أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ (16) ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ (17) أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ (18) وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا هُمْ أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ (19) عَلَيْهِمْ نَارٌ مُؤْصَدَةٌ (20)
أَوْ مِسْكِيناً ذا مَتْرَبَةٍ المسغبة والمتربة والمقربة مفعلات من مسغب إذا جاع وقرب فى النسب والترب إذا أفقر اى التصق بالتراب بشدة الحاجة ووصف اليوم لمسغبة مجازى والظرف متعلق باطعام وانتصب على المفعولية يتيما ومسكينا.
ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا عطف على اقتحم أو فك وعطفه بثم لتباعد الايمان عن العتق والإطعام بالرتبة واستقلاله واشتراط الطاعات به وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ عن المعاصي وعلى الطاعة والمصائب وَتَواصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ عباد الله او بموجبات رحمة الله.
أُولئِكَ اشارة الموصوفين بتلك الأوصاف أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ط اى اصحاب اليمين والبركة فى أنفسهم والجملة مستانفة كانه فى جواب ما شان من اقتحم.
وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا الذي نصبنا دلايل على الحق من كتاب وحجة او بالقران هُمْ أَصْحابُ الْمَشْأَمَةِ اى اصحاب الشمال او الشوم والتكرير ذكر المؤمنين بالاشارة والكفار بالضمير الشان لا يخفى.
عَلَيْهِمْ نارٌ مُؤْصَدَةٌ مطبقة من أوصدت الباب إذا طبق او اغلق قرأ حفص وابو عمرو حمزة وهناد فى سورة الهمز بالهمزة وهمزة إذا وقف أبدلها واوا والباقون بغير همزة وهما لغتان- والله تعالى اعلم.(10/268)
وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا (1) وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا (2) وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا (3) وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا (4) وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا (5)
سورة الشمس
مكيّة وهى خمس عشرة اية بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
وَالشَّمْسِ وَضُحاها قال مجاهد والكلبي يعنى ضوءها حين تطلع الشمس فيصفوا ضوئها وقال قتادة هو النهار كله وقال مقاتل حرها فى القاموس الضحية كالعشية ارتفاع النهار والضحى ويذكر ويصغر ضحيها بلا هاء والضحاء بالمد إذ اقرب انتصاب النهار.
وَالْقَمَرِ إِذا تَلاها اى تبع طلوعه طلوع الشمس وذلك فى النصف الاول من الشهر او تبع طلوعه غروب الشمس او تبع فى الاستدارة وكمال النور كذا قال الزجاج وكلا الامرين فى الليالى البيض.
وَالنَّهارِ إِذا جَلَّاها اسناد التجلية الى النهار مجازى كما فى صام نهاره والضمير المنصوب اما عايد الى الشمس فانها تتجلى إذا انبسط النهار واما الى غير مذكور يعنى جلية الظلمة او الأرض والدنيا.
وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشاها يعنى يغشى الشمس او الآفاق او الأرض والظروف اعنى إذا تليها وإذا جلّها وإذا يغشيها متعلقة بفعل القسم عند الجمهور وقال فى البحر المواج لا يجوز ذلك فان الاقسام ليس فى تلك الأوقات وايضا لا يجوز ان يكون صفة للقمر والنهار والليل فان ظرف الزمان لا يكون صفة لامر حسى فتاويله ان يقال بحذف المضاف وتقديره وانجلاء القمر إذا تليها اى وقت تبيعتها للشمس وحصول النهار إذا جلّيها اى وقت تجلية الشمس وحدوث الليل إذا يغشيها اى وقت غشيانها فالظرف اما صفة للمضاف فانه اسم معنى او متعلق به ويحتمل ان يقال ان إذا هاهنا بمعنى الوقت من غير الظرفية على طريقة إذا يقوم زيد إذا يقعد عمرو فيكون حينئذ بدل اشتمال مما قبله فيكون مقسما به.
وَالسَّماءِ وَما بَناها ومن بنيها وهو الله سبحانه كذا قال عطاء والكلبي لا يقال يلزم حينئذ اساءة الأدب بتقديم القسم لغير الله تعالى على القسم بدلا نقول فيه ترق من الأدنى الى الأعلى وذلك هو الأدب واوثرت ما على الارادة معنى الوصفية كانه قيل والشيء القادر الذي بناها ودل على وجوده كمال قدرته بناءها وقال الزجاج والفراء ما مصدرية اى وبناها وكذا الكلام فى قوله.(10/269)
وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا (6) وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8)
وَالْأَرْضِ وَما طَحاها اى بسطها وكذا الكلام فى.
وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها اى عدل خلقها وسوى بقضائها على ما يقتضيها الحكمة قال البيضاوي تبعا لصاحب الكشاف جعل ما مصدرية تجرد الفعل عن الفاعل ويخيل بنظم قوله تعالى.
فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها بقوله وما سوّيها حيث يلزم عطف الفعل على المصدر الا ان الضمير فيها اسم الله المعلم به وقال فى بحر الأمواج ألهمها معطوفة على سوّيها والمعنى ونفس وتسويه فالهمها فجورها وتقويها فلا يلزم ما ذكر انتهى وتنكير نفس للتكثير والتعميم كما فى قوله تعالى علمت نفس ما أحضرت او للتعظيم والافراد والمراد به نفس آدم عليه السلام وقال عطاء يريد جميع ما خلق الله من الانس والجن والمراد بالهام الفجور والتقوى ان بين لها الخير والشر والطاعة والمعصية حتى يأتي بالخير والطاعة ويتقى عن الشر والمعصية كذا روى عن ابن عباس والمراد به إلزامها الفجور او التقوى وخلق الميل فى قلبه الى أيهما شاء وتوفيقه إياها بالتقوى وخلق بالتقوى على يد المؤمن وخذلانه إياها للفجور وخلق الفجور يد الكافر كذا قال سعيد بن جبير وابن زيد واختاره الزجاج عن عمران بن حصين ان رجلين من مزنية قالا يا رسول الله ارايت ما يعمل الناس اليوم ويكدحون فيه شىء قضى عليهم ومضى فيهم من قدر سبق او فيما يستقبلون به مما أتاهم به تبيهم وثبت الحجة عليهم فقال لا بل شىء قضى عليهم ومضى فيهم وتصديق ذلك فى كتاب الله ونفس وما سوّيها فالهمها فجورها وتقويها رواه مسلم وعن عبد الله بن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان قلوب بنى آدم كلها بين إصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفه كيف يشاء ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعاتك رواه مسلم قدم الفجور على التقوى لان الأصل كونها امارة بالسوء ايضا فيه رعاية رؤس الاى والواو الاول للقسم بالاتفاق وكذا الثانية والثالثة وما بعدها عند البعض وليست للعطف لزم العطف على معمول عاملين مختلفين فى مثل قوله والليل إذا يغشيها فان قوله الليل مجرور بواو القسم وإذا يغشى منصوب بفعل القسم المقدر فلو جعلت الواو فى والنهار إذا جليها للعطف كانت الواو قايمة مقام الفعل وحرف الجر معا والصحيح ان كلها للعطف سوى الاولى منها فان إدخال القسم فى القسم قبل تمام الاول لا يجوز وواو العطف قائمة مقام واو القسم فقط لكن واو القسم نزلت منزلة الباء(10/270)
قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (10)
والفعل حتى لم يجز إبراز الفعل معها فصارت كانها هى العاملة نصبا وجرا فصارت كعامل واحد له عملان فيجوز العطف على معموليه وذلك جائز بالاتفاق ونحو ضرب زيد عمرو او بكر خالدا هذا إذا كانت الظروف متعلقة بفعل القسم واما على تاويل صاحب البحر فلا حاجة الى هذا التوجيه.
قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها ص الضمير المرفوع راجع الى الله سبحانه والمنصوب الى من باعتبار انه عبارة عن النفس يعنى فازت وسمعت نفس طهر الله تعالى عن الرذائل بتجليات صنافه الكاملة عليها حتى صارت راضية بالله تعالى وأحكامه مطمئنة بذكره وطاعته محترزة عما نهى عنه وما يشغلها عنه لما اخرج ابن جرير من طريق جويبر عن ابن عباس قال سمعت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يقول فى قول الله تعالى قد أفلح من زكيها افلحت نفس زكيها الله كذا قال عكرمة روى مسلم والترمذي والنسائي وابن ابى شيبة عن زيد بن أرقم عن النبي صلى الله عليه واله وسلم قال اللهم انى أعوذ بك من العجز والكسل والجبن والبخل والهرم وعذاب القبر اللهم ات نسى تقويها وزكيها أنت خير من زكيها أنت وليها وهو موليها- اللهم انى أعوذ بك من علم لا ينفع ومن قلب لا يخشع ومن نفس لا تشبع ومن دعاء لا يستجاب لها وقال الحسن معناه قد أفلح من زكى نفسه فاصلحها وحملها على طاعة الله يعنى ان الضمير المرفوع راجع الى من معنى الإنسان والمنسوب الى نفسه فعلى التأويل الاول بيان لحال المرادين وعلى الثاني لحال المريدين فان الله يجتبى اليه من يشاء ويهدى اليه من ينيب والجملة جواب للقسم قال الزجاج صار طول الكلام عوضا عن اللام وكانه لما أراد من الحث على تزكية النفس والمبالغة والمجاهدة فيه اقسم عليه مجاهدا لهم على وجود الصانع ووجوب ذاته وكمال صفاته فيستفاد منها أقصى درجات القوة النظرية ويذكرهم عظايم الاية لحملهم على الاستغراق فى شكر نعمائه الذي هو منتهى كمال القوة العملية فيترتب على العلم والعمل الجذب من الله سبحانه بفضله ومن قبلهم التقوى ويحصل التزكية وقيل هذه الجملة معترضة جيئت بعد قوله فالهمها فجورها وتقويها استرادا لبيان الفرق بين الفريقين وجواب القسم محذوف يدل عليه قوله تعالى كذبت ثمود حين كذبت بطغويها وهو انه يدمدم الله تعالى على الكفار بمكة بتكذيبهم محمدا صلى الله عليه واله وسلم كما دمدم على ثمود حين كذبت صالحا عليه السلام.
وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها(10/271)
كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا (11) إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا (12) فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا (13) فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا (14)
والكلام فى هذه الجملة كما فى قبلها واصل دسا دسس أبدلت حرف التضعيف بحرف العلة كتقضى وتقضض ومعنى التدسس الإخفاء قال الله تعالى أم يدسه فى التراب والمراد هاهنا الإهلاك فأنه يستلزم الإخفاء يعنى خابت وخسرت نفس أهلكها الله تعالى بالإضلال او أهلك هو نفسه بكسب الضلالة.
كَذَّبَتْ ثَمُودُ هذه الجملة الى اخر السورة تأكيد لقوله تعالى قد خاب من دسيها والمفعول ما وقع فيه التكذيب محذوف والباء فى قوله بِطَغْواها للسببية وتقديره كذبت ثمود بطغويها بسبب طغيانها فى الكفر صالحا علم بالتوحيد والنبوة حين قال انى لكم رسول أمين فاتقوا الله وأطيعون قالوا انما أنت بشر مثلنا فات باية ان كنت من الصادقين وطلبوا منه اية على صدقه ان يخرج ناقة عشراء من صخرة عينوه فدعا صالحا فخرجت من تلك الصخرة ناقة وولدت فى الحال ولدا مثلها وكانت الناقة تشرب الماء كله فجعل صالحا لها نصيبا من الماء وقال هذه ناقة لها شرب يوم ولكم شرب يوم معلوم فارادوا قتل الناقة ليسلم لهم الماء كله ذلك قوله تعالى.
إِذِ انْبَعَثَ اى قام لعقر الناقة بالاسراع حين أمروها كما قال الله تعالى فنادوا صاحبهم فتعاطى فعقروا لانبعاث هو الاسراع بالطاعة للباعث والظرف متعلق بكذبت أَشْقاها اى أشقى ثمود وهو قدار بن سالف كان رجلا أشقر ازرق قصيرا فضلت شقاوته غيره لتولية العقر روى البخاري عن عبد الله بن زمعة انه سمع النبي صلى الله عليه واله وسلم يخطب ذكر الناقة والذي عقرها فقال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم إذ انبعث أشقيها انبعث لها عزيز عازم فى اهله مثل ابى زمعة وعن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أشقى الناس عاقر ناقة ثمود وابن آدم الذي قتل أخاه ما سفك على الأرض من دم إلا لحقه منه لانه أول من سن القتل رواه الطبراني والحاكم وابو نعيم فى الحلية بسند صحيح.
فَقالَ فقال عطف على انبعث لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صالح ناقَةَ اللَّهِ اى ذروا ناقة الله واحذروا عقرها لله والاضافة الى الله لتعظيم الناقة وكمال التحذير وَسُقْياها ط عطف على الناقة اى ذروا سقيها فلا ترددوها علينا ولا تمسوها بسوء اى يعقر فياخذكم عذاب عظيم-.
فَكَذَّبُوهُ اى صالحا فيما أوعدهم من نزول العذاب ان عقروها فَعَقَرُوها اى الناقة عطف على كذبوا أسند الفعل إليهم وان كان العاقر واحدا منهم لامرهم به وقال مقاتل(10/272)
وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا (15)
الذين عقروا الناقة كانوا تسعة ويجوز التعبير عن التسعة بقوله تعالى أشقاها لان افعل التفضيل إذا أضيفه صلح للواحد والجمع فقال صالح تمتعوا فى ثلثة ايام فتصبحوا فى اليوم الاول وجوهكم مصغرة وفى اليوم الثاني وجوهكم محمرة وفى اليوم الثالث وجوهكم مسودة ثم تهلكون بعد ثلثة فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بعد ثلثة ايام قال فى المواج الدمدمة الإهلاك باستيصال قال عطاء ومقاتل اى دمر عليهم ربهم اى هلكهم وقيل الدمدمة حكاية صوت لا مده وفى القاموس الدمدمة الغضب ودمدم عليه كلمته مغضبا وقيل دمدم عليهم أطبق عليهم بِذَنْبِهِمْ اى بسبب ذنبهم وهو تكذيب الرسول وعقر الناقة- فَسَوَّاها اى سوى الدمدمة عليهم جميعا وعمهم لها ولم يفلت فيها صغير منهم ولا كبير.
وَلا يَخافُ قرأ نافع وابن عامر فلا يخاف بالفاء وكذلك هو فى مصاحفهم والباقون بالواو والضمير راجع الى الله يعنى لا يخاف الله عُقْباها ع امال حمزة والكسائي اواخر هذا السورة الا تلاها وضحها فان حمزة فتحها وابو عمرو كلها بين بين والباقون بالفتح اى عاقبته الدمدمة او عاقبته إهلاك ثمود فيبقى بعض الإبقاء كذا قال الحسن وهى رواية على بن طلحة عن ابن عباس قال الضحاك والسدى والكلبي الضمير راجع الى العاقر وفى الكلام تقديم وتأخير تقديره إذ انبعث أشقيها ولا يخاف عقبيها والجملة حال من فاعل دمدم او من فاعل انبعث على ما قيل والواو للحال وعلى قراءة الفاء عطف على فسويها- والله تعالى اعلم.(10/273)
وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى (1) وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى (2) وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (3) إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى (4) فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8)
سورة اللّيل
مكّيّة وهى احدى وعشرون اية بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى الشمس او النهار كما فى قوله تعالى يغشى الليل النهار او كل شىء يوارى بظلامه والكلام فى إذا يغشى كما مر فى والليل إذا يغشها من كونه متعلقا بفعل القسم او بمضاف محذوف اى حصول الليل وكونه صفة له او بمعنى الوقت فينسلخا عن الظرفية.
وَالنَّهارِ إِذا تَجَلَّى اى ظهر يزوال ظلمة الليل او بطلوع الشمس.
وَما خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى اى القادر الذي خلق صنفى الذكر والأنثى من كل نوع له توالد او آدم وحوا ويجوز ان يكون مصدرية وجواب القسم.
إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى ط يعنى ان عملكم لمختلف منكم ساغ فكاك رقبة من النار وصعود درجات القرب ومدارج الجنة ومنكم ساع فى عطيها قال البغوي عن ابى مالك الأشعري قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كل الناس يغدو فبايع نفسه فمعتقها او موبقها ثم فصل الله سبحانه فقال.
فَأَمَّا مَنْ أَعْطى ماله فى سبيل الله او ادى كل ما وجب عليه وَاتَّقى عذاب ربه فاجتنب مجاريه وفى الحديث اتقوا النار ولو بشق ثمرة رواه الشيخان عن عدى بن حاتم واحمد عن عائشة والبزار والطبراني عن انس فى الأوسط وعن ابن عباس وابى امامة فى الكبير والبراء عن النعمان بن بشير وابى هريرة.
وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى قال ابو عبد الرحمن السلمى والضحاك وصدق بلا اله الا الله وهى رواية عطية عن ابن عباس وقال مجاهد بالجنة قال الله تعالى للذين أحسنوا الحسنى يعنى الجنة وقيل أيقن ان الله سيخلفه وهو رواية عكرمة عن ابن عباس وقال قتادة ومقاتل والكلبي بموعود الله تعالى ان يفى به.
فَسَنُيَسِّرُهُ اى نسهله ونهيئه لِلْيُسْرى اى للخلقت اليسرى التي يودى الى يسر وراحة وهى العمل وما يرضى الله ودخول الجنة من يسر الفرس لا هبته المركوب باليسر بالسرج واللجام.
وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ بالنفقة بالخير وبما امر به الله تعالى وفى الحديث البخيل(10/274)
وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى (10)
من ذكرت عنده فلم يصل على رواه الترمذي والنسائي عن على وابن حبان والحاكم عن انس وَاسْتَغْنى بشهوات الدنيا عن الثواب فى الاخرة وعن القادر به.
وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى بالكلمة الحسنى.
فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى اى لخصلة التي يودى الى العسر والشدة وهى العمل بما يكرهه الله تعالى ودخول النار قال مقاتل يعسر عليه ان يأتي خيرا عن على رضى الله عنه قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما منكم من أحد الا وقد كتب مقعده من النار ومقعده من الجنة قالوا يا رسول الله أفلا نتكل على كتابنا وندع العمل قال اعملوا فكل ميسر لما خلق له اما من كان من اهل السعادة فسنيسره بعمل اهل السعادة واما من كان من اهل الشقاوة فسنيسره بعمل اهل الشقاوة ثم قرأ فاما من اعطى واتقى وصدق بالحسنى قسنيسره لليسرى متفق عليه قال البغوي قيل نزلت فى ابى بكر الصديق اشترى بلالا عن امية بن خلف ببردة وعشر أواق فانزل الله تعالى سورة الليل الى قوله ان سعيكم لشتى سعى ابو بكر وسعى امية كذا روى عن ابن مسعود واخرج ابن ابى حاتم وغيره من طريق الحاكم بن ابان عن عكرمة عن ابن عباس ان رجلا كانت له نخلة فرعها فى دار رجل فقير ذى عيال فكان الرجل إذا جاء فدخل الدار فصعد الى النخلة لياخذ منها الثمرة وبما يقع التمرة فياخذها صبيان الفقير فينزل من نخلة فياخذ الثمرة من أيديهم وان وجدها فى فم أحدهم ادخل إصبعيه يخرج التمرة من فيه فشكى ذلك الرجل يعنى الفقير الى النبي صلى الله عليه وسلم فقال اذهب ولقى النبي - صلى الله عليه وسلم - صاحب النخلة فقال له أعطني نخلتك التي فرعها فى دار فلان لك نخلة فى الجنة فقال الرجل لقد أعطيت وان لى نخلا كثيرا وما فيه نخلة اعجب الى تمرة منها ثم ذهب الرجل ولقى رجلا كان يسمع الكلام من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومن صاحب النخلة فاتى الى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال أتعطيني يا رسول الله ما أعطيت الرجل يعنى صاحب النخلة وان انا أخذتها قال نعم فذهب الرجل فلقى صاحب النخلة ولكليهما نخل فقال له أشعرت ان محمدا صلى الله عليه واله وسلم أعطاني بنخلتك التي فى دار فلان نخلة فى الجنة فقلت له لقد أعطيت ولكن يعجبنى تمرها ولى نخل كثير ما فيه نخل اعجب الى تمرة منها فقال له الاخر أتريد بيعها فقال لا الا ان أعطني بها ما أريد ولا أظنه اعطى وقال فكم فيها قال أربعين نخلة قال لقد جئت بامر عظيم ثم سكت عنه فقال له انا أعطيك أربعين نخلة قال فاشهد لى(10/275)
وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى (11) إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى (12) وَإِنَّ لَنَا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولَى (13) فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى (14)
ان كنت صادقا فدعا قومه فاشهد له ثم ذهب الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله ان النخلة قد صارت لى فهى لك فذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم الى صاحب الدار فقال النخلة لك فأنزل الله تعالى والليل إذا يغشى قال ابن كثير غريب جدا وذكر البغوي عن على بن حجر عن اسحق بن نجيح عن عطاء نحوه وفيه ان صاحب النخلة شكى الى النبي - صلى الله عليه وسلم - تناول صبيان الجار من نخلة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم بعينها بنخلة فى الجنة فابى فخرج فلقيه ابو الدحداح الى اخر القصة قال فأنزل الله تعالى والليل إذا يغشى الى قوله ان سعيكم لشتى والصحيح هى الرواية الاولى يعنى نزلت فى ابى بكر الصديق وامية بن خلف لان السورة مكية وقصة صاحب النخلة وابى الدحداح يقتضى كونها مدنية وعلى تقدير صحة الرواية الثانية فنقول نزول الاية بمدح ابى الدحداح رضى الله عنه قال الله تعالى فاما من اعطى واتقى كابى الدحداح وصدق بالحسنى اى بما وعد النبي صلى الله عليه وسلم فسنيسره لليسرى يعنى الجنة ولما كان حكم الاية عاما وان كان موردها خاصا عقبه بما يقيده من الوعيد فقال واما من بخل واستغنى الاية وليست هذه الجملة للوعيد فى حق صاحب النخلة فانه كان رجلا من الأنصار لم يكن ممن استغنى من ثواب الله تعالى ونعيم الجنة وكذب بالحسنى بل كان مصدقا بها والنخل المستوجب للنار انما هو منع الزكوة المفروضة كما لا يخفى والله تعالى اعلم.
وَما يُغْنِي عَنْهُ مالُهُ الذي بخل فيه نفى او استفهام انكار إِذا تَرَدَّى الظرف متعلق بيغنى وتردى تفعل من الردى بمعنى الهلاك قال مجاهد اى بات إذ المراد بالهلاك استيجاب العذاب او بمعنى السقوط يعنى تردى فى حفرة القبر او قعر جهنم قال قتادة وابو صالح هوى فى جهنم.
إِنَّ عَلَيْنا كلمة على للتاكيد يعنى التزمنا الهداية بموجب قضائنا السابق او بمقتضى كلمتنا لَلْهُدى اى الإرشاد الى الحق بنصب الدلائل وبيان الشرائع كذا قال الزجاج وقتادة وقال الفراء معناه من سلك الهدى فعلى الله سبيله كقوله تعالى وعلى الله قصد السبيل يقول من أراد الله فهو على السبيل القاصد يعنى من سلك على طريق الهدى يصل الى الله سبحانه.
وَإِنَّ لَنا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولى ملكا وخلقا وتقديم الخبر للحصر فمن طلبها من غير مالكهما فقد اخطأ الطريق او فنعطى ثواب الهداية للمهتدين او فلا يضرنا ترككم الاهتداء.
فَأَنْذَرْتُكُمْ اى خوفتكم والفاء للسببية فان كون الاخرة والاولى(10/276)
لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى (15) الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى (16)
كلاهما خالصا لله تعالى سبب للتخويف ناراً تَلَظَّى ج احدى التاءين محذوف اى تتلظى تتوقد وتتلهب صفة للنار.
لا يَصْلاها صفة اخرى إِلَّا الْأَشْقَى قيل الأشقى هاهنا بمعنى الشقي فهو يعم الكافر والفاسق الغير المغفور وصفه تعالى.
الَّذِي كَذَّبَ الرسول صلى الله عليه وسلم وَتَوَلَّى عن الايمان باعتبار بعض افراده وليس الاحتراز بل لان العادة ومقتضى الايمان ان لا يكون المؤمن شقيا إذ الايمان يقتضى التقوى والسعادة والكافر المكذب هو الذي يكون شقيا عاصيا غالبا فتقيد الشقي بوصف التكذيب والتولي خرج مخرج العادة كما فى قوله تعالى وربائبكم اللّتى فى حجوركم او المراد بالتكذيب أعم من التكذيب صريحا وهو الكفر او دلالة وهو ارتكاب المحرمات مع الايمان بتحريمها او أعم مما هو صادر عن اللسان والقلب فيكون كفر او نفاقا ومما هو صادر عن النفس الامارة بالسوء حال كون قلبه مطمئنة بالايمان ولسانه ما خلقنا به فيكون ايمانا مجازيا عاما وقيل الأشقى بمعناه للتفضيل والمراد به الكافر فانه أشقى من الفاسق لكن يصلى هاهنا ليس على إطلاقه بل المراد منه المقيد باللزوم والشدة قال البيضاوي لا يصليها لا يلزمها مقاسيا شدتها الا الأشقى اى الكافر فان الفاسق وان دخلها ان لم يغفر لا يلزمها فلا نقض فى الحصر وقيل لا حاجة الى هذه التكليف بل الضمير فى لا يصلها عائد الى نارا تلظى ولا يصلى نارا تتلظى وتتلهب الا الكافر واما الفاسق فادخل جهنم لا يصلى نارا تتلهب بل نارا ضعيفة بالنسبة الى الكافر وهى الطبقة العليا من النار وعندى ان المراد بالأشقى هو الكافر كما هو الظاهر النار ايضا على عمومها فان التلهب توصف بها نار الدنيا ايضا ونار جهنم وان كانت ضعيفة فهى أشد من نار الدنيا البتة لكن الحصر فى الاية إضافي بالنسبة الى المؤمنين الموجودين فى زمان النبي صلى الله عليه وسلم فالاية تدل على عدم دخول أحد من الصحابة فى النار كيف وقد انعقد الإجماع على ان الصحابة كلهم عدول وقد قال الله تعالى وكلا وعد الله الحسنى وقال كنتم خير امة أخرجت للناس وقال محمد رسول الله والذين معه الاية وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا تمس النار مسلما رانى او راى من رانى رواه الترمذي عن جابر وقال أصحابي كالنجوم بايهم اقتديتم اهتديتم رواه رزين عن عمر بن الخطاب فمن صدر منه معصية فهم على سبيل الندرة وفق غالبا للتوبة فان التائب كمن لا ذنب له رواه ابن ماجة عن ابن مسعود مرفوعا او أدركته الرحمة ببركة صحبة النبي صلى الله عليه وسلم كيف وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فى حق الصلحاء من أمته هم قوم لا يشقى جليسهم ولا يخاب انيسهم(10/277)
وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى (17) الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى (18)
فى حديث فى الصحيحين والترمذي عن ابى هريرة فما أظنك فيمن جالس سيد المرسلين فى حين من الدهر والله تعالى اعلم ولما كان الناس فى زمن النبي صلى الله عليه وسلم منحصرين فى فريقين اما مومن تقى اتقى الناس ممن سواهم او كافر فلذلك ترى كلام الله مشحونا من ذكر هذين الفريقين وقلما يستفاد حال عصاة المؤمنين من القران لان الكلام غالبا يبحث عن احوال الموجودين والله تعالى اعلم فلا يجوز بهذه الاية استدلال المرجئة على ان المؤمن ان كان فاسقا لا يدخل النار وان السيئات من الكبائر والصغائر مطلقا لا يضر مع الايمان لان الحسنات مطلقا لا تنفع مع الكفر وبه قال الروافض شيعة على ولا استدلال المعتزلة على ان مرتكب الكبيرة مخلد فى النار وليس بمؤمن وجه استدلالهم ان ارتكاب الكبيرة موجب لدخول النار بالإجماع وان خالف المرجئة فلو كان مرتكب الكبيرة مومنا لم يكن أشقى الناس فلا يصلها بهذه الاية واهل السنة يأولون هذه الاية بما ذكرنا من التأويلات جمعا بين النصوص وجريا على ما انعقد عليه الإجماع من ان الله تعالى لا يغفران يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء سواء تاب او لم يتب وقال الله تعالى يا عبادى الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله ان الله يغفر الذنوب جميعا انه هو الغفور الرحيم وقال يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء وقال من يعمل مثقال ذرة خيرا يره فلا يجوز فى حق المؤمن الخلود فى النار وان كان فاسقا غير مغفور وقد تواتر قوله صلى الله عليه وسلم من قال لا اله الا الله دخل الجنة وقال الله تعالى ومن يعمل مثقال ذرة شرايره يعنى ان شاء الله ان يعذبه ولم يغفره يرى جزاء السيئة فى النار ولولا مقتضى إتيان المحرمات
وترك الواجبات دخول النار كما قالت المرجئة لصارت الشريعة الآمرة بالمعروف والناهية عن المنكر كلها سفسطة ولا يقولها الا كاهن او مجنون.
وَسَيُجَنَّبُهَا عطف على لا يصليها والسين للتحقيق الْأَتْقَى اى الذي اتقى الشرك الجلى والخفي والمعاصي القلبية والقالبية والنفسانية وذلك بعد تزكية النفس واطمينانها.
الَّذِي يُؤْتِي مالَهُ الفقراء وفى فك الرقاب ووجوه الخير يَتَزَكَّى بدل من يوتى ولا محل له من الاعراب او منصوب على الحالية من فاعله اى يطلب ان يكون عند الله زاكيا لا يريد به رياء ولا سمعة او يتفعل من الزكوة والمفهوم عندنا غير معتبر فلا تدل تلك الاية(10/278)
على دخول تقى فى النار وكذا عند الشافعي إذا الكلام خارج مخرج الجواب فى حادثة لاتفاق المفسرين على ان الاية نزلت فى ابى بكر الصديق فالغرض منه توصيف الصديق بكونه اتقى الناس أجمعين غير الأنبياء وانما خصصنا بغير الأنبياء دلالة العقل والإجماع والنصوص وليس الغرض منه الاحتراز والحكم بدخول التقى دون اتقى فى النار ولو سلمنا المفهوم فالمراد بالتقى الذي جاز دخوله فى النار التقى عن الشرك فقط دون المعاصي والله تعالى اعلم اخرج ابن ابى حاتم عن عروة ان أبا بكر الصديق أعتق سبعة كلهم يعذب فى الله فنزلت وسيجنبها الأتقى الى اخر السورة قلت فحينئذ اللام للعهد واخرج حاكم عن عامر بن عبد الله بن الزبير عن أبيه قال قال ابو قحافة لابى بكر أراك تعتق رقابا ضعفا فلو انك اعتقت رجالا اجلد يمنعونك ويقومونك دونك فقال يا أبت انما أريد ما عند الله فنزلت هذه الاية فاما من اعطى واتقى الى اخر السورة وذكر محمد بن اسحق قال كان بلال لبعض بنى جمع وهو بلال بن رباح واسم امه حمامه وكان صادق الإسلام طاهر القلب وكان امية بن خلف يخرجه إذا حميت الظهيرة فيطرحه على ظهره ببطحاء مكة ثم يأمر بالصخرة العظيمة فتوضع على صدره ثم يقول لا يزال على هذا حتى يموت او تكفر لمحمد فيقول وهو فى ذلك البلاء أحد أحد قال محمد بن اسحق عن هشام بن عروة عن أبيه قال مر به ابو بكر يوما وهم يصنعون به ذلك وكانت دارابى بكر فى جمح فقال لاميّة الا تتقى فى هذا المسكين قال أنت أخذته فانقذه مما ترى قال افعل عندى غلام أسودا جلد منه وأقوى على ذلك أعطيتك قال قد فعلت فاعطاه ابو بكر غلامه واخذه فاعتقه ثم أعتق معه على الإسلام قبل ان يهاجر رقاب بلال سابعهم عامر بن فهيرة شهد بدرا وأحدا وقتل يوم بير معونة شهداء وأم عميس وزبير فاصيب بصرها حين أعتقها فقالت قريش ما اذهب بصرها وأعتق ابنتها الهدنة وكانتا لامراة من عبد الدار بمنزلهما وقد بعثتها سيدتها يطحنان وهى تقول والله لا اعتقكما ابدا فقال ابو بكر حلا فلان فقالت حلا أنت افدتهما فاعتقهما قال فيكم قالت بكذا وكذا قال فاخذتهما وهما حرتان ومر بجارية بنى مومل وهى يعذب فابتاعها فاعتقها وقال سعيد بن المسيب بلغني ان امية بن خلف قال لابى بكر فى بلال حين قال ابتعيه قال نعم أبيعه بنسطاس عبد لابى بكر صاحب عشر آلاف دينار وغلمان وجوارى ومواش وكان حمله ابو بكر على الإسلام(10/279)
وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى (19) إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى (20) وَلَسَوْفَ يَرْضَى (21)
على ان يكون ماله له فابى فابغضه ابو بكر فلما قال له امية أبيعه بغلامك نسطاش اغتنمه ابو بكر وباعه منه فقال المشركون ما فعل ذلك ابو بكر ببلال الا ليد كان له عنده فانزل الله عز وجل.
وَما لِأَحَدٍ بلال ولا لغيره من الغلمان عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى وكذا اخرج البزار عن ابن الزبير انها نزلت فى ابى بكر والجملة حال من فاعل يوتى ماله او مستأنفة كانه فى جواب بل كان لاحد ممن يوتيه ماله عنده يجزى ان يكافيه عليهما ويقصد بإعطائه او اعتاقه مجازا بها.
إِلَّا استثناء منقطع اى لكن يفعل ذلك ابو بكر ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى ج طلبا لرضاه ويجوز ان يكون متصلا عن محذوف تقديره لا يوتى ماله لغرض من الأغراض ومكافاته لنعمة الا لغرض ابتغاء وجه الله وطلب رضائه.
وَلَسَوْفَ يَرْضى ع الله عنه بما يفعل او يرضى عن الله تعالى بما يعطيه من الجزاء فى الاخرة من الجنة والكرامة عطف على وسيجنبها وهذه الاية لابى بكر كقوله تعالى لنبيه صلى الله عليه واله وسلم ولسوف يعطيك ربك فترضى وكون ابى بكر اتقى الناس بعد الأنبياء دليل على كونه أفضلهم لقوله تعالى ان أكرمكم عند الله أتقاكم وعليه انعقد الإجماع عن ابن عمر قال كنا فى زمن النبي صلى الله عليه وسلم لا نعدل بابى بكر أحدا ثم عمر ثم عثمان ثم نترك اصحاب النبي صلى الله عليه واله وسلم لا تفاضل بينهم رواه البخاري وسال محمد بن الحنيفة عن على اى الناس خير بعد النبي صلى الله عليه واله وسلم قال ابو بكر قال ثم من قال عمر رواه البخاري وقد بسطنا الكلام فى هذه المسألة وذكرنا فيها الأحاديث والآثار وروايات الإجماع والمنقول فى كتابنا السيف المسلول انصرافا على الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا امال حمزة والكسائي اواخر هاتين السورتين والليل والضحى الا قرنه تعالى سبحى فان حمزة فتحها وامال ابو عمرو للعسرى ولليسرى وما سواهما بين بين وورش جميع ذلك بين بين والباقون بإخلاص الفتح فى الكل- والله تعالى اعلم.(10/280)
وَالضُّحَى (1) وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى (2) مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى (3)
سورة الضّحى
مكيّة وهى احدى عشر اية بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ اخرج الشيخان فى الصحيحين وغيرهما عن جندب بن عبد الله قال اشتكى النبي - صلى الله عليه وسلم - فلم يقم ليلة وليلتين فقالت امرأة يا محمد ما ارى لشيطانك الا قد تركك فانزل الله تعالى
وَالضُّحى وَاللَّيْلِ إِذا سَجى ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى وقال البغوي قال يعنى جندب ان امرأة التي قالت ذلك أم جميل امرأة ابى لهب واخرج الحاكم عن زيد بن أرقم قال مكث رسول الله صلى الله عليه واله وسلم أياما لا ينزل عليه الوحى فقالت أم جميل امرأة ابى لهب ما ارى صاحبك الا قد ودعك وقلاك فانزل الله والضحى الآيات واخرج سعيد بن منصور وغيره عن جندب قال ابطأ جبرئيل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال المشركون قد ودع محمد فنزلت واخرج ابن جرير عن عبد الله بن شداد ان خديجة قالت للنبى - صلى الله عليه وسلم - ما ارى ربك الا قد قلاك مما ترى من جزعك فنزلت وكلاهما مرسل ورجالهما ثقات قال الحافظ ابن حجر والذي يظهر ان كلا من أم جميل وخديجة قالت ذلك لكن أم جميل قالت شماتة وخديجة قالت توجعا واخرج ابن شيبة والطبراني بسنه فيه من لا يعرف عن حفص بن ميسرة القرشي عن امه عن أمها وكانت خادمة رسول الله صلى الله عليه وسلم ان جروا دخل بيت النبي صلى الله عليه وسلم فدخل تحت السرير فمات فمكث النبي صلى الله عليه وسلم اربعة ايام لا ينزل عليه الوحى فقال يا خولة ما حدت فى بيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جبرئيل لا يأتيني فقلت فى نفسى لو نقيات البيت وكنسة فاهويت بالكناسة تحت السرير فاخرجت الجر وفجاء النبي صلى الله عليه وسلم ترعد لحيته وكان إذا انزل عليه أخذته الرعد فانزل الله والضحى الى قوله ترضى قال الحافظ ابن حجر قصة إبطاء جبرئيل بسبب الجر ومشهورة لكن كونها سبب نزول الاية غريب بل شاذ مردود كما فى الصحيح قال البغوي(10/281)
وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى (4)
فى مدة احتباس الوحى عنه اختلاف فقال ابن جريج اثنى عشر يوما وقال مقاتل أربعون يوما فقال المشركون ان محمدا ودعه ربه وقلاه فانزل الله تعالى هذه السورة كذا اخرج ابن مردوية عن ابن عباس فقال النبي صلى الله عليه وسلم يا جبرئيل ما جئت اشتقت إليك فقال جبرئيل انى كنت أشد شوقا إليك ولكنى عبد مامور بما انزل الله وما نتنزل الا بامر ربك قوله تعالى والضحى قبل أريد به النهار كله بدليل مقابلة الليل نظيره قوله تعالى ان يأتيهم بأسنا ضحى يعنى نهارا وقال قتادة ومقاتل يعنى وقت الضحى وهى الساعة التي فيها ارتفاع الشمس قيل خص ذلك الوقت لانها الساعة التي كلم فيها موسى عليه السلام والقى فيها السحرة سجدة وهى الساعة يعدل فيها النهار فى الحر والبرد فى الصيف والشتاء والليل إذا سجى الظرف اما متعلق بفعل القسم او بمضاف مقدر على الليل اى وحصول الليل إذا سجى او صفة الليل بتقدير المضاف وإذا بمعنى الوقت منسلخا عن معنى الظرفية بدل من الليل مقسم به قال الحسن اقبل بظلام وهى رواية العوفى عن ابن عباس وقال الوالبي إذا ذهب وقال عطاء والضحاك غطى كل شىء بالظلمة وقال مجاهد استوى وقال قتادة وابن سكن استقر ظلامه فلا يزداد بعد ذلك او المراد سكن الناس فيه والأصوات يقال ليل ساج وبحر ساج إذا كان ساكنا وتقديم الليل فى السورة السابقة باعتبار الأصل وتقديم الضحى هاهنا للشرف وجواب القسم قوله تعالى ما وَدَّعَكَ اى ما تركك وقطع عنك قطع مودع ربّك وما قلى وما أبغضك حذف الضمير المنصوب اكتفاء بما سبق اختصار او رعاية للفواصل اخرج الطبراني فى الأوسط بإسناد حسن عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عرض على ما هو مفتوح لامتى بعدي فسرنى فانزل الله تعالى.
وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى ط يجوز ان يكون هذه الاية متصلا بما سبق ووجه اتصاله ان قوله تعالى ما ودعك ربك وما قلى يتضمن ان الله مواصلك بالوحى إليك وانك حبيب الله ولا يكون كرامته أعظم ذلك فاخبره بأن حاله فى الدار الاخرة خير له وأعظم من ذلك لتقدمه على الأنبياء واختصاصه بالمقام المحمود الذي يغبطه الأولون والآخرون وشهادة أمته على الأمم وقد ذكرنا بعد ما يختص به النبي صلى الله عليه وسلم فى الاخرة من الفضائل(10/282)
وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى (5) أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى (6)
فى سورة البقرة فى تفسير قوله تعالى تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض الاية وروى البغوي بسنده من طريق ابن ابى شيبة عن ابن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم انا اهل بيت اختار الله لنا الاخرة على الدنيا او المعنى وللاخرة اى الحالة الاخرة خير لك من الاولى ونهاية أمرك خير من بداية يعنى لا تزال تتصاعد فى الرفعة والكمال قالت الصوفية من استوى يوماه فهو مغبون واخرج الحاكم والبيهقي فى الدلائل والطبراني وغيرهم عن ابن عباس قال عرض على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما هو مفتوح على أمته فسرته فأنزل الله تعالى.
وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى حذف المفعول الثاني ليعطيك ليدل على العموم والشمول اى يعطيك عطاء جزيلا من النصر والتمكين وكثرة المؤمنين وشيوع دينك فى الأرضين فى الدنيا ومن الشفاعة وكثرة الثواب وغير ذلك لا يخفى وما لا يعلمه الا الله تعالى فى الاخرة وأفضل العطيات روية الله سبحانه على حسب كمال النبي - صلى الله عليه وسلم - وأعلى درجات القرب قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اذن لا ارضى وواحد من أمتي فى النار وعن على ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال اشفع لامتى حتى ينادى ربى أرضيت يا محمد فاقول اى ربى رضيت وقال عطا عن ابن عباس المراد يعطيك ربك الشفاعة فى أمتك حتى ترضى وهو قول على والحسن عليهما السلام وعن عبد الله بن عمرو بن العاص ان النبي صلى الله عليه وسلم قال اللهم أمتي أمتي وبكى فقال الله يا جبرئيل اذهب الى محمد فقل انا سنرضيك فى أمتك ولا تسؤك به رواه مسلم وروى حرب بن شريح سمعت أبا جعفر محمد بن على يقول انكم معشر اهل العراق تقولون أرجى اية فى القران يا عبادى الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله وانا اهل البيت نقول أرجى اية فى كتب الله ولسوف يعطيك ربك فترضى واللام قيل للابتداء دخل على الخبر بعد حذف المبتدا والتقدير ولانت سوف يعطيك لا للقسم فانها لا تدخل على المضارع الا مع النون المؤكدة وجمعها مع سوف للدلالة على ان اللام لام القسم لا لاما لابتداء وقد علم انها ليس للابتداء لدخولها على سوف ولام الابتداء لا تدخل على سوف ثم عد الله سبحانه ما أنعم عليه من أول حاله ليقيس ما يترقب من فضل الله على ما سلف منه فقال.
أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً ان كان من وجدت بمعنى علمت يتيما مفعول الثاني وان كان بمعنى المصادفة فمنصوب على الحال والاستفهام للانكار وانكار النفي اثبات والغرض منه التقرير اى اقرار المخاطب به(10/283)
والمعنى وجدك يتيما يعنى صغيرا فقيرا حين مات أبوك ولم يخلف لك مالا ولا ماوى وفى هذه الجملة تأكيد لقوله فاودعك فَآوى يعنى اولك الى عمك ابى طالب وضمك اليه حتى كفلك روى البغوي من طريق الترمذي عن ابن عباس قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سالت ربى مسالة وددت انى لم أكن سالته قلت يا رب انك أتيت سليمان بن داود ملكا عظيما وأتيت فلانا كذا قال يا محمد الم يجدك يتيما فاويتك قلت بلى اى رب قال الم أجدك ضالا فهديتك قلت بلى اى رب قال الم أجدك عائلا فاغنيتك قلت بلى اى رب وزاد فى بعض الروايات الم نشرح لك صدرك ووضعنا عنك وزرك بلى اى رب زعم اكثر الناس ان النبي صلى الله عليه وسلم سال ربه هذه المسألة المال والغنى حيث قالوا ان النبي صلى الله عليه وسلم كان مفلسا وكانت قريش تعير بذلك حتى قالوا ان كان بك طلب الغنى جمعنا لك مالا حتى تكون كايسر اهل مكة فاغتم النبي صلى الله عليه وسلم وظن ان قومه انما كذبوه بفقره فسال ربه هذه المسألة فعدد الله عليه نعمه ووعده الغنى ليسليه وهذا ليس بشئ بوجوه أحدها ان رفعة شأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يقتضى ان سال ربه الدنيا وراودته الجبال الشم من ذهب عن نفسه فاراها أيما شمم وأكدت وهذه فيها ضرورته ان الضرورة لا تعدوا على العصم وثانيها ان قوله تعالى ووجدك عائلا فاغنى يابى عنه فان صيغة الماضي تدل على الحصول وسوال الغنى بعد حصول محال وثالثها انه لو سال ربه لاعطاه وقد صح انه ما شبع ال محمد من خبز الشعير يومين حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا فى الصحيحين من حديث عائشة وقالت الصوفية العلية فى تحقيق مثل هذا المقام ان الصوفي قد يعرضه حالة الانقطاع من الخلق بالكلية وخلوص التوجه الى الله سبحانه ويسمونها بالعروج والسير الى الله او السير في الله وقد يعترضه حالة التوجه الى الخلق لاجل الإرشاد والدعوة الى الله فيسرى نفسه فى هذه الحالة فى بادى النظر منقطعا عن الله متوجها الى الخلق وهو فى الحقيقة وعند التعمق غير منقطع كمال الانقطاع وايضا لما كان هذا الانقطاع مامورا به مرضيا للمحبوب فهو فى حكم الوصل والاتصال بل اولى منه ويسمونه بالنزول والبر من الله بالله فيغتم الصوفي فى هذه الحالة غاية يكون فى الشدة والبلاء مثله كمثل سمكة ألقيت من البحر الى الصحراء وقد ذكر مرارا ان من كان نزوله أتم كان إرشاده أشمل وأعم(10/284)
وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى (7)
قالوا ان نوحا عليه السلام لم يبلغ فى النزول غاية ولذلك ما أمن معه الا قليل وهم اصحاب السفينة مع لبثه فيهم الف سنة الا خمسين عاما وان محمدا صلى الله عليه وسلم كان نزوله أتم واوفى ولم يبلغ تلك المنزلة أحد من الأنبياء ولذلك شاع دينه فى الورى مع لبثه فيهم ثلثة وعشرين عاما كما كان عروجه أعلى وأسنى فكان قاب قوسين او ادنى قال الشيخ الأكبر أنكروا دعوة نوح بما كان من الفرقان وأجابوا دعوة محمد صلى الله عليه وسلم بما كان من القران ولاجل كمال نزول كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دايم الهم واصل الحزن وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم ما أوذي أحد مثل ما أوذيت رواه ابن عدى وابن عساكر عن جابر وابو نعيم فى الحلية عن انس ولولا هذا التأويل فلا يظهر المعنى لهذا القول وقد أوذي نوح عليه السلام الف سنة الا خمسين عاما وأوذي عيسى ع حتى ارتقى الى السماء ويحيى وغيرهم حتى قتلوا فى البلاء فلعل نزول هاتين السورتين اعنى والضحى والم نشرح كان لتسلية النبي - صلى الله عليه وسلم - فى حالة النزول فى بدو امره حين راى نفسه فى بادى النظر منقطعا عن الله متوجها الى الخلق ووافق ذلك فترة الوحى وحزن حزنا شديدا حتى قال فى صحيح البخاري بلغنا انه غدا مرارا كى يتردى من رؤس شواهق الجبل وكلما او فى بذروة الجبل لكى
يلقى نفسه منه ينادى جبرئيل فقال يا محمد انك رسول الله حقا فيسكن لذلك جاشه تقر نفسه وقالت خديجة انى ارى ربك قد قلاك مما نرى من جزعك وكان سوال النبي صلى الله عليه وسلم لسلب تلك الحالة الموجبة للانقطاع عن الخالق والتوجه الى الخلق التي زعمها وداعا وقليا وحزن عليها والوصل بلا انقطاع ولا حجاب دائما فعلى هذا معنى قوله ما ودعك ربك وما قلى انه ليس الفراق الذي اعترضك وداعا وقليا حتى تغتم به بل هو كمال عروج ووصل معنى وان كان هبوطا وفراقا صورة وللاخرة خير لك من الاولى يعنى كل حالة آخرة تأتى عليك خير من الحالة الاولى لا يتطرق فى أحوالك قصور وفتور قط حتى تكون فى الدار الاخرة روية ووصالا بالكلية ولا يكون هناك تكليف التبليغ والتوجه الى الخلق ومشقة الفراق أصلا ولسوف يعطيك ربك عاجلا وأجلا ما تحب وترضى ألم يجدك يتيما فاوى.
وَوَجَدَكَ عطف على معنى الم يجدك يتيما فان معناه وجدك فهو عطف الخبر على الخبر دون الإنشاء ضَالًّا عن معالم النبوة واحكام الشريعة غافلا(10/285)
وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى (8) فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ (9)
عن كل مالا طريق الى دركه الا السمع نظيره قوله تعالى وان كنت من قبله لمن الغافلين وقوله ما كنت تدرى ما الكتاب ولا الايمان كذا قال الحسن والضحاك وابن كيسان وقيل ووجدك ضالا فى شعاب مكة صبيا صغيرا حين فطمتك حليمة وجاءت بك لترد الى جدك عبد المطلب كذا روى ابو الضحى عن ابن عباس وقال السعيد بن المسيب خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع عمه ابى طالب فى قافلة ميسرة غلام خديجة فبينما هو راكب ذات ليلة ظلماء ناقة جاء إبليس فاخذ بزمام الناقة فعدل به عن الطريق فجاء جبرئيل فنفخ إبليس نفخة وقع منها الى الحبش ورده الى القافلة وقيل وجدك ضالا نفسك لا تدرى من أنت وقال بعض الصوفية معناه وجدك محبا عاشقا مفرطا فى الحب والعشق يكنى باتصال لاستلزام السكر غالبا والسكران يغاط الطريق غالبا وفى الحديث حبك الشيء يعمى ويصم فهى تسمية السبب باسم المسبب كما فى قوله تعالى انزل الله من السماء من رزق يعنى من مطر قال الله تعالى عن اخوة يوسف ان أبانا لفى ضلال مبين وانك لفى ضلالك القديم وقال نسوة فى المدينة امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه قد شغفها حبّا انّا لنريها فى ضلال مبين فَهَدى اى فهداك الى معالم الدين او الى جدك عبد المطلب او الى القافلة او عرفك نفسك وحالك ومن عرف نفسه فقد عرف ربه او هديك الى وصل محبوبك حتى كنت قاب قوسين او ادنى.
وَوَجَدَكَ عائِلًا فقيرا فَأَغْنى اى اعطاك بمال خديجة او بما حصل لك ربح فى التجارة بالغنائم والمراد بالغناء على هذا التقادير دفع الحاجة وان كان بالقليل لا بمالكية النصاب وقال مقاتل يعنى اغنى قلبك فارخاك بما اعطاك من الرزق واختاره الفراء وقال لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم غنيا بكثرة المال والعرض لكن الغنى عنى النفس متفق عليه وعن عبد الله بن عمرو قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أفلح من اسلم ورزق كفافا فقنعه الله بما أتاه رواه مسلم.
فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ هذه الجملة وما بعدها الى اخر السورة معترضات أوردت استطرادا بين قوله الم يجدك الى آخره الم نشرح لك او هى تذئيل بما سبق ذكر اليتيم والعائل الفقير السائل غالبا واتصال السائل للارشاد غالبا وذكر نعمة الإيواء والهداية والغناء فضل ما أجمل ذكره باما وأورد بالفاء للسببية فى فاما اليتيم فلا تقهر لان كونه صلى الله عليه وسلم يتيما وقال الفراء والزجاج لا تقهر على ماله فتذهب بحقه بضعفه كما كانت العرب تفعل كذلك نهى لامته وان كان(10/286)
وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ (10) وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (11)
خطاب اليه بشرفه عن ابى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال خير بيت فى المسلمين بيت فيه يتيم بحسن اليه وشر بيت فى المسلمين بيت فيه يتيم يساء اليه قال - صلى الله عليه وسلم - اما انا وكافل اليتيم فى الجنة هكذا يشير بإصبعيه رواه البغوي وكذا روى البخاري فى الأدب وابن ماجة وابو نعيم فى الحلية.
وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ قال المفسرون السائل على الباب لا تنهره وتزجره فقد كنت فقيرا عائلا فاما ان تطعمه واما ان ترده رد إلينا برفق وروى عن الحسن فى قوله واما السائل فلا تنهر قال طالب العلم إذا سال عن مسئلة فلا تنهره وعن ابن مسعود من كتم علما عن اهله الجم يوم القيامة لجام من نار وهذه الجملة على التأويل الثاني يتصل بقوله ووجدك ضالا فهدى ويكون النشر على ترتيب اللف واما على التأويل الاول فيتصل بقوله ووجدك عائلا.
وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ ع يعنى اشكر على ما أنعم ربك عليك وهذه الجملة على تقدير اللف والنشر المرتب متصل بقوله تعالى ووجدك عائلا فاغنى عن سنان بن سنية عن أبيه قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الطاعم الشاكر له مثل اجر الصائم الصابر رواه احمد وابن ماجة والدارمي بإسناد صحيح ورواه الترمذي من حديث ابى هريرة وعن اشعث بن قيس قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ان اشكر الناس لله اشكرهم للناس وفى رواية لا يشكر الله من لا يشكر الناس رواه احمد ورواته ثقاة وعن جابر بن عبد الله ان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال من صنع اليه معروف فليجزيه فان لم يجد ما يجزيه فليثن عليه فانه إذا اثنى عليه فقد شكر وان كتمه فقد كفره ومن تحلى بما لم يعطه كان كلابس ثوبين من زور رواه البغوي وعن النعمان بن بشير قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول على المنبر من لم يشكر القليل لم يشكر الكثير من لم يشكر الناس لم يشكر الله والتحدث بنعمة الله شكر وتركه كفر والجماعة رحمة الله والفرقة عذاب الله رواه البغوي هذه الأحاديث يقتضى شكر المشائخ والاساتذة وحسن الثناء عليهم ورضوان الله عليهم أجمعين قال المجاهد المراد بالنعمة فى الاية النبوة روى عنه بشير واختاره الزجاج والمعنى بلغ ما أرسلت به وحدث بالنبوة التي أتاك وقال الليث عن مجاهد يعنى القران وهو قول الكلبي امره ان يقراه فعلى هذا هذه الاية متصل بقوله ووجدك ضالا فهدى قال مقاتل اشكر ما ذكر فى هذه الاية مما أنعمنا عليك من الإيواء والهداية والأغنياء والتحدث(10/287)
بنعمة الله شكر وهذا اظهر فان النعمة المذكورة مطلق لا وجه للتخصيص والشكر على كل نعمة دينية كانت او دنيوية واجب فعلى هذا هذه الاية متصل بالجمل الثلث المذكورات وقد ذكر ما فى هذه الاية من اختلاف القراءة فى الامالة والفتح فى اخر سورة الليل- (مسئله) يجب الشكر على كل نعمة والشكر صرف النعمة فى رضاء المنعم فشكر نعمة المال صرفها بالإخلاص فى سبيل الحق وشكر نعمة البدن أداء الواجبات والاجتناب عن المعاصي وشكر نعمة العلم والعرفان التعليم والإرشاد- (مسئله) تحديث النعمة شكر ومن هذا القبيل قوله صلى الله عليه وسلم انا سيد ولد آدم ولا فخر ونحو ذلك وقد ذكرنا فى سورة البقرة ومن هذا القبيل ما قال الشيخ محى الدين عبد القادر رضى الله عنه وكل ولى له قدم وانى على قدم النبي بدر الكمال وقوله قدمى هذه على رقبة كل ولى الله ومنه ما ذكر المجدد رض مما أعطاه الله سبحانه مدارج القرب من الولايات الثلاث وكمالات النبوة والرسالة واولى العزم ايضا بالتبعية والوراثة وحقائق الأنبياء كذلك وغير ذلك وكونه مخلوقا فى طينة النبي صلى الله عليه وسلم وكونه مجددا وقيوما فمن أنكر على ما هؤلاء الرجال فى مثل هذه المقال فكانه أنكر هذه الاية الكريمة من الله ذى الجلال غير انه لا بد للتحديث بمثل هذه الأقوال تنزه القائل عن صفات النفس بالكلية فلا يجوز لكل أحد الاجزاء على مثل هذه الأقوال كيلا يتردى فى ورطة انا خير منه خلقتنى من نار وخلقته من طين- (فصل) قال البغوي السنة فى قراءة اهل مكة ان يكبروا من أول السورة والضحى على راس كل سورة حتى يختم القران فيقول الله اكبر قال البغوي كذلك قرائته على الامام المقري ابى نصر محمد وذكر سلسلة اسناد قراءة ابى كثير وقال ابن كثير انه قرأ على مجاهد وهو على ابن عباس وهو على ابن كعب ثم ذكر سلسلة اخرى لاسناد قراءة ابى اسمعيل بن قسطنطين وشبل بن عباد قال فلما بلغت والضحى قال لى كبر حتى تختم مع خاتمة كل سورة فانا قرأنا على ابن كثير فامرنا بذلك وأخبره ابن عباس انه قرأ على ابى بن كعب فامره بذلك وأخبره انه قرأ على النبي - صلى الله عليه وسلم - فامره بذلك وكان سبب التكبير ان الوحى لما احتبس قال المشركون هجره شيطانه وردعه فاغتم النبي - صلى الله عليه وسلم - لذلك فلما نزل والضحى كبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرحا بنزول الوحى فاخذوه سنة انتهى(10/288)
وما ذكره البغوي آخرا ذكره ابو عمرو الداني فى التيسير اولا وما ذكره اولا ذكره الداني آخرا فانه قال ان البزي
روى عن ابن كثير بإسناده انه كان يكبر اخر والضحى مع فراغته ومن كل سورة الى اخر قل أعوذ برب الناس يصل التكبير فان كان اخر السورة متحركا نحو إذا حسد والناس والأبتر وصل التكبير وأسقط همزة الوصل منه وان كان ساكنا نحو فحدّث وفارغب او منونا نحو توابا ولخبير ومن مسد حرك الساكن ونون التنوين بالكسر ووصل بالتكبير فان شاء القاري قطع عليه اى على التكبير وابتداء بالبسملة موصولة باول السورة التي بعدها قلت او مفصولة وان شاء وصل التكبير بالبسملة ووصل البسملة باول السورة ولا يجوز القطع على بسملة إذا وصلت التكبير بها يعنى إذا وصلت التكبير باخر السورة فالاحتمالات اربعة القطع على التكبير والبسملة او الوصل فيها او القطع على الاول دون الثاني او بالعكس فيجوز الثلاثة الاول ولا يجوز الرابع قال الداني وقد كان بعض اهل الأداء يقطع على اواخر السورة ثم يبتدئ بالتكبير موصولا بالبسملة قال ابو عمرو كذلك روى النقاش عن ابى ربيعة عن البزي وبذلك قرأه على الفارسي عنه وهذا ما ذكره البغوي اولا قلت وبكلا الوجهين قرأت على الشيخ المقري صالح المصري وهو على شيخ القراء قدوة المتأخرين الشيخ عبد الخالق المتوفى وذكر الشيخ الصالح المصري صفة التكبير على رواية البزي لا اله الا الله والله اكبر فان قرأ التكبير أول سورة والضحى لا يقرأ بعد سورة والناس ولا يقطع على التكبير بين السورتين موصوله للتكبير بالأولى منها فان وصل التكبير باخر السورة الاولى وجب الوصل بين التكبير والبسملة وأول السورة جميعا وان قطع التكبير عن اخر السورة فله الخيار فى الوصل والقطع بين التكبير والبسملة وبينها وبين السورة والله تعالى اعلم.(10/289)
أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1)
سورة الانشراح
مكية وهى ثمان آيات بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ هذه الجملة وما بعدها على ما روى البغوي عن ابن عباس متصل بقوله تعالى الم يجدك يتيما فاوى الى قوله تعالى فاغنى فان صح تلك الرواية فذلك والا فالظاهر ان هذه السورة ايضا نازلة فى مثل تلك الحالة بعد سوال من النبي صلى الله عليه وسلم محققا او مقدرا ومعنى الاية على مثل ما سبق شرحنا لك صدرك حتى اتسع فى صدرك من العلوم الحقة والمعارف الدينية المبصرة بنور الله تعالى ما لا سبيل إليها لعقل العقلاء واجمع فيه التوجه الى الله تعالى والحضور التام مع التوجه الى الخلق لاجل الدعوة فى مرتبة النزول فليس لك فى حالة النزول انقطاعا عن الله تعالى فى الحقيقة حتى تغتم به وشرح الصدر قد وقع للنبى صلى الله عليه وسلم فى مرتبة العيان مرتين مرة فى صباه كما روى مسلم عن انس ان رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه جبرئيل وهو يلعب فى الغلمان فأخذه فصرعه فشق عن قلبه فاستخرج منه علقة فقال هذا حظ الشيطان منك ثم غسله فى طشت من ماء الزمزم ثم لأمه وإعادة فى مكانه وجاء الغلمان يسعون الى امه اى ظئره فقالوا ان محمدا قد قتل فاستقبلوه وهو منتقع اللون قال انس فكنت ارى اثر المخيط فى صدره ومرة ثانية ليلة المعراج كما فى الصحيحين عن انس قال كان أبو ذر يحدث ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذكر ايضا قصة المعراج وفيه فنزل جبرئيل ففرج صدرى ثم غسله بماء الزمزم ثم جاء بطست من ذهب ممتلى حكمة وايمانا فافرغه فى صدرى ثم اطبقه وفى رواية فى الصحيحين عن انس عن مالك بن صعصعة ان نبى الله حدثهم فشق ما بين هذه الى هذه يعنى من ثغرة نحره الى شعرته فاستخرج قلبى ثم أتيت بطست من ذهب مملو ايمانا فغسل قلبى ثم حشى ثم أعيد وفى رواية ثم غسل البطن بماء زمزم ثم ملى ايمانا وحكمة الحديث(10/290)
وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ (2) الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ (3)
قلت والعلقة التي أخرجت من قلب النبي صلى الله عليه واله وسلم هى رزائل العناصر والنفس والقلب الداعية للنفس على كونها امارة بالسوء وباعثة للجوارح على المعاصي ثم عطف على شرحنا لك صدرك المفهوم من الم نشرح قوله تعالى.
وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ الوزر فى الأصل الجبل قال الله تعالى كلّا لا وزر يعنى جبل هناك يلتجى اليه والمراد هاهنا الثقل على سبيل الاستعارة وذلك الثقل اما ان يراد به غم الفراق وتوهم الوداع الذي احزن النبي صلى الله عليه واله وسلم وانقض ظهره فزال الله سبحانه ذلك الغم والحزن بانزال الآيات من سورة الضحى والم نشرح حتى سكن للنبى صلى الله عليه واله وسلم جاشه واستقر نفسه وعلم ان ذلك الفراق ليس على سبيل الوداع والقلى بل لحكمة ومنفعة فعد الله سبحانه ازالة هذا النعم من النعم واما ان يراد به ثقل التكاليف الشرعية من دعوة الحق وتبليغ الاحكام وإتيان ما امر الله به وانتهاء كل ما نهى فان التكاليف الشرعية شاق إتيانها الم تر ان السموات والأرض والجبال أبين ان يحملنها وأشفقن منها وقال الله تعالى وانها لكبيرة الا على الخاشعين فلما شرح الله صدره صلى الله عليه وسلم للايمان والحكمة وأزال عنه حظ الشيطان ورزائل النفس التي جبلت عليها النفوس صارت التكاليف الشرعية له صلى الله عليه واله وسلم طبيعته ومرغوبة ومحبوبة حتى قال وجعلت قرة عينى فى الصلاة وهذه المرتبة التي عبر الله سبحانه عنها بوضع الوزر يسمونها الصوفية بالايمان الحقيقي وهذا هو المعنى من قولهم بسقوط التكليف عن الصوفي وهذه المرتبة العليا اعنى شرح الصدر ووضع الوزر حصلت للنبى - صلى الله عليه وسلم - ظاهرا وعيانا كما روينا وتحصل لاولياء أمته بوراثته باطنا بحيث يظهر فى المثال وذلك بعد فناء النفس وزوال العين والأثر وهناك يحكم الصوفية العلمية ويبشرون بشرح الصدر والايمان الحقيقي كذا قال المجدد رض واستعدنا من المشائخ الكرام عليهم الرحمة والرضوان وما قال عبد الله بن يحى وابو عبيدة يعنى حققنا عنك أعباء النبوة والقيام بامرها يناسب التأويل الثاني مما قلنا وما ذكرنا من التأويلين اولى مما قيل ان معناه خططنا عنك ما سلف منك فى الجاهلية من الزلات لان النبي - صلى الله عليه وسلم - ارفع شانا من ان يصدر عنه زلة وما قيل المراد بالوزر ترك الأفضل مع إتيان الفاضل وغيرها من التكلفات.
الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ اى أثقله فاوهنه حتى سمع له نقيض اى صوت مثل صوت الرجل عند ثقل الحمل صفة الوزر فان كان المراد من الوزر غم الفراق كما ذكرنا اولا فلا حاجة الى التكلف(10/291)
وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (4) فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5)
والتأويل فأنه كان انقض ظهره وان كان المراد به كلفة التكليف كما ذكرنا ثانيا فمعناه لولا شرحنا صدرك ووضعنا وزرك انقض كلفة التكليف ظهرك ولم تستطع إذا ما وجب عليك حق ادائه قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم لولا الله ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلينا يعنى لولا فضل الله ولما كان كلفة التكليف موجبا لنقض الظهر فى الدنيا مانعا عن إتيان الواجبات أورد النقض بصيغة الماضي كما قيل مع كون النبي صلى الله عليه واله وسلم معصوما كان المناسب حينئذ إيراد صيغة المستقبل فان المعاصي لا تنقض الظهر الا فى الاخرة حين يجازى عليها.
وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ ط روى البخاري عن ابى سعيد الخدري عن النبي صلى الله تعالى عليه واله وسلم انه سال جبرئيل عن هذه الاية ورفعنا لك ذكرك قال الله تعالى إذا ذكرت ذكرت معى قلت هذه الاية والحديث يقتضى ان الملأ الأعلى إذا يذكرون الله تعالى يذكرون معه محمدا صلى الله عليه واله وسلم وقد سبق انه مكتوب على ساق العرش وقد مر فى سورة البروج ما روى البغوي بسنده عن ابن عباس قال ان فى صدر اللوح لا اله الا الله وحده دينه الإسلام ومحمد عبده ورسوله الحديث قال عطاء عن ابن عباس يريد الاذان والاقامة والتشهد والخطبة على المنابر ولو ان عبدا عبد الله وصدقه فى كل شىء ولم يشهد ان محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينفع بشئ وكان كافرا قال الحسان ابن ثابت رض أعز عليه بالنبوة خاتم من الله مشهود يلوح ويشهد وضم الإله اسم النبي باسمه إذا قال فى الخمس الاذان اشهد فشق له من اسمه لحله فذو العرش محمود ذاك محمد صلى الله عليه واله وسلم وقيل رفعه بأخذ ميثاقه على النبيين والزمهم الايمان به والإقرار بفضله.
فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ الذي أنت فيه يُسْراً عظيما فان تنكيره للتعظيم وهذه الجملة واقع موقع التعليل المحذوف تقديره لا تحزن على ما أصابك من العسر فان مع العسر يسرا انّ مع العسر يسرا قيل التنكير لتاكيد الوعد وتعظيم الرجاء والصحيح انه استيناف وعده بان العسر مشفوع ميسر اخر لما روى عبد الرزاق فى تفسيره والحاكم فى المستدرك والبيهقي فى شعب الايمان مرسلا انه لما نزلت هذه الاية قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ابشروا قد جاءكم اليسر انه لن يغلب عسر يسرين ورواه ابن مردويه بإسناد ضعيف عن جابر وله شاهد موقوف على عمر رواه مالك فى الموطإ والحاكم وقال هذا أصح طرقه وقال البغوي قال ابن مسعود لو كان العسر(10/292)
إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (6)
فى حجر لطلبه اليسر حتى يدخله انه لن يغلب عسر يسرين قال اهل العربية ان الكلمة إذا أعيد معرفة فالثانية عين الاولى سواء كانت اولى معرفة او نكرة لان الأصل فى اللام العهد وإذا أعيدت نكرة فالثانية غير الاولى سواء كانت اولى معرفة او نكرة لان حمل الكلام على التأسيس اولى من حمله على التكرير والتأكيد قال فى تنقيح الأصول ان أقر بألف مقيدا بصك مرتين يجب الالف وان أقربه منكرا يجب الفان عند ابى حنيفة رحمة الله تعالى الا ان يتحد المجلس قلت معنى إذا قامت القرينة ان المراد بالثاني هو الاول فان قيل هذا قول مدخول فيه فانه إذا قال الرجل ان مع الفارس سيفا ان مع الفارس سيفا لا يوجب ان يكون الفارس واحدا والسيف اثنان قلنا نعم إذا قامت القرينة ان الثانية هى الاولى يحمل على الاتحاد ومثال الفارس والسيف من هذا القبيل واما الاية فانه تصلح التأويلين لكن ما فسر به النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة رضى الله تعالى عنهم هو التأويل الصحيح وقال البغوي ما حاصله ان المراد بالآية ان مع العسر الواحد يسران لكن لا لتكرير النكرة بل لاجل ان قوله تعالى مع العسر يسرا متصل بما سبق ليليه ووعده النبي صلى الله عليه وسلم خاصة باليسر والغنى فى الدنيا عاجلا بعد الفقر الذي كان فيه ثم أنجز ما وعد وفتح عليه القرى ووسع ذات يده حتى كان يعطى المائتن من الإبل ويهب الهبات المسنية وقوله.
إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً ط كلام مبتداء يدل عليه بقرينة عن الفاء والواو وهذا وعد لجميع المؤمنين ومجازة ان مع العسر فى الدنيا للمومنين يسر فى الاخرة فصار للنبى صلى الله عليه وسلم مع عسر واحد يسران يسر فى الدين ويسر فى الاخرة وقوله لن يغلب عسر يسرين فانه وان غلب يسرا واحدا وهو اليسر فى الدنيا فلن يغلب يسر الاخرة البتة وهو قوى أبدى قال البغوي رحمة الله تعالى جعل اللام فى العسر للعهد وفى الثاني للجنس والله تعالى اعلم فبعض المفسرين قالوا المراد بالعسر الفقر والشدة والبلاء من المشركين الذين كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيه واشتكى منه الى ربه والمراد باليسر الاول زوال تلك الحالة بنصر الله تعالى والغنى بعد الفقر وقال البيضاوي المراد بالعسر ضيق الصدر والوزر المنقض للظهر وضلال القوم وإيذائهم وباليسر الاول شرح الصدر ووضع الوزر والتوفيق للاهتداء والطاعة واما اليسر الثاني فالمراد به(10/293)
فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (7)
عند كلهم ثواب الاخرة قالوا معنى الكلام ان بعد العسر يسرا وانما أورد مع موضع بعد مبالغة فى معاقبة اليسر للعسر واتصاله به اتصال المتقاربين وعندى المراد بالعسر التوجه الى الخلق فى مقام النزول الموجب للحزن والغم والمراد باليسر الاول التوجه الى الخالق فى عين مقام النزول فان الصوفي فى تلك الحالة وان كان فى بادى النظر معرضا من الله تعالى متوجها الى الخلق لكنه فى الحقيقة ليس بمعرض عنه تعالى بل مقبل اليه ايضا واتسع صدره للتوجهين جميعا بل التوجه الى الخلق لما كان بإذن الله وعلى حسب امره ومرضاته فهو ايضا فى الحقيقة توجه الى الله سبحانه ومن ثم سمى هذا اليسر السير من الله بالله فعلى هذا كلمة مع فى قوله تعالى فان مع العسر يسرا بمعناه الحقيقي بمعنى المقارنة واما كلمة مع فى الجملة الثانية فلا شك انه على المجاز كما قالوا او معنى الكلام على هذا التأويل لا تحزن فان مع العسر والتوجه الى الخلق الموجب لحزنك يسرا وتوجها الى الخالق ليست بهجوب عنه الاخرة وخلوص التوجه الى الله تعالى فى الاخرة من غير شائبة حجاب وغيبة.
فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ قال المفسرون النصب التعب والمعنى فاذا فرغت من دعوة الخلق فانصب واتعب بالعبادة شكرا لما عددنا عليك من النعم السابقة ووعدناك بالنعم الآتية او المعنى إذا فرغت من عبادة فانصب فى عبادة اخرى ولا تجعل وقتا من أوقاتك ضائعا خاليا قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ليس يتحسر اهل الجنة الأعلى ساعة مرت بهم ولم يذكروا الله فيها وقال ابن عباس وقتادة والضحاك ومقاتل والكلبي إذا فرغت من الصلاة المكتوبة او مطلق الصلاة فانصب الى ربك فى الدعاء وارغب اليه فى المسألة يعنى قبل السلام بعد التشهد او بعد السلام وقال الشعبي إذا فرغت من التشهد فادع لدنياك وآخرتك وقال ابن مسعود إذا فرغت من الفرائض فانصب فى قيام الليل وقال الحسن وزيد بن اسلم إذا فرغت من جهاد عدوك فانصب فى عبادة ربك وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم رجعنا من الجهاد الأصغر الى الجهاد الأكبر وقال منصور عن مجاهد إذا فرغت من امر الدنيا فانصب فى عبادة ربك وقال حبان عن الكلبي إذا فرغت من تبليغ الرسالة فانصب اى استغفر لذنبك وللمومنين فوجه اتصال هذه الاية بما سبق ان عند النعماء سبب للشكر واما على تأويلنا فمعنى الاية إذا فرغت(10/294)
وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ (8)
من دعوة الخلق المقصود من النزول الأتم فانصب اى انتصب وارتفع الى مدارج العروج ومقام الشهود فى الصحاح نصب الشيء وضعه وضعا ثانيا كنصب الزرع والبناء والحجر وفى القاموس نصب كفرج اعنى وهم ناصب اى منصب ونصب الشيء وضعه ورفعه ضد كنصبه فانتصب وتنصب وناقة نصباء مرتفعة الصدر وتنصب الغراب ارتفع فعلى هذا التأويل هذه الاية فى مقام التسلية مرادف بقوله تعالى ان مع العسر يسرا الاية.
وَإِلى رَبِّكَ فَارْغَبْ ع عطف تفسيرى يقوله فانصب يعنى ارغب بالسؤال الى ربك ولا تسال غيره قال عطاء تضرع اليه راهبا من النار راغبا فى الجنة وقيل فارغب اليه فى جميع أحوالك قال الزجاج اجعل رغبتك الى الله وحده والجار والمجرور متعلق بمحذوف دل عليه ما بعده يعنى فانصب وارغب الى ربك فارغب قلت تكرار الأمر بالرغبة لان الرغبة الاولى الى آلاء الله وصفاته والثانية الى ذاته المجردة الرفيعة عن الشيون والاعتبارات قرأة سورة الم نشرح لك صدرك يؤيد فى مقام النزول كما ان سبح اسم ربك الأعلى يؤيد فى مقام العروج وقد ذكرنا هناك والله تعالى اعلم.(10/295)
وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (1) وَطُورِ سِينِينَ (2) وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ (3) لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4)
سورة التّين
مكّيّة وهى ثمان آيات بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ قال ابن عباس والمجاهد والحسن وابراهيم وعطاء ومقاتل والكلبي تينكم الذي تأكلون وزيتونكم هذا الذي تعصرون منه الزيت قيل خص التين بالقسم لانه فاكهة مخلقة لا عجم لها شبيهة بفاكهة الجنة قيل فى الحديث انه بقطع البواسير وينفع من النقرس رواه الثعلبي وابو نعيم فى الطب من حديث ابى ذر بإسناد مجهول والزيتون شجرة مباركة وهو ثمر دهن يصلح للاصطباع وقال عكرمة هما جبلان وقال قتادة التين الجبل الذي عليه دمشق والزيتون مسجد بيت المقدس وقال ابو محمد بن كعب التين مسجد اصحاب كهف والزيتون ايليا.
وَطُورِ يعنى الجبل الذي كلم الله تعالى موسى عليه السلام بين مصر وايلة سِينِينَ قال الضحاك هو لغة نبطية ومعناه الحسن وقال مقاتل كل جبل فيه أشجار شمرة فهو سنين وسينا بلغة بنط وقال عكرمة اسم للمكان الذي به هذا الجبل وكذا سيناء وقيل سريانية معناه الملتف بالأشجار وقيل لغة حبشية وقال مجاهد معناه البركة اى جبل مبارك وقال قتادة معناه الحسن اى جبل حسن وقال الكلبي معناه الشجر اى جبل ذو شجر وقيل اسم حجارة بعينها أضيف الجبل إليها بوجودها عنده.
وَهذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ اى ذا امانة يحفظ من دخل فيه كما يحفظ الامين ما ائتمن عليه او بمعنى فاعل او مفعول يعنى أمن من دخل فيه او المأمون فيه يا من فيه من دخله والمراد به مكة يا من الناس فيه فى الجاهلية والإسلام اقسم الله سبحانه بهذه الأشياء لان منبت التين والزيتون مهاجر ابراهيم ومقر الأنبياء ومهبط الوحى وطور المكان الذي نودى به موسى ومكة بيت الله الحرام ومولد النبي صلى الله عليه وسلم ومهبط الوحى اليه جواب القسم.
لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ اى الجنس فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ تفعيل من القيام والقوام قال فى الصحاح القيام والقوام اسم لما يقوم به الشيء اى تثبت قلت وهو ما يتحقق به الشيء يعنى احسن حقيقته وماهيته وذلك لاستجماعه ما فى عالم الكبير من لطائف عالم الأمر وعناصر عالم الخلق والنفس الناطقة المنشاة عن العناصر ولذلك(10/296)
ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ (5)
الاستجماع يظهر فيه خصائص الكائنات كلها من الصفات الملكية والسبعية والبهيمية والشيطانية ويتصف بالصفات الكاملة المنعكسة من الصفات الالهية من الحيوة والعلم والقدرة والارادة والسمع والبصر والكلام والمجنة التي سميت بناء العشق يتزين بنور العقل ويستعد للتجليات الظلية والصفاتية والذاتية ومن ثم اعطى خلعة الخلافة انى جاعل فى الأرض خليفة وقيل معنى احسن تقويم اى احسن صورة فان التقويم مصدر بمعنى التعديل فى القاموس قومته عدلته فهو قويم ومستقيم والمصدر هاهنا بمعنى المفعول او بمعنى الفعيل اى احسن صورة ومعدل قويم وذلك لان كل حيوان خلق مكبا على وجهه الا الإنسان خلق مستقيم القامة بادى البشرة يتناول ماكوله بيده.
ثُمَّ رَدَدْناهُ اى صيرناه أَسْفَلَ سافِلِينَ قال البغوي نكرة تعم الجنس يعنى بمعونة المقام كما يقال كريم قائم ويؤيده ما فى مصحف ابن مسعود أسفل سافلين وان لم تعم فهو مهملة فى قوة الجزئية فيجوز ان يكون بعض السافلين أسفل منه ويوافق هذه الاية اعنى خلق الإنسان فى احسن تقويم ثم رددناه أسفل سافلين قوله عليه الصلاة والسلام ما من مولد الا يولد على فطرة الإسلام ثم أبويه يهوادنه وينصرانه ويمجسانه متفق عليه من حديث ابى هريرة غير ان فى الاية أسند الرد الى الله تعالى نظرا الى انه خالق لافعال العباد وفى الحديث الى الأبوين نظرا الى الكسب ولعل المراد بالسافلين ما جعله الله سبحانه سافل الاستعداد بحيث لا يمكنه تحصيل كمال من الكمالات الانسانية والصعود الى مصاعد القرب والتجليات الرحمانية من السباع والبهائم والشياطين والاجنة وجمعه سالما تغليبا للعقلاء منهم على غيرهم وهم الشياطين ومردة الجن فالانسان لما ضيع استعداده وترك شكر المنعم وإتيان موجبات الفوز ورضوان الله تعالى واتى بموجبات سخطه من الكفر ومقتضياته جعل أخبث من كل خبيث وأحط مرتبة من كل دنى وأسوأ حالا وابتر مالا من الكلاب والخنازير بل من الشياطين ايضا لما ورد فى حديث انس قال ويعرج له اى للكافر فرجة قبل الجنة فينتظر الى زمرتها وما فيها فيقال به انظر الى ما صرف الله عنك ثم يعرج له فرجة الى النار الحديث رواه ابن ماجة من حديث ابى هريرة وذلك ليفرح المؤمن كمال الفرح ويتحسر الكافر كمال الحسرة وروى البخاري عن ابى هريرة قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يدخل الجنة أحد الا ارى مقعده(10/297)
إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (6)
من النار لو أساء ليزداد شكرا ولا يدخل النار أحد الا ارى مقعده من الجنة لو احسن ليكون عليه حسرة واما الشياطين فليس كذلك ولم يكن لهم مقعد فى الجنة لعدم استعدادهم دخولها وقال الحسن ومجاهد وقتادة معنى الاية ثم رددناه أسفل سافلين يعنى الى النار لان جهنم بعضها أسفل من بعض وقال ابو العالية يعنى الى النار فى شر صورة فى صورة خنزير ونحوه.
إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ استثناء متصل من الإنسان لاخراجهم من حكم الرد فانهم لا يرددون الى النار ولا يصيرون الى أخبث الأحوال فَلَهُمْ اى للمومنين الصالحين أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ ط اى غير مقطوع او لا يمن به عليهم الفاء للسببية والجملة فى مقام التعليل للاستثناء مقرر له وقيل معنى الاية خلقنا الإنسان فى احسن تقويم اى اعدل صورة او أقوم حالة بحيث تيسر له كل ما أراد به وبتسخير له الحيوانات كلها والبر والبحر بل الجن والشياطين ايضا ثم رددناه فى بعض الافراد اى صيرناه بالهرم وأرذل العمر أسفل السافلين والسافلون هم الضعفاء والزمناء والأطفال فان الشيخ الكبير إذا زال عقله وضعف بدنه وغلب عليه العوارض والأمراض يصير أضعف من الضعفاء فعلى هذا قوله تعالى الا الذين أمنوا وعملوا الصالحات استثناء منقطع بمعنى لكن للاستدراك ودفع توهم نشأ وهو ان المؤمنين ايضا بعد الهرم وسوء الكبر يكونون أسوأ حالا من الضعفاء ووجودهم فى هذه الحالة وبال عليهم فقال الله لكن الذين أمنوا وعملوا الصالحات قبل الهرم فى حالة القوة والشباب فاجورهم غير مقطوعة لا يزال يكتب حسناتهم على حسب ما كانوا يعملون قال الضحاك اجرا بغير عمل اخرج ابن جرير من طريق العوفى عن ابن عباس فى هذه الاية قال هم نفر ردوا الى أرذل العمر على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسئل حين اسفت عقولهم فأنزل الله عذرهم ان لهم أجرهم الذي عملوا قبل ان تذهب عقولهم قال البغوي قال عكرمة لا يضر هذا الشيخ كبره إذا ختم الله له بأحسن ما كان يعمل وروى العاصم الأحول عن عكرمة عن ابن عباس قال الا الذين أمنوا وعملوا الصالحات قال الا الذين قرؤا القران لم يردوا الى ارزل العمر وقال جلال الدين المحلى رحمة الله تعالى إذا بلغ المؤمن من الكبر بالعجز عن العمل كتب له ما كان يعمل وروى عن انس ان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال إذا ابتلى المسلم ببلاء فى جسده قال للملك اكتب له صالح عمله الذي كان يعمل وعن عبد الله ابن عمر ونحوه رواهما البغوي فى شرح السنة وروى البخاري عن ابى موسى نحوه فى المريض(10/298)
فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ (7) أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ (8)
والمسافر فان قيل مقتضى البلاغة تأكيد الكلام على قدر انكار المخاطب وكون الإنسان مخلوقا على احسن صورة ثم رده بالهرم الى ضعف امر بديهي لا ينكره أحد فكيف أورد الكلام بالقسم ولام التأكيد وكلمة قد على هذا التأويل قلنا لما كان تحول الأحوال على الإنسان دليلا واضحا على جواز الاعادة والجزاء والكفار كانوا ينكرون الاعادة والجزاء كانهم أنكروا التحول لانه من أنكر المدلول فكانه أنكر الدليل الواضح لاستلزام أحدهما الاخر.
فَما يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ المخاطب به الإنسان على سبيل الالتفات يعنى فاى شىء يحملك ايها الإنسان على التكذيب بالجزاء أو اى شىء جعلك كاذبا حيث تقول خلاف الحق ان لا بعث ولا جزاء بعد تلك الدلائل الواضحة من نفسك ان خلقك فقويك ثم ضعفك فاماتك قادر على اعادتك وجزاء أعمالك والاستفهام للتوبيخ والإنكار يعنى لا ينبغى لك التكذيب بالجزاء او المخاطب به النبي - صلى الله عليه وسلم - وما للنفى وللاستفهام الإنكاري والمعنى لا شىء يكذبك او فاى شىء يكذبك اى يدل على كذبك فى قولك بالجزاء بالدلائل الواضحة على صدقك فينظر هذه الاية قل هاتوا برهانكم ان كنتم صادقين وقيل ما بمعنى من والاستفهام للتعجب يعنى من ينسبك الى الكذب بعد تلك الشواهد على الصدق عجبا منه.
أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ ع استفهام إنكاري للنفى ونفى النفي اثبات فهو تحقيق وتقرير لما سبق والمعنى أليس الذي فعل ذلك من الخلق والرد باحكم الحاكمين صنعا وتدبير او من كان كذلك كان قادرا على الاعادة والجزاء والجملة لتسلية النبي صلى الله عليه وسلم على تكذيب الكفار إياه مكابرة وعنادا او وعيد للكفار والمعنى أليس الله باقضى القاضين فهو يحكم بينك وبين من كذبك يا محمد كذا قال مقاتل او هى فى مقام التعليل بقوله تعالى فما يكذبك لا ينبغى لك ايها الإنسان التكذيب قال الله احكم الحاكمين عليك بالعذاب عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم من قرأ بالتين فانتهى الى آخرها أليس الله باحكم الحاكمين فليقل بلى وانا على ذلك من الشاهدين رواه ابو داود وعن البراء ان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم كان فى سفر فقرأ فى العشاء فى أحد الركعتين بالتين والزيتون رواه البخاري والله تعالى اعلم.(10/299)
اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5)
سورة العلق
مكيّة وهى تسع عشرة اية بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ روى البغوي بسنده عن عائشة قالت أول سورة نزلت اقرأ باسم ربك وعليه اكثر المفسرين وأول ما نزل خمس الآيات من أولها الى قوله تعالى ما لم يعلم عن عائشة أم المؤمنين انها قالت ما بدأ به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الوحى الرؤيا الصالحة فى النوم وكان لا يرى رؤيا الا جاءت مثل فلق الصبح ثم حبب اليه الخلاء وكان يخلو بغار حراء فيتحنث فيه وهو تعبد الليالى ذوات العدد قبل ان ينزع الى اهله ويتزود لذلك ثم يرجع الى خديجة فيتزود امثلها حتى جاءه الحق وهو فى حراء فجاءه الملك فقال اقرأ فقلت ما انا بقاري قال فاخذنى فغطنى حتى بلغ منى الجهد ثم أرسلني فقال اقرأ فقلت ما انا بقاري قال فاخذنى فغطنى الثانية حتى بلغ منى الجهد ثم أرسلني فقال اقرأ قلت ما انا بقاري قال فاخذنى فغطنى الثالثة ثم أرسلني فقال
اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ فرجع بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرجف فؤاده فدخل على خديجة بنت خويلد فقال زملونى فزملوه حتى ذهب عنه الروع فقال لخديجة وأخبرها الخبر وقال لقد خشيت على نفسى فقالت كلا والله ما يحزنك الله ابدا انك لتصل الرحم وتحمل الكل وتكسب المعدوم وتقرى الضيف وتعين على توايب الحق فانطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسيد بن عبد العزى ابن عم خديجة وكان امرأ تنصر بالجاهلية وكان يكتب الكتاب العبرى فيكتب من الإنجيل بالعربية ما شاء الله ان يكتب وكان شيخا كبيرا قد عمى فقالت له خديجة يا ابن عم اسمع من ابن أخيك فقال له ورقة يا ابن أخي ماذا ترى فاخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر ما راى فقال له ورقة هذا الناموس انزل الله على موسى يا ليتنى فيها جذعا يا ليتنى أكون حيا او يخرجك قومك قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - او مخرجىّ هم قال نعم لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به الا أوذي(10/300)
وان يدركنى يومك ينصرك نصرا مؤزرا ثم لم يلبث ورقة ان توفى وفتر الوحى متفق عليه وقيل المدثر أول القرآن نزولا وقد ذكرنا هناك وقيل أول ما انزل سورة الفاتحة لما روى البيهقي فى الدلائل ان خديجة قالت لابى بكر يا عتيق اذهب به الى ورقة فاخذه ابو بكر فقص عليه ما راى فقال عليه الصلاة والسلام إذا خلوت وحدي سمعت نداء يقول يا محمد يا محمد فانطلق هاربا فقال لا تفعل إذا قال فاثبت حتى تسمع ثم انتهى فأخبرنى فلما خلا فناداه يا محمد فثبت فقال قل بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ الى آخرها ثم قال قل لا اله الا الله الحديث والصحيح هو الاول قال البغوي وهو الصواب الذي عليه جماهير الخلف والسلف وما قيل انه أول ما نزل فيها يايها المدثر فمحمول على انه أول ما نزل بعد فترة الوحى وأول سورة نزلت بكمالها الفاتحة او يقال أوليتها اضافية أول اكثر القران بعد اقرأ والمدثر واختلفوا فى مدة الخلو بغار حراء وفى الصحيحين جاورت بحراء شهرا وهو شهر رمضان كما رواه ابن اسحق فى السيرة وأفاد الزرقانى انه لم يصح اكثر منه وروى مسوار بن مصعب أربعون يوما لكنه متروك الحديث قاله الحاكم وغيره ورجح بعض العلماء هذا قياما على ميقات موسى عليه السلام واستدلالا بقوله صلى الله عليه وسلم من أخلص لله أربعين يوما ظهر ينابيع الحكمة من قلبه الى لسانه رواه ابو نعيم فى الحلية عن أيوب لكن الحديث ضعيف وكذا القياس لان ميعاد موسى كان ثلثين ليلة فاتمها الله أربعين بعارضة قال الله تعالى وَواعَدْنا مُوسى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْناها بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً واختلفوا فى كيفية تعبده فقيل مشرع نوح وابراهيم وعيسى وليس بشئ لكونه اميا والصحيح انه كان يتعبد بالانقطاع عن الخلق والنيل الى الحق والتفكر قال القسطلاني ولم تكن الرجفة المذكورة فى الحديث خوفا من جبرئيل عليه السلام فانه صلى الله عليه وسلم أجل من ذلك واثبت جنانا بل خشية ان يشتغل بغير الله عنه تعالى قيل خاف من ثقل أعباء النبوة وروى ابو نعيم ان جبرئيل وميكائيل شقا صدره هنا وغسلاه ثم قالا اقرأ باسم ربك الآيات (مسئلة) وهذه القصة تدل على ان التسمية ليست جزء من كل سورة لكن روى ابن جرير عن ابن عباس قال أول ما نزل جبرئيل على محمد - صلى الله عليه وسلم - قال يا محمد استعذ قال(10/301)
أستعيذ بالسميع العليم من الشيطان الرجيم ثم قال قل بسم الله الرحمن الرحيم ثم قال اقرأ باسم ربك الذي خلق وهذه الرواية شاذة فى مقابلة الصحاح- (فائده) ومدة فترة الوحى ذكر السهيلي ان الفترة كانت سنتين ونصفا ووقع فى التاريخ الامام احمد عن الشعبي أنزلت عليه النبوة وهو ابن أربعين فقرن نبوته اسرافيل ثلث سنين فكان يعلمه الكلمة والشيء ولم ينزل عليه القران على لسانه فلما مضت ثلث سنين قرن نبوته جبرئيل فينزل عليه القران على لسانه عشرين سنة وقد ذكرنا حزن النبي - صلى الله عليه وسلم - فى ايام الفترة فى سورة والضحى قوله تعالى اقْرَأْ امر بالقراءة والمفعول محذوف اى اقرأ القران مفتحا او
متبركا بِاسْمِ رَبِّكَ فهو منصوب على الحال يعنى قل باسم الله ثم اقرأ القران ويحتمل ان يكون باسم ربك فى محل النصب على المفعولية والباء زائدة يعنى اقرأ اسم ربك ولم يقل اسم الله لان الله علم لذات الواجب ولا بسبيل الى معرفة الذات الا بالتفكر فى الآثار والصفات واظهر الصفات بالنسبة إلينا صفة الخلق والتربية التي تنبه على التحول احوال الممكنات الدال على حدوث العالم الموصل الى العلم بالمحدث القديم المنزه عن شوايب النقص والزوال واحتمال التحول عن حال الى حال وفيه اشارة الى ان الصوفي يلتزم او لا على ذكر الاسم لكى يهتدى به الى المسمى لكن الصوفية اختاروا من الأسماء اسم الذات لان سلوك الطريقة يكون بعد الايمان المجازى بذات الواجب فالاول فى حقه اسم الذات لاستجماعه فى الدلالة على الصفات كلها ولو اجمالا ولكونه اقرب من الذات والمقصود هو الذات وقال الطيبي هذا امر بايجاد القراءة مطلقا وهو لا يختص بمفرد دون مفرد فهو بمنزلة اللام والباء للاستعانة والجملة فى جواب قوله صلى الله عليه وسلم ما انا بقاري والمعنى قاريا لا بقوتك ومعرفتك بل باعانة ربك وقوته لفظة اسم على هذا مقحم كما فى قوله تعالى سبح اسم ربك الَّذِي خَلَقَ ج صفة موضحة للرب فان الربوبية يقتضى الخلق والتربية من النقصان الى الكمال وحذف مفعول خلق للدلالة على التعميم اى خلق كل شىء ومن جملته خلق القدرة على القراءة ونزل خلق منزلة اللازم يعنى الذي له صفة الخلق والتكوين ولا يمكن اتصاف أحد غيره بتلك الصفة خَلَقَ الْإِنْسانَ الظاهر انه جملة مستانفة كانه فى جواب سوال ما خلق وانما خص الإنسان بالذكر بوجوه أحدها انه أشمل المخلوقات اجزاء فان كل ما هو(10/302)
فى العالم الكبير فهو ثابت فيه ولذا سمى عالما صغيرا فالحكم بانه خلق الإنسان حكم بخلق كل شىء من عوالم الخلق والأمر ثانيها انه اشرف المخلوقات مستعد لتجليات الصفات والذات اولى بالمعرفة التي هى المقصود بخلق الكائنات قال الله تعالى وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون اى ليعرفون وفى الحديث القدسي لولاك لما خلقت الافلاك ولما أظهرت الربوبية خص النبي - صلى الله عليه وسلم - هاهنا بالذكر لكونه أكمل افراد الناس معرفة وفى الحديث كنت كنزا مخفيا فاحببت ان اعرف فخلقت الخلق فخص الإنسان فى هذه الاية بالذكر إظهارا لشرفه وبيانا لانه المقصود بالخلق وثالثها انه هو المخاطب بالشرائع والمكلف بالتكليفات الشرعية اولا وانه اعرف بحاله من حال غيره فاستدلاله على الصانع بانقلابات أحواله اولى واقرب لحصول المعرفة ويجوز ان يكون المحذوف من الجملة الاولى كاف الخطاب اى الذي خلقك الجملة الثانية مستانفة فى جواب سوال مقدر وهو من اى شىء خلقه قال الله تعالى خلق الإنسان بلفظ الجنس لاشتراك افراد الإنسان فيه اختصاص ما منه الخلق بالمخاطب ويحتمل ان يكون المفعول المحذوف من الجملة الاولى هو الإنسان والجملة الثانية تأكيد لها فسر بعد الإبهام تفخيما لخلقه وليكون أوقع فى النفس ويحتمل ان يكون المراد بالإنسان هو النبي صلى الله عليه وسلم خص بالذكر إظهارا لشرفه ولانه هو المخاطب به مِنْ عَلَقٍ ج جمع علقة أورد صيغة جمع لان الإنسان جنس فى معنى الجمع ولعل العدول من قوله خلق الإنسان من نطفة او من تراب لمراعاة الفواصل والاشارة الى جميع أطوار خلقه حيث أشار الى ما توسط منها فان هذا خلقه من الطين ثم من الاغذية التي تصير بعد تحويلات منيا ثم تصير المنى علقة ثم العلقة مضغة ثم المضغة عظاما ثم تكسى العظام لحما ثم ينفخ فيه الروح فذكر المتوسط يشعر بما سبقه وما لحقه من الأطوار اقْرَأْ تكرير للتاكيد وللمبالغة والاول مطلق والثاني للتبليغ او فى الصلاة وجاز ان يكون باسم ربك متعلقا بهذا ويكون الاول نازلا منزلة اللازم والثاني مستانفة تقديره اقرأ اى صرقاريا فكانه قال ما اقرء وكيف اقرء فقال الله تعالى اسم ربك اقرأ او باسم ربك اقرأ القران وعلى هذا يحتمل ان يكون ما فى قوله صلى الله عليه وسلم ما انا بقاري فى جواب قول جبرئيل اقرأ استفهامية والباء فى الخبر زائدة على لغة اهل المصر ويمكن ان يقال ما فى المرتبة الاولى(10/303)
نافية وبعد ما غطه جبرئيل كانت استفهامية وَرَبُّكَ مبتداء والواو للحال الْأَكْرَمُ صفة للمبتداء او خبر له الزائد فى الكرم
على كل كريم فرض وجوده حيث ينعم بلا غرض ما لا يمكن إحصاءه كمّا وكيفا ومورد او بحلم عن جهل العباد فاما ان يعفو اولا يعجل فى العقوبة مع العلم وكمال القدرة على الانتقام فورا فالافضلية على سبيل الفرض ولو كان المفروض محالا او فى الحقيقة هو الكريم وحده لا شريك له فى الذات ولا فى صفة من الصفات ولذا قالوا افعل وفعيل فى صفات الله تعالى بمعنى واحد فاطلاق لفظ الكريم او الرحيم او السميع او البصير ونحو ذلك على غيره تعالى كأنه بالمجاز لكونه مرأة لصفة كرمه ورحمته وغير ذلك الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ قيل بالقلم متعلق بمفعول محذوف بعلم تقديره علم الخط بالقلم ليفيد به العلوم والكتب المنزلة فيبقى بعد مضى الدهور ويعلم به البعيد وانما خص علم الخط اولا بذكر اظهار الشرفة فان الغرض من التعلم الحفظ وتبقية العلوم وحفظها غالبا بالكتابة عادة قيل أول من خط إدريس عليه السلام قلت والظاهر ان قوله بالقلم متعلق بعلم معنى علم العلوم بتوسط القلم وانما قدمه فى الذكر لكون التعليم بالقلم اسبق التعليمات قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ان أول ما خلق الله القلم الحديث وقد مر فى سورة ن والقلم والموصول مع الصلة خبر للمبتداء اولا او بعد خبر او صفة بعد صفة كاشفة للتكريم فان من كمال كرمه تعليم العلوم وتعليم ما يفيد به العلوم عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ بخلق العقل والقوى ونصب الدلائل والوحى والإلهام وخلق العلم الضروري فى الأذهان وإنزال الكتب وإرسال الرسل وتواتر الاخبار وغير ذلك هذه الجملة خبر للمبتداء ان كان ما سبق صفات وبدل اشتمال من علم بالقلم ان كان الموصول خبر للمبتداء تقييد العلم اولا بالقلم مع حذف المفعول الاول على التعميم وعدم تقييده به ثانيا مع تقييده بالإنسان دليل على ان علوم العالمين بعض علم الإنسان وأخص ولو من وجه فان علوم الملائكة مثلا بتوسط القلم وقد أحاط بها اللوح المحفوظ الذي لا يغادر صغيرة ولا كبيرة الا أحصاها ولا رطب ولا يابس الا فيه واما علم الإنسان فمنها ما هو فى اللوح مكتوب بالقلم ومنها ما لا يحيط به الكتاب ولا يتصد به القلم يدل عليه قوله تعالى وعلم آدم الأسماء كلها الاية وذلك لان العلم بكنه ذات الله تعالى ليس من قبيل العلم الحصولى حتى يتسعه اللوح ويكتبه القلم(10/304)
بل هو من قبيل العلم الحضوري بل وراء العالمين يحصل للانسان بعد ماهية الله تعالى ذاتا موهوما ومن هاهنا قال قائل فان من جودك الدنيا وحزنتها ومن علومك علم اللوح والقلم وجملة وربك الأكرم حال من فاعل اقرأ فانه لما قيل للنبى صلى الله عليه وسلم اقرأ فقال ما انا بقاري قيل له اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان يعنى آدم عليه السلام او جنس الإنسان الشامل لجميع الأنبياء ما لم يعلم فيعلمك القراءة وان لم يكن قاريا ويحتمل ان يكون المراد بالإنسان محمدا صلى الله عليه وسلم فلعله قال النبي - صلى الله عليه وسلم - ما انا بقاري فأخذه جبرئيل فغطه ثلثا حتى بلغ منه الجهد وافعال العباد كلها مخلوقة لله تعالى فالله سبحانه علم نبيه صلى الله عليه وسلم بتلك اللفظات الثلاث علوم الأولين والآخرين ثم عد نعمة عليه فقال علّم الإنسان ما لم يعلم وقال فى موضع اخر وعلّمك ما لم تكن تعلم فان قيل اى فائدة فى إيراد قوله ما لم يعلم مع ان التعليم لا يتصور الا فيما لا يعلم قلنا فائدته التصريح بعجز الإنسان التعرف بجهله من قبل العلم ويشكر على تلك النعمة العظمى وذكر فى مواهب اللدنية روى ان جبرئيل بدأ له صلى الله عليه وسلم فى احسن صورة وأطيب رائحة فقال يا محمد ان الله يقرأك السلام ويقول لك أنت رسول الى الجن والانس فادعهم الى قول لا اله الا الله ثم ضرب برجله الأرض فنبعت عين ماء فتوضا منها جبرئيل ثم امره ان يتوضا وقام جبرئيل يصلى وامره ان يصلى معه فعلمه الوضوء والصلاة ثم عرج الى السماء ورجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يمر بحجر ولا مدر ولا شجر وهو يقول السلام عليكم يا رسول الله حتى اتى خديجة فاخبرها فغشى عليها من الفرح ثم أمرها فتوضأ وصلى
بها كما صلى له جبرئيل فكان ذلك أول فرضها ركعتين ثم ان الله أمرها فى السفر كذلك وأتمها فى الحضر وقال ابن حجر فى فتح الباري كان صلى الله عليه وسلم قبل الاسراء يصلى قطعا وكذلك أصحابه ولكن اختلف هل فرض قبل الخمس شىء من الصلاة فقيل ان الفرض كان صلوة قبل طلوع الشمس وغروبها انتهى وقال أول ما وجب الانذار والدعاء الى التوحيد ثم فرض من قيام الليل ما ذكره فى أول سورة المزمل ثم نسخه بما فى آخرها ثم نسخه بايجاب الصلاة الخمس ليلة الاسراء بمكة واما ذكره فى هذه الرواية من ان جبرئيل علمه الوضوء وامره فيدل على فرضية(10/305)
كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى (7) إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى (8) أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى (9) عَبْدًا إِذَا صَلَّى (10)
الوضوء قبل الاسراء والله تعالى اعلم واخرج ابن المنذر عن ابى هريرة قال قال ابو جهل هل يغفر محمد وجهه بين أظهركم فقيل نعم فقال واللات والعزى لئن رايته يفعل لاطان على رقبته ولاغفرن وجهه فى التراب فأنزل الله تعالى.
كَلَّا ردع لمن كفر بالله لطغيانه وينهى عن الصلاة وان لم يذكر فى الكلام لدلالة الكلام او الحال عليه او هى بمعنى حقا تحقيقا لما بعده إِنَّ الْإِنْسانَ اطلق لفظ الجنس باعتبار بعض افراده يعنى أبا جهل لَيَطْغى ليجاوز حده فى الكفر والتكبر على ربه.
أَنْ رَآهُ قرأ قنبل بقصر الهمزة والباقون بالمد اسْتَغْنى ط ان راى نفسه منصوب على العلية او على الظرفية بتقدير المضاف اى لان راى او وقت ان راى نفسه غنيا استغنى مفعول ثان للروية فانها من افعال القلوب ولو كان بمعنى الابصار لا متنع كون الشيء الواحد مرجعا للضميرين المرفوع والمنصوب كان ابو جهل إذا أصاب ما لا ارتفع فى طعامه وثيابه ومركبه.
إِنَّ إِلى رَبِّكَ الرُّجْعى
ط الرجعى مصدر كالبشرى اسم ان والظرف خبره والجملة مستأنفة للتهديد والتحذير كانه فى جواب ما عاقبة الطاغي والخطاب للانسان على سبيل الالتفات اى رجوعك الى ربك فيجازيك على طغيانك واخرج ابن جرير عن ابن عباس قال كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلى فجاءه ابو جهل فنهاه فانزل الله تعالى.
أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى الى قوله كاذبة خاطئة قوله تعالى أَرَأَيْتَ يا محمد استفهام عن الروية للتقرير فهو بمعنى قد رايت فأقر به او يقال الغرض من الاستفهام الروية ان يخبر المخاطب عما راى فحاصل المعنى أخبرني ويستعمل فى مقام التعجب والروية من الافعال القلوب يتعدى الى المفعولين وهما مبتداء او خبر فى المعنى والغرض هاهنا تقرير نسبة بينهما والاستخبار عنها الَّذِي يَنْهى عَبْداً إِذا صَلَّى ط الظرف متعلق بينهى والمراد بالموصول ابو جهل وبالعبد محمد صلى الله عليه وسلم على الالتفات من الخطاب الى الغيبة أورد الله سبحانه لفظ العبد موقع كاف الخطاب للدلالة على كمال عبوديته وكونه على الحق المبين فان المقتضى العبودية العبادة وعلى كمال طغيان الناهي وتقبيحه والموصول مع الصلة أحد مفعولى رايت ومفعول الثاني محذوف فى حكم المذكور حملا(10/306)
أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى (11) أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى (12) أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (13) أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى (14)
على ذكره فى قوله تعالى ليطغى تقديره أرأيت الذي ينهى عبدا إذا صلى كيف يطغى.
أَرَأَيْتَ يا محمد إِنْ كانَ العبد عَلَى الْهُدى حين يصلى.
أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوى ط حين يدعون الناس الى التوحيد والصلاة والظاهر النهى كان عن الصلاة وعن الأمر بالتقوى معا فاقتصر فى الجملة الاولى على أحدهما اكتفاء بذكرهما فى الثانية ولانه دعوة بالفعل ولان نهى العبد إذا صلى يحتمل ان يكون لها ولغيرها وعامة أحواله محصورة فى تكميل نفسه بالعبادة وتكميل غيره بالدعوة وهذا شرط حذف جزاءه بدلالة السياق وهو كيف ينهاه او فيهلك الناهي ويفوز العبد والشرطية قايم مقام مفعولين لرايت وكذا فى قوله تعالى.
أَرَأَيْتَ يا محمد إِنْ كَذَّبَ الناهي ما هو الحق وَتَوَلَّى ط عن الايمان كيف ينجو من عذاب الله بل يهلك والدليل على المحذوف فى الجملتين قوله تعالى.
أَلَمْ يَعْلَمْ استفهام إنكاري للتوبيخ والوعيد فان انكار النفي اثبات تقديره وقد علم بِأَنَّ اللَّهَ يَرى ط متعلق بيعلم قايم مقام مفعولية ويرى بمعنى يعلم حذف مفعولية بدلالة ما سبق اى يرى الله الناهي ناهيا عن الهدى والأمر بالتقوى بكذبا بالحق متوليا عن الايمان والعبد على الهدى والأمر بالتقوى وعلم الله يستلزم الجزاء على حسب ما علم فاطلق الروية وأريد به الجزاء تسمية اللازم باسم الملزوم فتقدير الكلام وقد علم الناهي ان الله يجزى كلا من الناهي والعبد المصلى على حسب ما علم فهذه جمل اربع وقال صاحب البحر المواج مثل ما قلت غير انه قال الم يعلم جزاء الشرطية الثانية وجزاء الشرطية اولى محذوف يقدر مثل الثانية تقديره ارايت ان كان على الهدى أو أمر بالتقوى الم يعلم بان الله يرى وقيل الخطاب فى ارايت الاولى والثالثة الى النبي صلى الله عليه وسلم وفى الثانية الى الكافر تقديره ارايت يا محمد الذي ينهى إذا صليت طغى ارايت يا أبا جهل ان كان محمد على الهدى أو أمر بالتقوى كيف نهاه ارايت يا محمد ان كذب ابو جهل وتولى فكيف ينجو الم يعلم بان الله يرى كما ان الحاكم بين الخصمين يخاطب تارة هذا وتارة ذاك وقال الشيخ الجلال الدين المحلى معناه وعجب منه يا مخاطب من حيث نهيه عن الصلاة ومن حيث ان المنهي على الهدى امر بالتقوى ومن حيث ان الناهي مكذب متول عن الايمان فعلى هذا ايضا الجمل اربع وقيل معناه ارايت(10/307)
كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ (15) نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ (16) فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ (17)
يا محمد الذي ينهى عبدا إذا صلى كيف صددناه عنك ارايت يا محمد ان كان ابو جهل على الهدى او امر بالتقوى لكان خيرا له ارايت يا محمد ان كذب ابو جهل وتولى لاعذبنه الم يعلم بان الله يرى فيجازى على حسب ما عمل وكرر لفظ ارايت ثلثا ولم يكتف على الاول ولم يعطف الشرطيتين على الذي ينهى لغاية التعجب وقال البيضاوي الذي ينهى أول مفعولى ارايت والشرطتين مفعوله الثاني على التوزيع وجزاء الشرطية الثانية قوله تعالى الم يعلم بان الله يرى وجزاء الاولى محذوف اكتفاء بذكره فى الثانية وكلمة ارايت فى الأخريين لتكرير الاولى غير عاملة فى ما بعدها والمعنى أخبرني عمن ينهى بعض عباد الله عن صلوته ان كان ذلك الناهي على الهدى فيما ينهى عنه أو أمر بالتقوى فيما يأمر به من عبادة الأوثان كما يعتقده او ان كان على التكذيب بالحق والتولي عن الصواب كما تقول الم يعلم ذلك الناهي بان الله يرى ويطلع على أحواله من هداه وضلاله فالكل على هذا جملة واحدة قال البغوي تقدير النظم ارايت الذي ينهى عبدا إذا صلى وهو على الهدى امر بالتقوى الناهي مكذب متولى عن الايمان فما اعجب من هذا فالشرطتين فى محل النصب على الحالية اولى عن مفعول ينهى والثانية عن فاعله والم يعلم جملة مستأنفة للوعيد وضمير الفاعل راجع الى الذي ينهى.
كَلَّا ردع للناهى الذي كذب وتولى لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الذي ينهى عما هو فيه من النهى عن المعروف وتكذيب الحق والتولي عن الايمان لَنَسْفَعاً جواب للقسم لفظا وللشرط معنى ويكتب النون الخفيفة كتنوين المنصوب على صورة الالف والسفع القبض على الشيء وجذبه بشدة اى لنا جذبة فلنجذبه الى النار بِالنَّاصِيَةِ وهى مقدم الراس اى ناصيه والاكتفاء باللام عن الاضافة للعلم بان المراد ناصية المذكور.
ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ خاطِئَةٍ ج وصف الناصية بالكذب والخطأ وهما لصاحبها على الاسناد المجازى المبالغة وناصية بدل من الناصية وانما جاز لوصفها وجملة لئن لم ينته مستانفة كانها من جواب ما يفعل الله بالطاغي اخرج الترمذي وصححه وابن جرير عن ابن عباس قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلى فجاء ابو جهل فقال الم أنهك عن هذا فزجره النبي صلى الله عليه وسلم فقال ابو جهل أشهرني فو الله لأملان عليك هذا الوادي خيلا جردا ورجالا مردا فانزل الله تعالى.
فَلْيَدْعُ نادِيَهُ(10/308)
سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ (18) كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ (19)
النادي المكان الذي يجتمع فيه القوم والمراد اهل النادي اى قومه وعشيرته بحذف المضاف فى اللفظ او بالمجاز بالإسناد.
سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ قال ابن عباس يريد زبانية جهنم قال الزجاج هم الملائكة الغلاظ الشداد والزبانية جمع زنبى او زبينة كعفرية وفى الأصل الشرط ماخوذ من الزبن بمعنى الدفع قال ابن عباس لو دعا ناديه لاخذته زبانية الله عيانا وذكر المحلى هذا الحديث مرفوعا.
كَلَّا ط اى حقا ما ذكر من السفع بالناصية ودعاء الزبانية ان دعانا به او المعنى لا يستطيع ان يدعو ناديه- لا تُطِعْهُ فى ترك الصلاة جملة مستانفة كانه فى جواب ماذا اصنع حين ينهى- وَاسْجُدْ عطف على لا تطعه لفظا وتأكيد معنى وَاقْتَرِبْ ع من الله بالصلوة روى ابو داود وغيره عن ابى هريرة ان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قال اقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فاكثروا الدعاء امال حمزة والكسائي اواخر هذه السورة من قوله عز وجل ليطفى الى قوله بان الله يرى واما ابو عمرو يرى وحده وما عداه بين بين ودرش جميع ذلك بين بين والباقون بالفتح وقد ذكرنا بحث سجدة التلاوة فى سورة انشقت فعند ابى حنيفة رحمه الله تعالى اسجد امر بسجدة التلاوة بدلالة فعله عليه الصلاة والسلام انه صلى الله تعالى عليه وسلم سجد فى إذا السماء انشقت واقرأ رواه مسلم من حديث ابى هريرة والجمهور على انه امر بالصلوة تسمية الكل باسم الجزء فانه معطوف على لا تطعه عطفا تفسير يا قالوا بسنية السجود اقتداء بفعله صلى الله تعالى عليه واله وسلم وذا لا يقتضى الوجوب- والله تعالى اعلم.(10/309)
إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3)
سورة القدر
مكّيّة وهى خمس آيات بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ اخرج الترمذي والحاكم وابن جرير عن الحسن بن على عليهما السلام قال ان النبي صلى الله عليه وسلم ارى بنى امية على منبره فساءه ذلك فنزلت انا أعطيناك الكوثر ونزلت
إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ يملكها بنى امية قال القاسم بن الفضل الهمداني فعددنا فاذا هى الف شهر لا يزيد ولا ينقص قال الترمذي غريب وقال المزني وابن كثير منكر جدا واخرج ابن ابى حاتم والواحدي عن المجاهد ان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذكر رجلا من بنى إسرائيل لبس من السلام فى سبيل الله الف شهر فحجب المسلمون من ذلك فنزلت انا أنزلناه فى ليلة القدر وما ادراك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من الف شهر التي ليس ذلك الرجل السلاح فى سبيل الله فيها واخرج ابن جرير عن مجاهد قال كان فى بنى إسرائيل رجلا يقوم حتى يصبح ثم يجاهد العدو بالنهار حتى يمسى فعمل ذلك الف شهر فانزل الله تعالى ليلة القدر خير من الف شهر عملها ذلك الرجل وروى مالك فى المؤطا انه سمع من يثق به من اهل العلم يقول ان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تفاصر فى أعمار أمته لا يبلغوا من العمل مثل الذي بلغ غيرهم فى طول العمر فاعطاه الله ليلة القدر خير من الف شهر قلت هذا مرسل لكنه أصح ما ورد فى الباب وهذا يدل على ان ليلة القدر من خصائص هذه الامة وبه جزم ابن حبيب من المالكية ونقله عن الجمهور صاحب العدة من الشافعية ويرد عليه حديث ابى ذر عند النسائي حيث قال قلت يا رسول الله أيكون مع الأنبياء فاذا ماتوا رفعت قال بل هى باقية ورجح الحافظ ابن حجر كونها فى الأمم الماضية وقال ما رواه المالك بلاغا يحمل التأويل فلم يدفع الصريح قلت ما رواه مالك اصرح فى الدلالة من المرفوع فى حديث ابى ذر فان لفظ المرفوع بل هى باقية يحتمل ان يكون معناه بل هى باقية بعد نبينا - صلى الله عليه وسلم - لكن حديث ابى ذر يدفع قول من قال انها لم تكن الا فى سنة واحدة فى حبور النبي - صلى الله عليه وسلم - وما قيل انها رفعت بعده صلى الله عليه وسلم وكذا يدل على تأييده ما روى عن ابى هريرة قيل زعموا ان ليلة القدر رفعت قال كذب من قال ذلك رواه عبد الرزاق قال الراوي قلت هى فى كل شهر(10/310)
رمضان استقبله قال نعم قوله تعالى إِنَّا أَنْزَلْناهُ يعنى القران كناية عن غير مذكور تفخيما وشهادة له بالعظمة المغنية عن تصريح فى انتقال الذهن اليه كما عظمه بان أسند انزاله الى نفسه وقدم المسند اليه على الخبر الفعلى لزيادة التأكيد والتقوى او للتخصيص ثم عظمه باعتبار وقت نزوله فقال فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ يقدر الله تعالى فيها امر السنة فى عباده وبلاده الى السنة المستقبلة قيل للحسين بن الفضل أليس قد قدر الله تعالى المقادير قبل ان يخلق السموات والأرض قال نعم قيل فما معنى ليلة القدر قال سوق المقادير الى المواقيت وتنفيذ القضاء المقدر يعنى اطلاع الملائكة الموكلة على الأمور فى تلك الليلة على ما قدر الله تعالى امر السنة فى عباده وبلاده الى السنة المقبلة وقال عكرمة تقدير المقادير وإبرام الأمور فى ليلة النصف من الشعبان فيها ينسخ الاحياء من الأموات فلا يزداد فيهم ولا ينقص منهم ويؤيده ما رواه البغوي ان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال يقطع الآجال من شعبان الى شعبان حتى ان الرجل لينكح ويولد له ولقد خرج اسمه فى الموتى قلت لعل تقدير المقادير بنحو من الانجاء او بعضها فى ليلة النصف من شعبان وتقديرها كلها وتسليمها الى أربابها انما هو فى ليلة القدر قال الله تعالى فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ قال ابن عباس يكتب من أم الكتاب فى ليلة القدر ما هو كاين فى السنة من الخير والشر والأرزاق والآجال حتى الحاج يقال يحج فلان وفلان وروى ابو الضحى عن ابن عباس ان الله يقضى الا قضية ليلة النصف من شعبان ويسلمها الى أربابها فى ليلة القدر كذا ذكر البغوي وقال الزهري سميت بها للعظمة والشرف قال الله تعالى وما قدروا الله حق قدره اى ما عظموه وقيل لان العمل الصالح فيه يكون ذا قدر عند الله واجر جزيل ومعنى نزول القران فى ليلة القدر على ما روى مفهم عن ابن عباس انه قال انزل القران جملة واحدة من اللوح المحفوظ ليلة القدر من شهر رمضان الى بيت العزة فى السماء الدنيا ثم نزل به جبرئيل عليه السلام على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نجوما نجوما فى
عشرين سنة فذلك قوله بمواقع النجوم وروى عن ابى ذر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال انزل صحف ابراهيم فى ثلث مضين من رمضان ويروى فى أول ليلة من رمضان وأنزلت تورية موسى فى ست ليال مضين من رمضان وإنزال الإنجيل فى ثلث عشرة مضت من رمضان وانزل(10/311)
زبور داود فى ثمان عشرة ليلة من رمضان وانزل القران على النبي - صلى الله عليه وسلم - فى اربعة وعشرين لست بقين بعدها واخرج احمد والطبراني من حديث وأيلة بن الأسقع نزلت صحف ابراهيم أول ليلة من رمضان وأنزلت التورية لست مضين والإنجيل لثلث عشرة والقران لاربع وعشرين وبناء على تلك الأحاديث قال بعض العلماء ان ليلة القدر ليلة اربع وعشرين من رمضان وروى هذا القول عن ابن مسعود والشعبي والحسن وقتادة ويويد قولهم ما روى احمد عن بلال مرفوعا التمسوا ليلة القدر ليلة اربع وعشرين وفيه ابن لهيعة قال الحافظ ابن حجر اخطأ ابن لهيعة فى رفعه قلت وتلك الأحاديث لو صحت لا تدل على ان يكون ليلة القدر فى كل عام ليلة اربع وعشرين بل كونها كذلك سنة نزول القران الى بيت العزة او فى سنة حكى عنه بلال (فائدة) اختلف العلماء فى تعيين ليلة القدر على نحو من أربعين قولا والصحيح انها ليلة منتقلة فى العشر الأواخر من كل رمضان جمعا بين الأحاديث الصحاح وإعراضا عما يخالفها منها حديث سلمان الفارسي قال خطب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فى اخر يوم من شعبان فقال يا ايها الناس قد أظلكم شهر عظيم شهر مبارك شهر فيه ليلة خير من الف شهر وقد مر هذا الحديث فى سورة البقر وفضائل رمضان وهذا الحديث يدفع ما قيل انها يكون فى رمضان وغيره كذا ذكر قاضيخان مذهب ابى حنيفة لا يقال لعلها كانت فى سنة نزول القرآن او عما حكى عنه سلمان خاصة فى رمضان فلا يدفع بهذا الحديث ولا بالآية لانا نقول ورد فى حديث سلمان نعوت شهر رمضان مطلقا حيث قال جعل الله صيامه فريضة وقيام ليلة تطوعا ومن تطوع فيه كان كمن ادى فريضة فى غيره ومن ادى فريضة كان كمن ادى سبعين فريضة وانه شهر الصبر وشهر المواساة وغير ذلك وليس شىء من تلك النعوت مختصا برمضان تلك السنة فكذا هذا ومنها حديث عائشة قالت كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجتهد فى عشر الأواخر ما لا يجتهد فى غيره رواه مسلم وقالت كان إذا دخل العشر شد ميزره وأحيا ليله وأيقظه اهله متفق عليه وقالت كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله ثم اعتكف أزواجه بعده متفق عليه وقالت كان يجاور العشر الأواخر من رمضان ويقول تحروا الليلة القدر فى العشر الأواخر من رمضان رواه البخاري ومنها حديث ابى سعيد الخدري ان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اعتكف العشر الاول(10/312)
من رمضان ثم اعتكف العشر الأوسط فى قبة تركية ثم اطلع رأسه فقال انى اعتكف العشر الاول التمس هذه الليلة ثم اعتكف العشر الأوسط ثم أتيت فقيل لى انها فى العشر الأواخر فمن اعتكف معى ظيعتكف العشر الأواخر فانى اريت هذه الليلة ثم أتيتها وقد رايتنى اسجد فى الماء والطين من صبيحتها فالتمسوها فى كل وتر قال فمطر السماء تلك الليلة وكان المسجد على عريش فوكف المسجد فيضرب عينى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعلى جبهته اثر الماء والطين من صبيحة احدى وعشرين متفق عليه فى المعنى وروى مسلم من حديث ابى سعيد قال اعتكف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العشر الأوسط من رمضان يلتمس ليلة القدر فلما انقضين امر بالبناء نوقض ثم أنسيت وانها فى العشرة الأواخر فامر بالبناء فاعيد ثم خرج على الناس فقال يا ايها الناس انها كانت اريت لى ليلة القدر وانى خرجت لاخبركم فجاء رجلان معهما شيطان فنسيتها فالتمسوها فى العشرة الأواخر من رمضان والتمسوها فى التاسعة والسابعة والخامسة قال قلت يا أبا سعيد انكم اعلم بالعدد منا قال أجل نحن أحق بذلك منكم قال التاسعة والسابعة والخامسة قال إذا مضت واحدة وعشرون فالتى تليها ثنتان وعشرون فهى التاسعة وإذا مضى ثلث وعشرون فالتى تليها السابعة وإذا مضى خمس وعشرون فالتى تليها الخامسة وروى الطيالسي عن ابى سعيد مرفوعا ليلة القدر ليلة اربع وعشرين ومنها حديث عبد الله بن أنيس مرفوعا اريت ليلة القدر ثم أنسيتها
وأراني صبيحتها اسجد فى الماء والطين قال فمطرنا ليلة ثلث وعشرين فصلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعنى الفجر فانصرف واثر الماء والطين على جبهته وانفه رواه مسلم وابو داود عنه قال قلت يا رسول الله ان لى بادية أكون فيها فمر لى بليلة انزل فقال انزل ليلة ثلث وعشرين وفى رواية عنه انه سال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ليلة القدر صبيحة احدى وعشرين فقال كم الليلة قلت ليلة اثنين وعشرين قال هى الليلة او القابلة ومنها حديث ابن عمر قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من كان متحريا فليتحرها ليلة سبع وعشرين رواه احمد وابن المنذر معناه وحديث جابر بن سمرة نحوه أخرجه الطبراني وحديث معاوية بن ابى سفيان عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فى ليلة القدر قال ليلة القدر سبع وعشرين رواه ابو داود بأحاديث ليلة سبع وعشرين أخذ احمد وهى رواية عن ابى حنيفة وبه جزم ابى بن كعب وحلف عليه فقيل لابى باى شىء تقول ذلك يا أبا المنذر(10/313)
قال بالعلامة التي أخبرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - انها يعنى الشمس تطلع يومئذ لا شعاع لها رواه مسلم وروى هذا القول ابن ابى شيبة عن عمرو حذيفة وأناس من الصحابة ويستدل بهذه المقالة بما رواه مسلم عن ابى هريرة قال تذاكرنا ليلة القدر فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أيكم يذكركم حين طلع القمر كانه شق جفنه قال ابو الحسن الفارسي اى ليلة سابع وعشرين فان القمر يطلع فيها بتلك الصفة قال المراد به كمال وقته وذا بالسابع والعشرين وهذا الاستدلال ضعيف لان الظاهر من الحديث انه كما ان الشمس من صبيحتها تطلع بلا شعاع كذلك القمر فى تلك الليلة يطلع بلا شعاع لا لاجل كمال وقته بل لمعنى اخر فهذه الأحاديث لا تدل الا على كون ليلة القدر تارة ليلة سابع وعشرين لا على انها لا تكون الا تلك الليلة ومنها حديث ابن عمر راى رجل ليلة القدر ليلة السابعة وعشرين فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - اراى روياكم فى العشر الأواخر فاطلبوها فى الوتر فيها رواه مسلم ومنها حديث ابن عمر مرفوعا فليتحرها ليلة السابعة رواه عبد الرزاق وروى احمد عن ابن عباس نحوه يعنى السابعة بعد العشرين او السابعة من الليالى الباقية ومنها حديث النعمان بن بشير مرفوعا سابعة تمضى او سابعة تبقى رواه احمد عن ابن عباس مرفوعا هى فى العشر الأواخر فى تسع يمضين او سبع يبقين وفى لفظ تسع يمضين رواه البخاري وفى لفظ للبخارى التمسوها فى العشر الأواخر فى تاسعة تبقى فى سابعة تبقى فى خامسة تبقى ومنها حديث عبادة بن الصامت قال خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - ليخبرنا بليلة القدر فتلاقى رجلان من المسلمين فقال خرجت لاخبركم بليلة القدر فتلاحى فلان وفلان فرفعت عسى ان يكون خيرا لكم فالتمسوها فى التاسعة والسابعة والخامسة اواه او سبع يبقين ومنها حديث ابى بكر فقال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول التمسوها يعنى ليلة القدر فى تسع يبقين او خمس يبقين او ثلث اواخر ليلة رواه الترمذي وروى احمد من حديث عبادة بن الصامت نحوه منها حديث ابن عمران رجلا من اصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - راى ليلة القدر فى المنام فى السبع الأواخر فقال عليه السلام ارى روياكم قد تواطئت فى السبع الأواخر فمن كان متحريا فليتحرها فى السبع الأواخر فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - التمسوها فى السبع الأواخر ومنها عن على مرفوعا ان غلبتم فلا تغلبوا فى(10/314)
تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (5)
السبع البواقي رواه احمد وحديث ابن عمر مرفوعا التمسوها فى العشر الأواخر فان ضعف أحدكم او عجز فلا يغلبن على السبع البواقي رواه مسلم ويظهر من هذه الأحاديث كلها ان ليلة القدر تكون فى العشر الأواخر من رمضان فتارة تكون ليلة احدى وعشرين كما ثبت من حديث ابى سعيد نحوه وتارة تكون ليلة ثلث وعشرين كما ثبت بحديث عبد الله بن أنيس وتارة ليلة اربع وعشرين التي انزل فيها القران وتارة ليلة سبع وعشرين كما ظهر على ابى بن كعب بالعلامة وتارة ليلة تاسع تبقى يعنى الثانية والعشرين او خامسة تبقى وهى السادسة والعشرين او ثلث تبقين وهى الثامنة والعشرين او تسع تمضين وهى التاسعة والعشرين اواخر ليلة وهى الثلثين فلا تعارض فى الأحاديث على هذا التأويل والله تعالى اعلم وقيل معنى الاية انا أنزلنا القران فى فضل ليلة القدر وذلك قوله تعالى وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ ما
فى قوله ما أدريك استفهامية للانكار والغرض منه التعظيم والتعجب وكذا فى ما ليلة القدر وجملة ما ليلة القدر بتأويل المفرد مفعول ثان لادراك والمعنى اى شىء ادراك عظمة ليلة القدر وفضلها فان عظمتها وفضلها اكثر من ان يدرك والجملة معترضة ثم بين الله فضلها وعظمها بجملة مستأنفة فقال لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ط ليس فيها ليلة القدر يعنى ان من أحياها بالعبادة كان له اجرا كثيرا لمن عمر الف شهر بالعبادة وعن ابى هريرة قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من قام ليلة القدر ايمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه رواه البخاري وعند مسلم بلفظ من يقم ليلة القدر فيوافقها وعند احمد من حديث عبادة بن الصامت من قامها ثم وافقت له يعنى قامها بطن ليلة القدر فوافقها فى نفس الأمر غفر له.
تَنَزَّلُ حذف أحد التاءين من تتنزل الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ مر تحقيق الروح فيما سبق فِيها فى تلك الليلة من السماء الى الأرض عن انس قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا كان ليلة القدر ينزل جبرئيل فى كبكبة من الملائكة يصلون على كل عبد قائم او قاعد يذكروا الله عز وجل بِإِذْنِ رَبِّهِمْ ج متعلق بتنزل وجملة تنزل خبر بعد خبر لليلة القدر بين فضله اخرى لها او واقع مواقع التعليل للخبرية مِنْ كُلِّ أَمْرٍ قدر فيها.
سَلامٌ اما خبر مبتداء محذوف اى هو سلام والجملة صفة الأمر والمعنى تنزل الملائكة والروح من أجل كل امر هو سلام والحمل على المبالغة نحو زيد عدل او بحذف المضاف اى امر هو موجب للسلامة عن كل مكروه والظاهر ان هذا الأمر هو الرحمة والبركة فى أجور الأعمال والسكينة النازلة على المؤمنين الذاكرين الله تعالى وعلى هذا قوله هِيَ مبتداء خبره حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ ع والضمير هى راجع الى الليل لا مطلقا فانه حمل غير مفيد فان ثبوت الليل الى مطلع الفجر امر معلوم(10/315)
بديهي بل مقيد بصفة الخيرية ونزول الملائكة او يقال هى مبتداء وسلام خبر مقدم عليه والجملة خبر بعد خبر ليلة القدر وتقديم الخبر على المبتدا لقصد الحصر اى ما هى الإسلام وخير كلها ليس فيها شر قال الضحاك لا يقدر الله فى تلك الليلة الشر ولا يقتضى الإسلام وقال مجاهد ليلة شاملة لا يستطيع الشيطان ان يعمل فيها سوء اولا ان يحدث فيها أذى وقيل ما هى الإسلام لكثرة ما يسلم الملائكة على المؤمنين وعلى هذا الظرف اعنى حتى مطلع الفجر اما متعلق بمفهوم سلام بمعنى تسليم يعنى ما تلك الليلة الا مقصورة على التسليم حتى مطلع الفجر او هو ظرف مستقر خبر مبتداء محذوف اى تلك حتى مطلع الفجر وهذه الجملة خبر اخر لليلة القدر او متعلق يتنزل وعلى هذين التقديرين سلام هى جملة معترضة قرأ الكسائي مطلع الفجر بكسر اللام والباقون بفتح اللام وهو اما مصدرا بمعنى الطلوع او ظرف زمان وقت طلوعه- (فائدة) قيل يرى فى ليلة القدر كل شىء ساجدا والأنوار فى كل مكان ساطعة ويسمع سلام وخطاب من الملائكة قلت وهذا امر قد يظهر بنظر الكشف على بعض الأكابر لا على كل منهم ولا يشترط لحصول الثواب ظهور شىء فيها ولو كان ظهور تلك الأشياء امرا كليا او أكثريا لم يتصور خفاءها وابهامها على الامة لا سيما على الصحابة والتابعين ومن يليهم وأكابر الأولياء ولكن يشترط لحصول ثواب ليلة القدر عبادة الله تعالى كما يدل عليه قوله عليه السلام من قام ليلة القدر ايمانا وقوله عليه السلام يصلون على كل عبد قائم او قاعد يذكر الله (مسئلة) من ادى صلوة العشاء والفجر فى تلك الليلة بالجماعة فقد أدرك ثواب تلك الليلة ومن زاد زاده الله عن عثمن رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من صلى العشاء فى جماعة فكانما قام نصف الليل ومن صلى الصبح فى جماعة فكانما صلى الليل كله رواه مسلم يعنى من صلى الصبح فى جماعة بعد ما صلى العشاء فكانما صلى الليل كله فكل صلوة قايم مقام نصف الليل فانهما فريضتى الليل واما المغرب فانها وتر النهار يستحب ان يكثر فى ليلة القدر اللهم انك عفو تحب العفو فاعف عنى لحديث عايشة قالت قلت يا رسول الله ارايت ان علمت اى ليلة القدر ما أقول فيها قال قولى اللهم انك عفو إلخ رواه احمد وابن ماجة والترمذي- والله تعالى اعلم.(10/316)
لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ (1) رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً (2) فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ (3) وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ (4)
سورة البيّنة
مدنيّة وهى ثمان آيات بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا فى زمان الماضي قبل مبعث النبي - صلى الله عليه وسلم - مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ من لبيان الموصول وكفرهم بالإلحاد فى صفات الله تعالى وقولهم عزير ابن الله والمسيح ابن الله وَالْمُشْرِكِينَ يعنى عبدة الأوثان عطف على اهل الكتاب مُنْفَكِّينَ زائلين متعضلين عن كفرهم الذي كانوا عليه حذف صلة منفكين لدلالة صلة الذين عليه حَتَّى تَأْتِيَهُمُ لفظه مستقبل أريد به الماضي اى حتى أتتهم الْبَيِّنَةُ يعنى ما يبين الحق من الباطل وهو.
رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يعنى محمدا صلى الله عليه وسلم بدل من البينة يَتْلُوا صُحُفاً الجملة صفة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وانه صلى الله عليه وسلم وان كان اميا لكنه لما كان متلوه مما يكتب فى الصحف كان كمن يتلو صحفا اى مصاحف مُطَهَّرَةً من الباطل وتصرف الشياطين او ممنوعة من مس المحدث والجنب والحائض قال الله تعالى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وقال لا يمسه الا المطهرون.
فِيها اى فى تلك الصحف كُتُبٌ مكتوب قَيِّمَةٌ ط عادلة مستقيمة لا عوج فيها فاذا أتاهم الرسول بين لهم ضلالتهم وأزال عنهم جهلهم ودعاهم الى الايمان فانفك عن كفره من وفقه الله للايمان وقدر له السعادة.
وَما تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ فى الايمان بالنبي صلى الله عليه وسلم وكفرهم به إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ ما مصدرية والاستثناء مفرغ منصوب المحل على الظرفية متعلق بتفرق اى ما تفرقوا فى امر النبي - صلى الله عليه وسلم - فى وقت من الأوقات الا بعد مجيئه وكانوا قبل ذلك مجتمعين على تصديقه منتظرين لمجيئه يَسْتَفْتِحُونَ به عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ حسدا وعنادا وجملة ما تفرق عطف على لم يكن والحاصل ان اهل الكتاب وان كان بعضهم ملحدا فى صفات الله ونسبة الولد اليه لكنهم كانوا مجتمعين فى امر النبي - صلى الله عليه وسلم - لوضوح بيان امره فى كتبهم ولما كان صفة اجتماعهم على تصديق النبي - صلى الله عليه وسلم - مختصا باهل الكتاب دون المشركين أفرد فى هذه الاية ذكرهم لاظهار زيادة شتاعة من بقي منهم على الكفر والاية الاولى لبيان حال المؤمنين(10/317)
وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ (5) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ (6)
من اهل الكتاب ومن المشركين والاية الثانية لبيان من بقي على الكفر من اهل الكتاب قال البغوي وقال بعض ائمة اللغة معنى قوله منفكين هالكين من قولهم انفك صدر المرأة عند الولادة وهو ان ينفصل فلا يلتئم حتى تهلك ومعنى الاية لم يكونوا هالكين معذبين الا بعد قيام الحجة عليهم من إرسال الرسول وإنزال الكتاب نظيره قوله تعالى وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا.
وَما أُمِرُوا يعنى هؤلاء الكفار كلهم إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ قيل اللام زايدة والفعل منصوب بان مقدرة حذفت ان وزيدت اللام والجملة فى محل النصب على انه مفعول به لامروا اى ما أمروا الا بان يعبدوا الله وقيل المفعول به محذوف واللام لام كى والجملة فى محل النصب على العلية والمعنى ما أمروا بما أمروا به بشئ الا ليعبدوا والحاصل انهم ما أمروا على لسان محمد - صلى الله عليه وسلم - الا بشئ حسن ذاته تدل الادلة العقلية على حسنه وقد أمروا بذلك فيما سبق من الكتب المنزلة فعجبا من المنكرين كيف أنكروا وكيف يفرقوا فيه مُخْلِصِينَ حال من فاعل يعبدوا لَهُ اى لله الدِّينَ اى الاعتقاد عن الشرك بغيره حُنَفاءَ حال مرادف او متداخل لمخلصين اى مائلين عن الأديان الباطلة كلها قال ابن عباس معناه وما أمروا فى التورية والإنجيل الا بإخلاص العبادة لله موحدين وَيُقِيمُوا عطف على يعبدوا الصَّلاةَ المكتوبة فى أوقاتها وَيُؤْتُوا الزَّكاةَ عند محلها وَذلِكَ الذي أمروا به على لسان محمد - صلى الله عليه وسلم - دِينُ الْقَيِّمَةِ ط اى الامة القائمة الراسخة على الحق من الأنبياء والماضيين واتباعهم الصالحين قال البغوي قال النضر بن شميل سالت الخليل بن احمد عن قوله تعالى ذلك دين القيمة فقال القيمة والقيم والقائم واحد مجازا الاية وذلك دين القيمة لله بالتوحيد او المعنى وذلك دين الكتب القيمة التي لا عوج فيها التي جرى ذكرها فى ضمن الذين أوتوا الكتاب وقيل معناه ذلك طريق الملة والشريعة القيمة المستقيمة قال البغوي أضاف الدين الى القيمة وهى لغة لاختلاف اللفظين وأنت القيمة بتأويلها الى الملة ولما ورد ذكر المؤمنين والكافرين استأنف الله سبحانه بالوعد والوعيد للفريقين فقال.
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ اسم وخبره ما بعده فِي نارِ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها ط حال مقدرة من فاعل الظرف أُولئِكَ(10/318)
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (7) جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ (8)
هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ
اى شر الخلائق أجمعين حتى الكلاب والخنازير والجملة اما تذئيل او خبر لان بعد خبروهم ضمير الفصل قرأ نافع وابن ذكوان البرية فى الموضعين بالهمزة والباقون بتشديد الياء بغير همزة.
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ أجمعين حتى الْبَرِيَّةِ ط الملائكة المعصومين ومن هاهنا قالوا ان خواص البشر أفضل من خواص الملائكة وعوام البشر اعنى المؤمنين الصالحين ارباب القلوب الصافية النفوس الزاكية أفضل من عوام الملائكة واما غير الصالحين من المؤمنين فيلتحقون بالصالحين بعد ما يتمحضون من الذنوب اما بالمغفرة او بالعقاب ويدخلون الجنة.
جَزاؤُهُمْ مبتداء عِنْدَ رَبِّهِمْ ظرف لجزاءهم جَنَّاتُ عَدْنٍ اى اقامة خبر لجزائهم تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا اى من تحت قصورها وأشجارها الْأَنْهارُ فاعل تجرى على المجاز والجملة صفة لجنات خالِدِينَ فِيها فى جنات حال منهم فى جزاءهم أَبَداً ط ظرف لخالدين قال البيضاوي فيه مبالغات تقديم المدح وذكر الجزاء المؤذن بان ما منحوا فى مقابلة ما وصفوا به والحكم عليه بأنه من عند ربهم وجمع جنات وتقيدها اضافة ووصفها بما يزداد بها نعيما وتأكيد الخلود بالتابيد رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ هذا نعمة زاد من الجنات وما فيها فضل الله عن ابى سعيد الخدري قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ان الله يقول لاهل الجنة يا اهل الجنة فيقولون لبيك ربنا وسعديك والخير كله فى يديك فيقول هل رضيتم فيقولون وما لنا لا نرضى يا رب وقد أعطيتنا ما لم يعط أحد من خلقك فيقول الا أعطيكم أفضل من ذلك فيقولون يا رب اى شىء أفضل من ذلك فيقول أحل عليكم رضوانى فلا أسخط عليكم بعده ابدا متفق عليه قلت لعل المراد من قوله ما لم يعط أحد من خلقك ما لم يعط الملائكة والا فليس غير اهل الجنة الا اهل النار ولا يجوز القول بالتفضيل عليهم وَرَضُوا عَنْهُ ط قال البغوي قيل الرضاء ينقسم قسمين رضى الله به ورضى عنه رضى به ربا ومدبرا ورضى عنه فيها يقضى ويقدر قلت والرضى عنه على اقسام قسم منه معناه ترك الاعتراض عليه والاعتقاد بان كل ما فعل هو الحسن فى نفس الأمر وان خفى علينا وجه حسنه وهذا القسم من الرضا واجب على العباد فى كل ما قضى الله عليه من مرغوب ومكروه عنده غير انه ان صدر عنه المعصية او عن غيره لا يرضى عن الكفر والمعصية من حيث صدوره عن العبد وكسبه فان صدور الكفر والمعصية عن العبد وكسبه به غير مرضى الله وان كان صادرا(10/319)
بارادة الله وخلقه ومناط التكليف فى وجوب هذا القسم من الرضاء العقل والاستدلال فان العاقل إذ لاحظ ان الله تعالى مالك للاشياء كلها والمالك يتصرف فى ملكه كيف يشاء والاعتراض انما يتوجه على من يتصرف فى ملك غيره بغير اذنه ولاحظ انه تعالى حكيم لا يفعل الأعلى ما اقتضاه الحكمة رضى الله به وان اختلج شىء فى صدره فذلك لاجل نقصان فى عقله ودينه وبقية كفر فى نفسه الامارة بالسوء والى هذا القسم من الرضاء أشار السرى السقطي رضى الله عنه إذا كنت لا ترضى عن الله فكيف تساله الرضى عنك وقسم منه معناه كون مقتضيات الله محبوبا له مرغوبا عنده وان كان على خلاف هواه ومنشأه العشق والمحبة بالله سبحانه فان فعل المحبوب ومراده أحب عند المحب من مراد نفسه ومن هاهنا قال الشاعر فان فرحت بهجرى رضيت بالضروري وقسم منه معناه بلوغ المراد أقصى ما يتمناه ويشتهيه وهو المراد هاهنا ومن قوله تعالى وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اذن لا ارضى وواحد من أمتي فى النار وقد مر فى سورة والضحى ذلك المذكور من الجزاء والرضوان لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ ع فان الخشية ملاك الأمر والباعث على كل خير والناهي عن كل معصية وشر وجملة ذلك لمن خشى ربه فى مقام التعليل بقوله تعالى جزاءهم عن انس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم لابى ان الله أمرني ان اقرأ عليك القران وفى رواية ان اقرء عليك لم يكن الذين كفروا قال أالله سمانى لك قال نعم قال وقد ذكرت عند رب العالمين قال نعم قذرفت عينه متفق عليه قلت وما ذكر فى الحديث من حال ابى هواية عشاق- والله تعالى اعلم.(10/320)
إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا (1)
سورة الزّلزال
مدنيّة وهى ثمان آيات بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها اى حركت حركة واضطرابا مناسبا بشأنها فى العظمة ولابقاء بها فى الحكمة او حركة ممكنا لها او مقدرا لها اخرج ابن ابى حاتم عن ابن عباس قال تحركت من أسفلها واختلفوا فى تلك الزلزلة هل هى بعد النفخة الثانية وقيام الناس من قبورهم او قبل النفخة الاولى فى الدنيا من اشراط الساعة فاختاره الحليمي وغيره الاول وابن العربي ومن معه الثاني محتجين بقوله تعالى يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وأجاب اهل المقالة الاولى انه خرج مخرج المجاز والتمثيل لشدة الهول لا على حقيقته مستدلين بما اخرج الترمذي وصححه عن عمران ابن حصين قال كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنزلت يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كل مرضعة الاية فقال أتدرون اى يوم ذلك يوم يقول الله لادم ابعث بعث النار الحديث وله طرق وفى الصحيحين عن ابى سعيد الخدري قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول الله يوم القيامة لادم قم فابعث بعث النار من ذريتك فيقول اى رب وما بعث النار فيقول من كل الف تسعمائة وتسعة وتسعون ويبقى واحد فعتد ذلك يشيب الصغير وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد فشق ذلك على الناس فقالوا يا رسول الله وأينا ذلك الواحد فقال من يأجوج وماجوج الف ومنكم واحد وهل أنتم فى الأمم الا كالشعرة السوداء فى الثور الأبيض او كالشعر البيضاء فى الثور الأسود وقال اهل المقالة الثانية هذا الحديث لا يدل على ان الزلزلة يكون حين الأمر ببعث النار بل فى ذلك اليوم والأمر متاخر عنها فكانه صلى الله عليه وسلم لما اخبر عن الزلزلة التي يكون متقدمة على النفخة الاولى ذكر ما يكون فى ذلك اليوم من الأهوال الى العظام قلت وعبارة حديث الصحيحين يابى عن هذا التأويل فانه فيه فعند ذلك اى عند بعث النار(10/321)
وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا (2) وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا (3) يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا (4) بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا (5)
يشيب الصغير وتضع كل ذات حمل حملها والله تعالى اعلم قلت جاز ان يتكرر الزلزلة مرة فى اشراط الساعة ومرة بعد البعث.
وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ اسناد الإخراج الى الأرض مجازى أَثْقالَها اخرج ابن ابى حاتم عن ابن عباس قال يعنى الموتى من القبور كذا اخرج الفريابي عن ابن مجاهد وعلى هذا فهى حكاية عما بعد النفخة الثانية واخرج ابن ابى حاتم عن عطية قال يعنى ما فيها من الكنوز عن ابى هريرة قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يلقى الأرض أفلاذ كبدها أمثال أسطوان من الذهب والفضة ويجئ القاتل فيقول فى هذا قتلت ويجئ القاطع فيقول فى هذا قطعت رحمى فيقول فى هذا قطعت يدى ثم يدعونه فلا يأخذون منه شيئا رواه مسلم وفى الصحيحين عنه مرفوعا يوشك الفرات ان يحسر عن اكثر من ذهب فمن حضر فلا يأخذ منه شيئا وفى رواية لمسلم عنه لا تقوم الساعة حتى يحسر الفرات عن جبل من ذهب فتقتل الناس عليه فتقتل من مائة تسعة وتسعون ويقول كل رجل منهم لعلى أكون انا الذي أنجو قلت لعل القتال يكون فى بادى الأمر ثم يؤل الأمر الى ان لا يأخذ أحد منهم شيئا.
وَقالَ الْإِنْسانُ تعجبا ما لَها ج اى ما للارض تزلزل هذه الزلزلة الشديدة وتلفظ ما فى بطنها قيل المراد بالإنسان الكافر يقول ذلك حين يبعث ولم يكن يرجو البعث واما المؤمن فيقول هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون قال البغوي فى الاية تقديم وتأخير تقديره.
يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ الأرض أَخْبارَها فيقول الإنسان مالها تخبر وتتكلم بما عمل عليها يومئذ بدل من إذا زلزلت والعامل فيه تحدث ويحتمل ان يكون يومئذ أصلا وإذا اقتضى بمحذوف اى لتحاسبن إذا زلزلت يومئذ تحدث اخبارها عن ابى هريرة قال قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذه الاية فقال أتدرون ما اخبارها قالوا الله ورسوله اعلم قال فان اخبارها ان تشهد على كل عبدو امة بما عمل على ظهرها تقول عمل كذا وكذا فذاك اخبارها رواه احمد والترمذي وصححه والنسائي وابن حبان والبيهقي واخرج الطبراني عن ربيعة الحرثى ان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال تحفظوا من الأرض فانها امكم وانه ليس من أحد عمل عليها خيرا وشرا الا وهى مخبرة وكذا اخرج الطبراني عن مجاهد.
بِأَنَّ اى بسبب ان رَبَّكَ أَوْحى لَها ط اللام بمعنى الى يعنى اوحى ربك إليها ان تخبر او بمعناها(10/322)
يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ (6) فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7)
اذن لها فى ذلك تشقى فى العصاة وجاز ان يكون بان ربك بدلا من اخبارها يقول أخبرته كذا وأخبرته هكذا وحينئذ يكون جوابا لقول الإنسان مالها يعنى تقول اوحى ربك الى وحكم بالزلزلة وإخراج الأثقال.
يَوْمَئِذٍ ظرف لما بعده يَصْدُرُ اى يرجع النَّاسُ عن موقع الحساب بعد عرض أَشْتاتاً متفرقين فاخذ ذات اليمين الى الجنة وأخذ ذات الشمال الى النار قوله تعالى يومئذ يتفرقون لِيُرَوْا متعلق بيصدر اى لكن يروا أعمالهم قال ابن عباس اى ليروا جزاء أَعْمالَهُمْ ط يعنى يرجعون عن الموقف لينزلوا منازلهم من الجنة او النار وجملة يومئذ يصدر مستأنفة وقول.
فَمَنْ يَعْمَلْ الى اخر السورة تفصيل ليروا واخرج ابن ابى حاتم عن سعيد بن جبير انه لما نزلت ويطعمون الطعام على حبه كان المسلمون يرون انهم يوجرون على الشيء القليل إذا اعطوا وكان آخرون يرون انهم لا يلامون على الذنبا ليسير الكذبة والنظرة وأشباه ذلك وانما وعد الله على الكبائر فانزل الله تعالى فمن يعمل مِثْقالَ ذَرَّةٍ الاية اى وزن نملة صغيرة او أصغر من نملة خَيْراً تميز المثقال ذرة يَرَهُ ط قرأ هشام بإسكان الهاء فى الموضعين والباقون بالإشباع فيهما اى يرى جزاءه قال مقاتل يرغبهم فى القليل من الخير ان يعطوه فانه يوشك ان يكبر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب ولا يقبل الله الا الطيب فان الله يقبلها بيمينه ثم يربيها لصاحبه كما يربى أحدكم فلوة حتى تكون مثل الجبل متفق عليه وعن ابى ذر قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا تحقرن من المعروف شيئا ولو ان تلقى أخاك بوجه طليق رواه مسلم وهذا الاية حجة لاهل السنة على المعتزلة ان المؤمن وان كان مرتكبا للكبائر لا يخلد فى النار بل يصير عاقبته الى الجنة فان الله وعد بايفاء الجزاء على مثقال ذرة من الخير والخلف عن وعد الله محال والايمان نفسه راس الخيرات وأساس العبادات كلها فكيف يتلاشى بارتكاب المعاصي ومحل روية الجزاء انما هو الجنة فالمؤمن وان كان فاسقا ومات من غير توبة يصير لا محالة الى الجنة وعليه انعقد الإجماع وبه تواترت الروايات عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخرج من النار من قالها وفى قلبه وزن ذرة من خير ومن ايمان متفق عليه من حديث انس وعند مسلم عن عثمان بلفظ من مات وهو يعلم ان لا اله الا الله دخل الجنة وعنده عن جابر بلفظ من مات(10/323)
وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)
يشرك بالله دخل النار ومن مات لا يشرك بالله دخل الجنة وعنده عن عبادة بن الصامت بلفظ من شهد ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله حرم الله عليه النار وكذا عن انس وعن عتبان بن مالك فى الصحيحين وعن عمر عند الحاكم وعن معاذ عند مسلم وعنده عن ابن مسعود بلفظ لا يدخل النار أحد فى قلبه مثقال حبة من خردل من ايمان يعنى حرم الله عليه النار المؤبد ولا يدخل نارا مقدر الخلود فيه وعن ابى ذر قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ما من عبد قال لا اله الا الله ثم مات على ذلك دخل الجنة قلت وان زنى وان سرق قال وان زنى وان سرق قلت وان زنى وان سرق قال وان زنى وان سرق قلت وان زنى وان سرق قال وان زنى وان سرق على رغم انف ابى ذر متفق عليه وعند احمد والبزاز والطبراني مثله قال السيوطي الأحاديث فى ذلك كثيرة زائدة على التواتر فان قيل هذه الاية يشتمل من عمل صالحا كانفاق وصلة الرحم ونحو ذلك من الكفار مع دلالة النصوص والإجماع على خلودهم فى النار قلنا الاية لا يشملهم لان شرط إتيان الحسنات الايمان بالله واخلاص العمل له تعالى قال عليه الصلاة والسلام انما الأعمال بالنيات فاذا فات منهم شرط فات المشروط فمثل حسناتهم كمثل صلوة بلا وضوء فانها ليست بصلوة حقيقة بل يعد استهزاء ومعصية ومن ثم قال العلماء انه من نذر بالصلوة او بالصوم او بالاعتكاف فى حالة الكفر ثم اسلم لا يجب عليه الوفاء لان الصلاة والصوم والاعتكاف من الكافر ليس لله خالصا فهى كفر ومعصية ليس من الطاعة فى شىء ولا نذر بالمعصية وأَعْمالُهُمْ كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً حَتَّى إِذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسابِ.
وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ع اى يرى جزاءه ان لم يتداركه المغفرة والدليل على هذا التقييد الآيات والأحاديث الدالة على جواز مغفرة المعاصي من غير توبة قال الله تعالى ان الله لا يغفر ان يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء وقال الله تعالى يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء وقال من يقنط من رحمة ربه الا الضالون وقال لا تقنطوا من رحمة الله ونحو ذلك وعن حذيفة بن اليمان قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -(10/324)
والذي نفسى بيده ليغفر الله يوم القيامة مغفرة يتطاول لها إبليس وجاء ان يصيبه رواه البيهقي وفى الباب أحاديث كثيرة بالغة حد التواتر وهذه الاية حجة لاهل السنة على المرجئة فى قولهم ان الله لا يعذب المؤمن وان كان فاسقا وان المؤمن لا يضره سيئة كما ان الكافر لا ينفعه حسنة وقد ورد فى تعذيب المؤمنين على الصغائر والكبائر آيات وأحاديث كثيرة لا يحصى يطول الكلام بذكرها فثبت ان الحق ما قال اهل السنة ان الله سبحانه ان شاء يعذب على صغيرة عدلا وان شاء يغفر الكبائر فضلا قال مقاتل الإثم الصغير فى عين صاحبه أعظم من الجبال يوم القيامة عن سعيد بن حبان قال لما فرغ النبي صلى الله عليه واله وسلم من حنين نزلنا قفرا من الأرض ليس فيها شىء فقال النبي صلى الله عليه واله وسلم اجمعوا من وجد شيئا فليات به قال فما كان الا ساعة حتى اجمعوا ركابا فقال النبي صلى الله عليه واله وسلم أترون هذا فكذلك تجمع الذنوب على الرجل منكم كما جمعتم هذا فليتق الله عز وجل فلا يذنب صغيرة ولا كبيرة فانها محصاة عليه رواه الطبراني وعن عائشة ان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قال يا عائشة إياك ومحقرات الذنوب فان لها من الله طالبا رواه النسائي وابن ماجة وصححه ابن حبان وعن انس انكم لتعملون أعمالا هى أدق فى أعينكم من الشعر كنا نعدها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من الموبقات رواه البخاري ولاحمد مثله من حديث ابى سعيد بسند صحيح قال ابن مسعود احكم اية فى كتاب الله فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ وورد فى الحديث الطويل عن انس عند مسلم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم سمى هذه الاية الفاذة الجامعة فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره وقال الربيع بن حيثم مر رجل بالحسن وهو يقرأ هذه السورة فلما بلغ آخرها قال حسبى قد انتهيت الموعظة عن عبد الله بن عمرو قال اتى رجل النبي صلى الله عليه وسلم فقال أقرأني يا رسول الله قال اقرأ ثلثا من ذوات الرا قال كبر سنى واشتد قلبى وغلظ لسانى قال فاقرأ ثلثا من ذوات حم فقال مثل مقاله فقال الرجل يا رسول الله أقرأني(10/325)
وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا (1)
سورة الجامعة فاقرأ رسول الله صلى الله عليه واله وسلم إذا زلزلت الأرض حتى فرغ منها فقال الرجل والذي بعثك بالحق لا أزيد عليه ابدا ثم أدبر الرجل فقال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم أفلح الرويجل مرتين رواه احمد وابو داود وعن انس وابن عباس قالا قال رسول الله صلى الله تعالى عليه واله وسلم إذا زلزلت تعدل نصف القران وقل هو الله أحد يعدل ثلث القران وقل يايها الكافرون ربع القران رواه الترمذي والبغوي وفى رواية عند الترمذي وابن ابى شيبة عن انس إذا زلزلت الأرض ربع القران قال الجزري كونها ربع القران لانها مشتملة على الحسنات وهو بالنسبة الى الحيوة والموت والبعث والحساب ربع وكونها نصف القران لانها مشتملة على احوال الاخرة واحوال الاخرة بالنسبة الى احوال الدنيا والاخرة نصف فهى ربع من وجه ونصف من وجه وروى من حديث على بسند ضعيف جدا قوله صلى الله عليه واله وسلم من قرأ إذا زلزلت اربع مرات كان كمن قرأ القران كله- والله تعالى اعلم.
سورة العاديات
مكيّة وهى احدى عشرة اية بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ اخرج البزاز والدار قطنى والحاكم وابن ابى حاتم عن ابن عباس قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خيلا فلبث شهرا الا يأتيه فيها خيرا فنزلت
وَالْعادِياتِ قرأ ابو عمرو بالإدغام الكبير بين التاء والضاد اقسم بخيل الغزاة التي تعدو فى سبيل الله كذا قال ابن عباس ومجاهد وعكرمة والحسن والكلبي وقتادة ومقاتل وابو العالية وغيره ولهذا التأويل وبما ذكرنا من سبب النزول يظهر ان السورة مدنية لانه لم يكن قبل الهجرة جهاد وجاز ان يكون القسم بها(10/326)
فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا (2) فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا (3) فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا (4) فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا (5) إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ (6) وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ (7)
بمنزلة الاخبار لوجودها فى الاستقبال على تقدير كونها مكية ضَبْحاً اى تضبح ضبحا مصدر موقع الجملة التي وقعت حالا من فاعل العاديات وهى صوت أنفاس الخيل إذا عدون قال ابن عباس لا يضبح من الحيوانات غير الفرس والكلب والثعلب وما يضبحن الا إذا تغير حالهن من التعب وقال على العاديات هى الإبل فى الحج تعدو من عرفة الى مزدلفة ومن مزدلفة الى منى وقال كانت أول غزوة فى الإسلام بدرا وما كان معنا الا فرسان فرس الزبير وفرس المقداد بن الأسود فكيف تكون العاديات واليه ذهب ابن مسعود ومحمد بن كعب والسدى وعلى هذا معنى قوله ضبحا يعنى تمد أعناقها فى السير مدا.
فَالْمُورِياتِ الخيل التي نورى النار إذا سارت ليلا فى ارض ذات حجارة قَدْحاً يعنى تقدح اى تفك الحجارة بحوافرها قدحا.
فَالْمُغِيراتِ قرأ ابو عمرو وخلاد بالإدغام بين التاء والصاد اى الخيل التي تغير بفرسانها على عدو والاغارة سرعة سير صُبْحاً ظرف للمغيرات اى التي تغير فى وقت الصبح هذا قول اكثر المفسرين وقال القرظي هى الإبل تدفع بركبانها يوم النحر من جمع بمنى وقت الصبح وهو السنة بل الواجب ان لا يدفع حتى يصبح وقد رخص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للنساء والضعفاء بالدفع بعد طلوع الفجر من ليلة النحر.
فَأَثَرْنَ عطف على مضمون صلة اللام الموصول يعنى اللاتي عدون قادرين فاغرن فاثرن اى هيجن بِهِ الباء بمعنى فى والضمير عائد الى الزمان المفهوم تضمنا من مضمون الصلة اى اثرن فى ذلك الوقت اى وقت الاغارة على العدو او الى المكان المفهوم منه اقتضاء اى اثرن فى مكان العدو نَقْعاً غبارا مفعول لاثرن.
فَوَسَطْنَ اى فوسطن تلك الخيل بِهِ الضمير عائد الى النقع اى متلبسا بالنقع او الى الوقت او المكان كما مر فى ذلك الوقت او المكان جَمْعاً من جموع الأعداء وجواب القسم.
إِنَّ الْإِنْسانَ أريد به الجنس نظرا الى اكثر افراده حيث قال الله تعالى وقليل من عبادى الشكور لِرَبِّهِ متعلق بما بعده قدم لرعاية الفواصل لَكَنُودٌ ج اى لكنود لنعمة ربه بلسان مضر كذا قال ابن عباس ومجاهد وقتادة او العاصي بلغة كنده او البخيل بلغة بنى مالك قال ابو عبيدة هو قليل الخير والأرض الكنود مالا ينبت شيئا.
وَإِنَّهُ قال ابن كيسان الضمير للانسان اى وان الإنسان عَلى ذلِكَ اى على كونه كفورا عاصيا بخيلا لَشَهِيدٌ ج يشهد به(10/327)
وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ (8) أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ (9) وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ (10) إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ (11)
على نفسه عند ادنى تأمل بظهور اثره او يشهد على نفسه ويعترف بذنبه فى الاخرة يقول لم نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين وقال اكثر المفسرين ضمير انه راجع الى ربه يعنى وان ربه على كونه كنود الشهيد لا يعزب عنه شىء فيواخذ به فهو وعيد.
وَإِنَّهُ اى الإنسان لِحُبِّ الْخَيْرِ اى المال كما فى قوله تعالى ان ترك خيرا لَشَدِيدٌ ط لقوى مبالغ فيه فلا ينفقه فى سبيل المنعم شكرا للنعمة او المعنى البخيل شديد وعلى هذا فاللام فى لحب الخير للتعليل اى لاجل حب المال لبخيل وعلى الاول لام الصلة.
أَفَلا يَعْلَمُ همزة الاستفهام للتعجب والفاء للعطف على محذوف تقديره الا ينظر الإنسان فلا يعلم ومعناه لينظر وليعلم الان ما سيعلم غدا ان ربهم خبير لهم يجازيهم على ما يفعلون يوم نبعث من فى القبور ويبرز ما فى الصدور إِذا بُعْثِرَ اى بعث واثير ما فِي الْقُبُورِ من الموتى أورد لفظ ما بمعنى من لمشاكلة ما فى الصدور او لانه فى هذه الحالة مما لا يعقل لكونه موتى ملحقا بالجمادات.
وَحُصِّلَ اى جمع محصلا فى الصحف او ميز وابرز ما فِي الصُّدُورِ اى ما فى صدورهم يعنى صدور جنس الإنسان من الخير والشر وتخصيص ما فى الصدور بالذكر دون اعمال الجوارح لانه الأصل إذا بعثر شرط حذف جزاءه لتوسط فى جملة تدل على جزائه تقديره إذا بعثر ما فى القبور يعلم والجملة الشرطية معترضة للتهديد والفظاعة.
إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ ع هذه الجملة قائم مقام المفعولين ليعلم لدخول اللام على الخبر او يقال مفعولاه محذوفان يدل عليهما هذه الجملة يعنى انا نجازيه وقت ما ذكروا بهم ويومئذ متعلق بمضمون خبير خص ذلك اليوم بالذكر وهو عالم بهم فى جميع الا زمان لان الجزاء يقع يومئذ فيظهر كونه خبيرا يومئذ او يقال الخبير مجاز عن المجازى والمعنى ان ربهم يجازى بهم يومئذ كذا قال الزجاج والله تعالى اعلم.(10/328)
الْقَارِعَةُ (1) مَا الْقَارِعَةُ (2) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ (3) يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ (4) وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ (5) فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ (6) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (7) وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ (8)
سورة القارعة
مكّيّة وهى احدى عشرة اية بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الْقارِعَةُ سبق بيانه فى الحاقة والتاء اما لتانيث الساعة او للمبالغة فى القرع.
مَا الْقارِعَةُ وَما أَدْراكَ مَا الْقارِعَةُ يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ الظرف اما متصف بفعل مضمر دلت عليه القارعة اى تقرع الناس يوم يكون الناس او مبنى على الفتح لاضافته الى الجملة فى محل الرفع على انه خبر مبتداء محذوف اى هى يوم يكون بيان للقارعة كَالْفَراشِ الطير التي يتهافت فى النار الْمَبْثُوثِ المفرق وجه الشبه كثرتهم وهو انهم وتموج بعضهم فى بعض وركوب بعضهم على بعض بشدة الهول.
وَتَكُونُ الْجِبالُ عطف على يكون كَالْعِهْنِ الصوف ذى الألوان لاجل اختلاف ألوان الجبال الْمَنْفُوشِ ط المندوف لتفرق اجزائها وتطائرها فى الجو.
فَأَمَّا تفصيل لما أجمل حاله من الناس عطف على يكون ذكر الناس فريقين مَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ جمع موزون يعنى اعماله التي توازن معه والمراد بها الأعمال الصالحة فانها المقص بوجودها او هو جمع ميزان وعلى هذا ايضا المراد به كفة الحسنات من ميزانه وقد صح ان الميزان له لسان وكفتان أخرجه ابن المبارك فى الزهد والآجري وابو الشيخ فى تفسير عن ابن عباس واخرج ابن مردوية عن عائشة قالت سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول خلق الله عز وجل كفتى الميزان مثل السماء والأرض وأورد الموازين بلفظ الجمع لان من ثقلت جمع معنى وافراد الضمير الراجع اليه نظرا الى افراد لفظه فمقابلة الجمع بالجمع تقتضى انقسام الآحاد على الآحاد لكن على هذا التأويل تدل الاية على كون الميزان كل رجل على حدة وجاز ان يعتبر تعدد الموازين من حيث تعدد من يوزن أعمالهم.
فَهُوَ هذا ايضا باعتبار لفظة من فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ ط أسند الرضى الى العيشة مجازا وهى صفة لصاحبها كما فى ناصية كاذبة وقيل الفاعل هاهنا بمعنى المفعول اى عيشة مرضية كعكسه فى وعدا ماتيا او بمعنى ذات رضى.
وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ اى اعماله الحسنة او كفة حسناته وهذا يعم الكافر الذي لا حسنة له لفقد الايمان الذي(10/329)
فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ (9)
هو شرط إتيان الحسنات والمؤمن الفاسق الذي ترجحت سيئاته على حسناته بخلاف الاول يعنى من ثقلت موازينه فانه لا يكون الا مؤمنا معصوما او مغفورا او ترجحت حسناته على سياته قال القرطبي قال علماؤنا الناس فى الاخرة على ثلث طبقات فرقة متقون لا كبائر لهم توضع حسناته فى اكفة النيرة فلا ترتفع وترتفع المظلمة ارتفاع الفارغ الخالي وفرقة كفار توضع كفرهم وأوزارهم فى الكفة المظلمة وان كان له عمل برّ كصلة الرحم ونحوها وضعت فى الكفة الاخرى فلا يقاومها ويرتفع كفة الحسنات ارتفاع الفارغ الخالي قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - انه لياتى الرجل العظيم السمين يوم القيامة لا تزن عند الله جناح بعوضة ثم قرأ لا يقيم لهم يوم القيامة وزنا متفق عليه من حديث ابى هريرة وفرقة فساق المؤمنين يوضع حسناتهم فى كفة النيرة وسيئاتهم فى كفة المظلمة ان كانت كفة الحسنات أثقل دخل الجنة او السيئات أثقل ففى مشية الله يعنى ان شاء ادخل النار وان شاء غفروا دخل الجنة وان كان مساويا كان من اصحاب الأعراف هذا إذا كانت الكبائر بينه وبين الله وان كان عليه تيعات اختص من ثواب حسناته بقدرها فان لم يوف زيد عليه من أوزار من ظلمة ثم يعذب على الجميع قال احمد بن حرث يبعث الناس يوم القيامة ثلث فرق فرقة اغنياء بالأعمال الصالحة وفرقة الفقراء وفرقة اغنياء ثم يصيرون فقراء مفاليس بالتبعات وقال سفيان الثوري انك ان تلقى الله تبارك وتعالى بسبعين ذنبا فيما بينك وبينه أهون عليك من ان تلقاه بذنب واحد فيما بينك وبين العباد واخرج ابن ابى حاتم عن ابن عباس قال تحاسب الناس يوم القيامة فمن كانت حسناته اكثر من سياته بواحدة دخل الجنة ومن كانت سياته اكثر من حسناته دخل النار قال وان الميزان يخف بمثقال حبة ويرجح ومن استوت حسناته وسياته كان من اصحاب الأعراف فوقفوا على الصراط يعنى حتى يوفوا جزاء بعض سياته ويرجح حسناته فيدخل الجنة قال السيوطي وانما يوزن اعمال المتقى من لا سيئة عليه اظهار الفضلة واعمال الكافر اظهار الذلة قلت والمذكور فى القران غالبا جزاء الكفار فى مقابله جزاء الصلحاء المؤمنين واما حال الذين خلطوا صالحا واخر سيئا من المؤمنين فمسكوت عنه غالبا فى القران فالظاهر ان المراد هاهنا بمن خفت موازينه هم الكفار فهم المحكوم عليهم بقوله تعالى.
فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ ط يعنى مسكنه النار(10/330)
يسمى المسكن اما لان الأصل سكون الأولاد الى الأمهات والهاوية اسم من اسماء جهنم وهو المهواة لا يدرك قعرها الا الله وقال قتادة كلمة عربية كان الرجل إذا وقع فى امر شديد يقال هوت امه وقيل أراد راسه يعنى انهم يهوون فى النار على رؤسهم قال البغوي والى هذا التأويل ذهب قتادة وابو صالح قلت وكذا الكفار هم المرادون فى مقابلة المتقين فى حديث انس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال يوفى ابن آدم فيوقف بين كفتى الميزان به ملك فان ثقلت موازينه نادى الملك بصوت يسمع الخلائق سعد فلان سعادة لا يشقى بعده ابدا وان خفت ميزانه نادى الملك بصوت يسمع الخلائق شقى فلان شقاوة لا يسعد بعده ابدا وحال المخلط مسكوت فى الحديث والظاهر ان الملك لا ينادى عليه شىء من الصوتين ولذلك لم يذكر- (فائدة) قال القرطبي الميزان لا يكون فى حق كل أحد وان الذين يدخلون الجنة بغير حساب لا ينصب لهم ميزان وكذلك من يعجل به الى النار بغير حساب وهم المذكورون فى قوله تعالى يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي والاقدام وقال السيوطي يحتمل تخصيص الكفار الذين يوزن أعمالهم ولا يجدون ثقلا بالمنافقين فانهم يبقون فى المسلمين بعد لحوق كل مسلم امة بما يعيدوهم يصلون ويصومون مع المؤمنين فى الدنيا رياء وسمعة فيميز الله الخبيث من الطّيّب بالميزان وقال الغزالي السبعون الف الذين يدخلون الجنة بغير حساب لا يوضع لهم ميزان ولا يأخذون صحفا انما هى براة مكتوبة هذه براة فلان بن فلان اخرج الاصبهانى عن انس قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تنصب الموازين ويوتون باهل الصلاة فيوفون أجورهم بالموازين ويوتون بأهل الحج فيوفور أجورهم بالموازين ويوتون باهل البلاء فلا ينصب لهم ميزان ولا ينشر لهم ديوان ويصب لهم أجرا صبا بغير حساب حتى يتمنى اهل العافية انهم كانوا فى الدنيا تقرض أجسادهم بالمقاريض مما يذهب به اهل البلاء من الفضل وذلك انما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب واخرج الطبراني وابو يعلى بسند لا بأس به عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوتى بالشهيد يوم القيامة فينصب للحساب ثم يوفى بالمتصدق فينصب للحساب ثم يوتى باهل البلاء فلا ينصب لهم الميزان ولا ينشر لهم ديوان فيصب عليهم الاجر صبا حتى ان اهل العافية ليتمنون بالموقف ان أجسادهم قرضت بالمقاريض من حيث(10/331)
وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ (10) نَارٌ حَامِيَةٌ (11)
ثواب الله لهم وقد ذكر فيما سبق ان الذين يدخلون الجنة بغير حساب هم الصوفية العلية لعل المراد بأهل البلاء هاهنا ايضا بلاء العشاق المحبين لله لرضائهم بالبلاء كرضائهم بالعطاء وكذا المراد بالبكاء فى قوله صلى الله عليه وسلم ما من شىء الا وله مقدار وميزان الا الدمعة فانها يطفى بها بحار من نار رواه البيهقي من حديث معقل بن يسار بكاء اهل العشق والا فقد صح فى الأحاديث وزن اعمال اهل البلاء كما فى قوله صلى الله عليه وسلم بخ بخ بخمس ما أثقلهن فى الميزان لا اله الا الله وسبحان الله والحمد لله والله اكبر والولد الصالح يتوفى للمرء المسلم فتحبسه رواه النسائي وابن حبان والحاكم والبزار واحمد والطبراني من حديث ثوبان وابو سلمى ولا شك ان وفات الولد من البلاء والشهادة التي ذكرت فى حديث ابن عباس ايضا من البلاء والله تعالى اعلم فان قيل روى احمد بسند صحيح عن ابن عمر قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوضع الموازين يوم القيامة فيوتى بالرجل فيوضع فى كفة ويوضع ما احصى عليه فتمايل به الميزان فيبعث به الى النار فاذا أدبر إذ صايح يصيح من عند الرحمن لا تعجلوا فانه قد بقي له فيوتى ببطاقة فيها لا اله الا الله فيوضع مع الرجل حتى يميل به الميزان وروى الحاكم وصححه وابن حبان والترمذي عنه نحوه وعن ابى سعيد وابن عباس وغيرهما ما يؤيده فى عمره فكيف يخف ميزان المؤمن فانه لا يخلو مؤمن من قول لا اله الا الله ولو مرة واحدة فى عمره قلنا احكام الاخرة كلها يعنى أكثرها من القضايا المهملة فى قوة الجزئية فلما تكون منها كلية والأمر منوط بفضل الله ومدار الأعمال على الإخلاص ومقداره والله اعلم.
وَما أَدْراكَ ما هِيَهْ ط قرأ حمزة ما هى بغير الهاء وصلا فقط والباقون بالهاء للسكت فى الحالين والضمير راجع الى الهاوية والاستفهام للتهويل وجملة ما أدريك معترضة لاستعظام أمرها وقوله تعالى نار بدل من هاوبة او بيان لها او خبر مبتداء المحذوف اى هى.
نارٌ حامِيَةٌ ع ذات حمى بلغت النهاية فى الحرارة.(10/332)
أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (1) حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ (2)
سورة التكاثر
مكّيّة وهى ثمان آيات بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
أَلْهاكُمُ اى إلهكم فى اللهو وهو الباطل من الأمر وما لا يعيد فائدة معتبرة وشغلكم عن طاعة الله وما ينجيكم من سخطه التَّكاثُرُ التباهي والتفاخر بكثرة المال والجاه والعدد.
حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ ط يعنى حتى متم ودفنتم بالمقابر اخرج ابن ابى حاتم عن زيد بن اسلم قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ألهيكم التكاثر عن الطاعة حتى زرتم المقابر حتى يأتيكم الموت قال قتادة كانت اليهود يتفاخرون بكثرتهم ويقولون نحن اكثر من بنى فلان شغلهم ذلك حتى ماتوا فنزلت هذه الاية فيهم فعلى هذا حتى للغاية واخرج ابن ابى حاتم عن ابن بريدة قال نزلت الاية فى قبيلتين من قبائل الأنصار بنى حارثة وبنى الحارث تفاخروا وتكاثروا فقالت إحداهما فيكم مثل فلان وفلان وقال آخرون مثل ذلك تفاخروا بالاحباء ثم قال انطلقوا بنا الى القبور فجعلت احدى الطائفتين يقول فيكم مثل فلان ومثل فلان ويشيرون الى القبور وقال الكلبي نزلت فى حيين من قريش بنى عبد مناف وبنى قصى وبنى سهم قالت كل واحد نحن اكثر سيدا وأعز عزيزا واكثر عددا فكثرهم بنو عبد مناف ثم قالوا نعد موتانا حتى زارو القبور فعدوهم فقالوا هذا القبر فلان وهذا قبر فلان فكثرهم بنو سهم بثلاثة أبيات لانهم كانوا فى الجاهلية اكثر عددا فانزل الله تعالى هذه الاية وعلى هذين الروايتين معنى قوله حتى زرتم المقابر حتى عددتم الأموات لاجل التكاثر بالأموات بعد ما استوعبتم عدد الاحياء فعبر عن انتقالهم الى ذكر الأموات بزيارة القبور مجازا او يحمل على زيارة القبور حقيقة حيث انطلقوا الى المقابر بعد القبور حتى هذا للسببية عن عبد الله ابن السخير قال انتهيت الى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو يقرأ هذه الاية ألهيكم التكاثر قال ابن آدم مالى مالى وهل لك من مالك الا ما أكلت فافنيت او لبست فابليت او تصدقت فامضيت رواه البغوي وعن انس بن مالك قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتبع الميت ثلثة فيرجع اثنان ويبقى معه واحد يتبعه اهله وماله وعمله فيرجع اهله وماله ويبقى عمله رواه البخاري وعن عياض بن حمار المجاشعي ان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال ان الله اوحى الى ان تواضعوا حتى لا يفتخر أحد على أحد ولا يبغى أحد على أحد رواه مسلم وعن ابى هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لينتهين أقوام يفخرون بآبائهم الذين ماثوا انما هم محم من جهنم او ليكونن أهون(10/333)
كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (3) ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (4) كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ (5) لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ (6) ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ (7)
على الله من الجعل الذي يد هده الخراء بانفه ان الله قد اذهب عنكم عبية الجاهلية وفخرها بالآباء انما هو مؤمن تقى او فاجر شقى الناس كلهم بنو آدم وآدم من تراب رواه الترمذي وابو داود عن عقبة بن عامر قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - انسابكم هذه ليست بمسبة على أحد كلكم بنو آدم طف الصاع بالصاع لم تملوه ليس لاحد على أحد فضل الآبدين وتقوى كفى بالرجل ان يكون بذيا فاحشا بخيلا رواه احمد والبيهقي وعن ابى هريرة قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا كان يوم القيامة امر الله مناديا ينادى الا انى جعلت نسبا وجعلتم نسبا فجعلت أكرمكم أتقاكم فابيتم الا ان تقولوا فلان ابن فلان خير من فلان بن فلان فاليوم ارفع نسبى واضع نسبكم اين المتقون رواه الطبراني فى الأوسط.
كَلَّا ردع عن التكاثر سَوْفَ تَعْلَمُونَ حذف مفعوله لدلالة السياق اى سوف تعلمون سوأ عاقبة تفاخركم وتكاثركم حين تعذبون عليه.
ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ ط تكرير لتأكيد الوعيد او تنصيص بوعيد اخر وفى ثم دلالة على ان الثاني ابلغ من الاول قيل الاول عند الموت او فى القبر والثاني بعد البعث اخرج ابن جرير عن على قال كنا نشك فى عذاب القبر حتى نزلت إلهكم التكاثر الى كلا سوف تعلمون فى عذاب القبر.
كَلَّا تأكيد للردع بعد تأكيد لَوْ تَعْلَمُونَ ما بين ايديكم عِلْمَ الْيَقِينِ ط اى علما كعلم الأمر المتيقن الموجود عندكم وجواب لو محذوف لتفخيمه يعنى لشغلكم ذلك عن غيره او لما تكاثرتم قال قتادة كنا نحدث ان علم اليقين ان يعلم ان الله باعث بعد الموت قلت يعنى علما بالغيب حاصلا بالاستدلال ولا يجوز ان يكون.
لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ جوابا للشرط لانه محقق الوقوع بل هو جواب قسم محذوف أكد به الوعيد وأوعد ما انذرهم به بعد إبهامه تفخيما لشانه قلت وجاز ان يكون لو مجازا عن إذا تعلمون علم اليقين وذلك عند الموت لترون الجحيم ولا ينفعكم علمكم حينئذ لفوات وقت التدارك قرأ ابن عامر والكسائي لترون بضم التاء على البناء للمجهول من اريت الشيء والباقون بفتح التاء والمراد بالروية هاهنا المعرفة والعلم وجاز ان يكون الروية بالأبصار فى القبور فان الكافرين يعرضون على النار فى القبور غدوا وعشيا كما ذكرنا فى تفسير قوله تعالى وما هم عنها بغائبين.
ثُمَّ لَتَرَوُنَّها بفتح التاء بلا خلاف يعنى ثم لترون الجحيم بعد النشور عَيْنَ الْيَقِينِ(10/334)
ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ (8)
منصوب على المصدرية عن غير لفظ الفعل فان راى وعاين بمعنى واحد وبه اندفع احتمال ان يكون الروية هاهنا بمعنى العلم والمعنى لترون رويته موجبة لليقين ومن هاهنا سمى عين اليقين علما حاصلا بالروية والمشاهدة ولا شك ان الروية أقوى من اسباب العلم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليس الخبر كالمعائنة أخرجه الخطيب عن ابى هريرة والطبراني عن انس بسند حسن وروى احمد والطبراني بسند صحيح والحاكم عن ابن عباس هذا ومع زيادة ان الله تعالى اخبر موسى بما صنع قومه فى العجل فلم يلق الألواح فلما عاين ما صنعوا القى الألواح فانكسرت وقيل عين اليقين صفة لمصدر محذوف اى روية هى نفس اليقين مبالغة.
ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ يعنى لم تركتم شكر النعم وكفرتم بها قال البغوي فيسألون يوم القيمة عن شكر ما كانوا فيه قال مقاتل كان كفار مكة فى الدنيا فى الخير والنعمة ولم يشكروا رب النعم حيث عبدوا غيره ثم يعذبون على ترك الشكر هذا قول الحسن وعن ابن مسعود رفعه انتهى والخطاب فى الاية مخصوص بالكفار الذين ألهاكم التكاثر وجاز ان يكون قوله تعالى لترون الجحيم الى اخر السورة خطابا عاما للناس أجمعين كقوله تعالى ان منكم الا واردها الاية وقد مر فى الحديث ان المؤمن يرى فى القبر اولا مقعدا من النار الذي أبدل منها مقعدا فى الجنة ليزداد شكرا (فائده) السؤال عن النعيم وان كان بدلالة سياق الاية واحد تأويلها مختصا باهل التكاثر لكن ثبت بما تواتر من الأحاديث ان السؤال عام يسأل الكفار والمؤمنون اخرج ابن ابى حاتم عن ابن مسعود عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فى هذه الاية قال الا من والصحة وكذا عن ابن عباس فى الاية قال صحة الأبدان والاسماع والابصار يسال الله العباد فيما استعملوها واخرج الفريابي وابو نعيم عن مجاهد فى هذه الاية قال كل شىء من لذة الدنيا وعبد الرزاق عن قتادة فى هذه الاية انه قال ان الله سائل كل نعمة فيما أنعم عليه واخرج احمد فى الزهد عن ابى قلابة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فى هذه الاية قال ناس من أمتي يعقدون الثمن والعسل بالنفي فياكلونه واخرج الترمذي عن ابى هريرة قال لما نزلت هذه الاية قال الناس يا رسول الله عن اى النعيم نسال وانما هى الأسود ان والعدو حاضر وسيوفنا على عواتقنا قال اما ان ذلك سيكون واخرج ابن ابى حاتم عن عكرمة قال لما نزلت هذه الاية قالوا يا رسول الله واى نعيم نحن فيه وانما نأكل فى انصاف بطوننا خيز الشعير فاوحى إليهم أليس تتخذون النعال(10/335)
وتشربون الماء البارد فهذا من النعيم وعن على رضى الله عنه قال من أكل خبز البرّ وكان له ظل وشرب الماء الفرات فذلك من النعيم الذي يسئل عنه وروى الحاكم فى المستدرك عن ابى هريرة فى حديث مسيره صلى الله عليه وسلم وابى بكر وعمر الى بيت ابى الهيثم وأكلهم الرطب واللحم وشربهم الماء قوله - صلى الله عليه وسلم - ان هذا هو النعيم الذي تسألون عنه يوم القيامة فلما كبر أصحابه قال إذا أصبتم مثل هذا وخبزتم بايديكم فقولوا بسم الله وعلى بركة الله وإذا أشبعتم فقولوا الحمد لله الذي هو أشبعنا وأروانا وأنعم علينا وأفضل فان هذا وعن ابن عباس هذه القصة نحوه وعن ابن عباس قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تناصحوا فى العلم ولا يكتم بعضكم بعضا فانه خيانة الرجل فى علمه أشد من خيانة فى ماله وان الله يسألكم عنه رواه الطبراني والاصبهانى وعن ابى الدرداء أول ما يسئل عنه العبد ما عملت فيما علمت رواه احمد وابن المبارك وعن ابن عمر مرفوعا يسئل العبد عن جاهه كما يسئل عن ماله رواه الطبراني وعن ابن عباس ما من عبد يخطو خطوة الا يسئل الله عنها ما أراد بها رواه ابو نعيم وعن معاذ مرفوعا ان المؤمن يسئل يوم القيامة عن جميع سعيه حتى كحل عينيه رواه ابو نعيم وابن ابى حاتم عن الحسن مرفوعا ما من عبد يخطب الا الله سائله منها ماذا أراد بها مرسل جيد الاسناد رواه البيهقي وكلمة ثم فى الاية تدل على ان السؤال بعد روية الجحيم قلت وذلك لاجل ان السؤال يكون على الصراط قال الله تعالى وقفوهم انهم مسئولون وعن ابى هريرة الأسلمي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يزال قد ما عبد عن الصراط حتى يسئل عن اربع عن عمره فيما أفناه وعن جسده فيما أبلاه وعن علمه فيما عمل فيه وعن ماله من اين اكتسبه وفيما أنفقه رواه مسلم وروى الترمذي وابن مردويه عن ابن مسعود مثله قال القرطبي هذه العمومات مخصوصة بأحاديث من يدخل الجنة بغير حساب عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم لا يستطيع أحدكم ان يقرأ الف اية فى كل يوم قالوا ومن يستطيع ان يقرأ الف اية فى يوم قال اما يستطيع أحدكم ألهيكم التكاثر رواه الحاكم والبيهقي والله تعالى اعلم
.(10/336)
وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)
سورة العصر
مكيّة وهى ثلث آيات بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
وَالْعَصْرِ قال ابن عباس والدهر قيل اقسم به لان فيه عبرة للناظرين وقال ابن كيسان أراد بالعصر الليل والنهار وقال الحسن بعد زوال الشمس الى غروبها وقال قتادة اخر ساعة من نهار وقال مقاتل صلوة العصر وهى الصلاة الوسطى كما ذكرنا فى سورة البقر.
إِنَّ الْإِنْسانَ اى جنسه لَفِي خُسْرٍ التنكير للتعظيم اى فى خسر عظيم فان الخسر ذهاب راس المال والإنسان فى هلاك نفسه وعمره وماله فيما لا يفيد له فى حيوة الابدية شعر ومن يبع أجلا منه بعاجله بين له الغبن فى بيع وفى سلم.
إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فانهم اشتروا الاخرة القوية الباقية بالدنيا الفانية فربحت تجارتهم وَتَواصَوْا بينهم بِالْحَقِّ بالمعروف قال الحسن وقتادة بالقران وقال مقاتل بالايمان والتوحيد وَتَواصَوْا بينهم بِالصَّبْرِ ع وكف النفس عن المنكرات فالشهوات الغير المرضية لله تعالى او بالصبر مطلقا على الطاعات والمصائب وترك المنكرات فالمراد بالأعمال الصالحة اما مطلقا فهو عطف الخاص على العام للمبالغة واما مقصورا على موجبات الكمال فالمراد بالمواصات موجبات التكميل وما عدا ذلك موجبات خسر وروى عن ابراهيم ان الإنسان إذا عمر فى الدنيا وهرم فهو لفى نقص وتراجع الا المؤمنين فانهم يكتب لهم أجورهم ومحاسن أعمالهم التي كانوا يعملونها فى شبابهم وصحتهم فهو نظير قوله تعالى. لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ (مسئلة:) الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر واجب من ترك كان من الخاسرين عن ابى سعيد الخدري عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من راى منكم منكرا فليغيره بيده فان لم يستطع فبلسانه فان لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الايمان رواه مسلم وروى البغوي فى شرح السنة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لا يعذب الله العامة بعمل الخاصة حتى يروا المنكرين ظهرانيهم وهم قادرون على ان ينكروه فلم ينكروه فاذا فعلوا ذلك عذب الله العامة والخاصة وروى ابو داود وابن ماجة عن جرير بن عبد الله مرفوعا نحوه وابو داود عن ابى بكر الصديق ما من قوم يعمل فيهم المعاصي ثم يقدرون على ان يغيروا ثم لا يغيرون الا يوشك ان يعمهم العقاب وفى الباب أحاديث كثيرة- والله تعالى اعلم.(10/337)
وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ (1) الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ (2) يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ (3)
سورة الهمزة
مكيّة وهى تسع آيات بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ قال ابن عباس هم المشاءون بالنميمة المفرقون بين الاحبة الباغون للبراء العيب ومعناهما واحد وهو عياب وقال مقاتل الهمزة الذي يعيبك فى الوجه واللمزة الذي يعيبك فى الغيبة وقال ابو العالية والحسن على ضده وقال سعيد بن جبير وقتادة الهمزة الذي يأكل لحوم الناس ويغتابهم واللمزة الطعان فيهم وقال ابن زيد الهمزة من يهمز الناس بيده ويضرهم واللمزة الذي يلمزهم بلسانه ويعيبهم وقال سفيان الثوري يهمزه بلسانه ويلمز بعينه ومثله وقال ابن كيسان الهمزة الذي يوذى جليسه باللفظ واللمزة الذي يومض بعينه ويشير برأسه ويرمز بحاجبه قلت الهمزة فى الأصل الكسر والنخس فى الحديث اللهم انى أعوذ بك من همزات الشياطين واللمز الطعن ثم شاعا فيما ذكره هو الكسر فى اعراض الناس والطعن فيهم وبناء فعله للاعتياد فلا يق ضحكة وشجرة ولعهة وهمزة ولمزة الا للمكثر المتعود واخرج ابن ابى حاتم عن عثمن بن عمر قال مازلنا نسمع ان ويل لكل همزة نزلت فى ابى بن خلف واخرج عن السدى قال نزلت فى اخنس بن شريق بن وهب الثقفي واخرج ابن جرير عن رجل من اهل الرقة قال نزلت فى جميل بن عامر واخرج ابن المنذر عن ابن اسحق كان امية بن خلف الجمحي إذا راى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - همزة ولمزة فانزل الله تعالى ويل لكل همزة السورة كلها وقال مقاتل نزلت فى الوليد بن المغيرة كان يغتاب النبي - صلى الله عليه وسلم - من ورائه ويطعن عليه فى وجهه والاية عامة بصيغتها لكل من هذه صفة وان كانت نازلة فى واحد منهم.
الَّذِي جَمَعَ قرأ جعفر وابن عامر وحمزة والكسائي بتشديد الميم على التكثير والباقون بالتخفيف والموصول اما مجرور بدل من كل او منصوب على الذم او مرفوع خبر مبتداء محذوف اى هو الذي جمع مالًا وَعَدَّدَهُ اى أحصاه وجعله عدة للنوازل وعده مرة بعد اخرى.
يَحْسَبُ أَنَّ مالَهُ أَخْلَدَهُ ان مع الجملة قائم مقام المفعولين ليحسب اى يجعله خالدا فى الدنيا لا يموت مع يساره كانه يزعم ان من لا مال له يموت بالجوع ومن كان(10/338)
كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ (4) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ (5) نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ (6) الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ (7)
له مال لا يموت ابدا وهذا كناية عن طول أمله وغفلته عن الموت وحبه للمال وليس على الحقيقة فان أحدا لا يزعم انه لا يموت ابدا او فيه تعريض بان المخلد هو الايمان والأعمال الصالحة دون المال عن عبد الله بن مسعود قال خط النبي - صلى الله عليه وسلم - خطا مربعا وخط خطا فى الوسط خارجا منه وخط خطوطا صغارا الى هذا الذي فى الوسط من جانب الذي فى الوسط فقال هذا انسان وهذا اجله محيط به وهذا الذي هو خارج أمله وهذه الخطط الصغار الاعراض فان أخطأه هذا نهشه هذا وان أخطأه نهشه هذا وعن انس قال خط النبي صلى الله عليه وسلم خطوطا فقال هذا الأمل وهذا اجله فبينما هو كذلك إذ جاءه الخطا الأقرب روى من المحدثين البخاري.
كَلَّا ردع عن الخصال المذكورة من الهمزة واللمزة وحب المال وطول الأمل لَيُنْبَذَنَّ جواب قسم محذوف وجاز ان يكون كلا بمعنى حقا مفيد المعنى القسم فعلى هذا قوله لينبذن جواب قسم مذكور فِي الْحُطَمَةِ ج وهى اسم من اسماء جهنم وانما سميت به لانها تحطم وتكسر كل ما يطرح فيها ثم بين شدة أمرها بقوله.
وَما أَدْراكَ مَا الْحُطَمَةُ ط استفهام للتفخيم والتهويل والجملة معترضة لاستعظام شانها يعنى أنت لا تدرى شدة أمرها فانها أعظم من ان يدرك او يخيل ثم فسرها بعد الإبهام بقوله.
نارُ اللَّهِ خبر مبتداء محذوف اى هى نار الله أضاف الى نفسه للتعظيم فانها مظهر قهر الله نعوذ بالله منها وصفات الله تعالى كلها جلالية كانت او جمالية بالغة فى الكمال الى مرتبة لا يمكن فوقها ولا يدرك قدرها الْمُوقَدَةُ صفة للنار على البناء للمجهول يعنى أوقدها الله تعالى وما اوقده الله تعالى لا يقدر غيره ان يطفئه عن ابى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال أوقد على النار الف سنة حتى احمرت ثم أوقد عليها الف سنة حتى ابيضت ثم أوقد عليها الف سنة حتى اسودت فهى سوداء مظلمة رواه الترمذي.
الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ ط اى تبلغ الى الافئدة والاطلاع والبلوغ بمعنى واحد يحكى عن العرب من اطلعت ارضنا اى بلغت اخرج ابن المبارك عن خالد بن عمران بسنده الى النبي - صلى الله عليه وسلم - قال ان النار تأكل أهلها حتى إذا طلعت الى افئدتهم انتهت ثم يعود كما كان ثم تستقبله فتظلع على فواده فهو كذلك فذلك قوله تعالى نار الله الموقدة التي تطلع على الافئدة(10/339)
إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ (8) فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ (9)
وكذا قال القرطبي والكلبي قلت فذكر الفواد هاهنا للدلالة على تابيد العذاب فان نار الدنيا إذا أحرقت أحدا تميته قبل ان تطلع على فواده بخلاف نار جهنم او لان الفواد ألطف ما فى البدن وأشد تألما او لأنه محل العقائد الزائغة ومنشأ الأعمال القبيحة فكانه هو منبع نار جهنم.
إِنَّها عَلَيْهِمْ جمع الضمير رعاية لمعنى كل والظرف متعلق بما بعده مُؤْصَدَةٌ جملة مستانفة كانها فى جواب ما بالهم لا يخرجون ولا يفرون فقال انها عليهم موصدة اى مطبقة كذا اخرج ابن مردوية عن ابى هريرة عن النبي صلى الله عليه واله وسلم يعنى مغلقة من أوصدت الباب إذا اطبقه اخرج ابن جرير وابن ابى حاتم وابن ابى الدنيا والبيهقي عن ابن مسعود قال إذا بقي فى النار من يخلد فيها جعلوا فى توابيت من حديد فيها مسامير من حديد ثم جعلت تلك التوابيت فى توابيت من حديد ثم قذفوا فى أسفل الجحيم فما يرى أحدا بعذاب غيره واخرج ابو نعيم والبيهقي عن سويد بن غفلة نحوه.
فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ ع الظرف متعلق بمحذوف فى محل النصب على الحالية اى موثقين فى عمد وجاز ان يكون متعلقا بمؤصدة فيكون النار داخل العمد قرأ حمزة والكسائي وابو بكر عمد بضم العين والميم والآخرون بفتحها وهما جمع عمود مثل أديم وآدم وآدم قاله القراء وقال ابو عبيد جمع عماد مثل إهاب واهب قال ابن عباس أدخلهم فى عمد فمدت عليهم بعماد وفى أعناقهم السلاسل وسدت عليهم بعماد لهما الأبواب وقال قتادة بلغنا انها عمد يعذبون بها فى النار وقيل هى أوتاد الاطباق الذي يطبق على اهل النار اى انها مطبقة عليهم بأوتاد ممدودة وهى فى قراءة عبد الله بعمد بالباء وقال مقاتل أطبقت الأبواب عليهم ثم سدت بأوتاد من حديد من نار حتى يرجع عليهم باب ولا يدخل عليهم ممددة صفة لعمد اى مطولة فتكون ارسخ من القصيرة- والله تعالى اعلم.(10/340)
أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (1)
سورة الفيل
مكيّة وهى تسع آيات بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
أَلَمْ تَرَ خطاب للنبى - صلى الله عليه وسلم - والاستفهام للانكار وانكار النفي اثبات والغرض منه التقرير يعنى قد رايت يا محمد وهو صلى الله عليه وسلم وان لم يشهد تلك الوقعة لكن شاهد اثارها وسمع بالتواتر اخبارها فكانه راها وجاز ان يكون الروية بمعنى العلم والجملة الاستفهامية التي بعدها سدت مسد مفعولى ترو فيه اشارة الى نظره - صلى الله عليه وسلم - وان يفعل باعدائه مثل ما فعل باصحاب الفيل كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ استفهام للتعجب ولذا لم يقل ما فعل لان المراد تذكير ما فيها من وجوه الدلالة على كمال علم الله وقدرته وعزة بيته وشرف نبيه - صلى الله عليه وسلم - فانها من الارهامات وكانت قصة الفيل توطية لنبوته ومقدمة لظهوره وبعثته والا فاصحاب الفيل كما قال ابن نعيم كانوا نصارى اهل الكتاب وكان دينهم خيرا من دين اهل مكة إذ ذلك لانهم كانوا عبدة الأوثان وكان قدوم الفيل يوم الأحد لثلث عشر ليلة بقيت من المحرم وبه قال ابن عباس ومن العلماء من حكى الاتفاق عليه وقال كل قول يخالفه وهم وفى ذلك العام ولد النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد نحو من الشهرين فى شهر ربيع الاول من تلك السنة كذا قال الأكثرون وهر الأصح وقيل بعده بثلثين عاما وقال مقاتل بأربعين عاما وقيل بسبعين عاما وقال الكلبي بثلث وعشرين سنة والاول أصح كذا فى خلاصة السير بِأَصْحابِ الْفِيلِ وهم ابرهة ملك اليمن وأصحابه قال الضحاك وكانت الفيلة ثمانية وقيل اثنى عشر سوى الفيل الأعظم الذي يقال له المحمود وانما وحد لانه نسبهم الى الفيل الأعظم وقيل لوفاق رءوس الآي وقصة اصحاب الفيل على ما ذكره محمد بن اسحق عن بعض اهل العلم عن سعيد بن جبير وعكرمة عن ابن عباس وذكره الواقدي ان النجاشي ملك الحبشة كان قد بعث ارياطا الى الأرض اليمن فغلب عليها فقام رجل يقال له ابرهة بن الصباح من رجال الحبشة فساخط ارياط فى امر الحبشة حتى انصدعوا صدعين فكانت طائفة مع ارياط وطائفة مع ابرهة فتزاحما فقتل ابرهة ارياطا(10/341)
واجتمعت الحبشة لابرهة وغلب على اليمن وأفرد النجاشي ثم ان ابرهة راى الناس يتجهزون ايام الموسم الى مكة لحج بيت الله فبنى كنيسة بصنعاء وكتب الى النجاشي انى صنعت لك بصنعاء كنيسة لم يبن لملك مثلها بيت فتهيأ حتى اصرف إليها حج العرب فسمع به رجل من بنى مالك بن كنانة فخرج إليها ليلا فقعد فيها ليلا ولطخ بالعذرة قبلتها فبلغ ذلك ابرهة فحلف ابرهة ليسيرن الى كعبة حتى يهدمها فكتب الى النجاشي يخبره بذلك وساله ان يبعث اليه بفيلة يقال له محمود ولم ير مثله عظيما وقوة فبعث اليه فخرج ابرهة سايرا الى مكة فسمعت العرب بذلك فعظموه ورأو جهاده حقا عليهم فخرج ملك من ملوك اليمن يقال له ذو نفر مقاتله فهزمه ابرهة وأخذ ذا نفر ولم يقتله وأوثقه ثم سار حتى إذا دنى من بلاد خثعم خرج نفيل بن حبيب الخثعمي فى خثعم واجتمع اليه قبائل اليمن فقاتلوه وأخذ نفيلا فقال نفيل ايها الملك انى دليل بأرض العرب فاستبقاه وخرج معه يدله على الطريق حتى إذا مر بالطائف خرج مسعود بن مغيث الثقفي فى رجال من ثقيف فقال ايها الملك نحن عبيدك ليس لك عندنا خلاف انما تريد البيت الذي بمكة نحن نبعث معك من يدلك عليه فبعثوا بارغال مولى لهم فخرج حتى إذا كان بالمغمس يأت ابو رغال وهو الذي يرجم قبره فبعث ابرهة من المغمس رجلا من الحبشة يقال له الأسود يسوق اليه اموال الحرم وأصاب لعبد المطلب مأتى بعير ثم ان ابرهة بعث بحناطة الحميرى الى اهل مكة فقال أسأل عن شريفها ثم أخبره انى لم ات لقتال انما جئت لاهدم هذا البيت فانطلق حتى دخل مكة فلقى عبد المطلب وقال له ما قال ابرهة فقال عبد المطلب ماله عندنا قتال فتخلى به وبين ما جاء به فان هذا بيت الله الحرام وبيت خليل عليه السلام فان يمنعه فهو بيته وحرمه وان يخل بينه وبين ذلك فو الله ما لنا به قوة فقدم عبد المطلب العسكر لطلب ابله وكان ذو نفر صديقا له فاتاه فقال له ذو نفر الى رجل أسير ولكن سابعثك الى أنيس سائس الفيل فانه لى صديق قال ذو نفر لا تيس هذا سيد القريش وصاحب عير مكة
الذي يطعم الناس فى السهل والوحوش فى الجبال ليستاذن عليك وقد جاء غير ناصب لك ولا مخالف عليك فاذن له وكان عبد المطلب رجلا جسيما وسيما فلما رآه ابرهة أعظمه وأكرمه وكره ان يجلس معه على سريره وان يجلس تحته فهبظ الى البساط فجلس عليه ثم دعاه فاجلسه معه وقال لترجمانه قل له ما حاجتك الى الملك فقال عبد المطلب حاجتى مأتى بغير(10/342)
فقال ابرهة لقد كنت أعجبتني حين رايتك ولقد زهدت فيك جيئت الى بيت هو دينك ودين ابائك وهو شرفكم وعصمتكم لاهدمه لم لا تكلمنى فيه وتكلمنى فى مائتى بعير أصبتها فقال عبد المطلب انا رب هذا الإبل وان لهذا البيت ربا سيمنعه قال ما كان ليمنعه منى فأمر بإبله فردت عليه وجاء عبد المطلب واخبر قريشا الخبر وأمرهم ان يتفرقوا فى الشعاب ويتحرزوا فى رؤس الجبال تخوفا عليهم من معرفة الحبش ففعلوا واتى عبد المطلب الكعبة وأخذ بحلقة الباب وجعل يقول يا رب لا رجو لهم سواك يا رب فامنع منهم حماك ان عدو البيت من عداك امنعهم ان يخربوا قراك وقال ايضا لا هم ان العبد يمنع رحلة فامنع رحالك وانصر على ال الصليب وعابد له اليوم الك لا يغلبن صليبهم ومحالهم وعدو محالك جروا هموع بلادهم والفيل كى يسبو عيالك عمدوا حماك بكيدهم جهلا وما رقبوا جلالك ان كنت تاركهم وكعبتنا فامر ما بدا لك ثم ترك عبد المطلب الحلقة وتوجه فى بعض تلك الوجوه مع قومه وأصبح ابرهة بالمغمس قد تهيا للدخول وهيأ جيشه وهيأ فيله وكان فيلا لم ير مثله فى العظمة والقوة ويقال كانت معه اثنى عشر فيلا فأقبل نفيل الى الفيل الأعظم ثم أخذ باذنه وقال ابرك محمود وارجع راشدا من حيث جئت فانك فى بلد الله الحرام فبرك الفيل فبعثوه فأبى فضربوه بالمعول راسه فأبى فادخلوا محاجنهم تحت مراثقة ففزعوه ليقوم فأبى فوجهوه راجعا الى اليمن فقام يهرول ووجهوه الى الشام ففعل ذلك ووجهوه الى المشرق ففعل مثل ذلك فصرفوه الى الحرم فابى ان يقوم وخرج نفيل يشتد حتى صعد الى الجبل وأرسل الله عز وجل طيرا من البحر مثل الخطاطيف مع كل طاير منها ثلثة أحجار حجران فى رجليه وحجر فى منقاره مثل الحمص والعدس فلما غشين القوم ارسلنها عليهم فلم يصب تلك الحجارة أحدا الا هلك وليس كل القوم أصاب وخرجوا هاربين لا يهتدون الى الطريق الذين جاؤا يتساءلون عن نفيل بن حبيب ليدلهم الى الطريق الى اليمن ونفيل ينظر إليهم من بعض تلك الجبال وصرح القوم وماج بعضهم فى بعض يتساقطون كل طريق ويهلكون على كل منهل ما كان على الطريق وبعث الله الى ابرهة داء فى جسده فجعل يتساقط أنامله كلما سقطت انملة اتبعتها مدة من قيح ودم فانتهى الى صنعاء وهو مثل فرخ الطير فيمن بقي من أصحابه وما مات حتى انصدع صدره من قبله ثم هلك قال الواقدي واما محمود فيل النجاشي فركض(10/343)
ولم يشجع على الحرم فنجا والفيل الاخر شجع يضرب اى رمى بالحصاء وزعم مقاتل بن سليمن ان السبب الذي جرى اصحاب الفيل ان فئة من قريش خرجوا تجارا الى الأرض النجاشي فدنوا من ساحل البحر ثم بيعة النصارى تسميا قريش الهيكل فنزلوا فاججوا نارا فاشتورا فلما ارتحلوا تركوا النار كما هى فى يوم عاصف فهبت الريح فاضطرم الهيكل نارا فانطلق الصريخ الى النجاشي فاسف غضبا للبيعة فبعث ابرهة لهدم الكعبة وقال انه كان بمكة يومئذ سعيد الثقفي وكان مكفوف البصر يصيف بالطائف ويشتوا بمكة وكان رجلا نبيها ونبيلا يستقيم الأمور برايه وكان خليل عبد المطلب فقال له عبد المطلب ماذا عندك هذا يوم يستغنى فيه من رايك فقال ابو مسعود اصعد بنا الى حراء وصعد الجبل فقال ابو مسعود لعبد المطلب اعمد الى مائة ابل فاجعلها الله وقلدها فعلا ثم ابعثها فى الحرم لعل بعض هذا السودان يعقر منها فيغضب رب هذا البيت فياخذهم ففعل ذلك عبد المطلب فعمد القوم الى تلك الإبل فحملوا عليها وعقروا بعضها وجعل عبد المطلب يدعو فقال ابو مسعود ان لهذا البيت ربا يمنعه وقد نزل تبع ملك من اليمن صحن هذا البيت وأراد هدمه فمنعه الله وابتلاه واظلم عليه ثلثة ايام
فلما راى تبع ذلك كساه القباطي البيض وعظمه ونحر له الجزور فنظر ابو مسعود الى البحر فراى شيئا فقال لعبد المطلب فانظر نحو البحر فنظر عبد المطلب فقال ارى طيرا بيضا نشأت من شاطى البحر فقال ارفعها يبصرك اين قرارها فدارت على رؤسنا قال هل تعرفها قال والله ما اعرفها ما هى نجدية ولا تهامية ولا عربية ولا شامية قال ما قدرها قال أشباه اليعاسيب فى منقارها حصى كانها حصى الحذف قد أقبلت كالليل يتبع امام كل فرقة طير يقودها احمر المنقار اسود الراس طويل العنق فجاءت حتى حاذت بعسكر القوم ركدت فوق رؤسهم فلما توافقت الرجال كلها اهالت الطير ما فى مناقيرها على ما تحتها مكتوب فى كل حجر اسم صاحبه ثم انها انضاغت راجعة من حيث جاءت فلما أصبحا تحطا من ذروة الجبل فمشيا ربوة فلم يونسا أحدا ثم أتوا ربوة فلم يسمعها حسا فقال بات القوم خامدين فاصبحوا نياما فلما دنوا عن عسكر القوم فاذا هم خامدون فكان يقع الحجر على بيضة أحدهم فيخرقها حتى يقع فى دماغه ويخرق الفيل والدابة ويغيب الحجر فى الأرض من شدة وقعة فعمد عبد المطلب فاخذ فأسا من قوسهم فتحفر حتى اعمق من الأرض فملاه من الذهب الأحمر والجوهر وحفر لصاحبه فملاه ثم قال لانى مسعود هات فاختر ان شئت حفرتى(10/344)
أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (2) وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ (3) تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ (4) فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ (5)
وان شئت حفرتك وان شئت فهما لك معا قال ابو مسعود اختر على نفسك قال عبد المطلب انى لم ال ان اجعل أجود المتاع فى حفرتى فهو لك وجلس كل منها على حفرته ونادى عبد المطلب فى الناس فراجعوا وأصابوا من فضلهما حتى ضاقوا به ذرعا وساد عبد المطلب بذلك قريشا فاعطته القادة فلم يزل عبد المطلب وابو مسعود فى أهلها فى غناء من ذلك المال ودفع الله عن كعبة.
أَلَمْ يَجْعَلْ استفهام للانكار مثل الم تر كَيْدَهُمْ مكرهم وسعيهم فى تخريب البيت فِي تَضْلِيلٍ تضيع وابطال.
وَأَرْسَلَ عطف على مضمون الم يجعل اى جعل عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبابِيلَ صفة طيراى كثيرة متفرفة تبع بعض جماعة جماعة اخرى يقال جاءت الخيل ابابيلا من هاهنا ومن هاهنا جمع ابالة وهى الحزمة الكبيرة شبهت بها الجماعة من الطير فى تضامها كذا قال ابو عبيد وقال الفراء لا واحد لها من لفظها وقال الكسائي جمع أبول مثل عجول وعجاجيل وقيل جمع ابل.
تَرْمِيهِمْ اى اصحاب الفيل صفة اخرى للطير بِحِجارَةٍ كائنة مِنْ سِجِّيلٍ من طين متحجر معرب سنك كل وقيل مشتق من السجل وهو الدلو الكبير او الاسجال وهو إرسال او من السجل ومعناه من الجملة العذاب المكتوب لاجلهم قال ابن عباس طيرا لها خراطيم الطير واكف كاكف الكلاب قال عكرمة لها روس كرؤس السباع وقال الربيع لها أنياب كانياب السباع وقال سعيد بن جبير طير خضر لها مناقير صفر وقال قتادة طير سود جاءت من قبل البحر فوجا فوجا قال ابن مسعود صاحب الطير ورقهم بالحجارة وبعث الله له بها فضربت الحجارة فزادته شدة فما وقع منها حجر على رجل الا خرج من الجانب الاخر وان وقع فى راسه خرج من دبره.
فَجَعَلَهُمْ عطف على أرسل كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ ع مفعول ثان لجعل اى جعلهم كزرع وتبن أكلته الدواب فراتّه وتفرقت اجزاءه شبه تقطع أوصالهم بتفرق اجزاء الروث وقال مجاهد العصف ورق الحنطة وقال قتادة هو التبن وقال ابن عباس هو القشر الخارج الذي يكون على حب الحنطة كهيئة الغلاف ومعنى مأكول يعنى أكلته الدواب- والله تعالى اعلم.(10/345)
لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ (1)
سورة قريش
مكيّة وهى اربع آيات بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
لِإِيلافِ قُرَيْشٍ قرأ ابن عامر لالاف بغير ياء بعد الهمزة وابو جعفر ليلاف بغير همزة والباقون بهمزة وياء بعدها واللام للتعجب عند الكسائي والأخفش متعلق بمحذوف اى اعجبوا لايلاف قريش وقال الزجاج هى مردودة الى ما بعدها تقديره فليعبدوا رب هذا البيت لايلاف قريش والفاء للجزاء لان الكلام فى معنى الشرط إذ المعنى ان نعم الله عليهم لا تحصى فان لم يعبدوا لساير نعمته فليعبدوا لايلاف قريش لكن يرد عليه ان ما فى حيز الجزاء لا يعمل قبله فالاولى ان يقال حينئذ الفاء زائدة وجاز ان يكون متعلقا بما قبله فى السورة السابقة كالنظمين فى الشعر وهو ان يتعلق معنى البيت التالي بالذي قبله تعلقا لا يصلح الا به والمعنى انه أهلك اصحاب الفيل وجعلهم كعصف مأكول لايلاف قريش رحلة الشتاء والصيف اى ليتسامع الناس ذلك الإهلاك لاجلهم فيحرموهم فضل إحرام حتى ينتظم لهم الا من فى رحيلتهم فلا يجترئ عليهم أحد ولاجل هذا التعلق المعنوي عد بعض الناس سورة الفيل وهذه السورة سورة واحدة منهم ابى بن كعب لافضل بينهما فى مصحفه فاللام على هذا متعلق بجعل وقريش هم ولد النضر بن كنانة فمن ولده النضر فهو قريش ومن لم يلده فليس بقريش سموا قريشا من القرش والتقرش وهو التكسب والجمع يقال فلان يقرش لعياله ويتقرش اى يكتسب وهم كانوا تجارا حراصا على جمع المال والإفضال وسأل معاوية عن عبد الله بن عباس لم سميت قريشا قال الدابة فى البحر من أعظم الدواب يقال لها القرش لا تمر بشى من الغيث والسمين الا أكلته وهى تأكل ولا توكل تعلو ولا تعلى وفى القاموس قرشه اى قطعه وجمعه من هاهنا وهاهنا وضم بعضه الى بعض ومنه قريش لتجمعهم الى الحرم ولانهم كانوا يتفرشون البياعات فيشترونها ولان نضر بن كنانه اجتمع فى ثوبه يوما فقالوا تقرش او لانه جاء الى قومه فقالوا كانه جمل قريش اى شديدا ولانهم كانوا يقرشون الحاج فيسدون خلتها او سميت؟؟؟
القرش وهى دابة بحرية يخافها دواب البحر كلها (فائدة) عن واثلة بن الاشقع قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ان الله اصطفى كنانة من بنى اسمعيل(10/346)
إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ (2)
واصطفى من بنى كنانة قريشا واصطفى من قريش بنى هاشم واصطفاني من بنى هاشم رواه البغوي وعن ابى هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - الناس تبع بقريش فى هذا الشان مسلمهم وكافرهم متفق عليه وعن جابر مرفوعا الناس تبع لقريش فى الخير والشر رواه مسلم قلت لعل المراد من الحديث الاول قوة استعداد قريش ومن ثم ترى أفضل الصحابة واكثر اولياء منهم وبالآخرين انه تعالى لما بعث خاتم النبيين منهم فكانهم هم المخاطبون اولا بالشرائع والايمان وساير الناس تبع لهم قال الله تعالى وما أرسلنا من رسول الا بلسان قومه ليبين لهم وقال الله تعالى وانذر عشيرتك الأقربين فمن أمن منهم سن سنة حسنة باتباع الرسول فلهم أجرهم واجر من تبعهم ولذا صاروا أفضل الناس بعد الأنبياء ومن كفر منهم وسلك طريق مخالفة النبي - صلى الله عليه وسلم - فى بدو الأمر ثم مات على ذلك فعليه اثم من كفر بعدهم كما ان قابيل أول من قتل يقاسم اهل النار بضعف عذاب جهنم قسمه صحابا أخرجه البيهقي عن ابن عمرو قد مر فى سورة والشمس فى حديث انه أشقى الناس وعن ابن عمر مرفوعا قال لا يزال هذا الأمر فى قريش ما بقي منهم اثنان متفق عليه وعن معاوية قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول ان هذا الأمر فى قريش لا يعاديهم أحد إلا كبه الله على وجهه ما أقاموا الدين رواه البخاري قلت المراد بالأمر الخلافة والغرض من حديث ابن عمر وجواب استخلاف قريش وليس الغرض منه الاخبار والغرض من حديث معاوية الدعاء بالسوء على من نبى من خليفة قريشى عادل وعن سعد رض عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال من يرد هو ان قريش اهانه الله رواه الترمذي وعن ابن عباس قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فضل الله قريشا بسبع خصال لم يعطها أحدا قبلهم ولا يعطها أحدا بعدهم فضل الله قريشا انى منهم وان النبوة فيهم وان الحجابة فيهم وان السقاية فيهم ونصرهم على الفيل وعبدوا الله عشر سنين لم يعبدوه غيرهم وانزل الله فيهم سورة من القران لم يذكر فيها أحدا غيرهم ليلاف قريش رواه الحاكم والطبراني والبخاري فى التاريخ وعن زبير بن العوام مثله غير انه لم يذكر انى منهم بل ذكران فيهم النبوة والخلافة والحجابة والسقاية والثلاثة النصر على الفيل وعبدوا الله عشر سنين ونزلت فيهم ليلاف قريش رواه الطبراني فى الأوسط.
إِيلافِهِمْ بدل من الإيلاف الاول اتفق غير ابى جعفر على انها بياء بعد الهمزة فى اللفظ دون الخط الا عبد الوهاب بن فليح عن ابن كثير فانه قرأ الفهم ساكنة اللام واطلاق الإيلاف اولا(10/347)
فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ (3) الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ (4)
ثم ابدال المقيد عنه بقوله رِحْلَةَ الشِّتاءِ وَالصَّيْفِ ج للتفخيم فانه كان من أعظم نعم الله عليهم وذاك لان الحرم كان واديا جديا لا زرع فيه ولا ضرع فلولا الرحلتان لهم بالتجارة لم يكن لهم مقام ولا معاش ولولا ان جعل الله مكة حرما محترما بحيث يكون الناس ويتقرضون لهم بالسوء قائلين قريش سكان حرم الله ولاة بيته لم يقدروا على الرحلتين فكانوا يرتحلون رحلة فى الشتاء الى اليمن لانها ادفأ وفى الصيف الى الشام لانها برد فيمتارون ويتجرون ويربحون قال عطاء عن ابن عباس انهم كانوا فى ضر ومجاعة حتى جمعهم هاشم على الرحلتين وكانوا يقسمون ربحهم بين الفقير والغنى حتى كان فقيرهم كغنيهم قال الكلبي كان أول من حمل السمراء من الشام ورحل إليها الإبل هاشم بن عبد مناف قال البغوي فشق عليهم الاختلاف الى اليمن والشام فاخصبت تبالة وحرش من اليمن فحملوا الطعام الى مكة اهل الساحل من البحر على السفن واهل البر على الإبل والحمير فألقى اهل الساحل بجدة واهل البر بالمحصب وأخصبت اهل الشام فحملوا الطعام الى مكة فالقوا بالأبطح فامتاروا من قريب وكفاهم الله مونة الرحلتين وأمرهم بعبادة رب هذا البيت فقال.
ْيَعْبُدُوا
ان كان لام لايلاف متعلقا بما قبله او للتعجب فالفاء للعطف والسببية وان كان متعلقا بما بعده فهى زايدة او فى جواب شرط مقدر كما مربَّ هذَا الْبَيْتِ
اى الكعبة يعنى الله سبحانه ذكر الله تعالى بصفة ربوبية البيت ولكون البيت باعثا لامنهم.
الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ ع خوف اصحاب الفيل او التخطف ببلدهم او فى السفر يجعلهم من اصحاب الحرم وقال الضحاك والربيع والسفيان امنهم من خوف انهدام فلا يصيب ببلدهم ذلك كله بدعاء ابراهيم عليه السلام رب اجعل هذا بلدا أمنا وارزق اهله من الثمرات عن ابى الحسن القزويني موقوفا ان خاف من عدو او غيره فقراءة لايلاف قريش أمان عن كل سوء ذكره الجزري فى الحصن الحصين وقال مجرب قلت وقد أمرني شيخى وامامى قدس الله سره السامي بقراءته فى المخاوف لدفع كل سوء وبلاء وقال مجرب قلت وقد جربته كثيرا والله تعالى اعلم.(10/348)
أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (1) فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ (2) وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (3) فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (5)
سورة الماعون
مكّيّة وهى سبع آيات بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ الاستفهام للتعجب والروية بمعنى الابصار والمعرفة فاقتصر على مفعول واحد وهو الموصول مع الصلة وقال فى البحر المواج الاستفهام للتقرير والروية بمعنى العلم والموصول خبر محذوف يعنى ذلك تقديره ارايت ذلك الذي يكذب بالدين قال مقاتل نزلت فى العاص بن وائل السهمي وقال السدى ومقاتل وابن كيسان هو الوليد بن مغيرة وقال الضحاك نزلت فى عمرو بن عائذ المخزومي فصدر السورة على هذا الأقوال مكية واخر السورة مدنية كذا قيل وقال عطاء عن ابن عباس ارايت الذي يكذب بالدين نزلت فى رجل من المنافقين فالموصول للعهد وقيل للجنس بِالدِّينِ ط اى بالإسلام او بالجزاء.
فَذلِكَ خبر مبتداء محذوف تقديره فهو ذلك والفاء للسببية والجملة فى مقام التعليل للجملة السابقة وقيل الفاء جزائية والشرط محذوف تقديره ارايت وعرفت الذي يكذب بالدين فان لم تعرفه فهو ذلك الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ اى يقهره ويدفعه عن حقه والدع والدفع بالعنف.
وَلا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ ط اى لا يأمر نفسه واهله وغيره باطعامه لانه يكذب بالجزاء.
فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ الفاء جزائية يعنى إذا كان عدم المبالات باليتيم من ضعف الدين والموجب للذم والتوبيخ فالسهو عن الصلاة التي هى عماد الدين والريا الذي هو شعبة الكفر ومنع الزكوة التي هى قنطرة الإسلام اولى بذلك ولذلك رتب عليه الويل او للسببية على معنى فويل لهم وانما وضع المصلين موضع الضمير للدلالة على معاملتهم مع الخالق وساهون اى غافلون غير مبالين به روى البغوي بسنده عن مصعب بن سعد بن ابى وقاص عن أبيه قال سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هم عن صلاتهم ساهون قال اضاعة الوقت وفى رواية ابن جرير وابى يعلى قال هم الذين يوخرون الصلاة عن وقتها قال ابو العالية صلوتها لمواقيتها ولا يتمون ركوعها وسجودها وقال قتادة سأه عنها لا يبالى صلى او لم يصل قيل لا يرجون ثوابا ان صلوا ولا يخافون عليها عقابا ان تركوا وقال مجاهد غافلون فيها متهاونون بها(10/349)
الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ (6) وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ (7)
وقال الحسن وهو الذي عليها ان صليها رياء وان فاتته لم يندم.
الَّذِينَ هُمْ يُراؤُنَ مفاعلة من الروية اى يراؤن الناس أعمالهم ليردوا الثناء عليها قال عليه الصلاة والسلام من صلى يراى فقه أشرك ومن صام يراى فقد أشرك ومن تصدق يراى فقد أشرك رواه احمد عن شداد بن أوس.
وَيَمْنَعُونَ الْماعُونَ ع قال قطرب الماعون فى الأصل الشيء القليل والمراد هاهنا الزكوة كذا روى عن على وابن عمر والحسن وقتادة والضحاك وانما سمى الزكوة ماعونا لكونها قليلا من الكثير وقال ابن مسعود الماعون الفاس والدلو والقدر وأشباه ذلك وهى رواية سعيد بن جبير عن ابن عباس وقال مجاهد الماعون العارية وقال عكرمة أعلاها الزكوة المفروضة وأدناها عارية المتاع وقال محمد بن كعب والكلبي الماعون المعروف الذي يتعاطاه الناس فيما بينهم وقيل الماعون ما لا يحل منعه مثل الماء والملح والنار قال قلت يا رسول الله هذا الماء فما بال الملح والنار قال يا حميراء من اعطى نارا فكانما تصدق بجميع ما أنضجت تلك النار من اعطى ملحا فكانما تصدقت بجميع ما طيب تلك الملح ومن سقى مسلما شربة من ماء حيث يوجد الماء فكانما أعتق رقبة ومن سقى مسلما شربة من ماء من حيث لا يوجد الماء فكانما أحياها رواه ابن ماجة واخرج ابن المنذر من طريق ابى طلحة عن ابن عباس قال قوله تعالى فويل للمصلين الذين إلخ نزلت فى المنافقين كانوا يراؤن المؤمنين بصلوتهم إذا حضروا ويتركونها إذا غابوا ويمنعون العارية قال فى المدارك روى عن انس والحسن قالا الحمد لله الذي قال عن صلاتهم ساهون ولم يفل فى صلاتهم لان معنى عن سهو ترك واعراض عنها وقلة التفات إليها وذلك فعل المنافقين ومعنى فيما يقع فى الصلاة من حديث النفس ووسوسة الشيطان والحكم فى ذلك التعوذ ودفع الوسوسة ما استطاع والعفو فيما لم يستطع عن عثمن ابن ابى العاص قال قلت يا رسول الله ان الشيطان قد حال بين صلوتى وبين قراءتى يلبسها على فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذاك شيطان يقال لها خسرت فاذا احسسته فتعوذ بالله منه واتفل عن يسارك ثلثا ففعلت ذلك فاذهبه الله عنى رواه مسلم وعن القاسم بن محمد ان رجلا ساله فقال انى أهم فى صلوتى فيكثر ذلك على فقال امض فى صلوتك فانه لم يذهب ذلك عنك حتى تنصرف وتقول ما أتممت صلوتى والله تعالى اعلم.(10/350)
سورة الكوثر
مكيّة وهى ثلث آيات بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ روى مسلم عن انس قال بينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم بين أظهرنا إذا أغفى اغفاءة ثم رفع رأسه متبسما فقلنا ما اضحكك يا رسول الله قال أنزلت على آنفا سورة فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم انا أعطيناك الكوثر فصل لربك وانحر ان شانئك هو الأبتر قال أتدرون ما الكوثر قلنا الله ورسوله اعلم قال فانه نهر وعدنيه ربى عليه خير كثير هو حوض يرد عليه أمتي يوم القيامة انيته عدد النجوم فيختلج العبد منهم فاقول رب انه أمتي فيقول ما تدرى ما أحدث بعدك واخرج الطيراني بسند ضعيف عن ابى أيوب قال لما مات ابراهيم ابن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مشى المشركون بعضهم الى بعض فقالوا ان هذا الصابي قد بتر الليلة فانزل الله تعالى انا أعطيناك الكوثر وكذا اخرج ابن المنذر عن ابن جريج واخرج ابن جرير عن شهر بن عطية قال كان عقبة بن ابى معيط يقول لا يبقى لمحمد ولد وهو ابتر فانزل الله فيه ان شانئك هو الأبتر واخرج ابن جرير عن سعيد بن جبير فى قوله فصل لربك وانحر قال أنزلت يوم الحديبية أتاه جبرئيل فقال انحر وارجع فقام فخطب خطبة القصر والنحر ثم ركع ركعتين ثم انصرف الى البدن فنحرها وفيه غرابة شديدة واخرج البزار وغيره بسند صحيح عن ابن عباس قال قدم كعب بن الأشرف مكة فقالت له قريش أنت سيد اهل المدينة الا ترى الى هذا المتصبر المنتبز من قومه يزعم انه جرمنا ونحن اهل الحجيح واهل السقاية واهل السدانة قال أنتم خير منه فنزلت ان شانئك هو الأبتر واخرج ابن ابى شيبة فى المصنف وابن المنذر عن عكرمة قال لما اوحى الى النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت قريش بتر محمد منا فنزلت ان شانئك هو الأبتر واخرج ابن ابى حاتم عن السدى قال كانت قريش تقول إذا مات ذكورا الرجل بتر فلان فلما مات ولد النبي صلى الله عليه وسلم قال العاص بن وائل بتر محمد فنزلت واخرج البيهقي فى الدلائل مثله عن محمد ابن على بن الحسين وسمى الولد القاسم واخرج البيهقي فى الدلائل عن مجاهد قال فنزلت فى العاص ابن وائل قال انا شاتى محمد وذكر البغوي ان العاص بن وائل السهمي راى النبي - صلى الله عليه وسلم - يخرج من المسجد وهو يدخل فالتقيا عند باب بنى سهم وتحدثا وأناس من صناديد قريش جلوس فى المسجد(10/351)
إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1)
فلما دخل العاص قالوا من الذي تحدث معه قال ذلك الأبتر يعنى النبي - صلى الله عليه وسلم - وكان قد توفى ابن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من خديجة وذكر محمد بن اسحق عن يزيد بن رومان قال كان العاص بن وائل إذا ذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال دعوه فانه رجل ابتر لا عقب له فاذا هلك انقطع ذكره فانزل الله هذه السورة قلت والصحيح عندى ان نزول انا أعطيناك الكوثر لم يكن عند وفات ابن النبي - صلى الله عليه وسلم - فان القاسم مات بمكة قبل الهجرة وفى رواية قبل البعثة وما روى عن محمد بن على فهو من رواية جابر الجعفي وهو كذاب وابراهيم مات سنة عشر جزم به الواقدي وقال يوم الثلثاء بعشر خلون من ربيع الاول كذا فى سبيل الرشاد والصحيح فى نزول هذه السورة رواية مسلم عن انس ورواية البزار عن ابن عباس حين قدم كعب بن الأشرف مكة والله اعلم قوله تعالى
إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ قال اهل اللغة الكوثر فوعل من الكثرة كنوفل من النفل والعرب تسمى كل شىء كثير فى العدد او كثير فى القدر والخطر كوثر ومن هاهنا ما روى البخاري ومن طريق ابى بشر وعطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال الكوثر الخير الكثير الذي أعطاه الله إياه قال ابو بشر قلت لسعيد بن جبير ان ناسا يزعمون انه نهر فى الجنة قال سعيد النهر الذي فى الجنة من الخير الذي أعطاه إياه فعلى هذا احمل ابن عباس اللام فى الكوثر للجنس وزعم ان الحوض فرد من افراده وكذا من قال هو النبوة والقران والاولى حمل اللام على العهد تفسيره بما فسر به النبي - صلى الله عليه وسلم - كما ذكرنا حديث مسلم عن انس وفى الصحيحين عن انس قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخلت الجنة فاذا انا ينهر حافتاه خيام اللؤلؤ فضربت يدى الى ما يجرى فيه الماء فاذا مسك ازفر قلت ما هذا يا جبرئيل قال هذا الكوثر الذي اعطاك الله وعند احمد والترمذي عنه مرفوعا قال هو أشد بياضا من اللبن واحلى من العسل وفيه طيور أعناقها كاعناق الجزر قال عمر يا رسول الله انها لناعمة قال أكلها أنعم منها يا عمر واخرج الطبراني عن اسامة بن زيد ان امرأة حمزة بن عبد المطلب قالت يا رسول الله انك أعطيت نهرا فى الجنة تدعى الكوثر قال أجل وارضه ياقوت ومرجان وزبرجد ولؤلؤ هو ما بين ايله وصنعاء فيه أباريق مثل عدد النجوم واخرج الطبراني عن حذيفة فى قوله تعالى انا أعطيناك الكوثر قال نهر فى الجنة أجوف فيه آنية من الذهب والفضة لا يعلمها الا الله تعالى واخرج احمد والترمذي وصححه وابن ماجة عن ابن عمر قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الكوثر نهر فى الجنة حافتاه من ذهب والماء(10/352)
فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2) إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (3)
يجرى على اللؤلؤ الحديث واخرج البخاري عن عائشة انها سالت عن قوله تعالى انا أعطيناك الكوثر قالت نهر أعطاه الله تعالى نبيكم صلى الله عليه وسلم ذكر الحوض فى رواية بضع وخمسين صحابيا الخلفاء الاربعة وابن مسعود وابن عباس والحسن بن على وحمزة بن عبد المطلب وعائشة وأم سلمة وابو هريرة وابى بن كعب وعبد الرحمن بن عوف وجابر بن عبد الله وغيرهم وسرد السيوطي فى البدور السافرة الأحاديث الواردة فيه نحوا من سبعين.
فَصَلِّ الفاء للسببية يعنى فصل شكر الله تعالى على ما اعطاك فان الصلاة جامعة لاقسام الشكر باللسان والقلب والجوارح وقيل معناه دم على الصلاة لِرَبِّكَ خالصا بوجهه خلافا لمن يصلون وينحرون بغير الله وخلافا لمن يراؤن فيها وَانْحَرْ ط البدن التي هى خيار اموال العرب وتصدق على اليتامى والمساكين خلافا لمن يدعون اليتامى والمساكين ويمنعون الماعون فهذه السورة كالمقابلة لسورة المقدمة قال عكرمة وعطاء وقتادة فصل لربك صلوة العيد يوم النحر ونحر نسكك فعلى هذا يثبت به وجوب صلوة العيد والاضحية وقال سعيد بن جبير فصل الصلاة المفروضة بجمع وانحر البدن بمنى وروى عن ابن الجوزاء عن ابن عباس قال فصل لربك وانحر وضع اليمين على الشمال فى الصلاة عند النحر.
إِنَّ شانِئَكَ عدوك مبغضك هُوَ الْأَبْتَرُ ع اى لا عقب له بمعنى انه لا يعقبه ذكر حسن ويعقبه اللعنة من الله والملائكة والناس أجمعين فلا يرد ما قيل ان العاص بن وائل كان له عقب وهو عمرو وهشام فكيف يثبت له البتر وانقطاع الولد وان عمرو وهشام أسلما فقد انقطعت بينه وبينهما حتى لا يرثانه فهم من أبناء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأزواجه أمهاتهم وذكر خبر ان معرفا باللام وإيراد ضمير الفصل للدلالة على الحصر يعنى لست بأبتر فانه يبقى ذكرك مع ذكر الله تعالى ابدا ويدوم حسن صيتك واثار فضلك الى يوم القيامة والاخرة خير لك من الاولى ويبقى ذكر المؤمنين من أمتك على السنة الملائكة والمؤمنين فى قولهم اللهم اغفر للمومنين والمؤمنات والله تعالى اعلم.(10/353)
قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3) وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ (4) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (5)
سورة الكافرون
مكّيّة وهى ست آيات بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ اخرج الطبراني وابن ابى حاتم عن ابن عباس ان قريشا دعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الى ان يعطوه ما لا فيكون اغنى رجل بمكة ويزوجوه ما أراد من النساء فقالوا هذا لك يا محمد وكف عن شتم الهتنا ولا تذكرها بسوء فان لم تفعل فاعبد الهتنا سنة ونعبد إلهك سنة قال حتى انظر ما يأتيني من ربى واخرج عبد الرزاق عن وهب بلفظ قالت قريش ان سرك ان يعقبك عاما وترجع فى ديننا عاما واخرج ابن ابى حاتم عن سعيد بن ميناء لقى الوليد بن مغيرة والعاص ابن وائل والأسود بن عبد المطلب وامية بن خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا يا محمد هلم فلتعبد ما نعبد ونعبد ما تعبد ونشترك نحن وأنت فى امر ناكله فانزل الله تعالى
قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ خطاب لجماعة مخصوصة سالوا المسالمة قد علم الله منهم انهم لا يومنون.
لا أَعْبُدُ ابدا ما تَعْبُدُونَ غير الله تعالى من الأوثان نفى لموافقهم فى العبادة فى المستقبل من الزمان حتى يطابق السؤال لان سوالهم كان عن المسالمة والمصالحة فى الاستقبال مع ظهور مباينة النبي - صلى الله عليه وسلم - الكفار فى الحال وكما قال البيضاوي ان لا لا يدخل على المضارع بمعنى الاستقبال كما ان ما لا يدخل الا على المضارع بمعنى الحال.
وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ فيما يستقبل لانه فى مقابلة لا اعبد ما أَعْبُدُ ج أورد ما موضع من للمطابقة او لان المراد الصفة كانه قال لا اعبد الباطل ولا أنتم عابدون الحق وقيل ما مصدرية.
وَلا أَنا عابِدٌ ما عَبَدْتُّمْ وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ ط قرأ هشام عابدون فى الموضعين وعابد بالامالة والباقون بالفتح قال اكثر اهل المعاني ان القران نزلت بلسان العرب وعلى مجارى خطابهم وعلى هذا مذاهبهم التكرار لارادة التوكيد والافهام كما ان من مذاهب الاختصار لارادة التخفيف والإيجاز فهذا تكرير للتأكيد وقال القيبتى تكرار الكلام لتكرار الوقت وذلك انهم قالوا ان سرك ان تدخل دينك عاما فادخل فى ديننا عاما فنزلت السورة كانه نفى المشاركة فى الوقتين وقيل كلمتان الأوليان بمعنى الذي والأخريان مصدريتان فالمقصود نفى المشاركة(10/354)
لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6)
من حيث المعبودون حيث كيفية العبادة.
لَكُمْ دِينُكُمْ الذي أنتم عليه لا تتركونه ابدا فهو اخبار كقوله تعالى وَلِيَ دِينِ ع اى دينى الذي انا عليه لا ارفضه ابدأ إنشاء الله تعالى فليس فيه اذن فى الكفر ولا منع عن الجهاد بل تذئيل وتأكيد لما سبق وتقديم الخبر للحصر فلا يحكم بكون الاية منسوخة باية القتال ولا يجوز تفسيره بالمشاركة وتقرير كل من الفريقين الاخر على دينه لان النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يزل يدعوهم الى الإسلام ما زال الكفار على إيذائه وإيذاء أصحابه وجاز ان يكون المعنى لكم جزاء أعمالكم ولى جزاء أعمالي قرأ نافع وحفص وهشام لى دين والباقون بإسكانها وهى رواية مشهورة عن البزي وقال الدالاني وبه أخذ وقد مر فى حديث انس وابن عباس فى تفسير إذا زلزلت قوله عليه السلام قل يايها الكافرون تعدل ربع القران وعن عائشة قالت قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نعم السورتان هما تقران فى الركعتين قبل الفجر الكافرون والإخلاص رواه ابن هشام وعن فروة بن نوفل بن معاوية عن أبيه انه قال يا رسول الله علمنى شيئا أقوله إذا أويت الى فراشى قال اقرأ قل يايها الكافرون فانها براءة من الشرك رواه الترمذي وابو داود والدارمي وعن جبير بن مطعم قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتحب يا جبير إذا خرجت فى سفر تكون أمثل أصحابك هيئة واكثر زادا فقلت نعم بابى أنت وأمي قال فاقرأ هذه السورة الخمس قل يايها الكافرون وإذا جاء نصر الله وقل هو الله أحد وقل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس وافتح كل سورة ببسم الله الرّحمن الرّحيم واختم قراءتك بها قال جبير وكنت غنيا وكثير المال فكنت اخرج فى سفر فاكون ابذلهم هيئة وأقلهم زادا فما تركت منذ علمتهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقرأت بهن أكون أحسنهم هيئة وأكثرهم زادا حتى ارجع من سفرى رواه ابو يعلى وعن على رض قال لدغت النبي صلى الله عليه واله وسلم عقرب فدعا بماء وملح وجعل يمسح عليها ويقرء قل يا ايها الكافرون وقل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس والله تعالى اعلم.(10/355)
إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1)
سورة النّصر
مدنيّة وهى ثلث آيات بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ اخرج عبد الرزاق فى مصنفه عن معمر عن الزهري قال لما دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكة عام الفتح بعث خالد بن وليد فقاتل بمن معه صفوف قريش بأسفل مكة حتى هزمهم الله ثم امر بالسلاح فرفع عنهم فدخلوا فى الدين فانزل الله تعالى
إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ اى إظهاره إياك على أعدائك وعلى تقدير نزول هذا السورة بعد فتح مكة يعنى يوم الفتح فاذا هاهنا بمعنى إذ كما فى قوله تعالى حتى إذا جاء أمرنا وفار التنور وقوله تعالى حتى إذا بلغ مغرب الشمس وَالْفَتْحُ يعنى فتح مكة روى الطبراني عن ابى سعيد الخدري قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الفتح هذا ما وعدني ربى ثم قرأ إذا جاء نصر الله والفتح وكانت قصة الفتح على ما ذكر اصحاب الاخبار ان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما صالح قريشا عام الحديبية على وضع الحرب عشر سنين يأمن فيه الناس وانه من أحب ان يدخل فى عقد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخل فيه ومن أحب ان يدخل فى عقد قريش دخل فيه فدخلت بنو بكر فى عقد قريش وخزاعة فى عقد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان بينهما شر قديم ثم ان بنى نفاثة من بنى بكر عدت على خزاعة فخرج نوفل بن معاوية الديلمي منهم حتى بيت خزاعة بالوتير موضع أسفل مكة وقاتلوهم حتى دخلوا الحرم وما تركوا القتال وامدت قريش بنى بكر بالسلاح وقاتل بعضهم معهم ليلا مستخفيا منهم صفوان بن امية وعكرمة بن ابى جهل وسهيل بن عمرو وشيبة بن عثمن وخويطب بن عبد العزى مع عبيدهم ثم ندم قريش على نقض العهد ولام بعضهم بعضا وخرج عمرو بن سالم الخزاعي فى أربعين راكبا بعد القتال الى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخبرونه بالذي أصابهم ويستنصرونه واخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوقفه بنى نفاثة وخزاعة قبل بلوغ الخبر وقال ينقضون العهد لامر يريد الله قالت عائشة خير قال خير روى محمد بن عمرو عنها والطبراني عن ميمونة نحوها ولما قدم عمرو بن سالم قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجر رداءه ويقول لا نصرت ان لم أنصرك يا عمرو وبما انصر به نفسى وذلك فى شعبان على راس اثنين وعشرين شهرا من صلح الحديبية فارسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حمزة الى قريش يخبرهم بين امور ثلثة ان أدوا دية قتلى خزاعة وهم ثلثة وعشرون قتيلا او نيروا(10/356)
من خلف من نقض الصلح وهم بنو نفاثة او ينبذ إليكم على سواء فاختلف قول قريش ثم ال أمرهم الى نبذ الصلح ورجع حمزة بالنبذ وشاور النبي - صلى الله عليه وسلم - أبا بكر وعمر فاشار ابو بكر بالصلح واللين وقال هم قومك حتى راى انه سيتبعنى وأشار عمر بالحرب وقال هم راس الكفو زعموا انك ساحر كاهن كذاب ولم يدع شيئا مما كان يقولونه وقال لا تذل العرب حتى يذل اهل مكة فاختار النبي - صلى الله عليه وسلم - راى عمر فخير رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مخفيا امره وحرض العرب فجاء اسلم وغفار ومزنية وحرفية وأشجع وسليم فمنهم من وافاه بالمدينة ومنهم من لحقه فى الطريق والمسلمون عشرة آلاف وقيل اثنا عشر الفا ويجمع بان العشرة حين الخروج من المدينة وتلاحق به الفان ثم ندم قريش على نبذ الصلح فبعث أبا سفيان ودخل على ابنته أم حبيبة فلما ذهب ليجلس على فراش رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طوته عنه وقالت هو فراش رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال والله لقد أصابك يا بنية بعدي شر قالت هدانى الله للاسلام وأنت يا أبت سيد قريش وكبيرها كيف يسقط عنك الدخول فى الإسلام وتعبد حجرا لا يسمع ولا يبصر فقام من عندها فدخل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكلمه فلم يرد عليه شيئا ثم ذهب الى ابى بكر فكلمه وان يكلم له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال ما انا بفاعل ثم اتى عمر فكلمه فقال والله لو لم أجد الا الذر لجاهدتكم به فدخل على على وعنده فاطمة والحسن فقال يا على انك أمس القوم منى رحيما اشفع لنا الى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال ويحك يا أبا سفيان لقد عزم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما يستطيع أحد ان يكلمه فالتفت الى فاطمة فقال هل لك ان تامرى نبيك هذا فيجبر بين الناس فابت فقال يا أبا الحسن اشتد الأمر على فانصحنى فقال والله لا اعلم شيئا يغنيك ولكنك سيد بنى كنانة فقم فاجر بين الناس ثم الحق بأرضك قال وترى ذلك مغنيا عنى شيئا قال لا ولكن لا أجد غير ذلك فقام ابو سفيان فى المسجد فقال يايها الناس انى قد اجرت بين الناس ثم ركب بعيرة فانطلق وقدم على قريش وقضى
القصة قالوا والله ان أراد على الا ان لعب لك فاستخلف النبي - صلى الله عليه وسلم - على المدينة ابن أم كلثوم وقيل أبا ذر الغفاري وهو الصحيح رواه الطبراني خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الأربعاء لعشر خلون من رمضان سنة ثمان من الهجرة وقيل غير ذلك وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اللهم خذ العيون والاخبار عن قريش روى البخاري عن على يقول بعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - انا وزبير او المقداد فقال انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فان بها ظعينة معها كتاب فخذوا منها قال فانطلقنا تتعادى بنا خيلنا حتى اتينا روضة فاذا نحن(10/357)
بالظعينة قلنا اخرجى الكتاب قالت ما معى كتاب فقلنا لتخرجى الكتاب او لتلقين الثياب فاخرجته من عقاصها فاتينا به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاذا فيه من حاطب بن بلتعة الى الناس بمكة من المشركين يخبرهم ببعض امر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال يا حاطب ما هذا قال يا رسول الله لا تعجل علىّ انى كنت امرأ ملصقا فى قريش وكان من معك من المهاجرين من لهم قرابات يحمون أهليهم وأموالهم فاحببت إذا فاتنى ذلك من انتسب فيهم ان اتخذوا عندهم هذا يحمون قرابتى ولم افعله ارتدادا عن دينى ولا رضا بالكفر بعد الإسلام فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اما انه قد صدقكم فقال عمر يا رسول الله دعنى اضرب عنق هذا المنافق فقال انه قد شهد بدرا وما يدريك يا عمر ان الله تعالى عز وجل اطلع على من شهد بدرا فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم فرقت عينا عمر فانزل الله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ الى قوله سواء السبيل وصام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصام الناس معه فلما بلغ الكديد أفطروا فطروا فلم يزل مفطرا حتى انسلخ الشهر وخرج العباس بن عبد المطلب مهاجرا فلقيه بالجحفة وكان قبل مقيما بمكة على سقاية برضاه ولقيه بالأبواء ابو سفيان بن الحارث ابن عمه وابنه جعفر بن ابى سفيان وأسلما قبل دخول مكة قيل بل لقيه هو وعبد الله بن امية ابن عمته عاتكة فاعرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عنهما وقال لا حاجة لى بهما فقد هتكا عرضى وقالا لى ما قالا فالجئا وكلمت أم سلمة فيهما فاذن لهما فلما كان لقديد عقد الالوية والرايات ودفعها الى القبائل وراية النبي - صلى الله عليه وسلم - مع الزبير ثم نزل بمر الظهران عشاء وقد عميت الاخبار عن قريش فخرج تلك الليلة ابو سفيان بن حرب وحكم بن حزام وبديل بن ورقة يتجسسون الاخبار وامر النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابه فاوقدوا عشر آلاف نارا وقال العباس بن عبد المطلب ليلتئذ ووا صباح قريش والله لئن دخل النبي - صلى الله عليه وسلم - مكة عنوة انها لهلاك قريش الى اخر الدهر فخرج عباس على بغلة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليرى حطابا او صاحب لبن او ذا حاجة يدخل مكة فيخبرهم بمكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيستامنونه قبل ان يدخلها عليهم عنوة فسمع عباس صوت ابى سفيان يقول والله ما رايت كالليل نيرانا فقال عباس ويحك يا أبا سفيان هذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد جاء بما لا قبل لكم به فقال ما الحيلة فقال عباس يا أبا سفيان لئن ظفر بك ليضربن عنقك فاركب فى عجز هذه البغلة حتى اتى بك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتستامنه فرجع فكلما مرا بنار نظروا اليه وقالوا هذا عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على بغلة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى مرا بنار عمر فلما راى عمر أبا سفيان قام عمر فقال هذا ابو سفيان عدو الله(10/358)
الحمد لله الذي أمكن منه بغير عهد ولا عقد فاشتد نحو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فدخل عباس مع ابى سفيان على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ودخل عليه عمر ما تصنع هذا الا انه رجل من بنى عبد مناف ولو كان من بنى كعب ما قلت هذا قال مهلا يا عباس لاسلامك يوم أسلمت كان أحب الى من اسلام الخطاب فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اذهب به يا عباس الى رحلك فلما أصبح غدا به عباس الى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال ويحك يا أبا سفيان ألم يأن لك ان تعلم ان لا اله الا الله قال بابى أنت وأمي ما أحلمك وأكرمك وأوصلك والله لقد ظننت ان لو كان مع الله غيره لقد اغنى شيئا بعد قال ويحك يا أبا سفيان ألم يأن ان تعلم انى رسول الله قال بابى أنت وأمي ما أحلمك وأكرمك وأوصلك اما هذه ففى نفسى منها شىء قال عباس
ويحك اسلم واشهد ان لا اله الا الله قبل ان يضرب عنقك فشهد شهادة الحق واسلم واسلم حكيم وبديل قبل ابى سفيان هذا رواية اسحق بن راهويه بسند صحيح وعند الطبراني ان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال يعنى يا عباد الله ان أبا سفيان بالأراك فخذوه وعند ابن ابى شيبة ان أبا سفيان وأصحابه أخذهم حرس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الأنصار وكان الحرس تلك الليلة عمر فقال احبسوه فحبسوه حتى أصبح وعند ابن ابى شيبة قال ابو سفيان دلونى على العباس وفى رواية فيهم عباس فذهب به الى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الى اخر القصة وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من دخل دار ابى سفيان فهو أمن ومن دخل المسجد فهو أمن ومن اغلق بابه فهو أمن فصرخ ابو سفيان فى المسجد يا على صوته يا معشر قريش هذا محمد قد جاءكم بما لا قبل لكم به واخبر بما اتى به من الامان فتفرق الناس الى دورهم والى المسجد ولما اسلم حكيم بن حزام وبديل بن ورقاء وبايعاه بعثهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين يديه الى قريش يدعوهم الى الإسلام وبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الزبير وأعطاه الراية وامره على خيل المهاجرين والأنصار وامره ان يركز راية با على مكة بالجحون وقال لا تبرح حتى امرتك ومن ثم دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وضربت هناك قبت وامر خالد بن وليد فيمن اسلم من قضاعنة وبنى سليم ان يدخل من أسفل مكة وبها بنو بكر قد استنفرتهم قريش وبنو الحارث بن عبد مناف ومن كان من الأحابيش امرتهم قريش ان يكونوا بأسفل مكة وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لخالد والزبير حين بعثهما لا تقاتلا الا من قاتلكم وامر سعد بن عبادة ان يدخل فى بعض الناس من كداء وأعطاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - راية فقال سعد حين توجه داخلا اليوم يوم الملحمة اليوم يستحل الحرمة فسمعها رجل من المهاجرين فقال يا رسول الله اسمع ما قال(10/359)
سعد بن عبادة من ابن يكون له فى قريش صولة فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعلى أدركه فخذ الراية فكن أنت تدخل بها فذهب على بالراية حتى غرزها عند الركن وروى ابو يعلى عن الزبير ان النبي - صلى الله عليه وسلم - دفع الراية اليه فدخل مكة بلوائين فلم يكن بأعلى مكة من قبل الزبير فقال واما خالد ابن وليد فلما دخل من أسفل مكة منعه من كان هناك من المشركين قريش وغيرهم ان تشتهروا له السلاح ورموه بالنبل وقالوا لا تدخلها عنوة فصاح خالد فى أصحابه فقاتلهم وقتل منهم اربعة وعشرون رجلا من قريش واربعة من هذيل وقال ابن اسحق أصيب من المشركين اثنى او ثلاثة عشر وانهزموا أقبح الانهزام حتى قتلوا بالحروة وهم مولون من كل وجه وانطلقت طائفة منهم فوق رؤس الجبال واتبعهم المسلمون ولم يقتل من المسلمين الا رجل من جهينة يقال له سلمة بن الميلاء من خيل خالد بن الوليد ورجلان يقال لهما كرز بن جابر الفهري وحبيش بن خالد بن ربيعة كانا فى خيل خالد بن الوليد فشذا عنه وسلكا طريقا غير طريقه فقتلا جميعا وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد عهد الى امرائه من المسلمين حين أمرهم ان يدخلوا بمكة ان لا تقتلوا أحدا الا من قاتلهم الا نفر أسماهم فامرهم بقتلهم وان وجدوا تحت أستار الكعبة عبد الله بن ابى سرح كان اسلم ثم ارتد فشفع فيه عثمن يوم الفتح فحقن دمه واسلم بعد ذلك وعكرمة ابن ابى جهل فقبل إسلامه وحويرث بن نقيد كان يوذى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحن نرهب حين هاجرت الى المدينة فقتله على ومقيس بن صبابة كان اسلم ثم اتى على رجل من الأنصار فقتله وكان الأنصاري قتل أخاه هشاما خطاء فى غزوة ذى قردة ظنه من العدو فجاء مقيس فاخذ الدية ثم ارتد فقتله غيلة بن عبد الله رجل من قومه وهبار بن الأسود كان شديد الأذى للمسلمين وعرض لزينب بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتحس بها فاسقطت ولم يزل ذلك المرض بها حتى ماتت اسلم يوم الفتح فعفا عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والحارث بن الطلاطل الخزاعي قتله على رض ذكره....
ابو معشر وكعب بن الزبير الشاعر كان يهجو فاسلم ومدح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذكره الحاكم ووحش ابن حرب قاتل بن حمزة فهرب الى الطائف ثم جاء فاسلم وعبد الله بن حنظل كان اسمه عبد العزى كان قد اسلم وسماه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عبد الله وبعثه ساعيا وبعث معه رجلا من خزاعة وكان يصنع له طعاما ويخدمه فنزلا منزلا وامره ان يذبح له.... ويصنع طعاما وقام نصف النهار فاستيقظ(10/360)
ولم يضع له شيئا قعدا عليه فقتله ثم ارتد وهرب الى مكة وكانت له قينتان تغنيان بهجا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقتلهما معه فقتلت يوم الفتح إحداهما وهربت الاخرى فقتله سعيد بن حريث المخزومي وابو برزة الأسلمي اشتركا فى دمه وأسلمت التي هربت وسارة مولاة عمر ابن هاشم كانت مغنية نواحة بمكة وهى التي وجد معها كتاب حاطب بن بلتعة أسلمت وهند بنت ابن عتبة امرأة ابى سفيان تنقت عن كبد حمزة عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسلمت فعفى عنها وهرب صفوان بن امية الى جدة ليركب منها الى اليمن فاستامن له عمير بن وهب فأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اجعلنى فى امرى بالخيار الى شهرين فخيره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الى اربعة أشهر ثم اسلم بعد ذلك ودخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكة وعلى راسه سواء رواه احمد ومسلم واربعة فى الصحيحين على راسه المغفر وجمع بانه كان على راسه المغفر ثم نزع المغفر ولبس العمامة وكان يقرأ سورة الفتح يرجع صوته بالقراءة كذا فى الصحيحين فنزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومعه أم سلمة وميمونة روجتيه فى قبة من آدم بالحجون لخيف بنى كنانة حيث تقاسم قريش وكنانة على بنى هاشم وبنى المطلب ان لا يناكحوهم ولا يبايعوهم حتى يسلموا إليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقيل الا تنزل منزلك من الشعب فقال هل تركت لنا عقيل منزلا وقد باع عقيل منزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومنزل اخوته من الرجال والنساء بمكة فقيل فانزل فى بعض بيوت مكة غير منازلك فأبى وقال لا ادخل البيوت وكان يأتي فى المسجد لكل صلوة من الحجون فمكث فى منزله ساعة من النهار فاغتسل وسترها فاطمة وصلى ثمان ركعات سبحة الضحى رواه مسلم وعند البخاري عن أم هانى انه صلى الله عليه واله وسلم اغتسل فى بيتها وصلى ثم ركب راحلة واتى الكعبة واستلم الركن بمحجنه وكبر وكبر المسلمون حتى ارتجت مكة تكبيرا وجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يشير إليهم ان اسكنوا والمشركون فوق الجبال ينظرون ثم طاف بالبيت على راحلة سبعا يستلم الركن بمحجنه وكان حول الكعبة ثلاثمائة وستون صنما مرصعة بالرصاص وكان هبل أعظمها وهو وجاه الكعبة على بابها واساف ونايله حيث ينحرون ويذبحون فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كلما مر بصنم منها يشير اليه ويطعن فى عينه ويقول جاء الحق وزهق الباطل ان الباطل كان زهوقا فما يشير بصنم الا سقط بوجهه او بقفاه من غير ان يمسه وأراد فضالة بن عمر الليثي قتل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يطوف فلما دنى منه قال يا فضالة قال نعم قال ماذا كنت(10/361)
تحدث به نفسك قال لا شىء كنت اذكر الله فضحك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال استغفر الله ثم وضع يده على صدره فكان فضالة يقول والله ما رفع يده عن صدرى حتى لم يكن شىء أحب الى منه فلما فرغ من طوافه نزل عن راحلته على أيدي الرجال لم يجد مناخا فى المسجد وأناخ البعير خارج المسجد ثم انتهى الى مقام وهو لاحق بالكعبة والدرع عليه والمغفر وعمامة بين كتفيه فصلى ركعتين ثم انصرف الى زمزم فاطلع فيها وقال لولا ان يغلب بنو عبد المطلب لنزعت منها دلوا فنزعه عباس ويقال الحارث بن عبد المطلب دلوا فشرب منه وتوضأ المسلمون يتبدرون بوضوئه يصبونه على وجوههم والمشركون ينظرون إليهم ويتعجبون ويقولون ما راينا ملكا قط ابلغ منه فلا سمعنا به امر يهبل فكسر وعن على قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اجلس فجلست الى جنب الكعبة فصعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم قال يا على اصعد على منكبى ففعلت فلما نهض بي خيل الى لو شئت نلت أفق السماء فصعدت فوق الكعبة فقال انقض صنمهم الأكبر وكان من نحاس موتدا باوتاد من حديد الى
الأرض فقال عالجة ويقول جاء الحق وزهق الباطل ان الباطل كان زهوقا فرميت به فارسل بلا لا الى عثمن بن طلحة يأتي بمفتاح الكعبة فقال عثمن هو عند أمي فارسل إليها فقالت لا واللات والعزى لا ادفعه إليك ابدا فقال لها عثمان لا لات ولا عزى ان لم تفعلى قتلت انا وأخي فابطأ عثمن ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينتظره فبعث أبا بكر وعمر فلما سمعت صوت ابى بكر وعمر قالت يا بنى خذ المفتاح فان تأخذ أنت أحب الى من ان يأخذوا منه هم عدوى فاخذه عثمن فجاء به رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فتناول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منه المفتاح ففتح الكعبة بيده وكان هو طلحة يقولون لا يفتح الكعبة الا هم فامر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عمر بازالة الصور عن البيت قبل دخوله فتجرد المسلمون فى الأزر وأخذ الولاء وارتجزوا على زمزم ويغسلون الكعبة ظهرها وبطنها فلم يدعوا اثرا من المشركين الا محوه وغسلوه فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم الكعبة هو واسامة بن زيد وطلحة وأغلقوا عليهم الباب فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عمودا عن يمينه وعمودين عن يساره وثلثة اعمدة نحو باب البيت ورائه بينه وبين الجدار ثلثة ازرع او ذراعين فصلى ركعتين ثم خرج وصلى ركعتين قبل القبلة وقال هذه القبلة ثم قام على باب البيت قال لا اله الا الله وحده صدق وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده(10/362)
الا ان كل ماثرة ودم او مال يدعى فهو تحت قدمى هاتين وأول دم أضعه دم ربيعة بن الحارث إلا سدانة البيت وسقاية الحاج الا فى قتيل العصاء والسوط والخطا شبه والعمد الدية المغلظة مائة ناقة منها أربعون فى بطونها أولادها ولا وصية لوارث وان الولد للفراش وللعاهر الحجر ولا يحل لامراة ان تعطى من مال زوجها الا باذنه والمسلمون يد واحد على من سواهم ولا يقتل مسلم بكافر ولا ذو عهد فى عهده ولا يتوارث اهل ملتين ولا جلب ولا جنب ولا يوخذ صدقات المسلمين الا فى بيوتهم وأفنيتهم ولا تنكح امرأة على عمتها ولا على خالتها والبينة على من ادعى واليمين على من أنكر ولا تسافر امراة الا مع ذى محرم ولا صلوة بعد العصر وبعد الصبح وأنهاكم عن صوم يومين يوم الفطر ويوم الأضحى وعن اللبستين لا يحتبى فى ثوب واحد ولا يشتمل الصماء يا معشر قريش ان الله قد ذهب عنكم الجاهلية وتعظمها بالآباء الناس ابن آدم وآدم خلق من تراب ثم تلا يايها الناس انا خلقناكم من ذكر وأنثى الاية يا اهل مكة ماذا ترون انى فاعل بكم قالوا خير أخ كريم وابن أخ كريم قال لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو ارحم الراحمين اذهبوا فانتم طلقاء فاعتقهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فخرجوا كما نشروا من القبور وروى البخاري عن ابى هريرة ان عام الفتح قتلت خزاعة رجلا من بنى ليث بقتيل لهم فى الجاهلية فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال ان الله قد حبس عن مكة الفيل وسلط عليهم رسوله والمؤمنين الا وانها لم تحل لاحد قبلى ولا يحل لاحد بعدي وانما حلت لى ساعة من نهار الا وانها ساعتى هذه حرام لا يختلى شوكها ولا يعضد شجرتها ولا يلتقط ساقطها الا متشدد من قتل له قتيل فهو بخير النظرين اما يودى واما يقاد فقال له رجل من اهل اليمن يقال له ابو شاه اكتب لى يا رسول الله فقال اكتبوا له وقام رجل من قريش فقال يا رسول الله الا الاذخر قال الا الاذخر وفى رواية قام رجل فقال يا رسول الله انى قد عاهرت فى الجاهلية فقال عليه السلام من عاهر بامرأة لا يملكها او امة قوم آخرين ثم ادعى ولده بعد ذلك فانه لا يجوز له ولا يرث ولا يورث ولاء خالكم الا قد عرفتموها أقول قولى هذا واستغفر الله لى ولكم ونادى منادى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمكة من كان يومن بالله وباليوم الاخر فلا يدع ما فى بيته صنما الا كسره فلما حانت الظهر امر بلالا ان يوذن بالظهر يومئذ فوق الكعبة يغبط بذلك المشركون وقريش فوق رؤس الجبال وقد فسر وجوههم وتعيبوا(10/363)
وابو سفيان وخالد بن أسيد وحارث بن هشام جلوس بفناء الكعبة فقال خالد بن أسيد لقد أكرم الله أسيدا ان لا يكون يسمع هذا وقال الحارث اما والله لو اعلم انه محق لاتبعه وقال بعض بنى سعيد بن العاص لقد أكرم الله سعيدا إذ قبضه قبل ان يرى هذا الأسود على ظهر الكعبة وقال ابو سفيان لا أقول شيئا لو تكلمت لاخبرت عنى هذه الحصا فاتى جبرئيل بما قالو فاخبرهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بما قالوا فقالوا شهد انك رسول الله فاسلم اهل مكة ورمى بعض المسلمين أبا قحافة فشبحه فاخذت قلادة اسماء بنت فادركه ابو بكر وهو يستد من فمسح الدم على وجهه وجاء به الى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال هلا تركت الشيخ حتى ايته فمسح صدره فاسلم وكان راس ابى قحافة ولحيته كالثغامة فقال عليه الصلاة والسلام غيروا هذا الشيء وجنبوه السواد فجلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الصفا وعمر أسفل منه يأخذ عن الناس البيعة على الايمان بالله وشهادة ان لا اله الا الله وحده وان محمدا عبده ورسوله فجاء الكبار والصغار والرجال والنساء فبايعهم ولما فرغ عن بيعة الرجال بايع النساء قالت عائشة والله ما مست يد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - امرأة قط ما كان يبايعهن الا كلاما وروى مسلم عن ابى هريرة ان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما فرغ من طوافه اتى الصفا فعلا منه حتى يرى البيت فرفع يديه وجعل يحمد الله تعالى ويذكره ويدعو بما شاء الله ان يدعوه والأنصار تحته فقال بعضهم لبعض اما الرجل فادركته رغبة فى قربته ورافة فى عشيرته فجاء الوحى فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يا معشر الأنصار قالوا لبيك يا رسول الله قال قلتم كذا قالوا نعم قال فحاشا وكلا انى عبد الله ورسوله هاجرت الى الله وإليكم المحيا محياكم والممات مماتكم فاقبلوا اليه يبكون ويقولون والله يا رسول الله ما قلنا الذي قلنا الا للضنين بالله وبرسوله فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فان الله ورسوله بعد ردتكم بصدقاتكم واستقرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من ثلثة نفر من قريش خمسين الف درهم من صفوان بن امية وأربعين الف درهم من عبد الله بن ربيعة وأربعين الف من حويطب بن عبد العزى فقسمها بين اهل الضعف من أصحابه فلما فتح الله هوازن ردها وقال انما جزاء السلف الحمد والأداء وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا تعزى مكة بعد اليوم وقال لا هجرة بعد الفتح وروى ابو يعلى وابو نعيم عن ابن عباس قال لما فتح مكة ان إبليس ان رنة فاجتمعت ذريته فقال ايئسوا ان ترد امة محمد الى الشرك وروى(10/364)
وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا (2) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا (3)
ابن ابى شيبة عن مكحول لما دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكة تلقته الجن يرمونه بالشرر فقال جبرئيل عليه السلام تعوذ يا محمد بهؤلاء الكلمات أعوذ بكلمات الله التامة التي لا يجاوزهن برو لا فاجر من شر ما نزلا من السماء وما يعرج فيها ومن شر ما بث فى الأرض وما يخرج منها ومن شر الليل والنهار ومن شر كل طارق يطرق الا طارق يطرق بخير يا رحمن وروى البيهقي عن ابن ابى بزى قال لما فتح مكة جاءت عجوز حبشية شمطاء تخمش وجها وتدعو بالويل فقيل يا رسول الله راينا عجوزا شمطاء حبشية تخمش وجهها وتدعو بالويل فقال تلك قائلة أيست ان تعبد ببلدكم هذا ابدا ونزلت يوم الفتح ان الله يأمركم ان تؤدوا الأمانات الى أهلها الآية فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عثمن بن طلحة فدفع اليه المفتاح وقال خذها خالدة تالدة لا ينزعها منكم الا ظالم ان الله استامنكم على بيته فكلوا مما يصل إليكم من هذا البيت بالمعروف وروى انه جاء جبرئيل فقال ما دام هذا البيت أوليته من لبناته قائمة فان المفتاح والسدانة فى ال عثمن فكان المفتاح معه فلما مات دفعه الى أخيه شيبة فالمفتاح والسدانة فى أولادهم الى يوم القيمة واقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمكة تسع عشرة ليلة يقصر الصلاة رواه البخاري وفى رواية ابى داود سبع عشرة وعند الترمذي والبخاري ثمان عشر وجه الجمع انه تسع عشر مع يوم الدخول والخروج وسبع عشر باسقاطهما وثمان عشر من حيث الساعات وما روى خمس عشرة فضعفها النووي فى الخلاصة ولما فتح الله مكة قالت العرب بعضهم لبعض إذا ظفر محمد يا اهل
الحرم وقد كان الله اجارهم من اصحاب الفيل فليس لكم به يدان فكانوا يدخلون فى دين الله أفواجا بعد ان كانوا يدخلون واحدا وواحدا واثنين اثنين وهو قوله تعالى.
وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ جملة يدخلون حال من مفعول رايت ان كان بمعنى روية البصر والا فمفعوله الثاني أَفْواجاً حال من فاعل يدخلون قال مقاتل وعكرمة أراد بالناس اهل اليمن عن ابى هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال أمتكم اهل اليمن هم ارق افئدة وألين قلوبا للايمان والحكمة يمانية والفخر والخيلاء فى اصحاب الإبل والسكينة والوقار فى اهل الغنم متفق عليه وجواب إذا جاء قوله تعالى.
فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ اى متلبسا بحمد ربك يعنى قل سبحان الله وبحمده متعجبا حامدا لما تيسر الله لك ما لم يخطر ببال أحد ان يفتح عنوة وقد منعها الله من اصحاب الفيل عن انس قال لما دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكة استشرفه الناس فوضع راسه صلى الله عليه وسلم على رحله متخشعا رواه الحاكم بسند جيد وعن ابى هريرة نحوه بلفظ ليمس وسط رحله ويقرب منها(10/365)
تواضعا حتى راى من فتح الله وكثرة المسلمين ثم قال اللهم ان العيش عيش الاخرة رواه ابو يعلى وَاسْتَغْفِرْهُ تواضعا وهضما لنفسك واستغفارا لعملك واستدراكا لما فات منك الأفضل باختيار الفاضل شفقة على الامة او المعنى استغفر لامتك قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - انى لاستغفر الله فى اليوم والليلة سبعين مرة وفى رواية اكثر من سبعين مرة وفى رواية مائة مرة رواه البخاري والنسائي وابن ماجة والطبراني وابو يعلى من حديث ابى هريرة وانس وشداد بن أوس وتقديم التسبيح ثم الحمد على الاستغفار على طريقه النزول من الخالق الى الخلق وهذا من سنة الدعاء ولا بد لغير النبي - صلى الله عليه وسلم - تقديم الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - ايضا على استغفار إِنَّهُ لم يزل كانَ تَوَّاباً للمستغفرين منذ خلق المكلفين روى الثعلبي ان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما قرئها بكى عباس فقال عليه السلام ما يبكيك فقال نعيت نفسك إليك فقال انه لكما تقول قال البيضاوي وجه الاستدلال بالسورة على نعى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دلالتها على تمام الدعوة وكمال امر الدين كقوله تعالى اليوم أكملت لكم دينكم الاية او لان الأمر بالاستغفار تنبيه له على دنو الاجل وروى البخاري عن ابن عباس قال كان عمر يدخلنى مع أشياخ بدر فقال بعضهم لم يدخل هذا الفتى معنا ولنا أبناء مثله فقال انه ممن قد علمتم قال فدعاهم ذات يوم ودعانى معهم قال وما رايته دعانى يومئذ الا ليريهم منى فقال ما تقول إذا جاء نصر الله والفتح حتى ختم السورة فقال بعضهم أمرنا ان نحمد الله ونستغفره إذا نصرنا وفتح علينا وقال بعضهم لا ندرى ولم يقل بعضهم شيئا قال لى ابن عباس كذلك تقول قلت لا قال فما تقول قلت هو أجل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اعلمه الله إذا جاء نصر الله والفتح فتح مكة فذاك علامة أجلك فسبح بحمد ربك واستغفره انه كان توابا قال عمر ما اعلم الا ما تعلم اخرج احمد عن ابن عباس قال لما نزلت إذا جاء نصر الله والفتح قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نعت الى نفسى اخرج الترمذي من حديث انس إذا جاء نصر الله والفتح ربع القران وروى البخاري عن عائشة قالت كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يكثر فى ركوعه وسجوده سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر يتاول وروى مسلم عنها قالت كان يكثر من قول سبحان الله وبحمده استغفر الله وأتوب اليه قال أخبرني ربى الى سارى علامة فى أمتي فاذا رايتها اكثر من قول سبحان الله وبحمده استغفر الله وأتوب اليه رايتها إذا جاء نصر الله والفتح فتح مكة ورايت الناس يدخلون فى دين الله أفواجا فسبح بحمد ربك واستغفره انه كان توابا قال الحسن اعلمه قد اقترب اجله فامر بالتسبيح والتوبة ليختم له بالزيادة فى العمل الصالح قال قتادة ومقاتل عاش النبي صلى الله عليه وسلم بعد نزول هذه السورة سنتين- والله اعلم.(10/366)
تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (1) مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ (2) سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ (3) وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (4)
سورة اللهب
مكيّة وهى خمس آيات بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ روى الشيخان فى الصحيحين انه لما نزلت قوله تعالى وانذر عشيرتك الأقربين جمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أقاربه فانذرهم وفى رواية عند البخاري وغيره صعد على الصفا فنادى فاجتمعت اليه قريش ارايتم لو أخبرتكم ان العدو مصبحكم او ممسيكم اما كنتم مصدقى قالوا بلى قال فانى نذير لكم بين يدى عذاب شديد فقال ابو لهب تبا لك ألهذا جمعتنا وأخذ حجرا ليرميه فنزلت
تَبَّتْ التباب خسران يودى الى الهلاك اى هلكت يَدا أَبِي لَهَبٍ اى نفسه كما فى قوله تعالى ولا تلقوا بايديكم الى التهلكة وقيل انما خصتا بالذكر لما أخذ حجر الرمي وقيل أراد بها دنياه وآخرته وقيل أراد ماله وملكه يقال فلان قليل ذات يد قرأ ابن كثير ابى لهب بإسكان الهاء والباقون بفتحها واسمه عبد العزى بن عبد المطلب قال مقاتل كنى باللهب لحسنه واشراق وجهه وانما ذكر هاهنا بالكنية لاستكراه ذكر اسمه ولانه لما كان من اصحاب النار كانت الكنية أوفق بحاله وبمجانسة قوله ذات لهب وَتَبَّ ط اخبار بعد اخبار للتاكيد او الاولى دعائية والثاني اخبارية والتعبير بالماضي لتحقق وقوعه قال ابن مسعود لما دعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أقرباءه الى الله عز وجل قال ابو لهب ان كان ما يقول ابن أخي حقا فاننى افتدى نفسى بمالى وولدي فانزل الله تعالى.
ما أَغْنى عَنْهُ مالُهُ ما نافية او استفهامية للانكار يعنى ما يدفع عنه عذاب ما جمع من المال او اى شىء يغنى عنه ماله وكان صاحب مال ومواش وَما كَسَبَ ط من المال والولد عن عائشة مرفوعا أطيب ما أكلتم من كسبكم وان أولادكم كسبكم رواه البخاري فى التاريخ والترمذي وقد افترس ولده عتبة اسد فى طريق الشام كما ذكرنا فى سورة عبس ومات ابو لهب بالعدس بعد وقعة بدر بايام معدودة وترك ثلثا حتى أنتن ثم استاجروا بعض السودان حتى دفنوه أوعده الله تعالى بالنار فقال.
سَيَصْلى ناراً ذاتَ لَهَبٍ اى تلتهب جملة مستانفة او فى مقام التعليل لقوله ما اغنى اتفق القراءة على فتحة هاء لهب هاهنا لرعاية القوافي.
وَامْرَأَتُهُ ط عطف على المستكن فى سيصلى سوغه الفصل او مبتداء بعده خبره وهى أم جميل بنت حرب بن امية اخت ابى سفيان حَمَّالَةَ الْحَطَبِ ج قرأ عاصم بالنصب على الذم والشتم والباقون بالرفع على انه خبر مبتداء اخرج ابن جرير عن ابن اسحق عن رجل من همدان يقال له(10/367)
فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ (5)
يزيد ان امرأة ابى لهب كانت تلقى فى طريق النبي صلى الله عليه وسلم الشوك والعضاة لتعقرهم فنزلت وكذا روى عن الضحاك واخرج ابن المنذر عن عكرمة مثله وهى رواية عطية عن ابن عباس وقال قتادة ومجاهد والسدى كانت تمشى بالنميمة وتنقل الحديث فتلقى العداوة بين الناس وتوقد نارا كما توقد الحطب نارا وقال سعيد بن جبير حمالة الخطايا قال الله تعالى وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم.
فِي جِيدِها عنقها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ ع خبر لامرأته بعد خبر على تقدير كونه مبتداء او حال منه على تقدير كونه فاعلا سيصلى قال ابن عباس وعروة بن الزبير المراد به سلسلة فتلت من حديد قتلا محكما ذرعها سبعون ذراعا يدخل فى فمها ويخرج من دبرها ويكون سائرها فى عنقها والمسد ما قتل واحكم من اى شىء كان وروى الأعمش عن مجاهد من مسد اى من حديد وقال الشعبي ومقاتل من ليف مقتول وذلك الليف هو الحبل الذي كانت تحتطب به فبينما هى ذات يوم حاملة حزمة فأعيت فقعدت على حجر تستريح فاتيها ملك فجذبها من خلفها فأهلكها وقال ابن زيد حبل من شجر ينبت باليمن يقال له مسد وقال قتادة هى قلادة قال الحسن كانت خرزات فى عنقها وقال سعيد بن المسيب كانت لها قلادة فى عنقها فأخرة فقالت لانفقها فى عداوة محمد - صلى الله عليه وسلم - قلت فان كان المراد بثبوت حبل كائنا من مسد اى حديد فى جيدها فى الاخرة فهى اما خبر لامرأته بعد خبر ان كان مبتداء او حال منه إن كان فاعلا سيصلى وحمالة الحطب على تقدير النصب يكون معترضة للذم ولا يجوز ان يكون فى جيدها حبل من مسد حالا من الضمير المستكن فى حمالة الحطب لعدم اتحاد زمان الحال حينئذ لان حمل الحطب كان فى الدنيا الا ان يقال معنى حمالة الحطب انها تحمل حطب جهنم كالزقوم والضريع او ما يوقد به جهنم جزاء لما كانت تحمل الحطب فى الدنيا بعداوة النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه كذا ذكر البيضاوي لكن لم ينقل هذا التأويل من السلف وان المراد به ثبوت حبل فى عنقها فى الدنيا فحينئذ اما خبر مبتداء محذوف اى هى او خبر بعد خبر لامرأته او حال من الضمير المستكن فى حمالة الحطب بلا إشكال والظاهر على هذا التأويل ان يكون فى الكلام ترشيحا للمجازا وتصويرا لها بصورة الخطابة التي يحتمل لتحرمه وتربطها فى جيدها كيلا يسقط من راسها لتحقيرها ولا يكون الكلام على الحقيقة وما قال الشعبي فهو مستبعد جدا لكونها وزوجها فى بيت عز وثروة وجدة- والله تعالى اعلم.(10/368)
سورة الإخلاص
مكيّة وهى اربع آيات بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ اخرج الترمذي والحاكم وابن خزيمة من طريق ابى العالية عن ابى بن كعب ان المشركين قالوا لرسول الله صلى الله عليه واله وسلم انسب من ربك فانزل الله تعالى قل هو الله أحد الى اخر السورة واخرج الطبراني وابن جرير مثله من حديث جابر بن عبد الله فبناء على هذين الروايتين قيل السورة مكية واخرج ابن ابى حاتم عن ابن عباس ان اليهود جاءت الى النبي صلى الله عليه وسلم منهم كعب بن الأشرف وحيى بن اخطب فقالوا يا محمد صف لنا ربك الذي بعثك فانزل الله قل هو الله أحد الى آخرها واخرج ابن جرير عن قتادة وابن المنذر عن سعيد بن جبير مثله وذكر البغوي قول الضحاك وقتادة ومقاتل جاء ناس من أحبار اليهود الى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا صف لنا ربك لعلنا نومن بك فان الله انزل نعته فى التورية فأخبرنا من اى شىء هو وهل يأكل ويشرب ممن ورث ومن يرثه فانزل الله هذه السورة واخرج ابو شيخ فى كتاب العظمة من طريق ابان عن انس قال أتت يهود خيبر الى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا يا أبا القاسم خلق الله الملائكة من نور الحجاب وآدم من حمأ مسنون وإبليس من لهب النار والسماء من دخان والأرض من زبد الماء فاخيرنا عن ربك فلم يجبهم فاتاه جبرئيل بهذه السورة وبناء على هذا الروايات قيل السورة مدنية واخرج ابن جرير عن ابى العالية قال قادة الأحزاب انسب لنا ربك فاتاه جبرئيل بهذه السورة وعلى هذا الرواية يرتفع التعارض ويظهر ان السورة مدنية والمراد بالمشركين من حديث ابى بن كعب هم قادة الأحزاب ولعل اليهود وقادة الأحزاب من المشركين كلا الفريقين سالوا عن الله تعالى حين نزلت السورة وذكر البغوي عن ابى الظبيان وابى صالح عن ابن عباس ان عامر بن الطفيل واربد بن ربيعة أتيا النبي صلى الله عليه واله وسلم فقال عامر الى ما تدعونا يا محمد قال الى الله تعالى قال صفه لنا أمن ذهب هو(10/369)
قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)
أم من فضة أم من حديد أم من خشب فنزلت هذه السورة فاهلك الله أريد بالصاعقة وعامرا بالطاعون قوله تعالى
قُلْ يا محمد هُوَ الضمير اما للشأن والجملة الواقعة بعدها خبر له ولا حاجة الى العائد لانه هى هو واما عائد الى ما سئل عنه يعنى الذي سالتمونى هو اللَّهُ خبر لهو أَحَدٌ ج بدل من الله او خبر ثان لهو أصله وحد بمعنى واحد أبدلت الواو همزة وفى قراءة ابن مسعود قل هو الله لواحد وكذا قرأ عمر بن الخطاب وعلى تقدير كون الضمير للشأن وكون الله أحد مبتداء وخبر فالكلام ليس على ظاهره لان الله علم للجزء الحقيقي لا يكون الا واحدا يمتنع فرض صدقه على كثيرين كزيد فيلزم الاستدراك ولا يفيد الكلام فالواجب ان يراد بلفظ الله معنى كليا يعنى مستحقا للعبادة لكل من سواه وذلك الاستحقاق لا يتصور الا بافاضة الوجود وتوابعه على ما عداه وذلك الافاضة لا يتصور الا من الذات الواجب وجوده وصفات كماله الممتنع عليه صفات النقص والزوال المباين للممكنات فى حقيقة ذاته وصفاته لان اقتضاء وجود غيره فرع اقتضاء وجوده فى نفسه وما لا يقتضى وجوده فى نفسه كيف يقتضى وجود غيره سواء كان ذلك الغير جوهرا او عرضا او فعلا من افعال العباد وذلك معنى الوجوب والنقص والزوال ومشابهة الممكنات ينافى الوجود واستحقاق العبادة فمعنى الجملة المستحق للعبادة على الإطلاق الواجب لذاته وجوده وصفاته الكاملة الممتنع عليه صفات النقص والزوال واحد لا شريك له وحينئذ أفاد الكلام فائدة تامة غير انه على هذا التأويل لا يطابق الجواب السؤال لانهم لم يسالوا النبي صلى الله عليه واله وسلم عن كونه تعالى واحدا او متكثرا فان النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعوهم بأعلى صوته الى التوحيد وقول لا اله الا الله بل سالوه عن حقيقة الذاتية وقالوا يا محمد صف لنا ربك الذي بعثك أمن الذهب هو أم من فضة او نحو ذلك وكذا إن كان الضمير عائدا الى المسئول عنه لا جائز ان يقال معنى الجملة انه واحد غير متكثر فانه لا يطابق السؤال فالواجب على كلا التأويلين ان يكون المراد بأحد ما يكون منزها عن أنحاء التركيب والتعدد وما يستلزم أحدهما من الجسمية والمتحيز والمشاركة لشئ من الأشياء فى الحقيقة والمشابهة لشئ من الأشياء فى صفة من صفات الكمال وإذا لم يشابهه أحد فى الذات(10/370)
اللَّهُ الصَّمَدُ (2)
ولا فى صفة من الصفات لا يكون له ند ولا ضد ولا مثل ومن هاهنا قالت الصوفية العلية أحديته تعالى وعدم مشابهة أحد له تعالى فى صفة من الصفات يقتضى ان لا يشاركه أحد فى الوجود فانه اصل الصفات والحيوة التي هى أم الصفات وامامها من العلم والقدرة والارادة والكلام والسمع والتكوين فرع للوجود بالمعنى المصدري فهو امر انتزاعي مترتب عليه ومن ثم قالوا يعنى لا اله الا الله لا موجود الا الله فالموجود الحقيقي فى الخارج ليس الا الله تعالى وما عداه من الممكنات الموجودة متصفة بوجوده كالظل لوجوده فى الخارج او هو كالظل للخارج الحقيقي وكذا الحال فى العلم والقدرة وسائر الصفات قال الله تعالى ذلك بان الله هو الحق يعنى الثابت المتحقق المتأصل فى وجوده وصفاته وان ما يدعون من دونه هو الباطل يعنى اللاشيء فى نفسه وقال الله تعالى كل شىء هالك الا وجهه فصفات الممكنات انما يشارك صفات الواجب تعالى اشتراكا اسميا لا اشتراكا حقيقيا ومن لا يفهم كلام الصوفية فعليه التشبث باذيا لهم حتى يتبين لهم انه الحق او لم يكف بربك انه على كل شىء شهيد الا انهم فى مرية من لقاء ربهم الا انه بكل شىء محيط ففى جملة واحدة ثم الاشارة الى مباحث الذات والصفات كلها فى كلمة قل اشارة الى النبوة والتبليغ واعجاز الاية شاهد على النبوة فكفى بقل هو الله أحد عن المجلدات وان بقي الكلام فى مثل ان صفاته تعالى عين ذاته او زائدة عليها فلا محذور فيه ولا يتعلق به غرض بل البحث عن مثل هذه الأبحاث الفلسفة يقضى الى المهلكة قال الله تعالى يسئلونك عن الروح قل الروح من امر ربى وما أوتيتم من العلم الا قليلا فاذا لم يوت البشر العلم بحقيقة الروح وهو من الخلائق فانى له العلم بذات الخالق وصفاته الا العجز عن درك إدراكه..... والبحث عنه اشراك والسبيل اليه المعية الجيبية لا غير عن ابى هريرة قال خرج علينا رسول
الله صلى الله عليه واله وسلم ونحن متنازع فى القدر فغضب حتى احمر وجهه حتى كانما فقئ وجنتيه حب الرمان فقال أبهذا أمرتم أبهذا أرسلت إليكم انما هلك من كان قبلكم حين تنازعوا فى هذا الأمر عزمت عليكم الا تنازعوا فيه رواه الترمذي وروى ابن ماجة نحوه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده.
اللَّهُ الصَّمَدُ ج قال ابن عباس والحسن وسعيد بن جبير الصمد الذي لا خوف له كذا اخرج ابن جرير عن بريدة(10/371)
الا اعلمه الا قد رفعه قلت لعله مجاز مما لا ينفذ اليه العقول والأوهام ولا يدركه الافهام وقال الشعبي الذي لا يأكل ولا يشرب وقيل تفسيره وما بعده ولذا روى ابو العالية عن ابى بن كعب وقال ابو الوائل شقيق بن سلمة هو السيد الذي قد انتهى سودده وهى رواية عن ابى طلحة عن ابن عباس يعنى الذي قد كمل فى جميع انواع السودد وعن سعيد ابن جبير هو الكامل فى جميع صفاته وأفعاله وقيل هو السيد المقصود فى الحوائج قال السيد هو المقصود اليه فى الرغائب المستغاث به عند المصائب يقال صمدته إذا قصدته قال قتادة الصمد الباقي بعد فناء خلقه وقال عكرمة الصمد الذي ليس فوقه أحد وهو قول على رض وقال الربيع الصمد الذي لا يعتريه الآفات قال مقاتل بن حبان الذي لا عيب فيه قلت وعندى معناه الحقيقي المقصود قال فى القاموس الصمد القصد بالتحريك السيد لانه يقصد وإدخال اللام عليه لافادة كونه فى أجل درجات الصمدية وأعلاها وأكملها فان الناس قد يقصدون غير الله سبحانه من الدنيا وما فيها لفساد رايهم وعدم اهتدائهم الى مرتبة حق اليقين فكل ما ذكر فى اقوال السلف من المعاني فهى تعبيرات عن لوازمه لان المقصود على الإطلاق من يحتاج كل ما عداه اليه ولا يحتاج هو الى غيره فى شىء من الأشياء فيكون البتة جامعا لجميع الكمالات وانواع السودد ومنزها عن العيوب وان تعتريه الآفات غير محتاج الى الاكل والشرب قديما بما لم يولد غير مجانس لاحد حتى يلد مثله ولا يكون فوقه بل ليس مثله أحد فيكون البتة بحيث لا ينفذ اليه فهم وادراك ولما كانت الجملة السابقة تغنيه عن هذه الجملة وعن الجمل الثلث اللاحقة وهذه الجملة وما بعدها كالتأكيد للاولى أوردت لزيادة الاهتمام من قبيل إيراد الخاص بعد العام للمبالغة فى التنزيه والتصريح بالرد على المخاطبين المنكرين المشركين فى القصد والعبادة غيره تعالى القائلين باتخاذ الله تعالى البنات والبنين بغيره لم يذكر العاطف على هذه الجملة ولا على ما بعدها وكرر اسم الله تعالى للاشعار بان لم يتصف به لم يستحق الالوهية وان المقصد يجب ان لا يكون غيره تعالى ومن ثم قالت الصوفية معنى لا اله الا الله لا مقصود الا الله وقالوا ما هو مقصد لك فهو معبود لك فان المرء لا تزال يلقى نفسه فى كمال التذلل لتحصيل مقصوده والعبادة عبارة عن كمال التذلل(10/372)
لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4)
فالصوفية العلية يذكرون النفي والإثبات مع ملاحظة نفى مقصودية ما عدا الله ويجتهدون فيه غاية الاجتهاد حتى يزول عن صدورهم كون غيره تعالى مقصودا بوجه من الوجوه والله الميسر لكل عسير.
لَمْ يَلِدْ كما زعمت المشركون ان الملائكة بنات الله واليهود بان عزير ابن الله والنصارى بان المسيح ابن الله لاستحالة المجانسة وعدم الاقتضاء الى من يعينه او يخلف عنه لاستحالة الاحتياج والفناء عليه تعالى أورد بلفظ الماضي وان كان عدم توالده ابدا ردا على ما قالوا ولمطابقة قوله وَلَمْ يُولَدْ لان الحدوث ينافى الالوهية.
وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ ع اى مكافيا ومماثلا قرا حفص كفوا بضم الفاء وفتح الواو وحمزة بإسكان الفاء مع الهمزة فى الوصل فاذا وقف أبدل الهمزة واوا مفتوحة اتباعا للخط والقياس ان يلقى حركتها على الفاء والباقون بضم الفاء مع الهمزة أحد اسم يكن وكفوا خبره والظرف متعلق بكفوا قدم الخبر على الاسم والظرف التعلق بالخبر عليه للاهتمام لان المقصد تنزيه الله تعالى ونفى المكافاة عنه تعالى الرعاية الفواصل ويجوز ان يكون الظرف حالا من المستكن فى كفوا وان يكون خبرا او كفوا حال من أحد أورد الجمل الثلث منتسقات بالعطف لان المقصد منها نفى اقسام الأمثال وتنزيهه عن كل ما يتصف به فهى كجملة واحدة عن ابى هريرة عن النبي صلى الله عليه واله وسلم قال قال الله تعالى كذبنى ابن آدم ولم يكن له ذلك وشتمنى ولم يكن له ذلك فاما تكذيبه إياي بان يقول لن يعيدنى كما بدأنى وليس أول الخلق باهون على من إعادته واما شتمه إياي فقوله اتخذ الله ولدا وانا الأحد الصمد لم الد ولم اولد ولم يكن لى كفوا أحد- (فصل) - عن ابى الدرداء قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم أيعجز أحدكم ان يقرأ فى ليلة ثلث القران بالواو كيف يقرأ ثلث القرآن قال قل هو الله أحد تعدل ثلث القران رواه مسلم ورواه البخاري عن ابى سعيد ومثله فى حديث ابن عباس وانس وذكرناه فى تفسير سورة الزلزال وعن عائشة ان النبي صلى الله عليه واله وسلم بعث رجلا على سرية وكان يقرأ لاصحابه فى صلوتهم بقل هو الله أحد فلما رجعوا ذكروا ذلك للنبى صلى الله عليه واله وسلم فقال سلوه لاى شىء تصنع ذلك فسالوه فقال لانها صفة الرحمن(10/373)
وانا أحب ان اقرءها فقال النبي صلى الله تعالى عليه واله وسلم اخبروه ان الله يحبه متفق عليه وعن انس قال رجل يا رسول الله انى أحب هذا السورة قل هو الله أحد قال ان حبك إياها أدخلك الجنة رواه الترمذي وروى البخاري معناه وعن ابى هريرة ان النبي صلى الله تعالى عليه واله وسلم سمع رجلا يقرأ قل هو الله أحد فقال وجبت قلت ما وجبت قال الجنة رواه مالك والترمذي والنسائي وعن انس عن النبي صلى الله تعالى عليه واله وسلم قال من أراد ان ينام على فراشه فنام على يمينه ثم قرأ مائة مرة قل هو الله أحد إذا كان يوم القيامة يقول له الرب يا عبدى ادخل على يمينك الجنة رواه الترمذي وقال حسن غريب وعنه عن النبي صلى الله تعالى عليه واله وسلم قال من قرأ كل يوم مأية مرة قل هو الله أحد محى عنه ذنوب خمسين الا ان يكون عليه دين رواه الترمذي والدارمي وفى رواية خمسين مرة ولم يذكر الا ان يكون عليه دين وعن سعيد بن المسيب مرسلا عن النبي صلى الله عليه واله وسلم قال من قرأ قل هو الله أحد عشر مرات بنى له قصر فى الجنة ومن قرأ عشرين مرة بنى له قصر ان فى الجنة ومن قرأها ثلثين مرة بنى له بها ثلثة قصور فى الجنة فقال عمر بن الخطاب والله يا رسول الله إذا لتكثرن قصورنا فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه واله وسلم الله أوسع من ذلك والله تعالى اعلم.(10/374)
سورة الفلق
مدنيّة وهى خمس آيات بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ اخرج البيهقي فى دلائل النبوة من طريق الكلبي عن ابى صالح عن ابن عباس قال مرض رسول الله صلى الله تعالى عليه واله وسلم مرضا شديدا فاتاه ملكان فقعد أحدهما عند راسه والاخر عند رجليه فقال الذي عند رجليه للذى عند راسه ما ترى قال طب قال ما طب قال سحر قال من سحره قال لبيد بن الأعصم اليهودي قال اين هو قال فى شراك فلان تحت صخرة فى ركية فاتو الركية فانزحوا وارفعوا الصخرة ثم خذوا الكدية وأحرقها فلما أصبح رسول الله صلى الله تعالى عليه واله وسلم بعث عمار بن ياسر فى نفر فاتوا الركية فاذا ماءها مثل ماء الحناء ثم رفعوا الصخرة واخرجوا الكدية واحرقوها فاذا فيها وتد فيه أحد عشر عقدة وأنزلت عليه هاتان السورتان فجعل كلما قرأ اية انحلت عقدة قل أعوذ برب الفلق قل أعوذ برب الناس واخرج ابو نعيم فى الدلائل من طريق ابى جعفر الرازي عن انس قال صنعت اليهود لرسول الله صلى الله عليه واله وسلم شيئا فاصابه من ذلك وجع شديد فدخل عليه أصحابه فظنوا انه المايه فاتاه جبرئيل بالمعوذتين فعوذبهما فخرج الى الصحابة صحيحا وله شاهد فى الصحيحين بدون نزول السورة وذكر البغوي قول ابن عباس وعائشة كان غلام من اليهود يخدم رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فدبت اليه اليهود فلم يزالوا به حتى أخذوا مشاطة راس النبي صلى الله عليه واله وسلم وعدة أسنان مشطة فاعطاها اليهود فسحروا فيها وتولى ذلك لبيد بن الأعصم رجل من اليهود فنزلت السورتان وروى البغوي بسنده عن عائشة ان النبي صلى الله عليه واله وسلم طب حتى انه ليخيل انه قد صنع شيئا وما صنعه وانه دعا ربه ثم قال ان الله أفتاني فيما استفتيته فيه فقالت عائشة وما ذاك يا رسول الله قال جاءنى رجلان فجلس أحدهما عند راسى والاخر عند رجلى(10/375)
قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1)
فقال أحدهما لصاحبه ما وجع الرجل قال الاخر مطبوب قال من طبه قال لبيد بن الأعصم قال فيما ذا قال فى مشط ومشاطة وجف طلعة ذكر قال فاين هو قال فى ذروان بير بنى زريق قالت عائشة فاتاها رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ثم رجع الى عائشة فقال والله لكان ماءها نقاعة الحناء ولكان نخلها رؤس الشياطين فقلت يا رسول الله فلا أخرجته قال اما انا قد شفانى الله كرهت ان اثير على الناس شرا قال البغوي وروى انه كان تحت صخرة فى البير فرفعوا الصخرة واخرجوا جف الطلعة فاذا فيه مشاطة راسه وأسنان مشطة وروى البغوي بسنده عن يزيد بن أرقم قال سحر النبي صلى الله عليه وسلم رجل من اليهود فاشتكى لذلك إياها قال فاتاه جبرئيل فقال ان رجلا من اليهود سحرك فعقد لك عقدا فارسل رسول الله صلى الله عليه واله وسلم عليا فاستخرجها كلما حل عقد وجد لذلك خفة فقام رسول الله صلى الله عليه واله وسلم كانما نشط عن عقال فما ذكر ذلك اليهودي ولا راه فى وجهه واخرج ابن مردوية والبيهقي فى الدلائل عن عائشة ان يهوديا سحر النبي صلى الله عليه واله وسلم فى أجد عشر عقدة فى وتردسه فى بير فمرض النبي صلى الله عليه واله وسلم ونزلت معوذتان وأخبره جبرئيل بموضع السحر فارسل عليا فجاء به فقرأهما عليه فكان كلما قرأ اية انحلت عقدة ووجد بعض الخفة وروى انه لبث فيه ستة أشهر واشتد عليه ثلث ليال فنزلت معوذتين وروى مسلم عن ابى سعيد ان جبرئيل اتى النبي صلى الله عليه واله وسلم فقال يا محمد اشتكيت فقال نعم قال بسم الله أرقيك من كل شىء يؤذيك من شر كل نفس او عين حاسد الله يشفيك بسم الله أرقيك قوله تعالى
قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ اى فلق الصبح وهو قول جابر بن الحسن وسعيد بن جبير ومجاهد وقتادة من قوله تعالى فالق الإصباح وقيل فلق الحب والنوى بالشطا والسحاب بالماء والأرض بالعيون والأرحام بالأولاد وقال الضحاك يعنى الفلق وهى رواية الوالبي عن ابن عباس والمشهور هو الاول وقال اكثر المفسرين وهى رواية عن ابن عباس انه سجن فى جهنم رواه ابن جرير وقال الكلبي واد فى جهنم واخرج ابن جرير عن ابى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الفلق جب فى جهنم مغطى واخرج ابن جرير والبيهقي(10/376)
مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ (2) وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ (3)
عند عبد الجبار الخولاني قال قدم علينا رجل من اصحاب رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فى دمشق فراى ما فيه الناس من الدنيا قال وما يغنى عنهم أليس ورائهم الفلق قالوا وما الفلق قال جب فى النار إذا فتح هرب منه اهل النار واخرج ابن ابى حاتم وابن ابى الدنيا وايضا عن عمرو بن عتبة قال الفلق بير فى جهنم إذا سعرت جهنم فمنه تسعر جهنم لتتاذى منه كما يتاذى بنو آدم من جهنم عليها الغطاء فاذا كشفت عنه خرجت منه نار تصيح منه جهنم من شدة حرما يخرج منه واخرج ابن ابى حاتم وابن جرير عن كعب قال الفلق بيت فى جهنم إذا فتح صاح اهل النار من شدة حره واخرج ابن ابى حاتم عن زيد بن على عن ابائه الكرام الفلق جب فى قعر جهنم وانما خص ذكر الله سبحانه فى الاستعاذة بهذه الصفة لان جهنم والفلق الذي هو أشد من اجزائه لما كان أدهى الا داهى وأعظم الأشياء شرا فخالقه وربه اقدر على دفع كل شر وان كان المراد بالفلق الصبح فالصبح دافع ومظهر الشرور غسق الليل فربه قادر على دفع كل شر فذكره تعالى بهذه الصفة داع الى دفع الشرور والله تعالى اعلم.
مِنْ شَرِّ ما خَلَقَ اى من شر كل مخلوق فان الممكن لا يخلو من شر لان العدم داخل فى ماهيته غير انه كلما استضاء بالتجليات الذاتية والصفاتية زال شره وتبدل بالخير أولئك يبدل الله سياتهم حسنات وقال عليه الصلاة والسلام اسلم شيطانى فلا يأمرنى الا بخير قال البيضاوي خص عالم الخلق بالاستعاذة منه لانحصار الشر فيه فان عالم الأمر خير كله وشر عالم الخلق اما اختياري لازم كالكفر متعد كالظلم واما طبيعى كاحراق النار وإهلاك السموم.
وَمِنْ شَرِّ غاسِقٍ الغسق معناه الامتلاء قال الله تعالى انى غسق الليل اى امتلاءها ظلمة ويقال غسق العين إذا امتلئت دمعا وغسق القمر إذا امتلأ نورا وفى القاموس الغاسق القمر والليل إذا غاب الشفق والغسوق والاغساق الاظلام وقيل معناه السيلان غسق الليل الضباب ظلامه وغسق العين سيلان دمعه وغسق القمر سرعة سيره وقيل الغسق البرد سمى الليل غاسقا لانها أبرد من النهار والقمر غاسقا لكونه أبرد من الشمس ولهذا يقال للقمر الزمهرير والمراد بالغاسق هاهنا القمر لحديث عائشة قالت أخذ النبي صلى الله عليه واله وسلم بيدي فنظر الى القمر فقال يا عائشة(10/377)
وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ (4) وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ (5)
استعيذى بالله من شر غاسق إذا وقب رواه البغوي بسنده فعلى هذا التقدير معنى قوله تعالى إِذا وَقَبَ إذا دخل فى الخسوف وأخذ فى الغيبوبة فان القمر لا يتخسف الا عند امتلاء نور الليلة البدر قال ابن عباس والحسن ومجاهد المراد به الليل إذا اقبل ودخل سواده فى ضوء النهار وقال ابن زيد المراد به الثريا إذا أسقطت يقال الانتظام تكثر عند وقوعها وترفع عند طلوعها.
وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ يعنى النفوس السواحر او النساء الساحرات اللاتي ينفثن فى عقد الخيط حين يرقين ويسحرن النبي صلى الله عليه وسلم قال ابو عبيد بناته بامره.
وَمِنْ شَرِّ حاسِدٍ إِذا حَسَدَ اى إذا اظهر حسده وعمل فى الإضرار بمقتضى حسده وانما قيد به لان ضرر الحسد قبل ذلك يعود الى نفس الحاسد لاغتمامه لسرور غيره ولا يتجاوز الى المحسود انما خص هذه الأشياء بالذكر بعد التعميم بقوله من شر ما خلق لكون دخل هذه الأشياء الثلاثة فى هذا الشر المخصوص اعنى سحر النبي صلى الله عليه وسلم ووسوسة شيطان الجن اعنى إبليس وشيطان الانس اعنى لبيد بن الأعصم أورد النفاثات بصيغة الجمع ولام العهد بخلاف غاسق وحاسد حيث أوردهما منكرا إذا الغرض فى الاستعاذة ملاحظة بنات لبيد بالتخصيص والتعين بخلاف غاسق وحاسد فان الغرض هناك استعاذة من شر اى غاسق وحاسد كان لان حساد النبي صلى الله عليه واله وسلم كانوا اكثر من ان يحصى وكانوا دائمين فى الحسد فاستعاذ منهم على وجه يأمن من شرهم فى المستقبل ايضا عن عقبة بن عامر قال قلت يا رسول الله اقرأ سورة هود وسورة يوسف قال لن تقرأ شيئا ابلغ عند الله من قل أعوذ برب الفلق رواه احمد والنسائي والدارمي والله تعالى اعلم.(10/378)
قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) مَلِكِ النَّاسِ (2) إِلَهِ النَّاسِ (3)
سورة النّاس
مدنيّة وهى ست آيات بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
قُلْ يا محمد أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ خالقهم ومربيهم ومصلح أمورهم.
م مَلِكِ النَّاسِ مالكهم ومدبر أمورهم.
إِلهِ النَّاسِ معبودهم هما عطف بيان لرب الناس فان المربى قد يطلق على الوالد ورب الدار ويطلق على المالك وهو لا يكون ملكا ولا معبودا والملك قد يطلق على السلطان وهو لا يكون معبودا مستحقا للعبادة واللام فى الناس للعهد والمراد به النبي صلى الله عليه واله وسلم واتباعه وتخصيصهم بالذكر مع كونه تعالى ربا وملكا والها بكل شىء لاظهار شرفهم ولان المقصود بانزال السورتين دفع شر السحر وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن اتباعه لان من حق الرب والملك والا له حفظ المربوب والمملوك والعائد عن الشر قال غوث الثقلين أيدركني صنم وأنت ظهرى أأظلم فى الدنيا وأنت نصيرى فعار على حامى الحمى وهو قادر إذا أضاع فى البيداء عقال بعيري والكفار وان كانوا مربوبين مملوكين لكن لعدم اعترافهم به غير مستحقين للحماية ولدا قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يوم الأحزاب الله مولانا ولا مولا لكم وتكرير الناس بالإظهار من غير إضمار لان عطف البيان موضوع للبيان وفى الإظهار زيادة البيان وللاشعار بشرف النبي صلى الله عليه وسلم واتباعه وقال البيضاوي ولما كانت الاستعاذة فى السورة المتقدمة من المضار البدنية وهى تعم الإنسان وغيره والاستعاذة فى هذه السورة من الإضرار اللتي تعرض النفوس البشرية وتخصها عمم الاضافة ثمه وخصصها بالناس هاهنا فكانه قال أعوذ من شر الموسوس الى الناس بربهم الذي يملك أمورهم ويستحق عبادتهم وقيل وجه التكرير لفظ الناس ان المراد بالناس الاول الأطفال ومعنى الربوبية يدل عليه وبالثاني الشاب المجاهدين فى سبيل الله ولفظ الملك المنبئ عن السياسة يدل عليه وبالثالث(10/379)
مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ (4) الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (5) مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ (6)
الشيوخ المنقطعين الى الله تعالى ولفظ الإله المنبئ عن العبادة يدل عليه وبالرابع الصالحون إذا الشيطان حريص على عداوتهم وبالخامس المفسدون لعطفه على معوذ منه وفى ذكر أطفال المؤمنين والرجال الصالحين استجلاب للرحمة واستدفاع للعذاب قال رسول رسول الله صلى الله عليه واله وسلم لولا رجال ركع وأطفال وضع وبهائم رتع نصب عليكم صبا رواه ابو يعلى والبزار والبيهقي من حديث ابى هريرة وله شاهد مرسل أخرجه ابو نعيم عن الزهري وقال الله تعالى لولا رجال مومنون ونساء مومنات لم تعلموهم الاية قال البيضاوي فى هذا النظم دلالة على انه تعالى حقيق بالاعادة قادر عليها غير ممنوع عنها واشعار على مراتب الناظر فى العارف فانه يعلم اولا بما يرى عليه من النعم الظاهرة والباطنة ان لم ربا ثم بعد النظر يتحقق انه غنى عن الكل ذوات كل شى ملكه ومصارف أمورهم منه فهو الملك الحق ثم يستدل على انه هو المستحق للعبادة.
مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ الوسواس اسم بمعنى الوسوسة وهو الصوت الخفي الذي يصل مفهومه الى القلب من غير سماع كالزلزال والمراد هاهنا الموسوس يعنى الشيطان على طريقه المبالغة او بتقدير المضاف اى ذى الوسواس كذا قال الزجاج الْخَنَّاسِ صفة للوسواس يعنى الشيطان لان عادته ان يخنس اى يتاخر عند ذكر الله تعالى عن عبد الله بن شقيق قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من آدمي الا بقلبه بيتان فى أحدهما الملك وفى الاخر الشيطان فاذا ذكر الله خنس وإذا لم يذكر الله وضع الشيطان منقاره فى قلبه ووسوس له رواه ابو يعلى وروى ابو يعلى عن انس عنه صلى الله تعالى عليه واله وسلم نحوه.
الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ إذا لم يذكر الله والموصول فى محل الجر على انه صفة بعد صفة للوسواس وجاز ان يكون منصوبا على الذم او مرفوعا على انه خبر لمبتداء محذوف اى هو.
مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ ع بيان للوسواس او الذي فالوسوسة فعل من الجنة والناس جميعا قال الله تعالى وكذلك جعلنا لكل نبى عدوا شياطين الانس والجن الاية امر الله تعالى نبيه صلى الله عليه واله وسلم ان يستعيذ من شر الجن والانس جميعا فان قيل الناس لا يوسوسون فى صدور الناس انما هى فعل بالجن قلنا الناس ايضا يوسوسون بمعنى يليق بهم(10/380)
يقولون أقوالا يرتكز فى صدور الناس منها الوسوسة او هو متعلق بيوسوس اى يوسوس فى صدورهم من جهة الجنة والناس وقال الكلبي هو بيان للناس من قوله فى صدور الناس وأراد بالناس هناك ما يعم القبيلتين سمى الجن ناسا كما سموا رجالا فى قوله تعالى وانه كان رجال من الانس يعوذون برجال من الجن قال البغوي فقد ذكر من بعض العرب انه قال وهو يحدث جاء قوم من الجن فوقفوا ففيل من أنتم فقالوا أناس من الجن وهذا معنى قول الفراء وجاز ان يكون من الجنة بيانا للوسواس ويكون الناس هاهنا معطوفا على الوسواس والمعنى أعوذ برب الناس من شر الشيطان الموسوس من الجنة ومن شر الناس عن عقبة بن عامر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الم تر آيات أنزلت الليلة لم تر مثلهن قط قل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس رواه مسلم ورواه احمد بلفظ قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم الا أعلمك سورا ما انزل فى التورية ولا فى الزبور ولا فى الإنجيل ولا فى القران بمثلها قلت بلى قال قل هو الله أحد وقل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس وعن عائشة ان النبي صلى الله عليه واله وسلم قال إذا أوى الى فراشه كل ليلة جمع كفيه ثم نفث فيهما فقرأ فيهما قل هو الله أحد وقل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده يبدأ بهما على راسه ووجهه وما اقبل من جسده يفعل ذلك ثلث مرات متفق عليه وعن عقبة بن عامر بينا انا أسير مع رسول الله صلى الله عليه واله وسلم بين الجحفة والأبواء إذ غشينا ريح وظلمة شديده فجعل رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يتعوذ بأعوذ برب الفلق وأعوذ برب الناس ويقول يا عقبة تعوذ بهما فما تعوذ متعوذ بمثلهما رواه ابو داود وعن عبد الله بن حبيب قال خرجنا فى ليلة مطيرة وظلمة شديدة نطلب رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ما دركناه فقال قل قلت ما أقول قال قل هو الله أحد والمعوذتين حين تصبح وحين تمسى ثلث مرات يكفيك من كل شىء رواه الترمذي وابو داود والنسائي وعن عائشة ان النبي صلى الله عليه واله وسلم قال إذا اشتكى يقرأ على نفسه بالمعوذتين وينفث فلما اشتد(10/381)
وجعه كنت اقرأ عليه وامسح عنه بيده رجاء بركتها رواه البغوي- (فصل) - فى فضائل القران العظيم عن عثمان بن عفان رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم خيركم من تعلم القران وعلمه رواه البخاري ومسلم وزاد البيهقي فى الأسماء وفضل القران على سائر الكلام كفضل الله على خلقه وعن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم لا حسد الا على الاثنين رجل أتاه الله القران يقوم به اناء الليل واناء النهار ورجل أتاه الله مالا فهو ينفق منه اناء الليل واناء النهار متفق عليه وعن عبد الرحمن بن عوف رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه واله وسلم قال ثلث تحت العرش يوم القيامة القران يحاج العباد له ظهر وبطن والامانة والرحم ينادى الا من وصلني وصله الله ومن قطعى قطعه الله رواه البغوي فى شرح السنة وعن عبد الله بن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقال لصاحب القران اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل فى الدنيا فان منزلتك عند اخر الاية تقرأها رواه احمد والترمذي وابو داود والنسائي وعن ابى سعيد الخدري رض قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يقول الرب تبارك وتعالى من شغله القران عن ذكرى ومسئلتى
أعطيته أفضل ما اعطى السائلين وفضل كلام الله على سائر الكلام كفضل الله تعالى على خلقه رواه الترمذي والدارمي والبيهقي وعن ابن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم من قرأ حرفا من كتاب الله فله حسنة والحسنة بعشر أمثالها لا أقول الم حرف الف حرف ولام حرف وميم حرف رواه الترمذي والدارمي وقال الترمذي حسن صحيح غريب اسناده وعن الحارث الأعور قال مررت بالمسجد فاذا الناس يخوضون فى الأحاديث فدخلت على على رضى الله تعالى عنه فاخبرته قال او قد فعلوها قلت نعم قال واما انى سمعت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يقول الا انها ستكون فتنة قلت ما المخرج منها يا رسول الله قال كتاب الله فيه نبأ ما قبلكم وخبر ما بعدكم وحكم ما بينكم هو الفصل ليس بالهزل من تركه عن جبار فصمه الله ومن ابتغى الهدى من غيره أضله الله وهو حبل الله المتين وهو الذكر الحكيم وهو الصراط المستقيم(10/382)
هو الذي لا يزيغ الأهواء ولا تلتبس به الا السنة ولا تشبع منه العلماء ولا يخلق عن كثرة الرد ولا ينقضى عجايبه هو الذي لم ينبه الجن إذا سمعته حتى قالوا انا سمعنا قرانا عجبا يهدى الى الرشد فأمنا به من قال به صدق ومن عمل به اجر ومن حكم به عدل ومن دعى اليه هدى الى صراط مستقيم رواه الترمذي والدارمي وعن معاذ الجهني قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم من قرأ القران وعمل به بما فيه البس والداه تاجا يوم القيامة ضوءه احسن من ضوء الشمس فى بيوت الدنيا لو كانت فيكم فما ظنكم بالذي عمل بهذا رواه احمد وابو داود وعن عقبة بن عامر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يقول لو جعل القران فى إهاب ثم القى فى النار ما احترق رواه الدارمي وعن على رض قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قرأ القران فاستظهره وأحل حلاله وحرم حرامه ادخله الله الجنة وشفعه فى عشرة من اهل بيت كلهم قد وجبت لهم النار رواه احمد والترمذي وابن ماجة والدارمي وعن عائشة ان النبي صلى الله عليه وسلم قال قراءة القران فى الصلاة أفضل من قراءة القران فى غير الصلاة وقراءة القران فى غير الصلاة أفضل من التسبيح والتكبير والتسبيح أفضل من الصدقة والصدقة أفضل من الصوم والصوم جنة من النار وعن أوس الثقفي.... قال قال رسول الله صلى الله...... عليه واله وسلم قراءة الرجل القران فى غير المصحف الف درجة وقراءته فى المصحف المضعف ذلك الفى درجة وعن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان هذا القلوب تصدأ كما يصدأ الحديد إذا أصابه الماء قيل يا رسول الله وما جلاء ذلك قال كثرة ذكر الموت وتلاوة القران روى الأحاديث الثلاثة البيهقي فى شعب الايمان وعن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما اذن الله لشئ ما اذن لبنى يتغنى بالقران متفق عليه وعنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما اذن الله لشئ يعنى حسن الصوت بالقران يجهر به متفق عليه وعنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس منا من لم يتغن بالقران رواه البخاري وعن جابر قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم نحن نقرأ القران وفينا الاعرابى والعجمي فقال اقرؤا فكل حسن وسيجئ أقوام يقيمونه كما يقام القدح يتعجلونه ولا يتأجلونه(10/383)
رواه ابو داود والبيهقي يعنى يتعجلون ثوابه فى الدنيا وعن حذيفة رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اقرأ القران بلحون العرب وأصواتها وإياكم ولحون اهل العشق ولحون اهل الكتابيين وسيجئ بعدي قوم يرجعون القران ترجيع الغناء والنوح لا يتجاوز حناجرهم مفتونة قلوبهم وقلوب الذين يعجبهم شانهم رواه البيهقي وابن رزين وعن عبيدة المليكي رضى الله عنه وكانت له صحبة قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يا اهل القران لا تتوسدوا القران واتلوه حق تلاوته من اناء الليل والنهار وأفشوه وتغنوه وتدبروا ما فيه لعلكم تفلحون ولا تعجلوا ثوابه فان له ثوابا رواه البيهقي فى شعب الايمان وعن على رض عن النبي صلى الله عليه وسلم قال خير الدواء القران رواه ابن ماجة وفى اللفظ القرآن هو الدواء وروى عن ابن مسعود عليكم بالشفاءين العسل والقرآن وعن واثلة بن الأسقع رضى الله عنه ان رجلا شكى النبي صلى الله عليه واله وسلم وجع حلقه قال عليك بقراءة القران رواه البيهقي فى شعب الايمان وعن ابى سعيد الخدري رضى الله تعالى عنه جاء رجل الى النبي صلى الله عليه واله وسلم فقال انى اشتكى صدرى قال اقرأ القران يقول الله تعالى شفاء لما فى الصدور وعن طلحة بن مطرف رضى الله عنه قال كان يقال إذا قرأ القران عند المريض وجد لذلك خفة رواه ابو عبيدة والله تعالى اعلم- والحمد لله رب العالمين وصلى الله تعالى على خير خلقه محمد واله وأصحابه أجمعين ط.(10/384)