أفئدتهم عن أمكنتهم، فنشبت في حلوقهم، فلم تخرج من أجوافهم فيموتوا ولم ترجع إلى أمكنتها فتستقر.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (ما للظالمين من حميم ولا شفيع) قال: من يعنيه أمرهم، ولا شفيع لهم.
قوله تعالى (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ) قال: نظر الأعين إلى ما نهى الله عنه.(4/256)
أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ (21) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَكَفَرُوا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ إِنَّهُ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ (22) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ (23) إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ (24) فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا اقْتُلُوا أَبْنَاءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِسَاءَهُمْ وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ (25) وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ (26) وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ (27) وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ (28)
قوله تعالى (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآَثَارًا فِي الْأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ)
انظر سورة يوسف آية (109) وسورة غافر آية (82) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وما كان لهم من الله من واق) يقيهم، ولا ينفعهم.
قوله تعالى (وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ) : أي عذر مبين.
قوله تعالى (فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا اقْتُلُوا أَبْنَاءَ الَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِسَاءَهُمْ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فلما جاءهم بالحق من عندنا قالوا اقتلوا أبناء الذين آمنوا معه واستحيوا نساءهم) قال: هذا غير القتل الأول الذي كان.
قوله تعالى (إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (إني أخاف أن يبدل دينكم) : أي أمركم الذي أنتم عليه (أو أن يظهر في الأرض الفساد) والفساد عنده أن يعمل بطاعة الله.
قوله تعالى (وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (وقال رجل مؤمن من آل فرعون) قال: هو ابن عم فرعون، ويقال: هو الذي نجا مع موسى.
أخرج البخاري بسنده عن عروة بن الزبير قال: قلت لعبد الله بن عمرو بن العاص: أخبرني بأشد ما صنع المشركون برسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: بينا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -(4/257)
وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ (28) يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ (29) وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ (30) مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ (31) وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ (32)
يصلي بفناء الكعبة إذ أقبل عقبة بن أبي معيط فأخذ بمنكب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولوى ثوبه في عنقه فخنقه خنقاً شديداً، فأقبل أبو بكر فأخذ بمنكبيه ودفع عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقال (أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم) .
(الصحيح ح8415 - التفسير، سورة المؤمن) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب) : مشرك أسرف على نفسه بالشرك.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب) قال: المسرف: هو صاحب الدم ويقال: هم المشركون.
قوله تعالى (مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ) يقول: مثل حال.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (والذين من بعدهم) قال: هم الأحزاب.
قوله تعالى (وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ) يوم ينادي أهل الجنة أهل النار (أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فهل
وجدتم ما وعد ربكم حقا) وينادي أهل النار أهل الجنة (أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله) .
قال ابن كثير: وقيل سمى بذلك لمناداة أهل الجنة أهل النار: (أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا قالوا نعم) . ومناداة أهل النار أهل الجنة: (أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله قالوا إن الله حرمهما على الكافرين) ولمناداة أصحاب الأعراف أهل الجنة وأهل النار، كما هو مذكور في سورة الأعراف.(4/258)
يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (33) وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ (34) الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ (35) وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ (36) أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبَابٍ (37)
قوله تعالى (يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (يوم تولون مدبرين) أي: منطَلَقا بكم إلى النار.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (يوم تولون مدبرين) قال: فارين غير معجزين.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ما لكم من الله من عاصم) أي من ناصر.
قوله تعالى (وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ) قال: قبل موسى.
قوله تعالى (وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ (36) أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبَابٍ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وقال فرعون يا هامان ابن لي صرحا) وكان أول من بنى بهذا الآجر وطبخه (لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ (36) أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ) أي: أبواب السماوات.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ (36) أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ) قال: طرق السماوات.
وانظر سورة القصص آية (38) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وصد عن السبيل) قال: فعل ذلك به، زين له سوء عمله، وصد عن السبيل.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (وما كيد فرعون إلا في تباب) يقول: في خسران.(4/259)
يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ (39) مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ (40) وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ (41) تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ (42) لَا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ (43) فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (44)
قوله تعالى (يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآَخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ) انظر سورة الرعد آية (26) لبيان متاع أي: قليل ذاهب.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وإن الآخرة هي دار القرار) استقرت الجنة بأهلها، واستقرت النار بأهلها.
قوله تعالى (مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا) أي شركاً، (وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا) أي خيراً (مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ) قال: لا والله ما هناكم مكيال ولا ميزان.
قوله تعالى (وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ) قال: الإيمان بالله.
قوله تعالى (تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ)
وهى الآية مفسرة للآية التي قبلها.
قوله تعالى (لَا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآَخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ (43) فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ)
انظر سورة النحل آية (62) لبيان لا جرم أي: بلى.
قال ابن كثير: وهذا كقوله تعالى (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ (5) وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ) ، (إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو
سمعوا ما استجابوا لكم) .(4/260)
فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (44) فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ (45) النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ (46)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (ليس له دعوة في الدنيا ولا في الآخرة) أي: لا ينفع ولا يضر.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله (وأن المسرفين) قال: السفاكون الدماء بغير حقها، هم أصحاب النار.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وأن المسرفين هم أصحاب النار) أي: المشركون.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (وأفوض أمري إلى الله) قال: أجعل أمري إلى الله.
قوله تعالى (فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآَلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (سيئات ما مكروا) قال: وكان قبطيا من قوم فرعون فنجا مع موسى.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي في قول الله (وحاق بآل فرعون سوء العذاب) قال: قوم فرعون.
وانظر سورة الأنعام آية (10) لبيان حاق أي: وقع.
قوله تعالى (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا)
قال البخاري: حدثنا إسماعيل قال: حدثني مالك، عن نافع، عن عبد الله ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إن أحدكم إذا مات عُرض عليه مقعده بالغداة والعشي، إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة، وإن كان من أهل النار فمن أهل النار، فيُقال: هذا مقعدك حتى يبعثك الله يوم القيامة".
(الصحيح 3/286 ح1379 - ك الجنائز، ب الميت يعرض عليه مقعده بالغداة والعشي) ، وأخرجه (مسلم 8/160 - ك الجنة وصفة نعيمها، ب عرض مقعد الميت من الجنة أو النار عليه) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (النار يعرضون عليها غدوا وعشيا) قال: يعرضون عليها صباحا مساء، ويقال لها: يا آل فرعون هذه منازلكم توبيخا ونقمة وصغارا لهم.(4/261)
وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِنَ النَّارِ (47) قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ (48) وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ (49) قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ (50) إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ (51) يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (52) وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْهُدَى وَأَوْرَثْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ (53) هُدًى وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ (54) فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ (55) إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (56)
قوله تعالى (وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِنَ النَّارِ (47) قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ (48) وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ)
انظر سورة البقرة آية (166-167) .
قوله تعالى (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي قول الله (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) قد كانت الأنبياء والمؤمنون يقتلون في الدنيا وهم
منصورون، وذلك أن تلك الأمة التي تفعل بالأنبياء والمؤمنين لا تذهب حتى يبعث الله قوماً فينتصر بهم لأولئك الذين قتلوا منهم.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ويوم يقوم الأشهاد) من ملائكة الله وأنبيائه، والمؤمنين به.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (ويوم يقوم الأشهاد) يوم القيامة.
قوله تعالى (يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ)
انظر المرسلات آية (36) .
قوله تعالى (فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ)
انظر سورة آل عمران آية (41) .
قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آَيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آَيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ) لم يأتهم بذاك سلطان.
انظر سورة الحج آية (3) لبيان جدل الكفار بغير حجه ولا علم.
قوله تعالى (إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ) قال: عظمة.(4/262)
لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (57) وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَلَا الْمُسِيءُ قَلِيلًا مَا تَتَذَكَّرُونَ (58) إِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ (59) وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ (60)
قوله تعالى (لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ)
قال ابن كثير: يقول تعالى منبها على أنه يعيد الخلائق يوم القيامة، وأن ذلك سهل عليه، يسير لديه - بأنه خلق السماوات والأرض، وخلقهما أكبر من خلق الناس بدأة وإعادة، فمن قدر على ذلك فهو قادر على ما دونه بطريق الأولى والأحرى، كما قال تعالى: (أو لم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض ولم يعي بخلقهن بقادر على أن يحيى الموتى بلى إنه على كل شيء قدير) .
قوله تعالى (وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَلَا الْمُسِيءُ قَلِيلًا مَا تَتَذَكَّرُونَ)
انظر سورة الأنعام آية (50) .
قوله تعالى (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ)
قال مسلم: وحدثنا عبد الرحمن بن سلام الجمحي، حدثنا الربيع (يعني ابن مسلم) عن محمد بن زياد، عن أبي هريرة، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أنه قال: "إن في الجمعة لساعة. لا يوافقها مسلم يسأل الله فيها خيراً، إلا أعطاه إياه" قال: وهي ساعة خفيفة.
(الصحيح 2/584 - ك الجمعة، ب في الساعة التي في يوم الجمعة) .
قال مسلم: وحدثني أبو الطاهر وعلي بن خشرم. قالا: أخبرنا ابن وهب عن مخرمة بن بُكير. ح وحدثنا هارون بن سعيد الأيلي وأحمد بن عيسى. قالا: حدثنا ابن وهب، أخبرنا مخرمة عن أبيه، عن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري.
قال: قال لي عبد الله بن عمر: أسمعتَ أباك يُحدّث عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في شأن ساعة الجمعة؟ قال قلت: نعم. سمعته يقول: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "هي ما بين أن يجلس الإمام إلى أن تُقضى الصلاة".
(الصحيح مسلم 2/584 ك الجمعة - ب في الساعة التي في يوم الجمعة) .(4/263)
وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ (60) اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ (61) ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (62) كَذَلِكَ يُؤْفَكُ الَّذِينَ كَانُوا بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (63) اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (64)
قال ابن ماجة: حدثنا علي بن محمد، ثنا وكيع، عن الأعمش، عن زرِّبن عبد الله الهمداني عن سبيع الكندي، عن النعمان بن بشير، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إن الدعاء هو العبادة" ثم قرأ (وقال ربكم ادعوني أستجب لكم) .
(السنن - الدعاء، ب فضل الدعاء - 3828) ، (أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي كلهم من طريق الأعمش به، نحوه وقال: الترمذي حسن صحيح (المسند 4/271) ، (السنن لأبي داوود - الصلاة، ب الدعاء) (السنن للترمذي - الدعوات، ب ما جاء في فضل الدعاء 5/456) وانظر (تفسير ابن كثير 7/143) . وقال الألباني صحيح (صحيح ابن ماجة 2/324) وأخرجه ابن حبان في صحيحه (الإحسان 3/172) ح890 قال محققه: إسناده صحيح، رجاله رجال الشيخين.. والحاكم في المستدرك 1/491 وصححه ووافقه الذهبي) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (ادعوني أستجب لكم) يقول: وحدوني أغفر لكم.
وانظر سورة البقرة آية (186) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (إن الذين يستكبرون عن عبادتي) قال: عن دعائي.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (داخرين) قال: صاغرين.
قوله تعالى (اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ)
انظر سورة الإسراء آية (12) .
قوله تعالى (ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ) انظر سورة الأعراف آية (117) لبيان تؤفكون: تكذبون.
قوله تعالى (اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ…)
انظر سورة البقرة آية (22) .
قال ابن كثير: (وصوركم فأحسن صوركم) أي: فخلقكم في أحسن الأشكال، ومنحكم أكمل الصور في الحسن تقويم (ورزقكم من الطيبات) أي: من المآكل والمشارب في الدنيا. فذكر أنه خلق الدار، والسكان، والأرزاق(4/264)
اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (64) هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (65) قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَمَّا جَاءَنِيَ الْبَيِّنَاتُ مِنْ رَبِّي وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (66) هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (67) هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ فَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (68) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ أَنَّى يُصْرَفُونَ (69) الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتَابِ وَبِمَا أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (70) إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلَاسِلُ يُسْحَبُونَ (71) فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ (72)
فهو الخالق الرازق، كما قال في سورة البقرة: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) .
قوله تعالى (هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)
انظر سورة البقرة آية (255) لبيان (الحي لا إله إلا هو) وبداية سورة الفاتحة لبيان (الحمد لله رب العالمين) .
قوله تعالى (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)
انظر سورة آل عمران آية (95) لبيان أن آدم خلق من تراب، وانظر سورة الحج آية (5) لبيان أطوار خلق الإنسان، وسورة النحل آية (4) .
قوله تعالى (هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ فَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) انظر سورة البقرة آية (117) لبيان (كن فيكون) .
قوله تعالى (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آَيَاتِ اللَّهِ أَنَّى يُصْرَفُونَ)
انظر سورة الحج آية (3) لبيان جدال الكفار بغير علم.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (أنى يصرفون) : أنى يكذبون ويعدلون.
قوله تعالى (إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلَاسِلُ يُسْحَبُونَ (71) فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ)
انظر سورة الحاقة آية (32) حديث الترمذي عن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنه -.
قال ابن كثير: وقوله (إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل) أي: متصلة بالأغلال، بأيدي الزبانية يسحبونهم على وجوههم، تارة إلى الحميم وتارة إلى(4/265)
ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ (73) مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُو مِنْ قَبْلُ شَيْئًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ الْكَافِرِينَ (74) ذَلِكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ (75) ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (76) فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ (77) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ فَإِذَا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ (78)
الجحيم. ولهذا قال: (يسحبون في الحميم ثم في النار يسجرون) كما قال تعالى (هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ (43) يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ) وقال بعد ذكره أكلهم الزقوم وشربهم الحميم (ثم إن مرجعهم إلى الجحيم) وقال (وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ (41) فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ (42) وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ (43) لَا بَارِدٍ وَلَا كَرِيمٍ) .
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله (يسجرون) قال: يوقد بهم النار.
قوله تعالى (ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ (73) مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُو مِنْ قَبْلُ شَيْئًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ الْكَافِرِينَ)
قال ابن كثير: وقوله (ثم قيل لهم أين ما كنتم تشركون من دون الله) أي: قيل لهم: أين الأصنام التي كنتم تعبدونها من دون الله؟ هل ينصرونكم اليوم؟ (قالوا ضلوا عنا) ، أي: ذهبوا فلم ينفعونا، (بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُوا مِنْ قَبْلُ شَيْئاً) أي: جحدوا عبادتهم، كقوله تعالى: (ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين) ولهذا قال: (كذلك يضل الله الكافرين) .
قوله تعالى (ذَلِكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (بِمَا كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ) قال: تبطرون وتأشرون.
قوله تعالى (ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ) انظر سورة الزمر آية (71) ، وسورة الحجر آية (44) لبيان عدد أبواب جهنم أنها سبعة.
قوله تعالى (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ ... )
انظر سورة النساء آية (164) .(4/266)
اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعَامَ لِتَرْكَبُوا مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (79) وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْهَا حَاجَةً فِي صُدُورِكُمْ وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ (80) وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَأَيَّ آيَاتِ اللَّهِ تُنْكِرُونَ (81) أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (82) فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (83) فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ (84)
قوله تعالى (اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعَامَ لِتَرْكَبُوا مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (79) وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْهَا حَاجَةً فِي صُدُورِكُمْ وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ)
انظر سورة النحل الآيات (5، 66، 80) وسورة الزمر آية (6) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (ولتبلغوا عليها حاجة في صدوركم) يعني: الإبل تحمل أثقالكم إلى بلد.
قوله تعالى (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآَثَارًا فِي الْأَرْضِ فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)
انظر سورة يوسف آية (109) .
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (وآثاراً في الأرض) المشي بأرجلهم (فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون) يقول: فلما جاءهم بأسنا وسطوتنا، لم يغن عنهم ما كانوا يعملون من البيوت في الجبال، ولم يدفع عنهم ذلك شيئا، ولكنهم بادوا جميعا فهلكوا.
قوله تعالى (فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله (فرحوا بما عندهم من العلم) قال: قولهم: نحن أعلم منهم، بن نعذب، ولن نبعث.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (فرحوا بما عندهم من العلم) بجهالتهم.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (وحاق بهم ما كانوا به يستهزءون) ما جاءتهم به رسلهم من الحق.
وانظر سورة الأنعام آية (10) لبيان حاق أي: وقع.
قوله تعالى (فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آَمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ)
انظر سورة يونس آية (90-92) .(4/267)
فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ (85)
قوله تعالى (فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (فلما رأوا بأسنا) قال: النقمات التي نزلت بهم.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (فلم يك ينفع إيمانهم لما رأوا بأسنا) : لما رأوا عذاب الله في الدنيا لم ينفعهم الإيمان عند ذلك.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (سنة الله التي قد خلت في عباده) يقول: كذلك كانت سنة الله في الذين خلوا من قبل إذا عاينوا عذاب الله لم ينفعهم إيمانهم عند ذلك.(4/268)
حم (1) تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (2) كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (3) بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ (4) وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ (5)
سورة فصلت
قوله تعالى (حم)
انظر بداية سورة غافر.
قوله تعالى (تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ)
انظر بداية سورة الزمر وبداية سورة الفاتحة.
قوله تعالى (كِتَابٌ فُصِّلَتْ آَيَاتُهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي قوله (فصلت آياته) قال: بينت آياته.
قال ابن كثير: وقوله (كتاب فصلت آياته) أي: بينت معانيه وأحكمت أحكامه، (قرآناً عربياً) أي: في حال كونه لفظاً عربياً، بيناً واضحاً، فمعانيه مفصلة، وألفاظه غير مشكلة، كقوله (كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير) ، أي: هو معجز من حيث لفظه ومعناه.
وانظر سورة هود آية (1) .
قوله تعالى (بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ)
انظر سورة البقرة آية (119) .
قوله تعالى (وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آَذَانِنَا وَقْرٌ)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله (قلوبنا في أكنة) قال: عليها أغطية كالجعبة للنبل.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي قوله (وقالوا قلوبنا في أكنة) قال: عليها أغطية (وفي آذاننا وقر) قال: صمم.
وانظر سورة الأنعام آية (25) وسورة الإسراء آية (46) لبيان الأكنة والوقر.(4/269)
قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ (6) الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (7) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (8) قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ (9) وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ (10) ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ (11)
قوله تعالى (وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ (6) الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله (وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ (6) الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ) قال: هم الذين لا يشهدون أن لا إله إلا الله.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ (6) الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ) قال: لا يقرون بها ولا يؤمنون بها، وكان يقال: إن الزكاة قنطرة الإسلام، فمن قطعها نجا، ومن تخلف عنها هلك.
قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (أجر غير ممنون) يقول: غير منقوص.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (لهم أجر غير ممنون) قال: محسوب.
قوله تعالى (قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ)
انظر سورة البقرة آية (22) لبيان معنى أنداداً أي: شركاء.
وانظر سورة الفاتحة (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) لبيان معنى رب العالمين.
قوله تعالى (وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ (10) ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ)
انظر سورة لقمان آية (10) لبيان (رواسي) أي: جبال.
انظر سورة البقرة آية (29) قول مجاهد وأبي العالية وابن عباس.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (وقدر فيها أقواتها) يقول: أقواتها لأهلها.(4/270)
وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ (10) ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ (11) فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (12) فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ (13)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وقدر فيها أقواتها) : خلق فيها جبالها وأنهارها وبحارها وشجرها وساكنها من الدواب كلها.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله (وقدر فيها أقواتها) قال: من المطر.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (سواء للسائلين) قال: من سأل عن ذلك وجده، كما قال الله.
قوله تعالى (فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ)
انظر سورة الأنعام آية (97) وتفسيرها.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله (وأوحى في كل سماء أمرها) قال: ما أمر الله به وأراده.
قال ابن كثير: وهذا القول يشبه ما ذكره في قوله تعالى (وآتاكم من كل ما سألتموه) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وأوحى في كل سماء أمرها) : خلق فيها شمسها وقمرها ونجومها وصلاحها.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (زينا السماء الدنيا بمصابيح) قال: ثم زين السماء بالكواكب، فجعلها زينة (وحفظا) من الشياطين.
قوله تعالى (فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، في قوله (صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود) قال: يقول: أنذرتكم وقيعة مثل وقيعة عاد وثمود، قال: عذاب مثل عذاب عاد وثمود.(4/271)
فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (15) فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنْصَرُونَ (16) وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (17) وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (18) وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (19)
قوله تعالى (فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (15) فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآَخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنْصَرُونَ)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (ريحا صرصرا) قال: شديدة.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (في أيام نحسات) أيام والله كانت مشئومات على القوم.
قوله تعالى (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله (وأما ثمود فهديناهم) : أي بينا لهم.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وأما ثمود فهديناهم) بينا لهم سبيل الخير والشر.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (فاستحبوا العمى على الهدى) قال: اختاروا الضلالة والعمى على الهدى.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فاستحبوا العمى) يقول: بينا لهم، فاستحبوا العمى على الهدى.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (عذاب الهون) قال: الهوان.
قوله تعالى (وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ)
انظر حديث الحاكم عن معاوية في الآية (22) من السورة نفسها.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (فهم يوزعون) قال: يحبس أولهم على آخرهم.(4/272)
حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (20) وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (21) وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ (22)
قوله تعالى (حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (20) وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (21) وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ)
أخرج مسلم بسنده عن أنس بن مالك قال: كنا عند رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فضحك، فقال: "هل تدرون مم أضحك"؟ قال: قلنا الله ورسوله أعلم. قال: من مخاطبة العبد ربه يقول: يا رب ألم تجرني من الظلم؟. قال: يقول: بلى.
قال: فيقول فإني لا أُجيز على نفسي إلا شاهداً مني. قال: فيقول: كفى بنفسك اليوم عليك شهيداً وبالكرام الكاتبين شهوداً قال: فيختم على فيه.
فيقال لأركانه: انطقي. قال: فتنطق بأعماله قال: ثم يخلي بينه وبين الكلام.
قال: فيقول: بعداً لكنَّ وسحقاً فعنكنّ كنت أناضل.
(الصحيح - الزهد ح9692 ص2280) .
قال البخاري: حدثنا الصلت بن محمد، حدثنا يزيد بن زريع عن رَوح ابن القاسم عن منصور عن مجاهد عن أبي معمر عن ابن مسعود (وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم) الآية. كان رجلان من قريش وختن لهما من ثقيف -أو رجلان من ثقيف وختن لهما من قريش- في بيت، فقال بعضهم لبعض: أترون أن الله يسمع حديثنا؟ قال: بعضهم: يسمع بعضه، وقال بعضهم: لإن كان يسمع بعضه لقد يسمع كله، فأنزلت: (وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم) الآية.
(الصحيح 8/424 ح4816 - ك التفسير - سورة فصلت، ب الآية) ، (وصحيح مسلم ح2775 - ك صفات المنافقين) .
وانظر حديث مسلم المتقدم تحت الآية رقم (80) من سورة التوبة.
وقد أخرجه البخاري كذلك (13/504 ح7521 - ك التوحيد) .(4/273)
وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ (22) وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ (23) فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ (24) وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ (25)
قال الحاكم: (حدثناه) أبو بكر محمد بن أحمد بني بالويه، ثنا بشر بن موسى ثنا الحسن بن موسى الأشيب، ثنا حماد بن سلمة، أنبأ أبو قزعة الباهلي، عن حكيم بن معاوية، عن أبيه - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: تحشرون هاهنا وأومى بيده إلى الشام مشاة وركبانا وعلى وجوهكم وتعرضون على الله وعلى أفواهكم الفدام، وإن أول من يعرب عن أحدكم فخذه وتلا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم) .
(المستدرك 2/439 -440 - ك التفسير، (وصححه الحاكم ووافقه الذهبي) ، وأخرجه الترمذي بنحوه وقال: حسن صحيح (السنن ح2424) ، وصححه الألباني في (فضائل الشام ح13) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (وما كنتم تستترون) : أي تستخفون منها.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (وما كنتم تستترون) قال: تتقون.
قوله تعالى (وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قال: الظن ظنان، فظن مُنْجٍ، وظن مُردٍ (قال الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم) قال (إني ظننت أني ملاق حسابيه) ، وهذا الظن المنجي ظنا يقيناً، وقال ها هنا (وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم) هذا ظن مُرْدٍ.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي، قوله (أرداكم) قال: أهلككم.
قوله تعالى (وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (وقيضنا لهم قرناء) قال: شياطين.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي قوله (فزينوا لهم ما بين أيديهم) من أمر الدنيا (وما خلفهم) من أمر الآخرة.(4/274)
وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ (25) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ (26) فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذَابًا شَدِيدًا وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ (27) ذَلِكَ جَزَاءُ أَعْدَاءِ اللَّهِ النَّارُ لَهُمْ فِيهَا دَارُ الْخُلْدِ جَزَاءً بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (28) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنَا أَرِنَا اللَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الْأَسْفَلِينَ (29) إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30)
قال ابن كثير: يذكر تعالى أنه هو الذي أضل المشركين، وأن ذلك بمشيئته وكونه وقدرته، وهو الحكيم في أفعاله، بما قيض لهم من القرناء من شياطين الإنس والجن (فزينوا لهم ما بين أيديهم وما خلفهم) أي: حسنوا لهم أعمالهم في الماضي، وبالنسبة إلى المستقبل فلم يروا أنفسهم إلا محسنين، كما قال تعالى (وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (36) وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ) .
قوله تعالى (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآَنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (والغوا فيه) قال: بالمكاء والتصفير والتخليط في المنطق على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا قرأ القرآن، قريش تفعله.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه) : أي اجحدوا به وأنكروه وعادوه، قال: هذا قول مشركي العرب.
قوله تعالى (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ) هو الشيطان، وابن آدم الذي قتل أخاه.
انظر سورة المائدة آية (27-29) حديث البخاري عن عبد الله بن مسعود.
قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ)
قال مسلم: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، وأبو كريب. قالا: حدثنا ابن نمير ح وحدثنا قتيبة بن سعيد وإسحاق بن إبراهيم، جميعا عن جرير. ح وحدثنا أبو كريب. حدثنا أبو أسامة، كلهم عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن سفيان بن عبد الله الثقفي، قال: قلت: يا رسول الله! قل لي في الإسلام قولاً، لا أسأل عنه أحداً بعدك (وفي حديث أبي أسامة: غيرك) قال: "قل آمنت بالله فاستقم".
(الصحيح 1/65 ح38 - ك الإيمان، ب جامع أوصاف الإسلام) .(4/275)
إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31) نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ (32) وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33) وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا) يقول: على أداء فرائضه.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، في قوله (تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا) قال: عند الموت.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (ألا تخافوا ولا تحزنوا) قال: لا تخافوا ما أمامكم، ولا تحزنوا على ما بعدكم.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة) فذلك في الآخرة.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون) في الدنيا.
قوله تعالى (نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا) نحن الحفظة الذين كنا معكم في الدنيا، ونحن أولياؤكم في الآخرة.
قوله تعالى (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله) .. الآية، قال: هذا عبد صدق قوله عمله، ومولجه مخرجه، وسره علانيته، وشاهده مغيبه، وإن المنافق عبد خالف قوله عمله، ومولجه مخرجه، وسره علانيته وشاهده مغيبه.
قوله تعالى (وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله (ادفع بالتي هي الحسن) قال: أمر الله المؤمنين بالصبر عند الغضب، والحلم والعفو عند الإساءة، فإذا فعلوا ذلك عصمهم الله من الشيطان، وخضع لهم عدوهم، كأنه ولي حميم.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (كأنه ولي حميم) : أي كأنه ولي قريب.(4/276)
وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (35) وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (36) وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (37)
قوله تعالى (وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وما يلقاها إلا الذين صبروا) الآية.
والحظ العظيم: الجنة.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله (وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم) يقول: الذين أعد الله لهم الجنة.
قوله تعالى (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ)
انظر تفسير الاستعاذة.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ) قال: وسوسة، وحديث النفس (فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم) .
وانظر سورة المؤمنون آية (97-98) .
قوله تعالى (وَمِنْ آَيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ)
قال البخاري: حدثنا عبد الله بن محمد. قال: حدثنا هشام أخبرنا معمر عن الزهري وهشام بن عروة عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت: كسفت الشمس على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقام النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فصلى بالناس فأطال القراءة، ثم ركع فأطال الركوع، ثم رفع رأسه فأطال القراءة وهى دون قراءته الأولى، ثم ركع فأطال الركوع دون ركوعه الأول، ثم رفع رأسه فسجد سجدتين، ثم قام فصنع في الركعة الثانية مثل ذلك، ثم قام فقال: "إن الشمس والقمر لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته، ولكنهما آيتان من آيات الله يُريهما عباده، فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى الصلاة".
(الصحيح 2/633-634 ح1058 - ك الكسوف، ب لا تنكسف الشمس لموت أحد ولا لحياته) ، وحديث عائشة أخرجه مسلم في (صحيحه 2/620 ح901 - ك الكسوف، ب صلاة الكسوف) .(4/277)
وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِ الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (39) إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (40) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (41)
قوله تعالى (وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعة) قال: يابسة متهشمة (فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت) يقول تعالى ذكره: فإذا أنزلنا من السماء غيثا على هذه الأرض الخاشعة اهتزت بالنبات، يقول: تحركت به.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (اهتزت) قال: بالنبات (وربت) يقول: انتفخت.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي، قال: كما يحيي الأرض بالمطر كذلك يحيي الموتى بالماء يوم القيامة بين النفختين، يعني بذلك تأويل قوله (إن الذي أحياها لمحيي الموتى) .
قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آَيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آَمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (40) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، في قوله (إن الذين يلحدون في آياتنا) قال: المكاء وما ذكر معه.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (إن الذين يلحدون في آياتنا) قال: يكذبون في آياتنا.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (اعملوا ما شئتم) قال: هذا وعيد.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (إن الذين كفروا بالذكر لما جاءهم) وكفروا بالقرآن.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (وإنه لكتاب عزيز) يقول: أعزه الله لأنه كلامه، وحفظه من الباطل.(4/278)
لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (42) مَا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ (43) وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ (44)
قوله تعالى (لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه) الباطل: إبليس لا يستطع أن ينقص منه حقا، ولا يزيد فيه باطلا.
قوله تعالى (مَا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (مَا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ) يعزي نبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كما تسمعون، يقول: (كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي في قوله (ما يقال لك إلا ما قد قيل للرسل من قبلك) قال: ما يقولون إلا ما قد قال المشركون للرسل من قبلك.
قوله تعالى (وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآَنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آَيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آَذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ)
انظر آية (3-5) من السورة نفسها وما نقل فيها عن ابن كثير.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي، في قوله (ولو جعلناه قرآناً أعجمياً لقالوا لولا فصلت آياته) يقول: بينت آياته، أأعجمي وعربي، نحن قوم عرب ما لنا وللعجمة.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء) قال: جعله الله نورا وبركة وشفاء للمؤمنين.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء) قال: القرآن.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليم عمى) عموا وصموا عن القرآن، فلا ينتفعون به، ولا يرغبون فيه.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (أولئك ينادون من مكان بعيد) قال: بعيد من قلوبهم.(4/279)
وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (45) مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (46) إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ وَمَا تَخْرُجُ مِنْ ثَمَرَاتٍ مِنْ أَكْمَامِهَا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكَائِي قَالُوا آذَنَّاكَ مَا مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ (47) وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَدْعُونَ مِنْ قَبْلُ وَظَنُّوا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ (48)
لقوله تعالى (وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي، في قوله (وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ) قال: أخروا إلى يوم القيامة.
قوله تعالى (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) انظر سورة الإسراء آية (7) .
قوله تعالى (إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ وَمَا تَخْرُجُ مِنْ ثَمَرَاتٍ مِنْ أَكْمَامِهَا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ…)
قال ابن كثير: (إليه يرد علم الساعة) أي: لا يعلم ذلك أحد سواه، كما قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وهو سيد البشر لجبريل -وهو من سادات الملائكة- حين سأله عن الساعة، فقال: "ما المسئول عنها بأعلم من السائل". وكما قال تعالى: (إلى ربك منتهاها) . وقال: (لا يجليها لوقتها إلا هو) .
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، في قوله (من أكمامها) قال: حين تطلع.
انظر سورة الأنعام آية (59) وتفسيرها لبيان قوله تعالى (إليه يرد علم الساعة وما تخرج من ثمرات من أكمامها) وسورة الرعد آية (8) وتفسيرها لبيان قوله تعالى (وما تحمل من أنثي ولا تضع إلا بعلمه) .
قوله تعالى (وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكَائِي قَالُوا آَذَنَّاكَ مَا مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ) انظر سورة الكهف آية (52) وسورة القصص آية (62) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (آنذاك) يقول: أعلمناك.
قوله تعالى (وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَدْعُونَ مِنْ قَبْلُ وَظَنُّوا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ)
قال ابن كثير: (وَظَنُّوا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ) أي: وظن المشركون يوم القيامة، وهذا بمعنى اليقين (ما لهم من محيص) أي: لا محيد لهم عن عذاب الله، كقوله تعالى: (ورأى المجرمون النار فظنوا أنهم مواقعوها ولم يجدوا عنها مصرفا) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (وظنوا ما لهم من محيص) : استيقنوا أنه ليس لهم ملجأ.(4/280)
لَا يَسْأَمُ الْإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ (49) وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِمَا عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ (50) وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ (51) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ (52) سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (53) أَلَا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَاءِ رَبِّهِمْ أَلَا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ (54)
قوله تعالى (لَا يَسْأَمُ الْإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (لَا يَسْأَمُ الْإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ) يقول: الكافر (وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ) قانط من الخير.
قوله تعالى (وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِمَا عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ)
انظر سورة البقرة آية (177) لبيان (ضراء) .
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (ليقولن هذا لي) أي: بعملي، وأنا محقوق بهذا (وما أظن الساعة قائمة) يقول: وما أحسب القيامة قائمة يوم تقوم (ولئن رُجعت إلى ربي) يقول: وإن قامت أيضاً القيامة، ورددت إلى الله حيا بعد مماتي (إن لي عنده للحسنى) يقول: إن لي عنده غنى ومالا.
قوله تعالى (وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي، في قوله (أعرض ونأى بجانبه) يقول: أعرض: صد بوجهه، ونأى بجانبه: يقول: تباعد.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (فذو دعاء عريض) يقول: كثير، وذلك قول الناس: أطال فلان الدعاء: إذا أكثر، وكذلك أعرض دعاءه.
قوله تعالى (سَنُرِيهِمْ آَيَاتِنَا فِي الْآَفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ)
قال ابن كثير: (حتى يتبين لهم أنه الحق أولم يكف بربك أنه على كل شيء
شهيد) ؟ أي: كفى بالله شهيداً على أفعال عباده وأقوالهم، وهو يشهد أن محمداً صادق فيما أخبر به عنه، كما قال: (لكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه والملائكة يشهدون) .
قوله تعالى (أَلَا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَاءِ رَبِّهِمْ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (أَلَا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَاءِ رَبِّهِمْ) يقول: في شك.(4/281)
حم (1) عسق (2) كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (3) لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (4) تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَلَا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (5)
سورة الشورى
قوله تعالى (حم (1) عسق)
انظر بداية سورة غافر.
قوله تعالى (كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) قال البخاري: حدثنا عبد الله بن يوسف، قال: أخبرنا مالك، عن هشام ابن عروة، عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أن الحارث بن هشام - رضي الله عنه - سأل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: يا رسول الله كيف يأتيك الوحي؟ فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أحيانا يأتيني مثل صَلصلة الجرس وهو أشده عليّ فيُفصم عنّي وقد وعيتُ عنه ما قال، وأحيانا يتمثّل لي الملك رجلا فيكلمني فأعي ما يقول".
قالت عائشة رضي الله عنها: ولقد رأيته ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد فيفصم عنه وإن جبينه ليتفصد عرقاً.
(الصحيح 1/25-26 ح2 - ك بدء الوحي) ، وأخرجه مسلم في (صحيحه 4/1816 ح2333 - ك الفضائل، ب عرق النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) .
قوله تعالى (تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَلَا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (تكاد السماوات يتفطرن من فوقهن) أي: من عظمة الله وجلاله.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (تكاد السماوات يتفطرن) قال: يتشققن، في قوله (منفطر به) قال: منشق به.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي في قوله (ويستغفرون لمن في الأرض) قال: للمؤمنين.(4/282)
وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ (7) وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (8) أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِ الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (9) وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (10) فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11)
قوله تعالى (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ)
قال الترمذى: حدثنا قتيبة، حدثنا الليث، عن عقيل، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن عبد الله بن عدي بن حمراء الزهري قال: رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - واقفاً على الحزورة فقال: "والله إنك لخير أرض الله وأحب أرض الله إلى الله، ولولا أني أُخرجت منك ما خرجت".
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب صحيح. (السنن 5/722 ح3925 - ك المناقب، ب في فضل مكة) ، وأخرجه ابن ماجة في (سننه 2/1037 ح3108 - ك المناسك، ب فضل مكة) ، من طريق عيسى بن حماد، والدارمي في (السنن 2/239 - ك السير، ب إخراج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من مكة) ، من طرش عبد الله بن صالح، كلاهما عن الليث به. وأخرجه الإمام أحمد في (مسنده 4/305، من طريق شعيب عن الزهري به. وصححه الألباني (صحيح الترمذي 3/250 ح3082) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي في قوله (لتنذر أم القرى) قال: مكة.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (وتنذر يوم الجمع) قال: يوم القيامة.
قال ابن كثير: وقوله (فريق في الجنة وفريق في السعير) كقوله: (يوم يجمعكم ليوم الجمع ذلك يوم التغابن) أي: يغبن أهل الجنة أهل النار. وكقوله
تعالى: (ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ (103) وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ (104) يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ) .
قوله تعالى (فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي قوله (فاطر السماوات والأرض) قال: خالق.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد يا قوله (يذرؤكم فيه) قال: نسل بعد نسل من الناس والأنعام.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي قوله (يذرؤكم) قال: يخلقكم.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (يذرؤكم فيه) قال: عيش من الله يعيشكم فيه.(4/283)
لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (12) شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ (13)
قوله تعالى (لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)
انظر سورة الرعد آية (26) وسورة الإسراء آية (30) .
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (له مقاليد السماوات والأرض) قال: مفاتيح.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (له مقاليد السماوات والأرض) قال: خزائن السماوات والأرض.
قوله تعالى (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ)
انظر سورة الأحزاب آية (7) وتفسيرها لبيان الوصية هي الميثاق الذي أخذه الله على هؤلاء الأنبياء صلوات الله عليهم.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (ما وصى به نوحا) قال: ما أوصاك به وأنبياءه، كلهم دين واحد.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا) بعث نوح حين بعث بالشريعة لتحليل الحلال، وتحريم الحرام (وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي في قوله (أن أقيموا الدين) قال: اعملوا به.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (ولا تتفرقوا فيه) تعلموا أن الفرقة هلكة وأن الجماعة ثقة.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (كبر على المشركين ما تدعوهم إليه) قال: أنكرها المشركون، وكبر عليهم شهادة أن لا إله إلا الله، فصادمها إبليس وجنوده، فأبى الله تبارك وتعالى إلا أن يمضيها وينصرها ويفلجها ويظهرها على من ناوأها.(4/284)
شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ (13) وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (14) فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (15)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب) يقول: ويوفق للعمل بطاعته، واتباع ما بعث به نبيه عليه الصلاة والسلام من الحق من أقبل إلى طاعته، وراجع التوبة من معاصيه.
قوله تعالى (وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وما تفرقوا إلا من بعد ما جاءهم العلم) فقال: إياكم والفرقة فإنها هلكة (بغيا بينهم) يقول: بغيا من بعضكم على بعض وحسدا وعداوة على طلب الدنيا (ولولا كلمة سبقت من ربك إلى أجل مسمى) يقول جل ثناؤه: ولولا قول سبق يا محمد من ربك لا يعاجلهم بالعذاب، ولكنه أخر ذلك إلى أجل مسمى وذلك الأجل المسمى فيما ذكر: يوم القيامة.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي قوله (وإن الذين أورثوا الكتاب من بعدهم) قال: اليهود والنصارى.
قوله تعالى (فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آَمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (وأمرت لأعدل بينكم) قال: أمر نبي الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يعدل، فعدل حتى مات صلوات الله وسلامه عليه، والعدل ميزان الله في الأرض، به يأخذ للمظلوم من الظالم، وللضعيف من الشديد، وبالعدل يصدق الله الصادق، ويكذب الكاذب، وبالعدل يرد المعتدي ويوبخه.
قال ابن كثير: وقوله (لنا أعمالنا ولكم أعمالكم) أي: نحن برآء منكم، كما قال تعالى: (وإن كذبوك فقل لي عملي ولكم عملكم أنتم بريئون مما أعمل وأنا بريء مما تعملون) .
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله (لا حجة بيننا وبينكم) قال: لا خصومة.(4/285)
وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ (16) اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ (17) يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ أَلَا إِنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ (18) اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (19)
قوله تعالى (وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (والذين يحاجون في الله من بعد ما استجيب له) قال: طمع رجال بأن تعود الجاهلية.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (والذين يحاجون في الله من بعد ما استجيب له حجتهم داحضة عند ربهم) قل: هم اليهود والنصارى، قالوا: كتابنا قبل كتابكم، ونبينا قبل نبيكم، ونحن خير منكم.
قوله تعالى (اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (أنزل الكتاب بالحق والميزان) قال: العدل.
قال ابن كثير: ثم قال (الله الذي أنزل الكتاب بالحق) يعني: الكتب المنزلة من عنده على أنبيائه (والميزان) هو: العدل والإنصاف، قاله مجاهد، وقتادة. وهذه كقوله تعالى (لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط) وقوله: (وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ (7) أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ (8) وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ) .
قوله تعالى (يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَا)
قال ابن كثير: وقوله (يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها) أي: يقولون: (متى هذا الوعد إن كنتم صادقين) ؟ وإنما يقولون ذلك تكذيباً واستبعاداً، وكفراً وعناداً.
وانظر سورة القمر آية (1) .
قوله تعالى (اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ)
قال ابن كثير: يقول تعالى مخبراً عن لطفه بخلقه في رزقه إياهم عن آخرهم، لا ينسى أحداً منهم، سواء في رزقه البرّ والفاجر، كقوله تعالى: (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) . ولها نظائر كثيرة.(4/286)
مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ (20)
قوله تعالى (مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآَخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ)
قال الحاكم: حدثنا أبو أحمد بكر بن محمد الصيرفي، ثنا أحمد بن عبيد الله النرسي، ثنا أبو أحمد الزبيري، ثنا عمران بن زائدة بن نشيط عن أبيه عن أبي خالد الوالي عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: تلا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآَخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ) ثم قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "يقول الله عز وجل: ابن آدم تفرغ لعبادتي أملأ صدرك غنى وأسد فقرك وإلا تفعل ملأت صدرك شغلا ولم أسد فقرك".
هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. (المستدرك 2/443 - ك التفسير، وصححه الذهبي) وأخرجه الترمذي في (السنن برقم 2466) وقال: حسن غريب. وابن حبان في (صحيحه 2/119 ح393) وأخرجه الحاكم من رواية معقل بن يسار بنحوه، وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك 4/326) ووافقهما الألباني في (السلسلة الصحيحة رقم950) .
قال أحمد: ثنا عبد الرزاق أنا سفيان، عن أبي سلمة، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية، عن أبي بن كعب، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "بشر هذه الأمة بالسناء والرفعة والدين والنصر والتمكين في الأرض". وهو يشك في السادسة، قال: "فمن عمل منهم عمل الآخرة للدنيا لم يكن له في الآخرة نصيب".
(المسند 5/134) ، وأخرجه ابن حبان في صحيحه (الإحسان 2/132 ح405) ، من طرق عبد العزيز بن مسلم. والحاكم في (المستدرك 4/311) من طريق المغيرة الخرساني. والضياء المقدسي (المختارة 3/358-359) من طرق، كلهم عن الربيع بن أنس به. قال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. وحسّن إسناده الأرناؤوط في حاشية الإحسان، وكذا محقق المختارة وصححه الألباني (صحيح الترغيب 1/87-88 ح21) .
قال ابن كثير: (من كان يريد حرث الآخرة) ، أي: عمل الآخرة، (نزد له في حرثه) ، أي: نقويه ونعينه على ما هو بصدده، ونكثر نماءه، ونجزيه بالحسنة عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، إلى أن يشاء الله. (ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وما له في الآخرة من نصيب) ، أي: ومن كان إنما سعيه ليحصل له شيء من الدنيا، وليس له إلى الآخرة همة البتة بالكلية، حرمه(4/287)
الله الآخرة، والدنيا إن شاء أعطاه منها، وإن شاء لم يحصل له لا هذه ولا هذه، وفاز هذا الساعي بهذه النية بالصفقة الخاسرة في الدنيا والآخرة. والدليل على هذا أن هذه الآية هاهنا مقيدة بالآية التي في (سبحان) وهي قوله تعالى: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا (18) وَمَنْ أَرَادَ الْآَخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا (19) كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا (20) انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآَخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا) .
وانظر سورة هود آية (15) وفيها تفصيل تقييد المطلق.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه ومن كان يريد حرث الدنيا) ... الآية، يقول: من آثر دنياه على آخرته لم نجعل له نصيب في الآخرة إلا النار، ولم نزده بذلك من الدنيا شيئا إلا رزقا قد فرغ منه وقسم له.
قوله تعالى (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)
قال ابن كثير: وقوله (أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله) أي: هم لا يتبعون ما شرع الله لك من الدين القويم، بل يتبعون ما شرع لهم شياطينهم من الجن والإنس، من تحريم ما حرموا عليهم، من البحيرة والسائبة والوصيلة والحام، وتحليل الميتة والدم والقمار، إلى نحو ذلك من الضلالات والجهالة الباطلة. التي كانوا قد اخترعوها في جاهليتهم، من التحليل والتحريم، والعبادات الباطلة، والأقوال الفاسدة.
وقد ثبت في الصحيح عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "رأيت عمرو بن لُحَي بن قمعة يجر قصبه في النار". لأنه أول من سيب السوائب. وانظر سورة المائدة آية (103) فقد تقدم تخريج الحديث فيها.(4/288)
ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ (23) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَإِنْ يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (24)
قوله تعالى (ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ)
قال البخاري: حدثني محمد بن بشار، حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة عن عبد الملك بن ميسرة قال: سمعت طاوسا عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه سُئل عن قوله (إلا المودة في القربى) فقال سعيد بن جبير: قربى آل محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال ابن عباس: عجلتَ، إن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يكن بطنٌ من قريش إلا كان له فيهم قرابة، فقال: إلا أن تصلوا ما بيني وبينكم من القرابة.
(الصحيح 8/426 ح4818 - ك التفسير - سورة الشورى، ب الآية) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (قل لا أسألكم عليه من أجر إلا المودة في القربى) قال: كان لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قرابة في جميع قريش، فلما كذبوه وأبوا أن يبايعوه قال: يا قوم إذا أبيتم أن تبايعوني احفظوا قرابتي فيكم لا يكن غيركم من العرب أولى بحفظي ونصرتي منكم.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قال: قال الحسن في قوله: (قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى) قل لا أسألكم على ما جئتكم به، وعلى هذا الكتاب أجرا، إلا المودة في القربى، إلا أن توددوا إلى الله بما يقربكم إليه، وعمل بطاعته.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي في قول الله عز وجل (ومن يقترف حسنة) قال: يعمل حسنة.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (إن الله غفور) للذنوب، (شكور) للحسنات يضاعفها.
قوله تعالى (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَإِنْ يَشَأِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَإِنْ يَشَأِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ) فينسيك القرآن.
وانظر سورة الحاقة آية (44) وتفسيرها في بيان الرد على المكذبين لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.(4/289)
وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ (25) وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَالْكَافِرُونَ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ (26) وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ (27)
قوله تعالى (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ…)
قال مسلم: حدثنا عثمان بن أبي شيبة وإسحاق بن إبراهيم -واللفظ لعثمان- قال إسحاق: أخبرنا. وقال عثمان: حدثنا جرير عن الأعمش، عن عُمارة بن عُمير، عن الحارث بن سُويد، قال: دخلتُ على عبد الله أعوده وهو مريض.
فحدثا بحديثين: حديثا عن نفسه وحديثاً عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قال: سمعتُ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "لَلَّهِ أشد فرحا بتوبة عبده المؤمن، من رجل في أرض دوّية مَهلكة. معه راحلته. عليها طعامه وشرابه. فنام فاستيقظ وقد ذهبت.
فطلبها حتى أدركه العطش. ثم قال: ارجع إلى مكاني الذي كنتُ فيه. فأنام حتى أموت. فوضع رأسه على ساعده ليموت. فاستيقظ وعنده راحلته وعليها زاده وطعامه وشرابه. فالله أشد فرحا بتوبة العبد المؤمن من هذا براحلته وزاده".
(الصحيح 4/2013 ح2744 - ك التوبة، ب في الحض على التوبة والفرح بها) ، وأخرجه البخاري في (صحيحه ح6308 - الدعوات، ب التوبة) .
وانظر سورة النساء آية (110) وتفسيرها لبيان قبول الله التوبة من عباده التائبين مهما بلغت الذنوب.
قوله تعالى (وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ…)
قال الحاكم: أخبرنا أبو الحسين أحمد بن عثمان بن يحيى المقري ببغداد، ثنا أبو قلابة الرقاشي، ثنا عبد الصمد بن عبد الوارث، ثنا هشام بن أبي عبد الله، ثنا قتادة وتلا قول الله عز رجل (ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض ولكن ينزل بقدر ما يشاء) فقال: ثنا خليد بن عبد الله العصري عن أبي الدرداء - رضي الله عنه - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ما طلعت شمس قط إلا بعث بجنبتيها ملكان إنهما ليسمعان أهل الأرض إلا الثقلين: يا أيها الناس هلموا إلى ربكم فإن ما قل وكفى خير مما كثر وألهى. وما غربت شمس قط إلا وبجنبتيها ملكان يناديان: اللهم عجل لمنفق خلفا وعجل لممسك تلفا".
هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. (المستدرك 2/444-445) ووافقه الذهبي. وصححه جماعة من النقاد كما في تخريج حديث أبي الدرداء في سورة يونس آية 52) .(4/290)
وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ (27) وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ (28) وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ (29) وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ (30)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض) الآية ... قال: كان يقال: خير الرزق ما لا يطغيك ولا يلهيك.
قوله تعالى (وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (من بعد ما قنطوا) قال: يئسوا.
قال ابن كثير: وقوله (وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا) أي: من بعد إياس الناس من نزول المطر، ينزله عليهم في وقت حاجتهم وفقرهم إليه، كقوله: (وإن كانوا من قبل أن ينزل عليهم من قبله لمبلسين) .
قوله تعالى (وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (وما بث فيهما من دابة) قال: الناس والملائكة (وهو على جمعهم إذا يشاء قدير) يقول: وهو على جمع ما بث فيهما من دابة إذا شاء جمعه، ذو قدرة لا يتعذر عليه، كما لم يتعذر عليه خلقه وتفريقه.
قوله تعالى (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ)
قال الترمذي: حدثنا أبو عبيدة بن أبي السفر - واسمه: أحمد بن عبد الله الهمداني الكريمة - قال: حدثنا حجاج بن محمد، عن يونس بن أبي إسحاق، عن أبي إسحاق الهمداني، عن أبي جحيفة، عن عليّ عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من أصاب حداً فعجل عقوبته في الدنيا فالله أعدل من أن يثني على عبده العقوبة في الآخرة، ومن أصاب حداً فستره الله عليه وعفا عنه فالله أكمل من أن يعود إلى شيء قد عفا عنه".
(السنن 5/16 ح2626 - ك الإيمان، ب ما جاء لا يزني الزاني وهو مؤمن) ، وأخرجه ابن ماجة (2/868 ح2604 - ك الحدود، ب الحد كفارة) من طريق محمد بن عبيد المديني. والحاكم (المستدرك 2/445 - ك التفسير) من طريق محمد بن الفرج، كلاهما عن حجاج بن محمد به. قال الترمذي: حديث حسن غريب صحيح. وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. وأخرجه أحمد من طريق يونس به، وصححه أحمد شاكر (المسند 2/118، 119 رقم775) وقال الزيلعي: رواه الترمذي وابن ماجة بإسناد متصل ثابت (تخريج أحاديث الكشاف 3/242) .(4/291)
وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ (30) وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (31) وَمِنْ آيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ (32) إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (33) أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ (34) وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِنَا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ (35) فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (36) وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ (37)
قال ابن كثير: (ويعفو عن كثير) أي: عن السيئات، فلا يجازيكم عليها بل يعفو عنها (ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة) .
قوله تعالى (وَمِنْ آَيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ (32) إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (الجوار في البحر) قال: السفن.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (كالأعلام) قال: كالجبال.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (ومن آياته الجوار في البحر كالأعلام إن يشأ يسكن الرياح فيظللن رواكد على ظهره) سفن هذا البحر تجري بالريح فإذا أمسكت عنها الريح ركدت.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (فيظللن رواكد على ظهره) يقول: وقوفاً.
قوله تعالى (أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (أو يوبقهن) يقول: يهلكهن.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (أو يوبقهن بما كسبوا) أي: بذنوب أهلها.
قوله تعالى (ما لهم من محيص)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي، قوله (ما لهم من محيص) : ما لهم من ملجأ.
قوله تعالى (وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ) انظر أحاديث البخاري الثلاثة الواردة تحت الآية رقم (134) من سورة آل عمران لبيان فضل كظم الغيظ.(4/292)
وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (38) وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (39) وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (40) وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (41)
قوله تعالى (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ)
قال ابن كثير: (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ) ، أي: لا يبرمون أمراً حتى يتشاوروا فيه، ليتساعدوا بآرائهم في مثل الحروب وما جرى مجراها، كما قال تعالى: (وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله) ولهذا كان عليه السلام يشاورهم في الحروب ونحوها، ليطيب بذلك قلوبهم. وهكذا لما حضرت عمر بن الخطاب الوفاة حين طُعن جعل الأمر بعده شورى في ستة نفر، وهم عثمان، وعلي، وطلحة، والزبير، وسعد، وعبد الرحمن بن عوف، رضي الله عنهم أجمعين، فاجتمع رأي الصحابة على تقديم عثمان عليهم، رضي الله عنهم.
قوله تعالى (وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي، في قوله (والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون) قال: ينتصرون ممن بغى عليهم من غير أن يعتدوا.
قوله تعالى (وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ)
قال ابن كثير: قوله تعالى (وجزاء سيئةٍ سيئةً مثلها) كقوله تعالى: (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدىَ عليكم) وكقوله: (وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ) فشرع العدل وهو القصاص، وندب إلى الفضل وهو العفو، كقوله: (والجروح قصاص فمن تصدق به فهو كفارة له) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي، في قوله (وجزاء سيئةٍ سيئةً مثلها) قال: إذا شتمك بشتيمة فاشتمه مثلها من غير أن تعتدي.
قوله تعالى (وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، في قوله (ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل) قال: هذا فيما يكون بين الناس من القصاص، فأما لو ظلمك رجل لم يحل لك أن تظلمه.(4/293)
وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلَى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ (44) وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ وَقَالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُقِيمٍ (45)
قوله تعالى (وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلَى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ)
قال ابن كثير: يقول تعالى مخبراً عن نفسه الكريمة: إنه ما شاء كان ولا راد له، وما لم يشأ لم يكن فلا موجد له، وأنه من هداه فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، كما قال: (ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً) . ثم قال مخبراً عن الظالمين، وهم المشركون بالله (لما رأوا العذاب) أي: يوم القيامة يتمنون الرجعة إلى الدنيا (يقولون هل إلى مَرَدّ من سبيل) كما قال تعالى: (وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآَيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (27) بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي في قوله (هل إلى مَردٍّ من سبيل) يقول: إلى الدنيا.
قوله تعالى (وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ وَقَالَ الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُقِيمٍ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي، في قوله (خاشعين) قال: خاضعين من الذل.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، في قوله عز وجل (من طرف خفي) قال: ذليل.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (ينظرون من طرف خفي) قال: يسارقون النظر.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي، قوله (الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة) قال: غبنوا أنفسهم وأهليهم في الجنة.(4/294)
اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ (47) فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ كَفُورٌ (48) لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ (49) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (50)
قوله تعالى (اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَأٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ)
قال ابن كثير: وقوله (ما لكم من ملجأ يومئذ وما لكم من نكير) أي: ليس لكم حصن تتحصنون فيه، ولا مكان يستركم وتتنكرون لربكم فيه، فتغيبون عن بصره -تبارك وتعالى- بل هو محيط بكم بعلمه وبصره وقدرته، فلا ملجأ منه إلا إليه، (يقول الإنسان يومئذ أين المفر كلا لا وزر إلى ربك يومئذ المستقر) .
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (ما لكم من ملجأ) قال: من محرز. وقوله (من نكير) قال: ناصر ينصركم.
قوله تعالى (فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ كَفُورٌ)
قال ابن كثير: وقوله (فإن أعرضوا) ، يعني: المشركين. (فما أرسلنا عليهم حفيظاً) ، أي: لست عليهم بمصيطر. وقال تعالى: (ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء) . وقال تعالى: (فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب) . وقال ها هنا: (إن عليك إلا البلاغ) ، أي: إنما كلفناك أن تبلغهم رسالة الله إليهم.
قوله تعالى (يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ (49) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتدة، قوله (يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور) قادر والله ربنا على ذلك أن يهب للرجل ذكورا ليست معهم أنثى، وأن يهب للرجل ذكرانا وإناثا، فيجمعهم له جميعا (ويجعل من يشاء عقيما) لا يولد له.(4/295)
أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (50) وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ (51) وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (52)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (أو يزوجهم ذكرانا وإناثا) قال: يخلط بينهم يقول: التزويج أن تلد المرأة غلاما، ثم تلد جارية، ثم تلد غلاما ثم تلد جارية.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله (ويجعل من يشاء عقيما) يقول: لا يلقح.
قوله تعالى (وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي، في قوله عز وجل (وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحياً) يوحي إليه (أو من وراء حجاب) موسى كلمه الله من وراء حجاب (أو يرسل رسولاً فيوحي بإذنه ما يشاء) قال: جبرائيل يأتي بالوحي.
قوله تعالى (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، عن الحسن في قوله (روحا من أمرنا) قال: رحمة من أمرنا.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي، في قوله (وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا) قال: وحياً من أمرنا.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان) يعني: محمداً - صلى الله عليه وسلم - (ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا) يعني: بالقرآن.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم) قال تبارك وتعالى (ولكل قوم هاد) داع يدعوهم إلى الله عز وجل.
وانظر سورة الفاتحة في بيان الصراط المستقيم هو: الإسلام.(4/296)
حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (3) وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ (4) أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا أَنْ كُنْتُمْ قَوْمًا مُسْرِفِينَ (5)
سورة الزخرف
قوله تعالى (حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ)
انظر بداية تفسير سورة غافر.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ) مبين والله بركته، وهداه ورشده.
قوله تعالى (إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)
قال ابن كثير: (قُرْآَنًا عَرَبِيًّا) أي: بلغة العرب فصياً واضحاً.. كما قال تعالى (بلسان عربي مبين) الشعراء آية (95) .
قوله تعالى (وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ)
قال أحمد: حدثنا يحيى بن سعيد، عن هشام يعني الدستوائي، حدثني القاسم ابن أبي بزة، حدثني عروة بن عامر، سمعت ابن عباس يقول: إن أول ما خلق الله القلم، فأمره أن يكتب ما يريد أن يخلق، فالكتاب عنده، ثم قرأ (وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ) .
(السنة 2/410 ح898) ، وأخرجه الطبري (التفسير 25/48) من طريق بن علية عن الدستوائي به.
وإسناده صحيح. (انظر: مرويات أحمد في التفسير 4/81 ح149) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وإنه في أم الكتاب لدينا) قال: أي: جملة الكتاب أي أصل الكتاب.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (لدينا لعلي حكيم) يخبر عن منزلته وفضله وشرفه.
قوله تعالى (أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا أَنْ كُنْتُمْ قَوْمًا مُسْرِفِينَ)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، في قول الله عز وجل (أفنضرب عنكم الذكر صفحا) قال: تكذبون بالقرآن ثم لا تعاقبون عليه.(4/297)
أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا أَنْ كُنْتُمْ قَوْمًا مُسْرِفِينَ (5) وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِنْ نَبِيٍّ فِي الْأَوَّلِينَ (6) وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (7) فَأَهْلَكْنَا أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشًا وَمَضَى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ (8) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ (9) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (10) وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَنْشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ (11) وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ (12)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (أفنضرب عنكم الذكر صفحا) قال: أفنضرب عنكم العذاب.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (أفنضرب عنكم الذكر صفحا أن كنتم قوما مسرفين) : أي مشركين، والله لو كان هذا القرآن رفع حين رده أوائل هذه الأمة لهلكوا، فدعا إليه عشرين سنة، أو ما شاء الله من ذلك.
قوله تعالى (فَأَهْلَكْنَا أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشًا وَمَضَى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ)
قال ابن كثير: وقوله (فأهلكنا أشد منهم بطشاً) أي: فأهلكنا المكذبين بالرسل، وقد كانوا أشد بطشاً، من هؤلاء المكذبين لك يا محمد؟ كقوله (أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أكثر منهم وأشد قوة) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ومضى مثل الأولين) قال: عقوبة الأولين.
قوله تعالى (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (الذي جعل لكم الأرض مهادا) قال: بساطا (وجعل لكم فيها سبلا) قال: الطرق (لعلكم تهتدون) يقول: لكي تهتدوا بتلك السبل إلى حيث أردتم من البلدان والقرى والأمصار، لولا ذلك لم تطيقوا براح أفنيتكم ودوركم، ولكنها نعمة أنعم بها عليكم.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وجعل لكم فيها سبلا) أي طرقا.
قوله تعالى (وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَنْشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (والذي نزل من السماء ماء بقدر الآية، كما أحيا الله هذه الأرض الميتة بهذا الماء كذلك تبعثون يوم القيامة.
قوله تعالى (وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ)
انظر سورة النحل الآيات (5-66-80) والزمر (6) وغافر آية (79) .(4/298)
لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ (13) وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ (14) وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ (15) أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُمْ بِالْبَنِينَ (16) وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلًا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (17)
قوله تعالى (لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ (13) وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ)
قال مسلم: حدثني هارون بن عبد الله. حدثنا حجاج بن محمد. قال: قال ابن جرير: أخبرني أبو الزبير، أن علي الأزدي أخبره، أن ابن عمر علمهم، أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان إذا استوى على بعيره خارجا إلى السفر، كبر ثلاثاً ثم قال: (سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون) اللهم إنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى ...
(الصحيح - ك الحج، ب ما يقول إذا ركب إلى سفر الحج وغيره حديث رقم/1342) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (لتستووا على ظهوره ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم عليه) يعلمكم كيف تقولون إذا ركبتم في الفلك تقولون: (بسم الله مجراها ومرساها إن ربي لغفور رحيم) ، وإذا ركبتم الإبل قلتم: (سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون) ويعلمكم ما تقولون إذا نزلتم من الفلك والأنعام جميعا تقولون: اللهم أنزلنا منزلا مباركا وأنت خير المنزلين.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (وما كنا له مقرنين) يقول: مطيقين.
قوله تعالى (وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله عز وجل: (وجعلوا له من عباده جزءا) قال: ولدا وبنات من الملائكة.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وجعلوا له من عباده جزءا) : أي عدلا.
قوله تعالى (أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُمْ بِالْبَنِينَ)
انظر سورة الإسراء آية (40) .
قوله تعالى (وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلًا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله (بما ضرب للرحمن مثلا) قال: ولداً.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وهو كظيم) أي: حزين.(4/299)
أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ (18) وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ (19) وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ (20) أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ (21) بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ (22) وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ (23)
قوله تعالى (أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، في قوله (أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ) قال الجواري جعلتموهن للرحمن ولدا، كيف تحكمون.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ) قال: النساء.
قوله تعالى (وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ)
انظر سورة الإسراء آية (40) .
قوله تعالى (وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (لو شاء الرحمن ما عبدناهم) للأوثان يقول الله عز وجل (ما لهم بذلك من علم) يقول: ما لهم بحقيقة ما يقولون من ذلك من علم، وإنما يقولونه تخرصاً وتكذباً، لأنهم لا خبر عندهم مني بذلك ولا برهان. وإنما يقولونه ظنا وحسبانا (إن هم إلا يخرصون) يقول: ما هم إلا متخرصون هذا القول الذي قالوه، وذلك قولهم (لو شاء الرحمن ما عبدناهم) .
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (إن هم إلا يخرصون) ما يعلمون قدرة الله على ذلك.
قوله تعالى (بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آَثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (على أمة) : ملة.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (قالوا وجدنا آباءنا على أمة) قال: على دين.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وإنا على آثارهم مهتدون) يقول: وإنا متبعوهم على ذلك.(4/300)
وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ (23) قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (24) فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (25) وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ (26) إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ (27) وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (28) بَلْ مَتَّعْتُ هَؤُلَاءِ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى جَاءَهُمُ الْحَقُّ وَرَسُولٌ مُبِينٌ (29) وَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كَافِرُونَ (30) وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ (31)
قوله تعالى (وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آَثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلا قال مترفوها) قاداتهم ورءوسهم في الشرك.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (وإنا على آثارهم مقتدون) قال: بفعلهم.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وإنا على آثارهم مقتدون) فاتبعوهم على ذلك.
قوله تعالى (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ (26) إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ (27) وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه) .. الآية، قال: كايدهم، كانوا يقولون: إن الله ربنا (ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله) ، فلم يبرأ من ربه.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (إلا الذي فطرني) قال: خلقني.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وجعلها كلمة باقية) قال: شهادة أن لا إله إلا الله، والتوحيد لم يزل في ذريته من يقولها من بعده.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (في عقبه) قال: ولده.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (لعلهم يرجعون) أي: يتوبون، أو يذكرون.
قوله تعالى (وَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كَافِرُونَ (30) وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآَنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي، في قوله (ولما جاءهم الحق قالوا هذا سحر وإنا به كافرون) قال: هؤلاء قريش قالوا للقرآن الذي جاء به محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: هذا سحر.(4/301)
وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ (31) أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (32) وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ (33)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (على رجل من القريتين عظيم) قال عتبة بن ربيعة: من أهل مكة، وابن عبد ياليل الثقفي: من الطائف.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، في قوله (رجل من القريتين عظيم) قال: الرجل: الوليد بن المغيرة، قال: لو كان ما يقول محمد حقا أنزل على هذا، أو على ابن مسعود الثقفي، والقريتان: الطائف ومكة، وابن مسعود الثقفي من الطائف اسمه عروة بن مسعود.
قوله تعالى (أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قال: قال الله تبارك وتعالى (أهم يقسمون رحمة ربك نحن قسما بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا) فتلقاه ضيف الحيلة، عيي اللسان، وهو مبسوط له في الرزق، وتلقاه شديد الحيلة، سليط اللسان، وهو مقتور عليه، قال الله حل ثناؤه: (نحن قسمنا ليسهم معيشتهم في الحياة الدنيا) كما قسم بينهم صورهم وأخلاقهم تبارك ربنا وتعالى.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي، في قوله (ليتخذ بعضهم بعضاً سخريا) قال: يستخدم بعضهم بعضاً في السخرة.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ليتخذ بعضهم بعضا سخريا) ملكة.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ورحمة ربك خير مما يجمعون) يعني: الجنة.
قوله تعالى (وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ (33) وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (ولولا أن يكون الناس أمة واحدة) يقول الله سبحانه: لولا أن جعل الناس كلهم كفارا، لجعلت للكفار لبيوتهم سقفا من فضة.(4/302)
وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ (33) وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ (34) وَزُخْرُفًا وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ (35) وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (36) وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (37) حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ (38) وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ (39)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (لبيوتهم سقفا من فضة) السقف: أعلى البيوت.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (ومعارج) قال: معارج من فضة وهي درج.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ومعارج عليها يظهرون) أي: درجاً عليها يصعدون.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (وسررا) قال: سرر فضة.
قوله تعالى (وَزُخْرُفًا وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (وزخرفا) هو الذهب.
انظر سورة الرعد آية (26) لبيان متاع الحياة الدنيا: أي قليل ذاهب.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (والآخرة عند ربك للمتقين) خصوصا.
قوله تعالى (وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا) يقول: إذا أعرض عن ذكر الله نقيض له شيطانا (فهو له قرين) .
قوله تعالى (وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ)
انظر سورة الكهف آية (103-104) .
قوله تعالى (حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ (38) وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ)
انظر سورة ق آية (27) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: حتى إذا جاءانا هو وقرينه جميعا. ا. هـ.(4/303)
أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (40) فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ (41) أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ (42) فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (43) وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ (44)
قوله تعالى (أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ)
انظر سورة البقرة آية (17) وسورة النمل آية (80) لي سورة الروم آية (52) .
قوله تعالى (فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ (41) أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ (42) فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)
قال الحاكم: أخبرنا الشيخ أبو بكر بن إسحاق، ثنا الحسن بن علي بن زياد، ثنا محمد بن عبيد بن حساب، ثنا عبد بن ثور عن معمر عن قتادة، في قوله تعالى (فإما نذهبن بك فإنا منهم منتقمون) فقال: قال أنس: ذهب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وبقيت النقمة ولم ير الله نبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في أمته شيئا يكرهه حتى مضى ولم يكن نبي إلا وقد رأى العقوبة في أمته إلا نبيكم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
صحيح الإسناد ولم يخرجاه. (المستدرك 2/447 - ك التفسير، وصححه الذهبي) ، وأخرجه البيهقي في (شعب الإيمان 4/118-119 ح1410) . وأخرجه الضياء المقدسي في (المختارة 6/107-109 ح2017-2100) من طرق عن حميد الطويل، عن أنس به. (وصححه محقق الشعب: رجاله ثقات) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (فإما نذهبن بك فإنا منهم منتقمون) فذهب الله نبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ولم ير في أمته إلا الذي تقر به عينه، وأبقى الله النقمة بعده، وليس من نبي إلا وقد رأى في أمته العقوبة، أو قال ما لا يشتهي.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي، في قوله (فإما نذهبن بك فإنا منهم منتقمون) كما انتقمنا من الأمم الماضية (أو نرينك الذي وعدناهم) فقد أراه الله ذلك وأظهره عليه.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (فاستمسك بالذي أوحي إليك إنك على صراط مستقيم) : أي الإسلام.
قوله تعالى (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله (وإنه لذكر لك ولقومك) يقول: إن القرآن شرف لك.
قال ابن كثير: وقيل معناه (وإنه لذكر لك ولقومك) أي: لتذكير لك ولقومك، وتخصيصهم بالذكر لا ينفي من سواهم. كقوله تعالى: (لقد أنزلنا إليكم كتابا فيه ذكركم أفلا تعقلون) وكقوله: (وأنذر عشيرتك الأقربين) .(4/304)
وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ (45) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَقَالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (46) فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِآيَاتِنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَضْحَكُونَ (47) وَمَا نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا وَأَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (48) وَقَالُوا يَا أَيُّهَ السَّاحِرُ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ (49) فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ (50)
قوله تعالى (وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آَلِهَةً يُعْبَدُونَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا) يقول: سل أهل التوراة والإنجيل: هل جاءتهم الرسل إلا بالتوحيد أن يوحدوا الله وحده؟.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (أجعلنا من دون الرحمن ألهة يعبدون) ؟. أتتهم الرسل يأمرونهم بعبادة الآلهة من دون الله؟.
قوله تعالى (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآَيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَقَالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (46) فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِآَيَاتِنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَضْحَكُونَ)
قال ابن كثير: وهذا كقوله تعالى (فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ (133) وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُوا يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرائيلَ (134) فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُمْ بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ) . سورة الأعراف آية: 133-135 وانظر تفسيرهما.
قوله تعالى (وَمَا نُرِيهِمْ مِنْ آَيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا وَأَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)
ومن هذه الآيات المعجزات التسع انظر سورة الإسراء آية (101) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (وأخذناهم بالعذاب لعلهم يرجعون) أي: يتوبون، أو يذكرون.
قوله تعالى (وَقَالُوا يَا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ (49) فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (يا أيها الساحر ادع لنا ربك بما عهد عندك إننا لمهتدون) قال: قالوا يا موسى: ادع لنا ربك لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك.(4/305)
فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ (50) وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ (51) أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ (52) فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ (53) فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (54) فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ (55) فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلًا لِلْآخِرِينَ (56)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، في قول الله عز وجل (بما عهد عندك) قال: لئن آمنا ليكشفن عنا العذاب.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (إذا هم ينكثون) : أي يغدرون.
قوله تعالى (وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ (51) أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ)
قال ابن كثير: وهذا كقوله تعالى (فَحَشَرَ فَنَادَى (23) فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى (24) فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى) سورة النازعات آية: 23-25.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وهذه الأنهار تجري من تحتي) قال: كانت لهم جنات وأنهار ماء.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي، قوله (أم أنا خير من هذا الذي هو مهين) قال: بل أنا خير من هذا.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (أم أنا خير من هذا الذي هو مهين) قال: ضعيف.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ولا يكاد يبين) : أي عيي اللسان.
قوله تعالى (فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (أو جاء معه الملائكة مقترنين) أي: متتابعين.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله (الملائكة مقترنين) قال: يمشون معا.
قوله تعالى (فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (54) فَلَمَّا آَسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ (55) فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلًا لِلْآَخِرِينَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله (فَلَمَّا آَسَفُونَا انْتَقَمْنَا) يقول: أسخطونا.(4/306)
فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلًا لِلْآخِرِينَ (56) وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ (57) وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ (58) إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ (59) وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلَائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ (60) وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (61)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (فَلَمَّا آَسَفُونَا) قال: أغضبوا ربهم.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (فجعلناهم سلفا ومثلا للآخرين) قال: قوم فرعون كفارهم سلفا لكفار أمة محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فجعلناهم سلفا) قال: في النار.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (ومثلا للآخرين) قال: عبرة لمن بعدهم.
قوله تعالى (وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ (57) وَقَالُوا أَآَلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ (58) إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ (59) وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلَائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ (60) وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ)
قال الإمام أحمد: حدثنا هاشم بن القاسم، حدثنا شيبان، عن عاصم، عن أبي رزين، عن أبي يحيى مولى ابن عقيل الأنصاري قال ابن عباس: لقد علمت آية من القرآن ما سألني عنها رجل قط، فما أدري أعلمها الناس، فلم يسألوا عنها، أم لم يفطنوا لها، فيسألوا عنها؟! ثم طفق يحدثنا، فلما قام، تلاومنا أن لا نكون سألناه
عنها، فقلت: أنا لها إذا راح غداً، فلما راح الغد، قلت: يا ابن عباس، ذكرت أمس أن آية من القرآن لم يسألك عنها رجل قط، فلا تدري أعلمها الناس، فلم يسألوا عنها، أم لم يفطنوا لها؟ فقلت: أخبرني عنها، وعن اللاتي قرأت قبلها.
قال: نعم، إن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لقريش: "يا معشر قريش، إنه ليس أحد يعبد من دون الله فيه خير" وقد علمت قريش أن النصارى تعبد عيسى ابن مريم، وما تقول في محمد، فقالوا: يا محمد، ألست تزعم أن عيسى كان نبياً وعبداً من عباد الله صالحاً؟ فلئن كنت صادقاً، فإن آلهتهم لكما تقولون. قال: فأنزل الله عز وجل: (ولما ضرب ابن مريم مثلا إذا قومك منه يصدون) الزخرف: 57.
قال: قلت: ما يصدون؟ قال: يضجون، (وإنه لعلم للساعة) الزخرف: 61، قال: هو خروج عيسى ابن مريم عليه السلام قبل يوم القيامة.(4/307)
وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ (57) وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ (58) إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ (59) وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلَائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ (60) وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (61)
(المسند 4/328-329 ح2921) وصححه المحقق أحمد شاكر، وأخرجه ابن جان (ح6817) مختصراً والطبراني من طريق شيبان به (المعجم الكبير 12/153 ح12740) وقال الهيثمي: فيه عاصم ابن بهدله وثقه أحمد وغيره وهو سيئ الحفظ وبقية رجاله رجال الصحيح (مجمع الزوائد 7/104) وقد توبع عاصم في رواية الحاكم فأخرجه من طريق سماك بن حرب عن عكرمة عن ابن عباس، وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك 2/448) ، وصححه السيوطي (لباب النقول ص189) ، وحسنه محققو مسند أحمد بإشراف أ. د. عبد الله التركي 5/85 ح2918) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (إذا قومك منه يصدون) قال: يضجون.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي، في قوله (وَقَالُوا أَآَلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ) قال: خاصموه، فقالوا: يزعم أن كل من عبد من دون الله في النار، فنحن نرضى أن تكون آلهتنا مع عيسى وعزير والملائكة هؤلاء قد عبدوا من دون الله، قال: فأنزل الله براءة عيسى.
قال ابن ماجة: حدثنا علي بن المنذر، ثنا عبد بن فضيل. ح وحدثنا حوثرة ابن محمد، ثنا محمد بن بشر، قالا: ثنا حجاج بن دينار، عن أبي طالب، عن أبي أمامة، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أُوتوا الجدل" ثم تلا هذه الآية: (بل هم قوم خصمون) .
(السنن 1/19 ح48 - المقدمة، ب اجتناب أهل البدع والجدل) ، أخرجه الترمذي من طريق عبد ابن حميد عن محمد بن بشر عن حجاج بن دينار به وقال: حسن صحيح لا نعرفه إلا من حديثه (الجامع الصحيح - التفسير - سورة الزخرف) وقال الألباني. حسن (صحيح ابن ماجة 1/15) . وأخرجه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك 2/447، 448) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (إن هو إلا عبد أنعمنا عليه) يعني بذلك عيسى ابن مريم، ما عدا ذلك عيسى ابن مريم، إن كان إلا عبداً أنعم الله عليه.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وجعلناه مثلاً لبني إسرائيل) أي: آية.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (ولو نشاء لجعلنا منكم ملائكة في الأرض يخلفون) يقول: يخلف بعضهم بعضاً.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (لجعلنا منكم ملائكة في الأرض يخلفون) قال: يعمرون الأرض بدلا منكم.(4/308)
وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (61) وَلَا يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيْطَانُ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (62) وَلَمَّا جَاءَ عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (63) إِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (64) فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذَابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ (65) هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (66) الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ (67)
قوله تعالى (وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (وإنه لعلم للساعة) قال: آية للساعة خروج عيسى ابن مريم قبل يوم القيامة.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة عن الحسن (وإنه لعلم للساعة) هذا القرآن.
لقوله تعالى (وَلَمَّا جَاءَ عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (63) إِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ولما جاء عيسى بالبينات) أي بالإنجيل. وقوله (قال قد جئتكم بالحكمة) قيل: عني بالحكمة في هذا الموضع: النبوة.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (ولأبين لكم بعض الذي تختلفون فيه) قال: من تبديل التوراة.
وانظر سورة الفاتحة لبيان (الصراط المستقيم) هو الإسلام.
لقوله تعالى (فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذَابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي في قوله (فاختلف الأحزاب من بينهم) قال: اليهود والنصارى.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (من عذاب يوم أليم) قال: من عذاب يوم القيامة.
قوله تعالى (هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ السَّاعَةَ أَن تَأتِيَهُمْ بَغْتَة وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ)
انظر سورة الأنعام آية (31) .
قوله تعالى (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين) فكل خلة هي عداوة إلا خلة المتقين.(4/309)
ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ (70) يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (71) وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (72) لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا تَأْكُلُونَ (73) إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ (74) لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ (75) وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ (76) وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ (77) لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ (78) أَمْ أَبْرَمُوا أَمْرًا فَإِنَّا مُبْرِمُونَ (79) أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ (80)
قوله تعالى (ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ (70) يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ادخلوا الجنة أنتم وأزواجكم تحبرون) أي: تنعمون.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (يطاف عليهم بصحاف من ذهب) قال: القصاع.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (وأكواب) قال: الأكواب التي ليست لها أذان.
قوله تعالى (وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)
انظر حديث أبي هريرة عند سورة المؤمنون آية (10) .
قوله تعالى (لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وهم فيه مبلسون) : أي مستسلمون.
قوله تعالى (وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ (77) لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي، في قوله (ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك) قال: مالك خازن النار، قال: فمكثوا ألف سنة مما تعدون، قال: فأجابهم بعد ألف عام: إنكم ماكثون.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي، (لقد جئناكم بالحق) ، قال: الذي جاء به محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (ولكن أكثركم للحق كارهون) يقول تعالى ذكره: ولكن أكثركم لما جاء به محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من الحق كارهون.
قوله تعالى (أَمْ أَبْرَمُوا أَمْرًا فَإِنَّا مُبْرِمُونَ (79) أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (أم أبرموا أمرا فإنا مبرمون) قال: مجمعون: إن كادوا شرا كدنا مثله.(4/310)
أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ (80) قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ (81) سُبْحَانَ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (82) فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (83)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، في قوله (أم أبرموا أمرا فإنا مبرمون) قال: أم أجمعوا أمرا فإنا مجمعون.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (بلى ورسنا لديهم يكتبون) قال: الحفظة.
قوله تعالى (قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ (81) سُبْحَانَ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (82) فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن جاهد (قل إن كان للرحمن ولد) كما تقولون (فأنا أول العابدين) المؤمنين بالله، فقولوا ما شئتم.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين) يقول: لم يكن للرحمن ولد فأنا أول الشاهدين.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين) قال قتادة: وهذه كلمة من كلام العرب (إن كان للرحمن ولد) : أي إن ذلك لم يكن، ولا ينبغي.
قال ابن كثير: يقول تعالى (قل) يا محمد (إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين) أي: لو فرض هذا لعبدته على ذلك، لأني عبد من عبيده، مطيع لجميع ما يأمرني به، ليس عندي استكبار ولا إباء عن عبادته، فلو فرض كان هذا، ولكن هذا ممتنع في حقه تعالى، والشرط لا يلزم منه الوقوع ولا الجواز أيضاً، كما قال تعالى: (لو أراد الله أن يتخذ ولداً لاصطفى مما يخلق ما يشاء سبحانه هو الواحد القهار) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (رب العرش عما يصفون) أي: يكذبون.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدون) قال: يوم القيامة.(4/311)
وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (84) وَتَبَارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (85) وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (86) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (87) وَقِيلِهِ يَا رَبِّ إِنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ لَا يُؤْمِنُونَ (88) فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (89)
قوله تعالى (وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، في قوله (وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله) : أي يعبد في السماء وفي الأرض.
قال ابن كثير: وقوله (وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله) أي: هو إله من في السماء، وإله من في الأرض، يعبده أهلهما، وكلهم خاضعون له، أذلاء بين يديه، (وهو الحكيم العليم) . وهذه الآية كقوله تعالى: (وهو الله في السماوات وفي الأرض يعلم سركم وجهركم ويعلم ما تكسبون) أي: هو المدعو الله في السماوات والأرض.
قوله تعالى (وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ) قال: عيسى وعزير، والملائكة.
قوله تعالى (وَقِيلِهِ يَا رَبِّ إِنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ لَا يُؤْمِنُونَ)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، في قوله (وَقِيلِهِ يَا رَبِّ إِنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ لَا يُؤْمِنُونَ) قال: فأبر الله عز وجل قول محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (وَقِيلِهِ يَا رَبِّ إِنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ لَا يُؤْمِنُونَ) قال: هذا قول نبيكم عليه الصلاة والسلام يشكوا قومه إلى ربه.
ويؤكد هذا التفسير قوله تعالى (وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا) سورة الفرقان آية: 30.
قوله تعالى (فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ) قال: اصفح عنهم، ثم أمره بقتالهم.(4/312)
حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ (3) فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (4)
سورة الدخان
قوله تعالى (حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ)
انظر سورة القصص آية (2) وسورة غافر آية (1) .
قوله تعالى (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ)
قال ابن كثير: يقول تعالى مخبراً عن القرآن العظيم أنه أنزله في ليلة مباركة، هي ليلة القدر، كما قال تعالى (إنا أنزلناه في ليلة القدر) ، وكان ذلك في شهر رمضان، كما قال تعالى (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن) .
قال الحاكم: حدثني محمد بن صالح بن هانئ، ثنا الحسين بن محمد بن زياد القباني، ثنا أبو عثمان سعيد بن يحيى بن سعيد الأموي، حدثني أبي ثنا عثمان بن حكيم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: إنك لترى الرجل يمشي في الأسواق وقد وقع اسمه في الموتى ثم قرأ (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ (3) فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) يعني: ليلة القدر ففي تلك الليلة يفرق أمر الدنيا إلى مثلها من قابل.
صحيح الإسناد ولم يخرجاه. (المستدرك 2/448-449 - ك التفسير) وصححه الذهبي وأخرجه البيهقي عن الحاكم به (شعب الإيمان 7/261-262 ح3388) وقال المحقق: إسناده رجاله ثقات.
قوله تعالى (فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) قال: في ليلة القدر كل أمر يكون في السنة إلى السنة: الحياة والموت، يقدر فيها المعايش والمصائب كلها.(4/313)
فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ (10) يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ (11) رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ (12) أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ (13) ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ (14) إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ (15) يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ (16)
قوله تعالى (فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ (10) يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ (11) رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ (12) أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ (13) ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ (14) إِنَّا كَاشِفُوا الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ (15) يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ)
قال مسلم: حدثنا إسحاق بن إبراهيم، أخبرنا جرير عن منصور، عن أبي الضحى، عن مسروق، قال: كنا عند عبد الله جلوساً، وهو مضطجع بيننا، فأتاه رجل فقال: يا أبا عبد الرحمن! إن قاصا عند أبواب كندة يقُص ويزعم، أن آية الدخان تجيء فتأخذ بأنفاس الكفار. ويأخذ المؤمنين منه كهيئة الزكام. فقال عبد الله، وجلس وهو غضبان: يا أيها الناس! اتقوا الله. مَن علم منكم شيئا، فليقل بما يعلم. ومن لم يعلم. فليقل: الله أعلم. فإنه أعلم لأحدكم أن يقول، لما لا يعلم: الله أعلم. فإن الله عز وجل قال لنبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ) - إن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما رأى من الناس إدباراً. فقال: "اللهم! سبع كسبع يوسف". قال فأخذتهم سنة حصتّ كل شيء. حتى أكلوا الجلود والميتة من الجوع. وينظر إلى السماء أحدهم فيرى كهيئة الدخان. فأتاه أبو سفيان فقال: يا محمد! إنك جئت تأمر بطاعة الله وبصلة الرحم. وإن قومك قد هلكوا. فادع الله لهم. قال الله عز وجل: (فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ (10) يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ) إلى قوله: (إنكم عائدون) قال: أفيُكشف عذاب الآخرة؟ (يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون) فالبطشة يوم بدر. وقد مضت آية الدخان: البطشة، واللزام، وآية الروم.
(الصحيح 4/2155-2156 ح2798 - ك صفات المنافقين وأحكامهم، ب الدخان) . وأخرجه البخاري (الصحيح - الاستسقاء ح1007، والتفسير ح4809) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فارتقب) أي: فانتظر.(4/314)
يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ (11) رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ (12) أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ (13)
قال البخاري: حدثنا يحيى، حدثنا أبو معاوية عن الأعمش، عن مسلم، عن مسروق قال: قال عبد الله: إنما كان هذا لأن قريشاً لما استعصوا على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دعا عليهم بسنين كسني يوسف، فأصابهم قحط وجهد حتى أكلوا العظام، فجعل الرجل ينظر إلى السماء فيرى ما بينه وبينها كهيئة الدخان من الجهد. فأنزل الله عز وجل (فارتقب يوم تأتى السماء بدخان مبين يغشى الناس هذا عذاب أليم) قال: فأتى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقيل له: يا رسول الله استسق الله لمضر فإنها قد هلكت. قال: مضر؟ إنك لجريء، فاستسقى، فسُقوا، فنزلت (إنكم عائدون) فلما أصابتهم الرفاهية عادوا إلى حالهم حين أصابتهم الرفاهية، فأنزل الله عز وجل (يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون) قال: يعني يوم بدر.
(الصحيح 8/434-435 ح4821 - ك التفسير - سورة الدخان، ب الآية) ، وأخرجه مسلم في (صحيحه 4/2156-2157) .
قوله تعالى (رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ (12) أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ)
قال البخاري: حدثنا يحيى، حدثنا وكيع، عن الأعمش، عن أبي الضحى، عن مسروق قال: دخلتُ على عبد الله فقال: إن من العلم أن تقول لما لا تعلم: الله أعلم. إن الله قال لنبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين) . إن قريشاً لما غلبوا النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - واستعصوا عليه قال: "اللهم أعني عليهم بسبع كسبع يوسف فأخذتهم سنةٌ أكلوا فيها العظام والميتة من الجهد، حتى جعل أحدهم يرى ما بينه وبين السماء كهيئة الدخان من الجوع (قالوا ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون) فقيل له: إن كشفنا عنهم عادوا، فدعا ربه، فكشف عنهم فعادوا، فانتقم الله منهم يوم بدر، فدلك قوله تعالى (يوم تأتى السماء بدخان مبين -إلى قوله جل ذِكْره- إنا منتقمون) .
(الصحيح 8/435 ح4822 - ك التفسير - سورة الدخان، ب الآية) .(4/315)
رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ (12) أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ (13) ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ (14) إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ (15) يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ (16)
قال ابن كثير: وقوله (ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون) أي: يقول الكافرون إذا عاينوا عذاب الله وعقابه سائلين رفعه وكشفه عنهم، كقوله (ولو ترى إذ وقفوا على النار فقالوا يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين) . وكذا قوله (وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ) وهكذا قال ها هنا: (أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ (13) ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ) . يقول: كيف لهم بالتذكر، وقد أرسلنا إليهم رسولاً بين الرسالة والنذارة، ومع هذا تولوا عنه وما وافقوه، بل كذبوه
وقالوا: معلم مجنون. وهذا كقوله تعالى: (يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْأِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى (23) يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، في قوله: (أنى لهم الذكرى) يقول: كيف لهم.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (أنى لهم الذكرى) بعد وقوع البلاء.
قوله. تعالى (ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ) قال: تولوا عن محمد عليه الصلاة والسلام، وقالوا: معلم مجنون.
قوله تعالى (إِنَّا كَاشِفُوا الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ (15) يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (إنا كاشفوا العذاب قليلا) يعني الدخان (إنكم عائدون) إلى عذاب الله.
قال الطبري: حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن علية، قال: ثنا خالد الحذاء، عن عكرمة، قال: قال ابن عباس، قال ابن مسعود: البطشة الكبرى: يوم بدر، وأنا أقول: هي يوم القيامة.
وسنده صحيح. وذكره ابن كثير وصحح سنده.(4/316)
وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجَاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ (17) أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (18) وَأَنْ لَا تَعْلُوا عَلَى اللَّهِ إِنِّي آتِيكُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (19) وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ (20) وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ (21) فَدَعَا رَبَّهُ أَنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ مُجْرِمُونَ (22) فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلًا إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ (23) وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ (24) كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (25) وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (26) وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ (27) كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ (28)
قوله تعالى (وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجَاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ (17) أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (18) وَأَنْ لَا تَعْلُوا عَلَى اللَّهِ إِنِّي آَتِيكُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (19) وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (ولقد فتنا قبلهم قوم فرعون وجاءهم رسول كريم) يعني: موسى.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (أن أدوا إلى عباد الله) قال: أرسلوا معي بني إسرائيل.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (وأن لا تعلوا على الله) أي: لا تبغوا على الله (إني آتيكم بسلطان مبين) : أي بعذر مبين.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وإني عذت بربي وربكم أن ترجمون) أي: أن ترجمون بالحجارة.
قوله تعالى (فَدَعَا رَبَّهُ أَنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ مُجْرِمُونَ (22) فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلًا إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ (23) وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (فدعا ربه أن هؤلاء قوم مجرمون) حتى بلغ (إنهم جند مغرقون) قال: لما أخرج آخر بني إسرائيل أراد نبي الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يضرب البحر بعصاه، حتى يعود كما كان مخافة آل فرعون أن يدركوهم، فقيل له (واترك البحر رهواً إنهم جند مغرقون) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله (واترك البحر رهوا) يقول: سمتا.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (واترك البحر رهوا) كما هو طريقاً يابسا.
قوله تعالى (كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (25) وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (26) وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ (27) كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آَخَرِينَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (ومقام كريم) أي: حسن.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ونعمة كانوا فيها فاكهين) ناعمين، قال: إي والله، أخرجه الله من جناته وعيونه وزروعه حتى ورطه في البحر.(4/317)
كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ (28) فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ (29) وَلَقَدْ نَجَّيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ الْعَذَابِ الْمُهِينِ (30) مِنْ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كَانَ عَالِيًا مِنَ الْمُسْرِفِينَ (31) وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ (32) وَآتَيْنَاهُمْ مِنَ الْآيَاتِ مَا فِيهِ بَلَاءٌ مُبِينٌ (33) إِنَّ هَؤُلَاءِ لَيَقُولُونَ (34) إِنْ هِيَ إِلَّا مَوْتَتُنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ (35)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (كذلك وأورثناها قوماً آخرين) يعني: بني إسرائيل.
قوله تعالى (فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، في قوله (فما بكت عليهم السماء والأرض) قال: بقاع المؤمن التي كان يصلي عليها من الأرض تبكي عليه إذا مات، وبقاعه من السماء التي كان يرفع فيها عمله.
قوله تعالى (وَلَقَدْ نَجَّيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ الْعَذَابِ الْمُهِينِ (30) مِنْ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كَانَ عَالِيًا)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ولقد نجينا بنى إسرائيل من العذاب المهين) بقتل أبنائهم، واستحياء نسائهم.
قال ابن كثير: وقوله (من فرعون إنه كان عاليا) أي: مستكبراً جباراً عنيداً، كقوله: (إن فرعون علا في الأرض) القصص آية: 4.
قوله تعالى (وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ (32) وَآَتَيْنَاهُمْ مِنَ الْآَيَاتِ مَا فِيهِ بَلَاءٌ مُبِينٌ (33) إِنَّ هَؤُلَاءِ لَيَقُولُونَ (34) إِنْ هِيَ إِلَّا مَوْتَتُنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ولقد اخترناهم على علم على العالمين) أي: اختيروا على أهل زمانهم ذلك، ولكل زمان عالم.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (وآتيناهم من الآيات ما فيه بلاء مبين) أنجاهم الله من عدوهم، ثم أقطعهم البحر، وظلل عليهم الغمام، وأنزل عليهم المن والسلوى.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (إن هؤلاء ليقولن إن هي إلا موتتنا الأولى وما نحن بمنشرين) قال: قد قال مشركو العرب (وما نحن بمنشرين) أي: بمبعوثين.(4/318)
أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ (37) وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ (38) مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (39) إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ (40) يَوْمَ لَا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئًا وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (41) إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللَّهُ إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (42) إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ (43) طَعَامُ الْأَثِيمِ (44) كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ (45) كَغَلْيِ الْحَمِيمِ (46) خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ (47) ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ (48)
قوله تعالى (أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أَهْلَكْنَاهُمْ)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، في قول الله عز وجل (أهم خير أم قوم تبع) قال: الحِميريّ.
قوله تعالى (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ)
قال ابن كثير: يقول تعالى مخبراً عن عدله وتنزيهه نفسه عن اللعب والعبث والباطل، كقوله: (وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار) . وقال (أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون فتعالى الله الملك الحق لا إله إلا هو رب العرش الكريم) .
قوله تعالى (إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ) يوم يفصل فيه بين الناس بأعمالهم.
قوله تعالى (إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ (43) طَعَامُ الْأَثِيمِ)
تفسيرها في الآيات الثلاث التي تليها.
قوله تعالى (كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ (45) كَغَلْيِ الْحَمِيمِ)
انظر حديث الترمذي عن أبي سعيد المتقدم عند الآية (29) من سورة الكهف، وفيه تفسير (المهل) بأنه: كعكر الزيت.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله (كالمهل يغلي في البطون) يقول: أسود كمهل الزيت.
قوله تعالى (خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ (47) ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (خذوه فاعتلوه إلى سواء الجحيم) قال: خذوه فادفعوه.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (إلى سواء الجحيم) : إلى وسط النار.
انظر سورة الحج آية (19-20) .(4/319)
ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ (49) إِنَّ هَذَا مَا كُنْتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ (50) إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ (51) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (52) يَلْبَسُونَ مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ (53) كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (54) يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ (55) لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (56)
قوله تعالى (ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ)
قال الحاكم: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، ثنا بكار بن قتيبة القاضي، ثنا صفوان بن عيسى، أنبأ ابن عجلان، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: إن لله ثلاثة أثواب اتزر العزة وتسربل الرحمة وارتدأ الكبرياء فمن تعزز بغير ما أعزه الله فذلك الذي يقال له ذق إنك أنت العزيز الكريم، ومن رحم الناس برحمة الله فذلك الذي تسربل بسرباله الذي ينبغي له ومن نازع الله رداءه الذي ينبغي له فإن الله يقول لا ينبغي لمن نازعني أن أدخله الجنة.
هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. (المستدرك 2/451 - ك التفسير، وصححه الذهبي) .
قوله تعالى (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (إن المتقين في مقام أمين) إي والله، أمين من الشيطان والأنصاب والأحزان.
قوله تعالى (يَلْبَسُونَ مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ (53) كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (54) يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آَمِنِينَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، عن عكرمة، في قوله (من سندس وإستبرق) قال: الإستبرق: الديباج الغليظ.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله: (وزوجناهم بحور عين) قال: أنكحناهم حورا.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (يدعون فيها بكل فاكهة آمنين) آمنوا من الموت والأوصاب والشيطان.
قوله تعالى (لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ) قال ابن كثير: وقوله (لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى) ، هذا الاستثناء يؤكد النفي، فإنه منقطع، ومعناه: أنهم لا يذوقون فيها الموت أبداً.
كما ثبت في الصحيحين أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "يؤتى بالموت في صورة كبش أملح، فيوقف بين الجنة والنار ثم يذبح، ثم يقال يا أهل الجنة: خلود فلا موت، ويا أهل النار، خلود فلا موت". وقد تقدم الحديث في سورة مريم.(4/320)
فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (58) فَارْتَقِبْ إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ (59)
قوله تعالى (فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (58) فَارْتَقِبْ إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (فإنما يسرناه بلسانك) أي: هذا القرآن.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فارتقب إنهم مرتقبون) أي: فانتظر إنهم منتظرون.
قال ابن كثير: (فارتقب) أي: انتظر (إنهم مرتقبون) أي: فسيعلمون لمن يكون النصر والظفر وعُلو الكلمة في الدنيا والآخرة، فإنها لك يا محمد ولإخوانك من النبيين والمرسلين ومن اتبعكم من المؤمنين، كما قال تعالى: (كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله قوي عزيز) .(4/321)
حم (1) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (2) إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ (3) وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (4) وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (5) تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ (6) وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (7) يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (8) وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آيَاتِنَا شَيْئًا اتَّخَذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (9)
سورة الجاثية
قوله تعالى (حم)
انظر بداية سورة غافر.
قوله تعالى (تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ)
انظر بداية سورة الروم.
قوله تعالى (إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ (3) وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آَيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (4) وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آَيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ)
قال ابن كثير: وقال أولاً (لآيات للمؤمنين) ثم (يوقنون) ثم (يعقلون) ، وهو ترق من حال شريف إلى ما هو أشرف منه وأعلى. وهذه الآيات شبيهة بآية (البقرة) وهي قوله: (إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجرى في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، في قوله (وتصريف الرياح) قال: تصريفها إن شاء جعلها رحمة، وإن شاء جعلها عذابا.
قوله تعالى (وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ)
انظر سورة البقرة آية (79) .
قوله تعالى (يَسْمَعُ آَيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ)
انظر سورة لقمان آية (7) وتفسيرها.
قوله تعالى (وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آَيَاتِنَا شَيْئًا اتَّخَذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ)
انظر سورة البقرة آية (14) .(4/322)
مِنْ وَرَائِهِمْ جَهَنَّمُ وَلَا يُغْنِي عَنْهُمْ مَا كَسَبُوا شَيْئًا وَلَا مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (10) هَذَا هُدًى وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ (11) اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (12) وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (13) قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْمًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (14) مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (15) وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (16) وَآتَيْنَاهُمْ بَيِّنَاتٍ مِنَ الْأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (17)
قوله تعالى (مِنْ وَرَائِهِمْ جَهَنَّمُ وَلَا يُغْنِي عَنْهُمْ مَا كَسَبُوا شَيْئًا وَلَا مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ)
انظر سورة الدخان آية (41) وسورة الحجر آية (84) .
قوله تعالى (هَذَا هُدًى وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ)
انظر سورة الإسراء آية (9) وانظر سورة البقرة آية (10) لبيان أليم أي: موجع.
قوله تعالى (اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (12) وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)
انظر سورة إبراهيم آية (32) وسورة النحل آية (14) وسورة لقمان آية (20) .
قوله تعالى (قُلْ لِلَّذِينَ آَمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ ... )
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، في قول الله (للذين لا يرجون أيام الله) قال: لا يبالون نعم الله، أو نقم الله.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، في قوله (قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله) قال: نسختها (اقتلوا المشركين) .
قوله تعالى (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ)
انظر سورة الإسراء آية (7) .
قوله تعالى (وَلَقَدْ آَتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (16) وَآَتَيْنَاهُمْ بَيِّنَاتٍ مِنَ الْأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ)
انظر سورة البقرة آية (211) وسورة الأنعام آية (89) ، وانظر سورة البقرة آية (47) لبيان وفضلناهم على العالمين: أي على العالمين في زمانهم.(4/323)
ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (18) إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ (19) هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (20) أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (21)
قوله تعالى (ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، وله (ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها) والشريعة: الفرائض والحدود والأمر والنهى فاتبعها (ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون) .
قوله تعالى (إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ)
انظر سورة البقرة آية (257) .
قوله تعالى (هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ)
انظر سورة الأنعام آية (104) لبيان بصائر أي: بينة، وانظر سورة الإسراء آية (9) .
قوله تعالى (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ)
قال الحاكم: حدثنا أبو حاتم محمد بن حبان القاضي املاء ثنا أبو خليفة القاضي ثنا محمد بن سلام الجمحي قال: سمعت أبا عامر العقدي يقول سمعت سفيان الثوري وتلا قول الله عز وجل (أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون) .
ثم قال: سمعت الأعمش يحدث عن أبي سفيان عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "يبعث كل عبد على ما مات عليه".
(أخبرناه) أبو عبد الله الصفار ثنا أحمد بن مهران ثنا أبو نعيم ثنا سفيان عن الأعمش فذكره.
هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. (المستدرك 2/452 - ك التفسير) . وصححه الذهبي، وأبو سفيان هو طلحة بن نافع الواسطي صدوق. وأخرجه مسلم بدون ذكر الآية (الصحيح 4/2206 ح2878) .(4/324)
أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (21) وَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (22) أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (23) وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ (24) وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ مَا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتُوا بِآبَائِنَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (25) قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (26)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (أم حسب الذين اجترحوا السيئات) ... الآية، لعمري قد تفرق القوم في الدنيا، وتفرقوا عند الموت، فتباينوا في المصير.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (سواء محياهم ومماتهم) قال: المؤمن في الدنيا والآخرة مؤمن، والكافر في الدنيا والآخرة كافر.
قوله تعالى (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، في قوله: (أفرأيت من اتخذ إلهه هواه) قال: ذلك الكافر اتخذ دينه بغير هدى من الله ولا برهان.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (وأضله الله على علم) يقول: أضله الله في سابق علمه.
قوله تعالى (وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ)
قال البخاري: حدثنا الحميدي حدثنا سفيان حدثنا الزهري عن سعيد ابن المسيب عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "قال الله عز وجل يؤذيني ابن آدم يسب الدهر، وأنا الدهر، بيدي الأمر أقلب الليل والنهار".
(الصحيح 8/437 ح4826 - ك التفسير - سورة الجاثية) ، وأخرجه مسلم (الصحيح، 4/1762 ح2446) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا) أي: لعمري هذا قول مشركي العرب.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (وما يهلكنا إلا الدهر) قال: الزمان.
قوله تعالى (وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ مَا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتُوا بِآَبَائِنَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (25) قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ)
انظر سورة البقرة آية (28) وسورة غافر آية (11) .(4/325)
وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (28) هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (29) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ (30) وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنْتُمْ قَوْمًا مُجْرِمِينَ (31) وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لَا رَيْبَ فِيهَا قُلْتُمْ مَا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ (32) وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (33) وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (34)
قوله تعالى (وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله (وترى كل أمة جاثية) قال على الركب مستوفزين.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (كل أمة تدعى إلى كتابها) يعلمون أن تدعى أمة قبل أمة، وقوم قبل قوم، ورجل قبل رجل.
قوله تعالى (هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)
قال ابن كثير: تم قال: (هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق) أي: يستحضر جميع أعمالكم من غير زيادة ولا نقص، كقوله تعالى: (وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا) .
قوله تعالى (فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ)
قال ابن كثير: يخبر تعالى عن حكمه في خلقه يوم القيامة، فقال: (فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات) أي: آمنت قلوبهم وعملت جوارحهم الأعمال الصالحات، وهي الخالصة الموافقة للشرع (فيدخلهم ربهم في رحمته) وهي الجنة. كما ثبت في الصحيح أن الله قال للجنة: "أنت رحمتي، أرحم بك من أشاء".
قوله تعالى (وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ)
انظر سورة الأنعام آية (10) لبيان حاق أي: وقع.
قوله تعالى (وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (وقيل اليوم ننساكم) نترككم. وقوله (ومأواكم النار) يقول: ومأواكم(4/326)
وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (34) ذَلِكُمْ بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَغَرَّتْكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ لَا يُخْرَجُونَ مِنْهَا وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (35) فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (36) وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (37)
التي تأوون إليها نار جهنم، (وما لكم من ناصرين) يقول: وما لكم من مستنقذ ينقذكم اليوم من عذاب الله، ولا منتصر ينتصر لكم ممن يعذبكم، فيستنقذ لكم منه.
قوله تعالى (ذَلِكُمْ بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آَيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَغَرَّتْكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا) انظر سورة الحديد آية (14) .
قوله تعالى (فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) انظر بداية سورة الفاتحة.
قوله تعالى (وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)
قال ابن كثير: ثم قال (وله الكبرياء في السماوات والأرض) قال مجاهد: يعني السلطان. أي: هو العظيم الممجد، الذي كل شيء خاضع لديه فقير إليه.
وقد ورد في الحديث الصحيح: "يقول الله تعالى: العظمة إزاري، والكبرياء ردائي، فمن نازعني واحداً منهما أسكنته ناري".
(وانظر صحيح مسلم - كتاب البر، باب تحريم الكبر) .(4/327)
حم (1) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (2) مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ (3) قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (4) وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ (5)
سورة الأحقاف
قوله تعالى (حم)
انظر بداية سورة غافر.
قوله تعالى (تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ)
انظر بداية سورة الروم.
تقوله تعالى (قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ) قال: أي خاصة من علم.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ) قال: أحد يأثر علما.
قال الإمام أحمد: ثنا يحيى عن سفيان، ثنا صفوان بن سليم عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن ابن عباس. قال سفيان: لا أعلمه إلا عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ) قال: الخط.
(المسند 3/308 ح1992) تحقيق أحمد شاكر وصحح إسناده. وقال الهيثمي: ورجال أحمد رجال الصحيح (المجمع 1/192، 7/105) ، أخرجه الحاكم من طريق سفيان به، وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك 2/454) ، وصححه الحافظ ابن حجر في (الفتح 8/576) ، وصححه محققوا مسند أحمد بإشراف أ. د. عبد الله التركي (المسند 3/449 ح1992) وذكره ابن كثير في التفسير وسكت عنه، وذكر غيره من الأقوال. ثم قال: وكل هذه الأقوال متقاربة 7/259 طبعة الشعب) .
قوله تعالى (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ)
انظر سورة القصص آية (50) .(4/328)
وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ (6) وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (7) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلَا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللَّهِ شَيْئًا هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ كَفَى بِهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (8) قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ (9)
قوله تعالى (وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ)
قال ابن كثير: وقوله (وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ) كقوله تعالى: (وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزّاً (81) كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدّاً) أي: سيخونونهم أحوج ما يكونون إليهم، وقال الخليل: (وَقَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ) .
قوله تعالى (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلَا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللَّهِ شَيْئًا هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ كَفَى بِهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)
قال ابن كثير: (أم يقولون افتراه) يعنون محمداً - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قال الله (قل إن افتريته فلا تملكون لي من الله شيئا) أي: لو كذبت عليه وزعمت أنه أرسلني -وليس كذلك- لعاقبني أشد العقوبة، ولم يقدر أحد من أهل الأرض، لا أنتم ولا غيركم أن يجيرني منه، كقوله: (قل إني لن يجيرني من الله أحد ولن أجد من دونه ملتحدا إلا بلاغا من الله ورسالاته) وقال تعالى: (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (44) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (46) فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ) .
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله (تفيضون فيه) قال: تقولون.
قوله تعالى (قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ)
قال البخاري: حدثنا يحيى بن بُكير، حدثنا الليث عن -عقيل عن ابن شهاب، قال: أخبرني خارجة بن زيد بن ثابت أن أم العلاء - امرأة من الأنصار بايعت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أخبرته أنه اقتسم المهاجرون قرعة، فطار لنا عثمان بن مظعون فأنزلناه في أبياتنا، فوجع وجعه الذي توفي فيه، فلما توفي وغسّل وكفّن في أثوابه دخل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقلتُ: رحمة الله عليك أبا السائب، فشهادتي عليك لقد(4/329)
قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ (9) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (10)
أكرمك الله. فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: وما يدريك أن الله قد أكرمه؟ فقلت: بأبي أنت يا رسول الله، فمن يكرمه الله؟ فقال: أما هو فقد جاءه اليقين. والله إني
لأرجو له الخير، والله ما أدري - وأنا رسول الله - ما يفعل بي. قالت: فوالله لا أزكي أحداً بعده أبداً.
(الصحيح 3/137 ح1243 - ك الجنائز، ب الدخول على الميت بعد الموت إذا أدرج في أكفانه) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (ما كنت بدعا من الرسول) يقول: ما كنت أول الرسل أرسل.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، في قوله (بدعا من الرسل) قال: قد كانت قبله رسل.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله (وما أدرى ما يفعل بي ولا بكم) فأنزل الله بعد هذا (ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وما أدري ما يفعل بي ولا بكم)
ثم درى وعلم من الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعد ذلك ما يفعل به، يقول: إنا فتحنا لك فتحا مبينا.
قوله تعالى (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ)
قال البخاري: حدثنا عبد الله بن يوسف، قال: سمعت مالكاً يحدث عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه قال: ما سمعت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول لأحد يمشي على الأرض: "إنه من أهل الجنة، إلا لعبد الله ابن سلام". قال: وفيه نزلت هذه الآية (وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله) الآية. قال: لا أدري. قال: مالك الآية أو في الحديث.
(الصحيح 7/160 ح3812 - ك مناقب الأنصار، ب مناقب عبد الله بن سلام - رضي الله عنه -) ، ومسلم في صحيحه (4/1930 ح2483 - فضائل الصحابة، ب فضل عبد الله بن سلام) .(4/330)
قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (10)
قال ابن حبان: أخبرنا أبو يعلى قال: حدثنا أبو نشيط محمد بن هارون النخعي قال: حدثنا أبو المغيرة قال: حدثنا صفوان بن عمرو قال: حدثني عبد الرحمن بن جبير بن نفير، عن أبيه، عن عوف بن مالك الأشجعي، قال: انطلق النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأنا معه حتى دخلنا كنيسة اليهود بالمدينة يوم عيدهم، وكرهوا دخولنا عليهم، فقال لهم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "يا معشر اليهود، أروني اثني عشر رجلا يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله يُحبِط الله عن كل يهودي تحت أديم السماء الغضب الذي غضب عليه" قال: فأمسكوا وما أجابه منهم أحد، ثم رد عليهم فلم يُجبه أحد، ثم ثلّث فلم يجبه أحد، فقال: (أبيتم فوالله إني لأنا الحاشر، وأنا العاقب، وأنا المقفِّي، آمنتم أو كذبتم) ، ثم انصرف وأنا معه حتى دنا أن يخرج، فإذا رجل من خلفنا يقول: كما أنتَ يا محمد، قال: فقال ذلك الرجل: أي رجل تعلموني فيكم يا معشر اليهود؟ قالوا: ما نعلم أنه كان فينا رجل أعلم بكتاب الله ولا أفقه منك ولا مِن أبيك من قبلك ولا من جدك قبل أبيك، قال: فإني أشهد له بالله أنه نبي الله الذي تجدونه في التوراة، قالوا: كذبتَ، تم ردّوا عليه وقالوا له شراً، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "كذبتم، لن يُقبل قولكم، أما آنفا فتُثنون عليه من الخير ما أثنيتم، وأما إذ آمن كذبتموه، وقلتم ما قلتم فلن يقبل قولكم". قال: فخرجنا ونحن ثلاثة: رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأنا وعبد الله بن سلام فأنزل الله فيه (قل أرأيتم إن كان من عند الله وكفرتم به) .
(الإحسان 16/118-120 ح7162) قال محققه: إسناده صحيح، وأخرجه الحاكم في (المستدرك 3/415-416) من طريق عبد بن عوف بن سفيان عن أبي المغيرة به. وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي، وأخرجه أحمد في (المسند 6/25) والطبراني في (المعجم الكبير 18/46-47 ح83) وقال الهيثمي: ورجاله رجال الصحيح (المجمع 7/106) .
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (وشهد شاهد من بنى إسرائيل على مثله) قال: عبد الله بن سلام.(4/331)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (قل أرأيتم إن كان من عند الله) الآية، كنا نتحدث أنه عبد الله بن سلام آمن بكتاب الله ورسوله وبالإسلام، وكان من أحبار اليهود.
قوله تعالى (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آَمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وقال الذين كفروا للذين آمنوا لو كان خيراً ما سبقونا إليه) قال: قد قال ذلك آخرون من الناس، كانوا أعز منهم في الجاهلية، قالوا: والله لو كان هذا خير ما سبقنا إليه بنو فلان وبنو فلان، يختص الله برحمته من يشاء، ويكرم الله برحمته من يشاء، تبارك وتعالى.
قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (13) أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)
انظر سورة فصلت آية (30-32) .
قوله تعالى (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ ... حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً…)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، وله (حملته أمه كرها) قال: مشقة عليها.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قال: أشده: ثلاث وثلاثون سنة، واستواؤه أربعون سنة والعذر الذي أعذر الله فيه ابن آدم ستون.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وبلغ أربعين سنة) وقد مضى من سيء عمله.
وانظر سورة الإسراء آية (23-24) وسورة لقمان آية (14) .
قوله تعالى (أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ)
انظر سورة المائدة آية (9) وسورة التوبة آية (72) .(4/332)
وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (19) وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ (20) وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (21)
قوله تعالى (وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ) انظر سورة الأنعام آية (132) .
قوله تعالى (وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ)
قال مسلم: حدثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب، حدثنا حماد بن سلمة، عن ثابت وحميد، عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "حفت الجنة بالمكاره، وحفت النار بالشهوات".
(الصحيح 4/2174 ح2822 - ك الجنة وصفة نعيمها..) .
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (عذاب الهون) قال: الهون (بما كنتم تستكبرون في الأرض بغير الحق) يقول: بما كنتم تتكبرون في الدنيا على ظهر الأرض على ربكم، فتأبون أن تخلصوا له العبادة، وأن تذعنوا لأمره ونهيه بغير الحق، أي بغير ما أباح لكم ربكم، وأذن لكم به (وبما كنتم تفسقون) يقول: بما كنتم به تخالفون طاعته فتعصونه.
قوله تعالى (وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ)
وفيها قصة عاد مع رسولهم هود عليه السلام وقد فصلت في سورة الأعراف آية (65-72) وسورة هود آية (50-60) وسورة المؤمنون آية (31- 41) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (واذكر أخا عاد إذ أنذر قومه بالأحقاف) ذكر لنا أن عاداً كانوا باليمن أهل رمل مشرقين على البحر بأرض يقال لها الشحر.
قال ابن كثير: وقوله (وقد خلت النذر من بين يديه ومن خلفه) يعني: وقد أرسل الله إلى من حول بلادهم من القرى مرسلين ومنذرين، كقوله: (فجعلناها نكالا لما بين يديها وما خلفها) وكقوله: (فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود إذ جاءتهم الرسل من بين أيديهم ومن خلفهم ألا تعبدوا إلا الله إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم) .(4/333)
قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ آلِهَتِنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (22) قَالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَأُبَلِّغُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ (23) فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ (24) تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (25) وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (26)
قوله تعالى (قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ آَلِهَتِنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (22) قَالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَأُبَلِّغُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ)
انظر سورة هود آية (53-57) .
قوله تعالى (فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ (24) تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ)
قال البخاري: حدثنا أحمد حدثنا ابن وهب أخبرنا عمرو أن أبا النضر حدثه
عن سليمان بن يسار عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قالت: ما رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ضاحكاً حتى أرى منه لهوته إنما كان يبتسم قالت: وكان إذا رأى غيماً أو ريحاً عُرف في وجهه، قالت: يا رسول الله إن الناس إذا رأوا الغيم فرحوا رجاء أن يكون فيه المطر، وأراك إذا رأيته عُرف في وجهك الكراهية؟
فقال: "يا عائشة ماُ يؤمنِّي أن يكون فيه عذاب؟ عُذّب قوم بالريح، وقد رأى قوم العذاب، فقالوا (هذا عارض ممطرنا) .
(الصحيح 8/441 ح4829 - ك التفسير - سورة الأحقاف، ب الآية) .
قال مسلم: حدثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب، حدثنا سليمان (يعني ابن بلال) عن جعفر (وهو ابن محمد) عن عطاء بن أبي رباح، أنه سمع عائشة زوج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تقول: كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا كان يوم الريح والغيم، عُرف ذلك في وجهه، وأقبل وأدبر. فإذا مطرت، سُرَّ به، وذهب عنه ذلك. قالت عائشة: فسألته. فقال:
إني خشيت أن يكون عذاباً سُلّط على أمتي) ويقول، إذا رأى المطر (رحمة) .
(صحيح مسلم 2/616 ح899 - ك صلاة الاستسقاء، ب التعوذ عند رؤية الريح والغيم والفرح بالمطر) .
وانظر حديث البخاري الوارد تحت الآية رقم (9) من سورة الأحزاب.
لقوله تعالى (وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن، بي طلحة عن ابن عباس، قوله: (وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ) قال: لم نمكنكم.(4/334)
وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (26) وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرَى وَصَرَّفْنَا الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (27) فَلَوْلَا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ قُرْبَانًا آلِهَةً بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ وَذَلِكَ إِفْكُهُمْ وَمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (28) وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ (29)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ) : أنبأكم أنه أعطى القوم ما لم يعطكم.
قوله تعالى (وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ)
انظر سورة الأنعام آية (10) لبيان حاق أي: وقع.
قوله تعالى (وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآَنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ)
قال الترمذي: حدثنا علي بن حجر. أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم عن داود عن الشعبي عن علقمة قال: قلتُ لابن مسعود - رضي الله عنه -: هل صحب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليلة الجن منكم أحد؟ قال: ما صحبه منا أحد ولكن قد افتقدناه ذات ليلة وهو بمكة، فقلنا اغتيل أو استُطير ما فُعل به؟ فبتنا بشرّ ليلة بات بها قوم، حتى إذا أصبحنا أو كان في وجه الصبح، إذا نحن به يجيء من قبل حراء، قال: فذكروا له الذي كانوا فيه، فقال: "أتاني داعي الجن، فأتيتهم فقرأت عليهم" فانطلق فأرانا أثرهم وأثر نيرانهم. قال الشعبي: وسألوه الزاد وكانوا من جن الجزيرة، فقال: "كل عظم يذكر اسم الله عليه يقع في أيديكم أوفر ما كان لحماً، وكل بعرة أو روثة علف لدوابكم"، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "فلا تستنجوا بهما فإنهما زاد إخوانكم الجن".
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح. (السنن 5/382-383 ح3258 - ك التفسير) ، وصححه الألباني في (صحيح سنن الترمذي) وأخرجه مسلم من طريق علي بن حجر به نحوه، وأخرجه من طريق عبد الأعلى عن داود به نحوه (الصحيح 2/24 - ك الصلاة، ب الجهر بالقراءة في الصبح والقراءة على الجن. طبعة بيروت) .
قال الحاكم: أخبرني أحمد بن محمد العنبري ثنا عثمان بن سعيد ثنا عبد الله بن صالح ثنا معاوية بن صالح عن أبي الزاهرية عن جبير بن نفير عن أبي ثعلبة الخشني - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "الجن ثلاثة أصناف، صنف لهم أجنحة يطيرون في الهواء، وصنف حيات وكلاب، وصنف يحلون ويظعنون".
هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. (المستدرك 2/456 - ك التفسير، وصححه الذهبي) .(4/335)
وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ (29) قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ (30) يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (31) وَمَنْ لَا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءُ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (32) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (33) وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (34)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن) قال: لقيهم بنخلة ليلتئذ.
قال الطبري: حدثنا ابن بشار، قال: ثنا يحيى، عن سفيان، عن عاصم، عن زر (فلما حضروه قالوا أنصتوا) قالوا: صه.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، في قوله (فلما حضروه قالوا أنصتوا) قد علم القوم أنهم لن يعقلوا حتى ينصتوا.
قال ابن كثير: وقوله (فلما قضي) أي: فرغ. كقوله: (فإذا قضيت الصلاة) ، (فقضاهن سبع سماوات في يومين) ، (فإذا قضيتم مناسككم) .
(ولوا إلى قومهم منذرين) أي: رجعوا إلى قومهم فأنذرهم ما سمعوه من رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، كقوله: (لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) .
قوله تعالى (قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة أنه قرأ (قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ) فقال: ما أسرع ما عقل القوم.
قوله تعالى (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)
انظر سورة ق آية (38) .
قوله تعالى (وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ)
انظر سورة الأنعام آية (27) وسورة الزمر آية (70) .(4/336)
فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلَاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ (35)
قوله تعالى (فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلَاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ)
قال ابن كثير: (ولا تستعجل لهم) أي: لا تستعجل لهم حلول العقوبة بهم كقوله تعالى (وذرني والمكذبين أولي النعمة ومهلهم قليلا) وكقوله (فمهل الكافرين أمهلهم رويدا) . (كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار) كقوله: (كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها) ، وكقوله: (ويوم يحشرهم كأن لم يلبثوا إلا ساعة من النهار يتعارفون بينهم، قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله وما كانوا مهتدين) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، في قوله (فهل يهلك إلا القوم الفاسقون) تعلموا ما يهلك على الله إلا هالك ولى الإسلام ظهره أو منافق صدق بلسانه وخالف بعمله.(4/337)
الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ (1) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ (2) ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ (3) فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ (4)
سورة محمد
قوله تعالى (الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ (1) وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآَمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ)
قال ابن كثير: يقول تعالى (الذين كفروا) أي: بآيات الله (وصدوا) غيرهم (عن سبيل الله أضل أعمالهم) أي: أبطلها وأذهبها ولم يجعل لها جزاء ولا ثوابا، كقوله تعالى: (وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا) .
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (وأصلح بالهم) قال: شأنهم.
قوله تعالى (فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (فإذا لقيتم الذين كفروا) إلى قوله (وإما فداء) كان المسلمون إذا لقوا الكفار قاتلوهم، فإذا أسروا منهم أسيرا، فليس لهم إلا أن يفادوه، أو يمنوا عليه، ثم يرسلوه، فنسخ ذلك بعد قوله (فإما تثقفنهم في الحرب فشرد بهم من خلفهم) أي عظ بهم من سواهم من الناس لعلهم يذكرون.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة عن الحسن، قال: لا تقتل الأسارى إلا في الحرب يهيب بهم العدو.
قوله تعالى (فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً)
انظر سورة الأنفال آية (67) رواية ابن عباس.
قوله تعالى (حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا) حتى لا يكون شرك.(4/338)
فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ (4) سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ (5) وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ (6) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (7) وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ (8) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ (9) أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا (10)
قوله تعالى (وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ولو يشاء الله لانتصر منهم) أي والله بجنده الكثيرة كل خلقه له جند، ولو سلط أضعف خلقه لكان جندا.
قوله تعالى (وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ) قال: الذين قتلوا يوم أحد.
قوله تعالى (وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (الجنة عرفها لهم) قال: أي منزلهم فيها.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، في قوله (ويدخلهم الجنة عرفها لهم) قال: يهتدي أهلها إلى بيوتهم ومسكنهم، وحيث قسم الله لهم لا يخطئون، كأنهم سكانها منذ خلقوا لا يستدلون عليها أحداً.
قوله تعالى (إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ) لأنه حق على الله أن يعطي من سأله، وينصر من نصره.
قوله تعالى (فَتَعْسًا لَهُمْ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، في قوله (فَتَعْسًا لَهُمْ) قال: هي عامة على الكفار.
قوله تعالى (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا)
انظر سورة يوسف آية (109) وسورة غافر آية (82) .
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، في قوله (وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا) قال: مثل ما دمرت به القرون الأولى وعيد من الله لهم.(4/339)
إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ (12) وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلَا نَاصِرَ لَهُمْ (13) أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ (14)
قوله تعالى (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آَمَنُوا)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، في قوله (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آَمَنُوا) قال: وليهم.
قوله تعالى (وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ…)
قال البخاري: حدثنا محمد بن بشار، حدثنا عبد الصمد، حدثنا شعبة، عن واقد بن محمد عن نافع قال: كان ابن عمر لا يأكل حتى يؤتى بمسكين يأكل معه، فأدخلتُ رجلاً يأكل معه، فأكل كثيراً. فقال: يا نافع، لا تدخل هذا عليّ، سمعت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "المؤمن يأكل في مِعىً واحد، والكافر يأكل في سبعة أمعاء".
(الصحيح 9/446 ح5393 - ك الأطعمة، ب المؤمن يأكل في معىً واحد..) ، (صحيح مسلم 3/1631 ح2061 - ك الأشربة، ب المؤمن يأكل في معى واحد والكافر يأكل سبعة أمعاء) .
قوله تعالى (وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ) قال: هي مكة.
قوله تعالى (أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ)
قال ابن كثير: قول (أفمن كان على بينة من ربه) أي: على بصيرة ويقين في أمر الله ودينه، بما أنزل الله في كتابه من الهدى والعلم، وبما جبله الله عليه من الفطرة المستقيمة (كمن زين له سوء عمله واتبعوا أهواءهم) أي: ليس هذا كهذا. كقوله: (أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى) ، وكقوله (لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة أصحاب الجنة هم الفائزون) .(4/340)
مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ (15) وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ (16)
قوله تعالى (مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آَسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ)
قال الترمذي: حدثنا محمد بن بشار، حدثنا يزيد بن هارون، أخبرنا الجريري، عن حكيم بن معاوية، عن أبيه، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إن في الجنة بحر الماء وبحر العسل وبحر اللبن وبحر الخمر، ثم تُشقّق الأنهار بعد".
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح. (السنن 4/699 - ح2571 - ك صفة الجنة، ب ما جاء في صفة أنهار الجنة) ، وأخرجه أحمد في (المسند 5/5) ، والدارمي في (السنن 2/337 - ك الرقائق، ب في أنهار الجنة) كلاهما عن يزيد بن هارون به، وصححه الألباني (صحيح الترمذي 2/319 ح2078، وصحيح الجامع رقم2122) وأخرجه ابن حبان في صحيحه (الإحسان 16/424 ح7409) من طريق خالد بن عبد الله الواسطي عن الجريري به. قال محققه: رجاله ثقات رجال مسلم غير حكيم ... وهو صدوق.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، في قوله: (فيها أنهار من ماء غير آسن) يقول: غير متغير.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة في قوله (فيها أنهار من ماء غير آسن) قال: من ماء غير منتن.
انظر حديث ابن عمر المتقدم في تفسر الآية (219) من سورة البقرة.
قال ابن كثير: وقوله (ولهم فيها من كل الثمرات) كقوله: (يدعون فيها بكل فاكهة آمنين) وقوله: (فيهما من كل فاكهة زوجان) .
قوله تعالى (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آَنِفًا)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ومنهم من يستمع إليك حتى إذا خرجوا من عندك) هؤلاء المنافقون، دخل رجلان: رجل ممن عقل الله وانتفع ورجل لم يعقل عن الله، فلم ينتفع بما سمع، كان يقال: الناس ثلاثة: فسامع عمل، وسامع غافل، وسامع ترك.(4/341)
وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ (16) وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ (17) فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ (18)
قوله تعالى (أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ)
انظر سورة البقرة آية (7) .
قوله تعالى (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآَتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ)
انظر سورة النساء آية (173) وسورة مريم آية (76) .
قوله تعالى (فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ)
قال ابن كثير: وقوله (فهل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة) أي: وهم غافلون عنها (فقد جاء أشراطها) أي: أمارات اقترابها، كقوله: (هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولَى (56) أَزِفَتِ الْآزِفَةُ) وكقوله (اقتربت الساعة وانشق القمر) .
قال البخاري: حدثنا سعيد بن أبي مريم، حدثنا أبو غسان حدثنا أبو حازم، عن سهل قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "بُعثتُ أنا والساعة كهاتين". ويشير بإصبعيه فيمدهما.
(الصحيح 11/355 ح6503 - ك الرقاق، ب قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الحديث) و (صحيح مسلم ح2950 - ك الفتن، ب قرب الساعة) .
أخرج الشيخان بسنديهما عن أنس مرفوعاً: "إن من أشراط الساعة أن يرفع العلم ويكثر الجهل ويكثر الزنا ويكثر شرب الخمر ويقل الرجال ويكثر النساء حتى يكون لخمسين القيم الواحد".
(الصحيح ح5577، 6808 - النكاح - ب يقل الرجال ويكثر النساء) ، (وصحيح مسلم 4/2056 ح2671 - العلم، ب رفع العلم) .
وأخرج البخاري بسنده عن عبد الله بن سلام مرفوعاً ... " أما أول أشراط الساعة فنار تحشرهم من المشرق إلى المغرب ... ".
(الصحيح - ح3938) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (فهل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة) قد دنت الساعة ودنا الله فراغ العباد.(4/342)
فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ (18) فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ (19)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (فأنى لهم إذا جاءتهم ذكراهم) يقول: إذا جاءتهم الساعة أنى لهم يتذكروا ويعرفوا ويعقلوا؟
قوله تعالى (…وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ)
قال مسلم: حدثنا أبو كامل، حدثنا حماد -يعني ابن زيد- ح وحدثني سويد بن سعيد، حدثنا علي بن مسهر، كلاهما عن عاصم الأحول. ح وحدثني حامد بن عمر البكراوي -واللفظ له- حدثنا عبد الواحد -يعني ابن زياد- حدثنا عاصم، عن عبد الله بن سرجس قال: أتيت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأكلت معه خبزاً ولحماً -أو قال: ثريداً- قال: فقلت له: أستغْفَرَ لك النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ قال: نعم، ولك. تم تلا هذه الآية: (واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات) قال: ثم درت خلفه فنظرت إلى خاتم النبوة بين كتفيه. عند ناغض كتفه اليسرى، جمعاً عليه خيلان كأمثال الثآليل.
(الصحيح 4/1824 ح2346 - ك الفضائل، ب إثبات خاتم النبوة وصفته، ومحله من جسده - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) .
قال الترمذي: حدثنا عبد بن حميد، حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن الزهري، عن أبي سلمة عن أبي هريرة - رضي الله عنه - (واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات) فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إني لأستغفر الله في اليوم سبعين مرة".
قال. هذا حديث حسن صحيح. (السنن 5/383 ح3259 - ك التفسير) ، وصححه الألباني في (صحيح سنن الترمذي) . وصححه الحاكم في (المستدرك من حديث حذيفة 2/457 ك التفسير، وأقره الذهبي بلفظ (مائة) من حديث حذيفة.
قوله تعالى (وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ)
قال ابن كثير: وقوله (وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ) أي: يعلم تصرفكم في نهاركم ومستقركم في ليلكم، كقوله: (وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار) .(4/343)
وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلَا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلَى لَهُمْ (20) طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ (21)
قوله تعالى (وَيَقُولُ الَّذِينَ آَمَنُوا لَوْلَا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلَى لَهُمْ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (ويقول الذين آمنوا لولا نزلت سورة فإذا أنزلت سورة محكمة وذكر فيها القتال) قال: كل سورة ذكر فيها الجهاد محكمة، وهي أشد القرآن على النافقين.
قال ابن كثير: يقول تعالى مخبراً عن المؤمنين أنهم تمنوا شرعية الجهاد، فلما
فرضه الله -عز وجل- وأمر به نكل عنه كثير من الناس، كقوله تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآَخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (فَأَوْلَى لَهُمْ) قال: وعيد كما تسمعون.
قوله تعالى (طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (طاعة وقول معروف) قال: أمر الله بذلك المنافقين.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (فإذا عزم الأمر) قال: إن جد الأمر.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فإذا عزم الأمر) يقول: طواعية الله ورسوله، وقول معروف عند حقائق الأمور خير لهم.(4/344)
فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22)
قوله تعالى (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ) قال البخاري: حدثنا خالد بن مخلد، حدثنا سليمان قال، حدثني معاوية بن أبي مُزرد، عن سعيد بن يسار، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "خلق الله الخلق، فلما فرغ منه قامت الرحم فأخذت بحقو الرحمن، فقال له: مَهْ، قالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة. قال: ألا ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك؟ قالت: بلى يا رب، قال: فذاك"، قال أبو هريرة: اقرءوا إن شئتم (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ) .
(الصحيح 8/443 ح4830 - ك التفسير - سورة محمد، ب (وتقطعوا أرحامكم)) .
(صحيح مسلم 4/1980 ح2554 نحوه - ك البر والصلة والآداب، ب صلة الرحم وتحريم قطيعتها) .
قال الترمذي: حدثنا ابن أبي عمر وسعيد بن عبد الرحمن قالا: حدثنا سفيان ابن عيينة، عن الزهري، عن أبي سلمة قال: اشتكى أبو الرداد الليثي فعاده عبد الرحمن بن عوف فقال: خيرهم وأوصلهم ما علمت أبا محمد، فقال عبد الرحمن: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "قال الله: أنا الله وأنا الرحمن، خلقت الرحم وشققت لها من اسمي، فمن وصلها وصلته، ومن قطعها بتته".
(السنن 4/315 ح1907 - ك البر والصلة، ب ما جاء في قطيعة الرحم) وقال: حديث صحيح.
وأخرجه أبو داود (2/133 ح1694 - ك الزكاة، ب في صلة الرحم) من طريق مسدد وأبي بكر بن أبي شيبة عن سفيان به. وأخرجه ابن حبان في صحيحه (الإحسان 2/186 ح443) من طريق عبد الله. والحاكم في (المستدرك 4/157 - ك البر والصلة) من طريق عبد الرزاق كلاهما عن معمر عن الزهري به. قال الحاكم بعد أن ذكر جملة من الأحاديث: وهذه الأحاديث كلها صحيحة. وأخرجه الضياء المقدسي في (المختارة 3/91-97 ح894-898) من طرق عن الزهري به. وفي سنده أبو سلمة بن عبد الرحمن لم يسمع من أبيه شيئا، وله شاهد رواه الإمام أحمد من طريق أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعاً (المسند 2/498، قال الألباني، وهذا إسناد جيد.. (السلسلة الصحيحة ح520) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (فهل عسيتم إن توليتم) الآية.
يقول: فهل عسيتم كيف رأيتم القوم حين تولوا عن كتاب الله، ألم يسفكوا الدم الحرام، وقطعوا الأرحام، وعصوا الرحمن.(4/345)
أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (24) إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ (25) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ (26) فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ (27) ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ (28)
قوله تعالى (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) إذا والله يجدون في القرآن زاجرا عن معصية الله، لو تدبره القوم فعقلوه، ولكنهم أخذوا بالمتشابه فهلكوا عند ذلك.
قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى) هم أعداء الله أهل الكتاب، يعرفون بعث محمد نبي الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأصحابه عندهم، ثم يكفرون به.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (سول لهم) يقول: زين لهم.
قوله تعالى (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ) فهؤلاء المنافقون (والله يعلم إسرارهم) يقول تعالى ذكره: والله يعلم أسرارهم هذين الحزبين المتظاهرين من أهل النفاق، على خلف أمر الله وأمر رسوله، إذ يتسارون فيما بينهم بالكفر بالله ومعصية الرسول، ولا يخفى عليه ذلك ولا غيره من الأمور كلها.
قوله تعالى (فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ (27) ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ)
قال ابن كثير: أي: كيف حالهم إذا جاءتهم الملائكة لقبض أرواحهم وتعصت الأرواح في أجسادهم، واستخرجتها الملائكة بالعنف والقهر والضرب، كما قال (ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم) الآية، وقال (وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ) أي:(4/346)
فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ (27) ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ (28) أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ (29) وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ (30) وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ (31) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ (32) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ (33) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ مَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ (34) فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ (35)
بالضرب (أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ) ولهذا قال هاهنا: (ذلك بأنهم اتبعوا ما أسخط الله وكرهوا رضوانه فأحبط أعمالهم) .
قوله تعالى (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ) انظر سورة البقرة آية (10) لبيان في قلوبهم مرض أي: شك.
قوله تعالى (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: (ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين) وقوله (ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع) ونحو هذا قال: أخبر الله سبحانه المؤمنين أن الدنيا دار بلاء، وأنه مبتليهم فيها، وأمرهم بالصبر، وبشرهم فقال: (وبشر الصابرين) ، ثم أخبرهم أنه هكذا فعل بأنبيائه وصفوته لتطيب أنفسهم، فقال: (مستهم البأساء والضراء وزلزلوا) ، فالبأساء: الفقر، الضراء: السقم، وزلزلوا بالفتن وأذى الناس إياهم.
قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ) ... والآية، من استطاع منكم إن لا يبطل عملا صالحا عمله بعمل سيئ فليفعل، ولا قوة إلا بالله، فإن الخير ينسخ الشر، والشر ينسخ الخير، وإن ملك الأعمال خواتيمها.
قوله تعالى (فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ)
انظر سورة البقرة آية (208) لبيان السلم، وانظر سورة آل عمران آية (139) .
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (فلا تهنوا) قال: لا تضعفوا.(4/347)
إِنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلَا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ (36) إِنْ يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ (37) هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ (38)
قوله تعالى (إِنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلَا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ)
انظر تفسير سورة الأعراف آية (200) .
قوله تعالى (وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ) انظر سورة آل عمران آية (180) وسورة النساء آية (37) .
قوله تعالى (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (يستبدل قوماً غيركم) من شاء.
وانظر سورة التوبة آية (39) .(4/348)
إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا (1)
سورة الفتح
قوله تعالى (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا)
قال البخاري: حدثنا عبد الله بن مَسلمة عن مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يسير في بعض أسفاره وعمر بن الخطاب يسير معه ليلاً فسأله عمر بن الخطاب عن شيء فلم يجبه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثم سأله فلم يُجبه ثم سأله فلم يجبه: فقال عمر بن الخطاب: ثكلت أم عمر، نزَرْتَ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثلاث مراتٍ كل ذلك لا يجيبك، قال عمر: فحرّكت بعري ثم تقدت أمام الناس وخشيتُ أن ينزل فيَّ القرآن فما نشبتُ أن سمعت صارخاً يصرخ بي. فقلت لقد خشيت أن يكون نزل في قرآن، فجئت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فسلّمت عليه، فقال: "لقد أنزلت علىّ الليلة سورة لهي أحب إلي مما طلعت عليه الشمس. ثم قرأ: (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا) .
(صحيح البخاري 8/446- ك التفسير - سورة الفتح، ب (الآية) ح4833) .
قال البخاري: حدثنا محمد بن بشار حدثنا غندر حدثنا شعبة قال سمعت قتادة عن أنس - رضي الله عنه -: (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا) قال: الحديبية.
(صحيح البخاري 8/447 - ك التفسير - سورة الفتح، ب (الآية) ح4834) ، وأخرجه بنحوه بسنده عن البراء (صحيح البخاري - المغازي - غزوة الحديبية ح4150) .
قال مسلم: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة. حدثنا عبد الله بن نمير. ح وحدثنا ابن نمير (وتقاربا في اللفظ) . حدثنا أبي. حدثنا عبد العزيز بن سياه. حدثنا بن أبي ثابت عن أبي وائل. قال: قام سهل بن حنيف يوم صفين فقال: يا أيها الناس! اتّهموا أنفسكم. لقد كنا مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم الحديبية ولو نرى قتالاً لقاتلنا. وذلك في الصلح الذي كان بين رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وبين المشركين. فجاء عمر بن الخطاب. فأتى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: يا رسول الله! ألسنا على حق وهم على باطل؟ قال: "بلى" قال: أليس قتلانا في الجنة(4/349)
وقتلاهم في النار؟ قال: "بلى" قال: ففيم نُعطي الدنيّة في ديننا، ونرجع ولما يحكم الله بيننا وبينهم؟ فقال "يا ابن الخطاب! إني رسول الله. ولن يضيّعني الله أبداً". قال: فانطلق عمر فلم يصبر متغيظا. فأتى أبا بكر فقال: يا أبا بكر! ألسنا على حق وهم على باطل؟ قال: بلى. قال: أليس قتلانا في الجنة وقتالاهم في النار؟ قال: بلى. قال: فعلامَ نعطي الدنيّة في ديننا، ونرجع ولما يحكم الله بيننا وبينهم؟ فقال: يا ابن الخطاب! إنه رسول الله ولن يضيعه الله أبداً. قال: فنزل القرآن على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالمفتح. فأرسل إلى عمر فأقرأه إياه. فقال: يا رسول الله! أوفتح هو؟ قال: "نعم" فطابت نفسه ورجع.
(صحيح مسلم 3/1411-1412 - ك الجهاد والسير، ب صلح الحديبية في الحديبية ح1785) ، (صحيح البخاري 8/451 ح4844 - التفسير - سورة الفتح، الآية) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (إنا فتحنا لك فتحا مبينا) والفتح: القضاء.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، في قول الله (إنا فتحنا لك فتحا مبينا) قال: نحره بالحديبية وحلقه.
قال البخاري: حدثنا أحمد بن سريج، أخبرنا شبابة، حدثنا شعبة، عن معاوية بن قرة المزني، عن عبد الله المُغَفل المزني قال: رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم الفتح على ناقة له يقرأ سورة الفتح -أو من سورة الفتح- قال فرجّعَ فيها.
قال: ثم قرأ معاوية يحكي قراءة ابن مُغَفل. وقال: لولا أن يجتمع الناس عليكم لرجعّت كما رجع ابن مُغَفل يحكي النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقلت لمعاوية كيف كان ترجيعه؟ قال: أأأ ثلاث مرات.
(الصحيح - ك التوحيد، ب ذكر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وروايته عن ربه ح7540) ، قال ابن حجر: فرجّع فيها صوته أي ردد صوته بالقراءة (الفتح 8/584) .(4/350)
لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (2) وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا (3) هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (4) لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ فَوْزًا عَظِيمًا (5)
قوله تعالى (لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (2) وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا (3) هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (4) لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ فَوْزًا عَظِيمًا)
انظر سورة الفاتحة لبيان الصراط المستقيم: الإسلام.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، في قوله: (هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين) قال: السكينة: الرحمة (ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم) قال: إن الله جل ثناؤه بعث نبيه محمداً - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بشهادة أن لا إله إلا الله، فلما صدقوا بها زادهم الصلاة فلما صدقوا بها زادهم الصيام، فلما صدقوا لها زادهم الزكاة، فلما صدقوا بها زادهم الحج، ثم أكمل دينهم، فقال (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتى) قال ابن عباس: فأوثق إيمان أهل الأرض وأهل السماوات وأصدقه وأكمله شهادة أن لا إله إلا الله.
قال مسلم: وحدثا نصر بن علي الجهضمي. حدثنا خالد بن الحارث. حدثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة. أن أنس بن مالك حدثهم قال: لما نزلت: (إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله) . إلى قوله: (فوزاً عظيماً) مرجعه من الحديبية وهم يخالطهم الحزن والكآبة. وقد غير الهدى بالحديبية. ففال "لقد أُنزلت عليّ آية هي أحب إليّ من الدنيا جميعا".
(صحيح مسلم 13/1413 - ك الجهاد والسير، ب صلح الحديبية في الحديبية ح1786) .
قال البخاري: حدثني أحمد بن إسحاق حدثنا عثمان بن عمر أخبرنا شعبة عن قتادة عن أنس أبن مالك - رضي الله عنه - (إنا فتحنا لك فتحا مبينا) قال: الحديبية. قال أصحابه: هنيئا مريئا، فما لنا؟ فأنزل الله (ليدخل الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجرى من تحتها الأنهار) . قال شعبة فقدمت الكوفة فحدثت بهذا كله عن قتادة، ثم رجعت فذكرت له، فقال لي: أما (إنا فتحنا لك) فعن أنس، وأما "هنيئا مريئا" فعن عكرمة.
(صحيح البخاري - المغازي، ب غزوة الحديبية ح4172) .(4/351)
لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ فَوْزًا عَظِيمًا (5) وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (6) وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (7) إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (8)
قال البخاري: حدثنا صدقة بن الفضل، أخبرنا ابن عيينة، حدثنا زياد أنه سمع المغيرة يقول: قام النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حتى تورمت قدماه، فقيل له: غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، قال: "أفلا أكون عبدا شكوراً".
(صحيح البخاري 8/448 - ك التفسير - سورة الفتح، ب (الآية) ح4836) ، (صحيح مسلم 4/1712 ح2819 و2820 - ك صفات المنافقين وأحكامهم، ب إكثار الأعمال والاجتهاد في العبادة) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار) ... إلى قوله (ويكفر عنهم سيئاتهم) فأعلم الله سبحانه نبيه عليه الصلاة والسلام.
قال ابن كثير: (وكان ذلك عند الله فوزا عظيما) كقوله (فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور) .
قوله تعالى (وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا)
قال ابن كثير: وقوله تعالى (وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ) أي: يتهمون الله تعالى في حكمه ويظنون بالرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأصحابه رضي الله عنهم أن يقتلوا ويذهبوا بالكلية، ولهذا قال تعالى (عليهم دائرة السوء وغضب الله عليهم ولعنهم) أي: أبعدهم من رحمته (وأعد لهم جهنم وساءت مصيراً) .
قوله تعالى (وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا) انظر سورة المدثر آية (31) .
قوله تعالى (إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا) يقول: شاهدا على أمته أن قد بلغهم ومبشرا بالجنة لمن أطاع الله، ونذيرا من النار.
انظر حديث البخاري عن عبد الله بن عمرو بن العاص في سورة البقرة آية (119) .(4/352)
لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (9) إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (10)
قوله تعالى (لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وتعزروه) : ينصروه (وتوقروه) أمر الله بتسويده وتفخيمه.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وتسبحوه بكرة وأصيلا) في بعض القراءة (ويسبحون الله بكرة وأصيلا) .
وهذه القراءة تفسيرية لبيان عود الضمير إلى الله عز وجل.
قال تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا)
قال مسلم: حدئنا قتيبة بن سعيد، حدثنا ليث بن سعد، ح وحدثنا محمد بن رمح، أخبرنا الليث عن أبي الزبير، عن جابر قال: كنا يوم الحديبية ألفاً وأربعمائة فبايعناه وعمر آخذ بيده تحت الشجرة وهي سمرة. وقال: بايعناه على أن لا نفر ولم نبايعه على الموت.
(الصحيح 3/1483 ح1856 - ك الإمارة، ب استحباب مبايعة الإمام الجيش) ، وأخرج البخاري بسنده عن سلمة بن الأكوع أنهم بايعوا على الموت. (الصحيح - الجهاد، البيعة في الحرب ح2960) . والجمع بين الحديثين أن البعض بايع على الموت كما حصل لسلمة بن الأكوع - رضي الله عنه -.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (إن الذين يبايعونك) قال: الحديبية.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ) وهم الذين بايعوا يوم الحديبية.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فسيؤتيه أجرا عظيما) وهى الجنة.
قال ابن كثير: ثم قال تعالى لرسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تشريفا له وتعظيماً وتكريماً (إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله) كقوله (من يطع الرسول فقد أطاع الله) (يد الله فوق أيديهم) أي: هو حاضر معهم يسمع أقوالهم ويرى مكانهم،(4/353)
ويعلم ضمائرهم وظواهرهم، فهو تعالى هو المبايع بواسطة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كقوله
(إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) .
قوله تعالى (سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا بَلْ كَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (11) بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْمًا بُورًا)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، في قوله (سيقول لك المخلفون من الأعراب شغلتنا أموالنا وأهلونا) قال أعراب المدينة: جهينة ومزينة استتبعهم لخروجه إلى مكة، قالوا: نذهب معه إلى قوم قد جاءوه، فقتلوا أصحابه فنقاتلهم، فاعتلوا بالشغل.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (سيقول لك المخلفون من الأعراب) ... إلى قوله (وكنتم قوم بورا) قال: ظنوا بنبي الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأصحابه أنهم لن يرجعوا من وجههم ذلك، وأنهم سيهلكون، فذلك الذي خلفهم عن نبي الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -".
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (وكنتم قوم بورا) قال: فاسدين.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (وكنتم قوماً بورا) قال: هالكين.
قوله تعالى (سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا بَلْ كَانُوا لَا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلًا)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قال: رجع يعني رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن مكة، فوعده الله مغانم كثيرة، فعجلت له خيبر، لقال المخلفون (ذرونا نتبعكم يريدون أن يبدلوا كلام الله) وهي المغانم ليأخذوها، التي قال الله جل ثناؤه (إذا انطلقتم إلى مغانم لتأخذوها) وعرض عليهم قتال قوم أولى بأس شديد.(4/354)
سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا بَلْ كَانُوا لَا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلًا (15) قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْرًا حَسَنًا وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَمَا تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (16) لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَنْ يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَابًا أَلِيمًا (17) لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا (18)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (كذلكم قال الله من قبل) أي: إنما جعلت الغنيمة لأهل الجهاد، وإنما كانت غنيمة خيبر لمن شهد الحديبية ليس لغيرهم فيها نصيب.
قوله تعالى (قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (أولى بأس شديد) قال: هم فارس.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد) قال: قال الحسن: دعوا إلى فارس الروم.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (قل للمخلفين من الأعراب ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد) فدعوا يوم حنين إلى هوازن وثقيف فمنهم من أحسن الإجابة ورغب في الجهاد.
قوله تعالى (لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ)
أخرج الطبري بسنده الحس عن قتادة، قال: ثم عذر الله أهل العذر من الناس،
فقال: (ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج) .
قوله تعالى (لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا)
قال مسلم: حدثنا سعيد بن عمرو الأشعثي وسويد بن سعيد وإسحاق بن إبراهيم وأحمد بن عبدة (واللفظ لسعيد) (قال سعيد وإسحاق: أخبرنا. وقال الآخرون: حدثنا سفيان) عن عمرو، عن جابر. قال: كنا يوم الحديبية ألفا وأربعمائة. فقال لنا النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أنتم اليوم خير أهل الأرض". وقال جابر: لو كنت أبصر لأريتكم موضع الشجرة.
(صحيح مسلم - الإمارة، ب استحباب مبايعة الإمام الجيش 3/1484 ح71) ، وأخرجه البخاري مختصراً (صحيح البخاري 8/451 - ك التفسير - سورة الفتح، ب (الآية) ح4840) .(4/355)
وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (19) وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (20) وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا (21)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم) أي: الصبر والوقار.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وأثابهم فتحا قريبا) وهى: خيبر.
قوله تعالى (وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (19) وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ وَلِتَكُونَ آَيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها) قال: المغانم الكثيرة التي وعدوا: ما يأخذونه إلى اليوم.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (فعجل لكم هذه) قال: عجل لكم خيبر.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وكفّ أيدي الناس عنكم) عن بيوتهم، وعن عيالهم بالمدينة حين ساروا إلى الحديبية وإلى خيبر، وكانت خيبر في ذلك الوجه.
قوله تعالى (وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا) قال حدث عن الحسن، قال: هي فارس والروم.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (وأخرى لم تقدروا عليها) ما فتحوا حتى اليوم.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وأخرى لم تقدروا عليها قد أحاط الله بها) كنا نحدث أنها مكة.
قال أبو داود الطاليسي: حدثنا شعبة عن سماك الحنفي عن ابن عباس رضي الله عنهما (وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا) قال: هذه الفتوح التي تفتح إلى اليوم.
(انظر تفسير ابن كثير 4/191-192) وسنده رجاله ثقات إلا سماك الحنفي لا بأس به، فالإسناد حسن) ، وأخرجه البيهقي من طريق شعبة به بلفظ: هو ما أصبتم بعده (دلائل النبوة 4/163) .(4/356)
وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (22) سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا (23) وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا (24)
قوله تعالى (وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبَارَ) يعني: كفار قريش، قال الله (ثُمَّ لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا) ينصرهم من الله.
قوله تعالى (سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا)
انظر سورة الأحزاب آية (62) ، وسورة فاطر آية (43) .
قوله تعالى (وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا)
قال مسلم: حدثني عمرو بن محمد الناقد. حدثنا يزيد بن هارون. أخبرنا حماد بن سلمة عن ثابت، عن أنس بن مالك، أن ثمانين رجلاً من أهل مكة هبطوا على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من جبل التنعيم. متسلّحين يريدون غرّة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأصحابه فأخذهم سِلماً. فاستحياهم. فأنزل الله عز وجل: (وهو الذي كفّ أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم) .
(صحيح مسلم 3/1442 - ك الجهاد والسير، ب قول الله تعالى (الآية) ح1808) .
قال النسائي: أنا محمد بن عقيل، أنا علي بن الحسين، حدثني أبي عن ثابت، قال: حدثني عبد الله بن مغفل المزني، قال: كنا مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالحديبية في أصل الشجرة التي قال الله، وكأني بغصن من أغصان تلك الشجرة على ظهر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فرفعته عن ظهره، وعلي بن أبي طالب وسهل بن عمرو بين يديه، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "اكتب بسم الله الرحمن الرحيم" فأخذ سهيل يده فقال: ما نعرف الرحمن الرحيم، اكتب في قضيتنا ما نعرف، فقال: "اكتب باسمك اللهم، هذا ما صالح عليه محمد رسول الله أهل مكة"، فأمسك بيده فقال: لقد ظلمناك إن كنت رسولاً، اكتب في قضيتنا ما نعرف، فقال: "أكتب: هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله بن عبد المطلب، وأنا رسول الله، قال: فكتب، فبينما نحن(4/357)
وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا (24) هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (25)
كذلك. إذ خرج علينا ثلاثون شاباً عليهم السلاح، فثاروا في وجوهنا، فدعا عليهم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأخذ الله بأبصارهم، فقمنا إليهم فأخذناهم، فقال لهم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "هل جئتم في عهد أحد، أو هل جعل لكم أحداً أماناً"، فقالوا: لا، فخلى سبيلهم، فأنزل الله عز وجل (وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم) إلى قوله (بصيراً) .
(التفسير 2/312-314 ح531) ، وأخرجه أحمد (المسند 4/86-87) ، والحاكم (المستدرك 2/460-461) من طريق الحسين بن واقد من ثابت به. قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي. وقال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح (مجمع الزوائد 6/145) ، وقال ابن حجر: أخرجه أحمد والنسائي من حديث عبد الله بن مغفل بسند صحيح (الفتح 5/315) ، والحديث أخرجه مسلم من حديث ثابت عن أنس (الصحيح 3/1411 ح1784) بنحوه مختصراً.
قوله تعالى (هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا)
قال البخاري: حدثني عبد الله بن محمد، حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر قال، أخبرني الزهري قال، أخبرني عروة بن الزبير عن المسور بن مخرمة ومروان -يصدق كل واحد منهما حديث صاحبه - قالا: خرج رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زمن الحديبية حتى إذا كانوا ببعض الطريق ... فذكر الحديث بطوله، وفيه: أن قريشاً أرسلت إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيما أرسلت رجلاً من كنانة، فلما أُشرف على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأصحابه رضي الله عنهم: قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: هذا فلان، وهو من قوم يعظمون البدن فابعثوها له، فبعثت له واستقبله الناس يلبون، فلما رأى ذلك قال: سبحان الله ما ينبغي لهؤلاء أن يصدوا عن البيت، فلما رجع إليهم قال: رأيت البدن قد قلدت وأشعرت، فما أرى أن يصدوا عن البيت.
(الصحيح 5/388-392 ح7231، 7232 - ك الشروط، ب الشروط في الجهاد) . وأخرجه الإمام أحمد (المسند 4/323-326) بطوله، وفيه تسمية الرجل الكناني: الحلس بن علقمة، وأنه قال لما رجع إلى قريش: "يا معشر قريش قد رأيت ما لا يحل صده، الهدي في قلائد قد أكل أوتاره من طول الحبس عن محله".(4/358)
هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (25) إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (26)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام والهدي معكوفا) أي: محبوساً.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات) ... حتى بلغ (بغير علم) هذا حين أراد محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأصحابه أن يدخلوا مكة، فكان بها رجال مؤمنون ونساء مؤمنات، فكره الله أن يؤذوا أو يوطئوا بغير علم، فتصيبكم منهم معرة بغير علم، والمعرة أي: الإثم.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (لو تزيلوا) ... الآية، إن الله يدفع بالمؤمنين عن الكفار.
قوله تعالى (إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا)
قال البخاري: حدثني عبد الله بن محمد، حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر قال: أخبرني الزهري، قال: أخبرني عروة بن الزبير، عن المسور بن مخرمة ومروان -يصدق كل واحد سهما حديث صاحبه- قالا: خرج رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زمن الحديبية حتى إذا كانوا ببعض الطريق ... فذكر الحديث بطوله وفي آخره: فأرسل قريش إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تناشده الله والرحمن لما أرسل فمن أتاه فهو آمن فأرسل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إليهم، فأنزل الله تعالى (وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم) حتى بلغ (الحمية حمية الجاهلية) وكانت حميتهم أنهم لم يقروا أنه نبي الله، ولم يقروا ببسم الله الرحمن الرحيم، وحالوا بينهم وبين البيت.
(الصحيح 5/327-233 ح2731-2732 - ك الشروط، ب الشروط في الجهاد) .
انظر حديث البخاري عن البراء بن عازب - رضي الله عنه - المتقدم عند الآية (40) من سورة التوبة، وهو حديث: "تلك السكينة تنزلت بالقرآن".(4/359)
إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (26)
قال أحمد: حدثنا عبد الوهاب الخفاف، حدثنا سعيد، عن قتادة، عن مسلم ابن يسار، عن حمران بن أبان أن عثمان بن عفان قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: إني لأعلم كلمة لا يقولها عبد حقا من قلبه إلا حرم على النار، فقال له عمر بن الخطاب: أنا أحدثك ما هي. هي كلمة الإخلاص التي أعز الله تبارك وتعالى بها محمداً - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأصحابه، وهي كلمة التقوى التي ألاص عليها نبي الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عمه أبا طالب عند الموت: شهادة أن لا إله إلا الله.
(المسند 1/353 ح447) بتحقيق أحمد شاكر، وورد هكذا في المطبوع بلفظ: "اعز الله".
والوجود في أطراف المسند (5/52) : "التي ألزمها الله محمداً وأصحابه ... ". وكذا هو في (مجمع الزوائد 1/15) ، و (الدر المنثور 6/80) ، وأخرج هذا الحديث أيضاً ابن حبان في صحيحه (الإحسان 1/434 رقم204) ، والحاكم في المستدرك (1/72) وغيرهما من عبد الوهاب بن عطاء الخفاف بإسناده مختصراً، وليس عندهم: "هي كلمه الإخلاص ... " إلى قوله "عند الموت" وقال الحاكم: حديث صحيح على شرط الشيخين، وأقره الذهبي. ومسلم بن يسار البصري -وإن كان ثقة- ليس له رواية في الصحيحين، وعبد الوهاب ليس له رواية عند البخاري. وقال ابن كثير في مسند الفاروق (1/227) : وهذا إسناد جيد. وقال الهيثمي في (المجمع 1/15) : لعمر حديث رواه ابن ماجة بغير هذا السياق، ورجاله ثقاة، رواه أحمد. وقال أحمد شاكر: إسناده صحيح، وقال محققو مسند أحمد: إسناده قوي (1/99، ح447) ومعنى ألاص عليها: أي أداره وحثه عليها.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (وألزمهم كلمة التقوى) يقول: شهادة أن لا إله إلا الله، فهي كلمة التقوى، يقول: فهي رأس التقوى.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (وألزمهم كلمة التقوى) قال: الإخلاص.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وكانوا أحق بها وأهلها) وكان المسلمون أحق بها، وكانوا أهلها: أي التوحيد، وشهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله.(4/360)
لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا (27)
قوله تعالى (لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آَمِنِينَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (لقد صدق الله ورسوله الرؤيا بالحق)
قال: رأى رسول الله محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه يطوف بالبيت وأصحابه، فصدق الله رؤياه، فقال (لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين) ... حتى بلغ (لا تخافون) .
قوله تعالى (مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا)
قال البخاري: حدثنا عبد الله بن يوسف، أخبرنا مالك عن نافع عن عبد الله ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "اللهم ارحم المحلقين"، قالوا: والمقصرين يا رسول الله. قال: "اللهم ارحم المحلقين"، قالوا: والمقصرين يا رسول الله. قال: "والمقصرين". وقال الليث: حدثني نافع "رحم الله المحلقين" -مرة أو مرتين-. قال: وقال عبيد الله: حدثني نافع "وقال في الرابعة: والمقصرين".
(صحيح البخاري 3/656 ح1727 - ك الحج، ب الحلق والتقصير عند الإحلال) ، (صحيح مسلم 2/945 - ك الحج، ب تفضيل الحلق على التقصير وجواز التقصير) .
قال البخاري: حدثنا أبو عاصم، عن ابن جريج، عن الحسن بن مسلم، عن طاووس، عن ابن عباس، عن معاوية - رضي الله عنه - قال: "قصرت عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بمشقص".
(الصحيح 3/656 ح1730 - ك الحج، ب الحلق والتقصير عند الإحلال) ، وأخرجه مسلم (الصحيح 2/913 ح1246) وفيه زيادة: عند المروة. فيه قول ابن عباس: فقلت له: لا أعلم هذا إلا حجة عليك. والمشقص هو: سهم فيه نصل عريض.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (من دون ذلك فتحا قريبا) قال: النحر بالحديبية، ورجعوا ففتحوا خيبر، ثم اعتمر بعد ذلك، فكان تصديق رؤياه في السنة المقبلة.(4/361)
مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (29)
قوله تعالى (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآَزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا)
قال البخاري: حدثنا خلاّد بن يحيى قال، حدثنا سفيان عن أبي بردة بن عبد الله بن أبي بردة عن جده عن أبي موسى عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إن المؤمن للمؤمن كالبنيان يشدُّ بعضه بعضاً" وشبك أصابعه.
(صحيح البخاري 1/674 - ك الصلاة، ب تشبيك الأصابع في المسجد وغيره ح481) ، وأخرجه مسلم (الصحيح - البر والصلة، ب تراحم المؤمنين 4/1999 ح2585) .
قال ابن كثير: (والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم) كما قال تعالى (فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين) وهذه صفة المؤمنين أن يكون أحدهم شديداً عنيفا على الكافر، رحيما برا بالأخيار، غضوبا عبوسا في وجه الكافر، ضحوكا بشوشا في وجه أخيه المؤمن كما قال تعالى (يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (رحماء بينهم) ألقى الله في قلوبهم الرحمة بعضهم لبعض (تراهم ركعا سجدا) يقول تراهم ركعا أحيانا لله في صلاتهم سجدا أحيانا (يبتغون فضلا من الله) يقول: يلتمسون بركوعهم وسجودهم وشدتهم على الكفار ورحمة بعضهم بعضاً فضلاً من الله، وذلك رحمتهم إياهم، بأن يتفضل عليهم، فيدخلهم جنته (ورضوانا) يقول: وأن يرضى عنهم ربهم.(4/362)
قال ابن كثير: وقوله (تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلاً الله ورضوانا) وصفهم بكثرة العمل وكثرة الصلاة، وهي خير الأعمال، ووصفهم بالإخلاص فيها لله -عز وجل- والاحتساب عند الله جزيل الثواب، وهو الجنة المشتملة على فضل الله، وهو سعة الرزق عليهم، ورضاه تعالى عنهم وهو أكبر من الأول، كما قال تعالى (ورضوان من الله أكبر) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: (سيماهم في وجوههم) قال: السمت الحسن.
أخرج الطبري بأسانيد يقوي بعضها بعضاً عن مجاهد (سيماهم في وجوههم من أثر السجود) قال: الخشوع.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (سيماهم في وجوههم من أثر السجود) يقول: علامتهم أو أعلمتهم الصلاة.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (محمد رسول الله والذين معه) أصحابه مثلهم يعني مكتوبا في التوراة والإنجيل قبل أن يخلق السماوات والأرض.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه) قال: هذا مثل أصحاب محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الإنجيل، قيل لهم: إنه سيخرج قوم ينبتون نبات الزرع، منهم قوم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله (كزرع أخرج شطأه) قال: ما يخرج يجنب الحقلة فيتم وينمي.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله (فآزره) قال: فشده وأعانه.(4/363)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (1) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (2)
سورة الحجرات
قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)
قال البخاري: حدثنا الحسن بن محمد، حدثنا حجّاج عن ابن جريج قال: أخبرني ابن أبي مليكة أنّ عبد الله بن الزبير أخبرهم: أنه قدِم ركبٌ من بني تميم على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال أبو بكر: أمِّرِ القعقاع بن مَعبد، وقال عُمر بل أمّر الأقرع بن حابس. فقال أبو بكر: ما أردت إلى -أو إلا- خلافي، فقال عمر: ما أردتُ خلافك، فتماريا حتى ارتفعت أصواتهما، فنزل في ذلك: (يا أيها الذين آمنوا لا تقدّموا بين يدي الله ورسوله) حتى انقضت الآية.
(صحيح البخاري 8/457 - ك التفسير - سورة الحجرات، ب (الآية) ح4847) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (لا تقدموا بين يدي الله ورسوله) يقول: لا تقولوا خلاف الكتاب والسنة.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، في قوله (يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله) قال. لا تفتاتوا على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بشيء حتى يقضيه الله على لسانه.
قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ... ) قال البخاري: حدثنا يَسَرَة بن صفوان بن جميل اللخمي، حدثنا نافع بن عمر عن ابن أبي مليكة قال: كاد الخَيِّران أن يَهلِكا أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، رفعا أصواتهما عند النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حين قدم عليه ركب بني تميم، فأشار أحدهما بالأقرع بن حابس أخي بني مجاشع، وأشار الآخر برجل أخر -قال نافع: لا أحفظ اسمه- فقال أبو بكر لعمر: ما أردت إلا خِلافي، قال ما أردتُ خلافك، فارتفعت أصواتهما في ذلك، فأنزل الله (يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا(4/364)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (2) إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (3)
أصواتكم) الآية. قال ابن الزبير: فما كان عمر يُسمع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعدَ هذه الآية حتى يستفهمه، ولم يذكر ذلك عن أبيه. يعني أبا بكر.
(الصحيح 8/454 - ك التفسير - سورة الحجرات، ب (الآية) ح4845) .
قال مسلم: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة. حدثنا الحسن بن موسى.
حدثنا حماد بن سلمة، عن ثابت البناني، عن أنس بن مالك، أنه قال: لمَّا نزلت هذه الآية: (يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي) إلى آخر الآية. جلس ثابت بن قيس في بيته وقال: أنا من أهل النار. واحتبس عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فسأل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سعد بن معاذ فقال: "يا أبا عمرو! ما شأن ثابت؟
أشتكى؟ ". قال سعد: إنه لَجَاري. وما علمتُ له بشكوى. قال فأتاه سعد فذكر له قول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فقال ثابت: أُنزلت هذه الآية ولقد علمتم أني من أرفعكم صوتاً على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأنا من أهل النار، فذكر ذلك سعد للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "بل هو من أهل الجنة".
(صحيح مسلم 1/110 - ك الإيمان، ب مخافة المؤمن أن يحبط عمله ح119) .
قوله تعالى (وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ) كانوا يجهرون له بالكلام، ويرفعون أصواتهم، فوعظهم الله، ونهاهم عن ذلك.
وانظر سورة النور آية (63) .
قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ)
قال الحاكم: حدثنا علي بن عبد الله الحكمي ببغداد ثنا العباس بن محمد بن حاتم الدوري، ثنا سعيد بن عامر، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: لما نزلت: (إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله) قال(4/365)
إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (3) إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (4) وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ (6) وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ (7) فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (8)
أبو بكر الصديق - رضي الله عنه -: والذي أنزل عليك الكتاب يا رسول الله لا أكلمك إلا كأخي السرار حتى ألقى الله عز وجل.
هذا صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. (المستدرك 2/462) . وأخرجه أيضاً البيهقي في (المدخل رقم653) عن الحاكم، وقد أقر الذهبي الحاكم على تصحيحه على شرط مسلم، ومحمد بن عمرو هو ابن علقمة لم يحتج به مسلم وإنما روى له في المتابعات كما في (تهذيب الكمال 26/218) وهو حسن الحدث كما قال الذهبي في (الميزان 3/673) .
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (امتحن الله قلوبهم) قال: أخلص.
قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ) في هذه الآية إرشاد إلى الأسلوب اللائق بمقام النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كما تقدم في الآية السابقة.
قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ (6) وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ (7) فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله (إن جاءكم فسق بنبأ) قال: الوليد بن عقبة بن أبي معيط، بعثه نبي الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى بني المصطلق، ليصدقهم، فتلقوه بالهدية فرجع إلى محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال: إن بني المصطلق جمعت لتقاتلك".
وأخرجه الطبري بسنده الحسن عن قتادة بنحوه.
قال أحمد: حدثنا محمد بن سابق، ثنا عيسى بن دينار، ثنا أبي، أنه سمع الحارث بن أبي ضرار الخزاعي، قال: قدمت على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فدعاني إلى الإسلام فدخلت فيه وأقررت به، فدعاني إلى الزكاة فأقررت بها وقلت: يا رسول الله أرجع إلى قومي فأدعوهم إلى الإسلام وأداء الزكاة، فمن استجاب(4/366)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ (6) وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ (7) فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (8)
لي جمعت زكاته، فيرسل إليّ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رسولاً إبان كذا وكذا ليأتيك ما جمعت من الزكاة. فلما جمع الحارث الزكاة ممن استجاب له وبلغ الأبان الذي أراد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يبعث إليه احتبس عليه الرسول فلم يأته فظن الحارث أنه قد حدث فيه سخطة من الله عز وجل ورسوله، فدعا بسروات قومه فقال لهم: إن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان وقّت لي وقتاً يرسل إلي رسوله ليقبض ما كان عندي من الزكاة وليس من رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الخلف ولا أرى حبس رسوله إلا من سخطة كانت فانطلقوا فنأتي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وبعث رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الوليد بن عقبة إلى الحارث ليقبض ما كان عنده مما جمع من الزكاة فلما أن سار الوليد حتى بلغ بعض الطرق فرق فرجع فأتى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقال: يا رسول الله إن الحارث منعني الزكاة وأراد قتلي فضرب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - البعث إلى الحارث. فأقبل الحارث بأصحابه إذ استقبل البعث وفصل من المدينة لقيهم الحارث فقالوا: هذا الحارث.
فلما غشيهم قال لهم: إلى من بعثتم؟ قالوا: إليك. قال: ولم؟ قالوا: إن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان بعث إليك الوليد بن عقبة فزعم أنك منعته الزكاة وأردت قتله. قال: لا والذي بعث محمداً بالحق ما رأيته بتة ولا أتاني فلما دخل الحارث على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "منعت الزكاة وأردت قتل رسولي". قال: لا والذي بعثك بالحق ما رأيته ولا أتاني وما أقبلت إلا حين احتبس علي رسول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خشيت أن تكون كانت سخطة من الله عز وجل ورسوله، قال: فنزلت الحجرات (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين) إلى هذا المكان: (فضلاً من الله ونعمة والله عليم حكيم) .
(المسند 4/279) ، وأخرجه ابن أبي حاتم عن المنذر بن شاذان عن محمد بن سابق به (تفسير ابن كثير 4/209) ، والطبراني في الكبير (3/274 ح3395) من طريق محمد بن سابق. قال ابن كثير: وقد روي من طرق، ومن أحسنها ما رواه الإمام أحمد ... فساق هذا الحديث (التفسير 4/321) .
وعزاه الهيثمي لأحمد والطبراني، وقال: ورجال أحمد ثقات (مجمع الزوائد 7/109) ، وقال السيوطي في الدر: ... بسند جيد.(4/367)
وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ (7) فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (8) وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9)
قال الترمذي: حدثنا عبد بن حميد. حدثنا عثمان بن عمر، عن المستمر بن الريان، عن أبي نضرة قال: قرأ أبو سعيد الخدري: (واعلموا أن فيكم رسول الله لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتم) قال: هذا نبيكم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُوحى إليه، وخيارُ أئمتكم لو أطاعهم في كثير من الأمر لعنتوا فكيف بكم اليوم؟.
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح غريب. (السنن 5/388-389 - ك التفسير، ب سورة الحجرات ح3269) ، وصححه الألباني في (صحيح سنن الترمذي) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (واعلموا أن فيكم رسول الله) ... حتى بلغ (لعنتم) هؤلاء أصحاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، لو أطاعهم نبي الله في كثير من الأمر لعنتم.
قال ابن كثير: وقوله (واعلموا أن فيكم رسول الله) أي: اعلموا أن بين أظهركم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فعظموه ووقروه، وتأدبوا معه، وانقادوا لأمره، فإنه أعلم بمصالحكم، وأشفق عليكم منكم، ورأيه فيكم أتم من رأيكم لأنفسكم، كما قال تعالى (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم) . ثم بين أن رأيهم سخيف بالنسبة إلى مراعاة مصالحهم فقال (لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتم) أي: لو أطاعكم في جميع ما تختارونه لأدى ذلك إلى عنتكم وحرجكم، كما قال تعالى (ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن بل أتيناهم بذكرهم فهم عن ذكرهم معرضون) .
وانظر سورة البقرة آية (186) لبيان معنى لفظ: الراشدون.
قوله تعالى (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)
قال مسلم: حدثنا محمد بن عبد الأعلى القيسي. حدثنا المعتمر عن أبيه، عن أنس بن مالك. قال: قيل للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لو أتيتَ عبد الله بن أُبيّ؟ قال: فانطلق إليه. وركب حماراً. وانطلق المسلمون. وهي أرضٌ سَبَخةٌ. فلمّا أتاه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -(4/368)
وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (10) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (11)
قال: إليك عنّي. فوالله! لقد آذاني نتن حمارك. قال: فقال رجل من الأنصار: والله! لحمار رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أطيب ريحاً منك. قال: فغضب لعبد الله رجلٌ من قومه. قال: فغضب لكل واحد منهما أصحابه. قال: فكان بينهم ضرب بالجريد وبالأيدي وبالنعال. قال: فبلغنا أنها نزلت فيهم: (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما) .
(صحيح مسلم 3/1424 - ك الجهاد والسير، ب في دعاء النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وصبره على أذى المنافقين ح1799) ، (وصحيح البخاري ح2691 - ك الصلح، ب ما جاء في الإصلاح) . أرض سبخة: هي الأرض التي تعلوها الملوحة ولا تكاد تنبت إلا بعض الشجر. (النهاية لابن الأثير 2/333) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله) فإن الله سبحانه أمر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والمؤمنين إذا اقتتلت طائفتان من المؤمنين أن يدعوهم إلى حكم الله، وينصف بعضهم من بعض، فإن أجابوا حكم فيهم بكتاب الله، حتى ينصف المظلوم من الظالم، فمن أبي منهم أن يجيب فهو باغ، فحق على إمام المؤمنين أن يجاهدهم ويقاتلهم، حتى يفيئوا إلى أمر الله، ويقروا بحكم الله.
قوله تعالى (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ... )
انظر سورة الفتح آية (29) وفيها حديث البخاري عن أبي موسى مرفوعاً: "إن المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً، وشبّك أصابعه".
قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ…)
قال ابن كثير: ينهى تعالى عن السخرية بالناس، وهو احتقارهم والاستهزاء بهم كما ثبت في الصحيح عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: "الكبر بطر الحق وغمص الناس -ويروي: "وغمط الناس" والمراد من ذلك احتقارهم واستصغارهم، وهذا حرام، فإنه قد يكون المحتقَر أعظم قدرا عند الله وأحب إليه من الساخر منه(4/369)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (11)
المحتقِر له، ولهذا قال (يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيراً منهن) فنص على نهي الرجال وعطف بنهي النساء. وقوله (ولا تلمزوا أنفسكم) أي: لا تلمزوا الناس.
والهماز اللماز من الرجال مذموم ملعون، كما قال (ويل لكل همزة لمزة) فالهمز بالفعل واللمز بالقول، كما قال (هماز مشاء بنميم) أي يحتقر الناس ويهمزهم طعنا عليهم، ويمشي بينهم بالنميمة وهي: اللمز بالمقال.
قوله تعالى (وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ…)
قال أبو داود: حدثنا موسى بن إسماعيل، ثنا وهيب، عن داود، عن عامر قال: حدثني أبو جبيرة بن الضحاك قال: نزلت هذه الآية في بني سلمة (ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان) قال: قدم علينا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وليس منا رجل إلا وله اسمان أو ثلاثة، فجعل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "يا فلان" فيقولون: مه يا رسول الله، إنه يغضب من هذا الاسم، فأنزلت هذه الآية (ولا تنابزوا بالألقاب) .
(السنن 4/290، 291 ح4962 - ك الأدب، ب في الألقاب) ، وأخرجه الترمذي (السنن 5/388 ح3268) ، وابن ماجة (السنن 2/1231 ح3741) ، وأحمد (المسند 4/260) ، والطبري (التفسير - سورة الحجرات 26/132) ، والحاكم (المستدرك 2/463) من طرق عن داود بن أبي هند به.
قال الترمذي: حديث حسن صحيح. وقال الحاكم: حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. وقال الألباني: صحيح (صحيح أبي داود ح4151، وصحيح الترمذي ح2606) .
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (لا يسخر قوم من قوم) قال: لا يهزأ قوم بقوم أن يسأل رجل فقير غنياً أو فقيراً، وان تفضل عليه رجل بشيء فلا يستهزئ به.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، في قوله (ولا تلمزوا أنفسكم) قال: لا تطعنوا.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (ولا تلمزوا أنفسكم) يقول: ولا يطعن بعضكم على بعض.(4/370)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (ولا تنابزوا بالألقاب) يقول للرجل: لا تقل لأخيك المسلم: ذاك فاسق، ذاك منافق، نهى الله المسلمين عن ذلك وقدم فيه.
قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ) قال البخاري: حدثنا عبد الله بن يوسف، أخبرنا مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث. ولا تحسسوا ولا تجسسوا، ولا تناجشوا ولا تحاسدوا، ولا تباغضوا ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانا".
(صحيح البخاري 10/499 - ك الأدب، ب (الآية) ح6066) ، (وصحيح مسلم 4/1985 - ك البر والصلة والآداب، ب تحريم الظن ... ) .
قال أبو داود: حدثنا عيسى بن محمد الرملي، وابن عوف -وهذا لفظه- قالا: ثنا الفريابي، عن سفيان، عن ثور، عن راشد بن سعد، عن معاوية قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "إنك إن اتبعت عورات الناس أفسدتهم -أو كدت تفسدهم". فقال أبو الدرداء: كلمة سمعها معاوية من رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نفعه الله بها.
(السنن 4/272 ح4888 - ك الأدب، ب في النهي عن التجسس) ، وأخرجه أبو يعلى في مسنده (13/382 ح7379) ، والطبراني في الكبير (19/379 ح890) ، وابن حبان في صحيحه (الإحسان 7/505-506 ح5730) من طرق عن محمد بن يوسف الفريابي، عن سفيان به، قال الحافظ العراقي: رواه أبو داود بإسناد صحيح من حديث معاوية (تخريج أحاديث الإحياء - استخراج الحداد 3/1173 ح1734) .
وصححه الشيخ الألباني (صحيح الجامع رقم 2295-1036) ، وأخرجه البخاري في (الأدب المفرد 1/347 ح248 - باب الانبساط إلى الناس) من طريق يحيى بن جابر، عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير، عن أبيه، عن
معاوية - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كلاما نفعني الله به، سمعت يقول: إنك إذا اتبعت الريبة في الناس أفسدتهم. فإني لا أتبع الريبة فيهم فأفسدهم. وهذه متابعة لراشد بن سعد في روايته عن معاوية. وقد صحح الشيخ الألباني رواية البخاري هذه (صحيح الأدب المفرد ص110 ح186-248) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن) يقول: نهى الله المؤمن أن يظن بالمومن شرا.(4/371)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ (12)
قوله تعالى (وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (ولا تجسسوا) يقول: نهى الله المؤمن أن يتتبع عورات المؤمن.
قال مسلم: حدثنا يحيى بن أيوب وقتيبة وابن حُجر. قالوا: حدثنا إسماعيل، عن العلاء، عن أبيه، عن أبي هريرة، أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "أتدرون ما الغيبة؟ " قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: "ذكرك أخاك بما يكره" قيل: أفرأيتَ إن كان في أخي ما أقول؟ قال: "إن كان فيه ما تقول، فقد اغتبته وإن لم يكن فيه فقد بهتّه".
(الصحيح 4/2001 ح2589- ك البر والصلة، ب تحريم الغيبة) .
قال البخاري: حدثنا صدقة بن الفضل، أخبرنا ابن عيينة سمعت ابن المنكدر سمعت عروة بن الزبير أن عائشة رضي الله عنها أخبرته قالت: "استأذن رجل على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال: ائذنوا له، بئس أخو العشيرة أو ابن العشيرة. فلما دخل ألان له الكلام. قلتُ يا رسول الله قلتَ الذي قلتَ ثم ألنتَ له الكلام.
قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أي عائشة، إن شرّ الناس من تركه الناس -أو ودعه- اتقاء فحشه".
(الصحيح 10/486 ح6054 - ك الأدب، ب ما يجوز من اغتياب أهل الفساد والريب) ، وأخرجه مسلم (الصحيح 4/2002- 2003 - ك الأدب، ب مداراة من يتقي فحشه ح2591) .
قال أبو داود: حدثنا ابن المصفى: ثنا بقية وأبو المغيرة، قالا: ثنا صفوان، قال: حدثني راشد بن سعد وعبد الرحمن بن جبير، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لمّا عُرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم، فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم".
(السنن 4/269-270- ك الأدب، ب في الغيبة ح4878) ، وأخرجه أحمد في مسنده (3/224) ، وأخرجه الضياء المقدسي في (المختارة 6/265-266 ح2285، 2286) من طريق شعيب بن شعيب النسائي، عن أبي المغيرة به. قال محققه: إسناده صحيح. وذكره الألباني في (السلسلة الصحيحة ح533) .(4/372)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (ولا يغتب بعضكم بعضاً. أيحب أحد أن يأكل لحم أخيه ميتا) قال: حرم الله على المؤمن أن يغتاب المؤمن بشيء، كما حرم الميتة.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه) يقول: كما أنت كاره لو وجدت جيفة مدودة أن تأكل منها، فكذلك فاكره غيبته وهو حي.
قوله تعالى (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)
قال الترمذي: حدثنا علي بن حُجْر. أخبرنا عبد الله بن جعفر: حدثنا عبد الله ابن دينار، عن ابن عمر أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَطَبَ الناسَ يوم فتح مكة، فقال: يا أيها الناس إن الله قد أذهب عنكم عُبِّيَّةَ الجاهلية وتعاظمها بآبائها، فالناس رجلان. برٌّ تقي كريم على الله، وفاجرٌ شقي هيِّن على الله، والناس بنو آدم، وخلق الله آدم من تراب، قال الله: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير) .
(السنن 5/389-390 - ك التفسير ح3270) ، وصححه الألباني في (صحيح سنن الترمذي) .
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (شعوبا) قال: النسب البعيد. (وقبائل) دود ذلك.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وجعلناكم شعوبا وقبائل) قال: الشعوب النسب البعيد، والقبائل هي كقوله: فلان من بني فلان، وفلان من بني فلان.(4/373)
قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (14)
قوله تعالى (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آَمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)
قال البخاري: حدثنا أبو اليمان قال: أخبرنا شعيب، عن الزهري، قال: أخبرنا عامر بن سعد بن أبي وقاص، عن سعد - رضي الله عنه - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أعطى رهطاً -وسعد جالس- فترك رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رجلاً هو أعجبهم إليّ. فقلت: يا رسول الله مالك عن فلان؟ فوالله إني لأراه مؤمناً. فقال: "أو مسلماً" فسكت قليلاً.
ثم غلبني ما أعلم منه، فعدت لمقالتي فقلت: ما لك عن فلان؟ فوالله إني لأراه مؤمناً فقال: "أو مسلماً". ثم غلبني ما أعلم منه، فعدت لمقالتي، وعاد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثم قال: "يا سعد، إني لأعطي الرجل وغيره أحب إلي منه، خشية أن يكبه الله في النار". ورواه يونس وصالح ومعمر وابن أخي الزهري عن الزهري.
(الصحيح 1/99 ح27 - ك الإيمان، ب إذا لم يكن الإسلام على الحقيقة وكان على الاستسلام) ، (وأخرجه مسلم الصحيح - الأيمان، ب تالف القلوب من يخاف على إيمانه 1/132 ح150) .
انظر حديث البخاري الوارد تحت الآية رقم (60) من سورة التوبة.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا) ولعمري ما عمت هذه الآية الأعراب، إن من الأعراب من يؤمن بالله واليوم الآخر، ولكن إنما أنزلت في حي من أحياء الأعراب امتنوا بإسلامهم على نبي الله - صلى الله عليه وسلم -، فقالوا: أسلمنا، ولم نقاتلك، كما قاتلك بنو فلان وبنو فلان، فقال الله: لا تقولوا آمنا، ولكن قولوا أسلمنا حتى بلغ في قلوبكم.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (لا يلتكم من أعمالكم) لا ينقصكم.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (لا يلتكم من أعمالكم شيئا) يقول: لن يظلمكم من أعمالكم شيئا.(4/374)
ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ (1) بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ (2) أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ (3) قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ (4) بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ (5)
سورة ق
قوله تعالى (ق وَالْقُرْآَنِ الْمَجِيدِ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: (ق) و (ن) وأشباه هذا، فإنه قسم أقسمه الله، وهو اسم من أسماء الله.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، في قوله (ق) قال: اسم من أسماء القرآن.
أخرج الطبري بسنده القوي عن سعيد بن جبير (ق وَالْقُرْآَنِ الْمَجِيدِ) قال: الكريم.
قوله تعالى (بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ)
انظر سورة الإسراء آية (94) .
قوله تعالى (أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ)
انظر سورة الرعد آية (5) وسورة الصافات آية (16) .
قوله تعالى (قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (ما تنقص الأرض منهم) قال: من عظامهم.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، في قوله (قد علمنا ما تنقص الأرض منهم) يقول: ما تأكل الأرض منهم.
قوله تعالى (بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (بل كذبوا بالحق لما جاءهم) أي: كذبوا بالقرآن (فهم في أمر مريج) يقول: فهم في أمر مختلط عليهم ملتبس، لا يعرفون حقه من باطله، يقال: قد مرج أمر الناس إذا اختلط وأهمل.(4/375)
بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ (5) أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ (6) وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (7) تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (8) وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ (9) وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ (10)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (في أمر مريج) يقول: مختلف.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (أمر مريج) قال: ملتبس.
قوله تعالى (أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (من فروج) قال: شق.
قوله تعالى (وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (7) تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ)
انظر سورة لقمان آية (10) لبيان رواسي أي: جبال.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (بهيج) يقول: حسن.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (تبصرة) نعمة من الله بصرها العباد (وذكرى لكل عبد منيب) : أي مقبل بقلبه إلى الله.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (تبصرة) قال: بصيرة.
قوله تعالى (وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ (9) وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وحب الحصيد) هذا البر والشعير.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (وحب الحصيد) قال: الحنطة.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (باسقات) طوال.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (نضيد) قال: المنضد.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (لها طلع نضيد) ينضد بعضه على بعض.(4/376)
رِزْقًا لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ (11) كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ (12) وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوَانُ لُوطٍ (13) وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ (14) أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ (15) وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (16)
قوله تعالى (رِزْقًا لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ)
قال ابن كثير: (رزقا للعباد) أي: للخلق (وأحيينا به بلدة ميتا) وهى الأرض التي كانت هامدة، فلما نزل عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج من أزاهير وغير ذلك، مما يحار الطرف في حسنها، وذلك بعد ما كانت لا نبات بها فأصبحت تهتز خضراء، فهذا مثال للبعث بعد الموت والهلاك، كذلك يحيى الله الموتى ... وقال تعالى (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) .
قوله تعالى (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (أصحاب الرس) قال: بئر.
قوله تعالى (وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ) انظر سورة الدخان آية (37) .
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (فحق وعيد) قال: ما أهلكوا به تخويفا لهؤلاء.
قوله تعالى (أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (أفعيينا بالخلق الأول) يقول: لم يعينا الخلق الأول.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (أفعيينا بالخلق الأول) يقول: أفعيي علينا حين أنشأناكم خلقا جديدا، فتمتروا بالبعث.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (بل هم في لبس من خلق جديد) يقول: في شك من البعث.
قوله تعالى (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ)
قال ابن كثير: يخبر تعالى عن قدرته على الإنسان بأنه خالقه، وعلمه محيط بجميع أموره، حتى إنه تعالى يعلم ما توسوس به نفوس بني آدم من الخير والشر.(4/377)
وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (16) إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ (17) مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (18)
وقد ثبت في الصحيح عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: "إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تقل أو تعمل".
وانظر (صحيح البخاري - ك الأيمان، ب إذا حنث ناسيا في الأيمان) ، (وصحيح مسلم - الأيمان، ب تجاوز الله عن حديث النفس) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (ونحن أقرب إليه من حبل الوريد) يقول عرق العنق.
قوله تعالى (إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (قعيد) قال: رصد.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (عن اليمين وعن الشمال قعيد) قال: عن اليمنِ الذي يكتب الحسنات، وعن الشمال الذي يكتب السيئات.
قوله تعالى (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ)
قال ابن ماجة: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة: ثنا محمد بن بشر: ثنا محمد بن عَمْرو. حدثني أبي عن أبيه علقمة بن وقاص، قال: مرّ به رجل له شرف.
فقال له علقمة: إن لك رحما. وإن لك حقا. وإني رأيتك تدخل على هؤلاء الأمراء. وتتكلم عندهم بما شاء الله أن تتكلم به. وإني سمعت بلال بن الحارث المزني، صاحب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إن أحدكم ليتكلم بالكلمة من رضوان الله ما يظن أن تبلغ ما بلغت فيكتب الله عز وجل له بها رضوانه إلى يوم القيامة وإن أحدكم ليتكلم بالكلمة من سُخط الله، ما يظن أن تبلغ ما بلغتْ، فيَكتب الله عز وجل عليه بها سُخطه إلى يوم يلقاه".
قال علقمة: فانظر، ويحك! ماذا تقول، وماذا تكلم به. فرُبّ كلامٍ، قد منعني أن أتكلم به، ما سمعتُ من بلال بن الحارث.
(السنن - ك الفتن، ب كف اللسان عن الفتنة ح3969) ، أخرجه أحمد والترمذي والنسائي والحاكم من طريق محمد بن عَمرو به نحوه وقال الترمذي: حسن صحيح. قال ابن كثير: وله شاهد في الصحيح. (المسند 3/469 - السنن - الزهد، ب ما جاء في قلة الكلام) ، وانظر تفسير ابن كثير (7/377) وصححه الحاكم ووافقه الذهبي والمستدرك (1/44-45) ، وذكره الألباني في (السلسلة الصحيحة ح888) .(4/378)
وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ (19) وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ (20) وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ (21) لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (22)
قوله تعالى (وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ)
قال الحاكم: حدثني محمد بن صالح بن هانئ: ثنا محمد بن نعيم: ثنا قتيبة: ثنا الليث بن سعد عن يزيد بن عبد الله بن الهاد عن موسى بن سرجس قال سمعت القاسم بن محمد يحدث وتلا قول الله عز وجل (وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد) ثم قال حدثتني عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت لقد رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو بالموت وعنده قدح فيه ماء وهو يدخل يده في القدح ثم يمسح وجهه بالماء ثم يقول: اللهم أعني على سكرات الموت.
هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. (المستدرك 2/465 - ك التفسير) ، وصححه الذهبي، وله شاهد صحيح، انظر (فتح الباري 8/140 و11/362) .
قوله تعالى (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ)
انظر سورة الأنعام آية 73 وفيها حديث الصور.
قوله تعالى (وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (سائق وشهيد) سائق يسوقها إلى أمر الله، وشاهد يشهد عليها بما عملت.
قوله تعالى (لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك) وذلك الكافر.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (فكشفنا عند غطاءك) قال: للكافر يوم القيامة.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك) قال: عاين الآخرة.
قال ابن كثير: والمراد بقوله (لقد كنت في غفلة من هذا) يعني من هذا اليوم (فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد) أي: قوي، لأن كل واحد(4/379)
لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (22) وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ (23) أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ (24) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ (25) الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ (26)
يوم القيامة يكون مستبصرا، حتى الكفار في الدنيا يكونون يوم القيامة على الاستقامة، لكن لا ينفعهم ذلك. قال الله تعالى (اسمع بهم وأبصر يوم يأتوننا) وقال تعالى (ولو ترى إذ المجرمون ناكسوا رءوسهم عند ربهم ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحا إنا موقنون) .
قوله تعالى (وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ)
قال مسلم: حدثنا عثمان بن أبي شيبة وإسحاق بن إبراهيم (قال إسحاق: أخبرنا. وقال عثمان حدثنا) جرير عن منصور، عن سالم بن أبي الجعد، عن أبيه، عن عبد الله بن مسعود. قال. قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ما منكم من أحدٍ إلا وقد وُكل به قرينه من الجن". قالوا: وإياك؟ يا رسول الله! قال: "وإياي، إلا أن الله أعانني عليه فأسلم فلا يأمرني إلا بخير".
(الصحيح 4/2167-2168 ح2814 - ك صفات المنافقين وأحكامهم، ب تحريش الشيطان وبعثه سراياه لفتنة الناس ... ) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وقال قرينه هذا ما لديَّ عتيد) الملك.
قوله تعالى (مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: معتد في منطقه وسيره وأمره.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (مريب) : أي شاك.
قوله تعالى (قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ)
قال ابن كثير: (ربنا ما أطغيته) أي: يقول عن الإنسان قد وافى القيامة كافرا، يتبرأ منه شيطانه فيقول (ربنا ما أطغيته) أي: ما أضللته (ولكن كان في ضلال بعيد) أي: بل كان هو نفسه ضالا قابلا للباطل معاندا للحق. كما أخبر تعالى في الآية الأخرى في قوله (وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) .(4/380)
قَالَ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ (28) مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (29) يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ (30) وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ (31) هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ (32) مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ (33) ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ (34)
قوله تعالى (قَالَ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ (28) مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (29) يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، في قوله: (لا تختصموا لدي) قال: إنهم اعتذروا بغير عذر، فأبطل الله حجتهم، ورد عليهم قولهم.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (ما يبدل القول لدي) قد قضيت ما أنا قاض.
قال البخاري: حدثنا عبد الله أبي الأسود: حدثنا حَرَمي بن عمارة: حدثنا شعبة، عن قتادة، عن أنس - رضي الله عنه - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "يلْقَى في النار وتقول هل من مزيد، حتى يضع قدمه فتقول: قَط قَطْ ... ".
(صحيح البخاري 8/460 - ك التفسير - سورة ق ح4848) ، (وصحيح مسلم 4/2187 - ك الجنة وصفة نعيمها وأهلها، ب النار يدخلها الجبارون والجنة يدخلها الضعفاء) .
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (وتقول هل من مزيد) قال: وعدها الله ليملأنها، فقال: هلا وفيتك؟ قالت: وهل من مسلك.
قوله تعالى (وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ (31) هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (وأزلفت الجنة للمتقين) يقول: وأدنيت (غير بعيد) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (حفيظ) قال: حفيظ لما استودعه الله من حقه ونعمته.
قوله تعالى (ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (ادخلوها بسلام) قال: سلموا من عذاب الله، وسلم عليهم.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ذلك يوم الخلود) خلدوا والله، فلا يموتون، وأقاموا فلا يظعنون، ونعموا فلا ييأسون.(4/381)
وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشًا فَنَقَّبُوا فِي الْبِلَادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ (36) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (37) وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ (38)
قوله تعالى (وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشًا فَنَقَّبُوا فِي الْبِلَادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وكم أهلكنا قبلهم من قرن) ... حتى بلغ (هل من محيص) قد حاص الفجرة فوجدوا أمر الله متبعا.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (فنقبوا في البلاد) : أثروا.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، في قوله (فنقبوا في البلاد) قال: يقول: عملوا في البلاد ذاك النقب.
قوله تعالى إن (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب) أي: من هذه الأمة، يعني بذلك القلب: القلب الحي.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (أو ألقى السمع) قال: وهو لا يحدث نفسه، شاهد القلب.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (أو ألقى السمع وهو شهيد) يعني بذلك أهل الكتاب، وهو شهيد على ما يقرأ في كتاب الله من بعث محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
قوله تعالى (وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ)
انظر سورة فصلت آية (9-12) لبيان الأيام الستة.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (وما مسنا من لغوب) يقول: من إزحاف.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (وما مسنا من لغوب) قال: نصب.(4/382)
فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ (39) وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ (40)
قوله تعالى (فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ)
انظر حديث البخاري المتقدم تحت الآية رقم (130) من سورة طه.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس) لصلاة الفجر، وقبل غروبها: العصر.
قوله تعالى (وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ)
قال البخاري: حدثنا آدم: حدثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: قال ابن عباس: أمره أن يسبح في أدبار الصوات كلها، يعني قوله: (وأدبار السجود) .
(صحيح البخاري 8/462-463 - ك التفسير - سورة ق، ب (وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس ... ) ح4852) .
قال ابن ماجة: حدثنا الحسين بن الحسن المروزي: ثنا سفيان بن عيينة، عن بشر بن عاصم، عن أبيه، عن أبي ذر، قال: قيل للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وربما قال سفيان قلت: يا رسول الله، ذهب أهل الأموال والدُّثور بالأجر. يقولون كما نقول وينفقون ولا ننفق. قال لي: "ألا أخبركم بأمر إذا فعلتموه أدركتم من قبلكم وفُتّم من بعدكم. تحمدون الله في دبر كل صلاة، وتسبحونه وتكبرونه ثلاثا وثلاثين، وثلاثا وثلاثين، وأربعا وثلاثين".
قال سفيان: لا أدري أيتهن أربع.
(السنن 1/299 - ك إقامة الصلاة والسنة فيها - ب ما يقال بعد التسليم ح927) . هذا الحديث تفرد به ابن ماجة عن أصحاب الكتب والسنة ولم يذكره البوصيري في الزوائد، وقد أخرجه أحمد وابن خزيمة والضياء، وقال الألباني: إسناده صحيح (المسند 5/ 158، السلسلة الصحيحة 1125) .
أخرج الطبري بأسانيد يقوي بعضها بعضاً عن الحسن بن علي رضي الله عنهما، قال: (أدبار السجود) : الركعتان بعد المغرب.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، في قوله (وأدبار السجود) قال: كان مجاهد يقول: ركعتان بعد المغرب.(4/383)
وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ (40) وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ (41) يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ (42) إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ (43) يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعًا ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ (44) نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ (45)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في: (فسبحه وأدبار السجود) قال: هو التسبيح بعد الصلاة.
قوله تعالى (يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ)
انظر سورة الأنعام آية (73) وفيها حديث الصور أنه قرن.
قوله تعالى (يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعًا ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ (44) نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّار)
قال ابن كثير: وتنشق الأرض عنهم فيقومون إلى موقف الحساب سراعا مبادرين إلى أمر الله عز وجل (مهطعين إلى الداع يقول الكافرون هذا يوم عسر) وقال الله تعالى (يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده وتظنون إن لبثتم إلا قليلا) وفي صحيح مسلم عن أنس قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أنا أول من تنشق عنه الأرض". وقوله (ذلك حشر علينا يسير) أي: تلك عادة سهلة علينا يسيرة لدينا كما قال تعالى (وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر) وقال تعالى (وما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة إن الله سميع بصير) وقوله (نحن أعلم بما يقولون) أي: نحن علمنا محيط بما يقول لك المشركون من التكذيب فلا يهيدنك كقوله (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ (97) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (98) وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) .
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (وما أنا عليهم بجبار) قال: لا تتجبر عليهم.
قوله تعالى (فَذَكِّرْ بِالْقُرْآَنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ)
قال ابن كثير: أي: بلغ أنت رسالة ربك فإنما يتذكر من يخاف الله ووعيده ويرجو وعده، كقوله (فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب) وقوله (فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر) .(4/384)
وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا (1) فَالْحَامِلَاتِ وِقْرًا (2) فَالْجَارِيَاتِ يُسْرًا (3) فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا (4) إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ (5) وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ (6) وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ (7)
سورة الذاريات
قوله تعالى (وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا (1) فَالْحَامِلَاتِ وِقْرًا (2) فَالْجَارِيَاتِ يُسْرًا (3) فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا (4) إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ (5) وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ (6) وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ)
قال الضياء المقدسي: أخبرنا الإمام أبو عبد الله محمد بن معمر بن عبد الواحد ابن الفاخر القرشي، وأبو عبد الله محمود بن أحمد بن عبد الرحمن، وأبو المجد زاهر بن أحمد بن حامد الثقفيان -بأصبهان- أن سعيد بن أبي الرجاء الصيرفي أخبرهم -قراءة عليه- أنا أبو أحمد عبد الواحد بن أحمد بن عبد البقّال، أنا أبو أحمد عبيد الله بن يعقوب بن إسحاق، أنا جدي أبو يعقوب إسحاق بن إبراهيم ابن محمد بن جميل، أنا أبو جعفر أحمد ابن منيع بن عبد الرحمن، ثنا الحجاج بن محمد، ثنا ابن جرجي، ثنا أبو حرب بن أبي الأسود الديلي، عن أبي الأسود، وعن ابن جريج، ورجل، عن زاذان كذا قالا: بينا الناس ذات يوم عند علي، إذ وقفوا منه نفساً طيبة فقام عبد الله بن الكواء الأعور من بني بكر بن وائل، فقال: يا أمير المؤمنين، ما (الذاريات ذروا) ؟ قال: الرياح. قال: فما (الحاملات وقرا) ؟ قال: السحاب. قال: فما (الجاريات يُسرا) ؟ قال: السفن. قال: فما (المقسمات أمرا) ؟ قال: الملائكة. ولا تَعُدْ لمثل هذا، ولا تسألني عن مثل هذا. قال: فما (السماء ذات الحبك) ؟ قال: دار الخلق الحسن. قال: فما السواد الذي في حرْف القمر؟ قال: أعمى يسأل عن عمياء، ما العلم أردت بهذا؟ ويحك سَلْ تفقُّهاً ولا تسأل تعنُّتا -أو قال- تعتُّها، سل عما يعنيك، ودع ما لا يعنيك. قال: فوالله إن ها ليعنيني. قال: إن الله يقول: (وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل) السواد الذي في حرف القمر.
قال: فما المجرّة؟ قال: شرج السماء، ومنها فُتحت أبواب السماء بماء منهمر زمن الغرق على قوم نوح. قال: فما قوس قُزح؟ قال: لا تقل قوس قُزح، فإن(4/385)
قُزح الشيطان ولكنه القوس، وهى أمانة من الغرق. قال: فكم بين السماء إلى الأرض؟ قال: قدر دعوة عبد دعا الله، لا أقول غير ذلك. قال: فكم ما بين المشرق والمغرب؟ قال: مسيرة يوم للشمس، من حدثّك غير ذلك فقد كذب.
قال: فمن الذين قال الله تعالى: (وأحلّوا قومهم دار البوار) ؟ قال: دعهم، فقد كُفيتهم. قال: فما ذو القرنين؟ قال: رجل بعثه الله إلى قوم كفرة أهل الكتاب، كان أوائلهم على حق فأشركوا بربهم، وابتدعوا في دينهم فأحدثوا على أنفسهم، فهم اليوم يجتهدون في الباطل، يحسبون أنهم على حق، ويجتهدون في الضلال ويحسبون أنهم على هدى، فَضَلَّ سعيهم في الحياة الدنيا، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً. قال: رفع صوته، وقال: وما أهل النهروان غداً منهم ببعيد. قال: فقال ابن الكواء: والله لا أسأل سواك ولا أتبع غيرك.
قال: فقال: إن كان الأمر إليك فافعل.
(المختارة 2/122-126 ح494) ، وأخرجه الحاكم من طريق أبي الطفيل قال: رأيت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قام على المنبر فقال: سلوني قبل أن لا تسألوني ولا تسألوا بعدي مثلي فقام ابن الكواء ... فذكر مختصرا ... وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك 2/466-467) ، وأخرجه المقدسي من طريق أبي الطفيل به (المختارة 2/176 ح556) ، وأخرجه عبد الرزاق في تفسيره (رقم 2970 ط قلعجي) عن معمر عن وهب بن عبد الله بن أبي الطفيل قال شهدت عليا فذكره بدون تفسير والسماء ذات الحبك. وقال ابن كثير: وثبت أيضا من غير وجه عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - أنه صعد منبر الكوفة فقال: لا تسألوني عن آية ... فذكره) .
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، في قوله (والذاريات) قال: الرياح.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (فالحاملات وقرا) قال: السحاب تحمل المطر، (فالجاريات يسرا) قال: السفن (فالمقسمات أمراً) قال: الملائكة ينزلها بأمره على من يشاء.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (إنما توعدون لصادق) والمعنى: لصدق، فوضع الاسم مكان المصدر (وإن الدين لواقع) يقول: وإن الحساب والثواب والعقاب لواجب، والله مجاز عباده بأعمالهم.(4/386)
وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ (7) إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ (8) يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ (9) قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ (10) الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ (11) يَسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ (12) يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ (13)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (إنما توعدون لصادق، وإن الدين لواقع) وذلك يوم القيامة، يوم يدان الناس فيه بأعمالهم.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (والسماء ذات الحبك) أي: ذات الخلق الحسن.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (والسماء ذات الحبك) قال: المتقن البنيان.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (والسماء ذات الحبك) قال: ذات الخلق الحسن، ويقال: ذات الزينة.
قوله تعالى (إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ (8) يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ (9) قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، عن الحسن (يؤُفك عنه من أفك) قال: يصرف عنه من صرف.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (يؤفك عنه من أفك) فالمأفوك عنه اليوم، يعني كتاب الله.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (قتل الخراصون) يقول: لعن المرتابون.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (قتل الخراصون) قال: الذين يتخرصون الكذب.
قوله تعالى (الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ (11) يَسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ (12) يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (الذين هم في غمرة ساهون) يقول: في ضلالتهم يتمادون.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (يسألون أيان يوم الدين) قال: يقولون: متى يوم الدين، أو يكون يوم الدين.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، في قوله: (يوم هم على النار يفتنون) يقول: يعذبون.(4/387)
ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ (14) إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (15) آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ (16) كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (18) وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (19)
قوله تعالى (ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (فتنتكم) قال: حريقكم.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ذوقوا فتنتكم) : ذوقوا عذابكم (هذا الذي كنتم به تستعجلون) .
كقوله تعالى (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (15) آَخِذِينَ مَا آَتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ (16) كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قال: قال مطرف بن عبد الله في قوله: (كانوا قليلا من الليل ما يهجعون) قل ليلة تأتى عليهم لا يصلون فيها لله، إما من أولها، وإما من وسطها.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن أبي العالية، قال: كانوا يصيبون فيها حظا.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، في قوله (كانوا قليلا من الليل ما يهجعون) قال: قليل ما يرقدون ليلة حتى الصباح لا يتهجدون.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (كانوا قليلا من الليل ما يهجعون) يقول: ينامون.
قال أبو داود: حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا يحيى بن سعيد وابن أبي عدي عن سعيد عن قتادة عن أن قوله عز وجل (كانوا قليلا من الليل ما يهجعون) كانوا يصلون فيما بين المغرب والعشاء.
(السنن - الصلاة، ب وقت قيام النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - 2/79 ح1322) ، وأخرجه الحاكم والبيهقي من طريق سعيد بن أبي عروبه (السنن الكبرى 3/19) به، وأخرجه عبد الرزاق في (التفسير رقم2979) عن معمر عن قتادة به، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي (المستدرك 2/467) ، وصححه الألباني في (صحيح سنن أبي داود 1/245 ح1174) .
قوله تعالى (وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (18) وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) أخرج عبد الرزاق عن الثوري عن جبلة بن سُحيم عن ابن عمر في قوله تعالى (وبالأسحار هم يستغفرون) قال: يصلون.
وسنده صحيح.(4/388)
وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (18) وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (19) وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ (20) وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (21) وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ (22) فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ (23) هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ (24) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (25) فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ (26) فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ (27) فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ (28) فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ (29) قَالُوا كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (30) قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ (31) قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ (32) لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ طِينٍ (33) مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ (34) فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (35) فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (36) وَتَرَكْنَا فِيهَا آيَةً لِلَّذِينَ يَخَافُونَ الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (37)
انظر حديث البخاري المتقدم تحت الآية رقم (186) عن سورة البقرة لبيان وقت السحر وقبول الاستغفار وهو حديث: "ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى سماء الدنيا حيث يبقى ثلث الليل الآخر يقول: من يدعوني فأستجب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأستغفر له؟ ".
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (وبالأسحار هم يستغفرون) قال: يصلون.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (وفي أموالهم حق للسائل والمحروم) هذان فقيرا أهل الإسلام، سائل يسأل في كفه، وفقير متعفف، ولكليهما عليك حق يا ابن آدم.
قوله تعالى (وَفِي الْأَرْضِ آَيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (وفي الأرض آيات للموقنين) قال: يقول: معتبر لمن اعتبر.
قوله تعالى (وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ)
انظر سورة فصلت آية (53) وفيها: (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم) .
قوله تعالى (وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (وفي السماء رزقكم وما توعدون) يقول: الجنة في السماء، وما توعدون من خير أو شر.
قوله تعالى (هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ (24) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (25) فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ (26) فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ (27) فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ (28) فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ (29) قَالُوا كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (30) قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ (31) قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ (32) لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ طِينٍ (33) مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ (34) فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (35) فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (36) وَتَرَكْنَا فِيهَا آَيَةً لِلَّذِينَ يَخَافُونَ الْعَذَابَ الْأَلِيمَ)(4/389)
هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ (24) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (25) فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ (26) فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ (27) فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ (28) فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ (29) قَالُوا كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (30) قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ (31) قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ (32) لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ طِينٍ (33) مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ (34) فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (35) فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (36) وَتَرَكْنَا فِيهَا آيَةً لِلَّذِينَ يَخَافُونَ الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (37) وَفِي مُوسَى إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إِلَى فِرْعَوْنَ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (38) فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ وَقَالَ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (39) فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ (40) وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ (41) مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ (42)
وفيهن قصة إبراهيم وبشرى الملائكة له بالغلام، وعذابهم لقوم لوط ولمزيد من البيان انظر سورة هود آية (69-83) ، وسورة الحجر آية (51-74) .
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله (بغلام عليم) قال: إسماعيل.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (فصكت وجهها) يقول: لطمت.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين) قال: لو كان فيه أكثر من ذلك لأنجاهم الله، ليعلموا أن الإيمان عند الله محفوظ لا ضيعة على أهله.
قوله تعالى (وَفِي مُوسَى إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إِلَى فِرْعَوْنَ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (38) فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ وَقَالَ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (39) فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (إلى فرعون بسلطان مبين) يقول: بعذر مبين.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (فتولى بركنه) يقول لقومه، أو بقومه، أنا أشك.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (فتولى بركنه) قال: بعضده وأصحابه.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (وهو مليم) : أي مليم في نعمة الله.
قوله تعالى (وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ (41) مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ)
قال الترمذي: حدثنا ابن أبي عمر: حدثنا سفيان بن عيينة، عن سلاّم، عن عاصم بن أبي النجود، عن أبي واثل عن رجل من ربيعة قال: قدمت المدينة فدخلتُ على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فذكرتُ عنده وافد عادٍ، فقلتُ: أعوذ بالله أن أكون(4/390)
وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ (41) مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ (42) وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ (43) فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ وَهُمْ يَنْظُرُونَ (44) فَمَا اسْتَطَاعُوا مِنْ قِيَامٍ وَمَا كَانُوا مُنْتَصِرِينَ (45)
مثل وافد عاد، قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "وما وافد عادٍ؟ قال: فقلتُ: على الخبير سَقَطتَ، إن عاداً لمّا أقحطت بعثت قَيْلا. فنزل على بكر بن معاوية فسقاه الخمر وغنته الجرَادتان ثم خرج يريد جبال مهرة فقال: اللهم إني لم آتك لمريض فأُداويه ولا لأسير فأُفاديه، فاسق عبدك ما كنتَ مسقيه واسق معه بكر بن معاوية، يَشكر له الخمر التي سقاه فرُفع له سحابات، فقيل له: اختر إحداهن، فاختار السوداء منهن، فقيل له: خُذها رماداً رمدداً، لا تذر من عاد أحداً، وذُكر أنه لم يُرسل عليهم من الريح إلا قدرُ هذه الحَلَقة يعنى حَلَقة الخاتم، ثم قرأ: (إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ (41) مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ) .
(السنن 5/391-392 - ك التفسير، ب سورة الذاريات) ، وحسنه الألباني في (صحيح سنن الترمذي) .
أخرج الطبري بسنده الصحيح، عن مجاهد هذا الريح العقيم، قال: ليس فيها رحمة ولا نبات، ولا تلقح نباتا.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (وفي عاد إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم) إن الريح عقيما وعذاباً حين ترسل لا تلقح شيئا، ومن الريح رحمة يثير الله تبارك وتعالى بهذا السحاب، وينزل الغيث. وذكر لنا أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يقول: "نصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدبور".
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (كالرميم) قال: كالشيء الهالك.
قوله تعالى (فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ وَهُمْ يَنْظُرُونَ (44) فَمَا اسْتَطَاعُوا مِنْ قِيَامٍ وَمَا كَانُوا مُنْتَصِرِينَ)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (فعتوا) قال: علوا.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (فأخذتهم الصاعقة وهم ينظرون) وهم ينتظرون، وذلك أن ثمود وعدت العذاب قبل نزوله بهم بثلاثة أيام وجعل لنزوله عليهم علامات في تلك الثلاثة، فظهرت العلامات التي جعلت لهم الدالة على نزولها في تلك الأيام، فأصبحوا في اليوم الرابع موقنين بأن العذاب بهم نازل، ينتظرون حلوله بهم.(4/391)
وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ (47) وَالْأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ (48) وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (49) فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (50) وَلَا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (51) كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (52) أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ (53) فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنْتَ بِمَلُومٍ (54) وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ (55) وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (57) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (58) فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوبًا مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ فَلَا يَسْتَعْجِلُونِ (59) فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (60)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (فما استطاعوا من قيام) يقول: ما استطاع القوم نهوضا لعقوبة الله تبارك وتعالى.
قوله تعالى (وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ (47) وَالْأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ) انظر سورة البقرة آية (22) وتفسيرها.
(أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (والسماء بيناها بأيد) يقول: بقوة.
قوله تعالى (أتواصوا به ... )
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (أتواصوا به) أي: كان الأول قد أوصى الآخر بالتكذيب.
قوله تعالى (فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنْتَ بِمَلُومٍ)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنْتَ بِمَلُومٍ) قال: محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
قوله تعالى (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) . إلا ليقروا بالعبودة طوعا وكرها.
قوله تعالى (مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ)
قال الطبري: حدثنا ابن بشار، قال: ثنا معاذ بن هشام، قال: ثنا أبي، عن عمرو بن مالك، عن أبي الجوزاء، عن ابن عباس (ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون) قال: يطعمون أنفسهم.
قوله تعالى ( ... ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) يقول: الشديد.
قوله تعالى (فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوبًا ... )
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوبًا) يقول: دلوا.
قوله تعالى (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ) انظر سورة البقرة آية 79 لبيان معنى الويل.(4/392)
وَالطُّورِ (1) وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ (2) فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ (3) وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ (4)
سورة الطور
قوله تعالى (وَالطُّورِ)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، في قول الله تبارك وتعالى (والطور) قال الجبل بالسريانية.
قوله تعالى (وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ (2) فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، في قوله (وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ) قال: صحف.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، في قوله (وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ) والمسطور: المكتوب.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (في رق) قال الرق: الصحيفة.
قوله تعالى (وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، في قوله (وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ) قال: بيت في السماء يقال له الضراح.
قال مسلم: حدثنا شيبان بن فرّوخ: حدثنا حمّاد بن سلمة: حدثنا ثابت البناني عن أنس بن مالك، أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "أُتيتُ بالبُراق (وهو دابة أبيض طويل فوق الحمار ودون البغل. يضع حافره عند منتهى طرفه) قال: فركبته حتى أتيت بيت المقدس. قال: فربطته بالحَلَقة التي يربط به الأنبياء. قال: ثم دخلت المسجد فصليت فيه ركعتين، ثم خرجت، فجاءني جبريل عليه السلام بإناء من خمر وإناء من لبن. فاخترت اللبن. فقال جبريل: اخترت الفطرة ثم عرج بنا إلى السماء. ثم ساق حديث المعراج بطوله وفيه: فإذا أنا بإبراهيم مسنداً ظهره إلى البيت المعمور. وإذا هو يدخله كلَّ يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه ... ".
(صحيح مسلم 1/145-147 - ك الإيمان، ب الإسراء برسول الله - صلى الله عليه وسلم -) .(4/393)
وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ (5) وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ (6) إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ (7) مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ (8) يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا (9) وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا (10) فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (11) الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ (12) يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا (13) هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ (14) أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لَا تُبْصِرُونَ (15) اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (16)
قوله تعالى (وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ (5) وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ (6) إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (والسقف المرفوع) والسماء.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (والبحر المسجور) قال: الموقد.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (والبحر المسجور) الممتلئ.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، في قوله: (والبحر المسجور) يقول: المحبوس.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (إن عذاب ربك لواقع) وقع القسم ها هنا (إن عذاب ربك لواقع) وذلك يوم القيامة.
قوله تعالى (يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا (9) وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا (10) فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (يوم تمور السماء مورا) قال: يقول: تحريكا.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (يوم تمور السماء مورا) قال: تدور دورا.
انظر سورة طه آية (105) وسورة النبأ آية (7) وتفسيرها لبيان ذهاب الجبال ومحوها.
انظر سورة البقرة آية (79) لبيان معنى الويل.
قوله تعالى (يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا) يقول: يدفعون.
قوله تعالى (اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)
انظر سورة يس آية (54) .(4/394)
إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ (17) فَاكِهِينَ بِمَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (18) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (19) مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (20) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ (21)
قوله تعالى (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ (17) فَاكِهِينَ بِمَا آَتَاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (18) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (19) مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ)
قال ابن كثير: مصفوفة، أي: وجوه بعضهم إلى بعض، كقوله (على سرر متقابلين) سورة الصافات آية: 44.
وانظر سورة يس آية (55-58) وسورة النبأ آية (31-35) لبيان هذه النعم في الجنة.
قوله تعالى (وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، في هذه الآية (والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان) فقال: إن الله تبارك وتعالى يرفع للمؤمن ذريته، وإن كانوا دونه في العمل، ليقر الله بهم عينه.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (وما ألتناهم من عملهم من شيء) قال: وما نقصناهم.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (وما ألتناهم من عملهم من شيء) يقول: وما ظلمناهم من عملهم من شيء.
قال ابن كثير: وقوله (كل امرئ بما كسب رهين) لما أخبر عن مقام الفضل وهو رفع درجة الذرية إلى منزلة الآباء من غير عمل يقتضي ذلك، أخبر عن مقام العدل، وهو أنه لا يؤاخذ أحداً بذنب أحد بل (كل امرئ بما كسب رهين) أي: مرتهن بعمله، لا يحمل عليه ذنب غيره من الناس، سواء كان أبا أو ابنا كما قال (كل نفس بما كسبت رهينة إلا أصحاب اليمين في جنات يتساءلون عن المجرمين) .(4/395)
يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْسًا لَا لَغْوٌ فِيهَا وَلَا تَأْثِيمٌ (23) وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ (24) وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (25) قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ (26) فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ (27) إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ (28) فَذَكِّرْ فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلَا مَجْنُونٍ (29) أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ (30) قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ (31)
قوله تعالى (يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْسًا لَا لَغْوٌ فِيهَا وَلَا تَأْثِيمٌ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (لا لغو فيها) يقول: لا باطل فيها.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، في قوله (لا لغو فيها) قال: لا يستبون (ولا تأثيم) يقول: ولا يؤثمون.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (لا لغو فيها ولا تأثيم) أي: لا لغو فيها ولا باطل، إنما كان الباطل في الدنيا مع الشيطان.
قوله تعالى (وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ)
قال ابن كثير: وقوله تعالى (وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ) إخبار عن خدمهم وحشمهم في الجنة، كأنهم اللؤلؤ الرطب المكنون في حسنهم وبهائهم ونظافتهم وحسن ملابسهم، كما قال تعالى: (ويطوف عليهم ولدان مخلدون بأكواب وأباريق وكأس من معين) .
قوله تعالى (وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: (وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ) قال: إذا بعث في النفخة الثانية.
قوله تعالى ( ... إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (إنه هو البر) يقول: اللطيف.
قوله تعالى (أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ (30) قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (ريب المنون) قال: حوادث الدهر.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (ريب المنون) يقول: الموت.
انظر سورة السجدة آية (30) وسورة طه آية (135) .(4/396)
أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلَامُهُمْ بِهَذَا أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ (32) أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لَا يُؤْمِنُونَ (33) فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ (34) أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ (35) أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لَا يُوقِنُونَ (36) أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ (37) أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (38) أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ (39) أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ (40) أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ (41) أَمْ يُرِيدُونَ كَيْدًا فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ (42) أَمْ لَهُمْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (43) وَإِنْ يَرَوْا كِسْفًا مِنَ السَّمَاءِ سَاقِطًا يَقُولُوا سَحَابٌ مَرْكُومٌ (44) فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ (45) يَوْمَ لَا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (46) وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَابًا دُونَ ذَلِكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (47)
قوله تعالى ( ... أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله (أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ) قال: بل هم قوم طاغون.
قوله تعالى ( ... أَمْ هُمُ الْمُسَيْطِرُونَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (أم هم المسيطرون) يقول: المسلطون.
قوله تعالى (وَإِنْ يَرَوْا كِسْفًا مِنَ السَّمَاءِ سَاقِطًا يَقُولُوا سَحَابٌ مَرْكُومٌ) قال ابن كثير: يقول تعالى مخبرا عن المشركين بالعناد والمكابرة للمحسوس (وإن يروا كسفا من السماء ساقطا) أي: عليهم يعذبون به، لما صدقوا ولما أيقنوا، بل يقولون هذا (سحاب مركوم) أي: متراكم. وهذه كقوله تعالى (وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ (14) لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله (كسفا) يقول: قطعا.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (إن يروا كسفا) يقول: وإن يروا قطعا (من السماء ساقطا يقولوا سحاب مركوم) يقول جل ثناؤه: يقولوا لذلك الكسف من السماء الساقط، هذا سحاب مركوم، يعني بقوله مركوم: بعضه على بعض.
قوله تعالى (وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَابًا دُونَ ذَلِكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) قال ابن كثير: ثم قال (وإن للذين ظلموا عذاباً دون ذلك) أي: قبل ذلك في الدار الدنيا، كقوله (ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر لعلهم يرجعون) .(4/397)
وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَابًا دُونَ ذَلِكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (47) وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ (48) وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ (49)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، وقوله: (وإن للذين ظلموا عذاباً دون ذلك) يقول: عذاب القبر قبل عذاب يوم القيامة.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (وإن للذين ظلموا عذاباً دون ذلك) قال: الجوع.
قوله تعالى ( ... وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ)
قال الحاكم: أخبرنا أبو بكر بن إسحاق الفقيه أخبرنا أحمد بن إبراهيم بن ملحان ثنا يحيى بن بكر ثنا الليث عن ابن الهاد عن يحيى بن سعيد بن زرارة بن أوفى عن عائشة رضي الله عنها قالت: ما كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقوم من مجلس إلا قال: "سبحانك اللهم ربي وبحمدك، لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك".
فقلت له: يا رسول الله، ما أكثر ما تقول هؤلاء الكلمات إذا قمت، قال: "لا يقولهن من أحد حين يقوم من مجلسه إلا غفر له ما كان منه في ذلك المجلس".
هذا صحيح الإسناد ولم يخرجاه. (المستدرك 1/496-497) . ووافقه الذهبي، وعزاه الحافظ للعسال في كتاب الأبواب من طريق أبي إسحاق عن الأسود عن عائشة بنحوه. قال الحافظ: وإسناده حسن (النكت على ابن الصلاح 2/734) . وللحديث شواهد كثيرة بعضها صحيح الإسناد، وبعضها دون ذلك مع صلاحيتها للاحتجاج أو الاستشهاد، وقد أطال الكلام عليها الحافظ في النكت على ابن الصلاح (2/716) ، وفي آخر الفتح (13/545-546) .
قال الطبري: حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، في قوله (وسبح بحمد ربك حين تقوم) قال: من كل منامة، يقول حين يريد أن يقوم: سبحانك وبحمدك.
وسنده صحيح.
قوله تعالى (وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ)
قال البخاري: حدثنا صدقة بن الفضل أخبرنا الوليد، عن الأوزاعي قال حدثني عُمير بن هانئ قال: حدثني جُنادة بن أبي أمية حدثني عُبادة بن الصامت عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "من تعَارّ من الليل فقال: لا الله إلا الله وحده لا شريك له،(4/398)
وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ (49)
له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير. الحمد لله وسبحان الله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله. ثم قال: اللهم اغفر لي -أو دعا- استُجيب. فإن توضأ قبلت صلاته".
(صحيح البخاري 3/47-48 - ك التهجد، ب فضل من تعارّ من الليل فصلَّى ح1154) .
قوله: من تعارّ: أي إذا استيقظ، ولا يكون إلا يقظة مع كلام، وقيل: تمطّى وأن.
قال مسلم: حدثنا محمد بن عبيد الغبري، حدثنا أبو عوانة، عن قتادة، عن زرارة بن أوفى، عن سعد بن هشام، عن عائشة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها".
(الصحيح 1/501 ح725 - ك صلاة المسافرين، ب استحباب ركعتي سنة الفجر) ، وقد أخرجه الطبري (27/39 عند تفسير هذه الآية من طريق قتادة به) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وإدبار النجوم) قال: ركعتان قبل صلاة الصبح.(4/399)
وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2) وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (5) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى (6) وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى (7) ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (8)
سورة النجم
قوله تعالى (وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2) وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى)
قال ابن كثير: وهذه الآية كقوله تعالى (فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (75) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (76) إِنَّهُ لَقُرْآَنٌ كَرِيمٌ (77) فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ (78) لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (79) تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ) .
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (والنجم إذا هوى) قال: إذا سقطت الثريا مع الفجر.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (وما ينطق عن الهوى) أي: ما ينطق عن هواه (إن هو إلا وحي يوحى) قال: يوحي الله تبارك وتعالى إلى جبرائيل، ويوحي جبريل إلى محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
قوله تعالى (عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى) يعني: جبريل.
قوله تعالى (ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، في قوله: (ذو مرة) قال: ذو منظر حسن.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى) قال: ذو قوة جبريل.
قوله تعالى (وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى) والأفق: الذي يأتي آخر النهار.
قوله تعالى (ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى) قال: جبريل.(4/400)
فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (9) فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى (10) مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى (11) أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى (12) وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13)
قوله تعالى ( ... قَابَ قَوْسَيْنِ)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (قَابَ قَوْسَيْنِ) قال: حيث الوتر من القوس.
قوله تعالى (فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى)
أخرج مسلم بسنده عن أن مرفوعاً وفيه ذكر سدرة المنتهى. قال فلما غشيها من أمر الله ما غشى تغيرت فما أحد من خلق الله يستطيع أن ينعتها من حسنها، فأوحى الله إلي ما أوحى ففرض عليّ خمسين صلاة في كل يوم وليلة ... الحديث كما تقدم في سورة الإسراء.
(الصحيح - الإيمان - ب الإسراء برسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - 1/145، ح162) .
قوله تعالى ( ... وَلَقَدْ رَآَهُ نَزْلَةً أُخْرَى)
قال البخاري: حدثنا يحيى: حدثنا وكيع، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن عامر، عن مسروق قال: قلتُ لعائشة رضي الله عنها: يا أمَّتاه، هل رأى محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ربه؟ فقالت: لقد قفّ شعري مما قلتَ، أينَ أنت من ثلاث من حدثكهن فقد كذب: من حدثك أن محمداً - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رأى ربه فقد كذب، ثم قرأت (لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) ، (وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ) . ومن حدثك أنه يعلم ما في غد فقد كذب، ثم قرأت (وما تدري نفس ماذا تكسب غداً) ومن حدثك أنه كتم فقد كذب، ثم قرأت (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك) الآية.
ولكن رأى جبريل عليه السلام في صورته مرتين.
(صحيح البخاري 8/472 - ك التفسير - سورة النجم ح4855) ، (وصحيح مسلم 1/159 - ك الإيمان، ب معنى قول الله عز وجل: (ولقد رآه نزلة أخرى ... ) مطولاً) .
وقال البخاري: حدثنا محمد بن عبد الله بن إسماعيل، حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري، عن ابن عون: أنبأنا القاسم عن عائشة رضي الله عنها قالت: مَن(4/401)
وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (14) عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى (15) إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى (16)
زعم أن محمداً رأى ربه فقد أعظم، ولكن قد رأى جبريل في صورته وخلقه ساداً ما بين الأفق.
(صحيح البخاري 6/361 - ك بدء الخلق، ب إذا قال أحدكم آمين والملائكة في السماء فوافقت إحداهما الأخرى غفر له ما تقدم من ذنبه ح3234) .
وقال البخاري: حدثنا أبو النعمان: حدثنا عبد الواحد، حدثنا الشيباني قال سمعت زِرّا عن عبد الله (فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (9) فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى) قال حدثنا ابن مسعود: أنه رأى جبريل له ستمائة جناح.
(صحيح البخاري 8/476 - ك التفسير - سورة النجم (فكان قاب قوسين أو أدنى) ح4856) ، وأخرجه مسلم (الصحيح - الإيمان - ب في ذكر سدرة المنتهى 1/158 ح174) .
وقال البخاري: حدثنا محمد بن يوسف: حدثنا أبو أسامة: حدثنا زكريا بن أبي زائدة، عن ابن الأشوع، عن الشعبي، عن مسروق قال: قلتُ لعائشة: فأين قوله (ثم دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى) ؟ قالت: ذاك جبريل كان يأتيه في صورة الرجل، وإنما أتى هذه المرة في صورته التي هي صورته، فسد الأفق.
(صحيح البخاري 6/361 - ك بدء الخلق، ب إذا قال أحدكم "آمين" والملائكة في السماء وافقت إحداهما الأخرى غفر له ما تقدم من ذنبه ح3235) ، وأخرجه مسلم (الصحيح - الإيمان - في معنى قوله عز وجل (ولقد رآه نزلة أخرى 1/160 ح177) .
وقال مسلم: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة: حدثنا وكيع عن يزيد بن إبراهيم، عن قتادة، عن عبد الله بن شقيق، عن أبي ذر، قال: سألت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هل رأيتَ ربك؟ قال: "نور أنى أراه".
(صحيح مسلم 1/161 - ك الإيمان، ب في قوله عليه السلام: "نور أى أراه". وفي قوله: "رأيت نورا" ح78) .
قوله تعالى (عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (14) عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى (15) إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى) قال النسائي: أخبرنا يحيى بن حكيم، حدثنا يحيى بن سعيد، عن حماد بن سلمة، عن عاصم، عن زر بن حبيش، عن عبد الله، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (ولقد رآه نزلة أخرى) قال: "رأيت جبريل -عليه السلام- عند سدرة المنتهى له ستمائة جناح يتناثر منها تهاويل الدر".(4/402)
عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (14) عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى (15) إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى (16) مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى (17) لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى (18)
(التفسير 2/350 ح562) ، وأخرجه أحمد (المسند 1/460) عن حسن بن موسى، وان خزيمة في (التوحيد 1/500 ح291) من طريق حجاج بن محمد، والطبري (التفسير 27/49) من طريق عمرو بن عاصم، كلهم عن حماد بن سلمة، عن عاصم بن بهدلة به. ولفظ أحمد: عن ابن مسعود في هذه الآية (ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى) قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "رأيت جبريل وله ستمائة جناح ... " قال ابن كثير عن إسناد أحمد: إسناد جيد قوي. وساق له روايات أخرى عند أحمد وحسنها كلها وجودها (التفسير 4/389-390) . ويشهد له ما رواه مسلم بسنده عن أبي هريرة (ولقد رآه نزلة أخرى) قال: رأى جبريل (الصحيح - الإيمان، ب معنى قوله عز وجل (ولقد رآه نزلة أخرى) 1/158 ح175) .
قال مسلم: وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة: حدثنا أبو أسامة: حدثنا مالك بن مِغول: ح وحدثنا ابن نمير وزهير بن حرب. جميعا عن عبد الله بن نمير. وألفاظهم متقاربة. قال ابن نمير: حدثنا أبي: حدثنا مالك بن مغول، عن الزبير ابن عدي، عن طلحة، عن مرة، عن عبد الله، قال: لمّا أسريَ برسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
انتهى به إلى سدرة المنتهى. وهي في السماء السادسة. إليها ينتهي ما يعرُج به من الأرض. فيُقبض منها. وإليها ينتهي ما يُهبط به من فوقها. فيُقبض منها. قال: (إذ يغشي السدرة ما يغشى) . قال: فراش من ذهب. قال: فأعطي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثلاثا: أُعطى الصلوات الخمس. وأُعطي خواتيم سورة البقرة. وغفر، لمن لم يُشرك بالله من أمته شيئا، المُقحمات.
(صحيح مسلم 1/157 - ك الأيمان، ب في ذكر سدرة المنتهى ح173) .
وانظر حديث أنس المتقدم في مطلع سورة الإسراء. وفيه وصف سدرة المنتهى: وإذا أوراقها كآذان الفيلة: وإذا ثمرها كالقلال ... والقلال جمع قلة: وهي الجرة.
قوله تعالى (لَقَدْ رَأَى مِنْ آَيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى)
قال البخاري: حدثنا قبيصة، حدثنا سفيان، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - (لقد رأى من آيات ربه الكبرى) قال: رأى رفْرفاً أخضر قد سدّ الأفق.
(صحيح البخاري 8/477 - ك التفسير - سورة النجم، ب (الآية) ح4858) .
قال البخاري: حدثنا محمد بن بشار: حدثنا غندر: حدثنا شعبة، عن قتادة.
وقال لي خليفة: حدثنا يزيد بن زريع: حدثنا سعيد، عن قتادة عن أبي العالية: حدثنا ابن عم نبيكم -يعني ابن عباس رضي الله عنهما- عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:(4/403)
لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى (18) أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (19)
"رأيت ليلة أُسري بي موسى رجلا آدم طوالا جعداً كأنه من رجال شنوءة، ورأيت عيسى رجلا مربوعاً، مربوع الخلق إلى الحمرة والبياض، سبط الرأس، ورأيت مالكاً خازن النار، والدجال في آيات أراهن الله إياه، فلا تكن في مرية من لقائه. قال أنس وأبو بكرة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "تَحرس الملائكة المدينة من الدجال".
(الصحيح 6/314 ح3239- ك بدء الخلق، ب إذا قال أحدكم آمين) ، وأخرجه مسلم (الصحيح - الإيمان، ب الإسراء 1/151 ح165) .
وانظر حديث مسلم الوارد في مطلع سورة الإسراء. وفيه ذكر السدرة والآيات الكبرى.
قوله تعالى (أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى)
قال البخاري: حدثنا مسلم بن إبراهيم، حدثنا أبو الأشهب: حدثنا أبو الجوزاء عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: (أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى) . "كان اللات رجلاً يَلُت سويق الحاج".
(صحيح البخاري 8/478 - ك التفسير - سورة النجم، ب (الآية) ح4859) .
قال النسائي: أخبرنا علي بن المنذر قال، حدثنا ابن الفضيل قال، حدثنا الوليد بن جميع عن أبي الطفيل قال: لما فتح رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مكة بعث خالد بن الوليد إلى نخلة، وكانت بها العزى، فأتاها خالد، وكانت على ثلاث سمرات، فقطع السمرات وهدم البيت الذي كان عليها ثم أتى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأخبره، فقال: "ارجع فإنك لم تصنع شيئاً"، فرجع خالد، فلما أبصرت به السدنة، وهم حجبتها، أمعنو في الرحيل وهم يقولون: يا عزى، فأتاها خالد فإذا هي امرأة ناشرة شعرها تحتفن التراب على رأسها، فعممها بالسيف حتى قتلها ثم رجع إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأخبره فقال: "تلك العزى".
(التفسير: 2/357-359 ح567) ، وأخرجه أيضاً أبو يعلى في مسنده (2/196 ح902) عن أبي كريب عن محمد بن فضيل به. وقال محقق النسائي: إسناده حسن، وقال محقق أبو يعلى: إسناده صحيح والأول أصح لما في الوليد من كلام ينزل حديثه إلى رتبة الحسن.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (أفرأيتم اللات والعزى) أما اللات فكان بالطائف.(4/404)
وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى (20) أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى (21) تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى (22) إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى (23) أَمْ لِلْإِنْسَانِ مَا تَمَنَّى (24) فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولَى (25) وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى (26)
قوله تعالى (وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى)
قال البخاري: حدثنا الحميدي: حدثنا سفيان: حدثنا الزهري: سمعتُ عُروة قلت لعائشة رضي الله عنها، فقالت: إنما كان من أهلَّ لمناة الطاغية التي بالمشَلّل لا يطوفون بين الصفا والمروة، فأنزل الله تعالى: (إن الصفا والمروةَ من شعائر الله) فطاف رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والمسلمون. قال سفيان: مناة بالمشلّل من قُديد، وقال عبد الرحمن بن خالد عن ابن شهاب: قال عروة قالت عائشة: "نزلت في الأنصار، كانوا هم وغسّان -قبل أن يُسلموا- يهلّون لمناة" مثله، وقال معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة: كان رجالٌ من الأنصار ممّن كان يهل لمناة -ومَناةُ صنمٌ بين مكة والمدينة- قالوا: يا نبي الله، كنا لا نطوف بين الصفا والمروة تعظيما لمناة. نحوه.
(صحيح البخاري 8/479 - ك التفسير - سورة النجم، الآية ح4861) ، وأخرجه مسلم في صحيحه (انظر شرح النووي على صحيح مسلم 9/22) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ومناة الثالثة الأخرى) قال: أما مناة فكانت بقديد، آلهة كانوا يعبدونها، يعنى اللات والعزى ومناة.
قوله تعالى (تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (تلك إذا قسمة ضيزى) قال: عوجاء.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (تلك إذا قسمة ضيزى) يقول: قسمة جائرة.
قوله تعالى (وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى)
قال ابن كثير: وقوله (وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى) كقوله: (من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه) ، (ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له) فإذا كان هذا في حق(4/405)
وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى (26) إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلَائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثَى (27) وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا (28) فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (29) ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى (30) وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى (31) الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى (32)
الملائكة المقربين، فكيف ترجون أيها الجاهلون شفاعة هذه الأصنام والأنداد عند الله، وهو لم يشرع عبادتها ولا أذن فيها، بل قد نهى عنها على ألسنة جميع رسله وأنزل بالنهى عن ذلك جميع كتبه.
قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلَائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثَى (27) وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا)
قال ابن كثير: يقول تعالى منكرا على المشركين في تسميتهم الملائكة تسمية الأنثى، وجعلهم لها أنها بنات الله كما قال تعالى: (وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا أشهدا خلقهم ستكتب شهادتهم ويسألون) ولهذا قال: (وما لهم به من علم) أي: ليس لهم علم صحيح يصدق ما قالوه بل هو كذب وزر وافتراء وكفر شنيع (إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئا) أي: لا يجدي شيئا، ولا يقوم أبداً مقام الحق. وقد ثبت في الصحيح أن الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث".
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، في قوله (تسمية الأنثى) قال: الإناث.
قوله تعالى (فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا)
انظر سورة الأنعام (106) وتفسيرها.
قوله تعالى (وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى)
انظر سورة العنكبوت آية (7) وفصلت آية (27) لبيان جزاء المحسنين وجزاء الذي أساءوا.
قوله تعالى (الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ)
قال البخاري: حدثني محمود بن غيلان، حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن ابن طاووس، عن أبيه، عن ابن عباس قال: ما رأيتُ أشبه باللمم مما قال أبو هريرة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إن الله كتب على ابن آدم حظّه من الزنا أدرك ذلك(4/406)
الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى (32)
لا محالة: فزنا العين النظر، وزنا اللسان المنطق، والنفس تمني وتشتهي، والفرج يصدق ذلك ويكذّبه. وقال شبابة: حدثنا ورقاء، عن ابن طاووس، عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
(صحيح البخاري 11/511 ح6612 - ك القدر، ب (وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون..) ، (وصحيح مسلم 4/2046 - ك القدر، ب قدر ابن آدم حظه من الزنى وغيره بنحوه) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم) يقول إلا ما قد سلف.
قوله تعالى (إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ)
قال ابن كثير: وقوله (إن ربك واسع المغفرة) أي: رحمته وسعت كل شيء، ومغفرته تسع الذنوب كلها لمن تاب منها، كقوله: (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم) .
قوله تعالى (فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ)
قال البخاري: حدثنا آدم: حدثنا شعبة، عن خالد عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه أن رجلاً ذكر عند النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأثنى عليه رجل خيراً، فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ويحك، قطعتَ عُنق صاحبك -يقوله مراراً- إن كان أحدُكم مادحاً لا محالة فليقل: أحسب كذا وكذا، إن كان يَرَى أنه كذلك، والله حسيبه، ولا يُزكي على الله أحداً. قال وُهيب عن خالد ويلك".
(صحيح البخاري 10/491 - ك الأدب، ب ما يكره من التمادح ح6061) ، (وصحيح مسلم 4/2296 - ك الزهد والرقائق، ب النهي عن المدح إذا كان فيه إفراط ... ونحوه) .
قال مسلم: حدثنا عمرو الناقد: حدثنا هاشم بن القاسم: حدثنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب، عن محمد بن عمرو بن عطاء. قال: سمّيتُ ابنتي برّة.
فقالت لي زينب بنت أبي سلمة: إن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن هذا الإسم.(4/407)
وسُميتُ برّة. فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا تزكوا أنفسكم، الله أعلم بأهل البر منكم". فقالوا: بِم نسمّيها؟ قال: "سموها زينب".
(صحيح مسلم 3/1687-1688 ح2142 - ك الآداب، ب استحباب تغيير الاسم القبيح إلى حسن وتغيير اسم برّه إلى زينب وجويرية ونحوهما) .
قال ابن كثير: وقوله (فلا تزكوا أنفسكم) أي: تمدحوها وتشكروها وتمنوا بأعمالكم (هو أعلم بمن اتقى) كما قال: (ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم بل الله يزكي من يشاء ولا يظلمون فتيلا) .
قوله تعالى (أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى)
قال ابن كثير: يقول الله تعالى ذامَّا لمن تولى عن طاعة الله: (فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى (31) وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى) . ا. هـ. سورة القيامة آية: 31-32.
قوله تعالى (وَأَعْطَى قَلِيلًا وَأَكْدَى)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، في قوله (وأكدى) قال الوليد بن المغيرة: أعطى قليلا ثم أكدى: انقطع عطاؤه.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وأكدى) أي بخل وانقطع عطاؤه.
قوله تعالى (وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى)
قال الحاكم: أخبرنا عبد بن الحسن الكارزي، ثنا علي بن عبد العزيز، ثنا معلى بن راشد، ثنا وهيب عن داود عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سهام الإسلام ثلاثون سهما لم يتمها أحد قبل إبراهيم عليه السلام، قال الله عز وجل (وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى) .
هذا صحيح الإسناد ولم يخرجاه. (المستدرك 2/470) ، وأقر الذهبي الحاكم على تصحيحه.
ورجاله ليس فيهم ما يقتضي الطعن، سوى المعلى بني راشد، قال فيه أبو حاتم: شيخ يعرف بحديث ... في لعق الصحفة، وقال النسائي: ليس به بأس، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال الترمذي في حديثه المذكور آنفا: حسن غريب. وقال فيه الذهبي صدوق (انظر التهذيب 10/237، وتهذيب الكمال 28/825 و287، والكاشف 2/281 تحقيق عوامة) وأما داود فهو ابن أبي هند معروف برواية وهيب بن خالد البصري عنه (تهذيب الكمال 31/164) وشطره الأول له شواهد صححها الألباني في (السلسلة الصحيحة برقم1387) .(4/408)
أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى (38) وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (39) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى (40) ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى (41) وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى (42) وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى (43) وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا (44) وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (45) مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى (46) وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرَى (47) وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى (48) وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى (49) وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى (50) وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى (51) وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى (52) وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى (53) فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى (54)
قوله تعالى (أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى (38) وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (39) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى (40) ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى (41) وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى (42) وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى (43) وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا (44) وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (45) مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى (46) وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرَى (47) وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى (48) وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى (49) وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى (50) وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى (51) وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى (52) وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى (53) فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى)
في هذه الآيات الكريمة قضايا من العقيدة اشتملت عليها صحف إبراهيم وموسى ومن خلال القرآن الكريم نتعرف على بعض الصحف القديمة وبعض ما احتوته.
قوله تعالى (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى)
قال مسلم: حدثنا يحيى بن أيوب وقتيبة يعني ابن سعيد وابن حُجر. قالوا: حدثنا إسماعيل هو ابن جعفر، عن العلاء، عن أبيه، عن أبي هريرة، أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقة جارية، أو علم يُنتفع به، أو ولد صالح يدعو له".
(الصحيح 3/1255 ح1631 - ك الوصية، ب ما يلحق الإنسان من الثواب بعد وفاته) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى) قال: فأنزل الله بعد هذا (والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم) فأدخل الأبناء بصلاح الآباء الجنة.
قال ابن كثير: (وأن سعيه سوف يرى) أي: يوم القيامة، كما قال تعالى: (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون) .
قوله تعالى (وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا (44) وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى)
قال ابن كثير: (وأنه هو أمات وأحيا) كقوله: (الذي خلق الموت والحياة) ، (وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (45) مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى) كقوله: (أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى (36) أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى (37) ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى (38) فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (39) أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى) .(4/409)
وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى (48) وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى (49) وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى (50) وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى (51) وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى (52) وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى (53)
قوله تعالى (وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (أغنى وأقنى) قال: أعطى وأرضى وأخدم.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (وأنه هو أغنى وأقنى) يقول: أعطاه وأرضاه.
قوله تعالى (وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى)
قال الطبري: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله (وأنه هو رب الشعرى) كان حي من العرب يعبدون الشعرى هذا النجم الذي رأيتم، قال بشر، قال: يريد النجم الذي يتبع الجوزاء.
وسنده صحيح.
قوله تعالى (وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى)
قال ابن كثير: وهم قوم هود. ويقال لهم: عاد بن إرم بن سام بن نوح، كما قال تعالى: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (6) إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ (7) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ) فكانوا من أشد الناس وأقواهم وأعتاهم على الله وعلى رسوله، فأهلكهم الله (بريح صرر عاتية سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما) .
قوله تعالى (وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وقوم نوح من قبل إنهم كانوا هم أظلم وأطغى) لم يكن قبيل من الناس هم أظلم وأطغى من قوم نوح، دعاهم نبي الله ألف سنة إلا خمسين عاما، كلما هلك قرن ونشأ قرن دعاهم نبي الله.
قوله تعالى (وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله (والمؤتفكة أهوى) قال: أهواها جبريل، قال: رفعها إلى السماء ثم أهواها.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (والمؤتفكة أهوى) قال: قرية لوط.(4/410)
فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى (54) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكَ تَتَمَارَى (55) هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولَى (56) أَزِفَتِ الْآزِفَةُ (57) لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ (58) أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ (59) وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ (60) وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ (61) فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا (62)
قوله تعالى (فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فغشاها ما غشى) غشاها صخرا منضودا.
قوله تعالى (فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكَ تَتَمَارَى)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكَ تَتَمَارَى) يقول: فبأي نعم الله تتمارى يا ابن آدم.
قوله تعالى (هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولَى)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (هذا نذير من النذر الأولى) إنما بعث الله محمداً بما بعث به الرسل من قبله.
قوله تعالى (أَزِفَتِ الْآَزِفَةُ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (أَزِفَتِ الْآَزِفَةُ) من أسماء يوم القيامة، عظمه الله، وحذره عباده.
قوله تعالى (وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (سامدون) يقول: لاهون.
قوله تعالى (فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا)
قال البخاري: حدثنا أبو معمر، حدثنا عبد الوارث، حدثنا أيوب عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "سجد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالنجم، وسجد معه المسلمون والمشركون والجن والإنس".
(صحيح البخاري 8/480 - ك التفسير - سورة النجم، ب (الآية) ح4862) .
وقال البخاري: حدثنا نصر بن علي أخبرني أبو أحمد -يعني الزبيري- حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن الأسود بن يزيد عن عبد الله - رضي الله عنه - قال: أولُ سورةٍ أنزلت فيها سجدة والنجم، قال فسجد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وسجد من خلفه، إلا رجلا رأيته أخذَ كفا من تراب فسجد عليه، فرأيته بعد ذلك قُتل كافراً وهو أمية بن خلف.
(صحيح البخاري 8/480 ك التفسير - سورة النجم- ب (الآية) - ح4863 صحيح مسلم 1/405 - ك المساجد ومواضع الصلاة، ب سجود التلاوة) .(4/411)
فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا (62)
قال مسلم: حدثنا يحيى بن يحيى، ويحيى بن أيوب، وقتيبة بن سعيد، وابن حُجر (قال يحيى بن يحيى: أخبرنا. وقال الآخرون: حدثنا إسماعيل، وهو ابن جعفر) عن يزيد بن خُصيفة، عن ابن قُسيط، عن عطاء بن يسار، أنه أخبره أنه سأل زيد بن ثابت عن القراءة مع الإمام؟ فقال: لا قراءة مع الإمام في شيء.
وزعم أنه قرأ على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: والنجم إذا هوى. فلم يسجد.
(صحيح مسلم 1/406 - ك المساجد ومواضع الصلاة، ب سجود التلاوة ح577) ، وأخرجه البخاري بهذا اللفظ وبلفظ أخرجه بدون ذكر وزعم (الصحيح - سجود القرآن، ب من قرأ السجدة ولم يسجد ح1072 و1073) .(4/412)
اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ (1) وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ (2)
سورة القمر
قوله تعالى (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ)
قال مسلم: وحدثني عبد بن المثنى: حدثنا عبد الوهاب بن عبد المجيد، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جابر بن عبد الله، قال: كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا خطب احمرّت عيناه، وعلا صوته، واشتد غضبه. حتى كأنه منذر جيش، يقول: صبّحكم ومسّاكم. ويقول: بُعثت أنا والساعة كهاتين، ويقرُنُ بين إصبعيه السبابة والوسطى.
(صحيح مسلم 2/592 - ك الجمعة، ب تخفيف الصلاة والخطبة ح867) .
قوله تعالى (وَانْشَقَّ الْقَمَرُ (1) وَإِنْ يَرَوْا آَيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ) قال البخاري: حدثنا مسدد حدثنا يحيى، عن شعبة، وسفيان، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن أبي معمَر، عن ابن مسعود قال: انشق القمرُ على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِرقتين: فِرقة فوق الجبل، وفرقةٌ دُونه. فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اشهدوا.
(صحيح البخاري 8/483-484 - ك التفسير - سورة القمر، ب (الآية) ح4864) ، وأخرجه مسلم في (الصحيح - صفات المنافقين، ب انشقاق القمر ح2800) .
وقال البخاري: حدثنا عبد الله بن محمد: حدثنا يونس بن محمد: حدثنا شيبان، عن قتادة عن أنس - رضي الله عنه - قال: "سأل أهل مكة أن يُريهم آية فأراهم انشقاق القمر".
(صحيح البخاري 8/483- 484 - ك التفسير - سورة القمر، (الآية) ح4867) ، وأخرجه مسلم في (صحيحه ح2802) .
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (سحر مستمر) قال: ذاهب.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر) قال: رأى أهل الضلالة شيئا من آيات الله قالوا: إنما هذا عمل السحر، يوشك هذا أن يستمر ويذهب.(4/413)
وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ (3) وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الْأَنْبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ (4) حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ (5) فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ (6) خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ (7) مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ (8) كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ (9) فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ (10) فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ (11) وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ (12) وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ (13)
قوله تعالى ( ... وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ) أي: بأهل الخير الخير، وبأهل الشر الشر.
قوله تعالى (…مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (مزدجر) قال: منتهى ... قوله تعالى (حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ)
قال ابن كثير: وقوله: (حكمة بالغة) أي: في هدايته تعالى لمن هداه وإضلاله من أضله (فما تغني النذر) يعني: أي شيء تغني النذر عمن كتب الله عليه الشقاوة، وختم على قلبه؟ فمن الذي يهديه من بعد الله؟ وهذه الآية كقوله تعالى: (قل فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين) . وكذا قوله تعالى: (وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون) .
قوله تعالى (خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ (7) مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ)
انظر سورة المعارج آية (43- 44) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (خشعا أبصارهم) أي: ذليلة أبصارهم.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (مهطعين) يقول: ناظرين.
قوله تعالى ( ... وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (وازدجر) قال: استطير جنوناً.
قوله تعالى (وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ) حدثنا أن دسر: مساميرها التي شدت بها.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (ودسر) يقول: المسامير.(4/414)
وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ (13) تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ (14) وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (15) فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (16) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (17) كَذَّبَتْ عَادٌ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (18) إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ (19) تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ (20) فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (21)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (ودسر) قال: أضلاع السفينة.
قوله تعالى ( ... جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ) قال: كفر بالله.
قوله تعالى (وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آَيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آَيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) قال: أبقاها الله بباقَردى من أرض الجزيرة، عبرة وآية، حتى نظرت إليها أوائل هذه الأمة نظراً، وكم من سفينة كانت بعدها قد صارت رمادا.
قوله تعالى (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآَنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (يسرنا القرآن للذكر) قال: هوناه.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآَنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) يقول: فهل من طالب خير يعان عليه.
وانظر سورة مريم آية (97) .
قوله تعالى (كَذَّبَتْ عَادٌ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (18) إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ (19) تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ (20) فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُر)
هذه الآيات بيان مصير قوم عاد وقد تقدم ذكر مصيرهم في سورة الأعراف آية (65-72) وسورة هود آية (50-58) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (إنا أرسلنا عليهم ريحا صرصرا) والصرصر: الباردة.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قال: النحس: الشؤم.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (في يوم نحس مستمر) يستمر بهم إلى نار جهنم.(4/415)
وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (22) كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ (23) فَقَالُوا أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذًا لَفِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ (24) أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ (25) سَيَعْلَمُونَ غَدًا مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ (26) إِنَّا مُرْسِلُو النَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ (27) وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ (28) فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ (29) فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (30) إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ (31) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (32)
قوله تعالى (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآَنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ)
انظر تفسير الآية (17) من السورة نفسها.
قوله تعالى (كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ (23) فَقَالُوا أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذًا لَفِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ (24) أَؤُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ (25) سَيَعْلَمُونَ غَدًا مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ (26) إِنَّا مُرْسِلُو النَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ (27) وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ (28) فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ (29) فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (30) إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ)
في هذه الآيات مصير قوم ثمود وعقرهم الناقة، وقد تقدم في سورة الأعراف آية (73-79) وسور هود آية (59-68) وسورة الشمس آية (11-15) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (إنا إذا لفي ضلال وسعر) في عناء وعذاب.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، في قوله (كل شرب محتضر) قال: يحضرون بهم الماء إذا غابت، وإذا جاءت حضروا اللبن.
قال ابن كثير: ثم قال تعالى (فنادوا صاحبهم فتعاطى فعقر) قال المفسرون: هو عاقر الناقة، واسمه قدار بن سالف، وكان أشقى قومه كقوله: (إذ انبعث أشقاها) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (فكانوا كهشيم المحتظر) يقول: كهشيم محترق.
قوله تعالى (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآَنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ)
انظر آية (17) من السورة نفسها.(4/416)
كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ (33) إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ (34) نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنَا كَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ (35) وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنَا فَتَمَارَوْا بِالنُّذُرِ (36) وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ (37) وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذَابٌ مُسْتَقِرٌّ (38) فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ (39) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (40) وَلَقَدْ جَاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ (41) كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كُلِّهَا فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ (42) أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولَئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ (43) أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ (44) سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ (45)
قوله تعالى (كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ (33) إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا إِلَّا آَلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ (34) نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنَا كَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ (35) وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنَا فَتَمَارَوْا بِالنُّذُرِ (36) وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ (37) وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذَابٌ مُسْتَقِرٌّ (38) فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ (39) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآَنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ)
في هذه الآيات قصة مصير قوم لوط وقد تقدمت في سورة الأعراف آية (80- 84) وسورة هود آية (74-83) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (فتماروا بالنذر) لم يصدقوه.
قوله تعالى (وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذَابٌ مُسْتَقِرٌّ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذَابٌ مُسْتَقِرٌّ) يقول: صبحهم عذاب مستقر، استقربهم إلى نار جهنم.
قوله تعالى (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآَنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ)
انظر آية (17) من السورة نفسها.
قل له تعالى (فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ) يقول: عزيز في نقمته إذا انتقم.
قوله تعالى (أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولَئِكُمْ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولَئِكُمْ) أي: مضى.
قوله تعالى (أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ)
انظر سورة النحل آية (44) وفيها الزبر الكتب.
قوله تعالى (سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ)
قال البخاري: حدثنا محمد بن عبد الله بن حرشب، حدثنا عبد الوهاب، حدثنا خالد، عن عكرعة، عن ابن عباس ح. وحدثني محمد حدثنا عفّان بن مسلم عن وهيب، حدثنا خالد، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال وهو في قبّة يوم بدر: "اللهم إني أنشدُك عهدك ووعدك، اللهم إن تشأ لا تعبد(4/417)
سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ (45) بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ (46) إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ (47) يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ (48) إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ (49)
بعد اليوم. فأخذ أبو بكر بيده فقال: حسبك يا رسول الله، ألْححْتَ على ربك -وهو يَثب في الدرع. فخرج وهو يقول: (سيهزم الجمع ويولون الدبر) .
(صحيح البخاري 8/485-486 - ك التفسير - سورة القمر (الآية) ح4875) .
قوله تعالى (بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ)
قال البخاري: حدثنا إبراهيم بن موسى: حدثنا هشام بن يوسف أن ابن جريج أخبرهم قال: أخبرني يوسف بن ماهَك قال: إني عند عائشة أم المؤمنين قالت: لقد أُنزل على محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بمكة، وإني لجارية ألعَبُ: (بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر) .
(صحيح البخاري 8/486 - ك التفسير - سورة القمر (الآية) ح4876) .
قوله تعالى (إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، في قوله (في ضلال وسعر) قال: في عناء.
قوله تعالى (يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ (48) إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ)
قال مسلم: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب. قالا: حدثنا وكيع، عن سفيان، عن زياد بن إسماعيل، عن محمد بن عباد بن جعفر المخزومي، عن أبي هريرة. قال: جاء مشركوا قريش يخاصمون رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في القدر. فنزلت: (يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ (48) إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ) .
(صحيح مسلم 4/2046 - ك القدر، ب كل شيء بقدر ح2656) .
وانظر حديث البخاري المتقدم تحت الآية رقم (8) من سورة المؤمنون.
قال مسلم: حدثني عبد الأعلى بن حمّاد قال: قرأتُ على مالك بن أنس. ح وحدثنا قتيبة بن سعيد، عن مالك فيما قرئ عليه، عن زياد بن سعيد، عن عمرو بن مسلم، عن طاووس أنه قال: أدركت ناساً من أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقولون: كل شيء بقدر. قال وسمعت عبد الله بن عمر يقول: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: كل شيء بقدر حتى العجز والكيس أو الكيس والعجز".
(الصحيح 4/2045 ح2654 - ك القدر، ب كل شيء بقدر) .(4/418)
وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ (50) وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أَشْيَاعَكُمْ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (51) وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ (52) وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ (53)
قوله تعالى (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ)
قال مسلم: حدثني أبو الطاهر أحمد بن عمرو بن عبد الله بن عمرو بن سرح، حدثنا ابن وهب، أخبرني أبو هانئ الخولاني، عن أبي عبد الرحمن الحبلي، عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة. قال: وعرشه على الماء".
(الصحيح 4/2044 ح2653 - ك القدر، ب حجاج آدم وموسى عليهما السلام) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ) قال: خلق الله الخلق كلهم بقدر وخلق لهم الخير والشر بقدر، فخير الخير السعادة، وشر الشر الشقاء، بئس الشر الشقاء.
قوله تعالى (وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ)
انظر سورة يس آية (81) وتفسيرها.
قوله تعالى (وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ)
قال ابن ماجة: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة: ثنا خالد بن مخلد: حدثني سعيد ابن مسلم بن بانك، قال: سمعتُ عامر بن عبد الله بن الزبير يقول: حدثني عوف بن الحارث عن عائشة، قالت: قال لي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "يا عائشة، إياك ومحقرَات الأعمال. فإن لها من الله طالبا".
(السنن - الزهد، ب ذكر الذنوب ح4243) ، أخرجه أحمد والنسائي من طريق سعيد بن مسلم به، المسند (6/70، 151) قال البوصيري: هذا إسناد صحيح رجاله ثقات رواه أبو بكر بن أبي شيبة ... وأبو يعلى ... والنسائي في الرقاق ... والدارمي ... ورواه ابن حبان في صحيحه (مصباح الزجاجة 2/346) ، وقال الألباني: صحيح (صحيح ابن ماجة 2/416) ، وله شاهد من رواية سهل بن سعد في مسند أحمد (5/331) ، وحسنه الحافظ ابن حجر (الفتح 11/283) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (مستطر) قال: محفوظ مكتوب.(4/419)
الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2) خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (4) الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ (5) وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ (6)
سورة الرحمن
قوله تعالى (الرحمن)
انظر سورة الفاتحة تفسير (الرحمن) .
قوله تعالى (عَلَّمَ القُرْآنَ)
انظر سورة القيامة آية (17-19) وتفسيرهما لتفسير العلم هنا بالقراءة ثم البيان.
قوله تعالى (خَلَقَ الْإِنْسَانَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، في قوله (خَلَقَ الْإِنْسَانَ) قال: الإنسان: آدم.
قوله تعالى (عَلَّمَهُ الْبَيَانَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (عَلَّمَهُ الْبَيَانَ) : علمه الله بيان الدنيا والآخرة بين حلاله وحرامه، ليحتج بذلك على خلقه.
قوله تعالى (الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ) أي: بحساب وأجل.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله (بحسبان) قال: كحسبان الرحا.
قال ابن كثير: وقوله (الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ) أي: يجريان متعاقبين بحساب مقنن لا يختلف ولا يضطرب (لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون) وقال تعالى (فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) .
قوله تعالى (وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، في قوله: (والنجم) قال: ما يبسط على الأرض.(4/420)
وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ (6) وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ (7) أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ (8) وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ (9) وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ (10) فِيهَا فَاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذَاتُ الْأَكْمَامِ (11)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، في قوله (والنجم) قال: في السماء.
وانظر سورة الحج آية (18) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (والشجر يسجدان) قال: الشجر: كل شيء قام على ساق.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله (وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ) قال: يسجد بكرة وعشيا. وقيل (وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ) فثنى وهو خير عن جمعين.
قوله تعالى (وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ (7) أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ)
انظر سورة الأنبياء آية 32 لبيان رفع السماء.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله (وَوَضَعَ الْمِيزَانَ) قال: العدل.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله: (أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ) اعدل يا ابن آدم كما تحب أن يعدل عليك وأوف كما تحب أن يوفى لك، فإن بالعدل صلاح الناس.
قوله تعالى (وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ)
قال ابن كثير: أي لا تبخسوا الوزن بل زنوا بالحق والقسط كما قال (وزنوا بالقسطاس المستقيم) الشعراء: 128.
قوله تعالى (وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (للأنام) يقول: للخلق.
قوله تعالى (وَالنَّخْلُ ذَاتُ الْأَكْمَامِ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وَالنَّخْلُ ذَاتُ الْأَكْمَامِ) : الليف الذي يكون عليها.(4/421)
وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحَانُ (12) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (13) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ (14) وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ (15)
قوله تعالى (وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحَانُ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحَانُ) يقول: التين.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله (وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحَانُ) قال: العصف: الورق من كل شيء. قال: يقال للزرع إذا قطع: عصافة، وكل ورق فهو عصافة.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (والريحان) قال: الرزق.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (والريحان) يقول: خضرة الزرع.
قوله تعالى (فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ) يقول: بأي نعمة الله تكذبان.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ) يقول للجن والإنس: بأي نعم الله تكذبان.
قوله تعالى (خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ) يقول: الطين اليابس.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ) والصلصال: التراب اليابس الذي يسمع له صلصلة فهو كالفخار، كما قال الله عز وجل.
قوله تعالى (…مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، في قوله (مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ) قال: اللهب الأصفر والأخضر الذي يعلو النار إذا أوقدت.(4/422)
فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (16) رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ (17) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (18) مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ (19) بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ (20)
قوله تعالى (فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ)
انظر آية (13) من السورة نفسها.
قوله تعالى (رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، (رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ) قال: مشرق الشتاء ومغربه، ومشرق الصيف ومغربه.
قال ابن كثير: وقوله (فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ) تقدم تفسيره. (رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ) يعني مشرقي الصيف والشتاء، ومغربي الصيف والشتاء وقال في الآية الأخرى (رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا) وهذا المراد منه جنس المشارق والمغارب.
قوله تعالى (فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ)
انظر آية 13 من السورة نفسها.
قوله تعالى (مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ..)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ) يقول: أرسل.
قوله تعالى (بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ) يقول: حاجز.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ) والبرزخ: هذه الجزيرة، هذا اليبس.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (لا يبغيان) قال: لا يختلطان.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (لا يبغيان) على اليبس، وما أخذ أحدهما من صاحبه فهو بغي، فحجز أحدهما عن صاحبه بقدرته ولطفه وجلاله تبارك وتعالى.
وانظر سورة الفرقان آية (53) .(4/423)
فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (21) يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ (22) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (23) وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ (24) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (25) كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (26) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ (27) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (28) يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ (29)
قوله تعالى (فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ)
انظر آية (13) من السورة نفسها.
قوله تعالى (يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ)
قال ابن كثير: وقد قال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن سنان، حدثنا عبد الرحمن بن المهدي حدثنا سفيان، عن الأعمش عن عبد الله بن عبد الله، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: إذا أمطرت السماء، فتحت الأصداف في البحر أفواهها، فما وقع فيها يعني من قطر فهو اللؤلؤ.
إسناده صحيح.
قوله تعالى (…الْمُنْشَآَتُ فِي الْبَحْرِ)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (الْمُنْشَآَتُ فِي الْبَحْرِ) قال: ما رفع قِلْعه من السفن فهي منشئات وإذا لم يرفع قلعها فليست بمنشاة.
القِلع: بالكسر: شراع السفينة.
قوله تعالى (فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ)
انظر آية 13 من السورة نفسها.
قوله تعالى (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (26) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ) قال ابن كثير: هذه الآية كقوله تعالى (كل شيء هالك إلا وجهه) وقد نعت تعالى وجهه الكريم في هذه الآية الكريمة بأنه (ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ) أي: هو أهل أن يجل فلا يعصى، وأن يطاع فلا يخالف.
قوله تعالى (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ)
قال ابن ماجة: حدثنا هشام بن عمار: ثنا الوزير بن صبيح: ثنا يونس بن حَلْبَسٍ، عن أم الدرداء، عن أبي الدرداء، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في قوله تعالى: (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) قال: "من شأنه أن يغفر ذنبا، ويفرّج كربا، ويرفع قوما، ويخفض آخرين".
(السنن - المقدمة - ب فيما أنكرت الجهمية - 202) قال البوصيري. هذا إسناد حسن لتقاصر الوزير عن درجة الحفظ والإتقان (مصباح الزجاجة 1/88) ، وقال الألباني: حسن (صحيح ابن ماجة 1/40) ، ورواه البخاري عن أبي الدرداء موقوفا تعليقا بصيغة الجزم، قال الدارقطني: وقد روي موقوفاً وهو الصواب (العلل 6/229 وانظر العلل المتناهية 1/28-29) .(4/424)
يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ (29) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (30) سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلَانِ (31) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (32) يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ (33) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (34) يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ فَلَا تَنْتَصِرَانِ (35)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، في قوله (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) قال: كل يوم هو يجيب داعيا، ويكشف كربا، ويجيب مضطرا، ويغفر ذنبا.
قوله تعالى (سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلَانِ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلَانِ) قال: وعيد من الله للعباد، وليس بالله شغل، وهو فارغ.
قوله تعالى (يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ)
قال ابن كثير: أي: لا تستطيعون هربا من أمر الله وقدره، بل هو محيط بكم لا تقدرون من التخلص من حكمه، ولا النفوذ عن حكمه فيكم، أينما ذهبتم أحيط بكم. وهذا في مقام المحشر الملائكة محدقة بالخلائق، سبع صفوف من كل جانب، فلا يقدر أحد على الذهاب (إلا بسلطان) أي: إلا بأمر الله (يَقُولُ الْأِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ (10) كَلَّا لا وَزَرَ (11) إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (لا تنفذون إلا بسلطان) يقول: لا تخرجون من سلطاني.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، في قوله (بسلطان) قال: بحجة.
قوله تعالى ( ... شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ) يقول: لهب النار.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (ونحاس) دخان النار.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ونحاس) قال: توعدهما بالصفر كما تسمعون أن يعذبهما به.(4/425)
فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ (37) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (38) فَيَوْمَئِذٍ لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ (39) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (40) يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ (41) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (42) هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ (43) يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ (44) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (45) وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (46)
قوله تعالى (وَرْدَةً كَالدِّهَانِ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وَرْدَةً كَالدِّهَانِ) هي اليوم خضراء كما ترون، ولونها يوم القيامة لون آخر.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (وَرْدَةً كَالدِّهَانِ) قال: كالدهن.
قوله تعالى ( ... لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة في قوله (لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ) قال: حفظ الله عز وجل عليهم أعمالهم.
قوله تعالى (يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، في قوله (يعرف المجرمون بسيماهم) قال: كان مجاهد يقول: لا يسأل الملائكة عن المجرم يعرفون بسيماهم.
قوله تعالى ( ... وَبَيْنَ حَمِيمٍ آَنٍ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (وبين حميم أن) يقول: انتهى حره.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، في قوله (وبين حميم آن) قال: قد بلغ إناه.
وانظر سورة الغاشية آية (5) .
قوله تعالى (وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ)
قال البخاري: حدثنا عبد الله بن أبي الأسود، حدثنا عبد العزيز بن عبد الصمد العمي، حدثنا أبو عمران الجوني، عن أبي بكر بن عبد الله بن قيس، عن أبيه أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "جنتان من فضة آنيتهما وما فيهما، وجنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما، وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبر على وجهه في جنة عدن".
(الصحيح 8/491 - ك التفسير، ب (ومن دونهما جنتان) ح4878) ، وأخرجه مسلم (الصحيح - ك الإيمان، ب إثبات رؤية المؤمنين في الآخرة ربهم ح180) .(4/426)
وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (46) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (47) ذَوَاتَا أَفْنَانٍ (48) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (49) فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ (50) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (51) فِيهِمَا مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ (52) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (53) مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ (54)
قال النسائي: أخبرنا علي بن حجر، حدثنا إسماعيل، قال: حدثنا محمد بن أبي حرملة، عن عطاء بن يسار، عن أبي الدرداء، أنه سمع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو يقص على المنبر يقول: (ولمن خاف مقام ربه جنتان) فقلت: وإن زنا وإن سرق يا رسول الله؟ فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الثانية: (ولمن خاف مقام ربه جنتان) فقلت: الثانية: وإن زنا وإن سرق يا رسول الله؟ فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الثالثة: (ولمن خاف مقام ربه جنتان) فقلت الثالثة: وإن زنا وإن سرق يا رسول الله؟ قال: "وإن رغم أنف أبي الدرداء".
(التفسير 2/374-375 ح580) ، وأخرجه أحمد (المسند 2/357) ، والطبري (التفسير 27/146) من طرق عن محمد بن أبي حرملة به. وأخرجه ابن خزيمة (التوحيد 2/810-811 ح533) من طريق محمد بن سعد بن أبي وقاص عن أبي الدرداء به. وفي آخره قول أبي الدرداء. فلا أزال أقرؤها كذلك حتى ألقاه. وهو عند النسائي من الطريق نفسه (التفسير ح581) . وقد عزاه الهيثمي لأحمد والطبراني، وقال: ورجال أحمد رجال الصحيح. (مجمع الزوائد 7/118) . وصححه محقق تفسير النسائي وأخرجه ابن أبي عاصم من طريق عمرو بن الأسود عن أبي الدرداء مختصرا وصححه الألباني (السنة ح975) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (ولمن خاف مقام ربه جنتان) قال: وعد الله جل ثناؤه المؤمنين الذين خافوا مقامه، فأدوا فرائضه الجنة.
أخرج الطبري بأسانيد يقوى بعضها بعضاً عن مجاهد، قوله (ولمن خاف مقام ربه جنتان) قال: هو الرجل يهم بمعصية الله تعالى، ثم يتركها مخافة الله.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (ولمن خاف مقام ربه جنتان) قال: إن المؤمنين خافوا ذاكم المقام فعملوا له، ودانو له، وتعبدوا بالليل والنهار.
قوله تعالى (ذَوَاتَا أَفْنَانٍ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (ذَوَاتَا أَفْنَانٍ) يعني: فضلهما وسعتهما على سواهما.
قوله تعالى (مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ) انظر سورة الكهف آية (31) .(4/427)
مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ (54) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (55) فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ (56) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (57) كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ (58) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (59) هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ (60) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (61) وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ (62) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (63) مُدْهَامَّتَانِ (64) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (65) فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ (66) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (67) فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ (68) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (69) فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ (70)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (وجنى الجنتين دان) ثمارهم دانية، لا يرد أيديهم عنه بعد ولا شوك.
أخرج أبي بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (وجنى الجنتين دان) يقول: ثمارها دانية.
قوله تعالى (فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فيهن قاصرات الطرف) الآية، يقول: قصر طرفهن على أزواجهن، فلا يردن غيرهم.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان) يقول: لم يدمهن إنس ولا جان.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله (لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان) قال: لم يمسهن.
قوله تعالى (كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ) في صفاء الياقوت وبياض المرجان.
قوله تعالى (وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ (62) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (63) مُدْهَامَّتَانِ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (مدهامتان) يقول: خضراوان.
قوله تعالى (فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ) يقول: نضاختان بالماء.
قوله تعالى (فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ) يقول: في هذه الجنان خيرات الأخلاق، حسان الوجوه.(4/428)
حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ (72) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (73) لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ (74) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (75) مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ (76) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (77) تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ (78)
قوله تعالى (حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ)
قال البخاري: حدثنا محمد بن المثنى حدثنا عبد العزيز بن عبد الصمد: حدثنا أبو عمران الجوني، عن أبي بكر بن عبد الله بن قيس، عن أبيه أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إن في الجنة خيمة من لؤلؤة مجوّفة عرضها ستون ميلا، في كل زاوية منها أهلٌ ما يَرَون الآخرين، يطوف عليهم المؤمنون".
(صحيح البخاري 8/491 - ك التفسير - سورة الرحمن، الآية ح4879) ، وأخرجه مسلم في (صحيحه - الجنة وصفة نعيمها 4/2182 ح2838) .
وأخرج مسدد قال: ثنا يحيى ثنا شعبة عن عبد الملك بن ميسرة عن أبي الأحوص عن عبد الله - رضي الله عنه - قال: "حور مقصورات في الخيام". قال: الدر المجوف ... (إتحاف الخيرة للبوصيري التفسير - سورة الرحمن ح311) ، وقال البوصيري: وراوته ثقات. ا. هـ.
وحديث البخاري السابق شاهد له) .
أخرج الطبري بأسانيد يقوي بعضها بعضاً عن مجاهد، قوله (مقصورات) قال: مقصورات على أزواجهن فلا يردن غيرهم.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، في قوله (مقصورات في الخيام) قال: لا يبرحن الخيام.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (في الخيام) الخيام اللؤلؤ والفضة، كما يقال والله أعلم.
قوله تعالى (لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ)
تقدم تفسيرها في الآية (56) من السورة نفسها.
قوله تعالى (مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، في قوله (متكئين على رفرف خضر) يقول: المحابس.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ) قال: الزرابي.
قوله تعالى ( ... ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي من أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ) يقول: ذو العظمة والكبرياء.(4/429)
إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ (1) لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ (2) خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ (3) إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا (4) وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا (5) فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا (6)
سورة الواقعة
قوله تعالى (إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: (إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ) الواقعة والطامة والصاخة، ونحو هذا من أسماء القيامة، عظمه الله، وحذره عباده.
قال ابن كثير: الواقعة من أسماء يوم القيامة سميت بذلك لتحقق كونها ووجودها كما قال (فيومئذ وقعت الواقعة) الحاقة: 15.
قوله تعالى (لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ) أي ليس لها مثنوية، ولا رجعة، ولا ارتداد.
قوله تعالى (خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ) يقول: تخللت كل سهل وجبل، حتى أسمعت القريب والبعيد، ثم رفعت أقواما في كرامة الله، وخفضت أقواما في عذاب الله.
قوله تعالى (إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا) يقول: زلزلها.
قوله تعالى (وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا) يقول: فتتت فتا.
قوله تعالى (فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا)
الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: (فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا) يقول: شعاع الشمس.(4/430)
فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا (6) وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً (7) فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ (8) وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ (9) وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10) أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (11) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (12) ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (13) وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ (14) عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ (15) مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ (16) يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ (17)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة في قوله (فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا) يقول: الهباء: ما تذروه الريح من حطام الشجر.
قوله تعالى (وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً) قال: منازل الناس يوم القيامة.
قوله تعالى (فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ (8) وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ (9) وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ) أي ماذا لهم، وماذا أعد لهم (وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ) أي ماذا لهم وماذا أعد لهم (والسابقون السابقون) أي من كل أمة.
قوله تعالى (ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (13) وَقَلِيلٌ مِنَ الْآَخِرِينَ)
قال ابن كثير: يقول تعالى مخبراً عن هؤلاء السابقين المقربين أنهم ثلة، أي جماعة من الأولين، وقليل من الآخرين. وقد اختلفوا في المراد بقوله (الأولين) و (الآخرين) فقيل: المراد بالأولين الأمم الماضية، وبالآخرين هذه الأمة. هذا رواية عن مجاهد، والحسن البصري رواها عنهما ابن أبي حاتم. وهو اختيار ابن جرير، واستأنس بقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "نحن السابقون الآخرون يوم القيامة". ولم يحك غيره، ولا عزاه إلى أحد.
قوله تعالى (عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله (موضونة) قال: مرمولة بالذهب.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ) يقول: مصفوفة.
قوله تعالى ( ... مُخَلَّدُونَ)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (مُخَلَّدُونَ) قال: لا يموتون.(4/431)
بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (18) لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنْزِفُونَ (19) وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ (20) وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (21) وَحُورٌ عِينٌ (22)
قوله تعالى (بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (بأكواب وأباريق) والأكواب التي يغترف بها ليس لها خراطيم، وهي أصغر من الأباريق.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (وكأس من معين) قال الخمر.
قوله تعالى (لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنْزِفُونَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (لا يصدعون عنها) ليس لها وجع رأس.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة في قوله: (ولا ينزفون) قال: لا يغلب أحد على عقله.
قوله تعالى (وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ)
قال الإمام أحمد: ثنا سيار بن حاتم ثنا جعفر بن سليمان الضبعي، ثنا ثابت، عن أنس قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إن طير الجنة كأمثال البُخت ترعى في شجر الجنة". فقال أبو بكر: يا رسول الله إن هذه الطير ناعمة فقال: "أكلتها أنعم منها -قالها ثلاثا- وإني لأرجو أن تكون ممن يأكل منها يا أبا بكر".
(المسند 3/221) ، وأخرجه الضياء المقدسي (المختارة 5/13 ح1614) من طريق الإمام أحمد، قال محققه: إسناده حسن. وقال الترمذي: رواه أحمد بإسناد جيد (الترغيب 4/432 رقم5506) ، وقال العراقي: إسناده صحيح (تخريج إحياء علوم الدين 6/2770) ، وقال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح غير سيار بن حاتم وهو ثقة (مجمع الزوائد 4/414) ، وأخرجه الترمذي من طريق محمد بن عبد الله بن مسلم عن أبيه عن أنس وقال: حسن غريب. وقال الألباني: حسن صحيح (صحيح سنن الترمذي 2/314 ح2063) . البُخت: جمال طوال الأعناق.
قوله تعالى (وَحُورٌ عِينٌ)
قال الطبري: حدثنا هشام الرفاعي، قال: ثنا ابن يمان، عن ابن عيينة، عن عمرو عن الحسن (وحور عين) قال: شديدة السواد: سواد العين، شديدة البياض: بياض العين.(4/432)
كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ (23) جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (24) لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا (25) إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا (26) وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ (27) فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ (28)
قوله تعالى (كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ)
قال ابن كثير: وقوله (كأمثال اللؤلؤ المكنون) أي: كأنهن اللؤلؤ الرطب في بياضه وصفائه، كما تقدم في سورة الصافات (كأنهن بيض مكنون) وقد تقدم في سورة الرحمن وصفهن أيضاً.
قوله تعالى (لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا (25) إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا)
قال ابن كثير: ثم قال (لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا (25) إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا) أي لا يسمعون في الجنة كلاما لاغيا، أي: غثا خاليا عن المعنى، أو مشتملا على معنى حقير أو ضعيف كما قال (لا تسمع فيها لاغية) أي: كلمة لاغية (ولا تأثيما) أي: ولا كلاما فيه قبح (إلا قيلا سلاما سلاما) أي: إلا التسليم منهم بعضهم على بعض، كما قال (تحيتهم فيها سلام) وكلامهم أيضاً سالماً من اللغو والإثم.
قوله تعالى (وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة في قوله (وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين) أي ماذا لهم، وماذا أعد لهم، ثم ابتدأ الخبر عماذا أعد لهم في الجنة، وكيف يكون حالهم إذا هم دخلوها؟ فقال: هم (في سدر مخضود) يعني: في ثمر سدر موقر حملا قد ذهب شوكه.
وإسناده حسن.
قوله تعالى (فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ)
قال الحاكم: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب: ثنا الربيع بن سليمان: ثنا بشر بن بكر ثنا صفوان بن عمرو، عن سليم بن عامر عن أبي أمامة - رضي الله عنه - قال: كان أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقولون: إن الله ينفعنا بالأعراب ومسائلهم أقبل أعرابي يوما فقال: يا رسول الله، لقد ذكر الله في القرآن شجرة مؤذية، وما كنت أرى في الجنة شجرة توذي صاحبها فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "وما هي؟.
قال: السدر، فإن لها شوكا. فقال رسول الله: "في سدر مخضود يخضد(4/433)
فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ (28) وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ (29) وَظِلٍّ مَمْدُودٍ (30) وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ (31) وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ (32) لَا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ (33) وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ (34) إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً (35) فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا (36) عُرُبًا أَتْرَابًا (37)
الله شوكه فيجعل مكان كل شوكة ثمرة فإنها تنبت ثمرا تفتق الثمرة معها عن اثنين وسبعين لونا ما منها لون يشبه الآخر".
صحيح الإسناد ولم يخرجاه. (المستدرك 2/476 - ك التفسير) وصححه الذهبي. وقال المنذري في الترغيب: إسناده حسن (4/434 رقم5511) ، وله شاهد أخرجه أبو بكر بن أبي داود (البعث والنشور ح69) ، والطبراني في (المعجم الكبير 17/130) كلاهما من حديث عتبة بن عبد السلمي مرفوعاً بنحوه. قال الهيثمي: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح (مجمع الزوائد 10/414) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: (سدر مخضود) قال: خضده وقره من الحمل، ويقال: خضد حتى ذهب شوكه فلا شوك فيه.
قوله تعالى (وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ) قال: الموز.
قوله تعالى (وَظِلٍّ مَمْدُودٍ)
قال البخاري: حدثنا علي بن عبد الله، حدثنا سفيان، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - به النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عامٍ لا يقطعها. واقرءوا إن شئتم (وَظِلٍّ مَمْدُودٍ) ".
(صحيح البخاري 8/495 - ك التفسير - سورة الواقعة، الآية ح4881، (وصحيح مسلم 4/2175 - ك الجنة وصفة نعيهما وأهلها، ب إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها ... ) .
قوله تعالى (وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ)
انظر سورة محمد آية (15) وفيها قوله تعالى: (فيها أنهار من ماء غير آسن) .
قوله تعالى (عُرُبًا أَتْرَابًا)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (عربا) يقول: عواشق.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله (عربا أترابا) قال: متحببات إلى أزواجهن.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (أترابا) قال: أمثالا.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (أترابا) يعني: سنا واحدة.(4/434)
ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (39) وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ (40) وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ (41) فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ (42) وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ (43) لَا بَارِدٍ وَلَا كَرِيمٍ (44) إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ (45) وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ (46) وَكَانُوا يَقُولُونَ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (47) أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ (48) قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ (49) لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (50) ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ (51) لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ (52) فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ (53) فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ (54) فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ (55)
قوله تعالى (ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (39) وَثُلَّةٌ مِنَ الْآَخِرِينَ)
انظر تفسرهما في هذه السورة آية (13-14) .
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله (ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ) قال: أمة.
قوله تعالى (وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ) أي: ماذا لهم، وماذا أعد لهم.
قوله تعالى (وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ) يقول: من دخان حميم.
قوله تعالى (لَا بَارِدٍ وَلَا كَرِيمٍ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (لَا بَارِدٍ وَلَا كَرِيمٍ) قال: لا بارد المنزل ولا كريم المنظر.
قوله تعالى (وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (يصرون) يدمنون.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (على الحنث العظيم) قال: على الذنب.
قوله تعالى (وَكَانُوا يَقُولُونَ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (47) أَوَآَبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ)
انظر سورة الإسراء آية (49-52) .
قوله تعالى (ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ (51) لَآَكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ (52) فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ (53) فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ (54) فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ)
وفي هذه الآيات طعام وشراب الكفار ولمزيد بيان ذلك انظر سورة الصافات آية (62-69) وسورة الدخان آية (43-49) وسورة الرعد آية (5) والصافات آية (16) .(4/435)
فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ (55) هَذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ (56) نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلَا تُصَدِّقُونَ (57) أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ (58) أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ (59) نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (60) عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لَا تَعْلَمُونَ (61) وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى فَلَوْلَا تَذَكَّرُونَ (62)
قوله تعالى (فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ)
قال البخاري: حدثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان قال: قال عَمْرو: كان هاهنا رجل اسمه نوّاس، وكانت عنده إبل هيم، فذهب ابنُ عمر رضي الله عنهما فاشترى تلك الإبل من شريك له، فجاء إليه شريكه فقال: بِعنا تلك الإبل. فقال: مِمّن بِعتها؟ فقال: مِن شيخ كذا وكذا. فقال: ويحك، ذاك والله ابن عمر. فجاءه فقال: إن شريكي باعك إبلاً هِيما ولم يعرفك. قال: فاستقها. قال فلمّا ذهب يستاقها فقال: دعها، رضينا بقضاء رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لا عدوى. سمع سفيان عَمراً.
(صحيح البخاري 4/376 - ك البيوع، ب شراء الإبل الهيم أو الأجرب ... ح2099) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (شرب الهيم) يقول: شرب الإبل العطاش.
قوله تعالى (نَحْنُ قدرنا بينكم الموت)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله (قدرنا بينكم الموت) قال: المستأخر والمستعجل.
قوله تعالى (وَنُنْشِئَكُمْ)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله (وَنُنْشِئَكُمْ) في أي خلق شئنا.
قوله تعالى (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله (النشأة الأولى) قال: إذ لم تكونوا شيئا.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى) يعني: خلق آدم لست سائلا أحداً من الخلق إلا أنبأك أن الله خلق آدم من طين.
قال ابن كثير: أي قد علمتم أن الله أنشأكم بعد أن لم تكونوا شيئا مذكورا، فخلقكم وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة، فهلا تتذكرون وتعرفون أن الذي قدر على هذه النشأة -وهي البداءة- قادر على النشأة الأخرى، وهي(4/436)
وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى فَلَوْلَا تَذَكَّرُونَ (62) أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ (63) أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ (64) لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ (65) إِنَّا لَمُغْرَمُونَ (66) بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (67) أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ (68) أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ (69) لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ (70) أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ (71) أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ (72) نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ (73)
الإعادة بطريق الأولى والأحرى، كما قال (وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه) وقال (أولا يذكر الإنسان أنا خلقناه من قبل ولم يك شيئا) وقال (أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (77) وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ) .
قوله تعالى (أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ (63) أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ (64) لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ)
انظر سورة البقرة آية (205) لبيان: ما تحرثون. وسورة النمل الآية (60) وسورة النحل الآية (11) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فظلتم تفكهون) قال: تعجبون.
قوله تعالى (إِنَّا لَمُغْرَمُونَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (إِنَّا لَمُغْرَمُونَ) أي معذبون.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (إِنَّا لَمُغْرَمُونَ) قال: ملقون للشر.
قوله تعالى (بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ) قال: حورفنا فحرمنا.
قوله تعالى ( ... مِنَ الْمُزْنِ ... )
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله (من المزن) قال: السحاب.
قوله تعالى (نحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله (تذكرة) قال: تذكرة النار الكبرى.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: (لِلْمُقْوِينَ) قال: للمسافرين.(4/437)
نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ (73) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (74) فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (75) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (76) إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (77) فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ (78) لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (79) تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (80) أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ (81) وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ (82)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله (ومتاعا للمقوين) للمستمتعين الناس أجمعين.
قوله تعالى (فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ)
قال أبو داود: حدثنا الربيع بن نافع أبو توبة وموسى بن إسماعيل، المعنى قالا: ثنا ابن المبارك، عن موسى، قال أبو سلمة، موسى بن أيوب، عن عمه، عن عقبة بن عامر، قال: لما نزلت (فسبح باسم ربك العظيم) قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "اجعلوها في ركوعكم" فلما نزلت (فسبح باسم ربك الأعلى) قال: "اجعلوها في سجودكم".
(السنن 1/230 ح869 - ك الصلاة، ب ما يقول الرجل في ركوعه وسجوده) ، وأخرجه الدارمي (1/299 - ك الصلاة، ب ما يقال في الركوع) ، وأحمد في مسنده (4/155) ، وابن حبان في صحيحه (الإحسان 5/225 ح1898) ، والحاكم (المستدرك 2/477) وغيرهم من طرق عن موسى بن أيوب به. قال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. وأخرجه الحاكم أيضاً من طريقين عن موسى بن أيوب به ثم قال: هذا حديث حجازي صحيح الإسناد وقد اتفقا على الاحتجاج برواية غير إياس بن عامر وهو عم موسى بن أيوب القاضي ومستقيم الإسناد. وتعقبه الذهبي بقوله: قلت: إياس ليس بالمعروف (المستدرك 1/225) ولكن ترجم الحافظ ابن الحجر في التقريب لإياس بن عامر وقال: صدوق وقال العجلي لا بأس به وذكره ابن حبان في الثقات وصحيح له ابن خزيمة فقد أخرجه من الطريق نفسه (الصحيح 1/303 و334 ح600 و601 و706) . وعليه فالإسناد حسن.
وانظر سورة البقرة آية (30) لبيان التسبيح.
قوله تعالى (فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (75) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (76) إِنَّهُ لَقُرْآَنٌ كَرِيمٌ (77) فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ (78) لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (79) تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (80) أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ (81) وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ)
قال مسلم: وحدثنا عباس بن عبد العظيم العنبري، حدثني النظر بن محمد حدثنا عكرمة -وهو ابن عمار- حدثنا أبو زميل قال حدثنا ابن عباس قال: مطر الناس على عهد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أصبح من الناس شاكر ومنهم كافر، قالوا: هذه رحمة الله، وقال بعضهم: لقد صدق نوء كذا وكذا، قال:(4/438)
فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (75) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (76) إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (77) فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ (78) لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (79) تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (80) أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ (81) وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ (82)
فنزلت هذه الآية (فلا أقسم بمواقع النجوم ... ) حتى بلغ (وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون) .
(الصحيح 1/84 ح73 - ك الإيمان، ب بيان كفر من قال مطرنا بالنوء) .
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (بمواقع النجوم) قال في السماء ويقال مطالعها ومساقطها.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة في قوله (فلا أقسم بمواقع النجوم) قال: قال الحسن انكدارها وانتثارها يوم القيامة.
قوله تعالى (فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله (فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ) قال: القرآن في كتابه المكنون الذي لا يمسه شيء من تراب ولا غبار.
قوله تعالى (لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ)
قال الدارمي: أخبرنا الحكم بن موسى، ثنا يحيى بن حمزة، عن سليمان بن داود، حدثني الزهري، عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن أبيه، عن جده قال الحكم: قال لي يحيى بن حمزة: أفصل أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كتب إلى أهل اليمن: "أن لا يمس القرآن إلا طاهر ولا طلاق قبل إملاك ولا عتاق حتى يبتاع" قيل لأبى محمد قال: أحسب كأنها من كتاب عمر بن عبد العزيز.
(السنن 2/161 - ك الطلاق، ب لا طلاق قبل نكاح) وفي إسناده ضعف لضعف سليمان بن داود - وهو سليمان بن أرقم- ولكن يشهد له ويقويه ما أخرجه الطبراني في (الكبير 9/33 ح8336) من حديث المغيرة بن شعبة عن عثمان بن أبي العاص في قصة وفادتهم على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وفيه قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ولا تمس القرآن إلا وأنت طاهر". وإسناده حسن. وكذا حديث ابن عمر عبد الدارقطني (1/121) ، والطبراني في الكبير (رقم13217) وغيرهما، قال الهيثمي -وقد عزاه للطبراني في الصغير -: رجاله موثقون، وقال ابن حجر: إسناده لا باس به (التلخيص الحبير 1/131) . وصححه الألباني بمجموع طرقه ونقل تصحيح الإمام أحمد وابن راهويه له (ارواء الغليل 1/158 ح122) .
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله (لا يمسه إلا المطهرون) قال: الملائكة.(4/439)
تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (80) أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ (81) وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ (82)
قوله تعالى (تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ)
انظر سورة الشعراء آية (192) والسجدة آية (2) وتفسيرهما.
قوله تعالى (أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله (أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ) قال: تريدون أن تمالئوهم فيه، وتركنوا إليهم.
قوله تعالى (وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ)
قال البخاري: حدثنا إسماعيل: حدثني مالك، عن صالح بن كيسان، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، عن زيد بن خالد الجهني أنه قال: صلى لنا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلاة الصبح بالحديبية على إثر سماءٍ كانت من الليل، فلما انصرف النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أقبلَ عَلَى الناسِ فقال: هل تدرون ماذا قال ربكم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأما من قال مُطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب، وأما من قال بنوءِ كذا وكذا فذلك كافرٌ بي مؤمن بالكوكب.
(صحيح البخاري 2/606-607 - ك الاستسقاء، ب قول الله تعالى (الآية) ح1038) ، وأخرجه مسلم (الصحيح - الإيمان، ب كفر من قال مطرنا بالنوء 1/83-84 ح71) .
قال الطبري: حدثنا بشار قال: ثنا جعفر قال: ثنا شعبة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: ما مطر قوم قط إلا أصبح بعضهم كافر، يقولون: مطرنا بنوء كذا وكذا، وقرأ ابن عباس: (وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ) .
ذكره ابن كثير وقال: إسناده صحيح (التفسير 4/299) .
وانظر سورة الواقعة آية (75) حديث مسلم عن ابن عباس المتقدم في الصفحة السابقة.(4/440)
فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (83) وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ (84) وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ (85) فَلَوْلَا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ (86) تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (87) فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ (88) فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ (89)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ) قال: قولهم في الأنواء: مطرنا بنوء كذا ونوء كذا، يقول: قولوا هو من عند الله وهو رزقه.
قوله تعالى (فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (83) وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ (84) وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ)
قال ابن كثير: يقول تعالى (فلولا إذا بلغت) ، أي: الروح (الحلقوم) أي: الحلق وذلك حين الاحتضار، كما قال: (كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ (26) وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ (27) وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ (28) وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ (29) إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ) ولهذا قال هاهنا: (وأنتم حينئذ تنظرون) أي: إلى المحتضر وما يكابده من سكرات الموت، (ونحن أقرب إليه منكم) أي: بملائكتنا (ولكن لا تبصرون) أي: ولكن لا ترونهم كما قال في الآية الأخرى: (وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ (61) ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (فلولا إن كنتم غير مدينين) يقول: غير محاسبين.
قوله تعالى (فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ)
قال مالك، عن ابن شهاب، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك الأنصاري أنه أخبره أن أباه كعب بن مالك كان يحدّث أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إنما نسمة المؤمن طير يعلق في شجر الجنة، حتى يرجعه الله إلى جسده يوم يبعثه".
(الموطأ 1/240 ح49 - ك الجنائز، ب جامع الجنائز) ، وأخرجه أحمد (المسند 3/455) ، والنسائي (السنن 4/108 - ك الجنائز، ب أرواح المؤمنين، وابن ماجة (السنن رقم4271 - ك الزهد، ب ذكر القبر والبلى) كلهم عن مالك به. قال ابن كثير: هذا إسناد عظيم ومتن قويم (التفسير 8/27) ، وقال الألباني: صحيح (صحيح ابن ماجة 2/423) .(4/441)
فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ (89) وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (90) فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (91) وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ (92) فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ (93) وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ (94) إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ (95) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (96)
وانظر سورة الأعراف آية (40) حديث أبي هريرة في سنن ابن ماجة وفيه: أن الميت تحضره الملائكة، فإذا كان الرجل صالحاً قالوا: أخرجي أيتها النفس الطيبة كانت في الجسد الطيب، أخرجي حميدة وأبشري بروح وريحان..
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (فروح وريحان) يقول: راحة ومستراح.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله (فروح وريحان) قال: راحة. وقوله وريحان قال: الرزق.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فروح وريحان) قال الروح: الرحمة والريحان: يتلقى به عند الموت.
قوله تعالى (وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ (92) فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ (93) وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ (94) إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ (92) فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ (93) وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ (94) إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ) حتى ختم، إن الله ليس تاركا أحداً من خلقه حتى يوقفه على اليقين من هذا القرآن. فأما المؤمن فأيقن في الدنيا، فنفعه ذلك يوم القيامة، وأما الكافر، فأيقن يوم القيامة حين لا ينفعه.
وانظر حديث أبي هريرة في سنن ابن ماجة في سورة الأعراف آية (40) ، وفيه: " ... وإذا كان الرجل السوء قال: أخرجي أيتها النفس الخبيثة، كانت في الجسد الخبيث يقال لها ذلك حتى تخرج ثم يعرج بها إلى السماء فلا يفتح".
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (إن هذا لهو حق اليقين) قال: الخبر اليقين.
قوله تعالى (فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ)
وانظر سورة البقرة آية (30) قول مجاهد لبيان التسبيح، وانظر حديث أبي داود عن عقبة بن عامر المتقدم في الآية (74) من السورة نفسها.(4/442)
سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1) لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (2) هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (3) هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (4)
سورة الحديد
قوله تعالى (سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)
قال ابن كثير: يخبر تعالى أنه يسبح له ما في السماوات والأرض، أي: من الحيوانات والنباتات، كما قال في الآية الأخرى: (تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً) .
وانظر سورة الإسراء آية (44) وتفسيرها.
قوله تعالى (هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآَخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ)
قال مسلم: حدثني زهير بن حرب: حدثنا جرير، عن سُهيل. قال: كان أبو صالح يأمرنا، إذا أراد أحدنا أن ينام، أن يضطجع على شقه الأيمن. ثم يقول: "اللهم رب السماوات ورب الأرض ورب العرش العظيم، ربنا ورب كل شيء، فالق الحب والنوى، ومُنزل التوراة والإنجيل والفرقان، أعوذ بك من شر كل شيء أنت آخذ بناصيته، اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء، اقْضِ عنا الدين وأغننا من الفقر". وكان يروى ذلك عن أبي هريرة، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
(صحيح مسلم 4/2084 - ك الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، ب ما يقول عند النوم وأخذ المضجع ح2713) .
قوله تعالى (هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ)
انظر سورة الأعراف آية (54) وسورة فصلت آية (9-12) لبيان تفصيل الأيام لخلق السماوات والأرض.(4/443)
هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (4) لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (5) يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (6) آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ (7) وَمَا لَكُمْ لَا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (8)
قوله تعالى (يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)
انظر سورة الأنعام آية (59) وتفسيرها النبوي.
قال ابن كثير: وقوله (وما يعرج فيها) ، أي: من الملائكة والأعمال، كما جاء في الصحيح: "يرفع إليه عمل الليل قبل النهار وعمل النهار قبل الليل".
قال ابن كثير: قوله تعالى (وهو معكم أينما كنتم والله بما تعملون بصير) أي: رقيب عليكم شهيد على أعمالكم حيث أنتم، وأين كنتم، من بر أو بحر ليل أو نهار، في البيوت أو القفار، الجميع في علمه على السواء، وتحت بصره وسعه، فيسع كلامكم ويرى مكانكم، ويعلم سركم ونجواكم، كما قال: (أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلَا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) وقال: (سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ) .
قوله تعالى (يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ)
انظر سورة آل عمران آية (27) وتفسيرها.
قوله تعالى (آَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ)
انظر سورة البقرة آية (274) وسورة الأنفال آية (60) لبيان ثواب الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله.
قوله تعالى (وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ) قال: في ظهر آدم.(4/444)
هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (9) وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (10)
قوله تعالى (هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (من الظلمات إلى النور) قال: من الضلالة إلى الهدى.
قوله تعالى (وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ)
قال ابن كثير: ولما أمرهم أولا بالأيمان والإنفاق، ثم حثهم على الإيمان، وبين لهم أنه قد أنزل عنهم موانعه حثهم أيضاً على الإنفاق فقال: (وما لكم ألا تنفقوا في سبيل الله ولله ميراث السماوات والأرض) أي: أنفقوا ولا تخشوا فقرا وإقلالا، فإن الذي أنفقتم في سبيله هو مالك السماوات والأرض، وبيده مقاليدهما، وعنده خزائنهما، وهو مالك العرش بما حوى، وهو القائل: (وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين) وقال (ما عندكم ينفد وما عند الله باق) .
قوله تعالى (لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وقاتل)
قال مسلم: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وابن نمير. قالا: حدثنا عبد الله ابن إدريس، عن ربيعة بن عثمان، عن محمد بن يحيى بن حَبَّان، عن الأعرج، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، احْرصْ على ما ينفعك واستعن بالله، ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو إني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل: قدرُ الله، وما شاء فَعَلَ، فإن لو تفتح عَمَلَ الشيطان".
(صحيح مسلم 4/2052 - ك القدر، ب في الأمر بالقوة وترك العجز، والاستعانة بالله، وتفويض المقادير لله) .(4/445)
وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (10) مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ (11) يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12)
قوله تعالى (وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى)
قال ابن كثير: وقوله (وكلا وعد الله الحسنى) يعني: المنفقين قبل الفتح وبعده، كلهم لهم ثواب على ما علموا، وإن كان بينهم تفاوت في تفاضل الجزاء كما قال: (لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا) ... ثم ذكر الحديث السابق عن أبي هريرة.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، في قوله (لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل) قال: آمن فأنفق، يقول: من هاجر ليس كمن لم يهاجر.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (لا يستوي منكم من أنفق من قل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى) قال: كان قتالان، أحدهما أفضل من الآخر، وكانت نفقتان إحداهما أفضل من الأخرى، كانت النفقة والقتال من قبل الفتح (فتح مكة) أفضل من النفقة والقتال بعد ذلك.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (من الذين أنفقوا من بعدُ وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى) قال: الجنة.
قوله تعالى (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ) انظر سورة البقرة آية (245) لبيان فضل الإنفاق في سبيل الله.
قوله تعالى (يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ ... )
قال الحاكم: أخبرنا الشيخ أبو بكر بن إسحاق أنبأ إسماعيل بن قتيبة: ثنا أبو بكر ابن أبي شيبة: ثنا عبد الله بن إدريس، عن أبيه، عن المنهال بن عَمْرو عن قيس بن السكن عن عبد الله - رضي الله عنه - في قوله عز وجل (يسعى نورهم بين أيديهم) قال: يؤتون نورهم على قدر أعمالهم منهم من نوره مثل الجمل وأدناهم نوراً من نوره على إبهامه يطفئ مرة ويقد أخرى.
هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه (المستدرك 2/478 ك التفسير ووافقه الذهبي وسنده حسن) .(4/446)
يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ (13) يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (14) فَالْيَوْمَ لَا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلَا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلَاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (15) أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (16)
قوله تعالى (فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، في قوله (بِسُورٍ لَهُ بَابٌ) قال: كالحجاب في الأعراف.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (فضرب بينهم بسور له باب) السور: حائط بين الجنة والنار.
قوله تعالى (وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ) أي: النار.
قوله تعالى (وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (فتنتم أنفسكم) قال: النفاق، وكان المنافقون مع المؤمنين أحياء يناكحونهم، ويغشونهم، ويعاشرونهم، وكانوا معهم أمواتا، ويعطون النور جميعا يوم القيامة، فيطفأ النور من المنافقين إذا بلغوا السور، ويماز بينهم حينئذ.
قو له تعالى (وَارْتَبْتُمْ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وَارْتَبْتُمْ) كانوا في شك عن الله.
قوله تعالى (وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (وغرتكم الأماني حتى جاء أمر الله) كانوا على خدعة من الشيطان، والله ما زالوا عليها حتى قذفهم الله في النار.
قوله تعالى (فَالْيَوْمَ لَا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلَا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فَالْيَوْمَ لَا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلَا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا) يعني المنافقين، ولا من الذين كفروا.
قوله تعالى (وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ)
قال ابن ماجة: حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم: ثنا محمد بن أبي فُديك عن موسى بن يعقوب الزمعي، عن أبي حازم، أن عامر بن عبد الله بن الزبير أخبره أن أباه أخبره أنه لم يكن بين إسلامهم وبين أن نزلت هذه الآية، يُعاتبهم الله بها،(4/447)
أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (16) اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (17) إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ (18) وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (19) اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ (20)
إلا أربع سنين (وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ) .
(السنن 2/1402 - الزهد، ب الحزن والبكاء ح4192) ، قال البوصيرى: هذا إسناد صحيح رجاله ثقات (مصباح الزجاجة 3/291) ، وقال الألباني: حسن (صحيح ابن ماجة 2/408) ، ويشهد له ما رواه مسلم بسنده عن ابن مسعود بنحوه (الصحيح - التفسير، ب في قوله تعالى: (ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله) 4/2319 ح3027) .
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (الأمد) قال: الدهر.
قال ابن كثير: (وكثير منهم فاسقون) ، أي في الأعمال، فقلوبهم فاسدة وأعمالهم باطلة. كما قال: (فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية يحرفون الكلم عن مواضعه ونسوا حظا مما ذكروا به) ، أي: فسدت قلوبهم فقست وصار من سجيتهم تحريف الكلم عن مواضعه، وتركوا الأعمال التي أمروا بها وارتكبوا ما نهوا عنه، ولهذا نهى الله المؤمنين أن يتشبهوا بهم في شيء من الأمور الأصلية والفرعية.
قوله تعالى (إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ)
انظر سورة البقرة آية (261) لبيان مضاعفة الأجر للذين ينفقون في سبيل الله.
قوله تعالى (أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، في قوله (الصديقون والشهداء عند ربهم) قال: بالإيمان على أنفسهم بالله.
قوله تعالى (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا ... )
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو) ... الآية، يقول: صار الناس إلى هذين الحرفين في الآخرة. ا. هـ.
وهذا المثل ورد شبهه في سورة يونس آية (24) .(4/448)
اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ (20) سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (21)
قال ابن كثير: يقول تعالى: موهنا أمر الحياة الدنيا ومحقرا لها: (إنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد) أي: إنما حاصل أمرها عند أهلها هذا، كما قال: (زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المئاب) ثم ضرب تعالى مثل الحياة الدنيا في أنها زهرة فانية ونعمة زائلة فقال: (كمثل غيث) ، وهو المطر الذي يأتي بعد قنوط الناس، كما قال: (وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا) وقوله: (أعجب الكفار نباته) أي: يعجب الزراع نبات ذلك الزرع الذي نبت بالغيث، وكما يعجب الزراع ذلك كذلك تعجب الحياة الدنيا الكفار، فإنهم أحرص شيء عليها وأميل الناس إليها (ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يكون حطاما) أي: يهيج ذلك الزرع فتراه مصفرا بعدما كان خضرا نضرا، ثم يكون بعد ذلك كله (حطاما) أي: يصير يبسا متحطما، هكذا الحياة الدنيا أولا تكون شابة ثم تكتهل، ثم تكون عجوزا شوهاء، والإنسان كذلك يكون في أول عمره وعنفوان شبابه غضا طريا بين الأعطاف، بهي المنظر، ثم إنه يشرع في الكهولة فتتغير طباعه وينفد بعض قواه، ثم يكبر فيصير شيخا كبيرا ضعيف القوى قليل الحركة، يعجزه الشيء اليسير، كما قال تعالى: (الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة يخلق ما يشاء وهو العليم القدير) .
تقوله تعالى (سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ)
انظر سورة آل عمران آية (133) وتفسيرها لبيان فضل الاستغفار والحث عليه.(4/449)
مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (22) لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (23) الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (24) لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (25)
قوله تعالى (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، في قوله (ما أصاب من مصيبة في الأرض) أما مصيبة الأرض: فالسنون. وأما في أنفسكم: فهذه الأمراض والأوصاب (من قبل أن نبرأها) : من قبل أن نخلقها.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، في قوله: (ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها) يقول: في الدين والدنيا إلا في كتاب من قبل أن نخلقها.
قوله تعالى (لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آَتَاكُمْ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (لكيلا تأسوا على ما فاتكم) من الدنيا (ولا تفرحوا بما آتاكم) منها.
قوله تعالى (وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ)
انظر سورة لقمان آية (18) .
قوله تعالى (الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ)
انظر سورة النساء آية (37) وتفسيرها، في ذم البخل وخطره.
قوله تعالى ( ... الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (الكتاب والميزان) قال الميزان: العدل.
قوله تعالى (وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس) وجنة وسلاح، وأنزله ليعلم الله من ينصره.(4/450)
ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (27) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (28)
قوله تعالى (وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً ... )
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً) فهاتان من الله والرهبانية ابتدعها قوم من أنفسهم، ولم تكتب عليهم، ولكن ابتغوا بذلك وأرادوا رضوان الله، فما رعوها حق رعايتها.
قوله تعالى (وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ ... )
قال أبو داود: حدثنا أحمد بن صالح: ثنا عبد الله بن وهب، قال: أخبرني سعيد بن عبد الرحمن بن أبي العمياء، أن سهل بن أبي أمامة حدثه، أنه دخل هو وأبوه على أنس بن مالك بالمدينة، (في زمان عمر بن عبد العزيز وهو أمير المدينة، فإذا هو يصلي صلاة خفيفة دقيقة كأنها صلاة مسافر أو قريبا منها، فلما سلم قال أبي: يرحمك الله، أرأيت هذه الصلاة المكتوبة أو شيء تنفلته، قال: إنها المكتوبة، وإنها لصلاة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما أخطأت إلا شيئا سهوت عنه) فقال: إن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يقول: "لا تُشدّدوا على أنفسكم فيُشدّد عليكم، فإن قوماً شدّدوا على أنفسهم فشدّد الله عليهم، فتلك بقاياهم في الصوامع والديار (ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم) ...
(السنن 4/276-277 - ك الأدب، ب في الحسد ح4904) ، وأخرجه الضياء المقدسي في (المختارة 6/173-174 ح2178) من طريق أحمد بن عيسى، عن عبد الله بن وهب به، قال محققه: إسناده حسن.
قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآَمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)
قال ابن كثير: قد تقدم في رواية النسائي عن ابن عباس: أنه حمل هذه الآية على مؤمني أهل الكتاب وأنهم يؤتون أجرهم مرتين كما في الآية التي في القصص. ا. هـ.
والآية التي في القصص هي آية 54 وانظر سورة القصص آية (52-54) وفيها حديث مسلم عن أبي موسى الأشعري: "ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين ... ".
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله: (يؤتكم كفلين من رحمته) قال: ضعفين.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، في قوله (تمشون به) قال: هدى.(4/451)
لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (29)
قال تعالى (لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ)
أي ليعلم أو لكي يعلم أهل الكتاب أنهم لا يقدرون على شيء من فضل الله الذي أتاكم وخصكم به كما ذكره الطبري وقال: لأن العرب تجعل (لا) صلة في كل كلام دخل في أوله أو آخره جحد غير مصرح فالسابق كقوله (ما منعك ألا تسجد) ... وقوله (وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون) .
انظر (تفسر الطبري 27/245-246) ، وانظر (تفسير ابن كثير 8/59) فإنه نقل عن الطبري أيضاً ولكن فيها زيادات على النسخة التي بين أيدينا. وهذه فائدة لمعرفة القيمة العلمية للمصادر للمصادر التي رجع إليها الحافظ ابن كثير.(4/452)
قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (1) الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (2) وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (3) فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ (4)
سورة المجادلة
قوله تعالى (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا ... )
قال ابن ماجة: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا محمد بن أبي عبيدة، ثنا أبي، عن الأعمش، عن تميم بن سلمة، عن عروة بن الزبير، قال: قالت عائشة: تبارك الذي وسِع سمعه كل شيء. إني لأسمع كلام خولة بنت ثعلبة. ويخفى عليّ بعضه، وهى تشتكي زوجها إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهي تقول: يا رسول الله، أكَلَ شبابي، ونثرت له بطني. حتى إذا كبرتْ سنّي، وانقطع ولدي، ظاهر مني.
اللهم! إني أشكو إليك فما برحتْ حتى نزل جبرائيل بهؤلاء الآيات: (قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله) .
(السنن - الطلاق، ب الظهار ح2063) ، تفرد به ابن ماجة وله شاهد صحيح بالطريق نفسه.
تقدم شاهده في الحديث السابق وهذا أخرجه ابن أبي حاتم من طريق الأعمش به (انظر تفسير ابن كثير 8/60) وقال الألباني: صحيح (صحيح ابن ماجة 1/352) وأخرجه البخاري نحوه معلقا ووصله الحافظ ابن حجر بسنده وصححه (تغليق التعليق 5/338-339) وأخرجه الحاكم من طريق الأعمش وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك 2/481) .
قوله تعالى (الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (2) وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (3) فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ)
قال الإمام أحمد: ثنا سعد بن إبراهيم ويعقوب قالا: ثنا أبي قال: ثنا محمد بن إسحاق قال: حدثني معمر بن عبد الله بن حنظلة، عن يوسف بن عبد الله بن سلام، عن خويلة بنت ثعلبة، قالت: والله فيّ وفي أوس بن صامت أنزل الله سورة المجادلة. قالت: كنت عنده. وكان شيخا كبيرا قد ساء خلقه وضجر.(4/453)
الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (2) وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (3) فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ (4)
قالت: فدخل عليّ يوما فراجعته بشيء فغضب فقال: أنت عليّ كظهر أمي، قالت: ثم خرج فجلس في نادي قومه ساعة ثم دخل عليّ فإذا هو يريدني على نفسي، قالت: فقلت كلا والذي نفس خويلة بيده لا تخلص أبي وقد قلت ما قلت حتى يحكم الله ورسوله فينا بحكمه قالت: فواثبني وامتنعت منه فغلبته بما تغلب به المرأة الشيخ الضعيف فألقيته عني قالت: ثم خرجت إلى بعض جاراتي فاستعرت منها ثيابها ثم خرجت حتى جئت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فذكرت له ما لقيت منه فجعلت أشكو إليه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما ألقى من سوء خلقه، قالت: فجعل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: يا خويلة ابن عمك شيخ كبير فاتقي الله فيه. قالت: فوالله ما برحت حتى نزل فيّ القرآن فتغشى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما كان يتغشاه ثم سرى عنه. فقال لي: يا خويلة قد أنزل الله فيك وفي صاحبك ثم قرأ عليّ: (قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير ... ) إلى قوله (وللكافرين عذاب أليم) فقال لي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مريه فليعتق رقبة. قالت: فقلت والله يا رسول الله ما عنده ما يعتق. قال: فليصم شهرين متتابعين. قالت: فقلت والله يا رسول الله إنه شيخ كبير ما به من صيام. قال: فليطعم ستين مسكين وسقا من تمر. فالت: قلت والله يا رسول الله ما ذاك عنده. قالت: فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فإنا سنعينه بعرق من تمر. قالت: فقلت وأنا يا رسول الله سأعينه بعرق آخر قال قد أصبت وأحسنت فاذهبي فتصدقي عنه ثم استوصي بابن عمك خيراً. قالت: ففعلت.
(المسند 6/410-411) ، وأخرجه أبو داود من طريق محمد بن إسحاق به مختصراً (السنن - الطلاق، ب في الظهار رجل ح2214) وذكره ابن كثير وسنده حسن ثم قال: هذا هو الصحيح في سبب نزول صدر هذه السورة (8/62 طبعة الشعب) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (منكرا من القول وزورا) قال الزور: الكذب (وإن الله لعفو غفور) يقول جل ثناؤه: إن الله لذو عفو وصفح عن ذنوب عباده إذا تابوا منها وأنابوا، غفور لهم أن يعاقبهم عليها بعد التوبة.(4/454)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (ثم يعودون لما قالوا) قال: يريد أن يغشى بعد قوله.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، في قوله: (والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا) فهو الرجل يقول لامرأته: أنت علي كظهر أمي، فإذا قال ذلك، فليس يحل له أن يقربها بنكاح ولا غيره حتى يكفر عن يمينه بعتق رقبة (فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا) وليس: النكاح (فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا) وإن هو قال لها: أنت علي كظهر أمي إن فعلت كذا وكذا، فليس يقع في ذلك ظهار حتى يحنث، فإن حنث فلا يقربها حتى يكفر، ولا يقع في الظهار طلاق.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، عن سعيد بن المسيب أنه قال في رجل صام من كفارة الظهار، أو كفارة القتل، ومرض فأفطر، أو أفطر من عذر، قال: عليه أن يقضي يوما مكان يوم، ولا يستقبل صومه.
قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَقَدْ أَنْزَلْنَا آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (إن الذين يحادون الله ورسوله) يقول: يعادون الله ورسوله.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (كبتوا كما كبت الذين من قبلهم) خزوا كما خزي الذين من قبلهم.
قوله تعالى (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)
قال ابن كثير: ثم قال تعالى مخبرا عن إحاطة علمه بخلقه وإطلاعه عليهم، وسماعه كلامهم، ورؤيته مكانهم حيث ما كانوا وأين كانوا، فقال (ألم تر أن الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض ما يكون من نجوى ثلاثة) أي: من سر(4/455)
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (7) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ (8)
ثلاثة (إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أينما كانوا) أي: يطلع عليهم ويسمع كلامهم وسرهم ونجواهم، ورسله أيضاً مع ذلك تكتب ما يتناجون به، مع علم الله به وسمعه لهم، كما قال: (ألم يعلموا أن الله يعلم سرهم ونجواهم وأن الله علام الغيوب) . وقال: (أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم بلى ورسلنا لديهم يكتبون) .
قوله تعالى (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، في (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى) قال: اليهود.
قوله تعالى (وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ)
قال البخاري: حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد، عن أيوب، عن ابن أبي مليكة، عن عائشة رضي الله عنها: "أن اليهود دخلوا على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقالوا: السام عليك، ولعنتُهُم. فقال: مالك؟ قالت: أولم تسمع ما قالوا؟ قال فلم تسمعي ما قلتُ: وعليكم".
(صحيح البخاري 6/124-125 - ك الجهاد والسير، ب الدعاء على المشركين بالهزيمة والزلزلة ح2935) .
قال الترمذي: حدثنا عبد بن حميد: حدثنا يونس، عن شيبان، عن قتادة، حدثنا أنس بن مالك: أن يهوديا أتى على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأصحابه فقال: السامُ عليكم، فردّ عليه القوم، فقال نبي الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: هل تدرون ما قال هذا؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، سَلّمَ يا نبي الله. قال: لا، ولكنه قال كذا وكذا، رُدُّوه عليَّ، فردُّوه قال: قلتَ السامُ عليكم؟ قال: نعم. قال نبي الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عند ذلك: إذا سلّم عليكم أحدٌ من أهل الكتاب فقولوا: عليك قال: عليك ما قلتَ. قال: (وإذا جاءوك حيَّوك بما لم يُحيِّك به الله) .
قال أو عيسى: هذا حديث حسن صحيح (السنن 5/407 - ك التفسير) ، وصححه الألباني (صحيح سنن الترمذي ح3301) وهو كما قالا.(4/456)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلَا تَتَنَاجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (9) إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (10) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (11)
قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلَا تَتَنَاجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (9) إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ)
قال البخاري: حدثنا عبد الله بن يوسف: أخبرنا مالك ح. وحدثنا إسماعيل قال: حدثني مالك، عن نافع، عن عبد الله - رضي الله عنه - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إذا كانوا ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الثالث".
(الصحيح 11/84- ك الاستئذان، ب لا يتناجى اثنان دون الثالث ح6288) ، ومسلم (الصحيح 4/1718 ح2184 - ك السلام، ب تحريم مناجاة اثنين دون الثالث) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (إنما النجوى من الشيطان ليحزن الذين آمنوا) كان المنافقون يتناجون بينهم، وكان ذلك يغيظ المؤمنين، ويكبر عليهم، فأنزل الله في ذلك القرآن (إنما النجوى من الشيطان ليحزن الذين آمنوا وليس بضارهم شيئا) .... الآية.
قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ)
قال البخاري: حدثنا محمد قال: أخبرنا مخلد بن يزيد قال: أخبرنا ابن جريج قال: سمعت نافعا يقول: سمعت ابن عمر رضي الله عنهما يقول: "نهى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يُقيم الرجل أخاه من مقعده ويجلس فيه" قلت لنافع: الجُمعة؟ قال: الجمعة وغيرها.
(صحيح البخاري 2/456 - ك الجمعة، ب لا يقيم الرجل أخاه يوم الجمعة ويقعد في مكانه ح911) .
أخرج البخاري بسنده عن ابن عمر مرفوعاً: أنه نهى أن يقم الرجل من مجلسه ويجلس فيه الآخر ولكن تفسحوا أو وسعوا ...
(الصحيح - الاستئذان، ب لا يقيم الرجلُ الرجلَ من مجلسه ح2670) .(4/457)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (11)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (تفسحوا في المجلس) قال: مجلس النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يقال ذاك خاصة.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (يا أيها الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجلس) ... الآية، كانوا إذا رأوا من جاءهم مقبلا ضنوا بمجلسهم عند رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فأمرهم أن يفسح بعضهم لبعض.
قوله تعالى (وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، في قوله (فانشزوا) قالا: إلى كل خير، قتال عدو، أو أمر بالمعروف، أو حق ما كان.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا) يقول: إذا دعيتم إلى خير فأجيبو.
قوله تعالى (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ)
قال مسلم: وحدثني زهير بن حرب، حدثنا يعقوب بن إبراهيم، حدثني أبي عن ابن شهاب، عن عامر بن واثلة، أن نافع بن عبد الحارث لقي عمَرَ بعُسفان.
وكان عمر يستعمله على مكة. فقال: من استعملتَ على أهل الوادي؟ فقال: ابن أبزى. قال: ومن ابن أبزى؟ قال: مولىً من موالينا. قال فاستخلفت عليهم مولىً؟ قال: إنه قارئ لكتاب الله عز وجل. وإنه عالم بالفرائض. قال عمر: أما إن نبيكم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد قال: "إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواما ويضع به آخرين".
(صحيح مسلم 1/559 - ك صلاه المسافرين وقصرها، ب فضل من يقوم بالقرآن ويعلمه ح817) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات) إن بالعلم لأهله فضلا، وإن له على أهله حقا، ولعمري للحق عليك أيها العالم فضل والله معطي كل ذي فضل فضله.(4/458)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (12) أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (13) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (14) أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (15) اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (16) لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (17) يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ (18)
قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (12) أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ ... )
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (أأشفقتم) قال: شق عليكم تقديم الصدقة، فقد وضعت عنكم، وأمروا بمناجاة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بغير صدقة حين شق عليهم ذلك.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (أأشففتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات فإذا لم تفعلوا وتاب الله عليكم فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة) فريضتان واجبتان لا رجعة لأحد فيهما، فنسخت هذه الآية ما كان قبلها من أمر الصدقة في النجوى.
قوله تعالى (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ... )
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ) إلى آخر الآية، قال: هم المنافقون تولوا اليهود وناصحوهم.
قال ابن كثير: يقول تعالى منكرا على المنافقين في موالاتهم الكفار في الباطن، وفي نفس الأمر لا معهم ولا مع المؤمنين، كما قال تعالى: (مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا) .
قوله تعالى (اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ) انظر سورة المنافقون آية (2) .
قوله تعالى (يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ)
قال الحاكم: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، أنبأ الحسن بن علي بن عفان، ثنا عمرو بن عبد العنقزي، ثنا إسرائيل ثنا سماك بن حرب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في ظل حجرة وقد كاد(4/459)
يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ (18) اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ (19)
الظل أن يتقلص فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إنه سيأتيكم إنسان فينظر إليكم بعين شيطان فإذا جاءكم لا تكلموه، فلم يلبثوا أن طلع عليهم رجل أزرق أعور. فقال حين رآه دعاه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: "على ما تشتمني أنت وأصحابك؟ فقال: ذرني آتك بهم، فانطلق فدعاهم فحلفوا ما قالوا وما فعلوا حتى يُخَون، فأنزل الله عز وجل: (يوم يبعثهم الله جميعا فيحلفون له كما يحلفون لكم ويحسبون أنهم على شيء ألا إنهم هم الكاذبون) .
هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. (المستدرك 2/482 - ك التفسير) ، وصححه الحاكم وسكت عنه الذهبي، وأخرجه أحمد في (مسنده 1/240-267) ، والطبراني (12/7 ح12307) من طرق عن سماك بنحوه. قال ابن كثير: إسناده جيد ولم يخرجاه (التفسير 4/512) وقال الهثمي: رواه أحمد والبزار، ورجال الجميع رجال الصحيح (مجمع الزوائد 7/122) ، وقال الزيلعي: هذا سند جيد (تخريج الكشاف 4/432) ، وحسن إسناده محقق المسند (4/48 طبعة الأرنؤوط) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، في قوله (يوم يبعثهم الله جميعا) .. الآية، والله حالف المنافقون ربهم يوم القيامة، كما حالفوا أولياؤه في الدنيا.
قوله تعالى (اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ)
قال الحاكم: حدثني أبو بكر بن محمد بن أحمد بن بالويه، ثنا محمد بن أحمد بن النضر، ثنا معاوية بن عَمْرو، ثنا زائدة، أنبأ السائب بن حبيش الكلاعي، عن معدان بن أبي طلحة اليعمري قال: قال لي أبو الدرداء: أين مسكنك؟ فقلت: في قرية دون حمص فقال أبو الدرداء - رضي الله عنه - سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "ما من ثلاثة في قرية ولا بدو لا تقام فيهم الصلاة إلا قد استحوذ عليهم الشيطان فعليك بالجماعة فإنما يأكل الذئب القاصية".
هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. (المستدرك 2/482-483 - ك التفسير) ، وصححه الذهبي، أخرجه أبو داود (1/371 ح547) ، والنسائي (2/106) ، وابن حبان في صحيحه (الإحسان 3/267 ح2098) من طرق عن زائدة به. قال النووي: إسناده صحيح (نصب الراية 2/24) ، وقال ابن الملقن: هذا الحديث صحيح (البدر المنير ج3 ق32/ب) ، وحسنه الألباني (صحيح الترغيب 1/172 ح425) .(4/460)
إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ (20) كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (21) لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (22)
قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ (20) كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (يحادون الله ورسوله) قال: يعادون، يشاقون.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (كتب الله لأغلبن أنا ورسلي) الآية، قال: كتب الله كتابا وأمضاه.
قال ابن كثبر: (كتب الله لأغلبن أنا ورسلي) أي: قد حكم وكتب في كتابه الأول وقدره الذي لا يخالف ولا يمانع. ولا يبدل، بأن النصرة له ولكتابه ورسله وعباده المؤمنين في الدنيا والآخرة، وأن العاقبة للمتقين، كما قال تعالى: (إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سواء الدار) .
قوله تعالى (لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آَبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ... )
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) لا تجد يا محمد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر، يوادون من حاد الله ورسوله، أي: من عادى الله ورسوله.
قال ابن كثير: ثم قال تعالى (لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آَبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ) أي: لا يوادون المحادين ولو كانوا من الأقربين، كما قال تعالى: (لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه) ... الآية. وقال تعالى: (قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين) .(4/461)
سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1) هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ (2)
سورة الحشر
قال البخاري: حدثنا محمد بن عبد الرحيم، حدثنا سعيد بن سليمان، حدثنا هشيم، أخبرنا أبو بشر، عن سعيد بن جبير، قال: قلت لابن عباس: سورة التوبة؟ قال: التوبة هي الفاضحة، ما زالت تنزل: ومنهم، ومنهم، حتى ظنوا أنها لم تُبق أحداً منهم إلا ذُكر فيها. قال قلت: سورة الأنفال؟ قال: نزلت في بدر. قال: قلت: سورة الحشر؟ قال: نزلت في بني النضير.
(الصحيح 8/497 - ك التفسير - سورة الحشر ح4882) .
قوله تعالى (سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1) هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا)
قال الحاكم: أخبرني أبو عبد الله محمد بن علي الصنعاني بمكة، ثنا علي بن المبارك الصنعاني، ثنا زيد بن المبارك الصنعاني، ثنا محمد بن ثور عن معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت: كانت غزوة بني النضير - وهم طائفة اليهود -على رأس ستة أشهر من وقعة بدر وكان منزلهم ونخلهم بناحية المدينة فحاصرهم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حتى نزلوا على الجلاء وعلى أن لهم ما أقلت الابل من الأمتعة والأموال إلا الحلقة -يعني السلاح- فأنزل الله فيهم (سبح لله ما في السماوات وما في الأرض) إلى قوله (لأول الحشر ما ظننتم أن يخرجوا) فقاتلهم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حتى صالحهم على الجلاء فأجلاهم إلى الشام وكانوا من سبط لم يصبهم جلاء فيما خلا وكان الله قد كتب عليهم ذلك، ولولا ذلك لعذبهم في الدنيا بالقتل والسبي وأما قوله (لأول الحشر) فكان جلاؤهم ذلك أول حشر في الدنيا إلى الشام.
هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. (المستدرك 2/483 - ك التفسير) وصححه الذهبي.
وانظر سورة الحديد آية (1) ، وسورة الإسراء آية (44) في بيان تسبيح المخلوقات كلها لله تعالى.(4/462)
هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ (2) وَلَوْلَا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلَاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ (3)
قال ابن كثير: وقوله (ما ظننتم أن يخرجوا) أي: في مدة حصاركم لهم وقصرها، وكانت ستة أيام، مع شدة حصونهم ومنعتها. ولهذا قال (وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا) أي: جاءهم من أمر الله ما لم يكن لهم في بال، كما قال في الآية الأخرى (قد مكر الذين من قبلهم فأتى الله بنيانهم من القواعد فخر عليهم السقف من فوقهم وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون) .
قوله تعالى (وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ)
انظر سورة آل عمران آية (151) ، وسورة الأحزاب آية (26) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين) جعلوا يخربونها من أجوافها، وجعل المؤمنون يخربون من ظاهرها.
قوله تعالى (وَلَوْلَا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلَاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ)
قال مسلم: وحدثني محمد بن رافع وإسحاق بن منصور (قال ابن رافع: حدثنا. وقال إسحاق: أخبرنا عبد الرزاق) . أخبرنا ابن جريح عن موسى ابن عقبة، عن نافع، عن ابن عمر: أن يهود بني النضير وقريظة حاربوا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فأجلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بني النضير، وأقرّ قريظة ومَنَّ عليهم.
حتى حاربت قريظة بعد ذلك. فقتل رجالهم، وقسم نساءهم وأولادهم وأموالهم بين المسلمين. إلا أن بعضهم لحقوا برسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فآمنهم وأسلموا. وأجلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يهود المدينة كلهم: بني قينقاع (وهم قوم عبد الله بن سلام) .
ويهود بني حارثة. وكل يهودي كان بالمدينة.
(الصحيح 3/1387-1388 - ك الجهاد السير، ب إجلاء اليهود من الحجاز - ح1766) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (ولولا أن كتب الله عليهم الجلاء) : خروج الناس من البلد إلى البلد.(4/463)
مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ (5) وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (6) مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (7)
قوله تعالى (مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ)
قال البخاري: حدثنا آدم حدثنا الليث عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: حرق رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نخل بني النضير وقطع، وهي البويرة، فنزلت (ما قطعتم من لِينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله) .
(الصحيح 7/383- ك المغازي، ب حديث بنى النضير.... ح4031. م3/1365 ح1746 - ك الجهاد والسير، ب جواز قطع أشجار الكفار وتحريقها) . والبويرة موضع منازل بني النضير بالمدينة وذكر البلادي أنها لم تعد معروفة (معجم المعالم الجغرافية في الحجاز ص51) .
قال الطبري: حدثنا بشار، قال: ثنا سفيان، عن داود بن أبي هند، عن عكرمة: (ما قطعتم من لينة) قال: النخلة.
وسنده صحيح.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، في قوله (ما قطعتم من لينة) واللينة: ما خلا من العجوة من النخل.
قوله تعالى (وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (6) مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ)
قال البخاري: حدثنا علي بن عبد الله، حدثنا سفيان -غير مرة- عن عمرو عن الزهري عن مالك بن أوس بن الحَدَثان عن عمر - رضي الله عنه - قال: كانت أموال بني النضير مما أفاء الله على رسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مما لم يوجِفِ المسلمون عليه بخَيل ولا رِكاب، فكانت لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خاصة، يُنفق على أهله منها نفقة سنته، ثم يجعل ما بقي في السلاح والكُراع عدّة في سبيل الله.
(الصحيح 8/498 - ك التفسير - سورة الحشر، ب (الآية) - ح4885. م3/1376- 1377- ح1757 - ك الجهاد والسير، ب حكم الفيء) .(4/464)
وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (6) مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (7) لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (8)
أخرج البخاري بسنده عن عمر بن الخطاب حديثا طويلا ومنه: إن الله قد خص رسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في هذه الفيء لم يعطه أحداً غيره ثم قرأ (وما أفاء الله على رسوله منهم) إلى قوله (قدير) فكانت هذه خالصة لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ووالله ما احتازها دونكم ولا استأثر بها عليكم.
(الصحيح - فرض الخمس، ب فرض الخمس ح3093) .
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (ما أفاء الله على رسوله) من قريظة جعلها لمهاجرة قريش.
وانظر سورة البقرة آية (177) لبيان (ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل) .
لقوله تعالى (وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا)
وانظر حديث أبي هريرة المتقدم عند الآية (101) من سورة المائدة وهو حديث: "دعوني ما تركتكم..".
قال مسلم: حدثنا زهير بن حرب، حدثنا حرير، عن الأعمش، عن أبي الضحى، عن مسروق، عن عائشة. قالت: صنع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمراً فترخّص فيه. فبلغ ذلك ناسا من أصحابه. فكأنهم كرهوه وتنزّهوا عنه. فبلغه ذلك، فقام خطيبا فقال: "ما بال رجال بلغهم عنّي أمر ترخّصتُ فيه. فكرهوه وتنزّهوا عنه. فوالله! لأنا أعلمهم بالله وأشدهم له خشية".
(الصحيح 4/1829 ح2356 - ك الفضائل، ب علمه بالله وشدة خشيته) .
انظر ما تقدم من حديث ابن مسعود عند البخاري تحت الآية (119) من سورة النساء.
قوله تعالى (لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم) ... إلى قوله (أولئك هم الصادقون) قال: هؤلاء المهاجرون تركوا الديار والأموال والأهلين والعشائر، خرجوا حبا لله ورسوله، واختاروا الإسلام على ما فيه من الشدة.(4/465)
وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9)
قوله تعالى (وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، في قوله (والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم) قال: الأنصار نعت.
قال الترمذى: حدثنا الحسين بن الحسن المروزي بمكة، حدثنا ابن أبي عدي، حدثنا حُميد عن أنس قال: لمّا قدم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المدينة أتاه المهاجرون فقالوا: يا رسول الله ما رأينا قوماً أبذل من كثير ولا أحسن مواساة من قليل من قوم نزلنا بين أظهرهم، لقد كفونا المؤنة وأشركونا في المهنأ حتى خِفنا إن يذهبوا بالأجر كله. فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا، ما دعوتم الله لهم وأثنيتم عليهم".
(السنن 4/653 - ك صفة القيامة، ب 44 قال الترمذي: حديث صحيح حسن غريب من هذا الوجه. وأخرجه الضياء المقدسي في المختارة (5/290-293) ح1930-1934، من طرق عن حميد به. قال محققه: إسناده صحيح) ، وأخرجه الحاكم من طريق ثاب عن أنس وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك 36/2 وصحح إسناده الألباني (المشكاة 119/2) .
قوله تعالى (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ)
قال البخاري: حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن كثير، حدثنا أبو أسامة، حدثنا فُضيل بن غزوان، حدثنا أبو حازم الأشجعي عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: أتى رجلٌ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال يا رسول الله، أصابني الجهد. فأرسل إلى نسائه فلم يجد عندهن شيئا، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ألا رجلٌ يُضيفه الليلة يرحمه الله؟ "فقام رجل من الأنصار فقال: أنا يا رسول الله. فذهب إلى أهله فقال لامرأته: ضيفُ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا تدَّخريه شيئا. فقالت: والله ما عندي إلا قوت الصِّبْية. قال: فإذا أراد الصِّبْية العَشاء فنوِّميهم، وتعاَلْى فأطفئي السِّراج ونطوي بطوننا الليلة.
ففعلت. ثم غدا الرجلُ على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: "لقد عجب الله عز وجل -أو ضحك- من فلان وفلانة". فأنزل الله عز وجل (ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة) .
(الصحيح 8/500 - ك التفسير - سورة الحشر، ب (الآية) ح4889) ، وأخرجه مسلم في (صحيحه 3/1624 ح173 - ك الأشربة، ب إكرام الضيف وفضل إيثاره) نحوه.(4/466)
قوله تعالى ( ... وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)
أخرج مسلم بسنده عن جابر بن عبد الله أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، واتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم حملهم على أن سفكوا دماءَهم واستحلوا محارمهم".
(الصحيح - ك البر، ب تحريم الظلم 8/18. ط المكتب التجاري) .
قوله تعالى (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)
ولقد استجاب الله تعالى لهم كما في قوله تعالى (ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين) سورة الحجر آية (47) ، وانظر سورة الأعراف آية (43) .
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (والذين جاءوا من بعدهم) قال: الذين أسلموا نعتوا أيضاً.
قوله تعالى (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (11) لَئِنْ أُخْرِجُوا لَا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لَا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ (12) لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ)
قال ابن كثير: يخبر تعالى عن المنافقين كعبد الله بن أبي وأضرابه حين بعثوا إلى يهود بني النضير يعدونهم النصر من أنفسهم فقال تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ) قال الله تعالى: (والله يشهد إنهم لكاذبون) أي لكاذبون فيما وعدوهم به إما لأنهم قالوا لهم قولاً، ومن نيتهم أن لا يفوا لهم به، وإما لأنهم لا يقع منهم الذي قالوه، ولهذا قال تعالى: (ولئن قوتلوا لا ينصرونهم) أي لا يقاتلون معهم (ولئن نصروهم) أي:(4/467)
لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ (13) لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ (14) كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِيبًا ذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (15) كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (16) فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ (17) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (18)
قاتلوا معهم (ليولن الأدبار ثم لا ينصرون) وهذه بشارة مستقلة بنفسها، كقوله تعالى: (لأنتم أشد رهبة في صدورهم من الله) أي يخافون منكم أكثر من خوفهم من الله كقوله (إذا فريق منهم يخشون الناس كخشية الله أو أشد خشية) ولهذا قال تعالى (ذلك بأنهم قوم لا يفقهون) .
وانظر سورة النساء آية (77) .
قوله تعالى (لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ) قال: تجد أهل الباطل مختلفة شهادتهم، مختلفة أهواؤهم، مختلفة أعمالهم، وهم مجتمعون في عداوة أهل الحق.
قوله تعالى (كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِيبًا ذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، في قوله (كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِيبًا ذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ) قال: كفار قريش.
قوله تعالى (كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ ... )
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر) عامة الناس.
قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ ... )
انظر الآية رقم (1) من سورة النساء، وهو حديث مسلم عن جرير.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد) ما زال ربكم يقرب الساعة حتى جعلها كغد، وغد يوم القيامة.(4/468)
وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (19) لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ (20) لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (21) هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (22) هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (23)
قوله تعالى (وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) انظر سورة الأعراف آية (51) ، وسورة التوبة آية (67) .
قوله تعالى (لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ) قال ابن كثير: أي: لا يستوي هؤلاء وهؤلاء في حكم الله يوم القيامة كما قال (أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون) وقال (وما يستوي الأعمى والبصير والذين آمنوا وعملوا الصالحات ولا المسيء) الآية، وقال (أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار) .
قوله تعالى (لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآَنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)
قال ابن كثير: إذا كانت الجبال الصم تسمع كلام الله وفهمته، لخشعت وتصدعت من خشيته، كيف بكم وقد سمعتم وفهمتم؟ وقد قال تعالى (ولو أن قرآن سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى) الآية. وقد تقدم معنى ذلك: أي لكان هذا القرآن. وقال تعالى (وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء وإن منها لما يهبط من خشية الله) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وتلك الأمثال نضربها للناس) يقول تعالى ذكره: وهذه الأشياء نشبهها للناس، وذلك تعريفه جل ثناؤه إياهم أن الجبال أشد تعظيما لحقه منهم مع قساوتها وصلابتها.
تقوله تعالى (هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (22) هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ)
تقدم تفسره في أول سورة الفاتحة.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (القدوس) : أي المبارك.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (المؤمن) أمن بقوله أنه حق.(4/469)
هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (23) هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (24)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، في قوله: (المهيمن) قال: الشهيد، قال مرة أخرى: الأمين.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (العزيز) أي في نقمته إذا انتقم.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (المتكبر) قال: تكبر عن كل شر.
قوله تعالى (هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)
انظر سورة الأعراف آية (180) ، وسورة الإسراء آية (110) وتفسيرهما.
قال ابن كثير: وقوله (يسبح له ما في السماوات والأرض) كقوله (تسبح له السماوات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم إنه كان حليماً غفوراً) .(4/470)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ (1)
سورة الممتحنة
قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيل)
قال البخاري: حدثنا الحميدي، حدثنا سفيان، حدثنا عمرو بن دينار قال: حدثني الحسن بن محمد بن عليّ أنه سمعَ عُبيد الله بن أبي رافعٍ كاتب عليّ يقول: سمعت علياً - رضي الله عنه - يقول: بعثني رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنا والزبير والمِقداد قال: انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخٍ، فإن بها ظعينة معها كتابٌ فخذوه منها. فذهبنا تعادى بنا خيلُنا حتى أتينا الروضة، فإذا نحنُ بالظعينة، فقلنا: أخرجي الكتابَ. فقالت: ما معي من كتاب، فقلنا: لتُخرجنّ الكتاب أو لتُلقين الثياب. فأخرجته من عقاصها، فأتينا به النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فإذا فيه: من حاطب بن أبي بلتعة إلى أناس من المشركين ممن بمكة يُخبرهم ببعض أمر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ما هذا يا حاطب؟ " قال: لا تعجل علىّ يا رسول الله، إني كنتُ امرءاً من قريش ولم أكن من أنفسهم، وكان مَن معك من المهاجرين لهم قرابات يحمون بها أهليهم وأموالهم بمكة، فأحببت إذ فاتني من النسب فيهم أن أصطنع إليهم يداً يحمون قرابتي، وما فعلتُ ذلك كفراً ولا ارتداداً عن ديني. فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنه قد صدقكم. فقال عمر: دعني يا رسول الله فأضرب عنقه. فقال: "إنه شهد بدراً، وما يُدريك لعلّ الله عز وجل اطّلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غَفَرتُ لكم". قال عمرو: ونزلت فيه: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء) قال: لا أدري الآية في الحديث أو قول عمرو.(4/471)
حدثنا عليّ قال: قيل لسفيان في هذا فنزلت: (لا تتخذوا عدوي وعدوّكم أولياء) الآية؟ قال سفيان: هذا في حديث الناس حفظته من عمرو، ما تركتُ منه حَرفاً، وما أرَى أحداً حفظه غيري.
(صحيح البخاري 8/502 - ك التفسير - سورة الممتحنة، ب (الآية) ح4890) ، وسلم (الصحيح 4/1941-1942 ح2494 - ك فضائل الصحابة، ب من فضائل أهل بدر رضي الله عنهم وقصة حاطب بن أبي بلتعة) .
قال ابن كثير: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق) يعني: المشركين والكفار الذين هم محاربون لله ولرسوله وللمؤمنين الذين شرع الله عداوتهم ومصارمتهم، ونهى أن يتخذوا أولياء وأصدقاء وأخلاء، كما قال (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم) وهذا تهديد شديد ووعيد أكيد، وقال تعالى (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزوا ولعبا من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفار أولياء واتقوا الله إن كنتم مؤمنين) ... وقوله (يخرجون الرسول وإياكم) هذا مع ما قبله من التهييج على عداوتهم وعدم موالاتهم لأنهم أخرجوا الرسول وأصحابه من بين أظهرهم، كراهة لما هم عليه من التوحيد وإخلاص العبادة لله وحده ولهذا قال (أن تؤمنوا بالله ربكم) أي: لم يكن لكم عندهم ذنب إلا إيمانكم بالله رب العالمين، كقوله (وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد) وكقوله (الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله) .
قوله تعالى (لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)
هذه الأرحام والأولاد المراد بهم من الكفار كما يؤكد هذا الآية التالية في براءة إبراهيم من قومه المشركين.(4/472)
قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (4) رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (5)
قوله تعالى (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآَءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ)
قال البخاري: حدثنا عبد الله بن محمد المسندي قال: حدثنا أبو روح الحرمي ابن عمارة قال: حدثنا شعبة، عن واقد بن محمد قال: سمعت أبي يحدّث عن ابن عمر أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "أُمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويُؤتوا الزكاة. فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله".
(الصحيح 1/94-95 ح25- ك الإيمان، ب فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم) ، ومسلم (الصحيح 1/53 ح22 ك الإيمان - ب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله محمد رسول الله ... ) .
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (إلا قول إبراهيم لأبيه) قال: نهوا أن يتأسوا باستغفار إبراهيم لأبيه، فيستغفروا للمشركين.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم) الآية، ائتسوا به في كل شيء، ما خلا قوله لأبيه (لأستغفرن لك) فلا تأتسوا بذلك منه، فإنها كانت عن موعدة وعدها إياه.
قوله تعالى (رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، في قوله (رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا) قال لا تعذبنا بأيديهم، ولا بعذاب من عندك، فيقولوا: لو كان هؤلاء على حق ما أصابهم هذا.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا) قال: يقول: لا تظهرهم علينا فيفتنوا بذلك، يرون أنهم إنما ظهروا علينا لحق هم عليه.(4/473)
لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (6) عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (7) لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8)
قوله تعالى (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ)
قال ابن كثير في هذه الآية: وهذا تأكيد لما تقدم ومستثنى منه ما تقدم أيضاً لأن هذه الأسوة المثبتة هاهنا هي الأولى بعينها. ا. هـ. أي المتقدمة في الآية رقم (4) من السورة نفسها.
قوله تعالى (عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة والله قدير) على ذلك (والله غفور رحيم) يغفر الذنوب الكثيرة، رحيم بعباده.
قال ابن كثير: يقول تعالى لعباده بعد أن أمرهم بعدواة الكافرين (عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة) أي محبة بعد البغضة ومودة بعد النفرة وألفة بعد الفرقة (والله قدير) أي: على ما يشاء من الجمع بين الأشياء المتنافرة والمتباينة والمختلفة فيؤلف بين القلوب بعد العداوة والقساوة فتصبح مجتمعة متفقة، كما قال تعالى ممتنا على الأنصار (واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها) الآية.
قوله تعالى (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ)
قال البخاري: حدثنا عبيد بن إسماعيل، حدثنا أبو أسامة، عن هشام، عن أبيه، عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: قدمتْ عليَّ أُمي وهي مشركة في عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فاستفتيتُ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قلتُ: إن أمي قدمتْ وهى راغبة، أفأصل أمي؟ قال: "نعم، صِلي أمّك".
(صحيح البخاري 5/275 - ك الهبة ب الهدية للمشركين وقول الله تعالى (الآية) ح2620) ، وأخرجه مسلم في (الصحيح 2/696 ح1003 - ك الزكاة، ب فضل النفقة والصدقة على الأقربين والزوج والأولاد والوالدين ولو كانوا مشركين) .(4/474)
لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8) إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (9) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنْفَقُوا ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (10)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، في قوله (لا ينهاكم الله عن الذي لم يقاتلوكم في الدين) أن تستغفروا لهم و (تبروهم وتقسطوا إليهم) قال: وهم الذين آمنوا بمكة ولم يهاجروا.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، في قوله (لا ينهاكم الله) ... الآية، قال: نسختها (اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم) .
قوله تعالى (إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين) قال: كفار أهل مكة.
قال ابن كثير: أي. إنما ينهاكم عن موالاة هؤلاء الذين ناصبوكم بالعداوة فقاتلوكم وأخرجوكم وعاونوا على إخراجكم، ينهاكم عن موالاتهم ويأمركم بمعاداتهم. ثم أكد الوعيد على موالاتهم فقال (ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون) كقوله (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين) .
قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآَتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذَا آَتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ)
أخرج البخاري بسنده عن المسور بن مخرمة ومروان -يصدق كل واحد منهما حديث صاحبه- قالا: خرج رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زمن الحديبية حتى إذا كانوا ببعض الطريق ... فذكر الحديث بطوله، وفيه قوله: فلما فرغ من قضية الكتاب قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه: قوموا فانحروا ثم احلقوا" قال: فوالله ما قام منهم رجل، حتى قال ذلك ثلاث مرات، فلما لم يقم منهم أحد دخل على أم سلمة فذكر لها ما لقي من الناس، فقالت أم سلمة: يا نبي الله أتحب ذلك؟ اخرج، ثم لا تكلم أحداً منهم كلمة حتى تنحر بدنك، وتدعو حالقك فيحلقك. فخرج فلم يكلم أحداً منهم حتى فعل ذلك: نحر بدنه، ودعا حالقه فحلقه. فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا، وجعل بعضهم(4/475)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنْفَقُوا ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (10)
يحلق بعضاً، حتى كاد بعضهم يقتل بعضاً غماً. ثم جاء نسوة مؤمنات، فأنزل الله تعالى (يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن) حتى بلغ (بعصم الكوافر) فطلق عمر يومئذ امرأتين كانتا له في الشرك، فتزوج إحداهما معاوية بن أبي سفيان والأخرى صفوان بن أمية ثم رجع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى المدينة ... (الصحيح 5/923-333 ح2372 - ك الشروط، ب الشروط في الجهاد) .
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (فامتحنوهن) قال: سلوهن ما جاء بهن فإن كان جاء بهن، غضب على أزواجهن، أو سخطة، أو غيره، ولم يؤمن فارجعوهن إلى أزواجهن.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فامتحنوهن) كانت محنتهن أن يستحلفن بالله ما أخرجكن النشوز، وما أخرجكن إلا حب الإسلام وأهله، وحرص عليه، فإذا قلن ذلك قبل ذلك منهن.
أخرج الطبري بسنده الصحيح مجاهد (وآتوهم ما أنفقوا) وآتوا أزواجهن صدقاتهن.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة وكان الزهري يقول: إنما أمر الله برد صداقهن إليهم إذا حبسن عنهم إن هم ردوا المسلمين على صداق من حبسوا عنهم من نسائهم.
انظر سورة البقرة آية (233) لبيان لا جناح أي: لا حرج.
قوله تعالى (وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنْفَقُوا) أخرج الطبري بسنده الصحَيح عن مجاهد (ولا تمسكوا بعصم الكوافر) قال: أصحاب محمد أمروا بطلاق نسائهم كوافر بمكة، قعدن مع الكفار.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ولا تمسكوا بعصم الكوافر) مشركات العرب اللاتي يأبين الإسلام أمر أن يخلي سبيلهن.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، في قول الله (واسألوا ما أنفقتم وليسئلوا ما أنفقوا) قال: ما ذهب من أزواج أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - إلى الكفار، فليعطهم الكفار صدقاتهن، وليمسكوهن، وما ذهب من أزواج الكفار إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فمثل ذلك في صلح بين محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وبين قريش.(4/476)
وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ (11) يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (12)
قوله تعالى (وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ فَآَتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، في قوله (وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار) الذين ليس بينكم وبينهم عهد.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة في قوله (وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ فَآَتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ) كنّ إذا فررن من أصحاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى الكفار ليس بينهم وبين نبي الله عهد، فأصاب أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غنيمة، أعطى زوجها ما ساق إليها من جميع الغنيمة، ثم يقتسمون غنيمتهم.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (فعاقبتم) يقول: أصبتم مغنما من قريش أو غيرهم (فآتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا) صدقاتهن عوضا.
قوله تعالى (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)
قال البخاري: حدثني إسحاق، حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد، حدثنا ابن أخي ابن شهاب، عن عمه أخبرني عروة أن عائشة رضي الله عنها زوج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أخبرته أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يمتحن من هاجر إليه من المؤمنات بهذه الآية بقول الله تعالى: (يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك -إلى قوله- غفور رحيم) قال عروة: قالت عائشة: فمن أقر بهذا الشرط من المؤمنات قال لها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "قد بايعتك، كلاماً"، ولا والله ما مسّت يده يدَ امرأة قطّ في المبايعة، ما يبايعهنّ إلا بقوله: "قد بايعتك على ذلك".
(الصحيح 8/504 ك التفسير - سورة الممتحنة، الآية ح4891) ، ومسلم (الصحيح 13/1489 ح1866 - ك الإمارة، ب كيفية بيعة النساء) .(4/477)
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (12)
وقال البخاري: حدثنا أبو معمر، حدثنا عبد الوارث، حدثنا أيوب، عن حفصة بنت سيرين، عن أمّ عطية رضي الله عنها قالت: "بايعنا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقرأ علينا: (أن لا يشركن بالله شيئا) ، ونهانا عن النّياحة، فقبضتِ امرأةٌ يدَها فقالت: أسعدتْني فلانة فأريد إن أجزيها، فما قال لها النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شيئاً، فانطلقتْ ورجعت، فبايعها.
(صحيح البخاري 8/506 - ك التفسير - سورة الممتحنة، ب (الآية) ح4892) .
وقال البخاري: حدثنا علي بن عبد الله، حدثنا سفيان قال: الزهري، حدثناه قال: حدثني أبو إدريس سمع عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - قال: كنا عند النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: "أتبايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئا ولا تزنوا ولا تسرقوا؟ وقرأ آية النساء - وأكثرُ لفظ سفيان: قرأ الآية -فمن وَفى منكم فأجرُه على الله، ومن أصاب من ذلك شيئاً فعوقب فهو كفارة له، ومن أصاب منها شيئاً من ذلك فستره الله فهو إلى الله: إن شاء عذّبه وإن شاء غفر له".
تابعه عبد الرزاق عن معمر "في الآية".
(صحيح البخاري 8/506 - ك التفسير - سور الممتحنة، ب (الآية) ح4894) .
وقال البخاري: حدثنا محمد بن عبد الرحيم، حدثنا هارون بن معروف، حدثنا عبد الله بن وهب قال: وأخبرني ابن جريج أنَّ الحسن بن مسلم، أخبره عن طاوس، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: شهدت الصلاة يوم الفطر مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وأبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم، فكلهم يُصليها قبل الخطبة ثم يخطب بعد، فنزل نبي الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فكأني أنظر إليه حين يُجلِّس الرجال بيده، ثم أقبل يشقهم حتى أتى النساء مع بلال فقال: (يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئا ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن) حتى فرغ من الآية كلها.
ثم قال حين فرغ: "أنتُنّ على ذلك؟ " وقالت امرأة واحدة لم يجبه غيرها: نعم يا رسول الله. لا يدري الحسن من هي. قال: "فتصدقن" وبسط بلال ثوبه، فجعلن يلقين الفَتْخَ والخواتيم في ثوب بلال.
(صحيح البخاري 8/506 - ك التفسير - سورة الممتحنة، ب (الآية) ح4895) .(4/478)
روى مالك: عن محمد بن المنكدر، عن أميمة بنت رقيقة أنها قالت: آتيتُ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في نسوة يبايعنه على الإسلام. فقلن: يا رسول الله! نبايعك على أن لا نشرك بالله شيئا، ولا نسرق، ولا نزني، ولا نقتل أولادنا، ولا نأتي ببهتان نفتريه بين أيدينا وأرجلنا، ولا نعصيك في معروف. فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "فيما استطعتم وأطقتن" قالت فقلن: الله ورسوله أرحم بنا من أنفسنا. هلمّ نبايعك يا رسول الله! فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إني لا أصافح النساء، إنما قولي لمائة امرأة كقولي لامرأة واحدة أو مثل قولي لامرأة واحدة".
(الموطأ 2/982 ح2 - ك البيعة، ب ما جاء في البيعة) ، وأخرجه الترمذي (4/151 - ك السير، ب ما جاء في بيعة النساء) ، والنسائي (7/149 - ك البيعة، ب بيعة النساء) ، وابن ماجة (2/959 ح2874 - ك الجهاد، ب بيعة النساء) كلهم من طريق مالك به. قال الترمذي: حديث حسن صحيح، قال ابن كثير: إسناده صحيح (التفسير 8/122) ، وقال الألباني: صحيح (صحيح ابن ماجة 2/145) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن) يقول: لا يلحقن بأزواجهن غير أولادهم.
قوله تعالى (وَلَا يَسْرِقْنَ)
قال البخاري: حدثنا محمد بن كثير، أخبرنا سفيان، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها: أن هنداً قالت للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إن أبا سفيان رجل شحيح، فأحتاجُ أن آخذ من ماله، قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف".
(الصحيح 13/183 - ك الأحكام، ب القضاء على الغائب ح7180) ، (وصحيح مسلم 3/1338 ح1714 - ك الأقضية، ب قضية هند) .
قوله تعالى (وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ ... )
قال مسلم: وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب وإسحاق بن إبراهيم.
جميعاً عن أبي معاوية. قال زهير: حدثنا محمد بن حازم. حدثنا عاصم عن حفصة، عن أم عطية. قالت: لما نزلت هذه الآية (يبابعنك على أن لا يشركن بالله شيئا ... ولا يعصينك في معروف) قالت: كان منه النياحة. قالت فقلت:(4/479)
يا رسول الله إلا آل فلان فإنهم كانوا أسعدوني في الجاهلية فلابد من أن أسعدهم. فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إلا آل فلان".
(الصحيح 2/646 ح بعد رقم936 - ك الجنائز، ب التشدد في النياحة) ، وأخرج الترمذي نحوه من حديث أم سلمة الأنصارية، وفيه: " ... فأبى عليّ، فأتته مراراً فأذن لي في قضائهن ... " (السنن 5/411-412، ح3307) وحسنه وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي ح3307) ، وأخرج البخاري بسنده عن ابن عباس في قوله تعالى (ولا يعصينك في معروف) قال: إنما هو شرط شرطه الله للنساء. (الصحيح - تفسير سورة الممتحنة - ب إذا جاءك المؤمنات يبايعنك ح4893) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (ولا يعصينك في معروف) يقول: لا ينحن.
قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآَخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (يا أيها الذين آمنوا لا تتولوا قوماً غضب الله عليهم قد يئسوا من الآخرة) ... الآية، الكافر لا يرجو لقاء ميته ولا أجره.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، في قوله (قد يئسوا من الآخرة كما يئس الكفار من أصحاب القبور) قال: من ثواب الآخرة حين تبين لهم عملهم، وعاينوا النار.(4/480)
سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2)
سورة الصف
قوله تعالى (سبح لله ما في السماوات وما في الأرض وهو العزيز الحكيم يا أيها الذين آمنوا لم تقولون مالا تفعلون)
قال الترمذي: حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن، أخبرنا محمد بن كثير، عن الأوزاعى، عن يحيى بن أبي كثر، عن أبي سلمة، عن عبد الله بن سلام قال: قعدنا نفر من أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فتذاكرنا، فقلنا: لو نعلم أي الأعمال أحب إلى الله لعملناه، فأنزل الله تعالى (سبّح لله ما في السماوات وما في الأرض وهو العزيز الحكيم يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون) . قال عبد الله بن سلام: فقرأها علينا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قال أبو سلمة: فقرأها علينا ابن سلام. قال يحيى: فقرأها علينا أبو سلمة. قال ابن كثير: فقرأها الأوزاعي. قال عبد الله: فقرأها علينا ابن كثير.
(السنن 5/412-413 ح 3309- ك تفسير القرآن، ب ومن سورة الصف) ، وأخرجه الدارمي (السنن 2/200- ك الجهاد، ب الجهاد في سبيل الله أفضل الأعمال) ، وابن حبان في صحيحه (الإحسان 10/4 ح، 4594) ، والحاكم (المستدرك 2/69) من طرق عن الأوزاعي به. قال الحاكم: حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. وأشار إليه الحافظ ابن حجر فقال:.. إسناده صحيح قلّ أن وقع في المسلسلات مثله مع مزيد علوه (فتح الباري 8/509) .
وانظر سورة الحديد آية (1) وسورة الإسراء آية (44) لبيان تسبيح المخلوقات كلها لله تعالى.
انظر حديث البخاري المتقدم تحت الآية رقم (77) من سورة التوبة، وهو حديث: "آية المنافق ثلاث ... ".
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، في قوله: (يا آيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون) قال: كان ناس من المؤمنين قبل أن يفرض الجهاد يقولون: لوددنا أن الله دلنا على أحب الأعمال إليه، فنعمل به،(4/481)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ (3) إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ (4) وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (5) وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (6)
فأخبر الله نبيه أن أحب الأعمال إليه إيمان بالله لاشك فيه، وجهاد أهل معصيته الذين خالفوا الإيمان ولم يقروا به، فلما نزل الجهاد، كره ذلك أناس من المؤمنين وشق عليهم أمره، فقال الله (يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون) .
قوله تعالى (كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ)
انظر سورة البقرة آية (44) وتفسيرها.
قوله تعالى (إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً كأنهم بنيان مرصوص)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص) ألم ترَ إلى صاحب البنيان كيف لا يحب أن يختلف بنيانه كذلك تبارك وتعالى لا يختلف أمره، وإن الله وصف المؤمنين في قتالهم وصفهم في صلاتهم، فعليكم بأمر الله فإنه عصمة لمن أخذ به.
قوله تعالى (وإذ قال موسى لقومه يا قوم لم تؤذونني وقد تعلمون أني رسول الله إليكم فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم والله لا يهدي القوم الفاسقين)
قال ابن كثير: وفيه نهي للمؤمنين أن ينالوا من النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أو يوصلوا إليه أذى، كما قال تعالى (يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيها) وقوله (فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم) أي: فلما عدلوا عن اتباع الحق مع علمهم به أزاغ الله قلوبهم عن الهدى، وأسكنها الشك والحيرة والخذلان، كما قال تعالى (ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة ونذرهم في طغيانهم يعمهون) .
وانظر سورة الأحزاب آية (69) وتفسيرها.
قوله تعالى (وإذ قال عيسى ابن مريم يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة)
انظر سورة آل عمران آية (50) وتفسيرها.(4/482)
وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (6) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الْإِسْلَامِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (7) يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (8) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (9) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (11)
قوله تعالى (ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد)
انظر سورة البقرة آية (129) حديث خالد بن معدان عن أصحاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مرفوعاً: "أنا دعوة أبي إبراهيم وبشرى عيسى".
قال البخاري: حدثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيب، عن الزهري قال، أخبرني محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "إن لي أسماء، أنا محمد، وأنا أحمد، وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر، وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قَدَمي، وأنا العاقب".
(صحيح البخاري 8/509- ك التفسير- سورة الصف، الآية ح 4896) .
قوله تعالى (ومن أظلم ممن افترى على الله الكذب وهو يدعى إلى الإسلام والله لا يهدي القوم الظالمين)
انظر سورة الأنعام آية 21
قوله تعالى (يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون)
انظر سورة التوبة آية 32 وتفسيرها.
قوله تعالى (هو الذي أرسل رسوله بالهدي ودين الحق ليظهره على الدين كله)
انظر الآية رقم (33) من سورة التوبة وفيها حديث مسلم عن عائشة وغيره من الروايات المفسرة للآية.
قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم) ... الآية، فلولا أن الله بينها، ودل عليها المؤمنين،(4/483)
تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (11) يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12) وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (13) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ فَآمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ (14)
لتلهف عليها رجال أن يكونوا يعلمونها، حتى يضنوا بها، وقد دلكم الله عليها، وأعلمكم إياها فقال: (تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون) .
قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ فَآمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إسرائيل وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، في قول الله (من أنصاري إلى الله) قال: من يتبعني إلى الله؟.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم) قال: قوينا.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، في قوله (فأصبحوا ظاهرين) من آمن مع عيسى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.(4/484)
يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (1) هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (2) وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (3)
سورة الجمعة
قوله تعالى (يسبح لله ما في السماوات وما في الأرض الملك القدوس العزيز الحكيم)
قال ابن كثير: يخبر تعالى انه يسبح له ما في السماوات وما في الأرض، أي: من جميع المخلوقات ناطقها وجامدها، كما قال تعالى (وإن من شيء إلا يسبح بحمده) .
قوله تعالى (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ)
قال البخاري: حدثنا آدم حدثنا شعبة، حدثنا الأسود بن قيس، حدثنا سعيد ابن عمرو أنه سمع ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: "إنّا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب، الشهر هكذا وهكذا". يعني مرة تسعة وعشرين ومرة ثلاثين.
(الصحيح 4/151- ك الصوم، ب قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا نكتب ولا نحسب" ح 1913) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم) قال: كان هذا الحي من العرب أمة أمية، ليس فيها كتاب يقرءونه، فبعث الله نبيه محمدا رحمة وهدى يهديهم به.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ويعلمهم الكتاب والحكمة) أي: السنة.
قوله تعالى (وآخرين منهم لمّا يلحقوا بهم وهو العزيز الحكيم)
قال البخاري: حدثنا عبد العزيز بن عبد الله قال: حدثني سليمان بن بلال، عن ثور، عن أبي الغيث، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: " كنا جلوسا عند النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فأُنزلت عليه سورة الجمعة (وآخرين منهم لمّا يلحقوا بهم) قال قلت: من هم يا رسول الله؟ فلم يُراجعْه حتى سأل ثلاثا- وفينا سلمان الفارسي، وَضَعَ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يده على سلمان- ثم قال: لو كان الإيمان عند الثريا لناله رجال- أو رجل من هؤلاء".
(الصحيح 8/510- ك التفسير- سورة الجمعة، (الآية) ح 4897) ، (وصحيح مسلم 4/1972-1973- ك فضائل الصحابة، ب فضل فارس بنحوه) .(4/485)
وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (3) ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (4) مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (5) قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (6) وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (7) قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (8)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله (وآخرين منهم لما يلحقوا بهم) قال: من ردف الإسلام من الناس كلهم.
قال ابن أبي عاصم: ثنا عبد الوهاب بن نجدة، ثنا الوليد بن مسلم، ثنا أبو محمد عيسى بن موسى، عن أبي حازم، عن سهل بن سعد قالا: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إن في أصلاب أصلاب أصلاب رجال رجالا ونساءً من أمتي يدخلون الجنة بغير حساب ثم قرأ: "وآخرين منهم لما يلحقوا بهم وهو العزيز الحكيم".
وصحح إسناده الألباني (السنة 1/134 ح 309) ، وقال الهيثمي: رواه الطبراني وإسناده جيد (مجمع الزوائد 10/408) .
قوله تعالى (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، في قوله (يحمل أسفارا) قال: يحمل كتبا لا يدرى ما فيها، ولا يعقلها.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: (كمثل الحمار يحمل أسفارا) يقول: كتبا. والأسفار: جمع سفر، وهي الكتب العظام.
قوله تعالى (قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (6) وَلا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (7) قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (8))
قال ابن كثير: أي: إن كنتم تزعمون أنكم على هدى وأن محمدا وأصحابه على ضلالة، فادعوا بالموت على الضال من الفئتين (إن كنتم صادقين) فيما تزعمونه. قال الله تعالى (ولا يتمنونه أبدا بما قدمت أيديهم) أي: بما يعملون لهم من الكفر والظلم والفجور (والله عليم بالظالمين) . وقد قدمنا في سورة البقرة الكلام على هذه المباهلة لليهود، حيث قال تعالى (قل إن كانت لكم(4/486)
قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (6) وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (7) قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (8) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (9)
الدار الآخرة عند الله خالصة من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين. ولن يتمنوه أبدا بما قدمت أيديهم والله عليم بالظالمين. ولتجدنهم أحرص الناس على حياة ومن الذين أشركوا يود أحدهم لو يعمر ألف سنة وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمر والله بصير بما يعملون) .
قال ابن كثير: وقوله تعالى (قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون) . كقوله تعالى في سورة النساء (أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة) .
قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله)
قال البخاري: حدثنا آدم قال: حدثنا ابن أبي ذئب، عن الزهري، عن السائب بن يزيد قال: "كان النداء يوم الجمعة أوّله إذا جلس الإمام على المنبر على عهد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما. فلما كان عثمان - رضي الله عنه - وكثر الناس - زاد النداءَ الثالث على الزوراء".
(الصحيح 2/457- ك الجمعة، ب الأذان يوم الجمعة ح 912) .
قال البخاري: حدثنا عبد الله بن يوسف قال: أخبرنا مالك، عن سُمّى مولى أبي بكر بن عبد الرحمن، عن أبي صالح السمان، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح فكأنما قرب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرّب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرّب كبشا أقرن، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرّب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرّب بيضة. فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر".
(الصحيح 2/425-426- ك الجمعة، ب فضل الجمعة ح 881) .
وانظر حديث أبي هريرة المتقدم في تفسير سورة البقرة آية (213) وهو حديث: "نحن الآخرون السابقون يوم القيامة ... ".(4/487)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (9)
قال البخاري: حدثنا مسدد: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم: أخبرنا أيوب، عن محمد، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال أبو القاسم: "في يوم الجمعة ساعة لا يُوافقها مسلم وهو قائم يصلي يسأل الله خيرا إلا أعطاه. وقال بيده، قلنا: يُقللها، يُزهّدها".
(الصحيح 11/202- ك الدعوات، ب الدعاء في الساعة التي في يوم الجمعة ح 6400) ، وأخرجه مسلم (الصحيح- ك الجمعة، ب في الساعة التي في يوم الجمعة ح 825) .
قال أحمد: حدثنا عبد الرزاق وابن بكر قالا: أنا ابن جريج: أخبرني العلاء ابن عبد الرحمن بن يعقوب، عن أبي عبد الله إسحاق أنه سمع أبا هريرة يقول: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا تطلع الشمس ولا تغرب على يوم أفضل من يوم الجمعة وما من دابة إلا تفزع ليوم الجمعة إلا هذين الثقلين من الجن والإنس على كل باب من أبواب المسجد ملكان يكتبان الأول فالأول فكرجل قدم بدنة وكرجل قدم بقرة وكرجل قدم شاة وكرجل قدم طائرا وكرجل قدم بيضة فإذا قعد الإمام طويت الصحف".
(المسند 2/272) ، وأخرجه ابن خزيمة (الصحيح 3/114 ح 1727- ك الجمعة، ب ذكر فضل يوم الجمعة…) وقال محققه: إسناده صحيح.
قال ابن ماجة: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة: ثنا الحسين بن علي، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، عن أبي الأشعث الصنعاني، عن شداد بن أوس، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة. فيه خلق آدم.
وفيه النفخة. وفيه الصعقة. فأكثروا عليّ من الصلاة فيه، فإن صلاتكم معروضة علىّ". فقال رجل: يا رسول الله! كيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت، يعني بليت؟ فقال: "إن الله قد حرّم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء".
(السنن - إقامة الصلاة والسنة فيها، ب في فضل الجمعة ح 1085- الجنائز، ب ذكر وفاته
ودفنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - 1636) وفيه عن أوس بن أوس وهو الصواب كما سبق. أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي من طريق الحسين بن علي به على الصواب (المسند 4/8) ، (السنن - الوتر، ب ما جاء في الاستغفار) ، (السنن - الجمعة، ب إكثار الصلاة على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم الجمعة 3/91، 92) ، قال ابن كثير: وقد صحح هذا الحديث ابن خزيمة وابن حبان والدارقطني والنووي في الأذكار (التفسير 6/464) ، وقال الألبانى: صحيح (صحيح ابن ماجة 1/179) .(4/488)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله) والسعي يا ابن آدم أن تسعى بقلبك وعملك، وهو المضي إليها.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، في قوله (إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة) قال: النداء عند الذكر عزيمة.
قوله تعالى (وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِماً قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ)
قال البخاري: حدثني حفص بن عمر، حدثنا خالد بن عبد الله: حدثنا حصين، عن سالم بن أبي الجعد، وعن أبي سفيان عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال أقبلتْ عيرّ يوم الجمعة - ونحن مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فثار الناسُ إلا اثنا عشر رجلا، فأنزل الله (وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها) .
(الصحيح 8/511 - ك التفسير- سورة الجمعة ح 4899) ، ومسلم (الصحيح 5902 ح 863- ك الجمعة، ب في قوله تعالى (الآية) نحوه) .
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله (وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها) قال: رجال كانوا يقومون إلى نواضحهم وإلى السفر يبتغون التجارة.
قال البخاري: حدثنا عبيد الله بن عمر القواريري قال: حدثنا خالد بن الحارث قال: حدثنا عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يخطب قائما، ثم يقعد، ثم يقوم، كما تفعلون الآن".
(الصحيح 2/920- ك الجمعة، ب الخطبة قائماً ح 920) .
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قال: اللهو: الطبل.(4/489)
إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ (1) اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (2)
سورة المنافقون
قوله تعالى (إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ)
قال البخاري: حدثنا عمرو بن خالد، حدثنا زهير بن معاوية، حدثنا أبو إسحاق قال: سمعت زيد بن أرقم قال: "خرجنا مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في سفر أصاب الناس فيه شدة، فقال عبد الله بن أبيّ لأصحابه: لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا من حوله. وقال: لئن رجعنا إلى المدينة ليُخرجن الأعز منها الأذلّ. فأتيت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأخبرته، فأرسل إلى عبد الله بن أبي فسأله، فاجتهد يمينه ما فعل. قالوا: كَذَب زيدْ رسولَ الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فوقع في نفسي ممّا قالوا شدّة، حتى أنزل الله عز وجل تصديقي في: (إذا جاءك المنافقون) ، فدعا النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليستغفر لهم فلوَّوا رءوسهم. وقوله: (خشب مسنّدة) قال: كانوا رجالا أجمل شيء".
(صحيح البخاري 8/515 ك التفسير - سورة المنافقون، ب قوله (وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم..) ح 4903) ، وأخرجه مسلم في (صحيحه 4/2140 ك صفات المنافقين وأحكامهم ح 2772) .
قوله تعالى (اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (اتخذوا أيمانهم جنة) أي: حلفهم الجنة.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله (اتخذوا أيمانهم جنة) قال: يجتنون بها، قال ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (جنة) ليعصموا بها دماءهم وأموالهم.(4/490)
ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ (3) وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (4) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ (5) سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (6)
قوله تعالى (ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا فطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا فطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون) أقروا بلا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقلوبهم منكرة تأبى ذلك.
وانظر سورة البقرة آية (7) لبيان (فطبع على قلوبهم) .
قوله تعالى (وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم كأنهم خُشب مسندة يحسبون كل صيحة عليهم هم العدو فاحذرهم قاتلهم الله أني يؤفكون)
قال ابن كثير: (وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم) أي: كانوا أشكالاً حسنة وذوي فصاحة وألسنة، إذا سمعهم السامع يصغي لقولهم لبلاغتهم وهم مع ذلك في غاية الضعف والخور والهلع والجزع والجبن، ولهذا قال: (يحسبون كل صيحة عليهم) ، أي: كلما وقع أمر أو كائنة أو خوف، يعتقدون لجبنهم أنه نازل بهم، كما قال تعالى: (أشحة عليكم فإذا جاء الخوف رأيتهم ينظرون إليك تدور أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت فإذا ذهب الخوف سلقوكم بألسنة حداد أشحة على الخير أولئك لم يؤمنوا فأحبط الله أعمالهم وكان ذلك على الله يسيرا) .
وانظر الآية الأولى من السورة نفسها وفيها رواية البخاري في تفسير (خشُب مسندة) .
قوله تعالى (وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله لوّوا رؤوسهم ورأيتهم يصدون وهم مستكبرون سواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر الله لهم إن الله لا يهدي القوم الفاسقين)
قال ابن كثير: يقول تعالى مخبراً عن المنافقين - عليهم لعائن الله - أنهم (إذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله لوّوا رؤوسهم) أي: صدوا(4/491)
سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (6) هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ (7) يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ (8) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (9) وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ (10)
وأعرضوا عما قيل لهم استكباراً عن ذلك واحتقاراً لما قيل لهم، ولهذا قال: (ورأيتهم يصدون وهم مستكبرون) ثم جازاهم على ذلك فقال (سواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر الله لهم إن الله لا يهدي القوم الفاسقين)
كما قال في سورة براءة. ا.هـ.
والآية في سورة براءة هي (ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم) سورة التوبة: 113.
قوله تعالى (هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ (7) يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ (8))
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا) قرأها إلى آخر الآية، وهذا قول عبد الله بن أُبي لأصحابه المنافقين لا تنفقوا على محمد وأصحابه حتى يدعوه، فإنكم لولا أنكم تنفقون عليهم لتركره واْجلوا عنه.
انظر رواية البخاري في بداية هذه السورة، وفيها بيان لهاتين الآيتين.
قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ)
انظر سورة التغابن آية (15) .
قوله تعالى (وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ)
قال البخاري: حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا عبد الواحد، حدثنا عُمارة ابن القعقاع، حدثنا أبو زرعة، حدثنا أبو هريرة - رضي الله عنه - قال: "جاء رجل إلى(4/492)
وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ (10)
رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: يا رسول الله أي الصدقة أعظم أجراً؟ قال: أن تصدق وأنت صحيح شحيح تخشى الفقر وتأمل الغِنى ولا تُمهل حتى إذا بلغتِ الحلقوم قلتَ: لفلان كذا ولفلان كذا، وقد كان لفلان".
(صحيح البخاري 3/334 ك- الزكاة، ب فضل صدقة الشحيح الصحيح- ح 1419) .
قال ابن كثير: (وأنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول ربي لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين) فكل مفرط يندم عند الإحتضار، ويسأل طول المدة ولو شيئا يسيرا، يستعتب ويستدرك ما فاته، وهيهات! كان ما كان، وأتى ما هو آت، وكل بحسب تفريطه أما الكفار فكما قال تعالى: (وأنذر الناس يوم يأتيهم العذاب فيقول الذين ظلموا ربنا أخرنا إلى أجل قريب نجب دعوتك ونتبع الرسل أولم تكونوا أقسمتم من قبل ما لكم من زوال) وقال تعالى: (حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون) .(4/493)
يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (2) خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (3) يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (4) أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ فَذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (5)
سورة التغابن
قوله تعالى (يسبح لله ما في السماوات وما في الأرض له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير)
انظر سورة الحديد آية (1) وتفسيرها وسورة الإسراء آية (44) لبيان تسبيح المخلوقات كلها لله سبحانه وتعالى.
قوله تعالى (هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن..)
قال الحاكم: حدثنا محمد بن صالح بن هانئ، ثنا الحسين بن الفضل البجلي قال: سمعت محمد بن كناسة يقول: سمعت سفيان الثوري وسئل عن قول الله عز وجل (هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن) فقال: حدثنا الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: يبعث كل عبد على ما مات عليه. قد أخرج مسلم حديث الأعمش ولم يخرجه بهذه السياقة.
(المستدرك 2/490 ك التفسير وصححه الذهبي) .
قوله تعالى (خلق السماوات والأرض بالحق وصوركم فأحسن صوركم وإليه المصير)
قال ابن كثير: ثم قال: (خلق السماوات والأرض بالحق) أي: بالعدل والحكمة (وصوركم فأحسن صوركم) أي: أحسن أشكالكم، كقوله (يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم الذي خلقك فسواك فعدلك في أي سورة ما شاء ركبك) وكقوله: (الله الذي جعل لكم الأرض قرارا والسماء بناء وصوركم فأحسن صوركم ورزقكم من الطيبات) الآية، وقوله (وإليه المصير) أي: المرجع والمآب.
قوله تعالى (يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ)
انظر سورة الرعد آية (8-10) .
قوله تعالى (أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ فَذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)
انظر سورة الطلاق آية (9) لبيان (وبال) أي: عاقبة، وانظر سورة البقرة آية (10) لبيان (أليم) أي: موجع.(4/494)
ذَلِكَ بِأَنَّهُ كَانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوْا وَاسْتَغْنَى اللَّهُ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (6) زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (7) فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (8) يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (9) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ خَالِدِينَ فِيهَا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (10) مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (11)
قوله تعالى (ذَلِكَ بِأَنَّهُ كَانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوْا وَاسْتَغْنَى اللَّهُ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ)
انظر سورة الإسراء آية (94) .
قوله تعالى (زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا قل بلى وربي لتبعثن ثم لتنبؤن بما عملتم وذلك على الله يسير)
قال ابن كثير: وهذه هي الآية الثالثة التي أمر الله رسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يقسم بربه عز وجل على وقوع المعاد ووجوده، فالأولى في سورة يونس: (ويستنبئونك أحق هو قل إي وربى إنه لحق وما أنتم بمعجزين) والثانية في سورة سبأ: (وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة قل بلى وربى لتأتينكم) ... الآية، والثالثة هي هذه.
قوله تعالى (يوم يجمعكم ليوم الجمع ذلك يوم التغابن)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، في قول الله (ذلك يوم التغابن) قال: هو غبن أهل الجنة أهل النار.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، في قوله: (ذلك يوم التغابن) من أسماء يوم القيامة، عظمه وحذره عباده.
قال ابن كثير: (يوم يجمعكم ليوم الجمع ذلك يوم التغابن) ، وهو يوم القيامة، سمى بذلك لأنه يجمع فيه الأولون والآخرون في صعيد واحد، يسمعهم الداعي وينفذهم البصر، كما قال تعالى (ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود) وقال تعالى (قل إن الأولين والآخرين لمجموعين إلى ميقات يوم معلوم) .
قوله تعالى (ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ومن يؤمن بالله يهد قلبه)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (ومن يؤمن بالله يهد قلبه) يعني: يهد قلبه لليقين، يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه.
قال الطبري: حدثنا ابن بشار، قال: ثنا آبو عامر، قال: ثنا سفيان، عن الأعمش عن أبي ظبيان، عن علقمة، في قوله (ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ومن يؤمن بالله يهد قلبه) قال: هو الرجل تصيبه المصيبة، فيعلم أنها من عند الله فيسلم ويرضى.(4/495)
وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (12) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (13) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (14) إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (15)
قوله تعالى (وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن توليتم فإنما على رسولنا البلاغ المبين)
انظر سورة آل عمران آية (32) وتفسيرها.
قوله تعالى (الله لا إله إلا هو وعلى الله فليتوكل المؤمنون)
قال ابن كثير: ثم قال تعالى مخبرا أنه الأحد الصمد، الذي لا إله غيره، فقال: (الله لا إله إلا هو وعلى الله فليتوكل المؤمنون) ، فالأول خبر عن التوحيد، معناه معنى الطلب، أي: وحدوا الإلهية له، وأخلصوها لديه، وتوكلوا عليه، كما قال تعالى: (رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلا) .
قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدواً لكم فاحذروهم)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، في قوله (إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم) قال: إنهما يحملانه على قطيعة رحمه، وعلى معصية ربه، فلا يستطيع مع حبه إلا أن يقطعه.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم) ... الآية، قال: منهم من لا يأمر بطاعة الله، ولا ينهى عن معصيته، وكانوا يبطئون عن الهجرة إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وعن الجهاد.
قوله تعالى (إنما أموالكم وأولادكم فتنة ... )
قال الترمذي: حدثنا الحسين بن حُريث: حدثنا علي بن حسين بن واقد: حدثني أبي: حدثني عبد الله بن بريدة قال: سمعت أبي: بريدة يقول: كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يخطبنا إذ جاء الحسن والحسين عليهما السلام عليهما قميصان أحمران يمشيان ويعثران، فنزل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من المنبر فحملهما ووضعهما بين يديه، ثم قال: صدق الله (إنما أموالكم وأولادكم فتنة) فنظرت إلى هذين الصبيين يمشيان ويعثران فلم أصبر حتى قطعت حديثي ورفعتهما.(4/496)
إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (15) فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (16) إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ (17)
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب، إنما نعرفه من حديث الحسين بن واقد. (السنن 5/658 ح 3774- ك المناقب، ب مناقب الحسن والحسين) ، وأخرجه أبو داود (1/290 ح 1109) والنسائي (3/108، 192) وابن ماجة رقم (3600) وابن خزيمة في صحيحه (3/151-152 ح 1801) وابن حبان (الإحسان 13/402 ح 6038) والحاكم المستدرك (1/287) وقال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. وصححه الألباني (صحيح ابن ماجة رقم 2900) .
وحسن محققا ابن خزيمة وابن حبان إسناده) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (إنما أموالكم وأولادكم فتنة) يقول: بلاء.
قوله تعالى (والله عنده أجر عظيم)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (والله عنده أجر عظيم) وهي الجنة.
قوله تعالى (فاتقوا الله ما استطعتم واسمعوا وأطيعوا)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (فاتقوا الله ما استطعتم واسمعوا وأطيعوا) هذه رخصة من الله، والله رحيم بعباده، وكان الله جل ثناؤه أنزل قبل ذلك (اتقوا الله حق تقاته) وحق تقاته أن يطاع فلا يعصى، ثم خفف الله تعالى ذكره عن عباده، فأنزل الرخصة بعد ذلك فقال: "فاتقوا الله ما استطعتم، واسمعوا وأطيعوا" فيما استطعت يا ابن آدم، عليها بايع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على السمع والطاعة فيما استطعتم.
قوله تعالى (ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (ومن يوق شح نفسه) يقول: هوى نفسه حيث يتبع هواه ولم يقبل الإيمان.
وانظر سورة الحشر آية (9) وفيها حديث مسلم عن جابر بن عبد الله.
قوله تعالى (إن تقرضوا الله قرضاً حسناً يضاعفه لكم ... )
انظر سورة البقرة قوله تعالى (من ذا الذي يفرض الله قرضاً حسناً فيضاعفه) آية (245) لبيان فضل الإنفاق في سبيل الله والحث عليه.(4/497)
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا (1)
سورة الطلاق
قوله تعالى (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ)
قال مسلم: حدثنا يحيى بن يحيى التميمي قال: قرأتُ على مالك بن أنس، عن نافع، عن ابن عمر، أنه طلق امرأته وهي حائض. في عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
فسأل عمر بن الخطاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن ذلك؟ فقال له رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مُره فليراجعها. ثم ليتركها حتى تطهر. ثم تحيض. ثم تطهر. ثم، إن شاء أمسك بعد، وإن شاء طلق قبل أن يمس. فتلك العدة التي أمر الله عز وجل أن يطلق لها النساء".
(صحيح مسلم 2/1093 ك الطلاق، ب تحريم طلاق الحائض بغير رضاها، وانه لو خالف وقع الطلاق ويؤمر برجعتها ح 1471) .
قال الطبري: حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن الأعمش، عن مالك بن الحارث عن عبد الرحمن بن يزيد، عن عبد الله (إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن) يقول: إذا طلقتم قال: في الطهر في غير جماع.
وصححه الحافظ ابن حجر (الفتح 9/346) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن) والعدة: أن يطلقها طاهرا من غير جماع تطليقة واحدة.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: (فطلقوهن لعدتهن) يقول: لا يطلقها وهي حائض، ولا في طهر قد جامعها فيه، ولكن يتركها حتى إذا حاضت وطهرت طلقها تطليقة، فإن كانت تحيض فعدتها ثلاث حيض، وإن كانت لا تحيض فعدتها ثلاثة أشهر، وإن كانت حاملا، فعدتها أن تضع حملها.(4/498)
قوله تعالى (وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً)
قال البخاري: حدثنا عمرو بن عباس، حدثنا ابن مهدي، حدثنا سفيان عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه قال: قال عروة بن الزبير لعائشة: ألم ترين إلى فلانة بنت الحكم طلقها زوجها البتة فخرجت؟ فقالت: بئسَ ما صنعت. قال: ألم تسمعي قول فاطمة؟ قالت: أما إنه ليس لها خير في ذكر هذا الحديث. وزاد ابن أبي الزناد عن هشام عن أبيه: عابت عائشة أشد العيب وقالت: إن فاطمة كانت في مكان وَحش فخيف على ناحيتها فلذلك أرخص لها النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -".
(صحيح البخاري 9/387- ك الطلاق، ب قصة فاطمة بنت قيس وقوله (واتقوا الله ربكم ... ) ح 5325-5326) .
أخرج الطبري) بسنده الحسن عن قتادة (لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن) وذلك إذا طلقها طلقة واحدة أو اثنتين لها ما لم يطلقها ثلاثا.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، عن الحسن، في قوله (لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة) قال: الزنى، قال: فتخرج ليقام عليها الحد.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة) قال: إلا أن يزنين.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، في قوله (لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا) قال: هذا في مراجعة الرجل امرأته.
قوله تعالى (فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قال: إن أراد مراجعتها قبل أن تنقضي عدتها، أشهد رجلين كما قال الله (وأشهدوا(4/499)
فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا (3) وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا (4)
ذوى عدل منكم) عند الطلاق وعند المراجعة، فإن راجعها فهي عنده على تطليقتين، وإن لم يراجعها فإذا انقضت عدتها فقد بانت منه بواحدة، وهى أملك بنفسها، ثم تتزوج من شاءت، هو أو غيره.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي، في قوله (وأقيموا الشهادة لله) قال: اشهدوا على الحق.
قوله تعالى (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (ومن يتق الله يجعل له مخرجا) يقول: نجاته من كل كرب في الدنيا والآخرة (ويرزقه من حيث لا يحتسب) .
أخرج الطبري: حدثني أبو السائب، قال: ثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي الضحى، عن مسروق (قد جعل الله لكل شيء قدرا) قال: أجلا.
وسنده صحيح.
قوله تعالى (وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ ... )
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (إن ارتبتم) إن لم تعلموا التي قعدت عن الحيضة، والتي لم تحض، فعدتهن ثلاثة أشهر.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (واللائي يئسن من المحيض من نسائكم) وهن اللواتي قعدن من المحيض فلا يحضن، واللائي لم يحضن هن الأبكار التي لم يحضن، فعدتهن ثلاثة أشهر.
قوله تعالى (وَأُولاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ... )
قال البخاري: حدثنا سعد بن حفص، حدثنا شيبان، عن يحيى قال: أخبرني أبو سلمة قال: جاء رجل إلى ابن عباس وأبو هريرة جالس عنده فقال: أفتني في امرأة وَلَدت بعد زوجها بأربعين ليلة، قال ابن عباس: آخر الأجلين، قلتُ أنا:(4/500)
وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا (4) ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا (5) أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى (6)
(وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن) قال أبو هريرة: أنا مع ابن أخي، يعني أبا سلمة، فأرسل ابنُ عباس غلامه ومسافة كريباً إلى أم سلمة يسألها، فقالت: قتل زوجُ سُبيعة الأسلمية وهى حبلى، فوضعتْ بعد موته بأربعين ليلة، فخطبت فأنكحها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وكان أبو السنابل فيمن خطبها".
(صحيح البخاري 8/521-522- ك التفسير-سورة الطلاق- (الآية) ح 4909) .
وقال البخاري: وقال سليمان بن حرب وأبو النعمان، حدثنا حمّاد بن زيد، عن أيوب، عن محمد قال: كنتُ في حَلْقة فيها عبد الرحمن بنُ أبي ليلى وكان أصحابه يُعظّمونه، فذكر آخر الأجلين، فحدّثت بحديث سبيعة بنت الحارث عن عبد الله بن عُتبة قال: فضمز لي بعض أصحابه، قال محمد ففطنت له فقلت: إني إذا لجريء، إن كذبت على عبد الله بن عتبه وهو في ناحية الكوفة. فاستحيا وقال: لكنّ عمه لم يقل ذاك، فلقيت أبا عطية مالك بن عامر فسألته فذهب يحدثني حديث سبيعة، فقلتُ هل سمعت عن عبد الله فيها شيئا؟ فقال: كنا عند عبد الله، فقال: أتجعلون عليها التغليظ ولا تجعلون عليها الرخصة؟ لنزلت سورة النساء القصرى بعد الطولى (وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن) .
(صحيح البخاري 8/654- ك التفسير- سورة الطلاق (الآية) ح 4910) .
وانظر حديث مسلم المتقدم عن أم عطية تحت الآية (234) من سورة البقرة.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي، قوله (وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن) قال: للمرأة الحبلى التي يطلقها زوجها وهي حامل فعدتها أن تضع حملها.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن) فإذا وضعت ما في رحمها فقد انقضت عدتها، ليس المحيض من أمرها في شيء إن كانت حاملا.
قوله تعالى (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً)
انظر الآية السابقة رقم (2) قوله تعالى (ومن يتق الله يجعل له مخرجا) .(4/501)
أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى (6)
قوله تعالى (أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ ... )
قال مسلم: وحدثناه محمد بن عمرو بن جبلة، حدثنا أبو أحمد، حدثنا عمّار بن رزيق، عن أبي إسحاق قال: كنتُ مع الأسود بن يزيد جالساً في المسجد الأعظم.
ومعنا الشعبي. فحدّث الشعبي بحديث فاطمة بنت قيس، أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يجعل لها سكنى ولا نفقة. ثم أخذ الأسود كفا من حصى فحصبه به، فقال:
ويلك! تحدث بمثل هذا قال عمرة لا نترك كتاب الله وسنة نبينا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لقول امرأة.
لا ندري لعلها حفظت أو نسيت لها السكنى والنفقة. قال الله عز وجل: (لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة) .
(الصحيح 2/1118-1119، بعد ح 148- ك الطلاق، ب المطلقة ثلاثاً لا نفقة لها) .
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، في قوله (من وجدكم) قال: من سعتكم.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي، في قوله (من وجدكم) قال: من ملككم، من مقدرتكم.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي، في قوله (أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم) قال: المرأة يطلقها، فعليه أن يسكنها، وينفق عليها.
قوله تعالى (وَلا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (ولا تضاروهنّ لتضيقوا عليهن) قال: في المسكن.
قوله تعالى (وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، في قوله: (وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن) فهذه المرأة يطلقها زوجها، فيبت طلاقها وهي حامل، فيأمره الله أن يسكنها، وينفق عليها حتى تضع، وإن أرضعت فحتى تفطم، وإن أبان طلاقها، وليس بها حبل، فلها السكنى(4/502)
حتى تنقضي عدتها ولا نفقة، وكذلك المرأة يموت عنها زوجها، فان كانت حاملا أنفق عليها من نصيب ذي بطنها إذا كان ميراث، وإن لم يكن ميراث أنفق عليها الوارث حتى تضع وتفطم ولدها كما قال الله عز وجل (وعلى الوارث مثل ذلك) فإن لم تكن حاملا فإن نفقتها كانت من مالها.
قوله تعالى (فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن) هي أحق بولدها أن تأخذه بما كنت مسترضعا به غيرها.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن) قال: ما تراضوا عليه على الموسع قدره، وعلى المقتر قدره.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي، في قوله (وأتمروا بينكم بمعروف) قال: اصنعوا المعروف فيما بينكم.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي، في قوله (وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى) قال: إن أبت الأيام أن ترضع ولدها إذا طلقها أبوه التمس له مرضعة أخرى، الأم أحق إذا رضيت من أجر الرضاع بما يرضى به غيرها، فلا ينبغي له أن ينتزع منها.
قوله تعالى (لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا مَا آتَاهَا)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (لينفق ذو سعة من سعته) قال: على المطلقة إذا أرضعت له.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي، في قوله (لا يكلف الله نفسا إلا ما أتاها) قال: يقول: لا يكلف الفقير مثل ما يكلف الغني.
وانظر أخر سورة البقرة تفسير قوله تعالى (لا يكلف الله نفساً إلا وسعها) .(4/503)
لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا (7) وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُكْرًا (8) فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْرًا (9) أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا (10) رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقًا (11)
قوله تعالى (سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً)
انظر سورة الشرح آية (5-6) (فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا) .
قوله تعالى (وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَاباً شَدِيداً وَعَذَّبْنَاهَا عَذَاباً نُكْراً (8) فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْراً)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي، في قوله (وكأين من قرية عتت عن أمر ربها ورسله) قال: غيرت وعصت.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (فحاسبناها حسابا شديداً) يقول: لم نرحم.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (فذاقت وبال أمرها) يقول: عاقبة أمرها.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (فذاقت وبال أمرها) قال: جزاء أمرها.
قوله تعالى (أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَاباً شَدِيداً فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً (10) رَسُولاً يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحاً يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقاً)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي، في قوله (فاتقوا الله يا أولي الألباب) قال: يا أولي العقول.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي، في قوله (قد أنزل الله إليكم ذكرا رسولا) قال الذكر: القرآن، والرسول محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
قال ابن كثير: (رسولا يتلو عليكم آيات الله مبينات) أي: في حال كونها بينة واضحة جلية (ليخرج الذين آمنوا وعملوا الصالحات من الظلمات إلى النور) ، كقوله: (كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور) وقال تعالى: (الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور) سورة البقرة آية: 257.(4/504)
اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا (12)
قوله تعالى (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاَطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (الله الذي خلق سبع سموات ومن الأرض مثلهن) خلق سبع سموات وسبع أرضين في كل سماء من سمائه، وأرض من أرضه، خلق من خلقه وأمر من أمره، وقضاء من قضائه.
قال ابن كثير: وقوله (ومن الأرض مثلهن) أي: سبعاً أيضاً، كما ثبت في الصحيحين: "من ظلم قيد شبر من الأرض طوقه من سبع أرضين": وفي صحيح البخاري: "خسف به إلى سبع أرضين".
(وانظر صحيح البخاري كتاب المظالم، ب اثم من ظلم شيئا من الأرض) ، (وصحيح مسلم- ك البيوع، ب تحريم الظلم وغصب الأرض) .
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (يتنزل الأمر بينهن) قال: بين الأرض السابعة إلى السماء السابعة.
قوله تعالى (وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاَطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً)
انظر سورة النساء آية (126) وسورة البقرة آية (255) قوله تعالى (يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء) وتفسيرها.(4/505)
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (1) قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (2)
سورة التحريم
قوله تعالى (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (1) قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ)
قال البخاري: حدثنا معاذ بن فضالة، حدثنا هشام، عن يحيى، عن ابن حكيم، عن سعيد بن جبير أن ابن عباس رضي الله عنهما قال: في الحرام يُكفّر.
وقال ابن عباس: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) .
(الصحيح 8/524- ك التفسير- سورة التحريم - (الآية) ح4911) .
قال الحافظ ابن حجر: قوله: في الحرام يكفر. أي: إذا قال لامرأته: أنت علي حرام لا تطلق وعليه كفارة يمين ... والغرض من حديث ابن عباس قوله فيه (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) فإن فيه إشارة إلى سبب نزول أول هذه السورة والى قوله فيه (قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم) .
أخرج البخاري بسنده عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يمكث عند زينب بنت جحش ويشرب عندها عسلا، فتوصيت أنا وحفصة أن أيتنا دخل عليها النبي فلتقل: إني لأجد منك ريح مغافير، أكلت مغافير فدخل على إحداهما فقالت له ذلك، فقال: لا بأس، شربت عسلا عند زينب ابنة جحش ولن أعود له فنزلت (يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك ... ) إلى قوله (إن تتوبا إلى الله) لعائشة وحفصة (وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا) لقوله: بل شربت عسلا.
(صحيح البخاري - الطلاق، ب (لم تحرم ما أحل الله لك) ح 5267) .
وقال النسائي: أخبرني إبراهيم بن يونس بن محمد حرمي هو لقبه قال: حدثنا أبي قال: حدثنا حمّاد بن سلمة عن ثابت عن أنس أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كانت له أمة(4/506)
يطؤها فلم تزل به عائشة وحفصة حتى حرّمها على نفسه فأنزل الله عز وجل (يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك) إلى أخر الآية.
(السنن 7/71- ك عشرة النساء، ب الغيرة) ، وأخرجه الحاكم في (المستدرك 2/493-ك التفسير) من طريق سليمان بن المغيرة عن ثابت به. وقال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ووافقه الذهبي وأخرجه الضياء المقدسي في (المختارة 5/69-70 ح 1694-1695) من طريق ابن السني عن النسائي به، وصحح المحقق إسناده، وأخرجه سعيد بن منصور بإسناد صحيح إلى مسروق (انظر الفتح 8/657) لكنه مرسل يتقوى بما سبق. وقد ذكر الحافظ ابن حجر أنه يحتمل أن تكون الآية نزلت في السببين المتقدمين في سنن النسائي وقبله في صحيح البخاري (الصحيح 8/525- 526- ك التفسير - سورة التحريم ح 4913) .
قال الضياء المقدسي: أخبرنا أبو أحمد عبد الباقي بن عبد الجبار بن عبد الباقي الحُرضي الهَروي - قراءة عليه ونحن نسمع ببغداد - قيل له: أخبركم أبو شجاع عمر بن محمد بن عبد الله البسطامى، قراءة عليه وأنت تسمع- أنا أبو القاسم أحمد بن محمد بن محمد الخليلي، أنا أبو القاسم علي بن أحمد بن محمد بن الحسن الخزاعي، أنا أبو سعيد الهيثم بن كليب الشاشي، ثنا أبو قلابة عبد الملك بن محمد الرقاشي، ثنا مسلم بن إبراهيم، ثنا جرير بن حازم، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر، عن عمر، قال: قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لحفصة: "لا تحدَثي أحداً، وإن أم إبراهيم علىّ حرام" فقالت: أتُحرّم ما أحل الله لك؟ قال: "فو الله لا أقربها".
قال: فلم يقربها نفسها حتى أخبرت عائشة، فانزل الله عز وجل: (قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم) .
(المختارة 1/299-300 ح 189) وصححه أبو كثير في التفسير (4/386) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم) أمر الله النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والمؤمنين إذا حرموا شيئا مما أحل الله لهم أن يكفروا أيمانهم بإطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة وليس يدخل في ذلك طلاق.(4/507)
وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ (3) إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ (4)
قوله تعالى (وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ (3) إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ)
قال البخاري: حدثنا عبد العزيز بن عبد الله، حدثنا سليمان بن بلال، عن يحيى، عن عبيد بن حنين أنه سمع ابن عباس رضي الله عنهما يُحدث أنه قال: "مكثت سنة أريدُ أن أسأل عمر بن الخطاب عن آية فما أستطيع أن أسأله هيبة له، حتى خرج حاجاً فخرجت معه، فلما رجعتُ وكنا ببعض الطريق، عدَل إلى الأراك لحاجة له، قال فوقفت له حتى فرغ، ثم سرت معه فقلت له: يا أمير المؤمنين من اللتان تظاهرتا على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من أزواجه؟ فقال: تلك حفصة وعائشة، قال فقلت: والله إن كنتُ لأريد أن أسألك عن هذا منذ سنة فما أستطيع هيبة لك، قال فلا تفعلْ، ما ظننتَ أن عندي من علم فاسئلني، فإن كان لي علم خبّرتك به. قال ثم قال عمر: والله إن كنا في الجاهلية ما نعُدّ للنساء أمراً، حتى أنزل الله فيهن ما أنزل وقسم لهنّ ما قسم، قال: فبينا أنا في أمر أتأمَّره إذ قالت امرأتي: لو صنَعْت كذا وكذا، قال فقلت لها: مالك ولما هاهنا، فيما تكلفك في أمر أريده؟ فقالت لي: عجباً لك يا ابن الخطاب، ما تريد أن تراجع أنت، وإن ابنتك لتراجع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حتى يظلّ يومه غضبان. فقام عمر فاخذ رداءه مكانه حتى دخل على حفصة، فقال لها: يا بُنية إنكِ لتراجعين رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حتى يظلّ يومه غضبان؟ فقالت حفصة: والله إنا لنراجعه.
فقلتُ: تعلمين أني أحذرك عقوبة الله، وغضب رسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. يا بُنية لا يغرنك هذه التي أعجبها حسنها حب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إياها - يريدُ عائشة - قال ثم خرجت حتى دخلت على أم سلمة لقرابتي منها فكلمتها، فقالت أم سلمة: عجباً لك يا ابن الخطاب دخلتَ في كل شيء حتى تبتغي أن تدْخل بين رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأزواجه فأخذتني والله أخذاً كسرتْني عن بعض ما كنتُ أجِد فخرجتُ من عندها(4/508)
وكان لي صاحب من الأنصار إذا غِبتُ أتاني بالخبر، وإذا غاب كنتُ أنا أتيه بالخبر، ونحن نتخوّف مَلِكا من ملوك غسان ذكر لنا أنه يريد أن يسير إلينا، فقد امتلأتْ صدورنا منه، فإذا صاحبي الأنصاريُّ يدُق البابَ، فقال: افتح افتح فقلت: جاء الغساني؟ فقال: بل أشد من ذلك، اعتزل رسول الله أزواجه.
فقلت: رَغَمَ أنفُ حفصة وعائشة. فأخذتُ ثوبي فأخرُجُ حتى جئتُ، فإذا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في مشرُبة له يرقى عليها بعَجلة، وغلام لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أسود على رأس الدرجة، فقلت له: قل هذا عمر بن الخطاب. فأذن لي. قال عمر: فقصصت على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هذا الحديث، فلما بلغت حديث أم سلمة تبسَّم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وإنه لَعلى حصير ما بينه وبينه شيء، وتحت رأسه وِسادة من أدم حشوها ليف، وإنّ عند رجليه قَرَظاً مصبورا، وعند رأسه أهبّ معلقة، فرأيتُ أثر الحصير في جنبه فبكيت، فقال: ما يُبكيك؟ فقلت: يا رسول الله، إن كسرى وقيصر فيما هما فيه، وأنت رسول الله، فقال: أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة"؟.
(الصحيح 8/525- ك التفسير- سورة التحريم، ب قوله (تبتغي مرضاة أزواجك…) ح 4913) .
قال البخاري: حدثنا علي، حدثنا سفيان، حدثنا يحيى بن سعيد قال: سمعت عبيد بن حنين. قال: سمعت ابن عباس رضي الله عنهما يقول: "أردتُ أن أسأل عمر - رضي الله عنه - فقلتُ: يا أمير المؤمنين، من المرأتان اللتان تظاهرتا على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ فما أتممتُ كلامي حتى قال: عائشة وحفصة".
(الصحيح 8/526- ك التفسير- سورة التحربم- (الآية) ح 4914) .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فقد صغت قلوبكما) أي: مالت فلوبكما.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وصالح المؤمنين) قال: هم الأنبياء.(4/509)