للقياس فلا يعدل عنه لغير داع وليست هذه الألف في اسم ولا وسطا كما في الحرث ونحوه لا سيما وفي حذفها لبس، كما فصل في باب الخط من التسهيل فلا وجه لما قيل من أنه لا يرد الرذ، لأن الرسم على حذف الألفات الواقعة في الوسط، وقوله: وكذا التفسير بيا رجل أي يرد عليه ما ذكر وقد علمت ما أورد عليه ودفعه. قوله: (أو اكتفى بشطري الكلمتين وعبر عنهما باسمهما (معطوف على قوله: والألف مبدلة أو أو بمعنى إلا والفعل بعدها منصوب أي يرد هذا إلا أن يقال الخ وهو توجيه للمشهورة على أق أصلها طأها بما لا يرد عليه ما أورد أولا وهو أن يكتفي من طا بطاء متحزكة ومن ها الضمير بهاء ثم يعبر عنهما باسمهما فها ليست ضميرأبل هي كالقاف في قرله:
قلت لها قفي قالت قاف
وهذا تفسير كلامه بما يندفع عنه الأوهام، وكتابة أسماء حروف التهجي بصورة مسماها مخصوص بها كما مر وفيه نظر لأنه لا يدفع الإيراد إذ لو كان كذلك لانفصل الحرفان في الخط هكذا طه فإن رجع إلى أق خط المصحف لا ينقاس لم يكن لنا حاجة إلى هذا الكلام برفته ومن هذا علم وجه آخر لقراءة الحسن السابقة. قوله: (خبر طه الخ (ظاهر قوله: مؤؤل أنه
حروف مقطعة مؤؤلة بالمتحذي به من جنس هذه الحروف لا علم وضع ابتداء لها، هاذا كان خبرا على الوجهين ولا بد له من عائد فقد أقيم فيه الظاهر مقامه للربط لنكتة وهي أن القرآن رحمة يرتاح لها، فكيف يكون نازلا لتشفي والقرآن حينئذ إن كان خاصا بهذه السورة على أن تعريفه عهدقي حضورقي فظاهر إن كان عما فالربط به لشموله للمبتدأ كما في قوله: نعم الرجل زيد فهو جاره على الوجهين، وقوله: ومنادى له أي لأجل أن يذكر له والجملة مستأنفة أيضا لكنها مرتبطة بما قبلها. قوله: (واستئناف ان كانت (أي لفظة طه جملة فعلية على أنها أمر كما مر وهو استئناف نحوفي أو بياني أي لم أطؤها وكذا إذا نصب بمقدر وهو اتل أو جعل مبتدأ محذوف الخبر كما إذا كان خبرا لكن الاستئناف عليه نحوفي فهو في كلامه عائم لهما، وقوله: أو طائفة أي غير مؤؤلة بما مز. قوله: التتعب بفرط تأسفك (أي لتستمر على التعب أو لتتعب بعد نزوله وذكر فيه ثلاثة وجوه لأن الشقاء بمعناه المعروف وهو ضد السعادة لا يليق بمقامه عتيم فإذا كان بمعنى التعب فهو إقا لأمر روحاني كحزنه أو جسماني كرياضته ومجاهدته، وقوله: على ساق هو بالمهملة في أكثر النسخ وفي بعضها بالمعجمة أي المداومة على أمر شاق والأولى أولى. قوله: (والشقاء الخ (كقوله:
ذوالعقل يشقى في النعيم بعقله وأخوالجهالة بالشقاءينعم ...
وقوله: أشقى من رائض المهر بضم الميم وسكون الهاء الصغير من الخيل، وروى أتعب
قال الميداني وهذا كقولهم: لا يعدم الشقيئ مهرا يعني أن رياضة المهارة أي تعليم صغار الخيل شقاوة لما فيها من التعب وقوله: ولعله عدل إليه أي لم يقل لتتعب، والأشعار بطريق الإيهام لأنه نفى عنه الشقاء بمعنى التعب وأوهم نفيه بمعناه المعروف لتبادره منه فيفيد ثبوت ضده، وقوله: وقيل عطف على قوله: والمعنى الخ فهو مشاكلة، وهو في كلام الكفرة يحتمل معناه الحقيقي وهذا هو الوجه الثالث. قوله: الكن تذكيرا (إشارة إلى انقطاعه، وقوله: بدلا من محل لتشقي لأنه في محل نصب، وقوله: لاختلاف الجنسين لأن الاستثناء من غير الموجب يجوز فيه الإبدال لكنه إذا كان متصلا بأن يكون من جنسه وهو رد على الزجاج في تجويزه البدلية فيه بأنه ليس بعضا منه ولا كلأ، وقيل: عليه إن التذكرة تشتمل على التعب فلم لا يجوز أن يكون بدل اشتمال منه وليس كل بدل من جنس المبدل منه ألا ترى قولهم: سلب زيد ثوبه
وأيضا لك أن تعتبر التذكرة من جنس الشقاء لاشتمالها عليه فكأنها متحدة معه فتجوز البدلية، وهذا من قلة التدبر فإن اتباع الاستثناء لما قبله كما صرحوا به إنما هو في المتصل بطريق البدلية البعضية، وقيل: إنها بدل كل من كل ولم يقل أحد إنه يكون بدل اشتمال وتقدير الدخول فيه لا يجعله متصلا فهذا كله من ضيق العطن فتدبر، وليس المراد باختلاف الجنسين جنسي الإعراب لأن أحدهما لفظي والآخر محليئ كما توهمه أبو حيان فرد على الزمخشري فيه وما ذكره الشيخان هو ما ذهب إليه(6/187)
أبو عليئ الفارسي نعم قيل إنه يصح فيه البدلية من القرآن. قوله: (ولا مفعولا له لأنزلنا الخ (هو رد على الكشاف تبع فيه أبا البقاء حيث جوز فيه أن يكون مفعولا له وقال: كل واحد من لتشقى وتذكرة علة للفعل، إلا أن الأول وجب مجيئه مع اللام لأنه ليس لفاعل النهعل المعلل ففاتته شريطة الانتصاب على المفعولية والثاني جاز قطع اللام عنه ونصبه لاستجماعه الشرائط، وما علل به الرد ليس بشيء لأنه يجوز أن يعلل الفعل بعلتين، وإنما الرد عليه بأنه لا يعمل عامل واحد في معمولين من جنس الفضلات بدون عطف أو بدلية، كما قيل ولك أن تقول أنه مراده وليس في كلامه ما يأباه ويدفع بما في الكشف من أن المعنى ما أنزلناه عليك لتحتمل مشاقه ومتاعبه إلا ليكون تذكرة، وحاصلة أنه نظير ما ضربتك للتأديب إلا إشفاقا ويرجع المعنى إلى ما أذبتك بالضرب إلا للإشفاق، كذلك المعنى هنا ما أشقيناك بإنزال القرآن، إلا للتذكرة أو إلا حال كونه مذكرا، وما يتوهم أن قوله: لتشقى على هذا ظرف مستقر أي ما أنزلنا القرآن الكائن لشقائك وتعبك إلا للتذكرة مضمحل بما مثلناه، وحاصله حسبك ما حملته من متاعب التبليغ ولا تنهك بدنك ففي ذلك بلاغ اهـ. والحاصل أنه يجوز تعدد العلة بدون عطف وإبدال إذا اختلفت جهة العمل فيهما كما هنا فإن أحدهما جار ومجرور والآخر مفعول له وإن اقتضى كلاها المعرب خلافه فإنه غير مسلم، كما اقتضاه كلامهم في غير هذا المحل، وفي كلام الزمخشري هنا إشارة إليه حيث جعله مفعولا صريحا لا على إسقاط اللام، هاذا اتحدت وكانت إحداهما علة للفعل والأخرى علة له بعد تعليله فيكون تعليلا لمجموعهما نحو أكرمته لكونه غريبا لرجاء الثواب فإن الغريب إكرامه لغربته ورجاء الثواب علة لإكرام الغريب، أو لكون العلة الثانية علة للعلة الأولى نحو لا يعذب الله التائب لمغفرته له لإسلامه إذا تعلقا بالفعل المنفيئ إذ لا يلزم تعلقه بالمغفرة وإن صح فالأولى علة لعدم العذاب والثانية للمغفرة وهما يرجعان إلى تغاير المتعلق تقديرا بالإطلاق والتقييد على القاعدة السابقة في أكلت من بستانك من عنبه، وهذا مراد المدقق فاحفظه فإنه نفيس، وأما ما قيل من أنه ما المانع من جواز تعديته إلى أحدهما باعتبار النفي وإلى الآخر باعتبار الإثبات وقد جوز تعلق الحرفين المتماثلين بأفعل التفضيل باعتبارين ثم لا يجوز أن يكون التعليل الثاني للعلة الأولى لا لنفس الفعل المعلل بأن يكون الفعل المعلل بالشقاء معللا بالتذكرة بطريق الحصر بالنفي والاستثناء، والأولى أن يعلك بفقدان المستثنى منه على هذا الاحتمال إذ لا مجال للتفريغ لمكان
لتشقى حتى يندفع الإيراد الأول، فلا وجه له لأنه إذا كان مفعرلا له لا يكون منصوبا على الاستثناء لأنه قسيم له فلا بد أن يكون مفرغا على أن الإنزال تعلق بعلتين إحداهما مثبتة والأخرى عامة منفية استثنى منها أخرى مثبتة وهما الشقاء والتعب وغيره من العلل أي ما أنزلنا عليك القرآن لتحمل مشاق التكليف وتتعب بها لعلة من العلل إلا لهذه العلة أو في حال من الأحوال إلا في هذه الحال، وما قيل إنه لا شقاء فيه وإن هذا ينافي قوله: فلا يكن في صدرك حرج منه فليس بشيء ألا ترى قوله تعالى: {سنلقي عليك قولآثقيلا} [سورة المزمل، الآية: 5] ، والفرق بين المقامين ظاهر، فتأمل. قوله: (وقيل هو مصدر في موقع الحال (فالاستثناء مفرغ والمصدر مؤؤل بالصفة أو قصد به المبالغة ولقلة وقوع المصدر حالا مزضه، وقوله: متعلق بمحذوف لدفع ما مر من تعذي الفعل الواحد لعلتين وقد دفعه المعرب بوجه آخر ادعى أنه المقصود في الكشاف وهو أنه معمول لتشقى أي لا تتعب لشيء إلا لكونه تذكرة وما ذكره المصنف رحمه الله من أن الظرف مستقر لم يرتضه في الكشف مع أق فيه تقدير متعلقه معرفة، وهو غير معروف وحذف الموصول مع بعض صلته وقد أباه بعض النحاة وكون أل حرف تعريف خلاف الظاهر، وقيل: إنه لو جعل حالالم يلزم شيء من ذلك وفيه نظر.
تنبيه: قال الشاطبي: الفعل لا ينصب مصدرين، ولذا قالوا في قول سيبويه رحمه الله:
أعلم الله زيدا العلم البين إعلاما إن العلم انتصب بإضمار فعل لا بأعلم لأن الفعل لا يعمل في مصدرين ولا ظرفي زمان ولا ظرفي مكان ولا حالين، ولا تمييزين فإن جاء ما يوهمه حمل على البدل أو إضمار فعل وأجاز ابن الطراوة عمله في مصدرين أحدهما مؤكد(6/188)
والآخر مبين ورد بأن الفعل إنما يطلب المؤكد وإذا عمل في المبين فقد عمل في المؤكد لأنه بعض ما يعطيه وزيادة فلا يعمل في المبين إلا عند عدم المؤكد أو يؤتى به وأنا نحو دكا دكا فليس منه. قوله: (فإنه المنتفع به (ذكره لأن القرآن تذكير للخاشي وغيره فأشار إلى أن التخصيص به على الوجهين لتنزيل غيره منزلة العدم والجار والمجرور متعلق بتذكرة أو صفة له وليس فيه إشارة إلى أن اللام للعاقبة، كما قيل: بناء على أن يخشى بمعنى يؤول أمره إلى الخشية كما في هدى للمتقين وكذا ليس المراد من شأنه الخشية فإنه لا يلائم كلامه. قوله: (بإضمار فعله (فهو مفعول مطلق أي نزله تنزيلآ، وقوله: أو بيخشى، والمعنى إلا تذكرة لمن يخشى المنزل الذي هو من قادر قاهر فإن من لم يخش غير مؤمن، فيقدم على الارتياب والتكذيب والنصب على المدح بتقدير أعني والبدل بدل اشتمال، وقوله: أو معنى يعني إذا كان استثناء منقطعا فإنه يفيد
التعليل. قوله: الأن الشيء لا يعلل بنفسه (إن كان التنزيل والإنزال، بمعنى بحسب الوضع ولا بنوعه إن كان الإنزال عاما والتنزيل بالتدريجي فإن البدل هو المقصود فيصير المعنى أنزلناه لأجل التنزيل وعلى الحالية فهي حال مؤكدة لا موطئة كما في بعض شروح الكشاف وان وجه بأن مراد قائله أنها كالموطئة لأنه لو اكتفى بقوله: ممن خلق الخ كفى. قوله: (مع ما بعده (خبر مبتدأ محذوف أي هذا مع ما بعده، والتفخيم لشأن المنزل وهو الله جل وعلا أي تعظيمه بذكر مخلوقاته العظيمة ولذا وصف السموات بالعلى وقوله: بعرض الظاهر أنه بضم فسكون بمعنى التعريض به على طريق الكناية كما في بعض الحواشي والباء فيه للمصاحبة أو السببية ومن فسره بإظهار تعظيمه جعله بفتح العين وسكون الراء والظاهر الأول، وقوله: الذي هو عند العقل لأنه يدرك أفعاله أولا ثم يستدل بها على سائر صفاته ولذا قدم الخلق وثنى بالرحمة التي تنال الموجودات قبل كل شيء لأن الخلق منها وليس الترتيب بحسب الوجود فإنه بعكسه ولذا قدم الأرض كما أشار إليه والعليا بضم العين والقصر كالكبرى وقوله: بأن قصد الخ إن كان المعنى بأن ذكر قصده لذلك فهو متعلق بأشار هالا فهو خبر مبتدأ محدوف أي وهو بأن قصد الخ واجراء الكلام والتقادير بناء على أن قوله: على العرش استوى تمثيل لإجرائه ذلك، كالملك إذا جلس على سرير ملكه لتنفيذ أوامره ونواهيه، وقيل: إنه من إطلاق العرش على المحيط تشبيها له بسرير ملك يصدر أمره ونهيه عليه. قوله: اليدل بذلك محلى كمال قدرته الخ (كمال القدرة والإرادة مأخوذ من قصد ما ذكر كما مر بيانه، وقوله: ولما كانت القدرة الخ قيل عليه إنه لا مدخل لتبعية القدرة لإرادة في ترتيب الجزاء على الشرط بل يكفي فيه وجود الإرادة المعلوم مما سبق وكان وجهه أن ما في النظم يدل بصريحه على كمال القدرة كما يدل عليه قوله: أولا حسبما اقتضته حكمته وتعلقت به مشيئته فتأمل، وقوله: بجليات الأمور وخفياتها إشارة إلى أن قوله: السز وأخفى كناية عما ذكر، وقوله: عقب ذلك أي القول المذكور ببيان إحاطة علمه. قوله: (أي وأن تجهر بذكر الله ودعائه فاعلم الخ (أشار بقوله: فاعلم إلى أن ما ذكر لا يصلح
لأن يكون جوابا للشرط لأن علمه للسز، وأخفى ثابت قبل جهره وبعده وبدونه فهو يقام مقام الجواب وهو أمر الله له بعلمه لترتبه عليه والمقصود منه ترك ملازمته له لا فائدة الخبر وسيأتي بيانه وتخصيص القول بذكر الله مع إطلاقه لأن التعريف للعهد بقرينة الجواب فإن استواء الجهر والسز عنده يقتضي أن الجهر المذكور في خطابه، وهو الدعاء كما لا يخفى. قوله: (وأخفى منه وهو ضمير النفس (فالسز ما أسر به إلى الغير وأخفى منه ما أضمره في نفسه ولم يظهره، وقيل: السز ما أسررته في نفسك وأخفى منه ما ستسره فيها، وأخفى أفعل تفضيل من الخفاء، وقيل: فعل ماض يعني أنه يعلم أسرار العباد وأخفى عنهم ما يعلمه وقد قال الزمخشري: إنه ليس بذاك. قوله: (وفيه تنبيه على أن شرع الذكر الخ (ذكر في الكشاف بعد تقدير الجواب بما مر إنه إتا نهى عن الجهر كقوله تعالى: {واذكر ربك في نفسك} [سورة الأعراف، الآية: 255] ، لماتا تعليم للعباد أن الجهر ليس لإسماع الله بل لغرض آخر كما ذكره المصنف رحمه الله هنا واختاره لأن الجهر ليس بمنهيئ عنه بل هو لحكمة، وتصوير النفس(6/189)
إثباتا صورته ورسوخه فيها، والجواز بضم الجيم وفتح الهمزة والراء المهملة، كالصراخ لفظا ومعنى.
قوله: (المستجمع لصفات الألوهية (عداه باللام لأنه لازم يقال: استجمع الليل أي اجتمع، وأما قول الفقهاء مستجمعا شرائط الصحة فليس بثبت كما في المغرب وظاهر كلام الجوهري خلافه فإنه ذكر مما سمع من قولهم: استجمع الفرس جريا واستجمع كل مجمع، وجعل الأول تمييزا والثاني منصوبا على الظرفية غير لازم وكذا في تاج المصادر فما قيل إن الصواب أن يقول المصنف الجامع الخ لا وجه له. قوله: (بين أنه المنفرد بها الخ (تفرده بالألوهية من الحصر وتفرده بمقتضاها هو مدلول له الأسماء الحسنى ولام الاختصاص والتقديم يفيد ذلك، وقوله: صلة أي ظرف لغو متعلق به دماذا كان صفة فهو مستقر. قوله: (والانتقال من التكلم الخ (فهو التفات لأن الظاهر من قبيل الغيبة فهو مثل ضميره، وقيل: إنه من وضع
الظاهر موضع المضمر ولذا عبر بالتفنن لأنه أعئم منه، وفي الوجه الآتي لا تفنن فيه، ونسبته أي الإنزال إلى من وصف بهذه الصفات ولذا وضع الظاهر موضع المضمر لتجري عليه الصفات ووجه التنبيه ظاهر، وما ذكره من الحكاية بعيد جدا وفي قوله: ويجوز إشارة إلى ضعفه، وقوله: صفة لمن قيل اللى هر البدلية فإن من وما الموصولة لا توصف، وكأنه أراد الصفة المعنوية، وإن كانت في اللفظ بدلا وفي بعض الحواشي أنهم يطلقون الصفة على كل تابع وكله قصور فإن ما ذكر مذهب الكوفيين ومذهب البصريين أنه يجوز وصفهما كالذي والتي فإنهما يوصفان ويوصف بهما، وكذا ذو الطائية لأكره أبو حيان رحمه الله، وقوله: خبر محذوف تقديره هو كما أن الرحمن إذا رفع على المدح مثله أو هو حينئذ خبر ثان د! افادته المدح لأنه نعت مقطوع لا أنه بتقدير نعم كما توهم وطبقات الأرض سبع طينية وترابية وسيأتي بيانها، قيل: الطبقة الترابية لا تحت لها على القول بكرية الأرض، فالأحسن تفسيرها بالطينية ويشهد له قول أهل اللغة: الثرى الأرض الندية، ولذا قالط الزمخشري: ما تحت الأرضين السبع، ولا يخفى أنه بعد تفسير المصنف لمراده بقوله: وهي آخر طبقاتها لا يرد عليه شيء فإنها متلاصقة لا متداخلة فتأمل، وتأنيث الحسنى لأنها صفة الجمع وكل جمع مؤنث، وقوله: لدلالتها الخ أو لشرف الذات الموصوفة بها. قوله تعالى:) أوهل أتاك " الخ (من عطف القصة فلا يضر تخالفهما خبرا وإنشاء مع أنها قد تؤؤل بالخبر والاستفهام تقريرفي لا إنكاري بناء على أنه أول إتيانه له، وقوله: ففي أي اتبع والمعنى أتى بها عقبها وتمهيد نبؤته بنزول القرآن والوحي عليه كما يدل عليه ما قبله وقوله ليأتثم أي ليقتدي به ويتسلى بقصصه، والأعباء جمع عبء كحمل لفظا ومعنى، والمراد بأعباء النبة مشاق التبليغ فعطفه عليه تفسيري، وقوله: فإن هذه السورة الخ تعليل لمقدر أو لما يفهم مما قبله أي لأنه محتاج إلى التثبيت والإرشاد في أول أمره ونزول هذه السورة، كذلك لأنها من أوائل ما نزل عليه. قوله: الأنه حدث الخ (أي مصدر هنا لأنه يكون اسما للكلام وهو كالجوامد لا يعمل، ومصدر بمعنى التكلم فيعمل ويتعلق به الظرف حينئذ، وفي شروح الكشاف أن القرينة على أنه أريد المعنى المصدري قوله: فقال لأهله امكثوا بخلاف قوله: هل أتاك حديث الغاشية فإنه بمعنى الخبر، وقيل عليه إن الظاهر أن المراد القصة بتمامها والظرف يكفي لتعلقه رائحة الفعل ولذا نقل الشريف عن بعضهم أن القصة والحديث
والخبر والنبأ يجوز أعمالها في الظروف خاصة وإن لم يرد بها المعنى المصدري لتضمن معناها الحصول والكون، وحماى عليه بعضهم هنا كلام الشيخين فمعنى لأنه حدث لأنه متضمن معنى حدث وهو الحصول أو التحذث والإخبار ولا يخفى بعده لكن إبقاؤه على ظاهره أظهر لأنه هو المعروف فيه وأن وصف القصة بالإتيان أولى من وصف التحدث به وكونه مفعولا لا ذكر بتقدير فاذكر إذ رأى أي وقته والمراد ما وقع فيه من الأمر الغريب الجدير بأن يذكر، وقوله: وفيه الطور أي عنده، وقوله: شاتية أي باردة برد الشتاء ومثلجة وقع فيها الثلج والتاء فيها للتأنيث لكونها صفة لليلة، ولا حاجة لجعلها للمبالغة ولا إلى ادعاء التجوز في الإسناد على أنها من شتوت بمعنى أقمت شتاء، وقوله: إذ رأى قيل(6/190)
إنه بتقدير فبينما هو كذلك إذ رأى فإذ فيه فجائية بخلاف ما في التنزيل ولك أن تبقيها على ظاهرها وضم هاء الفمير للاتباع وهر الأصلى فيها عند أهل الحجاز، وهو اتباع لما بعده، وقوله: أقيموا مكانكم أي فيه وفي نسخة بمكانكم. قوله: (أبصرتها (وقد ورد بهذا المعنى في كلام العرب أيضا في أبيات ومنه إنسان العين، وقيل: الوجدان وقيل الإحساس وقيل غير ذلك وكقوله:
آنست نبأة وقد راعها الف ضاص يوما وقد دنا الإمساء ...
والقبس معناه الشعلة عند أهل اللغة فعل بمعنى مفعول ولذا مرض تفسيره بجمرة ويشهد
له قوله تعالى: {بشهاب قبس} ، [سورة النمل، الآية: 7] ، أي شعلة ساطعة تقتبس من نار، وأو في النظم الظاهر أنها لمنع الخلؤ، وقوله: هاديا إشارة إلى أن المصدر مؤؤل باسم الفاعل واقتصر على المفرد ولم يقل: قوما يهدوني كما في الكشاف اكتفاء بما هو المتيقن وأشار إلى أن الهداية تحتمل معنيين الدلالة على الطريق لأنه ضل عنها كما تذمه وهو الظاهر وفي تقديمه ما يدل على ترجيحه لمناسبته للمقال، ولذا قال: فإن الخ لكنه قيل إنه لا يدفع البعد عنه ويعن لهم بمعنى يعرض ويطرأ، وقوله: ولذلك حققه لهم بأن إشارة إلى أن التأكيد قد يكون لإفادة أنه أمر محقق وإن لم يكن ثمة تردد أو إنكار، وما ذكر في المعاني بناء على الأغلب كما صرحوا به. قوله: (ومعنى الاستعلاء الخ (لما كان الاستعلاء عليها بحسب الظاهر غير مراد لأنه يقتضي دخولها أوله بأنه بتقدير مشرفين عليها، والإشراف الاطلاع وهر يتعدى بعلى أو هو مجاز
مشهور صار حقيقة عرفية في الاستعلاء على مكان قريب ملاصق لها كما في قوله:
وبات على النار الندى والمحلق
ونحوه ما نقله عن سيبويه رحمه الله والمراد بأهلها من هو عندها للإصطلاء والانتفاع بها وبياضها بالنور ورؤية النار منها مع خضرتها من أسفلها إلى أعلاها من خوارق العادة، واختلف في تلك الشجرة هل هي من شجر العوسج أو غيره مما لا حاجة إلى تعيينه، وقوله تعالى: " ئودي، في الدر المصون القائم مقام الفاعل ضمير موسى وقيل: ضمير المصدر أي نودي النداء، وقوله: يا موسى تفسير له وهو ضعيف ومنعوا أن يكون القائم مقامه الجملة لأن الجملة لا تكون فاعلا ولا قائما مقامه يعني إلا أن يعتبر تضمينه معنى القول ويقصد بهذا لفظه وحينئذ فلا يظهر وجه منعه فتأمل. قوله: (أي بأني (يعني بحذف الجار وهو مطرد فيه ونادى يتعدى بالباء وقوله بإضمار القول لأنه لا يعمل في الجمل عند البصريين والكوفيون يجرون ما هو في معناه مجراه وإليه أشار بقوله: أو إجراء الخ، وقوله: وتكرير الضمير يعني أنا سواء كان تأكيدا لاسم إن أو مبتدأ أو الجملة خبرها ويحتمل أنه ضمير فصل. قوله: (قيل إنه لما نودي الخ (اعلم أن المتكلمين بين مثبت للكلام وناف له والمثبتون له فرقتان منهم من قال: إنه كلام نفسيئ بلا حرف ولا صوت وتحقيق الكلام النفسي، والفرق بينه وبين العلم مفصل مذلل في الأصول، ومنهم من قال: إنه لفظي واستلزام اللفظ للحدوث لأنه لا يوجد بعضه إلا بتقضي بعض آخر إنما يلزم من التلفظ بآلة وجارحة وهي اللسان أما إذا كان بدونها فيوجد دفعة واحدة، كما يشاهد في الحروف المرسومة بطبع الخاتم دون القلم وهذا ما اختاره الشهرستاني، وموسى كلمه الله تعالى بغير واسطة ولذا اختص باسم الكليم فكلام الله له لمجييه وكونه من جميع الجهات لصدوره عن الذات المنزهة عن الجهة والمكان على مذهب الشهرستاني لا إشكال فيه وإن كنا لا نعرف حقيقته لأن من لم يذق لم يعرف، وأما على مذهب غيره فسماع الكلام النفسي مشكل فلذا حققه المصنف رحمه الله بأنه تلق روحانيئ، كما تتلقى الملائكة كلام الله لا من جارحة، ثم أفاضته الروح بواسطة قؤة العقل على القوى النفسية ورسمته في الحس المشترك بصور ألفاظ مخصوصة فصار لقؤة تصؤره كأنه يسمعه من خارج فشاهده في اليقظة كما يرى النائم أنه يكلم ويتكلم ووقوف الشيطان حيحثذ عليه إفا أن يكون كذلك أو بالتفرس من كونه على هيئة المصغي المتأمل لما يسمعه، وهذا تحقيق لكلامه بما لا مزيد عليه، فقوله: من جميع الجهات وبجميع الأعضاء نفي لكونه صوتا كالأصوات كما ورد في الحديث يمين الله، وكلتا يديه يمين لنفي(6/191)
الجارحة كما في الانتصاف دماليه أشار العارف بهلول رحمه الله ونفعنا
ببركاته بقوله:
إذا ما بدت ليلى فكلي أعين وإن حذثوا عنها فكلي سامع ...
فما وقع في شرح الكشاف للفاضل اليمني وتبعه غيره من أن المسموع هو الحرف رالصوت ولا يعقل كون غيره مسموعا، وأن المراد بسماعه من جميع الجهات أنه يسمع من كل جهة مثل ما يسمع من الأخرى لا أنه واحد بعينه فليس بسديد لمن ألقى السمع وهو شهيد، وما ظن من أنه يعارضه قوله تعالى: {وناديناه من جانب الطور الأيمن} [سورة مريم، الآية: 52] ، فإنه صريح في سماعه من جهة واحدة فليس بشيء فإن الظرت حال من المفعول وقيد له لا للفعل ولا للفاعل أي حال كونه قريبا من جانب الطور، ويجوز تعلقه به على حذ رميت الصيد في الحرم، وكذا قوله: نودي من شاطىء الوادي ونحوه، وكذا لا حاجة إلى أن يقال: إنه محمول على ظاهره، وهو تعالى قادر على أن يجعل في كل عضو قؤة سامعة مدركة! لأصوات فلا يختص إدراكه بجهة وقد صرح به بعض العارفين، وقوله: وانتقك إلى الحس المشترك أي انتقلت صورة منه إليه فلا يرد أنه يأباه كونه كلامه تعالى حقيقة إذ هو غير منتقل عنه تعالى. قوله: الأن الحفوة (بكسر الحاء وجوز ضمها وهي المشي بدون نعل، وقوله: فزغ قلبك من الأهل والمال وقيل: من الدنيا والآخرة وفيه بعد ووجهه أن يراد بالنعل كل ما يرتفق به وغلب على ما سواه تحقيرا ولذا أطلق على الزوجة نعل كما في كتب اللغة فما قيل: إن وجهه ليس بواضح ليس بواضح، وقوله: باحترام البقعة أي تعظيمها لشرفها، وقوله: يحتمل المعنين أي يجري على التفسيرين في النعلين لأن المقدس بمعنى المنزه عن الأمور الدنيوية فيناسب التجزد منها أو المطهر عن الدنس الحسي والمعنوي فيقتضي خلع ما فيه نجاسة، وقيل: المراد بالمعنيين كونه اسم مفعول أو مكان ووجه التعليل ظاهر. قوله: (عطف بيان للوادي (أو بدل فهو مجرور على أن معناه المكان وقيل إنه جبل الطور وعلى الوجه الآخر فهو منصوب على المصدر إما بمقدس أو نودي وعلى عدم تنوينه هو ممنوع من الصرف للعلمية، والتأنيث باعتبار البقعة كما في سائر أسماء الأماكن، أو للعدل كعمر، وقيل للعجمة وكذا هو إذا كسرت طاؤه كما قرئ به، وقوله: كثني أي لفظا ومعنى وظاهر أنه مصدر وقال ابن السيد أنه ما يطوى من جلد الحية ويقال: فعل الشيء طوي أي مزتين فيكون موضوعا موضع المصدر، واخترتك حذف مفعوله الثاني أي من الناس أو من قومك، وقرأ حمزة بفتح هصش ة أنا عطف على أني أنا
ربك لأنه قرأه بالفتح أيضا وجوز أبو البقاء رحمه الله أن يكون على تقدير ولأنا اخترناك فاستمع فعلق باستمع والأول أولى كذا في الدر المصون، وقيل: إنه بتقدير فاعلم أنا الخ وهو معطوف على اخلع ولا يجوز عطفه على إني أنا ربك لأن حمزة رحمه الله لم يقرأه بالفتح. قوله: اللذي الخ (يعني أن ما موصولة أو مصدرية، وقوله: واللام الخ أي إن لم تكن زائدة كما في ردف لكم كما قيل، وتعلقه بكل منهما أي على البدل لا على أنه من التنازع كما فهمه أبو حيان حتى يرد الرد بأنه لا يجوز تعليقه باخترتك لأنه يجب إعادة الضمير مع الثاني فيقال: فاستمع له لما يوحي فيجاب عنه بأنه أراد التعليق المعنوي من حيث الصلاحية ومراده ما قدمناه وعبارته تحتمله لا تأباه كما توهم مع أن امتناع الحذف فيه ممنوع، وفاء فاستمع سببية. قوله: (داذ على أنه مقصور الخ (ضمير أنه للوحي لا لئه كما توهم هافادته القصر من البدلية البعضية لأنك إذا قلت أكلت الرغيف ثلثه أفاد أن المأكول ثلثه لا غير، ولا حاجة إلى القول بأنه من التخصيص بالذكر في مقام الاحتياج إلى البيان، وأشار بقوله: الذي هو منتهى العلم والتي هي كمال العمل إلى أن القصر فيه اذعائي بجعل ما عدا النهاية والكمال لكونه كير مقصود بالذات بل بالتبعية والعرض كأنه ليس بوحي فما قيل إنه لا يصح القصر لأن ما بعده إلى قوله: رب اشرح لي صدري الخ مما يوحي إليه لا وجه له، ويلزم من التوحيد معرفة الصفات والأفعال الإلهية. قوله: (خصها بالذكر (أي مع دخولها في العبادة، كما خص جبريل بالذكر بعد الملائكة، وفي جعل إقامة الصلاة لأجل ذكره الله على أنه مضاف للمفعول ما يدل على أنها مخ العبادة وفصها ولذا قدم هذا الوجه لدلالته على ما ذكر بخلاف ما بعده وهو ظاهر، وقيل:(6/192)
المراد بقوله: خصها بالذكر بلفظه فيكون ما بعده تأسيسآ، ويجوز كونه تأكيدا وفيه نظر، وقوله: للعلة أي إظهارا للعلة الخ، وهو ضمير العلة وذكره لتذكير الخبر وقوله: وشغل القلب واللسان فالذكر شامل للقلبي واللساني. قوله: (وقيل لذكري (أي معنى لذكري فهو مضاف للفاعل والأمر بها يستفاد من كتابتها في الكتب الإلهية، ومعنى لأن أذكرك بالثناء لأثني عليك أي لأثيبك عليها، وقوله: ولا تشوبها أي لا تخالطها وهو مستفاد من التخصيص بالذكر، وقوله: لأوقات ذكري فاللام وقتية بمعنى عند كما في كتبتها لخمس خلون، وقوله: لذكر صلاتي اللام فيه وقتية أو تعليلية أي عند تذكرها أو لأجل تذكرها. قوله: الما روي الخ (هذا
حديث صحيح رواه أصحاب السنن ووقع في البخاري، ولذا قال التوربشتي: ءن الآية تحتمل وجوها ولكن الواجب المصير إلى وجه يوافق الحديث فالمعنى أقم الصلاة لذكرها لأنه إذا ذكرها فقد ذكر الله أو يقدر فيه مضاف أي لذكر صلاتي، أو وقع ضمير الله موقع ضمير الصلاة لشرفها وخصوصيتها اهـ. وقيل: تبعا لصاحب الكشف وغيره لا نسلم أن الحديث يقتضي تعيين هذا الوجه لصحة إرادة الوجه الأول منه لأن وضع الصلاة إذا كان لتذكر المعبود وهي محله فإذا ذكرها المكلف تبادرت الحكمة في مشروعيتها إلى ذهنه فيكون حاملا على إقامتها، ولذا جعل الزمخشري تأوبل الحديث تمحلا وبهذا اندفع ما قيل: إنه لو أريد هذا القيل أقم الصلاة لذكرها كما في الحديث، والجواب بأن ذكر الصلاة سبب لذكر الله فأطلق المسبب على السبب أو المضاف مقدر، أو المراد للذكر الحاصل مني فأضيف الذكر إلى الله لهذه الملابسة تكلف ولا يخفى أنه لا يزيل التكلف بل يزيده، ثم إنه لا وجه لتخصيص الوجه الأول كما سترى والأظهر ما في بعض شروح الكشاف من أنه لما جعل المقصود الأصلي من الصلاة ذكر الله وهو حاصل مطلوب في كل وقت فإذا فاته الوقت المحدود له يخبغي المبادرة إليه ما أمكنه فهو من إشارة النص لا من منطوقه حتى يحتاج لما ذكر، ولذا قال في أحكام الجصاص هذا لا ينافي كون المعاني الأخر مرادة من الآية فكأنه قال: أقم الصلاة المنسية لتذكرني فيها بالتسبيح والتعظيم أو لأذكرك بالثناء والمدح أو لأنها مكتوبة أو لتخصني بالذكر فيها فتدبر. قوله: (كائنة لا محالة (هذا مستفاد من تأكيدان والجملة الاسمية. قوله: (أريد إخفاء وقتها (لما كان الإخبار بأنها ستأتي تحقيقا إظهارا لها في الجملة ينافي إخفاءها أولوه بما ذكر من أن المراد إخفاء وقتها المعين، ولما كان كونه من المغيبات يناسب أن يقال: أخفيها بدون أكاد فسروا أكاد بأريد وهو أحد معانيها كما نقله ابن جني في المحتسب عن الأخفش رحمه الله تعالى واستدلوا عليه بقوله:
كادت وكدت وتلك خير إرادة لو عاد من لهو الصبابة ما مضى ...
يعني أرادت وأردت لقوله: وتلك خير إرادة، وقيل: أكاد هنا زائدة اهـ. قوله: (أو أقرب
أن أخفيها الخ (يعني أنها بمعناها المعروف من أفعال المقاربة فالمراد إخفاء ذكرها الإجمالي، والمعنى أنه تعالى كاد أن لا يذكرها ولو إجمالا لكونها أخفى المغيبات لكنه ذكرها إجمالا كما
في قوله: إن الساعة آتية لحكمة وهي اللطف بالمؤمنين لحثهم على الأعمال الصالحة وعدم المبالاة بأمور الدنيا وقطع أعذار غيرهم حتى لا يعتذروا بعدم العلم ولما بالتشديد ويجوز تخفيفها وضمير به للإتيان. قوله: (أو كاد أظهرها (أي أعين وقتها ومتعلق الإخفاء والإظهار ليس بشيء واحد حتى يتعارض القراءتان، قال أبو عليئ: المعنى أزيل عنها خفاءها والخفاء بالفتح والمذ ما يلف به القربة ونحوها من كساء، وما يجري مجراه وهو الواقع في كلام المصنف أيضا وهو من ألفاظ السلب يقال: أخفيته إذا أزلت عنه خفاءه أي غطاءه، وساتره فيظهر لا محالة، ومنه يعلم كلام المصنف، وأما خفاه فمعناه أظهره لا غير فلذا جعل قراءة الهمزة على أنه مضارع الثلاثي مؤيدة لهذا التفسير، وذهب أكثر المفسرين إلى أن تقديره أكاد أخفيها من نفسي وكذلك هو في مصحف أبيئ وابن مسعود رضي الله عنهما ولم يرتضه الزمخشري، وقال: إنه لا دليل على هذا المحذوف ولا قرينة عليه لأن ما قبله يقتضي أن يقدر أخفى إتيانها، وقيل: إن الدال عليه أنه لا بد له من(6/193)
متعلق، وهو من يخفى منه ولا يجوز أن يكون من الخلق لأنه أخفاها عنهم لقوله: إن الله عنده علم الساعة فيتعين ما ذكر، والمراد المبالغة في الإخفاء كما قالوا: كتمت سري عن نفسي، هاثباته في المصاحف قرينة خارجية عليه إذ لا يلزم وجودها في الكلام، وقيل: إنه محال فلا يناسب دخول كاد عليه وقد مر ما يدفعه لكن عدم صحة تقدير من الخلق ممنوع لجواز إرادة إخفاء تفصيلها وتعيينها منهم مع أنه يجوز أن لا يقدر له متعلق والمعنى أوجد إخفاءها ولا أقول إنها آتية كما في بعض شروح الكشاف: ثم إنه قيل: إنه لا مخالفة بين تفسيره بأكاد أظهرها وما قبله لأن المراد من هذا بيان قرب قيامها، كقوله: اقتربت الساعة ونحوه، كظهور إشراطها والمراد من كيدودة إخفائها وسترها إرادة إخفاء وقتها أو القرب من أن لا يخبر بأنها آتية وفيه أنه لا يناسب تعلق لتجزي به كما ذكره المصنف رحمه الله. قوله: (متعلق بآتية (وما بينهما اعتراض لا صفة حتى يلزم إعمال اسم الفاعل الموصوف، وقوله: على المعنى الأخير لأنه يصير المعنى أظهرها لأجل الجزاء، وهو صحيح بخلاف أخفيها وأسترها لأجل الجزاء فإنه لا وجه له، وما قيل إنه غير بعيد لأن تعمية وقتها لتنتظر ساعة فساعة فيحترز عن المعصية ويجتهد في الطاعة لا يخفى ما فيه من التكلف الظاهر مع أنه لا صحة له إلا بتقدير لينتظر الجزاء أو لتخاف وتخشى. قوله: (عن تصديق الساعة (أي التصديق بالساعة إذ ليس المراد الصذ عنها نفسها، وقوله: أو عن الصلاة فالضمير لها وفيما قبله للساعة وقوله: نهى الكافر الخ إشارة إلى ما في الكشاف من أن المراد نهى موسى عليه الصلاة والسلام عن التكذيب باللبعث أو أمره بالتصديق والعبارة لا تؤديه لأنها لنهي من لا يؤمن عن صذه فلذا أوله بوجهين، أحدهما أنه ذكر السبب وهو الصذ وأريد مسببه
ولازمه وهو الانصداد أو عدم التصديق مجازا أو كناية كما في لا أرينك ههنا فإنه نهى عن رؤيته، والمراد النهي عن لازمه وسببه وهو مجيئه وكونه هنا لكنه عكس الأول في السببية والمسببية، وإلى هذا أشار بقوله: والمراد الخ والثاني أنه ذكر المسبب وهو الصذ وأريد النهي عن سببه وهو لينه لهم وملايمته حتى يتجزؤوا على صذه فكأنه قيل: كن شديدا عليهم، هاليه أشار بقوله: وأنه ينبغي الخ ولو أخر المثال كما في الكشاف لكان أولى ومن ظنهما وجها واحدا قال: لا يقال على هذا تكون الآية من ذكر المسبب وإرادة السبب فلا يناسب جعله مما يتفزع على ذكر الصذ د ارادة الانصداد لأنا لا نسلمه لظهور أن التنبيه على شيء غير إرادته ولا يستلزمه كما في مستتبعات التراكيب ولا يخفى أنه مخالف لما في الكشاف وشروحه مع بعده ثم إن هذا مبنيئ على إرجاع الضمير إلى الساعة لا إلى الصلاة كما توهم، وقوله: فتردى مرفوع أي فأنت تردى أو منصوب في جواب النهي، والمخدجة بمعنى الناقصة، ووجه التنبيه أنه جعل ذلك بالصذ لا بالفطرة والسليقة ولذا لم يجعل النهي له بحسب الظاهر. قوله: (استفهام (أي تقريري عن الجنس أو الصفة على ما فصل في شروح الكشاف، وقوله: يتضمن استيقاظا يعني المقصود من السؤال تعديد منافعها ليريه ما فيها من العجائب التي هي أعظم مما عنده فما طالبة للوصف وما تلك بمعنى ما منافع تلك، وقوله: حال من معنى الإشارة فيه تسمح والمقصود أنه حال من اسم الإشارة الواقع خبرا أو مبتدأ على القولين، والعامل في الحال ما فيه من معنى الفعل لأنه فيه معنى أشير وتسمية ااخحاة عاملا معنويا كما في قوله: وهذا بعلى شيخا. قوله: (وقيل صله تلك (وهذا على مذهب الكوفيين الذين يقولون: إن كل اسم إشارة يجوز أن يكون اسما موصولا والبصريون لا يقولون به إلا في ذا في ماذا، وما قيل:! ت أن المراد بالصلة أنا " متعلق باسم الإشارة لتضمنه معنى الفعل على أنه لغو لا وجه له. قوله: (على لغة هذيل (وهي قلب الألف التي قبل ياء المتكلم ياء للمجانسة كما يكسر ما قبلها في الصحيح، والقطيع العما
المجتمعة وقوله: وأخبط الورق يعني أن أهش بفتح الهمزة وضم الهاء بمعنى أخبط ومفعوله محذوف وهو الورق أي اليابس، والمعنى أضربه ليسقط على رؤوس الغنم ويقع عندها فتأكله، وقوله: وقرئ أهش أي بفتح فكسر أو بضم فكسر كما نقل عن النخعيئ وكونه من هش الخبز يلائم الضم، والهشاشة الرخاوة، وزجر الغنم منعها وأنجى عليه بالعصا(6/194)
ونحوها رفعها عليه موهما للضرب، وهو بيان للتعذي بعل! اعلى هذا، وفي كتاب السين والشين لصاحب القاموس يقال: هس الشيء وهشه إذا فتنه وكسره، والهسيس مثل الفتيت فهما بمعنى، وأن في أن كان مخففة أو مصدرية هاداوته بكسر الهمزة والدال المهملة هي المطهرة وفي نسخة إدوائه جمع أداة وهي الآلة كالقوس والكنانة وغيرها وعرض بالتخفيف والتشديد، والزندان هما عودان يحك أحدهما بالآخر فتخرج النار والرشاء بالكسر الحبل الذي يستقى به.
قوله: (وكأئه لجيور الخ (إشارة إلى نكتة الأطناب وقد كان يكفي عصاي أو عصيئ وقال:
كأنه لاحتمال أنه للاستئناس وإزالة ما لحقه من الهيبة، وقوله: يشتعل شعبتاها بالليل، كالشمع قيل هذا ينافي ما مر في تفسير قوله: إذ رأى نارا، وأجيب بأن النار للاستدفاء لا للاستصباح، ورد بأن قوله: مظلمة يدفعه فلعل الله طمس نورها إذ ذاك كما أصلد الزند ليضطره للطلب، وينضب بالضاد المعجمة والموحدة يغور ويغيب، وقوله: علم أن ذلك آيات باهرة جواب إذا وهو يدل على أن هذا بعد الاستنباء دىالا كان إرهاصا أو كرامة، وقوله: فذكر معطوف على فهم وليطابق متعلق به، وحقيقتها إذ قال: هي عصاي، ومنافعها ما بعده، والإجمال في قوله: مآرب أخرى. قوله: (يغلظ العصا ثم تورمت الخ (جواب عما بالخاطر من أنها سميت حية وتارة ثعبانا، وتارة جانا وهي واحدة والحية دىان عمت أصنافها لكن الثعبان العظيم من الحيات، والجان الدقيق منها فبينهما تناف فدفعه بأنه باعتبار أطوارها وحالاتها فإنها في ابتداء
الانقلاب كانت دقيقة ثم تورمت وانتفخت فتزايد جرمها في رأي- المحين فأريد بالجان أول حالها وبالثعبان مآلها، أو أن جرمها جرم ثعبان وهي في خفتها وسرعة حركتها وقدرتها على الحركة والانتصاب كالجان فلذا أتى بأداة التشبيه في أية أخرى فلا تنافي، وقيل: على قوله: سماها جانا أنه لم يقع في التنزيل إلا التشبيه به وهو ليس بتسمية، وأجيب بأن كل تشبيه يصح فيه الاستعارة وهي إطلاق وتسمية ولا يخفى تكلفه، والأولى أن التشبيه قد يكون في الجنسية والنوعية فهو إطلاق في الحقيقة كما يقال: هذا الثوب كذا أي في كونه خرأ مثلا كما فصل في محله، وقوله: فإنه تعليل لنهيه عن الخوف المقتضي لوجوده، وقيل لقوله خذها. قوله: (هيئتها (لأن فعلة للهيئة والحالة الواقعة في السير بحسب الوضع، والمتقدمة تفسير للأولى، وقوله: تجوز بها للطريقة والهيئة الهيئة هنا بمعنى الحالة والكيفية وكان معناها الحقيقي هيئة السير فجزدت لمطلق الهيئة، والطريق أيضا بمعناها كما يقال طريقة فلأن كذا أي حاله. قوله: (وانتصابها على نزع الخافض الخ (وأصله إلى سيرتها أو لسيرتها فإنه يتعدى باللام أيضا، كقوله تعالى: {يعودون لما قالوا} [سورة المجادلة، الآية: 3] وهو كثير وإن لم يكن مقيسا وجوز فيه أن يكون بدل اشتمال من الضمير، وقوله: أو على إن أعاد منقول الخ هذا معنى قوله: في الكشاف ويجوز أن يكون إعاد منقولا من عادة بمعنى عاد إليه ومنه بيت زهير:
وعادك أن تلاقيها عداء
فيتعدى إلى مفعولين اهـ وقد قيل على المث! نف رحمه الله أنه لم يذكره أهل اللغة وما في
بيت زهير من نزع الخافض فيتحد مع الأول ولهذا اقتصر الزمخشري على هذا الوجه ولم يذكر الأول) أقول (كيف يصح تفسير كلام الزمخشري بما ذكر ولو كان كذلك لم يكن فيه نقل لأن الخافض يحذف من هذا من غير نظر إلى ثلائيه، وقوله: فيتعدى إلى مفعولين صريح فيما ذكره المصنف رحمه الله، وقوله: لم يذكره أهل اللغة غير صحيح فقد نقل الشارح الطيبي عن الأصمعي أن عادك في البيت متعد بمعنى صيرك فيتعدى بالهمزة إلى مفعولين وكذا نقل الفاضل اليمني وفي المغرب العود الصيرورة ابتداء وثانيا ويتعدى بنفسه وبإلى وعلى وفي واللام، وفي مشارق اللغة للقاضي عياش مثله ونقل الحديث أعدت فتانا يا معاذ. قوله: (أو على الظرف لأنه بمعنى الطريقة والمذهب فهو مجاز عن الظرف المكاني كما أشار إليه المصنف رحمه أدته، واعترض عليه أبو حيان بأن شرط الانتصاب على الظرفية المكانية وهو الإبهام مفقود هنا وتبعه المحشي، وعندي أنه غلط نشأ من تفسيره فإن كون نصب الطريق شاذا وضرورة كما في قوله: ع! سل الطريق الثعلب
مردود كما في شرح الكتاب فإن نحاة المغرب كما في(6/195)
شرح التسهيل قسموا المبهم إلى أقسام، منها المشتق من الفعل كالمذهب، والمصدر الموضوع موضع الظرف نحو قصدك ولم يفرقوا بين المختوم بالتاء وغيره. قوله: (بعد ذهابها (أي ذهاب صورتها وتسير سيرتها إشارة إلى أنه مفعول مطلق والجملة استئنافية أو حالية، وقيل إنها مقدرة وفيه نظر ولحييها تثنية لحي وهو منبت الأسنان وتالوا: إن لحييها كانا شعبتيها. قوله: (إلى جنبك تحت العضد (وهو من المرفق إلى الإبط، وفي الكشاف إلى جنبك تحت العضد دل على ذلك قوله: تخرج وقيل عليه يرذه قوله أدخل يدك في جيبك لأنه صريح في أن المراد الدخول في الجيب والخروج منه يعني أن الدلالة غير مسلمة ولذا تركها المصنف، والجيب ما انفتح من القميص عند النحر وهو بمعناه المعروف صحيح لكنه مولد وتسميه العامة طوقا، والمراد أدخل يدك اليمني من طوقك واجعلها تحت عضد اليسرى عند الإبط فلا منافاة بين الآيتين، ومن لم يفهم مراده رذه بأنه لا منافاة بين الإدخال تحت العضد بعد الإدخال في الجيب وبين الإخراج من الجيب بعد الإخراج من تحت العضد فتأمل. قوله: (استعارة من جناحي الطائر الخ (قيل هي استعارة لغوية كالمرسن للأنف قيل وليس كذلك، والحق معه لأن تشبيه الجنب بجناح الطائر لا حسن فيه بخلاف ما لو أريد به اليد كما فسره به في سورة القصص فإنه وجه آخر والتشبيه فيه حسن فتأمل. قوله: (بجنحهما عند الطيران (أي يميلهما وقوله: تخرج مجزوم في جواب أمر مقدر كأنه كما قال المعرب: اضمم يدك تنضم وأخرجها تخرج فحذف من الأول والثاني وأبقى ما يدل عليه فهو إيجاز يسمى بالاحتباك، وقوله: مشعة بضم الميم وكسر الثين المعجمة وتشديد العين المهملة المفتوحة وتاء التأنيث، وقيل: إنها للمبالغة يقال: أشعث الشمس إذا أخرجت شعاعها. قوله: (من غير سوء (من تعليلية وهو احتراس وهو متعلق بتخرج أو ببيضاء لأنه في تأويل ابيضت، ويجوش أن يكون حالا من الضمير فيها أو صفة لها وقوله: عابه بمعنى عيب، وهو معروف يقال: عابه عيبا وعابة، وعطف القبح عليه تفسيري وقوله: كني به أي لم يصرح به بل أتى بما يشمله وغيره ويصح أن يراد به الكناية المصطلحة، والطبائع جمع طبع كما ذكره ابن السيد ويكون مفردا قيل: البرص غير محتمل في مقام الإعجاز والكرامة فلا وجه للاحتراس عنه فالوجه أن خروج انشيء عن خلقته مما يستقبح فلذا ذكر أنه ليس كذلك، ورد بأن الوهم شيطان فتبادر ذلك إليه يكفي للنكتة ولولا هذا لم يكن لما ذكره وجه، وقوله ة لأن الخ تعليل لقوله: كني وإذا نفرت عنه الطباع مجته الأسماع، وقوله: معجزة ثانية والأولى هي العصا.
قوله: (وهي حال من ضمير تخرج الخ (لجواز تعدد الحال على الصحيح، ويجوز أن تكون بدلا من بيضاء، وقوله: أو دونك الذي هو اسم فعل بمعنى خذ بناء على جواز عمله محذوفا كما هو ظاهر كلام سيبويه وإن منعه بعض النحاة لأنه نائب عن الفعل ولا يحذت النائب والمنوب عنه فإنه منقوض بيا الندائية فإنها تحذف مع أنها نائبة عن أدعو، وقال السفاقسي: هو تقدير معنى لا إعراب فلا يرد عليه شيء مما قيل، وقوله: بما دل عليه لأنها علامة دالة فتدل على معنى دللنا، ولم يعلقه بآية لأنها وصفت، وما دل عليه القصة قوله: فعلنا ذلك ففي كلامه لف ونشر، وجوز الحوفي تعلقه باضمم وجوز غيره تعلقه بتخرج وألق وإذا كانت الكبرى صفة فمن تبعيضية ومن آياتنا هو المفعول الثاني. قوله: (أو مفعول نريك الخ (قيل: الأول أولى لدلالته على أن آياته كلها كبرى بخلاف هذا وعلى الثاني لا تكون الكبرى صفة العصا واليد لمالا لقيل الكبر بين مع أن إعجاز العصا أكبر من اليد، إلا أن يقال لاتحاد المقصود جعلا آية واحدة فوصفت بالمفرد كقوله: يكونون عليهم ضدا أو أفرد باعتبار كل واحد، أو يقال: لا حاجة إلى بيان كون العصا كبرى لظهوره بخلاف اليد لاحتمال ذهاب الوهم إلى أمر آخر، وهو مما لا طائل تحته لأنه جوز في المراد بالكبرى أن تكون الأولى والثانية وهما لأن من على هذا تحتمل الابتداء والتبعيض والبيان أيضا بأن يراد الكبرى أو يقدر موصوفها آيات ولا بعد فيه كما ذكره شراح الكشاف. قوله: (بهاتين الآيتين وادعه إلى العبادة (كون الذهاب بهاتين الآيتين علم من تقديمهما، وذهاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ(6/196)
بالمعجزة إنما هو للدعوة فلذا قدر المعطوف الدال عليه ما بعده لكنه جعل المدعؤ إليه العبادة دون الطاعة أو الإيمان مع أنه المتبادر لدلالة، قوله: إنه طغى المسوق للتعليل عليه، فإن تكبره عن عبادة الله ولقوله: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} [سورة الذاريات، الآية: 56] . قوله: (بخطب عظيم (هو دعوة فرعون الجبار، وقوله: ويفسح قلبه إشارة إلى أنه ليس المراد بالشرح هنا الشق بل لازمه وهو الفسخة والتوسيع وأن توسيعه عبارة عن عدم الضجر والقلق القلبي لأن القلب هو المدرك، وأعبائه بمعنى مثاقه والتلقي معطوف على تحمل أي يفسح قلبه لتلقي الوحي النازل عليه، ويسهل معطوت على يشرح وبإحداث متعلق به. قوله: (وفائدة الخ (أي ذكر لي مع أن المعنى تام بدون ذكره فذكره أطناب فائدته أنه يحصل بذكره إجمال لأنه لما قال اشرح لي لم يعلم ما المشروح إلا إجمالأ
لأنه لا بد له من متعلق، فلما قال صدري علم تعيينا وتفضيلا وفي الإجمال والتفضيل تأكيد لأنه كذكره مزتين ومبالغة بذكر الصدر مع أنه في الحقيقة للقلب الذي فيه، كما أشار إليه بقوله: ويفسح قلبه وقيل عليه إنه كما أن اشرح لي يدل على أن ثمة مشروحا كذلك اشرح وحده يدل عليه لما فيه من الإبها اأيضا، وأجيب بأنه لما كان المطلوب شرح شيء ما له لا على التعيين بخلاف اشرح فإنه لا يدل عليه أتى بذلك وإليه مال في المفتاح، ويمكن أن يقال تقديم الظرف على المفعول به مؤيس عن ذكره فيحصل الإبهام بخلاف اشرح صدري فإنه لا يلتفت الخاطر فيه إلى غيره، وقد يقال: إن هذا هو المراد بالمبالغة وقيل: المبالغة فيئ البيان وهو يرجع إلى التأكيد وقيل: ذكر لي لزيادة الربط كما في قوله: اقترب للناس حسابهم، وفي الانتصاف إن فائدة ذكره الدلالة على أن منفعة شرح الصدر راجعة إليه فإنه تعالى لا يبالي بوجوده وعدمه وقس عليه يسر لي أمري. قوله: (فإنما يحسن التبليغ من البليغ (أي من يقدر على إبلاع كلامه من غير اعتقال لسان، وليس المراد به معناه المصطلح، ورتة بضم الراء المهملة وتشديد المثناة الفوقية حبسة ولكنة في اللسان وكذا كانت في الحسين رضي الله عنه، وقال النبي صلى الله عليه وسلم فيه إنه ورثها من عمه موسى عليه الصلاة والسلام وآسية هي امرأة فرعون، وأحضرا مجهول وضمير التثنية للياقوت والجمرة، وقوله: ولعل تبيض تفعل، وفي نسخة تفعيل أي جعلى الله لها بياضا كما مر، وقوله: كان لذلك أي كان كرامة في مقابلة ذلك أي أخذه بلحيته أو أخذه النار بيده، وقوله: عنه أي عن إبرائها، وقوله: تمسك الخ لأن إيتاء سؤله بإجابة دعائه ومن جملته حل العقدة. قوله: (احتج بقوله هو أفصح مني لسانا الخ (فإن المراد بأفصح أبين فيقتضي نقص بيانه وقيل عليه أن ا! فصاحة اللغوية مقولة بالتشكيك كما يدل عليه صيغة أفعل فيجوز أن تكون فصاحة موسى بزوال الرتة وفصاحة أخيه بقؤة القدرة على الكلام مثلا مع أنه يجوز أن يكون قوله: هو أفصح قبل استجابة دعائه، ووقل فرعون بناء على ما عرفه منه قبل ذلك، والاستدلال به وإن كان من كلام عدوه لتقرير الله له، ثم إن خاتمة المفسرين قالي: إن قوله أفصح شاهد عليه لا له لأن فيه دلالة على أن موسى عليه الصلاة والسلام كان
فصيحا غايته أن فصاحة أخيه كثر، وبقية اللكنة تنافي الفصاحة اللغوية المرادة هنا بدلالة قوله: لسانا اص. ووجه الدلالة بين قال ابن هلال في كتاب الصناعتين: الفصاحة تمام آلة البيان ولذا لا يقال لله فصيح، دمان قيل لكلامه فصيح ولذلك لا يسمى إلا لثغ والتمتام فصيحين لنقصان آلتيهما عن إقامة الحروف، وقيل لزيادة الأعجم لذلك اهـ. فلا وجه لما قيل إن منافاة رتة اللسان للفصاحة اللغوية غير بينة ولو صح ما ذكره يكون بين قوله: هو أفصح، وقوله: ولا يكاد يبين منافاة. قوله: (بل عقدة تمنع الإفهام! فلا يقتضي زوالها بكمالها، وقوله: نكرها تنكير تقليل وتنويع ولم يضفها مع أنه أخصر، وجعل يفقهوا جوابا دليل على أن المراد ذلك هاذا كان صفة فمن ابتدائية أي عقدة ناشئة من لساني أو بمعنى في أو تبعيضية والتقدير من عقد لساني. قوله: (يعينئي الخ ((بيان لحاصل المعنى المقصود من طلبه ذلك، وقوله: من الوزر بكسر فسكون بمعنى الحمل الثقيل يثقل به فوزير صفة منه بمعنى صاحب وزر أي حامل لا بمعنى ثقيل لأن من يحمل الثقيل يثقل به، والمراد بالأمير السلطان كما يقال: أمير(6/197)
المؤمنين، والوزر بفتحتين أصل معناه الجبل يتحصن به ثم استعمل بمعنى الملجأ مطلقا وأخذت منه الموازرة بمعنى المعاونة لأن المعين يلجأ إليه فهو فعيل بمعنى مفعول على الحذف والإيصال أي ملجأ إليه أو هو للنسب كما يجوز فيما قبله. قوله: (قلبت همزته واوا كقلبها في موازر (يعني أن قلبها في موازر قياسيئ لانضمام ما قبلها وكذا في هذا قلبت لكونها بمعناه فهو من حمل النظير على النظير وهو كثير في كلامهم فلا يخالف القياس. قوله: (ومفعولا اجعل الخ (فالمعنى اجعل هرون وزير إلى ولما كانت الوزارة هي المطلوبة قدمت اهتماما، وهذا ظاهر ومن أاهي على هذا صفة وزيرا أو متعلق باجعل، وقوله: وهرون عطف بيان بناء على ما ذهب إليه الزمخشري، وتبعه الرضيئ من أنه لا يشترط توافقهما تعريفا وتنكيرا خلافا لغيره من النحاة فلا يرد عليه اعتراض المعرب وابن هشام، ولم يجعله بدلا كما ذهب إليه بعض المعربين لأنه يكون هو المقصود بالنسبة وهو غير مناسب للمقام لأن وزارته هي المقصودة بالقصد الأولى هنا ويجوز نصبه بفعل مقدر في جواب مت أجعل أي اجعل هرون. قوله: (أو وزيرا من أهلي (قيل عليه إن شرط المفعولين في باب النواسخ صحة انعقاد الجملة الاسمية منهما ولو ابتدأت بوزير أو أخبرت عنه بمن أهلي لم يصح إذ لا مسؤغ للابتداء به، وأجيب بأن مرإده أن من أهلي هو
المفعول الأول لتأويله ببعض كأنه قيل اجعل بعض أهلي وزيرا فقدم للاهتمام به وسداد المعنى يقتضيه ولا يخفى بعده والأحسن أن يقال: إن الجملة دعائية والنكرة يبتدأ بها فيها نحو سلام على آل ياسين وويل للمطففين كما صرح به النحاة فكذا بعد دخول الناسخ. قوله: (ولي تبيين (كما في سقيا له أي إرادته لي ويجوز فيه الإعراب السابق كما يجوز هذا فيما قبله لكنهم فرقوا بينهما في إعرابه فتأمل، في وجهه وسيأتي فيه كلام في سورة الإخلاصى. قوله: (وأخي على الوجوه بدل من هرون (قيل عليه هو عطف بيان لا بدل لأن إبدال الشيء مما هو أقل منه فاسد لا يتصؤر كما في دلائل الإعجاز، ورد بأن مراد الشيخ رد بدل الكل من البعض كنظرت إلى القمر فلكه الذي ذهب إليه بعض النحاة والنحاة مثلوا له بجاء زيد أخوك من غير نكير قتأمله، وكونه عطف بيان حسن، ولا يشترط فيه كون الثاني أشهر كما توهم لأن الإيضاح حاصل من المجموع كما حقق في المطؤل وحواشيه ولا حاجة إلى أن المضاف إلى الضمير أعرف من العلم لما فيه، وقوله أو مبتدأ خبره اشدد على التأويل المشهور والجملة استئنافية عليه. قوله: (على لفظ الأمر (إذ المقصود به الدعاء، وقوله: قرأهما أي اشدد وأشرك وليس المراد بالأمر النبؤة لأنه ليس في يده بل أمور الدعوة والأمر هو اجعل، وقوله: فإن التعاون المستفاد من الوزارة والمعنى أنه لتعاونه يقتضي قدرته على التبليغ وأداء خدمته فيؤذي لكفايته مهمه إلى تفزغه للعبادة، ولذا قال في الكشاف بعده وبأن التعاضد مما يصلحنا، وفيه أيضا إشارة إلى أنه تعليلى للمعلل الأول بعد تقييده بالعلة الأولى، وقوله: في وقت إشارة إلى أن مرة ظرف زمان وآخر بمعنى مغاير لهذا الوقت وهو شامل لجميع أوقات النعم وفيه دلالة على أن ما قبله منها!! اذ بدل منه أو تعليل، وذلك عند ولادته والخوف من فرعون. قوله: (بإلهام (قيل إنه بعيد لأنه قال في سورة القصص إنا راذره إليك وجاعلوه من المرسلين ومثله لا يعلم بالإلهام، وليس بشيء لأنها قد تكون شاهدت منه ما يدل على نبؤته صلى الله عليه وسلم وأنه تعالى لا يضيعه وإلهام الأنفس القدسية مثل ذلك لا بعد فيه فإنه كشف ألا ترى قول عبد المطلب وقد سمي نبينا كييه محمدا أنه سيحمد في السماء والأرض مع أن كونه داخلا في الملهم ليس بلازم كما سيأتي في قوله: فرجعناك الخ وقوله أو على لسان نبي في وقتها لكثرة أنبياء بني إسرائيل ولا عبرة بقوله: في الكشف أنه خلاف الظاهر المنقول، وقوله: أو ملك بناء على أنه يراه غير الأنبياء عليهم الصلاة
والسلام وهو الصحيح لكنه قيل إنه حينئذ ينتقض تعريف النبي بأنه من أوحى إليه ولو قيل من أوحى إليه على وجه النبؤة دار التعريف، ولا ورود له لأن المراد أوحى إليه بأحكام شرعية لكنه لم يؤمر بتبليغها فتأمل وقوله: لا على وجه النبؤة لاختصاصها بالذكور عند الجمهرر. قوله: (ما لا يعلم إلا بالوحي (فسره به ليفيد فإن مفعول(6/198)
الوحي لا يكون إلا بوحي، ويخل بضم الياء وفتح الخاء من أخل الفارس بمركزه إذا ترك موضعه المعين له ولعظم متعلق بينبغي، وقوله: بأن الخ فهي مصدرية قبلها جار مقدر أو تفسيرية لما يوحي، ويجوز على المصدرية كونه بدلا من ما أيضا. قوله: (والقذف يقال للألقاء وللوضع الخ (أصل القذف والرمي بمعنى الإلقاء ولكنه لاستلزامه للوضع قد يطلق عليه وان لم يكن الموضوع محسوسا وهو المراد هنا في الموضعين ويجوز أن يكون بمعنى الوضع في الأول والإلقاء في الثاني أي ألقيه في اليم وهو ظاهر. قوله: (فلام الخ (أي وضع فيه الحسن وتمامه:
له سيمياءلاتشق على البصر
ويافعا حال واليفع راليافع الصغير السن وهو القريب من العشرين سنة أو الذي لم يبلغ،
وهو من شعر عويف القوافي بن معاوية الفزاري الكوفي يمدح به عبد الرحمن بن محمد بن مروان وكان شابا في غاية الجمال أنزله عنده وكفاه مؤنته بما أغدقه عليه، وقد لقيه من غير معرفة بينهما فقال يمدحه:
غلام رماه الله بالحسن يافعا له سيمياءلاتشق على البصر ...
كأن الثريا علقت في جبينه وفي وجهه الشعري وفي خذه القمر ...
ولما رأى لمجد استعيرت ثيابه ترذى رداء واسع الذيل واتزر ...
إذا قيلت العوراء اغضي كأنه ذليل بلا ذل ولوشاء لانتصر ...
دعاني فآساني ولو صذلم ألم على حين لا باد يرجى ولا حضر ...
وسمي عويف القوافي لقوله:
سأكذب من قد كان يزعم أنني إذا قلت قولالا أجيد القوافيا ...
والسيمياء بالمذ والقصر العلامة. قوله: الما كان القاء البحر الخ (إنما قال: لتعلق
الإرادة لأنه لا يجب على الله شيء لكن إذا تعلقت الإرادة بشيء فلا بد من وتوعه كالواجب، وقوله: كأنه ذو تمييز إشارة إلى أنه استعارة بالكناية بتشبيه أليم بمأمور منقاد! ماثبات الأمر تخييل، وقيل: إن قوله فليلقه استعارة تصريحية تبعية والمراد بالجواب جواب الأمر، وقوله: والأولى أن يجعل الخ إشارة إلى أن بعض الضمائر يحتمل أن يعود إلى التابوت لأنه المقذوف والملقي لكن فيه تفكيك للنظم لكنه أشار بقوله: الأولى إلى أنه جائز إذا قامت عليه قرينة أو رجحه مرجح كالقرب هنا لو لم يعارضه أن المقصود بيان أحوال موسى عليه الصلاة والسلام وهذا يحتمل أنه رد على الزمخشري إذ قال فيه هجنة لما يؤذي إليه من تنافر النظم. قوله: (فموسى عليه الصلاة والسلام بالعرض (إنما كان بالعرض لأن التابوت خشب يعلو الماء ويدفعه الموج لكنه بإلقائه يلقى ما فيه، والظاهر أنه حقيقة لا مجاز كما قيل، وقوله: جواب لأن القراءة بالجزم ووجه المبالغة في التكرير أنه يدل على أن عداوته كثيرة لا واحدة، ولو قيل: عدو لي وله جاز ولا يلزم الجمع بين الحقيقة والمجاز،! ان كان جائزا عند المصنف رحمه الله لأنه صفة مشبهة دالة على الثبوت الشامل للواقع والمتوقع أو هو عدو لموسى عليه الصلاة والسلام حينئذ في الواقع إذ هو يبغض كل مولود في تلك السنة، وقيل: إنه من عموم المجاز، وقوله: قيرته أي طلته بالقار وهو الزفت لئلا يدخل فيه الماء فيهلك والبركة بكسر الموحدة وسكون الراء المهملة مستنقع الماء من غير بناء، والحوض ما بنى منه في الأكثر وقوله: يشرع أي يدخل فيه، وقوله: فأمر به أي بإخراجه ففيه مضاف مقدر، وأصبح من الصباحة بالموحدة وهي الجمال، وقوله: فأذاه إلى بركة يخالف قوله: بالساحل فإما أن يكون ألقاه أولا إلى الساحل ثم بعد ذلك إلى البركة أو يراد بالساحل الطرف والجانب مطلقا وهو الأولى وإليهما سيشير المصنف رحمه الله. قوله: (أي محبة كائنة مني (فالجار والمجرور صفة لها، وزرعها في القلوب استعارة لإظهارها وايجادها كما قلت:
أنبتت حبة الفؤادبقلبي لك حبآماشأنه تبذير ...
وعدم الصبر لانجذاب القلوب له، وقوله: أي أحببتك الخ فالمعنى على هذا أن الملقي
محبة الله تعالى ومحبة العباد له لأن من أحبه الله أحبه الناس كما ورد في الحديث، وعلى الأول الملقي محبة الناس التي هي(6/199)
من الله لأنه ركزها في القلوب حتى أحبه فرعون وكل من أبصره كذا قرروه في الكشاف وشروحه واعترض عليه بأن وجه التخصيص غير ظاهر، فإنه على تقدير الوصفية يجوز أن يكون معناه أحببتك بأن يراد ألقيت عليك محبة كائنة من محباتي، وعلى التعلق بألقيت يكون المعنى ألقيت عليك محبة الناس إلقاء ناشئا مني لا سبب له غير تفضلي وإحساني، وما ذكره وإن تراءى في بادئ النظر لكن الظاهر أنه لا وجه له فإنه إذا كان مستقرا يكون المعنى ألقيت عليك محبة كائنة مني والكائن من الله هو إن كان في غيره إذ لا فائدة في جعل صفته كائنة منه، ولذا احتاج هذا القائل إلى تقدير مضاف وهو من محباتي وهو مع ركاكته لا قرينة عليه، فتعين على هذا أنها محبة العباد، وأما إذا تعلق بألقيت فيفيد أن مبدأ الملقى له اتصال به فيكون صفته وكون الاتصال سبب الاتخاذ لا وجه له، فتعين بحسب الذوق ما ذكر فتدبر.
قوله: (وظاهر اللفظ أن أليم (معطوف على مجموع ما قبله من قوله: قيل الخ بيان لتأويل النظم لأنه مخالف لما في تلك الروإية بحسب الظاهر كما مر لأن فيه أنه ألقى بالبركة وما في النظم بالساحل فبين أن المراد بالساحل جنب طرت نهر فرعون مما يليه. قوله: الأن الماء يسحله (أي يقشره ويحفره من سحل الحديد إذا برده فساحل للنسب ومعناه ذو سحل أي مسحول، وقيل: إنه تصؤر منه أنه يسحل الماء أي يفزقه ويضيعه أو هو من السحيل وهو النهيق لأنه يسمع منه صوت، وقوله فالتقط منه أي من الساحل معطوف على ألقاه ولكون الفاء للسببية لم يحتج إلى رابط أو فيه رابط وهو عوده على ما أضيف إلى ضمير أليم كما مر مرارا، وفؤهة بضم الفاء وتشديد الواو المفتوحة وهاء مفتوحة بعدها تاء تأنيث كقبرة أعلى النهر والطريق كما في كتب اللغة ويجوز تخفيف واوه ساكنة. قوله: (ولتربي ويحسن إليك وأنا راعيك (لأن تصنع معناه يفعل بك الصنعة ومعناها الإحسان والتربية إحسان وأنا راعيك معنى قوله: على عيني وقرنه بالواو للإشارة إلى أق الجار والمجرور حال من المستتر في تصنع وليس صلته ومعنى راعيك حافظك وأصله من رعي الحيوان وهو حفظه إفا بغذائه الحافظ لحياته أو يذب العدو عنه وكذا راقب معناه حافظ أيضا من المراقبة، وفي نسخة من الكشاف رافيك بالفاء من رفوته إذا سكنت رعيه وعلى عيني هنا استعارة تمثيلية للحفظ والصون لأن المصون يجعل بمرأى وقال الواحدي الصحيح!! معناه لترهـ بي على محبتي وإرادتي لأن جميع الأشياء بمرأى من الله قيل: وليس بذاك لأنه غفوك عن كونه تمثيلا ولا يرد عليه ما ذكر لأنه مراده فتأمل! قيل وعلى بمعنى الباء لأنه بمعنى بمرأى مني في الأصل، وقوله والعطف الخ مثله وقع في مواضع والتأويلان
مشهوران فيه وقد مر تفصيله، وقوله: معلل أي بهذه العلة وهي لتصنع. قوله: (وقرئ ولتصنع الخ (وهو معطوف على قوله: فليلقه كما في اللوامح فلا عطف فيه للإنشاء على الخبر وأمر المخاطب باللام شاذ لكونه مجهولا هنا وأصله الغيبة نحو ليصنع زيد وعمرو وهو جائز فيه فلما نقل إلى المجهول للاختصار أبقى على حاله كما في لتعن بحاجتي جاز فيه ذلك، ويحتمل أنها لام كي سكنت تخفيفا ولم يظهر فتح العين للإدغام وهذا حسن جدا وقوله: ولتصنع أي قرئ به وفيه التأويل السابق، وقوله: على عين مني هو تمثيل كما مز. قوله: (طرف لألقيت أو لتصنع الخ (في الكشف كونه بدلا أوفق لمقام الامتنان لما فيه من تعداد المنة على وجه أبلغ ولما في تخصيص الإلقاء والتربية بزمان مشي الأخت من العدول عن الظاهر فقيل: كان محبوبا محفوظا ثم أولى الوجهين جعله ظرفا لتصنع وأما إضمار اذكر فضعيف وتبع فيه صاحب الانتصاف لأن زمان التربية هو زمان رده إلى أف وأما إلقاء المحبة فقبله، وقد قيل عليه أن آل فرعون كانوا يربونه أيضا بغير الارتضاع من حين الالتقاط فالزمان متسع أيضا فلا غبار عليه فتأمل. قوله: (المراد بها وقت متسع (فيتحدان وتصح البدلية فلا يكون من إبدال أحد المتغايرين الذي لا يقع في فصيح الكلام ويكفله بمعنى يربيه ومتفحصة أي طالبة للوقوف على خبره وتقز عينها بمعنى تسز، وقوله: هي إشارة إلى أن المستتر ضمير الام وقدمه لظهوره إذ حزن الطفل غير ظاهر ولتعيينه في سورة القصص لقوله: بعده(6/200)
ولتعلم أن وعد الله حق د ان كان النظم لا يأباه هنا فلذا ذكره تكثيرا للفائدة فلا غبار عليه كما توهم نعم توافقهما أولى لأن القرآن يفسر بعضه بعضا، وقوله: غم قتله أي الغم الناشئ من قتله لما ذكر واقتصاص بالجز عطف على عقاب، وبالمغفرة متعلق بنجيناك ومدين قرية شعيب عليه الصلاة والسلام. قوله: (وابتليناك ابتلاء الخ (ففعول مصدر المتعذي ديان كان اكثر فيه أن يكون مصدر اللازم، وقوله: على ترك الاعتداد لأنها في حكم الانفصال وإنما ذكره لأن فعولا مطرد في جمع فعل دون فعلة فما سمع منه جار على هذا التقدير كحجزة بضم فسكون وزاي معجمة وهي ما يوضع
فيه تكة السراويل ونحوها والبدرة مقدار من النقد معروف. قوله: (فخلصناك مرة بعد أخرى (فهو من فتن الذهب بالنار إذا خلصه من غشه بالسبك ولذا يستعمل في الخير والشز كالابتلاء، ولذا يقال: بلاء حسن وإنما فسره به لأن الكلام في ذكر ما امتن الله به عليه، وقوله: مرة بعد أخرى ظاهر على أنه جمع وعلى غيره من السياق والتفعيل، وقوله: وهو أي قوله فتناك فتونا، والآلات جمع آلف بالمذ ككافر وكفار وفي نسخة الألف بمعنى المألوف والمراد الأصحاب الذين ألفهم وعلى حذر أي خوف من فرعون، وقوله: وآجر بالمذ فعل ماض معطوف على ما قبله معنى أي هاجر وآجر، ويصح عطفه على ناله ويجوز أن يكون بصيغة المصدر وغير ذلك كضلاله الطريق ونحوه. قوله: (أو له (أي لما ذكر ولما سبق من وضعه في التابوت والقذف في اليم والقتل ونحوه، قيل إنه يأبى الحمل على هذا عطف فتناك على نجيناك المرتب بالفاء على قتلت نفسا لتقدم ما سبق ذكره على القتل وإن كان أثر سعيد بن جبير يؤيده وهذا غفلة عن قول المصنف رحمه الله كما في الأثر المروي: خلصناك فإن تقدم تلك الأمور لا ينافي تأخر الخلاص عن بقيتها والأمن منها وكيف يتوهم هذا وهو تفسير ابن عباس كما في الكشاف وهو من أهل اللسان الذين لا يخفى عليهم مثله وكذا ما قيل إنه لا يناسب مقام الامتنان ولولا ما ذكر لم يكن بين قوله: خلصناك، وقوله: وهو إجمال التئام أصلا، قال الراغب: الفتن إدخال الذهب النار لتظهر جودته من رداءته ثم استعمل في العذاب وما يؤذي إليه وقد يراد به الاختبار كقوله: ولقد فتناك فتونا وجعلت الفتنة كالبلاء للخير والشز، وإن كانت في الثاني أظهر اهـ. محصله فأشار بقوله: ابتليناك إلى أنه بمعنى الاختبار بالإيقاع في شدة إذا صبر عليها خلص عنها فالإجمال باعتبار ما في ضمنه من الشدائد المختبر بها والتعقيب باعتبار النحاة والخلاص ولذا قرنه بالفاء فتدبر. قوله: اليثبت فيهم عشر سنين (وفي أخرى ثمانيا وعشرين قيل: وهو الأوفق بكون سن نبؤته على رأس الأربعين، وقوله: على ثمان مراحل هذا هو المعتمد لا ما وقع في بعضها ثلاث مراحل، وقوله: قدرته إشارة إلى أن القدر بمعنى التقدير والمراد به المقدرة، والمعنى أنك جئت على وفق الوقت المقدر فيه استنباؤك بلا تقدم ولا تأخر عنه وكونه بمعنى المقدار من الزمان ضعيف، ولذا أخره لأن المعروف فيه القدر بالسكون لا التحريك والمراد به رأس الأربعين كما صرحوا به، وقوله: للتنبيه على ذلك أي على ما ذكر أو على الانتهاء. قوله: (واصطفيتك لمحبتي الخ (الاصطناع افتعال من الصنع بمعنى الصنيعة أي
جعله محلا لإكرامه باختياره وتقريبه منه بجعله من خواص نفسه وندماته فاستعير استعارة تمثيلية من ذلك المعنى المشبه به إلى المشبه وهو جعله نبيا مكرمأكليما منعما عليه بجلائل النعم وخؤله بالخاء المعجمة بمعنى أعطاه، وقوله: بمعجزاتي كالعصا وبياض اليد وحل العقدة مع ما استظهره على يده، ولا داعي لحملها على اليد والعصا والقول بأن الجمع أطلق على المثنى أو أن العصا تشتمأن على آيات. قوله: (ولا تفتروا ولا تقصرا الخ (هو مضارع من الونى وهو الفتور والقراءة بكسر التاء لاتباع النون وهو يتعدى بفي وعن، وزعم ابن مالك أنه يكون من أخوات زال وانفك، وقوله: حيثما تقلبتما أي في أي! كان تحزكتما وتثقلتما فيه وهذا يفهم من ذكره بعد الأمر بالذهاب فإنك إذا قلت سر ولا تنس فالمراد في مدة مسيرك ولا وجه لما قيل إنه يفهم من جعل الذكر ظرفا لهما كما لا يخفى، وقوله وقيل في تبليغ ذكرى في الكشاف الذكر يطلق مجازا على العبادة وتبليغ الرسالة من أجلها فلذا أطلق عليه مجازآ(6/201)
قيل: وظاهر كلام المصنف رحمه الله أنه على تقدير مضاف، ومنهم من أرجعه إلى ما في الكشاف وهو الظاهر من قوله: والدعاء إليئ وهر المناسب لقوله: وقيل فتدبر. قوله: (أمر به أولا الخ (قيل عليه أنه خطأ وكان حقه أن يذكر عند قوله: اذهب أنت وأخوك، كقوله: ولا تنيا فإنه لم يؤمر وحده فيهما، وأجيب بأن المراد دفع توهم التكرار الناشئ من ذكر من يذهب إليه مع التعليل وإنما هو في قول: {اذهب إلى فرعون إنه طغى} [سورة طه، الآية: 24] فقوله: أمر به معناه بالذهاب إلى فرعون الطاغي فمحل ذكره هنا لا فيما قبله، ويؤيده قوله: أولا فإن قوله: اذهب أنت وأخوك ثان لا أول ولذا قيل إن الثاني أمر بالذهاب لعموم أهل دعوته وهذا أمر بالذهاب إلى فرعون خاصة وأما كون قوله: ولا تنيا من قبيل قوله دماذ قتلتم نفسا على أن المأمور موسى عليه الصلاة والسلام وحده وذكر هرون لأنه تابع له فجعل الخطاب مع موسى خطابا معه كما نقل عن القفال رحمه الله فلا يخفى بعده، وكذا كون اذهب أنت وأخوك أمرا بذهاب كل منهما على الانفراد متفزقين وهذا بخلافه أو أن الأول يحتمله فدفع الاحتمال بهذا فلا تكرار فيه لأن دلالة التثنية على الاجتماع غير مسلمة. قوله: (إلى هرون (الظاهر أنه وحي حقيقي لا إلهام، وقوله بمقبله بضم الميم وفتح الباء مصدر ميميئ بمعنى الإقبال أو اسم مكان وإقباله من الطور إلى مصر، ويحتمل ذهاب هرون للطور والمقصود بيان اجتماعهما حتى يؤمرا بالذهاب. قوله: (مثل هل لك إلى أن تزكى (سيأتي تفسيره وهذا ظاهر غاية والظهور في اللين ولذا خصه بالذكر، وقوله: مثل إشارة إلى عدم انحصاره فيما ذكر فيشمل قوله: فقولا إنا رسولا ربك الخ قلا وجه
لما قيل إنه يرذه توله فقولا الخ مع أنه ذكر في تفسير هذه الآية أنها تفصيل لقوله: فقولا له قولا لينا الخ. قوله: (في صورة عرض (بسكون الراء أي عرض عليه ذلك من غير أمر ليهتدي، ومشورة بفتح الميم وضم الشين وسكون الواو كمثوبة وهو الأفصح، ويجوز سكون الشين صر فتح الواو، ومعناها المشاورة، وقوله: حذرا تعليل لقوله: فقولا له قولا لينا، أو لكونه في صورة العرض لأنه بمعناه وأن يسطو أي يبطش بهما، وقوله أو احتراما أي تعظيما منهما لحقه على موسى بتربيته وعلى هرون بتربية أخيه. قوله: (وقيل كنياه (أي خاطباه بكنيته وهي ما ذكر وزيد فيها أبو الصعب، ومزضه لأن الكنية تدل على التعظيم لا على اللين ولا وجه لتخصيص القول اللين بها، وما قيل إنه لا بد من زيادة قول أو لقباه بفرعون مثلا فإنه لقب كل من ملك مصر أو القبط لأنه المخاطب به في القرآن فيه نظر لأن دلالة اللقب على التعظيم غير مسلمة لقوله: {ولا تنابذوا بالألقاب} [سورة الحجرات، الآية: 11] وقد قيل:
ولا ألقبه والسوأة اللقبا
كما سيأتي وكيف يعظم بدعوته ملكا من يذعي الربوبية وأما عدم حكايته في القرآن فلا
ئدل على عدم وقوعه كما لا يخفى واذعاء أنه يعلم بطريق الدلالة غير مسلم. قوله: (متعلق باذهبا (المراد أنه متعلق به مع ما بعده تعلقا معنويا إذ بمجرد الذهاب لا يحصل له تذكر وخشية وكونهما لهما مهابة يقع بها في قلبه ما ذكر ليس بشيء إلا أنه على هذا ليس بينه وبين ما بعده كبير فرق فلعل المراد بالذهاب الذهاب بالآيات كما يدل عليه ما قبله. قوله: (باشرا الأمر على رجائكما وطمعكما الخ (إشارة إلى أن الرجاء منهما لا من الله فإنه لا يصح منه، وقد مر تحقيقه، وقوله: أنه الضمير إفا للأمر أو للرجاء أو للشأن ويثمر بمعنى يفيد وقد تنازع هو ويخيب سعيكما وقوله: فإن الراجي الخ يعني أنه أمرهما بما ذكر مع الرجاء ليجتهدا ويجدا فيه لأنه شأن الراجي بخلاف من أيس من شيء فإنه لا يجذ فيه ولا يباشره مباشرة تاقة عن صميم قلب. قوله: (والفائدة في إرسالهما الخ (إرسالهما من قوله: اذهبا الخ والمبالغة من قوله لعله الخ، كما مر وهذا رد على الإمام رحمه الله في قوله: هذا التكليف لا يعلم سره إلا الله لأنه لما علم أنه لا يؤمن قط كان إيمانه ضدا لذلك العلم الذي يمنع إيمانه فيكون سبحانه عالما باستحالة إيمانه فكيف أمر موسى عليه الصلاة والسلام بذلك الرفق وكيف بالغ في الأمر بتلطيف دعوته إلى الله مع علمه بامتناع حصول ذلك منه فلا سبيل في أمثال هذا المقام لغير التسليم
وترك الاعتراض ولا شبهة في أق في أفعاله حكما ومصالح تترتب عليها، وإن العقل طالب الوقوف عليها بقدر الإمكان ولا ضير في عدم الوقوف(6/202)
على بعضها، وهذا مما اتفق عليه أهل السنة وغيرهم فلا وجه لما قيل إنه مناسب لمذهب الاعتزال ولا تخصيص لفرعون بهذا حتى يقال: كم من جبار طاع لم يرسل إليه فإنه من الأوهام الواهية. قوله: (والتذكر للمتحقق الخ (حاصله أن التذكر والخوف داعيان إلى الإيمان إلا أن الأول للراسخين المتحققين صدق الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ولذا قدم والخشية لمن يتوهمه فالمعنى باشراه على رجاء تحقق فرعون صدقكما فيتذكر ويتعظ أو يتوهمه فيخشى. قوله: (أن يعجل محلينا الخ (قيل إنه يرذه قوله تعالى: {ونجعل لكما سلطانا فلا يصلون إليكما} [سورة القصص، الآية: 35] فإنه مذكور قبل قولهما هذا وهو يدل على حفظهما عن عقوبته ورد بأنه تفسير مأثور عن كثير من السلف كمجاهد فلا ينبغي المبادرة لرذه ولا تعيين في قوله: فلا يصلون إليكما فيجوز أن يكون معناه فلا يصلون إلى إلزامكما بالحجة مع أن تقدمه غير معلوم ولو قدم في الحكاية لا سيما والواو لا تدل على ترتيب مع أنه قدم في تفسير قوله: فقولا له قولا لينا ما ينافيه والفارط المتقدم للمورد والمنزل وفرس فرط بضمتين معناه ما ذكر وفي القاموس أنه بفتحتين فليحزر وقوله: وقرئ يفرط أي بضم الياء وفتح الراء وفي القراءة الآتية بكسرها، وقوله: أن يزداد طغيانا لأن أن للاستقبال والطغيان صفة له قبل ذلك لق! وله إنه طغى فلا بد من تأويله بما ذكر أو بطغيان مخصوص كما أشار إليه بقوله: فيتجزأ أي يحصل له جراءة وجسارة على الله وفي كلامه إشارة إلى أن فاعل يفرط ضمير فرعون، وقيل هو راجع إلى القول المفهوم من السياق. قوله: (وإطلاقه (بالرفع أي إطلاق يطغى إذ لم يقيد بقوله: عليك أو علينا قيل وجوز جزه عطفا على جراءته أي لكونه غير مقيد بحسن الأدب مع الله أو معنا، ومثله داع إلى التخطي عن حذه والوجه الأول وهو المذكور في الكشاف. قوله: (بالحفظ والنصر (إشارة إلى ما قاله الإمام من أن كونه معهما عبارة عن الحراسة والحفظ كما يقال: الله معك على سبيل الدعاء، وأكد ذلك بقوله: {أسمع وأرى} ، كما أشار إليه المصنف بقوله: فأحدث الخ. قوله: (ما يجري بينكما الخ (عدم ذكر المفعول إفا بتنزيله منزلة اللازم أو لقصد العموا بتقديره عاما لعدم قرينة
الخصوص كما تقول الله خالق أي كل شيء أو بحذفه وهو خاص لدلالة القرينة عليه إيجازا فقوله: ما يجري الخ إشارة إلى تقدير مفعول خاص بقرينة السياق أو عام بقدر الحاجة لا من كل الوجوه حتى يقال: تخصيصه بما جرى ينافيه. قوله: (ويجوز أن لا يقدر شيء الخ (إشارة إلى الوجه الثالث وتنزيله منزلة اللازم من غير نظر إلى المفعول لأنه تتميم لما يستقل به الحفظ وليس من باب أن يرى مبصر وشممع واع على ما أظن فتأمل، وقوله: أطلقهم فهو من قولهم: أرسلت الصيد إذا أطلقته. قوله: (وتعقيب الإتيان بذلك الخ (إنما جعله معقبا على الإتيان دون دعوى الرسالة الدال عليه قوله: إنا رسولا ربك مع أنه الظاهر لأنه من جملة- مقول القول المتعقب فيكون متعقبا عليه أيضا وهو المقصود وقوله: إنا الخ في نية التأخير ولو كان متعقبا على ما قبله لكان لمنع القبط لبني إسرائيل عن اتباعه فتأمل. قوله: (تخليص المؤمنين من الكفرة الخ (قيل: تعقيب دعوى الرسالة بإطلالتى بني إسرائيل لما فيه من إزالة المانع عن دعوتهم واتباعهم، وهي أهنم من دعوة القبط فلا دلالة فيه على ما ذكر مع أته تقدم في سورة يوف! أنه ما آمن لموسى عليه الصلاة والسلام إلا ذرية وأولاد من قومه فلا يكون المخلصون مؤمنيمت، ورد بأن السياق هنا لدعوة فرعون ودفع طغيانه وكون ما آمن به أولا إلا الذرية لا ينافي كوشهم مؤمنين بغيره من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وقد قاق المصنف رحمه الله: هناك أق عدء إجابتهم له لخوفهم من فرعون وهو يدل على إيمانهم في الباطن. قوله: (ويجوز أن يكون للتدريج في الدعوة (بأن يأمره بما لا يشق عليه من إطلاق الأسرى ثم يأمره بتبديل اعتقاده أو ليتبعه قومه ثم يتبعه فرعون والقبط. قوله: (قد جئناك الخ) أتى بقد لتحققه وتأكيده فإن قيل إنها تدل على التوقع مع الماضي كما في قد قامت الصلاة قيك: لا مانع منه ولأنه إذا ذكرت الرسالة توقع ذكر ما يدل عليها ويثبتها وفيه كلام في المغني وف وحه، وقوله: جملة مقررة الخ أي مؤكدة ومبينة(6/203)
لما في من الكلام الأول من دعوى الرسالة في قوله: إنا رسولا ربك يذكر الدليل المثبت لها وهي جملة مستأنفة استئنافا بيانيا كأنه قيل به يعلم ذلك ونحوه والاستئناف لا ينافي ذلك وإنما قال: لما تضمنه لأنها لا تقرر قوله: أرسل الخ، وقوله: من دعوى الرسالة بيان لما كان بيناه، وأما كونه بيانا للكلام السابق وما تضنف، هو المجيء بالآية التي لا تنفك عن الرسالة والتضمن هنا بمعنى الدلالة الالتزامية فتكلف ظاهر فإن قلت إذا كان هذا تقريرا لقوله إنا رسولا ربك، كان ينبغي أذ يقرن به قلت قد أشار المصنف إلى دفعه في قوله: وتعقيب الإتيان الخ فلا حاجة إلى القول بأنه من تتمة دعوى الرسالة. قوله: (معه آيتان (أي العصا واليد بل
آيات كما مر يعني مقتضى المقام بعد الدعوى أن يذكر أن له حجة وبرهانا على مذعاه من غير تعرض لوحدته وكثرته فلذا أفرد في هذه الآية ونظائرها ولو ذكر تعدده كان فضولا. قوله: (وسلام الملافكة الخ (في الكشاف يريد وسلام الملائكة عليهم الصلاة والسلام الذين هم خزنة الجنة على المهتدين وتوبيخ خزنة النار والعذاب على المكذبين وتحقيقه كما في بعض الشروح أنه جعل السلام تحية خزنة الجنة للمهتدين المتضمنة لوعدهم بالجنة، وفيه تعريض لغيره! بتوبيخ خزنة النار المتضمن لوعيدهم بعذابها لأن المقام للترغيب فيما هو حسن العاقبة وهو تصديق الرسل عليهم الصلاة والسلام والتنفير عن خلافه فلو جعل السلام بمعنى السلامة، كما في قول عيسى صلى الله عليه وسلم: يوم ولدت الخ لم يفد أن ذلك في العاقبة وما قيل أن الدليل على أنه ليس بتحية أنه ليس ابتداء إلقاء ليس بشيء لأنه لم يجعل تحية موسى عليه الصلاة والسلام بل تحية الملائكة فما قيل إنه لا إشعار في اللفظ بهذا التخصيص مع مخالفته لما مر في قوله: والسلام عليئ يوم ولدت الآية غير مسلم. قوله: (أو السلامة في الدارين لهم (فالسلام مصدر بمعنى السلامة كالرضاع والرضاعة، وقوله: لهم إشارة إلى أن على بمعنى اللام على هذا الوجه كما ورد عكسه في قوله لهم: اللعنة والحروف كثيرا ما تتقارض، وقد حسنه هنا مقابلة المشاكلة في قوله: على من كذب فلا وجه لاستبعاده. قوله: (إن عذاب المشركين الخ (في عبارته قلق وركاكة وقد اختلفت النسخ وضبطها والمشهور فيها المشركين بثين معجمة وراء مهملة وكاف جمع مشرك والمراد به هنا مطلق الكافر فإنه أحد معنييه ومراده دفع ما يتوهم من حصر العذاب فيهم مع أن غيرهم معذب بأنه إنما يفيده إذا كان التعريف للجنس أو الاستغراق أما إذا كان للعهد والمراد به العذاب المعد للكفرة وهو المخلد فلا يفيده ولو سلم فلا محذور فيه كما إذا جعلته للاستغراق الادعائي مبالغة وهذا معنى قوك الإمام المراد من هذا العذاب العذاب الدائم فكان العذاب المتناهي عنده كلا عذاب وللنظر إلى ظاهرها قال ابن عباس رضي الله عنهما إنها أرجى آية في القرآن، ووقع في بعض النسخ المنزلين بالنون والزاي المعجمة واللام ففي بعض الحواشي بالتثنية وفتح الميم تثنية منزل، والمراد بهما الدنيا والآخرة وجعله مفهوما من مقام التهديد والإطلاق، وهذا يناسب تفسير السلام الثاني وظاهر كلام بعضهم أنه حينئذ منزل بضم الميم أي منزلي العذاب وهم خزنة النار لوقوعه في مقابلة خزنة الجنة وهو بعيد جدا، والمعؤل على النسخة الأولى عندهم، وقواسه: على المكذبين الخ إشارة إلى أن من للعموم ولم يقل والمتولين أول خولهم فيهم. قوله: (ولعل تغيير التظم (إذ كان الظاهر أن ينفي السلام عن غيره،
والوعيد هو العذاب والتوكيد بأن وقد، وأول الأمر أي أمر الدعوة أنجع أي أنفع وأوفق وأليق بالواقع لأنه معذب لإصراره على كفره وطغيانه وهذا لا ينافي ما مر في قوله تعالى: {فقولا له قولا لينا} [سورة طه، الآية: 44] ، لأنه لم يوجه بهذا ولم يصرح بأنه له ولذا قدم الترغيب فيه على الترهيب. قوله: (أي بعد ما أتياه وقالا له الخ (خطابهما وجهه ظاهر لأن الكلام معهما وأما كونه لم يقل من ربي فأظهر لأنه لا يعترف بالربوبية في الظاهر، وقوله: لأنه الأصل أي في الدعوة والرسالة ويحتمل أنه لأنه يزعم أنه ربه لتربيته له فهذا أوفق بتلبيسه على الأسلوب الأحمق، ويجوز أنه لتكبره عن أن يخاطب هرون. قوله: (أو لأنه عرف أن له رتة (قيل-: يرده ما شاهده منه عليه الصلاة والسلام من حيث البيان القاطع(6/204)
لطمعه الفارغ وأما قوله: ولا يكاد يبين فمن غلوه في الخبث والذعاة، وليس بشيء لما مرج من أنها لم تذهب بالكلية عند كثير من المفسرين، وحسن بيانه بقطعية حججه وهو لا ينافي الرتة، ويفحمه بمعنى يسكته وقوله: ويدل عليه أي على أن موسى خص بالخطاب لهذا الوجه وكونه من غلؤه لا ينافيه كما توهم ولا خفاء في وجه الدلالة كما توهم إذ ليس المراد بها الدلالة القطعية بل التأييد له كما هو دأبه.
قوله: (من الأنواع (إشارة إلى أن كل لعموم الأنواع لا ل! صموم الأفراد لئلا يلزم الخلف
ويرد النقض بأن بعض الأفراد لم يكمل لعارض يعرض له، وفسر خلقه بمعنى مخلوقه بالصورة والشكل وهو الهيئة التي بها تشكله لأن نفس الخلق المصدري ليس بمعطي ولأنه لا بد من تغاير المعطي وهو ما ذكر والمعطى له وهو المادة والضمير لشيء لا لكل، والإضافة اختصاصية اتصالية. قوله: (وأعطى خليقته الخ (أي مخلوقاته فالخلق بمعنى المخلوق والضمير للموصول ويرتفقون بمعنى ينتفعون، وقوله: لأنه المقصود الخ إذ المقصود الامتنان به، وقوله: وقيل أعطى كل حيوان نظيره الخ فيختص بالحيوان بخلاف ما قبله ولذا مزضه لأنه لا يلائم لفظة كل، واعترض عليه بأن من الحيوان ما يحصل بالتولد فلا نظير له ورد بأن كل للتكثير وهو كثير في كلامهم وبأن المصنف لم يرتضه حتى يرد عليه شيء بل هو يؤيد تمريضه وقيل: المراد من الزوج الأنثى لا الإزدواج فالمعنى أنه جعل كل حيوان ذكرا وأنثى والإضافة على هذا من إضافة المشبه للمشبه به. قوله: (وقرئ خلقه الخ (أي بصيغة الماضي المعلوم وكونه صفة
لأنه شأن الجملة الواقعة بعد النكرات، وقوله: على شذوذ لأن الشائع في الاستعمال وصف مدخول كل والمفعول الثاني محذوف لقصد التعميم وهو ما يصلحه وجعله الزمخشري من باب يعطي ويمنع والمعنى لم يخله من إعطائه وإنعامه وهذا أبلغ معنى ما ذكره المصنف أحسن صناعة، وموافقة للمقام. قوله: (ثغ عزفه كيف يرتفق بما أعطى (على العموم فيه تجوز لأن كل شيء لا يوصف بالمعرفة وفي جري هذا على الوجه الأول تأمل، وقوله: في غاية البلاغة أي الحسن والفصاحة لأنها تستعمل بهذا المعنى ويصح أن يراد بها معناها المصطلح لمطابقته لمقتضى المقام لما فيه من الإلزام والإفحام دفعة واحدة هاعرابه بمعنى إظهاره ودلالته، وقوله: عن الموجودات بأسرها هو مناسب للوجهين الأولين، وقوله: على مراتبها يفهم من الإضافة. قوله: (ودلالته على أن الغنتي القادر الخ (لأن الإنعام على الكل بالكل منه فيلزم أنه غنيئ قادر منعم على الإطلاق، وقيل: إن الشيء في الآية بمعنى المشيء فلو لم يكن تعالى غنيا قادرا بالذات لكان شيئا بهذا المعنى أيضا ولا شائي إلا هو فتكون قدرته مثلا حادثة بالشيئة وهو باطل لأن القدرة صفة تؤثر على وفق تعلق الإرادة فيلزم وجودها حال فرض عدمها وفيه تأمل. قوله: (في حذ ذاته الخ (لاندراجها تحت الشيء وصفاته على ما دل عليه قوله: خلقه وأفعاله من قوله: هدى وقوله: عن الدخل عليه من قولهم دخل عليه بالبناء للمجهول إذا غلط وصرف الكلام عنه بقوله، قال الخ. قوله: (فما حالهم (البال الفكر يقال: خطر ببالي كذا ثم أطلق على الحال التي يعتني بها وهو مراده ولا يثنى ولا يجمع إلا شذوذا في قولهم بالات، وقوله: من السعادة والشقاوة يعني أن المسؤول عنه حالهم في الآخرة أي تفصيلا درالا فقد سبق إجماله في قوله والسلام على من اتبع الهدى وأن العذاب على من كذب وتولى، ولذا قرنه بالفاء لأنه تفصيل متفزع على ذلك الإجمال. قوله: (أي أنه غيب لا يعلمه إلا الله (يجوز أن يكون الحصر والدلالة على كونه غيبا مستفادا من معنى الكلام لأنه إذا كان عند الله فهو من المغيبات وهي لا يعلمها إلا الله، وأن يكون الغيب من عند الله لأن معناه في حفظه والمحفوظ مصان مغيب والحصر من المصدر المضاف المفيد للعموم، والاستغراق كما قرروه في ضربي زيدا قائما فالمعنى جميع علمها تفصيلا عنده ولو علم شيئا منه غيره لم يكن كذلك. قوله: (مثبت في
اللوح المحفوظ (مرفوع تفسير لقوله في كتاب على أنه خبر بعد خبر والمثبت فيه وإن كان النقوش الدالة على الألفاظ الدالة على المعاني بمنزلة إثبات المعاني ولا حاجة إلى جعله حالا من الضمير المستتر(6/205)
في قوله: عند ربي لإيهامه أن علمه تعالى بها مخصوص بتلك الحال أو ناشئ منه. قوله: (ويجوز أن يكون تمثيلا (فيشبه علمه تعالى بتفاصيل الأمور علما ثابتا لا يتغير بمن علم شيئا علما متقنا وكتبه في جريدته حتى لا يذهب أصلا فيكون قوله لا يضل ربي ولا ينسى ترشيحا للتمثيل واحتراسا أيضا لأن من يفعل ذلك إنما يفعله لخوف النسيان، والله تعالى منزه عنه دمانما تثبت معلوماته في اللوح المحفوظ ليطلع عليها الملائكة فتعلم أن ما فيه معمول معلوم له فالكتاب على هذا بمعناه اللغوي وهو الدفتر لا اللوح المحفوظ فسقط ما قيل إنه إنما يستحسن هذا إذا لم يوجد اللوح فلا مجال للاستعارة أصلا. قو-له:) ويؤيده لا يضل ربي الخ (وجه التأييد ما عرفت من أنه ترشيح مناسب للمستعار منه، وأيضا عدم الضلال والنسيان يناسب إتقان العلم لا كتابته فإن من يكتب قد يغيب عنه كتابه وينسى ما فيه، وقيل: وجه التأييد أن قوله: لا يضل الخ تذييل لتأكيد الجملة السابقة وعلى الأول هو تكميل لدفع ما يتوهم من أن إثباتها في اللوح لاحتياجه إليه لاحتمال خطأ أو نسيان تعالى عنه فلا وجه لما قيل إن المصنف رحمه الله لم يتنبه لما قاله فحمله على التمثيل وإنما يظهر عدم تنبيهه لو اقتصر على احتمال التمثيل وليس كذلك ولا تأييد فيما ذكره أصلا كيف وهو على الأول تأسيس وعلى هذا تأكيد كما اعترف به والتأسيس أولى، نعم ما ذكره من الاعتراض ساقط كما عرفت، وقوله: والضلال الخ محصله فقد الشيء وعدم معرفة مكانه وهو حاضر في الذهن، والنسيان أن يغيب عن الذهن وان كان يعلم مكانه وأن تذهب وقع في نسخة وأن تذهب بدله، وقوله: على العالم بالذات أي على من علمه صفة ذاتية لا صورة عارضة قد يذهل عنها وليس المراد أن علمه عين ذاته كما هو مذهب المعتزلة. قوله: (ويجوز أن يكون سؤاله الخ (لما قال أولا ولذلك بهت الذي كفر وأفحم عن الدخل عطف عليه وجها آخر يغايره بكونه دخلا والفاء في محلها أيضا لتعلقه بجواب موسى عليه الصلاة والسلام هاحاطة القدرة من قوله: أعطى كل شيء كما مر، وتخصيصه معطوف على الأشياء وهو مبنيئ على التفسير الأول، وقوله: بأن ذلك متعلق بقوله دخلا، واستدعاؤه للعلم ظاهر وتمادى المدة تباعدها، وتباعد أطرافهم بمعنى كثرتهم، وقوله: لا يضل أي عنه ولا ينساه، ويصح قراءة ينسى مجهولا وهذا ما في الكشاف بعينه إلا أنه أسقط
منه قوله: ولا يجوز عليه الخطأ والنسيان كما يجوز أن عليك أيها العبد الذليل والبشر الضئيل إشارة إلى أن قوله لا يضل الخ على هذا من تتمة الجواب وفيه تعريض به يستلزم إبطال دعواه الربوبية ولذا أقيم الظاهر مقام المضمر وهو أمر حسن كان ينبغي ذكره، وتخصيص القرون الأولى عليه مع أولوية التعميم لعلم فرعون ببعضها وبذلك يتمكن من معرفة صدق موسى عليه الصلاة والسلام أن بين أحوالها، وقيل إنه لإلزام موسى كي! وتبكيته عند قومه في أسرع وقت لزعمه أنه لو عمم ربما اشتغل موسى عليه الصلاة والسلام بتفصيل علمه تعالى بها فتطول المدة ولا يتمشى ما أراده فسقط ما قيل إنه يأبى هذا الوجه تخصيص القرون الأولى من بين الكائنات فإنه لو أخذها بجملتها كان أظهر وأقوى في تمشية مراده. قوله: (مرفوع صفة لربي أو خبر لمحذوف الخ (قال الإمام معينا لأحد الوجوه لأمر حجا كما قيل يجب الجزم بأنه خبر مبتدأ محذوف إذ لو كان وصفا أو نصبا على المدح لزم أن يكون من كلام موسى عليه الصلاة والسلام، وهو باطل فإن قوله: فأخرجنا حينئذ إفا من كلام موسى أو من كلامه تعالى، ولا سبيل لهما لأن قوله: بعده كلوا وارعوا الخ لا يليق بموسى عليه الصلاة والسلام، والفاء تتعلق بما بعدها فلا يكون من كلام الله وما قبله من كلام موسى عليه الصلاة والسلام فلم يبق إلا أن كلام موسى صلى الله عليه وسلم تتم عند قوله: ولا ينسى وابتداء كلام الله من قوله: الذي جعل لكم الأرض الخ ورد بأنه يحتمل وجهين أحدهما ما ذكره الإمام كأنه تعالى لما حكى كلام موسى عليه الصلاة والسلام إلى قوله: لا يضل ربي ولا ينسى سئل ما أراد موسى بقوله: ربي فقال الذي الخ فهو استئناف بياني خبر مبتدأ محذوف، والثاني أنه من كلام موسى عليه الصلاة والسلام وأنه لما سمع هذا من الله أدرجه(6/206)
بعينه في كلامه اقتباسا وسيأتي مثله في الزخرف أو يكون موسى عليه الصلاة والسلام وصفه تعالى على سبيل الغيبة فلما حكاه تعالى أسنده إلى نفسه لأن الحاكي هو المحكني عنه أو قوله: أخرجنا كقول خواص الملك أمرنا وفعلنا والمراد الملك ولا يخفى أن وقوع الاقتباس في القرآن لا وجه له مع أنه لا يكون إلا بالوجه الأخير فيتحد معه. قوله: (كالمهد (فهو تشبيه بليغ وتقدم له بسط في سورة البقرة، وقوله: سمي به أي جعل اسم جنس لما يمهد للصبي، وهو مفعول جعل الثاني إن كانت بمعنى صير وهو الظاهر أو حال إن كانت بمعنى خلق وجوز فيه الزمخشري بقاءه على مصدريته ونصبه بفعل مقدر من لفظه أي مهدها مهدا بمعنى بسطها ووطأها والجملة حال من الفاعل أو المفعولى، وإذا كان جمعا فهو ككعب وكعاب والمشهور في جمعه مهود، وقوله: كالمهد متعلق بقوله: تتمهدونها مقدم عليه، وقيل: تتمهدونها صفة المهد لأنه معنى نكرة، وقوله: كالفراش أي معنى ووزنا. قوله: التبلغوا
منافعها (إشارة إلى وجه ذكرها على سبيل الامتنان ولذا كزر ذكر لكم الدال على الانتفاع المخصوص بالإنسان بخلافه في الأول فانه ذكر لبيان أن المقصود بالذات منها الإنسان وبه يظهر بلاغة ذكر المهد هنا. قوله تعالى:) أفأخرجنا بها (قال بعض المفسرين: إنزاله تعالى دهاخراجه عبارتان من إرادته النزول والخروج لاستحالة مزاولة العمل في شأنه والفاء للتعقيب، فإن ثانية الإرادتين لا تتراخى عن الأولى د ران تراخى ثاني المرادين، وإنما قلنا إنها للتعقيب لأن معنى السببية علم من باثها، وقيل عليه إن الإنزال! والإخراج عبارتان عن صفة التكوين عند الحنفية وهو منهم ولا يلزمه المزاولة كما قال مع أن تعقيب الإرادة الأولى للثانية ممنوع إن أريد بها الصفة الأزلية فإنه لا يعقل ذلك في الأزليات دمان أريد تعلقها التجذدي فهو متراخ بحسب تراخي المرادين فالقول بالسببية والتأكيد أهون، ويمكن أن يحمل على التأسيس بأن يشبه التراخي بالتعقيب في أنه ترتب لا محالة وبعبر عنه بلفظه) أقول (لا خلاف بين الماتريدية والأشعرية في إثبات صفة قديمة هي مبدأ صفات الأفعال وإنما الخلاف في أنها عين القدرة كما اذعت الأشاعرة أو صفة أخرى مغايرة لغيرها من الصفات كما ذهب إليه الحنفية وعلى كل حال فالمقصود هنا الاستدلال عليه بأفعاله تعالى الواقعة في الخارج لا بالصفات الذاتية لأنه لا يعوف الله حتى يعترف بصفاته فلما لم يصح إرادة ذلك كما لا تصح إرادة المزاو-لة لأنه تعالى إنما أمره لشيء إذا أراده أن يقول له: كن فيكون كان إسناد ذلك على معنى أنه تعلقت إرادته بإيجاده، وأما قوله: لا تعقيب بين الإرادتين فليس كذلك لأن لها تعلقات تعلقا أزليا بمعنى أنه أراد وقوعه في زمانه ولا تعقيب بين إرادة دمارادة فيه، وتعلقا قبيل وقوعه بتهيئة أسبابه العادية كالمطر للنبات وبينهما تعقيب كما قيل إذا أراد الله شيئا هيأ أسبابه ولذا تطلق الإرادة على قرب الوقوع كقوله: جدارا يريد أن ينقض، وتعلقا تنجيزيا مع أن قوله: دمان تراخى ثاني المرادين غير مسلم لأنه تعقيب عرفي إذ ايجاد النبات على أشكال لطيفة في مثل هذه المدة يعد تعقيبا كما ذكروه على أن بين الإرادتين باعتبار المرادين تعقيبا رتيبا مثل ضربته فانكسر ولك أن تقول إن الفاء لسببية الإرادة عن الإنزال والباء لسببية النبات عن الماء فلا تكرار كما في توله تعالى: إ لنحيي به، ولعل هذا أقرب. قوله: (عدل به الخ (عدل فعل مجهول وليس معلوما والضمير لموسى عليه الصلاة والسلام كما قيل وإنما عبر به لأنه يحتمل أن يكون من كلام مرسى ومن كلام الله كما مر تحقيقه ولم يذكر أن فيه التفاتا وافتنانا لأن فيه ترددا فقيل إنه ليس بالتفات لأن الالتفات يكون في كلام متكلم واحد، وقيل إنه التفات، وفي الكشف وجه الالتفات أن المصنف رحمه الله حمله على أن موسى عليه الصلاة والسلا احاك قوله تعالى: إ كما هو والدليل عليه " قوله: الذي جعل لكم دون لنا وحكاه الله لنبينا صلى الله عليه وسلم على ما حكاه موسى، وأما أن الله تعالى لما حكى غير العبارة لأن الحاكي هو المحكي فلا يصح لتوجيه الالتفات وإن ظن فتأئله. قوله: (على الحكاية لكلام الله (يحتمل أن المراد حكاية موسى عليه الصلاة والسلام لكلام الله بعينه ثم إن الله حكى ما
حكاه موسى لنبينا صلى الله عليه وسلم(6/207)
فلا يكون فيه التفات عند بعضهم ويكون أدراجا، وأما جعله اقتباسا فلا وجه له كما مر، ويحتمل أنه حكاية الله لكلام موسى عليه الصلاة والسلام بالمعنى وقد عرقت وجهه. قوله: (تنبيها على ظهور ما فيه (وجه التنبيه أنه لما عدل عن ضمير الغيبة إلى ضمير العظمة والتكلم دل على أن ما أسند إليه أمر عظيم وصدور عظام الأمور يدل على كمال القدرة والحكمة وأن حكمه مطاع لا يتخلف شيء عن إرادته فإن مثل هذا التعبير يعبر به الملوك والعظماء النافذ أمرهم ونهيهم، ويقؤي هذا الفاء والماضي الدالان على السرعة والتحقق، واختلات ذلك مع اتحاد المواذ والأسباب الفلكية عند المثبتين لها أدر دليل عليه ومن لم يتنبه لهذا قال إن التنبيه يحصل لو قيل أخرج لأن كمال القدرة يتفزع على الإخراج إذ لم يفم! ق بين كمال القدرة والتنبيه عليه، وقوله: المختلفة من قوله شتى. قوله: (وعلى هذا نظائره الخ (أي ورد على هذا النمط من العدول ما وقع في غير هذه الآية من ذكر الإخراج وما هو بمعضاه كالإنبات لهذه النكتة وإن لم يكن فيه حكاية كما هنا فالتشبيه ليس من كل الوجوه، وقوله: سميت أي أطلق عليها هذا اللفظ وقوله: وكذلك أي هو صفة أيضا كالجاز والمجرور بمن البيانية، والضمير في قوله: فإنه للنبات توجيه لتوصيف المفرد بالجمع بأنه صالح لمعنى الجمعية لما ذكر، وشتى جمع شتيت وألفه للتأنيث، ونقل في شروح الكشاف عن الزمخشري أنه ليسر على هذا الوزن إلا حتى ومتى اسم أبي يونس عليه الصلاة والسلام وهو غير ظاهر لأن فعلي كثير إلا أن يكون أراد أنه ليس على وزن فعلى مما عينه ولامه تاء. قوله: (حال من ضمير الخ (أي من الفاعل وهو أنسب لأنه يدل على بذله المناسب دلامتنان، ويصح أن يكون من المفعول أي مقولا فيها فهي مقول قول هو الحال، وقوله ة آذنين إشارة إلى أن الأمر للإباحة فليست وجها آخر كما توهم. قوله: الذوي العقول الئاهية (لأن م! ت شأن العقل منع صاحبه عما لا يليهت
ولذا سمي عقلا من العقال لمنعه أيضا وتخصيصهم لأن معرفة كونها آيات دالة على خالقها مخصوص بالعقلاء، ولذا جعل نفعها عائدا إليهم في الحقيقة فقال: وارعوا فتفطن، والنهية بضم النون العفل ثم إنه ذكر قوله: منها خلقناكم الخ بعد ذكر النبات وما فيه من الآيات لدلالته على قدرته ب! خراج هذه الأجسام اللطيفة من تراب كثيف هاخراجها من صندوق العدم إلى صفة التجلي كما تخرج الأبدان من صناديق القبور إلى سوق النشور فتأمل ما فيه من الحس إن كنت من أولي النهي، وقوله: أصل خلقة أول آبائكم تقدم تقريره، وقوله: بتأليف أجزإئكم على القول بأنه ليس بإعادة للمعدوم كما بين في الأصول. قوله: (ورد الأرواح إليها (أي رذها من مقزها إلى الأبدان المخرجة من الأرض فليس فيه ما يدل على أنها بعد مفارقة الأبدان في الأرض وأنها مخرجة منها حتى يرد عليه شيء كما توهم مع أنه لا مانع منه عقلا وشرعا. قوله: (بصرناه إياها أو عزفناه صحتها (كذا في الكشاف يعني أنه إفا من الرؤية بمعنى الأبصار أو بمعنى المعرفة فهو متعد إلى مفعولين بالهمزة بعدما كان متعذيا لواحد ولا يجوز أن يكون بمعنى العلم لما يلزمه من حذف المفعول الثالث من الإعلام وهو غير جائز وقدر في الوجه الثاني مضافا وهو الصحة وفي شرح الكشاف للعلامة أنه لا حاجة إليه وتبعه بعضهم هنا وإنما قدره ليكون تكذيبه عنادا وهو أوفق في ذقه وقد صرح بمثله في غير هذه السورة كقوله واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا كما أشار إليه الزمخشري (قوله: الشمول الأنواع الخ) لما كان لم يره جميع آيات الله ومعجزاته مطلقا مما كان في عصره وما قبله وظاهر قوله كلها يقتضي ذلك أوله بما ذكر سواء كانت الرؤية بصرية أو قلبية فالمراد على هذا أنه أراه جميع أنواعها أو أجناسها لأن المعجزات كما قاله السخاوندي ترجع إلى إيجاد معدوم أو إعدام موجود أو تغيير موجود كإيجاد الضوء من يده دماعدام حبال السحرة وتغيير العصا إلى الحية وفي انحصارها فيما ذكر وتخصيص البعض بالبعض نظر ظاهر. قوله: (أو لشمول الأفراد (على أن تعريف الإضافة تجري فيه جميع معاني اللام كما صرح به الزمخشري فالمراد به هنا العهد وهي آيات موسى عليه الصلاة والسلام المعهردة وكل لشمول الأفراد المعهودة أيضا فيندفع الاشكال وجوز فيه(6/208)
أن يكون أيضا للاستغراق العرفي كما في جمع الأمير الصاغة وقوله وهي الآيات التسع وفي نسخة السبع والصحيح هي الأولى رواية وهذه أولى دراية وقد عذها المصنف رحمه الله في سورة النحل رهي العصا واليد وفلق البحر والحجر والجراد والقمل والضفاح والدم ونتق الجبل واعترخس عليه بأن الحجر ونتق الجبل جاء بهما موسى عليه الصلاة والسلام لبني إسرائيل بعد هلاك فرعون وأنه لم يكذب بعد فلق البحر ورد بأنه قد كذب إلى أن أدركه الغرق وغرضه من دخوله البحر بعد فلقه أهلاك موسى عليه الصلاة والسلام وأما الأوليان فلعل اراءتهما بمعنى الاخبار
بأنهما سيقعان وفيه كلام تقدم. قوله: (أو أنه عليه السلام أراه آياته الخ (فالتعريف للاستغراق والاراءة بالمعنى الثاني، وجوز فيه المعنى الأول بجعل تعدادها له بمنزلة رؤيتها وهو بعيد وقوله: فكذب موسى عليه الصلاة والسلام إشارة إلى مفعوله المقدر وتكذيب موسى عليه الصلاة والسلام يستلزم تكذيبه في نبؤته وآياته فلا وجه لما قيل إلا ظهر تقدير الآيات. قوله: (هذا تعلل وتحير (المراد بالتعلل تكلف علة وحجة لا أصل لها تمويها وتلبيسا على غيره وقد أشار إليه الفارابي كما في المصباح ونقله المحشي عن تاج المصادر، وقوله: فإن ساحرا الخ تعليل لكونه تعللا وما بعده وذكر إخراجهم من أرضهم إغضابا لهم لأنه مما يشق، وذكر الإتيان بمثله استدلالط على كونه سحرا يمكن معارضته لا معجزة، وقوله وعدا إشارة إلى أنه مصدر لا اسم زمان أو مكان كما سيأتي. قوله: (فإن الإخلاف لا يلانم الزمان الخ (بيان لكونه مصدرا يعني موعدا إفا أن يكون اسم مكان أو زمان أو مصدرا والأولان ممتنعان عند الزمخشري غير مناسبين عند المصنف لأن قوله لا نخلفه صفة لموعدا فلزم تعلق الإخلاف بالزمان أو المكان والأخلاف إنما يتعلق بالوعد يقال أخلف وعده لا زمانه ومكانه ولا يجوز عود الضمير إلى الوعد الذي تضمنه على حذ قوله: من صدق كان خيرا له وكذا عوده عليه بمعنى آخر على طريق الاستخدام لأن جملة لا نخلفه صفة لموعدا فلا بد فيه من ضمير يعود على الموصوف بعينه ومن جوزه لا يرى أن الجملة صفة لجواز كونها معترضة ل! ان كان خلاف الظاهر فلا وجه للجزم ببطلان توله: وقد قيل أيضا أنه يجوز جعل المكان مخلفا على التوسع كما في قوله: ويوما شهدناه. قوله: (وانتصاب مكانا الخ (دفع لإشكال أن قوله مكانا يقتضي أن يكون الموعد اسم مكان لا مصدرا فأوله بأنه منصوب بفعل مقدر يدل عليه الموعد أي عد مكانا لأنه إنما يدل على ما ذكر لو كان بدلا أو عطف بيان له وليس منصوبا على الظرفية بالمصدر لأن المصدر إذا تقدم وصفه لا يجوز عمله عندهم بخلاف ما إذا تأخر كقولك إن هجرك إياي المفرط لمهلك فإنه لا ينعت قبل تمامه فالمانع هو عدم تماميته وهو الصحيح المصرح به أر فصل الصفة بينه وبين معموله لا الوصفية كما صرح به في شرح التسهيل وذكره بعضهم هنا ردا على من علل به كما توهمه عبارة المصنف، نعم هي محمولة على ما ذكر فلا وجه للرد عليه والقول بأن ما ارتضاه عين ما رذه وهو رد على تجويز الزمخشري له لكنه مجاب بأنه يجوز في الظرف لتوسعهم فيه مع أن بعض النحاة جوزه مطلقا وهو مذهب الزمخشري كما ذكره المعرب، ويجوز أن يضمن لا
نخلفه معنى المجيء والإتيان أو يقدر بقرينته أي آتين وجائين مكانا وقد جوز فيه أيضا أن يكون ظرفا لغوا لأجعل أي اجعل بيننا وبينك في مكان منتصف زمان وعد لا نختلف فيه ولا يرد عليه أن تعين زمان الوعد إنما هو في مكان التكلم لا في مكان سوى وأنه مفقود فيه شرط النصب على الظرفية، كما قيل لأنه بناء على أن الموعد اسم مكان وأن معناه زمان يقع فيه ما وعد لا زمان الوعد نفسه فإنه معنى الوعد والميعاد في كلام العرب إذ المكان يكون لمعناه لا للفظه ألا ترى فوله:
قالوا الفراق فقلت موعده غد
وهذا منشأ غلطه، وأما قوله: إنه إذا انتصب فهو مفعول به لا ظرف لأن الرضي شرط في
عامله أن يكون فيه معنى الاستقرار كقمت وقعدت وتحزكت مكانك بخلاف ما ليس كذلك نحو كتبت الكتاب مكانك وقتلته أو شتمته ففيه بحث لأن ما ذكره الرضي غير مسلم إذ لا يمانع من قولك: لمن أراد التقزب منك ليكلمك تكلم مكانك فإن فيه استقرارا لتبعية، الا ترى قوله:(6/209)
حمامة جرعا حومة الجندل اسجعي
نعم هو لا يطرد حسنه في كل مكان فحزره. وأما قول الشارح العلامة أق مكانا منصوب
على أنه مفعول ثان لأجعلى فبناه على تقدير المضاف أي مكان وعد فلا يرد عليه أنه من النواسخ وحمل المكان على الموعد غير صحيح إلا بتكلف ما لا يجدي. قوله: (أو بأنه بدل من موعدا (وقع في نسخة أو به بأنه الخ وفيها مسامحة من جهتين: لأنه بدلا من موعدا بل من مكان مقدر وليس منصوبا به بل بعامل المبدل منه، وجاز الإبدال المغايرة الثاني للأول بالوصف. وقوله على تقدير مكان مضاف إليه بناء على أن الموعد مكان وقوع المرعود به كما تقول رميت الصيد في الحرم فإنه مكان الصيد لا الرمي، كما حققناه، فلا يقال إنه لا بد فيه من تقدير مضافين أي مكان إنجاز الوعد، أو جعل الإضافة لأدنى ملابسة، أو هي من إضافة الصفة، لموصوفها والوعد بمعنى الموعود فإق الوعد في مكان التكلم. قوله: (وعلى هذا (أي على تقدير البدلية ودلالته على المكان التزامية، وهو جواب عن قولهم إنه اسم زمان ليطابق الجواب، وقوله: مشتهر بكسر الهاء ويجوز فتحها. قال المطرزي في شرح المقامات: اشتهر لازم مطاوع، ومتعد فيصح في المشتهر فتح الهاء وكسرها اا هـ وقوله: بإضمار مضاف أو منؤن وهو معطوف على قرله من حيث المعنى قيل والمعنى مكان إنجاز وعدكم. مكان اجتماع يوم الزينة، كما مزي تفصيله. دمالا ظهر تأويل المصدر بالمفعول في الأول وتقدير المضاف في الثاني أي موعودكم مكان يوم الزينة وقد عرفت ما فيه. قوله: (ما هو على الأول (أي كما هو
مطابق على الأول إن كان مصدرا ومكانا منصوب بمقدر أو يجعل الموعد هنا مصدرا ويقدر في الثاني مضاف وهو وعد ليصح الحمل وقوله: أو وعدكم، معطوف على قوله كما هو على الأؤد بحسب المعنى لأنه في معنى يطابقه، بحسب المعنى أو يجعل موعد بمعنى وعدكم الخ، أو هو معطوت على مقدر. قوله: (وهو ظاهر في أن المراد بهما المصدر) لأن الثاني عين الأول لإعادة النكرة معرفة، والمكان والزمان لا يقعان في زمان بخلاف الحدث أنا الأول فلأنه لا فائدة فيه، لحصوله في جميع الأزمنة، وأما الثاني فلأن الزمان لا يكون ظرفا لزمان ظرفية حقيقية، لأنه يلزم حلول الشيء في نفسه. وأما مثل ضحى اليوم في اليوم فهو من ظرفية الكل لإجزائه، وهي ظرفية مجازية، وما نحن فيه ليس من هذا القبيل، فلا وجه لما قيل إنه لا يدري ما المانع منه. قوله: (ومعنى سوى منتصفا (أي وسطا للطريق، واقعا بين نصفيها، وقوله: يستوي الخ بيان لوجه تخصيصه وقوله: وهو في النعت، كقولهم قوم عدى أي بكسر العين والقصر. قال أهل اللغة: إن هذا الوزن مختص بالأسماء الجامدة كعنب ولم يأت منه في الصفة إلا عدى بمعنى عدو، وزاد هنا الزمخشري سوى وزاد غيره روي بمعنى مرو والنيروز فيعول بفتح أوله والنوروز لغة فيه وهو معزب، اسم لوقت نزول الشمس في أول الحمل والياء أشهر لفقد فوعول في كلام العرب، وقوله: على رؤوس الاشهاد لأنه مجمع عظيم. قوله: (عطف على اليوم الخ (والثاني أظهر لعدم احتياجه إلى التأويل، دماذا جعل الضمير لليوم فالإسناد مجازي، كنهاره صائم، والمراد بالخطاب ما في موعدكم فهو له والتفت وجعل الضمير غائبا تأدبا على عادة الكلام مع الملوك، وجمع ضمير الخطاب لأن الخطاب له ولقومه لا له تعظيما أو الخطاب لقومه، والضمير الغائب له وإن كان حاضرا لما ذكر، وقوله: ما يكاد به يعني أن المصدر بمعنى اسم المفعول أو بتقدير مضاف على ما اشتهر في مثله، وقوله: بالموعد إن كانت الباء بمعنى في فهو اسم مكان أو زمان وإلا فهو مصدر بمعنى الموعود، وقوله: بأن
تدعوا الظاهر أنه من الدعوى، ويصح أن يكون من الدعوة وقوله: ويستأصلكم تفسير ليسحتكم ومعناه يهلككم أجمعين، يقال أسحته وسحته بمعنى على اللغتين وقوله: كما خاب فرعون تصديق لقول موسى عليه الصلاة والسلام وقد خاب من افترى لأنه من كلامه لا تفسير له. قوله: (أي تنازعت السحرة الخ (فمرجع الضمير معلوم من قرله كيده، وقوله: في أمر موسى عليه الصلاة والسلام فإضافة الأمر إليه لأدنى ملابسة لوقوعه فيما بينهم واهتمامهم به وعلى هذا نجواهم ما ذكر، وقوله: أو تنازعوا على أن الضمير للسحرة، ومخالفته لما قبله بتغاير المتنازع فيه، وكون(6/210)
الضمير لفرعون وقومه أظهر لسبق ذكرهم ولذا ذهب إليه الآكثر، وقوله: تفسير لأسروا النجوى على القول الأخير أو على الأول، ولا ينافيه قوله: فيه ليس هذا من كلام السحرة لأنه أحد شقي النزاع ولا تفسير النجوى أولا، بقوله: بأن موسى إن غلبنا الخ لأنه بعض ما ذكروه أو هو عليه كلام مستأنف كأنه قيل: فما قالوا للناس بعد تماء التنازع فقيل: قالوا: إن هذان الخ تنفيرا للناس وتقربا لفرعون وأما كونه تفسيرا على الوجه الثاني في رجوع الضمير للسحرة، فإنما يصح إذا كانت المعارضة شاملة للمعارضة القولية لا إذا كان المراد بها السحر الذي قابلوه به فتأمل. قوله: (على لنة بلحارث بن كعب (بفتح الباء وسكون اللام وأصله بني الحرث وهم قبيلة معروفة فخففه بحذف النون بعد حذف النون الجمع للإضافة وحرف العلة لالتقاء الساكنين كما قالوا علماء في على الماء وهو مخالف للقياس لكنه مسموع عن العرب فيهما، وقيل إنها لغة كنانة قال في العباب هذا من شواذ التخفيف لأن النون واللام قريبا المخرج فلما لم يمكنهم الإدغام بسكون اللام حذفوا النون كما قالوا: ظلت ومست وكذلك يفعلون بكل قبيلة يظهر فيها لام التعريف نحر بلعنبر فإذا لم تظهر لم يكن ذلك، وقوله: فإنهم جعلوا الألف الخ، يعني أن هذه اللام عندهم علامة التثنية لا علامة إعراب حتى تتغير كغيرها فأعربوه بحركات مقدرة، كالمقصور وكون اسمها ضمير الشأن غير مرضيئ لأن حذفه مع المشددة ضعيف، وقيل: مخصوص بالشعر وكون اللام لا تدخل الخبر لاختصاصها في الفصيح بالمبتدأ ولذا سميت لام الابتداء وتقدير لهما لتدخل على المبتدأ المقدر فيندفع المحذور وقيل: إنها لام زائدة لا لام الابتداء أو هي دخلت بعد إن بمعنى نعم لشبهها بالمؤكدة لفظا كما زيدت أن بعد ما المصدرية لمشابهتها للنافية ورد الأول بأن زيادتها في الخبر
خاصة بالشعر. وقول النيسابوري أن القراءة حجة عليهم استدلال بمحل النزاع مع احتمال غيره لكن دخول اللام المؤكدة المقتضية للاعتناء بما دخلت عليه وحذفه يشعر بخلافه فيه هجنة وأما أن الحذف لا يجوز بدون قرينة ومعها هو مستغن عن التأكيد فليس بشيء لقيام القرينة والاستغناء غير مسلم وهو للنسبة لا للمحذوف، وأما إنكار بعض القدماء له فلا يسمع كما قيل إنه جمع بين متنافيين وهما الإيجاز والإطناب، وقد ضعف كونها بمعنى نعم بأنه لم يثبت أو هو نادر وعلى تقدير ثبوته ليس قبلها ما يقتضي جوابا حتى تقع نعم في جوابه والقول بأنه يفهم من النجرى لأنها تشعر بأن منهما من قال: هما ساحران فصدق وقيل نعم تكلف. قوله: (وقرأ أبو عمرو أن هذين وهو ظاهر (لفظا ومعنى لكن في الدر المصون أنها استشكلت بأنها مخالفة لرسم عثمان رضي الله عنه فإنه فيه بدون ألف وياء فإثبات الياء زيادة عليه ولذا قال! الزجاج: أنا لا أجيزها رليس بشيء لأنه مشترك الإلزام ولو سلم فكم في القراآت ما خالف رسمه القياس مع أن حذف الألف ليس على القياس أيضا. وأما قول عثمان رضي الله عنه إني أرى في المصحف لحنا وستقيمه العرب بألسنتها فكلام مشكل وتفصيله في شرح الرائية للسخاوي، وقواءة ابن كثير وحفص قرأ بها كثير وهي أقوى وأظهر وتشديد النون على خلاف القياس فرقا بين الأسماء المتمكنة وغيرها. قوله: (الدي هو أفضل المذاهب (لأن المثلى تأنيث أمثل بمعنى أفضل كما في قوله ىسيرو إلا مثل فالأمثل، وقوله: ب! ظهار مذهبه متعلق بيذهبا وأفرده لاتحاده فيهما، ولأنه مذهب موسى عليه الصلاة والسلام وغيره تبع له فيه ولموافقة قوله: أخاف أن يبذل دينكم. وقوله: لقوله تعليل لكونه مرادا المفهوم من السياق. قوله: (وفيل أرادوا أهل طريقتكم الخ (فهو على تقدير مضاف ولا ينافيه إضافة طريقتكم الاختصاصية لأن من كان معهم من بني إسرائيل كان على طريقتم ظاهرا وليس لهم طريقة أخرى وإنما جعلهم أهل طريقتهم لعلمهم بها، وقوله: لقول موسى عليه الصلاة والسلام تعليل لإرادة ما ذكر. قوله: (وقيل الطريقة اسم لوجوه القوم الخ (فلا تقدير فيه وهو مجاز واستعارة لاتباعهم كما يتبع الطريق كما
أثار إليه المصنف رحمه الله والوجوه بمعنى الإشراف والأكابر وهم بنو إسرائيل على هذين القولين لأنهم كانوا أكثر منهم عددا وأموالآ(6/211)
وعلمآ، كما قيل ولا ينافيه استبعادهم واستخدامهم وقتل أولادهم وسومهم العذاب كما قيل لأنه كم من متبوع مقهور يكون فيه ذلك فتأمل. قوله: (نازمعو. واجعلوه مجمعا عليه (أي متفقا عليه يقال: أزمع الأمر وأزمع على الأمر كأجمع الأمر وأجمع عليه إذا عزم عزما مصمما متفقا عليه من غير اختلاف ولأهل اللغة كلام في الفرق بين جمع وأجمع فصلناه في شرح الدرة، وقوله: فهو قول بعضهم لبعضى هذا على القرل الأول والثاني في تفسير تنازعوا لا على الوجه الثاني كما قيل. قوله: (فاز بالمطلوب من غلب (إشارة الى أن المراد بالفلاح الفوز والظفر بالمطلوب، ولما كان الظفر بالمطلوب لا يكون بمجرد طلب العلؤ المعنوي وهو الغلبة بل بالعلؤ نفسه فسره به فالسين للتأكيد لأن ما حصل بطلب ومزاولة يكون أتم من غيره، وإذا ثبت الفلاح للغالب أفاد بطريق المفهوم أق غيره خائب لكن التعريض لا يتوقف على إرادة الطلب بالسين فمن فسره بظفر وفاز ببغية من طلب العلؤ في أمره وسعى سعيه، وأيده بأن في تفسير غيره إخلالا بمعنى السين وتقصيرا في حق التعريض لم يصب وقد فسر الجوهري وغيره استعلى بعلا فهذا أتم رواية ودراية. وقوله: مصطفين إشارة الى أن المصدر حال بهذا التأويل وقال أبر عبيدة: إن المراد موضع الاجتماع وهو المصلى والظاهر الأول. قوله: (وهو اعتراض (قال الراغب: الاستعلاء قد يكون لطلب العلؤ المذموم وقد يكون لغيره وهو هنا يحتملهما فلذا جاز أن يكون محكيا عن هؤلاء القائلين للتحريض على اجتماعهم واهتمامهم وأن يكون من كلام الله فالمستعلي موسى وهرون ولا تحريض فيه. وقيل: وجه الاعتراض أنه جيء بهذه الجملة أجنبية بين مقولاتهم من كلامه تعالى فهي اعتراض وفيه نظر لأن الظاهر أنها من مقولاتهم قالوا: ذلك تحريضا لقومهم فلا اعتراض اهـ والظاهر أنه لا مانع من الاعتراض على الوجهين، فتأمل. قوله: (أي بعدما أتوا مراعاة للأب (حيث قدموه على أنفسهم ومثله ما تقدم في تفويض جعل الموعد وضربه إليه، وقيل: إنه لإظهار تجلدهم لعلمهم بأنها أعظم من آياته، وقوله: اختر إلقاءك أولا أو إلقاءنا قدر الاختيار بقرينة أو الدالة على التخيير لكن ما ذكره تفسير معنى لا إعراب، وتقدير إعرابه إفا أن تختر الإلقاء أو نختاره وعلى تقديره خبرا الغرض منه العرض وهو يفيد التخيير أيضا، وقال أبو حيان: يجوز أن يكون
مبتدأ خبره محذوف أي إلقاؤك أول بقرينة قوله: وأما أن نكون أول من ألقى وبه تتم المقابلة، ولذا قدر في قوله الأمر إلقاؤك أولا أو إلقاؤنا مبتدئين. قوله: (مقابلة أدب بأدب وعدم مبالاة بسحرهم (أي لما تأدبوا معه كما مر عاملهم بمقتضاه، وهو تقديم فعلهم فليس وعيدا على لسحر كما قيل، كما تقول للعبد العاصي افعل ما أردت وليس فيه تجويز السحر المنهيئ عنه ولا الأمر به بل هو كالأمر بذكر الشبهة لتكشف، وتقديم الباطل ليقذف بالحق عليه فيدمغه بتسليط المعجزة على السحر لتمحقه كما أشار إليه المصنف رحمه الله، وفي قوله: عدم مبالاة بسحرهم رد لما قيل إن تقديم إسماع الشبهة على الحجة غير جائز لجواز أن لا يتفزع لإدراك الحجة بعد ذاك، فتبقى ولا حاجة إلى القول بتقدير شرط وهو ألقوا إن كنتم محقين لأنه يعلم عدم إحقاقهم فيه فلا يجدي التقدير بدون ملاحظة غيره. قوله: (وإسعافا (أيمما مساعدة على ما أوهموا أي أتوا بكلام فيه إيهام به واحتمال له دون الجزم ببدئهم، وقوله: بذكر متعلق بأوهموا وهو ظاهر، وتغيير النظم إلى وجه أبلغ في شقهم حيث لم يقولوا، وأما أن نلقى أولا إذ أتى بكان الدالة على كون مطلق، ثم كون مخصوص يفيده الخبر كما بينه الرضي وجعلوا المفضل عليه من الموصولة بماض ليفيد التحقق وعموم تقدمهم على كل من يتأتى منه الإلقاء سواء هو أو غيره. قوله: (ولأن يبرزوا ما معهم ويسنفدوا الخ (وجه آخر للجواب عن الأمر مآله أن الأمر في الحقيقة بازالته لا بإثباته ويستنفدوا بالدال المهملة أي يستوفوه حتى ينفد ويفنى، وأما النفاذ بالذال المعجمة فهو من نفذ السهم الرمية إذا خرقها وليس بمناسب هنا. قوله: (فألقوا) إشارة إلى أن الفاء عاطفة على مقدر علم مما تقدم وإذا الفجائية تدل بواسطة نيابتها في الدلالة عن الفعل المقدر على وقوع ما بعدها بغتة، وقوله: والتحقيق أنها ظرفية أي منصوبة(6/212)
على الظرفية الزمانية لا المكانية كما ذهب إليه بعض النحاة، وظاهره أنها الآن ظرفية دياليه ذهب بعض النحاة، وقيل إنها كانت كذلك ثم جعلت مفعولا به لفاجأ فما ذكر باعتبار أصلها، وقوله: خصت بأن يكون المتعلق فعل المفاجأة ولذا أضيفت لها وسميت فجائية، وقوله: والجملة ابتدائية أي اسمية من مبتدأ وخبر، وهذا هو المشهور، وقيل إنه في الأكثر فيجوز إضافتها لفعلية مضرة بقد لمشابهتها الاسمية في دخول واو الحال عليها. قوله: (والجملة ابتدائية (ليس فيه حصر حتى يرد عليه قول أبي حيان أنه يليها الجملة الفعلية المصحوبة بقد كما أورده عليه بعضهم. قوله: (ففاجأ موسى عليه الصلاة والسلام وقت تخييل سعي حبالهم (إيقاع
المفاجأة على الوقت توسع لأن المفاجئ إنما هو الحبال والعصيئ مخيلا أنها تسعى وقيل إنه مجاز لأن مفاجأة الوقت تستلزم مفاجأة ما فيه، وكونه استعارة تمثيلية كما في بعض شروح الكشاف بعيد، وقال أبو حيان: هذا مذهب الرياشي إن إذا الفجائية ظرف زمان وهو قول مرجوح. وقوله: ضربت عليها الشمس أي استمرت زمانا من ضربت الخيمة إذا نصبتها. قوله: (على إسناد. إلى ضمير الحبال والعصتي (المؤنث وهو الرابط للخببر ولا يضر الإبدال منه لأنه ليس ساقطا من كل الوجوه، وقوله: قرئ يخيل أي بضم الياء التختية الأولى وكسر الثانية والرابط ما في المفعول من ضمير أنها وتخيل معطوف على تخيل أي قرئ تخيل بالفوقية المفتوحة وفاعله ضمير الحبال والعصيئ وأنها الخ بدل كما مز. قوله: (فأضمر فيها خوفا (الإيجاس هنا الإخفاء في النفس والخيفة الخوف لكن يكون فعله دالا على الهيئة والحالة اللازمة كما ذكره الراغب، ولذا فسره بعضهم هنا بخوف عظيم لأن صيرورته حالا له ربما يشعر بذلك ولذا اختير على الخوف في قوله: والملائكة من خيفته فلا وجه لما قيل إنه يأباه صيغة خيفة، والإيجاس فتأئل. قوله: (أو من أن يخالج الناس شك (أي يعرض لهم ويختلج في خواطرهم شك وشبهة في معجزة العصا لما رأوا من عصيهم دماضمار خوفه من ذلك لئلا تقوي نفوسهم إذا رأوا خوفه ذلك فيؤذي إلى عدم اتباعهم فلا وجه لما قيل إن الخوف منه ليس مما يحتاط في كتمانه فلا وجه للأطناب بذكر الإيجاس والإضمار اهـ وعلى الأول خوفه من مفاجأته لاحتمال عدم إبطاله. قوله: (ما توهمت (من غلبة سحرهم على الأول ومخالجة الشك على الثاني ولا تخف بمعنى لا تخف بعد هذا ولا تستمر على خوفك الأول وليس معناه لا يصدر منك خوف أصلا! ما هو ظاهره لوقوعه بحسب الجبلة كما أشار إليه ولذا قيل: إن النهي خرج عن معناه للتشجيع وتقوية القلب لا للنهي عن الخوف المذكور في قوله: خيفة لأنه ليس اختياريا، ولا يضرنا أق الأمور الاضطرارية تدخل تحت الاختيار والكسب باعتبار البقاء ولذا بين في علم الأخلاق دفع الخصال الذميمة، كما قيل لأنه عين ما اذعاه القائل. قوله: (تعليل للنهي (لأنه في جواب لم لا أخات والغلبة معنى العلؤ فظهورها يجعلها بمنزلة العلؤ المحسوس رالاستئناف بياني وحرف التحقيق أن وقوله وصيغة التفضيل إشارة إلى أنه ليس لمجرد الزيادة لأن السحرة لهم علؤ بالنسبة للعامة ولذلك استرهبوهم وأوجس منهم خيفة أولا وقوله تعالى: {وألق ما في
يمينك} [سورة طه، الآية: 69] عطف على قوله: لا تخف ولا حاجة إلى تقدير تثبت وألق من غير حاجة إليه دمان ذكره بعضهم. قوله: (أبهمه ولم يقل عصاك (التحقير والتعظيم من ما الدالة على الإبهام المستعمل تارة للتحقير لأن الحقير لا يعتني به فيعرف وللتعظيم لأن العظيم لعظمته قد لا يحيط به نطاق العلم نحو فغشيهم من أليم ما غشيهم سواء كانت ما موصولة أو موصوفة، رقيل: التحقير على كونها موصولة والتعظيم على كونها موصوفة، وهذا بناء على المتبادر د! الا فلا وجه للتخصيص، كما قيل وهذا لا ينافي أن يكون له نكتة أخرى وهي ما في اليمين من الإشعار باليمن والبركة كما ذكره أبو حيان ولأنه قال في سورة الأعرافا ألق عصاك، والقصة واحدة لأنه لا مانع من رعاية هذه النكتة فيما وقع وحكاية الأول بالمعنى وإنما لم يذهب للعكس د! ان احتمل لأنه تفوت فيه النكتة فلذا آثر هذا، وفيما ذكروه نظر لأنه إنما يتتم إذا كان الخطاب بلفظ عربي أو مرادف له يجري فيه ما يجري فيه والأول خلاف الواقع(6/213)
والثاني دونه خرط القتاد فتأمل. قوله: (تلقف (التلقف هو التناول باليد أو بالفم والمراد هنا الثاني. وقوله: والخطاب أي لموسى عليه الصلاة والسلام لأنه تسبب بإلقائها لتلقفها، وقوله: على الحال أي المقدرة من الفاعل بناء على تسببه أو من المفعول وهو ما المراد بها العصا المؤنثة أي متلقفا أو متلقفة، والاستئناف بيانيئ والجزم في جواب الأمر، وقوله: بتشديد التاء أي بإدغام التاء الأولى في الئانية في حالة الوصل لئلا يلزم الابتداء بالساكن على ما بين في علم النحو والقرا آت. قوله: (إن الذي زوروا (إشارة إلى أن ما موصولة وافتعلوا أي كذبوا يقال: افتعل الكذب إذا اختلقه وعلى قراءة الرفع فالعائد محذوف أي صنعوه، وقوله: على المبالغة بجعله عين السحر لكثرة مزاولته له. قوله: اللبيان (ظاهره أنه على معنى من البيانية، والمشهور أنها في العموم والخصوص المطلق لامية لا بيانية لكنه قال في شرح الهادي: إن إضافة العام إلى الخاص في نحو إنسالط زيد بمعنى اللام، وقيل: إنها بمعنى من لأنه يحمل عليه كما يقال في شهر المحرم الشهر المحزم اهـ. وهو ظاهر كلام الشريف في أزل شرح المفتاح في إضافة علم المعاني وشجر الأراك فمن قال: هنا شرط الإضافة البيانية أن يكون المضاف إليه جنسا للمضاف يصح إطلاقه كليه وعلى غيره أي يكون بينهما عموم وخصوص وجهيئ فقد قصر ولم يصب فيما فسر! -
ومثله في شرح الكتاب وشرح التسهيل. قوله: الأن المراد به الجنس المطلق (يعني أن المراد كيد هذا الجنس والطائفة ولذا لم يقل لا يفلح السحرة، وقوله: وتنكير الأول لتنكير المضاف يعني أنه إنه إذا كان المراد الجنس فلم لم يعرف الأول فأجاب بأنه قصد منه بمقتضى المقام تنكير المضاف فلذا نكر الثاني لأنه لو عرف كان الأول معرفة بالإضافة، فإن قلت فليكن تعريفه الإضافي للجنس وهو كالنكرة معنى وإنما الفرق بينهما حضوره في الذهن، قلت لا حاجة إلى تعين جنسه فإنه علم مما قبله من قوله: تخيل الخ وإنما الغرض بعد تعينه أن يذكر أنه أمر مموه لا حقيقة له، وهذا مما يعرف بالذوق وأما القصد إلى تحقيره كما قيل فبعد تسليم إفادته من غير تنوين لا يناسب المقام لما عرفت ولأنه يفيد انقسام السحر إلى حقير وعظيم، وليس بمقصود، وأما الاعتراض بأنه ينافي قوله: وجاؤوا بسحر عظيم في آية أخرى وعظم سحره يدل على عظم الساحر وأنه لو قيل: كيد الساحر لدل على أنه ساحر معروف فليس بشيء فإن عظمه من وجه لا ينافي حقارته في نفسه والتعريف الجنسيئ لا يدل على أنه ساحر معين إلا أن يريد أنه يحتمله فتأمل. قوله: (يوم ترى النفوس ما أعدت الخ (هو من قصيدة للعجاج أولها: الحمد لله الذي استقلت بإذنه السماء واطمأنت
ب! ذنه الأرض وما تعنت
الخ ومنها:
يوم ترى النفوس ما أعذت من نزل إذا الأمور رغبت
في سعي دنيا طالما قد مذت
والمراد بيوم ترى الخ يوم القيامة الذي ترى فيه ما أعذته أي جعلته عذة مما فعلته في
سعي دنيوي ومذت دنياه أمهل فيها وغبت أي صارت إلى آخرها، وقوله: في سعي دنيا متعلق بغبت رليس تنكير دنيا ضرورة لأنها تأنيث أدنى أفعل تفضيل وهو لا يؤنث إلا إذا عرف بالألف واللام أو الإضافة لأنها غلبت عليها الاسمية فلذا أثبتت من غير ضرورة كما في حديث البخاري إلى دنيا يصيبها وقول عمر رضي الله عنه: لا في عمل دنيا ولا في عمل آخرة، ولذا قلبت واوها ياء فإنه مخصوص بالأسماء، وأما قوله:
لمان دعوت إلى جلي ومكرمة
فالظاهر أنه ضرورة وتمكنه من أن يقول الجلي فلا يجدي لأن الضرورة ما وقع في الشعر
لا ما ليس! عنه مندوحة على ما بين في العربية. قوله: (حيث كان وأين أقبك (يعني أنه ظرف
مكان أريد به التعميم لا التعيين، وقوله: إنه أي ما صنعه أو التلقف، وقوله: فألقاهم ذلك على وجوههم فيه إشارة إلى أن تكرير لفظ الإلقاء والعدول عن فسجدوا فيه مع المشاكلة والتناسب إنهم لم يتمالكوا حتى وقعوا سجدا ونسب الإلقاء إلى ذلك وهو التلقف وما صدر منه إسناد مجازي والفاعل الحقيقي هو الله، وتوبة مفعول له لسجد أو إعتابا أي رجوعا عما يعتب فيه من قولهم: أعتبه إذا أزال عتبه والهمزة للسلب كما في المصباح. قوله: (قدم هرون لكبر سنه الخ (لما قدم(6/214)
موسى في الأعراف وهو الظاهر لأنه أشرف من هرون والدعوة والرسالة إنما هي له فتقديمه على الأصل لا يحتاج لنكته وإنما المحتاج إليه تأخيره كما هنا فلذا أشار إليه بما ذكره، وهذه النكتة إنما هي في الحكاية لا في المحكي حتى يحتاخ إلى أن يقال إنه كلام فريقين من السحرة أو أنه حكى في أحد الموضعين بالمعنى ليدفع التعارض فتقديمه لكبر سنه أو لرعاية الفاصلة، أو لأنه لو قدم موسى ربما توهم أن المراد بربه من رباه وذكر هرون بطريق التبعية، وأورد على الأخير أن المقام لا يتحمله لأن سجودهم تعظيما يأباه، وتقديمه ثمة يدل على أنه ليس في الترتيب نكتة لا سيما والواو لا تقتضي ترتيبا وليس بشيء لأن التوهم لا يلزم أن يكون منهم بل من غيرهم، والمعظم غير معين عندهم، وتقديمه ثمة على الأصل فلا يحتاج لوجه وكون الواو لا تفيد الترتيب لا يستلزم أنه ليس لتقديمه نكتة إذ مثل الكلام المعجز لا يعدل فيه عن الأصل لغير داع وقد ذكر هذا القائل في سورة الأعراف ما يعارض ما ذكره هنا وما وقع في شرح المفتاح من أن موسى عليه الصلاة والسلام أكبر من هرون سهو، ورؤية منازلهم في الجنة بطريق الكشف بعد رفع غطاء الكفر مروي عن عكرمة رحمه الله.
قوله: (أي لموسى (عليه الصلاة والسلام لما كان الإيمان في الأصل متعذيا بنفسه ثم
شاع تعديته بالباء لما فيه من معنى التصديق حتى صار حقيقة أول تعديته باللام بتضمينه معنى الانقياد لأنه يقال انقاد له لا التسليم لأنه بمعنى الإيصال وأما الذي بمعنى الانقياد فالمعروف فيه أسلم نحو أسلم أمره دثه وسلم لغة قليلة، كما في المصباح مع ما فيه من كثرة الحذف وأما ما ذكره فغير ظاهر لأن الاتباع متعد بنفسه يقال: اتبعته ولا يقال اتبعت له، وهذا إذا لم تكن اللام تعليلية فإنه حينئذ يكون على أصله والتقدير والذي آمن بالله لأجل موسى عليه الصلاة والسلام
وما شاهدتم منه ولذا اختاره بعضهم ولا تفكيك فيه كما توهم لكنه معارض لما تدره في الأعراف وهو بموسى لا بالئه لأن قوله: في الشعراء إنه لكبيركم الذي علمكم السحر لا ينتظمه لهان كان فيه إبقاؤه على أصله أيضا وفيه نظر، وقوله: أو لأستاذكم أي معلمكم لأن الأستاذ يستعمل في العرف بهذا المعنى، وهو معرب لأن السين والذال لم تجتمعا في كلمة عربية ومعناه الماهر، ويطلق على الخصيئ أيضا في العرف والمقصود مما ذكر التوبيخ لا فائدة الخبر أو لازمها. وقوله: إنه لكبيركم استئناف للتعليل، وتواطأتم بمعنى اتفقتم وهذا تلبيس منه لتنفير الناس والا فهم سحرة قبل قدومه ولم يعرف تعلمهم منه. قوله: (اليد اليمنى الخ (يعني معنى ئوله: من خلاف من جهتين مختلفتين وهو تخفيف قصد به التشديد، وقيل: إن في قطعها من وفاق إهلاكا وتفويتا للمنفعة فلا يكون القطع مرة أخرى عقوبة وفيه نظر، وقوله: كأن القطع ابتدئ من مخالفة العضو العضو يعني أن مبدأ القطع من الجانب المخالف لا من الخلاف نفسه لكنه جعله مبتدأ على التجوز وكون الخلاف بمعنى الجانب المخالف مجاز أيضا. قوله: (في حيز النصب على الحال (قيل المناسب لقوله: كأن القطع أن يكون صفة مصدر أي تقطيعا كائنا من خلاف أو قطعا وفيما اختاره تقليل التقدير. قوا! هـ:) شبه تمكن المصلوب الخ (يعني أنه استعارة تبعية بتشبيه شدة حاله بدخول المظروف في ظرفه لشدة تمكنه فيه والياء في قوله: بالجذع بمعنى في أو على والظاهر الئاني كما في مررت به وعليه، أو للإلصاق فلا يرد عليه ما ورد على قول الزمخشري في الجذع بأن الوجه أن يقرل على الجذع لأن المشبه لا ظرفية فيه. قوله: (وهو أول من صلب) ظاهره أنه أوقع بهم الوعيد، ولا يقال مثله بالرأي لكن الإمام قال: إنه لم يثبت في الأخبار ولا ينافيه قوله: أنتما ومن اتبعكما الغالبون وهو ظاهر. قوله: (يريد ئفسه وموسى (تفسير لضمير المتكلم مع غيره فالمراد بالغير على هذا موسى بقرينة تقدم ذكره في قوله: آمنتم له ولاحتمال كون الضمير دنه أشار إلى دفعه بأن الإيمان إذا تعدى باللام فهو بمعنى الانقياد ومجرورها غير الله كما وقع في آيات كثيرة تعليم بالتتغ وقولنا بمعنى الانقياد لم نقل الاتباع لما مر، ورأيته في نسخة فيما مر بمعنى الاتباع بالباء وحينئذ لا يرد عليه ما مز. قوله: (واللام الخ (قيل الحق أنها للتعنيل وليست بصلة للإيمان ولا دلالة(6/215)
في قوله تعالى: {يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين} [سورة التربة، الآية: 61] ، عليه إذ معناه ويصدر عنه الإيمان لأجل المؤمنين وموافقتهم ودعوتهم وإلا لقيل يؤمن بالته وللمؤمنين وقوله: وموافقتهم ودعوتهم تفسير لقوله: لأجل المؤمنين إذ ليس المراد من كونه لأجلهم إلا أن إظهاره وقوله: آمنت بالئه لموافقته
لهم ودعوتهم إلى التلفظ به وإظهاره لا إحداث الإيمان لأجلهم فإنه لا يخطر ببال أحد، فاندفع عنه ما قيل إنّ ما ذكره في آية التوبة يحتاج إلى الاستغفار والتوبة فإن ضمير يؤمن للنبي صلى الله عليه وسلم وكيف يجوز أن يقول: تلك العظيمة في حقه اللهم اغفر له نعم لا مانع من جعلها صلة له بمعنى الانقياد، وقد اعترف به القائل ثمة، وأما قوله: وإلا لقيل الخ فيرد عليه أنه جمع بين معنيي المشترك أو الحقيقة والمجاز فإنه في الأوّل بمعنى التصديق وفي الثاني بمعنى الانقياد ولو كانت اللام للتعليل لترك الفعل والعاطف فالحق ما ذكره المصنف إذ لا حاجة إلى ما ارتكبه من التغلف. قوله: (توضيع موسى (أي إهانته، وقوله: لم يكن من التعذيب في شيء أي لم يكن شارعا في شيء من التعذيب والمراد لا قدرة له عليه حينئذ، وقوله: وقيل رب موسى معطوف على موسى بحسب المعنى أي المراد من الضمير نفسه ورب موسى ووجه ضعفه ما مر من أنّ التعدية باللام لغير الله. قوله: (وأدوم عقابا (وفي نسخة عذابا وهما بمعنى، وأما كونه من البقاء بمعنى العطاء فبعيد وان جمع فيه بين الثواب والعقاب، كقول نمروذ أحيي وأميت، وقوله: ما جاءنا موسى به إشارة إلى تقدير العائد وإنما جعلوا المجيء إليهم وإن عم لأنهم المنتفعون به والعارفون من غير تقليد وقوله ة الضمير فيه أي المستتر الذي كان لموسى عليه الصلاة والسلام فلا حاجة لتقدير العائد والمراد الذي جاءنا مع موسى لأنه المراد ولكونه خلاف الظاهر أخره. قوله: (ما أنت قاضيه الخ (إشارة إلى أنّ ما موصولة عائدها محذوف لا مصدرية كما جوّزه أبو البقاء لأنّ دخولها على الاسمية ممتنع أو نادر، وقوله: صانعه إشارة إلى أنه يجوز أن يراد بالقضاء الإيجاد الإبداعي كما في قوله: فقضاهن سبع سموات كما ذكره الراغب، وقوله: أو حاكم به إشارة إلى معناه الآخر المعروف وإليهما أشار أيضاً في قوله: إنما تصنع ما تهواه أو تحكم ما تراه أي بما تراه لأنه يتعدى بالباء وفيه إشارة إلى أن مفعوله محذوف ويجوز أن ينزل منزلة اللازم، وأن تكون ما مصدرية وهذه الحياة المنصوب محلاً على الظرفية خبره، وقوله: في هذه الدنيا إشارة إلى إعرابها لمذكور على الوجه الأوّل. وقوله: صيم يوم الجمعة أي على التوسع بجعل الظرف مفعولا به. وقوله: أكرهتنا أي على تعلمه كما روي
وفعله كما مز. قوله: (فإنّ الساحر إذا نام بطل سحره (الإضافة عهدية أي السحر الذي يكون بالتسخير والعزائم لا ما يكون شعبذة وعملا كالزئبق المار ذكره ولا ينافي هذه الرواية قوله: إنا لنحن الغالبون لاحتمال أن يكون قبل ذلك أو تجلداً كما أنّ قوله: إن لنا لأجراً إن كنا نحن الغالبين قبله، وقوله: إلا أن يعارضوه استثناء مفرغ لأن أبي نفى معنى، وقوله: وأبقى فيه ما مرّ، وقوله: أي الأمر إشارة إلى أن الضمير للشأن وهو المراد بالأمر واحد الأمور، وقوله: بأن يموت تفسير لإتيان ربه، وقوله: حياة مهنأة بألهمز دفع للتناقض وقوله: المنازل الرفيعة تفسير له لأنّ المعروف فيها درجة السلم. قوله: (والعامل فيها معنى الإشارة الخ) أي هو حال من الضمير المستتر في لهم والعامل فيه ما في أولئك من معنى أشير والحال مقدرة ومن لم يفهها المراد منه قال إنه لم يظهر وجهه أو معنى الاستقرار في الظرف والآيات الثلاث. قوله: إنه من يأت ربه مجرما الخ، وأن في إن أسر تفسيرية أو مصدرية وإضافة عبادي تشريعية. قوله: (فاجعل لهم من قولهم ضرب له في ماله سهما (يعني أن الضرب إما بمعنى الجعل وحينئذ قيل إنه ينصب مفعولين فلهم المفعول الثاني كما يقال ضرب عليهم الخراج وسهماً بمعنى نصيب أو بمعنى اتخذ وقد ورد في كلام العرب بهذين المعنيين وطريقا مفعول به وهو ظرف في الأصل، وقال المعرب أنّ الضرب بمعناه المشهور وأصله اضرب البحر ليصير لهم طريقاً فأوقع الضرب على الطريق اتساعا فهو مجاز عقليئ. قوله: (مصدر وصف به (أي جعل وصفا لقوله: طريقاً مبالغة وهو يستوي فيه الواحد المذكر، وغيره واليبس بالتحريك ما كان فيه رطوبة فذحبت والمكان إذا كان فيه ماء فذهب كذا قال الراغب: وفي القاموس(6/216)
ما أصله اليبوسة ولم يعهد رطباً فيبس بالتحريك، وأما طريق موسى عليه الصلاة والسلام في البحر فإنه لم يعهد قط طويقا لا رطبا ولا يابسا وهو مخالف له، ويبس من باب علم، وقوله: إفا مخفف أي حذفت حركته
للتخفيف فهو مصدرا وهو صفة مشبهة كصعب أو جمع لصاحب وقيل إنه اسم جمع، وهذا الاحتمال ذكره في الفتح أيضاً فيكون كخادم وخدم لكن لندوره لم يذكره المصنف رحمه الله وقوله: مبالغة لجعله في السعة كالطرق أو قدر كل جزء منه طريقا لأنه كان اثني عشر بعدد الإسباط كما سيأتي. قوله: (كان قتود الخ) القتود جمع قتد وهو خشب الرحل ويجمع على أقتاد والرحل ما يوضع على الناقة والمراد به الناقة هنا، والحوالب بالحاء المهملة جمع حالب، والحالبان عرقان يكتنفان السرة، وغرزا جمع غارز بالغين المعجمة وتقديم الراء المهملة على الزاي المعجمة وهي الناقة التي قل لبنها والغرازة ضد الغزارة فعكس اللفظ لعكس المعنى وهو منصوب على الحال، وقيل: صفة حوالب، ومعى واحد الأمعاء وهي معروفة وجياع جمع جائع وصف به المفرد، وضمت بفتح الضاد بمعنى جمعت، وحوالب مفعوله وفاعله ضمير الرحل ولا مضاف فيه مقدر وهو ذات وهو كناية عن هزالها، والبيت من قصيدة للقطامي أوّلها:
قفي قبل التفرّق يا ضباعا ولايك موقف منك الوداعا ...
وبعد البيت:
على وحشية خذلت خلوج وكان لهاطلاطفل فضاعا ...
قوله: (من المأمور (وهو فاعل أضرب أو أسر بقطع الهمزة، وقوله: يدرككم المراد موسى وقومه على التغليب والدرك والدرك اللحوق، وقوله: على جواب الأمر يعني أسر، ويحتمل أنه نهى مستأنف كما ذكره الزجاج. قوله: (استئناف (أي على قراءة حمزة وأما على قراءة غيره فهو معطوف، وأما تقدير المبتدأ فهو دأبهم في الاستئناف وقد مر فيه كلام، وقوله: والألف فيه للإطلاق يعني أنه مجزوم بحذف آخره، وهذه ألف زائدة لوقوعه فاصلة وأما كونه مجزوما بحذف الحركة المقدرة كقوله:
ألم يأتيك والأنباء تنمي
فضعيف بل ضرورة فلذا تركه المصنف رحمه الله وإذا كانت حالية فاقترانها بالواو للنفيئ
إذ لو كان مثبتا لم يقترن بها في الفصيح. قوله: (فاتبعهم الخ (اتبع متعد لاثنين في الأكثر كقوله: أتبعناهم ذرياتهم فلذا قيل إن الثاني مقدر أي عقابه أو رؤساء جيشه وقدره المصنف نفسه ولا محصل له) قلت (بل هو مفيد لأنه كناية عن أنه تبعهم فلا وجه لما ذكر، وقيل إنه
جنوده والباء زائدة فيه كما نقل عن الأزهرفي، وقصق أئرهم أي اتبعه، وقوله: ومعه جنوده إشارة إلى أنّ الجار والمجرور حال وأن الباء للمصاحبة، وقيل: إنه قد يتعدى لواحد بمعنى اتبع كما أشار إليه بقوله: وقيل الخ ورجحه على تفسيره بأدركهم كما فسره به يونس لأن تلك القراءة تناسب ما ذكره، وقوله: لا تخاف دركاً ياً باه هنا فمن اعترض عليه غفل عن مرأده، والقراءة بهما تؤيد أنهما بمعنى وإن نقل عن يونس أن اتبع بقطع الهمزة معناه أسرع ووجه، ويوصلها معناه اقتفى وتبع وقوله: والباء للتعدية أي على الثاني. قوله: (والمعنى فأتبعهم جنوده وذادهم خلفهم (بالذال المعجمة بمعنى ساقهم وحثهم وهو تفسير لاتبعهم على كونه متعدياً لاثنين والباء زائدة إشارة إلى أنه كان معهم يحثهم على لحوقهم بهم لأن السائق لا بد من كونه مع المسوق وهذا من منطوقه لأنه معنى الاتباع إذ لم يرد به الإرسال وليس من دليل آخر كما قيل: ولا معارضة بينه وبين قوله: فاتبعهم فرعون وجنوده ولا إيهام فيه لعدم اتباع فرعون بنفسه كما توهم ومن ظنه على الوجه الثاني وأنه بدل من فرعون بدل اشتمال فقدسها، وما وقع في بعض النسخ زادهم بالزاي المعجمة من تحريف الناسخ قوله: (الضمير لجنوده (لقربه وجنئذ لم يذكر فرعون لأنه ألقى بالساحك ولم يتغط بالبحر لقوله: ننجيك ببدنك فوجهه ملاءمته للسباق والسياق فلا وجه لما قيل إنه لا وجه له وأنه يوهم أمرا باطلا وأما تفسير ما هدى بما نجا فجواب بما لم يقله مع بعده عن المقام، ووجه المبالغة من الإيهام كما أشار إليه بقوله: ولا يعرف كنهه وإذا كان الفاعل ضميرا لله فما مفعول، وإذا كان ما فاعلاً فترك مفعوله لزيادة الإيهام، وقيل: إنه من أليم أي بعض أليم وإذا كان الفاعل ضمير فرعون(6/217)
فالإسناد مجازي كما أشار إليه. قوله: (أي أضلهم في الدين (لا في الفريق كما يشير إليه ما قبله وفي قوله: هداهم إشارة إلى أن المفعول حذف للفاصلة وقيام القرينة وهو الظاهر لا تنزيله منزدة اللازم ولا جعله بمعنى اهتدى، وأما توهم تكريره مع أضل وأنه توكيد له فينبغي فيه ترك العاطف فيدفعه أنه قصد التهكم به ففيه فائدة أخرى تقتضي المغايرة فلا وجه لما ذكر، وإذا أريد ما هداهم في وقت ما يفيد ما لم يفده لكنه ليس بلازم لدفع التكرار. قوله: (وهو تهكم به الخ (فإن قلت التهكم أن يؤتى بما قصد به ضده استعاة ونحوها وكونه لم يهد مجرد إخبار عما هو كذلك في الواقع، قلت قا أسا في الأنتصاف وغيره من شروح الكشاف هو كذلك ونكن العرف في مثله يدل
على كونه عالماً بطريق الهداية مهتديا في نفسه لكنه لم يهد وفرعون ليس كذلك فلما ذكر كونه
مضلاً تعين كون هذا المعنى سواه وهو التهكم، وهذا معنى لطيف فاحفظه، وقيل: ليس المراد
الاستعارة التهكمية بل التهكم اللغوي وهو الاستهزاء وفيه بحث ثم قال: إنه كمن ادعى دعوى
وبالغ فيها فلما حان وقتها قيل له: لم لم تأت بما ادعيت تهكما واستهزاء، ولا يخفى أن دلالته
على ما ذكر بواسطة التلميح. قوله: (في قوله وما أهديكم الخ (يعني أنه من التلميح لما ذكر
مما ادّعاه وبما تضمنه من الاستهزاء غاير ما قبله فلا يرد عليه أنّ حقه عدم العطف وقوله: أو
أضلهم الخ، فالضلال بمعنى آخر، وقوله بما فعل الخ متعلق بخطاب، وقيل: تقديره امتنانا بما
الخ. قوله: (بمناجاة موسى الخ (هو تفسير معنى لا إعراب فإن كان تفسير إعراب فمفعوله
مقدر وهو المناجاة، وجانب الطور منصوب على الظرفية لأن جنب وما بمعناه سمع نصبه على
الظرفية من العرب كما ذكره الراغب وابن مالك في شرح التسهيل فمن قال إنه محدود لا
ينتصب بتقدير في وأن الأولى ما في بعض النسخ لمناجاة باللام وجانب مفعول واعدنا على
الاتساع أو بتقدير مضاف أي إتيان جانب الخ لم يصب، والذي غره فيه كلام المعرب، وقوله:
للملابسة أي هو مجاز في النسبة بجعلهم كأنهم كلهم مواعدون، وقوله: على التاء أي بضمير
المتكلم. قوله: (والأيمن بالجرّ على الجوار) أي قرئ به وهو صفة لجانب بدليل قراءة النصب
ولأنّ الموصوف بأنه أيمن جانبه لا هو وما قيل إن الجز الجوارفي شاذ لا ينبغي تخريج القرآن
عليه والصحيح أنه صفة للطور من اليمن أي البركة أو لكونه على يمين من يستقبل الجبل رذ
بأن شذوذه على تسليمه لا ينافي تخريج قراءة شاذة عليه وقوله: لكونه على يمين الخ، غير
ظاهر. قوله: (والتعدي لما حد الله الخ (كان الظاهر عما حد الله لأنه يتعدى بعن لما ترك
وباللام لما فعل، ولذا قيل: المراد بما حده المحرّمات وهو مع إخراجه للمشتبهات عن
الطغيان غير مناسب في الأولى أنه من المتعدي بنفسه كقوله: ومن يتعد حدود الله واللام زائدة
لتقوية المصدر من غير احتياج لما تكلفوه وانبطر عدم القيام بحقوق النعمة. قوله: (فيلزمكم (
أي يتيقن ويتحقق وقوعه وأصله من الحلول وهو في الأجسام فاستعير لغير هائم شاع حتى صار حقيقة فيه، وتردّى هلك من الردا ولذا عطفه عليه للتفسير وأصله كالهوفي الوقوع من علو، وقوله: وقع في الهاوية أي النار فيكون بمعنا. الأصلي إذا أريد به فرد مخصوص منه لا بخصوصه، وقوله: بالضم الخ إشارة إلى ما في الكشاف من أنّ الذي في معنى الوجوب بالكسر والمضموم في معنى النزول، وفي المصباج حل العذاب يحل ويحل حلولاً هذه وحدها بالضم والكسر والباقي بالكسر فقط، وحللت بالبلد من باب قعد إذا نزلت به، وقوله: عن الشرك قيده به لاقتضاء المقام، ولذا فسر آمن بمعنى عام ليفيد ذكره بعده. قوله: (ثم استقام الخ) أي استمرّ عميه وهو تفسير لقوله: ثم اهتدى بما ورد التصريح به في آية أخرى وثم إما للتراخي باعتبار الانتهاء لبعده عن أوّل الاهتداء، أو للدلالة على بعد ما بين المرتبتين فإنّ المداومة أعظم وأعلى من الشروع كما قيل:
لكل إلى شأو العلا حركات ولكن قليل في الرجال ثبات ...
وهذا هو المختار في الكشاف وشروحه. قوله: (سؤال عن سبب العجلة (ما الاستفهامية
في الأصل للسؤال عن الشيء، وقد تكون للسؤال عن وجهه وسببه، والثاني هو المراد هنا والسؤال يقع من الله(6/218)
تعالى لكنه ليس لاستدعاء المعرفة من علام الغيوب، بل إما لتعريف غيره أو لتبكيته أو تنبيهه، كما صرح به الراغب في مفرداته وظاهره أنه ليس بمجاز كما يقول التلميذ: سألني الأستاذ عن كذا ليعرف فهمي ونحوه فليس فيه جمع بين الحقيقة والمجاز، حتى يقال الإنكار مستفاد من السياق، ولا يرد عليه أنّ حقيقة الاستفهام محال عليه تعالى فلا وجه لبناء الكلام عليه فالمعنى ما أعجلك متباعداً عن قومك والإنكار بالذات للبعد عنهم، فهو منصب على القيد كما عرف في أمثاله، وإنكار العجلة لأنها وسيلة له فاعتذار موسى عليه الصلاة والسلام بخطئه في اجتهاده لظن هذا المقدار من البعد لا يضر كما جرت به العادة لا سيما والحامل عليه طلب مرضاة الله بالمبادرة لامتثال أمره، فالجواب {هُمْ أُولَاء عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ} [سورة طه، الآية: 84] الخ تميم كما قيل، ومحصل كلامه تطبيق الجواب على السؤال لما يرى من عدم مطابقته ظاهراً. قوله: (من حبث إنها نقبصة في نفسها (تعليل للإنكار. وقوله: في نفسها أي بقطع النظر عما يقتضي تحسينها في بعض المواضع كخوف الفوات. وكونه مما ينبغي المبادرة له فلا يرد عليه قوله: وسارعوا إلى مغفرة من ربكم واغفال القوم تركهم، وقوله: وايهام التعظم أي ربما يتوهم أنه يعظم عن صحبتهم. قوله: (أجاب موسى
عليه الصلاة والسلام عن الأمرين (أي عن السبب والإنكار وقد عرفت ما يرد على السؤال ودفعه، وقوله: وقدم جواب الإنكار في قوله: هم أولاء على أثري فإن محصله أنهم لم يبعدوا عني وان تقدمي على معتاد الناس وظني أن مثله لا ينكر ويعد نقيصة فاندفع ما قيل إنه لا يدفع الإنكار إلا بما بعده وكذا ما قيل إنه على هذا لا وجه للسؤال والإنكار لأنه تعالى أعلم بمرتبة تقدّمه التي هي غير منكرة ولو جعل هذا جوابا عن عدم إغفاله كان أحسن لكنه يفوت وجه التقديم وأهميته لأنّ السؤال سيق له، وترك ما في الكشاف بأنه للمهابة ذهل عن الترتيب اللائق بالجواب لأنه إنما يلتجأ لمثله عند عدم غيره لأنه آخر الدواء، وقيل: لما فيه من إساءة الأدب بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وقيل: السؤال في المعنى عن الانفصال الذي يتضمنه أعجلك المتعدي بعن، وقيل: الجواب إنما هو قوله: وعجلت الخ وما قبله تمهيد له فتأمل. وقوله: بخطا يسيرة من قوله: على أثري، والرفقة جمع رفيق وقوله: ببعض لو سقطت الباء كان أولى، وقوله: توجب مرضحاتك أي رضاك بحسب وعدك. قوله تعالى: ( {فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا} الآية (استئناف كلام وقصة أخرى ولذا أعاد قال: والفاء للتعقيب من غير تعليل أي أقول لك عقب ما ذكر إنا قد فتنا الخ، وقيل إنها تعليل لما سبق أي لا ينبغي البعد عن فومك فإنهم لحداثة عهدهم بمكان يحيق فيه مكر الشيطان ويتمكن من إضلالهم فإنّ القوم الذين خلفتهم مع أخيك أضلهم السامري فكيف تأمن على هؤلاء، وقوله: ابتليناهم أي أوجدنا وخلقنا فيهم تلك البلية، وقوله: وهم الذين خلفهم إشارة إلى انّ المراد بقوله: قومك غير المراد بما قبله ولذا لم يأت بضميرهم وقد جوّز في الكشف أن يكون عين الأوّل لإعادة المعرفة بعينها لأن المراد بالقوم الجنس في الموضعين لكن المقصود منه أوّلاً النقباء وثانياً المتخلفون ومثله كثير فتأمل. وقوله: وقرئ وأضلهم أي بأفعل التفضيل وقوله: أشدهم ضلالاً إشارة إلى أنه من الثلاثي لا من المزيد لكنه يفيده لأنه أشدية ضلاله بالإضلال لأنه ضلال على ضلال. قوله: (فإن صح الخ (وفي نسخة وان صح يعني إن صح ما ذكر مما يقتضي وقوع قصة السامرفي بعد عشرين من ذهابه لجانب الطور وما في الآية من التعبير بالماضي يقتضي وقوعه قبيل خطاب الله له وخطابه له كان عند
مقدمه للطور فيتعارض ما ذكر في الرواية وما في النظم فأجاب بأن الخطاب عند مقدمه، وأن ما ذكر وقع بعده لكنه عبر عنه بلفظ الماضي لأنه قريب الوقوع مترقب فهو من مجاز الأوّل لا استعارة، وقوله: إن صح إشارة إلى جواب آخر، وهو إنا لا نسلم صحته وإذا سلم فالجواب ما مرّ، وقوله: أقاموا معناه استمرّوا عليه ولم يتعرّض لكون مقدمه قبل عشرين لظهوره لأن قرب المسافة بينهم معلوم، وقوله: وإن هذا وفي نسخة وهذا الخطاب معطوف على قوله إنهم أقاموا: إشارة إلى التردد في صحته لأن الجمهور على أن المكالمة إنما وقعت بعد الأربعين أو في العشر الأخير ويدل عليه قوله: فرجع موسى إلى قومه غضبان وقوله: كان جواب(6/219)
أن الشرطية. قوله: (بلفظ الواقع (أي الماضي لأنه كالعليم فيه، فلا يتوهم أن اسم الفاعل للحال مع أنه لا يضرّنا. وذكر في الكشاف وجها آخر: وهو أن السامري عد ذهابه فرصة فباشر أسباب إضلالهم، فنزل مباشرة الأسباب منزلة الوقوع من جانبه، والجواب المذكور هنا نظ! هـ فيه إلى جانب إيجاد الخالق. قوله: (فإنّ أصل وقوع الشيء أن يكون في علمه ومقتضى مشيئته (أي مبناه ذلك، لأنّ تعلق العلم والمشيئة يقتضي وقوعه لا محالة فلذلك يعبر عنه بالماضي، وهذا تعليل لجري العادة الإلهية به. قوله: (والسامري الخ (وقيل السامرة اسم موضع والعلج الرجل من كفار العجم، وأصله الحمار الوحشي، وبأجر ما بالقصر قرية قريبة من مصر، أو من الموصل، وظفر بفتحتين علم. قوله: (حزيناً بما فعلوا (قال الراغب: الأسف الغضب والحزن معا، وقد يقال: لكل منهما على الانفراد لتقاربهما كما قال:
وحزن كل أخي حزن أخو الغضب
فلذا فسره هنا بالحزن، لئلا يتكرّر مع قوله غضبان، وفسره بالغضب في الأعراف، ولم يرتض هذا ثمة. قوله: (أفطال (فيه مذهبان مشهوران: فهو إفا معطوت على مقدر، أي أوعدكم فطال، والإنكار للمعطوف أو هي مقدمة من تأخير، لصدارتها والمعطوف عليه لم يعدكم لأنه بمعنى قد وعدكم، والزمان تفسير للعهد لأنه يرد بمعناه، وقوله: زمان مفارقته إشارة إلى أن أل في العهد للعهد، وقوله: يجب عليكم، مرّ تحقيقه، وما هو مثل في الغباوة البقر كما قيل:
وما عليئ إذا لم تفهم البقر
قوله تعالى:) {أَمْ أَرَدتُّمْ} الخ (أي فعلتم ما يقتضي حلوله لأن مباشرة ما يقتضيه بمنزلة إرادته، وهو من بديع الكلام. وقوله: وعدكم إياي فالمصدر مضاف لمفعوله، وقوله: إذا وجدت الخلف فيه الخ فأفعل للوجدان كما يقال: أحمدته إذا وجدته محمودآ، وقوله: وهو لا يناسب الترتيب أي بالفاء على الترديد أي على كلا شقي الترديد بالهمزة وأم ولا على الأخير لأنه إفا عليهما أو على الأخير منهما وأما ترتبه على الأول وإن احتمل فلا يحسن مع الفاصل بينهما لأن طول العهد ومباشرة ما يقتضي غضب الله لا يترتب عليه وجدان خلفه للعهد وكذا الأخير وكذا قولهم في الجواب بملكنا فتأمل. قوله: (بأن ملكنا أمرنا (ملك الأمر عبارة عن تخليتهم واً نفسهم من غير أمر ورأى آخر وفسره الطيبي بالقدرة ويسوّل بمعنى يزين ولحسن، وقوله: مصدر ملكت الشيء هذا في أصل الوضع وقد يفرق بينها. قوله: (أحمالاً (هذا أصل معناه ولذا سمي به الإثم، وقوله: باسم العرس الباء للسببية واسم إمّا مقحم كما في ثم اسم السلام عليكما، أو المراد بتسمية العرس بأن قالوا لهم: إن لنا عرسا أي جمعية للزواج فأعيروها لنتزين بها فيه وهذا الاستعمال معروف في لساننا تقول أخذته باسم كذا، وقوله مخافة أن يعلمرا به أي بالخروج لورودها لهم وكأن خروجهم كان قبله أو في أثنائه إذ لو كان بعده لم يعلم خروجهم. قوله: (ولعلهم سموها أوزارا الخ (قال بعض أهل العصر عليه أنه مخالف لما ذكره فيئ تفسير قوله تعالى: {وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِن بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ} [سورة الأعرات، الآية: 148، الخ في الأعراف من أنّ إضافتها إليهم لأنهم ملكوها بعد هلاكهم كما ملكوا غيرها من أملاكهم ألا ترى إلى قوله: كم تركوا من جنات وعيون وكنوز ومقام كريم كذلك وأورثناها بني إسرائيل فإنه يدل على حل مال الغنيمة حينئذ وهو مخالف لما في صحيح البخاري وغيره من أن الغنائم لم تحل لأحد قبل نبينا جمتن ولعله في غير العقار والأراضي لما صرح بهه في الآية
المذكورة فما ذكره القاضي ثمة محتاج للجواب بتخصيص الغنائم بما أخذ بالقتال ونحوه من المنقولات، وقوله: وليس للمستأمن أن يأخذ مال الحربي أي بغير رضاه كما صرّج به، وهذا مبنيّ على أنّ الأوزار أشهر في الآثام وان كان أصل معناها ما مرّ. قوله: (أو لآنهم كانوا مستأمنين الخ) معطوف على قوله فإن الغنائم الخ والظاهر أنهما راجعان لما تقدم بجملته، وقيل: الأوّل ناظر إلى كون المراد بالأوزار ما ألقاه البحر والثاني إلى كونه ما استعاروه. قوله: (أي ما كان معه منها) أي من الحليّ التي عنده مما أخذه من القبط، وقيل: الذي ألقاه هو تراب أثر فرس جبريل عليه الصلاة والسلام وأيده بعضهم بتغيير الأسلوب إذ لم يعبر بالقذف المتبادر منه أنّ ما رماه جرم مجتمع وفيه نظر، وقد قيل(6/220)
إنه ألقى الحليّ ومعها ذلك التراب، وكان صنع في الحفرة قالب عجل. وقوله: حسبوا أن العدة أي الوعد بحساب الليالي مع الأيام كما مرّ، ونسجر بالجيم المشددة بمعنى نوقد. توله:) جسداً (بدل من قوله عجلا ليبتليهم الله به فيميز الخبيث من الطيب وإن كان لا يسأل عما يفعل، وقوله صوت العجل هو معناه لغة وفعلل يكثر فيما يدل على صوت. وأوّل ما رآه منصوب على الظرفية بافتتن. وقوله: أي ترك فهو مجاز كما مرّ وليس من مقول القول على هذا بخلافه في الوجه الأول. وقوله: من إظهار الإيمان إشارة إلى ما مرّ من أنه كان منافقا. قوله: (ألا يرجع إليهما الخ) رجع يكون متعديا فقولا مفعوله، ومعنى رد الكلام مخاطبتهم، ولو ابتداء وجعله ردّاً بناء على الاكثر. وقراءة النصب
مروية عن إبان وغيره، وضعفها المصنف بأنّ أن الواقعة بعد أفعال القلوب مما يدل على يقين أو ظن غالب كما ذكره الرضي وغيره، وهي المخففة من الثقيلة لا لأنها تدخل على المبتدأ والخبر وأن المشددة كذلك وان كنت مؤوّلة بمصدر والمخففة فرعها ولو دخلت على المصدرية لزم الاقتصار على أحد المفعولين لأنه يشاركها في ذلك ظن وأخواتها مطلقا بل لأدق أن الناصبة لكونها للاستقبال تدخل على ما ليس بثابت مستقرّ فلا يناسب وقوعها بعد ما يدل على يقين ونحوه بخلاف المخففة ولم يجعلها بصرية، كما ذكره المعرب لأن رجع القول ليس بمرئي وقد قيل إنه جعل بمنزلة المرئيئ المحسوس لظهوره، وقيل إنها تقع بعد رأي البصرية أيضاً لأنها تفيد العلم بواسطة إحساس البصر كما في إيضاج المفصل، وأجاز الفراء وابن الأنباري وقوع الناصبة بعد أفعال العلم، وقوله: أفعال اليقين خصها لأن الظن الغالب بطريق الحمل عليها، والقول بأن القرآن حجة على غيره، هنا مما لا وجه له بعدما سمعت. قوله: (على أنفاعهم وأضرارهم (لم يوجد في كتب اللغة أنفع وقد خطئ فيه المصنف ش حمه الله، وكأنه لمشاكلة الأضرار هنا، وقوله أو قول السامري هو قوله: هذا إلهكم واله موسى. وقوله: توهم اًي تفرس ولو بالظن للقرائن المشاهدة منهم وإنما يكون هذا قبل قوله، وقوله: وبادر تحذيرهم أي إلى تحذيرهم، وقوله لا غير الحصر من تعريف الطرفين. قوله: (وهذا الجواب يؤيد الوجه الأول (وهو تفسير قوله من قبل بقوله من قبل رجوع موسى، ورد التأييد بأن هذا القول على الوجهين قبل مجيء موسى، فيصح على الوجهىيئ، وأجيب بأن قولهم لن نبرج الخ يدل على عكوفهم حال قوله والعكوف إنما كان بعد قول السامري، وأما احتمال كون القائلين هم الذين افتتنوا به أول ما رأوه فبعيد فتأقك. قوله: (في الفضب الخ (فإنه كان معروفا بذلك. وقوله ولا مزيدة الخ، لأن ما امتنع عنه هو الاتباع لا عدمه، وقيل إنها غير مزيدة، بجعله بمعنى دعاك وحملك بحمل النقيض على النقيض. كما حقق في المفتاح وشروحه ومر تفصيله في سورة الأعراف. وقوله إذا الخ متعلق بمنع، ولا حاجة إلى جعله متعلقا بتتبعن، كما قيل إذ ما بعد أن لا يعمل فيما قبلها، وإن تكلف الجواب عنه هنا. وقوله: بالصلابة متعلق بأمري. قوله: (استعطافا وترقيقاً (كان
وجهه أنّ الأمّ أشفق وأرق قلباً فنسبته إليها تذكير بالرقة البشرية ولذا قالت العرب: ويلمه دون أبيه فإذا أرادوا المدح قالوا لله در أبيه. وقوله: بشعر الخ أصل وضع اللحية والرأس للعضوين النابت عليهما الشعر، ويطلق على شعرهما للمجاورة، وهو شائع في الأوّل والأخذ أنسب بالثاني، فلذا قدر شعر. قوله: (من شدّة غيظه الخ (لما كان غضوبا، وغضب لله لاعتقاده تقصيرا في هرون يستحق به التأديب، عند. فعل به ما فعل، وباشر ذلك بنفسه ولا محذور فيه أصلا ولا مخالفة للشرع، حتى يرد ما توهمه الإمام، فقال: لا يخلو الغضب من أن يزيل عقله، أولاً والأول لا ينبغي اعتقاده، والثاني لا يزيل السؤال، وأجاب بما لا طائل تحته، وقوله: ببعض أي مع بعض منهم، ولم ترقب بمعنى لم تراع والدهماء بالدال المهملة الجماعة الكثيرة وضمن المداراة بمعنى الرفق، ولذا قال بهم، وقوله: فتدارك بالنصب في حذف إحدى التاءين وأصله فتتدارك. قوله: (ما طلبك له وما الذي حملك عليه) هذا أصل معنى الخطب، ثم شاع في معنى الشأن، والأمر العظيم لأنه يطلب ويرغب فيه، والاستفهام هنا عن السبب الباعث لما صدر عنه على وجه الإنكار البليغ، حيث لم يسأله(6/221)
عما صدر منه، ولا عن سببه بل عن سبب طلبه، ولذا لم يفسره بالشأن وان كان هو المشهور، وما يكون سؤالاً عن السبب، كما مرّ في قوله: {مَا أَعْجَلَكَ} فلا وجه لما قيل إنّ قوله: ما حملك عطف تفسيري للإشارة إلى تقدير مضاف، أي ما سبب خطبك ومن لم يتنبه له قال ما قال. وقوله: بالتاء أي في يبصروا وهو إمّا على التغليب، أو على أنّ الخطاب لموسى عليه الصلاة والسلام تعظيما له وهذا منقول عن قدماء النحاة. وقد صرّح به الثعالبي في سر العربية فما ذكره الرضي من أن التعظيم إنما يكون في ضمير المتكلم مع الغير كفعلنا مخالف له فلا يلتفت إليه وان اتبعه فيه كثير منهم. قوله: (علمت) إشارة إلى أن بصر بمعنى علم وأبصر، بمعنى نظر ورأى، وقيل إنهما بمعنى، وقوله: روحاني، أي ملك، وقوله محض أي ليس بجنيئ، وقوله: لا يصس أثره
شيئا إلا أحياه، وكون الفرس فرس الحياة، تحيي آثارها، مما لا يدرك بالبحث، فإن كان تمويها منه وتدليسا في الحجة فظاهر فلا يقال إنه بعيد لأنه لو كان كذلك لكان الأثر نفسه أولى بالحياة، ألا ترى الإكسير يجعل ما يلقى عليه ذهبا، ولا يكون هو بنفسه ذهبا، مع أنه قال إنه لم أنها فرس الحياة لأنه رأى ما وطئته من التراب يخضر، أو سمعه من موسى عليه الصلاة والسلام فتدبر. قوله: (جاءك على فرس الحياة (لما أتاه ليذهب للميعاد، وقوله: وقيل إنما عرفه الخ الظاهر أنّ المراد إنما عريخه السامري لما ذكر، لا موسى عليه الصلاة والسلام، فإنه لا يناسب السياق ولا بعد فيه، فإق بعض أرباب الحواشي، ذكر أق جبريل عليه الصلاة والسلام كان يفعل ذلك بأولاد بني إسرائيل في زمان قتل فرعون لهم، ولا بعد فيه لكن الكلام في صحته، ولذا مرضه المصنف رحمه الله، وقوله: يغذوه أي يأتيه بغذائه وطعامه حتى استقل، أي تمّ مدة رضاعه واستغنى عن الرضاع. قوله: (من تربة موطئة (إشارة إلى أنه لا حاجة إلى تقدير مضاف، أي من أثر فرس الرسول لأنّ أثر فرسه أثره. وقيل إنّ المراد وطئة بنفسه وأنه المناسب للتفسير الأوّل في قوله: بصرت وعلى الثاني فيه مضاف مقدر، وهو فرس ويؤيده قراءة ابن مسعود رضي الله عنه به واليه ذهب كثير من المفسرين وموطئه مصدر أي وطئه. قوله: (والقبضة المرّة من القبض فأطلق على المقبوض (في الدر المصون النحاة يقولون إن المصدر الواقع كذلك لا يؤنث بالتاء ويقولون هذه حلة نسج اليمن لا نسيجة اليمن ويعترضون بهذه الآية ثم يجيبون بأنّ الممنوع إنما هو التاء الدالة على التحديد، لا على مجرّد التأنيث، وهذه لمجرّد التأنيث، وكذلك قوله: {وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ} [سورة الزمر، الآية: 67] وفيه نظر لأن لفظ اله زة فيه بعض نبوة عنه فتأمّل. قوله: (والأوّل للأخذ بجميع الكف الخ (يعني أنه مما غير لفظه لمناسبة معناه فإنّ الضاد المعجمة لتفشيها واستطالة مخرجها جعلت فيما يدل على الأكثر وهو القبص، بكل الكف والصاد المهملة لضيق محلها، وخفائه جعلت للقليل المأخوذ بأطراف الأصابع، وكذا الخضم وهو ا! ل بجميع الفم، والقضم بأطراف الأسنان، وهذا مراد من قال إن دلالة الألفاظ طبيعية، وقد تقدم تفصيله. قوله: (لم يعرف أنه جبريل (عليه الصلاة والسلام وإن عرف أنه ملك فلا ينافي أخذه أثر فرسه، وقوله: على الوقت أي تعين زمان قبضه وهو وقت إرساله له لما ذكر لا بعده، ونبذتها أي ألقيتها، وقوله في الحلي المذاب، أي قبل
تصويره، وفي الوجه الأخير هو بعده. قوله: (زينته وحسنتة لي (أي أنه فعله لهوى نفسه، فهو اعتذار باعترافه بخطئه، وقوله: من مسك بفتح الميم معطوف على الكاف الواقعة مفعولاً وليس خوفه من مجرد أخذ الحمى لغيره، بلى له ولنفسه مع أنه لا بعد في خوفه من ضرر غيره منه المورث للنفرة عنه فلا غبار عليه، والسرّ في عقوبته على جنايته مما ذكر أنه ضد ما قصده، من إظهار ذلك ليجتمع عليه الناس ويعزروه فكان سببا لبعدهم عنه وتحقيره وهذا أحسن مما قيل إنّ بينهما مناسبة التضاد فإنه أنشأ الفتنة مما كانت ملابسته سببا الحياة الجماد فعوقب بضده، وهو الحمى التي هي من أسباب موت الأحياء. وقوله فتحاصي بالنصب عطف على تقول. قوله: (وقرئ لا مساس كفجار وهو علم للمسة (يعني أنه علم جنس للمعاني مبنيّ على الكسر كفجار عالم للفجرة ولا الداخلة عليه ليست ناصبة لاختصاصها بالنكرات، والمعنى لا يكن منك م! لنا(6/222)
وعلى قراءة الجمهور هو مصدر ماس كقاتل قتالاً وهو نكرة. قوله تعالى:) {لَّنْ تُخْلَفَهُ} ) هو بالتاء الفوقية المضمومة وكسر اللام في قراءة ابن كثير وأبي عمرو كما ذكره المعرب وابن كثير والبصريين كما ذكره المصنف ولا خلاف بينهما، وبفتح اللام على البناء للمفعول في قراءة الباقين، وعلى الثاني قول المصنف لت يخلفك الله إشارة إلى فاعله المحذوف، والمفعول القائم، مقامه وأنّ الهمزة للتعدية، وعقوبته في الدنيا بما مر وهو ظاهر، وقوله: بكسر اللام على البناء للفاعل، وقوله: لن تخلف الواعد إياه، فالضمير الأوّل للواعد وهو المفعول الأوّل والثاني محذوف، أي لا تقدر أن تجعله مخلفاً لوعده وسيأتيك أي يصل إليك، وفي نسخة ستأتيه: أي ستفعله من أتى إليه إحساناً ومنه كان وعده مأتياً، وقوله: لأن المقصود الخ فلذا خص بالذكر اعتناء به. قوله: (ويجورّ أن يكون الخ (كأجبنته وجدته جباناً، وقوله: على عبادته ففيه مضاف مقدر. واختلف في هذا الحذف فقال سيبويه رحمه الله أنه مخالف للقياس وقال غيره أنه مقيس في المضاعف، واختار المعرب أنه مقيس فيما كانت عينه منه مكسورة أو مضمومة ومثله قرن كما سيأتي، وقوله حركة اللام هي الكسرة، ويؤيده قراءة لنحرقنه بالأفعال فإنه لا يستعمل إلا في النار. قوله: (أو بالمبرد الخ (قال ابن السيد يقال
حرقت الحديد حرقاً بفتح الراء إذا بردته لتحرفه، والحرق أيضا صوت الأنياب إذا حك بعضها على بعض، من شدة الغيظ، وقوله قراءة لنحرقنه، أي بفتح النون وضم الراء فإنه مختص بهذا المعنى، قيل ولا بعد في تحريق العجل، على تقدير كونه حياً بالمبرد، إذ يجوز خلق الحياة في الذهب، مع بقائه على الذهبية عندنا، وقال النسفيّ تفريقه بالمبرد، طريق تحريقه بالنار، فإنه لا يفرق الذهب إلا بهذا الطريق، وفيه أن النار تذيبه، وتجمعه لا تحرقه، وتفرقه فلعله بانضمام الحيل الإكسيرية ولا يخفى أنّ قوله لا بعد الخ مما لا وجه له وأمّا قول النسفيّ تفريقه الخ فقد مرّ عن ابن السيد مثله ووجهه، أنه إذا جعل أجزاء صغيرة دقيقة يكون أقرب إلى إحراقه، وجعله كالرماد، وقوله لنذرينه بالذال المعجمة من التذرية، وهو جعله كالتراب المرتفع بالهواء، وقوله فلا يصادف، بصيغة المجهول أي يوجد فيؤخذ. قوله: (والمقصود من ذلك الخ (زيادة العقوبة ظاهرة لأنّ الضمير للسامرقي، لرؤية معبوده هكذا، وابطال سعيه، والغباوة لعبادة عجل صار هباء بمرأى منهم، وقوله: إذ لا أحد يماثله ليس هذا من المنطوق بل لازم من انحصار الألوهية. قوله ة (لا العجل) معطوف على الله في قوله: إنما إلهكم الله، وقوله: وان كان حيا في نفسه أي هو لا يصلح للألوهية، ولو كان حيا بحياة أصلية، فكيف بالعارضة وهذا معنى قوله في نفسه، ومن غفل عن مراده، قال إنه يشعر بأنه لم يكن فيه حياة، وفيه مخالفة لما أسلفه آنفا، وقال العلامة: إن إحراقه يدلّ على أنه صار لحما ودما لأن الذهب لا يمكن إحراقه وفيه نظر. قوله: (وقرئ الخ) أي بالتشديد للتعذية، وقوله: في المشهورة أي في القراءة المشهورة وهي قراءة التخفيف. وقوله لكنه فاعل الخ دفع لسؤال وهو أنّ التعدية لا تنقل التمييز إلى المفعولية، وإنما تنفل الفاعل، كما تقول في خاف زيد خوّفت زيداً فأجاب بأنه فاعل في الأصل فلذا صار مفعولاً في هذه القراءة. قوله: (مثل ذلك الاقتصاص) فالمشبه قصص بقية الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، بقصة موسى صلى الله عليه وسلم في كونه إخبارا بالغيب معجزا ويصح أن يكون
المشار إليه تصدر الفعل، المذكور بعده كما مرّ تحقيقه في سورة البقرة، وكذلك أو الكاف في محل نصب صفة مصدر مقدر أي اقتصاصا مثل ذلك، والأمم الدارجة أي السابقة من درج إذا ذهب، وقوله وتكثيرا لمعجزاتك لكثرة الإخبار بالمعجزات لفظا، ومعنى لأخبارها بالغيب وهو وعد له بذلك. قوله: (كتاباً (فالمراد بالذكر القرآن لأنه يطلق عليه لكونه حقيقا بالتذكر والتفكر فيه، ولأنه يذكر فيه أخبار الأوّلين ووصفه بالعظمة لدلالة قوله من لدنا وتقديمه ونون العظمة والتنكير عليه. قوله: (وقيل ذكراً جميلا الخ) فالمراد ذكر النبيّ صلى الله عليه وسلم بنعوته الجميلة ومرضه لعدم ملايمته للسياق، ولذا قيل إنّ ضمير عنه حينئذ للقرآن المفهوم من السياق ولا يخفى ما فيه ولذا فسر ما بعده على الوجه الأوّل دونه، وقوله الجامع لوجوه السعادة والنجاة يفهم(6/223)
من كونه الإعراض! عنه مؤذياً للإثم والشقاوة الأبدية، وما قيل إنه لا يبعد أن يستفاد من تنوين ذكراً في غاية البعد لأنه إنما غايته الدلالة على تعظيمه. وقوله: وقيل عن الله ففيه التفات من التكلم إلى الغيبة ولبعده، وكون المقام لا يقتضي الالتفات مرضه. قوله: (عقوبة ثقيلة فادحة) بالفاء والدال والحاء المهملتين بمعنى مثقلة وليس بتكرار لأنه لا يلزم من الثقيل أن يكون مثقلا، وعلى كفره متعلق بعقوبة وذنوبه بالجرّ عطف على كفره، وفي الكشاف أن الوزر يطلق في اللغة على معنيين الحمل الثقيل، والإثم فيجوز أن يقال في وجه تسمية العقوبة بالوزر، شبهت العقوبة بالحمل الثقيل، ثم استعيل استعارة مصرّحة بقرينة ذكر يوم القيامة أو يقال العقوبة جزاء الإثم فهي لازمة له أو مسببة فأطلق الوزر وهو الإثم على العقوبة مجازاً مرسلا، هكذا قرّره الشارح العلامة وغيره ومحصله أنه مجاز عن العقوبة إمّا من الحمل الثقيل على طريق الاستعارة أو من الإثم على طريق المجاز المرسل، ولا يخفى انّ الأوّل هو المناسب لقوله: وساء لهم يوم القيامة حملا لأنه ترشيح له، ويؤيده قوله في آية أخرى {وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ} وأمّا ما ذكره المصنف رحمه الله فلا يخلو عن الكدر لأن قوله أو إثما عظيما المعطوف على قوله عقوبة لا يناسب السياق. والسباق إلا بتكلف أن يراد بالإثم جزاؤه كما قيل أو يقدّر في النظم مضاف على التفسير به، أي جزاء وزر ويفدح وينقض بمعنى يثقل. قوله: (سماها وزرا تشبيهاً الخ) أي استعارة مصرّحة كما قررنا قيل ويجورّ أن يكون من ذكر السبب وارادة المسبب والوزر على الأوّل بمعنى الحمل، وعلى الثاني بمعنى الإثم، ويجوز أن يكون من حذف المضاف أي عقوبة وزر ففي المضاف استعارة بالكناية ولا يخفى ما فيه كما يعلم مما قرّرنا.. قوله: (أو إثماً عظيماً) العظم من التنكير، وقد مرّ ما فيه قيل والمراد حينئذ بضمير الوزر في قوله خالدين فيه
العقوبة استخداما إلا أن يقال إق الأوزار تجسم فلا حاجة إلى الاستخدام، ولا إلى جعله استعارة مكنية، وهو تكلف أنت في غنية عنه بما مرّ، وقوله: في الوزر أي بمعنى العقوبة، وقوله: والجمع فيه أي في خالدين بعد توحيد ضميرا عرض المستتر مراعاة للفظ من ومعناها. قوله: (أي بئس لهم الخ) ساء يكون فعلا متصرّفاً بمعنى أحزن ويكون فعل ذم، بمعنى بئس وحينئذ ففاعله مستتر يعود على حملا التمييز لا على الورّر، لأن فاعل بئس لا يكون إلا ضميراً بهما يفسره التمييز العائد إليه وان تأخر لأنه من خصائص هذا الباب والمخصوص بالذم محذوف، والتقدير ساء حملهم حملا وزرهم ولام لهم للبيان كما في سقيا له، وهيت لك متعلقة بمحذوف تقديره يقال لهم كأنه قيل هذا فقيل يقال لهم وفي شأنهم. قوله: (أشكل أمر اللام ونصب حملاَ ولم يفد مزيد معنى) يعني أنه لا يساعده اللفظ ولا المعنى لأنّ ساء بمعنى أحزن متعد بنفسه، وليس المحل محل زيادة اللام ولا داعي للتكلف في توجيهه كما قيل أنّ التقدير أحزنهم الوزر حال كونه حملا لهم، وقد رذه في الكشف بأنه أفي فائدة فيه، والوزر أدل على الثقل من قيده ثم التقييد بلهم وتقديمه وحذف المفعول لا يطابق المقام. وسياق الكلام ولا مبالغة في الوعيد به بعدما تقدمه. وقال الطيبي رحمه الله وتبعه المحشي المعنى أحزنهم حمل الوزر على أنه تمييز واللام للبيان ورده بأنه مفوّت لفخامة المعنى وأن البيان إن كان لاختصاص الحمل بهم ففيه غنية، وان كان لمحل الأحزان فلا كذلك طريق بيانه، وان كان على أن هذا الوعيد لهم فليس موقعه قبل يوم القيامة وأنّ المناسب حينئذ وزراً ساء لهم حملا على الوصف لا هكذا. وقيل يجوز أن يكون ساء لازماً بمعنى قبح وحملا تمييز ولهم حال ويوم القيامة متعلق بالظرف أي قبح ذلك الوزر من جهة كونه حملاً لهم في يوم القيامة، وفي ورود ساء بهذا المعنى في كتب اللغة وكلام الفصحاء على أنه معنى حقيقي نظر، وإن ذكره صاحب القاموس فتأمل. قوله: (إلى الآمر به (وهو الله فإسناده إليه تعظيم للفعل وهو النفخ لأنّ ما يصدر عن العظيم عظيم، أو هو تعظيم لإسرافيل النافخ بجعل فعله بمنزلة فعله وهو إنما يقال فيمن له مزيد اختصاص وقرب مرتبة، وقيل إنه يجوز أن يكون تعظيما لليوم الواقع فيه ويتمشى على هذه القراءة التي تليه أيضاً. قوله: (وقرئ في الصور (بضم الصاد وفتح الواو جمع صورة كغرفة وغرف والمراد به(6/224)
الجسم المصوّر، وبه فسر أيضا على القراءة المشهورة
بسكون الواو وجوّز فيها أن تكون بمعنى القرن الذي ينفخ فيه وهو المشهور، وأورد على كونه جمع صورة أنّ النفخ يتكرر لقوله: ثم نفخ فيه أخرى والنفخ في الصورة إحياء والإحياء غير متكرّر بعد الموت وما في القبر ليس بمراد من النفخة الأولى بالاتفاق والجواب أن من يقرأ به، ويفسره به لا يجعل الثانية مثل الأولى في الإحياء ولا يلزم أن يجعلها في كل موضع بمعنى واحد فتأمّل.
قوله: (زرق العيون (فهو وصف للشيء بصفة جزئه كما يقال غلام أكحل وأحور والكحل والحور صفة العين والظاهر أنه مجاز وأسوأ بمعنى أقبح، وقوله: لأن الخ علة لكونها أبغض، وأعدى بمعنى أشد عداوة فأزرق مجاز عن كونه قبيحا مكروهاً لأنه لازم له عندهم ولذا يقال: العدوّ الأزرق وعلى الثاني هو كناية عن العمي لأن الزرقة من لوازمه، والكبد بالباء الموحدة عضو باطني معروف وهم يتوهمون أنّ الحقد والعداوة في الكبد ولذا قالوا للأعداء سود اكباد كما ذكره أهل اللغة، ومن ضبطه الكتد بالمثناة الفوقية وهو مجمع الكتفين فقدسها وأصهب من الصهبة بالصاد المهملة وهي حمرة أو شقرة في الشعر، والسبال بكسر السين المهملة جمع سبلة والمراد بها هنا اللحية أو ما استرسل منها ومن الشارب، وتزراق بتشديد القاف مضارع إزراق كاد لهامّ بمعنى تشتد زرقتها، وقوله: لما يملأ الخ أي أو لضعفهم والخفت قريب من الخفض لفظا ومعنى. قوله تعالى: ( {إِن لَّبِثْتُمْ} الخ (بتقدير حال أي قائلين إن الخ، وقوله: أي في الدنيا. ييان لمرادهم بالعشر ويستقصرون بمعنى يعذونها قصيرة قليلة إمّا لتقضيها كما قاله ابن المعتز كفى بالانتهاء قصراً أو بالنسبة للآخرة أو للتأسف أي الحزن على سرعة تقضيها قبل علمهم بما صاروا إليه وتداركهم لما نالهم فيه كما في قولك: ليت الزمان امتذ حتى يكون كذا وكذا وهو معنى قوله: وعلموا الخ فلا وجه لما قيل إنه لا مدخل له في استقصار مدة لبثهم في الدنيا وما في الكشاف من استقصار أيام السرور أظهر منه. كوله: (أو في القبر لقوله تعالى: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ} إلى آخر الآيات (معطوف على قوله في الدنيا الخ وظاهره أنّ هذه الآية تعين أن المراد اللبث في القبور رلذا استدل بها تبعا للزمخشري، وأوردوا عليه أنه غير متعين كهذه الآية وقد ذكر الحسن في تفسيرها أن المراد لبثهم في الدنيا أو في القبور أو فيما بين فناء
الدنيا إلى البعث فكيف يتأتى الاستدلال بها، وأجيب بأنّ قوله تعالى: {لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ} [سورة الروم، الآية: 56] صريح في أنه اللبث في القبور وبه يرجح هذا الوجه في الموضعين واليه أشار المصنف بقوله إلى آخر الآيات وأورد عليه أنه لا صراحة فيها لاحتمال أن يراد به ما قبل البعث الشامل لما في الدنيا ولما في القبر وأنّ المذكور هناك أقسامهم أنهم ما لبثوا غير ساعة، وهنا أنهم ما. لبثوا إلا عشرا والا يوما، في أخرى فكيف يتحد المراد في الموضعين ولا يندفع بأنه لا مخالفة بينهما لاختلافهم في مدة اللبث فقائل عشرا وقائل يوما وقائل ساعة والقائل ساعة أمثلهم طريقة فلذا ذكر هناك، وهذا صلح من غير تراض وهو غريب من قائله فإنه ليس المراد حقيقته ولا الشك في تعيينه بل المراد أنه لسرعة زواله عبر عن قلته بما ذكر فتفنن في الحكاية وأتى في كل مقام بما يليق به، فإن سلم إنه على طريق الشك في تعيينه فالجواب هو ما ذكره، وما قيل إن المراد باليوم معناه اللغوي وهو مطلق الوقت وتنكيره للتقليل والتحقير فالمراد إلا زمنا قليلا فلا تعارض! فيها، يأباه مقابلته بالعشر فتأمّل. قوله: (وهو مدّة لبثهم) إشارة إلى المراد بما الموصولة، وقله: أعدلهم لأنّ الأمثل الأفضل والمراد به بقرينة المقام ما ذكر، وقوله: استرجاع أي بيان لرجحانه والتقالّ تفاعل من القلة ووجه الرجحان أنه أبلغ في الطريقة المذكورة، وهو جار على الوجوه السابقة ويؤيد ما ذكرناه وسؤال الثقفي عن حالها في القيامة. قوله تعالى: ( {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ} الخ) قال النسفي وغيره: الفاء في جواب شرط مقدر أي إذا سألوك فقل وهذا بناء على أنه لم يقع السؤال عنه كقصة الروج وغيرها فلذا استؤنف الجواب ثمة بدون فاء وقرن بها هنا لأنّ هناك استشراف النفس للجواب فيسألونك بمعنى سيسألونك واستبعده أبو حيان وكلام المصنف(6/225)
يخالفه أيضا فالفاء عند. متمحضة للسببية للدلالة على أنّ أمر قل تسبب عن سؤالهم والظاهر أنه إنما قرن بها هنا، ولم يقرن بها ثمة للإشارة إلى أنه معلوم له قبل ذلك فأمر بالمبادرة إليه بخلاف ذاك. قوله: (يجعلها كالرمل الخ) قال الراغب نسفت الريح الشيء إذا قلعته وأزالته وأنسفته وأصل معناه تطرحه طرح النسافة وهي ما يثور من غبار الأرض اهـ فما ذكره المصنف رحمه الله في تفسيره هنا معناه الحقيقي، وجعله رملاً أو غبارا داخل في معناه فليس تفسيراً باللازم تسامحاً كما قيل، وقوله: فيذرها بالفاء التعقيبية السببية على ظاهره ومن توهم أنّ حق الكلام لو كان معناه ما ذكر وبدرها بالواو الفصيحة لم يأت بشيء يعتد به، وقوله: فيذر مقارّها فالضمير للجبال وفي الكلام مضاف مقدر لا للمقارّ المعلومة منها بدلالة الالتزام أو للأرض التي دلت الجبال عليها كما في الآية المذكورة، وقوله: خاليا أي عن الجبال وكل مرتفع لأن معنى القاع
المستوي من الأرض كما ذكره الراغب وهو يستلزم خلوها عما ذكر فلا وجه للاعتراض! على تفسيره بما ذكر، وظاهر كلام القاموس وقوله: والقاع أرض سهلة مطمئنة قد انفرجت عنها الجبال والآكام إن كان الخلوّ من منطوقه فدلالته عليه على ما ذكره الراغب بطريق الكناية وعلى ما في القاموس ومن تجريده لجزء معناه كالمشفر ليفيد ذكر قوله: صفصفا بعده على تفسيره. قوله: (اعوجاجاً ولا نتوءا (الإعوجاج ضد الاستقامة والنتوء الارتفاع اليسير، وقوله: إن تأملت التامّل أصله إطالة النظر ويكون بمعنى التفكر فليس فيه إشارة إلى أن رأي هنا علمية كما قيل وان كان قوله بالقياس يميل إلى كونها علمية والخطاب هنا عام لكل من يصح منه الرؤية والتأمل، والقياس الهندسي ما يعرف بالمساحة لأنه أحد فروع الهندسة، وقوله: وثلاثتها وفي نسخة وهو ثلاثتها والأولى أولى وهي قاعا وصفصفا ولا ترى الخ وهو إشارة إلى دفع ما يتوهم من التكرار فيها وهو يعلم مما فسر به وترتبها لأنّ استواءها يترتب على خلؤها عن الجبال والتضاريس، وكونها لا يعلم اعوجاجها بالمقاييس مترتب على الاستواء. قوله: (ولذلك ذكر العوج بالكسر وهو يخص المعاني) إشارة إلى الفرق بين العوج والعوج المنقول عن أهل اللغة كما في الجمهرة بأنه بالكسر في عدم الاستقامة المعنوية وهو ما لا يدرك بالعين بل بالبصيرة كعوج الدين، وبفتح العين فيما يدرك بها كعوج الحائط والعود، ولما كانت الأرض محسوسة واستقامتها واعوجاجها يدرك بالبصر فكان ينبغي فتح عينه بح! سب الظاهر، وجهه بأنه لما أريد به ما خفي منه حتى احتاج إثباته إلى المساحة الهندسية المدركة بالعقل ألحق بما هو عقليّ صرف فأطلق عليه ذلك لذلك، وما في القاموس من أنّ الاسم منه كعنب أو يقال: لكل منتصب كالحائط والعصا كفرج وفي غيره كعنب وكذا هو عن ابن السكيت لا يخالف ما هنا كما توهم لأن ذكر القائم المنتصب لأنه في رأي العين أظهر، وليس المراد الحصر ولذا جمع بينهما الراغب في مفرداته، واختار المرزوقي في شرح الفصيح أنه لا فرق بينهما قال أبو عمرو يقال في الكل عوج بالكسر وأما العوج بالفتح فمصدر عوج وصح الواو فيه لأنه منقوص من أعوج ولما صح في الفعل صح في المصدر أيضا. قوله: (وقيل لا ترى استئناف مبين للحالين) قبله كأنه قيل إلى أي حذ هي في ذلك فقيل لا ترى الخ ويصح أن تكون صفة لما قبلها، وقوله: على إضافة اليوم إلى وقت من إضافة العام إلى الخاص فلا يلزم أنه يكون للزمان ظرف وان كان لا مانع منه عند من عرفه بمتجذد يقدر به متجذد آخر، وقيل إنه من إضافة المسمى إلى الاسم كشهر رمضان وهذا بناء على ما ارتضاه سيبويه من أن العلم رمضان كما مرّ تحقيقه،
وعلى هذا فهو متعلق بيتبعون المذكور بعده وقدمه لما في الثاني من الفصل الكثير وفوات ارتباط يتبعون بما قبله وعليه فقوله: ويسألونك الخ استطراد معترض وما بعده استئناف فاندفع ما ذكر عنه، وقوله: بدلاً إشارة إلى أنّ قوله: يوم ينفخ بدل أوّل والعامل ساء حينئذ. قوله: (من كل أوب إلى صوبه (الأوب الجانب والصوب الناحية، كما في قوله: صوب الصواب وقد أهمله في القاموس حتى خفي على بعضهم فجعله استعارة من المطر وفي نسخة صوته بالتاء الفوقية أي دعائه. قوله: (لا يعوج له مدعوّ ولا يعدل عنه (بالبناء(6/226)
للمجهول فيهما وفي شروح الكشاف أن هذا كما يقال لا عصيان له أي لا يعصى ولا ظلم له أي لا يظلم وأصله أن اختصاص الفعل بمتعلقه ثابت، كما هو بالفاعل، وفي بعضها وأصله أن المصدر تارة يضاف إلى الفاعل وتارة إلى المفعول يعنون بذلك أن دلالة المصدر على الفعل وعلى كونه مبنياً للمجهول باعتبار أنه يستعمل تارة مضافا إلى فاعله فيدل على المبني للفاعل وتارة مضافاً للمفعول فيدلّ على المجهول لا أن لنا مصدرين أحدهما معلوم والآخر مجهول، كما وقع في عبارتهم وقد خفي مرادهم على بعض، أرباب الحواشي وما ذكرناه مصرّج به في بعض كتب العربية، وضمير له للداعي، وقيل إنه للمصدر أي لا عوج لذلك الاتباع والعبارة تحتملهما، وقيل لا يعدل عنه تفسير لما قبله. قوله: (خفضت لمهابته (تقرير لحاصل المعنى ويحتمل تقدير المضاف، وقيل المراد أصحاب الأصوات ولا حاجة إليه لقرينة ما بعده، وقوله: وقد فسر الخ فهو من الهميس، ولذا قدمه فإن اعتبر فيه الخفاء أيضاً كما في كتب اللغة فهو ظاهر، وتكون الأصوات في النظم شاملة لها فإن لم تشملها فالمراد بخشوعها سكونها وعدم استماعها فيغاير التفسير السابق. قوله: (الاستثناء من الشفاعة (أي مع تقدير مضاف في المستثنى كما أشار إليه ولا يقدر مفعول له لتنزيله منزلة اللازم بخلافه في الثاني وأعتم المفاعيل أحد المحذوف وفيه إشارة إلى أن حذفه لقصد العموم، وله متعلق بمقدر اًي أذن في الشفاعة له كما أشار إليه أو تعليلية والحاصل كما في الدر المصون أنه إفا منصوب على المفعولية لتنفع ومن واقعة على المشفوع له أو في محل رفع بدلآمن الشفاعة بتقدير مضاف أو منصوب على الاستثناء من الشفاعة بتقديره أيضا وهو استثناء متصل ويجوز أن يكون منقطعا إذا لم يقدر شيء وحينئذ هو إمّا منصوب أو مرفوع على لغة الحجازيين والتميميين والإذن الأول بفتحتين بمعنى الاستماع والمراد به القبول كما في سمع الله لمن حمده واللام تعليلية أي إلا من استمع
الرحمن لأجله كلام الشافعين. قوله: (أي ورضي لمكانه عند الله قوله (أي مكان الشافع يعني أنّ اللام للتعليل لا أنه من قبيل حذف المضاف كما توهم، وقوله: لأجله وفي شأنه أي قول الشافع لأجل المشفوع وفي شأنه والفرق بينه وبين ما تقدم أنّ قوله له متعلق برضى على الأوّل ومتعلق بقولاً على الثاني كما قيل، وقيل هو على الثاني حال قدمت على ذيها ومآل المعنيين واحد وضمير قوله للشافع أيضا. وذكر الكواشي أن المعنى رضي قولاً كائنا له وهو كلمة التوحيد فالضمير المضاف إليه للمشفوع، وهو في غيره للشافع، فهو غير ما ذكره المصنف رحمه الله لأن اللام ليست للأجل فيه خلافا لمن توهم أن هو والوجه أنه على الأوّل اللام تعليلية متعلقة برضي والمراد بقوله: شفاعته وكذا هو على الثاني لكن المراد بقوله قوله في شأن المشفوع له أعمّ من الشفاعة كالاعتذار وعلى الثالث هو متعلق بلفظ قولاً وهي متقاربة فتدبر. قوله: (ما تقدّمهم من الأحوال الخ (قال المصنف في سورة البقرة بعدما ذكر هذا أو بالعكس لأنك مستقبل المستقبل ومستدبر الماضي أو أمور الدنيا وأمور الآخرة أو عكسه أو ما يحسونه وما يعقلونه أو ما يدركونه وما لا يدركونه، وقد مرّ ما فيه. قوله: (ولا يحيط علمهم بمعلوماته (إشارة إلى أن علما تمييز محوّل عن الفاعل وأنّ في به مضافا مقدراً وقوله بذاته يقتضي صحة أنه يقال علمت الله إذ المنفيئ العلم على طريق الإحاطة وإذا كان الضمير لمجموعهما فهو بتأويل ما ذكر ونحوه. وقوله وهم الأسارى جمع عان بمعنى أسير من العناء والأولى ترك قوله في يد الملك. قوله: (وظاهرها يقتضي العموم (والمراد بالوجوه الذوات لأنها أشرف الأعضاء الظاهرة وعليها يظهر آثار الذل. وقوله وقد خاب الخ ومن يعمل من الصالحات تقسيم له وإذا أريد وجوه المجرمين فهو حقيقة، وقوله: وهو يحتمل الحال الخ ويحتمل الاعتراض! أيضاً وعلى الحالية الرابط الواو فمن قال الرابط اتحاد من حمل بالوجوه أو الرابط محذوف على تقدير العموم أي منهم لم يصب، وقوله: ويؤيده الخ فيه نظر خصوصا في وجه الحالية، وقوله لأن
الإيمان بناء على خروجه عنها، وقوله بعض الطاعات إشارة إلى أن من تبعيضية، وقوله: مستحق بالوعد إشارة إلى أن تسميته ظلما مجاز والهضم(6/227)
في اللغة النقص ومنه هضيم الكشحين أي ضامرهما، ومنه هضم الطعام لتلاشيه في المعدة والظلم والهضم متقاربان، وقيل الظلم منع جميع الحق، والهضم منع بعضه، وقوله أو جزاء الخ فهو بتقدير مضاف أو المراد بما ذكر جزاؤ. مجازا والمراد أن هذا شأنه لصون الله له عنه ولأنه لا يعتد بالعمل الصالح معه فلا يرد ما قيل إنه لا يلزم من الإيمان وبعض العمل أن لا يظلم غيره ويهضم حقه. قوله: (مثل ذلك الإنزال) أي إنزال ما مرّ من القصص المشتمل على قصص الأوّلين والوعد والوعيد، وعلى ما بعده هو تشبيه للكل بالجزء والمراد أنه على نمط واحد والوتيرة الطريقة والمراد طريقته في الإعجاز والإخبار بالمغيبات. قوله: (مكرّرين فيه آيات الوعيد) بيان لمعنى التصريف لا إشارة إلى إعرابه، فإنّ الجملة ليست حالية بقرينة ما سيأتي من المعطوف عليها وفي بعض شروح الكشات أنه يدلّ على أنه جعله حالاً قيداً للإنزال وهو محتاج إلى التكلف في عطف قوله: ولقد عهدنا الخ عليه. وقوله: المعاصي بيان لمفعوله المحذوف، وقوله: فتصير التقوى لهم ملكة إشارة إلى معنى لعل كما مرّ تحقيقه في سورة البقرة، وأوّل التقوى بما ذكر لئلا يلغو الكلام والملكة تحصل من التكرار، وقوله: عظة فالذكر بمعنى تذكره للاتعاظ، ويثبطهم بمعنى يعوقهم عنها أي عن المعاصي. قوله: (ولهذه النكتة أسند الخ) أي لكون المراد بالتقوى ملكتها وبالذكر العظة الحاصلة من استماعه أسندت التقوى إليهم لأنها ملكة نفسانية تناسب الإسناد لمن قامت به والعظة أمر يتجدّد بسبب استماعه فناسب الإسناد إليه ووصفه بالحدوث المناسب لتجدد الألفاظ المسموعة وليس المراد أنه أسند إليهم تشريفا لهم ولم يسند الذكر لعدم استئهالهم للتشريف بهذا الفعل، ولا مخالفة فيه أيضا لما مرّ في قوله: {لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} من أنّ التذكر للمتحقق والخشية للمتوهم كما توهم، وقيل لأنّ الملكة تحصل بالتكرار لا بالقرآن بخلاف العظة فتأمّل. قوله: (في ذاته وصفاته) أخذه من إطلاق التعالي، وأن اسم الذات مستلزم لجميع الصفات، وخص الكلام بالتصريح لذكر القرآن والذكر قبله، ونفوذ الأمر وما بعده من عنوان الملكية لأنه من شأنها. وقوله: يستحقه أي الملكوت وهو مصدر مذكر بمعنى الملك وليس تاؤه للتأنيث ولذا وقف عليها بالتاء، والتفسير الأوّل على جعل الحقية
للملك والثاني على جعلها لله وأيضا الأوّل على جعل الحق خلاف الباطل والثاني بمعنى الثابت. قوله: (نهي) وهو مستأنف أو معطوف على تعالى لأنه لإنشاء التعجب ومساوقته بمعنى متابعته قال الأزهري تساوقت الإبل تتابعت كأنّ بعضها يسوق بعضا قال في المصباج واستعماله بمعنى المقارنة لم يوجد في كتب اللغة، وقوله: حتى يتمّ وحيه أي تبليغه للوحي تفسير لقوله من قبل أن يقضي إليك وحيه، وعلى سبيل الاستطراد متعلق بنهي وقوله: وقيل مرضه لعدم ما يدلّ عليه وزيادة العلم في القرآن أو مطلقاً، وكونه بدل الاستعجال يفهم من السياق، وقوله: فإنّ ما الخ تعليل لتبديل الاستعجال فإنّ ما لا بد منه لا حاجة لاستعجاله بخلاف زيادة العلم فإنها مطلوبة، وتقدم بمعنى أمر كناية لأنه قد يقوم ويتقدم، وأوعز بعين مهملة وزاي معجمة بمعنى أمر كوعز. قوله: (وإنما عطف قصة آدم الخ (أي هو من عطف القصة على القصة فلا يضرّ تخالفهما خبراً، وانشاء مع أن المقصود بالعطف جواب القسم وجعله معطوفا على صرّفنا دون أنزلنا وان كان هو المتبادر لتمام المناسبة بينهما إذ ذكر تكرار الوعد والوعيد للتذكر وهم لم يتذكروا كما لم يتذكر أبوهم إشارة إلى أنها شنشنة أخزمية وتتضمن حكمة التكرير وهو النسيان فكأنه قيل: صرّفنا الوعيد لعلهم يتقون أو يحدث لهم ذكراً لكنهم لم يلتفتوا لذلك ونسوه كما نسي آدم عليه الصلاة والسلام، وقد قيل عليه أنّ فيه غضاضة من مقام آدم لمجر إذ ضربت قصشه مثلاً للجاحدين لآيات الله فهو إتا مستأنف أو معطوف على توله ولا تعجل، وفيه نظر، وقوله عرقهم: أي أصلهم وآدم عليه الصلاة والسلام يقال له عرق الثرى، وقيل إنه مستأنف والنكتة تفهم من تعقيبه له. قوله: (ولم يعن به (أي لم يهتم به ويشغل بحفظه وهو بصيغة المجهول أو المعلوم، قال في المصباج يقال عناني كذا شغلني ولتعن بحاجتي(6/228)
أي لتكن حاجتي شاغلة لسزك، وربما قيل عنيت بأمره بالبناء للفاعل فأنا عان، والتعقيب عرفي وليست الفاء فصيحة أي عهدنا فلم يعن فنسي كما قيل، وقوله أو ترك إشارة إلى أن النسيان يجوز أدط يكون مجازاً عن الترك. قوله: (تصميم رأي الخ (هذا يناسب تفسير النسيان بالترك وهو المنقول عن ابن عباس رضي الله عنهما. وقوله: ولعل ذلك كان في بدء أمره كأنه يريد أنه قبل النبوّة
فهو اعتذار عما صدر منه، والشرى بفتح المعجمة وسكون الراء المهملة الحنظل والأري العسل وهو إقا استعارة تمثيلية لمزاولة الأمور أو الشرى مستعار للصعب، والأري للسهل استعارة تصريحية ويذوق ترشيح، وهو مثل ضرب للمزاولة، والأحلام العقول جمع حلم والمراد بوزنها مقايستها، والرجحان بمعنى الزيادة هنا يعني أنه مع زيادة عقله قد نسي، ولم يصمم أمره فكيف بغيره. قوله: (وقيل عزما على الذنب (مرضه لعدم تبادره ومناسبته للمقام ولأن محصله أنه نسي فيتكزر مع ما قبله، وقوله: مقدر باذكر قد مرّ تحقيق أمثاله، قيل وهو معطوف حينئذ على مقدر أي اذكر هذا واذكر إذ الخ أو من عطف القصة على القصة وتحقيق الاستثناء واتصاله وانفصاله مر تفصيله. قوله: (وهو الاستكبار (أصل معنى الإباء الامتناع أو شدته وإذا كان لازما فالمراد منه الإباء عن الطاعة وهو إنما يكون في الأكثر من التكبر فجاز دلالته عليه بطريق الكناية أو المجاز حيث لم يذكر معه الاستكبار كما في قوله: أبى واستكبر فإذا جمع بينهما فهو بمعناه الحقيقي فلذا اتتصر تارة على أبي وتارة على استكبر وجمع بينهما أخرى والى هذا أشار القائل: يرشدك إلى هذا قوله في سورة ص استكبر بدل أبى فلا يعارضه قوله: {أَبَى أَن يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ} فإنه يدل على تقدير المفعول، والتكبر أي يرى الإنسان نفسه أكبر من غيره، والاستكبار طلبه والتشبع به، وقوله: عن الطاعة وقع في نسخة عن المطاوعة. قوله تعالى: ( {عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ} ) أعاد اللام لأنه لا يعطف على الضمير المجرور بدون إعادة الجار. وما قيل إنه للدلالة على أن عداوته لها أصالة لا تبعا رد بأنه أمر لازم لما مر فلا يفيد هذه النكتة نعم لو قال عدو لك وعذو لزوجك اتجه ما ذكره ولم يسبق للزوجة ذكر حتى يقال إنه يمكن أن لا يعاد الجار ويقال لكما فتئم الدلالة نعم كونه أمرا لازما بحسب القاعدة النحوية لا ينافي قصد إفادة ما يقتضيه المقام، ولذا جعل في المفتاح تنكير التمييز في قوله: اشتعل الراًس شيبا لإفادة المبالغة مع أنّ التنكير لازم للتمييز، وقال الشريف: وكون التنكير لازماً للتمييز لا ينافي قصد التعظيم وافادة المبالغة، وفيه نظر لأن التمييز قد يعرف كما في سفه نفسه
على قول وهذه مناقشة في المثال لا تضر في المدعي مع أنه نادر كالعطف على الضمير المجرور بدون إعادة الجار كما في تساءلون به والأرحام في وجه. قوله: (فلا يكونن سبباً لإخراجكما (يعني أن الإسناد إلى الشيطان مجازي لأنه سبب والمخرج هو الله، وقوله: والمراد الخ يعني أنه كناية عن نهيهما عن مطاوعتهما له وإتيان ما يقتضي تسببه وتسلطه عليهما على حد قوله: {فَلاَ يَكُن فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ} وقوله: بحيث يتسبب الشيطان أي يكونان بمكان وحال يقتضي تسبب الشيطان إلى الإخراج وضمن يتسبب معنى يتوصل فعداه بإلى وفي نسخة ينسب ولا قلب فيها كما توهم. قوله: (قتشقى (منصوب بإضمار أن في جواب النهي وأمّا رفعه على الاستئناف بتقدير فأنت تشقى فقد استبعده المعرب بأنه ليس المراد الإخبار عنه بالشقاء بل المراد أنه إن وقع الإخراج حصل الشقاء وقوله: قيم عليها أي قائم بأمورها فهي تابعة له في الشقاوة والسعادة وفيه نظر ألا ترى امرأة نوح ولوط وامرأة فرعون، وقوله: محافظة على الفواصل أي رؤوس الآي المناسب فيها كونها على روقي واحد متناسبة في الإفراد وغيره فلا يرد أنه لو قيل فتشقيا حصلت المحافظة أيضا، ووجه التأييد بهذه الجملة المستأنفة لبيان بعض ما في الجنة تعقيبه بأصول المعاس وإقطابها الأربعة، وهذا لا يلزم منه ترجيحه وتقديمه على الوجه الأوّل لعدم ظهور معنى الشقاء فيه إذ المتبادر خلافه فتأمل. قوله تعالى:) {إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى} (الآية فيها سرّ بديع من أسرار المعاني وهو الوصل الخفي وسماه في الانتصاف تطع النظير عن النظير وهو أنه كان الظاهر أن يقال لا تجوع فيها ولا تظمأ ولا تعرى ولا تضحى وهذا(6/229)
كما قال الكندي في قول امرئ القيس:
كأني لم أركب جواد اللذة ولم أتبطن كاعبا ذات خلخال ...
ولم أسبأ الزق الروقي ولم أقل لخيلي كرّي كرّة بعد إجفال. 00
فإنه كان الظاهر عكس صدري البيتين وقد أورد هذا الكندي على المتنبي في مجلس
سيف الدولة في قوله:
وقفت وما في الموت شك لواقف كأنك في جفن الردى وهو نائم ...
تمز بك الأبطال كلمي هزيمة ووجهك وضاج وثغرك باسم ...
ووجهه أنه عدل عن المناسبة المكشوفة إلى مناسبة أتم منها وهي أنّ الجوع خلؤ الباطن
والعرى خلوّ الظاهر، فكأنه قيل لا يخلو باطنك وظاهرك عما يهمهما، وجمع بين الظمأ المورث حرارة الباطن والبروز للشمس المورث حرارة الظاهر، فكأنه قيل لا يؤلمك حرارة الباطن والظاهر، وهذا مآل ما ذكره المتنبي كما فصله الواحدي وغيره، وقيل إنه عدل عنه تنبيها على أن الأوّلين أعني الشبع والكسوة أصلان وأن الأخيرين متممان فالامتنان على هذا أظهر، ولذا فرق بين القرينتين فقيل إن لك وانك وأيضا روعي مناسبة الشبع والكسوة لأن الأوّل يكسو العظام لحماً وأما الظمأ والضحى، فمن واد واحد وهذا الثاني هو ما أشرنا إليه، وقيل إن الغرض تعديد هذه النعم ولو قرن كل بما يشاكله لتوهم المقرونان، نعمة واحدة مع قصد تناسب الفواصل والأحسن ما قلناه وعدم التناسب غير مسلم، وقوله: فإنه الخ بيان لوجه التأييد والمراد بأقطابها أصولها وما عليه مدارها، وقوله: والكن أي المنزل معنى لا تضجي أي لا يبرز للشمس باكتنانه في ظله، يقال ضحى يضحا إذا برز لها، واكتفى بوقاية الحرّ عن وقاية البرد وقرن المصنف الشبع بالرفي، والكسوة بالكن إشارة إلى أنه مقتضى الظاهر وتوجيهه، ما مر والكفاف بفتح الكاف ما أغنى عن الناس، ومستغنيا حال من ضمير له، والاستغناء من قوله إن لك وأغراض في نسخة أعواض! جمع عوض ونقائضها مقابلاتها المفهومة من السلب وبذكر متعلق ببيان وتذكير على التنازع، ويطرق سمعه من باب نصر يصل إليه وهو مجاز مشهور كيقرع سمعه. قوله: (والعاطف وإن ناب الخ (جواب سؤال وهو أنّ الواو نائبة عن العامل وهو أنّ وإن لا تدخل على أن فلا يقال إن أنك منطلق، فكذا نائبها فأجاب بأنها نائبة عن العامل مطلقا لا عن أن بخصوصها والمانع هو الثاني وأجيب أيضاً بأنه إنما يمتنع الدخول بدون فاصل، وقد فصل بينهما ألا تراك تقول أن عندي أنك منطلق وعلى قراءة الكسر لا يرد السؤال لأنه معطوف عليها مع معموليها لا على اسمها ونسب الطيبي هذه القراءة إلى ابن كثير، وهو مخالف لما في كتب القرا آت المشهورة. قوله: الا من حيث إنه حرف تحقيق (أي لا أنه ناب عن أق بخصوصها وعبر عنها بما ذكر لأنه أشهر معانيها فلا يرد عليه أنه يفهم منه أنه لو ناب عنها لا من هذه الحيثية لم يمتنع كما توهم وهو أمر سهل وعلته نحوية. قوله: (فأنهى إليه وسوسته (إشارة إلى أن الوسوسة لازمة منقولة من اسم صوت وتعديتها بإلى لتضمين معنى الانتهاء وقد تتعدى باللام كذا في الكشاف وهو ينافي ما في الأساس من ذكر وسوس إليه في قسم الحقيقة فتأمّل. قوله: (الشجرة التي الخ (جملة قال الخ بيان للوسوسة وتفصيل لها ووقع
في الأعراف ما نهاكما الخ وقد مرّ تفسيره، ولا دلالة في النظم على تأخر أحدهما عن الآخر، كما قيل ويبلى معناه يفني أو يصير بالياً خلقا، كما أشار إلى الأوّل بقوله: لا يزول والى الثاني بما بعده، وهو من لوازم الخلود فذكره للتأكيد والترغيب. وقوله: أحض اتفسير لطفقا، لأنها من أفعال الشروع ويلزقان: تفسير يخضعان وكونه ورب التين رواية ذكرها المصنف رحمه الله ممرضة في الأعراف. قوله: (فضل الخ (الضلال معنى الغواية والخيبة من لوازمها، والمطلوب هو الخلد والمأمور به عدم الأكل منها، وقوله وقرئ فغوي أي بفتح الغين وكسر الواو وفتح الياء فالمراد تخمته باكله وبه فسرت القراءة الأخرى ولم يرتضه(6/230)
الزمخشري لأنه إنما يخرج على لغة من يقول في بقي بقاء والنعي أصل معناه الأخبار بموت شخص ثم أطلق على إشاعة ما لا يرضى، وقوله بالعصيان متعلق به، والمراد بالعصيان ما كان عن تعمد وقصد لمقابلته للزلة، وهي ما لا يكون كذلك وإن كان قد يطلق كل منهما على الآخر فلا غبار عليه كما توهم ووجه الزجر أنه إذا استعظم الصغير من الكبير فكيف بالكبير من الصغير. قوله: (وأصل معنى الكلمة الجمع (فالمجتبي كأنه في الأصل من جمعت فيه المحاسن حتى اختاره غيره وقوله إلى الثبات فسره به ليفيد ذكره. قوله: (أو له ولإبليس) فالأمر بالخروج بعد ما قيل له اخرج منها فإنك رجيم لأنه دخلها ثانيا للوسوسة، أو للدلالة على تأبيد طرده، وقوله: ولما كانا الخ دفع لسؤال أن العداوة بين أولادهما لا بينهما، وهذا إنما يرد على الوجه الأوّل، وفيه توجيه لصيغة الجمع، بعد التثنية أيضاً وهو عكس مخاطبة اليهود لآبائهم من بني إسرائيل، كما مر والتجاذب مجاز عن المخاصمة وخص المعاش لأنه الأصل الأغلب. قوله: (أو لاختلال حال كل من النوعين (يعني بني آدم وابليس وذريته وهذا على التفسير الثاني واختلال بني آدم بوسوسة الشياطين، واختلال أمر الشياطين ببني آدم لأنهم سبب عنائهم ولعنهم وطردهم، وقوله: ويؤيد الأوّل الخ أي يؤيد أن المراد آدم وحؤاء وبتفسير النوع الثاني بالشياطين دون الجن اندفع ما قيل إنّ للجن كتابا ورسولا مع ما فيه. قوله تعالى: ( {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم} الخ (في الكشاف عن ابن
عباس رضي الله عنهما الهدى القرآن وخصصه به وعممه في سورة البقرة والقصة واحدة لقيام القرينة عليه وهي قوله: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي} [سورة طه، الآية: 124] وقوله: {كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا} [سورة طه، الآية: 26 ا] ووجه التأييد أن التقسيم لا يستقيم بالنسبة إلى كل من النوعين وإذا أريد به ذرية آدم عليه الصلاة والسلام لا يخدشه دخول النوع الآخر في أحد قسميه مع أن دخوله فيه غير ظاهر لأن قوله من أعرض يقتضي تجدد إعراضه بعد هذه القصة ونوع إبليس ليس كذلك ووصفه بضنك المعيشة غير مراد أيضا فتأمّل. قوله: (فلا يضل في الدنيا الخ (فمره بما ذكر لأنه المتبادر منه مع تقابل القسمين في الترتيب وأمّا العكس بأن يراد فلا يضل طريق الجنة ولا يشقى أي لا يتعب في معيشته وان قدم فيه أمر الآخرة لأنه مطمح نظرهم فتكلف وفسر الذكر بالهدى لوقوعه في مقابلة قوله فمن اتبع هداي وبين بقوله الذاكر كوجه التجوّز فيه بأنّ الهدى سبب ذكره، فأطلق المسبب وأريد سببه ثم بين أن المراد بكونه ذاكرا له أنه داع لعبادته، فهو عطف تفسيري مبين لأن المراد بالذكر العبادة فإنه شاع فيها، وقوله ضيقا إشارة إلى أنه مصدر مؤوّل بالوصف، ولذا أنث في قراءة والتذكير باعتبار أصله، وقوله وذلك أي ضنك معيشته وضيقها لحرصه ومحبته للدنيا يغلب عليه الشح، وتضييق المعيشة بخلاف المؤمن فإنه ينفق ما في يده وشممح به، كما قال تعالى: {فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} [سورة النحل، الآية: 97] ، وقوله مع أنه الخ توجيه آخر بإبقائه على ظاهره والمسكنة الفقر أو أشده وقوله: ولو أنهم أقاموا الآية تمامها: {كَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم} [سورة المائدة، الآية: 66] أي لوسع رزقهم وكذا قوله في الآية التي بعدها: {لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء} [سورة الأعراف، الآية: 96، وقال بعض المشايخ لا يعرض أحد عن ذكر ربه إلا أظلم عليه وقته وتشوّس عليه رزقه وإذا فسر بالضريع ونحوه فهو في الاخرة وأخره مع ما بعده لبعدهما. قوله: (بسكون الهاء على لفظ الوقف (أقحم لفظاً إشارة إلى أنه أجرى فيه الوصل
مجرى الوقف، أو هو على لغة من يسكن هاء الضمير وهي قراءة أبان وتسكين الراء إفا لما ذكره أو للتخفيف، وقوله: ويؤيد الأوّل وجه التأييد ظاهر، واحتمال كنت بصيراً بالحجج والحيل لا يضر لأنه خلاف الظاهر وقوله إما لهما أي أمال لفظ أعمى في الموضعين، وأبو عمرو أمال ما وقع فاصلة لما ذكر، وقوله من الياء أي منقلبة منها.
تنبيه: تقدم في سورة الإسراء أنه أمال أعمى في الموضعين أبو بكر وحمزة والكسائيّ وخلف لأنهما من ذوات الياء وقرأ ورس فيهما بالفتح وبين اللفظين وقرأ أبو عمرو ويعقوب بإمالة الأوّل لأنه ليس أفعل تفضيل فألفه متطزفة لفظاً وتقديراً والأطراف محل التغيير غالباً لأنها تصير ياء في التثنية وفتحا الثاني لأنه للتفضيل ولذا عطف عليه فألفه في حكم المتوسطة(6/231)
لأن من الجارة للمفضول، كالملفوظ بها، وهي شديدة الاتصال باسم التفضيل، فكان الألف حشوا فتحصنت عن التغيير كما قرّره الفارسيئ، وأوردوا عليه أنهم أمالوا أدنى من ذلك مع التصريح بمن فلان يمال أعمى مقدرا معه من أولى، وقرأ الباقون فيهما بالفتح على الأص!! ، وأمّا أعمى بطه فأماله حمزة والكسائيئ وخلف وأماله بين بين أبو عمر وورش والباقون بالفتح ولم يمله أبو بكر هنا وإن أماله هناك جمعا بين الأمرين اتباعا للأثر وفرق بعضهم بان أعمى في طه من عمي البصر وفي الإسراء من البصيرة، ولذا فسر بالجهل، وأميل ولم يمل هنا للفرق بين المعنيين، قال في الدر والسؤال باق إذ يقال لم خصت هذه بالإمالة وقد قدمنا ما فيه شفاء للصدور. قوله: (أي مثل ذلك فعلت (ويحتمل أن الكاف مقحمة وهو أبلغ كما مر تحقيقه، وقيل تقديره الأمر كذلك وقوله: واضحة نيرة كالمكان النير وهو إما بيان للواقع أو لأن الإضافة تدل عليه لأنه شأن الآيات الإلهية وقوله فعميت فسره به بمقتضى السياق. وقوله: غير منظور إليها أي بعين العبرة، وقوله تركك لأن النسيان يتجوّز به عن الترك إذ معناه الحقيقي لا يصح هنا وقوله بالانهماك تفسير للإسراف وقوله: والنار بعد ذلك أي بعد الحشر على العمى، وقوله: من ضنك العيش ناظر إلى التفسير الأوّل وما بعده ناظر إلى الثاني. قوله: (ولعله إذا دخل الئار الخ) جواب عما يقال إنه إذا بقي العمى كيف يكون عذاب الآخرة أبقى مما عداه وهو تأييد للوجه الثاني إذ حينئذ قوله أبقى لا يصح بالنسبة إلى العمى فالمراد النار والتعبير، بلعل تأذبا لعدم الجزم بمراد الله وبالنسبة إلى قوله ليرى الخ لا لعدم الدليل عليه، وأنه يكفي في عدم بقاء الكل عدم بقاء جزئه، فالكل ينتفي بانتفاء جزئه. قوله: (أو مما فعله من ترك الآيات (هذا وجه
آخر جار على التفسيرين وقوله من ترك الخ بيان لما فلا وجه بتفسيره بأنهه أزيد في الشدة والبقاء من الشدّة التي لحقت الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين في الدنيا وأما عطفه على قوله من العمى فمع مخالفته لما في الكشاف خلاف الظاهر من غير مقتض له. قوله تعالى: ( {أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ} (معناه يبين لهم والمراد ألم يعلموا ومفعوله محذوف أي ألم يبين لهم العير وفعله بمن كذلك أو الجملة بعده كما سيأتي وفي فاعله وجوه أحدها أنه ضمير الله والثاني أنه ضمير الرسول صلى الله عليه وسلم لأنه المبين لهم أو هو ضمير الإهلاك المفهوم من قوله كم أهلكنا الخ والجملة مفسرة له ومفعوله محذوف كما مر، وقوله أي إهلاكنا، تفسير لقوله ما دل عليه الخ والإسناد مجازي. قوله: (أو الجملة بمضمونها) بالجرّ معطوف على الله أي الفاعل هو هذا اللفظ باعتبار دلالته على معناه لا بقطع النظر عنه بناء على وأن الجملة تكون فاعلاً كما تقع مفعولاً إما مطلقاً أو بشرط كون الفعل قلبيا ووجود معلق عن العمل الجمهور على خلافه. قوله: (والفعل على الأوّلين معلق يجري مجرى أعلم) وفي نسخة يعلم لأنّ التعليق يكون لأفعال القلوب أو ما تضمن معناها وهذا من الثاني فهي مفعوله أي ألم يبين الله أو الرسول صلى الله عليه وسلم لهم إهلاكهم بخلافه على الأخيرين فإنها فاعل أو مفسرة له وقوله: ويدل عليه القراءة بالنون أي نهد فإنها تدل على أنها ليست فاعلاً لفظاً أو معنى فإن نون العظمة تأباه كما لا يخفى والمعلق كم لأن لها المصدر. قوله: (يمشون الخ) الجملة حالية من القرون أو من مفعول أهلكنا والضمير على هذا للقرون المهلكة والمعنى أهلكناهم بغتة وهم متقلبون في أمورهم، أو من الضمير في لهم فالضمير للمشركين في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم والعامل يهد والمعنى ما ذكره المصنف فالوجه الثاني مراده، أي فينبغي أن يعتبروا فكني بالمشي عن المشاهدة، وبها عن الاعتبار وليس صفة للقرون، كما توهم. قوله: (لذوي العقول الخ (تفسير للنهي جمع نهية وبيان لوجه التسمية، وقوله التعامي وقع في نسخة المعاصي بدله، وقوله هذه الأتة أي أمة الدعوة الشاملة للكفرة فإنهم يؤخر عنهم عذاب الاستئصال في الدنيا كما وعد الله به في قوله موعدهم الساعة إما إكراماً لنبيه صلى الله عليه وسلم أو لأن من نسلهم من يؤمن به أو لحكمة خفية. قوله: الكان مثل ما نزل بعاد وثمود (يعني أن اسم كان ضمير عائد على إهلاك القرون المفهوم مما قبله وما ذكره بيان للمراد منه فلا يقال إنه لو قال لكان(6/232)
الإهلاك كان أظهر وأقصر للمسافة، واللزام إما مصدر لازم كالخصام وصف به مبالغة أو اسم آلة لأنها تبنى عليه كحزام وركاب واسم الآلة يوصف به
مبالغة أيضا كقولهم: مسعر حرب ولزاز خصم بمعنى ملح على خصمه من لزم بمعنى ضيق عليه ولزمه وجوّز أبو البقاء فيه كونه جمع لازم كقيام جمع قائم. قوله: (أو لعذابهم الخ) قيل عليه إنه على هذا يتخذ مآله بالكلمة التي سبقت فلا يصح قوله للدلالة على استقلال كل منهما إلا أن يكون هذا إشارة إلى ترجيح الوجه الأوّل ويدفع بأنه لا يلزم من تأخير العذاب عن الدنيا أن يكون لهم وقت معين لا يتأخر عنه ولا يتخلف عنه فلا مانع من استقلال كل منهما. وأمّا ما ذكره من الجواب فليس بشيء. قوله: (أو بدر (هذا لا ينافي كون الكلمة التي سبقت هي العدة بتأخير عذاب هذه الأمة إلى الآخرة كما قيل لأن ما سبق هو عذاب الاستئصال ولم يقع يوم بدر. قوله: (ويجوز عطفه على المستكن الخ) أورد عليه أن لزاما إذا كان مصدراً أو جمعاً فلا إشكال فيه أما إذا كان اسم آلة كان يلزم تثنيته فعلى هذا يتعين ما ذكر ليندفع الإشكال واليه أشار المصنف بقوله: لازمين والمراد بالأخذ الهلاك والعذاب وهو بصيغة المصدر. قوله: (فاصبر الخ) أي إذا لم نعذبهم عاجلاً فاصبر فالفاء سببية والمراد بالصبر عدم الاضطراب لما صدر منهم، لا ترك القتال حتى تكون الآية منسوخة وقوله: وصل تفسير لسبح وقوله: وأنت حامد إشارة إلى أنّ قوله: {بِحَمْدِ رَبِّكَ} حال وقوله على هدايته وتوفيقه مأخوذ من السياق. قوله:
(أو نزهه عن الشرك الخ) هذا رجحه الإمام على الآخر وقيل عليه لا وجه حينئذ لتخصيص هذه الأوقات بالذكر وأجيب بأنّ المراد بذكرها الدلالة على الدوام كما في قوله: {بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ} مع أن لبعض الأوقات مزية لأمر لا يعلمه إلا الله، ورد بأنه يأباه من التبعيضية في قوله: {وَمِنْ آنَاء اللَّيْلِ} [سورة طه، الآية: 26 ا] على أنّ هذه الدلالة يكفيها أن يقال قبل طلوع الشمس وبعد، لتناوله الليل والنهار فالزيادة تدل على أنّ المراد خصوصية الوقت ولا يخفى أن قوله من آناء الليل له متعلق آخر وهو سبح الثاني فليكن الأوّل للتعميم والثاني لتخصيص بعضه اعتناء به كما أشار إليه المصنف نعم يرد على علاوته أن التنزيه عن الشرك لا معنى لتخصيصه إلا إذا أريد به أن يقول سبحان الله مريدا ما ذكر وقيل: إنه على هذا يكون المراد من الحمد الصلاة والظرت متعلق به فتظهر حكمة التخصيص وهو صلح من غير تراضي الخصمين إذ كلام المصنف رحمه الله صريح في خلافه فتأمل. قوله: (على ما ميزك بالهدى (أي ميزك عمن لم يتبع الهدى وهو المحمود عليه وتعيينه نشأ من المقام وقوله: معترفا الخ هو المحمود به ويدل على عموم الجميل إضافة الحمد إلى الله، وعدم ذكر محمود عليه وقوله: (يعني الفجر) أي
صلاة الفجر وهذا على التفسير الأوّل والمراد بآخر النهار نصفه الأخير وكون المراد العصر أظهر. توله:) جمع أتي الخ (ذكروا في واحده أنا وأناء بفتح الهمزة وكسرها وأني وأنو بالياء والواو وكسر الهمزة ومثله آلاء بمعنى النعم وفي مفرده هذه اللغات بعينها كما ذكره الواحدي وأما قوله: أناء بالفتح والمد فقيل إنه لم يوجد في كتب اللغة. قلت قال في المصباج آنيته بالفتح والمذ آخرته والاسم إناء بوزن سلام والتاني بمعنى التأخير إلى وقت آت فهو من هذه المادة بعينها. قوله: (وإنما قدّم الزمان فيه (يعني تقديم قوله من آناء الليل على قوله: فسبح الذي تعلق به وقد أخر متعلق سبح السابق للاهتمام به لا للحصر كما توهمه عبارة الاختصاص فإنه لو أريد ذلك ذكر اختصاصه بالتسبيح لا بمزيد الفضل المذكور وأقحم مزيد لما في غيره من الأوقات المذكورة من الفضل وفي هذه الفاء ثلاثة أوجه أنها عاطفة على مقدر أو في جواب شرط مقدر أو متوهم أو زائدة وليس في كلام المصنف رحمه الله تعرض لها أصلاً فمن قال إن المصنف رحمه الله يعني أن الفاء زائدة فائدتها الدلالة على لزوم ما بعدها لما قبلها لم يأت بشيء إذ لا حاجة إلية، وهذه الفاء لا تمنع عمل ما بعدها فيما قبلها كما صرح به النحاة فلا حاجة لدعوى زيادتها هنا كما لا حاجة إلى تقدير الشرط الذي ذكر بعضهم هنا ومزيد الفضل، أما لنفس الوقت إذ لا مانع منه أو لما وقع فيه من الصلاة والتسبيح وقوله: اجمع أي أكثر جمعيه بمعنى جمعية خواطره وتوجهه والإسناد مجازي وقوله: والنفس أميل إلى الاستراحة وجه(6/233)
الفضيلة فيه ما بعده وأحمز بالحاء المهملة والزاي المعجمة بمعنى أشق وأقوى، وناشئة الليل الصلاة الناشئة فيه وأشد وطأ أي أشق وأثبت، وقيلا أي قراءة لعدم الشواغل وسيأتي تفسيرها ودلالتها على ما ذكر ظاهرة. قوله: (تكرير لصلائئى الصبح والمغرب (إن قيل: ليت شعري لم لم يذكر العصر بدل المغرب وقد فسر به هو طرفي النهار في هود والعصر لما فيه من مزيد الفضل لأنه المناسب للتكرير. قلت: الطرف ما ينتهي به الشيء منه وهو أوله وآخره وما ينتهي عنده الشيء مما يلاصقهما وهو حقيقة في الأوّل لكنه شائع في الثاني فهو يحتملهما في الآيتين فحملهما هنا على الثاني ليكونا على وتيرة واحدة بناء على أن ابتداء النهار طلوع الشمس لا الفجر وفسرهما هناك بالصبح والعصر وأشار إلى وتت الظهر كما مر وأدخل صلاة الليل في الزلف ليشمل الأوقات وأراد بالطرفين معناهما الأوّل بناء على أن أول النهار الفجر فهما على وتيرة واحدة خلافا لمن توهم خلافه ومزيد فضل العصر لا يستلزم إعادتها لأنه صرح به في آية أخرى {وَأَطْرَافَ النَّهَارِ} بالنصب في قراءة الجمهور معطوف على محل قوله: {مِنْ آنَاء اللَّيْلِ} وقوله: إرادة الاختصاص قيل إنه للعهد أي لبيان إرادة اختصاصهما بمزيد فضل والظاهر أن المراد الاختصاص بالذكر بعد
التعميم اهتماما كذكر جبريل بعد الملائكة لضيق وقت المغرب وكون الصبح وقت النوم وبه صرح به الكشاف. قوله: (ومجيئه بلفظ الجمع) مع أنّ المراد اثنان لا من اللبس إذ النهار ليس له إلا طرفان والمرجح مشاكلته لآناء الليل. قوله: (ظهراهما مثل ظهور الترسين (جعله في الكشاف نظيراً والمصنف رحمه الله مثل به بناء على ظاهره إذ جمع في محل التثنية، كما هنا ووجه ما في الكشاف أنّ ذلك الشيء وما نحن فيه شيء آخر فإنه من قبيل ما أضيف فيه مثنى لمثنى هو جزؤه أو كالجزء والعرب لما استثقلوا فيه جمع تثنيتين جوّزوا فيه الأفراد والجمع عند أمن اللبس كما ذكره النحاة كقوله: {فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} وهو من أرجوزة للعجاج قبله:
ومهمهين فدفدين مرتين
وبعده:
جئتهما بالنعت لا بالنعتين
والمهمه المفازة البعيدة والفدفد الأرض المستوية والمرت ما لا نبات ولا ماء فيه وهو المراد بقوله: (ظهراهما (الخ والمراد وصف نفسه بالجراءة على الإسفار وأنه يعرف القفار بوصفها له مرة واحدة ومهمهين مجرور برب مقدرة. قوله: (أو أمر بصلاة الظهر (معطوف على قوله: تكرير أي قوله: {أَطْرَافَ النَّهَارِ} باعتبار أنه معمول سبح أتى به للأمر بصلاة الظهر وقوله: فإنه الخ بيان لوجه إطلاقه عليها إطلاق الزمان على ما فيه وجمعه فإنه نهاية النصف الأوّل وبداية الثاني ففيه بهذين الاعتبارين تعدد فلذا جمع ولا يخفى بعده لأنّ البداية والنهاية فيه ليست على وتيرة واحدة لأنه نهاية باعتبار أنه انتهى عنده وليس منه وبداية باعتبار ابتدائه منه. قوله: (أو لآن النهار جنس (أي تعريفه للجنس الشامل لكل نهار فجمع أطراف باعتبار تعدد النهار وأنّ لكل طرفا وفيه أيضا أن إطلاق الطرف على طرف أحد نصفيه تكلف فإنه ليس طرفاً له بل لنصفه فلا وجه لمن قال إنه أوجه وكذا قوله بالتطوّع في أجزاء النهار لما فيه من صرف الأمر عن ظاهره وآخر النهار ليس محل التطوع لما فيه من وقت الكراهة. قوله: (متعلق بسبح (المراد النعلق المعنوي وقوله: طمعا إشارة إلى أن الترجي من المخاطب لا من الله لاستحالته في حقه وما به ترضى نفسك هو الثواب وما يتبعه، وإرضاء الله له إعطاؤه ما يجب ويرضى. قوله: (أي نظر عينيك (إشارة إلى تقدير مضات أو تجوز في النسبة لأنّ المذ تطويل النظر
للاستحسان والإعجاب وتمنى مثله فاستحساناً متعلق بلا تمدن أو بالنظر. قوله: (أصنافاً من الكفرة (تفسير لأزواجا واشارة إلى أن من بيانية، وقوله: أن يكون أي أزواجاً والضمير ما في قوله به وقوله: المفعول منهم أي لفظ منهم على أنّ من تبعيضية وتأويلها باسم وهو بعض وقوله وهو أصناف تفسير للحال وبعضهم بالنصب هو المفعول وناساً منهم تفسير له واشارة إلى أنه صفة للمفعول في الأصل وقال: المعرب أزواجا مفعول به أو حال من ضمير به. قوله: (دل عليه متعنا) كجعلنا أو ملكنا أو آتينا لدلالة التمتع عليه وإذا ضمن معنى أعطينا نصب مفعولين وهما أزواجاً وزهرة وقوله: أو بالبدل من محل به وهو النصب وقد ضعفه ابن الحاجب في أماليه لأن إبدال منصوب من محل جار(6/234)
ومجرور ضعيف كمررت بزيد أخاك ولأن الإبدال من العائد مختلف فيه وكذا إذا بدل من ما الموصولة وقوله: بتقدير مضاف أي ذا زهرة أو أهل وعدم التقدير يجعلهم نفس الزهرة مبالغة أو على كون أزواجاً حال بمعنى أصناف التمتعات والأوّل ضعيف لأن مثله يجري في النعت لا في البدل لمشابهته لبدل الغلط حينئذ والزهرة النور والبريق منه إلا نجم الزهر وفيه كما قال: المعرب تسعة أوجه منها أنه تمييز وصفة أزواجا وقد رذا لتعريف التمييز وتعريف وصف النكرة.
قوله: (أو بالذم (أي أذمّ زهرة الحياة الدنيا قيل يأباه المقام لأن المراد أنّ النفوس مجبولة
على النظر إليها والرغبة فيها ولا يلائم تحقيرها ورد بأن في إضافة الزهرة إلى الحياة الدنيا كل ذمّ وما ذكر من الرغبة من شهوة العقول القاصرة التي لم تنظر بعين الهداية ونور التوفيق. قوله: (وهو لغة كالجهرة في الجهرة (قال ابن جني: في المحتسب مذهب أصحابنا في كل حرف حلق ساكن بعد فتحة أنه لا يحرك إلا على أنه لغة كنهر ونهر وشعر وشعر ومذهب الكوفيين أنه يطرد تحريك الثاني لكونه حرفا حلقياً وإن لم يسمع ما لم يمنع منه مانع كما في لفظ نحو لأنه لو حرّك قلبت الواو ألفاً، وقوله: أو جمع زاهر ككافر وكفرة وقوله: وصف أي نعت لأزواجاً على هذا الوجه أو حال لأن إضحافته لفظية وفيه تأمل، وزاهر والدنيا أي زاهرون بالدنيا فسقطت نونه للإضافة وزاهرون بمعنى منعمين كما أشار إليه، وبهاء بمعنى حسن وبهجة والزي الهيئة
وقوله: {لِنَفْتِنَهُمْ} متعلق بمتعنا وفسره بنختبرهم وهو ظاهر أو بنعذبهم أنه من الفتن وهو إذابة الفضة والذهب كما مرّ وقوله: بسببه أي بسبب ما متعناهم به. قوله: (واصطبر عليها ودوام الخ) فسر الصبر بلازم معناه وفيه إشارة إلى أنّ العبادة في رعايتها حق رعايتها مشقة على النفس. قوله: (ولا أهلك نحن نررّقك واياهم) إشارة إلى أن الحكم عامّ في الموضعين وان كان في صورة الخاص لخصوص الخطاب لأنّ رزقه رزق لأهله وا-دباعه وكفايته كفاية لهم فلذا ذكرهما في الموضعين وإن لم يذكرا في النظم فلا وجه لما قيل إنه لا وجه له ولا حاجة إليه والمراد بالعموم هنا شمول خطاب النبيّ صلى الله عليه وسلم هنا لأهله كما ذكره المصنف لا لجميع الناس، فمن قال لو كان الحكم عاما لرخص لكل مسلم المداومة على الصلاة وترك الاكتساب وليس كذلك، فالحكم خاص. كالخطاب لم يصب والعاقبة المحمودة أعم من الجنة أو هي المراد هنا وقوله: لذوي التقوى قدره لموافقة قوله: في آية أخرى للمتقين ولو لم يقدر صح وقوله: روي الخ رواه البيهقي والطبري، والضرّ هنا الفقر وأمرهم بالصلاة لإزالته كما مرّ. قوله: (أو! بآية عقترحة) من كل ما اقترحوه لا على التعيين، حتى يقال الت! نكير ينافيه وانكاراً علة لقالوا وقوله: للاعتداد معطوف على لما جاء به وتعنتا وعنادا تعليل للإنكار المعلل به القول وقوله: فألزمهم أي الله توطئة لقوله: {أَوَلَمْ تَأْتِهِم} الخ وما ذكره من كون القرآن أمّ المعجزات أي أصلها وأعظمها وأبقاها ظاهر في نفسه، وأنما الكلام فيما نوره المصنف رحمه الله به. قوله: (لأن حقيقة المعجزة اخكصاص مدّعي الخ) فيه تسمح لأنّ المعجزة هي الخارق نفسه، والمراد اختصاصه دون من تحداه والمبراد بالعلم ما لم يكن بمزاولة الجوارج المعشادة، وكون العلم أصل العمل لأنه ما لم يتصوّر شيء لم يصنع وهذا وجه كونه أما، وعلو قدره وجه لأعظميته وما بعده لبقائه والمراد ببقاء أثره بقاء ما يدل عليه غالباً وهو الألفاظ وقوله: ما كان من هذا القبيل أي آثار العلم والمراد به القرآن فما قيل إنّ بقاء القرآن محسوس لا يحتاج لدليل، وسيما وما ذكره لا يفيده لأنّ بقاء أثر العلم لا يستلزم بقاءه كما نشاهده من الطلسمات الباقية دون علمها، والمدعي بقاء القرآن نفسه وعلوه بضمه إلى الإعجاز أنواع العلوم والمغيبات وهو ظاهر، لكق ليس في كلامه ما يفيد أصالته إلا أن يراد أصالة جنسه وهو مع بعده غير مختص به
من قلة التأمل. قوله: (وئبههم الخ (أبين بمعنى أبعد ولذا عداه بعن وفي نسخة من بدلها فهو بمعنى أظهر والمراد بهذا الباب باب الألفاظ الدالة على العلوم أو باب العلم وهو معطوف على قوله: ألزمهم والمراد كونه بينة ومهيمنا على ما تقدمه من الكتب السماوية فإنه انفرد به عما عداه. وقوله: اشتمالها الضمير للبينة والمراد بها القرآن لأنّ آياته مبينة لما ذكر، وضمير فيها للصحف وقيد الأحكام بالكلية والمراد بها(6/235)
النصائح المجملة لمخالفته لها في الجزئيات ونسخة لأكثرها. وقوله فإنّ الخ تعليل لكونه أبين وقوله الآتي بها أي بالمعجزة أو البينة على ما هو أبين مما ذكر كونه الآتي بها وحاله في الأمية معلوم، وذكر أنها بينة أي مبينة لما في الكتب مما ذكر وهذا زائد على إعجاز نظمه ومعناه المخبر عن المغيبات. قوله: (وفيه إشعار الخ) أي في جعله بينة ما في الصحف أي مثبتا لها إثبات البرهان لتصريحه بأنها صادقة وموافقته فيما ذكر مع إعجازه الدال على حقيته، فيلزم منه حقيتها أيضا والمراد بالتخفيف التسكين، وكونه من قبل محمد! ي! بقرينة ما بعده من ذكر الرسول، وأمّا الوجه الآخر فهو أظهر لولا تذكير الضمير ووجهه ما ذكر ويجوز عوده على الإتيان المفهوم من الفعل. وقوله بالبناء للمفعول أي في نذلّ ونخزي كما ذكره المعرب. قوله: (وقرئ السواء (هي قراءة أبي مجلز وعمران وهي شاذة وقوله الجيد تفسير للوسط لأنه متجوّز به عنه كما قيل خير الأمور أوسطها وقد مرّ تحقيقه والسوأى بالضم والقصر على وزن فعلى باعتبار أنّ الصراط يذكر ويؤنث وهي قراءة يحيى بن يعمر وغيره وهي شاذة أيضا والسوء بفتح فسكون، وآخره همزة بمعنى الشرّ قراءة ابن عباس رضي الله عنهما. قوله: (والسويّ وهو تصغيره (أي قرئ بضم السين وفتح الواو وتشديد الياء وهو تصغير سوى بالفتح كما ذكره المصنف رحمه الله. وقيل تصغير سوء بالضم ولا يرد على هذه القراءة أنه لو كان كذلك لثبتت الهمزة فهو تصغير سواء كما قيل في عطاء عطيّ لأن إبدال
مثل هذه الهمزة ياء جائز. قوله: (ومن في الموضعين للاستفهام) فهو من عطف الإنشاء على مثله والجملة معلق عنها سادة مسد المفعولين وهو من عطف الجمل لا المفردات، كما توهمه عبارة بعضهم وقوله: لعدم العائد أي المذكور لفظا وحذفه مع عدم طول الصلة في غير أفي ممنوع عند أكثر النحاة ومن قال به جوّزه وقال: يقدر عائد أي من هم من، صحاب الصراط الخ. قوله: (على أنّ العلم بمعنى المعرفة (فيتعدى لواحد ولولاه لزم حذف أحد المفعولين اقتصاراً وهو غير جائز ويجوز تعليق كل فعل تلبيّ، وأجاز بعضهم تعليق أفعال الحواس لكونها طريق العلم وجوّز يون! رحمه الله تعليق جميع الأفعال. قوله: (على أنّ المراد به النبتي صلى الله عليه وسلم الخ) وليس من عطف الصفات على الصفات لاتحاد الذات كما قيل لأنه ليس المراد بالصراط السوى النبيّ صلى الله عليه وسلم وإن صح. قوله: (وعنه صلى الله عليه وسلم الخ (هو موضوع من حديث أبيّ بن كعب المشهور وفي تفسير القرطبي عن ابن مسعود رضي الله عنه الكهف ومريم وطه والأنبياء من العتاق الأول وهي من تلادى أي من قديم ما حفظته ومن أوّل ما نزل من القرآن كالمال التلاد أي القديم وخص المهاجرين والأنصار لدخولهم في من اهتدى دخولاً أوّلياً تمت السورة بحمد الله ومنه وعونه (وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم (.
سورة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام
بسم الله الرحمن الرحيم
سميت سورة الأنبياء لذكر قصصهم فيها. وقوله أنها مكية، استثنى منها في الإتقان {أَفَلَا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا} الخ وقوله: واثنتا عشرة آية في التيسير إحدى عشرة آية والأوّل عد الكوفي والثاني عد الباقين كما قاله الداني في كتاب العدد وقد ذكروا عدد حروفها وكلماتها وليس بلازم. قوله: (بالإضافة إلى ما مضى) اقترب افتعل من القرب ضد البعد ويكون في المكان والزمان كما قاله الراغب ثم استعمل في النسب والحظوة والرعاية كقوله: {عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ} والمراد هنا قرب الزمان، ولما كان دون وقوعها زمان طويل جداً أشاروا إلى تأويله بأنه قرب نسبيّ بالنسبة إلى ما مضى من عمر الدنيا فإنّ الباقي منها كصبابة الإناء ودردقي الوعاء كما ورد في الآثار. قوله: (أو عند الله) توجيه آخر أي المراد قربها عند الله والدليل عليه قوله عز وجل: {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَن يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ} [سورة الحج، الآية: 47] وعند الله كما عرفت في استعمالهم إمّا بمعنى في علمه الأزلي أو في حكمه وتقديره فالمراد(6/236)
بالقرب تحققه في علمه وتقديره ولذا عبر عنه بصيغة الافتعال الماضية من القرب، وأتى بعند الدالة عليه وضعا فما قيل عليه لا عند الله إذ لا نسبة للكائنات إليه بالقرب والبعد غفلة، أو تغافل عن المراد إذ ليس المراد بالعندية الدنوّ والاقتراب المعروف، بل ما ذكرناه ومن لم يفهم ذلك من أهل العصر قال المراد قرب الحساب للناس فإنه المناسب للمقام وتخويف الناس. وأمّا ما قيل في ردّه بأنه منتقض بقوله: {وَنَرَاهُ قَرِيبًا} وأمناً له وأنه لا يلزم من انتفاء نسبتها إليه بالبعد والقرب لأنه لا يجري عليه زمان أن لا يكون كله حاضراً عنده، وهو المراد بالقرب فلا محصل له وكأنه يريد ما ذكرناه فتأمّل. قوله: (أو لأن كل ما هو آت قريب (هذا أيضاً محصله أنّ المتحقق الوقوع بمنزلة المترقب القريب، لكنه بقطع النظر عن الله والنظر إلى ما في نفس الأمر وعند الناس ولذا قيل:
فلا زال ما تهواه أقرب من غد ولا زال ما تخشاه أبعد من أمس ...
وانقرض معناه انقطع والمراد به هنا وقع ومضى. ومن الغريب هنا ما قيل إنّ في إسناد الاقتراب المبنيّ على التوجه نحوهم إلى الحساب مع إمكان العكس، بأن يعتبر التوجه من
جهتهم نحوه تفخيما وتهويلاً له لتصويره بصورة مقبل عليهم لا يزال يطلبهم فيصيبهم لا محالة، ومعنى اقترابه دنوّه منهم فإنه في كل ساعة أقرب مما قبلها، وأمّا الاعتذار بما ذكر المصنف رحمه الله فلا تعلق له بما نحن فيه من الاقتراب المستفاد من صيغة الماضي ولا حاجة إليه في تحقيق أصل معناه، نعم قد يفهم منه عرفا كونه قريباً في نفسه أيضاً فيصار إلى التوجيه بالوجه الأوّل دون الأخيرين أمّا الثاني فلا سبيل إلى اعتباره هنا لأنّ قربه بالنسبة إليه تعالى لا يتصوّر فيه التجدد والتفاوت حتما وإنما اعتباره في قوله تعالى: {لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ} [سورة الورى، الآية: 7 ا] ونحوه مما لا دلالة له فيه على الحدوث وأمّا الثالث فلا دلالة فيه على القرب حقيقة ولو بالنسبة إلى شيء آخر فليت شعري هل أتى بشيء زائد على ما ذكره الشيخان وهل هو الأبسط لأحد الوجوه مع زيادة نكتة في الإسناد وأمّا ما ذكره من التجدد فعلى طرف التمام. قوله: (واللام صلة لاقترب الخ (أي الظرف لغو متعلق بهذا الفعل لذكر المقترب منه بخلافه على الثاني. قال: في الكشف لا تخلو اللام من أن تكون صلة لاقترب على معنى اقترب من الناس لأن معنى الاختصاص وابتداء الغاية كلاهما مستقيم ويحصل به الغرض. وأمّا إذا جعلت تأكيداً للإضافة فالأصل اقترب حساب الناس، لأنّ المقترب منه معلوم واللام مؤكدة للاختصاص الإضافي، فاللام على الأوّل لتعدية القرب المتعدّي في الأكثر بمن وجعل من فيه للابتداء لأنه أشهر معانيها، ولم يجعلها بمعنى إلى كما في الجني الداني وغيره لأنه لا حاجة إليه وإذا كانت لتأكيد إضافة الحساب إليهم كما في قولهم لا أبا لك فالظرف مستقرّ كما في الكشاف والظاهر أنّ المراد منه معناه المشهور أي اقترب حساب كائن للناس. فالجار والمجرور حال مؤكدة وما قيل من أنه على هذا الوجه لغو أيضا، لكنه سماه مستقرّا باعتبار أنه ظرف متعلق بالعامل، فهو من الخاص الذي أريد به العام واستعمل في موضعه مجازاً، وقد أطلق الزمخشري المستقرّ على المعمول وإن لم يكن ظرفا حيث قال في قوله: {وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} أنّ قواما مستقر فإطلاقه على هذا غير بعيد منه فتكلف بعيد لا أدري ما دعاهم لارتكابه، وجعل اللام مؤكدة للإضافة وإن كان المعروف أن الثاني تكرير فهو المؤكد لأنّ كل واحد من اللام والإضافة مغن عن الآخر، فإذا جمع بينهما صح أن يقال في كل منهما أنه مؤكد للآخر مع أنه في نية التأخير فهو ثان تقديرا فاندفع ما قيل إنّ التأكيد يكون متأخراً عن المؤكد. وقيل إنه يجوز أن يكون التقدير اقترب لمجازاة الناس حسابهم على أن للناس مفعولاً له. وبقي هنا كلمات طويلة بلا طائل وقد اكتفينا من القلادة بما أحاط بالعنق. قوله: (واصله اقترب حساب الناس) يعني أنه كان حق التعبير عنه بطريق المساواة لهذا على ما عليه مدار تراكيب أوساط الناس ثم قدر أنه عدل عنه لما هو أبلغ منه وهو اقترب للناس الحساب لما فيه من الإجمال والتفصيل والإبهام والتفسير إذ ذكر الحساب ثم بين لمن هو وقدم بيانه للاهتمام به أو ذكر(6/237)
أمرا مفترياً ثم عيته بالحساب ثم عدل عن هذا عدولاً تقديريا إلى ما في النظم لما في قوله: {اقْتَرَبَ
لِلنَّاسِ} من الإجمال ثم البيان للمقترب منهم بأنه الحساب على وجه التأكيد والتصريح بإضافته لضميرهم كما قالوا: أزف للحيّ رحيلهم. وليس هذا بأمر لازم من جهة العربية ولا من جهة تصحيح المعنى وإنما هو بالقياس إلى تراكيب الأوساط والأعالي. قوله: (وخص الناس بالكفار الخ) قيل إنّ قوله: {وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ} الخ من قبيل نسبة ما للبعض إلى الكل فلا ينافي كون تعريف الناس للجنس كما في قوله: {وَيَقُولُ الْإِنسَانُ أَئِذَا مَا مِتُّ} الخ واعترض عليه بأنه نسي ما قدمه في سورة مريم من أنه لا يحسن إسناد فعل أو قول صدر من البعض إلى الكل إلا إذا صدر عنهم بمظاهرتهم أو رضا منهم، ووجه التخصيص الذي ذكره المصنف رحمه الله أنه مأثور عن ابن عباس كما في الكشاف وغيره، وحاول بعض فضلاء العصر التوفيق بين كلاميه بالفرق بين المقامين بأن ما مر فيما إذا لم يكن من صدر عنه الفعل أو القول كثيراً أو أكثر وما هنا في الكثرة فإنها تعطي حكم الكل بدون شرط إلا أن هذا القائل وقع بين كلاميه في سورة طه وسورة السجدة تدافع حيث قال في تفسير قوله تعالى: {أَئِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ} الآية لا حاجة إلى رضاهم بقوله: في الإسناد إليهم بل يكفي وجود القول منه كقوله: {وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً} [سورة البقرة، الآية: 72] الآية ورد على المصنف قوله القائل أبيّ بن خلف واسناده إلى جميعهم لرضاهم، وأما حمله على إرادة التنافي بين كلامي المصنف حيث فهم مما ذكره في طه عدم ذلك فلا يساعده سياقه، ثم إن قياس قوله تعالى: {وَقَالُوا أَئِذَا ضَلَلْنَا} [سورة السجدة، الآية: 0 ا] على قوله: {وَإِذْ قَتَلْتُمْ} غير تام فإن القتل هناك لما وقع بينهم ولم يعلم القاتل حتى احتمله كل واحد منهم أسند إليهم مع رعاية مشاكلة الجميع الواقعة معه ودلالة التقييد بالأوصاف المذكورة على تخصيص! الناس إنما هو على تفسيرها بما لا يشمل عصاة المؤمنين وهو محتمل والحق أنّ اشتراط ما ذكر ليس بلازم، وإنما اللازم وجه ما كتنزيل البعض منزلة الكل حتى يحسن الإسناد له كرضاهم أو كثرتهم أو عدم تعينهم وشيوعه فيهم إلى غير ذلك من المحسنات. قوله: (في غفلة من الحساب (قيده به لمناسبته لما قبله ولأنّ من غفل عن مجازاة لله له المرادة من الحساب صدر عنه كل ضلالة وكل جهالة فلا وجه لما قيل إن الحق أن يعممه لكل غفلة عما لا ينبغي الغفلة عنه، ولما بين الغفلة التي هي عدم التنبه والإعراض! الذي يكون من المتنبه من التنافي قال في الكشاف مشيراً لدفعه وصفهم بالغفلة مع الإعراض على معنى أنهم غافلون عن حسابهم ساهون لا يتفكرون في عاقبتهم ولا يتفطنون لما ترجع إليه خاتمة أمرهم مع اقتضاء عقولهم، أنه لا بد من جزاء للمحسن والمسيء وإذا قرعت لهم العصا ونبهوا عن سنة الغفلة وفطنوا لذلك بما يتلى عليهم من الآيات والنذر أعرضوا وسدوا أسماعهم، ونفروا وقرّر إعراضهم عن تنبيه المنبه وايقاظ الموقظ بأن الله يجدد لهم الذكر الخ. وحاصله أنه يتضمن دفع ذلك بوجهين، أوّلهما إن غفلتهم عن الحساب وإعراضهم عن التفكر في عاقبتهم،
وأمر خاتمتهم مع اقتضاء العقل لخلافه وهذا ما أشار إليه في أوّل كلامه ولما فيه من رائحة الاعتزال بالإيماء إلى الحسن والقبح العقليين غيره المصنف رحمه الله إلى ما ذكره من أن الغفلة عن الحساب والإعراض! عن التفكر فيه، فلم يتواردا على محل واحد ليحصل التنافي وثانيهما أنّ الغفلة عن الحساب في أوّل أمرهم والإعراض بعد قرع عصا الإنذار وهو على وفق ترتيب النظم واليه أشار بقوله وإذا قرعت الخ وهذا لم يذكره المصنف فإن تلت كلامه يدلّ على أنّ حالهم المستمرّة الغفلة والإعراض! إنما يكون إذا قرعت لهم العصا فكيف هذا وهم معرضون اسمية دالة على الثبوت، قلت لما تكرّر منهم الإعراض حسب تكرار المنبه وقرع العصا جعل كالحال المستمرّة، واليه أشار بقوله: وقرر إعراضهم، وأمّا تمكنهم من الغفلة فمن لفظ في غفلتهم الدال على استقرارهم فيها استقرار الظرف في مظروفه، وإن كان في إفادة الاسمية التي خبرها ظرف للثبوت كلام ووقوعه بعد المنبه من الترتيب وقرينة العقل. وقيل إنّ مراد المصنف رحمه الله أنهم معرضون عن النظر إذا نبهوا عن سنة الغفلة، وذكروا بما يؤول إليه المحسن والمسيء فاندفع توهم التنافي بين الخبرين مع أنّ(6/238)
الغافل عن الشيء المصدق الجازم بعدمه ربما يتفكر فيه فتحصل الطمأنينة وربما يعرض عن التفكر فلا حاجة إلى هذا إلى التقييد بالقيد المذكور لدفع التوهم، ولا يخفى ما في كلامه وكلام المصنف رحمه الله تعالى لأنّ الغافل عن الشيء كيف يتفكر فيه ولو جزم بعدمه لم يكن غافلاً عنه، وأنه لا يجزم بعدمه إلا بعد تصؤره وقد قال المصنف في تفسيره قوله تعالى: {وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَن يُنِيبُ} [سورة غافر، الآية: 13] أي يرجع عن الإنكار بالإقبال عليها فإنّ الجازم بشيء لا ينظر فيما ينافيه، ولذا جعل أكثرهم كلام الزمخشريّ جوابا واحداً وحمل كلام المصنف عليه فقوله: لا حاجة إلى التقييد غفلة عن هذا فإن حملت الغفلة هنا على الجهلة والحماقة أو الإهمال، وكذا إن حمل الإعراض على الاسترسال في الغفلة ونحوه لم يرد ذلك ولكنه شيء آخر لم ينظروا إليه وربما يقال: إنّ في قوله سنة الغفلة والجهالة إشارة إليه فتأمل. قوله: (ويجوز أن يكون الظرف حالاً الخ (في كلامه إشارة إلى ضعفه كما في الكشف أن فائدة إيراد الآية جملة ظرفية ما في حرف الظرف من الدلالة على التمكن وايراد الثاني وصفا مستقلا دالاً على نوع تجدد ومنه يظهر ضعف الحمل على أنّ الظرف حال قدمت. قوله: (تنزيله ليكرّر على أسماعهم (صرف الحدوث إلى نزوله لأنه المناسب للمقام وذكر التنزيل لموافقته للتكرير، وفيه ردّ على المعتزلة إذ استدلوا بهذه الآية على حدوث القرآن وقوله على المحل لأنه فاعل ومن زائدة وقيل إنها تبعيضية وهو بعيد وقوله: {إِلَّا اسْتَمَعُوهُ} استثناء مفرغ من مفعول ما يأتيهم محله النصب على أنه حال لا صفة
واضمار قد وعدمها في مثله مختلف فيه. قوله: (وكذلك لاهية) أي هي حال من الواو فهي مترادفة على ما بعده فهي متداخلة وقوله جامعين الخ الجمعية تفهم من جعلهما حالين من شيء وأحد. والذهول عن التفكر من إسناد اللهو إلى القلوب وأيضاً اللاهية من لها عنه إذا ذهل وغفل، يعني أنهم وان فطنوا فهم في قلة جدوى فطنتهم كأنهم لم يفطنوا أصلا كذا في الكشاف، وهو دفع لما يتوهم من أنّ الغظة المذكورة قد زالت بقرع عصا النذر فهذا ترق لإفادة أنّ تنبههم ب! منزلة العدم فتأمّل. قوله: (بالنوا في إخفائها) يعني أنّ النجوى السرّ وهي ما يسز فلا يفيد ذكر أسرّوا فأجاب: أوّلاً على اختيار كونها اسماً بأنّ معنى أسرّوا بالغوا في إخفاء الخفيّ، كما يقال: كتم كتمانه وثانيا على أنها مصدر بمعنى التناجي، فالمعنى أخفوا تناجيهم بأن لم يتناجوا بمرأى من غيرهم. والفرق بينهما ظاهرم لأنها على الأوّل الاسم وعلى الثاني مصدر ومعنى لأته لا يلزم من مبالغة الإخفاء الخلوّ عن الناس ولا يلزم من الخلوّ المبالغة في الإخفاء فلا يتوهم أنّ أحدهما مغن عن الآخر. قوله: (للإيماء بأنهم ظلموا فيما أسروا به) تقييد الظلم بما ذكر بقرينة السياق وقوله لعلامة الجمع أي حرف دال على الجمعية كواو قائمون وتاء قامت وهذه لغة لبعض العرب، وليست شاذة ولا مستهجنة، وكونه مبتدأ لا ضير فيه ولا لبس بمنع من تأخيره كما في زيد قام. قوله: (وأصله وهؤلاء أسروا النجوى) هكذا في الكشاف مع قوله: ووضع الظاهر موضع الضمير وهو يوهم أنّ هؤلاء ضمير وليس كذلك بل هو اسم إشارة فهو بيان الحاصل المعنى مع نوع تسمح لمشابهة اسم الإشارة للضمير في تعلقه بما قبله، فعبر به للدلالة على أنّ القصد إلى الحكم على المذكورين لا أنّ الموض! ع موضع اسم الإشارة. وقوله: فوضع الخ يعني أنّ الموضع موضع الإضمار وعدل عنه لما ذكر وقوله منصوب على الذم أي بفعل مقدر. قوله: (بأسره) أي هذا الكلام بجملته. وقيل إنه منصوب بالنجوى نفسها لأنها في معنى القول وقيل إنه منصوب بمقدر أي قائلين هل هذا الخ وقوله واستلزموا أي عدوّه لازما لعدم ثبوته. وقوله: فأنكروا حضوره أي الحضور عنده وفي محل ظهر منه ذلك وهو
إشارة إلى أن الهمزة للاستفهام الإنكاري وأن تأتون بمعنى تحضرون. وقوله: ما يهدم أمره وفي نسخة من أمره أي يبطله ويزيله. وقوله: عامة أي كلهم لأنه من ألفاظ العموم، بمعنى كافة ذكره ابن مالك. قوله: (فضلاً عما أسروا به) ذكر الشريف أنّ فضلا منصوب بفعل لازم ومتوسط بين أدنى وأعلى للتنبيه بنفي الأدنى واستبعاده على نفي الأعلى، واستحالته ولا بد قبله من نفي صريحا أو ضمنا مقدراً(6/239)
أو ملفوظا فحينئذ قوله: جهوا أو سراً بتقدير لا يخفى عليه قوله ش جهرا أو سراً وقيل يعلم بمعنى لا يجهل ولا وجه له وفي شرح المفتاح للعلامة أن أكثر استعماله أن يجيء بعد نفي فلا حاجة حينئذ إلى ما ذكر وقال أبو حيان: أنه لم يرد هذا التركيب في كلام العرب وفيه كلام طويل في شرح المفتاح ولابن هشام فيه تأليف مستقل. قوله: (وهو اكد من قوله قل أنزله الخ) وجه كونه آكد أن القول شامل للسر والجهر بل لحديث النفس كما ذكره الراغب فيكون أعم فيدخل فيه السر وغيره، فهو من جهة عمومه آكد من ذكر السر في تلك الآية فكأنه قيل السر وما هو أعلى منه وأدنى وقد قيل عليه أنه يلزم من علم السر علم الجهر بطريق الأولى تعويلا على القرينة العقلية فهو كناية وهي أبلغ من الصريح وأيضا تسليم العدول عن الأبلغ في الآية الأخرى، يقتضي نسبة القصور إلى بعض القرآن، ويدفع بأنه لا قصور فيه لأن تلك أبلغ من حيث الإثبات بالطريق المذكور، وهذا أبلغ من حيث العموم الصريح ولكل منهما مقام يقتضيه فهم هنا لما أسروا النجوى. قيل كيف يخفى هذا عن عالم السر والخفيات وغيرها ولذا ختمها بالسميع العليم. فالمقام مقام التعميم. وأمّا تلك فلما تقدم عليها ذكر إنزال القرآن عقبت بأنه من عالم الغيب العالم بكل سر المنزل ما يناسبه مما لا تعلمونه ويخفى عليكم. قوله: (ولذلك اختير ههنا (إشارة إلى ما مر من أنهم لما بالغوا في إخفاء السر ناسبه مقابلته المبالغة في إحاطة علمه بخلاف الآية الأخرى، فإنه ليس فيها ما يقتضي المبالغة المذكورة فاختير فيها مبالغة أخرى والى هذا أشار بقوله وليطابق الخ وكذا قوله فلا يخفى عليه الخ فتأمّل. قوله: (1 ضراب لهم الخ) ذكر في الكشاف وجهين أحدهما أق الإضراب إمّا من الكفرة أو من الله. وزاد المصنف رحمه الله ثالثا كما ستراه وما فيه فأشار إلى الأوّل بقوله إضراب الخ. يعني أنّ الإضراب من كلامهم فحكاه الله عنهم وأورد عليه شزاج الكشاف أنه إنما يصح لو كان النظم قالوا بل الخ فيفيد حكاية إضرابهم ومع تقديمه على قالوا لا يفيد ما ذكر واليه أشار المصنف بقوله: والظاهر الخ. وكونه من القلب وأصله قالوا بل لا يخفى ما فيه وقد أجيب أيضاً بأنه إضراب في مقولهم المحكي بقول تضمنه النجوى أوّلاً أو
بالقول المقدر قبل قوله هل هذا الخ وأعيد للفاصل أو لكونه غير مصرّح به وهو تكلف أيضا. وقوله عن قولهم هو سحر يعني المدلول عليه بقوله: {أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ} [سورة الأنبياء، الآية: 3] . قوله: (والظاهر انّ بل الأولى الخ) إشارة إلى ما مرّ وحاصله أنها للابتداء بحكاية ما بعدها فالأولى انتقالية داخلة على جملة القول، ومقوله وهي من كلام الله تعالى. والثانية والثالثة إبطالية من كلامهم شردّدهم في أمره وتحيرهم في تزويرهم وهذا ما اختاره الدماميني في شرح التسهيل، وهو أسهل الرجوه وليممر فيه إلا اختلاف معنى، بل وكون الأولى من الحكاية والثانية من المحكي ولا مانع منه. قوله: (أو للأضراب عن تحاورهم الخ) بالحاء والراء المهملتين تفاعل من المحاورة وهي مراجعة الكلام يعني أنّ الأولى للانتقال عن مكالمتهم في شأن الرسول عليه الصلاة والسلام نفسه إلى المكالمة في القرآن الذي جاء به والثانية والثالثة إبطالية أيضاً وهي من كلامهم، المحكي والأولى من كلام الله أيضاً والفرق بين هذا وبين ما قبله باعتبار أنّ المنتقل عنه ما تقدمه بقطع النظر عن خصوصه، وهذا بالنظر إلى خصوص كونه أمر الرسول عليه الصلاة والسلام فهو على هذا داخل في النجوى بخلافه على الأوّل. واعلم أن ابن هشام قال في المغني أق بل حرف إضراب فمان تلا جملة كان الإضراب إمّا للإبطال نحو: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ} [سورة البقرة، الآية: 116] وإمّا للانتقال من غرض إلى آخر ووهم ابن مالك في شرح الكافية حيث زعم أنها لا تقع في التنزيل للإبطال واستند في توهمه إلى قوله تعالى: {وَقَالُواْ اتَّخَذَ} الخ وقال الدماميني: فإن قلت الإضراب عن الحكاية لا عن المحكيّ فلا إبطال حينئذ قلت هذا لا يدفع احتمال الإضراب عن المحكي فيكون للإبطال وبه يتمّ المراد) قلت الك أن تقول إنهم لم يقفوا على مراده. فإنّ الإبطال على قسمين إبطال ما صدر عن الغير، وسماه في التسهيل ردّا وابطال ما صدر عنه نفسه وهو لا يتصوّر في حقه تعالى لأنه بداء فمراده القسم الثاني والحمل على الصلاح أصلح.(6/240)
قوله: (لإضرابهم عن كونه أباطيل) جمع باطل على خلاف القياس أو أبطولة أو إبطالة بكسر الهمزة كما قاله أبو حاتم وهذا معنى أضغاث أحلام، وقد مرّ تفصيله في سورة يوسف وتحقيق استعارته لهذا المعنى وقوله: (خيلت إليه) أي وقعت في خياله في المنام فظنها وحيا واختلقها بالقاف بمعنى اخترعها من عنده وقوله: ثم إلى أنه كلام شعري الخ فالمراد بكونه شاعراً أنّ ما أتى به شعر أي أمر متخيل لا حقيقة له فإن قلت هذا معنى الشعر عند أهل المعقول والميزان لا معنى هـ لغة وعرفا فلذا أنكر بعضهم التفسير به كما سيأتي في سورة يس. قلت ليس الأمر كما زعم فإنهم يستعملونه بهذا المعنى أيضا كما أشار إليه الراغب باعتبار أنّ ما ذكر من لوازمه ولذا
قيل أعذبه أكذبه. قوله: (ويجوز أن يكون الكل من الله) أي يجوز أن يكون الإضراب كله في المحال الثلاثة من الله على طريق الترقي من الفاسد إلى الأفسد ثم الأفسد وقوله: تنزيلا لأقوالهم في درج الفساد أي إنزالاً لكل منها في درجته من الفساد ولم يقل ترقياً مع أنه الظاهر إشارة إلى أنّ الترقي في القبح تنزل في الحقيقة. وقوله: لأنّ كونه الخ تعليل للترقي الذي دل عليه ما قبله وقوله لأنه الخ تعليل لكونه أبعد. وقوله: ليس الخ فبينه وبينه بون بعيد وهذا شأن الشعر الغالب عليه لأنه في اكثر أمر متخيل لا حقيقة له، ولذا يستعمل الثاعر بمعنى الكاذب وقال تعالى: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ} [سورة يس، الآية: 69] الخ وأمّا قوله صلى الله عليه وسلم إن من الشعر لحكمة فلا ينافيه كما توهم لأنه باعتبار ما يندر كما يشهد له التأكيد بأنّ الدالة على التردّد فيه ومن التبعيضية. وضمير وهو راجع لكونه مفتري ومن كونه متعلق بأبعد مقدر ولأنه تعليل له وفوله: ولأنهم الخ عطف على قوله لأنه مشتمل وهو يتضمن نفي كونه شعرا أيضاً والنيف بتشديد الياء وتخفيفها الزيادة، وهذا مقدار ما قبل ظهور نبوّته واعلم أن هذا الكلام فيه غموض ولذا قال الأستاذ خضر شاه إن المصنف رحمه الله يعني أنهم اضربوا والإضراب في كلامهم حكاه الله عنهم كما في الكشاف. وفيه إشكال لأنه إنما يصح هذا لو كان قالوا مقدما على بل فيفيد حكاية إضرابهم، وأما مع تقديم بلى على قالوا فلا ولذا قال المصنف والظاهر والقول بالقلب وأصله قالوا بل بعيد وإن ذهب إليه الطيبي فتأمّل. قوله: (لآنه يجانسه) أقا كون القرآن من الخوارق فباعتبار إعجازه وأخباره عن المغيبات وصدوره م! الأميّ وأمّا كون السحر خارقا فباعتبار الظاهر فلا ينافي كونه تمويها أو لأسباب خفية كما قيل. قوله: (كما أرسل به الأوّلون (الظاهر أنه إشارة إلى أنّ ما موصولة لذكر العائد، وهو به وأن الموصول للعهد والمراد به ما ذكر من الآيات وأنّ العدول عن الظاهر وهو فليأتنا بما أتى به الأوّلون أو بصثل ما أتى! الأوّلون لأن هذا يدل على ما دل عليه مع زيادة كونه مرسلا به من الله لا إتيانه من نفسه والتعبير في حقه بالإتيان والعدول عن الظاهر فيما بعده إيماء إلى أن ما أتى به من عنده وما أتى به الأوّلون من الله، ففيه تعريض مناسب لما قبله من الافتراء وسيأتي بيانه فأقبل إنه إيماء إلى وجه العدول عن أن يقول كما أتى به الأوّلون فإنّ مرادهم اقتراج آية مثل آية موسى وعيسى عليهما الصلاة والسلام لا غيرهما لا وجه له. قوله: (وصحة التشبيه الخ (ترك قوله في الكشاف ألا ترى أنه لا فرق بين أن تقول أرسل محمد صلى الله عليه وسلم وبين قولك أتى محمد بالمعجزة لما أورد عليه
من أنّ الفرق بينهما واضح فإنّ إرسال الرسول عليه الصلاة والسلام بعثه للخلق للتبليغ والإتيان بالمعجزة أمر آخر وان أجيب عنه بأنه لازم له في الواقع فالمراد أنه كناية عنه وهي أبلغ وان كان مآلهما واحداً. واعترض على المصنف رحمه الله بأن هذا إنما يحتاج إليه إذا لم تكن ما موصولة. وقد اختاره وهذا من عدم الوقوف على مراده وأنه لا مخالفة بينه وبين ما وقع في الكشاف وليس مدار ما ذكروه على الموصولية والمصدرية بل على تشبيه آياته بآياتهم أو إتيانه بالآية بإتيانهم بآياتهم بلا شبهة لا تشبيه إتيانه بإرسالهم على أحد الوجهين فإنه لا بد له من متعلق مقدر. والمرسل به إمّا الشرائع وامّا الآيات واما مجموعها وعلى الأوّل والثالث لا يصح التشبيه لأنه غير مراد فيكون باعتبار ما يستلزمه على الأوّل وباعتبار جزئه الذي في ضمنه على الثالث. وأنا على الثاني فالإرسال فعل الله وليس المقصود التشبيه به(6/241)
بل بلازمه المذكور أيضا. فإن قلت فليكن مصدرا للمجهول ومعناه حينئذ كونه مرسلا من الله بالآيات قلت على تسليم وجود المصدر للمجهول هو أيضا مغاير للإتيان، وإن لم ينفك عنه فلا بد من إرادة ما ذكر. ومن لم يقف على مراده قال إن الواو في قوله وصحة بمعنى أو فبناء الوجه الثاني على المصدرية وهذه عكازة أعمى وتكلف كما لا يخفى. كالقول بأن الأوّل بيان لحاصل المعنى وقيل إنه بناء على اعتبار التشبيه في الإتيان فتأمّل وقوله من أهل قرية قدر فيه مضافا ولم يجعله مجازاً إيجازاً لأنّ قوله أهلكناها يأباه والاستخدام خلاف الظاهر. ومن قال إنه مجاز لقوله أهلكناها دون أهلكناهم بناء على أن إهلاكها كناية عن إهلاك أهلها. لم يأت بشيء مع أنه حينئذ لا مانع من حمل كلام المصنف عليه ولا حاجة إلى ترجيح التقدير على التجوّز بشيوعه كما قيل. وقيل لما جاءتهم أي ولم يؤمنوا بها. قوله: (افهم) أي هؤلاء المقترحون عليك وهم أعتى بالمثناة الفوقية أي أشد عتوّاً وعناداً من أولئك وهذا مأخوذ من العدول عن فهم لا يؤمنون والاستفهام الإنكارفي الاستبعاديّ، إذ يفهم منه بمقتضى السياق أن السابقين لم يؤمنوا لعنادهم فكيف بهؤلاء وهم أرسخ قدما في العناد منهم لأنهم علموا إهلاك المقترحين، ثم اقترحوا فظهر زيادة عتوّهم فلا وجه لما قيل إنه لا دلالة في الكلام على أنهم أعتى فتأمل وقوله للإبقاء عليهم أي للترحم من قولهم أبقى عليه إذا ترحم. قوله: (فأمرهم أن يسألوا أهل الكتاب) هو المراد من أهل الذكر والذكر يطلق على الكتاب وقوله: والإحالة الخ جواب عما يخطر بالبال من أنه
ما فائدة السؤال من الكفرة وقوله: الجم الغفير أي الذي بلغوا حد التواتر واستجمع خبرهم شروطه. قوله: (نفي لما اعتقدوا أنها (أي الرسالة السابق الإشارة إليها في قوله: {هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ} لا لما والتأنيث باعتبار كونها خاصة كما قيل وان المراد بهذه الخاصة الاستغناء عن الأكل وقوله: عن الرسل متعلق بنفي وتحقيقاً مفعول له أي لا إلزاما. وأبشاراً بفتح الهمزة جمع بشر. وهو يشمل القليلى والكثير والذكر والأنثى وجمعه على إبشار نادر. وقوله وقيل الخ قائله الزمخشري ومرضه لعدم ذكره هنا. قوله: (توكيد وتقرير له (لأنّ الخلود مؤكد لعدم اكل ونفيه أو نفي الخلود مؤكد للأكل لما ذكره. وقوله: توابع التحليل أي لوازمه والتابع والرديف يطلق عليه وكونه مؤذياً للفناء بحسب الأصل أو المراد به التحليل المعروف في الدنيا فلا يرد عليه أهل الجنة. قوله: (وتوحيد الجسد الخ (يعني أنه كان الظاهر أن يقال أجساداً فتوحيده، أمّا لتأويله بجنس الجسد الشامل للقليل والكثير أو لأنه في الأصل مصدر جسد الدم يجسد بمعنى التصق، فأطلق على معناه المعروف لأنه مركب من أجزاء ملتصقة والمصدر يطلق على الواحد المذكر وغيره أو هو بتقدير مضاف أي ذوي جسد. قال في التسهيل يستغني بتثنية المضاف وجمعه عن تثنية المضاف إليه وجمعه في الإعلام وكذا ما ليس فيه التباس من أسماء الأجناس كذوات كذا اهـ. وتحقيق المسألة مفصل في العربية. فمن قال إنه لا يحسم مادة السؤال لأنهم ليسوا بذوي جسد واحد فقد غفل عن هذه المسألة أو بتأويل ضمير جعلناهم بجعلنا كل واحد منهم فهو للاستغراق الإفرادي. قوله: (وهو جسم ذو لون (من الإن! والجن والملائكة كما ذكره أهل اللغة. وأورد عليه أنّ الملائكة على تسليم كونهم أجسادا لطيفة لا أزواجا لا يوصفون باللون فكيف يكون هذا نفيا لما اعتقدوا من أنها من خواص الملك، وفيه نظر لأنه يجوز أن لا يعتقدوها أجساما ملوّنة ولو بقبولها للتشكل مع أنّ السالبة لا تستلزم ثبوت الجسدية، أو هذا بحسب أصل وضعه فيجوز تعميمه بعد ذلك وقال الراغب قال الخليل: لا يقال الجسد لغير الإنسان من خلق الأرض! ونحوه وأيضا فإن الجسد يقال لما له لون، والجسم لما لا يبين له لون كالماء والهواء والماء يتلون بلون إنائه أو ما يقابله لأنه جسم شفاف. وقال الرازي: له لون ولا يحجب ما وراءه وقوله تعالى: {وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا} الخ يشهد لما قاله الخليل وباعتبار اللون قيل للزعفران جساد انتهى. قوله: (وقيل جسم ذو تركيب الخ (ظاهره أنه أعثم من الحيوان ومنهم من خصه به. وقوله لجمع الشيء(6/242)
لكونه بمعنى الإلصاق كما مرّ وقوله:
واشتداده بمعنى شد بعضه ببعض. وثم للتراخي الذكري وهو عطف على قوله: أرسلنا أي أرسلنا رسلاً من البشر وصدقناهم فيما وعدناهم فكذا محمد صلى الله عليه وسلم فاحذروا تكذيبه ومخالفته فالآيات متضمنة للجواب عما مرّ في قولهم هل هذا إلا بثر مع التهديد وقوله: أي في الوعد إشارة إلى أنه تعدى للمفعول الثاني على نزع الخافض. وقيل إنه قد يتعدى لمفعولين وقوله: المؤمنين بهم أي بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام. وقوله: حميت العرب خصهم لأنهم الذين كذبوا النبي صلى الله عليه وسلم وآذوه وإن كان مثلهم في ذلك جميع أمّة الإجابة والاستئصال إهلاكهم جميعا من أصلهم. قوله: (يا قريش (فالخطاب لهم ويجوز أن يكون لسائر العرب. وقوله صيتكم لصيت مخصوص بالذكر الحسن وان كان في الأصل انتشار الصوت مطلقا أي فيه ما يوجب الثناء عليكم لكونه بلسانكم نازلاً بين أظهركم على رسول منكم واشتهاره سبب لاشتهاركم، وجعل ذلك فيه مبالغة في سببيته له. قوله: (أو موعظتكم (فالذكر بمعنى التذكير مضاف للمفعول وقوله: (أو ما تطلبون (الخ يعني أنه ذكر الذكر والمراد سببه مجازا وهو مكارم الأخلاق ونحوها. وأما كون المراد به قبائحكم ومثالكم مما عاملتم به الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وما فعل الله بكم لمناسبة الإنكار عليهم في عدم تفكرهم المؤذي إلى التنبه عن سنة الغفلة بقوله: {أَفَلَا تَعْقِلُونَ} فهو مع كونه قريبا مما قبله غير متجه لأن المعروف في مثل هذا ذكر لك ولقومك الذكر الحسن فتأمّل. قوله: (واردة عن غضب (وفي نسخة من غضب أي هذه الجملة أو هذه الآية واردة عن غضب شديد أي دالة عليه للتعبير فيها بالقصم وهو كسر يفزق الأجزاء ويذهب التئامها. ولذا أتى فيه بالقاف الشديدة بخلاف الفصم بالفاء الرخوة فإنه لما لا إبانة فيه فأتى بتركيب اللفظ على وفق المعنى كما مز. قوله: (صفة لآهلها وصفت بها لما الخ (بكسر اللام وتخفيف الميم، أو بالفتح وتشديدها والمراد أنه على تقدير مضاف لقوله والضمير للأهل المحذوت ولولاه لاحتمل التجوّز في الطرت والإسناد. وذكره هنا دون أن يذكره فيما قبله لأن القرية نفسها توصف بالإهلاك دون الظلم ولأنّ قصم القرية كناية عن قصم أهلها لأنه يلزم من إهلاكها إهلاكهم دون تجوّز وحذف وقوله: (بعد إهلاك (الخ بتقدير مضافين. قوله:
(فلما أدركوا شدّة عذابنا (فهو من استعارة المحسوس للمعقول أو من استعمال الإحساس في
مطلق الإدراك. لكن قوله إدراك الخ صريح في الأوّل. ويجوز أن تكون الاستعارة في البأس وأحسوا قرينة له أو تخييل. وأمّا ما قيل إنه لا مانع من حمل الكلام على ظاهره فإن شدة العذاب تدرك بالبصر ثانيا وبالعرض فمن أين ثبت أنهم لم يدركوا العذاب ولا شذته ففيه أنّ إدراك الشدة بالبصر محل نظر. وقوله: والضمير للأهل لا لقوم آخرين إذ لا ذنب لهم يركضون منه. وقوله: إذا هم منها إذا فجائية وضمير منها للقرية فمن ابتدائية أو للبأس لأنه في معنى النقمة والبأساء فمن تعليلية. قوله: (يهوبون (يعني أنه كناية عن الهرب وركض من باب قتل بمعنى ضرب الدابة برجله وهو متعد وقد يرد لازما كركض الفرس بمعنى جرى كما قاله أبو زيد: ولا عبرة بمن أنكره. وقوله: أو مشبهين بهم أي بمن يركض الدواب فهو استعارة تبعية ويجوز أن يكون كناية كما في الوجه الأوّل. قوله: (إمّا بلسان الحال أو المقال الخ (أو القائل بعض اتباع بختنصر. قيل ولا يظهر للاستهزاء وجه إذا كان بلسان الحال ولا مانع من فرض القول على طريق الاستهزاء بهم فتأمّل. والترفه التنعم والإبطار الإيقاع في البطر وهو الفرج وهو مضاف لمفعوله وفي ظرفية ويجوز كونها سببية. قوله: (التي كائت لكم (وقيل المراد بمساكنهم النار فيكون المراد بقوله: ارجعوا إلى مساكنكم ادخلوا النار تهكماً إذ ما بعده يناسبه فلا يأباه قوله: ارجعوا كما قيل فإنّ توله: {لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ} للتعليل أو ترجيهم يقتضيه وإذا أريد بالسؤال العذاب فهو مجاز مرسل بذكر السبب وارادة المسبب. وعليه لا بد من تأويل المساكن بما ذكر، وقوله: التثاور في المهانم والنوازل تفاعل من الشورى والمهامّ جمع مهم، والنوازل جمع نازلة وهي الأمر العظيم النازل(6/243)
وما في نسخة من التبادر والمنازل من تحريف الناسخ، وهذا هو المناسب لتفسيره للمساكن فكان ينبغي تقديمه. قوله تعالى: ( {يَا وَيْلَنَا} ) نداء الويل كنداء الحسرة في قوله: {يَا حَسْرَتَنَا} وقد تقدم الكلام فيه. وقوله: وجه النحاة أي أمارتها وهو استعارة تصريحية أو مكنية وقوله: فلذلك أي لتحقق العذاب لم تنفعهم مقالتهم هذه لأنها ندم من حيث لا ينفع الندم. قوله: (وقيل إنّ أهل حضور) بالضاد المعجمة وجاء وراء مهملتين بوزن شكور علم محل باليمن والنبيّ المذكور في الكشف هو موسى بن ميشا. وقوله: يا لثأرات الأنبياء اللام مفتوحة فيه للاسنغاثة والثأر أخذ الجاني والانتقام منه ونداؤه مجاز وقيل
المراد به التعجب. وقيل إنه على تقدير مضاف أي يا أهل ثاً راتهم والطالبين لدمهم احضروا لتغيثونا. وقيل إنه نداء للقبيلة وأهل حضور للتوبيخ والتقريع والمراد بالأنبياء الجنس فإنه ثأر نبيّ واحد. قوله: (يرددون ذلك) أي قولهم يا ويلنا والمولول اسم فاعل من الولولة وهي الصياح والويل، وكان قياسه ويللة والدعوى هنا بمعنى الدعوة. قوله: (يحتمل الاسمية والخبرية (لزال لأنها من النواسخ. قال أبو حيان النحاة على أن اسم كان وخبرها مشبه بالفاعل والمفعول فكما لا يجوز في الفاعل والمفعول التقدم والتأخر إذا أوقع في اللبس لعدم ظهور إعرابه لا يجوز ذلك في باب كان ولم ينازع فيه إلا أحمد بن الحاج تلميذ الشلويين كما وقع للشيخين) قلت (ما ذكره ابن الحاج في كتاب المدخل إنه ليس فيه التباس وأنه من عدم الفرق بين الالتباس وهو أن يفهم منه خلاف المراد والإجمال، وهو أن لا يتعين فيه أحد الجانبين ولأجل هذا جوّزه وما ذكره محل كلام وتدبر. وفي حواشي الفاضل البهلوان أن هذا في الفاعل والمفعول وفي المبتدأ والخبر إذا انتفى الإعراب والقرينة مسلم مصرّج به وأما في باب كان وأخواتها فغير مسلم. قوله: (مثل الحصيد (يشير إلى أنه تشبيه بليغ مقدر فيه هذا المضات الذي يطلق على الواحد وغيره لأنه مصدر في الأصل فلذا أفرد الحصيد لأنه ليس هو الخبر. في الحقيقة يلزم مطابقته فأفراده دال على هذا التقدير كما قيل. ولا وجه له فإنه هو المحمول في التشبيه البليغ ويلزم مطابقته. فتقول الرجل أسد والرجال أسود بل المراد أنّ فعيلا بمعنى مفعول وهو يستوي فيه الواحد المذكر وغيره فلا حاجة لتأويله بالجنس ونحوه مما سمعته. قوله: (ميتين من خمدت النار (إذ أطفئ لهبها ومنه خمدت الحمى إذا سكنت. وفي شرح المفتاح الشريفي أنّ في هذه الآية استعارتين بالكناية في لفظ واحد أعني لفظة هم في جعلناهم حيث شبهوا بالنبات والنار في الهلاك والزوال وأثبت لقم الحصاد المخصوص بالنبات وجاز أن يجعل حصيدا من باب التشبيه، ففي الكشاف أي جعلناهم مثل الحصيد، كما تقول جعلناهم رمادا أي مثل الرماد ولا يجوز ذلك في خامدين إذ ليس لنا قوم خامدون حتى يشبههم هؤلاء، لكن جاز أن يجعلا من الاستعارة التصريحية التبعية في الصفة بأن يشبه هلاك القويم بحصاد النبت وخمود النار في القطع والاستئصال فقد ذهب المصنف تبعا للزمخشريّ إلى أن حصيدا تشبيه وخامدين استعارة كما في الكشف. وذهب الطيبي والفاضل اليمني إلى أنهما تشبيه وسيأتي ما فيه وذهب السكاكيّ إلى أنهما استعارة فإن قلت إذا كان الطرفان مذكورين هنا وذكرهما مخرج عن حذ الاستعارة ضرورة فكيف جاز للسكاكي جعله استعارة على المذهب الراجح والا فلم ارتكبه الشيخان. وما الفرق بين الحصيد أو خامدين هنا. قلت الذاهب إلى الاستعارة يجعل الطرف القوم المهلكين لا مدلول الضمير، وذكر ما يساوي أحد الطرفين أو
يشمله لا يعد مانعا كما في سورة يوسف وحينئذ يرد أن المشبه بالنار الخامدة إن كان هو مدلول الضمير ورد المحذور ولا يفيده صيغة جمع العقلاء، وإن كان غيره لزم كون حصيداً استعارة أيضاً ولا يصح جعله تشبيها آخر فيه وهو ميتون لمنافاة وجه الإعراب له. وقول الشريف إذ ليس لنا قوم خامدون فيه بحث مع أن مدار ما ذكره من كون خامدين لا يحتمل التشبيه لجمعه جمع العقلاء المانع من أن يكون صفة للنار حتى لو قيل خامدة كان تشبيها كما صرّج به في حواشيه، لكنه محل تردّد لأنه كما صح الحمل في التشبيه(6/244)
ادعاء فلم لا يصح جمعه لذلك ولولاه لما صحت الاستعارة أيضا فتدبر.
قوله: (وهو مع حصيدا الخ) دفع لما يتوهم من أنه نصب ثلاثة مفاعيل هنا، وهو ناصب لمفعولين بأنهما بمنزلة شيء واحد كحلو حامض بمعنى مر فحصيداً خامدين بمعنى جامعين لمماثلة الحصيد والخمود في أنهم مستأصلون والخمود معطوف على مماثلة لا على الحصيد لأنه استعارة كما مز. وعليه إن قلنا إنه تشبيه وكونه صفة له أي لحصيدا مع أنه تشبيه أريد به ما لا يعقل يأباه كونه للعقلاء كما مر لا كونه جمعا، كما توهم لأن فعيلايطلق على الجمع. قوله: (وإنما خلقناها الخ (يعني أنها ليست كبناء الناس للزينة واللهو. ويتسلقوا بمعنى يتوصلوا وأصل التسلق النزول إلى الدار من حائطها دون باب. قوله: (ما يتلهى به ويلعب (إشارة إلى أنه مصدر المبني للمفعول وتوطئة لما سيأتي. وتوله من جهة قدرتنا ظاهره أن اتخاذ اللهو داخل تحت القدرة وقد قيل إثه ممتنع عليه تعالى متناعاً ذاتيا والله سبحانه وتعالى غير قادر على الممتنعات. وأجيب بأن صدق الشرطية لا يقتضي صدق الطرفين فهو تعليق على امتناع الإرادة. أو يقال الحكمة غير منافية لاتخاذ ما من شأنه أن يتلهى به وإنما تنافي أن يفعل فعلا يكون هو بنفسه لاهيا به فلا امتناع في الاتخاذ بل في وصفه بأنه لاه. كما هو كذلك في الولد والزوجة كما أشار إليه في الكشف وقوله: أو من عندنا فالمراد بالعندية عالم الملكوت والمجردات، وهذا إطلاق ثالث لعند الله والمقصود الرد على ما سيأتي لا أنه يجوز اتخاذه من المجردات بل لأنّ ذلك أظهر في الاستحالة والتزويق التزيين مأخوذ من الزاووق وهو الزئبق. قوله: (وقيل اللهو الولد الخ (وقيل الزوجة قال الراغب: إنه تخصيص له بما هو من زينة الحياة الدنيا التي
جعلت لهوا ولعباً وقوله: والمراد الرد على النصارى في دعوى ما ذكر كما سيصرّج به لكنه غير مناسب هنا كما بينه شراح الكشاف. قوله: (ذلك (أي اللعب وهو بيان لمفعوله المقدر وبيان لأن إن شرطية وجوابها مقدر بقرينة جواب لو الشرطية المتقدّم وسياق الآية لإثبات النبوّة ونفي المطاعن السابقة لأنه تكرّر في القرآن أنّ خلق العالم لعبادة الله ومعرفته ولا يتمّ ذلك إلا بإنزال الكتب وارسال الرسل عليهم الصلاة والسلام، فإنكاره يستلزم كونه عبثا وهو مناف للحكمة فقوله: إن كنا الخ تكرير لتأكيد امتناعه. وإذا حمل على النفي كما عليه الجمهور يكون تصريحا بنتيجة السابق، واستحسنه في الكشف أي لكنا ما أردنا فما كنا فاعلين لكن أكثر مجيء إن النافية مع اللام الفارقة. قوله: (إضراب عن اتخاذ الخ (يعني أنه إضراب إبطاليّ وكان ينبغي اقتصاره على الثاني، أو تأخير الأوّل لأنه مرجوج عندهم، وكونه شأناً وعادة من المضارع الدال على الاستمرار التجدّدي. وقوله: إن نغلب بتشديد اللام تفسير لحاصل المعنى ونص على الجذ واللهو ليصح ارتباطه بما قبله. وعداد اللهو ما يدخل فيه ويعد منه ويمحقه بمعنى يذهبه ويفنيه. قوله: (استعار لذلك) أي لتغليب الحق حق يمحق الباطل فهو استعارة تصريحية تبعية ويصح أن يكون تمثيلا لغلبة الحق على الباطل حتى يذهبه برمي جرم صلب على رأس دماغها رخو ليشقه وفيه إيماء إلى علوّ الحق وتسفل الباطل وأنّ جانب الأوّل باق والثاني فإن ووجه التصوير أنه استعارة محسوس لمعقول بجعله كأنه مشاهد محسوس. ويجوز أن يكون استعارة مكنية بتشبيه الحق بشيء صلب يجيء من مكان عال والباطل بجرم رخو أجوف سافل، والقذف ترشيح أو بشخص والدمغ تخييل، وأصل معنى يدمغه يشق دماغه ويصيبه. قوله: (وهو الرمي البعيد المستلزم لصلابة المرمى (قيل إنه ينافي قوله في سورة طه القذف يقال للإلقاء وللوضع ولا منافاة بينهما لأنّ أحدهما مطلق والآخر مقيد فيحمل عليه، قال الراغب: القذف البعيد ولاعتبار ذلك فيه قيل منزل قذف أي بعيد انتهى، وتصويراً تعليل لقوله: استعارة. قوله: (وقرئ فيدمغه بالنصب الخ (في غير المواضع الستة لأنه بعد خبر مثبت ولذا استبعده المصنف رحمه الله ووجهه بأنه في جواب المضارع المستقبل وهو يشبه التمني في الترقب وهي قراءة عيسى بن عمر وهي شاذة وهذا مراده بالحمل على المعنى لا أن القذف والرمي فيه معنى النفي وهو منصوب بأن مقدرة لا بالفاء خلافا للكوفيين(6/245)
والمصدر المؤوّل في محل جز معطوف على الحق. والمعنى بل نقذف بالحق فدمغه على الباطل أي
نرمي بالحق فإبطاله به قيل ولو جعل من قبيل:
علفتها تبناً وماء باردا
صح والأظهر أنه عطف على المعنى أي نفعل القذف والدمغ. قوله:
) سأترك منزلي لبني تميم وألحق بالحجاز فأستريحا (
رام بعضهم تخريجه على النصب في جواب النفي المعنوفي المستفاد من قوله سأترك إذ معناه لا أقيم به، وردّ بأق جواب النفي منفيّ لا ثابت نحو ما جاءني زيد، فأكرمه بالنصب ومراد الشاعر إثبات الاستراحة لا نفيها لكن قيل إنّ استريحا ليس منصوبا بل مرفوع مؤكد بالنون لخفيفة موقوفا عليه بالألف. قوله: (وذكره لترشيح المجازا لأن من رمى فدمغ تزهق روحه فهو من لوازمه، وقوله: مما تصفونه به أي تصفون الله وقوله: وهو أي مما تصحفون حال أمّا من المبتدأ على مذهب بعضهم أو من ضميره المستتر في لكم وقيل إنه متعلق باستقرار محذوف، وقيل بمتعلق لكم وعلى المصدرية قوله: مما تصفونه به بيان لحاصل المعنى على الوجوه وقوله: خلقا وملكا تفصيل لمعنى الاختصاص فليس فيه جمع بين الحقيقة والمجاز. قوله: (يعني الملافكة (أي مطلقا وقوله: المنزلين منه لكرامتهم عليه منزلة المقرّبين الخ إشارة إلى أن عنده فيه استعارة هنا وقوله: وافراده أي بالذكر مع دخولهم في من في السموات وكذا إعادة من الموصولة لتعظيمهم حتى كأنهم شيء آخر مغاير لهم، وقوله: أو لأنه أعمّ منه من وجه في نسخة لوجه والأولى أولى لأنّ من في الأرض يشمل البشر ونحوهم وهذا يشمل الحافين بالعرش دونه، وقوله: عن التبوّؤ أي التمكن والاستقرار وقوله: لا يستكبرون حال أو مستأنف على هذا. قوله: (ولا يعيون فيها (وفي نسخة منها أي لا يتعبون من العبادة وقوله: وإنما جيء الخ يجني أن السين للطلب ولا طلب هنا فيقصد به المبالغة لأنّ المطلوب يبالغ فيه وزيادة البنية تدل على زيادة المعنى. وأمّا قول أهل اللغة أنّ الحسور والاستحسان بمعنى
فالمراد اتحادهما في أصل المعنى كما هو دأبهم فلا وجه لما قيل إنه عليه لا حاجة لما ذكر، وأبلغ أي أكثر مبالغة أي في الإثبات. وقوله: تنبيها الخ محصله أنه لعظم ما حملوه لو وقع منه تعب لكان أعظم لأنه على مقدار ما حمل فلا يرد السؤال بأنه لا يلزم من نفي الأعظم نفي أصله فكان الظاهر أن يقال لا يحسرون على نهج ما قيل في قوله تعالى: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ} [سورة فصدت، الآية: 46] وقوله: حقيقة بمعنى جديرة ومحصله أنه حقيق بالتعب الشديد وقوله: دائماً إشارة إلى أنّ المراد الدوام لا خصوص الليل والنهار. قوله: (حال من الواو في يسبحون) أي قوله: لا يفترون وقوله: وهو أي يسبحون أما مستأنف أو حال من ضمير قبله وهو ضممير يستحسرون وفي نسخة أو هو فيكون بيانا لإعراب قوله لا يفترون بأنه إمّا حال من فاعل يسبحون أو مستأنف أو حال مترادفة من ضمير لا يستحسرون كقوله: يسبحون الخ فلا سهو فيها كما توهم وان كانت النسخة الأولى أظهر كما لا يخفى. وقد استشكل كون الملائكة مطلقاً لا يفترون عن التسبيح ومنهم رسل يبلغون الرسالة فكيف يسبحون حال التبليغ ومنهم من يلعن الكفرة كما ورد في آية أخرى وأجيب بما نقل عن كعب الأحبار بأن التسبيح كالتنفس لهم فلا يمنع من التكلم بشيء آخر، وفيه بعد وقيل إنّ الله تعالى خلق لهم ألسنة، وقيل لعنهم وتبليغهم تسبيح معنى والظاهر أنه إن لم يحمل على بعضهم فالمراد به المبالغة كما تقول فلان لا يفتر عن ثنائك وشكر آلائك. قوله: (بل اتخذوا (بفتح الهمزة المقطوعة، وأصله 11 تخذوا فحذفت الثانية قياسا وهي المرادة بقوله: والهمزة الخ فلا يتوهم أن رسم اتخذوا في النسخ بألف واحدة فأين الهمزة المذكورة وهذا بناء على أن أم المنقطعة تقدر ببل والهمزة ففيها إضراب وإنكار لما بعدها فلا وجه لما قيل إنها هنا للانتقال من أمر إلى آخر، وقوله: صفة لأن الظروف بعد النكرات صفات ويجوز كونها مفعولاً ثانيا لاتخذوا. وقوله: متعلقة بالفعل يعني اتخذوا ومن ابتدائية لأنها مبتدأ اتخاذها من أجزاء الأرض ويجوز كونها تبعيضية. قوله: (وفائدتها) أي الصفة أو الكلمة على الوجهين وهي مفعولة من الأرض لتحقيرها بأنها أرضية سفلية لا لتخصيصها حتى تخرج الملائكة لأن كل ما عبد من دون الله فهو منكر وقيل يجوز أن يراد(6/246)
تخصيص الإنكار الشديد بها لأن ما هو أرضي مصنوع بأيديهم كيف يذعي ألوهيته. وقوله: الموتى بيان لمفعوله الحذوف. قوله: (وهم وإن لم يصرحوا الخ (جواب سؤال مقدر أي هم لم يصرّحوا بأن آلهتهم تحي الموتى وتنشرها ولم يدعوه لها فكيف قيل هذا سواء كانت الجملة صفة آلهة أو مستأنفة مقدر معها استفهام إنكاري لبيان علة إنكار الاتخاذ وفاعل لزم ضمير الإنشار وادعاءهم مفعوله ولها متعلق به والإلهية مفعول الادعاء. وقوله: فإن من لوازمها
أي الإلهية الاقتدار على جميع الممكنات التي من جملتها الإنشار قيل وهذا يقتضي أنّ معنى قوله: ينشرون يقدرون على الإنشار فلا يرد أنه لا يلزم من القدرة على شيء إيجاده. قوله: (والمراد به تجهيلهم والتهكم بهم (أي المراد بما ذكر من قولهم: {أَمِ اتَّخَذُوا} الخ بيان جهلهم بالألوهية ولوازمها والتهكم بهم لعجز آلهتهم. قوله: (وللمبالنة في ذلك) أي في التجهيل والتهكم زيد الضمير وهو هم المفيد للتقوى لإيهام الحصر حتى كأنه قيل لا ينشر الأهم وهو أبلغ في التهكم، وقال الموهم: رد القول الزمخشركما أن فيه معنى الاختصاص وأنه وجه بأنه بمقتضى المقام لا لأن الضمير للفصل كما اذعاه الطيبي وقوله: الإنشار إشارة إلى أن القراءة المشهورة هنا بضم الياء من المزيد. قوله: (غير الله (إشارة إلى أن إلا هنا اسم، بمعنى غير صفة لما قبلها واعرابها يظهر على ما بعدها لكونها على صورة الحرف ولها شروط مفصلة في محلها ولا يصح كونها استثناء هنا لفساد المعنى كما سنبينه. وقوله: لما تعذر الاستنثاء تعليل لتعين الوصفية. قوله: العدم شمول ما قبلها لما بعدها (وعموم ما قبل الاستثناء حتى يدخل فيه ويحتاج لإخراجه شرط لازم عند الجمهور خلافاً للمبرد وأما احتمالى كونه استثناء منقطعا لعدم دخوله كما في الرضي فلا يصح فإنه لا بد فيه من الجزم بعدم الدخول والجمع في الإثبات ليس له عموم وهذا وجه لامتناعه من جهة العربية. وقوله: ودلالته أي الاستثناء على ملازمة الفساد المفهوم من الشرطية. وقوله: دونه أي دون الله وهذا بيان لوجه امتناعه من جهة المعنى كما بينه لأنه يفهم منه أنه لو كان فيهما آلهة فيهم الله لم يلزم الفساد ولا يخفى ما فيه من الفساد. قوله: (والمراد ملازمته لكونها (أي وجودها مطلقا يعني المقصود ملازمة الفساد لوجود الآلهة مطلقاً وتعددها بما فوق الواحد سواء كان ذلك مع الله أو لا والاستثناء لا يفيد ذلك. قوله: (حملا لها على غير (يعني أنه من التقارض فاستثنى بغير حملا لها على إلا ووصف بألا حملا لها على غير فقوله حملا تعليل لقوله وصف بألا. قوله: (ولا يجوز الرفع على البدل (هذا مانع آخر من الاستثناء وهو أنه لو كان استثناء كان منصوبا لأن إبداله فرع عن كونه استثناء وهو إنما يكون في النفي، وأما كون لو الامتناعية في معنى النفي كما ذكره المبرد فلم يرتضوه مع أن المحذور باق وهو فساد المعنى. قوله: (لبطلتا (يعني أن المراد بالفساد ليس مجرّد التغير بل البطلان والاضمحلال وهو يرد بمعناه في اللغة وان كان الفقهاء فرقوا بينهما، كما هو معروف في محله، وقوله: لما يكون بينهما اًي بين الإلهين وهو إشارة إلى أن المراد بالجمع التعدد وإنما اختير لأنّ لهم آلهة وهو أقوى وأدل على المراد والمراد بالاختلاف تخالفهما ولو بإرادة
الاستقلال بالفعل من كل منهما وهو صادق بالتمانع فلذا عطفه بالواو دون أو وفيه احتمالان آخران كما سيأتي، والتمانع تفاعل من المنع وهو منع كل منهما للآخر عما يريده. قوله: (فإنيها (أي الآلهة إن توافقت في المراد بأن يريده كل منهما إرادة مستقلة لزم أن تطرد قدرة كل واحد منهما قدرة الآخر بعد عن عمله لعدم المرجح وان تخالفت بأن أراد أحدهما شيئاً والآخر ضده لزم إقا وجود الضدين أو عجز أحدهما، ولا يصح الأوّل ولا الثاني لمنافاة الألوهية فيلزم التعاوق وهو أن يعوق كل منهما الآخر فلا يقع مقدور أصلاً وهو المراد بالفساد، فإن أريد بالاختلاف التطارد وبالتمانع التعاوق فهو لف ونشر مرتب والا فهو مشوّس والواو بمعنى أو كما قيل. وقيل المعنى لبطلتا لما يكون بينهما من التمانع إذ لا مجال للتوافق في المراد ولا يلزم أن لا تتطارد عليه القدرة ولا يخفى ما في تقرير المصنف رحمه الله من الخلل فتأمّل فقيل عليه إنا تأملنا فوجدنا تقريره خاليا(6/247)
من الخلل بل هو في تقريره حيث أخذ التمانع مقرّراً وعلل بامتناع التطارد، مع أنه لا فرق بينهما في الامتناع فليس الأوّل أقرب إلى الوقوع من الثاني. وقال: بعض علماء العصر لا يخفى أن كلام المتأمل مشعر بعدم التأمّل إذ استحالة التوافق أظهر عند العقل وبهذا توجه العلماء إلى بيان التمانع واشتهرت الحجة ببرهان التمانع وعدم الفرق في أصل إلامتناع وانتفاء القرب إلى الإمكان والوقوع لا يوجب انتفاء أظهريته لامتناع ذلك عند العقل لكن يرد على القائل إنه بمجرد كون استحالة التوافق أظهر عند العقل لا يظهر خلل في العبارة غايته أنه أولى. وقيل: إنّ الحجة المستفادة من الآية إقناعية والملازمة عادية لأنه يرد عليها أنه يجوز أن تتفق الآلهة على أن لا يريد كل منهما إلا ما لا يتعلق بأحد طرفيه إرادة شريكه أو وقع اتفاقهما على إيجاد المراد بالاشتراك لا بالاستقلال، وقد رد بأن الحق أنها قطعية ولا يرد عليه ما ذكر لأنه لا يخلو من أن قدرة كل منهما كافية في حدوث العالم أولاً وعلى الأوّل يلزم اجتماع علتين على معلول واحد وعلى الثاني يلزم العجز. لا يقال إنما يلزم العجز لو أراد الاستقلال ولم يحصل لكن يمكن أن يتفقا على الإيجاد بالاشتراك مع القدرة على الاستقلال كالقادرين على حمل خشبة بالانفراد فيحملانها معا. لأنا نقول تعلق إرادة كل واحد إن كان كافيا لزم المحذور الأوّل والإلزام الثاني والمنع مكابرة والمثال لا يصلح للسندية كما بينوه. وذكر التفتازاني أنه يمكن أن يراد بالفساد عدم التكوّن أي لو تعدد الإله لم تكوّن السماء والأرض وينتقل إليه الكلام السابق سؤالاً وجوابا. وللعلامة الدواني في تقريره كلام يطلب تفصيله من أهله وقرّر الدليل بعض أهل العصر بوجه. قال: إنه أوجه مما عداه وهو أنّ الإله المستحق للعبادة لا بد أن يكون واجب الوجود وواجب الوجود وجوده عين ذاته عند أرباب التحقيق إذ لو غايره لكان ممكناً، وهو مبرهن في محله فلو تعدد لزم أن لا يكون وجوداً، فلا تكون الأشياء موجودة لأنّ موجودية الأشياء بارتباطها بالوجود فظهر فساد السماء والأرض
بالمعنى الظاهر لا بمعنى عدم التكوّن لأنه تكلف ظاهر وفيه تأمّل. قوله: (فسبحان الله الخ (تعجب ممن عبد هذه المعبودات الخسيسة وعدها شريكا مع وجود المعبود العظيم الخالق لأعظم الأشياء والأجسام شامل للعلوية والسفلية فلا يقال إنّ الأظهر أن يقول الإجرام لأنه الشائع في العلويات وكأنه نتيجة لما قبله من الدليل وقوله: محل التدابير الخ فيه تأمّل وقوله: لعظمته الخ تعليل لعدم السؤال. وقوله: والسلطنة لذاته في نسخة الذاتية وإذا كان الضمير للألهة فإمّا أن يراد بها عزير والمسيح ونحوه أو الأعمّ على تقدير إنطاقهم. قوله: (كزره استعظاماً) الاستعظام عده عظيما والاستفظاع الاستقباج وهذا بناء على أنهما بمعنى لا على أنّ الأوّل مخصوص بالآلهة الأرضية وهذا عام لعموم الدليل السابق وقوله: أو ضما لإنكار ما يكون سنداً الخ هذا بناء على تغايرهما باعتبار تغاير دليليهما فلذا عطف بأو. وذكر السند في النقلي والدليل في العقلي إشارة إليه والسند النقلي من قوله: {قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ} لا قوله هذا ذكر الخ والعقليّ من قوله: هم ينشرون كما أشار إليه بقوله على معنى أوجدوا آلهة ينشرون لموتى لا قوله لو كان فيهما آلهة كما قيل لأنّ كلامه ناطق بخلافه. وقوله: الآمر بوزن فاعل مفعول وجدوا. وقوله: ويعضد ذلك أي ما ذكر من كون أحدهما ناظراً إلى الدليل العقلي والآخر للنقلي وما يدل على فساده عقلاً لو كان فيهما آلهة إلا الله. قوله: (1 ما من العقل أو من النقل الخ (كان الظاهر ترك قوله من العقل إلا أنه وجه بأن بناء على تفسيره الأول وهو قوله كرّره استعظاما الخ وقوله: كيف الخ ترق عن أن قولهم بتعدد الآلهة لا دليل عليه إلى أنه قامت الأدلة على خلافه. قوله: (والتوحيد لما لم يتوقف على صحتة (جواب عن سؤال وهو أنه كيف يثبت التوحيد بالنقل مع لزوم الدور له وسيأتي تحقيقه وتفصيله في أواخر هذه السورة. قوله:
(وإضافة الذكر إليهم الخ (فالذكر المراد به الكتب لاشتمالها على التذكير والعظة وهو في الأصل مصدر مضاف إلى المفعول والتنوين وأعمال المصدر في المفعول كقوله: {أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيمًا} [سورة البلد، الآية: 14](6/248)
وقوله: وبه أي قرئ بتنوين ذكر ومن بكسر الميم الجارة وإدخالها على مع وإن كان ظرفا لا يتصرف لأنها هنا بمعنى عند فدخلت عليها كما تقول من عندي. وقيل: من داخلة على موصوفها أي من كتاب معي وكتاب من قبلي ودخول من الجارة عليها دال على اسميتها كتنوينها وأن القول بأنها حرف غير صحيح كما أشار إليه المصنف بقوله: على أنّ مع اسم فهي اسم دال على الصحبة والاجتماع جعلت ظرفا كقبلى وبعد فجاز دخول من عليها كما دخلت عليهما خلافا لمن أنكره. قوله: (على أئه خبر محذوف (أي هو الحق أي عدم علمهم هو الحق وفي الكشاف ويجوز أن يكون المنصوب أيضاً على هذا المعنى كما تقول هذا عبد الفه الحق لا الباطل وهذه الجملة مؤكدة معترضة بين السبب وهو الجهل وعدم العلم والمسبب وهو إعراضهم ولم يؤت بالفاء فيه إيماء إلى ظهوره وتفويضا له إلى العقل وقوله: من أجل ذلك أي عدم العلم بيان للسببية المذكورة. قوله: (تعميم بعد تخصيص (يعني أن الذكر عبارة عن الكتب الثلاثة لما ذكره والوحي شامل لها ولغيرها بل لكل وحي فليس فيه ما يدل على اشتراط الكتاب للرسل كما قيل ومن فسر قوله: هذا ذكر أي وحي وارد على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام كلها فظاهر جعلهما بمعنى مقرّر لما قبله ولذا عدل عنه المصنف نعم من فسره به ثم ذكر ما ذكره المصنف هنا لا يخلو كلامه من الخلل. قوله: (نزلت في خزاعة (هي قبيلة معروفة والآية شاملة لكل من نسب له ذلك كالنصارى. وقوله: من حيث إنهم مخلوقون فهو ملك والولد ليس يصح تملكه ففيه إشارة إلى أن الخطأ من طرق. وقوله: على مدحض من الدحض وهو الوقوع بما يزلق يعني على أصل خطئهم جعل كأنه مكان زلتهم وغلطهم وهو توهمهم أنهم لقربهم وكرامتهم أولاد الإله. قوله:
الا يقولون شيئا حتى يقوله الخ (الديدن العادة. وقوله: وجعل القول محله أي محل السبق وأداته أي آلته التي يسبق بها، وفي نسخة إليه وإليهم بجعله فاعلاً ومفعولأ يعني أنه جعل محله بإيقاعه عليه وأداته إذ عدى بالباء لأنّ المقصود تكلمهم بشيء قبل تكلمه به إذ ليس السبق صفتهم بل صفة قولهم ففي يسبقونه مضات مقدر أو تجوز في السنة. وقيل إنه إشارة إلى أن الباء تحتمل الظرفية والاستعانة ولو كان كذلك لقال أو أداته. قوله: (تنبيها على استهجان الخ) يعني أنه تمثيل وتصوير للهجنة والبشاعة فيما نهوا عنه من الإقدام على ما لم يعلموا من الأمور دون اقتداء بكتاب أو سنة كما في شرح الكشاف، وفيه تعريض بالكفار حيث يفعلون ما هو أشد من السبق فيقولون ما لم يقله أصلاً وهذا التعريض مفقود إذا قيل لا يسبق قولهم قوله إذ لا يكون الفاعل حينئذ مقصود إبل السبق، وأما كونه تعريضا فلعدم دلالة اللفظ عليه. وقوله المعرض صفة الاستهجان. قوله: (وأنيب اللام عن الإضافة) قال المعرب هذا مذهب الكوفيين والضمير محذوف عند البصريين وأصله بقولهم أو بالقول منهم وفيه بحث. والتكرير حينئذ تكرير ضمير الملائكة. وقوله: وقرئ لا يسبقونه الخ أي بضم الباء الموحدة وقراءة العامة بكسرها وهو من باب المغالبة ويلزم فيه ضم عين المضارع ما لم تكن عينه أو لامه ياء كما تقرّر في علم التصريف. قوله: الا يعملون قط ما لم يأمره (الضمير لله وأصله ما لم يأمر به كقوله:
أمرتك الخير فافعل ما أمرت به
وقط بفتح القاف وتشديد الطاء المضمومة ظرف لاستغراق ما مضى من الزمان. قال في القاموس ويختص بالنفي ماضيا والعامة تقول لا أفعله قط وهو لحن يعني استعماله في المستقبل كما في عبارة المصنف رحمه الله خطأ مشهور وفي كلامه إشارة إلى أن تقديم الجاز والمجرور للحصر، وقال ابن مالك: أنه ورد استعماله في الإثبات وباب المجاز مضيق واسع. قوله: الا تخفى عليه خافية (يعني أن المقصود به تعميم علمه بأمورهم وخص ما ذكر لمناسبته للسبق السابق، وقوله: مما قدموا وأخروا لف ونشر وقوله وهو كالعلة بيان لانتظام الكلام وأنه ليس بأجنبيّ متخلل بين أحوالهم بل هو كالعلة لما قبله، كأنه قيل إنما لم يبدؤه بكلام ولم يعملوا بدون أمره لأنه عالم بجميع أمورهم وما يليق بهم ولذلك لم يشفعوا بدون رضاه. وقوله: فإنهم لإحاطتهم الخ بيان لوجه كونه تعليلا وتمهيداً وذلك إشارة إلى كونه لا تخفى عليه خافية وهو
معلوم من فحوى ما قبله من كونهم لا يقولون ولا يعملون ما لم يقل أو يأمر(6/249)
لا من دليل آخر ولا تقدير له في النظم كما قيل.
قوله: (أن يشفع له مهابة منه (المهابة معلومة مما بعده وفيه إشارة إلى الردّ على تمسك المعتزلة بهذه الآية على أنّ الشفاعة لا تكون لأصحاب الكبائر فإنها لا تدل على أكثر من أنه لا يشفع لمن لا ترتضي، الشفاعة له مع أن عدم شفاعة الملائكة لا تدل على عدم شفاعة غيرهم. وقوله عظمته ومهابته إشارة إلى قول الراغب أنّ الخشية خوف مشوب بتعظيم ومهابة فليس المراد أنها مجاز عن سببها كما قيل، وكيف يتأتى هذا مع تصريح المصنف بما ذكر. وقوله: مرتعدون أي شديد والخوف لأنه يكنى به عن ذلك كما يقال: أرعدت فرائصه خوفا وإلا فالارتعاد لا مناسبة له هنا أصلاً، وقوله: خص بها العلماء إشارة إلى قوله: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء} [سورة فاطر، الآية: 28، وما ذكره من الفرق مأخوذ من كلام الراغب وتعدى الخوف بمن ظاهر لأنه يقال خاف منه وأمّا تعدى الاعتناء بعلى فغير ظاهر فكأنه بملاحظة الحنوّ والعطف فكان الظاهر ذكره كما في الأساس. قوله: (من الملانكة) فسره به لتقدم ذكرهم واقتضاء السياق وكونه أبلغ في الرد والتهديد لكنه على سبيل الفرض إذ لم يقع ذلك بل لا يصح صدوره ولا نسبته لهم، ولو تركه كان أولى وإنما ذكره تشديداً في إنكاره وقوله البنوة بتقديم الباء. والدعاء مجرور معطوف عليه ونفي الادعاء من فحوى الشرط وقوله مدعي الربوبية بصيغة المفعول ليلائم ما قبله كما لا يخفى ويجوز كونه على زنة الفاعل. وجعل رأي علمية لأنهم لم يشاهدوا ذلك ولا داعي للمجاز. قوله: (من ظلم الخ (يجوز أن يكون المعنى مثل جزاء المشركين نجزي الظالمين مطلقا. قوله: (ذاتي رتق (يعني أن الإخبار به عن المثنى لأنه مصدر والحمل إما بتقدير مضاف أو بتأويله بمشتق أو لقصد المبالغة والمراد ذاتي رتق. والالتحام جعلهما كشيء واحد متداخل أو المراد بالوحدة وحدة الماهية والفتق الفصل بين المتصلين وهو ضد الرتق. فقوله: بالتنويع والتمييز لف ونشر مشوّس فإن كان رتقها التحامها ففتقها تمييزها بانفصال أجزائها وان كان إيجاد حقيقتها ففتقها جعلها أنواعا متغايرة في الحقيقة فمن جعلهما شيئا واحداً وفسره بضم الأعراض المنوّعة والتعينات المميزة لم يصب. قوله: (أو
كانت السموات واحدة الخ (التفسير الأوّل بناء على أق السموات والأرضين طبقات متباعدة متغايرة كما وردت به الآثار وهذا مبنيّ على خلافه، وأنّ السموات كقشور البصلة المتلاصقة وأنّ الأرض واحدة وان كلاً منها متحد الماهية لكنها غير متلاحمة فمعنى رتقها عدم تغايرها هيئة وصفة ومعنى فتقها اختلاف حركاتها وأقاليمها فلا يرد عليه ما قيل إنه كان الظاهر أن يقول بالعوارض! المشخصة لأنها جزء من الماهية المختصة بكل فرد منها بخلاف الحركات، وما ذكر في الأرض! غير ثابت عندنا والقائل به قائل بكونها رتقاً لكونها قديمة عنده. قوله: (وقيل كانتا بحيث الخ (معنى الفتق والرتق عليه ظاهر وقوله لا تمطر ولا تنبت لف ونشر مرتب والفتق والرتق استعارة على هذا. وقوله: سماء الدنيا الخ إما أن يريد جهة العلو منها أو جعلها شاملة للسحاب على الجمع بين الحقيقة والمجاز وقيل المراد بها السحب فإنّ السماء يطلق عليها والمطر منها وجمعها على ما ذكره كثوب أخلاق. قوله: (والكفرة وإن لم يعلموا ذلك فهم متمكنون (وفي نسخة يتمكنون جواب سؤال وهو أنه كيف يستفهم منهم على سبيل التقدير وهم أي الكفرة لا يعلمون ذلك ولم يروه على الوجهين في رأي إن جعلت علمية أو بصرية فأجاب أوّلاً بأنهم لما كانوا عقلاء متمكنين من علم ذلك نزل تمكنهم، وما هو بالقوّة فيهم منزلة ما هو محقق بالفعل فهو قريب من قولهم ضيق فم الركية وقوله: فإق الفتق عارض على الوجوه السابقة وهو بيان لطريق النظر وقيل: إنه على التفسير الأوّل للفتق والرتق فتأمل وقوله: مفتقر إلى مؤثر بيان لما يستدل به عليه من إثبات الصانع. وواجب أي واجب الوجود صفة مؤثر. وقوله ابتداء أو بوسط تقسيم للافتقار إلى المؤثر والصانع القديم وإن جميع الآشياء لا بد لها من أن ينتهي إسنادها إليه سواء كان بالذات كمخلوقات الله أو بالواسطة كالأشياء الصادرة منا. وقيل إن الابتداء على مذهب أهل الحق من أنه لا شرطية ولا علية والواسطة على مذهب غيرهم. وقد قيل عليه إنّ أصالة الرتق وعروض! الفتق مما لا يستقل به(6/250)
العقل وهو غير معلوم ولا تمكن معرفته بالنظر فلا يناسب قوله أو لم يروا، نعم الفتق لإمكانه مفتقر إلى واجب وهو معلوم بأدنى نظر وأيضا الفتق بالتحريك غير معلوم لا بالنظر ولا بالاستفسار والمطالعة. قوله: (أو استفساراً من العلماء (أي علماء أهل الكتاب الذين كانوا يخالطونهكلا. والمراد بالكتب الكتب السماوية قيل ويدخل فيها القرآن وإن لم يقبلوه لكونه معجزة في نفسه. ومطالعة يصح نصبه وجرّه وقيل الرتق القدر والفتق الإيجاد لأنّ العدم نفي محض فليس فيه ذوات متميزة فإذا وجدت الحقائق
فقد تميزت وهو الفتق، وهو كلام حسن يبنى التجوّز فيه على وجه آخر. وبعد كل كلام يبقى في المقام ما يحتاج إلى النظر. قوله: (وإنما قال كانتا ولم يقل كن الخ (يعني أنّ مرجعه جمع وهو السموات والأرض سواء كانت واحدة أو بمعنى الأرضين فكيف ثني ضميره فأجاب بأنه وحد كلا منهما باعتبار أنه نوع وطائفة وثني ضميره كما يثنى الجمع نحو لقاحين. قوله: (وجماعة الآرض) قيل إنه لم يذكره لتصحيح عود الضمير لأفراد الأرض! المستغنى عن التأويل لتصحيح الأخبار بكونها رتقا في الماضمي، يعني أن هذه الجماعة كانت رتقة ففتقناها فتأمل. قوله: (وفرئ رتقاً بالفتح (وقد قيل إنه مصدر أيضا فلا إشكال في إفراده وان قيل إنه صفة مشبهة فتوجيهه ما ذكره المصنف رحمه الله تعالى من أنه صفة شيء مقدر وهو اسم جنس شامل للقليل والكثير فيصح الإخبار به عن المثنى كالجمع، ويحسنه أنه في حالة الرتقية لا تعد فيه. قوله: (وجعلنا الخ (عطف على أن السموات الخ ولا حاجة إلى تكلف عطفها على فتقنا. وقوله: وخلقنا يعني جعل بمعنى خلق فهو ينصب مفعولاً واحداً وكل شيء بمعنى كل حيوان ومن ابتدائية ويؤيده التصريح به في قوله تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَ} الخ ولذا ذكرها المصنف رحمه الله وقوله: وذلك الخ توجيه لكونه مبدأ وماذة له وتخصيصه مع أنّ مواذه العناصر الأربعة. وقوله: ولفرط احتياجه إليه يشير به وبعدم عطفه بأو ليظهر التخصيص لأن التراب كذلك ولذا ورد خلقه من تراب وذكره في مقام آخر يقتضيه فلا وجه لما قيل إنّ الأولى أن يقول أو مع أنه وقع أو في بعض النسخ أيضاً وأيضا الخلق منه على طريق التشبيه كأنه خلق منه، وهو عدول إلى المجاز من غير ضرورة. وقوله: بعينه لإخراج التراب فإنه ينتفع بما يحصل منه كالنبات ولفظ بعينه فيه لطف هنا. قوله: (أو صيرنا (وجه ثان بجعل جعل بمعنى صير فينصب مفعولين وهما كل من الماء. وقوله: بسبب من الماء لا يحيا دونه هكذا في الكشاف والباء في قوله بسبب للملابسة والسبب بمعنى الاتصال إذ أصل معناه الحبل، ثم أطلق على كل وصلة ومن في قول المصنف من الماء بيانية والمراد أن من في النظم على هذا اتصالية كما في قوله: أنت مني وأنا منك فالمعنى صيرنا كل شيء حيّ متصلاً بالماء أي مخالطا له غير منفك عنه وإليه أشار بقوله لا يحيا دونه وليس بياناً للسببية إذ ليس المراد به معناه المعروت كما توهم. ومن الغريب هنا ما قيل إن العبارة ينبت مضارع نبت. والمراد بالشيء النامي إذ له نوع حياة وهو ناشئ عن قلة التدبر، والحامل لهم على هذا أنّ الشيء بعد اتصافه بالحياة لا ينشأ من الماء بل قبله فتدبر. قوله: (وقرئ حيا الخ (إذا كان الظرف لغواً فهو متعلق بقوله جعلنا لا بقوله حياً
وتخصيصه بالحيوان لأنه الموصوف بالحياة ويجوز تعميمه للنبات لقوله يحيي به الأرض بعد موتها لكنه خلاف الظاهر. وقوله: أفلا يؤمنون متفرّع على ما قبله لأن النظر فيه مقتض للإيمان. قوله: (كراهة أن تميل (قال في الكشف أنه بيان للمعنى لا أن هناك إضمار البتة ولذا كان مذهب الكوفيين خليقا بالرد وما في الانتصاف من أنّ الأولى أنه من باب أعددت الخشبة أن تميل الحائط أي لإدعامه إذا مال فذكر الميل عناية بشأنه ولأنه أنسب للإدعام فلا يخالفه. وما رذه بأن مكروه الله تعالى محال أن يقع والمشاهدة بخلافه فكم من زلزلة أمادت الأرض! فليس بالوجه لأن ميدودة الأرض! غير كائنة وليست الزلزلة في شيء منها، وقيل المراد بقوله تضطرب دوامها على الاضطراب فلا ترد الزلازل فتأمل، وقوله لأمن الإ اجاس أي جاز حذف لا النافية لأمن الإلباس وهو مذهب الكوفيين. قوله: (مسالك (تفسير للسبل وواسعة تفسير للفجاج ولم يقل واسعات لأنه يختار ضمير(6/251)
المفرد المؤنث مع جمع الكثرة وضمير الجمع مع القلة فتقول الجذوع انكسرت والإجذاع انكسرت كما في شرح المفصل واعترض على قوله وهو وصف بأنه اسم لا صفة لدلالته على ذات معينة فإنه الطريق الواسع والاسم يوصف ولا يوصف به، ولذا وقع موصوفا في قوله تعالى: {فَجٍّ عَمِيقٍ} [سورة الحج، الآية: 27، والحمل على تجريده عن دلالته على ذات معينة لا قرينة عليه، فالصواب أن سبلاً بدل منه ليدل على أنه مع السعة نافذ مسلوك وفجاجا في سورة نوج بدل أيضا ليدل على أنه مع المسلوكية واسع وستأتي نكتة ذلك ثمة) قلت) هذا ليس بشيء لأن معناه مطلق الواسع، ولذا يقال جرج فج وأما تخصيصه بالطريق فعارض وهو لا يمنع الوصفية، ولو سلم فالمراد أنه في معنى الوصف كما صرح به في الكشاف لأن السبيل الطريق والفج الطريق الواسع فلدلالته على معنى زائد كان كالوصف فإذا قدم يكون ذكر السبيل بعده لغوآ، لو لم يكن حالا كما سنبينه والذي أوقعه فيه قول الفاضل اليمني في المطلع أنّ سبلاً تفسير للفجاج وبيان أن تلك الفجاج نافذة فقد يكون الفج غير نافذ. فإن قلت لم قدم هنا وأخر هناك قلت تلك الآية واردة للامتنان على سبيل الإجمال وهذه للاعتبار والحث على إمعان النظر وذلك يقتضي التفصيل ومن ثمة ذكره عقب قوله: كانتا رتقا الخ انتهى. قوله: (فيدل على أئه حين الخ (يعني أن نكتة تقديمه أن صفة النكرة إذا قدمت صارت حالاً فيدل ذلك على أنه في حال جعلها سبلا كانت واسعة ولو كانت صفة لم تدل على ذلك. وقيل: إنها حال مقدرة فتدل على أنها حين جعلت كانت مستعذة لذلك ولا وجه له، وقوله فيدل ضمناً الخ وجهه أن المقصود بالنسبة هو البدل فيدل على أن
خلقها وتوسيعها لأجل السابلة فلا شبهة فيه كما توهم والمبدل منه ليس في حكم السقوط مطلقا حتى يتوهم أنه لا يدل على السعة والتوكيد لأنه كالتكرار أو لأنه على نية تكرير العامل. قوله: (إلى مصالحهم (لا إلى الاستدلال على التوحيد وكمال القدرة والحكمة كما قيل لاً نه في غنى عنه بقوله: {وَهُمْ عَنْ آياتها مُعْرِضُونَ} وخلق السبل لا تظهر دلالته على ما ذكر. قوله ة (عن الوقوع بقدرته (متعلق بمحفوظا وكذا ما بعده باعتبار الوجود وخص الأوّل بالقدرة لأنه أمر موجود تعلقت به القدرة، وذكر فيما بعده المشيئة لأنه مخصوص بوقت والمشيئة والإرادة من شأنها تخصيص المقدور. وأما الثالث فظاهر إلا أنه قيل عليه إنه يكون ذكر السقف لغواً لا يناسب البلاغة فضلا عن الإعجاز. وقيل في وجهه أن المراد أن حفظها ليس كحفظ دور الدنيا فإن السراق ربما تسلقت من سقوفها بخلاف هذه ولك أن تقول إنه للدلالة على أن حفظها عمن تحتها فتأمل. قوله: (أحوالها الدالة (فالآيات الدلائل والأمارات. وقوله: يبحث عن بعضها الخ كان الظاهر تركه وفي قوله وهو الذي التفات وقوله: كل من ذلك مثال لقلوب الكل. قوله: (أي كل واحد منهما (هو ما وقع هنا في الكشاف بعينه وهو لا يخلو من خفاء أو خلل وشراح الكشاف لم يتعرضوا له هنا وتحقيقه أن كلا إذا أضيفت إلى نكرة. قال النحاة يجب مراعاة معناها وافراد الضمير مع المفرد نحو كل رجل قائم ولا يجوز قائمون وخالفهم أبو حيان فيه فجوّز الوجهين مع ما عليه من قيل وقال وقد أفرده السبكي رحمه الله بتأليف قال في المغني فإن قطعت عن الإضافة قال أبو حيان يجوز مرأعاة اللفظ نحو كل يعمل على شاكلته ومراعاة المعنى نحو وكل كانوا ظالمين والصواب أن المقدر يكون مفرداً نكرة فيجب الإفراد كما لو صرّج به، ويكون جمعا معرفا فيجب الجمع وان كان لو ذكر لم يجب ولكن فعل ذلك تنبيها على حال المحذوف فيهما فالأوّل نحو كل يعمل على شاكلته إذ التقدير كل أحد والثاني نحو كل له قانتون كل في ذلك يسبحون أي كلهم انتهى وهو مخالف لما ذكره الشيخان إذ قدراه نكرة مفردة والخبر جمع نعم هو موافق لكلام أبي حيان رحمه الله، وكفى به سندا ثم إنّ هذا الاختلاف في الضمير الراجع لكل لا في الاسم الظاهر المذكور بعدها في نحو فرقت المائة فأعطيت لكل رجل درهما فلا يصح، أن يقال دراهم لفساد المعنى ولو سلم فالإفراد لا يحتاج لتأويل لأنّ النكرة هنا للعموم البدلي لا الشمولي بلا شبهة وليس هذا مثل كساهم حلة:
شتان بين مشرق ومغرب
فالذي يقتضيه حسن الظن بالسلف أن يقال المراد بقولهم المراد بالفلك الجنس الفرد
الشائع لا الكلي المؤوّل بالجمع ويكون المثال نظيراً له(6/252)
في ذلك مع قطع النظر عما عداه فمن كتب عليه هنا أن قوله والمراد الخ وجه آخر وان كان حقه أن يقول أو الخ زاد في الطنبور نغمة. وقوله: كساهم الأمير حلة أي كسا كل واحد منهم حلة لا جنس الحلة لأنه لا يكسوهم حلة واحدة. قوله: (منهما (أي من الشمس والقمر وفي نسخة منها وهي غلط من الناسخ فما قيل إنها لليل والنهار والشمس والقمر ويؤيدها قوله يسبحون لا وجه له. قوله: (يسرعون على سطح الفلك الخ) قيل عليه حق التشبيه أن يكون المشبه به أقوى في وجه الشبه وهذا ليس كذلك فلا يليق في أبلغ الكلام وردّ بأنه ليس كذلك فإنّ سرعة الكواكب بحركتها الخاصة غير مشاهدة حتى أنكرها بعضهم بخلاف حركة السابح. يعني أنه لا بد فيه من كونه أقوى أو أعرف وأشهر وهذا من الثاني، لا من الأوّل وقد قيل إنه استعارة تمثيلية. قوله: (وهو (أي لفظ يسبحون خبر كل وقد عرفت ما فيه فقوله في ذلك حال ويجوز العكس وجعل في ذلك متعلقا بيسبحون وجملة كل الخ حالية والرابط الضمير دون واو بناء على جوازه من غير قبح كما مرّ ومن استقبحه جعلها مستأنفة، وعدم اللبس لأنّ الليل والنهار لا يوصفان بالسبح، وان جوّزه بعضهم وقوله جمع باعتبار المطالع كما قيل الشموس والأقمار وواو العقلاء ضميرهم لأنها مختصة بهم. وقوله: لأنّ السباحة فعلهم فيكونون عقلاء ادعاء وينزلون منزلتهم، وإذا كنت تمثيلا لا يحتاج للتأويل. وأورد عليه أنّ كثيراً من الحيوانات يسبح كما نثاهده وإنما المختص بالعقلاء السبح الصناعي المكتسب وهو المراد ويدل عليه قوله السباحة فإن فعالة مخصوصة بالصنائع كما ذكره النحاة. قوله: (فقل الخ (هو من شعر لعروة بن مسيك المرادي الصحابي رضي الله عنه وفي بعض شروح الكشاف عزوه لغيره وقبله:
إذا ما الدهر جرّ على أناس كلا كله أناخ يآخرينا ...
والكلا كل الصدور يعني أن الدهر لا ينجو أحد من رببه فقل للشامتين تنبهوا لهذا وانتهوا
عن الش! اتة فإنه سيحل بكم ما حل بنا، والشامت الذي يفرح بمصيبة غيره. وأفيقوا بمعنى تنبهوا استعارة وقوله: إذا ما الدهر الخ فيه استعارة مكنية وتخييلية. قوله: التعلق الشرط (وفي نسخة لتعليق الشرط أي لجعل الجملة الشرطية متعلقة بما قبلها مترتبة عليها مسببة عنها فليست
عاطفة على مقدر كما في قوله قبله وما جعلنا ليشر من صلك الخلد الخ لأنه يلزم من عدم تخليد أحد من البشر إنكار بقائهم، والمراد بالفاء الداخلة على أن لا ما في جواب الشرط قوله لإنكاره أي إنكار مضمون الجملة الثرطية وهي في الحقيقة لإنكار الجزاء وقوله بعدما تقرر بصيغة الماضي وذلك إشارة لما قبله وهو عدم خلود بشر. قوله: (ذائقة مرارة مفارقتها جسدها (إشارة إلى أنّ الموت بمعناه المعروف لا مجاز عن مقدماته وآلامه فإنه قبل وجوده يمتنع إدراكه وبعده هو ميت لا إدراك له وفي قوله مرارة إشارة إلى أنه استعارة مكنية وذائقة تخييلية فتدبر. قوله: (وهو برهان على ما أنكره (أي ما أنكره الله عليهم وهو قوله أفإن مت وهو نفي خلودهم وفي نسخة أنكروه بصيغة الجمع أي جهلوه حتى تشمتوا بمن مات أو جعل شماتتهم كأنها إنكار فلا وجه لما قيل إنه لا وجه لهذه النسخة. قوله: (ونعاملكم الخ (يعني نبلو بمعنى نختبر وهو هنا استعارة تمثيلية، وقدم الشرّ لأنه اللائق بالمنكر عليهم. وقوله: ابتلاء تفسير لفتنة لا مفعول له، وجعله مصدرا من غير لفظه على أنه مفعول مطلق ومن جعله مفعولاً له أو حالاً لم يفسره بالابتلاء حتى يلزم تعليل الشيء أو تقييده بنفسه. وقوله: فنجازيكم الخ إشارة إلى أنه كناية عما ذكر وقوله: وفيه أي في قوله نبلوكم الخ وقوله: بأن الأولى إلى أن وكأنه ضمنه معنى التصريح، وما سبق عدم الخلود وما تضمنه. قوله: (ما يتخذونك (إشارة إلى أن إن نافية والظاهر أن جملتها جواب إذا، وهي إذا وقعت جواب إذا لا يلزم اقترانها بالفاء كما النافية بخلاف غيرها من الشروط فإنه يلزم فيه الفاء. وقوله: مهزؤا به إشارة إلى أنه مفعول ثان لأتخذ مؤؤل بما ذكر ونحوه أو جعلوه عين الهزء مبالغة. وقوله: ويقولون بالواو العاطفة على جملة أن يتخذونك إشارة إلى أنه ليس جواب إذا ولا حالاً بتقدير القول كما قيل(6/253)
وقوله: وإنما أطلقه أي الذكر مع أن المراد به الذكر بسوء كما قدره لدلالة الحال عليه كما بينه ودلالة همزة أهذا على الإنكار والتعجب المفيدين لما ذكر بالقرينة الحالية أيضاً مع أن قرينة الحال قد دلت على ما ذكر بدونه كما في قوله: {سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ} [سورة الأنبجاء، الآية: 60، فالمعوّل عليها لاطرادها فلا وجه للإنكار على المصنف بما ذكر. قوله: (بالتوحيد (يعني أنه مصدر مضاف لمفعوله وذكرهم توحيده وعلى كونه بمعنى إرشاد الخلق هو مضاف للفاعل قيل ويجوز أن يكون للمفعول، وقوله: رحمة عليهم إشارة إلى نكتة اختيار لفظ الرحمن وهو تأييد لهذا
الوجه. وقوله: أو بالقرآن تفسير لقوله: بذكر الرحمن وليست الباء فيه متعلقة بذكر كما في الوجهين السابقين والإضافة لامية إلى منزله. وجوّز تعلق الباء بذكر أيضا على أنه بمعضى الموعظة ويجوز عطفه على قوله ببعث الرسل. وقيل مفاه قولهم ما نعرف رحمن إلا مسيلمة وهذه الجملة في موضع الحال من فاعل يتخذونك لا بيقولون كما يشير إليه قوله: فهم أحق الخ وقوله: منكرون الإنكار لا يتعدى بالباء لكنه عدى بها نظر اللفظ الكفر. قوله: (وتكرير الضمير للتكيد والتخصيص) التأكيد من تكريره والتخصيص لكونه فاعل كافرون يعني قدّم عليه بناء على إفادة هو عارف التخصيص، والصلة بقعنى المتعلق وهو بذكر المقك م للفاصلة فأعيد للتذكير به فتأمّل. قوله: (كأنه خلق منه لفرط استعجاله) يعني أنه استعارة إما مكنية بتشبيه العجل لكونه مطبوعاً عليه بمادّته ويجوز أن تكون تصريحية والمراد بالإنسان الجنس أو آدم عليه الصلاة والسلام لسريان ماله لأولاده وقد كظرّف فيه بعض المتأخرين فقال:
إنسان عيني بتعجيل السهاد ملي عمري لقدخلق الإنسان من عجل ...
وقوله ما طبع عليه أي جعل طبعا وغريزة له والمطبوع عليه بمعنى المخلوق عليه ويجيء الدطبوع بمعنى مقبول الطباع وكونه على القلب ضعيف لأنه قلب غير مقبول لكونه محتاجا للتأويل بأنه جعل من طبائعه وأخلاقه للزومه له والذاهب إليه استدل بأنه قرئ به في الشواذ وقيل العجل الطين بلغة حمير وأنشد عليه أبو عبيدة فقال:
النبع في الصخرة الصماءمنبته والنخل منبته في الماءوالعجل ...
قال الزمخشري: والله أعلم بصحته وقوله: حين استعجل العذاب وقال: اللهمّ إن كان
هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من المسماء. قوله: (نقماني (جمع نقمة بمعنى انتقام وفسره به لأنه المناسب للمقام وهي آية لكونها تصديقاً لما وعد به، وقوله: بالإتيان بها أي لا تطلبوا تعجيل الإتيان بها. قوله: (والنهي عما جبلت عليه ففوسهم) وهو الاستعجال كما دلّ عليه أنه مخلوق من العجل وليقعدوها بمعنى ليمنعوها عما تريده النفس الأمّارة بالسوء وليس هذا من التكليف بما لا يطاق لأنّ الله أعطاها من الأسباب ما تستطيع به الكف عن مقتضاها. ومتى في موضمع رفع خبر لهذا والوعد صفته. قوله: (وقت وعد العذاب) وقت الوعد هو وقت
وقوع الموعود به وهذا سائغ في الاستعمال فلا حاجة إلى تقدير مضاف وهو الإيجاز أو جعله من إضافة الصفة إلى الموصوف أي العذاب الموعود به كما قيل. وقوله: عن وجوههم قدمه لأن الدفع عنه أهم من غيره. قوله: (محذوف الجواب) أي جواب لو محذوف وهو قوله لما استعجلوا. وقيل: لو للتمني لا جواب لها وقوله من كل جانب يفهم من ذكر الإحاطة. وقوله: يستعجلون منه كان الظاهر يستعجلونه ولكنه نظر إلى معناه وهو يطلبون منه وأمّا تضمينه معنى الاستعلام فهو ركيك. وقوله: لا يقدرون الخ معنى لا يكفون وترك المفعول لتنزيله منزلة اللازم وقوله: يعلمون بطلان ما عليهم بيان للمقدر كذا في النسخ والظاهر ما هم عليه ولذا قيل إنه قلب وهو استئناف جواب سؤال مقدر وهو متى يعلمون فقيل يعلمون حين لا ينفعهم علمهم والظاهر هو الذين كفروا فذكره لبيان إنّ الذي أوجب لهم ما ذكر كفرهم فإنّ الوصف يشعر بالعلية وقوله العدة في نسخة العذاب وهو تحريف، وقوله: مصدر أي من غير لفظه وفتح غين بغتة لغة وقيل(6/254)
إنه يجوز في كل ما عينه حرف حلق فإذا كان حالاً فمعناه مفاجأته. وقوله: فتغلبهم معنى كناتي إذ أصل معناه الحيرة والدهشة ويقال للمغلوب مبهوت. وقوله: والضمير الخ جوّز فيه أن يكون للعذاب المعلوم مما مرّ أو للنار لتأويلها به.
قوله: (لآن الوعد) أي بمعنى الموعود وهو توجيه لتأنيثه وكونه بمعنى العدة إذا لم يؤوّل والتذكير بإمهالهم من فحوى نفيه عنهها في ذلك الحين. وقوله: تسلية فهو راجع إلى قوله: {إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا} [سورة الأنبياء، الآية: 36] وقوله: يعني جزاءه إشارة إلى أنه مجاز. وقوله حن بأسه فهو بتقدير مضاف بقرينة الحفظ لأنه إنما يصان عما يكره وقوله: إن أراد بكم
فلم تستعجلونه. قوله: (وفي لفظ الرحمن (جواب عن أنه غير مناسب للمقام بأنه تنبيه على أنه لا حفظ لهم إلا برحمته وتلقين للجواب. وقيل إنه إيماء إلى شدته كغضب الحليم وتنديم لهم حيث عذبهم من غلبت رحمته ودلالة على شدة خبثهم، وقوله: وانّ اندفاعه أي البأس بسبب الرحمة إنما هو إمهال لا إهمال. وحتى غاية لقوله: يخافوا والمراد إذا جاء وقت الكلاءة. قوله تعالى:) {بَلْ هُمْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِم مُّعْرِضُونَ} (قيل إنه إضراب عن مقدر أي أنهم غير غافلين عن الله لتوسلهم بآلهتهم له وإنما إعراضهم عن ذكره ليناسب التذكير ويتأتى السؤال وهذا مع وضوحه غفلوا عنه، ورد بأن السياق لتجهيلهم والتسجيل عليهم بأنهم ذكروا فيما ذكروا بقوله: لا يسمع الصمّ وما ذكر يقتضي عكسه. وقوله: غير غافلين مناف لصريح النظم. قوله: الا يخطرونه ببالهم (يعني أنهم لتوغلهم في عبادة آلهتهم كأنه تعالى لا يخطر ببالهم فلا يرد عليه أنه لا يبقى حينئذ وجه للسؤال وتضيع عبارة الذكر ويخل ذلك بالمقصود وقد مر أن الأمر بالسؤال للتسجيل والتجهيل ولعدم انتفاعهم بالذكر نزلوا منزلة المعرضين عنه كقوله: {قُلْ إِنَّمَا أُنذِرُكُم بِالْوَحْيِ وَلَا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعَاء} [سورة الأنبياء، الآية: 45] كما قرره هو ثمة وفي قوله: وصلحوا للسؤال إشارة إلى ما ذكر. قوله: (بل الهم آلهة الخ (يعني أن أم منقطعة مقدرة ببل والهمزة على المشهور والاستفهام للإنكار أو للتقرير بما هو في زعمهم تهكما وليس في كلام المصنف رحمه الله ما يعين هذا كما توهم. وقوله: تتجاوز منعنا هو معنى قوله من دوننا فهو صفة بعد صفة أو حال من فاعل تمنعهم، وقوله: وإلا ضربان أي ببل وأم. وقوله: فإنه أي السؤال من المعرض المشار إليه بالإضراب الأوّل فالمعرض! جدير بأن لا يسئل منه. وقوله: وعن المعتقد لنقيضه من الإضراب الثاني وهو من قوله أم لهم آلهة تمنعهم من دوننا فإن منع الآلهة بحفظها لهم وهو مناف لكون الحافظ هو الله وهو المسؤول عنه فما قيل إن مبناه فاسد وأنّ الثاني فرية بلا مرية لا وجه له ولا يلزم في دفعه تعين كون الاستفهام تقريريا كما مر لأنّ إنكاره ليس بمعنى أنه لم يكن منهم زعمه حتى ينافي هذا بل إنه لم كان مثله مما لا حقيقة له، والمراد بالشيء مضمون أن الكالىء هو الله والغفلة عن ذكر الله غفلة عن أنه الحافظ لهم. قوله تعالى: ( {لَا يَسْتَطِيعُونَ} (أي لا تستطيع الآلهة نصر أنفسهم فكيف تنصرهم فهذه الضمائر للألهة بتنزيلهم منزلة العقلاء قيل وفيه تفكيك الضمائر ولو جعل المعنى لا تستطيع الكفار نصر
أنفسهم بآلهتهم ولا يصحبهم نصر منا كان أظهر. وقوله: يعجبون أي يجاوزون يقال صحبك
الله أي أجارك وسلمك كما في الأساس وقوله: ما اعتقدوه وهو نفع آلهتهم وحفظها. وقوله:
ولا يصحبه نصر من الله إشارة إلى أنّ معنى ولاهم منا يصحبون أنهم غير مصحوبين بصاحب
مسخر من عنده حفظهم وتأييدهم كما ورد في الحديث اللهئم أنت الصاحب في السفر والخليفة
في الأهل كما مرّ وقيل إنّ الجار والمجرور صفة موصوف محذوف تقديره ولا هم ينصر منا
يصحبون. قوله: (إضراب عما توهموا (وهو أنّ تعميرهم وتأخير إهلاكهم نفع من آلهتهم فهو
في الحقيقة إضراب عن الإضراب الثاني. قوله: (أو عن الدلالة على بطلانه ببيان ما أوهمهم
ذلك (أي هو إضراب عما دل على بطلان توهمهم وهو قوله لا يستطيعون فهو إضراب انتقاليّ
عن الإبطال إلى بيان سببه. وقوله: وإنه أي الإمهال لا حسبانهم أنهم لا يزالون كذلك، وما
هم عليه عبادة آلهتهم وقوله: ولذلك أي للوجه الثاني. قوله: (أرض الكفرة (فالتعريف للعهد.
وقوله: تصوير أي لم يقل إنا ننقص الأرضى من أطرافها وزاد قوله(6/255)
نأتي الأرض لتصوير كيفية
نقصها وتخريبها فإنه بإتيان الجيوش ودخولها فأصله تأتي جيوس المؤمنين لكنه أسنده لنفسه
تعظيما لهم وإشارة إلى أنه بقدرته ورضاه وفيه تعظيم للجهاد والمجاهدين، ويجريه إمّا من
الأفعال أو التفعيل وهذه الآية مدنية نازلة بعد فرض الجهاد كما مرّ فلا يرد أن السورة مكية
والجهاد فرض! بعدها حتى يقال إنها أخبار عن المستقبل. قوله: (رسول الله والمؤمنين (بيان
لمفعوله المقدر وتعريف الغالبين للجنس أو للعهد وهو كناية عن أنّ الغلبة والعزة للمؤمنين
وقوله: بما أوحى إشارة إلى أنّ التعريف للعهد ويصح أن يكون للجنس، وقوله: بالياء من
الأفعال وضمير الغيبة للنبيّ صلى الله عليه وسلم أيضا ووضعه موضع ضميرهم إذ أصله بسمعهم أو لا يسمعون،
والتصامّ إظهار الصمم بالتكلف وهو من دلالة الحال لا من اللفظ، وقوله: وعدم انتفاعهم
إشارة إلى أنّ عدم سمعهم استعارة له، وقوله: بالدعاء فيه إنّ أعمال المصدر معرفاً قليل، لكن
التوسع في الظرف سهله. قوله: (والتقييد به لأنّ الكلام في الإنذار الخ) يعني أنهم لا يسمعون
كلامه سواء كان إنذارا أولاً ووصفهم بالصمم يقتضي أنهم لا يسمعون مطلقا فالتقييد به إفا لأن المقام مقام إنذار أو لأن من لا يسمع إذا خوّف كي يسمع في غيره فهو أبلغ. وأمّا أنه إذا أطلق يفيد هذا بطريق برهانيئ فيكون أبلغ لأنه يلزم من عدم سماعهم لشيء ما عدم سماعهم للإنذار كما قيل فلا يفيد التجاسر وعدم الخوف من الانتقام الإلهيّ دمانما يفيد أنه شأنهم فهذا مع أبلغيته من وجه أنسب. قوله: (أدنى شيء (تفسير للنفحة وذكر ما فيه من المبالغات وزاد السكاكي فيها رابعة وهي التنكير واعترض على مبالغة المس بأن المس أقوى من الإصابة لما فيه من الدلالة على تأثر حاسة المحسوس، وقد ذكره المصنف في سورة البقرة. وفيما ذكره هنا منافاة له ولا يخفى أنّ المصنف رحمه الله لم يجعل المبالغة فيه بالنسبة للإصابة بل لوقوعه في هذا المقام دون ذكر النزول وغيره مما يلائم العذاب وأنّ المس صمان كان أبلغ من الإصابة من هذا الوجه فهو لا ينافي كونها أبلغ لما فيها من الدلالة على النفوذ ونحوه ولذا كانت أبلغ من الذوق مع تأثر الحاسة فيه مع أن تأثر الحاسة هنا ضعيف جداً لا يقاوم الإصابة لكون الماس هبوب الريح فالضعف والقوّة فيه بالنظر للماس فتأمّل. قوله ة) من الذين ينذرون) ذكره للدلالة على شدة ارتباطه بما قبله. وقوله: توزن الخ، جواب عما يقال الأعمال أعراض لا توزن مع أنه جوّز أن تجسم وقت الوزن وإرصاد الحساب إظهاره واحضاره، والسوقي بمعنى التاتم وقوله: وافراد القسط جواب عن وصف الموازين به ولذا قيل إنه مفعول له حتى يستغني عن ذلك، وجزاء يوم القيامة بمعنى الجزاء الواقع فيه فاللام للتعليل أو بمعنى في ويصح جعلها للاختصاص كما في المثال المذكور. قوله: ( {فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا} من حقها أو من الظلم) الأوّل إشارة إلى أنه منصوب على أنه مفعول به والثاني إلى أنه منصوب على المصدرية وقد فسر الظلم هنا بالنقص من الثواب الموعود أو الزيادة في العذاب المعهود، وقيل عليه إنه إذا تعدى لمفعولين كان بمعنى المنع أو النقص ولا يمكن اعتبار واحد منهما في زيادة العذاب. ولا وجه له فإنه يصح تفسيره بما ذكروه ودلالته على عدم الزيادة بطريق إشارة النص واللزوم المتعارف 0 وقيل إن هذا القائل جعل الظلم بمعناه المشهور وانتصاب شيئاً على الحذف والإيصال أي في شيء من حقه كما في قوله: صدقناهم الوعد فيصح اعتباره في زيادة العذاب بمعنى المنع أو النقص، وإلا فلا
تشمل الفكرة الواقعة في سياق النفي النفوس الفاجرة- وحبة خردل كناية عن غاية القلة- وقوله: وان كان العمل الخ بيان لأنّ الضمير راجع لشيئا بتفسيريه لكنه عبر عنه بالعمل لأنه المراد من توله حقها توضيحا فلا يقال إنّ الأولى أن يقول وان كان حقها وان شرطية جوابها أتينا ويجوز كونها وصلية وجملة أتينا مستأنفة قيل والمراد بالظلم في قوله: أو الظلم ظلم أنفسهم وغيرهم، وقد يحمل على ما يفعل به من النقص أو الزيادة ربط قوله أتينا بها عليه لا يخلو عن تعسف وفيه تأمّل. قوله: (أحضرناها (هذا معناه على القصر والباء للتعدية وتفسرها القراءة الآتية جئنا بها، وأمّا على قراءة المد فاختلف فيها فقيل هو من الأفعال وأصله أأتينا(6/256)
فأبدلت الهمزة الثانية ألفا قال المعرب كذا توهم بعضهم وهو غلط قال ابن عطية تبعا لابن جني ولو كان آتينا بمعنى أعطينا لما تعدّى بحرف جرّ انتهى. والمصنف رحمه الله لما رأى هذا جعلها مجازا عن المجازاة وهي تتعدى بالباء تقول جازيته بكذا فلذا قال إنه قريب من الإعطاء أي يشبهه فمن غفل عنه فسره بالإعطاء. ورد قوله: قريب منه وكذا من قال إنّ الباء للسببية أو للمقابلة والمفعول محذوف أي آتيناها بها. قوله: (أو من المؤاتاة الخ (بالهمزة يعني أنه مفاعلة من الإتيان بمعنى المجازاة والمكافأة لأنهم أتوه بالأعمال وأتاهم بالجزاء، فهو مجاز والباء للتعدية أيضا فقوله: فإنهم الخ تصحيح لمعنى المفاعلة وبيان لأنها مجاز إذ حقيقته تقتضي اتحاد الطرفين في المأتيئ به وهو قريب من عالج الطبيب المريض كما مرّ تحقيقه في قوله تعالى: {يُخَادِعُونَ اللهَ} فمن قال إنه لا يصح إلا أن يراد بيان محصل المعنى لا تعيين المفعول لم يصب. ومعنى إتيان الله بأعمالهم مجارّاتهم. قوله: (وجئنا (أي قرئ جئنا. وقوله: والضمير أي ضمير أتينا بها للمثقال لاكتسابه التأنيث من المضاف إليه وهذا مشكل على قراءة النصب وجعل الضمير الذي هو اسم كان للظلم فإنه الظلم المنفي فلا يصح معنى أن يجعل مأتيا به، وقد مرّ توجيهه بأنه الظلم الصادر من العباد لأنفسهم أو لغيرهم ولا يخفى بعده ولذا قيل إنه مخصوص بإرجاعه للعمل فتأمّل. وقوله: حاسبين تمييز أو حال والإصابة في الحساب تقتضي العلم والعدل. قوله: (أي الكتاب الجامع الخ) يعني انّ المتعاطفات متحدة بالذات متغايرة بتغاير ما تضمنته من الصفات وقد يعد مثل هذا العطف تجريدا نحو مررت بالرجل الكريم والنسمة المباركة ولا بعد فيه. وقوله: يستضاء الخ أي يهتدى به فهو استعارة تصريحية متضمنة
لتشبيه الحيرة والجهل بالظلمة وقوله: يتعظ الخ إشارة إلى أن الذكر إمّا بمعنى التذكير والعظة أو بمعناه المعروف، ومنهم من فسر الذكر بالشرف كما مر وتخصيصه بالمتقين لأنهم المنتفعون به كما في الوجهين الآخرين. واطلاق الفرقان على النصر لفرقه بين الوليّ والعدوّ والضياء حينئذ أمّا الشريعة أو التوراة أو اليد البيضاء والذكر التذكير أو الوحي وتفسيره بفلق البحر ظاهر لأنّ الفرق والفلق أخوان، والعطف واقع بين المتغايرات بالذات على هذا وعدم العطف يؤيد التفسير الأوّل وقوله صفة للمتقين ويجوز كونه بدلاً. قوله: (حال من الفاعل أو المفعول (أي غائبين عن أعين الناس بقلوبهم أو غائباً عنهم بمعنى غير مرئي في الدنيا وقد مرّ تفصيله في البقرة وقوله: خائفون فسره به لتعديه بمن كما مر تحقيقه، والمبالغة من الجملة الاسمية والتعريض إفا بعدم خوف غيرهم بناء على أنّ مثل هذا التقديم يفيد الحصر، وفيه كلام في المعاني ويجوز أن يكون تقديم من الساعة للتعريض بعدم خوف عذابهم والظاهر أنّ المراد الأوّل وقوله يعني القرآن بقرينة الحال والإشارة بهذا لقرب زمانه أو سهولة تناوله. قوله: (استفهام توبيخ (لأنهم لا ينبغي لهم إنكاره لأنهم أهل لسان عارفون بمزايا إعجازه، وتقديم له للفاصلة أو للحصر لأنهم معترفون بغيره مما في أيدي أهل الكتاب وقوله واضافته الخ لأنه رشد مخصوص به وهو عليه الصلاة والسلام نبيّ عظيم فما يختص به من الرشد لذلك خصوصاً وقد أسند الإيتاء إليه بضمير العظمة. وكونه من قبل موسى وهرون أو محمد عليهم الصلاة والسلام بقرينة ما قبله ولذا مرض! الوجه الأخير وأخر. لعدم ما يدلّ عليه لولا معرفة حاله ووروده. قوله: (علمنا أنه أهل لما آتيناه الخ (والأهلية من جملة ما أعطيناه أيضاً. وقوله أو جامع لمحاسن الأوصاف يعني متعلق العلم إمّا أهليته أو ما فيه من الكمالات الوهبية التي أعطاها له تفضلا منه لقوله: {وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ} [صورة الأنبياء، الآية: 51] على ما فسره به. فسقط ما قيل من أنّ الحوادث تستند إلى الموجب القديم العالم بالذات بواسطة حصول الشرائط والاستعداد على زعم الفلاسفة وقوله: وقرئ رشده أي بفتجتين وعلى كل يفيد أنا إنما آتيناه ما ذكر لما فيه من المزية التي علمناها فلولا علمنا لم نؤته فيدل على كونه باختبار منه وعلى علمه بأحواله الجزئة فثبت ما ذكر إذ لا قائل بالفرق. وكون علمه بالجزئيات على وجه كلي كما قاله
الفلاسفة خلاف الظاهر، وأما كون أفعاله مبنية على الحكمة فغنيّ عن البيان.(6/257)
قوله: (متعلق بآتينا. أو برشده الخ) ويجوز تعلقه بعالمين وهو أظهر في الدلالة على تعلق علمه تعالى بالجزئيات وتعلقه بما ذكر على المفعوليه لفسماد معنى الظرفية.. قوله: (تحقير لشأنها الخ (التحقير من الإشارة بما يشار به للقريب كما بين في المعاني ومن تسميتها تماثيل وهي صورة بلا روح مصنوعة فكيف تعبد والإجلال من العكوف على عبادتها وقوله: لا للتعدية لأنه يتعدى بعلى فهي متعلقة بمحذوف لا للبيان كما في قوله للرؤيا تعبرون أو للتعليل وأمّا جعلها للاختصاص الملكي على أنها خبر وعاكفون خبر بعد خبر فبعيد ويجوز تعلقه به بتأويله بعلى أو يؤوّل العكوف بالعبادة فاللام دعامة لا معدية لتعديه بنفسه ويرجحه ما بعده وقوله: أنتم فاعلون إشارة إلى أنه منزل منزلة اللازم ويجوز تقدير متعلقه أي عاكفون على عبادتها. قوله: (وهو جواب عما لزم الاستفهام الخ (من بيان لما يعني أنه لما سأل عنها وهي مشاهدة معلومة حملوه على السؤال عن سبب عبادتها بقرينة توصيفها بالتي أنتم لها عاكفون والا كان ضائعا وسماه سؤالاً بناء على ظاهره إذ القصد التوبيخ. قوله: (منخرطون في سلك ضلال لا يخفى (تفسير للخبر وهو في ضلال واشارة إلى أنّ في للدلالة على تمكنهم في ضلالهم وأنه ضلال قديم موروث فهو أبلغ من ضمالين على ما مرّ تحقيقه في قوله: من القانطين، ولو قال منخرطين كان أظهر وسلك الضلال استعارة أو من قبيل لجين الماء ولا يخفى تفسير لمبين والفريقين هم وآباؤهم. وقوله: والتقليد أي في الأصول لا في الفروع لأنه جائز بالاتفاق ومن علم بصيغة المجهول هو المقلد بالفتح والعالم هو المقلد أو غيره ولذا قال في الجملة. قوله تعالى: ( {أَمْ أَنتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ} ) أم متصلة كما أشار إليه المصنف رحمه الله ويحتمل أن تكون منقطعة وقوله على وجه الملاعبة ولغلبة ظنهم أتوا بالجملة الاسمية المؤكدة في المعادلة وقالوا من اللاعبين الذي هو أبلغ من لاعب، والجد بالكسر خلاف اللعب. قوله: (إضراب عن كونه لاعبا) كأنه يقدره بل المعبود أو الإله الحق رب السموات والأرض! الخالق لهذه ولغيرها والبرهان ما تضمنه
قوله الذي فطرهن على الوجهين وقوله أدخل أي أمكن وأقوى لدلالته صراحة على كونها مخلوقة غير صالحة للألوهية بخلاف الأوّل. قوله: (المذكور) بيان للمشار إليه والتوحيد مما قبله على التقدير المذكور وقوله: فإنّ الشاهد الخ تعليل لما قبله. وقوله: والتاء بدل من الواو كما في تجاه والواو بدل عن الباء أي قائمة مقامها لأنها أصل حروف القسم لكن التاء القسمية تستعمل في مقام التعجب من المقسم عليه كما فهموه من الاستعمال إلا أنه ليس بلازم لها كما يلزم اللام في القسم وذهب كثير من النحاة إلى أنّ كلا من هذه الحروف أصل برأسه والتعجب من إقدامه على أمر فيه مخاطرة، ولا فرق بين كلام الكشاف وما قاله القاضي: خلافاً لمن زعم ذلك. قواله: (لأجتهدن في كسرها) يعني أنّ الكيد في الأصل الاحتيال في إيجاد ما يضرّ مع إظهار خلافه وهو يستلزبم ألاجتهاد فيه فتجوز فيه عنه هنا إمّا استعارة أو استعمالاً له في لازمه وصعوبته للخوف من عاقبته والحيل في إخفاء آلة الكسر ونسبته لغيره. وقوله: إلى عيدكم بتقدير مضاف أي مجمع عيدكم وكونه سرّاً لأنه لو أظهره لم يتركوه. قوله: (قطعاً) جمع قطعة ووقع في نسخة قطاعا وهو تحريف وفيه إشارة إلى أنه وان كان مفرداً إلا أنه يستعمل للواحد والجمع كما ذكره الطيبي، وفاء فجعلهم فصيحة وجذاذاً بالفتح لغة فيه. وقيل مصدر كالحصاد وقال قطرب: هو في لغات كلها مصدر وجذذ بضمتين جمع جذيذ كسرير وسرر. وجذذ بضم ففتح جمع جذة كقبة وقبب. قوله: (للأصنام) وضمير العقلاء على زعمهم وقيل إنّ الضمير للعبدة واختار المصنف رحمه الله هذا لموافقته لقوله فعله كبيرهم وهو الظاهر والكبر إمّا في الجثة واما في المنزلة بزعمهم، وكان من ذهب عيناه جوهرتان مضيئتان، وكان الظاهر أن يقول يسمتبقاه وان كان استقباؤه مترتبا على كسر غيره في الجملة. قوله: (لأنه غلب الخ) هذا الوجه على أنّ ضمير إليه لإبراهيم عليه الصلاة والسلام وتقديم الجار والمجرور للحصر كما أشار إليه بقوله إلا إليه وجملة لعلهم إليه مستأنفة استئنافاً بيانيا أو نحويا لبيان وجه الكسر واستبقاء الكبير. وقوله: بعداوة(6/258)
تنازعه التفرّد والاشتهار. وقوله: فيحجهم أي يغلبهم ويلزمهم الحجة.
وقوله: إذ تعليل للرجوع إلى الكبير والعقد جمع عقدة وهي مجاز عن الأمر الصعب المشكل، والتعبير بقوله لأنهم إشارة إلى أنّ لعل للتعليل كما مرّ. وقوله: من شأن المعبود لدفع ما توهم من أنهم عالمون بأنّ الأصنام لا تصلح للسؤال والجواب مع أنه غير مسلم عندهم. قوله: (أو إلى الله) وليس قوله إلا كبيراً لهم أجنبيا في البين كما توهم لأنّ استبقاءه حتى يسئل فلا يجيب أظهر في إبطال مدّعاهم الداعي إلى الرجوع إلى الله الحق السميع البصير المجيب وإلى توحيده، ولا حاجة في هذيت الوجهين إلى بيان الحصر لا لأنه يعلم بالقياس على ما قبله ولا لأنّ التقديم لأداء حق الفاصلة بل لأنه غير متعين ولا يتعلق به غرض هنا بخلافه في الأوّل فتأمّل والإعظام والتعظيم بمعنى. قوله: (بجراءته الخ) الظلم في الوجوه بمعنى وضع الشيء في غير موضعه لا بمعنى النقص لكنه في الأخير ظالم لنفسه للألهة، ومن تحتمل الموصولية والاستفهامية. والإفراط يفهم من المبالغة المأخوذة من تعبيره بقوله: من الظالمين دون ظالم كما مرّ أو مما قبله. قوله: (يعيبهم) إن كان بصيغة المضارع كما في أكثر النسخ فهو تفسير له بتخصيصه بأحد محتمليه بقرينة المقام وان كان جارا ومجرورا فهو بيان لمتعلق له خاص بتلك القرينة. وقوله: فلعله فعله إشارة إلى تقدير في النظم بقرينة السؤال عمن فعله فلولا تقديره لم يتمّ الجواب. قوله: (ويذكر ثاني مفعولي سمع) هذا له تفصيل في كتابنا طراز المجالس وحاصله إن سمع حقه أن يتعدى إلى مفعول واحد كما في سائر أفعال الحواس كما فصله الإمام السهيلي وهو يتعدّى إلى واحد بنفسه وقد يتعدّى بإلى أو اللام أو الباء وأمّا تعديه إلى مفعولين فاختلف فيه فذهب الأخفش وأبو عليّ في الإيضاج وابن مالك وغيرهم إلى أنه أن وليه ما يسمع تعدى إلى واحد كسمعت الحديث وان وليه ما لا يسمع تعدّى إلى مفعولين ثانيهما جملة متضمنة لمسموع مصححة لتعلق الفعل به كما ذكره المصنف في الوجه الآخر كسمعت زيداً يقول كذا ولذا لم يجز بعض النحاة سمعت زيداً قائلاً كذا لأنّ قائلا دالّ على ذات لا تسمع وأما قوله تعالى: {هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ} [سورة الشعراء، الآية: 72] فعلى تقدير مضاف أي هل يسمعون دعاءكم. وقيل ما أضيف إليه الظرف مغن عنه وفيه نظر فقول بعضهم إنه ليس بثبت منه وهم، وذهب بعضهم إلى أنه ناصب لواحد بتقدير مضاف مسموع قبل اسم الذات والجملة حالية بعد المعارف صفة بعد النكرات فالتقدير هنا سمعنا كلام فتى ذاكر لعيوبهم لأنّ الجملة لا تكون مفعولاً ثانيا إلا في الأفعال الداخلة على المبتدأ والخبر وليس هذا منها وليس بمسلم لأنها ملحقة برأي العلمية لأنّ السمع طريق للعلم كما في التسهيل وشروحه فقوئه: يصححه بالتحتية خبر بعد نجر ليذكر أو بالفوتية صفة أو خبر بعد خبر لتأويل يذكر
بلفظة. قوله: (أو صفة) هذا قول ثالث في المسألة وهو أن يجعل صفة هنا لوقوعه بعد نكرة ولو كان بعد معرفة كان حالاً كما مرّ وقيل إنه بدل اشتمال بتأويل الفعل بالمصدر. ورجحه بعضهم لاستغنائه عن التجوّز والإضمار إذ هو مسموع وهو المقصود بالنسبة فهو كقوله سلب زيد ثوبه إذ ليس زيد بمسلوب ولم يجعلوه محتاجا إلى التأويل وابدال الجملة من المفرد جائز فما مرّ من تأويله بمصدر تصوير للمعنى لا تأويل إعراب حتى يرد عليه أنه سبك بلا سابك كما في شرح المغني ولا تفوت به المبالغة. وتخصيص السماع بمن سمع منه كما توهم لأنه من إيقاعه على الذات. قوله: (وهو أبلغ في نسبة الذكر إليه) الأبلغية من إيقاع الفعل على المسموع منه وجعله بمنزلة المسموع مبالغة في عدم الواسطة فيفيد أنه سمعه بدون واسطة وقد مرّ في سورة آل عمران فما قيل الأبلغية لامتيازه بنسبة الوصفية بعد مشاركته الوجه الأوّل في النسبة إلى الفاعل وفيه تكرير النسبة مع عدم وقوفه على مراده لا طائل تحته وكذا ما قيل يقال سمعت فلانا يقول وإنما المسموع قوله: فكان أصله سمعت من فلان قوله إلا أنه أريد تخصيص القول بمن سمع منه وأوقع الفعل عليه وحذف المسموع ووصف المتكلم الموقع عليه بما سمع منه أو جعل حالاً فسد الحال أو الوصف مسده ففيه تجوّز بحيث ذكر المسموع منه في مقام المسموع ونكتة المجاز ما ذكر لا المبالغة فقد خبط خبط عشواء لما عرفت(6/259)
وجملة يقال الخ إمّا صفة أو مستأنفة.
قوله: (هو إبراهيم (يعني أنه خبر محذوف لأن مقول القول أصله أن يكون جملة. وقد
جوّز فيه وجوه أخر كتقدير هذا إبراهيم تقدير خبر له أي إبرا! + فاعله وتقدير حرف نداء وقوله لأنّ المراد به الاسم يعني المقصود به لفظه. وقد اختلف في ووه المسألة أعني كون مفعول القول مفرداً لا يؤدّي معنى جملة، كقلت قصيدة وخطبة ولا هو مقتطع من جملة كما في الإعراب الأوّل ولا مصدر له أو صفة مصدره كقلت قولاً أو حقا أو باطلا فأجازه جماعة كالزمخشري وابن خروف وابن مالك وغيرهم ومنعه آخرون قيل والقرآن حجة عليهم والأصل عدم التقدير وهو كلام واه لأنه كيف يكون حجة وفيه احتمالات ادعوا تعينها وأيضا هو محل النزاع. قوله: (بمرأى منهم (يقال هو بمرأى منه ومسمع أي يرى ويسمع كلامه فهو اسم مكان من الرؤية ويجوز أن يكون مصدراً ميميا والباء للملابسة والجار والمجرور حال من ضمير به والمعنى مشاهداً معايناً ويجوز أن يكون من الفاعل والمعنى عارضين مشهرين له، وقوله: بحيث تتمكن الخ إشارة إلى أنّ على هنا مستعارة لتمكن الرؤية وانكشافها. وقوله: صورته في أعينهم قيل إنه مبنيّ على أن الرؤية بانطباع صورة المرئي في عين الرائي وهو أحد أقوال ثلاثة
ثانيها أنه شعاع يتصل إلى المرئى ومذهب الأشعري إنه بخلق الله لمن قابله. وقوله: بفعله أو قوله بأن يكون أحد منهم رآه أو سمع منه إقراره بكسرها فهو من الشهادة المعروفة والوجه الآخر على أنه من الشهود بمعنى الحضور. وقيل المراد مجموعهما وفيه نظر وقوله: حين أحضروه متعلق بقالوا. قوله: (أسند الفعل إليه تجوزا (يعني أن الفعل لما صدر منه بسبب تعظيمهم له بالعبادة أسنده إسناداً مجازيا عقليا له وأصله فعلته غضبا من تعظيم هذا وقوله زيادة لأنهم عظموا غيره من الأصنام والمخصوص به هذا زيادة التعظيم ولم يكسره وان كان مقتضى غيظه منه ذلك ليظهر عجزه وأنّ تعظيمه لا يليق بعاقل. قوله: (أو تقريرا لنفيه) أي لنفي فعل الصنم الكبير للكسر وهذا بناء على أنّ الفعل دائر بين ذلك الصنم وبين إبراهيم عليه الصلاة والسلام وإذا دار فعل بين قادر عليه وعاجز عنه وأثبت للعاجز على طريق التهكم لزم منه انحصاره في الآخر كما في المثال المذكور ولا ثالث لهما لأنهم جزموا بأنّ الكاسر إبراهيم عليه الصلاة والسلام حيث قالوا أءانت فعلت هذا تقريراً له فاحتمال الثالث كما قيل مندفع وحاصله أنه إثبات لنفيه على الوجه الأبلغ مضمنا فيه الاستهزاء والتضليل على طريق الكناية التعريضية فالوجه الأوّل مبني على التجوّز وهذا على الكناية فتأمل ورشيق بمعنى حسن لطيف وأصله في حسن القد ولطافته. قوله: (أو حكاية لما يلزم من مذهبهم جوازه (يعني أنهم لما ذهبوا إلى أنه أعظم الآلهة فعظم ألوهيته يقتضي أن لا يعبد غيره معه، ويقتضي إفناء من شاركه في ذلك. والمحكي عنه المقدر إما الكفرة أو أكبر الأصنام فكأنه قيل فعله ذلك الكبير على مقتضى مذهبكم والقضية ممكنة كما أشار إليه بقوله: جوازه ويجوز جعله جواب الشرط في الوجه الآتي وما في ما يلزم موصولة أو مصدرية. قوله: (وقيل إنه في المعنى متعلق بقوله إن كانوا ينطقون) أي قوله فعله كبيرهم جواب، قوله إن كانوا ينطقون معنى وقوله فاسألوهم جملة معترضة مقترنة بالفاء كما في قوله:
فاعلم فعل المرء ينفعه
وقد كان في الوجه السابق جوابا في المعنى ولكونه خلاف الظاهر مرضه، فالمعنى إن
كانوا ذوي نطق يصلحون للفعل المذكور فاسألوهم فيكون كونه فاعلا مشروطا بكونهم ناطقين ومعلقا به وهذا محال فكذا ما علق عليه وقد كان إيراد الشرط للتبكيت والإلزام وما بينهما قوله فاسألوهم. قوله: (أو إلى ضمير فتى الخ) معطوف على قوله إليه ولا يخفى بعده لأنّ كلا من
فتى وابراهيم مذكور في كلام لم يصدر بمحضر من إبراهيم عليه الصلاة والسلام حتى يعود إليه الضمير والإضراب ليس في محله والمناسب في الجواب نعم ولا مقتضى للعدول عن الظاهر هنا كما قيل. وفي الدر المصون إنّ الكلام تمّ عند قوله فعله والفاعل محذوف تقديره فعله من فعله. كذا نقله أبو البقاء وعزاه للكسائيّ وقال إنه بعيد لأنّ حذف الفاعل لا يسوغ(6/260)
ولا يرد هذا لأنّ الكسائيّ يقول بجواز حذفه أو أراد بالحذف الإضمار وقيل أصله والفاء عاطفة وعله بمعنى لعله فخفف بحذف لامه، وهذا يعزي للفراء وهو قول مرغوب عنه ولعل الذاهب إلى هذا مع ما فيه مما مر وتفكيك النظم يراه فيه نظراً إلى أنّ المقصود من قوله: أأنت الخ " هنت معبودات عظاما ومن قوله فعله الخ إنها أجسام غير ناطقة ولا قادرة على دفع الضر عنها فكيف تنفع أو تضر غيرها فحاصله " هنت الآلهة العظيمة فقال لا بل كسرت الأجرام الحقيرة فجملة كبيرهم هذا إما معترضة أو حالية فتأمل. قوله: (وما روي الخ) هذا حديث صحيح أخرجه أبو داود والترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه وهو جواب عن سؤال مقدّر على الوجه الأول تقديره إنك أوّلته بما ذكر لئلا يصدر الكذب عن النبيّ صلى الله عليه وسلم المعصوم وما ورد في الحديث يخالفه. لكنه على هذا كان ينبغي تقديمه على القول الأخير، ويحتمل أنه أخره للإشارة إلى الاعتراض على القول الأخير والمعاريض جمع معراض وهو ما لا يكون المقصود به ظاهره ويذكر تورية وايهاما، ولذا ورد أنّ في المعاريض لمندوحة عن الكذب وقد مرّ الكلام فيه. قوله: (وراجعوا عقولهم) مراجعة العقل مجاز عن التفكر والتدبر فالمراد بالنفس النفس الناطقة والرجوع إليها عبارة عما ذكر وقوله: فقال: بعضهم لبعض إشارة إلى أنّ نسبة القول إلى الجميع مجازية، وقوله: بهذا السؤال أي أأنت فعلت والمقصود به التقرير والتوبيخ والإنكار وقوله: لا من ظلمتموه بالتشديد أي نسبتموه للظلم. وفيه إشارة إلى أنّ أنتم الظالمون يفيد الحصر الإضافي. قوله: (انقلبوا إلى المجادلة الخ) ذكر فيه الكشاف أربعة أوجه مفصلة اعترض! على بعضها بأنه غير مناسب لقوله أفتعبدون الخ ولذا اختار المصنف بعضها وترك باقيها وعبارته أي استقاموا حين رجعوا إلى أنفسهم وجاؤوا بالفكرة الصالحة ثم انتكسوا، وانقلبوا عن تلك الحالة فأخذوا
في المجادلة بالباطل والمكابرة وأنّ هؤلاء مع تقاصر حالها عن حال الحيوان الناطق آلهة معبودة مضازة منهم، أو انتكسوا عن كونهم مجادلين لإبراهيم عليه الصلاة والسلام مجادلين عنه حين نفوا عنها القدرة على النطق أو قلبوا على رؤوسهم حقيقة انتهى والتنكيس قلب الشيء بجعل أعلاه أسفله فأما أن يستعار للرجوع عن الفكرة المستقيمة في تظليم أنفسهم إلى الفكرة الفاسدة في تجويز عبادتها مع عجزها فضلا عن كونها في معرض الألوهية، فقوله: لقد علمت معناه لم يخف علينا وعليك أنها كذلك وانا اتخذناها آلهة مع العلم به والدليل عليه قوله: أفتعبدون الخ ولذا اختاره المصنف رحمه الله أو أنه الرجوع عن الجدال الباطل إلى الحق في قولهم لقد علمت لأنه نفي لقدرتها واعتراف بأنها لا تصلح للألوهية وسمي نكسا وإن كان حقاً لأنه ما أفادهم مع الإصرار ولكنه نكس بالنسبة لما كانوا عليه من الباطل، أو النكس مبالغة في إطراقهم خجلا وقولهم لقد علمت لحيرتهم. أتوا بما هو حجة عليهم أو هو مبالغة في الحيرة وانقطاع الحجة واستحسن الأوّل وهذا أو هو رجوع عن الجدال عنه إلى الجدال معه بالباطل وهو قريب من الثاني. قوله: (شبه عودهم إلى الباطل ايخ) قيل عليه أنه يضيع حينئذ قولهم على رؤوسهم. ورد بأنه من التجريد واستعمال اللفظ في جزء معناه أو من التأكيد بذكر بعض مدلوله مع أنّ النكس يستعمل في مطلق قلب الشيء من حال إلى أخرى لغة فذكره للتصوير والتقبيح لما هم عليه وقوله: نكسوا أنفسهم أي رذوها عما كانت عليه والقراءتان شاذتان أولاهما مشددة بصيغة المجهول والثانية مخففة بصيغة المعلوم مفعوله مقدر. قوله: (وهو على إرادة القول) أي قائلين لقد الخ فهو حال من الضمير وقوله فإنه أي هذا الأمر وقوله: إصرارهم بالباطل ضمنه معنى الاعتراف ولذا عداه بالباء. وقوله: صوت المتضجر هذا أصله وهو أن يصوت به إذا تضجر من استقذار شيء كما قاله الراغب: واليه أشار المصنف رحمه الله بقوله: قبحا ونتنا أي رائحة خبيثة مستقدرة ثم صار اسم فعل بمعنى أتضجر وفيه لغات كثيرة كما في كتب اللغة وقوله المتأفف له أي المتضجر له. وقوله أخذا أي شروعا في فعل ما يضره من قولهم أخذ يفعل كذا إذا شرع في فعله وقوله: لما بفتح فتشديد ويجوز الكسر مع التخفيف. قوله: (فإنّ النار أهول) أي أعظم وأشد فاختاروها لأنه(6/261)
استحق أشد العقاب عندهم وإنما أفاد هذا المعنى اتحاد الشرط والجزاء. كقولهم من أدرك الصمان فقد أدرك أي أدرك مرعى عظيماً عجيبا. توله: (إن كنتم
ناصرين) يحتمل أن يريد أنّ مفعوله مقدر أي فاعلين النصر ويحتمل أنّ الفعل المطلق كني به عن النصر أو أريد به فرد من أفراده ولو أبقى على عمومه لكان أبلغ والمعنى إن كنتم فاعلين فعلاً ما فافعلوا النصر، والمؤزر القوي الشديد وهو تحريقه لإهانتها وكان الماضية إشارة إلى أنه ينبغي تحققه منهم ونسبة القول إلى الجميع، والقائل واحد لرضاهم به كما مرّ وقوله: قلنا مجاز عن أردنا لأنّ الإرادة سبب القول في الجملة ولاً بعد في حملة على حقيقته كما قيل وقوله: (ذات برد وسلام) بيان لحاصل المعنى وابردي بضم الراء من باب نصر وكرم. وقوله ة غير ضار لقوله: سلاما ولدّا قال ابن عباس رضي الله عنهما أنه لو لم يقله أهلكه بردها. قوله: (جعل النار المسخرة) أي المنقادة لقدرته وهو إشارة إلى أنّ الأمر مجاز عن التسخير كما في قوله: {كُونُواْ قِرَدَةً} ففيه استعارة بالكناية بتشبيهها بمأمور مطيع وتخييلها الأمر والنداء والتسخير هنا هو التكوين والمجاز إنما هو في جعلها مأمورة. فما قيل إنه لو حمل القول على ظاهره والأمر على التكويني لم يكن استعارة وهم. قوله: (وإقامة كوني ذات برد مقام ابردي (لما فيه من الإجمال بكان والتفصيل بخبرها كما فصله الرضي وافادة دوام بردها لجعلها مكوّنة منه. وقوله: حذف بصيغة المجهول أو المصدر والأوّل أظهر لقوله: أقيم وفي نسخة أقام فيكونان فعلين معلومين أو مصدرين وفيه إشارة إلى أنّ تقدير المضاف لا ينافي المبالغة لما فيه من جعله عينه ظاهراً، ونصب سلاماً بفعل معطوف على قلنا خلاف الظاهر ولذا مرضه. والحظيرة بالظاء المعجمة محوطة معروفة. وكوثي بضم الكاف ومثلثة مقصور قرية بالعراق. وقوله: وجمعوا فيها ناراً أي حطبا وسماه ناراً لأنه يؤول إليها أو سببها أو هو بتقدير مضاف أي ا-لة نار ونحوه والمنجنيق آلة معروفة قيل وهو أوّل ما صنع منه. قوله: (فسله) أي اسأل مرادك وأمرك فالضمير للحاجة بتأويلها بما ذكر وسأل قد ينصب مفعولين وقوله: حسبي من سؤالي علمه بحالي أي يكفيني ويغنيني عن السؤال فمن بيانية مقدمة وهذا أبلغ كما قيل:
علم الكريم بحال السائلين له منه لقاض ملح مبرم الطلب ...
فليس يسأل إلا من أساء به ظناً ولم يتدرّع بردة الأدب ...
وهذا مقام لا ينافي دعاء الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وسؤالهم لإظهار الاحتياج وتعفير
جبهة التضرع في تراب المذلة ولذا ورد أنّ الله يحب الملحين في الدعاء ولكل مقام مقال.
وقوله: ولم يحترق منه إلا وثاقه الذي ربط به تخليصا له من ضيقه جملة حالية أي بعد دخول
النار من غير تأثير فيه سوى ذلك جعلت النار روضة من رياض الجنة، ومن لم يفهم مراده
قال: فعلى هذا تكون النار على حالها ولا! صاسب المبالغة في تبريلاها والوثاق بكسر الوإو اسم
مفرد ما يشد بهءكالحزام وليس جمع وثيقة كما توهم، وقوله: من الصرح إشارة إلى أنها عظيمة
لا يمكن القرب منهاص وإنما تنظر من بعيد وقوله: فقال الخ أي فرآه جالسا مع ملك في رياضها
فأمر بإخراجه فلما أتاه أكرمه فقال الخ فالفاء فصيحة: وقوله: ستة عشر الأولى ست عشرة
سنة. قوله: (وانقلاب النار الخ) طيبة حال من النار أو صفة هواء لأنه بمعنى الريح وهي مؤنثة
وبدع بكسر فسكون بمعنى مستبعد مستغرب لاستحالة بعض العئاصر إلى بعض كانقلاب الماء
هواء / وهو كثير وقوله: هكذا أي روضة أنيقة في أسرع وقت خلاف المعتاد وان كان غير
مستبعد أيضا بالنسبة للقدرة الإلهية. وجعله معجزة إن كان نبياً حينئذ ظاهر والا فهو إرهاص
واطلاق المعجزة عليه كثير شائع لكن الظاهر الأوّل لأنه ظهر على يديه عليه الصلاة والسلام
وقد دعاهم إلى إبطال الكفر وعبادة الأصنام فيقتضي أنه عليه الصلاة والسلام نبئ قبل الأربعين.
قوله: (وقيل كانت النار الخ) مرضه لمخالفته المرويّ وظاهر النظم وما فيه من المبالغات
السالفة وقوله: ويشعر به الخ لأنّ تخصيصه بما ذكر يقتضي أنها ليست على غيره كذلك مع
تأييده بأنه مخالف للمعتاد ومخالف ما مرّ(6/262)
لما روي أنهم قالوا إنه تخييل سحري فرموا فيها
شيخا فاحترق ولذا قيل إنه متعلق بسلاماً ليندفع الإشعار ظاهراً وذكر الإشعار لأنه مفهوم لقب
غير معتبر. وأما قوله: إنه لم ينقل أنّ البرد أضر بغيره بل النار كما مرّ فغنيّ عن الرد وقد قيل
إنه إذا تعلق بسلاما فالإشعار بحاله لكون مؤدّاهما واحدا إذ لم يرد تعميم البرد وتخصيص
السلام. وقيل إنه تعالى نزع منها طبيعة الحرّ والإحراق وأبقاها على الإضاءة والإشراق ولا بعد
فيه فإنهما خارجان عن حقيقة النار. قوله: (كما ترى في السمندل) وفي نسخة السمندر بالراء
وفي أخرى السمند وهي لغات فيه لتلاعبهم فيه لأنه معرب وهو طائراً ودويبة كالفأر لا تحرقها
النار ويجعل من ريشها أو وبرها مناديل ولا تحرقها النار ووقع في الشعر الفارسي سمندر بالراء
فهي أعجمية وما عداه تعريب، ووقع في بعض نسخ عين الحياة سندل بدون ميم ولصاحب
القاموس رحمه الله تعالى فيه خبط في موادّ ليس هذا محل تفصيله. قال ابن خلكان ومثله
السرفوت وهي دويبة تعيش في فرن الزجاح ولابن صابر فيه:
نسج داود لم يفد صاحب الفا روكان الفخار للعنكبوت 0.. وبقاءالسمندفي لهب النا رمزيل فضيلة الياقوت.. ء
قوله: (عاد سعيهم الخ) بيان وتفسير لكونهم أخسر من كل خاسر ومزيد درجته رفعته في
الدنيا والآخرة وهم لخسرانهم لهم أشد العذاب في الدارين. وقوله تعالى إلى الأرض متعلق بنجينا لتضمنه معنى الإيصال أو الإخراج. وعموم البركات من قوله للعالمين ومرض تفسير البركات بالنعم الدنيوية لأن الأوّل أظهر وأنسب بحال الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ولم يقل باركناها للمبالغة بجعلها محيطة بها، وفلسطين كورة فيها بيت المقدس ولوط عليه الصلاة والسلام ابن أخي إبراهيم عليه الصلاة والسلام وقيل ابن عمه. قوله: (عطية (لأنه من نفله بمعنى أعطاه وقد قيل إنه مصدر كالعافية منصوب بوهبنا لأنه مصدره معنى ولا لبس للقرينة الحالية المعنوية العقلية لاختصاص معناها به على التفسيرين الأخيرين. قوله: (فصاروا كاملين (يشير إلى أن، ذكر الصلاج الذي خلقوا: عليه لما يلزمه من الكمال اللائق بهم والا فالأنبياء عليهم الصلاة والسلام لا يمدحون بالصلاج ولذا قيل في مثله إنه لمدح الصفة وقوله الناس بيان لمتعلقه المحذوف والضمير في يحثوهم وكمالهم للناس. قوله: (وأصله أن تفعل الخيرات الخ (وإنما كان كذلك لأنّ كل مصدر ذكر له معمول فهو بتأويل أن والفعل وإذا أوّل به عمل عمله فينون ويذكر معموله ثم / يخفف بحذف التنوين ويضاف لمعموله، وأن تفعل بالبناء للمجهول ورفع الخيرات فالمصدر مصدر المجهول والخيرات في قوله فعلا الخيرات مرفوعة أيضا على القيام مقام فاعله وكون المصدر يكون مبنيا للمفعول رافعاً لنائبه مختلف فيه فأجاز ذلك الأخفش قال المعرب: والصحيح منعه فليس ما اختاره الزمخشري كالمصنف بمختار، والذي ذكره المصنف كما في الكشاف بيان لأمر مقرّر في النحو والداعي لذكره هنا أن فعل الخيرات
بالمعنى المصدري ليس موحى إنما الموحى أن تفعل ومصدر المبني للمجهول والحاصل بالمصدر كالمترادفين، وأيضاً الموحى عام للأنبياء عليهم الصلاة والسلام وأممهم فلذا بني للمجهول فما قيل تبعاً لما في البحر في وجهه أنّ فعل الخيرات ليس من الأحكام المختصة بالموحى إليهم بل عام لهم ولأممهم فلذا بني الفعل للمجهول وانه يرد عليه أنّ فاعل المصدر محذوف فيجوز تقديره عاما كفعل المكلفين الخيرات فلا حاجة إلى تطويل المسافة إلا أن يقال قدره به لأنّ أوحى يستعمل مع أن والفعل فالموحى لا يكون نفس الفعل الذي هو معنى صادر عن فاعله بل ألفاظ دالة عليه ذهول عما أراد، وإذا ظهر المراد سقط الإيراد وقوله: للتفضيل كعطف جبريل على الملائكة وقد مرّ بيانه.
تنبيه: قال الحلبي: ردّاً على أبي حيان الذي يظهر أنّ الزمخشريّ لم يقدر ما ذكر لما قاله
بل لأنّ الفعل لا يوحى وإنما يوحي قول الله: لهم افعلوا الخيرات (قلت) تأويله لا يؤدّي معنى ما قاله فالظاهر أنّ المصدر هنا للأمر كضرب الرقاب كما أشار إليه المصنف بقوله: ليحثوهم فاعرفه. قوله: (وحذف(6/263)
تاء الإقامة المعوّضة الخ) قال النحاة مصدر الأفعال والاستفعال من المعتل العين نحو أقام واستقام إقامة واستقامة. أصلهما أقوام واستقوام فأعل بقلب واوه ألفا بعد نقل حركتها لما قبلها وحذف أحد ألفيه لالتقاء الساكنين وهل المحذوف الأولى أو الثانية مذهبان وعوض عنها التاء ومدّهب الفراء جواز ترك التعويضى بشرط الإضافة ليكون المضاف إليه ساداً مسدها كما ذكره المصنف رحمه الله. ومذهب سيبويه الجواز مطلقا والسماع يشهد له لوروده بدون الإضافة والذي حسنه هنا مشاكلة قوله: إئتاء الزكاة. قوله: (وحدين مخلصين الخ) أمّا الإخلاص في العبادة فيفهم من تقديم معمولها عليها وأما التوحيد فلازم له لأنّ من لا يعبد غير الله موحد له أو على إدخال الإيمان في العبادة لأنها رأسها، ولوطا منصوب على الاشتغال وجوّز فيه نصبه باذكر مقدر أو جملة أتيناه جملة مستأنفة وفسر الحكم بالحكمة وهي ما يجب فعله كما في الكشاف، أو بالنبوّة لأنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم حاكم على أمته أو بمعناه المعروف. قوله: (ترية سدوم) هي قرية قوم لوط عليه الصلاة والسلام وقيل قراهم كانت سبعا فعبر عنها ببعضها لأنها أشهرها والمشهور عند أهل اللغة أنه بالدال المهملة وقد روي بالذال المعجمة وقيل: إنه اسمها قبل التعريب فعربت بإبدالها دالاً مهملة وذكر أهل الأخبار أنه اسم ملك سميت به القرية لقوله:
لأعظم فجرة من أبي رغال وأجور في الحكومة من سدوم ...
قوله: (يعني اللواطة) عينها لأنها أشنع أفعالهم وبها استحقوا الإهلاك ولذا ذهب بعض
الفقهاء إلى رمي اللوطي منكساً من مكان عال وطرح الحجارة عليه كما فعلى بهم والجمع باعتبار تعدد المواد وقوله: وصفها أي القرية بصفة أهلها وهو عمل الخبائث لأنهم العاملون لا هي يشير إلى أنه نعت سببيّ. كرجل زنى غلامه ولو جعل الإسناد مجازيا بدون تقدير أو القرية مجازاً عن أهلها جاز أيضا، ولما قام المضاف وهو ضمير مقام الفاعل ارتفع واستتر وجعل قوله: أنهم الخ دليلاً على التقدير غير مسلم لأنه مشترك بين الوجوه فتأمل. قوله: (كالتعليل له) أي لقوله: تعمل الخبائث لا لقوله نجينا كما قيل وقوله في أهل رحمتنا فالإدخال بمعنى جعله في جملتهم وعدادهم فالظرفية مجازية وأما إذا أريد بالرحمة الجنة فالظرفية حقيقية لكن إطلاق الرحمة عليها مجاز كما في حديث الصحيحين <قال الله عز وجل: للجنة أنت رحمتي أرحم بك من أشاء من عبادي >قوله: سبقت لهم منا الحسنى أي قدر لهم التوفيق للعمل الصالح، وقوله: ونوحاً أي اذكر قصة نوح عليه الصلاة والسلام واذ يتعلق بالمضاف المقدر أو بدل من نوج بدل اشتمال إن لم يقدر، ودعاء نوج بالطوفان وقوله لا تذر الخ وطلب خلاصه منهم فلذا قال فنجيناه. قوله: (مطاوعه انتصر) أي جعلناه منتصرا وفي نسخة مطاوع انتصر فهو بفتح الواو وكذا وقع في الكشاف تفسيره بما ذكر فقال الشراح يعني إنه عدى بمن كما عدى انتصر بها وفي الأساس نصره الله على عدوّه ومن عدوّه وانتصر منه وفي المطلع معناه منعناه وحميناه منهم بإغراقهم، وتخليصه يعنون أنه إذا تعدّى كمطاوعة بمن دل على وقوع النصر بجعله منتصراً منهم لعدم تخلف مطاوعه عنه لا على مجرّد الإعانة كما إذا تعدى بعلى فما قيل إنه إنما جعل مطاوعه لأنه تعالى أخبر أنه استجاب له دعاءه وكان من دعائه عليه الصلاة والسلام طلب الانتصار فناسب أن يكون المراد بالنصر هنا ما يطاوعه الانتصار، وقوله: جعلناه الخ فسره من لاقتضاء معنى المطاوعة ذلك لا لتوجيه تعديه بمن كما ظن فلا محصل له. وما ذكره القائلى مما اتفق عليه شراح الكشاف. قوله: (تكذيب الحق) هو معنى قوله كذبوا الخ والانهماك في الشر من قوله قوم سوء والحرث
الزرع وأما جعله بمعنى الكرم فلعله مجاز على التشبيه بالزرع وقوله رعته ليلاً تفسير للنفش والهمل رعي النهار وقوله: لحكم الحاكمين مثنى وكذا المتحاكمين أو جمع لقوله: غنم القوم وهذا توجيه لضمير الجمع في قوله لحكمهم وصاحب الحرث وان لم يسبق له ذكر لكنه مفهوم من ذكر الحرث فإن قلت كيف تجوز إضافة المصدر أي الحكم إلى الحاكم والمحكوم له والمحكوم عليه دفعة واضافة المصدر أما إلى الفاعل أو إلى المفعول، قلت قالوا: إنّ الإضافة اختصاصية بقطع النظر عن العاملية والمعمولية والمعنى الحكم الواقع بينهم أو الحكم هنا بمعنى القضية وليس مصدرا وإنما يرد السؤال إذا كان مصدراً قصد إضافته إلى معموله.(6/264)
قوله: (الضمير للحكومة أو الفتوى) المفهومين من السياق وقوله أمر وقع " في نسخة حكم قيل ولعل قيمتها كانت مساوية لما نقص من الزرع وقوله: وأوبارها وقع في نسخة أولادها. والقيام على، الزرع بالسقي ونحوه واعلم أنّ الجصاص قال في أحكام القرآن من الناس من ذهب إلى أنها إذا أفسدت زرع رجل ليلا ضمن وان أفسدته نهاراً لم يضمن وأصحابنا لا يرون الضمان مطلقا إذا لم يكن صاحب الغنم هو الذي أرسلها واحتج الأوّلون بهذه القصة لإيجابهما الضمان وبما روي عنه صلى الله عليه وسلم من أنّ ناقة البراء دخلت حائط رجل فأفسدته فقضى على أهل الأموال أي البساتين بحفظها بالنهار وعلى أهل المواشي بحفظها بالليل وهو حديث مضطرب. وما في هذه القصة لا يوافق شرعنا فهو منسوخ بحديث
جرج العجماء جبار ولا تقييد فيه بليل أو نهار وأسباب الضمان لا تختلف ليلاَ أو نهاراً وأمّا حديث البراء رضي الله عنه فيجوز أن يكون أرسلها كما يجوز في هذه القصة أن يكون كذلك. ومن الناس من قال: حكمها كان نصاً لا اجتهاداً ويكون ما أوحى به لسليمان عليه الصلاة والسلام كان ناسخا لحكم داود عليه الصلاة والسلام. وقوله: ففهمناها سليمان لا يدل على أنه اجتهاد انتهى محصله. وذكر القرافي في قواعده وإبن القيم في المعالم أنّ هذا موافق لشرعنا وهو ظاهر ما في الكشاف وهو حنفي ثقة فلا يرد عليه نقض بما ذكر.
قوله: (اجتهادا) وفي نسخة بالاجتهاد وهذا عند من يجوز الاجتهاد للأنبياء عليهم الصلاة والسلام كما بين في الأصول وارتضى المصنف رحمه الله لكونه اجتهاداً منهما لأنه لو كان وحيا لما جاز لسليمان عليه الصلاة والسلام مخالفته، وأنّ الظاهر أنّ سليمان عليه الصلاة والسلام لم يكن نبياً في ذلك السن لكن صاحب الكشف رذه بأنّ الحمل على أنهما اجتهدا وكان اجتهاد سليمان عليه الصلاة والسلام أشبه بالصواب أو هو الصواب باطل لأنه نقض لحكم داود عليه الصلاة والسلام والاجتهاد لا ينقض بالاجتهاد فدل على أنهما جميعاً حكما بالوحي، أو كان حكم سليمان عليه الصلاة والسلام بالوحي وحده، وهو غير وارد لأنّ عدم نقض الاجتهاد بالاجتهاد إن أراد به نقضه باجتهاد غيره حتى يلزم تقليده به فليس ما نحن فيه منه وإن أراد باجتهاد نفسه ثانيا وهو عبارة عن تغير اجتهاده لظهور دليل آخر فهو غير باطل بدليل أنّ المجتهد قد ينقل عنه في مسألة، قولان كمذهب الشافعي القديم والجديد، ورجوع الصحابة رضي الله عنهم إلى آراء بعضهم وهم مجتهدون. وأما الجواب بأنه وقع في شريعة غيرنا وردّه بأنه قص من غير إنكار فهو شرع لنا فتعستف لا حاجة له، وأما الجواب باحتمال نقض داود عليه الصلاة والسلام حكمه الاجتهادي بالوحي فقريب منه لأن المعترض إنما اعترض! على كونهما اجتهادين فكيف يجاب بما ذكر. قوله: (والأوّل) أي حكم داود عليه الصلاة والسلام بدفع الغنم لصاحب الزرع يشير إلى ما في الكشاف من قول أبي حنيفة رحمه الله بأنّ العبد إذا جنى على النفس فإنه يلزم المولى دفعه له أو فداؤه. وعند الشافعي رحمه الله يبيعه في ذلك أو يفديه ولعل قيمة الغنم كانت بمقدار نقص الحرث. قوله: (والثاني (أي حكم سليمان عليه الصلاة والسلام بما مر نظيره قول الشافعي رحمه الله فيمن غصب عبداً فأبق عنده فإنه يضمن القيمة للغاصب ينتفع بها
لأنه حال بينه وبين الانتفاع بعبده فإذا ظهر ترادا وقوله وحكمه أي حكم ما نحن فيه من إتلاف المواشي ما ذكر. وقد علصت ما فيه مما نقلناه عن الجصاص وما ذكره من الحديث وأن روي في السنن لكنه فيه اضطراب وفي رجال سنده كلام مع أنه محمول على أنه أرسلها كما مر فلا دليل فيه والحائط هنا بمعنى البستان والأموال البستاتين كما مرّ وقوله: جرح العجماء جبار رواه الشيخان والعجماء البهيمة سميت به لعدم نطقها وجبار بمعنى هدر غير مضمون وجرحها جنايتها وبقية الكلام فيه مفصلة في كتب الفقه والحديث. قوله: (دليل على أن خطأ المجتهد لا يقاخ فيه) أي في اجتهاده أو في كونه مجتهدا والدلالة بناء على ما مرّ أما إذا كان بوحي والثاني ناسخ للأوّل فلا دلالة فيه وهذا بناء على أنّ كل مجتهد ليس بمصيب. قوله: (وقيل على أنّ كل مجتهد مصيب) أي قيل إنّ الآية دليل على هذا القيل إذ هي تدل بظاهرها على أنه لا حكم لله في هذه المسألة قبل الاجتهاد وأنّ الحق ليس بواحد(6/265)
فكذا غيرها إذ لا قائل بالفصل إذ لو كان له فيها حكم تعين وهذا مذهب المعتزلة، كما بين في الأصول وردّه المصنف رحمه الله بأنّ مفهوم قوله: ففهمناها سليمان لتخصيصه بالفهم دون داود عليه الصلاة والسلام يدل على أنه المصيب للحق عند الله ولولا. لما كان لتخصيصه بالفهم معنى، والمستدلون يقولون إن الله لما لم يخطئه دل على أنّ كلا منهما مصيب وتخصيصه بالتفهيم لا يدل على خطا داود عليه الصلاة والسلام لجواز كون كل مصيبا ولكن هذا أرفق وذاك أوفق بالتحريض على التحفظ عن ضرر الغير فلذلك استدل بهذه الآية كل فكما لم يعلم حكم الله فيها لم يعلم تعين دلالتها، والمصنف ممن يستدل بالمفهوم وأما غيره فيقول إنه قد يستدل به إذا اعتضد بقرائن الأحوال كما هو هنا ولا يرد أنه لا يعمل به إذا عارض المنطوق لأنه ليس في المنطوق تصويب حكم داود عليه الصلاة واللام، فتأمّل. قوله: (ولولا النقل) السابق في تخالف داود وسليمان لاحتمل أنهما اتففا على حكم واحد، ويحمل قوله: ففهمناها سليمان على أنّ تخصيصه بالفهم لإظهار ما تفضل الله به عليه في صغر سنه لا لأن داود لم يفهم بل لأنه أجل من أن يمدح بالفهم. وقوله: ما تفضل بالتاء الفوقية وصيغة المجهول أي ما تفضل الله به عليه. ويحتمل قوله: توافقهما أن يكون معناه توافق المنطوق والمفهوم والظاهر الأوّل. قوله: (يقدّسن الله معه) إشارة إلى ترجيح كون الظرف مقدما من تأخير وكانت معه للتخصيص للإشارة إلى أنه مخصوص به وهو ظاهر على الوجه الأوّل وكأنه إشارة لمرجوحية الأوّل لأنه لا وجه لتقييد
تسبيح لسان الحال بتلك المعية ولا بقوله: (بالعشي والإشراق في سورة ص) إن لم يرد به العموم ولا يلائمه قوله الآتي د وإن كان عجيبا عندكم كما لا يخفى وقوله يتمثل أي يظهر له من جانبها وان لم يكن منها وعلى ما بعده هو منها. ومرض القول بكونه بمعنى السير لمخالفته للظاهر والمشدد بهذا المعنى لم يذكره أهل اللغة. وقوله على الابتداء أي وحذف الخبر وهو مسخرات والضعف للعطف على الضمير المستتر دون فاصل. قوله: الأمثاله) يريد أنه تذييل لما قبله كقوله تعالى: إنّ الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة وكذلك يفعلون ومتعلقه عام لا خاص، وقوله فليس ببدع أي عجيب لسبق أمثاله. وعمل الدرع تفسيراً صنعه اللبوس بفتح اللام صفة بمعنى الملبوس كركوب بمعنى مركوب. قوله:
(البس لكل حالة لبوسها إمانعيمهاوإمابوسها (
هو من شعر لنهيس وله قصة مذكورة في أمثال الميداني يعني استعدّ لكلى أمر بما يشاكله ويلائمه وقوله كانت أي الدروع. وقوله: فحلقها بالتشديد أي جعلها حلقاً. وسردها إدخال الحلق بعضها في بعض وإذا تعلق لكم بعلم فالمراد أنّ تعليمها لأجل نفعكم. قوله: (بدل منه بدل الاشتمال) سواء تعلق بعلم أو كان صفة لبوس لكنه إذا لم يكن الضمير لها يحتاج لتقديره أي ليحصنكم به والضمير لداود عليه الصلاة والسلام على قراءته بالياء التحتية وكذا على ما بعده والدرع مؤنث سماعي وأبو بكر هو شعبة أحد رواة القرا آت السبعة كروش! بالراء والواو والسين المهملة على صيغة التصغير ووقع في نسخة ورس وهو تحريف من النساخ، والبأس الحرب ويحتمل أن يقدر فيه مضاف أي من آلة بأسكم كالسيف. قوله: (ذلك) هو مفعول شاكرون، وأخرجه بمعنى أتى به، وقوله في صورة الاستفهام لأن المقصود به ما ذكر والاسنفهام الحقيقي غير جائز على الله، وكون الاستفهام للتوبيخ والتقريع ظاهر لما فيه من الإيماء إلى التقصير في الشكر، وأما المبالغة فلدلالة الاستفهام بأنه مستحق للوقوع بدون أمر فسأل عنه هل وقع ذلك الأمر اللازم الوقوع أم لا. لا لأنها تدل على طلب الدوام والثبوت بخلاف صيغة الأمر لأنّ هذا ليس من الاستفهام بل من دخول هل على الاسمية مع اقتضائها
للفعل وعبارة المصنف رحمه الله لا تدل عليه لأن ما ذكره نكتة لمطلق الاستفهام، وفي المفتاح هل لطلب الحكم بالثبوت والانتفاء وهما يتوجهان إلى الصفات دون الذوات ولاستدعائه للتخصيص بالاستقبال اقتضى الصفات لأن الذوات لا تختص بزمان لاستوأء نسبتها إلى الجميع وإذا كان لهل مزيد اختصاص بالأفعال كان هل أنتم شاكرون أدخل في الأنباء عن طلب الشكر من أفأنتم شاكرون ومن فهل تشكرون لاقتضاء(6/266)
المقام لعدم التجذد وكان دخولها على الاسمية التي في حيزها فعل قبيحا. قوله: (وسخرنا له) يشير إلى أنّ متعلقه مقدر بما ذكر وهذا على قراءة نصب الريح وأما على رفعه فهو مبتدأ وخبر وقوله: ولعل اللام فيه أي في قوله سليمان عليه الصلاة والسلام دون الأوّل وهو قوله: مع داود لأنّ كلا ل! ان ى ن معجزا خارقا لكن هذا ونفعه مختص بسليمان عليه الصلاة والسلام فأتى باللام الدالة على النفع والاختصاص وأما تسخير الجبال المسبحة والطير فإنما هو أمر كان مع داود عليه الصلاة والسلام مضافاً إليه وإن لم يكن يختص به ولم يعد عليه نفع ومنه ولا غبار في كلامه كما توهم. قوله: (من حيث إنها الخ (جواب عن أنها وصفت بأنها عاصفة هنا وقد وصفت بأنها رخاء أي طيبة لينة في محل آخر وهما متنافيان فأجاب بأنها رخاء في نفسها عاصفة باعتبار قطعها المسافة كقطع العاصفة فيكون هذا أمرا خارقا أيضا. أو أنه باعتبار حالين وهذا مثل ما مرّ في العصا وسيأتي تفسير رخاء أيضا بمنقادة وهو جواب آخر ولم يذكره لتكرره مع قوله تجري بأمره. وقوله: بمشيئته أي على وفق إرادته أوّله به لأنها لا تؤمر. وقوله ثانية إشارة إلى أنّ عاصفة حال أيضا. وقوله: أو بدل لأنّ الجملة قد تبدل من المفرد. والرواج وقت الزوال وقوله به ذكره باعتبار أن الريح هواء وقوله: فنجزيه الخ إشارة إلى أنه كناية عما ذكر لأنه المناسب للتذييل. قوله: (وهي نكرة م! وصوقة) أي على الوجهين وجمع ما بعدها نظرا للمعنى وحسنه تبيينه بجمع مقدم، ولم يجعلها موصولة لأثه لا عهد هنا وكون الموصولة قد تكون للعهد الذهني خلاف الظاهر. قوله: (ويتجاوزون ذلك إلى أعمال أخر) دون بمعنى غير هنا فهي تفيد أنهم تجاوزوا ذلك إلى غيره وقوله أعمال إشارة إلى أن تنوين عملاً للتكثير.
والصنائع الغريبة، كالزجاج وغيره من النقوش والتصاوير. قوله: (على ما هو مقتضى جبلتهم (أي خلقتهم وطبيعتهم لأنه سخر له كفرتهم ومردتهم. وقوله: على إضمار القول أي قائلا أني وهذا مذهب للنحاة شائع في أمثاله والمذهب الآخر أن يعمل فيه النداء لتضمنه معنى القول هاليه أشار بقوله أو تضمين الخ. قوله: (وصف ربه بغاية الرحمة) إشارة إلى ما في أمالي ابن عبد السلام من أنه لا مشاركة بين الله وغيره في صفة الرحمة بحسب الحقيقة لأنّ رحمة الخلق انعطاف قلبي ورحمة الله إما الأنعام الحقيقي أو إرادته. فوجهه بأنّ المراد وصفه تعالى بغاية الرحمة وأنه أعظم رحمة من كل من يتصف بها في الجملة وما يوجبها ما به من الضر المقتضي للترحم عليه والمطلوب خلاصه من الضر ولطف السؤال التلطف وعدم الإبرام. قوله: (من أولاد عيص! بن إسحق) بن إبراهيم وفي بعض النسخ إسحق بن يعقوب وهو كما قيل سهو والصواب يعقوب بن إسحق وقيل هو أيوب بن أموص بن رازح بن عيص بن إسحق بن إبراهيم وقوله ما خير وقع في النسخ بخاء معجمة وراء مهملة وفي بعضها ما حين بحاء مهملة ونون. قوله: (أو رحمة الخ (ففي قوله تعالى: {رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا} على هذا تورية بديعة ولو في لو دعوت شرطية جوابها محذوف أي استجيب لك أو هي للتمني. وقوله: مدة الرخاء المراد به عدم البلاء. وقوله: ما بلغت أي ساوتها وكانت بمقدارها. وقوله: بالشفاء فالكشف مجاز عنه. قوله: (بأن ولد له ضعف ما كان الخ) فأهله بمعنى مثل أهله عددا مع زيادة مثل آخر وعلى الوجه الثاني هو على ظاهره والنوافل ولد الولد كما مرّ وتذكرة تغمسيو لقوله ذكرى: وللعابدين متعلق به. قوله: (او لرحمتنا للعابدين فإنا نذكرهم الخ (إشارة إلى أن
رحمة وذكرى تنازعا قوله للعابدين لا أنه متعلق بذكري وحد. كما في الوجه السابق لكن قوله: فإنا بالفاء في أكثر النسخ وهو في الكشاف وبعض النسخ بالواو وهو الظاهر إذ لا وجه للتعليل كما قيل ووجهه أنّ من ذكره الله عنده بالخير علم أنه يجريه على عوائد بره ورحمته فتأمل. قوله: (وقيل زكريا) وجه بأنه سمي به لكفالته مريم أو لما ذكره المصنف رحمه الله لكنه وجه عام للوجوه، وقوله: أو تكفل منه كذا في بعض النسخ أي طلب أن يكفل الله له أموره. وفي نسخة تكفل أمته أي التزم ما يصدر عنهم وظاهر كلام بعضهم أنه بتخفيف الميم أي تسري بأمة وله زوجة فلينظر وجهه. والكفل الكفالة والكفيل والنصيب والضعف كما ذكره المصنف رحمه الله. وقوله: من الصابرين يعلم منه ذكر هؤلاء بعد(6/267)
أيوب والنوب جمع نائبة وهي المصيبة. قوله: (يعني النبوّة الأنها رحمة له ولأمّته فأطلق المسبب وأريد به السبب، ولم يفسرها في قصة لوط عليه الصلاة والسلام لسبق النبوّة أو ما يشعر بها ولكل مقام مقال. قوله: (وهم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام) ولا يلزم تعليل الشيء بنفسه على التفسير الأوّل كما توهم لأنّ المعلل به كمال الصلاح، وأمّا كونهم أنبياء فهو بيان لمن هم في الواقع ولو سلم فمن للابتداء وبيان أنهم من ذزيتهم فالمعنى جعلناهم أنبياء لأنّ آباءهم كذلك، وقوله: صلاحهم معصوم لا يخفى ما فيه من حسن التعبير والمبالغة في عصمة الصلاح. وقوله: ابن متى الصحيح أنه اسم أبيه وقال ابن الأثير كغيره أنه اسم أمّه ولم ينسب أحد من الأنبياء إلى أمّه غير يونس وعيسى عليهما الصلاة والسلام. قوله: (لما) بتخفيف الميم وتشديدها وبرم بالموحدة والراء المهملة كفرج بمعنى ضجر وسئم ولما متعلقة بذهب أو بمغاضبا، وطول دعوتهم أي لطول مدّة دعوتهم إلى الحق مع شدّة شكيمتهم أي أنفتهم وتأبيهم وأصله حديدة تكون في اللجام فاستعير لما ذكر استعارة مشهورة والمهاجرة الرحلة قبل أن يؤمر من الله بالوحي لبغضه لكفرهم وغضبه لأجل الله، وقوله: لميعادهم أي في وقته ولم يعرف الحال وهو توبتهم أو سبب عدم إتيانه. وقوله: فظن بالبناء للمجهول أي ظن الناس لا هو وقوله وغضب من ذلك أي فعل فعل الغضبان لمفارقته لهم كارها لهم، وذلك إشارة إلى الظن أو عدم الإتيان. قوله: (وهو من بناء المغالبة) أي المفاعلة واختاره لمجانسته المبالغة ولأنّ
التفاعل يكون بين اثنين يجهد كل منهما في غلبة الآخر فيقتضي بذل المقدور والتناهي فاستعمل في لازمه للمبالغة دون قصد مفاعلة. وقوله: أو لأنه الخ فالمفاعلة على ظاهرها إذ هو غضب عليهم لكفرهم وهم غضبوا عليه لما ذكر وفي قوله: لخوف ولحوق جناس خطيّ، وقراءة مغضبا بصيغة المفعول لأنه أغضبه حالهم. قوله: (لن نضيق عليه الخ) أن مخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن ولن نقدر الخ خبرها ونقدر بفتح النون وكسر الدال قراءة الأكثر ومعناها لن نضيق عليه في أمر. بحبس ونحو. أو هو من القدر بفتح الدال والمعنى ظن إنا لم نقدّر، ونقض عليه بعقوبة ونحوها وليس من القدرة إذ لا يظن أحد فضلاً عن النبيّ صلى الله عليه وسلم عدم قدرة الله على شيء ويؤيد هذا التفسير الثاني قراءة نقدر بالتشديد فإنها من التقدير بمعنى القضاء والحكم لا بمعنى التضييق في المشهور وان وردت بهذا المعنى أيضا كما ذكره الراغب رحمه الله وقوله: من القدر على الوجه الثاني وقيل على الوجهين. قوله: (أو لن نعمل فيه قدرتنا) هذا تفسير آخر على أنه من القدرة لا من القدر بفتحتين وهو مجاز من ذكر السبب وهو القدرة وارادة المسبب وهو إعمالها واظهارها ووقع في نسخة بأي التفسيرية بدل أو وهو من غلط الناسخ. قوله: (وقيل هو تمثيل) على أنه من القدرة أيضا لكنه استعارة تبعية أو تمثيلية ويؤيده عبارة الحال أي فعل فعل من ظن إنا لا نقدر عليه. وقوله: في مراغمته أي معاداته وبعده عنهم. قوله: (أو خطرة شيطانية) أي هاجس وخاطر ورد عليه لوسوسة الشيطان من غير ثبات ولكونه توهما لا ظناً قال سمي ظنا مبالغة لأنّ مثله يسمى وهما لا ظنا ومثله لا يلام عليه لكنه تكلف لا يليق بمقام الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وعلى هذا فلا تمثيل فيه. وقوله: وقرئ به أي بالبناء للمفعول أيضاً. قوله: (في الظلمة الشديدة) توجيه للجمع بأنّ الظلمة لشدتها جعلت كأنها ظلمات والمراد أحد المذكورات أو بطن الحوت وعلى الوجه الآخر هو حقيقة وقوله بأنه إشارة إلى أنها مخففة من الثقيلة بتقدير الجار وضمير الشان وجوّز فيها أن تكون تفسيرية لنادى، وقوله: من أن يعجزك شيء أي نزهه عن العجز وقدر. لدلالة ما قبله عليه، والمعنى أنت القادر على تخليصي من هذه الورطة وهو اعتراف بذنبه واظهار لتوبته ليفرّج عنه كربته وقوله ما من مكروب أي واقع في كرب وشدة رواه الحاكم والترمذي
وصححا.. قوله تعالى: ( {فَاسْتَجَبْنَا} الخ) قيل عليه لم يقل فنجيناه كما قال في قصة أيوب عليه الصلاة والسلام فكشفنا الخ لأنه دعا بالخلاص من الضرّ فالكشف المذكور يترتب على استجابته ويونس عليه الصلاة والسلام لم يدع فلم يوجد وجه(6/268)
الترتيب في استجابته. ورد بأن الفاء في قصة أيوب عليه الصلاة والسلام تفسيرية والعطف هنا أيضاً تفسيري والتفنن طريقة مسلوكة في علم البلاغة، ثم لا نسلم أنّ يونس عليه الصلاة والسلام لم يدع بالخلاص كما نبهت عليه، ولو لم يكن دعاء لم تتحقق الاستجابة وهذا لا محصل له وكونه تفسيراً لا يدفع السؤال لأنّ حاصله لم أتى بالفاء ثمة ولم يؤت بها هنا، فالظاهر أن يقال إنّ الأوّل دعاء يكشف الضرّ كما مرّ عن المصنف رحمه الله أنه تلطف في السؤال فلما أجمل في الاستجابة وكان السؤال بطريق الإيماء ناسب أن يؤتى بالفاء التفصيلية، وأمّا هنا فإنه لما هاجر من غير أمر على خلاف معتاد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام كان ذلك ذنبا كما أشار إليه بقوله: من الظالمين فما أومأ إليه هو الدعاء بعدم مؤاخذته بما صدر منه من سيئات الأبرار فالاستجابة عبارة عن قبول توبته وعدم مؤاخذته وليس ما بعده تفسيراً له بل زبادة إحسان على مطلوبه ولذا عطف بالواو هكذا ينبغي أن يفهم النظم فتأمل. وقوله: كان في بطنه قيل إنه صفة أربع ساعات بتقدير العائد أي كان في بطنه فيها. وقوله: في الإمام الإمام اسم للمصحف العثماني ولا يختص بما كان عنده رضي الله عنه وهو شهيد لتعدده كما بينه القرّاء وقوله نجى أي رسم فيه بنون واحدة. وقوله ولذلك لا يخفى ما في هذا التعليل فإنّ القراءة مبنية على صحة الرواية لا مجرّد متابعة للرسم العثماني كما توهمه هذه العبارة فالظاهر أن يؤوّل بأن المراد اختار الجماعة هذا على القرأءة بنونين لكونه أوفق بالرسم العثماني فتأمل. قوله: (فإنها) أي النون تخفى بالبناء للمعلوم والمجهول والإخفاء حالة للحرف بين الإظهار والإدغام وحروف الفم هي الحروف التي مخرجها من فضاء الفم وهي ثلاثة الجيم والشين والضاد وتسمى الأحرف الشجرية، قال أبو علي في الحجة: روي عن أبي عمرو نجى مدغمة ساكنة والنون لا تدغم في الجيم وإنما أخفيت لأنها ساكنة تخرج من الخياشيم فحذفت من الكتاب وهي في اللفظ ومن قال: تدغم فهو غلط لأنّ هذه النون تخفى مع حروف الفم وتبيينها لحن، فلما أخفى ظن السامع أنه مدغم انتهى. قوله: (فحذفت النون الثانية الخ التوالي المثلين والأخرى جيء بها لمعنى والثقل إنما حصل بالثانية ولا يضرّ كونها أصلية كما أشار إليه المصنف رحمه الله
وهو ردّ على أبي البقاء رحمه الله وأوقع بمعنى أحسن موقعا بحسب الصناعة وتظاهرون أصله تتظاهرون وقوله: ولا يقدح فيه أي في، الحذف وهو رد على أبي البقاء رحمه الله تعالى إذ ظن أنه إنما يحذف أحد المثلين مع إيحاد الحركة كما في تتظاهرون، ولا وجه له وتعذر الإدغام لما مرّ. وقوله لخوف اللبس أي بالماضي بخلاف ما نحن فيه لأنه لو كان ماضيا لم يسكن آخره وكونه سكن تخفيفا خلاف الظاهر كما سيأتي وأمّا كون تظاهرون ليس فيه لبس بالماضي فظاهر. قوله: (وقيل هو ماض مجهول أسند إلى ضمير المصدر) أي نجى النجاء وسكن آخره تخفيفا كما قرئ في الشواذ ما بقي من الربا بسكون الياء وقوله ورد الخ الرد لأبي عليّ الفارسي في الحجة ولا يمنع النقل فلا يرد عليه أنّ الأخفش وجماعة من النحاة أجازوا قيام المصدر مقام الفاعل ونحوه مع وجود المفعول على أنه يجوز نصب المؤمنين بفعل مقدّر وهي نجى مع أنه قد يقال إنّ مراده أنّ قيام ضمير مصدر الفعل المجهول العائد على ما في ضمنه غير جائز لتكلفه فتأمل، وأما نصب المؤمنين بضمير المصدر فضعيف لضعف عمل الضمير.! قوله: (وحيدا بلا ولد يرثني) فسره به لمناسبته لقوله وأنت خير الوارثين لأنه لو كان المراد ولداً يصاحبه ويعاونه لا يخلفه بعده كما قيل لجعل قوله: {يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ} [سورة مريم، الآية: 6] كناية عن الولد لأنه من شأنه ذلك وذيل بأنت المعين ونحوه كما لا يخفى إذ المقصود من التناسل بقاء النوع والمعاونة والمصاحبة داخلة فيه فهذا أتم وأنسب والحامل على الكناية المذكورة ليس ما ذكر، بل أنّ الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لا يرثون ولا يورثون فقوله فرداً لا ينافيه بل يؤيده. قوله: (وإن لم ترزقني من يرثني فلا أبالي به) يعني أنهءلمجيب سأل ربه أن لا يدعه وحيدا ويرزقه ولداً يرثه ثم سلم أمره إلى الله تأدباً فقال إن لم تجبني فلا أبالي لأنك خير الوارثين. قيل إنّ هذا لا يناسب مقام الدعاء إذ من آداب الداعي أن يدعو بجد واجتهاد وتصميم منه(6/269)
فلا ينبغي أن يقول: اللهمّ اغفر لي إن شئت لأنه تعالى يفعل ما يشاء بلا مكره له، كما في صحيح مسلم ليعزم المسألة ولتعظم الرغبة فإنه تعالى لا يتعاظمه شيء أعطاه، نص عليه في الحصن الحصين والظاهر أنه ليس من قبيل ما ذكر فتأمل.
قوله: (أي أصلحناها للولادة (هذا بيان لحاصل المعنى وأنّ المعنى إصلاحها له ما ذكر
لا لأنّ الضمير للولادة لتأويلها بأن تلد لما فيه من التكلف وتفكيك الضمائر وان كان قوله أو لزكريا ربما يوهمه واللام تعليلية، وقدم يحيى عليه الصلاة والسلام لأنه المطلوب الأعظم فالواو لا تقتضي ترتيبا. قوله: (أو لزكريا بتحسين خلقها (فهو معطوف عل استجبنا لأنه ليس
مدعوّاً به ويجوز عطفه على وهبنا وحينئذ يظهر عطفه بالواو لأنه لما فيه من الزيادة على المطلوب لا يعطف بالفاء التفصيلية وعلى الوجه الأوّل فلأنّ المقصود به الامتنان لا التفسير لعدم الاحتياج إليه مع أنه لا يلزم التفسير بالفاء بل قد يكون العطف التفسيري بالواو، وحردة بالحاء والراء والدال المهملات بزنة حذرة بمعنى سيثة الخلق معاندة. قوله: (يعني المتوالدين (بصيغة الجمع من التوالد وهو إن كان بمعنى المتولد وكونه مولوداً ففيه تغليب ليحيى على أمّه وأبيه وان كان بمعنى ذي الولادة سواء أكان مولودا أو والدا فلا تغليب فيه وقوله إنهم الخ جملة مسوقة لتعليل ما يفهم من الكلام من أنّ هؤلاء المذكورين حصل لهم القربى والزلفى ونيل المراتب العالية لما ذكر كما أشار إليه المصنف رحمه الله تعالى بقوله: بعد والمعنى أنهم نالوا الخ. لا لاستجابة دعواتهم حتى يقال إنه لا يصح عود الضمير على المتوالدين لأنّ يحيى عليه الصلاة والسلام ليس منهم هنا ويتكلف دفعه بأن يقال إنّ الآية استئناف جواب عن سؤال تقديره ما حالهم فتدبر وقوله أو المذكورين الخ. يعني أنّ الضمير راجع للانبياء السابقين عليهم الصلاة والسلام لا لزكريا عليه الصلاة والسلام ومن معه وهو على هذا ظاهر من غير تكلف. قوله: (يبادرون إلى أبواب الخيرات) أي إلى أنواع الأعمال الحسنة، وأسرع يتعدى بإلى لما فيه من معنى المبادرة وبفي لما فيه من معنى الجد والرغبة يقال أسرع في مشيته، وفي الحديث هم مشاريع في الخير ذكره في المصباح وغيره واليه أشار الزمخشريّ ولظن بعضهم أنه لا يتعدّى إلا بإلى قال: إنه يتضمن معنى الرغبة أو من قبيل تجرح في عراقيبها أو في بمعنى إلى أو للتعليل ولا حاجة إليه. وكذا ما قيل إنه عدل عن إلى إلى في للدلالة على أنهم لا يفترون بل يظهرون الجد في تحصيلها. ولا يرد عليه كما توهم أنّ المسارع إليه غير مذكور وأنه لا دليل على تقديره وله غفلة عما مرّ. قوله: (ذوي رغب الخ) جعل رغباً ورهبا مصدرين بتقدير مضاف أو مؤوّلين باسم الفاعل ويجوز إبقاؤهما على معناهما مبالغة وليس بجمع كخدم جمع خادم لأنه مسموع في ألفاظ نادرة وان جوّز ويجوز كونه مفعولاً له والرهبة ضد الرغبة ولم يقيده في قوله ذوي رغب إشارة إلى جواز تعميمه وشموله للأمور الدنيوية والأخروية وقيده في الثاني بالثواب إشارة إلى جواز كل منهما فإن كان راجعا لهما فالتقييد به لأنه المناسب للمقام، ومدح الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فلا يرد أنه تخصيص من غير مخصص وأنّ الظاهر التعميم كما قيل ولجوز تفسير الرغب بالتضرّع والابتهال لكنه خلاف المشهور في اللغة والاستعمال. وقوله خائفين وجهه ما مرّ ومخبتين بمعنى متذللين. قوله: (دائبين الوجل) وفي نسخة دائمين والوجل منصوب به لتضمينه معنى ملازمين ودائب بمعنى دائم من الدأب وهو العادة المستمرّة أو هو
منصوب بنزع الخافض أي في الوجل، وأمّا كونه بدلاً من الضمير المستتر بدل اشتمال فخلاف الظاهر وفي نسخة دائمي الوجل بالإضافة وهي ظاهرة. وقوله والمعنى الخ مر بيانه. قوله: (والتي أحصنت فرجها) منصوب لعطفه على ما قبله أو باذكر أو مبتدأ خبره مقدر أي مما يتلى عليكم أو نفخنا والفاء زائدة عند من يجيزه وقوله من الحلال والحرام قيل لا ينبغي ذكر الحلال لأنّ النكاح سنة في الشرائع القديمة فلا يصح جعله منشأ نلفضيلة وليس بشيء لأنّ التبتل والترهب كان في شريعتهم. ثم نسخ ولداً قال: لا رهبانية في الدين ولو سلم فذكره هنا لازم لتكون ولادتها خارقة للعادة والإحصان بمعناه اللغوي وهو المنع مطلقا ونفخ لازم وقد يتعدى كما ذكره المعرب وعليه قول(6/270)
الزمخشريّ نفخنا الروح فلا عبرة بإنكار أبي حيان له ويؤيده أنه قرى به في الشواذ كما في الانتصاف. قوله: (أي في عيسى عليه الصلاة والسلام فيها) أي كائنا في بطنها دفع لما يتوهم من أنّ نفخ الروح عبارة عن الأحياء فإذا كان فيها يكون بمعنى أحييناها وليس بمراد لأن ما يكون فيما في الشيء يكون فيه كما يقال نفخت في البيت أي في المزمار في البيت ويجوز أن يكون على تقدير مضاف أي في ابنها. وقوله: فعلنا النفخ فيها ليس على تنزيله منزلة اللازم كما توهم لأنه لازم كما مرّ بل إشارة إلى دفع آخر وهو أنّ ابتداء النفخ في جيب درعها ثم وصل إلى جوفها وبواسطته وصل إلى عيسى عليه الصلاة والسلام فأحياه فتأمّل. قوله: (من الروح الخ) يعني أنّ الروج مراد به معناه المعروف واضافته إليه لأنه بأمره وايجاده لا بوطء وخلط منيّ أو واسطة على ما تفرد بعلمه أو من ابتدائية والروح جبريل عليه الصلاة والسلام. وقوله: أو حالهما هي الولادة من غير سبب ظاهر وذكرها بقوله: والتي دون اسمها ليبتدئ بالوصف الدال على المدح لا لأنّ التنويه بالاسم من شأن الرجال لأنه يخالف قوله: ومريم ابنة عمران في آية أخرى فتأمّل. قوله: (ولذلك) أي لتقدير المضاف. وقوله: فإنّ من تأمّل الخ بيان لكونهما آية أي دليلاً على قدرة الصانع الحكيم. قوله: (أي أنّ ملة التوحيد أو الإسلام الخ) يعني أنّ الملة هنا بمعنى الدين المجتمع عليه كما في قوله إنا وجدنا آباءنا على أمّة أي على دين يجتمع عليه وظاص كلام الراغب أنه حقيقة في هذا المعنى وان كان الأشهر فيه أنه الناس المجتمعون على أمر أو في زمان وعلى التفسير الثاني هو شامل للعقائد الحقة ولولا تفسير ما بعده لجعله للفروع والخطاب لأمّة نبينا صلى الله عليه وسلم أو للمؤمنين منهم أو لجميع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. والوجوب مفهوم من تعريف الطرفين والإشارة إذ يفهم أنها هي لا غير وقوله
فكونوا عليها شارة إلى أنّ المقصود بالجملة الخبرية الأمر بالسكون عليها. وقوله غير مختلفة الخ تفسير لكونها واحدة. قوله: (إذ لا مشاركة لنيرها في صحة الاتباع) يعني وحدتها إمّا بمعنى اتفاق الأنبياء عليهم الصلاة والسلام عليها فهي كقوله كان الاناس أمّة واحدة أو بمعنى عدم مشاركة غيرها لها وهو الشرك في صحة الاتباع وفي نسخة ولا مشاركة لغيرها بالواو وزعم بعضهم أن هذه النسخة أعني إذ لا معنى لها ووجهها بعضهم بأنها تعليل لتفسيرها بالتوحيد والإسلام وقال المراد بغيرها المسائل الفرعية وما يحذو حذوها ول! وجه له بل الظاهر أنّ المراد بغيرها الشرك والكفر إذ غير التوحيد يصح فيه الاتباع بل هو واقع في الأحكام الفرعية ولا حاجة إلى جعله تعليلا لكونها غير مختلفة فيما بين الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. ولذا ذهب بعضهم إلى عدم صحة هذه النسخة وأمّا قوله إنه كان الظاهر أن يقول وجوب الاتباع بدل صحة الاتباع لكنه عبر به ليعلم ذلك من طريق الدلالة فلا صحة له فتدبر. قوله: (على أئهما خبران (وقيل الثاني بدل وقيل خبر مبتدأ محذوف وقوله لا إله لكم غيري لم يقل لا رب لكم غيري لأنّ العبادة إنما تترتب على الألوهية وإنما عدل إلى الرب لإفادة الوحدانية لأنّ مملوك زيد لا يكون مملوكاً لعمرو فإذا قيل أنا ربكم علم أنه غير مشارك. وقوله: لا غيري أي لا تعبدوا غيري وفي نسخة لا غير وهي صحيحة أيضاً وليس بلحن أي بناء! غير على الضم بعدلاً كما زعمه بعض النحاة لسماعه في قوله:
جواباتنجواعتمدفوربنا لعن عمل أسلفت لاغيرتسئل ...
كما قاله ابن مالك في شرح التسهيل. قوله: (صرفه إلى الغيبة التفاتاً) أي صرف الضمير
أو الكلام وهذا بناء على أنّ الخطاب قبله للكفار أو شامل لهم وينعي من النعي وهو خبر الموت وتجوز به عن التشهير والإظهار وهو المراد وتقبيح مفعوله. وقوله: موزعة أي مفزقة تفسير لقوله قطعا والى متعلقة بينعي أي عدل للغيبة لتشهيرهم فكأنه يحكي لغيرهم وهذا يناسبه الغيبة وفي نسخة بتقبيح بزيادة الباء أو تضمينه معنى الأخبار. والمتحزبة بحاء مهملة وباء موحدة أي المجتمعة. وقوله: فنجازيهم جعل الرجوع كناية عنه لما مرّ. قوله: (فلا تضييع (الظاهر أنه استعارة تصريحية ويجوز كونها تمثيلية واستعارة الشكر في قولهم شكر الله سعيه وهي مشهورة ومنه قيل لله شكور. قال الطيبي حقيقة الشكر(6/271)
الثناء على المحسن بما أعطاه،
وهو في حق الله تعالى مححال فشبه معاملته مع من أطاعه وعمل صالحاً بثناء من أحسن إليه غيره ثم استعمل! للمشبه ما استعمل للمشبه به. وقوله: ونفى نفي الجنس أي قيل " لا كفران دون لا نكفر لأنّ نفي الجنس مستلزم له وأبلغ لثمومه. قوله: (لا يضيع بوجه مّا) هذا مأخوذ من تأكيدان والاسم وتقديم الجار. وب تظهر فائدة ذكره وارتباطه بما قبله. قوله: (وممتنع على أهلها) يعني أنّ القرية عبارة عن أهلها أو هو بتقدير مضاف وأنّ الحرام استعير للممتنع وجوده بجامع أنّ كل واحد منهما غير مرجوّ الحصول. وقال الراغب: ا! حرام الممتنع إمّ بتسخير إلهيّ وامّا بمنع قسري وامّا بمنع من جهة الصل، أو من جهة الشرع. وقوله: غير متصوّر منهم قيل أي تصوّر مطابقاً للواقع ويحتسل إبقاؤه على ظاهره مبالغة. قوله: (وحرم بكسر الحاء وإسكان الراء) هو لغة فيه بمعنى الحرام أيضاً. وقرئ وحرم لم يضبطه وهو يحتمل أن يكون بالقتح والسكون وحرم وحرّم بالماضي خخففاً ومشدّداً لأنه قرى بها كما في الكشاف إلا أنه صحح الأوّل. قوله: (حكمنا بإهلاكها الخ) يعني أنهم لكفرهم حكم الله بإهلاكهم أو أراده وئدره في الأزل وهذا إن كان قبل وقوعه وتاويله بهذا على تفسير لا. يرجعون الأوّل وهو على أحد الوجوه في إصراب حرام وهو كون حرام خبر مبتدأ محذوف كما سيأتي وفسره في الكشاف، بقوله عزمنا على إهلاكها أو قدرنا إهلاكها، وقوله: أو وجدناها هالكة قيل هذا بناء على أنّ المراد بالهلال الهلاك المعنوي، وهو الكفر والمعصية. وقيل إنه أعم من الهلاك الحسيّ والمعنويّ ولا يخفى ما فيه فإنه إذا أريد بالهلاك الحقيقي الواقع فينبغي إبقاؤه على ظاهره ولا حاجة إلى جعله من باب أحمدته أي وجدته محموداً وان أريد به المعنويّ. فالظاهر تفسيره بجعلناها هالكة وهو لا ينافي كونه بخلق الله حتى يقال إنه مبنيّ على مذهب السعتزلة فلا يظهر لعدوله عن الظاهر المتبادر هنا وجه إلا أنّ بعض معاني الرجوع الآتية تنافي معنى الإهلاك لو حمل على ظاهره كالرجوع للنوبة فلزم تأويله بما يكون به مقدّماً عليه كقدّرنا وأردنا ونحوه مما عرف في أمثاله ولما كان الحرام بمعنى الممتنع غير المتصوّر حتى كأنه محال وقد وقع في مقابلة العمل الصالح، اقتضى حمله على الهلاك المعنويّ بالكفر والمعاصي، وعلى الوجهين الأخيرين لا إشكال فيه فلذا لم يصرّح بتأويله إلا أنّ رجوعهم إلى الحياة! دون تلك الغاية غير مخصوص بهم فينبغي حمله على الرجوع إلى حياة يتلافى فيها ما فرّطوا فيه ؤعلى الأوّل فليس كل من عصى وكفريستحيل رجوعه ما لم يحكم الله عليه بالشقاء الأزلي أو يعلم الله أنه كذلك. ووجد الله بمعنى علم حيث وقع كما صرّح به الراغب والزمخشريّ في الأعراف وبهذا تبين أنهما مبناهما واحد وأنه لا يحتمل الهلاك الحسيّ هنا كما قيل وانه ليس منشؤه المضي وقد قيل إنّ الغاية تقتضي امتداداً واستمرارا والهلاك لا يتصوّر فيه ذلك بخلاف ما فسره به
فتدبر. قوله: (رجوعهم إلى التوبة) قيل قدمه لملاءمتة للشرطية التي جعلت غاية لكنه أورد عليه أنّ إيمان ليأس وتوبته مما لا ينكر لثبوته وهو قبل القيامة إلا أن يقال إنه لا يعتد به وليس بشيء لأنّ توية اليأس لا تقبل فيجوز أن يقال إنهم لم يتوبوا مع أنه إذا فتحت يأجوح لا يكون اليأس فتأمّل. قوله: (أو الحياة) بالجرّ عطف على التوبة قيل عليه الأنسب أن يقول بدله الجزاء لأنه مغيي بقيام الساعة ولا شك في امتناع الجزاء قبله وليس بشيء. قوله: (ولا صلة) أي زائدة وهكذا يعبر به تأدّبا فيما زيد في الكلام المجيد وإنما جعلها زائدة لأنّ المحرّم رجوعهم، كما أشار إليه. وقوله: أو عدم رجوعهم للجزاء على أنّ لا غير زائدة. وقوله: وهو مبتدأ قال ابن الحاجب: في أماليه إذا جعل أنهم مبتدأ وحرام خبر مقدم وجب تقديمه لما تقرّر في النحو من أنّ الخبر عن أن يجب تقديمه. قوله: (أو فاعل له سادّ مسدّ خبره) من باب أقائم أخواك لكنه هنا لم يعتمد على نفي أو اسنفهام فهو على مذهب الأخفش فإنه لا يشترطه كذا في الحواشي بناء على ظاهر كلام النجاة وذهب ابن مالك إلى أنه جائز بلا خلاف وإنما الخلاف في الاستحسان وعدمه فسيبويه رحمه الله يقول هو ليس بحسن. والأخفش رحمه الله يقول: هو حسن وكذا الكوفيون(6/272)
كما في شرح التسهيل. قوله: (أو دليل عليه) قيل معناه دليل على المبتدأ يعني أنّ حرام خبر والمبتدأ محذوف يدل عليه فاعل الخبر وتقديره توبتهم ورجوعهم إليها حرام. وقيل: ضمير عليه راجع إلى الفاعل أي دليل على الفاعل لا الخبر لأنّ ما قدره معرفة ولا تكون خبراً عن النكرة ولا يخفى فساده لأنه إن عني أنّ فاعله محذوف ففاسد وكذا إن كان ضميراً مستتراً سادّاً مسد الخبر لأنه ممنوع كما تقرّر في النحو فالأوّل أصح وان كان كلام المصنف غير ظاهر فيه فتأمّله. قوله: (أو لأنهم لا يرجعون ولا ينيبون) معطوف على قوله رجوعهم يعني أنه بتقدير اللام وحرام خبر مبتدأ محذوف تقديره ذاك وهو المذكور قبله من العمل الصالح والسعي المشكور ثم علل بأنهم لا يرجعون عن الكفر فكيف لا يمتنع ذلك وكذا المعنى على قراءة الكسر كما بينه الزمخشريّ والمصنف بقوله ويؤيده القراءة بالكسر لأنها جملة مستأنفة للتعليل. قوله: (عزم وموجب عليهم أنهم لا يرجعون (أي عن الشرك لأنه مطبوع على قلوبهم وهذا ما اختاره في الكشاف وهو على جعل حرام مجازاً عن عزم الله على ما ذكر لأنّ ما عزم عليه غير متصوّر خلافه فيمتنع وجوده ومآله إلى تفسيره أوّلاً، لكن الفرق بينهما أنّ حرام على الأوّل بمعنى ممتنع وعلى هذا بمعنى ملزم موجب وفيه بعد ما لأنه من استعارة أحد الضدين للآخر والعزم من الله لأنه ورد استعماله في حقه. قال في التهذيب قال ابن شميل في قوله: عزمة من عزمات الله أي حق من حقوق الله وواجب مما أوجبه الله. قوله: (متعلق
بحرام المراد التعلق المعنوفي لأنها ابتدائية لا جارّة والمحذوف ما أشار إليه بقوله: أو الهلاك ويجوز أن يكون يستمرون على حالهم والامتناع امتناعهم عن التوبة والندم فإذا قامت القيامة ندموا أو الحياة لحياتهم بعد قيامها والى متعلقة بيستمرّ. وقوله: وهو كان الظاهر وهي. وقوله سد إشارة إلى تقدير مضاف فيه أو إلى التجوّز في الإسناد وقوله يحكي الكلام بعدها يعني أنها ابتدائية لا جارة كما ذهب إليه بعضهم وجواب الشرط ما سيأتي. ونشز بفتحتين آخره زاي معجمة ما ارتفع من الأرض، وجدت بجيم وثاء مثلثة هو القبر وهذا يؤيد أنّ المراد الناس كلهم والنسلان بفتحتين الإسراع فإن اختص وصفه بالذئب فهو مجاز هنا. قوله: (تسدّ مسدّ الفاء الجزائية (أي في الربط وليست عوضا عنها حتى يلزم الجمع بين العوض! والمعوض إذا ذكرتا وتظاهرت بمعنى تقوت في الربط. وقوله فيتأكد أي يتقوى الوصل بلا محذور وشخوص أبصارهم في القيامة والتعقيب عرفيّ أريد به المبالغة هنا. قوله: (والضمير للقصة الخ) إذا كان لضمير للقصة أو الشأن فشاخصة أبصار الذين كفروا مبتدأ وخبر لأنّ خبره لا يكون إلا جملة. ويجوز كونه مفرداً على رأي لبعض الكوفيين وقوله أو مبهم يفسره الأبصار فيعود على متأخر لفظاً ومعنى يفسره ما في حيز خبره كقوله:
هو الجد حتى تفصل العين أختها
وهذا جائز عند ابن مالك وغيره كما في ضمير الشأن وقد مر تفصيله في قوله فسوّاهن
سبع سموات وذهب الفراء إلى أنّ هي ضمير فصل وعماد يصلح في موضعه هو ونقل عن الكشاف في هو مردود من وجهين أحدهما أنّ ضمير الفصل لا يجوز تقدمه ولا يكون خبره نكرة ليس بأفعل تفضيل. قوله: (واقع موقع الحال (وتقديره يقولون أو قائلين وهو على حد قوله اتبع ملة إبراهيم حنيفاً ويجوز كونه استئنافا. وقوله لم نعلم أنه حق فالمراد بالغفلة عدم تيقنه مجازا أو هو بتقدير مضاف وهذا إشارة لليوم أو لما ذكر وقوله: بل كنا ظالمين إضراب عن كونهم في
غفلة إلى ما تعمدوه وبالنظر متعلق بالإخلال والنذر جمع نذير وهو الرسل أو الآيات. وقوله: لأنهم الخ إشارة إلى تصحيح إطلاق ما يعبدون على هؤلاء. قوله: (لما روي الخ) ذكر ابن حجر في تخريج أحاديث الكشاف أنّ هذا الحديث رواه ابن مردويه والواحدي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وهو حديث طويل ثم قال إنه اشتهر على ألسنة كثير من علماء العجم وفي كتبهم أنه صلى الله عليه وسلم قال: في هذه القصة لابن الزبعري ما أجهلك بلغة قومك لأني قلت وما تعبدون وما لما لا يعقل ولم أقل ومن تعبدون وهو لا أصل له ولم يوجد في شيء من كتب الحديث مسنداً ولا غيره مسند والوضع عليه ظاهر والعجب ممن نقله(6/273)
من المحذثين وقال السهيلي: في الروض! اعتراض ابن الزبعري لا يرد لأنّ الخطاب مخصوص بقريش وما يعبدون من الأصنام، ولذلك أتى بما الواقعة على ما لا يعقل وحديث ابن عباس المتقدّم ينقض عليه التأويل فإنه صريح في أن المراد كل ما يعبدون من دون الله اهـ. وجوابه إن ذلك بتاء على ما فهم ابن الزبعري وجوابه صلى الله عليه وسلم على التنزل والزبعري بكسر الزاي المعجمة وفتح الباء الموحدة وسكون العين المهملة وفتح الراء المهملة والقصر معناه السيئ الخلق الغليظ وهو لقب والد عبد الله القرشي المذكور وهو شاعر وقد أسلم بعد هذه القصة وصار من كبار الصحابة رضي الله عنهم. وقوله: قد خصمتك أي غلبتك في المخاصمة والمحاجة وبنو مليح بالتصغير قوم من خزاعة. وقوله: بل هم الخ يدلّ على ما ذكره من التأويل وهو إشارة إلى المرجح بعد الإشارة إلى المصحح وقوله فأنزل الله الخ هذا إن كان مخصصاً لعموم الآية يكون جوابا آخر كما أشار إليه المصنف، ويحتمل أنه منع لكونهم ما عبدوهم في الحقيقة فيكون مرجحا لما مرّ أيضاً ويكون معنى قوله: وعلى هذا الخ أي على مقتضى هذه الرواية وأن يراد إبليس وأعوانه ويعم الخطاب غير المشركين فتأمّل. وقوله لما الخ إن تعلق بمقدر فظاهر وكذا إن جعل تعليلا لقوله: في حكم عبدتهم وان تعلق بيحتمل بعد تعلق قوله لأنهم الخ فهو متعلق به بعد تقييده فلا يلزم تعلق حرفي جر بمعنى بمتعلق واحد كما مرّ وقوله أليس الخ استئناف وقوله: يعم
الخطاب أي لليهود ومن معهم فإنهم أطاعوا الشياطين في عبادة غيره تعالى. وقوله مؤوّلاً لأنها لما لا يعقل على المشهور فاستعمالها في غيرهم مجاز خلافاً لمن ذهب إلى أنها تطلق عليه حقيقة مطلقا أو إذا أريد الوصف كما مرّ وقوله أو بما يعمه معطوف على قوله بمن وهذا على التغليب لا على أنها حقيقة كما قيل. قوله: (بل لكل من عبد الخ (قيل بين هذين الروايتين تدافع إذ المفهوم منه دخول الأنبياء والأوثان ومن الأوّل عدم دخولها وارادة المعبود الحكمي وجوابه ظاهر مما بعده. قوله: (ويكون قوله: {إِنَّ الَّذِينَ} بيانا للتجوّرّ الخ (التجوّز في كلامه يحتمل أن يكون بجعل ما بمعنى من كما قيل وينافيه العموم فينبغي أن يحمل على التغليب للعقلاء وغيرهم ويحتمل أن يكون بجعل العبادة بمعنى طاعة الآمر وهم الشياطين فيكون عا تعبدون عبارة عن المطاعين فيخرج الأنبياء والملائكة لأنهم لم يأمروهم ولم يطيعوهم والتجوّز إمّا لغوي إن أريد بالعبادة الطاعة للآمر أو عقليّ إن أريد به إيقاع العبادة على من أمر بها للملابسة، كما في بنى الأمير المدينة ووجه كونها بيانا للتجوّز أنها قرينة على خروجهم منها فيقتضي التأويل أو التخصيص ولا خفاء فيه كما قيل. قوله: (أو التخصيص (لما مرّ وهو مجرور معطوف على التجوز وهذا على جعل ما عاما للعقلاء وغيرهم. وقوله: تأخر عن الخطاب إشارة إلى ما استدل به الشافعية على جواز تخصيص العام بالمتراخي كما هنا. وقد أجيب عنه بأن قوله وما تعبدون لم يتناول عيسى وعزير والملائكة حيقة لأن ما لغير العقلاء ولا حاجة إلى إثباته بما روي من قوله ما أجهلك بلغة قومك لعدم صحته. وأما سؤال ابن الزبعري فتعنت منه وجوابهء! ي! تنزل إلزامي فإنه تعالى تولى البيان بجواب شاف بقوله: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ} الخ فهو بيان تقرير يصح تراخيه عندنا لا بيان تفسير كما قالوه وأمّا قوله صلى الله عليه وسلم: " بل هم عبدوا الشياطين " الخ إن صح فجواب على طريق التسليم والحاصل إن ما تعبدون إمّا محض غير العقلاء على ما هو الحقيقة المتبادرة أو هو عبارة عن الأصنام والشياطين فتأمّل. قوله: (ما يرمى به (فهو صفة مشبهة. وقوله: رماه بالحصباء هي صغار الحجارة وهذا إشارة إلى أنه خاص وضعا عام استعمالاً. وقوله: استئناف أي استئناف نحوي مؤكد لما قبله لا بيانيّ حتى يقال إنه لا يظهر كونه جواب سؤال لم يندفع بما قبله وأنتم تغليب للمخاطبين على معبوداتهم. وقوله: أو بدل أي للجملة من المفرد ولا يضرّ. كونه في حكم النتيجة. قوله: (واللام معوّضة من على الخ) لأنّ الأصل تعديه إلى الثاني بها كما أشار إليه في القاموس بتفسيره بالإشراف على الماء وهو في الاستعمال أكثر من أن يحصى، فما قيل إنه متعد بنفسه كما في قوله وردوها فاللام للتقوية لاحتياجه لها لكون المعمول(6/274)
مقدّما والعامل فرعي غفلة. وقوله: والدلالة عطفه
بالواو والظاهر أو لأنّ التعليل لا ينافي الاختصاص وليس الاختصاص من التقديم وان صح كما توهم.
قوله: (لآن المؤاخذة المعذب) المعذب تفسير للمؤاخذ من قولهم آخذه مؤاخذة وأخذ.
الله إذا أهلكه وأخذه بذنبه عاقبه عليه وجعل الورود بمعنى دخول النار لأنه يطلق عليه كما ذكره أهل اللغة. وقوله: حصب جهنم يعينه فلا يرد عليه ما قيل إن ورود النار لا يلزمه العذاب كما يدلّ عليه قوله {وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} وقد مرّ ما في هذه الآية. وقوله لإخلاص الخ فسره به لأنّ الأصنام لا توصف بالخلود المعروف ولذا قيل إنه يجوز أن يخلق الله للأصنام إحساسا بالعذاب وزفيرا. وقوله: المؤاخذ المعذب يلائمه إلا أن يراد بالعذاب صورته فيكون المراد أن دخولهم جهنم ينافي الألوهية وان لم يكن ثمة تعذيب فلا يرد عليه شيء. قوله: (أنين وتنفس شديد) أصل معنى الزفر كما قاله الراغب ترديد النفس حتى تنتفخ منه الضلوع، والبعض هم العابدون والكل هم وما عبدوه وقوله: للتغليب إن أريد بما تعبدون الأصنام وكذا إن أريد الأعم لكنه خصه لأنّ التغليب فائدته شمول ما لا يعقل وهم خارجون من العموم أو المراد الحامل لهم على عبادة العقلاء فلا لبس فيه وما قيل عليه من أنه لا تغليب فيه بل هو التفات والضمير يرجع إلى المخاطبين في أنكم خاصة ردّ بأنه يوجب تنافر النظم ألا ترى قوله أنتم لها واردون، كيف جمع بينهم تغليباً للمخاطبين، فلو خص لهم فيها زفير لزم التفكيك، وقيل إن فيه تجوّزاً من جهة نسبة فعل البعض إلى الكل وتغليبا من جهة إطلاق هم على العقلاء وغيرهم ولا تأثير للتغليب، في الأوّل ورد بأنهم قرّروا أنّ في قوله أو لتعودنّ في ملتنا تغليبين تغليب الأكثر على الأقل إذ نسب إلى الجميع ما هو منسوب للأكثر وتغليب الخطاب على الغيبة وهذا كذلك إذ غلب الأكثر وهم ألاتباع على الأقل وهم الأصنام في نسبة الزور إلى الجميع وغلب العقلاء على غيرهم والتجوّز لا ينافي التغليب بل التغليب كله مجاز وفيه بحث لأنه يعني أنّ نسبة فعل البعض إلى الكل. كقولهم: بنو فلان قتلوا قتيلاً ليس من التغليب في شيء وكون التغليب يكون بالتجوّز في الطرف والنسبة لا يجدي فتدبر. قوله: (من الهول وشدّة العذاب (أو لصراخهم قيل وهو أنسب بما قبله وأمّا حمله على الصحمم حقيقة فبعيد وان جوّزه بعضهم. وقوله: الخصلة الحسنى أي أو المنزلة وهو توجيه لتأنيثه. وقوله: بالطاعة أي بسبب الطاعة وكان الظاهر للطاعة وقوله: أو البشرى بالجنة فيكون المراد بالذين الخ العشرة المبشرة بالجنة كما سيأتي عن عليّ
رضي الله عنه. قوله: (لآنهم يرفعون إلى أعلى عليين) فسره في سورة مريم بأنّ المراد به مبعدون عن عذابها وهو لا ينافي ما ذكره هنا لأنّ المراد بعليين الجنة على أحد التفاسير فيه وهو المراد ولإخفاء في أنّ البعد عن النار بحيث لا يسمع حسيسها يدلّ على دخول الجنة فما قيل إنه أشار في الموضعين إلى وجهين تعسف لا حاجة إليه. وكذا ما قيل إنّ الرفع إلى أعلى عليين مما لا دليل عليه. قوله: (روي انّ علياً رضي الله عنه وكرّم الله وجهه الخ) قال ابن حجر رحمه الله رواه ابن أبي حاتم وابن عدي وابن مردويه عن ليث بن أبي سليم عن النعمان بن بشير وكان من سمار عليّ وقوله: كرّم الله وجهه جملة دعائية تختص بعليّ على الألسنة وقد قيل في وجه التخصيص إنه لإسلامه صغيراً بحيث لم يسجد لغير الله أو لم يخل عن السجود لله. قوله: (بدل من مبعدون) قيل الظاهر أنها جملة مؤكدة. وقوله: سيق للمبالغة لأنه يدلّ علي شدة البعد وقد قيل إنّ الأبعاد يكون بعد القرب فيفهم منه أنهم وردوها أوّلاً ولما كان مظنة التأذي بها دفع بقوله لا يسمعون الخ. وقوله: في غاية التنعم يفهم من قوله فيما اشتهت أنفسهم كما لا يخفى ولا منافاة بين هذا وبين قوله في تفسير قوله: مبعدون لأنهم يرفعون إلى أعلى عليين كما توهم والظرف فيما اشتهت الخ وتقديمه للاختصاص لا ينافي الاهتمام ورعاية الفاصلة. قوله: (النفخة الأخيرة) كذا في الكشاف وفي الكشف إنه لم يرد به النفخة الثانية وإنما أراد الأولى لأنّ الآية المستشهد بها مصرّحة بذلك والوصف بالأخيرة لأنها آخر ما يقع في هذه الدار ولا يخفى بعده. وقد أورد عليه أنّ تمام الآية وهو قوله وتتلقاهم الملائكة الخ يدل على أنّ الفزع(6/275)
إلا اكبر من أهوال يوم القيامة وكذا باقي الأقوال في تفسيره يدل على ذلك فلعل الاستشهاد بالآية على أنّ النفخة أطلق عليها الفزع، وفيه نظر. وقوله: أو الانصراف إلى النار أي انصراف المعذبين فالفزع الذهاب بسرعة لما يهول وهو أحد معانيه. وقوله: يطبق على النار في نسخة تطبق النار أي تغلق على من فيها وقوله أو يذبح الموت إشارة إلى ما ورد في الحديث من أنه بعد استقرار أهل الجنة في الجنة وأهلى النار فيها يؤتى بالموت على صورة كبش ويذبح. وقوله: يوم ثوابكم بيان للمراد منه أو لتقدير مضاف وتقدير القول أي قائلين فهو حال. قوله: (أو طرف لا يحزنهم الخ الم يذكر احتمال تعلقه بالفزع لأنّ المصدر الموصوف لا يعمل
على الصحيح وان كان الظرف يتويع فيه ومن أجازه هنا بناه على قول مرجوح كما مغ أعمال الدعاء في إذا لتعريفه وكلاهما قول ضعيف كما في شرح الشهيل فلا إغراب ولا خطأ فيه كما توهم وتعلقه بتتلقاهم لأنها تتلقاهم في مواطن كما تتلقاهم بأبواب الجنة وقوله حال مقدرة لأنّ يوم ألظيّ بعد الوعد وكونه بدلاً من العائد المحذوف كما قاله أبو اليقاء بدل كل من كل لا اشتمال كما توهم. قوله: (أو المخو) إلى الإفناء والإزالة فالتشبيه باعتبار أنه بطه يخفي ما فيه أو لأنه يرفع بعد الطى فلا يرد أنه لا يصح التشبيه حينئذ، وقوله: فإذا انتقلوا أي إلى الآخرة، وقوّضت بالتشديد بمعنى أزيلت يقال: فوّضت الخيام إذا رفعت وفي نسخة فوضع! ت وهي بمعنى أنزلت وأزيلت عن سقرّها من وضعت السل عن البعير. قوله: (طياً كطئ الطومار للكتابة) وفي نسخة لأجل الكتابة إشارة إلى أنّ كطيّ صفة مصدر مقدر وانّ السجل بمعنى الطومار التي يكتب فيه والكتاب بمعنى الكتابة وطيّ الطومار من إضا. قة المصدر لمفعوله أو هو مصدر مبنيّ للمفعول، والمعنى كطيّ الطومار المعدّ للكتابة المسوّى والمهيأ لها فلا يتوهم أق الطومار لا يطوي للكتابة بل ينشر. وكذا قوله لما يكتب ل! ن الكتاب فيه بمعنى المكتوب والفرق بينه ويين ما بعده ظاهر. وقوله: كتب فيه فهو طيّ بعد الكتابة والكتاب بمعنى المكتوب لا مصدر كما في الوجه الأوّل ولذا جمع وجعل المعاني مكتوبة توسع لأنّ المكتوب ألفاظها. قوله: (وقيل السجل ملك يطوي كتب الآعمال) مرضه لغرابته وعدم حسن التشبيه فيه إذ ليس المشبه به أقوى ولا أشهر وقوله أو كاتب قول واه جداً لأنه لم يعرف أحد من الصحابه اسمه سجل وقيل السجل بلغة الحبشة الرجل فلعله مراده وعلى كل حال فلا حسن للتشبيه لما مرّ. قوله: (أي نعيد ما خلقناه الخ) مبتدأ بصيغة المفعول وضمير نعيده ليس عائدا على أوّل حتى يقال إنّ الإعادة تنافي، وصف الأوّلية، بل على المخلوق المفهوم منه مطلقاً ويصح عوده إليه إن كان إيجاداً بعد عدم لا إعادة بعد تفريق وتبديد على ما عرف من القولين فيه قيل والحق أنه إعادة ما انعدم بخجنه وتأليف ما تفرّق والقياس على الإبداء مفهوم من التشبيه. قوله: (لشمول الإمكان الذاني الخ (أي إنما قيلى بوقوع الإعادة على ما ذكر لشمول القدرة الإلهية لكل الممكنات وكل من إعادة ما انعدم وتأليف ما تفرّف أمر ممكن. أم إمكان تأليف ما تفرّق فظاهر
وأمّا إمكان إعادة ما انعدم فلأن الإعادة إحداث كالإبداع الأوّل وغاية طريان العدم على المباع الأوّل تصييره كأنه لم يحدث وقد تعلقت القدرة الإلهية بإيجاده من عدمه الأصلي فكذا من عدمه الطارئ لا أنّ الموجود ثانياً مثله بل هو بعد فناء عينه وهذا لأنّ وجود عينه أوّلاً إنما كان على وفق تعلق العلم به والغرض أنّ الموجودات أيضا بعد طريان العدم عليها ثابتة في العلم متعلقا بإيجادها فافهم. قوله: (وما كافة الها عن العمل فتدخل على الجملة وتكون لتشبيه مضمون ما بعدها بمضمون جملة أخرى ولا متعلق للكاف حينئذ وقوله أو مصدرية فتكون صفة مصدر مقدر كما مز. قوله: (وأوّل مفعول لبدأنا) يعني عد الاحتمالين قيل عليه تعلق البداءة بأوّل الشيء ال! مثهروع فيه ركيك لا يقال بدأت أوّل كذا وإنما يقال بدأت بكذا وذلك لأنّ بداءة الشيء هي الشروع فيه والشروع يلاقي الأوّل لا محالة فيكون ذكره تكراراً. وفيه نظر لأنّ المراد بد أنا ما كان أوّلا سابقاً في الوجود وليس المراد بالأوّل أوّل الأجزاء حتى يتوهم ما ذكره مع أنّ التكرار ليس بباطل. ولذا قيل أيضا أوّل الخلق هو(6/276)
المعاد حقيقة وايقاع الخلق عليه فرع عن الإعادة والا فلا أوّلية ودفع بما مرّ من المصنف من أن المراد بالأولية هو أن يكون لوجوده بداية لأنّ الحادث عرف بما لوجوده أوّل لا الأولية المقابلة للثانوية، وقد اعترف به هو نفسه ولو سلم فيكفي في تحقق الفرعية جعل الإعادة عاملا في ضميره وفيه تأمل. قوله: (أو لفعل يفسره ما بعده) يعني نعيد قيل الظاهر تقديره قبل كما بدأنا فيكون من التنازع وأعمال نعيد حينئذ إنما هو على منمب الكوفيين وليس من التنازع في شيء كما لا يخفى. وموصولة عطف على كافة. ق! وله: (والكافة متعلقة بمحذوف يفسره نعيده) فهم بعضهم من ذكر المتعلق هنا إنها إذا كانت كمافة فلا متعلق لها كما صرح به الرضي وهو خلاف الظاهر وفي المغني أن الأخفش وابن عصفور ذهبا إلى أن الكافة الجارة لا متعلق لها لأنها لا تدل على معنى الاستقرار والحق خلافه وكلامه مخالف لقوله الآتي وقرله مثلى الذي بدأنا تفسير معنى لا إشارة إلى أنها اسم حتى يرد عليه أنه خلاف الظاهر حتى ذهب بعض النحاة إلى أنه ضرورة وقوله متعلقة يأباه ظاهرا. قوله: (وأوّل خلق ظرف لبدأنا) لأن ما الموصولة تستدعي عائدا فإذا قدر هنا يكون مفعولاً فيكون أوّل منصوب على الظرفية لأنه يكون كذلك في كلام العرب فالتقدير في أوّل زمان خلق وخلق مصدر. أو هو حال من العائد المحذوف والخلق بمعنى المخلوق قيل: والظاهر أنّ قيد الأوّلية هنا لإخراج المخلوق ثانيا وهو الروج لأن الكلام في إعادة البدل وهو المخلوق أوّلا لقوله ثم أنشأناه خلقاً آخر. ورد بأنّ الاهتمام بإخراج الروج يوهم أنها لا تعاد ولا وجه له وتقدم خلق ألبدن على الروج غير مسلم وما ذكره لا يدل عليه بل على تأخر النفخ كما سيجيء ولا شك أنّ ما ذكره خلاف الظاهر وإن لم يرد عليه ما ذكر لأنّ ما ذكره هو المعروف هاعادة الروج لم يختلف فيها القائلون بالحشر فلا يلتفت إلى ما ذ! 5 من الإبهام وتنكير خلق للدلالة على
التفصيل كما بين في الكشاف وشروحه. قوله: (مقدّر بفعله تثيدا لنعيده (فهو مفعول مطلق والجملة مؤكدة لما قبلها أو منصر! ب بنعيد لأن الوعد هو الإعادة معنى. وقوله: علينا إنجازه تفسير معنى لا إعراب ويحتمل أنه إشارة إلى تقدير مبتدأ خبره الظرف لا أنّ إنجازه فاعل الظرف لاعتماده لأنه لا يجوز حذف الفاعل ولا بدل من الضمير المستتر في الظرف العائد على الوعد بمعنى الإنجاز استخداما لتكلفه. قوله: الا محالة) هو من التأكيد ولم يفسره بقادرين كما في الكشاف لما فيه من أنه خلاف الظاهر كما في الانتصاف لمان كان غير مسلم. قوله: (كتاب داود (بالجرّ عطف بيان للزبور أو مرفوع بمبتدأ محذوف أي هو أو الزبور المذكور كتاب داود واطلاق الذكر على اللوح المحفوظ مجاز وقد وقع في حديث البخاري في قوله: (خلق الله السموات والأرض وكتب في الذكر كل شيء) وكون الأرض أرض الجنة بعيد لكن ذكره بعد الإعادة يقربه والتعريف عليهما للعهد ومعنى أرثها كونهم يتولونها. قوله: (يعني عامة المؤمنين (هو ظاهر إن أريد أرض! الجنة وأما إذا أريد الأرض! المقدسة أو الشام لأنها ليست من الأرض المقدسة فلعله تبشير من الله بأنها لا تستقر في أيدي الكفار أبدا كما شاهدناه. قوله: (أو الذين كانوا يستضعفون) أي يقهرون من بني إسرائيل وهو إشارة إلى قوله تعالى: {وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا} وقد مرّ في الأعراف أنها أرض الشام وجهاتها الغربية والشرقية ولو ذكره المصنف هنا كان أولى فإنه أحد التفاسير وليست داخلة في الأرض! المقدسة، كما علم ومشارق ومغارب مفعول أورثنا. قوله: (لكفاية) تفسير للبلاغ فإنه بمعنى البلوغ وهو بلوغ النهاية ولما كان فيما يبلغ النهاية كفاية أطلقت عليها. وقوله: أو لسبب الخ إشارة إلى أنه مجاز مرسل كما بينه ويجوز أن يكون من الوصف بالمصدر مبالغة. وقوله: هممهم أي ما يهمهم هو عبادة الله لا ما اعتادوه من أمور الدنيا. قوله: (لأن ما بعثت الخ (إشارة إلى دفع ما يتوهم من أنه كيف تكون رسالته صلى الله عليه وسلم مقصورة على الرحمة مع تعذيب من عصاه في الدارين. بأنّ المقصود من بعثته الرحمة لكونه جاء بما يسعدهم إن اتبعوه ومن خالفه فإنما أتر! من قبله كالعين العذبة يسقي بها ويزرع فمن لم ينتفع بها(6/277)
كسلا منه لا يضر في كونها نافعة فإن إلكسلان محنته على نفسه، وهذا ظاهر فلا حاجة إلى تفسير كونه رحمة
للكفار بما ذكر ولذا مرضه وفي جعل خاتم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام خاتمة لسورة الأنبياء حسن يتضوع منه مسك الختام. توله: (أي ما يوحي إلئ إلا أنه الخ) يعني أنه وقع فيه حصران الأوّل لقصر الصفة على الموصوف والثاني لقصر الموصوف على الصفة فالثاني قصر فيه الله على الوحدانية والأوّل قصر فيه الوحي على الوحدانية والمعنى لا يوحي إليئ إلا اختصاص الله بالوحدانية وقد أورد عليه أمران الأول أنه كيف يقصر الوحي على الوحدانية، وقد أوحى إليه أمور كثيرة غيره كالتكاليف والقصص وغير ذلك، والثاني انّ أداة القصر إنما المكسورة لا المفتوحة كما صرحوا به ودفع الأوّل بوجهين الأوّل أنّ معنى قصره عليه أنه الأصل الأصيل وما عداه راجع إليه أو غير منظور إليه في جنبه فهو قصر ادعائيّ واليه أشار المصنف رحمه الله بقوله وذلك لأن المقصود الخ والثاني أنه قصر قلب بالنسبة إلى الشرك الصادر من الكفار السابق ذكرهم وكذا الكلام في القصر الثاني إذ له تعالى صفات أخر غير توحيده. ودفع الثاني بأنّ إنما المفتوحة ذهب الزمخشريّ إلى أنها مثل إنما المكسورة في ذلك ويؤيده هنا إنها بمعنى المكسورة لوقوعها بعد الوحي الذي هو في معنى القول ولأنها مقول قل في الحقيقة ولا شك في إفادتها التأكيد فإذا اقتضى المقام القصر كما نحن فيه انضم إلى التأكيد، لكنه ليس بالوضع كما في المكسورة. فقد جاء ما لا يحتمله كقوله وظن داود إنما فتناه ولذا فسره الزمخشري بقوله: ابتليناه لا محالة مع تصريحه بالحصر هنا وما كافة تحتمل الموصولية فيهما أو أحدهما والحاصل أنه وقع في إنما المفتوحة خلاف فذهب إلى أنها مثنه الزمخشري والمصنف وأكثر المفسرين وأنكره أبو حيان وذلك لأنها مؤوّلة بمصدر واسم مفرد وليست كالمكسورة المؤوّلة بما والا واليه أشار في الانتصاف، والمعنى لا يأباه وما تمسك به مردود والحق مع الجماعة. قوله: (مخلصون العبادة) أي المراد من الإسلام هنا لازمة وهو ما ذكر والأولى تفسيره بمنقادون لما يوحي من التوحيد. قوله: (وقد عرفت أن التوحبد مما يصح إثباته بالسمع) كما مرّ التصريح به في هذه السورة أي ليس التوحيد كإثبات الواجب الذي لا يثبت بالأدلة السمعية وإنما يثبت بالأدلة العقلية لأنه لو أثبت بالسمع لزم الدور إذ الدليل السمعي كلام الرسول صلى الله عليه وسلم فلو لم يثبت الله لم يثبت كلامه ولا رسوله بخلاف الوحدة فإنها غير موقوف عليها ذلك وهذا مشهور بين المفسرين والمتكلمين لكن صاحب الكشف قال: لأن التعدد يستلزم الإمكان على ما لخص في موضعه وما لم يعرف أنّ الله تعالى واجب الوجود لذاته خارج عن جميع الممكنات لم ينتظم برهان على الرسالة والآية لا تصلح دليلا لهم لأنه إنما يوحي إليه ذلك مبرهنا لا على قانون الخطابة فلعل نزولها. كان مصحوبا بالبرهان وتابعه عليه بعض الشراح، وليس بشيء على ما
بين في الكلام من أنه لا تلازم بينا وغير بين بين وجوب الوجود والوحدة ولو سلم فالعلم بوجوبه تعالى لا يتوقف عليه فإنه يثبت بالخروج عن نظام السلسلة لا عن جميع الممكنات لاحتمال تعدد السلسلة كما قيل. وهو مردود بأنه إشارة إلى برهان التمانع وهو قطعيئ لا إقناعي على الصحيح كما برهن عليه في الكلام وتحقيقه كما في شرح المقاصد أنّ بعثة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وصدقهم لا يتوقف على الوحدانية فيجوز التمسك بالأدلة السمعية كإجماع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام على الدعوة إلى التوحيد ونفي الشرك وكالنصوص القطعية من كتاب الله تعالى على ذلك. وما قيل إن التعدد يستلزم الإمكان لما عرفت من أدلة التوحيد وما لم تعرف أن الله تعالى واجب الوجود خارج عن جميع الممكنات لم يتأت إثبات البعثة والرسالة ليس بشيء لأنّ غايته استلزم الوجوب الوحدة لا استلزام معرفته معرفتها فضلاً عن التوقف وسبب الغلط عدم التفرقة بين ثبوت الشيء والعلم بثبوته انتهى. وتفريع الاستفهام الإنكاري هنا صريح في ثبوته بما ذكر لكن في هذا المقام بحث يعلم مما ذكر في برهان التمانع وقوله: إنما يوحي إليه ذلك مبرهنا الخ للإشارة إليه وقول المصنف على مقتضى الوحي المصدق بالحجة فيه ميل ما إليه لو لم يصرح بعده بما يدل على مراده فتأمل. قوله ة (أعلمتكم الخ (فسره به لأنه أفعال من الأذن بمعنى(6/278)
العلم إذ أصله العلم بالإجازة في شيء وترخيصه ثم تجوز به عن مطلق العلم وصيغ منه الأفعال وصار عبارة عن الإنذار كقوله:
آذنتنا بينها أسماء
وهو يتعدى لمفعولين الثاني منهما مقدر وهو ما ذكره المصنف. وقوله مستوين إشارة إلى
أنّ الجار والمجرور وقع حالاً من المفعول الأوّل ويجوز أن يكون حالاً من المفعول الثاني. وقوله: مستوين إشارة إلى أنه حال من الفاعل والمفعول معا وقوله في العلم بما أعلمتكم به واستواؤهم في العلم إمّا بما أمر به لإعلامهم به أو بأنه سيقع بينهم الحروب كذلك وهم يعلمون أنه الصادق الأمين وإن كانوا يحجدون بعض ذلك عناداً، فلا وجه لما قيل كيف يصح دعوى الاستواء والفاعل متيقن بخلاف المفعول فإنهم لا يذعنون إلا أن يراد بسبب العلم وهو الخبر الصادق وسائر الدلائل الأنفسية والآفاقية والاستواء فيه من حيث التكليف فإنّ الكل مكلف بما أعلمه ىسييرو. قوله: " يذاناً على سواء) إشارة إلى وجه آخر وهو أنه صفة مصدر مقدر. وقوله: أعلمتكم إني على سواء يعني أنّ الجار والمجرور خبر أن المقدرة وهي مع معموليها سادة مسد المفعول. والنير بمعنى الواضح وفي الكشاف إنّ قوله: آذنتكم استعارة تمثيلية شبه بمن بينه وبين أعدائه هدنة فأحص بغدرهم فنبذ إليهم العهد وشهر النبذ وأشاعه
وآذنهم جميعاً بذلك. قوله: (أو الحشر) أو العذاب وقوله: لكنه كائن لا محالة إشارة إلى أنه لا ينافي تردّده في قرب أمور الآخرة قوله: اقترب في أول السورة لأنه عبارة عن تحققه كما مر والقرب هنا على ظاهره المعروف. والأحقاد عطف تفسيري للأحن وهي الضغائن جمع أحنة وقوله فيجازيكم عليه يعني أنّ العلم بما ذكر كناية عن الوعيد بالجزاء، كما يقول الملك لمن عصاه قد عرفت ما صدر منك. وقوله: لعل تأخير جزائكم يعني به أنّ ضمير لعله لما علم من الكلام. قوله: (استدراج لكم الما كان الإمهال فتنة لهم على التحقيق، وقوله: لعل يفهم منه الشك قال ذلك إشارة إلى أنه إما مجاز عن الاستدراج بذكر السبب وارادة المسبب أو عبارة عن زيادة الفتنة ودوامها أو هو بمعناه الأصلي وهو الامتحان والاختبار من فتن الذهب والفضة بمعنى إذا بهما ليعلم غشهما فهو استعارة مصرحة والتمتيع بمعنى الإبقاء والتأخير. قوله: (اقض بيننا الخ) فالحكم بمعناه المعروف والضمير له ولهم لأنه يعلم من المقام والعدل تفسير للحق والمقتضى صفته لأنّ العدل يقتضي تعجيل عذابهم فهو دعاء بتعجيله لهم فلا يتوهم اللغوية لأن كل قضائه عدل وحق وقد استجيبت بوقعة بدر بعده والتشديد إيقاع العذاب الشديد بهم والقراءة بالضم على أنه منادى مفرد وقد قيل إنّ حذف حرف النداء من اسم الجنس نادر شاذ وقال المعرب إنه ليس منادى مفرد بل هي لغة في المضاف إلى ياء المتكلم حال ندائه فيحذف المضاف إليه ويبنى على الضم كقبل وبعد فلا شذوذ فيه. وأحكم أفعل تفضيل أي أنفذ وأعدل حكما أو أعظم حكمة. وقوله: وأحكم من الأحكام أي قرئ به على صيغة الماضي. قوله: (بأنّ الشوكة) أي الغلبة والقوّة وهو تفسير لما يصفونه، وخفق راية الإسلام كناية عن ظهوره والسكون ضمده وأمانيهم بالتشديد والتخفيف جمع أمنية وهي ما يتمنى. قوله: (وعن النبئ صلى الله عليه وسلم الخ) هو
حديث موضوع واقترب علم لهذه السورة تسمية لها بأولها. وقوله: صافحه وسلم عليه هو في الآخرة كما هو الظاهر ووجهه كونه سورة متضمنة لأحوالهم، تمت السورة اللهم إني أتوسل بسيد الأنبياء والمرسلين وبمن ذكر فيها من سائر النبيين أن تيسر لنا أمور الدنيا والآخرة بمنك وكرمك وألطافك المتواترة.
سورة الحج
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله: (مكية) اختلف فيها فقيل إنها مكية وقيل إنها مدنية وقيل مختلطة بعضها مكيّ وبعضها مدني وهو الأصح واختلف في تعيينه على أقوال منها ما ذكره المصنف. قوله: (وهي ثمان وسبعون آية (قال الداني وقيل خمس وقيل ست وقيل سبع. قوله: (تحريكها للأشياء (حقيقة الزلزلة التحريك بعنف وهو المراد(6/279)
هنا فإضافتها للساعة إن كان للفاعل فهو مجاز في النسبة كقوله مكر الليل لأنّ المحزك هو الله، والمراد بالأشياء الموجودات أو هو من الإضافة إلى الظرف إضافة على معنى في عند من أثبتها كما أشار إليه بقوله: أو تحريك الأشياء فيها الخ لكن في كلامه شيء وهو أن قوله إضافة معنوية يفهم منه أن إضافة المصدر إلى فاعله لفظية. والذي صرح به النحاة أنها معنوية اختصاصية فإن لم يكن هذا على قول ابن برهان الذاهب إلى أنها غير محضة فيكون المختص بهذا الشق مجموع كونها معنوية على معنى في فيفهم منه أن تلك معنوية على معنى حرف آخر. وقوله: على إجرائه مجرى المفعول به توسعا كما في قوله: يا سارق الليلة أهل الدار على مذهب من لم يثبت الإضافة بمعنى في. قوله: (وقيل هي زلزلة الخ) فتكون الزلزلة على معناها الحقيقي ومرضمه لاحتياج إضافته إلى الساعة إلى التأويل كما أشار إليه ولأنه لا يناسب كونه تعليلا لأمر جميع الناس بالتقوى كما لا يخفى. وفي الكشاف أنّ هذه الآية وما يليها نزلتا ليلا في غزوة بني المصطلق وهو صحيح مسند في سنن الترمذي والنسائيّ والحاكم كما ذكره ابن حجر رحمه الله فينافي كونهما مكيتين. واشراط الساعة علاماتها ومقدماتها. قوله: (هائل (هو معنى عظيم النكرة الموصوف به شيء المبهم. والتعليل يستفاد
من الجملة المصدرة بأن المستأنفة استئنافا بيانيا على ما قرّر أهل المعاني في نحو إذ ذاك النجاح في التبكير. والتدرع لبس الدرع وهو مجاز عن التحفظ وقوله: فيبقوا يقال أبقى على نفسه إذا حفظها وأبقيت عليه إبقاء إذا رحمته وأشفقت عليه والاسم منه البقية كما في التهاية. وقل: (ويقوها) أي يحفظوها وما في بعض النسخ يتقوها تحريف، وقوله: تصوير الهولها والضمير للزلزلة كذا في بعض االئ! ننخ وسقط من بفص! ها لذكره قبكه- يغني أنّ قوله- تذهل الخ استعارة تمثيلية لبيان شدة الأمر وتفاقمه ولذا قال وما هم بسكارى ولكن عذاب ألله- شديدس وقوله: منصوب بتذهل أو بتعظيم أو بإضمار اذكر أو بدل من الساعة وفتح لبنائه أو- فن زلزلة لا منصوب به للفصل بين المصدر ومعموله بالخبر. قوله: (والذهول) وفي نستخه والذهل والذهول وهما بمعنى كما في الصحاح وان ورد الذهل بمعنى السلوّ لأنه لا يختص به كما توهم وقوله الذهاب وفي نسخة والإياب. قوله: (والمقصود الدلالة على أنّ هولها بحيث إذا دهشت الخ) دهش كفرخ تحير وذهب عقله لذهل أو وله والعائد مخذوف أي دهشت به لمفاجأته لها وكلامه يحتمل وجوها لأنه إن كان قبل قيام الساعة خهي مرضعة. و! ملقمة حقيقة وان كان بعدها وقلنا إن كل أحد يحشر على حاله التي فارق فيها الدنيا فتحشر المرضعة مرضعة والحاملة حاملة كما ورد في بعض الأحاديث فكذلك وان لم نقل به فهو على طريق الفرض والتمثيل كما مرّ. والعبارة تحتمله لأنّ إذا شرطية والشرط يكفي فيه- الفرض! والتقدير والحيثية ظاهرة فيه فلا وجه لما توهم من أنه مخصوص بالقول الأوّل وأنّ المصنف ومن حذا حذوه لم يفرق بين القولين ولا حاجة إلى تكلف الجواب عنه كما قيل. قوله: (التي ألقمت الرضع ثديها) إشارة إلى ما في الكشاف من أنّ المرضعة التي هي في حال الإرضاع ملقمة ثديها والمرضع بلا تاء هي التي من شأنها أن ترضمع وأن لم تباشر الإرضاع في حال وصفها به الخ. قوله: (كأنهم سكارى الخ) يعني أنه تشبيه كما صرح به الزمخشري، وقد قيل عليه ترى بمعنى نظن أي تظن الناس سكارى فهو حقيقة لا تشبيه وردّ بأنّ الرؤيا بصرية وهو الظاهر كما صرحوا به وسكارى حال من المفعول فلا بد من اعتبار التشبيه حتى يصح الكلام وهذا غريب منه فإنّ أهل المعاني صرحوا بأنه قد يذكر فعل ينبئ عن! التشبيه كما في علمت زيداً أسداً إذا قرب التشبيه وحسبت وظننت ونحوه إن بعده. فما ذكروه موافق لكلام القوم وان كان فيه بحث للسعد مذكور مع جوابه في محله فالتشبيه لا يستلزم كونها بصرية كما زعمه. قوله: (وما هم
بسكارى على الحقيقة (قيل: عليه إذا كان معنى قوله ترى الناس سكارى على التشبيه كان قوله وما هم بسكارى على التحقيق مستغنى عنه ولا وجه لجعله تأكيدا لمكان الواو وليس بشيء لأنّ هذه الجملة. حالية والحال المؤكدة! تقترن بالواو لا سيما إذا كانت اسمية وخطاب ترى إما عاثم أو للنبيّ صلى الله عليه وسلم. وقد جوّز في سكارى أن يكون استعارة أي خائفين(6/280)
مضطربين كالسكارى وتحقيقه في شرح الكشاف. وقوله: فأرهقهم الخ بيان لالتئام الاستدراك بما قبله. قوله: (وقرئ ترى من أريتك الخ) أي هو إما من الثلائي أو المزيد وعلى التقديرين الرفع والنصب وقوله على أنه نائب مناب الفاعل أي نائب منابه على أن ترى في هذه القرأءة بضم التاء مجهول رأيتك قائما فأصله ترى الناس سكارى بفتح التاء ورأى إما ظنية أو بصرية وسكارى حال وقد كالط على الأوّل مفعوفي ثانيا وليس من أريتك كما قيل ففي كلامه لف ونشر مرتب. قوله: (وأفراده (أي أفراد لفظ ترى في ترى الناس بعد جمعه في قوله ترونها. وقوله: كل واحد وفي نسخة أحد إشارة إلى أنّ الخطاب عامّ لكل راء وما ذكره المصنف على الوجه الظاهر الأنسب ولو جمع لصح أيضا. وقوله: إجراء للسكر مجرى العلل يعني أنّ الصفة تجمع على فعلى إذا كانت من الآفات والأمراض كقتلى وموتى وحمقى والسكر ليس منها لكنه أجرى مجراها لما فيه من تعطيل القوى والمشاعر. وقد قرئ بضم السين أيضا وهي مذكورة في الكشاف وشروحه. قوله: (وكان جدلاً) كفرج أي شديد الجدال والخصومة وقوله: وهي تعمه يعني أنّ خصوص السبب لا يخرجها من العموم. وقوله في المجادلة تخصيصه بقرينة ما قبله وتعميمه بناء على الظاهر وقوله متجرد للفساد معرى من الخير لأنه من قولهم شجرة مرداء لا ورق لها ومنه الأمر لتجرّده من الشعر. وقوله العرقي بوزن القويّ. قوله: (على الشيطان (كتب بمعنى قضي وقدر ويجوز أن يكون على ظاهره وفي الكشاف أنه تمثيل أي كأنما كتب عليه ذلك لظهوره ولزومه وجعل الضمير للشيطان لأنه الظاهر مما بعده. ويجوز أن يكون ضمير تولاه وأنه لمن يجادل وفاعل تولا. ضمير من الثانية أي المجادلة بالباطل إمام في الضلالة يقتدى به من أضله الله. وتولاه بمعنى جعله مولى له يتبعه. قوله: (خبر لمن) إن كانت من موصولة والفاء تدخل خبره على التشبيه بالشرط أو جواب له إن كانت شرطية وقوله فشأنه يعني أنه خبر مبتدأ محذوف ويجوز
كونه مبتدأ خبره محذوف أي فحق أنه وقوله لا على العطف ردّ على الزمخشريّ في قوله تبعا للزجاج إنه قرئ بالفتح والكسر فمن فتح فلأنّ الأوّل فاعل كتب والثاني عطف عليه فإنه إما أن يعطف مع الخبر أو بدونه ويلزم على الأوّل فقد الجزاء والعطف على أنه قبل تمام صلته وعلى الثاني تخلل العطف بين أجزاء الشرطية والعطف قبل التمام فالظاهر ما مرّ من أنه يقدر بعد الفاء الجزائية مبتدأ أو خبر أي فالأمر أنه يضله أو فحق أنه يضله وقد وجه بأنّ من عليه موصولة أو موصوفة لا جزائية والمعنى يتبع كل شيطان سجل عليه بأنه هو الذي اتخذه بعض الناس وليا وبأنه مضل من اتخذه وليا والأوّل كالتوطئة للثاني أي يتبع شيطاناً مختصا به مكتوبا عليه أنه وليه وأنه مضله فهو لا يألو جهداً في إضلاله وهذا أبلغ من جعلها جزائية. وقيل إنّ المعنى كتب على الشيطان أنّ المجادلة من تولا.. وقوله إنه يضله عطف عليه وهو تعسف. وقيل إنه على نهج قوله ألم يعلموا أنه من يحادد الله ورسوله فإن له نار جهنم من تكرار أن توكيداً وقد مرّ ما فيه وقيل الجزاء محذوف أي كتب عليه أنه من تولاه يهلكه فإنه يضله عن طريق الجنة وثوابها ويهديه إلى طريق السعير وعقابها والفاء تفصيل للإهلاك وكله تعسف مستغنى عنه بما ذكره المصنف. قوله: (وقرئ بالكسر في الموضعين الخ) والمحتاج للتوجيه هي أن الأولى وما ذكره أقوال للنحاة في مثله مبنية على جواز الحكاية بغير القول وقوله: بالحمل الخ إشارة إلى أنّ فيه استعارة تمثيلية تهكمية. قوله: (من إمكانه (لم يفل من وقوعه لأن الدليل المذكور إنما يدل على الإمكان وما وقع في بقعة الإمكان وأحاطت به حظيرة القدرة التامة دال على الوقوع ولذا ذكر بعده قوله وأنّ الساعة آتية لا ريب فيها فلا يرد عليه أن الظاهر أن يقول من وقوعه فافهم، قلت التحقيق أن يقال إنما ذكر الإمكان هنا لئلا يتكزر مع قوله الآتي وأنّ الله يبعث من في القبور. والبعث بفتح العين لغة إذ هو جائز في كل ما عينه حرف حلق كما مرّ والجلب بالإهمال والإعجام بمعنى المجلوب. قوله: (فانظروا الخ (إشارة إلى أنه وقع جوابا بتأويله بما ذكر لأنه هو المسبب عن الشرط وهو إنما ذكر للنظر فيه بعين الاعتبار فما ذكر دليل الجزاء أو جزاء لتأويله بما ذكر وأما(6/281)
تقديراً خبركم وأعلمكم فلا يتم إفادته والتئامه بدون ملاحظة ما ذكر ويزيح بزاي معجمة وحاء مهملة بمعنى يزيل ريبكم وفي نسخة عللكم وفي تنكير ريب وإيراد أن إشارة إلى أنه ليس مما ينبغي الريب فيه. قوله: (إذ خلق آدم الخ) فهو مبدأ بعيد وخلق الأغذية منه لأنه أعظم أجزائه. وقوله: منيئ تفسير لنطفة وهي من النطف بمعنى التقاطر.
وقوله: مسوّاة بالتشديد وفسرها بقوله: لا نقص فيها ولا عيب أي في ابتداء خلقها إلا باعتبار المآل. وقوله: أو تامة المراد تامة مدة حملها وليس تحريفا عن ثابتة كما قيل وقوله أو مصوّرة وغير مصوّرة رجحه بعضهم لأنه المشهور فيه. قال الراغب: الخلق والخلق في الأصل واحد كالشرب والشرب لكن خص الخلق بالهيآت والأشكال والصور المدركة بالبصر والخلق بالقوى والسجايا المدركة بالبصيرة فما قيل إنه يأباه ظاهر الآية المشعر بالتقسيم ليس بشيء لأنه لا فرق بينه وبين وما قبله مآلاً فتدبر. قوله: (قدرتئا وحكمتنا (القدرة ثابتة بأصل الخلق والحكمة بالتدريج وقوله: وانّ ما قبل التغير أي من طور إلى آخر والفساد وهو زوال الصورة الأولى والتكوّن مع صورة أخرى قبلها مرة أخرى فلا وجه لإنكار البعث والإحياء لما كان رميما باليا كما زعموه وإلا لانقلب الإمكان الذاني إلى الامتناع الذاتي. وقوله: وأن من قدر الخ إشارة إلى عدم التمانع لعدم تناهي القدرة والمفعول المحذوف مفعول نبين وأن نقره مفعول نشاء وأدناه أقله وأقصاه أكثره وهذا على مذهب الشافعية وعندنا أكثره سنتان- وقوله: وقرئ الخ هو على قراءة الرفع مستأنف- وقوله: مدرجا بصيغة المفعول والفاعل وقوله تبيين القدرة لم يذكر الحكمة لدلالة الغرض عليها لأنه عبارة عن الحكم والمصالح المترتبة على أفعاله إذ أفعاله تعالى لا تعلل بالأغراض! بالمعنى المعروف لا للاكتفاء ولا لبيان أن الفقصود الأصلي هنا بيان القدرة. قوله: (مدرجا لغرضين الخ (فيه إشارة إلى دفع ما قاله ابن الحاجب من أنّ فقرّ يتعذر نصبه إذ لو نصب كان معطوفا على نبين فيكون داخلا في تعليل وسببية قوله: خلقناكم الخ وخلقهم من تراب وما تلاه لا يصلح سببا للإقرار في الأرحام. بأن المعنى خلقناكم مدرجين لغرضين الخ والغرض في الحقيقة الأخير كما سيأتي لكن لما كان الإقرار وما يليه من مقدماته أدخل في التعليل ولذا قيل قراءة الرفع مشكلة وقراءة النصب أوضح منها. قوله: (حتى يولدوا (بيان لحكمة قرارهم فيه على ما جرت به العادة الإلهية- وقوله: ونقز بالضم أي قرئ بضم القاف وهذا مأخوذ في الأصل من القرّ وهو البرد قال
الراغب: قررت القدر أقرها صببت فيها ماء بارداً واسم ذلك الماء القرارة انتهى. قوله: (أجريت) أي مجرى الجمع لوقوعها موقعه لأنها حال من ضمير المخاطيين الجمع مع أنها مفردة إما بتأويل صاحبها بنخرج كل واحد منكم أو لأنّ المراد به جنسه الصادق على الكثير أو لأنه مصدر فيستوي فيه الواحد وغيره حقيقة كما قاله المبرد أو لأنّ المراد به طفلا طفلا فاختصر كما نقله في الأشباه النحوية وان كان الظاهر أن يقال أطفالاً. قوله: (ثم لتبلغوا أشدكم) أعاد فيه اللام وان صح عطفه على ما قبله على قراءة النصب إشارة إلى أنّ المقصود الأصلي من خلقهم أطواراً البلوغ إلى حد من التكليف ينالون به المفازة وقال الطيبي إن معلله محذوف أي كان ذلك الإقرار والإخراج لتبلغوا إلى هذه الحال التي هي أشرف الأحوال لأنها المقصودة من الإخراج من ظلمات العدم إلى أنوار الوجود وفيه كلام لطيف في الكشف. وثم للتراخي الرتبي أو الزماني وقوله: جمع شدّة في القاموس أشدّه ويضم أوّله. بمعنى قوّة وهو ما بين ثماني عشرة سنة إلى ثلاثين واحد جاء على بناء الجمع كأنك ولا نظير لهما أو جمع لا واحد له من لفظه أو جمع شدة بالكسر مع أن فعلة لا تجمع على أفعل أي قياسا فلا يخالفه قوله: إن أنعم جمع نعمة وقد قيل إنه جمع نعم بالضم أيضا أو جمع شد ككلب أو شد كذئب وما هما بمسموعين بل قياس وإذا كان جمعا فهو من مقابلة الجمع بالجمع أو لأنّ ذلك السن فيه قوّة العقل والأعضاء. قوله: (ومنكم من يتوفى عند بلوغ الأشدّ) استيفاء لبيان أقسام الإخراج من الرحم كما استوفى أقسام الأولى وافادة مقارنته لحال الأشد وكونها عنده بجعل هذه الجلة حالية ومن صيغة المضارع وأما كونها قبله أو بعده إلى ما دون أرذل(6/282)
العمر فلأنّ الثاني يدخل في كونه عند الأشد لأنه في حكمه لبقاء أثره من القوّة والأوّل يؤخذ من الانحوى والقرائن الخارجية وأنه مسوق لبيان استيفاء الأقسام وضمير قبله لبلوغ الأشد، وقيل إنه لبلوغ أرذل العمر بقرينة ما بعده فتأمل. قوله: (وقرئ يتوفى) أي بفتح الياء وصيغة المعلوم وفاعله ضمير الله ففيه التفات ومفعوله محذوف على ما ذكره المصنف رحمه الله، ويجوز كون الضمير المستتر لمن والمعنى أنه يستوفي مدة عمره وهو كناية عن الموت كما ذكره السكاكي في توجيه قراءة عليّ كما مرّ والأرذل الأردأ والأدنى وفسره بما ذكر لأن أردأ العمر ما لا يتم فيه الإدراك من حيث المعنى وما لا يتم فيه القوى وهو صادق بسن الطفولية والهرم والرد يقتضي أنّ المراد ردّ. إلى الأول أي إلى ما يماثله فيما ذكر كما أشار إليه بقوله ليعود الخ وبه يتأيد الاستدلال والخرف فساد العقل من الكبر وتنكير شيئاً في سياق النفي للاستغراق واذا
أنكر ما عرفه ونسي ما علمه فهم أنه لا يعلم غيره فلا يقال إنّ الأولى إبقاؤه على ظاهره واللام هنا لام العاقبة. قوله: (استدلال ثان الخ (يعني قوله ثم نخرجكم طفلا الخ بقرينة قوله: أسنانه جمع سن وهو مقدار مدة العمر بعد الولادة وقوله بعده وتحويله الخ لا من قوله ونقز في الأرحام الخ لأنه توطئة لما بعده فإنّ الظاهر أنه من الدليل الأول، وقوله فإنّ الخ بيان لوجه الاستدلال بأمور الآفاق التي تشاهد فإنّ الإنسان ينظر ما هو خارج عنه غالباً والأوّلان بأمور الأنفس وقيل إنه للدلالة على امتيازه عنهما فإنّ الأول غير مشاهد والثاني مثاهد لكنه ليس مثل هذا في الظهور وقوله: وكونها مشاهدة ملائم للأوّل وهو صريح في أن رأى بصرية لا علمية كما قيل، وقوله: من همدت النار يشير إلى أنه استعارة ويابسة تفسير لقوله ميتة، وقوله: تحرّكت بالنبات أي تحزكت في رأي العين بسبب حركة النبات ولو قال تحرّك نباتها لأنه إسناد مجازي كان أظهر، وقيل المراد الحركة في الكيف ولا يخفى بعده، وقوله: وانتفخت بالخاء المعجمة تفسير لربت أي علت لما يتداخلها من الماء ويعلو من نباتها، والزوج هنا بمعنى الصنف لا بمعناه المعروف، وقوله: رائق أي حسن المنظر وقوله إلى ما ذكر توجيه لإفراد ذلك ومن الخ بيان لما، والأطوار من قوله من نطفة الخ والأحوال من قوله طفلا الخ، وقوله: وهو أي لفظ ذلك. قوله: (أي بسبب أنه الثابت الخ (يعني أن الباء هنا للسببية وأن الحق بمعنى الثابت المتحقق وإنما قال في نفسه بمعنى أنه واجب الوجود لا يستند إلى شيء بل جميع الأشياء مستندة إليه لأن ضمير الفصل يفيد الحصر وهو إنما يتأتى إذا فسر بما ذكر والظاهر ما ذكره بعض شراح الكشات من أن ذلك إشارة إلى البعث المستدل عليه بما سبق أي البعث الثابت بحقية الله واحيائه لا ما قيل إنّ الأنسب بكون المقصود نفي الريب أن يكون التقدير ذلك المذكور مشعر بأن الله هو الحق المحيي للموتى القدير مطلقا لتكلفه وبعده، وقوله: الذي به تتحقق الأشياء توطئة لما بعده أو أنه لما حصر الوجود الذإتي فيه تعالى علم منه أن غيره لا يتحقق إلا به. قوله: (وأنه يقدر على إحيائها (كذا وقع في بعض النسخ يخما بعده تعليل له وسقط من بعضها فيكون أبقاه على ظاهره ولم يؤوّله بالقدرة عليه كما في الكشاف والموت على تفسيره مجاز شامل للإنبات واخراج الولد من النطفة وإنما عممه
ليشتد التئامه بما قبله، وقوله: لأنّ قدرته الخ تعليل لعموم القدرة بأنها ذاتية وذاته نسبة الأشياء إليها على حد سواء فلا تختص قدرته بشيء دون شيء ولما شوهد إحياء بعض الأموات علم قدرته على ما سوى ذلك من الممكنات وإنما خص الأحياء لأنّ الكلام فيه. قوله: (وأن الساعة آتية الخ (في الكشاف بعد ما فسر ذلك بما مرّ تفسيره بأنّ الله هو الحق أي الثابت الموجود وأنه قادر على إحياء الموتى وعلى كل مقدور وأنه حكيم لا يخلف ميعاده وقد وعد الساعة والبعث فلا بد أن يفي بما وعد اص. د! انما أوّله بذلك ليتضح التشبيه في هذا، ولذا قيل إن جعل الإشارة إلى المذكور من الخلق وأن حصوله بسبب أن الله هو الحق الثابت الوجود وأنه قادر على إحياء الموتى على كل مقدور فإنه حكيم لا يخلف ميعاده لأن الإتيان بالساعة وبعث من في القبور من روادف الحكمة فأريد به أنه(6/283)
حكيم لما في الكناية من النكتة لا سيما والكلام للدفع في نحو منكري البعث انتهى. وقيل: إنّ الظاهر من تصذي المصنف لتعليل الجملتين إنه حملهما على ظاهرهما ولم يحتج إلى الكناية لأنّ معناها الوضعي لا يقصد بنفي ولا إثبات ولا يحتمل الكلام الصدق والكذب باعتباره، إذ القصد إلى لازمه، فحينئذ تعين أن الجملتين غير معطوفتين على ما قبلهما بل خبر مبتدأ مقدر أي والأمر والشأن أنّ الساعة الخ إلا أن يعمّ السبب السبب الغائي اص. ولا يخفى أنّ ما ذكره من التقدير ليس في النظم مقتض له ولا في كلام المصنف إشارة إليه ولا يكون مثله بسلامة الأمير والغائية تكون باللام دون الباء ولو سلم فالتعميم أمر غير مستقيم لذي ذوق سليم، وقد أشار في الكشاف إلى التعليل أيضا في الجملة مع أنه محمول على الكناية عندهم وما ذكره في الكناية غير مسلم عند بعض علماء المعاني فالحق أنه لا خلاف بين الشيخين هنا وصاحب الكشاف أيضا لم يجعله كناية! انما ذكر الحكمة لأن أفعاله تعالى كلها لا تنفك عنها ولو كان تغيرهم من حال بعد خلقهم ثم إماتتهم لا يعقبها جزاء ولا إعادة كان ذلك منافيا للحكمة، والداعي إلى هذا التكلف ظن أنّ ما يذكر في حيز السببية لا بد من كونه سبباً أو جزاء منه فإنه قد يذكره معه ما يلائمه أو يترتب عليه كما إذا قلت عاقبت المسيء بجنايته، وقدرتي عليه وعلمي بما يترتب على ما فعلت فقد أزيل استبعادهم بتذكير ابتداء الفطرة، والتنبيه على كمال قدرته وعلمه كما في شرح المقاصد فتدبر. قوله: (فإنّ التغير الخ (الساعة في عرف الشرع يوم القيامة وهي مغايرة للبعث فأشار إلى أنّ دخله في السببية باعتبار أنّ تغير أطوارهم دليل على فنائهم وزوال الدنيا حتى يعقبها القيامة لأن المراد بالساعة هنا فناء العالم بالكلية حتى لا يتكرر مع البعث كما قيل والانصرام الانقطاع والزوال. وقوله: بمقتضى وعده متعلق بالبعث ويحتمل تعليقه بما قبله
أيضا. قوله: (تكرير للتكيد) كما كرّر كثير من القصص في القرآن له فالمجادل بغير علم ولا هدى والمجادل المتبع لمن ذكر واحد وكلاهما في النضر كما مرّ في سبب النزول أو أنه لا تكرار وان كان هذا في حقه أيضا لتغاير أوصافه فيهما، أو الأوّل في المقلدين بكسر اللام لقوله: ويتغ الخ فالشيطان شيطان أنسيّ، وهذا في المقلدين بفتحها لقوله: ليضل الخ قال: في الكشف وهو أظهر وأوفق بالمقام. قوله: (والمراد بالعلم العلم الفطري) أي الطبيعي الناشئ من سلامة الفطرة أو الضروري فيكون ما بعده إشارة إلى الكسبي لئلا يلزم التكرار بحسب المآل، وان كان هذا مما لا حاجة إليه لظهور التغاير والاستدلال ناظر إلى الهدي والوحي إلى الكتاب. وقوله: أو معرضا بحسب الظاهر أنه كناية أيضا لأنّ المراد عدم القبول والعطف الجانب. قوله: (على أن إعراضه عن الهدى المتمكن منه الخ) جواب عما يخطر بالبال من أنه لم يكن مهتديا حتى يقال يضل بصيغة المضارع ولم يكن غرضه من الجدال الضلال. فدفع بأنه جعل تمكنه من الهدى كالهدي لكونه هدي بالقوّة، ويجوز أن يراد يخستمم! على الضلال أو ليزيد ضلاله أو يجعل ضلاله الأوّل، كالإضلال وأنه كالغرض! له لكونه مآله فاللام للعاقبة فإن قلت هذا السؤال لا يختص بقراءة الفتح قلت هو عليه أظهر وقد قيل: إنه ليس المراد تخصيصه به وقوله الضلال يشمل ضلال نفسه وضلال غيره وفيه نظر، والمتمكن بصيغة الفاعل أو المفعول وما أصابه يوم بدر القتل- وقوله: أو إرادة القول والجملة حالية واقترف بمعنى اكتسب- وقوله: إنما هو مجاز مأخوذ منه بقرينة ما قبله. قوله: (والميالغة لكثرة العبيد) يعني أن نفي المبالغة لا يقتضي نفي أصل الفعل ومطلق الظلم منفيّ عنه فدفعه بأنه لكثرة العبيد والمخلوقين وفيه نظر لأنه لا يلزم من نفي ظلم كثير من العباد نفي ظلم بعضهم، وقيل إنّ الظلم القليل لو صدر منه كان عظيما كما يقال حسنات الأبرار سيئات المقرّبين، وقيل: يجوز أن تعتبر المبالغة بعد النفي فيكون مبالغة في النفي لا نفياً للمبالغة وفيه
نظر لأنه ليس مثل القيد المنفصل الذي يجوز اعتبار تأخره وتقدمه كما قالوه في القيود الواقعة مع المنفيّ. وجعله قيداً في التقدير لأنه بمعنى ما هو بذي ظلم عظيم تكلف لا نظير له فتدبر. قوله: (على طرف الخ (ظاهر قوله: كالذي الخ أنه استعارة ولذا قيل إن قوله: طرف من الدين بيان للمعنى المجازيمما وقوله: فإن أصابه الخ بيان لوجه الشبه(6/284)
على طريق التفسير له. وقوله: قرّ بمعنى ثبت على حاله وقوله: لإثبات له فيه أي في الدين تفسير لكونه على طرف دينه وعدم الثبات صادق بالرذة والتشكك لأنه مقابل للاطمئنان فلا مخالفة بينه وبين قوله فإن أصابه الخ كما توهم، ونتجت مجهول بمعنى ولدت، وسويا بمعنى كريما نفيسا وأعاريب جمع إعراب فهو جمع الجمع وسويا بمعنى تام الخلقة واطمأنّ بمعنى ثبت هو أو قلبه، وقوله: أقلني أي من بيعة الإسلام واعفني منه وهذا سبب النزول لكن قال ابن حجر: إنه حديث ضعيف، ومعنى انقلب على وجهه رجع سريعاً إلى جهة أخرى فهو مجاز، وقيل: معناه أسرع مستوليا على الجهة التي تواجهه غير ملتفت وهو كناية عن الهزيمة، وقيل هو هنا عبارة عن القلق لأنه في مقابلة اطمأن.
قوله: (خسر الدنيا والآخرة (مستأنف أو بدل من انقلب أو حال مؤكدة من فاعله بتقدير
قد، وقوله: بذهاب عصمته وحبوط عمله بيان لخسرانه الدنيوي، ولم يفسره بالمصيبة السابقة كما في الكشاف لتبادره من السياق لأن مصائب الدنيا لا تعد خسرانا لها ما لم تقترن بترك التسليم للقضاء وما ذكره شامل لها لأن ذهاب عصمته في ماله ونفسه. وأهله مع أنه أشد خسرانا فيها فما قيل إن ما في الكشاف هو الأظهر ليس بشيء وما ذكره المصنف رحمه الله هو المناسب للحصر المستفاد من قوله: ذلك هو الخسران فتأمل. قوله: (بالنصب على الحال)
لأن إضافته لفظية فهو نكرة، وقوله: على الفاعلية أي لا نقلب وفيه وضع الظاهر موضع المضمر حينئذ لأن مقتضى الظاهر أن يكون فاعله ضمير من فعدل ليفيد تعليل انقلابه بخسرانه، وقيل إنه من التجريد ففيه مبالغة ولذا قال الزمخشري أنه وجه سن، وقوله: تنصيصا على خسرانه أي على خسران المنقلب، وهو على الفاعلية أظهر فيه وأبلغ فلا يتوهم أته منصوص عليه مطلقآ، وقوله: خبر مبتدأ أي هو، وقوله: يعيد تفسير ليدعو كما مرّ، وقوله: بنفسه إشارة إلى أنه في عبادته ضرر وهو ظاهر بخلاف عدم نفعه ولذا أطلقه. قوله: (عن المقصد) إشارة إلى أنه من ضل في الطريق وتوطئة لما بعده وهو توله: مستعار أي من الضلال بمعنى فقد الطريق الحسيّ والمستعار منه ضلال من أبعد في التيه ضالاً فطالت وبعدت مسافة ضلاله فصح وصفه بالبعد لكنه أسند إليه مجازاً، وهذه استعارة تصريحية، وقيل إنها مكنية. قوله: (بكونه معبودا (أي الضرر المثبت بطريق التسبب والمنفيّ قدرته على الضرر بنفسه، كما أشار إليه بقوله بنفسه أولا، وعبر بما إذ نفى الضرّ والنفع لأنها لا تعقل، وعبر عنها بمن إذ أثبت لها الضرّ لأنه من شأنه أن يصدر عن العقلاء، وقوله لأنه الخ بيان لما تسبب له. قوله: (الذي يتوقع بعبادته وهو الشفاعة (إشارة إلى توجيه ما في النظم من أنه نفي عنه النفع أوّلاً وكون ضرّه أقرب من نفعه يقتضي ثبوت النفع له وهما متنافيان، فدفع التنافي بأن النفي باعتبار ما في نفس الأمر والإثبات باعتبار زعمهم الباطل فلا تنافي. قوله: (واللام معلقة ليدعو الخ (قد ذكر في توجيهه أكثر من عشرة أوجه، منها ما ذكره المصنف والظاهر أنه تسمح في العبارة لأن مراده أنه ضمن معنى يزعم وهي ملحقة بأفعال القلوب لكونها قولاً مع اعتقاد فلذا جاز فيها التعليق وإليه أشار بقوله: والزعم الخ ولا غبار فيه كما توهم، أو أن يدعو لما كان بمعنى يقول حكيت بعدها هذه الجملة، فاللام على الوجهين ابتدائية وقد رد بعضهم هذا بأن الكافر لا يقول هذا ولا يزعمه لأنه لا يعتقد فيها ضررا في الدنيا ولا نفعا في الآخرة، ويرذه أنه عليه خبر من المبتدا مقدر وهو إله أو إلهي، والمنكر عليهم قولهم أو زعمهم أنه إله وذكر أن ضرّه أقرب من نفعه تهكم بهم فلا يأبى كونه بمعنى يقول لفظ أقرب كما قيل، وأمّا توجيهه بأنّ المعنى من نفعه الذي كان متوقعاً كما ذكره المصنف رحمه الله فليس بتاتم لما عرفت، وقوله: بدعاء وصراخ إشارة إلى وجه اختيار الدعاء على القول. قوله: (أو مستأنفة الخ (فيدعو الثانية تأكيد للأولى، وما بينهما
اعتراض مؤكد أيضا لكنه بعيد كما في المغني لوجهين الفصل والتأكيد ولبئس جملة قسمية وقعت خبراً لمن الموصولة وهذا على الوجهين الأخيرين وفيه إشارة إلى ما قرره النحاة من أن الخبر معنى هو الجواب لا المجموع فلا تسمح فيه كما قيل وتفصيله في المغني وشروحه، وقوله: مستأنفة بصيغة المفعول وهو إمّا منصوب(6/285)
معطوف على مقولاً أو هو مرفوع خبر مبتدا محذوف أي أو هي جملة مستأنفة، وأمّا عطفه على معلقة وكونه بصيغة الفاعل على الإسناد المجازي فتكلف بارد. قوله: (من إثابته الموحد الخ) ما ذكره معنى الآية بقرينة ذكر هؤلاء واثابتهم بعد ذكر المشركين وخسرانهم. قوله: (كلام فيه اختصار (وايجاز حذف لأنّ المجادلة والكلام معه وهو كعلم لا يخفى. وإذا فسر الرزق بمعنى النصر من قولهم: أرض! منصورة بمعنى مستقية ممطورة فالمعنى من كان يظن إنه لم يرزق والغرض الحث على الرضا بما قسم الله لا كمن يعبد الله على حرف وهو تحذير المؤمنين عن حال هؤلاء والضمير على الأوّل للرسولءش! وعلى هذا لمن ومرضه لبعده وعدم ملايمته لما بعده. وقوله: من غيظه بقرينة ما بعده لأنّ الاحتيال في ذهاب الغيظ يقتضي سبقه ففيه إيجاز أيضا. قوله: (فليستقص) أي يبالغ لأن المبالغ في أمر يبلغ أقصاه، والجزع التضجر وعدم الصبر وازالة الغيظ على المعنى الأوّل للنصر والجزع على الثاني. والممتلئ غضبا بمعنى الشديد غضبه فهو استعارة وجزعا تمييز. وقوله: سماء بيته أي سقفه والسماء ما ارتفع. وقوله: فيختنق هو تفسير ابن عباس رضي الله عنهما لقوله: يقطع ومفعوله محذوف أي نفسه بفتحتين أو أجله كما قدره الراغب ثم إنه ترك نسيا منسياً فصار بمعنى اختنق لازم خنقه وهو أي قطع النفس كناية عن الاختناق. قوله: (إلى سماء الدنيا (فالسماء بمعناها المعروف والقطع بمعنى قطع المسافة سيرا أو صعوداً وعنانه بفتح العين على المشهور وهو المصزج به في الصحاح قال كأنه جمع عنن في الأصل وهو وجه السماء وطرفها والكسر فيه عاقي. وقال: في القاموس إنه بالكسر وفي المصباج عنان كسحاب لفظا ومعنى واحد. عنانة وضمير عنانه للسماء ذكره لتأويله بما علا. قوله: (في دفع نصره الف ونشر على تفسيري النصر. وقوله: بكسر اللام أي لام الأمر وتسكن وبه قرأ غير هؤلاء، وقوله: فليتصوّر في نفسه أي فليتأمّل وأوّله لأنه بعد الاختناق لا يتصوّر منه النظر فيكون هذا
سابقا على ما قبله فالتعقيب فيه رتبيئ كما قيل أو في الأخبار ويجوز أن يكون المأمور غيره ممن يصح منه النظر أو هو على التهكم. قوله: (وسماه على الأوّل) من تفسيري فاليقطع بالاختناق لأنّ الكائد إذا كاد أتى بغاية ما يقدر عليه فأطلق على فعله هذا كيدا على التشبيه به أو أنه لما أراد الكيد ولم يقدر عليه وضع هذا موضعه أو على سبيل الاستهزاء والتهكم، وأما على الثاني فلا يظهر وجهه كما في شروح الثشاف فإنما خصه لأنه الراجح عنده لا لأن الكيد فيه حقيقة كما توهم. قوله: (غيظه الخ (يعني ما مصدرية أو موصولة. وقوله: من نصر الله على المعنيين. وقوله: وقيل الخ مرضه لأنّ مثل هذا الظن لا يليق بالمسلمين ظاهرا ولذا قيل إنه حينئذ استعارة تمثيلية والأمر للتخيير وعلى الأوّل كناية عن شدة الغيظ والأمر للإهانة والمعنى من استبطأ نصر الله وطلبه عاجلا فليقتلى نفسه لأن له وقتا له يقع إلا فيه. قوله: (ومثل ذلك الإنزال الخ (الإنزال إمّا إنزال الآيات السابقة أو هو المذكور بعده كما مرّ تحقيقه وقوله: ولأن الله يهدي الخ إشارة إلى حد الوجوه فيه وهو أنه حذف منه اللام وفي محله القولان ومتعلقه محذوف يقدر مؤخراً. كما أشار إليه التقديم للحصر الإضافي، وقيل إنه معطوف على محل مفعول أنزلناه وقيل إنه في محل رفع خبر مبتدأ مقدر أي الأمر أن الله يهدي من يريد. وقوله: يهدي به أي بالقرآن فمتعلقه مقدر أو المراد يثبت على الهداية كما يفيده استمرار المضارع. وقوله: هدايته أو ثباته على الوجهين. وقوله: المشركين هم عبدة الأوثان وغيرهم كالملائكة ولا وجه لتخصيصه فتأمّل. قوله: (وإظهار المحق) عطف تفسيري لأنه لا خصومة بينهم تفصل. وقوله: ما يليق به الظاهر بما يليق لكنه منه معنى يعطي. وقوله: المحل المعد له إشارة إلى أن الفصل بالأماكن. قوله: (وإنما دخلت الخ) يعني أن إن الثانية واسمها وخبرها خبر الأولى أي أن الذين الخ وأدخلت إن على كل واحد من جزأي الجملة لزيادة التأكيد كقوله:
إن الخليفة إن الله سربله سربال ملك به ترجى الخواتيم ...
قاله المعرب وفيه وجوه أخر. قوله: (يتسخر لقدرته الخ) يعني أن السجود مستعار من
معناه(6/286)
المتعارف لمطاوعته الأشياء فيما يحدث فيها من أفعاله. ووجه الشبه الحصول على وفق الإرادة من غير امتناع منها فيهما ويجوز أن يكون مجازا مرسلا من استعمال المقيد في المطلق والأوّل أولى وما قيل إنّ الظاهر من تعلق المجوزين لعموم المشترك بهذه الآية كما ذكره الأصوليون كون لفظ السجود حقيقة في معنى التسخير والانقياد أيضا وهذا غفلة عما حققه الراغب وغيره من أهل اللغة من أنّ حقيقته في أصل اللغة التطأمن والتذلل والانقياد، وهو عام في الإنسان والحيوان والجماد، وهو ضربان سجود باختيار يستحق به الثواب وهو مخصوص بالإنسان وسجود تسخير وهو عام له ولغيره ثم اختص في عرف اللغة والشرع بمعناه المعروف فله حقيقة لغوية وعرفية فما في الأصول باعتبار الأوّل وغيره باعتبار الثاني والنظر إليه لتبادره. قوله: (أو يدلّ بذله على عظمة مدبره (معطوف على قوله يتسخر والمراد أنه مجاز عن انقياده له أو عن دلالة لسان حاله بذلة احتياجه وافتقاره على صانعه وعظمته على حذ قوله: (وإن من شيء إلا يسبح بحمده) كما مرّ. وقوله ومن الخ أي يجوز إبقاؤه على ظاهره فما عطف عليه مغاير ويجوز تعميمه تغليبا ويكون ما بعده على الأوّل المراد به جميع مخلوقاته وتعبيره بيجوز إشارة إلى أنه خلاف الظاهر لما فيه من المجاز وعطف الخاص على العام واستبعاد تسخيرها أو تذللها بحسب الظاهر في بادئ النظر القاصر. قوله: (وقرئ والدواب الخ (قال ابن جني في المحتسب هي قراءة الزهري ولا أعلم من خففها سواه وهو قليل ضعيف قياسا وسماعا لأن التقاء الساكنين على حده وعذره كراهة التضعيف ولذا قالوا في ظللت ظلت وقالوا: جان بالتخفيف وذكر له نظائر كثيرة. قوله: (عطف عليها (أي على المذكورات قبله وقوله: إن جوّز أعمال الخ المراد بأعماله جعله دالاً على معنييه الحقيقيين أو الحقيقي والمجازي على القول بجواز استعمال المشترك في معنييه أو استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه كما ذهب إليه بعض أهل الأصول من الشافعية وفي متعلقة بأعمال كما يقال أعملت القدوم في الخشب فهي ظرفية لا سببية كما قيل وإسناده إلى الأوّل باعتبار التسخير أو التذليل وإلى كثير باعتبار سجود الطاعة المعروف. قوله: (فإنّ تخصيص الكثير (يعني لو كان السجود المسند إليه بمعنى التسخير وقرينه وهو عام لجميع الناس كان ذكر كثير لا يليق فلا بد من حمله على معناه الخاص ليقع من كثير منهم دون غيرهم كما هو الظاهر. وما قيل إنه يجوز أن يجعل التخصيص للدلالة على شرفهم والتنويه بهم واحتمال إرادة الانقياد اللائق بهم كما في التوضيح أو إرادة الطاعة للأوامر التكليفية أو التكوينية كما وردت وهو يختلف في العقلاء وغيرهم قيل إنه لا يوجد في جميع
الجن مع اندراجه تحت عموم من فكلام واه لأنه كيف يتأتى التنويه وقد قرن به غير العقلاء كالدواب وأمّا التخصيص المذكور فلا قرينة عليه، وكون الجن غير مكلفين خلاف القول الأصح. قوله: (دل عليه خبر) وهو إشارة إلى كثرة الفريقين فلا يتوهم أنه كان ينبغي مقابلته بالقليل. وقوله: سجود طاعة يعني أنّ السجود المقدر غير السجود المذكور فإن قلت هذا يخالف ما في المغني من أن شرط الدليل اللفظي على المحذوف أن يكون طبقه لفظاً ومعنى أو معنى لا لفظاً فقط فلا يجوز زيد ضارب وعمرو على أنّ خبر الثاني محذوف وهو ضارب من الضرب في الأرض! أي مسافر والمذكور بمعناه المعروف وهو الإيلام قلت: هذا غير مسلم لما ذكره النحاة من أنّ المقدر يكون لازما للمذكور نحو زيداً ضربت غلامه، أي أهنت زيداً ولا يكون مشتركا لمثال المذكور إلا أن يكون بينهما ملائمة فيصح إذا اتحدا لفظا وكان من المشترك وبينهما ملازمة تدل على المقدر، ولذا لم يصح المثال المذكور. قوله: (بكفره وآبائه) قدره لدلالة ما قبله عليه. وقوله تكريراً للأوّل لا يخفى ما فيه لأنه إن جعل التكبير للتأكيد مع العاطف وحق خبر الأوّل كما قيل فهو ركيك وان جعل تكريراً لفظا لا معنى كان المراد بالثاني غير المراد بالأوّل ولذا دلّ على كثرة المحقوقين كما قيل فلا تكرار فيه لأنه كقولك أو من قوم وقوم، ويدفع بأن التكرير بحسب اللفظ وهو قد يفيد التكثير والمبالغة كقولك عندي ألف وألف أي ألوف كثير قال:
لو عد قبر وقبر كنت أكرمهم(6/287)
وهو شائع في كلامهم فالخبر عنهما لا عن الأوّل كما توهم كذا. أفاده المعرب والمحقوقين بمعنى المستحقين. قوله: (وأن يعطف به (كان الظاهر ترك قوله: به وإن أوّل بمعنى يؤتى به معطوفاً أو بالواو أي يجعل معطوفا على من والسجود بالمعنيين الأولين على ما مرّ وحينئذ ينبغي تقدير وصف للاوّل بقرينة مقابله أي حق له الثواب ومن الناس صفة أيضا للإشارة إلى أن ما عداهم ليسوا بمثابين فلا يرد عليه أنه لا وجه لذكر قوله: وكثير من الناس وأمّا عطفه على قوله وكثير من الناس للإشارة إلى ما ذكر فهو كقوله: {لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ ما كنا في أصحاب السعير} [سورة الملك، الآية: 0 ا] فمع ابتنائه على قول مرجوح لا يخفى تكلفه. وقوله: بما بعده أي حق الذي كان خبراً وحق بمعنى تقرر وثبت. وقوله: وحقا بإضمار فعله أي حق حقا على أنه مصدر مؤكد لمعنى الجملة. قوله: (بالفتح (أي بفتح الراء
على أنه مصدر ميمي لا اسم مفعول بمعنى المضدر كما قيل وقله من الإكرام والإهانة خصهما بمقتضى السياق. وقيل: لأولى تفسيره بمن الأشياء التي من جملتها الإكرام والإهانة لأن ما من ألفاظ العموم ولكل وجهة. قوله: (أي فوجان مختصمان (قيل الخصم في الأصل مصدر ولذا يوحد وينكر غالبا وششوي فيه الواحد المذكر وغيره كقوله تعالى نبأ الخصم إذ تسوّروا المحراب فلما كان كل خصم فريقا يجمع طائفة قال اختصموا بصيغة الجمع كقوله: {وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا} [سورة الحجرات، الآية: 19] فالجمع لمراعاة المعنى وقرأ ابن أبي عبلة. اختصما مراعاة للفظ وقال الزمخشري: الخصم صفة وصف بها الفوج أو الفريق فكأنه قيل هذان فوجان أو فريقان مختصمان. وقوله: هذان للفظ واختصموا للمعنى كقوله ومنهم من يستمع إليك حتى إذا خرجوا، ولو قيل اختصما صح، واعترض بأن إن أراد أنه صفة حقيقة فخطأ لتصريحهم بأن التوصيف به كرجل عدل فإن أراد هذا فليس نظير ما ذكره وليس بشيء عند التحقيق وكلام المصنف رحمه الله محتمل للوجهين. فقوله: ولذلك أي لكون الخصمين بمعنى الفوجين من المؤمنين والكافرين. وقوله: ولو عكس أي قيل هؤلاء خصمان اختصما جاز لأنه عبارة عن الفريقين لا لو قيل خصوم أو خصماء. قوله: (وقيل تخاصمت الخ (مرضه لأن الخصام ليس في الله بل في أيهما أقرب من الله وقيل إنه عام وما ذكر من التخصيص لا دليل عليه ولا يخفى أن خصوص السبب لا ينافي العموم مع أن اسم الإشارة يقتضي عدم عمومه فالظاهر أن تمريضه لأنه لم يصح عنده كونه سبب النزول وما بعده من الجواب غير موافق له إلا بتأويل فتأمّل. قوله: (وهو المعئى (بصيغة المفعول وكونه جوابا كما تدل عليه الفاء لا ينافي قوله يوم القيامة لأنه ظرف لتحققه وظهوره فلا ينافي ذكره في الدنيا كما قيل وفي هذه الآية من البديع الجمع والتقسيم. قوله: (قدّرت لهم على مقادير جثتهم (بالإفراد وهي البدن أو هو جمع جثة بثاءين مثلثتين، وهو أظهر وهذا بيان لحقيقته لأن الثياب الجدد تقطع وتفصل على مقدار بدن من يلبسها واللباس محيط به والتقطيع مجاز بذكر المسبب وهو التقطيع وارادة السبب وهو التقدير والتخمين والظاهر أنه بعد ذلك جعل تقطيعها استعارة تمثيلية تهكمية شبه إعداد النار المحيطة بهم بتفصيل ثياب لهم كما قيل:
قوم إذا غسلوا الثياب رأيتهم لبسوا البيوت وزرّروا الأبوابا ...
قوله: (نيران تحيط بهم إحاطة الثياب) ظاهره أنه تشبيه بليغ بجعل النيران كالثياب في الإحاطة والتشبيه على طريق التجريد لكنه ينبغي أن يحمل على الاستعارة كما مرّ وجمع الثياب لأن النار لتراكمها عليهم كالثياب الملبوس بعضها فوق بعض وهذا أبلغ من جعله من مقابلة الجمع بالجمع فيكون لكل نار وان احتملهما كلامه. والتعبير بالماضي لأنه بمعنى إعدادها وتهيئتها لهم ولذا لم يقل ألبسوا وهو قد وقع بخلاف ما بعده فليس من التعبير بالماضي لتحققه كما قيل والحال فيه مقدرة. قوله تعالى: ( {مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ} ) هو معطوف على ما قيل وتأخره عنه إمّا لمراعاة الفاصلة أو للإشعار بغاية الحرارة بإيهام أق تأثيرها في الباطن أقدم من تأثيرها في الظاهر مع أنه على العكس، وقيل إن التأثير في الظاهر(6/288)
ظاهر غنيئ عن البيان وإنما ذكر للإشارة إلى تساويهما ولذا قدم الباطن لأنه المقصود الأهم فلا يتوهم أن حق النظم تقديم الجلود. قوله: (يؤثر من فرط حرارته الخ (التأثر في الظاهر والباطن مأخوذ من البطون والجلود والإذابة معنى الإصهار كما ذكره أهل اللغة لأنه يقال أصهرت الشحم إذا أنبته والجملة حال أو مستأنفة. وقوله: بالتشديد المراد به تشديد الهاء وضمير لهم للكفرة وكونه للزبانية بعيد واللام للاستحقاق أو للفائدة تهكما بهم والمقمعة بكسر الميم الأولى اسم آلة من القمع. وقوله: من النار إشارة إلى أن كونه للثياب ركيك وان كان مآلهما واحداً. وقوله: من غمومها إشارة إلى عموم النكرة لأنّ التنوين للتكثير وذكر الضمير إشارة إلى أنه مقدر لأنه لا بد منه في البدل. ويجوز كون من تعليلية فيتعلق بيخرجوا وعلى البدلية فهو بدل اشتمال قوله: (فخرجوا أعيدوا (كون الإعادة إلى النار يقتضي الخروج منها لا شبهة فيه فلذا قدره المصنف إذ لا بد من التأويل إفا بالتقدير أو بالتجوّز في أعيدوا بجعله بمعنى ابقوا، وقيل الإرادة مجاز هنا للقرب كقوله يريد أن ينقض كما مر والإعادة إلى حاق النار ومعظمها إذ لا خروج لهم لقوله تعالى: {وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنْهَا} ولذا قال فيها دون إليها والا لقيل كلما خرجوا أعيدوا لئلا تضيع الإرادة واعترض! بأنّ ما ذكره احتمال ولا وجه للجزم به مع تكلفه وأما قوله: وما هم بخارجين منها فالمراد لا يستمرّون على الخروج كما تدل عليه الاسمية بمعونة المقام والعود قد يعدى بفي للدلالة على التمكن والاستقرار وذكر الإرادة للدلالة على رغبتهم في الخروج وطلبهم له ولو لم يلاحظ هذا ضاعت الإرادة فيما اختاره أيضا مع ما فيه من التعقيد الذي ترى التقدير أوفق منه
وأحسن فإن قلت قد ذكر في ألم السجدة أنّ هنعا عبارة عن خلودهم فيها فحينثذ لا حاجة إلى ارتكاب تقدير الخروج لتصحيح الإعادة، قلت تقدير الخروج إنما هو لأجل أن الإعادة لا تترتب على مجرّد إرادة خروجهم والكناية إنما هي في المجموع. قوله: (وقيل يضربهم الخ (ولعل ذكر الإرادة حينئذ لأنّ ما أرادوه ليس هو هذا الإخراج إذ هو ليس بمنج ولذا قيل الإرادة بمعنى المشارفة وقيل إنما مرضه لأنه لا يناسب التعليق على الإرادة وتقدير قيل قبل ذوقوا ليحسن عطفه وينتظم مع ما قبله وقوله: البالغة لأنّ فعيلا بمعنى مفعل صيغة مبالغة. قوله: (غير الأسلوب) إذ صدره بأنّ ولم يعطفه والإحماد بمعنى تصييرها محمودة وحليت كرضيت مخففة وقراءة التخفيف منه وهي بالبناء للفاعل أو للمفعول إذ بهما قرئ وهو بمعنى المشدد ولذا قال والمعنى واحد. وقوله: صفة مفعول محذوف أي حليا من أساور ومن بيانية وقيل إنها زائدة وأساور مفعوله. وقيل: تبعيضية وما ذكره تبع فيه أبا البقاء وهو يشعر بأن حلي المخفف متعد لولد والمشدد لاثنين أحدهما نائب الفاعل، والثاني موصوف من أساور المقدّر وقد قال أبو حيان إن المخفف لازم والمشدد متعد لواحد لا غير فلا حاجة لتقدير موصوف لأن من ابتدائية متعلقة به إلا أن يضمن معنى الإلباس ويجرّد حتى يتعدى لاثنين ولا داعي له إلى التضمين والحذف وهذا كله ليس بشيء لأنّ تعديتة كذلك صزج بها أبو عليّ الفارسي في كتاب الحجة فمن تبع أبا حيان فيه فقد أساء كما تكلف إذ جعل من تبعيضية واقعة موقع المفعول، وسورة بفتح الهمزة كما بينه. وقوله: بيان له أيمما لأساور وهو صفة أو حال. قوله: (عطف عليها (أي في قراءة الجرّ وقوله لم يعهد الخ أي جعل ما نظم منه سواراً وهذا بناء على الظاهر وان جوّز عطفه عليه في فاطر تكثيرا للوجوه على تأويل أنّ الذهب مرصع باللؤلؤ وأمّا كون المراد به أن الذهب في ضياء اللؤلؤ فتكلف وسيأتي ما فيه وأمّا عطفه على أساور فلا ينافيه كونه في معنى يلبسونها كما قيل لقوله تعالى: {وَتَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا} [سورة النحل، الآية: 24] وقوله لم يعهد السوار منه غير مسلم لأنه معهود كما رأيناه. وقوله: عطفا على محلها لأنه صفة للمفعول كما بيناه وقلب الثانية واو الضثم ما قبلها وروي بالعكس أيضا وقد قال في الحجة
أنه غلط س رواية وقلب الثانية ياء لأنه ليس في كلام العرب اسم متمكن آخره واو قبلها ضمة ولذا أعل لول كأدل في جمع دلوا علال قاض. قوله: (غير أسلوب الكلام الخ) أي لم، يقل تلبسون ودلالته(6/289)
على الاعتياد من الاسمية الدالة على الاستمرار والصحاطة على الفواصل المؤقوف عليها بكون فا قبلها حرف علة: ولم يذكر فاعل هدوا لعحيثه ولكدم تعلق الغرض به وهو في الآخرة على التفسير الأوّل وفي الدنيا على الثاني، ويجوز فيه التعميم، والعكس وكرّر هدوا تفخيما للهدأية واشارة إلى استقلال كل منهما.
قوله: (المحمود نفسه أو عاقبته) هو جار على الوجو لا على التوزيع وان جاز وقوله وهو الجنة فتأخير قولمه وهدوا الخ الثافي على الثاني ظاهر وعلى الأوّل للفواصل وقيل أخر ليتصل قولهم في الجنات ببيان طرف من أفعالهم فيها وفيه نظر وقوله: أو الحق تفسير آخر للحميد ويجوز كونه اسما لله واضافة الصراط إليه إذا أريد به دين الإسلام بيانية. (قوله: لايريد به حالاً ولا استقبالاً) جعل الفعل المضارع دالاً على الدوام كقولهم فلان يحسن إلى الفقراء، إذ المراد به استمرار وجود الإحسان كما في الكشاف وهذا غير الاشتمرار التجددي وغير دلالة الاسمية الخبرية فعلاً على الثبوت لتصريحه به في قوله. تعالى: {فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ} ولا وجه لتعليله بأنّ المضارع لما صلح للزمانين جاز أن يستعمل فيهما، لعموم المجاز لا لإعمال المشترك في مفهوميه إذا اقتضاه المقام كما قيل لأنه لا يلائم قوله ولذلك حسن عطفه على الماضي لاشتمال استمراره على المضيّ وقوله استمرا الصدود وفي نسخة الصد وهو المناسب لعطف المسجد الحرام، لكن الأوّل مناسب لتنزيله منزلة اللازم، وجعله حالاً إمّا بتقدير المبتدأ على ما اشتهر أو بدونه أشبه هذه الجملة بالاسمية معنى. قوله: (وخبر أن محذوف الخ) لم يعين محل تقديره فيحتمل تقديره بعد قوله والباد وقدره الزمخشري بعد قوله المسجد الحرام فلعله جعل الذي جعلناه نعتا مقطوعا لئلا يلرم الفصل بين الصفة والموصوف، وقدره في التفسير الكبير نذيقه من عذاب أليم، ولم يرد أنّ جواب الشرط خبراً حتى يلزم توارد عاملين على معمول واحد كما توهم وقوله عطف على اسم الله وقع في نسخة على سبيل الله وكلاهما صحيح. قوله: (وأوّله الحنفية الخ) أي فسروه بمكة لأنّ العاكف بمعنى
المقيم لمقابلته بالبادي وهو الطارئ عليه أي غير المقيم فيه والإقامة لا تكون في البيت نفسه بل في منازل مكة، وكذا قوله: ومن يرد فيه الخ فإنّ المتوعد عليه الظلم في الحرم كله، ومكة منه فقوله واستشهدوا أي بإشارة نصه كما قيل إلا أنه قال: في الكشف أيّ مدخل لحديث التمليك وعدمه في هذا المساق والاستدراك بأنّ له مدخلاً على سبيل الإدماج واشارة النص كلام لا طائل تحته وقد فسروا المسجد الحرام بالمطاف والعاكف بالمعتكف للعبادة فيه المعدود ومن أهله لملازمته له والمساواة في إقامة الشعائر وهو أظهر، وأمّا الاستدلال بأنه أريد بالمسجد الحرام في قوله: {مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى} [سورة الإسراء، الآية: ا] مكة بأنّ الإسراء كان منها لأنه كان من بيت أنم هانى فغير مسلم عندهم لما روي في الصحيحين وغيرهما في حديث الإسراء من قوله بيش صا أنا في الحطيم أو في الحجر إذ أتاني آت الحديث كما بيناه وأمّا التعارض! بين الحديثين فمبين في محله. قوله: (على عدم جواز بيع دورها (أي مكة وأجارتها أي الدور وقد ورد في الأحاديث الصحيحة التصريح به كقوله صلى الله عليه وسلم: " مكة حرّمها الله لا يحل بيع رباعها ولا إجارة بيوتها " روي من طرق خديدة. وقد نهى عمر رضي الله عنه أهل مكة أن يغلقوا أبواب دورهم دون الحاج. وقال ابن عمر رضي الله عنهما من أكل كراء بيوت مكة فإنما أكل نارا في بطنه لأنّ الناس في الانتفاع به سواء وهذا في الأرض دون البناء. قال في الهداية: لا بأس ببيع بناء مكة ويكره بيع أرضها وهذا عند أبي حنيفة وقالا لا بأس ببيع أرضها وهو رواية عنه أيضا وهو مذهب الشافعي رضي الله عنه وعليه الفتوى والى كل ذهب طائفة من الصحابة كما بين في محله وأمّا كراهة الإجارة فمحل نظر. قوله: (وهو مع ضعفه) وجه الضعف إنّ أرضها إذا لم تملك لم يملك بناؤها ولم يقر عليه لأنه بناء غاصب كما لو بنى رجل بيتا له في جامع لا إق الظاهر أنّ المراد بالمسجد الحرام البيت نفسه والعاكف بمعنى الملازم له وأنّ الاستواء في كونه قبلة ومتعبداً وأنه يجب تعظيمه كما قيل لأنه غير مسلم، كيف وقد اعتضد بالأحاديث الصمحيحة مع أنه تقييد للمطلق بلا دليل.(6/290)
قوله: (معارض الخ) أي حيث أضاف الديار إليهم وظاهر الإضافة الملكية للبناء والأرض لأنّ الدار اسم لهما كما بين في كتب اللغة. وأمّا جعل الإضافة لتملك البناء والانتفاع فخلاف الأصل وما اشتراه عمر رضي الله عنه هو البناء والنقض ويعينه أنه مذهبه كما روي في الآثار الصحيحة عنه وكانت دور مكة تسمى
السوائب في العصر الأوّل. قوله: (وسواء خبر (أي للمبتدأ وهو العاكف وأمّا تجويز أن يكون سواء مبتدأ خبره العاكف فضعيف لما فيه من الأخبار عن النكرة بالمعرفة وقوله مفعول ثان والأوّل الضمير المتصل. قوله: (ويكون للناس حالاً (وفي نسخة فيكون وفي أخرى إن جعل للناس حالاً وهي أظهر لقوله والا المقابل له أي وان لم يكن قوله للناس حالاً بل مفعولا ثانيا أي جعلناه مباحا للناس أو معبداً لهم وهو حال كونهم مستويا فيه هؤلاء ويجوز أن يكون جملة سواء حينئذ تفسيرية لجعله للناس. وقوله ونصبه أي سواء على المفعولية أو الحالية إن كان للناس مفعولاً والعاكف فاعله لأنه بمعنى مستو وان كان في الأصل مصدراً كما سمع في قولهم سواء هو، والعدم والبدلية بدل تفصيل على قراءة النصب في سواء لأنّ النصب في قراءة الجز متعين كما صرّحوا به. قوله: (مما ترك مفعوله (أي من يرد شيثا أو مراد إفا والباء للملابسة. وقيل هي زائدة وإلحاداً مفعوله. وقيل هي للتعدية لتضميته معنى يتلبس وعلى قراءته بفتح الياء من الورود فالباء للملابسة أو للتعدية. والمعنى من أتى فيه بإلحاد أي عدول عن القصد أي الاستقامة المعنوية وهو الميل عن الحق إلى الباطل وقوله: بظلم على الوجوه مؤكد له وقوله: كالإشراك تفسير للظلم لإطلاقه عليه، واقتراف الإثم المتلبس بالخطيئة والذنب. قوله: (جواب لمن) الشرطية والوعيد على الإرادة المقارنة للفعل لا على مجرّد الإرادة لكن في التعبير بها إشارة إلى مضاعفة السيئات فيه والإرادة المصممة مما يؤاخذ عليها أيضاً وان قيل إنها ليست كبيرة ولذا روي عن مالك رحمه الله كراهة المجاورة بمكة. قوله: (واذكر إذ عيناه (يعني أن إذ مفعول اذكر، والمباءة بفتح الميم والمد بمعنى المنزل والمرجع وليس التعيين من معناه الوضعي بل هو لازمه لأنه إذا جعله مكانه فقد عينه له، والتعدية باللام لما فيه من معنى الجعل والتعيين ومكان مفعول به على هذا. قوله: (وقيل اللام رّائدة أليس هذا من محال زيادتها ولذا مرضه ومكان ليس مبهما فلا ينتصب على الظرفية كما قيل وفيه نظر كما يعلم من كتب العربية، وقوله: رفع البيت أي بناؤه الأوّل إذ ليس إبراهيم عليه الصلاة والسلام أوّل من بناه وعلى هذا
فبوّأ بمعنى عين وكنست بمعنى أزالت ما عليه من التراب لتظهر آثاره. قوله: (من حيث إئه تضمن الغ الما كانت إن المفسرة لا بد من اتحاد معنى ما بعدها بما قبلها وأن يتقدمها ما يتضمن معنى القول دون حروفه والتبوئة بالمعنى الماز ليست كذلك جعل مفسراً له باعتبار ما يلزمه وما أريد منه وهو أمرنا بالعبادة كما أشار إليه بقوله لأنّ التبوئة الخ ولأنّ العبادة تكليف بالأمر والنهي أو بوّأناه بمعنى قلنا له تبوّأ. قوله: (أو مصدرية موصولة بالنهي) ولا يتغير معناه بالسبك كما مرّ فقبلها لام مقدرة وهي توصل بالأمر والنهي فلا تنصب لفظا لأنّ ما بعدها مجزوم، وقول أبي حاتم لا بد من نصب الكاف على هذا رذه في الدرّ المصون. وقال ابن عطية إنها مخففة من الثقيلة وكأنه لتأويله بوّأنا باعلمنا فلا يرد عليه أنه لا بدّ أن يتقدمها فعل تحقيق أو ترجيح. قوله: (من الأوثان) فالمراد بالطهارة ما يشمل الحسية والمعنوية. وقوله: عبر عن الصلاة بأركانها وهي القيام والركوع والسجود إن لم يكن القائمين بمعنى المقيمين والطائفين بمعنى الطارئين وقوله باقتضاء ذلك أي التطهير أو التبوئة ولم يعطف السجود لأنه من جنس الركوع في الخضوع. وقيل: الركوع نوع من القيام فالعطف لما بعده في الحقيقة. قوله: (ناد فيهم الخ) هو بالتشديد بمعنى ناد وقرأ الحسن وابن محيصن آذن بالمد والتخفيف بمعنى أعلم قيل وكان ينبغي أن يتعدى بنفسه لا بفي ولذا قيل إنه بمعنى أوقع الإيذان كقوله:
يجرح في عراقيبها نصلي
وقوله: بدعوة الخ متعلق به على التفسيرين وقوله رويا ا (الخ رواه الطبري عن ابن عباس رضي الله عنهما مع اختلاف فيه واسماع(6/291)
من في الأصلاب والأرحام مجاز تمثيليّ لإلهامهم بعد الوجود أو هو على ظاهره وان لم يعلم كيفيته وأبو قبيس اسم جبل معروف. وقوله: وقيل الخ هو على الأوّل لإبراهيم عليه الصلاة والسلام، ومرض هذا لعدم القرينة عليه وعلى الضم كظؤار وهو اسم جمع أو جمع نادر محفوظ في ألفاظ مخصوصة كما مرّ وعجالى بضم العين والقصر جمع عجلان كسكارى فرجالي جمع رجلان أو راجل ويأتوك جواب الأمر
وايقاعه على ضميره يجوز لكونه بندائه أي يأتوا بيتك. وقوله: ومثقله جمع راجل كعباد وعابد. قوله: (أي وركباناً) جمع راكب قدر المتعلق خاصا بقرينة مقابله وبعير مهزول تفسير ضامر. وقوله: أتعبه بعد السفر يعلم من صفته فإنه يدلّ على علية مبدأ الاشتقاق وعدل عن ركبانا الأخصر للدلالة على كثرة الآتين من الأماكن البعيدة. قوله: (صفة لضامر) أو لكل كما في الكشاف وكل للتكثير لا للإحاطة. وقوله: محمولة على معناه حيث جمع ضميره واللفظ مفرد وما قاله بعض النحاة من أن كلاَ إذا أضيف لنكرة لم يراع معناها إلا قليلا ردّوه بهذه الآية ونظائرها وكذا ما قيل إنه يجوز إذا كانا في جملتين لأنّ هذه جملة واحدة وقول أبي حيان إنّ الضمير شامل لرجال وكل ضامر كما في قراءة يأتون رد بأنه يلزمه تغليب غير العقلاء عليهم وقد صرحوا بمنعه، وقوله أو استئناف عطف على قوله صفة للرجال لا على قوله صفة لضامر كما توهم. قوله: (طريق (جرده عن معنى السعة لأنه لا يناسب هنا بل لا يخلو من الخلل وفسر عميق ببعيد لأنّ معنى العمق المعروف وهو البعد سفلا لا يناسب هنا لكنه يناسب حقيقته وهو كونه بين جبلين وفاصلته ولذا اختير التجوّز وهو مراد من قال ليناسب الغرض! المعتبر في مفهوم الفج وظنه بعضهم العرض مقابل الطول فأطال بلا طائل. قوله: (دينية ودنيوية (هذا تفسر مجاهد وابن عباس ومنافع الدنيا التجارة لأنها جائزة للحاج من غير كراهة إذا لم تكن هي المقصودة من سفره كما مر في قوله: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ} كما في كتاب الأحكام. واعترض بأنّ نداءهم ودعوتهم لذلك مستبعد وفيه نظر وقوله نوع إشارة إلى أنّ التنكير للتنويع وان لم يكن فيه تنوين، وقوله: بهذه العبادة أي بسببها وقوله: وذبحها كان الظاهر الاقتصار عليه لأنه يقتضي سنية الذكر عند الإعداد بخصوصها. قوله: (كني بالذكر عن النحر (هو ما اختاره الزمخشري وظاهره أنّ ذكر اسم الله وحده كناية لكن شرّاحة قالوا إنّ قوله لأنّ الخ إشارة إلى علاقة الكناية. وهي من الذكر على بهيمة الأنعام لا مطلقاً لأنه إشارة إلى وجه اللزوم العادي فيه وما قيل إنه مرضه لأنّ المتبادر منه الحقيقة فيه نظر فإنّ وجهه أنه يقتضي أنّ ذكر اسم الله ليس بمقصود هنا على ما عرف في الكناية وليس كذلك وقوله تنبيها بيان لفائدة إيرادها يعني المقصود مما يتقرّب به الإخلاص لله بذكره فتأمّل. قوله: (هي عشر ذي الحجة) هو مذهب أبي حنيفة رحمه الله وما بعده مذهب صاحبيه كما بين في الفروع لكن قيل إنّ الأوّل
لا يناسب قوله عند إعداد الخ. فالأولى أن يضم إليه وسائر النسك وتدخل أيام النحر والتشريق فيه وفيه نظر. قوله: (علق الفعل الخ) أي لم يقل ابتداء على بهيمة الأنعام لما في هذا من الإجمال والتفصيل أو الإبهام المبين بالبهيمة وليكون قرينة على الكناية باذكروا عن اذبحوا إن قيل بها ولا يلزم من هذا ارتضاؤها ولا كون المجموع كناية كما توهم لما مرّ ومن وفي منها تبعيضية والتحريض من كونه رزقا من الله فينبغي إنفاقه في سبيل الله، والمقتضي بالكسر وهو إعطاء الله. قوله: (و0) زاحة الخ) أي إزالة هو بيان لوجه كونه إباحة الأمر بعد المنع يقتضي الإباحة وفيه إشارة لترجيحه. والندب مذهب أبي حنيفة رحمه الله. وقوله: ومساواتهم أي في أصل اكل منها لا في مقداره حتى يقال لا دلالة فيه على المساواة ويتكلف له بأنه من قوله منها كما توهم وقوله وهذا في المتطوّع الخ. هذا مما اختلفوا فيه فذهب الشافعيّ رحمه الله كغيره إلى أنّ الهدي الواجب كدم التمتع والقران وافساد الحج وفواته وجزاء الصيد وما أوجبه على نفسه بندر لا يجوز الأكل منه كما ذكره المصنف رحمه الله وقال ابن عمر رضي الله عنهما لا يأكل من جزاء الصيد والنذر ويأكل من غيره. وبه قال أحمد رحمه الله وقال مالك رحمه الله: يأكل من دم التمتع وكل هدي وجب عليه الأفدية أذى وجزاء صيد(6/292)
ومنذور وقال أبو حنيفة رحمه الله وأصحابه: يأكل من دم التمتع والقران ولا يأكل من واجب سواهما والبؤس قال الراغب: البؤس والبأس والبأساء الشدة والمكروه فالظاهر عطفه بالواو. قوله: (والأمر فيه للوجوب الخ) وعند الحنفية للندب فمن تبع المصنف فيه من الحنفية فقد غفل وسيأتي تفصيله والأوّل هو أكل صاحب الهدي، وقد قيل على قوله: دون الواجب إنه يرد عليه الأضحية فإنها واجبة، والأكل منها جائز بالاتفاق فتأمل. قوله: (ثم ليزيلوا وسخهم) قال الراغب أصل التفت وسخ الظفر ونحوه مما من شأنه أن يزال عن البدن، وقال أعرابيّ: ما أتفثك وأدرنك واليه أشار المصنف رحمه الله فتفسيره بإزالة الوسخ ليس بمعتمد وعلى الأوّل فقضاؤه إزالته كما أشار إليه المصنف رحمه الله لأنّ القضاء في الأصل القطع والفصل فأريد به ذلك مجازاً وقيل إنه عليه لا بد فيه من تقدير مضاف كما أشار إليه الزمخشري بقوله أي ليقضوا إزالة تفثهم والتعبير بالقضاء لأنه لمضي زمان إزالته عد قضاء لما فات، وقوله ونتن الإبط بالنصب معطوف على وسخهم والاستحداد حلق العانة بالحديد والمراد إزالتها مطلقا. قوله: (ما ينذرون الخ) عكس ترتيب الزمخشري لأنّ الأوّل هو المتبادر وقدم الزمخشري الثاني لأنه أنسب بالمقام فهو مجاز على
الثاني في الواجب مطلقا كما في الأساس، وليطوّفوا أتى بصيغة التفعيل فيه للمبالغة، وقوله: المعتق بصيغة المفعول أي الذي أعتقه الله أي صانه وحماه، وقوله: فكم من جبار كصاحب الفيل. وقوله: التسلط عليه أي على البيت وقصة الحجاج مع ابن الزبير رضي الله عنهما مشهورة وذكر ههنا جوابا عن سؤال تقديره لم أهلك أصحاب الفيل لما أهموا بهدم البيت ولم يهلك الحجاج لما هنم برمي المنجنيق. قوله: (وهو وأمثاله (أي من أسماء الإشارة كهذه وتلك والمشهور فيه هذا كقوله: هذا وانّ للطاغين لشرّ مآب. واختيار ذلك هنا لدلالته على تعظيم الأمر وبعد منزلته وهو من الاقتضاب القريب من التخلص لملاءمة ما بعده لما قبله كما هنا فمن قال إنه لا يطرد لم يصب. قوله: (أحكامه الخ) الهتك شق الستارة وتمزيقها ليظهر ما خلفها فالحرمات جمع حرمة وهو ما يحترم شرعاً وتخصيصها ببعض ما ذكر إما لمقتضى لمقام أو غيره فتجوز به هنا عن المخالفة والعصيان كأنه إزالة لستر الشريعة والأحكام ما شرع، والحرم بفتحتين معروف وتخصيصه على هذا بالحرم وأحكام الحج بمفتضى المقام وهو منصوب لأنه عطف بيان لحرمات وكذا ما عطف عليه، وسائر بمعنى باقي أو جميع فالمراد به ما ليس من جنس الأحكام كالحرم أو ما يشملهما واحترام الشهر الحرام بالتعبد فيه أو عدم القتال إن كان هذا قبل نسخه، وقوله: والمحرم أي احترام الشخص المحرم بالحج حتى يحل. قوله: (فالتعظيم (يعني أن الضمير للمصدر المفهوم من يعظم وخير اسم تفضيل حذف متعلقه أي من غيره أو ليس المراد به التفضيل فلا يحتاج لتقدير وقوله: ثواباً إما تقدير أو تفسير لقوله عند ربه وقوله: {وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ} [سورة الحج، الآية: 30] أي أكلها أو ذبحها لأنّ ذاتها لا توصف بحل ولا حرمة. قوله: (إلا المتلوّ عليكم تحريمه الخ) يشير إلى أنّ في النظم تقدير مضاف وأن الضمير المجرور بعد حذفه ارتفع واستتر في جعل التحريم متلوّاً تسامح. وقد جوّز في هذا الاستئناء الاتصال بأن يراد بالمتلو ما حرم من بهيمة الأنعام بسبب عارض كالموت ونحوه وإليه أشار المصنف بقوله وهو ما حرم منها الخ والانقطاع إن كان إشارة إلى قوله: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} اسورة المائدة، الآبة: 3] الآية لأنه فيها ما ليس من جنس الأنعام. وقوله: كالبحيرة
تمثيل لغير ما حرّمه الله وقد مرّ بيان السائبة والبحيرة وتفسير الموصول وصلته بالمتلوّ إشارة إلى أنّ الاستقبال ليس بمراد هنا لسبق تحريمه فحا قيل إنه أوّله لأنّ نفس المتلوّ لا يستثنى من الأنعام لأنه ليس من جنسها والتعبير بالمضارع الدال على الاستمرار التجددي لمناسبة المقام واللائق بالمصنف اتباعه كما في الكشاف غفلة عن مراده. قيل وفي قوله: يتلى إشارة إلى أن التحريم لا يكون إلا من جهة الشارع بنص متلو، والكييد بالنص المتلو لأنّ ما نحن فيه كذالك أو لأنه الأصل الأقوى فلا يرد عليه أنه قد يحرم بالحديث كتحريم الشرب في أواني الذهب والفضة. قوله تعالى: ( {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ} الخ) الفاء. قريعية مسببة عما سبق فإن تفرّعت(6/293)
على قوله: {ومن يعظم حرمات الله} [سورة الحج، الآية: 30] وهو الظاهر فلما حث على المحافظة على حدوده وترك الشرك وعبادة الأوثان أعظمها تفرّع عنه هذا وان تفرّعت على االمجموع فلا يضر عدم تفزعه على قوله: وأحلت الخ المغدرج تحته وعلى الأوّل فقوله: وأحلت جملة معترضة مقررة لما قبلها فلا يرد عليه أنه يكون أجنبيا في البين كما قيل وأما تفرعه على قوله: {أُحِلَّتْ لَكُم} الخ فقط فإنه نعمة عظيمة تستدعي الشكر لله لا الكفر والإشراك أو أنّ ألمعنى فاجتنبوا الرجس من أجل الأوثان على أن من سببية وهي تخصيص لما أهل به لغير ألله بالذكر فيتسبب عن فوله {إلا ما يتلى} ويؤيده قوله: غير مشركين قإنه إذا حمل على ما حملوه كان تكرارا، فمع كونه تكلفا من غير داع إليه قد رد بأنه لم يصب فيه لأنّ إحلال الأنعام وإن كان من النعم العظام إلا أنه من الأمور الشرعية دون الخارجية التي يعرف بها التوحيد وبطلان الإشراك فلا يحسن اعتبار تسبب اجتناب الأوثان على الإحلال المذكور كما لا يخفى. قوله: (الذي هو الأوثان) إشارة إلى أن من بيانية لا تبعيضية أو ابتدائية كما قيل فإنه تكلف وقوله كما تجتنب الأنجاس إشارة إلى أنه تشبيه بليغ حملى طريق التجريد وغاية المبالغة والتنفير من جغلها نجاسة. وتعريف الرجس بلام الجنس حتى كأنها جنس النجاسة مغ ما فيه من الإبهام والتبيين وقوله: تعميم لشموله جميع أكاذيب الباطلة وكون عبادتها زور الادعاء أنها قتحق العبادة فالزور فطلق الكذب وكونها رأسه أي أعظمه ظاهر وضمير أتبعه للحث أو التعظيم، وذلك إشارة إلى قوله أحلت الخ. قوله: (وقيل شهادة الزور) أي المراد بالزور شهادة الزور لأنّ تلاوة الهيّ صلى الله عليه وسلم لهذه الآية بعد التقريع على شهادة الزور تدل على أنه المراد منها ويؤيده اشتهاره فيها لكنه مرضه لأنّ هذا الحديث وإن وواه الترمذي وغيره لكنه طعن في سنده وقيل إنه ضعيف مع أنها داخلة فيه فيحتمل أنها تليت لشمولها لها وقوله عدلت شهادة الزور الإشراك أي ساوته
في الإثم والقبح لجعلها معه في قرن هذه الآية وهو تشديد وتوبيخ، وثلاثاً متعلق بقال أي كرّرها ثلاث مرّات والزور بفتحتين وكذا الإفك، وقوله: الإشراك بالله في نسخة بواو وليس في محله، وقوله حالان من الواو يحتمل الأولى والثانية. قوله: (لأنه سقط من اوج الإيمان الخ) الأوج ضد الهبوط إلا على والمراد به أوج الفلك لمقابلته بالحضيض وهي لفظة هندية معربة كما في بعض كتب الهيئة وأوج الإيمان استعارة وسقوطه منه إن كان في حق المرتد ظاهر وفي حق غيره باعتبار الفطرة وجعل التمكن والقوّة بمنزلة الفعل. قوله: (فإن الأهواء الرديئة الخ (فيه إشارة إلى أنه تشبيه مفرق حيث شبه الإيمان بالسماء لعلوه والكفر بالسقوط منها والإهواء الموزعة المشتتة لأفكاره بطيور جارحة مختطفة والشيطان المضل بريح عاصفة ألقته في مهاو مهلكة. وتوزع مضارع، وزع بمعنى فرق لا ماض! أصله تتوزع كما توهم والرديئة وقع في نسخة بدله المردية أي المهلكة وهما تشبيهان على التفريق والتركيب. وطوّح فعل مشدد بمعنى ألقى وفي نسخة طرح والأولى أولى وقوله وأو للتخيير بناء على أنه لا يشترط فيها سبق الأمر وقد مرّ في البقرة والمعنى أنه مشبه بهذا النوع وبهذا النوع أو أنت مخير في تشبيهه بأيهما شئت وقوله فإن الخ إشارة إلى أن التشبيه الأوّل لمن لا خلاص! له من الكفر كمن توزج لحمه في بطون الجوارج فإنه بعد هلاكه والثاني لمن يرجى خلاصه فإن من رمته الريح في المهاوي يمكنه الخلاص، وقوله: على بعد من قوله مكان سحيق. قوله: (ويجوز أن يكون الخ (فشبه من أضله الله بالكفر وابتلاه بالأفكار الفاسدة بمن وقع من السماء فتقطع قطعاً اختطفتها الطير. أو بمن حملته ريح عاصفة فألقته بمفازة بعيدة ووجه الشبه الهلاك المتيقن أو المظنون. فقوله: تشبيه أحد الهالكين أو الهلاكين كما في نسخة بصيغة التنبيه بيان لحاصل المعنى المقصود منه واقتصار على أقوى أجزاء التشبيه فلا يرد أنه إذا شبه أحد الهالكين كان مفرداً لأمر كبا لكنه من تشبيه مقيد بمقيد نعم النظم يحتمله أيضاً. قوله: (دين الله الخ) الشعائر إما جمع شعارة وهي العلامة كالشعار فشعائر الله علامات اتباعه وهدايته وهي الدين، أو المراد بها فرائض الحج(6/294)
ونسكه أي ما فيه من المناسك والعبادة والهدايا جمع هدية وهي كالهدي رالهدي ما يذنجح تقزبأ
وهذا قول الجمهور. ومعالم الحج أفعاله التي يعلم بها فقوله لأنها الخ تعليل لتسميتها شعائر سواء كانت جمع شعيرة أو شعارة لأنها من الشعور بمعنى العلم ومعلم الشيء ما يستدل به عليه.
قوله: (وهو أوفق الخ) أي تفسيره بالهدايا أكثر موافقة ومناسبة لما بعده من قوله لكم فيها
الخ، ولا يبعده قوله والبدن جعلناها لكم من شعائر الله لأنّ الأخبار بعد العلم بها أوصاف حتى يدعي أن البدن غير الهدايا كما قيل لأنها لم تذكر هناك للإفادة حتى يلغو ذكرها بل ليبني على ذكرها ما بعدها كما إذا قلت زيد كريم وإذا كان كريما غنمت صحبته فاستوص به خيراً وهو ظاهر مع أنّ القاعدة المذكورة فيها كلام ذكرناه في غير هذا المحل. قوله: (وتعظيمها (أي أخذ العظيم منها ثمناً وجسماً وهيئة. وهذا حديث مسند في كتب الحديث والبرة بضم الباء الموحدة وفتح الراء المهملة المخففة حلقة تجعل في أنف البعير تزييناً له. وإنما اختار جمل أبي جهل لعنه الله ليغليظ المشركين- وقوله: من ذهب روي من فضة أيضا- وقوله: نجيبة هي الناقة الحسنة وقوله: طلبت أي طلب شراؤها منه وقد سأل النبيّ صلى الله عليه وسلم أن يبيعها ويشتري بثفها بدنا فنهاه عن ذلك وقال بل أهدها. قوله: (فإنّ تعظيمها الخ) فيه إشارة إلى مضاف مقدر بعد أنّ أيضا وتقدير العظمة لا وجه له فإنه صفة البدن فلا يكون تقوى إلا بتكلف وتقدير التعظيمة والتعظيمات كما قدره بعضهم ركيك مع أنّ الضمير الراجع إلى المصدر الذي تضمنه الفعل لا يؤنث إلا إذا اشتهر تأنيثه وهذا ليس كذلك، وفيه نظر وأمّا أن الجمع يوهم أن التعظيمة الواحدة ليست من التقوى فليس بشيء لأنه لا اعتبار بالمفهوم ولو سلم فهو من مقابلة الجمع بالجمع وقد جوّز رجوعه إلى الحرمة أو الخصلة أيضا كقوله صلى الله عليه وسلم: فبها ونعمت. قوله: (فحذفت هذه المضافات) وهي تعظيم وأفعال وذوي جمع ذي بمعنى صاحب تبع فيه الزمخشري إذ قال لا يستقيم المعنى بدون هذا إلا أنه لم يقدر منه مع قوله لا بد من عائد من الجزاء لمن واعترض عليه أبو حيان وغيره وقال في الكشف إنه على ما قدره عموم ذوي تقوي فانه بمنزلة الضمير فتقدير المصنف التعظيم منه لتقدير العائد تبعا لأبي البقاء ليس بالوجه. أمّا الحاجة إلى إضمار التعظيم فلا يحتاج إلى البيان وأما إضمار أفعال فلأن المعنى أن التعظيم باب من أعظم أبواب التقوى صادر من ذويها ومنه يظهر أن الحمل على أن التعظيم ناشئ من تقوى القلوب
والاعتراض بأنه إنما يستقيم ما ذكر إذا حمل على التبعيض ليس على ما ينبغي ناشئ من تقوى القلوب والاعتراض بأنه إنما يستقيم ما ذكر إذا حمل على التبعيض ليس على ما ينبغي على أنه إن قدر من تقوى قلوبهم على المذهب الكوفي أو تقوى القلوب منهم اتسع الخرق ثم أن التقوى إن جعلت شاملة للأفعال والتروك كما في عرف الشرع فالتعظيم بعض البتة وان خصت بالتروك فنشأة التعظيم منها غير لائحة إلا على التجوّز انتهى. واعترض عليه بأن دعواه أن المعنى على الأوّل دون الثاني دعوى بلا شاهد ثم إنه لا تظهر الدلالة على أنه من أعاظم أبواب التقوى كما ذكره وأن قوله إذا كان التعظيم بعضا من التقوى لا يحتاج إلى الإضمار صلح لا يرضى به الخصم. وأيضاً إذا صح الكلام على التجوز لا يستقيم قول الزمخشري: لا يستقيم المعنى إلا بتقديرها وهو غير وارد عليه لأن السياق للتحريض على تعظيمها وهو يقتضي عذه من التقوى بل من أعظمها وكونه ناشئاً من التقوى لا يقتضي كونه منها بل ربما يشعر بخلافه والدلالة على الأعظمية مفهومة من السياق كما إذا قلت هذا من أفعال المتقين والصلح من شيم الكرام والظليم من شيم النفوس كما يشهد به الذوق، وقوله: صلح من غير تراض ليس بسديد لأنه يدعي أن من تبعيضية والرابط العموم أيضا وصحة الكلام بدون تقدير على التجوّز لكونه خفياً في قوّة الخطا لأنه لا قرينة عليه والتبعيض متبادر منه فلا غبار عليه غير قصور النظر. قوله: (والعائد إلى من (لأنها إما مبتدأ إن كانت موصولة دخلت الفاء في خبرها أو شرطية وعلى كل حال لا بد منه وهو قوله منه المقدر كما أشار إليه على ما في أكثر النسخ وفيه إشارة إلى الاعتراض على ما في الكشاف وقد علمت توجيهه وما فيه من الوجوه كما نقلناه عن الكشف وقال الدمامينيّ: الذي يظهر أنّ في تقدير الزمخشريءشارة إلى الراجع(6/295)
لا من الجهة التي ذكرها بل من جهة أنّ المصدر من قوله فإن تعظيمها مضاف إلى المفعول ولا بد له من فاعل وإن لم يلزم ذكره وليس إلا ضميراً يعود إلى من والتقدبهـ فإن تعظيمه إياها فالربط على هذا بالضمير وهو أمر مجمع عليه غايته إنه حذف لفهم المعنى، وأضيف المصدر إلى المفعول فلزم الإتيان به متصلا وهذا الأحرج فيه ويظهر أيضا أن من الجارة يحتمل أن تكون للتعليل أي أن تعظيمها لأجل التقوى أو لابتداء الغاية أي تعظيمها ناشئ من تقوى القلوب وعليهما فلا يحتاج إلى تقدير المضافين المذكورين انتهى. وقيل الجزاء محذوف لدلالة التعليل القائم مقامه عليه وأورد عليه أنّ الحذف خلاف الأصل وما ذكر صالح للجزائية باعتبار الإعلام والأخبار كما عرف في أمثاله وفيه تأمل. قوله: (وذكر القلوب الخ (يعني أن الإضافة إليها مع أنها صفة صاحبها لأن التقوى وضمدها تنشأ منه. ويحتمل أن يريد أنه من إطلاق الجزء على الكل لما ذكر كما في شرح الكشاف ولذا قال تعالى: {آثِمٌ قَلْبُهُ} [سورة البقرة، الآية: 283] وقيل ذكر القلوب لأن المنافق يظهر التقوى وقلبه خال منها وجعلها آمرة مجاز وجملة لكم معترضة. قوله:
(درّها) أي لبنها وظهرها بمعنى ركوب ظهرها ونحوه فهو إما مجاز أو فيه مضاف مقدر وترك قول الزمخشريّ إلى أن تنحر ويتصدق بلحومها ويؤكل منها وما ذكره من الانتفاع بها بعد أن تصير بدنة مذهب الأئمة استدلالاً بظاهر الآية والحديث وهو تفسير ابن عباس رضي الله عنهما وعند أبي حنيفة لا يملك منافعها ولا يركبها بدون ضرورة لأنه لا يؤجرها للركوب فلو ملك منافعها ملك عقد الإجارة عليها كمنافع سائر المملوكات وما وقع في بعض تفاسير الحنفية من ذلك محمول على حال الضرورة. قوله: (ثم وقت نحرها) إشارة إلى أن محل اسم زمان ويجوز أن يكون مصدرا ميميا بمعنى الوجوب من حل الدين إذا وجب كما في الكشاف. وقوله: منتهية إشارة إلى متعلق إلى ويصح تقديره مقربة. وقوله: أي ما يليه إشارة إلى أن البيت مجاز بعلاقة المجاوزة عما قرب منه لأنها لا تنتهي إلى البيت العتيق نفسه والتراخي في الوقت لا ينافي وقوعه عقبه لأنه باعتبار ابتدائه ولذا جعله بعضهم رتيبا. وقوله: وبعده منافع دينية يعني الثواب وهذا لا يستفاد من النظم. قوله: (وهو (أي قوله لكم فيها الخ والأولين أي من تفسير الشعائر بدين ألله أو فرائض الحج. وقوله: إمّا متصل بحديث الإنعام أي متعلق معنى بقوله أحلت لكم بهيمة الأنعام والضمير فيه أي قوله فيها. وعلى الأوّل أي تفسيرها بدين الله والضمائر للشعائر وفسرها بالدينية ليناسبه والمنافع الدينية إقامة الشعائر تعظيم البيت والانتفاع معنى اللام وهو الثواب ومحلها وقت حلولها والموت موت الحاج. وقوله: أو يكون هو وما قبله توجيه لكونه محلها والبيت المعمور معبد الملائكة في السماء كما ورد في الحديث والجنة معطوفة على البيت وفيه لف ونشر فالبيت المعمور إن أريد رفع الأعمال والجنة إن أريد الثواب. وعلى الثاني أي تفسيرها بفرائض الحج، ومواضع نسكه وضمير فيها للشعائر أيضاً والمراجعة الرجوع من السوق. وقوله: وقت الخروج فالمحل من الإحلال وبالإحلال متعلق بالخروج. قوله: (متعبدأ أو قرباناً) وفي نسخة وقربانا فعلى الأول هو اسم مكان من النسك وهو العبادة ويحتمل المصدرية وعلى الثاني هو مصدر باق على أصله أو بمعنى اسم المفعول. وقوله: أي موضع نسك تفسير لقراءة حمزة وقوله: دون غيره التخصيص من السياق والسباق
وكونه المقصود من جعله غرضاً. وقوله: عند ذبحها إشارة إلى أن على متعلقة بيذكروا. قوله: (وفيه تنبيه) أي في إظهاره والنعم بفتحتين معروف وليس المراد به الإبل فقط والمراد أنه لا يجوز بالخيل وغيرها. وقوله: أخلصوا التقزب فالإسلام الانقياد المراد به التقرّب والإخلاص من تقديم لكم وتشوبوه بمعنى تحلطوه. قوله: (المتواضعين) هذا أصل معناه لأنّ الإخبات نزول الخبت وهو المكان المنخفض وتفسيره بالإخلاص لأنه لازم للتواضحع والتذلل واليه أشار بقوله فإنّ الإخبات صفتهم ولا يخفى حسن موقع المخبتين هنا من حيث أن نزول الخبت مناسب للحاج، وما فيهم من صفات المتضرّعين كالتجرّد عن اللباس. وكشف الرأس(6/296)
والغربة عن الأوطان ولذا وصفهم بالصبر ووجلت من الوجل، وهو الخوف واشراق أشعة الجلال بتذكر الله إذا ذكر اسمه والكلف جمع كلفة وهي التكاليف الدينية وذكر إقامة الصلاة لأنّ السفر مظنة التقصير فيها- وقوله: على الأصل أي إثبات النون ونصب الصلاة- وقوله: في وجوه الخير هو الصدقة ونحوها وخصها لأنه المناسب لمقام المدح. وقوله: فإلهكم الفاء تعليلية لذكر اسمه دون غيره لا سببية كما بعدها. قوله: (وأصله (أي أصل لفظ صيغة الجمع فيه الضم أي ضم عينه وهي الدال هنا وقوله: وإنما سميت الخ إشارة إلى أصلها وأنها من بدن ككرم بدانة أي عظم بدنه وبدانة مصدر كضخامة ولذا كانت في الأصل النجيبة السمينة ثم عمت. قوله: (ولا يلزم من مشاركة البقرة الخ (رد على الحنفية في قولهم البدنة الإبل والبقر واستدلالهم عليه بالحديث المذكور قيل وهو ظاهر الورود لأنّ الحديث لا يدلّ على أنها تطلق على ذلك لغة أو شرعاً بل على خلافه لأنّ العطف يقتضي المغايرة لكنه ثبت بغير ذلك إمّا لغة فلما قاله الأزهري والجوهري وغيرهما من أئمة اللغة إنها تطلق عليها لغة وان كان صاحب البارع قال إنها لا تطلق على البقر كما قاله الشافعي وأما شرعاً فلما في صحيح مسلم عن جابر رضي الله عنه كنا ننحر البدنة عن سبعة فقيل والبقرة فقال: هل هي إلا من البدن فقد علمت
أنّ فيها خلافا لغة لما سمعت وشرعا للاختلاف بين الحنفية والشافعية حتى لو نذر نحر بدنة هل يجزئه نحر بقرة أم لا وهل يشترط فيه أيضاً أن يكون في الحرم أم لا، وقوله: من أعلام دينه إشارة إلى ما مرّ وفيه إشارة إلى أن فيه مضافا مقدراً وهو دين ويجوز أن يكون مراده أنّ الإضافة للعهد فشعائر الله دينه. وقوله: شرعها الله إظهار في مقام الإضمار والدنيوية ما مر من الدر وما معه وقوله: منك واليك أي هو عطاء منك يتقرّب به إليك. قوله: (تائمات الخ (يعني أنه جمع صافة ومفعوله مقدر وهو أيديهن وأرجلهن وقوله من صفن الفرس إشارة إلى أن إطلاقه على الإبل المذكورة مجاز بطريق التشبيه وقولهم صفن الرجل إذا صف قدميه مجاز أيضا لكنه يجوز أخذه منه فيكون بمعنى صواف وقوله: حافر الرابعة أي الرجل الرابعة وفي نسخة سنبك الرابعة والسنبك طرف مقدم الحافر واطلاقه على السفينة الصغيرة مجاز. وقوله: تعقل إحدى يديها أي تربط قائمة عند الذبح على ما عرف فيه وصواف منصوب على الحال. قوله: (وقرئ صوافياً (أي قرئ صوافياً منوّنا بياء تحتية جمع صافية- وقوله: بإبدال التنوين الخ توجيه لهذه القراءة فإنه ممنوع من الصرف لأنه صيغة منتهى الجموع وقد خرجت على وجهين أحدهما أنه وقف عليه بألف الإطلاق لأنه منصوب ثم نوّن تنوين الترنم لا تنوين الصرف بدلاً من الألف أو هو على لغة من يصرف ما لا ينصرف وهي كثيرة في الجمع، وحرف الإطلاق مفعول إبدال وعند الوقف متعلق بالإبطال أو الإطلاق- وقوله: وصواف أيمما ترئ صواف بالكسر والتخفيف والتنوين وهي على لغة من ينصب المنقوص بحركة مقدرة كقوله:
ولو أنّ واش بالمدينة داره
وعوض عنها التنوين كما في جوار وغواش كما قرئ صوافي بسكون الياء من غير تنوين إجراء للوصل مجرى لوقف ولو قيل إنه بدل من ضمير عليها سلم من الشذوذ وقوله: مطلقاً أي في حال الرفع والجز والنصب واللغة المشهورة تخصيصه بالأوّلين. توله: (أعط القوس باريها) بسكون الياء والقياس نصبها وهو مثل معناه كما قال الميداني رحمه الله استعن عن عملك بأهل المعرفة والحذق والظاهر أن معناه سلم الأمور لأهلها قال:
يا باري القوس برياً ليس يحسنها لا تفسدنها وأعط القوس باريها ...
والقوس معروفة وهي مؤنث سماعي والباري من بري القوس والسهم تحته وصنعه وأصل
معناه أعطها من صنعها فإنه أعلم بنحتها. قوله تعالى: ( {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا} الخ) قال في التيسير أمر كلوا للإباحة ولو لم يأكل جاز وأمر أطعموا للندب ولو صرفه كله لنفسه لم يضمن شيئاً وهذا في كل هدي نسك ليس بكفارة وكذا الأضحية وأمّا الكفارة فعليه التصدّق بجميعها فما أكله أو أهداه لغني ضمنه(6/297)
وفي الهداية يستحب له أن يأكل من هدي التطوع والمتعة والقران. وكذا يستحب أن يتصدّق على الوجه الذي عرف في الضحايا وهو يدلّ على أنّ كلا الأمرين للندب كذا قيل وفي الأحكام القرآنية إنّ أهل العلم متفقون على أنّ الأكل منها غير واجب وجائز أن يكون مستحبا مندوبا إليه لأكل النبيّ صلى الله عليه وسلم منها فقد عرفت أن الندب غير منصوص عليه في المذهب وهو مؤيد لما ذكره النسفي وما في الهداية هو ظاهر الآية والحديث فلا مخالفة فيه بينهما. قوله: (الراضي بما عنده) يقال قنع يقنع كتعب يتعب قنعا إذا رضي بما عنده من غير سؤال وقنع يقنع كسأل يسأل لفظاً ومعنى قنوعاً قال الشاعر:
العبد حرّ إن قنع والحرّعبدإن قنع ...
فاقنع ولاتقنع فما شيءيشين سوى الطمع ...
ومن كلام الزمخشريّ: يا أبا القأسم اقنع من القناعة لا من القنوع تستغن عن كل معطاء ومنوع فليس من الأضداد كما توهم لاختلاف فعليهما- وقوله: وبؤيده قراءة وفي نسخة أن قرى وفي أخرى أنه قرئ القنع كالحذر صفة مشبهة ووجه التأييد أنّ قنعا لم يرد بمعنى سائل بخلاف قانع فإنه ورد بالمعنيين والأصل توافق القرا آت- وقوله: من قنعت أي بالفتح في العين. قزله: (والمعترض بالسؤال) أو المتعرض بلا سؤال ومقابلته لما قبله على التفسير الأوّل ظاهرة وعلى الثاني لأنّ الأوّل سؤال مع خضوع وتذلل والثاني سؤال بدونه وعرّه وعراه بمعنى اعترض له- وقوله: من نحرها قياماً هو على غير التفسير الأخير، وقوله: سخرناها بمعنى سهلنا انقيادها - ولبات بفتح اللام وتشديد الباء جمع لبة محل النحر من أسفل العنق. وقوله: إنعامنا هو مفعوله المقدر بقرينة المقام وقوله: بالتقرّب إشارة إلى الشكر بالجوارح والإخلاص بالقلب. قوله: (لن يصيب) أي يصادف وفاعله لحومها أي لا يرضى ويقبل وينفع عنده ذلك بدون
خلوص النية وموافقة الشريعة وقوله كرّره فهو تأكيد على الوجه الأوّل وتأسيس على الثاني وقوله: فتوحدو. بالكبرياء أي تعتقدوا انفراده بها وإذا كان معناه التكبير فهو قولهم الله أكبر مثتق من لفظه وقوله المصدرية فهو بمعنى لهداية والخبرية بمعنى الموصولة أو الموصوفة لما في الصلة والصفة من الجملة الخبرية الغير المؤوّلة بمفرد. قوله: (وعلى متعلقة بتكبروا لتضمنه معنى الشكرا لأنه يتعدّى بعلى بخلاف التكبير وقيل على بمعنى اللام التعليلية وحسن العدول تعدى هدى باللام وفي الكشاف في محل آخر إنه مضمن معنى الحمد وأورد عليه ابن هشام رحمه الله قول الداعي على الصفا الله أكبر على ما هدانا والحمد لله على ما أولانا والأصل عدم التكرار وعلى الثانية ظاهرة في التعليل فكذا الأولى وليس بشيء لأن ثمة مانع بخلاف ما نحن فيه وقوله المخلصين قد ورد تفسير. بها في حديث الإحسان المشهور. قوله: (غائلة المشركين) أي ضررهم قدره لاقتضاء المقام له ولا سيما وقد عقب بالإذن في القتال فما قيل إنه لم يذكر له مفعول تفخيما لهم ليس بشيء ولا حاجة إلى تأييده بأنّ أشد الناس بلاء الأمثل فالأمثل كما قيل. وقوله: يبالغ إشارة إلى أن صيغة المفاعلة مستعارة للمبالغة، أو مجاز عن لازمها لأنّ من يغالب يجتهد كل الاجتهاد، وصيغة خوّان وكفور لأنه في حق المشركين وهم كذلك لا للإشعار بمحبة الخائن والكافر ولأنّ خيانة أمانة الله وكفران نعمته لا يكون حقيرا بل هو أمر عظيم، ولذا قدر المصنف ما قدر وأشار إليه بقوله: كمن الخ وفي تمثيله إشارة إلى مناسبته لما مرّ من الشعائر فإنه يقتضي ذفهم على ما كانوا يذبحونه للأصنام في زمن الحج. قوله: (رخص! (قال الراغب الإذن في الشيء الإعلام بإجازته والرخصة فيه ويطلق إذن الله على إرادة الله وأمره وعلمه والمأذون فيه القتال وهو في قوّة المذكور لأن قوله: {لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ}
كالتصريح به لأنك إذا قلت أذنت للضارب علم أنّ المراد في الضرب. وقوله: بفتح التاء أي بصيغة المجهول وهم تفسير للموصول. قوله: (وهي أوّل آية نزلت في القتال) هذه رواية الحاكم في المستدرك عن ابن عباس رضي الله عنهما(6/298)
وأخرج ابن جرير عن أبي العالية أن أوّل آية نزلت في القتال {وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ} وفي الإكليل للحاكم أنّ أوّل آية نزلت في القتال {إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم} . لكن ما ذكره المصنف رحمه الله مخالف لقوله في أوّل السورة أنها مكية إلا ست آيات إلا أن يقال إنه ترك التنبيه عليه لأن الإذن في القتال لم يكن إلا بعد الهجرة. قوله: (وعد لهم بالنصر) أي على طريق الرمز والكناية كما هو دأب العظماء ودفع أذى الكفار في قوله: أن الله يدفع الخ والذين أخرجوا في محل جز بدل أو صفة للذين قبله ويجوز كونه في محل رفع أو نصب. قوله: (على طريقة قول النابغة الخ) هو من تأكيد المدح بما يشبه الذم وهو لا يختص بهذا بل كل ما يكون فيه إثبات الشيء بضده فهو من هذا القبيل والبيت من قصيدة معروفة والمعنى كما في الكشاف أخرجوا لله بغير موجب سوى التوحيد الذي يكون موجب الإقرار والتمكين لا موجب الإخراج والتسيير ومثله هل تنقمون منا إلا أن آمنا بالله والاستثناء إن كان منقطعا فهو مما اتفق على نصبه نحو ما زاد إلا ما نقص وما نفع إلا ما ضرّ فلو توجه إليه العامل جاز فيه لغتان النصب وهو لغة أهل الحجاز وأن يكون كالمتصل في النصب والبدل نحو ما فيها أحد إلا حمار وإنما كانت الآية من الذي لا يتوجه إليه العامل لأنك لو قلت الذين أخرجوا من ديارهم إلا أن يقولوا ربنا الله لم يصح فتقديره ولكن أخرجوا بقولهم ربنا الله وإليه أشار المصنف بقوله وقيل منقطع وقيل إنه في محل جرّ بدل من حق لما في غير من معنى النفي فيؤول الكلام إلى نفي النفي وهو الإثبات فحاصل المعنى أخرجوا من ديارهم بأن يقولوا ربنا الله كذا قيل في تقريره وهو رد على أبي حيان إذ رد هذا الوجه بأن البدل لا يجوز إلا من حيث سبقه نفي أو نهي أو استفهام في معنى النفي وصح تسلط
العامل عليه. ولو قلت أخرج الناس من ديارهم إلا أن يقولوا لا إله إلا الله لم يكن كلاما إلا إذا تخيل أنه بدل من غير وأما إذا كان بدلا من حق فهو في غاية الفساد. لأنه يلي البدل فيه غيرا فيصير التركيب بغير إلا أن يقولوا وهو لا يصح ولو قدر النفي الذي تضمنه الإخراج بغير كما يقدر غيره من النفي لم يصح أيضاً لأنه يصير التركيب بغير غير قولهم ربنا الله بإضافة غير لغير والزمخشري مثله بغير موجب سوى التوحيد. وهو تمثيل للصفة لا وجه لتفسير إلا بسوى وهو على الصفة صحيح وقد التبس عليه باب الصفة بباب البدل. وما ذكره ليس بوارد على الزمخشري لأن ما ذكره بيان لحاصل المعنى وليس مثله ممن يلتبس عليه باب بباب وهو استثناء لكن ظاهر مقابلته بالمنقطع أنه متصل على هذا وهو ظاهر لدخول المستثنى في الحق إذ تقديره في الحقيقة لا موجب لإخراجهم إلا التوحيد وتقديره بغير لا يتعين ولو تعين لم يدخل على الإبل على ما بعدها لأنه هو البدل. فما ذكره مغالطة لا طائل تحتها مع ما فيه من الاختلال وان تبعه بعضهم) وههنا بحث (وهو أنّ التوحيد داخل في الحق فليست الآية كبيت النابغة فلذا أوّله الزمخشري والمصنف بغير موجب مع أنه لا يخلو من الكدر فإن التوحيد والطعن في آلهتهم موجب للإخراج عندهم فلا بد من ملاحظة كونه موجبا في نفس الأمر. ومن جعل إلا بمعنى غير هنا صفة عند المصنف وقال: وعندي أنّ البدل يصح من المضاف وفي أخرجوا معنى النفي أي لم يقروا في ديارهم إلا بأن يقولوا ربنا الله فيصح التسليط. فقد أخطأ فيهما لأن المصنف رحمه الله أراد الاستثناء كما في بيت النابغة وإذا جعل استثناء من غير فسد المعنى كما لا يخفى فتأمل. قوله: (عل أهل الملل (أي في كل عصر وهو إشارة إلى عمومه فالمراد بالمؤمنين مؤمنو كل أتة وأمّا تخصيصه وجعل حفظ البيع ونحوها لحماية أهل الذفة فيأباه مع بعده ما بعده ودفاع قراءة نافع على أنه مصدر فاعل. والرهابنة جمع رهبان وهو مخصوص بالنصارى القسيسين المختلين فالصوامع خاصة بهؤلاء والبغ عامة فيهم وقوله: كنائس اليهود الكنيسة غير مختصة باليهود على قول لأهل اللغة كما يشعر به كلام المصنف رحمه الله. قوله: (سميت بها الخ (وفي نسخة وسميت فهي جمع صلاة سمي بها محلها مجازاً فتنوينه كمسلمات وقيل هي بمعناها الحقيقي وهذمت بمعنى عطلت أو فيه مضاف مقدر وهي مما ألحق بجمع المؤنث من العلم كأذرعات ولا وجه له لأنه جمع(6/299)
لا علم ولذا فسره بالجمع وقوله: صلوثا بفتح الصاد والثا المثلثة والقصر وبه قرئ في الشواذ ومعناه في لغتهم المصلى فلا يكون مجازاً والظاهر أنه اسم جنس لا علم قبل التعريب، وبعده لكن ما روي عن أبي عمرو من عدم تنوينه ومغ صرفه للعلمية والعجمة يقتضي أنه علم جنس إذ كونه اسم موضع بعينه كما قيل بعيد فعليه كان ينبغي مغ صرفه وعدم تنوينه على القراءة المشهورة فلذا قيل إنه صرف لمشابهته للجمع لفظاً فيكون
كعرفات والظاهر أنه نكر إذ جعل عاما لما عرّب، وأما القول بأن القائل به لا ينوّنه فتكلف.
قوله: (مساجد المسلمين (قيل حضت معابد المسلمين باسم المساجد لاختصاص السجدة في الصلاة بهم وهو مع أنه لا حاجة إليه رد بقوله: {يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ واركعي مع الراكعين} [سورة آل عمران، الآية: 43] وأخر ذكرها وإن كان الظاهر تقديمها لشرفها قيل إما لأن الترتيب الوجودي كذلك أو ليقع في جوار الصفة المادحة أو للتبعيد عن قرب التهديم، وتأخير صلوات عن معابد النصارى مع مخالفة الترتيب الوجودي له للمناسبة بين الصلاة والمساجد ولا يخفى أنّ الظاهر التوجيه بالتبعيد عن التهديم والاتصال بما بعده من صفات أهلها لأنّ الترتيب الوجودي غير مطرد والصفة المادحة ليست مخصوصة بها، كما فسره المصنف والمناسبة المذكورة لفظية لا معنوية وان كان مثله يتساهل فيه. قوله: (صفة للاربع الخ (وكون الذكر بعد نسيخ الشريعة مما لا يقتضيه المقام ليس بشيء لأن النسخ لا ينافي بقاءها ببركة ذكر الله فيها مع أن معنى الآية عام لما قبل النسخ كما مرّ وبه صرح المفسرون. وقوله: من ينصر دينه إمّا بيان للمعنى أو لتقدير مضاف فيه وقياصرتهم جمع قيصر والضمير للكفرة المفهوم من السياق لأنه لا يكون للعجم إلا بتسمح لا حاجة إليه. قوله: (وصف (لأن الموصول يوصف ويوصف به وقوله ثناء قبل بلاء يعني أن الله أثنى عليهم قبل أن يحدثوا من الخير ما أحدثوا وهذا مروي عن عثمان رضي الله عنه هنا. وقوله: وفيه دليل الخ عزاه في الكشاف إلى من قبله من المفسرين لأن دلالته لا تخلو من الخفاء لأنها إنما تتم إذا كان الذين هنا صفة أو بدلاً من الذين الأوّل وكانت إن الشرطية الدالة على الفرض! والتقدير هنا للوقوع كلعل وعسى من العظماء والمراد بالإخراج الهجرة وحقيقة الجمع على ظاهرها فلا وجه للتخصيص بعليئ رضي الله عنه، وقوله: فإن مرجعها الخ بيان لحاصل المعنى أو لتقدير في النظم، وقوله: كذبت بالتأنيث لأنّ القوم اسم جمع يجوز تذكيره وتأنيثه لحاصل المعنى أو لتقدير في النظم، وفوله: كذبت بالتأنيث لأن القوم اسم جمع يجوز تذكيره وتأنيثه ولا حاجة لتأويله بالأمّة أو تشبيههم بالنساء في قلة العقل واستغنى في عاد وثمود عن ذكره لاشتهارهم بهذا الاسم الأخصر والأصل في التعبير العلم فلذا لم يقل قوم صالح وقوم هود ولا علم لغير
هؤلاء. قوله: (وأصحاب مدين الم يقل وقوم شعيب عليه الصلاة والسلام قيل لأن المكذبين له من قومه أصحاب مدين خاصة وكونه مبعوثا إلى أصحاب مدين وأصحاب الأيكة كما يأتي في الشعراء وقومه أصحاب مدين وأصحاب الأيكة أجنبيون وكلاهما كذبوه لا يأباه كما قيل لأن مراده أنّ قومه المكذبين له هم هؤلاء لا غيرهم لأنهم وان كذبوه أجنبيون وتكذيب هؤلاء أسبق وأشد والتخصيص لأنه لتسلية النبيّ صلى الله عليه وسلم عن تكذيب قومه فلا غبار عليه. قوله: (تسلية له الخ (قيل وتعيين لكيفية نصره الموعود به والإذن في الجهاد فليس فيه تصريح بالقتل وبكيفية الاتحاد في القتل والهلاك فيهما فلا يضر تغاير الهلاكين كما توهم وأوحدي بمعنى منفرد وياء النسبة للمبالغة. وقوله: قد كذبوا رسلهم إشارة إلى المفعول المحذوف اختصارا لظهوره لا لتنزيله منزلة اللازم. قوله: (غير فيه النظم الخ) بترك القوم وبنائه للمجهول وتكرير الفعل فيه فقوله لأنّ قومه توجيه لترك لفظ القوم. وقوله: وكان تكذيبه الخ توجيه لبنائه للمجهولى والتكرير بأن قبحه في تكذيبه كائنا من كان المكذب فلذا لم يقل كذبه القبط وقوله: وآياته الخ جملة حالية فإن قلت قوم موسى عليه الصلاة والسلام كذبوه وخالفوه فعبدوا العجل كما ورد في آيات كقوله: {لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً} [سورة البقرة، الآية: 55] وغيره قلت رذه في الكشف بأنهم لم يكذبوه بأسرهم كالقبط وأقوام غيره فعد تكذيبهم كلا تكذيب مع أنّ أكثرهم تاب وإنما ذكر في محل آخر لبيان أذيتهم له وما قاساه منهم فلا يرد هذا على المصنف كما توهم. قوله: (1 نكاري) إشارة إلى أن النكير مصدر كالنذير(6/300)
بمعنى الإنذار وأن ياء الضمير المضاف إليها محذوفة في الفاصلة وأثبتها بعض القراء وقوله بتغير إشارة إلى أنّ الإنكار بمعنى تغيير ما هم عليه من النعمة والحياة وعمارة البلاد وتبديله لضده وهو من نكرت وأنكرت عليه إذا فعلت فعلا يردعه كما قاله الراغب لا بمعنى الإنكار اللساني أو القلبي وفي الأساس نكرته غيرته فلا مخالفة بينه وبين الزمخشري كما قيل إن الباء للملابسة وأنه لردّ ما في الكشاف من تفسيره بالتغيير لأن التغيير ليس عين الإنكار بل أثره. قوله: (فكأين) بمعنى كم التكثيرية والكلام فيها مبسوط في النحو. وقوله بإهلاك أهلها يعني أن نسبة الهلاك إليها مجازية أو فيها مضاف مقدر وقيل الإهلاك استعارة لعذم الانتفاع بها بإهلاك أهلها وأنه مراد المصنف لأنّ
الظلم صفة أهلها. وقوله بغير لفظ التعظيم أي أهلكتها. قوله: (ساقطة حيطانها الخ) يعني الخاوي إما بمعنى الساقط من خوي النجم إذا سقط والجار والمجرور لغو متعلق به ولما كان الظاهر ساقطة عليها عروشها أوّله بقوله بأن تعطل الخ. والسقوف تفسير للعروش هنا وأما بمعنى خالية وعلى بمعنى مع كقوله: وآتي المال على حبه واليه أشار بقوله: أو خالية الخ. وقوله: فيكون الجار الخ أي على الوجهين. وما قيل إنّ تعلقه على الثاني معنوي لأنّ الظرف حال خروج عن الظاهر بلا سبب وان صح. وقوله ويجوز أي على كونها بمعنى خالية ومطلة بالطاء المهملة وتشديد اللام بمعنى مشرفة عليها بسبب ميلها بعد سقوط سقوفها إن كان مائلة من الميل. وقيل إنه بالثاء المثلثة من المثول وهو الانتصاب من مثل بين يديه إذا قام ومطل يتعدى بعلى ومظلة بالمعجمة يكون بمعناه لكنه يتعدى بنفسه. قوله: (والجملة معطوفة على أهلكناها الخ (ولما كان المراد بأهلاكها إهلاك أهلها صح ترتبه عليه ولولاه لكان عينه فلا يصح عطفه وأما عطفه على الجملة الحالية فلم يرتضه لأن خواها ليس في حال إهلاك أهلها بل بعده وأما جعلها حالاً مقدرة معطوفة على الحال المقارنة وان ادعى بعضهم صحته وكذا اذعاء مقارنتها بأن يكون هلاكهم بسقوطها عليهم فكلاهما خلاف الظاهر ويجوز عطفه على جملة وكأين الاسمية لترتب الخوا على الهلاك. وقوله: فلا محل لها لأنها جملة مفسرة ولا محل لها كما في المغني وقوله: فمحلها الرفع لعطفها على الخبر. قوله: (وكم بئر عامرة في البوادي (العمارة تفهم من التعطيل لأنه يكون بعدها وكونها في البوادي جمع بادية يفهم من عطفها على القرية وأعطله وعطله بمعنى كما في الكشاف. وقوله: مرفوع تفسير لمشيد من أشاد البناء إذا رفعه أو معناه مبني بالشيد بالكسر يعني وهو الجص وهو يبنى به. وقوله: أخليناه عن ساكنيه صفة مقدرة بقرينة السياق وقوله: معطلة. قوله: (وذلك يقوي الخ (التقوية بحسب المعنى لا بمجرد المناسبة بين خلو القصر وخلو القرية في الخلو عن الانتفاع مع البقاء كما توهم لأنه لر كان كذلك لكان تأكيداً والتأسيس أولى. فلذلك اعترض عليه من لم يتنبه لمراده ووجهه أد القصر في القرية فلو سقط ما فيها من البناء لم يكن القصر مشيدا إلا إذا ادعى أنه خارج عها
وأن كونه مشيداً باعتبار ما كان وكلاهما خلاف الظاهر. قوله: (وقيل المراد الخ (وجه تمريضه أن التنكير والتكثير ظاهر في خلافه وأما كون ذلك مراداً بطريق التعريض حتى لا ينافي ذلك فبعيد. وحضرموت بلدة شرقي عدن وهي بفتح الراء والميم يوضمان ويبنى ويضاف وفي الكشاف وإنما سميت بذلك لأنّ صالحا عليه الصلاة والسلام حين حضرها مات وهذه رواية وقيل إن قبره بالشام بعكا وأما كونه مات ثمة ونقل إلى عكا فخلاف الظاهر ومثله يحتاج إلى النقل وسفح الجبل أسفله أو ما قرب منه وهو المشهور وقلة الجبل أعلاه وحنظلة بن صفوان نبي كما ذكره الزمخشري. قوله: (من بقايا قوم صالح (عليه الصلاة والسلام لم يقل أنه نبي لأنه لم يتبين له حاله ولم يصف قومه بالإيمان كما في الكشاف لأن المشهور عدم إيمانهم ولهذا قال المتنبي:
أنا في أمّة تداركها الله غريباً كصالح في ثمود ...
قوله: (حث لهم على أن يسافروا الخ (يعني أن الاستفهام ليس على حقيقته بل المقصود
به الحث على سفرهم للنظر والاعتبار كما تقول لتارك الصلاة ألم تعلم وجوبها فتصلي هذا إن كانوا(6/301)
لم يسافروا وان كانوا سافروا فهو حث على النظر وذكر السفر لتوقفه عليه لا للحث عليه فما قيل إن المقصود هو الاعتبار والاتعاظ فإذا ترتب ذلك على سفرهم لا تمس الحاجة إلى أن يكون سفرهم لهذا الغرض وينبغي أن يقول: بدله لم لا ترتب على سفرهم ذلك إلا أن تكون اللام في قوله لذلك للعاقبة كلام ناشئ من قلة التدبر ويجوز أن يكون الاستفهام للإنكار أو التقرير فتأمل. قوله: (فتكون (منصوب في جواب الاستفهام أو النفي وقوله ما يجب الخ هو مفعول يعقلون المحذوف لدلالة المقام عليه اختصاراً ومن التوحيد بيان لما وبما متعلق بيعقلون والاستدلال عطف تفسير للاستبصار وما يجب أن يسمع مفعول يسمعون وبحال متعلق بالتذكير ولم يذكر الأعين لأنها لا عبرة بها مع عمي القلب. قوله: (الضمير للقصة (يعني أنه ضمير شأن مفسر بالجملة بعده وأنث باعتبار القصة فإنه يجوز تذكيره وتأنيثه بدليل أنه قرئ فإنه في الشواذ أو هو ضمير مبهم يفسره الأبصار وكان أصله فإنها الأبصار لا تعمى على أنه خبر بعد خبر فلما ترك الخبر الأوّل أقيم الظاهر مقام الضمير لعدم ما يرجع إليه ظاهراً فصار فاعلا مفسراً
للضمير. واعترض عليه أبو حيان بأنه لا يجوز لأن الضمير المفسر بما بعده محصور في أمور ليس هذا منها وهي باب رب ونعم الأعمال والبدل والخبر وضمير الشأن كما صرح به النحاة. فما قيل إنه ليس بمحصور وانه يلزم تأخير المفسر للضرورة وحقه التقديم وهم ورد بأنه من باب المبتدأ والخبر نحو وان هي إلا حياتنا الدنيا ولا يضره دخول الناسخ عليه فهو غفلة كما قيل وفيه نظر. قوله: (عن الاعتبار (متعلق بتعمي والمشاعر الحواس الظاهرة وإيفت بكسر الهمزة والياء التحتية والفاء مجهول آفه إذا أصابه بآفة فهو مؤف وايف كقيل فعله المبني للمفعول. قوله: (وذكر الصدور للتثيد الخ (فهو مثل يقولون بأفواههم وطائر يطير بجناحيه كذا قال الزجاج: وقال الزمخشري إنه لزيادة التصوير والتعريف ليتقرّر أن مكان العمي هو القلوب لا الإبصار كما نقول ليس المضاء للسيف ولكنه للسانك الذي بين فكيك فقولك الذي بين فكيك تقرير لما ادعيته للسانك وتثبيت لأن محل المضاء هو هو لا غير وكأنك قلت ما نفيت المضاء عن السيف وأثبته للسانك فلتة ولا سهواً مني، ولكن تعمدت به إياه بعينه تعمداً فقال: بعض شراحه التوكيد في يطير بجناحيه لتقرير معنى الحقيقة وأن المراد بالطير المتعارف وفي تعمي القلوب التي في الصدور لتقرير معنى المجاز وأن العمي مكانه القلب البتة. واليه أشار المصنف وظاهره ينافي قول المصنف نفي التجوّز الموافق لكلام الزجاج ولا منافاة بينهما عند التحقيق فإن توصيف القلوب واللسان بما ذكر يدل على أن المراد بها ظاهرها لكن ما وصفت به كالعمي والمضاء ليس حقيقة إلا بطريق الادعاء فهو لنفي التجوّز عن القلوب وتقرير التجوز في الصفة المثبتة له وإليه أشار المصنف رحمه الله بقوله وفضل التنبيه الخ ومنه يعلم ما في كلام الشارح فتدبر. قوله: (قيل لما نزل الخ (لعل تمريضه لعدم ثبوته عنده لأنّ ابن أم مكتوم رضي الله عنه لا يخفى عليه مثله لا لأن التخصيص يأباه المقام والسياق لأن خصوص السبب لا يخصص لكنه قيل عليه إنه يقتضي أن يكون المعنى لا تعمي الأبصار في الآخرة. ولكن تعمي القلوب ويرده قوله: {قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا} [سورة طه، الآية: 25 ا] وأجيب بأن كون المعنى ما ذكر يأباه قوله: فإنها الخ ولا يقتضيه ما ذكر من سبب النزول بل هو يقتضي كون المعنى لا تعمي الأبصار في الدنيا فإن عماها ليس بعمي في الحقيقة في جنب عمي القلب فلا اعتبار به، ولكن تعمي القلوب وابن أتم مكتوم رضي الله عنه ليس أعمى القلب فلا يدخل تحته ومن كان في هذه أعمى أي أعمى القلب فهو في الآخرة أعمى أي أعمى البصر لأن فيها تبلى السرائر. وهذا المعنى لا يأباه قوله لم حشرتني أعمى بل يوافقه ومن لم يتنبه له أجاب عنه بأنه لا يتعين قوله أعمى لإرادة أعمى البصر لما سبق من تفسيره بعمي القلب. وابن أثم مكتوم رضي الله عنه صحابيّ معروف. قوله: (ويستعجلونك! هو خبر لفظا واستفهام
وإنشاء معنى وقوله لامتناع الخلف في خبره بناء على أن الوعيد والوعد خبر فلو أخلف لزم الكذب عليه تعالى وهو محال وأما وقوعه في حق العصاة مع قوله لا يبدل القول لدفي فلأن المراد بمثله الأحني ر عن اش! اقه لا عن إيقاعه أو هو مشروط بعدم العفو لقوله: {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء} [سورة طه، الآية: 48] فإن قيل إنه إنشاء فلا إشكال وقوله: فيصيبهم الفاء فيه سببية وقوله(6/302)
لكنه صبور فليس التأخير للعجز ولا للإهمال. قوله: (بيان لتناهي صبره (يعني أنه لما ذكر استعجالهم وبين أنه لا يتخلف ما استعجلوه وإنما أخر حلما وصبرا منه إشارة إلى تناهي صبره أي بلوغه النهاية لا انتهاؤه ونفاده وهو يرد بهذا المعنى أيضا لأن اليوم ألف سنة عنده فما استطالوه ليس بطويل بالنسبة إليه بل هو أقصر من يوم. فلا يقال إن المناسب حينئذ أن ألف سنة كيوم والقلب لا وجه له هنا والتأني التمهل وعدم العجلة والاسم منه الأناة وههنا فائدة في شروح الكشاف في قوله وهو سبحانه حليم لا يعجل ومن حلمه ووقاره واستقصاره المدد فقال: في الانتصاف الوقار المقرون بالحلم يفهم منه لغة قال: سكون الأعضاء وطمأنينتها فلا يجوز اطلاقه على الله كالتؤدة والتاً ني والأناة وكذا في الانصاف قال: وأما قوله ما لكم لا ترجون الله وقارا فهو بالعظمة ولذا أسقطه المصنف لكنه غفل عن التأني فيلزمه تركه فافهم. قوله: (أيام الشدائد مستطالة (أي تعد طويلة كما قيل:
تمتع أيام السرور فإنها قصار وأيام الهموم طوال ...
وقوله بالياء أي في قوله: تعدون لموافقة قوله يستعجلونك وعلى المشهورة فيه التفات.
قوله: (وأقيم المضاف إليه الخ (أما قيامه مقامه في الإعراب فظاهر وأما في إرجاع الضمائر ففيه نظر لأن الظاهر أنها راجعة للمضاف المقدر وكذا الأحكام فهو يقتضي أن يكون مجازاً إلا أن يقال إنه بناء على الظاهر وأما التعميم فلأن نسبته إلى المحل يقتضي شمول جميع ما فيه والتهويل من جهة لحوق ما ذكر بسبب من فيه لمحله. وأنه يعذب بما نزل بهم الجماد فضلا عنهم. قوله: (وإنما عطف الأولى بالفاء الخ (يعني أن الأولى أبدلت من جملة مقرونة بها فأعيدت معها لتحقيق البدلية وهذه ليست كذلك بل هي جمل متناسفة ولم يقصد ترتب بعضها
على بعض فناسب عطفها بالواو وقيل الواو فيها وفيما قبلها اعتراضية والاعتراض لا يخلو من الاعتراض وقيل الجملة الأولى مرتبة على ما قبلها بخلاف هذه وقوله: لعادته وهي الاستدراج والصبر وقوله: كما أمهلتكم ومثلكم إشارة لأنه وعيد بأن يحل بهم ما حصل بهم. قوله: (وإلى حكمي مرجع الجميع) فيه إشارة لمضاف مقدر في إليّ وأن الألف واللام في المصير عوض عن المضاف إليه أو استغراقية. ويحتمل أنه بيان لحاصل المعنى والجميع إما جميع الناس أو جميع أهل القرية وتقديم إلى للحصر والفاصلة. قوله: (أوضح لكم ما أنذركم به (الإيضاج معنى قوله مبين والحصر ليفيد أنه ليس بيده إيقاع ما استعجلوه بل الإنذار به ولذا اقتصر عليه وعموم الخطاب في يا أيها الناس لشموله للكافرين والمؤمنين. وقوله: لأن الخ تعليل للاقتصار، وقوله وإنما ذكر المؤمنين توطئة لما بعده، وقد جوّز تخصيصه بالمشركين والمراد بالمؤمنين من آمن منهم ورجع عن كفره أو ذكرهم استطرادي ويجوز حمل كلام المصنف عليه ولا مانع منه، وقوله زيادة في غيظهم يشير إلى أنه بحسب المآل إنذار وقيل الآية واردة لبيان ما يترتب على الإنذار من انتفاع من قبله وهلاك من رذه كأنه قيل أنذر يا محمد هؤلاء الكفرة وبالغ فيه فمن قبل وآمن فله ثواب عظيم ومن دام على كفره فقد أديت حقك فقاتلهم ليعذبهم الله في الدنيا بالقتل وفي الآخرة بالعذاب. وذكر القتل وان لم يكن له ذكر هنا إشارة إلى أن الآيات مرتبطة بقوله: أذن للذين يقاتلون الخ. وان بعد ذكره فلا يرد عليه أنه لا دلالة عليه في النظم مع أنّ عدم ذكر المنذر به للتعميم فيه فيشمل عذاب الدارين. وقيل المنذر به قيام الساعة لأن بعثته من المنذرات كما قال صلى الله عليه وسلم: " أنا النذير العريان " والخطاب عام للمؤمن والكافر ولا مانع منه ما توهم وكون المؤمنين لا ينذرون لا سيما وفيهم الصالح والطالح مما لا وجه له والاشتغال بمثله من الفضول. وقوله: ندر بالنون ودال مهملة أي ظهر وصدر منهم من قولهم ندر فلان من بلده إذا خرج أو المراد صدر على طريق الندور بيان لا غلب حال المؤمنين وهو غلبة حسناتهم على سيئاتهم وإنما ذكره لئلا ينافي قوله عملوا الصالحات لأن من ان عمله كذلك لا ذنب له يغفر. قوله: (هي الجنة (فسره بها لوقوعه بعد المغفرة وتسميتها رزقا لأنه
بمعنى عطاء والكريم بمعنى الفائق في صفات غير(6/303)
الآدميين كما أشار إليه وقوله بالردّ والإبطال لأنه يقال سعى في أمر فلان إذا أصلحه أو أفسده بسعيه فيه. قوله: (مسابقين مشاقين (يعني أنه حال من الضمير والمعاجزة بمعنى المسابقة مع المؤمنين على طريق الاستعارة للمشاقة لهم ومعارضتهم فكلما طلبوا إظهار الحق طلب هؤلاء إبطاله كما يقال جاراه في كذا قال تعالى: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَن يَسْبِقُونَا} [سورة العنكبوت، الآية: 4، وقوله: فأعجزه وعجزه فهو مطاوعه وقوله: لأن الخ توجيه لتسمية المسابقة معاجزة لا بيان لأنه مجاز فيها كما يعرف من اللغة وقراءة أبي عمرو معجزين بالتشديد والباقون قرؤوا معاجزين، وقوله: على أنه حال مقدّرة أي على قراءة معجزين لأن التعجيز المطاوع بمعنى السبق وهو لم يحصل لهم وإنما قدروه كذا قيل. ورد بأن الحال المقدرة فسرها النحاة كما في المغني بالمستقبلة كادخلوها خالدين والتعجيز لم يقع في المستقبل غايته أنهم قدروه وزعموه ومثله لا يسمى حالاً مقدرة ودفعه يعرف بالتأمل فيه وكذا ما قيل إنه يجوز أن يكون حالاً مبينة بناء على زعمهم ولا يخفى أنه لا يناسب لأن السبق إنما يكون بعد السعي كما قيل:
والسبق يعرف آخر الميدان
نعم إذا كان بمعنى التثبيط أو النسبة إلى العجز وهو المناسب لقوله: {يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ} لم تكن مقدرة ومن في من قبلك ابتدائية وما بعدها زائدة. قوله: (الرسول من بعثه الله بشريعة مجدّدة الخ (في الفرق بين الرسول والنبيّ أقوال منها ما ذكره المصنف رحمه الله وهي ظاهرة وإنما الكلام فيما أورد هنا من الاعتراضات والنقوض منها ما أورد على المصنف رحمه الله أنه قال في سورة مريم أن الرسول لا يلزم أن يكون صاحب شريعة فإن أولاد إبراهيم عليه الصلاة والسلام كانوا على شريعته ومنهم رسل. ورد بأنه مشى على قول المرضيئ هنا وذكر ما ذكر ثمة تبعا لغيره مع إشارة ما إلى توجيهه، فإنه يجوز أن يراد برسولاً ثمة معناه العامّ ونبيا بيان له على وجه التأكيد كما أنه مؤكد له إذا أريد به معناه الحاصل أيضا. وقيل الرسول من بعث إلى قوم بشريعة جديدة بالنسبة إليهم وان كانت الشريعة غير جديدة في نفسها كإسماعيل عليه الصلاة والسلام إذ بعث لجرهم أوّلاً لكن حمل كلام المصنف رحمه الله عليه بعيد. وقيل الرسول من له تبليغ في الجملة وإن كان بياناً وتفصيلاً لشريعة سابقة والنبيّ من لا
تبليغ له أصلاً وهو قول مشهور وارتضاه كثير من العلماء، وفي هذا المقام كلمات كثيرة أكثرها مضطرب. وقوله: ولذلك شبه الخ أي لكون علماء هذه الأمة مقررين للشرع كانوا كأنبياء بني إسرائيل. قوله: (ويدل عليه (أي على أن النبيّ عائم لا على عمومه بالوجه المذكور فإن قوله الرسل منهم صريح فيه والحديث المذكور قال ابن الجوزي رحمه الله أنه موضوع وليس كما قال فإنه رواه ابن حبان والحاكم كما قاله ابن حجر وفي سنده ضعف خبز بالمتابعة، وتجفا بالمذ والقصر بمعنى كثيراً وتفصيله في باب المصدر من النحو. قوله: (وقيل الرسول من جمع الخ (هو ما ذهب إليه الزمخشري وضعفه لأنّ بينهما تباينا على هذا وصريح الحديث السابق ينافيه وكذا قوله رسولاً نبياً وأيضا عدد الكتب وهو مائة وأربعة كما روي في الحديث عن أبي ذر رضي الله عنه يأباه وتكرار النزول بعيد وأبعد منه الاكتفاء بكونه معه وإن لم ينزل عليه وأقرب منه ما قيل من له كتاب أو نسخ في الجملة وعدم نسخ إسماعيل عليه الصلاة والسلام ممنوع. قوله: (وقيل الرسول يأتيه الملك (يقظة بالوحي قائله الرازي ووجه ضعفه أنه يقتضي التباين كما مرّ. وكون بعض الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لم يوح إليه إلا مناما بعيد ومثله لا يقال بالرأي وامّا إنّ المنامات واقعة لازمة لنبينا صلى الله عليه وسلم فليس بشيء كما توهم وفي الإنصاف للعراقي إن حديث سئل عن الأنبياء رواه ابن حبان والحاكم في مستدركه من حديث أبي ذز رضي الله عنه بلفظ أربعة وعشرون ألفا وذكره ابن الجوزي ورواه أحمد واسحق وابن راهويه في مسنديهما من حديث أبي أمامة رضي الله عنه بلفظ أربعة وعشرون ألفاً وقال الرسل ثلثمائة وخمسة عشر. قوله: (إلا إذا تمنى (جملة شرطية وهي إمّا حال أو صفة أو الاستثناء كقوله: {إِلَّا مَن تَوَلَّى وَكَفَرَ فَيُعَذِّبُهُ} [سورة الليل، الآية: 6 ا] الخ وأفرد الضمير(6/304)
بتأويل كل واحد منهما أو بتقدير كما في قوله والله ورسوله أحق أن يرضوه كما مرّ وقوله زوّر في نفسه أي هيأه وقدره
وليس من الزور بمعناه المعروف كما لا يخفى ووقع في نسخة أزور أي خبئ وهو تحريف وروز بتقديم الراء وهو بمعناه الأوّل وقد ورد في حديث عمر رضي الله عنه المعروف وما يهواه ما يحبه وتشتهيه نفسه وقوله: في تشهيه ظاهره أنها مصدر وقال الراغب الأمنية الصورة الحاصلة في النفس من تمني الشيء وما مفعول ألقي مقدر ويجوز أن يكون مفعول تشهيه ويجوز أن يكون المعنى إذا تمنى إيمان قومه وهدايتهم ألقي الشيطان إلى أوليائه شبها فينسخ الله تلك الشبه ويحكم الآيات الدالة على الحقيقة ودفع الشبه.
قوله: (إنه ليغان على قلبي الخ) حديث صحيح وأطمشايخ والشراح فيه كلام طويل والغين قريب من الغيم لفظا ومعنى أن يعرض لقلبي ويغشاه بعض أمور من أمور الدنيا والخواطر البشرية مما يلزمه للتبليغ لكنها لإشغالها عن ذكر الله يعدها كالذنوب فيفزع إلى الاستغفار منها وسبعين للتكثير لا للتخصيص. قوله: (ثم يحكم الله الخ) أتى بثم لأنّ الأحكام أعلى رتبة من النسخ وفسر النسخ بإزالة ما وقع في نفسه بسبب أن يعصمه ويرشده والأحكام بتثبيت أمور الآخرة وازالة غيرها وقوله: حدث نفسه بزوال المسكنة ضعفه لأنه لا يلائم قوله: فتنة للذين في قلوبهم مرض. قوله: (وقيل تمنى لحرصه الخ) النادي بمعنى المجلس والمراد مجلس اجتمع فيه المسلمون والمشركون. وقوله: سبق لسانه سهواً هدّا غير صحيح لأنه صلى الله عليه وسلم محفوظ عن السهو بما يخالف الدين والشرع لأنّ التكلم بما هو كفر سهواً أو نسياناً لا يجوز على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بالإجماع وإذا سهاء! ي! في صلاة ونحوها كان تشريعاً حتى قال بعض المشايخ أنّ سجدة السهو في حقه لمجير سجدة شكر. وأيضا السهو بمثل هذا من كلام مسجع مناسب لسباقه ولحاقه بعيد جدا، وكونه عحير أفصح الناس فلا يقال حاله بغيره لا وجه له هنا، وقوله: ألقى الشيطان في أمنيته يأباه ظاهر الآية ولو كان كذلك قال على لسانه، وقوله: أن قال: تقديره إلى أن قال. قوله: (الغرانيق (جمع غرنوق كزنبور أو فردوس طائر مائيّ
أنه
معروف أبيض وقيل أسود كالكركي وقيل إنه الكركي ويتجوّز به عن الشاب الناعم والمراد بها هنا الأصنام لأنها لزعمهم أنها تقرّب إلى الله وتشفع شبهت بالطيور التي تعلو في السماء وترتفع، وشايعوه بمعنى تابعوه ووافقوه فيه. وقوله: في آخرها الضمير السورة النجم، وقوله: فاغتم لذلك أي بسبب ما وقع منه وعزاه بمعنى سلاه. قوله: (وهو مردود عند المحققين وإن صحأ1 () إشارة إلى عدم صحته رواية ودراية أما الأوّل فلما قال القاضي عياض إنه لم يوجد في شيء من كتب الحديث المعتمدة بسند صحيح معتمد عليه وبالغ بعضهم فقال: إنه من وضع الزنادقة وأكثر المحدثين على عدم صحته إلا ابن حجر في تخريج أحاديث الكشاف فإنه ردّ على القاضي عياض وقال إنه صحيح روى من طرق عديدة. وأمّا الثاني فلما مرّ فعلى تقدير صحته يكون خرج مخرج الكلام الوارد على زعمهم أو على الإنكار لا غير أو المراد بالغرانيق الملائكة، واجماله للابتلاء به، وأمّا كونه ابتلاء من الله ليختبر به الناس كما ذكره المصنف رحمه الله فلا يليق لأنه إن كان بسهو فقد علمت أنه محفوظ عن مثله وان كان بتكلم الشيطان واسماعه لهم فكذلك لما يلزمه من عدم الوثوق بالوحي. قوله: (وقيل تمنى قرأ (والظاهر أنه مجاز قال الراغب التمني يكون عن ظن وتخمين وقد يكون عن روية وبناء على أصل ولما كان النبيّ صلى الله عليه وسلم كثيراً ما يبادر إلى ما ينزل به الروج الأمين على قلبه حتى قيل لا تعجل بالقرآن سميت تلاوته على ذلك تمنيا 0 ونبه أنّ للشيطان تسلطاً على مثله في أمنيته وذلك من حيث بين أن العجلة من الشيطان والشعر لحسان رضي الله عنه، والرسل والترسل في القراءة الترتيل والقراءة بتؤدة وسكينة من غير سرعة. وضمير تمني لعثمان رضي الله عنه. قوله: (وإلقاء الشيطان فيها)
أي في قراءة النبي صلى الله عليه وسلم بناء على تفسير تمني بقرأ وهو بيان لوجه ضعف هذا القول لأنّ إلقاء الشيطان إن كان بتكلمه كما ذكره يرتفع الوثوق بالقرآن وضمن الوثوق معنى الاعتماد فلذا عداه بعلى(6/305)
كما أنّ وقوع السهو بمثله مخل به أيضا لأنّ من يسمعه قد لا يستمر على صحبته. حتى يقال إن استمراره على قراءته يدفع أن يكون ما صدر منه سهوا لو جوّز عليه السهو في الموحى به. وقيل معنى إلقاء الشيطان فيها إلقاء الشبه والتخيلات فيما يقرؤه على أوليائه ليجادلوه بالباطل وهو المناسب للمقام. ولا يخفى نبوّ ظاهر النظم عنه. قوله: (ولا يندفع بقوله فينسخ الله ما يلقي الشيطان الخ (جواب عما قيل من أنه لا يختل الوثوق بما يلقيه الشيطان لأنه ينبه عليه فينسخ ويزال بأنه إذا لم يوثق بالوحي لا يوثق بقوله فينسخ الله ما يلقي الشيطان فالتوهم باق كما كان. وقوله لأنه أيضاً يحتمله أي كما يحتمل غيره مما يتلوه لو جوّز تكلم الشيطان على لسانه 0 فما قيل إن قوله أيضا تشبيه لهذا القول في المردودية عند أهل الحديث بالقول السابق والا لم يصح التشبيه غفلة عن مراده، وكذا ما قيل إنّ إعجازه إذا انضتم إلى مقدار أقصر سورة يدل على أنه من الله فإنه يحتمل أن يكون الإعجاز للمجموع أو لما انضم إليه. فلا وجه لما قيل إنه ظاهر الورود ولا لقول إن مواظبته صلى الله عليه وسلم على قراءته وتلقى الصحابة عنه يدفع هذا الاحتمال لما مرّ. وقوله: والآية الخ يعني على القولين الأوّلين وفيه نظر لأنك قد عرفت أنّ مثل هذا السهو لا يجوز على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وأيضاً هو غير متعين حتى يكون دليلاً فتأمّل. قوله: (ما يلقى الشيطان) ما مصدرية أو موصولة. وقوله: علة لتمكين الشيطان إشارة إلى أنه متعلق بألقى لا بمحذوت دل عليه ألقى لأنه إذا ألقاه فقد تمكن منه، وضمير منه للإلقاء وقيل للرسول صلى الله عليه وسلم لا يقال إذا لم يقدر تمكن من إلقائه على نبينا صلى الله عليه وسلم يكون الجعل والعلم المذكوران سببين للإلقاء في أمنية الرسول والأنبياء عليهم الصلاة والسلام والعلم بان القرآن حق وليس كذلك لأنه بالنسبة للأنبياء يكفي لصحة التعليق عموم العلة الأولى وكون الثانية لبعض ما تضمنه. وقوله: أمر ظاهر كما يتعلق به سهواً أو ما يشتهيه باعتبار ما يظهر منه من اشتغاله بأمور الدنيا إذ هو بهذا الاعتبار ظاهر كما أشار إليه لا مجرّد الخواطر وحديث النفس كما مر فإنه لا يفتتن بما لم يطلع عليه، وقيل إنه إشارة إلى ضعف ما اختاره في تفسير ألقى الشيطان في أمنيته واًن الأولى التفسير بإلقاء الشبه كما مز. قوله: (شك ونفاق! قيل هذا هو المناسب لقوله تعارى في المنافقين: {فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ} وتخصيص المرض! بالقلب دليل عليه لعدم إظهار كفرهم بخلاف الكافر المجاهر. فقول بعضهم من زعم أن المراد بهذا المنافق فكأنه غافل عن أنه أقسى
قلبا من الكافر المجاهريرده أنه لو سلم فليس في كلام المصنف رحمه الله ما يمنعه إذ مرضه لا يورث رقة قلب. واعترض عليه بأنّ عدم انجلاء صدأ قلبه بصيقل المخالطة للمؤمنين يرشد إلى أنه أقسى قلبا فاندراج من دونه في القسوة دونه يأباه الذوق السليم وهذا كله من ضيق العطن فإن في مرتبة الشك ليس مثل من هو في مرتبة الجحد وإن كان أشد منه من وجه آخر ولذا قدم هنا كما مرّ في سورة البقرة وقوله: موضع ضميرهم بضم الهاء على أنّ المراد لفظه وكسرها على أنه ضمير الفريقين وقوله: قضاء عليهم بالظلم أي حكما عليهم بأنهم ظالمون أو بالفتنة بسبب ظلمهم. قوله: (عن الحق أو عن الرسول الخ (متعلق ببعيد والبعيد صاحبه فإسناده إليه مجاز كما في ضلال بعيد والشقاق والمشاقة المنافرة والعداوة كأنّ كلاً في شق غير شق الآخر. قوله: (إنّ القرآن هو الحق النازل (قدمه لأنه المناسب لقوله ولا يزال الذين كفروا الخ وكونه علة لتمكين الشيطان من الرسل باعتبار اندراجه فيهم فلا يرد عليه أن التخصيص يأباه قوله: من رسوله ولا نبيّ الدال على الاستغراق. وقوله: بالقرآن أو بالله لف ونشر على التفسيرين. وقوله: يوصلهم هو وجه الشبه بين الصراط المستقيم والنظر الصحيح. قوله: (من القرآن (فمن ابتدائية ومما ألقى من فيه ابتدائية أو تعليلية. وقوله: يقولون بيان لافترائهم فيه والمراد بذكرها أي الأصنام بخير قوله تلك الغرانيق العلا. قوله: (حتى تأتيهم الساعة بغتة (هو مع ما بعده غاية لامتراء الكفار كلهم أو جنسهم على التوزيع. وقوله: القيامة هو على ظاهره لأنه يتبين فيه زوال المرية لكل أحد ويؤيده قوله الملك يومئذ الحق كقوله: {لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ} [سورة غافر، الآية: 6 ا] وإذا أريد بها الموت(6/306)
فالتعريف للعهد في الساعة واختصاص الملك بالله حينئذ لنفاذ حكمه فيه دون غيره والتقسيم حينئذ باعتبار حالهم من الإيمان أو الكفر وقيل المراد بالساعة الموت فإنه من طلائعها ضرورة أن منهم من لا يبقى إلى قيام الساعة بل تزول مريته بالموت وقيل إذا أريد بها القيامة أو أشراطها فالمراد بالذين كفروا الجنس والآية تتضمن الأخبار عن بقاء الجنس إلى القيامة لكن لا يصح مقابله قوله: {أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ} الخ فإنه ليس غاية لزوال مرية الجنس إلا أن يعود الضمير استخداما للكفرة المعهودين كما إذا أريد بها الموت ولا يخفى ما فيه من التكلف. وأمّا إذا أريد الإشراط فهو مجاز أو بتقدير مضاف وقد عرفت ما فيه. قوله:
) سمي به الخ (يعني أنّ حقيقة العقم عدم الولادة لمن هو من شأنه واليوم ليس كذلك فجعله عقيما مجازا ما في الطرف أو الإسناد بأن يراد بالعقم الشكل استعارة وعليه اقتصر المصنف أو مجازاً مرسلا بإرادة عدم الولد مطلقاً وإسناده إلى اليوم مجاز لأنه صفة من هو فيه من النساء وهذا سماه أهل المعاني المجاز الموجه من قولهم: ثوب موجه له وجهان. قوله: (أو لأنّ المقاتلين أبناء الحرب) أي عرف تسميتهم بأبناء الحرب لملازمتهم لها كما يقال ابن السبيل وأبناء الزمان والعقم مجاز عن الثكل أيضا لكنه شبه فيه يوم الحرب بالنساء الثكالى والمقاتلون بأبنائها تشبيها مضمراً في النفس ففيه استعارة مكنية وتخييلية والإسناد مجازي أيضا والتجوّز لا يمنع التخييل لأنه على حد قوله ينقضون عهد الله. قوله: (أو لأنه لا خير لهم فيه (فالاستعارة تبعية في عقيم متفرّعة على مكنية شبه ما لا خير فيه من الزمان بالنساء العقم كما شبهت الريح التي لا تحمل السحاب ولا تنفع الأشجار ببردها حتى تثمر بها بتلك. قوله: (أو لأنه لا مثل له الخ (فالاستعارة تبعية أيضا جعل اليوم لتفزده عن سائر الأيام كالعقيم كأن كل يوم يلد مثله فما لا مثل له عقيم وعلى هذا يصح أن يراد به يوم بدر وتفرده بقتال الملائكة عليهم الصلاة والسلام فيه أو يوم القيامة كما أشار إليه المصنف وتفرّده ظاهر ولا يلزم إفحام الكاف في قوله كيوم بدر أو لأنه كما قال الجوهرفي قيل: ليوم القيامة عقيم لأنه لا يوم بعده كما قال:
إنّ النساءبمثله لعقيم
قوله: (او يوم القيامة (عطف على قوله يوم حرب وهو مجاز كما في الوجه الثالث والرابع وإنما قال على أنّ المراد بالساعة غيره للعطف باو والظاهر أن غيره الموت أو الإشراط فالمعنى مريتهم مغياة بأحد الأمرين والأوّل بالنسبة لمن يموت قبل يوم القيامة، والثاني بالنسبة لمن بقي له ولو على الفرض إذ المراد عدم زوال شكهم فلا حاجة إلى أن يقال أو لمنع الخلو حتى يتكلف له ما لا داعي له ولا يرد أن عذاب يوم القيامة ليس غاية للمرية. قوله: (أو على وضعه موضع ضميرها للتهويل (أي يجوز أن يراد بالساعة يوم القيامة ويوم عقيم وضع موضع الضمير للتهويل والتخويف منه لأنه بمعنى شديد لا مثل له في شذته وأو في محلها التغاير اليوم وعذابه وهي لمنع الخلو ولا محذور فيه. قوله: (أي يوم تزول مريتهم (تفسير للجملة التي دلت عليها الغاية وقدره الزمخشري يوم يؤمنون لأنه لازم لزوال المرية واختصاص الملك به إن أريد
به يوم القيامة ظاهر وكذا أشراطها لأنها في حكمه وكذا إن أريد الموت كما مرّ لكن موله يحكم بينهم ظاهر في الأوّل لأنه يوم الجزاء وكذا ما بعده وقوله يعم المؤمنين والكافرين لذكرهما أولاً وأن كان ذكر الكافرين قبله ربما يوهم تخصيصه بالكافرين وهذه الجملة إمّا حال أو مستأنفة. قوله: (وإدخال الفاء في خبر الثاني الخ) فالثواب محض إحسان وفضل ولا ينافيه قوله: {فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ} وقوله: بما كانوا يعملون لأنها بمقتضى وعده على الإثابة عليها قد تجعل سبباً فلا حاجة إلى جعل الباء في الثاني للمقابلة لمخالفته للظاهر وقوله مسبب عن أعمالهم المستوجبة لعقابهم ولذلك جيء بأولئك للإشارة إلى المتصفين بتلك الصفات وقيل لهم بلام الاستحقاق وكان الظاهر في عذاب مهين كما قيل في جنات النعيم. وقول المصنف هم في عذاب كان الظاهر حذف هم. وقوله: في الجهاد قيده به لأنه هو الممدوح مع أنّ المقام يقتضيه. قوله: (الجنة ونعيمها الخ اليرزقنهم جواب قسم والقسم وجوابه خبر أو مقول قول هو الخبر على خلاف بين النحاة والأصيح الأوّل. وفسر الرزق الحسن بالجنة ونعيمها ولا لجضرّه تكرّره مع ما بعده(6/307)
إن لم نقل إنه يدل على ما لا يدلّ عليه من كونها مدخلاً مرضيا لأنّ الرضا غير معلوم فيما سبق لأنه بدل منه مقصود به تأكيده أو استئناف مقرّر لمضمونه. وأمّا ما قيل من أنّ المراد بالرزق الحسن ما لهم في البرزخ قبل دخول الجنة لأنّ الرزق الحسن فيها لا اختصاص له بمن هاجر أي خرج من وطنه مجاهدا في سبيل الله من المؤمنين. فقد رد بأنه لو صح ما ذكره لم يصح أن يراد بالمدخل الجنة إذ لا اختصاص فيه أيضا مع أنه ممنوع فإنّ تنكير رزقا ومدخلا يجوز أن يكون للتنويع وذلك النوع مختص بهم وهو مما لا وجه له فإنّ وعد من لا يخلف الميعاد المقترن بالتأكيد المسمى بالجنة ونعيمها ودخولهم على ما يحبون ويرضون فيه من التشريف لهم والتبشير ما لا يخفى. والاختصاص وعدمه مما لا حاجة إلى التعرّض له. ولذا قالءلجرو: " حولها ندندن " والتنويع وادعاء أق المدخل درجاتهم المخصوصة بهم مما لا حاجة إليه كما يشهد به تفضيل المبشرين من الصحابة رضي الله عنهم فافهم. قوله: (سوى بين
من قتل (أي في أجر الجهاد وان كانت رتبة الشهادة رتبة علية. وقوله: لاستوائهما في القصد هو نية إعلاء كلمة الله بالجهاد في سبيله وأصل العمل هو الجهاد المذكور المقصود بالمهاجرة. والمدخل اسم مكان أو مصدر ميمي. وقوله: بأحوالهم وأحوال معاهدهم وفي نسخة معاديهم وهي مناسبة لذكر الحليم بعده وهذا مناسب لما قبله. وأمّا حليم فذكره هنا ليأخذ بحجزته ما بعده وما قبله إذ لم يعاقب عاجلا قتلة المجاهدين في سبيله فتأمّل. وقوله: ذلك أتى به للاقتضاب كما مرّ وأشار المصنف إلى أنه خبر مبتدأ محذوف وأنّ الله إظهار في مقام الإضمار للإشارة إلى أنه من مقتضى الألوهية. قوله: (ولم يزد في الاقتصاص) إشارة إلى أنه ابتداء لا تعلق له بما قبله سوى تضمن كل منهما للقتل ولذلك أتى بذلك ومن موصولة أو شرطية مد جواب القسم مسذ جوابها وباء بمثل آلية لا سببية لئلا يتكزر مع قوله به وقوأ، وإنما سمي الابتداء بالعقاب وهو في الأصل شيء يأتي عقب شيء ولذا اختص بالجزاء فإطلاقه على ما وقع ابتداء للمشاكلة وهي المرادة بالازدواج أو لأن الابتداء لما كان سبباً للجزاء أطلق كليه مجازاً مرسلا بعلاقة السببية. وقوله: لا محالة من تأكيد القسم. قوله: (للمنتصر (إشارة إلى أن لينصرنه في معنى الجزاء والجواب لمن وقوله حيث اتبع هواه إشارة إلى بيان مناسبته لما قبله فإنّ الظاهر أن يقال فإنّ الله ينصر المظلومين. ونحوه لأنه لم يذنب حين اقتص حتى يغفر الله له لأنّ العفو ممدوج مندوب إليه فترك الأولى كأنه ذهب مغفور وقيل إن المماثلة من كل الوجوه متعسرة فيعفى ما وقع ف! يها وقيل إنها نزلت في قوم قاتلهم المشركون في المحرّم فقاتلوهم وقيل: إنّ فيه تقديما وتأخيراً أي من عاقب بمثل ما عوقب به إن الله لعفو غفور فلا يكون على ترك الأفضل ثم إذا بغى على المظلوم ثانيا لينصرنه على من ظلمه ولا حاجة إليه. قوله: (وفيه تعريض بالحث الخ) يعني أنه كناية تعريضية لأنّ الله إذا عفا مع أنه منتقم قدير كان اللائق بعباده ذلك وتعالى بصيغة المصدر وملازمة القدرة وعلوّ الشأن للانتقام ظاهرة فإنّ العاجز لا يقدر على الانتقام والسافل لعدم غيرته قد لا ينتقم ومثل هذه الملازمة تكفي في عرف البلاغة وعادة التخاطب فلا يرد أنه ملازمة وإنّ الظاهر أن يقال إنه تعالى يعفو عمن خلقة ورزقه ورباه وان عصاه فغيره أولى وللحث جعل ترك العفو المندوب كالذنب العظيم كما تلوح إليه صيغة المبالغة في قوله عفؤ غفور فمن قال إنها لا تناسب كونه مندوبا ل! ايصب. قوله: (أي ذلك النصر) يعني أنّ الإشارة
إلى المصدر الدال عليه قوله لننصرنه والباء في قوله بأنّ الله سببية وأن السبب ما دلّ عليه قوله تعالى: {يُولِجُ اللَّيْلَ} الخ بطريق اللزوم من القدرة على تغليب الأحوال وتغليب بعض على بعض في العادة الإلهية وأما كون النصر بتعاقب الليل والنهار وتناوب الأزمان والأدوار إلى أن يجيء الوقت المقدر للانتصار فلا محصل له ما لم يلاحظ قدرة الفاعل لذلك وفي الكشاف أو بسبب أنه خالق الليل والنهار ومصرفهما فلا يخفى عليه ما يجري فيهما على أيدي عباده من الخير والشرّ. ومآله إلى أنه تعالى عليم خبير وقد أفاده قوله وإن الله سميع بصير ولذا تركه المصنف رحمه الله وكذا جعل الإشارة للعفو والمغفرة(6/308)
والسبب أنه لم يؤاخذ الناس بذنوبهم فيجعل الليل والنهار سرمدا فيتعطل المصالح فإنه مع كونه لا يناسب السياق وقوله: وإنّ الله سميع بصير قد قيل عليه إنّ المؤاخذة بالذنوب لا تنحصر في الجعل المذكور فلا يلزم من انتفائه انتفاؤها وأنه كان المناسب أن يقول بدله جعل الليل الخ كقوله أرأيتم إن جعل الله عليكم الليل سرمدا وفيه نظر والمداولة تعاقبهما والملوان الليل والنهار مثنى ملا بالقصر وقوله: بأن تفسير للإيلاج فإنه ليس المراد به ظاهره والمراد مقدار ما ينقص منه لا عينه فهو على طريق الاستعارة لأنه بإيلاج شيء في شيء يزيد المولج فيه وينقص الاخر أو يذهب في رأي العين أو بحصول أحدهما في مكان الاخر وقد مرّ تفصيله وتخصيص السمع والبصر بما ذكر بمقتضى المقام ولو أبقى على عمومه صح والمبالغة في الكم والكيف لكثرة متعلقهما وعدم تفاوتهما بالسرّ والجهر والنور والظلمة وعدل عن إيلاج أحد الملوين في الآخر وهو أخصر للدلالة على استقلال كل منهما في الدلالة على كمال القدرة. قوله: (الوصف بكمال القدرة والعلم) يعني الإشارة إلى ما دل عليه الكلام السابق من كمال القدرة الدال عليه قوله: يولج الليل في النهار وكمال العلم الدال عليه قوله: سميع بصير وقوله: الثابت في نفسه أي لا كالممكن الثابت بغيره. وقوله: الواجب لذاته إمّا تفسير له أو تعليل له فإن الواجب يلزم أن يكون وجوده من ذاته. قوله: (وحده (مأخوذ من ضمير الفصل مع تعريف الطرفين وقوله: فإن وجوب وجوده الخ بيان لكون كمال قدرته وعلمه ثبت بوجوبه الذاتي ووحدانيته لأنهما يستلزمان أن يكون هو الموجد لسائر المصنوعات فيدل على القدرة التامّة وأمّا كونه بالإيجاب فقد أبطل في الأصول ومن صدرت عنه جميع المصنوعات البديعة لا بد من علمه بسائر الموجودات على ما بين في الكلام. ووجوب الوجود لا يدل على الوحدة ولا يستلزمها وان كان لا يكون إلا كذلك بالدلائل العقلية والسمعية كما مز
وقوله: سواه ليس فيه إشارة إلى أن وجوده عينه لئلا يكون مبدأ لنفسه إذ يجوز أن يكون لا عينا ولا غيراً أو أن يكون غير موجود. قوله: (أو الثابت الإلهية) معطوف على قوله الثابت في نفسه فهو تفسير آخر لقوله هو الحق وقوله: ولا يصلح الخ بيان لإثباته لكمال القدرة والعلم واستلزامه للعلم لما مرّ وقوله: عالما في نسخة بذاته وقوله: يدعون إمّا من الدعاء أو بمعنى يسمون والها مفعوله المقدر. قوله: (على مخاطبة المشركين) وخطاب ذلك لمن يلقى له الكلام أو لكل واحد وقوله: فتكون الواو أي ضمير العقلاء باعتبار معنى ما وأنها آلهة منزلة منزلة العقلاء على زعمهم. وقوله: المعدوم في حدّ ذاته لأنّ ذاته لحدوثها تقتضي العدم لقوله تعالى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} . أو المراد بطلان ألوهيته فهو مقابل للحق بتفسيريه والحصر ليس بمراد هنا أو هو باعتبار كمال بطلانه فتأمّل. قوله: الا شيء أعلى منه شأناً (إشارة إلى أنّ الكبر ليس جسمانياً والعلوّ ليس مكانياً ثم إنه على تفسيره يكون المعنى على نفي الأعلى وا! بر والمساوي فإنه يدل على ذلك في العرف كما في قولهم: ليس في البلد أفقه من زيد مثلا. وقد مرّ تحقيقه فلا وجه لتغيير عبارة المصنف بعن أن يساويه شيء فضلاَ عن أن يكون أعلى شأنا وأكبر سلطانا. ولما كان العليّ والكبير صيغة مبالغة فسرها بما يناسبها ولم ينف العلوّ والكبر عن غيره مطلقاً لوجود من له ذلك من مخلوقاته كالأنبياء عليهم الصلاة والسلام وان كان كل علوّ وكبر عنده كالعدم لأنه الموافق لمنطوقه ولنفس الأمر فلا يرد أنّ كلام المصنف يوهم أصل العلوّ والكبر فيما سواه ومدلول الآية حصرهما في الذات الجليلة فالمناسب أن يقول فكل شيء سواه تحت أمره وقهره سافل حقير كما توهم. قوله: (استفهام تقرير ولذلك رفع) إذ لو نصب أعطي ما هو عكس الغرض لأنّ معناه إثبات الإخضرار فينقلب بالنصب إلى نفي الإخضرار كما تقول لصاحبك: ألم تر أني أنعمت عليك فتشكر إن نصبت فأنت ناف لشكره شاك تفريطه وان رفعته فأنت مثبت للشكر. قال أبو حيان: لم يبينوا كيف يكون النصف نافيا للإخضرار ولا كون المعنى فاسداً وقال سيبوبه: سألت الخليل عنه فقال: هذا واجب كأنك قلت: أتسمع إنزال الله من السماء ماء فكان كذا وكذا(6/309)
قال ابن خروف قوله: هذا وأجب وقوله: فكان كذا وكذا يريد أنهما ماضيان وفسر الكلام بأتسمع يريد أنه لا يحصل بالاستفهام لضعف حكم الاستفهام فيه. وفي نسخة الكتاب
المشرقية عوض أتسمع أنثبت وفي بعض شروح الكتاب فتصبح لا يمكن نصبه لأنّ الكلام واجب، ألا ترى أنّ المعنى إنّ الله أنزل بأرض هذه حالها. وقال الفراء ألم تر خبر كما تقول في الكلام إن الله يفعل كذا فيكون كذا وقال أبو حيان إنما امتنع النصب جوابا للاستفهام هنا لأن النفي إذا دخل عليه الاستفهام وان كان يقتضي تقريراً في بعض الكلام هو معامل معاملة النفي المحض في الجواب ألا ترى قوله تعالى: {أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى} [سورة الأعراف، الآية: 172] وكذلك الجواب بالفاء إذا أجبت النفي كان على معنيين في كل منهما ينتفي الجواب فإذا قلت ما تأتينا فتحدثنا بالنصب فالمعنى ما تأتينا محذثا إنما تأتينا ولا تحدث ويجوز أن يكون المعنى إنك لا تأتي فكيف تحدّثنا فالحديث منتف في الحالتين والتقرير بأداة الاستفهام كالنفي المحض في الجواب يثبت ما دخلته همزة الاستفهام وينتفي الجواب فيلزم من هذا الذي قررناه إثبات الرؤية وانتفاء ألاخضرار وهو خلاف المقصود وأيضا فإن جواب الاستفهام ينعقد منه مع الاستفهام السابق شرط وجزاء وهنا لا يقدر أن تر انزال المطر تصبح الأرض مخضرّة لأن اخضرارها ليس مترتبا على علمك أو رؤيتك إنما هو مترتب على الإنزال. وقال الحلبي: قوله فإنّ جواب الخ متفرّع من قول أي البقاء إنما رفع الفعل هنا وإن كان قبله استفهام لأمرين أحدهما أنه بمعنى الخبر فلا يكون له جواب الثاني أن ما بعد الفاء ينصب إذا كان المستفهم عنه سببا له ورؤيته لا توجب الاخضرار إنما يجب من الماء هذا زبدة ما في الكتاب والبحر ومنه علم أنّ الرؤية يجوز كونها بصرية وعلمية نظراً للماء المنزل خلافا لمن مغ الأوّل لأنّ إنزال الله لا يرى فمن جوّز النصب بتقدير إن لم يصب وما قيل من أنّ الاستفهام الداخل على النفي نفي فهو إثبات ردّ باقتضائه الاستقبال وهو غير صحيح كما مرّ وكونه مسبباً عن النفي أو مكتفى فيه بما يشبه السبب فما مرّ في الكتاب يأباه. وإذا عطف على أنزل فالعائد مقدر أي بإنزاله أو يقال الفاء سببية لا عاطفة فلا يحتاج إلى العائد كما في أمالي ابن الحاجب لكن هذا لا يصلح توجيهاً لكلام المصنف فالصواب أنها عاطفة مغنية عن الرابط كما صرّح به ابن هشام في المغني والتعقيب فيها حقيقيّ أو عرفيّ أو هي لمحض السبب فلا تعقيب فيها.
قوله: (يصل علمه) إشارة إلى ما قاله الراغب من أنّ اللطيف ضد الكثيف وقد يراد به ما
لا تدركه الحاسة فيصح أن يكون وصفه تعالى به على هذا الوجه. وأن يكون لمعرفته بدقائق الأمور وأن يكون لرفقه بالعباد في هدايتهم وفي غير ذلك. قوله: (بالتدابير الخ) هذا بناء على أنه من الخبرة وهي معرفة بواطن الأمور ويلزمه معرفة ظواهرها وقوله خلقا وملكا إشارة إلى أنّ
اللام للاختصاص التام فيشملهما فليس فيه جميع بين الحقيقة والمجاز كما يتوهم. وقوله في ذاته إشارة إلى أنّ الحصر باعتبار الغنى الذاتي. وقوله: عطف على ما فجملة تجري حال وإذا عطف على اسم إنّ فهو خبر والواو عطفت الاسم على الاسم والخبر على الخبر وإذا رفع فهو مبتدأ خبره ما بعده والجملة مستأنفة أو حالية واليه أشار بقوله حال منها أو خبر أي على الاحتمالين الأخيرين. قوله: (من أن تقع أو كراهة أن تقع) إشارة إلى أنّ أن تقع على حذف حرف الجرّ وهو من فهو في محل نصب أو جز على القولين أو في محل نصب على أنه مفعول له والبصريون يقدرون في مثله كراهة أن تقع والكوفيون لئلا تقع وجوّز فيه أن يكون في محل نصب على أنه بدل اشتمال من السماء أي ويمنع وقوع السماء ورد بأنّ الإمساك بمعنى اللزوم يتعدى بالباء وبمعنى الكف بعن وكذا بمعنى الحفظ والبخل كما في التاج، وأمّا بمعنى المنع فهو. غير مشهور وليس بشيء لأنه مشهور مصرّج به في كتب اللغة. قال الراغب: يقال أمسكت عنه كذا أي منعته قال تعالى: {هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ} وكني عن البخل بالإمساك انتهى. وبه صزج المصنف رحمه الله والزمخشري في تفسير قوله: {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَن تَزُولَا} [سورة فاطر، الآية: 41] فلا وجه لما ذكره. وقوله متداعية أي مقتضية له مجاز من التداعي بمعناه المشهور وهو إشارة إلى أنه ليس بابرلة تحس.(6/310)
قوله: (إلا بإذئه (الإذن الاعلام بالإجازة وهو في حقه تعالى يكون بمعنى التيسير أو الإرادة كما هنا والاستثناء مفرّغ من أعتم الأحوال والأوقات في الموجب لصحة إرادة العموم أو لكون يمسك فيه معنى النفي وذلك إشارة إلى وقوعها أو إذنه في وقوعها وقوله: وفيه الخ أي رد على من قال إنّ استمساكها لأمر ذاتيّ فيها لا بالاستناد إلى فاعل وممسك وهو قول من ذهب إلى قدم العالم لأن ما كان بالذات لا يزول. قوله: (فإنها الخ (بيان للرد بما برهن عليه في الكلام من أنها مشاركة لسائر الأجسام في الجسمية فتقبل ما تقبلها من الهبوط والوقوع ما لم يمنع منه مانع ولا مانع لما أراد. وقوله: لرؤوف رحيم فيل الرؤوف أبلغ من الرحيم. وقدم للفاصلة كتقديم بالناس واعترض عليه بأنه ينافي ما في التوبة من أن الرحمة أعمّ وما ذكر في تقديم بالناس أيضاً مدخول لأنه يحصل بتوسطه وان كان خلاف الظاهر فالظاهر أنه للاهتمام به لأنه المقصود لا بيان رحمته وقد أشبعنا الكلام عليه في محل آخر فراجعه. وقوله: حيث هيأ الخ إشارة إلى أنّ العقل والنظر به من النعم والى حمة العامة وأسباب الاستدلال إنزال المطر، وفرس بساط الخضر، وتسخير
المخلوقات، والفلك الجاريات، وامساك السموات. وعناصر ونطفا عطف بيان لجمادا وقوله: لجحود إشارة إلى أنه من الكفر أن لأنه المناسب للسياق. قوله: (متعبدا) يحتمل المصدر والزمان والمكان وعلى الأخيرين فالتقدير ما يكون فيه، وإذا كان بمعنى الشريعة فتقديره به وأتى بأحيا ماضياً لسبق الحياة الأولى للمخاطبين بخلاف ما بعده. وقوله: أهل دين تخصيص للأمّة بمن لهم ملة وشرع وان نسخ دون المشركين لقوله: جعلنا وإنما ذكر هذا وان مرّ توطئة لما بعده. وقوله: ينسكونه إشارة إلى أنّ المراد به الحال أو الاستمرار. وقوله: سائر أرباب الملل إشارة إلى خروج أهل ملته عنهم بقرينة الحال وقوله: في أمر الدين إشارة إلى أق تعريفه للعهد والنسائك جمع نسيكة وهي ما يتعبد به. قوله: (لآنهم بين جهال وأهل عناد (بين هنا للتقسيم كما يقال هم ما بين كذا وكذا وهذا تعليل للنهي بأنهم إمّا جهلة لا يليق بهم النزاع أو معاندون فيحرم عليهم المنازعة إن قلنا إنهم مخاطبون بالأحكام ولو في حق المؤاخذة أو لأنه أظهر من أن يقبل النزاع إن لم نقل به. قوله: (وقيل المراد نهي الرسول الخ) قيل إنه بطريق الكناية فهو كالوجه الذي بعده فإن عدم الالتفات والتمكين وعدم منازعته يستلزم عدم منازعتهم فالفرق بينهما يسير وهو أنسب بقوله: واح فلا يظهر وجه تمريضه ووجهه ظاهر لأنه خلاف ولا يظهر تعليق قوله في الأمر به والمغايرة بين الكنايتين تكفي لذكرهما إذ الأوّل نهى عن الكينونة على وصف يكون وصلة لمنازعتهم وهذا نهي عن المنازعة بعينها. قوله: (أو عن منازعتهم كقولك لا يضاربنك الخ (هذا أيضا كناية عن أحد الطرفين في باب المفاعلة بذكرهما الاستلزام الكل لجزئه. وقوله: وهذا إنما يجوز في أفعال المغالبة الخ هذا ما ذكره الزجاج في تفسيره بمعنى أنه لا يجوز في مثل لا يضربنك أن تريد لا تضربنه أمّا لو قلت لا تضاربنه جاز بأن يكون نهى أحد الفاعلين عن فعل كناية عن نهي فاعل آخر عن مثله فلا يرد على الحصر ما مرّ في سورة طه في قوله تعالى: {فَلَا يَصُدَّنَّك عَنْهَا} [سورة طه، الآية: 6 ا] أنه نهى الكافر عن الصد والمراد نهيه عن أن ينصذ إذ الانصداد مسبب عن الصذ فتأئل. توله: (وقيل نزلت في كفار خزاعة الخ) ما قتله الله هو المينة فالنزاع قولهم المذكور في النسائك، وما قيل عليه من أنه لا سبيل إليه لاستدعائه أن يكون أكل الميتة وما يدينونه من الأباطيل من المناسك التي جعلها الله تعالى لبعض الأمم لا يرتاب عاقل في بطلانه إذ معناه على هذا لا ينازعنك بعض أهل الكتاب أو من بين أظهرهم من المشركين في أمر النسائك فإن لكك ملة شريعة شرعناها وأعلمناك بها فكيف
ينازعون بما ليس له عين ولا أثر منها وهو ظاهر. قوله: (وقرئ فلا يتزعنك الخ) أي بكسر عينه وهي الزاي على أنه من باب المغالبة وهي تقال في كل فعل فاعلته ففعلته أفعله بضم العين ولا تكسر إلا شذوذاً كما في هذا وعن الكسائي أنّ ما كان عينه أو لامه حرف حلق لا يضم بل يترك على ما كان عليه والجمهور على خلافه. وقيل إنهم استغنوا بغلبته عن نزعته في هذه المادّة وعلى هذا يكون كناية عن لازمه وهو لا تقصر في منازعتهم حتى يغلبوك فيها فلذا(6/311)
كان فيه تهييج ومبالغة في تثبيته كما عرفت في مثل لا يغلبئك فلان في كذا وهو ظاً هر فليس نهيا له عن فعل غيره وكونه مطاوعا لا يدفعه كما توهم وعبر بالتثبيت لمناسبته لأصل معنى النزع وهو ال! قلع وهو مغالبة من منازعة الجدال كما صرح به الزمخشريّ ومن لم يقف على مراده قال إن المبالغة في التثبيت على الدين تناسب معنى القلع وهو المعنى المشهور للنزع لا معنى الغلبة، وقولهم استغنوا بغلبته يعنون في الأشهر كما لا يخفى وقوله: إلى توحيده بيان للمراد منه أو لتقدير مضاف فيه وقوله: طريق الخ إشارة إلى أنّ فيه مكنية وهي تشبيه الهدى بالطريق المستقيم وتخييليتها على ومستقيم أو أحدهما تخييل والآخر ترشيح. قوله: (وقد ظهر الحق ولزمت الحجة) وفي نسخة لزمته بالضمير للمجادل وهو مفهوم من كونه على هدي مستقيم لقوّة دلائله وظهور معجزاته وقوله أعلم بما تعملون كالصريح فيه وهو أن أريد به الكف عنهم فهو منسوخ بآية القتال وذكر المجازاة مرّ وجهه مرارا وقوله: بين المؤمنين الخ يعني أن الخطاب عام للفريقين وليس مخصوصاً بالكفمار كالذي قبله وليس من مقول القول ويصح أن يكون منه على التغليب. وقوله: بالثواب والعقاب لأنهم لانكشاف الحق ملزمون. وقوله: بالحجج أي ثبوت حجج المحق دون المبطل والاختلاف ذهاب كل إلى خلاف ما ذهب إليه الآخر وقوله ألم تعلم مرّ تحقيقه وذلك إشارة إلى ما في السماء والأرض وكذا ضمير كتبه وقوله: فلا يهمنك يشير إلى أنّ المقصود من ذكر. هنا مع تقدمه تسليته ىتجت. قوله: (أن الإحاطة الخ) يعني أن الإشارة إلى ما قبله وان تعدد لتأوبله بما ذكر ولم يفسره بالإحاطة فقط حتى يقال إق الأولى أن يقول حصره تحت علمه لئلا يحتاج إلى تأوبل الإحاطة بمذكر لتذكير اسم الإشارة مع أنّ تأنيثها غير حقيقي والإشارة إلى معناها وهو ما ذكره بعي! نه ولو قال والحكم بالواو كان أولى. قوله: الأنّ
علمه مقتضى ذاته) فإذا كان كذلك لزمه تيسير إثباته وحكمه المترتب عليه لأنه الأصل فيهما فلا يرد أنه يفيد تيسير الإحاطة دون الإثبات في اللوح أو الحكم بينهم إذ لا تعرض في التعليل لهما كما قيل ولا وجه لما قيل: إنه تعليل للتفسير الأوّل لرجحانه. وعدل عن قول الزمخشري لأن العالم الذات لا يتعذر عليه ولا يمتنع تعلق بمعلوم لأنه مع قصوره مبنيّ على الاعتزال. وقوله: المتعلق بكل المعلومات إن كان صفة الذات فالمعنى أنّ نسبة الكل إلى ذاته مستوية وعلمه ذاتيئ فيستوي فيه المعلومات أيضاً وان كان صفة علمه فكذلك. وفيه إشارة إلى أن علمه حضوريمما وأنّ الإثبات في اللوح ليس لحاجته إليه وتنكير سلطانا للتقليل وتقديم الدليل النقلي إشارة إلى أنه الأصل في الدين وأعاد النفي للدلالة على استقلال كل منهما في الذم وضمير استدلاله للعقل وقال للظالمين دون لهم تسجيلا عليهم بالظلم. قوله: (يقرّر مذهبهم الخ (يعني المراد نصير في الدنيا والآخرة ففي الدنيا بتقرير مذاهبهم ويلزمه دفع ما يخالفها وفي الآخرة بدفع العذاب عنهم فمن فسره بمعنى بدفع العذاب عنهم لأنّ معنى الدفع معتبر فيه ردّا لما ذكره المصنف رحمه الله لم يأت بطائل إذ ليس في كلامه ما يخالفه. وقوله: الإنكار إشارة إلى أنه مصدر ميمي، ولا يخفى ما في المنكر بعد تعرف من حسن التورية وقوله لفرط تعليل. لظهور أثره في وجوههم أو دليل لحدوث المنكر وآثاره. والأباطيل تعليل للنكير والغيظ وقوله وللإشعار بذلك أي بأنّ الإنكار لفرط نكيرهم أو بأنه منتهى الجهالة لأن الكفر أشد المفاسد فيشعر بما ذكر على قاعدة التعليق بالمشتق. قوله: (أو ما يقصدونه (عطف على الإنكار فالمنكر بمعنى ما يستقبح بمعناه المعروف. والمراد علاماته لأنها التي تعرف في الوجوه كما أشار إليه في الكشاف وقوله يثبون إشارة إلى أنه معتبر فيه بحسب الأصل ثم استعمل للبطش مطلقا وأنبئكم بمعنى أخبركم وقوله: من غيظكم إشارة إلى أنّ الشرّ إما للتالين وما يحصل للكفرة أشدّ منه أو للشياطين وما يحصل بعده أعظم منه. قوله: (كأنه الخ) أي هو استئناف بيانيئ
والنصب على الاختصاص بتقدير أخص أو أعني أو هو من باب الاشتغال. وقوله: فتكون الخ أي في وجهي النصب والجر والجملة جملة وعدها الله وقوله: كما إذا وقعت. وفي نسخة رفعت أي حال كون! ها خبر المبتدأ مقدر إذا قد رأى هي النار وهو الوجه(6/312)
الأوّل وإذا كانت حالاً قدر معها قد. وقوله: النار هو ال! خصوص بالذم المحذوف وضمير وعدها الظاهر أنه المفعول الثاني أي وعد الذين كفروا بها ويجوز أن يكون الأوّل كأنها وعدت بهم لتاكلهم. قوله: (بين) بصيغة المجهول يشير إلى ما مر من أنّ المثل في الأصل بمعنى المثل ثم خص بما شبه بمورده من الكلام السائر فصار حقيقة فيه ثم استعير لكل حال غريبة أو قصة وجملة من الكلام فصيحة غريبة بديعة متلقاة بالقبول لمشابتهتها له في ذلك وهو المراد هنا فضرب بمعنى بين وإليه أشار المصنف رحمه الله، ورائعة من راعه أس جبه فهو رائع معجب. وقوله: أو جعل لله مثل هذا وجه آخر بحمل المثل على الممثل به فيكون بمعناه الحقيقي وضرب بمعنى جعل أي أنّ ما ذكر جعل مثلاً لاستحاق الله دون غيره للعبادة، ولا بعد في كون ضرب بمعنى جعل كما قيل لأنه ثابت في العربية فتأمل. قوله: (للمثل) إن كان بمعنى الحال أو القصة أو لبيانه إن كان المراد بيان استحقاته للعبادة وقوله استماع تدبر لأنه ليس مجرد استماعه مقصوداً، وقوله على الأوّلين بخلاف الأخير فإنيه ضمير العقلاء على زعمهم. قوله: (لا يقدرون الخ) يعني أنّ منطوقه وان كان نفي الخلق عنهم في المستقبل لكنها لكونها مفيدة لنفي مؤكد دلت على نفي القدرة عنهم واستحالة صدوره عنهم بقرينة السياق فلا يقال إنّ النفي المؤكد لا يدل على الامتناع ودلالتها على التأكيد والتأبيد مذهب الزمخشريّ، وبعض النحاة وإن خالفه غيره والكلام عليه مفصل في شروح المغني وليس هذا محله ولذا قال لا يستنقذوه دون لن يستنقذوه لأن الاستنقاذ ممكن ليس كالخلق لا يتوهم أنه لو صح ما ذكر من المنافاة قيل لن يستنقذوه. قوله: (دالة) أي لن لإفادتها النفي المؤكد على منافاة المنفي وهو الخلق والمنفي عنه الأصنام فيفيد عدم قدرتها عليه ولا ينقص بقوله فلن أكلم اليوم أنسياً لأن الصوم لمنافاته التكلم في شرعهم جعل كأنه محال أو هي دالة ثمة على امتناع مؤكد وهنا على امتناع محال بمقتضى المقام إذ لو أمكن لم يتم الاستبعاد والمبالغة في التجهيل ولكل مقام مقال. قوله: (والذباب من الذب) أي مأخوذ منه والذب الطرد والدفع ولا حاجة إلى جعل المصدر الماخوذ منه مصدر المبنى للمفعول وأما
كونه بمعنى الاختلاف أي الذهاب والعود فقول آخر حتى قيل إنه منحوت من ذب آب أي طرد فرجع واذبة وذبان بكسر الذال فيهما كما في القاموس. قوله: (هو بجوابه المقدو في موضع الحال) هذا بناء على أن الواو الداخلة على لو وإن الوصلية حالية وهو قول لبعض النحاة وقيلى إنها عاطفة على مقدر وكون جوابها مقدراً قول أيضا، وقيل إنها لا تحتاج إلى تقدير أصلاً لأنها انسلخت عن معنى الشرطية وتمحضث للدلالة على الفرض والتقدير والمعنى مفروضاً اجتماعهم كما أشار إليه المصنف رحمه الله ولا منافاة بينهما لأنّ التقدير باعتبار أصل الوضع إذ لا بد لكل شرط من جواب وعدمه بعد استعماله لما ذكر فتدبر، وقوله: فكيف الخ بيان لأن الوصلة تدل على خلافه بالطريق الأولى. قوله: (جهلهم) أي نسبهم إلى الجهل وشهرهم به وهذا بيان لمعنى الآية كلها وباء بأن سببية وعدى الإشراك لمفعولين لأنه بمعنى جعله شريكا وكان الظاهر أشركوا التماثيل والأصنام للإله لكنه عكسه لأنه وان استلزم أحدهما الآخر لا وجه للعدول عن الظاهر فلذا قيل إن إلها مفعول ثان لا أوّل حتى برد عليه ما ذكر وإنما قدم مسارعة إلى وصفه بما ذكر وتقديما للمعبود بحق على ضده ولأنه يثبت بما وصفه به ما بعده. قوله: (وبين ذلك (أي كونها أعجز الأشياء ودلالة ما ذكر بتمامه على الأعجزية ظاهرة لأنه لا أعجز مما لا يقدر مع التجمع على دفع الذباب الذي يقدر عليه أضعف-، المخلوقات فلا وجه لما قيل إنّ الثابت بذلك العجز لا الأعجزية فكل ما سوى الله كذلك ولا لتأويله بسلب أسباب القدرة كالحياة والإرادة وقوله تعجز الخ هو مأخوذ من سلبه لها فإنها لو ذبت لم تسلب فلا يرد أنه لا دلالة في النظم عليه وان كان كذلك في الواقع ويتكلف أن الاستنقاذ عطف تفسير للذب. قوله: (قيل كانوا يطلونها) أي الأصنام والطيب المراد به الزغفران ونحوه وهذا مروي عن ابن عباس رضي الله عنهما والكوي بكسر الكاف جمع كوة بفتحها وضمها وهي ما يفتح في الحائط. قوله: (عابد الصنم(6/313)
ومعبوده (هذا تفسير السدي والضحاك وضمير معبوده للعابد والمعبود الصنم وكونه طالبا لدعائه لها واعتقاده نفعها وكونها مطلوبة ظاهر. قوله: (أو الذباب (هذا هو الوجه الثاني وهو إلى قوله أو يحتمل أن يكون وجها واحداً الطالب فيه الذباب والمطلوب الصنم، وقوله: والصنم الخ إشارة إلى أنّ المطلوب في هذا الوجه بمعنى منه على الحذف والإيصال ويحتمل وجهين هذا واليه أشار بقوله والصنم الخ وآخر وهو أن يكون
المطلوب ما يسلبه الذباب ليأكله وعطف عليه بالواو لتقاربهما وهذا مبني على القيل قبله. قوله: (أو الصنم) فهو الطالب وجعله طالبا على الفرض تهكماً والمطلوب الذباب وهو الوجه الثالث أو الرابع وهذا مروي عن ابن عباس رضي الله عنهما واختاره الزمخشري لما فيه من التهكم وجعل الصنم أضعف من الذباب لأنه مسلوب وجماد وذاك حيوان بخلاف وأخره المصنف لأنّ الأوّل أنسب بالسياق إذ هو لتجهيلهم وتحقيرمعبوداتهم فناسب إرادتهم والأصنام من هذا التذييل وهذه الجملة التذييلية أخبار أو تعجب. قوله: (ما عرفوه حق معرفته (يعني أنه مجاز عن هذا فإن المعرفة تكون بتقدير المقدار وأبعد الأشياء الإضافة ولا حاجة إلى جعلها من الأبعد كما قيل وقوله عن أقلها أي الممكنات والمراد بالأقل الذباب وهو أذلها أيضا ومقهوريتها لأنه مسلوب منها فكيف تعد شريكا له، والاصطفاء الاختيار للصفوة وهي الخيار. وقوله: ومن الناس مقدّم تقديراً أي من الملائكة ومن الناس رسلا فلا حاجة للتقدير فيه، وقوله: يتوسطون إشارة إلى وجه تقديم رسل الملائكة عليهم الصلاة والسلام. قوله: (كأنه لما قرّر وحدانبته الخ (شروع في بيان ارتباط هذه الآية بما قبلها وهو ظاهر وتوله ويتوسل في نسخة بغير واو وهو مستفاد من الاصطفاء. وضمير هوله وقوله: لمن سواه وفي نسخة عداه والضمير لله وتقريراً مفعول له لتعليل بين والتزييف استعارة للإبطال وهو من التخصيص المستفاد من السياق. قوله: (مدرك الخ) يعني أن السمع والبصر كناية عما ذكر بقرينة قوله يعلم الخ لأنه كالتفسير له فسقط ما قيل من أنهما لا يعمان فكيف يكونان كناية عنه وانه حينئذ يكون ما بعده تأكيداً والحمل على التعميم بعد التخصيص أولى وقيل سميع لأقوال الرسل عليهم الصلاة والسلام بصير بأحوال الأمم وقوله عالم بواقعها ومترقبها مما لم يقع لف ونشر لما بين أيديهم وما خلفهم مرتب أو مشوس وقوله بالذات يعني بخلاف غيره فإنه يملك بتمليكه تعالى لها وقوله: لا يسأل الخ
إشارة إلى ارتباطه بما قبله لدخوله في عمومه واتصاله. قوله: (في صلاتكم) وفي نسخة صلواتكم بالجمع فالأمر بالركوع والسجود حقيقة على ظاهره وما ذكره من أنه كان في أوّل الإسلام ركوع بلا سجود وتارة سجود بلا ركوع ذكره في البحر أيضا ولم نره في أثر يعتمد عليه وتوقف فيه صاحب المواهب وذكره الفراء رحمه الله بلا سند. قوله: (أو صلوا الخ) يعني أنه مجاز مرسل مركب بعلاقة الجزئية والكلية وقوله: لأنهما أعظم أركانها الأعظمية إما بمعنى الأكثرية أو من جهة الثواب وكون مجموعهما أفضل مما سواهما لا ينافي تفضيل أحدهما على الآخر كما توهم وفي الأذكار ذهب الشافعي إلى أن القيام أفضل من السجود لقوله صلى الله عليه وسلم: " أفضل الصلاة طول القنوت " أي القيام ولأن ذكر القيام القرآن وذكر السجود التسبيح والقرآن أفضل، وذهب بعضهم إلى أن السجود أفضل لحديث أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد وقال الطيبي رحمه الله: الركوع مجاز عن الصلاة لاختصاصه بها والسجود على حقيقته لعموم الفائدة. قوله: (أو اخضعوا لله وخرّوا له سجدا) فهذا مطلق وما قبله بالنظر إلى الصلاة والركوع حقيقة لغوية لأن بمعنى الانخفاض أو مجاز والسجود باق على حقيقته. وقوله: بسائر ما تعبدكم به العموم من ترك المتعلق وقيل إنه مخصوص بالفرائض وما بعده تعميم بعد تخصيص أو مخصوص بالنوافل وفي كلام المصنف رحمه الله إشعار به. قوله: (وتحرّوا ما هو خير وأصلح) أي اقصدوه يقال تحريت الشيء إذا قصدته وتحريت في الأمر أي طلبت أحرى الأمرين وهو أولاهما. ولما كان الفعل يعم ما كان بقصد وغير قصد والمعتبر منه ما كان بنية وقصد وقوله افعلوا الخير معناه افعلوا ما فيه خير لكم(6/314)
دل على التحرّي بطريق الالتزام لأنه لا يعلمه خيرا له إلا إذا تحزى فيه.
قوله: (وأنتم راجون الخ (إشارة إلى أنها جملة حالية وأن الرجاء من العباد لاستحالته على
الله وقوله: واثقين عطف بيان المتيقنين وفي نسخة بالعطف عليه. قوله: (والآية آية سجدة عندنا (أي في مذهب الشافعيئ رضي الله عنه والأمر للندب باعتبار سجدة التلاوة لأنها سنة عنده وخالف في السجدة هنا أبو حنيفة ومالك واستدل لمذهبه بظاهر الآية والحديث ولنا كما في شرح الهداية
لابن الهمام أنها مقرونة بالأمر بالركوع والمعهود في مثله من القرآن كونه أمرا بما هو ركن للصلاة بالاستقراء نحو اسجدي واركعي. وإذا جاء الاحتمال سقط الاستدلال. وما روي من الحديث المذكور قال: الترمذي رحمه الله إسناده ليس بالقوي وكذا قال أبو داود وغيره لكن يرد عليه ما في الكشاف أن الحق أنّ السجود حيث ثبت ليس من مقتضى خصوص في تلك الآية لأن دلالة الآية غير مقيدة بحال التلاوة البتة بل إنما ذلك بفعل رسول الله في أو قوله: فلا مانع من كون الآية دالة على فرضية سجود الصلاة ومع ذلك يشرع السجود عند تلاوتها لما ثبت من الرواية فيه وفيه بحث. قوله: (دلّه ومن أجله أعداء ديته (يعني أق في مستعارة للتعليل والسببية كما في الحديث أن امرأة دخلت النار في هرة ويجوز حملها على ظاهرها بتقدير في سبيل الله وقيل عليه أن حمل الجهاد على ظاهره يأباه ما مر من أن السورة مكية إلا ست آيات فإن الجهاد إنما أمر به بعد الهجرة إلا أن يؤوّل بالأمر بالثبات على مصمابرة الكفار وتحمل مشاق الدعوة وفيه أنه مع كونه خلاف الظاهر يرجع إلى الجهاد اكبر الآتي ولذا قيل إنّ ما ذكر من كونها مكية إلا ست آيات ليس في أكثر النسخ. ومذهب الجمهور أنها مختلطة من غير تعيين وعليه اعتمد المصنف رحمه الله هنا. وقوله الظاهر صفة أعداء والباطنة معطوفة عليها وظاهر كلام المصنف رحمه الله أنه حمل الجهاد على ما يعمهما وليس من الجمع بين الحقيقة والمجاز وان كان جائزاً عند المصنف رحمه الله لأن حقيقته كما قال الراغب استفراغ الوسع والجهد في دفع ما لا يرتضي قال وهو ثلاثة أضرب مجاهدة العدو الظاهر ومجاهدة الشيطان ومجاهدة النفس وتدخل ثلاثتها في قوله تعالى {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ} انتهى فمن قصره على بعضها فقد قصر 0 قوله: (وعته عليه الصلاة والسلام الخ (هذا الحديث أخرجه البيهقي وغيره عن جابر رضي الله عنه قال: قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم قوم غزاة فقال: وقدمتم خير مقدم من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر وفي سنده ضعف مغتفر في مثله وتبوك علم لأرض بين الشام والمدينة ممنوع من الصرف وقعت فيها غزوة للنبي صلى الله عليه وسلم. قوله: (أي جهادا فيه حقاً) أي في الله في الدر المصون أنه منصوب على المصدرية وعند أبي البقاء أنه نعت لمصدر محذوف أي جهاداً حق جهاده وفيه أنه معرفة فكيف توصف به النكرة. وقال الزمخشري إن إضافته لأدنى ملابسة واختصاص فلما كان الجهاد مختصا بالله من حيث إنه مفعول من أجله ولوجهه صحت إضافته إليه ويجوز أن يتسع في الظرف كقوله ويوم شهدناه والمراد بالظرف الجار والمجرور لأنه كان في الأصل حق جهاد فيه. أو جهادكم فيه انتهى وقوله: جهاد إشارة إلى نصبه على
المصدر وأنه من إضافة الموصوف لصفته كجرد قطيفة. وقوله: خالصا لوجهه تفسير لقوله: حقا وهو خلاف الباطل وقد فسر بواجبا أيضاً وفيه شيء وقوله فعكس أي غير الترتيب بالتقديم والتأخير فصار حق جهاد بعدما كان جهاداً حقا. قوله: (مبالغة) كما في قوله اتقوا الله حق تقاته فلما عكس وجعل التابع متبوعا وأضيف دثه لإفادة اختصاصه به وقد كان يفيد أن هنا جهاداً واجباً مطلوبا منهم دل بعد الإضافة على إثبات جهاد مختص بالله وأن المطلوب القيام بمواجبه وشرائطه على وجه التمام والكمال بقدر الطاقة فانقلب التبع أصلاً وفيه من المبالغة في شأن النبع ما لا يخفى كما قيل والذي ذكره النحاة كما صرّح به الرضي وغيره أنّ كل وجذ وحق إذا وقعت تابعة لاسم جنس مضافة لمثل متبوعها لفظا ومعنى نحو أنت عالم كل عالم أو جد عالم أو حق عالم أفادت أنه تجمع فيه من الخلال ما تفرّق في الكل وأنّ ما سواه هزل أو باطل وأنه من باب(6/315)
جرد قطيفة. وقيل في وجهه أنّ الأمر بالصفة أمر بالموصوف إذ لا غنى لها عنه بخلاف العكس ولا وجه له فتأمّل. قوله: (وأضيف الجهاد إلى الضمير) الراجع دلّه اتساعا قالوا الاتساع لأنه كان أصله حق جهاد فيه فحذف لفظ في وأضيف إليه اتساعا على حذ قوله:
ويوما شهدناه سليماً وعامراً
وأورد عليه أنه لا يناسب تفسيره في الله بقوله: لله ومن أجله الخ ودفعه يعرف بالتأمّل. قوله: (أو لآنه مختص! بالله (فالإضافة لامية وقد كانت في الأوّل على معنى في نظراً للظاهر. قوله: (اختاركم) هو معنى اجتباكم وكون اختيارهم لما ذكر لأنّ هذه جملة مستأنفة لبيان علة الأمر بالجهاد لأنّ المختار إنما يختار من يقوم بخدمته وهي بما ذكر ولأنّ من قربه العظيم يلزمه دفع أعدائه ومجاهدة نفسه بترك ما لا يرضاه. قوله: (في الدين) أي في جميع أموره فالتعريف فيه للاستغراق ولذا لم يلزم الجهاد الأعمى والحج فاقد الاستطاعة ولم يرد عليه التضييق في بعض أموره لحكمة. وقوله لا مانع لهم عنه أي عن الجهاد يعني أنه بين المقتضي بقوله: هو اجتباكم وأشار بعده بما ذكر إلى رفع المانع وحيث وجد المقتضي وارتفع المانع زال العذر ولم يقل فلا عذر وان كان كالنتيجة لما قبله لإيهامه أنه ليس من إشارة النص. قوله: (أو إلى الرخصة في إغفال) أي ترك ما أمرهم به مما في مشقة وحرج والأوّل يقتضي انتفاء الحرج ابتداء وهذا يقتضي انتفاءه بعد ثبوته بالترخيص في تركه بمقتضى الشرع أيضاً فلذا عطفه بأو الفاصلة. قوله: (وقيل ذلك الخ) الإشارة إلى عدم الحرج وهذا ما اختاره الزمخشريّ والظاهر إنّ وجه
ضعفه تعميمه للتوبة والمكفرات والكفارات وان كان ما قبله عاما فيما عداها أيضا لعدم تبادره من اللفظ ومناسبته! سياق إذ الأمر بالطاعة والجهاد قبله وبالصلاة والزكاة بعده وما قارنه لا يشعر بذلك أصلاً بل بخلافه فما قيل من أنه المناسب لعموم من حرج ويدخل فيه الجهاد دخولاً أوّلياً فلا يظهر وجه ضعفه ضعيف جدا لأنّ ما قبله عام أيضا مع أن الحرج لا ينتفي بوجود اهخرج في ا! جلة لأنه عبارة عن الضيق لا عن عدم المخلص! وكون ما هو على شرف الزوال في حكم ما لم يكن تعسف لأنّ كون الذنوب في شرف الزوال بالتوبة مع أن قبولها غير متيقن ممنوع وكون تنوبن حرج للتعظيم والحرج العظيم إنما يكون إذا انتفى المخرج تكلف لا! جة إليه واهضايق! السفر والمرض والاضطرار والظاهر أنّ حق جهاده لما كان متعسرا ذيله بهذا ليبين أنّ المراد ما هو بحسب قدرتهم لا ما يليق به تعالى من كل الوجوه. قوله: (ملة أببكم الخ) في نصبه لاجوه منها ما ذكره المصنف رحمه الله من أنه منصوب على المصدرية بفعل دلّ عليه ما قبلا من نفي الحرج بعد حذف مضاف أي سع دينكم توسيع ملة أبيكم إبراهيم عليه الصلاة واللام أو النصب على الإغراء بتقدير اتبعوا أو الزموا أو نحوه أو الاختصاص بتقدير أعق بالدين ونحوه ولم يرد ما اصطلح عليه النحاة وقيل إنه منصوب بنزع الخافض أي كملة أ! م وابراهيم منصوب بمقدر أيضاً أو هو بدل أو عطف بيان مما قبله فيكون مجروراً بالفتح. قوله: (كالأب لأمّته) فيه إشارة إلى جواز إطلاق الأب عليه صلى الله عليه وسلم كما أطلقت الأمّهات على زوجاف. ووقل: من حيث تعليل لى ووران لوجه ا! هـ. وقوله: أو لأنّ أكثر العرب إشارة إل! رد ما قيل إنهم جميعهم من ذريته عليه الصلاة والسلام وأنّ أوّل من تكلم بالعربية إسماعيل عليه الصلاة والسلام لضعفه كما بينه المؤرّخون. وقوله: فغلبوا الخ أي غلب أكثر العرب على جميع أهل ملته من العرب وغيرهم. قوله: (هو سماكم) جملة مستأنفة وقيل إنها كالبدل من! دأ: هو اا يهمعنهولذا لم يعطف وقوله: من قبل القرآن أي من قبل نزوله وقراءة الله سماكم قرا! أبيّ رضي وفي قوله: وتسميتهم بمسلمين إشارة إلى أن التسمية تتعدى بنفسها وبالباء دمالى رد ما أورد على جعل ضمير هو لإبراهيم عليه الصلاة والسلام من أن قوله: وفي هذا أي القرآن ياً باه لأنه لا يلزم أن إبراهيم عليه الصلاة والسلام سماهم مسلمين في القرآن النازل بعد، بمدد طوال كما سنبينه. قوله: (كان بسبب تسميته الخ) يعني أنّ قول
إ- اهيم عليه الصلاة والسلام ومن ذزيتنا أقة مسلمة لك كان سبباً لتسميتهم(6/316)
بمسلمين في القرآن لدخول أكثرهم في الذرّية فجعل مسميا لهم مجازا. وقد قيل عليه إنّ فيه جمعا بين الحقيقة والمجاز ونحن لا نقول به وإنّ في كون التسمية به في القرآن بسبب تسميته شبهة. وكونه مرويا عن الحسن كما في الكشف يدفع الشبهة وأما الجمع بين الحقيقة والمجاز عند من لا يجوّزه فيدفع بالتقدير أي وسميتكم في هذا القرآن المسلمين كما قال ابن عطية رحمه الله وقال أبو البقاء إنه على هذا المعنى وفي هذا القرآن سبب تسميتهم واليه أشار المصنف رحمه الله بقوله وقيل الخ وضعفه لتكلفه كما في الكشف.
تنبيه: قال السيوطيّ رحمه الله التسمية بالمسلمين مخصوص بهذه الأمّة، وفي فتاوى ابن الصلاج أنه غير مختص بهم كما تشهد به الآيات والأحاديث وهو الظاهر فكأنه لم يقف عليه. قوله: (متلعق بسماكم) على الوجهين في الضمير واللام للعاقبة لأنّ التعليل غير ظاهر هنا كما قيل والظاهر أنه لا مانع منه فإنّ تسمية الله أو إبراهيم عليه الصلاة والسلام لهم به حكم بإسلامهم وعدالتهم وهو سبب لقبول شهادة الرسول عليه الصلاة والسلام الداخل فيهم دخولاً أوّليا وقبول شهادتهم على الأمم. قوله: (فيدلّ) أي هذا القول من الله وقوله: أو بطاعة الخ فالشهادة على ظاهرها وقيل المراد بشهادته بها لهم تزكيته لهم إذ شهدوا على الأمم فأنكروا كما فصل في قوله: {لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء} [سورة البقرة، الآية: 43 ا] الآية ثم العلة والمعلول علة للحكم بإقامة الصلاة وما بعدها وإليه أشار بقوله: لما خصكم والفضل الاجتباء وما بعده. وقوله: فتقزبوا إلى الله تعالى بأنواع الطاعات إشارة إلى أن ما ذكر عبارة عن الجميع لجمع العبادة البدنية والمالية. قوله: (في مجامع أموركم (أي في جميعها وفيه إشارة إلى العموم الذي يفيده حذف المتعلق للاختصار. وقوله: ولا تطلبوا الخ مأخوذ من الجملة الثانية بعده لبيان علته مع تعريف طرفيها وهي قوله: هو مولاكم وهو هو المخصوص بالمدح. قوله: (إذ لا مثل له الخ) فإنّ من تولاه لم يضع ومن نصره لم يخذل. وقوله: عن النبيّ صلى الله عليه وسلم الخ هو حديث موضوع كما ذكره العراقيئ رحمه الله وركاكة لفظه شاهدة لوضعه وتخصيص أجره بأجر الحج
لذكره في هذه السورة. وقوله: كحجة تقديره أجوراً بعدد الخ كل أجر منها كأجر حجة ففيه تقديم وتأخير وتقدير. تمت السورة فالحمد لله والصلاة والسلام على أفضل أنبيائه وعلى آله وصحبه وخلص أوليائه وأصفيائه.
سورة المؤمنون
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله: (مكية بالاتفاق) واستثنى في الإتقان قوله: {حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِم بِالْعَذَابِ} إلى قوله {مُبْلِسُونَ} وكلام المصنف رحمه الله ثم شاهد عليه وأمّا ذكر الزكاة فيها وهي إنما فرضت بالمدينة فبعد تسليم أنّ ما ذكر فيها يدل على فرضيتها فقد قيل إنها كانت واجبة بمكة والمفروض بالمدينة ذات النصب وستسمع ما فيه عن قريب والاختلاف في عدد آيها للاختلاف في قوله {ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَى وَأَخَاهُ هَارُونَ} والمناسبة بين خاتمة الحج وفاتحتها ظاهرة. قوله: (وهي مائة الخ) الذي في كتاب العدد للداني إنها ثماني عشرة في الكوفي وسبع عشرة آية عند الباقي. قوله: (بأمانيهم) بالتخفيف والتشديد يعني أنّ الفلاح معناه الفوز والظفر بالأماني وهي ما يحب ويتمنى. قوله: (وقد ثبت المتوقع) أي تدل على تحقق أمر متوقع وثبوته سواء أكان ماضياً أم مستقبلاً وهو القول المشهور، وأنكر بعضهم كونها للتوقع في الماضي لأنّ التوقع انتظار الوقوع وهو قد وقع وردّه ابن هشام رحمه الله بأنّ المراد أنها تدل على أنّ الماضي كان قيل الأخبار متوقعاً لا أنه الآن متوقع. وقوله: كما أنّ لما تنفيه أي تنفي ما يتوقع ثبوته. كقوله: بل لما يذوقوا عذاب أي هم لم يذوقوه إلى الان وأن ذوقهم له متوقع فيما بعده. فإن قلت قال ابن هشام في المغني الصحيح أنها لا تفيد التوقع أصلاً أمّا في المضارع فلأنّ قولك يقدم الغائب يفيد التوقع بدون قد إذ الظاهر من حال المخبر(6/317)
عن مستقبل أنه متوقع له. وأما في الماضي فلأنه لو صح دلالتها على التوقع لدخولها على متوقع لصح أن يقال في لا رجل في الدار أنّ لا للاستفهام لأنها تدخل في جواب من قال هل من رجل فيها فما بعدها مستفهم عنه ولذا قال ابن مالك إنها تدخل على ماض متوقع ولم يقل إنها تفيده (قلت (أما الملازمة فغير صحيحة كما في شرحه إذ الفرق بين ما نحن فيه وبين ما أورده ظاهر. وما أنكره قد صرّح به الثقات من أهل النحو واللغة ولو لم يكونوا فهموه من كلام العرب لم يذكروه والعجب منه أنه سلمه في لما النافية مع أنّ ما ذكره جار فيها بالطريق الأولى ومحصله أنها تكون حرف جواب للمخاطب عما هو متوقع منتظر له في نفسه كبقية أحرف الجواب وهو مراد ابن مالك من عبارته المذكورة أيضا إذ لو لم يرده يكون لا معنى لها فيه ولم يقل أحد أنها من الزوائد فما ذكره مكابرة ومنع للنقل ومثله لا يسمع. قوله: (وتدل على ثباته (أي ثبات المتوقع في الماضي كما أنها إذا دخلت على المضارع دلت على ثبات أمر متوقع في المستقبل وليس المراد بالثبات
الدوام والاستمرار بل الثبوت فلا يرد عليه أنه لم يقل أحد من أهل العربية بدلالتها على الدوام فإنه من التزام ما لا يلزم فتأمّل. قوله: (ولذلك تقرّ به من الحال) أي من أجل دلالتها على ثبات أمر ماض متوقع قربت الماضي من الحال أي دلت على أنّ زمانه ليس ببعيد العهد بل هو قريب من هذا الزمان الذي نحن فيه لأنّ العلم بتوقعه إنما يكون فيما قرب العهد به لأنّ ما بعد ينسى ويترك غالبا وهذا بناء على أنّ التوقع والتقريب من الحال لا يفترقان وقيل إنه قد ينفك أحدهما عن الآخر وعلى القول بعدم الانفكاك اختلف في أيهما الأصل والآخر التبع على قولين وهل هو حقيقة إذا اقتصر على أحدهما أو مجاز احتمال. قوله: (ولما كان المؤمنون المتوقعين الخ) المتوقعين خبر كان وذلك إشارة إلى الفلاج والفوز بالأماني ولما كان الفلاح فلاح الدارين وهم وان فازوا بالهدى عاجلا لكن الفوز الحقيقي لا يثبت إلا في الآخرة فالأخبار به منه تعالى بشارة كما صرح به في شروح الكشاف قال المصنف صدرت بها بشارتهم فلا يقال إنّ المتوقع الفلاج لا البشارة به وحينئذ فقوله: قد أفلح مجاز لكنه محل تأمل. قوله: (بإلقاء حركة الهمزة الخ (فتحذف لالتقاء الساكنين الهمزة الساكنة بعد نقل حركتها والدال الساكنة بحسب الأصل لأنه لا يعتذ بحركتها العارضة كما قاله أبو البقاء وحذفها لفظاً لا خطا ولغة أكلوني البراغيث تجمع الضمير والفاعل الظاهر سميت بها لاشتهار تمثيلها بهذا المثال وتوجيهها مفصل في النحو والواو فيها حرف علامة للجمع وإذا كان على الإبهام والتفسير فهي ضمير والظاهر بدل منها. قوله: (وأفلح اجتزاء) بالجيم والزاي المعجمة أي اكتفاء بما يجزي في الدلالة على الواو وهي الضمة ولم يذكر ما في الكشاف من تشبيهه بقول الشاعر:
ولو أق الأطبا كان حولي وكان مع الأطباء الإساة ...
بضم نون كان على أن أصله كانوا لأنه اعترض عليه بأنّ الوإو في أفلحوا هنا حذفت لالتقاء الساكنين على القياس وفي البيت ليس كذلك. وهو ضرورة عند بعض النحاة. والجواب عنه بأن التشبيه في مجرّد الحذف للاكتفاء بالضمة الدالة عليها لا في سبب الحذف يأباه سياقه ثم إنه معطوف على نائب فاعل قرئ ولا تغاير بين القراءتين لحذف الواو فيها لفظا لالتقاء الساكنين كما في قوله: سندع الزبانية اللهئم إلا أن يقال إنه أثبت الواو لفظا في القراءة الأولى ولذا قال المعرب إنه ذم في هذه القراءة فما قيل إنّ المراد بحذفها خطاً لا لفظاً لاشتراكهما فيه وأنه يكفي ظهور الفرق بينهما في حال الوقف سهو لأنّ من قرأ بها أثبتها في الرسم كما نقله المعرب عن ابن خالويه وأنه إذا وقف عليه ردّت الواو فيه لأنه لا يوقف على متحرّك فلا يحصل الفرق بينهما فتدبر. قوله: (وأفلح (أي قرئ به على أنه من أفلحه لأنه سمع متعديا على
أنّ همزته للتصيير ولازما. وقوله: المؤمنون الخ إشارة إلى سبب الفلاح. قوله: (خائفون من الله متذللون الأن الخشوع التذلل مع خوف وسكون للجوارح والمسجد بفتح الميم موضع السجود ومساجد جمعه ورمى البصر مجاز عن توجهه. وقوله: خشع قلب هذا في نسخة بدله خشي وقوله لما بهم من الجد بكسر(6/318)
الجيم وهو ضد الهزل. وأورد عليه أنّ اللغو أعم من الهزل لتناوله الفعل فالأولى أن يقول لما هو فيه مما يعنيهم وبهم جار ومجرور وقع صلة لما. وما ذكره هو ما في الكشاف بعينه وإنما فسره بالأخص لعلم غيره بالطريق الأولى ومثله سه!! وقوله أبلغ من المبالغة لإفادته أنه مع عدم لهوهم لا ينظرون إلى جانب اللهو فضلا عن الاتصاف به مع ما ذكره من الاسمية الدالة على الثبات وتقديم الضمير المفيد لتقوّي الحكم بتكرّره وتقديم الصلة المفيد للحصر. وقوله: ليدل متعلق بإقامة وعرض بضم فسكون بمعنى ناحية. قوله: (وكذلك قوله الخ) أي هو مثل ما قبله في العدول لما ذكر لأنه أبلغ من الذين
يزكون حيث جعلت الجملة اسمية وبني الحكم على الضمير، وعبر عنه بالاسم هكذا قيل فاقتصر من الوجوه الخمسة على الثلاثة الأول قيل لأنّ الأخيرين لا يجريان هنا لأنه إعراض هنا فلا إقامة ولأنّ التخصيص لا يعتبر هنا مع أنّ المقدم هنا ليس بصلة كيف واللام زائدة لتقوية العمل من وجهين تقديم المعمول وكون العامل اسما ولا يخفى عليك جريان مثلهما حيث قدم مع ضعف عامله لا للتخصيص بل لكونه مصب الفائدة ويجوز فيه اعتبار التخصيص الإضافي أيضا بالنسبة إلى الإنفاق فيما لا يليق ولو قال المصنف وتقديم المعمول لكان أظهر وأقيم الفعل مقام الإيتاء المذكور في مثله في مواضع من التنزيل مبالغة لدلالته على المداومة لأنه يقال هذا فعله أي شأنه ودأبه المداومة عليه، وذلك في قوله وصفهم بذلك إشارة إلى قوله: {وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ} الخ من الإعراض! عن اللغو وفعل الزكاة وما بعد والطاعات البدنية معلومة من الصلاة والمالية من الزكاة. والتجتب المذكور من الأعراض عن اللغو دلالة ومن قوله: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} [سورة المؤمنون، الآية: 5] صراحة ولم يقرن المحرّمات بالطاعات البدنية لتأخر ما يدل عليها فما قيل أنّ حقه التقديم على المالية إلا أنه أخره لاحتياجه إلى نوع تفصيل ولتقع المالية في جواز البدنية فإنهما كثيراً ما يذكران معا لا وجه له. والمروءة معروفة وأصل معناها الرجولية. قوله: (والزكاة الخ (المراد بالعين ما يعطي وفيه إيهام لطيف والمضاف أداء ونحوه ووجه العدول عن الأخصر الأظهر ما مرّ. وفاعلون مفعوله الزكاة واللام للتقوية ولم يلتفت إلى ما آثره الراغب من أنّ المعنى الذين يفعلون ما يفعلون من العبادة ليزكيهم الله أو ليزكوا أنفسهم على أنه لازم واللام للتعليل قيل لأنّ اقترانه بالصلاة ينادي عليه وسيأتي نظيره في سورة المعارج وقد يقال الفصل بينهما يشعر بما جنح إليه الراغب بخلافه ثمة وأيضا كون السورة مكية والزكاة فرضت بالمدينة يؤيده لئلا يحتاج إلى التأويل بما مرّ فتدبر. قوله: (رّوجاتهم أو سرياتهم الف ونشر وخص ما ملكت بالإناث بقرينة الإجماع وان عتم لفظه وجعل الزمخشري إطلاق ما قرينة على إرادتهن لإجرائهن مجرى غير العقلاء لقلة عقل النساء ولم يذكره المصنف رحمه الله لخفائه. بل ولأنه غير مسلم عنده فلا يغني عن التخصيص كما توهم لا لمعارضة قوله: {مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [سورة النور، الآية: 33] فكاتبوهم لتناوله العبيد ثمة لأنه قد يقال الضمير المذكور ثمة قرينة على العموم ونكتة الإجراء المملوكية لا الأنوثة كما سيصرّح به المصنف رحمه الله ولا مانع من تعدد النكت. قوله: (من قولك احفظ علئ عنان فرسي) ظاهره أنه متعد بعلى دون تضمين كما في الكشاف وحفظ العنان بمعنى إرساله كما في
حواشيه. فما قيل إنه غير متعارف لا يسمع في مقابلة نقل الثقة. وقيل أيضا الوجه أن يقال إنه من قبيل حفظت على الصبيّ ماله إذا ضبطته مقصورا عليه لا يتعداه والأصل حافظون فروجهم على الأزواج لا تتعداهن ثم قيل غير حافظين إلا على الأزواج تأكيداً على تأكيد وقول الزمخشري: أنه متضمن معنى النفي من السياق واستدعاء المفرّغ ذلك. ولم يؤخذ مما في الحفظ من معنى المنع والإمساك لأنّ حرف الاستعلاء يمنعه ولا يخفى أنه تكلف وتعسف إذ لا حاجة إلى التضمين كما مرّ وكون تضمينه ليس بتاويله بما يفيده بل بتقدير مضاف يفيده وهو غير مما يأباه أسلوب العربية. كما قاله أبو حيان رحمه الله: والتأويل المذكور أسهل منه وإليه أشار المصنف رحمه الله بقوله: لا يبذلونها ومن لم يقف على المراد قال: إن المصنف ساكت عن تضمينه معنى النفي لكن لا بدّ منه ليصح الاستثناء(6/319)
مع أنّ ادعاء اللزوم غير مسلم لصحة العموم هنا فيصح التفريع في الإيجاب لأنها محفوظة عن جميع النساء إلا من ذكر والإمساك يتعدى بعلى كقوله: {أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ} كما ذكره المعرب فعد حرف الاستعلاء مانعاً غير متوجه. واعلم أن الفاضل العلائيّ قال: في تذكرته عدى حفظ بعلى وإنما يتعدى بعن فقيل على بمعنى عن. وقيل تقديره دالين وهو حال. وقيل فيه حذف دل عليه قوله: غير ملومين أي يلامون الأعلى أزواجهم أو هو متعلق بحافظون من قولهم احفظ عليه عنان فرسه وهو مضمن معنى النفي أي لا تفلته ولا تسلمه لغيرك وفيه خفاء. وقيل من مختص بالعقلاء وما يعم الفريقين فإن قيل إنه مختص بغير العقلاء فإطلاقه على السراري لأنهن يشبهن السلع بيعا وشراء انتهى من خطه.
قوله: (أو حال) أي هو استثناء مفرغ من أعمّ الأحوال والظرف مستقر أي الأوالين أو قوّامين عليهن من قولهم كان فلان على فلانة فمات عنها ولذا قيل للزوجة أنها تحته وفراش له. وقوله في كافة الأحوال استعمل كافة مجرورة مضافة كما وقع للزمخشري هنا وفي خطبة المفصل وقد ورد مثله فلا عبرة بمن لحنهم فيه لأنها تلزم النصب على الظرفية كما فصلناه في شرح الدرّة. قوله: (او بفعل دلّ عليه غير ملومين) كأنه قيل يلامون على كل مباشرة إلا على ما أبيح لهم من هذا فإنهم غير ملامين عليه وقد سقط هذا من بعض النسخ لأنه أورد عليه أنّ إثبات اللوم لهم في أثناء المدح غير مناسب مع أنه لا يختص بهم ولا شبهة في عدم مناسبته للسياق ولذا أخر وكونه على فرض! عصيانهم وهو مثل قوله: {فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} [سورة المؤمنون، 1 لآية: 7، المعارج، الآية: 31] لا يدفعه كما توهم. وقوله: إجراء للمماليك لا للإناث كما في الكشاف. وقوله شائع فيه أي في غير العقلاء. وقوله: وإفراد ذلك أي حفظ الفروج وقوله أشهى الملاهي بيان لوجه دخول المباشرة في اللغو بناء على أنّ المراد
به الملاهي واللذات وتوجيه لإفراده بالذكر والخطر بمعنى الوقع في النفوس أو الضرر وفد استدل القاسم بن محمد بهذه الآية على تحريم نكاج المتعة. وردّه في الكشاف وفي الكشف فيه كلام دقيق كفاناً مؤنته ترك المصنف رحمه الله له وبسط الكلام فيه في التحقيق. قوله: (أو لمن دل عليه الاستثناء (وهم الباذلوها لأزواجهم وإمائهم. وقوله: (فإن الخ) إشارة إلى أن الفاء في جواب شرط مقدر والمستثنى الزوجات الأربع والسراري مطلقاً. وقوله: الكاملون في العدوان الكمال من الإشارة والتعريف وتوسيط الضمير المفيد لجعلهم جنس العادين أو جميعهم كما مرّ تقريره في أولئك هم المفلحون. قوله: (لما يؤتمنون عليه (يعني أن الإمانة والعهد وان كانا مصدرين في الأصل فالمراد العين هنا ولذا جمعت الأمانة فإن أفردت نظر للأصل لأنّ الحفظ والإصلاج للعين لا للمعنى. وأمن الإلباس لإضافته للجمع. وأمانة الحق شرائعه وتكليفه كما سيأتي في قوله: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ} [سورة الأحزاب، الآية: 72، الآية وأمانة الخلق ظاهرة. قوله: (ولفظ الفعل فيه) أي في النظم أو في هذا المقام أو في يحافظون على أنه من ظرفية الخاص للعام لكونه في ضمنه وقد يعكس أيضا وتقديم الخشوع اهتماما به حتى كأنّ الصلاة لا يعتذ بها بدونه أو لعموم هذا له. وقوله: بأمر الصلاة أي بحالها وهو الخشوع والمواظبة. وقوله: ولذلك جمعه لمناسبة الجمع للتكرّر كما لا يخفى. قوله: (الجامعون لهذه الصفات (هو مأخوذ من كون الإشارة إلى من وصف بالصفات السابقة المتعاطفة بالواو الجامعة. وقوله: الأحقاء الخ الاستحقاق لأنّ أولئك يوجب أنّ ما بعده جدير بما يدل عليه لاتصافه بتلك الصفات السنية وبه اندفع أنّ من لم يجمعها بل من لم يعمل أصلاً يرث الجنة أيضا عندنا فلا يتتم الحصر وأمّا القول بأنه لعظم شأن ما ورثوه بخلاف متاع الدنيا فلا يدفعه ودون الخ إشارة إلى دلالته على الحصر لتعريف الخبر وتوسط ضمير الفصل. قوله: (بيان لما يرثوئه (يحتمل البيان اللغوي وهو التفسير بعد الإبهام فيجوز كونه بدلاً أو صفة كاشفة وهو الأظهر أو عطف بيان. والاصطلاحي فيكون عطف بيان وببيانه لما يرثونه أغنى عن ذكلر
مفعوله. وقوله: وتقييد للوراثة بالتنوين قبل اللام الجارّة وفي نسخة ترك اللام فهو مضاف. وتنوينه ونصب الوراثة على المفعولية خلاف الظاهر وان صح وهو معطوف على قوله: بيان. قوله: (تفخيماً لها (الظاهر أنه تعليل للإطلاق لأن ترك المعمول لإشعاره بعدم إحاطة نطاق البيان به(6/320)
يفيده فيكون قوله تأكيداً تعليلاً للتقييد على اللف والنشر المشوّش. وقيل إنه تعليل للمعطوف عليه وتأكيدا تعليل للمعطوف. والتأكيد بتكرير ذكر وراثتهم وقيلى إنه مفعول للتقييد والتفخيم فيه من حيث كونه وراثة الفردوس لا من مجرد البيان. قوله: (وهي مستعارة (يعني أن الوراثة مستعارة لما ذكر كاستعارة فعلها استعارة تبعية للمبالغة في الاستحقاق لأنها أقوى أسباب الملك، كما مرّ تحقيقه في سورة مريم في قوله تلك الجنة التي نورث من عبادنا من كان تقيا ولظهور قوله يرثني ويرث من آل يعقوب بل قوله: {إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا} [سورة مريم، الآية: 40] في الاستعارة إذ الإرث في الآية الأولى غير مراد وفي الثانية غير متصوّر استشهد به الشارح الطيبي فلا غرابة فيه لعدم ذكر المؤمنين والجنة كما توهم. قوله: (وقيل إنهم يرثون الخ) هذا ورد في حديث مسند صححه القرطبي وذكر فيه أنه ىلمجم فسر به هذه الآية فلا وجه لتمريضه ولا معنى للقول بأنه لا يناسب المقام فتأمل. وقوله: للجنة فالتأنيث باعتبارها وعلى ما بعده باعتبار الطبقة والأولى أن يقول العليا بدل الأعلى. قوله تعالى:) {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ} الخ (مناسبتها لما قبلها أنه تعالى لما ذكر أوّلا أحوال السعداء عقبه بذكر مبدئهم ومآل أمرهم أو لما ذكر إرث الجنة عقبه بذكر البعث لتوقفه عليه أو لما حث على الصفات الحميدة عقبه بما يبعث عليه أو لما حث على عبادته وامتثال أوامره عقبه بما يدل على ألوهيته لتوقف العبادة عليه. وقوله: من خلاصة سلمت من بين الكدر بوزن الحذر أي المختلط أو هو بالفتح مبالغة في إطلاقه على المتكدر وهو إشارة إلى أنّ السلالة ما سل واستخرج وصيغة فعالة كما في الديوان لما بقي بعد المصدر فالسلالة لما بقي بعد السل كالقلامة والبراية ولذا قال الزمخشري: إنها تدلّ على القلة. وقوله: متعلق بمحذوف ومن تبعيضية أو ابتدائية ولم يصرّج
به لظهوره ولمقابلته بقوله: أو بيانية وان كان فيه ركاكة فلا يرد أنّ من البيانية لا تنافي الوصفية إذ لا مانع منها وإن احتمل البدلية أو البيانية. ولا يتوهم أنّ المراد بالصفة المخصصة لأنّ السلالة أعئم من الطين فهي على البيان كذلك. وكون أو بمعنى الواو والبيان لغوي تعسف بارد وسيأتي تتمة له. وقيل إنه عطف على اسم إنّ وخبره وانه بيان لتعلقها بمحذوف بوجه آخر لأنّ البيانية لا بد من حذف متعلقها وهو تعسف. قوله: (أو بمعنى سلالة) معطوف على قوله بمحذوف فهو متعلق به بلا تقدير. وقوله: كالأولى الظاهر أنّ المراد به من في قوله: من سلالة. وقد جوّز فيه أن يكون المراد به من الثانية في الوجه الأوّل وهو كونها صفة أو بتقدير الطريقة الأولى وأخر ذكرها للاختصار وهو بعيد. قوله: (أو الجنس (أي المراد الجنس كله. وقوله: فإنهم الخ بيان له بأنه مبدأ بعيد فإنهم من النطف الحاصلة من الغذاء الذي هو سلالة الطين وصفوته، وآدم عليه الصلاة والسلام ليس كذلك فإمّا أن يترك بيان حاله لأنه معلوم وتبين حال أولاده أو يكون وصفا للجنس بوصف أكثر أفراده. وقيل إنه جعل الجنس كذلك لأن أوّل أفراده الذي هو أصله كذلك وهذا غير ما ذكره المصنف رحمه الله ولكل وجهة. وقوله بعد أدوار أي بعد سنين لأنّ السنة مقدار دور الفلك. قوله: (وقيل المراد بالطين آدم) عليه الصلاة والسلام فهو من مجاز الكون ولعدم القرينة عليه وعدم تبادر النطفة من السلالة مرّضه والمراد بالإنسان حينئذ الجنس ووصفه بما ذكر باعتبار أكثر أفراده فلا يعد في خروج آدم نفسه منه كما توهم لذكره بعد. وقوله: فحذف المضاف وهو نسل إن لم يحمل على الاستخدام لكنه خلاف الظاهر ولذا لم يلتفتوا له هنا وان كان من المحسنات وقد جوّز تقديره قبل الإنسان أي أصل الإنسان. قوله: (بأن خلقناه منها) إشارة إلى أنّ جعل بمعنى خلق ونطفة منصوب بنزع الخافض وأمّا كونه بمعنى التصيير والإنسان ما سيصير إنسانا على أنه من مجاز الأول فقليل الجدوى مع تكلفه. قوله: (أو ثم جعلنا السلالة الخ) فالجعل بمعنى التصيير والإنسان الجنس أو آدم عليه الصلاة والسلام والسلالة ما يخلق ويصوّر منه كما سيشير إليه وتأويله بالجوهر لا يخلو من كدر. لأنه بهذا المعنى غير معروف عند العرب وفي اللغة حتى يأتي به القرآن وإنما هو اصطلاح للمتكلمين كما صرّحوا به. قوله: (مستقر حصين)(6/321)
أصل القرار مصدر قرّ يقر قراراً بمعنى ثبت ثبوتا ثم أطلق على المستقر بالفتح وهو محله مبالغة كقوله: {جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ
قَرَارًا} ولذا فسره المصنف رحمه الله به والمراد به هنا الرحم والمكين المتمكن ولذا تيل لذي القدرة والمنزلة فهو وصف لذي المكان وهو النطفة هنا فوصف به محلها على أنه مجاز أو كناية عن حصين أو إسناد مجازي أي مكين صاحبه فحصين بيان احاصل معناه فقوله: يعني الرحم تفسير المستقرّ بالفتح. وقوله: وهو يعني به المكين وللمستقر بكسر القاف وهو المتمكن. وقوله مبالغة على الإسناد المجازي كطريق سائر وفي الكشاف وجه آخر وهو أن الرحم نفسها متمكنة فلا تنفصل لثقل حملها أو لا تمج ما فيها فهوكناية عن جعل النطفة محرزة مصونة. وقوله: كما عبر عنه بالقرار التشبيه في مجرّد المبالغة إذ جعل عين القرار كرجل عدل لا في وصف المحل بوصف المستقرّ كما قيل لأنّ القرار من الأمور النسبية. وقوله: علقة حمراء أي قطعة دم متجمدة. قوله: (بأن صلبناها) الخلق هنا بمعنى الإحالة لا الإيجاد المتعارف أو إيجاد صورة أخرى وتغيير التعبير ليس مجرّد تفنن كما قيل لأن إحالة الأولى ظاهرة لتغيير ماهيته ولونه وفي الثاني هو باق على لونه وإنما ازداد تماسكا واكتنازاً فلذا عبر بالتصيير وفي الثالث جعل بعضه صلباً يابسا كبقية العظام. قوله: (فكسونا العظام لحما) أي جعلنا. محيطا بها ساتراً لها كاللباس وذلك اللحم يحتمل أن يكون من لحم المضغة بأن لم تجعل كلها عظاما بل بعضها، وهو الظاهر ولذلك قدمه بقوله: مما بقي الخ ويحتمل أن يكون خلقه الله عليها من دم في الرحم واليه أشار بقوله أو مما أنبتنا الخ. قوله: (واختلاف العواطف الخ (يعني عطف بعضها بثم الدالة على التراخي وبعضها بالفاء التعقيبية مع أنّ الوارد في الحديث من أن مدة كل استحالة أربعين يوما يقتضي أن يعطف الجميع بثم إن نظر لتمام المدة أو لأولها. أو بالفاء إن نظر لآخرها كما قال النحاة إنّ إفادة الفاء الترتيب بلا مهلة لا ينافي كون الثاني المترتب يحصل بتمامه في زمان طويل إذا كان أوّل أجزائه متعقبا لآخر ما قبله وهذا يصحح عطف بعضها على بعض بثم وبعضها بالفاء لكنه لا يتمّ به الجواب كما توهم إذ لا بدّ من المرجح للتخصيص واليه أشار المصنف بقوله لتفاوت الاستحالات يعني أنّ بعضها مستبعد حصوله مما قبله وهو المعطوف بثم فجعل الاستبعاد عقلاً أو رتبة بمنزلة التراخي والبعد الحسيّ لأنّ حصول النطفة من أجزاء ترابية غريب جدا. وكذا جعل تلك النطفة البيضاء دماً أحمر بخلاف جعل الدم لحماً مشابها له في اللون والصورة وكذا تثبيتها وتصليبها حتى تصير عظماً لأنه قد يحصل ذلك بالمكث فيما يشاهد وكذا مد لحم المضغة عليه ليستره وهذا ما عناه المصنف فافهم. قوله:
(والجمع لاختلافهابم أي جمع العظام دون غيرها مما في الأطوار لأن العظام متغايرة هيئة وصلابة بخلاف غيرها ألا ترى عظم الساق وعظم الأصابع وأطراف الأضلاع. وقوله: اكتفاء باسم الجنس الصادق على القليل والكثير مع عدم اللبس هنا كما في نحو قوله:
كلوا في بعض بطنكم تعفوا
وفيه مشاكلة لما قبله كما ذكره ابن جني وأفراد أحدهما صادق بأفراد الأوّل وجمع الثاني وعكسه وبهما قرئ. قوله: (هو صورة البدن (أي المراد بهذا الخلق تمييز أعضائه وتصويره وجعله في أحسن تقويم وهو المناسب لقوله: فتبارك أو المراد بالخلق الآخر الروح لأنه مغاير للأوّل وأعظم ورتبته أعلى فلذا عطف بثم ووصف بآخر فمعنى أنشأناه أنشأنا له أو فيه وكذا إذا أريد به القوى الحساسة ونحوها. وقوله: بنفخه فيه ضمير نفخه للروج وذكر لتأويله بمخلوف ونحوه وضمير فيه للبدن أو للإنسان المفهوم منه والجار والمجرور إمّا متعلق بأنشأنا أو بمقدر وهو إما ناظر إلى القوى أو إليها لىالى الروح يعني أن إنشاء الروح نفخها في البدن وانشاء القوى بسبب نفخ الروح فمن قصر فقد قصر ومن قال: يعني نفخ الله الروح أو القوى في البدن فقد تساهل فتدبر. وقوله لما بين الحلقين من التفاوت أي الرتبي أو الزماني. وقيل: المراد الرتبي لا الزماني لتحققه في الجميع بخلاف الرتبي كما مرّ. قوله: (واحتج به أبو حتيفة الخ (أفرخت بمعنى أخرجت فرخها وقد قيل إن في احتجاج الحنفية بهذا نظراً لأن مباينته للأوّل لا تخرجه عن ملكه. ورد بأن بالمباينة يزول الاسم وبزواله يزول الملك عنده كما تقرّر في الفروع. وقيل تضمينه الفرخ لكونه جزءاً من المغصوب(6/322)
لا لكونه عينه أو مسمى باسمه وفيه بحث. قوله: (قتبارك الله أحسن الخالقين (بدل لكنه يقل في المشتقات أو خبر مبتدأ مقدر ولكن الأصل عدم الإضمار أو صفة قيل وهو الأولى لأن إضافة أفعل من محضة على الأصح وقيل إنها غير محضة وارتضاه أبو البقاء والخلق بمعنى التقدير كما في قوله:
ولأنت تفري ما خلقت وب! ض القوم يخلق ثم لا يفري ...
لا بمعنى الإيجاد إذ لا خالق غيره إلا أن يكون على الفرض والتقدير واليه أشار المصنف والمميز المحذوف قوله تقديرا وفي الكشاف وروي أن عبد القه بن سعد بن أبي سرج كان يكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم فنطق بذلك قبل إملائه فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اكتب هكذا نزلت " فقال عبد الله: إن كان محمد نبيا يوحى إليه فأنا نبيّ يوحى إليئ فلحق بمكة كافراً ثم أسلم يوم الفتح. وقد أورد عليه أنه مخالف لما قدمه في الأنعام من أنه رجع مسلماً قبل الفتح إلا أن يكون فيه روايتان وأما القول بأنّ الرواية غير صحيحة لأنّ السورة مكية وارتداده بالمدينة كما اعترف به الراوي فجراءة على الحديث بالرد وكونها مكية باعتبار أكثرها وقد مر ما يشير له ولهذا تفصيل في محله. قوله: الصائرون إلى الموت (هذا من قوله بعد ذلك. وقوله: لا
محالة من الاسمية وأن واللام وصيغة الثبوت. وقوله: ولذلك أي ولدلالته على أنه لا محالة أي لا بد منه واسم الفاعل مائت الدال على الحدوث وبه قرئ. وزيد تأكيد الجملة الدالة على الموت مع أنه غير منكر دون ما ذكر فيه البعث المتردّد فيه وكان الظاهر العكس لأنّ تأكيد الموت في المعنى عائد إلى توكيد ما هو متوقف عليه من الجزاء ومن ثمة كزر إنكم ونقل من الغيبة إلى الخطاب ولأنّ الموت كالمقدمة للبعث فكان توكيده توكيدا له. وقيل إنه بولغ في القرينة الأولى لتمادي المخاطبين في الغفلة فنزلوا منزلة المنكرين وأخليت الثانية لسطوع براهينها وتكرير حرف التراخي للإيذان بتفاوت المراتب. قوله تعالى:) {وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ} الخ) ارتباطه بما قبله إمّا لأنه استدلال على البعث أو بيان لما يحتاجون إليه في البقاء بعد خلقهم. وقوله: لأنها طورق الخ يعني أنها جمع طريقة بمعنى مطروقة من طرق النعل والحوافر إذا وضع طاقاتها بعضها فوق بعض قيل فعلى هذا لا تكون السماء الدنيا من الطرائق إذ لا سماء تحتها فجعلها منها من باب التغليب ولا يخفى أنّ المعنى وضمع طاق فوق طاق مساو له فيندرج ما تحت الكل لكونه مطارقا أن له نسبة وتعلق بالمطارقة فلا حاجة إلى التغليب. وقوله وكل ما فوقه مثله فهو طريقه قيل: وعلى هذا كل من السبع طريقة فإن فوق السابعة الكرسي، وهو ذلك الثوابت وظاهر أنه مثل ما تحته في أكثر الوجوه فجعله وجها آخر للإطلاق المذكور. وقد قيل: إنه من تتمة قوله لأنها طورق الخ لبيان أنّ مدار إطلاق الطريقة على السماء فوقية مثلها عليها لا فوقيتها على مثلها فهو لتعيين أحد محتملي هذا القول وهذا مع ظهوره خفي على هذا القائل فتأمل. قوله: (أو لآنها) أي السموات طرق الملائكة فالطريقة بمعناها المعروت ولا يأباه كون المقام لبيان ما قاض على المخاطبين من النعم الجسيمة لأنه غير مسلم مع أنّ الملائكة منها ما هو وسايط لما يصل إليهم مع أنّ قوله وما كنا الخ قيل: إنّ معناه أنا خلقنا السماء لأجل منافعهم ولسنا غافلين عن مصالحهم. وقوله: الكواكب معطوف على الملائكة. وقوله: فيها مسيرها بيان لكونها طرقا للكواكب والمسير مصدر ميمي بمعنى السير. وقوله: عن ذلك المخلوق إشارة إلى أنّ الخلق بمعنى المخلوق وأفرد لأنه مصدر في الأصل أو لأنها في حكم شيء واحد فالتعريف على هذا عهدي وعلى ما بعده استغراقي وأفراده لما ذكر أوّلاً والإظهار في مقام الإضمار للاعتناء بشأنها. قوله: (مهملين أمرها (هذا جار على
الوجهين وإن كان أوّله ظاهراً في الأوّل. وتوله: من السماء إمّا على ظاهره على ما ورد في الحديث أنّ بعض الأنهار من الجنة أو بمعنى السحاب أو المطر أو جهة العلو. وقوله: بتقدير تفسير لقدر بوجهين متقاربين وهما التقدير والمقدار لكنه على هذا صفة ماء أو حال من الضمير وعلى الثاني صلة أنزلنا. وقوله: يكثر نفعه ويقل ضرره بيان لحكمة تقديره وفي الكشاف يسلمون معه من المضرة وعدل المصنف عنه لأنه قد يضرّ لكن الضرر(6/323)
القليل مع الخير الكثير كلا ضرر فمالهما عند التحقيق متحد ولذا اقتصر على الصلاج في الثاني واستقرارها شامل لما في ظاهرها كالأنهار وما في باطنها كالآبار. قوله: (بالإفساد (أي إخراجه عن المائية أو رفعه إلى محل آخر والاستنباط الاستخراج. وقوله: كما كنا قادرين الخ إشارة إلى أنّ هذه الجملة حالية. قوله: (إيماء إلى كثرة طرقه (لعموم النكرة وان كانت في الإثبات. والمبالغة في الإبعاد ناشئة من كثرة الذهاب فلذا كان أبلغ أي أكثر مبالغة من تلك الاية لأنّ فيها ذهاباً واحداً وهو التغوير المشعر ببقائه غائراً ولذا عقب بقوله: {فَمَن يَأْتِيكُم بِمَاء مَّعِينٍ} [سورة الملك، الآية: 30] وذكر في التقريب للأبلغية ثمانية عشر وجهاً لكنها ليست كلها من التنكير واختيرت المبالغة هنا لأن المقام يقتضيها إذ هو لتعداد آيات الآفاق والأنفس على وجه يتضمن الدلالة على القدرة والرحمة مع كمال عظمة ا! متصف بهما ولدّا ابتدئ بضمير العظمة مع التأكيد بخلاف مائة فإنه تتميم للحث على العبادة والترغيب عما هو فإن فلا يتوهم أنه عدل عن الأبلغ ثمة لأنه أبلغ في مقامه كما فصله في الكشف. قوله: (من نخيل وأعناب) قدمهما لكثرتهما وكثرة الانتفاع بهما والمراد بالفواكه ما عداهما وثمارها وزروعها بدل من الجنات إشارة إلى أنّ من ابتدائية لأنّ الزروع ليست بعضاً منها وإنما هي في خلالها وقيل إنها تبعيضية ومضمونها مفعول تكلون وتغذيا تمييز أو منصوب بنزع الخافض. قوله: (أو ترثزقون (يعني أن ا! ل مجاز أو كناية عن التعيش مطلقاً فيشمل غيره ومن ابتدائية أو تبعيضية والأوّل متعين للمثال.
وقوله: أنواع توجيه لجمع الفاكهتين باعتبار تعدد أنواعهما وما يحصل منهما. وطعام معطوف على قوله: أنواع يعني أن ثمرتها جامعة للتفكه والغذاء بخلاف بقية الفواكه والدبس بكسر وكسرتين عسل النخل، والعامة تطلقه على عسل الزبيب وكلام المصنف ظاهر فيه وقال المعري العرب تسمي عسل النخل دبساً والحرفة الصنعة. وقوله: في ثمرتها إشارة إلى تقدير مضاف أو إلى أنّ الضمير للثمرة المفهومة منها. قوله: (ومما أنشأنا لكم به شجرة) إشارة إلى الخبر المقدر وقدره مقدما وان كانت النكرة موصوفة لأنه الأولى كما مرّ. والشجرة شجرة الزيتون نسبت إلى الطور لأنه مبدؤها أو لكثرتها فيه وجبل موسى عليه الصلاة والسلام أي جبل عرف به لمناجاته عليه. وأيلة بالفتح محل معروف يسمى اليوم العقبة وهو على مراحل من مصر وفلسطين بكسر الفاء وفتحها بلدة بالشام. وتوله: الطور للجبل أي اسم للجبل المخصوص أو لكل جبل وهو عربيئ وقيل معرّب. وقوله: كامرئ القيس أي هو مركب إضافيّ جعل علما وفي نسخة وبعلبك أي فيمن أضافه كما في الكشاف وهو لغة فيه وقوله: ومنع صرفه أي صرف سيناء سواء كان اسم البقعة أو جزء العلم الأخير لأنه يعامل معاملة العلم كما مرّ في جنات عدن فما قيل إنّ هذا على الثاني وأمّا على الأوّل فمنع الصرف للعلمية والتركيب إن لم يكن فيه إضافة وإلا فكالثاني لا يخفى ما فيه. قوله: (لا للألف) أي ألف التأنيث الممدودة لما سيذكره من أنه ليس في كلام العرب فعلاء بكسر الفاء والمد وآخره ألف تأنيث كما أشار إليه بقوله إذ لا فعلاء الخ قال المعرب رحمه الله هذا قول البصريين وأمّا الكوفيون فلا يسلمونه ويقولون ألفه للتأنيث وكسر السين لغة كنانة وقوله في نسخة كديماس بالدال والسين المهملتين هو الحمام ووقع في بعض النسخ ديماء وهو تحريف وبقوله فيعال سقط ما أورد على قوله: من السناء بالمدّ من أنه ليس بعربيئ كما نصوا عليه ولو سلم فالمادّتان مختلفتان لأن عين السناء نون وعين سيناء ياء لأنّ عجمته غير متفق عليها وعين سيناء أيضا نون وياؤها مزيدة وهمزتها منقلبة عن واو ووزنه فيعال وهو موجود في كلامهم كقيتال في المصدر ويؤيده ما في بعض النسخ من قوله كديماس. قوله: (أو ملحق بفعلال) فهمزته ليست للتأنيث بل للإلحاق بشمراخ وقرطاس فهو كعلباء بالعين المهملة والباء الموحدة وهي عصبة في العنق وهمزته منقلبة عن واو أو ياء لتطرفها بعد ألف زائدة كرداء وكساء لأنّ الإلحاق يكون بهما. وقال أبو البقاء: إنها أصلية. وقوله: من السين أي من هذه المادّة. قوله: (بخلاف سيناء) أي في القراءة بفتح السين فيجوز
كون منع صرفه للألف الممدودة أو للعلمية والتأنيث أو العجمة وكيسان علم لشخص أو لمعنى الغدر. وقوله: إذ ليس في كلامهم(6/324)
يعني فعلال بالفتح لا يوجد في كلام العرب إلا نادراً كخزعال لطلع الإبل لكن المراد في غير المضاعف فإنه فيه كثير كزلزال وصلصال ووسواس كما صرّج به النحاة ولا يختص بالمصادر كما قيل: وعلى قراءة القصر فألفه للتأنيث كذكري إن لم يكن أعجمياً.
قوله: (أي تنبت ملتبساً بالدهن الخ (يعني أنه على القراءة بفتح التاء وضم الباء من الثلاثي اللازم تكون الباء للملابسة والمصاحبة كجاء بثياب سفره والجار والمجرور حال وكان الظاهر أن يقدره ملتبسة لكنه في النسخة التي عندنا ملتبساً فكأنه أوّل بملتبسا ثمرها. لأنه الملابس للدهن في الحقيقة. وقوله: معدية تفسير لقوله: صلة لأنّ الصلة تكون بمعنى الزائدة، ومن توهم أنه المراد هنا اعترض! عليه بأن المعدية لا تكون صلة وبالعكس فالأولى الاكتفاء بكونها معذية فإن المراد أنها متعلقة بالمذكور وأخره لأنّ إنبات الدهن غير معروف في الاستعمال وإنما يضاف الإنبات للثمر ونحوه. قوله: (وهو إمّا من أنبت بمعنى نبت (والهمزة فيه ليست للتعدية عند من أثبت أنبت بمعنى نبت واستشهد عليه ببيت زهير المذكور وأنكره الأصمعي وقال: إنّ الرواية في البيت نبمت لا أنبت مع أنه يحتمل التعدية بتقدير مفعول له. ورأيت بفتح تاء الخطاب بتصحيح الصاغاني وذوي الحاجات الفقراء وتطينا جمع قاطن بمعنى مقيم والقطين الخدم والاتباع أيضا والمعنى رأيت ذوي الحاجات مقيمين حول بيوتهم لقضاء أوطارهم لأنها معاهد الكرم وموارد النعم حتى إذا ظهر الخصب انفضوا من حولها للانتجاع والتعيش وعلى تقدير زيتونها الجارّ والمجرور حال من المفعول المحذوف أو من الضمير المستتر وقيل الباء زائدة كقوله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ويحتمل أيضا تعدية أنبت بالباء لمفعول ثان دماسناد الإنبات إلى الشجرة بل وإلى الدهن مجازي. قوله: (وقرئ على البناء للمفعول (على أنه مجهول أنبت وهو كالأوّل معنى وإعرابا بجعل الباء للملابسة لا غير وتثمر معطوف على نائب فاعل قرئ وكذا ما بعده وقيل إنه تفسير ظن قراءة وقرئ تنت من الثلاثيئ بالدهان بكسر الدال وهو جمع دهن كرماج أو مصدر كالدباغ. والدهن بالضم ما يعصر من الدسم وبالفتح مصدر بمعنى العصر. قوله: (عطف أحد وصفي الشيء (منصوب بمعطوف على
أنه مفعول مطلق له وهو إشارة إلى أنّ الصبغ هو الإدام من المائعات على الاسنعارة لأنه إذا غمس فيه تلوّن بلونه وأن كان المراد به الدهن أيضا لكن لكونهما وصفين نزل تغاير مفهوميهما منزلة تغاير ذاتيهما فعطف أحدهما على الآخر كقوله:
إلى الملك القرم وابن الهمام
كما مرّ. وقوله: الجامع هو معنى الواو العاطفة ودبغ بكسر الدال هنا ما يدبغ به وبالفتح مصدر. قوله: (وتستدلون بها) أي بالأنعام أي بحالها وهو عطف تفسيريّ وضمير بطونها للأنعام باعتبار نسبة ما للبعض إلى الكل لا للإنات منها على الاستخدام لأنّ عموم ما بعده يأباه وقوله: أو من العلف وهو ما تاكله الدوات وهذا ما يحتمله النظم لأنه المناسب لكونه في بطونها إذ اللبن في الضرع لا في البطن ولأنه أليق بالعبرة ولذا جوّزه المصنف وإن كان لا يحتمله ما في سورة النحل. قوله: (في ظهووها وأصوافها وشعورها (إشارة إلى أنّ الأنعام شامل للأزواج الثمانية لا مخصوص بالإبل ولذا لم يذكر الوبر وأدخله في الشعر لأنه يطلق عليه ودخوله فيه غير محتاج للبيان مع الشعور وما ذكر إرشاد لبقية المنافع كالنسل اعتماداً على ما مرّ من أصيله وقوله فتنتفعون بأعيانها إشارة إلى أنّ ما قبله انتفاع بمرافقها وتقديم الظرف للفاصلة أو للحصر الإضافي بالنسبة للحمير ونحوها كما في الكشاف أو الحصر باعتبار ما في تأكلون من الدلالة على العادة المستمرّة ومن تبعيضية لأنّ منها ما لا يؤكل وقوله وعلى الأنعام أي الأزواج الثمانية كما بينه ما بعده وهذا أيضاً من نسبة ما للبعض إلى الكل كما أشار إليه بقوله: منها. وقوله: وقيل: قائله الزمخشريّ لكن كلامه محتمل لتخصيص الأنعام وتخصيص ضميره بالاستخدام والمصنف رحمه الله حمله على الثاني لقوله: فيكون الضمير الخ لأنّ الأوّل بعيد وقيل الأولى عدم تمريضه لأنّ الحمل على البقر ليس بمعتاد عند المخاطبين كما يشير إليه التعبير بالمضارع الدال على الاعتياد والاستمرار وقوله لأنيا هي المحمول عليها أي دون البقر. قوله: (والمناسب للفلك) الظاهر المناسبة والأمر فيه سهل ولم يستدل به الزمخشري لكنه يفهم من سياقه(6/325)
فلذا ذكره المصنف رحمه الله والشعر لذي الرمّة من قصيدة مشهورة له وقبله:
ألاخيلت ميّ وقدنام صحبتي فمانقرالتهويم إلاسلامها ...
طروفا وجلب الرحل مشدودة به سفينة برّ تحت خذي زمامها ...
وجعل الإبل سفائن البر معروف مشهور وهي استعارة لطيفة وقد تصرّفوا فيها تصزفات
بديعة كقول بعض المتأخرين:
لمن شجر قد أثقلتها ثمارها سفائن برّ والسراب بحارها ...
قوله: (فيكون الضمير فيه الخ) أي هو مما رجع الضمير فيه إلى بعض أفراد عام مذكور
قبله باعتبار بعضه فانّ المذكور في هذه الآية أوّلاً مطلق المطلقات والضمير من بعولتهن راجع إلى بعضهن وهي المطلقات الرجعية لكنه هنا أظهر لأنّ الأنعام بحسب الأصل مخصوص بالإبل فالاستخدام فيه ظاهر قيل وهو اعترا ضعلى الزمخشريّ حيث خص الأنعام بالإبل وهو لا يناسب مقام الامتنان ولا سياق الكلام وما جنح إليه من اقتضاء الحمل إنما يقتضي تخصيص الضمير وله نظائر في القرآن مع اشتماله على نوع من البديع فتأئل. قوله تعالى: ( {تُحْمَلُونَ} ) أي بأنفسكم وأثقالكم وليس مما حذف فيه المضاف فأقيم المضاف إليه مقامه كما قيل وقوله في البر والبحر لف ونشر مرتب وللجمع بينها وبين الفلك في هذه الخاصة الدال على المبالغة في تحملها أخرت في الذكر ولكونها غير عامة أيضاً كما مرّ. قوله: (مسوق الخ) بيان لارتباطه بما قبله وهو ظاهر. وقوله حاقهم ضمنه معنى أصابهم فعداه بنفسه وأصله أن يتعدى بالباء وناداهم وأضافهم له استعطافاً وشفقة. وقوله استئناف أي قوله ما لكم من إله جملة مستأنفة استئنافا بيانياً بتقدير سؤال هو لم أمرتنا بعبادته فكأنه قيل لأنكم لا إله لكم غيره وهي تفيد تخصيصه بالعبادة وما كان علة لتخصيص العبادة كان علة لها أو هو بيان لوجه اختصاص الله بالعبادة لأنّ عبادة الله لا تصح مع التخليط فالعلة تدلّ على الاختصاص كالمعلل فلا حاجة إلى أن يقال المراد بعبادة الله وحده وقوله: على اللفظ إشارة إلى أنّ قراءة الرفع على المحل. قوله: (افلا تخافون) أصل معنى التقوى الوقاية مما يخاف ثم استعملت في الخوف نفسه كما هنا. وقوله: أن يزيل الخ هو مفعوله المقدر بقرينة المقام وقدّره الزمخشريّ أن ترفضوا عبادة الله الذي هو خالقكم ورازقكم أي عاقبة ذلك وهو مآلاً متحد مع ما ذكره المصنف رحمه الله وفسر الملا بالإشراف لأنّ معناه كما قال الراغب جماعة مجتمعون على رأي فيملؤون العيون رواء. والقلوب جلالة وبهاء فيختص بأشراف القوم وان استعمل بمعنى الجماعة مطلقا. قوله: ( {الَّذِينَ كَفَرُوا} ) الظاهر أنّ
الوصف ذكر للذم لأنّ تائل هذه المقالة لا يكون مؤمنا ولأنّ أشرافهم لم يتبعوه لقوله ما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا ويصح أن تكون للتمييز وان لم يؤمن بعض أشرافهم وقت التكلم بهذا الكلام لأنّ من أهله المتبعين له أشرافا وأمّا تلك الآية فعلى زعمهم أو لقلة المتبعين منهم. قوله: (أن يطلب الفضل عليكم ويسودكم) جعل طلب الفضل الدال عليه صيغة التفعل كناية عن السيادة ولذا عطفه عليه عطفا تفسيريا فلا يرد عليه أنّ الإرادة عين الطلب فيكون التقدير يطلب أن يطلب الفضل عليكم والمطلوب هو الفضل لا طلبه حتى يقال إنّ صيغة التفعل مستعارة للكمال فإن ما يتكلف له بكون على أكمل وجه مع أن الطلب ينبعث عن الإرادة لا عينها فتأمل. قوله: (أن يرسل رسولاً) هو مفعول المشيئة المقدر المفهوم من السياق وأمّا القول بأنه إنما يحذف إذا لم يكن أمراً غريناً وكان مضمون الجزاء كما قرّر في المعاني فليس بلازم وان أوهمه كلامهم لأنّ ما ذكروه ض! ابطة للحذف المطرد في فعل المشيئة لا مطلقا فإنه كسائر المفاعيل يحذف ويقدر بحسب القرائن مع أنه هنا غير مخالف لكلامهم كما توهم ولذا فسر ملائكة برسلاً وقد مر تفصيله. قوله: (ما سمعنا به أنه نبي) بدل من الضمير المجرور ليتعلق السماع به فإنه لا يكون متعلقه جثة فيكون معنى السماع به السماع بخبر نبؤته وقد جوّزوا فيه أن يكون هذا إشارة إلى الاسم وهو لفظ نوح عليه الصلاة والسلام(6/326)
والمعنى لو كان نبياً لكان له ذكر في آبائنا الأوّلين وهذا الوجه وما قبله إنما يتأتى من متأخري قومه المولودين بعد بعثته بمدة طويلة فيكون المراد بابائهم من مضى قبلهم في زمنه صلى الله عليه وسلم وهذا القول صدر منهم بعد مضيهم ولا يلزم أن يكون في آخر أمره فالفاء فيه للسببية لا للتعقيب كما أثبته النحاة. وقوله: ما كلمهم به معطوف على نوحا وعلى هذا لا يحتاج إلى تأويل. وفي الكشاف أي ما سمعنا بمثل هذا الكلام أو بمثل هذا الذي يدعي وهو بشر أنه رسول الله وما أعجب شأن الضلال لم يرضوا للنبوّة ببشر، وقد رضوا للإلهية بحجر. وقد قيل إنه قدر المثل إشارة إلى أنه لا بد من تقديره لأن عدم السماع بنوح عليه الصلاة والسلام أو بكلامه المذكور لا يصلح للرد لأن السماع بمثله كاف للقبول كما أفاده بعض المحققين من شرّاحه ومن لم يقف على مراده قال إنه لا حاجة إلى تقديره فإنّ الإشارة إلى نفس هذا الكلام مع قطع النظر عن المشخصات وفي قوله من الحث دون حثه إيماء إليه. نعم هو وجه آخر لا غبار عليه والظاهر أنه ليس إشارة إلى التقدير بل هو تقرير للمعنى فيتحد كلامهما فتدبر. قوله: (وذلك (أي كلامهم المذكور على الوجهين الأخيرين من أنه لم يحث أحد على عبادة الله أو لم يدع بشر النبوّة مع وقوعه إفا إنكار للواقع عناداً أو
لكونهم في زمان فترة فلم يسمعوه قبله وما قيل إنه على جميع الوجوه لا وجه له. والتربص التوقف وباؤه للتعدية أو السببية فتفيد الاحتمال أو الانتظار وفاعل قال ضمير نوح عليه الصلاة والسلام. قوله: (بإهلاكهم (لا شك أن إهلاك العدوّ مستلزم لنصرته وسبب له لا عينه وهو معنى قول الزمخشريّ: في نصرته إهلاكهم فكأنه قال أهلكهم. ولو كانا مترادفين لم يقل كأنه فما قيل إنّ الزمخشريّ جعل النصرة عين إهلاكهم ولا وجه لعدول المصنف عنه سهو. قوله: (أو بإنجارّ ما وعدتهم) بقوله: {إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} [سورة الأعراف، الآية: 26] والإهلاك الأوّل غير ما توعدوا به فمن قال الواو أحسن لعدم التنافي بينهما لم يصب والزمخشري جعل هذا معنى قوله: بما كذبون فالباء فيه آلية وعلى ما ذكره المصنف لا يلزم تعلق حر في جرّ بمتعلق واحد لتغايرهما وترك هذا أولى فتدبر. وقوله. بدل تكذيبهم فما مصدرية والباء للبدل كخذ هذا بذاك فنصرته بدل تكذيبهم لأنه جزاء لصبره أو بدل عن تكذيبهم. قوله: (بحفظنا) مرّ في سورة هود أنّ المعنى ملتبسا بأعيننا عبر بكثرة آلة الحس التي بها يحفظ الشيء ويراعى من الاختلال والزيغ عن المبالغة في الحفظ، والرعاية على طريق التمثيل وقد سبق تحقيقه. ونزول العذاب مرفوع معطوف على أمرنا أو مجرور معطوف على الركوب في السفينة. والتنور كانون الخبز ووجه الأرض! ومنبع الماء وقوله: ومحله أي محل التنور وباب كندة باب لذلك المسجد معروف وكندة علم لقبيلة. وعين وردة علم بقعة بالشام. وقيل: بالجزيرة كما مرّ في هود وفسر عليّ كرّم الله وجهه فار التنور بطلع الفجر فقيل معناه إنّ فوران التنور كان عند طلوع الفجر وفيه بعد وقيل هو مثل كحمى الوطيس. قوله: (فأدخل (بهمزة قطع وسلك متعد هنا وأمتي الذكر والأنثى بمعنى طائفتيهما والإضافة بيانية. وقوله: واثنين تأكيد أي على هذه القراءة. وواحدين مزدوجين تفسير لزوجين إشارة إلى أنّ المراد فردان لا صنفان. قوله: (وأهل بيتك أو ومن آمن معك) من قومك لا من آمن من أهلك والتفسير هو الثاني لذكرهم معهم في سورة هود والقرآن يفسر بعضه بعضاً والأهل كما يطلق
على العشيرة يطلق على أقة الإجابة وهو المراد بالثاني والاستثناء منقطع وإنما ذكر الثاني هنا ولم يذكره في سورة هود للزوم ترك المؤمنين هنا بخلافه ثمة للتصريح بهم فكان ينبغي الاقتصار عليه كما فعله بعض المتأخرين ولا يلزمه الجمع بين معنيي المشترك كما توهم وكونه تفسيراً بما لا يحتمله اللفظ لا يجدي نفعاً فلعله أدخل من آمن به في أهله وفي أهل بيته تغليبا بقرينة ما بعده ولعلمه من التصريح به ثمة، وضمير منهم لأهله بمعنييه لا لقومه كما قيل إذ هو تكلف بلا فائدة فتدبر. قوله: (بإهلاكه للكفرة (وفي نسخة الكفرة. وقوله: الذين ظلموا أقامه مقام الضمير للتنبيه على علة النهي كما أشار إليه بقوله لظلمهم بالإشراك. وقوله: بالدعاء لهم بالإنجاء قدره بقرينة ما بعده ولو عمم لصح ودخل فيه هذا بالطريق الأولى. وقوله لا محالة من التأكيدات. وقوله: إنهم مغرقون استئناف بيانيّ لتعليل(6/327)
ما قبله. وقوله: لا يشفع له أي لا يخبغي أن يشفع له. وقوله: ولا يشفع فيه بالتشديد. والتشفيع قبول الشفاعة كما ورد الشفيع المشفع في المحشر وقوله: كيف أي كيف يليق أن يشفع له أو يشفع فيه وهلاكه من النعم التي أمره بالحمد عليها. وفي أمره بالحمد على نجاة اتباعه إشارة إلى أنه نعمة عليه، والحمد هنا رديف الشكر ولما كان وقوعه في مقابلة الإهلاك غير متبادر أورد الآية الأخرى تنظيراً له. قوله: (وههنا نكتة (وهي أنّ في هذه الآية إشارة إلى أنه لا ينبغي المسزة بمصيبة أحد ولو عدواً من حيث كونها مصيبة له بل لما تضمنه من السلامة من ضرره أو تطهير الأرض من وسخ شركه وإضلاله ولذا قال: نجانا دون أهلكهم لأمره بالحمد هنا وصزج بقطع دايرهم ثمة فافهم. قوله: (في السفينة) إن كان قبل دخولها أو المراد أدم بركة منزلي فيها أو وفقني للنزول في أبرك منازلها لأنها واسعة إن كان بعده. فلا يقال كان حقه أن يقول اجعل منزلي. وقوله: أو في الأرض إن كان الدعاء بعد قراره في السفينة. وأعاد قل لتعدد الدعاء. والأوّل بدفع ضرر ولذا قدمه وهذا لجلب منفعة. قوله: (يتسبب لمزيد الخير في الدارين (بيان لكونه مباركاً في الدنيا بالسلامة واهلاك العدوّ وفي الآخرة لنصرة دينه وابطال الشرك الذي لم يغسل درنه غيو الطوفان وقال: يتسبب للدلالة على قوّته في السببية حتى كأنه بدون مسبب مع أن قوله ر! ت نداء بمسببه فلا يتوهم أنّ الأولى بسبب. وقوله: وقرأ غير أبي بكر منزلاً أي بضم الميم وفتح الزاي والباقون بفتح فكسر وإنما خالف عادته في جعل ما عليه أكثر القراء أصلا مع أنه المناسب
لأنزلني أيضا لأنّ المنزل بالفتح أكثر في الاستعمال فيبادر إليه القارئ والتخريج المذكور جار
فيهما. وفي الكشف خص المشهورة بالذكر على خلاف العادة ليفسرها. قوله: (ثناء مطابق
الخ) لأنّ خبر المنزلين لا ينزل إلا منزلاً مباركا. وقوله: أمره بأن يشفعه به أي يقرن الدعاء
بالثناء أو الثنا بالدعاء. وأشار إلى أنه من مقول قل. وقوله: مبالغة فيه أي في الأمر لأنّ الطلب
للخير من المنازل ممن هو خير منزل يقتضي أنه ينزله وان لم يطلب حتى كأنه محقق قبل
الطلب وأمّا التوسل فلأنّ الثناء على المحسن يكون مستدعيا لإحسانه وقد قالوا إنّ الثناء على
الكريم يغني عن سؤاله. وقوله: أفرده أي نوحاً عليه الصلاة والسلام بالأمر بقوله قل والمعلق
به أي الشرط المعلق به الأمر الذي هو جوابه وهو قوله إذا استويت أتت ومن معك. وقوله:
إظهاراً لفضله وعلوّ مرتبته بأنه لا يليق غيره منهم للقرب من الله والفوز بعز الحضور في مقام
الإحسان، وفيه أيضاً الدلالة على كبريائه إذ لا يخاطب كل أحد من عباده. وقوله: مندوحة أي
غنى وأصل معناه السعة والغنى لأنّ المنزل ليس مخصوصاً به ولأنّ ما يصلى إليه من البركة يصل
لاتباعه. وقوله: فإنه أي دعاءه محيط بهم أي يشملهم لما ذكرناه. قوله: (فيما فعل بنوح (عليه
الصلاة والسلام يعني الإشارة إلى ما ذكر من أوّل قصة نوح عليه الصلاة والسلام إلى هنا.
وقوله: لمصيبين إشارة إلى أنّ الابتلاء إمّا من البلية بمعنى المصيبة أو بمعنى الاختبار وان
مخففة على الأصح. وقيل نافية واللام بمعنى إلا والجملة حالية. قوله: (هم عاد) أي قوم هود
وليس في الآية تعيين لهؤلاء لكن هذا مأثور عن ابن عباس رضي الله عنهما وأيده في الكشاف
بمجيء قصتهم بعد قصة نوح في سورة الأعراف وهود وغيرهما وعليه أكثر المفسرين ولذا قدمه
المصنف رحمه الله ومن ذهب إلى أنهم ثمود قوم صالح استدل بذكر الصيحة لأنهم المهلكون
بها كما صرّح به في هذه السورة. قوله: (وإنما جعل القرن موضع الإرسال) جواب عن سؤال
وهو أنّ أرسل وما بمعناه كبعث يتعدى بإلى فلم ذكر في هنا فأجاب بأنها ظرفية لبيان ما ذكر.
وجعله في الكشاف من قبيل قوله:
تجرج في عراقيبها نصلي
وفيه نظر. قوله: (تفسير لأرسلنا (يعني أن أن فيه تفسيرية بمعنى أي وشرطها تقدم ما فيه
معنى القول دون حروفه وارسال الرسل لما كان للتبليغ كان كذلك. وإليه أشار بقوله: أي قلنا الخ ويجوز كونها مصدرية وقبلها جار مقدر أي بأن الخ ثم إنه قيل إنه قدم من قومه ليتصل البيان بالمبين ويدفع توهم تعلقه بالذين كفروا لو أخر عن تمام الصلة. وهذه النكتة إنما تتأتى إذا لم يكن الذين صفة قومه بل صفة الملا ولا حاجة إلى ارتكابه. قوله: (لعله ذكر بالواو الخ) إشارة إلى نكتة ذكر الفاء في قصة نوح عليه الصلاة والسلام والواو في قصة هود عليه الصلاة والسلام هنا وتركها في هذه القصة في محل آخر(6/328)
وان كان التفنن كافيا في مثله لكن اللائق بشأن التنزيل أن يكون له نكتة خاصة. وفي الكشف أنه قيل إنما الإشكال في اختصاص كل بموقعه ولم يحم الزمخشري حوله. والجواب أنه بين الفرق على وجه يتضمن دفعه وأشار إليه بقوله: وشتان ما هما كأنه قال هناك يحق الاستئناف لأنه في حكاية المقاولة بين المرسل والمرسل إليه واستدعاء مقام المخاطبة ذلك بين وما نحن فيه حكاية لتفاوت ما بين المقالتين لأنّ المرسل إليهم قالوه بعضهم لبعض. وظاهرا باؤه على الاستئناف فالجواب من الأسلوب الحكيم اهـ. وما ذكره المصنف من عدم الاتصال يفهم من العدول من الفاء إلى الواو مع ما فيه من نكتة التضاد. وكونه جواب سؤال يقتضي عدم العطف لكن اختياره ثمة يحتاج إلى مخصص فالجواب غير تام إلا بملاحظة ما في الكشف وهو لا يخلو من الإشكال فتدبر وقوله على تقدير سؤال هو ما قاله قومه في جوابه. قوله: (بلقاء ما فيها) يعني أنه مضاف إلى الظرف وترك ما يلقونه كجوار مكة أي جوار الله في مكة أو إلى المفعول على أنّ الآخرة عبارة عما فيها كما إذا أريد بالآخرة المعاد أو المراد بالآخرة الحياة الثانية وجملة أترفنا معطوفة أو حالية بتقدير قد وهو أبلغ معنى لإفادته الإشارة إلى من أحسن وهو أقوى في الذم وقوله: والعائد إلى الثاني منصوب محذوف والفاصلة ترجحه. قوله: (وإذا جزاء للشرط) كذا في الكشاف وردّه أبو حيان بأنه ليس واقعا في الجزاء بل بين أنّ وخبرها وجملتها جواب القسم على القاعدة المشهورة ولو كان جوابه صدر بالفاء عند من أجازه. وغاية ما يعتذر له بأنه تسمح في العبارة لظهور المراد فأراد أنه سادّ مسد جواب الشرط كما تسمع في جعل إذا جوابا وإنما الجواب جملة إنكم الخ. وهذا عناية القاضي وسلامة الأمير لكن يوضحه أنّ القسم غير مذكور وتقديره إنما هو للتأكيد. وقوله
أيعدكم أنكم أي بأنكم، ويجوز أن لا يقدر فيه حرف كوعدته خيراً وقوله: مجرّدة الخ ما ذكره يفهم من فحوى الكلام. قوله: (وأنكم تكرير للاوّل اللتذكير والتأكيد ولما بالفتح والتشديد أو الكسر والتخفيف وخبره مخرجون وإذا متعلقة به وإذا كان مبتدأ خبره الظرف فالجملة خبر أنّ الأولى والفعل المقدر وقع. وقوله: جوابا للشرط هو إذا وفي الوجه المتقدم هي ظرفية وهو جار في هذا الوجه أيضا والجملة يعني إذا مع شرطها وجوابها وقوله أي أنكم الخ بيان لما قبله على اللف والنشر المرتب. وقوله: ويجوز الخ وتقديره إنكم تبعثون وإذا متعلقة به وهو اختيار سيبويه وقوله لا أن يكون أي خبر أنكم الظرف لأنّ ظرف الزمان لا يخبر به عن الجثة إلا بتأويل كان يقدّر أنّ بعثكم واخراجكم وهو خلاف الظاهر. قوله: (بعد التصديق أو الصحة) يعني أنّ فاعله ضمير مستتر عائد لما ذكر لفهمه من السياق. ولما توعدون بيان له فهو متعلق بمقدر كسقيا لك أي البعد المذكور كائن لما توعدون وليس متعلقاً بالمستتر لأنه لا يصخ تعلق الجارّ به على الصحيح وكلامه بعد. مصرّح بخلافه فلا يصح حمله عليه تشبثا بتجويز بعض النحاة له كما في المغني ولما كان المبين مفسراً للضمير المستتر فسره بقوله أي بعدما توعدون لأنه مآل معناه لا أنه فاعل واللام فيه زائدة لأنّ سياقه وسباقه يأباه لكنه ذهب إليه بعض المعربين وردّ بأنّ اللام لم يعهد زيادتها في الفاعل. قوله: (كأنهم لما صوّتوا الخ) إشارة إلى ما قاله الزجاج وغيره من النحاة من أنه في الأصل اسم صوت كاف للتضجر وليست مشتقة. وقوله: فما له هذا الاستبعاد أي أيّ شيء له هذا الاستبعاد كقوله تعالى {مَا جِئْتُم} به وهو أمر تقديرفي وما قيل إنّ أصله ما الذي فحذف منه الموصول لا وجه له لارتكابه الحذف من غير ضرورة فيه. قوله: (وقيل هيهات بمعنى البعد) هذا وقل الزجاج رحمه الله وهو على القول بأن أسماء الأفعال لها محل من الإعراب. وقيل: إنّ ما ذكره الزجاج بيان لحاصل المعنى- وفيها أكثر من أربعين لغة- منها ما ذكره المصنف من القراآت. وقوله: منوّناً للتنكير كما في غيره من أسماء الأفعال فإنّ ما نوّن منها نكرة وما لم ينوّن معرفة. وقوله: وبالضم منوّناً على أنه جمع هيهة كبيضة وبيضات وقد قيل: إنه مرفوع على الفاعلية أي وقع بعد وليس بشيء كالقول بنصبه على المصدرية وهذا منقول عن سيبويه وما وقع في بعض النسخ هيهية بياء بعد الهاء الثانية من
غلط الناسخ. وقوله: تشبيهاً بقبل أي في مجرّد البناء على الضم. وقوله على الوجهين أي التنوين وعدمه وقوله: بالسكون الخ(6/329)
إشارة إلى ما للقراء من الطريقين فيها الوقوف بالتاء كمسلمات وبالهاء تشبيهاً بتاء التأنيث لا اتباعا للرسم كما قيل. قوله: (أصله أن الحياة إلا حياتنا الدنيا) يعني أنّ الضمير ليس للشأن بل للحياة والضمير يعود على متأخر في صور فصلها النحاة منها ذا فسر بالخير كما هنا قال الزمخشريّ هذا ضمير لا يعلم ما يعني به إلا بما يتلوه من بيانه وأصله أن الحياة إلا حياتنا الدنيا ثم وضع هي موضع الحياة لأنّ الخبر يدلّ عليها وببينها ومنه:
هي النفس تحمل ماحملت وهي العرب تقول ماشاءت
قال ابن مالك وهو من جيد كلامهم لكن في تمثيله ضعف لإمكان جعل النفس والعرب بدلين وتحمل وتقول خبرين. وفي المغني أنّ في كلامه أيضاً ضعفاً لإمكان جعله ضمير القصة وأورد على كونه مفسراً بالخبر أنّ الخبر إذا كان مضافاً أو موصوفاً عاد عليه الضمير باعتبار قيده فيصير التقديران حياتنا الدنيا إلا حياتنا الدنيا فليس مراد الزمخشريّ إنه عائد على الخبر بل على ما دلّ عليه السياق وليس بشيء لأنه في المحكي ابتداء كلام ليس فيه ما يدل عليه غير الخبر ولذا لم يجعل عائداً على ما قبله من قوله: وأترفناهم في الحياة الدنيا والضمير قد يعود على الموصوف بدون صفته وقوله: تعينها لحضورها عندهم إذ لا همّ لهم غيرهم. قوله: (كقوله هي النفس ما حملتها تتحمل) تمامه:
وللدهر أيام تجور وتعدل
قيل عليه إنه يحتمل أن يكون النفس بدلاً من الضمير والجملة خبر أو هو ضمير الشأن
وأمّا على هذا فالخبر مفسر للضمير كما في التسهيل وليس من قبيل شعري شعري كما توهم لأنّ المراد أنّ هذا شانها كقوله:
فقلت لهاياعزكل مصيبة إذاوطنت يومالها النفس ذلت ...
وهذا معنى قوله: في الكشف ليس المعنى النفس النفس لأنه لا يصلح الثاني حينئذ تفسيرا والجملة بعدها بيان بل الضمير راجع إلى معهود ذهني أشير إليه ثم أخبر بما بعد. كما في نحو هذا أخوك فتأمّل. قوله: (ومعناه لا حياة إلا هذه الحياة) يعني الضمير عائد إلى ما
يفهم منها من جنس الحياة ليفيد الحمل ما قصدوه من نفي البعث. ومنه تعلم خطا من قال إنه كشعري شعري. وقوله ويولد بعضنا يعني المراد بالحياة ما ذكر لا حياة أخرى بعد الموت لقوله وما نحن بمبعوثين ولم يجعل الضميرين للجميع على أنّ المراد بالموت العدم قبل الوجود أو الحياة بقاء الأولاد أو على أنهم قائلون بالتناسخ كما سيأتي في الجاثية لبعده وقوله: بمصدقين لأنه معنى الإيمان بالنبيّ صلى الله عليه وسلم والمتعذي بالباء. قوله: (بسبب قكذيبهم) يعني ما مصدرية والباء سببية. ويصح أن تكون بدلية أو آلية كما مرّ. وقوله: عن زمان قليل يعني أنّ قليلاً وكثيراً يقع صفة للزمان ويحذف ويستغنى عنه كهقريب وقديم وحديث وعن للمجاوزة بمعنى بعد هنا وصلة بمعنى زائدة لأنّ الزائد لما كان بمعنى الحشو المهمل وهو لا يقع في كلامه تعالى إذ الزائد فيه لا يخلو عن فائدة كالتأكيد وتحسين اللفظ منعوا من إطلاقه عليه إجلالاً لكلامه تعالى عنه وان كان زائداً بالنسبة لأصل المعنى المراد ولهذا ذهب بعضهم إلى أنه لا زائد فيه أصلاً ففسروه بوجوه أخر كما جعلت ما هنا تامة وقليل بدل منه أو موصوفة به وإلجار والمجرور متعلق بيصبحن وان كانت اللام للابتداء لتوسعهم في الظروف أو بمقدّر دل عليه الكلام كننصر أو نصبح ويصبح بمعنى يدخل في وقت الصباج ويكون بمعنى يصير وهو المراد هنا. قوله: (واستدلّ به) أي بذكر الصيحة لأنّ المهلك بها قوم صالح لا قوم هود فإنهم أهلكوا بريح عاتية كما صرّح به غير هذه السورة ومن فسره بهم قال إنّ جبريل عليه الصلاة والسلام صاج بهم مع الريح كما روي في بعض الأحاديث أو المراد بالصيحة العقوبة الهائلة كما في قوله:
صاج الزمان بأهل برمك صيحة خرّوا لشدتها على الأذقان ...
قوله: (بالوجه الثابت) يعني الحق بمعنى الثابت المحقق والمعنى أنه لا دافع له وإذا كان بمعنى الوعد الصدق فهو ضد الباطل ويصح أن يراد الوجوب بمقتضى وعيده إذ لا وجوب على الله عندنا. قوله: (شبههم في دمارهم بغثاء السيل (السيل معروف وغثاؤه حميله أي ما يحمله من الورق والعيدان البالية وغثاء القدر زبده. ويستعار لما يذهب غير معتد به واليه أشار المصنف رحمه الله ويجوز أن يكون تشبيهاً بليغا(6/330)
وسال به الوادي إذا هلك استعارة تمثيلية
كطارت به العنقاء والدمار بالمهملة! يهالهلاك لفظا ومعنى. قوله: (يحتمل الإخبار والدعاء) البعد ضد القرب والهلاك وفعلهما ككرم وفرح والمتعارف الأوّل في الأوّل والثاني في الثاني والمصدر يكون بعدا وبعداً كرشد ورشد وهو منصوب بمقدر أي بعدوا بعداً والإخبار ببعدهم من رحمة الله من كل خير أو النجاة والدعاء بذلك والمراد أنهم مستوجبون للعذاب فقوله: بعد بضم العين أو كسرها من في قوله لا يستعمل إظهارها نظر لأنّ وجوب حذف عامله عند سيبويه إنما ذكروه فيما! إذا كان دعائيا كما صرّح به في الدر المصون ففي كلامه إطلاق في محل التقييد وقوله: إظهارها من إضافة الصفة للموصوف أي لا تستعمل مظهرة. قوله: (لبيان من دعى عليه) أو من أخبر ببعده وفي الاقتصار على الدعاء إشارة إلى ترجيحه فهي متعلقة بمحذوف كما في سقيا لك والتعليل بأن إبعادهم لظلمهم كما تقرّر في التعليق بالمشتق وقوله يعني قوم صالح عليه الصلاة والسلام فيه إشارة إلى أنّ الدليل على أنّ القرن السابق قوم صالح غير صالح للتعويل وقوله: ومن مزيدة للاستغراق يعني أنها زيدت في الفاعل لتأكيد الاستغراق المستفاد من النكرة الواقعة في سياق النفي وضمير يستأخرون لأنه باعتبار معناه. قوله: (متوا! لرين (أي متتابعين فردا فردا واختلف أهل اللغة في معناه بعد الاختلاف في لفظه هل هو مصدر أو جمع أو اسم جمع فقيل إنه التتابع والتوالي مطلقا وقيل تتابع مع فصل ومهلة كما اختاره الحريري في الدرّة وانتصابه على الحال كما أشار إليه بقوله متواترين وقيل إنه صفة مصدر مقدر أي إرسالاً تترى وقيل مصدر لأرسلنا لأنه بمعنى واترنا وقوله والتاء أي الأولى بدل من الواو كما في تجا. وتجيه وهو كثير والدليل عليه الاشتقاق وكثرة فعلى في الأسماء ومفعول كديجور دون تفعل وتفعول كما في تولج المقرّ الوحش وكناسه لأنه يلج فيه. وتيقور بمعنى الوقار وقوله على أنه مصدر ظاهره أنه في القراءة الأولى ليس بمصدر مع أنه قيل به كما مرّ ونظيره دعوى وألف التأنيث في المصادر كثيرة فتعليله غير تام فالظاهر أن يقول على أن ألفه للإلحاق كارطي لكن ألف الإلحاق في المصادر نادرة وقيل إنها لا توجد فيه وقيل إنه عليه تتر بوزن فعل ورد بأنه لم يسمع إجراء حركات الإعراب على رائه وهي قراءة أبي عمرو وابن كثير وقوله بمعنى المواترة إن أراد أنه حال من ضمير أرسلنا فهو على ظاهره وان كالف حالاً من المفعول ففيه مسامحة ولذا وقع في بعض النسغ المتواترة أي الوسل المتوإترة وهي أظههـ.
قوله: (أضاف الرسول) أي في قوله رسلنا ورسولها لما ذكر ولأنّ الإضافة للملابسة والرسول ملابس المرسل والمرسل إليه وقوله لم يبق منهم إلا حكايات يسمر بها بالبناء للمجهول مخفف من السمر وهو حديث الليل يعني أنهم فنوا ولم يبق إلا خبرهم إن خيرا وان شرّا:
وانما المرءحديث بعده فكن حديثاً حسناً لمن وعى ...
قيل وهو ردّ على الزمخشريّ في دعوى تعين المعنى الثاني أي كونه جمع أحدوثة للإرادة
هنا فإنّ الأوّل صحيح كما لا يخفى ولعله إنما اختاره لأنه أنسب وأقيس كما لا يخفى. قوله: (وهو اسم جمع للحديث) تبع فيه الزمخشريّ وقد مرّ أنّ اصطلاحه أن يطلق اسم الجمع على الجمع الذي ليس بقياسيّ كاسم المصدر للمصدر غير القياسي لا على ما اصطلح عليه النحاة من أنه ما دل على الجمعية ولم يكن على شيء من أوزانها وليس اسم جنس جمعيّ فلا يرد عليه ما قاله أبو حيان من تخطئته بأنّ أفاعيل ليس من أبنية اسم الجمع فالصحواب أنه جمع حديث على غير القياس وأنّ كون الأحدوثة أمراً مستغربا يحدث به للتلهي والإضحاك هو الأكثر وقد ذكر بعض أئمة اللغة أنه ورد بمعنى الحديث كقوله:
فيا حبذا أحدوثة لو تعيدها
فتذكر وقوله بالآيات التسع مرّ تفصيلها والكلام عليها في سورة بني إسرائيل وهرون بدل
أو عطف بيان وتعرّض لإخوّته للإشارة إلى تبعيته له في الرسالة. قوله: (وحجة وا! حة ملزمة للخصم) لأنّ السلطان يطلق عليها فعطفه حينئذ ظاهر وقوله واضحة على أنه من أبان اللازم لأنه يكون لازماً ومتعديا فقوله ملزمة لأنه شأن الواضح ولازمه وفيه إيماء إلى جواز كونه من المتعدي فإن أريد به العصا يكون من ذكر بعض الأفراد(6/331)
بعدما يشمله لتفرّده بالمزايا كأنه شيء آخر واليه أشار بقوله وإفرادها وقوله ما أفكته السحرة أي ما لبسته من الخيال وهو من قولهم أفكه عن رأيه إذا صرفه عنه كما في الأساس والمراد بحراستها حراستها لموسى عليه الصلاة والسلام أو غنمه كما مرّ والرشاء بالكسر حبل الدلو وقوله وأن يراد بها المعجزات هو عكس
تفسيره الأوّل وإذا أريد بها المعجزات فهو من تعاطف المتحدين في الما صدق لتغاير مدلوليهما كعطف الصفة على الصفة مع اتحاد الذات أو هو من باب قولك مررت بالرجل والنسمة المباركة حيث جرّد من نفس الآيات سلطان مبين وعطف عليه مبالغة وأفراده حينئذ لأنه مصدر في الأصل أو لاتحادهما في المراد وقوله فإنها بيان لإطلاقهما عليها. قوله: (عن الإيمان والمتابعة الأنهما دعوا فرعون وملأه إلى ذلك كما صرّح به في آيات أخر كقوله فقل هل لك إلى أن تزكي وأهديك إلى ربك فتخشى ولا ينافيه أنهما طلبا منه خلاص بني إسرائيل ليذهبوا معه إلى الشام لأنهما ذكراه تدريجاً في الدعوة واهتماما بخلاصهم من الأسر فدعوى أنه هو المراد لا ما ذكره المصنف رحمه الله مكابرة كيف لا والإرسال بالمعجزات لم يكن لذلك. وقوله بعده فكذبوهما تفسير هنا وعدم إجابة سؤاله لا يناسبه الاستكبار ظاهرا. وقوله متكبرين أو متطاولين بالبغي والظلم فالعلوّ معنوفي. قوله: (البشر) يطلق على الواحد وغيره لأنه اسم جنى والمثل في الأصل مصدر وقد ثنيا وجمعا كقوله لبشرين هنا وعباد أمثالكم فلذا ثني بشر وأفرد مثلى وهذا هو المصحح وإنما الكلام في المرجح لتثنية الأوّل وأفراد الثاني وهو الإشارة بالأوّل إلى قلتهما وانفرادهما عن قومهما مع كثرة ملتهم واجتماعهم وشدة تماثلهم حتى كأنهم شيء واحد وهو أدل على ما عنوا. قوله: (بأن قصارى شبه المنكرين) أي غايتها وأعظمها لتكرّره منهم كما سمعته في الآيات المسابقة والحقيقة البشرية والإنسانية وقوله متباينة بمعنى متباعدة والأقدام جمع قدم وهي معروفة وتباين الإقدام كناية عن التفاوت فيما بينها والمراد تفاوتها بجعل الله لا بأمر ذاتيّ كما تدعيه الحكماء كما مرّ وكما ترى متعلق بقوله يمكن وقدم لأنه دليل لما بعده وأغبياء بالموحدة جمع غبيّ وبينه وبين أغنياء تجنيس وعاد عليه بمعنى أفاده والراذة كالمردّة الفائدة كالعائدة وقوله أغنياء عن التعلم لكونها أنفسا قدسية ملهمة محدثة وهذه مرتبة من مراتب النبوّة يعلم من إثباتها إثبات غيرها كتخصيصم بالوحي فلا يتوهم أنّ ما ذكره لا يثبت المدّعي واليه أشار بقوله فيدركون الخ. قوله: (وإليه أشار بقوله الخ الأنه كما قال الراغب تنبيه على أنّ الناس متساوون في البشرية وإنما يتفاضملون بما يختصون به من المعارف
الجليلة والأعمال الجميلة ولذا قال بعده يوحى إليّ تنبيها على أني بذلك تميزت عنكم. قوله: (خادمون متقادون كالعباد) قيل ففي عابدون استعارة تبعية بناء على أنه مجاز فيه في متعارف اللغة وان صرّح الراغب أن العابد بمعنى الخادم حقيقة وفي الكشاف أنه كان يدعي الإلهية فادّعى للناس العبادة وأنّ طاعتهم له عبادة على الحقيقة. واعترض عليه بأنّ الإسناد إلى ملئه يأباه والتغليب خلاف الظاهر ولذا لم يعرّج المصنف رحمه الله على هذا الاحتمال مع كونه حقيقة ومنهم من وجهه بأنه لم يثبت عند المصنف وقوله أنا ربكم إلا على ليس بقطعيّ فيه وقد ذكر المصنف رحمه الله أنّ بني إسرائيل كانوا مؤمنين والقول بأنه ليس بموجه إذ اذعاء الإلهية صرّج به المصنف وكون بني إسرائيل مؤمنين لا ينافي اذعاءه أنّ طاعتهم له عبادة لا يخفى ضعفه فإنّ هذا القائل لا ينكر ادّعاءه الألوهية وإنما ينكر عبادة بني إسرائيل له أو كونه يعتقد أو يذعي عبادتهم له. وكونه ليس بثبت مما لا شبهة فيه. قوله: (فكانوا من المهلكين بالغرق في بحر قلزم (التعقيب أمّا لأن المراد محكوم عليهم بالإهلاك أو الفاء لمحض السببية أو هم لما استمرّوا على التكذيب صح التعقيب باعتبار آخره وهذا أولى لعدم التجوّز فيه وقلزم كقنفذ بلد بين مصر ومكة بقرب الطور وإليه يضاف بحر القلزم والمعروف فيه التعريف بأل. قوله: (لعل بني إسرائيل الخ الم يذكر هرون عليه الصلاة والسلام لأنها نزلت بالطور وهو غائب لكونه خليفة في قومه والرجاء بالنسبة لموسى عليه الصلاة والسلام وفي الكلام مضاف مقدر أي قوم موسى وضمير لعلهم عائد عليه بقرينة الجمعية وانفهامهم من ذكر موسى(6/332)
ولذا فسره المصنف بلعل بني إسرائيل وأمّا كونه أريد بموسى قومه كما يقال تميم وثقيف فيرد عليه أنّ المعروف في مثله إطلاق أبي القبيلة عليهم واطلاق موسى على قومه وفرعون على ملئه ليس من هذا القبيل وان كان لا مانع منه ثم إن ما ذكره المصنف هنا مخالف لما مرّ في سورة هود في قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا} الآية إذ جوّز فيها إرادة التوراة والقول بأنّ تمام الإرسال ودوامه إرسال فيصح ملابسته للتوراة ولو بعد غرق فرعون وقوله لعلهم يهتدون هنا مانع منه. تكلف وتعسف وأقرب منه أن يقال إن كونه كذلك وجه لهم والمصنف ليس على يقين منه لأنه استشهد في الكشاف على أق نزولها بعد غرقه بقوله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِن بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَى} وردّ بأنه لا سبيل إليه ضرورة أنه ليس المراد بالقرون الأولى ما يتناول قوم فرعون بل هم من قبلهم من المهلكين خاصة كقوم نوج وهود وصالح ولوط كما سيأتي في القصص ولا يخفى أنّ تقييد الأخبار بإتيانه التوراة بأنه بعد إهلاك من قبله من الأمم معلوم فلو لم يدخل هؤلاء فيهم لم يكن فيه فائدة. وأمّا ما ذكر ثمة من النكتة فيه فسيأتي الكلام عليه في محله إن شاء الله تعالى. قوله: " لى المعارف والأحكام) قيل الاهتداء بالعمل بشرائعها ومواعظها لأنّ
الاهتداء بالكتب الإلهية إنما يحصل بالعمل بما فيها لا بعلمها وردّ بأنّ المراد بالأحكام الأحكام العملية فتفسيره شامل للعلم والعمل وهو أفيد. وقوله لا بعلمها مما لا وجه له فإنّ فيها ما هو محض اعتقاد وإذعان كالعقائد وما هو عمليّ كالفروع. وكونه من الاقتصار على ما هو الأصل والعمدة وان جاز لا داير له مع تحمل عبارته للتعميم وهو أولى. قوله: (بولادتها إياه) يعني أنه كان المتبادر آيتين فجعلهما آية واحدة لأن الخارق للعادة أمر واحد مشترك بينهما وهو ولادتها من غير زوج هو أب له فافرده لأنه مفرد في الواقع متعدد باعتبار أنه أمر نسبيّ متعدد باعتبار طرفيه أو هو على تقدير مضاف أي حالهما أو ذوي آية أو هو على حذف آية من الأوّل لدلالة الثاني عليه ولم يجعل الحذف من الثاً ني لما فيه من عدم الفصل على هذا وفي الآخر الفصل بين المفعولين وليس هذا من التنازع كما توهم ولك أن تقول إن إفراده لأن الآية إذا كانت بمعنى المعجزة أو الإرهاص فإنما هي لعيسى عليه الصلاة والسلام لنبوّته دون مريم والسؤال إنما يتاتى إذا أريد أنها آية على قدرة الله وقوله بأن تكلم في المهد الخ قيل عليه إنه يدلي على أنّ تكلمه صلى الله عليه وسلم في المهد معجزة له وهو مخالف لجعله قوله في المهد وجعلني نبياً من التعبير بالماضي عما يستقبل الخ وليس بشيء لأنه في المهد لا يتصؤر دعوته صلى الله عليه وسلم للخلق حتى يكون نبيا بالفعل وما صدر منه إرهاص وتسميته معجزة تجوز كما لا يخفى فلا غبار عليه. قوله: (وآويناهما إلى ربوة) لأنّ الملك همّ بقتله ففرّت به والربوة ما ارتفع من الأرض دون الجبل ودمشق علم لولد لنمروذ سميت به المدينة كما قاله أبو عبيدة وقرى مصر كل واحدة منها على ربوة مرتفعة لعموم النيل في زيادته لجميع أرضها كما هو مشاهد، ورباوة بمعنى ربوة وبيت المقدس قيل إنه أرفع بقعة في الأرض! ولذا كان المعراج ورفع عيسى عليه الصلاة والسلام منه وقوله: مستقرّ من الأرض منبسطة يعني به أنّ القرار بمعنى الثبات ويكون بمعنى مستقرّ كما مرّ وكون الربا الهضبات قازة ثابتة معلوم لا فائدة في التوصيف به فالمراد أنها ربوة في واد فسيح تنبسط به نفس من يأوي إليه أو المراد أنها محل صالح لقرار الناس لما فيه من الزروع والثمار وهو المناسب لقوله ومعين فقوله مستقرّ تفسير للمضاف أو المضاف إليه ومنبسطة بمعنى مستوية، ويجوز أن يريد سارة فإنه يستعمل بهذا المعنى. قوله: (وماء معين (إشارة إلى أنه صفة موصوف مقدر وقوله ظاهر جار تفسير له على الوجوه الآتية واختلف في وزنه فقيل الميم أصلية ووزنه فعيل من معن بمعنى جرى ويلزمه الظهور لأن الماء الجاري
يكون ظاهر أو المراد اللزوم العرفي الاغلبي فلا يرد عليه إنّ من الماء ما يجري تحت الأرض وأصل معناه الإبعاد ومنه أمعن النظر وقوله أو من الماعون وهو المنفعة أي أو هو ماخوذ من الماعون ومشتق منه بالاشتقاق الكبير وهو المنفعة وله معان أخر فإطلاقه على الماء الجاري لنفعه واليه أشار بقوله لأنه الخ. قوله: (أو مفعول) أي وزنه في الأصل مفعول فأعل إعلال معيب وبابه(6/333)
فالميم زائدة وهو من عانه بمعنى أبصره بعينه كرأسه بمعنى أصاب رأسه وركبه ضربه بركبته. قوله: (وصف ماؤها) أي الربوة بذلك أي بالمعين والتنزه المسرّة وانشراح الصدر من النزهة وأصل معناه التباعد ثم استعمل في العرف للخروج للبساتين ونحوها وقيل مكان نزه لما فيه من الرياض والرياحين لأنه يكون غالبا متباعداً عن العمران وليس بخطا كما زعمه الحريري وصاحب القاموس كما فصلناه في شرح الدرة. قوله: (نداء) يعني أنّ النداء والخطاب ليس وضعهما فيه على ظاهرهما لاختلاف أزمنتهم وهو كذلك سواء جوّز خطاب المعدوم أو لا لأنّ تعلق التخيير بالاتفاق لا يجوز فليس نفحة اعتزالية وقد غفل عنها المصنف كما توهم. قوله: (فيدخل تحتة عيسى عليه الصلاة والسلام دخولاً أوّليا الخ) فالمعنى وكنا نقول لهؤلاء يا أيها الخ وإضمار القول كثير وإنما صرّح بدخول عيسى عليه الصلاة والسلام دخولاً أوّلياً ليظهر اتصاله بما قبله بخلافه على الحكاية فانه لا يدخل في منطوقه وإنما يدخل التزاما لاقتدائه بهم. قوله: (أو يكون ابتداء كلام الخ) بالعطف بأو الفاصلة أي من غير تقدير فهو استئناف نحويّ أو بياني بتقدير هل هذه التهيئة مخصوصة بعيسى عليه الصلاة والسلام أولاً وهو معطوف على ما قبله في الوجه الأوّل وقوله لم تكن له خاصة أي لعيسى عليه الصلاة والسلام خاصة، وكونها له من قوله آويناها الخ وقوله: واحتجاجا على الرهبانية أي احتجاجاً على تركها أو خلافها والرفض كالترك لفظاً ومعنى. وقوله: إباحة الطيبات إشارة إلى أنّ الأمر للإباحة والترفيه على أنّ المراد بالطيبات ما ذكره المصنف واعترض! عليه بأنه يحتمل أن يراد بالطيب ما حل والأمر تكليفيّ فلا يتمّ الاحتجاج وردّه بأنّ السياق يقتضي الأوّل ويؤيده تعقيبه لقوله وآويناهما كما في الكشاف يعارضه قوله واعملوا صالحا فإنه يرجح ما ذكره المعترضى وفي نسخة وبكون بالواو على أنه ابتداء كلام مع النبي صلى الله عليه وسلم أي وقلنا يا محمد إنا قلنا للرسل الخ فهو معطوف على ما قبله وهو مع ما قبله كلام واحد أو هو جواب سؤال مقدر كما مرّ قيل وهو الوجه فتأمّل. قوله: (أو
حكاية الخ) معطوف على قوله ابتداء كلام وقيل على قوله نداء وفي نسخة بدون أو فهو تتميم لقوله احتجاجا على الرهبانية التي ابتدعتها النصارى والصحيح في النسخ الأولى وهو متصل حينئذ بما قبله لا ابتداء كلام والتقدير آويناهما وقلنا لهما هذا أي أعلمناهما أنّ الرسل عليهم الصلاة والسلام كلهم خوطبوا بهذا فكلا واعملا اقتداء بهم هذا على تقدير وجود العاطف ويحتمل أن يكون حالاً أي يوحى إليهما أو قائلين لهما. وقوله: لما ذكر اللام فيه زائدة للتقوية وهو متعلق بقوله حكاية ولعيسى أيضاً متعلق به ولا يلزم تعلق حرفي جرّ بمعنى بمتعلق واحد كما توهم حتى يقال إنّ الجارّ الثاني متعلق بذكر مع أنه أورد عليه أنّ الحكاية لهما لا لمحمد بأن يكون حكاية ما أوحى إليهما ودخول عيسى عليه الصلاة والسلام أولى بطريق الوحي لا الاقتداء فظهر أنّ قوله لعيسى ليس متعلقا بذكر ليكون المعنى حكاية لمحمد ما ذكر لعيسى كما توهم وليقتديا متعلق به أيضا. قوله: (وقيل النداء له) أي لعيسى عليه الصلاة والسلام وهو معطوف على قوله نداء وخطاب لجميع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وقد قيل إنّ ضمير الجمع أيضا لنبينا صلى الله عليه وسلم تعظيما بما شرّفه الله به وما وقع في شرح التلخيص تبعا للرضي من أنّ قصد التعظيم بصيغة الجمع في غير ضمير المتكلم لم يقع في الكلام القديم خطأ لكثرته في كلام العرب مطلقاً بل في جميع الألسنة وقد صرّح به الثعالبي في فقه اللغة وكان فيه شبهة عندي لكونه من الأدباء حتى رأيته في كثير من كلام المتقدمين ولولا خوف الملل لأوردت لك من النقول ما لا يحصى. فحسبك من القلادة ما أحاط بالعنق. قوله: (والطيبات ما يستلذ به) فالأمر للإباحة والترفيه وإذا كان الحلال فهو تكليفي كما مرّ وقوله الحلال الخ في الكشاف الرزق حلال وصاف وقوام فالحلال الذي لا يعصى الله فيه والصافي الذي لا ينسى الله فيه والقوام ما يمسك النفس ويحفظ العقل انتهى لأنّ فعالاً اسم آلة فالمراد ما به قوام الإنسانية وهذا تقسيم للرزق أمّا القسم الأوّل منه فظاهر وأمّا الثاني فأخص من الأوّل لأنه حلال لا يمنع عن حقوق العبودية وأمّ الثالث فمقدار الكفاية وهو أخص من الثاني فقوله الصافي القوام صفتان(6/334)
للحلال وقوله فأجازيكم عليه لأنّ علم الله يذكر ويراد به الجزاء كما مرّ تحقيقه. قوله: (والمعلل به فاتقون الخ) يعني أنه على قراءة الفتح والتشديد قبله لام تعليل جارة مقدرة فلما حذفت جرى فيه الخلاف المشهور وهذه اللام متعلقة باتقون والكلام في الفاء كالكلام في فاء قوله تعالى {فَإيَّايَ فَارْهَبُونِ} وهي للسببية أو للعطف على ما قبله وهو اعملوا والمعنى اتقوني لأنّ العقول متفقة على ربوبيتي والعقائد الحقة الموجبة للتقوى. وقوله أو واعلموا معطوف على قوله ولأنّ أو هو مفعول لأعلموا مقدر معطوف على اعملوا.
587
قوله: (معطوف على ما تعملون (والمعنى إني عليم بما تعملون وبأن هذه أمّتكم أمّة واحدة الخ فهو داخل في حيز المعلوم قيل إنه مرضه لعدم جزالة معناه وقوله على الاستئناف لأنه معطوف على جملة إني المستأنفة والمعطوف على المستأنف مستأنف لا لأنّ الواو ليست بعاطفة كما قيل وهذه إشارة إلى ما بعده أو إلى الملة وقوله بالتخفيف أي بفتح الهمزة وسكون النون مخففة من أنّ الثقيلة. قوله: (ملتكم الخ (أصل معنى الأمّة جماعة تجتمع على أمر ديني أو غيره ثم أطلقت على ما يجتمعون عليه كما أشار إليه الزجاج بتفسيره بالطريقة والى المعنيين أشار المصنف رحمه الله والحال المذكورة مبينة لا مؤكدة وهي من الخبر والعامل معنى الإشارة وخطاب أفتكم للرسل عليهم الصلاة والسلام أو عامّ وقوله فاتقون قيل إنه اختير على قوله فاعبدون الواقع في سورة الأنبياء لأنه أبلغ في التخويف لذكره بعد إهلاك الأمم بخلاف ما ثمة وهذا بناء على أنه تذييل للقصص السابقة أو لقصة عيسى عليه الصلاة والسلام لا ابتداء كلام فإنه حينئذ لا يفيده إلا أن يراد أنه وقع في الحكاية لهذه المناسبة كما قيل. قوله: (في شق العصا ومخالفة الكلمة) شق العصا العصيان ومخالفة الكلمة مفارقة الدين والجماعة أو هو عطف تفسيري واتحاد الملة سبب لإبقائه وكذا علم الله به فلا ركاكة فيه معنى. قوله: (فتقطعوا أمرهم (يعني أنّ تقطع بمعنى قطع كتقدم بمعنى قدم متعد وفي نسخة فتقطعوا أي تقسموا وقوله جعلوه أديانا تفسير له والمراد بأمرهم أمر دينهم أمّا على تقدير مضاف أو على جعل الإضافة عهدية فالأمر هو الديني وهذا جار على تفسيري الأمّة وليس ناظراً إلى تفسير الأمّة بالملة كما قيل وقوله فتفزقوا على طريق المجاز وجعل التفعل لازما وليس ناظراً إلى تفسير الأمّة بالجماعة وعلى هذا أمرهم منصوب بنزع الخافض أي في أمرهم أو التمييز عند من أجاز تعريفه وهم الكوفيون. قوله: (والضمير لما دل عليه الآمّة (إن كانت بمعنى الملة أولها إن كانت بمعنى جماعة الناس أو بمعنى الملة على الاستخدام ولا يتعين هذا على الثاني كما توهم فتأمّل ولم يجعله للمخاطبين التفاتاً لأنهم أنبياء ولا يصح إسناد التقطع إليهم بالمعنى المذكور بخلاف ما في سورة الأنبياء ولا إلى الناس كما قيل. قوله: (قطعاً جمع زيور الذي بمعنى الفرقة (بضمتين بمعنى قطعاً جمع زبور بمعنى فرتة قال الراغب قوله فتقطعوا أمرهم بينهم زبراً أي صاروا فيه أحزابا وهو مروفي عن الحسن وذكره في القاموس وقوله ويؤيده أي كونه بمعنى قطعا وفرقا
القراءة بضم الزاي وفتح الباء فإنه مشهور ثابت في جمع زبرة بمعنى قطعة وإنما غير المشهور فيه زبور فما قيل إنه رد للزمخشري في جزمه بكون زبرا بضمتين جمع زبور بمعنى الكتاب لا غير إلا أن هذا إنما يتم إذا ثبت ما ذكره عن أئمة اللغة لا وجه لما سمعته وقوله حال من أمرهم أو من الواو أو مفعول ثان على التفسيرين. قوله: (وقيل كتبا (جمع زبور وزبرت بمعنى كتبت وزبور فعول بمعنى مفعول كرسول وقوله مفعولاً ثانياً لتقطعوا المتعذي بمعنى الجعل أو حال على لزومه وقيك إنها حال مقدرة أو بنزع الخافض أي في كتب ومرضه لما فيه من الخفاء لاحتياجه إلى التأويل بأن يراد فرقوها في كتب كتبوها أو يراد بالكتب الأديان أو يقدر مضاف أي مثل الكتب السماوية عندهم أو في اختلافهما فتأمل وقوله من المتحزبين أي المجتمعين لا المنقطعين وقوله معجبون بيان للمراد منه وأصل معناه السرور وانشراح الصدر. قوله: (شبهها بالماء الذي يغمر الخ (لما ذكر توزعهم واقتسامهم ما كان يجب الاتفاق عليه وفرحهم بباطلهم قال لنبيه صلى الله عليه وسلم دعهم في جهلهم تخلية وخذلانا لعدم فائدة القول لهم وسلاه بالغاية وعلى الثاني لما ذكر فرحهم بالغفلة والغرور جعلهم لاعبين(6/335)
والأوّلء أظهر وعلى الوجهين هو استعارة تمثيلية مبنية على التشبيه لكن وجه الشبه مختلف فيهما كذا قرّره شراح الكشاف ويصح أن يكون استعارة تصريحية أو مكنية والجامع الغلبة والاستهلاك فيه وقوله إنّ ما نعطيهم إشارة إلى أنّ ما موصولة لا كافة وقد جوّز فيها أن تكون مصدرية. قوله: (بيان لما (فهو حال وقوله وليس خبرا له أي لما التي هي اسم وإن وليس خبراً لها لأنّ الله أمدهم بالمال والبنين فلا يعاب ولا ينكر عليهم اعتقاد المدد بهما كما يفيده الاستفهام الإنكاري وقد قيل عليه إنه لا يبعد أن يكون المراد ما يجعله مددا نافعاً لهم في الآخرة ليس المال والبنين بل الاعتقاد والعمل الصالح كقوله يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم ورد بأنه خلاف الظاهر فلا يحمل عليه بدون قرينة وأنه يبعده تعلق الإمداد بهم فإن المناسب أن لا يذكر المفعول على معنى نمد من نمده أو نفعل الإمداد وفيه نظر وقوله فإنه أي الحسبان المتعلق به!. قوله: (والراجع محذوف) أي العائد من الخبر وهو قوله به بقرينة ذكره في
الصلة إلا أنّ حذف مثله قليل وقيل الرابط الاسم الظاهر وهو الخيرات وهو مذهب الأخفش واكرامهم مهم عطف تفسير للخير وقوله بل هم كالبهائم حمل قوله لا يشعرون على أنه ليس من شأنهم الشعور لأنه أبلغ والمسارعة في الخير المبادرة إلى ما هو خير لهم وقوله وكذلك أي قرئ وقوله فيهما أي في يسرع ويسارع والممد به المال والبنون وقوله ويسارع أي قرى يسارع. قوله: (من خوف عذابه) إمّا إشارة لتقدير مضاف أو بيان للمراد من خشية الله ومن في المفسر والمفسر تعليلية أو صلة لمشفقون كما ذهب إليه المعرب لكنه لا يلائم تفسير المصنف لأنّ الحذر والخوف ليس من نفس الخوف بل من المخوف إلا أن تجعل إضافة الخوف إلى العذاب والخشية إليه على تقديره من إضافة الصفة إلى الموصوف أي العذاب المخشى والمخوف وقد تقدّم في سورة الأنبياء الفرق بين الشفقة والخشية وذكرنا ما فيه ثمة وقول ابن عطية هنا أنّ من خشية لبيان جنس الإشفاق يريد أنها صلة له مبينة للمشفق منه فلا قلاقة فيه كما زعمه المعرب. قوله: (بآيات ربهم) أي بعلامات ربوبيته واليه أشار بقوله المنصوبة أو بكلامه واليه أشار بقوله المنزلة وهو متعلق بقوله يؤمنون والباء للملابسة وقوله بتصديق مدلولها بدل منه أو عطف بيان لتفشر الملابسة فيه فلا حاجة إلى جعله متعلقاً به بعد اعتبار تعلق الأوّل لدفع المحذور كما توهم. قوله: (شركا مليا ولا خفياً) كالنفاق وقوله يعطون ما أعطوه تفسير على قراءة اكثر من الإيتاء فيهما بمعنى الإعطاء للصدقات وقراءة غيرهم من الإتيان فيهما وهو الفعل للطاعات وهو المروي عن عائشة وابن عباس رضي الله عنهم كما أسنده المحدّثون متصلاً وان قيل إنّ في سنده ضعفا واقتصر أبو البقاء على الخلاف في أتوا وليس بجيد قالوا وهي قرأءة رسول الله صلى الله عليه وسلم يعنون أن المحذثين نقلوها عنه ولم يدوّنها القراء من طرقهم والا فجميع القراآت قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو اصورح للمفسرين كما في التوشيح. قوله: (خائفة) وهو معنى قوله في غير هذه السورة الوجل اضطراب النفس لتوقع ما يكره وهذا التفسير جار على الوجهين وقوله فيؤاخذ به بصيغة المجهول وبه قائم مقام الفاعل أو المعلوم والضمير لله فليس الأظهر أن يقال فيؤاخذوا بالجمع كما قيل وخص الخوف بما ذكر لمناسبته ولو عممه صح. قوله: (لأن مرجعهم) أي رجوعهم إلى الله فهو على تقدير اللام التعليلية أو على تقدير من الابتدائية التي يتعدى بها الخوف في نحو خاف من ألله وليست من السببية حتى يقال أو للتخيير في التعبير والتقدير فإنه خلاف الظاهر وقوله وهو يعلم ما يخفى عليهم أي من عدم القبول أو وقوعه على ما لا يليق فيؤاخذهم به وهو بيان لوجه التعليل فيه
وليس هذا ناظرا إلى قوله أن لا يقع على الوجه اللائق فقط كما توهم. قوله: (يرغبون في الطاعات الخ) إشارة إلى أنه ضمن معنى الرغبة أو هو كناية عنها فلذا عدى بفي دون إلى والمبادرة العجلة وهي تتعدى بإلى وبنفسها كما في القاموس ولذا استعمله المصنف بهما والنيل بمعنى الوصول أو الأخذ وبالمبادرة متعلق به أو بيسارعون ولو عمم لهما صح وقوله فيكون إثباتا لهم الخ ففيه مقابلة وطباق للآية المتقدمة ولذا قال في الكشاف إنه أحسن مما قبله وجملة أولئك خبر أنّ. قوله: (لأجلها فاعلون السبق) بمعنى أن سبق المتعدي نزل هنا منزلة اللازم واللام تعليلية لا مقوّية وقوله لأجلها(6/336)
أي الخيرات الدنيوية لأنها هي المتصفة بأنهم فاعلون لها فكونه ناظرا إليهما كما قيل خلاف الظاهر فتأمّل وفيه إشارة إلى ترجيح الثاني كما مرّ. قوله: (أو سابقون الناس إلى الطاعة) فهو متعد لمفعولين أحدهما مفعول وهو ما تعدى إليه بنفسه والثاني بواسطة لأنه يتعدى بإلى واللام وقوله أو الثواب بمعناه المعروف وهو أعمّ من الجنة لا الدنيوي. قيل المراد بالخيرات المعنى الأوّل وهو الطاعات والمفعول غاية متأخرة وقد يتوهم أنّ إلى الطاعة وما بعده تفسير ولذا قيل الأظهر المثوبة لتأنيثه فتأمّله وقوله أو الجنة فسبقهم في القيامة وليس وجها آخر كما توهم. قوله: (أو سابقونها) يعني أنه متعد للضمير بنفسه واللام مزيدة حسن زيادتها كون العامل فرعيا وتقديم المعمول المضمر وأعترض عليه في البحر بأنه غير صحيح لأنّ سبق الشيء الشيء يدل على تقدم السابق على المسبوق فكيف يقال هم يسبقون الخيرات وهذا معنى قول بعض شرإح الكشاف فيه أنّ الخيرات على هذا مسبوق إليها لا مسبوقة وفي الدر المصون كلام في ردّه لا طائل تحته وهذا كله غفلة عن قوله ينالونها فإنه أراد به أنّ المراد به حينئذ لازم معناه وهو النيل فلا يتوجه عليه شيء لكنه لا يخلو عن تكلف لما فيه من دعوى التجوّز والزيادة من غير ضرورة وقوله هم لها عاملون أي إياها عاملون كما فيما نحن فيه وفي الكشاف ويجوز أن يكون لها سابقون خبراً بعد خبر ومعنى وهم لها كمعنى قوله:
أنت لها أحمد من بين البشر
يقال لمن يطلب منه أمر لا يرجى من غيره أنت لها أي أنت معد لفعل مثلها من الأمور العظيمة وهي من بليغ كلامهم وهو معنى الآية على إعرابه خبراً بعد خبر كقوله:
مشكلات أعضلت ودهت يارسول الله أنت لها ...
قوله: (قدر طافتها) تفسير للوسع والتحريض لأنّ الأعمال الصالحة إذا كانت مقدورة
فتركها من قصور الهمم والمراد بصحيفة الأعمال جنسها وقوله لا يوجد فيه الخ إشارة إلى أنّ النطق استعارة هنا وقوله في غفلة إشارة إلى ما مرّ وهؤلاء إشارة إلى الصالحين أو إلى الجميع. قوله: (متجاوزة لما وصفوا الخ) وصفوا بصيغة المجهول والمتجاوز! عنه من الصفات إمّا صفات الكفار بأن يكون لهم صفات أخبث مما وصفوا به أو صفات المؤمنين فهم متجاوزون عما يحمد إلى ما يذم وقوله متخطية بالباء من التخطية للرقاب والصفوف بمعنى التجاوز وفي بعض التفاسير وقيل متخطية لما وصف به المؤمنون من الأعمال الصالحة المذكورة وفيه أنه لا مزية في وصف أعمالهم الخبيثة بالتخطي لأعمال المؤمنين الحسنة وقيل متخطية عما هم عليه من الشرك ولا يخفى بعده لعدم جريان ذكره ولا يخفى سقوطه لأنّ ما وصف به المؤمنون ما في حيز الصلات من عدم الشرك والخوف من الله والطاعة والصدقة وتجاوزهم عنها اتصافهم بأضدادها وأيّ مزية أتمّ من هذا والشرك مستفاد من قوله في غمرة من هذا وهو غنيّ عن البيان. قوله: (معتادون فعلها) هو من جعلها عملاَ كما هو في المتعارف ومن التعبير بالاسم الدال على الثبوت والغاية الدالة على امتداده وقوله: أو الجوع الخ هو وارد في الحديث الححيح عن ابن مسعود رضي الله عنه كما سيأتي تفسير. في سورة الدخان والوطأة المشي لشدة وهي مجاز عن الوقعة المزلة وسني يوسف جمع سنة والمراد بها القحط وهي معروفة بالقحط وقوله فاجؤوا إشارة إلى أنّ إذا فجائية والجؤار الصراخ وخصه بالاستغاثة بقرينة المقام والشرط إذا وقوله والجملة مبتدأة يعني أنّ حتى هنا حرف ابتداء لا عاطفة ولا جازة وقد مرّ تفصيله في سورة الأنعام. قوله: (ويجوز أن يكون الجواب الخ) وقدره بالقول لأن النهي لا يكون جوابا بدون الفاء وحينئذ يكون إذا هم يجأرون قيداً للشرط أو بدلاً من إذا الأولى وعلى
الأوّل المعنى أخذنا مترفيهم وقت جؤارهم أو حال مفاجأتهم الجؤار لجواز كون إذا ظرفية أو فجائية حينئذ. قوله: (تعليل للنهي الخ) يعني أن النصر ضصور، معني! المنع أو تجوز به عنه فمن صلته أو هو بمعناه ومن ابتدائية وقيل إنه سمع نصره الله منه أي جعله منتصرا منه بلا تضمين وقوله تعرض! ون مدبرين يعني أنّ النكوص الرجوع فاستعير للإعراض والأدبار والإعقاب جمع عقب وهو مؤخر الرجل والرجوع على عقبيه الرجوع في طريقه الأولى كما يقال رجع عوده على بدئه قاله الراغب وقيل إنه للتاكيد كاً بصرته بعيني. قوله: (الضمير للبيت (أي الكعبة وقريب منه أنه للحرم ولما لم يجر له ذكر هنا(6/337)
اعتذر عنه بأنه معلوم بقرينة ذكر المشركين وأنّ استكبارهم وافتخارهم به أشهر من أن يذكر واليه أشار بقوله وشهرة الخ وقوّام بالتشديد جمع قائم على الأمر أي معتنون بخدمته وسدإنته والباء فيه سببية وكون لضمير للنكوص كما في البحر ليس فيه كبير فائدة ومستكبرين حال كذا قيل وفيه أنه لا يلزم من النكوص التكذيب به فالتضمين يدفع اللغوية فتأمّل. قوله: (أو لآياتي الخ) والتضمين على هذا فالباء للتعدية أو سببية أو للتالي المعلوم منه وقوله بمعنى مكذبين أي على التضمين والتجوّز ركيك وقوله بذكر القرآن أي الضمير على هذا للقرآن المفهوم من الآيات أو المؤوّلة هي به ولم يذكر تعلقه بتهجرون لبعده لفظا ومعنى لما فيه من الإيهام وقوله تسمرون عبر به دون سامرين لإفادة استمرارهم عليه ولذا قدّم متعلقه. قوله: (وهو في الأصل مصدر الخ الما أريد به الجمع وهو بوزن المفرد هنا وقد ورد كذلك اختلف في توجيهه فذهب بعضم إلى أنه اسم جمع لأنهم يقولون السامر! ماعة الذين يسمرون فهو كالحاج والحاضر والجامل والباقر وهذا أحسن الوجوه والسمر الحديث بالليل وقيل إنه واحد أقيم مقام الجمع وقيل إنه مصدر في الأصل فيشمل القليل والكثير باعتبار أصله لكن مجيء المصدر على وزن فاعل نادر وقرئ سمرا بضم وتشديد وسما بزيادة ألف. قوله: (من الهجرة بالفتح (إقا بمعنى القطيعة أو الهذيان وهو التكلم بما لا يعقل لمرض! ونحوه وفيه أنه قال في الدؤ المصون إنّ الهجر بمعنى القطع والصد بفتح الهاء وسكون الجيم وبمعنى الهذيان بفتح اا! اء والجيم وفعله أهجر فليس مصدرهما واحدا كص ذكره المصنف رحمه الله وأمّا قوله في الكشاف والهجر بالفقح الهذيان فمحتمل لفتع الهاء والجيم إلا
أنّ ما ذكره المصنف بعينيه في الصحاح فليحرّر. قوله: (أي تعرضون عن القرآن) هذا على معنى الهجر الأوّل وما بعده على الثاني والفحش التكلم بالقبيح أو نفس الكلام القبيح وقوله ويؤيد الثاني وهو الهذيان تأييده له لما عرفت أنّ فعله مزيد دون الأوّل وسيأتي تحريره وقراءة التشديد تحتمل المعاني الثلاثة وقوله والهجر بالضم لم يعطفه بأو وان كان هو الظاهر كما قيل لقربه من الهذيان وقمد ورد بمعناه في اللغة كما في لسان العرب وبينهما مغايرة على الأوّل هذا على تقدير جرّه عطافا على الهجو بالفتح وأمّا على كونه مرفوعا مبتدأ خبر. الفحش وذكر إشارة إلى فائدة التقييد بالفتح يعني أنّ الفعل من الهجر المفتوح بمعنييه لا من المضموم الذي هو اسم لقبيح الكلام ولا مصدر فلا يرد عليه شيء لكن هذا إنما يتمشى إذا كان لم يسمع منه هجر بل أهجر كما مرّ وهو الظاهر من كلام المصنف كذا قيل ويرد عليه ما في القاموس حيث قال هجره هجراً بالفتح وهجرانا بالكسر صرمه والشيء تركه كأهجره انتهى وقوله في المصباج هجرته هجرا من باب قتل قطعته وهجر المريض في كلامه هذي والهجر بالضم اسم ومصدر بمعنى الفحش من هجر كقتل وفيه لغة أخرى أهجر بالألف انتهى فلا وجه لما ذكر وفوله وبؤيد الثاني أي كونه بمعنى الهذيان لا كونه بمعنى الفحش كما قيل لأنه ثالث إلا أن يعدا وجهاً واحداً ووجه التأييد غير تام إلا أن ينبني على اكثر الأفصح وما ذكره هذا القائل يقتضي أن الفعل المذكور في النظم لا يصح أن يكون من الهجر بالضم مع أنه فسر به أيضا في كتب اللغة وغيرها فتأمّل. قوله: (أفلم يدبزوا القول) الاستفهام إنكاريّ لعدم تدبرهم ويجوز أن يكون تقريرياً انضمّ لمن تدبر وأورد عليه أن دلالة الإعجاز على كونه كلام الله ظاهرة وأمّا دلالة الوضوح فغير واضحة فكم للعرب من كلام واضح ويدفع بأنه على تقدير تسليم دخله في الدلالة فإنه ذكر لتسليم دلالة الإعجاز فإنّ المعجز بما يتوهم لكونه غير معهود لهم صعوبة فهمه لا سيما إذا نصب وضوح على أنه مفعول معه والمراد بالوضوح وضوح خاص وهو كونه على نهج من الفصاحة بحيث يفهمه كل من خوطب به من العوب لعدم تعقيده وكونه على أحسن الوجوه من أوّله إلى آخر. على نسق نير سالكاً طريقا سهلاً محمياً عن سلوك أحد فيه وهو الذي يقول له الأدباء السهل الممتنع فلا حاجة إلى أن يقال المراد وضوح دلالته على كونه ليس من كلام البشر فإنه مصادرة فتأمّل وقوله ليعلموا أي فيصدقوا به وبمن جاء به. قوله: (من الرسول والكتاب) فاستبعدوه فهو كقوله لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم لا مخالفة بينهما حتى يقال الآباء هنا الأوّلون(6/338)
وثمة الأقربون لعدم توصيفهم فيها فالمراد بالآباء على هذا الكفرة والاستفهام تقريريّ لا إنكاريّ كما توهم. قوله: (او من الأمن من عذاب الله) أي لهم من الأمن من عذاب الله وخوفه
ما ليس لآبائهم الأوّلين والمراد المؤمنون منهم كما صرّج به المصنف وفي الآية المتلوّة آنفا الكفرة وتوصيفهم بالأوّلين لإخراجهم لا للتأكيد كما في الوجه السابق والاستفهام إمّا إنكارفي أو تقريريّ فتأمّل وأعقابه من بعد. من أولاده كعدنان ومضر فإنّ الكفر حدث بعدهم كما يعلم من كتب الآثار وأخره لأنّ إسناد المجيء إليه غير ظاهر ظهوره في الأوّل. قوله: (بالآمانة والصدق) إشارة إلى أنّ الاستفهام إنكارفي لأنهم عرفوه بما ذكر فأم للإضراب عما قبله مع الإنكار. قوله: (فهم له منكرون) الفاء فيه سببية لتسبب الإنكار عن عدم المعرفة فهو داخل في حيز الإنكار وماك! المعنى هم عرفوه بما ذكر فكيف ينكرونه والضمير للرسول صلى الله عليه وسلم واللام فيه للتقوية وتقديمه للتخصيص أو الفاصلة وهو على تقدير مضاف أي منكرون لدعواه وهي الرسالة من الله مع قيام البرهان الشاهد على خلافه مما ذكر واليه أشار بقوله دعواه لأنه لا يمكن إنكار ذاته وهو فيهم. قوله: (لأحد هذه الوجوه) المذكورة تعليل للإنكار بوجوه مذكورة في قوله أفلم يدبروا إلى هنا فإنها وجوه للإنكار ترتب عليها لا وجه له أي للإنكار غيرها إذ إنكار ما جاء به القرآن الدال على مدعي الرسالة من الله إمّا من عدم تدبره والنظر في مدلوله ووجوه إعجازه أو لكونه لم يسبق مثله حتى سمعوه هم وآباؤهم أو لكون من أتى به معروفا بصفات تنافي مدّعاه كعدم علمه وصدقه وقد بين هذا بقوله فإنّ إنكار الشيء الخ وقوله بحسب النوع ناظر إلى قوله أم جاءهم ما لم يأت آباءهم الأوّلين وقوله أو الشخص ناظر إلى قوله أفلم يدبروا القول وأقصى ما يمكن فاعل يدل وهو إشارة إلى التدبر لأنه النظر في أدبار الأمور وعواقبها وغاياتها وقوله: قطعا راجع إلى الامتناع بحسب النوع أو الشخص وظناً راجع للبحث وقوله فلم يوجد أي ما يدل على امتناعه فلا وج! لإشكاره هذا تحقيق كلامه وتوضيح مرامه ولأرباب الحواشي هنا كلام يتعجب منه أفلم يدئروا القول ولولا خوف الإطالة لأوردنإه مع بيان ماله وعليه. قوله: (أم يقولون به جنة) إضراب انتقاليّ عما قبله فلذا قاد فلا يبالون لأنّ ما قبله ناشئ من التقليد والمبالاة وقوله وكانوا الخ إشارة إلى أنه ناشئ من حيرتهم في عنادهم لا عن سبب وأثقب استعارة من الثقب بمعنى التنفيذ أو التنوير والمراد أشدهم وأسدّهم نظرا. قوله تعالى: ( {وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ} ) ظاهر كلام المصنف رحمه الله أنه عين الحق الأوّل على قاعدة إعادة المعرفة وأظهر في مقام الإضمار لأنه أظهر في الذمّ والضمير ربما يتوهم عوده للرسول، وقيل: اللام في الأوّل للعهد وفي الثاني للاستغراق أو للجنس أي كثرهم للحق أيّ حق كان لا لهذا الحق فقط
كما ينبئ عته الإظهار وتخصيص أكثرهم بهذا لا يقتضي إلا عدم كراهة الباقين لكل حق وهو لا ينافي كراهتهم لهذا الحق والتعرّض لعدم كراهة بعضهم للحق مع اتفاق الكل على الكفر به لا يساعده المقام وهو وجه آخر مناسب للتذييل لكن ما ردّ به على المصنف غير متجه كيف وهو المناسب للواقع بخلاف ما ذكره فإنه ليس أكثرهم يكره الحق مطلقا وعدم الكراهة من وجه لا ينافي الكفر كما مرّ. قوله: (لآنه يخالف شهواتهم) بيان لسبب كراهته وقوله فلذلك أي لمخالفة طبائعهم الفاسدة أو لكراهته وقوله: وإنما قيد الحكم بالأكثر الخ ويجوز أن يكون الضمير للناس لا لقريش كقوله وما أكثر النار ولو حرصت بمؤمنين ومن المستنكمين أبو طالب ومن قلت فطنته البله منهم والرعاع وقوله لا كراهة للحق من حيث هو حق فلا وجه لما قيل إن من أحب شيئاً كره ضده فإذا أحبوا البقاء على الكفر فقد كرهوا الانتقال إلى الإيمان ضرورة وحمل الأكثر على الكل بعيد. قوله: (بأن كان ني الواقع آلهة شتى (فالمراد بالحق ما يطابق الواقع خلاف الباطل لا الله خالى! الفته وان صح واتباعه موافقته لأهوائهم وعقائدهم الفاسدة فليس بحقيقه كما توهم إذ ليس حقيقة الاتباع الموافقة وان لزمته كما لا يخفى وقوله وقيل لو اتبع الخ فالمراد بالحقي أيضاً ما مرّ والفرق بينه وبين ما قبله أنّ المعنى فيه لو كان الواقع مطابقا لأهوائهم ابتداء وفي هذا لو كان موافقاً بعد مخالفته كما أشار إليه بقوله(6/339)
وانقلب والحق في الأوّل مخصوص بالألوهية وكذا في هذا لكن فيه إيماء للعموم وفي الكشاف إنه يدلّ على عظم شأن الحق وأنّ السموات والأرض! ما قامت ولا من فيهن إلا به وفي قوله العالم إيماء إلى أنّ المراد بالسموات والأرض الموجودات بأسرها. قوله: (أو لو اتبع الحق الخ (فتعريف الحق بالمعنى السابق للعهد والإسناد مجازي والاتباع حقيقيّ أي لو اتبع النبيّ صلى الله عليه وسلم أهواءهم فجاءهم بالشرك بدل ما أرسل به لخرّب الله العالم وأقام القيامة لفرط غضبه، وهو فرض محال من تبديله ما أرسل به من عنده.
قوله: (أو لو اتبع الله) فالمراد بالحق الله تعالى، وقوله: لخرج عن الألوهية أي لم يكن
إلها لأنه لا يأمر بالفحشاء فالآمر بها ليس ب! له وهذا في الكشاف منقول عن قتادة وقال الطيبي:
إنه لا يليق نسبته له لما فيه من سوء الأدب ولذا غير المصنف رحمه الله عبارته، وقوله: ولم يقدر الخ لأنه ليس بإله ولا يمسكهما غيره وقوله وهو أي هذا التفسير مبنيّ على أصل المعتزلة المراد بأصلهم هنا إنّ الله لا يوجد الكفر والمعاصي ويخلقها إذ هو ظلم ونقص تعالى الله عنه وأهل السنة لا يقولون بهذا، وفرق بين إنزاله كإنزال الشرائع وايجاده كما تقرّر في الكلام وأشار إليه بعضى الفضلاء هنا فما ذكره الزمخشري هنا حق أريد به باطل وليس مراد المصنف رحمه الله أنه مبنيّ على إيجاب الأصلح وقاعدة الحسن والقبح كما قيل لأنّ عدم جواز هذا مستفاد من الشرع كهذه الآية ونظائرها وقد قام عليه الدليل العقلي لأنّ إنزال الشرك والمعاصي نقص مخالف للواقع يجب تنزيه الله عنه بلا خلاف. قوله: (بل أتيناهم الخ) إضراب عن كراهته أي ليس ما جاءهم به مكروها بل هو عظة لهم لو اتعظوا أو فخرهم أو متمناهم، وفسر الذكر بالوعظ والصيت هو الذكر الجميل والفخر وفي نسخة ووصيتهم والأولى أولى وأصح. وقوله: تمنوه إشارة إلى أنّ لو للتمني لأنه الأنسب هنا وان جاز كونها شرطية، وذكرا بمعنى كتابا. وقوله: عن ذكرهم أعاده تفخيما وإضافة لهم لسبقه وفي سورة، لأنبياء ذكر ربهم لاقتضاء ما قبله له، وقوله: قسيم أي مقابله وغير للخطاب لمناسبة ما بعده وقا له أو ثوابه أو لمنع الخلوّ لأنه يعلم من خيرية كل منهما خيرية المجموع. وقوله ففيه مندو- تة لك عن عطائهم إشارة إلى المفضل عليه. وقوله: بإزاء الدخل أي يستعمل في مقابلته، والضريبة ما يوظف على الأرض، وإشعاره بالكثرة لأنه معتاد في الخراج، واللزوم لأنه يكون في كل سنة ومن جانب الله بفضل وعده وقوله: فيكون أبلغ أي من الخرج، وتوله: عبر به عن عطاء الله أي دون الأجر في هذه القراءة لأن زيادة اللفظ تدل على زيادة المعنى والمزاوجة بمعنى المشاكلة لا ما ذكر في البديع والمشاكلة في القراءتين وإلا فالمناسب ما يدلّ على القلة في جانبه والكثرة في جانب الله لا تساويهما ولا معنى لتعليله بأن طلب الأجر منتف منه قليلا أو كثيراً. قوله: (تقرير لخيرية خراجه (أي تأكيد له لأنّ من كان خير الرازقين يكون رزقه خيراً من رزق غيره، وقوله: يوجب اتهامهم له اللام صلة الاتهام أو تعليلية والضمير للصراط أو للنبيّ بسببه. وقوله: أزاح العلة أي أزال ما يتعللون به في عدم القبول له. قوله: (بأن حصر الخ) أي في قوله: أفلم يدبروا القول
إلى قوله فهم له منكرون، كما تشهد له الفاء وقد مرّ تقريره لأنّ الإنكار منهم والاتهام إما لعدم معرفة ما أتى به لعدم فهمه أو لعدم مثله أو لعدم معرفة من أتى به وتبيين انتفائها بالاستفهام الإنكارفي الذي في معنى النفي، وكراهة الحق من قوله: أكثرهم للحق كارهون، وعدم الفطنة من نفي التدبر ولا وجه لما قيل إنه اكتفى بذكرهما عن ذكر الاستنكاف إذ لا ذكر له في النظم ولم يذكر أمر الجنة وطلب الأجر لأنه داخل في معرفته بكمال العلم وحسن الخلق الشامل للكرم وعلوّ الهمة بحيث لا يرجو من غير مولاه الكريم. وقوله الصراط السويّ أي المستقيم إشارة إلى أنّ تعريفه للعهد إلا أنه يفهم من ذكره هنا أنها تمت هنا لأنّ منها الجنة والخرج فينافي قوله: لا وجه له غيرها ودفعه بما مرّ من أنها داخلة في الثلاثة الأول لكنها ذكرت للبسط والتصريح بما صرّحوا به. قوله: (فإنّ خوف الآخرة الخ) إشارة إلى أنّ الصلة علة لما في الخبر من الحكم كما تقرّر في المعاني. وقوله: لثبتوا هذا تفسير للجاج لأنّ التمادي تفاعل من المدى وهو يفيد الاستمرار والثبات، ويحتمل أنه تأويل له لأنّ لجاجهم ثابت قبل الكشف(6/340)
ولذا قيل إنّ معناه لعادوا إلى اللجاج وقوله في الكفر مأخوذ مما سبق والعمه الحيرة وعمى البصيرة. قوله: (العلهز) بكسر العين والهاء وبينهما لام ساكنة وفي الفائق هو دم كان يخلط بوبر ويعالج بالنار وقيل كان فيه قراد والقراد الضخم يقال له علهز وقيل هو شيء كأصل البردى أي القصب وقيل دم القراد مع الصوف كأنهم ركبوه من العل وهو القراد واللهز وهو الدق. قوله: (أنشدك الله والرحم) مضارع نشد ينشد بمعنى سأل أي أسألك بالله والله منصوب بنزع الخافض وهو قسم استعطافي وقوله تزعم لغلوّه في الكفر قبل إسلامه وقوله قتلت الخ يعني فكيف تكون رحمة فنزلت هذه الآية جواباً له بأنه يكتب رحمته لن يستحقها وهم لعنادهم لا يرحمون وقوله: فما
استكانوا الخ أي ما خضعوا ولا تضرّعوا بعده وقوله أقاموا ليس فيه ترجيح لكونه من الكون كما قيل وقوله: يعني القتل يوم بدر يدلّ على أنّ هذه الآيات من قوله حتى إذا أخذنا مترفيهم مدنية وأمّا كونه إخبارا عن المستقبل بالماضي فبعيد. قوله: (واستكان) هو بمعنى ذل وخضع بلا خلاف فمعنى استكانو! انتقلوا من كون العمه والتحير إلى كون الخضوع وإنما الخلاف في وزنه هل هو استفعل من الكون أي انتقل من كون إلى كون كاستحال إذا انتقل من حال إلى حال كما في الكشاف وأورد عليه أنه كان عليه أن يمثل باستحجر الطين واستنوق الجمل وأمّا تمثيله باستحال للدلالة على التحوّل فوهم لأنه ليس إفادته للتحوّل من صيغة الاستفعال بل من مادّته كما في تحوّل وحال فاستفعل فيه بمعنى فعل وهو أحد أقسامه وأن استكان وان أفاد انتقاله من كون إلى كون فليس حمله على أنه انتقال من كبر إلى خضوع بأولى من عكسه فلو كان من الكون كان مجملاَ وأجيب بأنها بحسب الوضمع لكن العرف والاستعمال خصها بأحد الاحتمالين بالغلبة فيه وقال جدي إنها من قول العرب كنت لك إذا خضعت وهي لغة هذيلية كما ذكره أبو عبيد في الغريبين وهو أحسن الوجوه وأسلمها فاستفعل فيه بمعنى فعل كقرّ واستقرّ ولا يجوز كون استفعل فيه للمبالغة لأنّ نفي الأبلغ لا يقتضي نفي أصله وهو المراد وقيل إنه من الكين أي لحمة الفرج لذلته وردّ ما أورده أوّلاً في الكشف بان الحول والاستحالة وإن اتحدا في التغير إلا أنّ بينهما فرقا معنى واشتقاقا فالأوّل يلاحظ فيه معنى الانتقال وسبق حالة أخرى وإنما التغير فيه بمرور الحول المبلى لكل جدّة أو بالحول بمعنى الحركة والاستحالة تبذل! من حال إلى حال البتة وما قيل من أنه يدلّ لما في الانتصاف قول الأساس حال الشيء واستحال تغير وحال عن مكانه تحوّل إلا أنه يرد عليه أنه لا مانع من اعتبار كون استفعل من الحول للتحوّل والانتقال فيصح ذكره بهذا الاعتبار للمثال وعلى هذا ينبغي حمل كلام الكشف فلا يمنع قوله يلاحظ فيه معنى الانتقال كلام ناشئ من عدم الفهم. واعلم أنّ قوله في الانتصاف جدي المراد به ابن فارس كما صرّح به وكان رحمه الله دخل بغداد في زمن الناصر فجمعه بالعلماء وسألوه عما ذكر. قوله: (أو افتعل من السكون الخ) اعتر ضعليه بامرين أحدهما أنّ الإشباع كمنتزاج في منتزج مخصوص بضرورة الشعر وبانه لم يعهد أنه يكون في جميع تصاريف الكلمة واستكان كذلك جميع تصاريفه فهو يدلّ على أنه ليس كذلك. قوله: (وليس من عا تهم) معطوف على أقاموا على عتوّهم والأوّل تفسير لاستكانوا وهذا تفسير لقوله وما يتضرّعون والمعنى إنا محناهم بالعذاب الواقع بهم فلم يفد وضمنه الإشارة إلى وجه التعبير في الاستكانة بالماضي وفي التضرّع بالمضارع وأشار بقوله أقاموا الخ إلى أنه يفيد دوام النفي أيضا لأنه إذا لم يعقب المحنة استكانة لم تقع منهم أبدا فأريد به الإقامة على العتوّ بطريق الكناية فليس فيه إشارة إلى ترجيح
كونه من الكون كما توهم وقوله وليس من عادتهم التضرّع إشارة إلى أن العدول إلى المضارع للدلالة على الاستمرار وإذا نفى تضرّعهم المستمر ربما يتوهم ثبوته أحيانا فجعله لاستمرار النفي لا لنفي الاستمرار ولو حمل على ظاهره لقوله إذا هم يجأرون سابقاً كان له وجه لكن التضرّع يستعمل فيما إذا كان عن صميم القلب لا باللسان فقط ولذا عبر عن استغاثتهم أولاً بالجؤار الذي هو من أصوات الحيوان فلا منافاة بينهما كما توهم أو المراد نفيه بعده وذاك في أثنائه فسقط السؤال وما قيل إنه لبيان حال المقتولين وهذا لبيان(6/341)
حال الباقين أو الجؤار من ألم القتل والعذاب لا يستلزم الاستكانة والتضرع لله فمع مخالفته لكلام المصنف رحمه الله سابقاً في أحد تفسيريه تكلف غير متوجه وقد جوّز فيه تأخر النفي فيدل على استمراره وقوله وهو استشهاد الخ إثبات للثبات على الطغيان والعمه وما قبله ولو رحمناهم الخ. قوله: (فإنه أشدّ من القتل والآسرا لو أبقاه على ظاهره من الدلالة على شدته في نفسه صح لكن ما ذكره يدلّ على ترتيب الحيرة عليه دون ما قبله وأشديته لعمومه واستمراره وفسر الإبلاس بالحيرة واليأس وقيل إنه الحزن الناشئ عن اليأس وهو قريب منه. قوله: (حتى جاءك أعتاهم) أي أشدهم عتوّا وهو أبو سفيان قبل إسلامه رضي الله عنه والاستعطاف ليزول بأسهم بدعائه وهو لا ينافي اليأس أو لأنّ المراد اليأس من غيره ولولاه لما أتوه وهو لا ينافي قوله للجوا وان فسر بالثبات ولو فسر العذاب بعذاب الآخرة لم يرد شيء ولذا رجحه بعضهم. قوله: (لتحسوا بها الخ (يعني المقصود من خلقها ذلك وقدم السمع لكثرة منافعه وافراده لأنه مصدر في الأصل ولم يجمعه الفصحاء في الأكثر وأشار بذكرهما وذكر الأفئدة إلى الدليل الحسيّ والعقليّ ولذا قدم الأوّل لتقدّمه وقوله فيها أي في الآيات. قوله: (تشكرونها شكراً قليلاَ) أي تشكرون نعم الحواس قال في القاموس يقال شكرت نعم الله وبها فالشكر يضاف حقيقة إلى الله وإلى نعمه فلا حاجة إلى جعله من الحذف والإيصال أو التجوّز في النسبة وقوله شكرا قليلاً إشارة إلى أنه صفة مصدر مقدر وقوله لأنّ العمدة أي الأقوى فيه إشارة إلى أنه ليس شكراً لسانيا وأن القلة على ظاهرها لا بمعنى النفي بناء على أنّ الخطاب للمشركين التفاتا لا للناس بتغليب المؤمنين كما اختاره المصنف رحمه الله وما خلقت لأجله إدراك:
وفي كل شيء له آية تدلّ على أنه الواحد ...
والإذعان لمانحها الانقياد لمعطيها وقوله تجمعون الخ إشارة إلى أن فيه مع الذرء طباقا.
قوله: (ويختص به (هو معنى اللام أو تقديم الجار والمجرور أو هما والضمير دثه. واختلافهما تعاقبهمما أي مجيء أحدهما عقب الآخر من قولهم فلان يختلف إلى فلان أي يتردّد عليه بالمجيء والذهاب ولا يقدر عليه غيره تفسير للمراد بالاختصاص ونسبته إلى الشمس أي النهار بطلوعها والليل بذهابها. قوله: (لآمره وقضائه تعاقبهما) هو قريب من الأوّل والاختلاف والضمير فيهما سواء إلا أنّ فيه تقدير مضاف لا أنّ الضمير راجع للأمر وقيل اللام في هذا للتعليل وقوله أو انتقاص الخ فالاختلاف تخالفهما زيادة ونقصا وقوله بالنظر والتأمّل أي الاستدلال بما ذكر على البعث وقد مرّ تقريره. قوله: (على أق الخطاب السابق لتغليب المؤمنين (أي على الكافرين والغيبة في هذا لكونه للكفار فقط ولو كان الخطاب للكفرة كان التفاتا ومن دان بدينهم الذين كفروا وأنكروا البعث من أقوام غيرهم. وقوله: استبعاداً أي لإعادتهم بعد الفناء ولذا أعادوا الاستفهام مؤكدا بأن واللام والاسمية وهو أهون من البدء كما مرّ وهذا إشارة إلى البعث. قوله: (إلا كاذيبهم (فسر الأساطير بالأكاذيب وبينه بأنه جمع أسطورة ووزن أفعولة لا جمعه كما توهم يختص! بما يتلهى ويلعب به قولاً كان أو فعلاً ولذا لم يجوز في أحاديث النبيّ صلى الله عليه وسلم أن يكون جمع أحدوثة كما صرّحوا به. والأعاجيب جمع أعجوبة والأضاحيك جمع أضحوكة وقوله جمع سطر أي بفتح الطاء كفرس وأفراس وسطر المفتوح كالمسكن بمعنى الصف فهو جمع الجمع ولذا مرضه لقلته ولأنه لا يدل حيحئذ على كذبها وهو المقصود. قوله: (إن كنتم من أهل العلم (ومن العقلاء فهو منزل منزلة اللازم وما بعده إشارة لمفعوله المقدر وقوله فيكون استهانة على الوجهين للشك في الأوّل في كونهم عقلاء وفي الثاني في علمهم بالضروريات وهذا لا ينافي كون السؤال عن البديهي استهانة أيضاً إن سلم لأنّ أصل وضعه للاستعلام حتى يقال إنّ الأولى أن يقول زيادة استهانة مع أنه أشار إليه بقوله وتقريرا الخ وزيادة الاستهانة استهانة والمسكة بالضبم القليل من مسكة الطعام والشراب وهو ما
يمسك الرمق وقوله: جهلوا مثل هذا الجليّ أي عدوّا جاهلين به على التنزيل وهذا ناظر إلى حذف مفعوله وقوله: إلزاما(6/342)
جار على الوجهين وقوله: ولذلك أي لقوله لا يمكن الخ وقوله: لأنّ الخ تعليل لقولهم في الجواب وقوله: خالقها إشارة إلى أنّ لام لله للملك بالخلق وهو لا ينافي جهلهم السابق لأنه إلزاميّ فرضيّ كما مرّ وقوله ليس أهون أي الأمر بالعكس لسبق مثله ووجود مادّته. وقوله: أعظم من ذلك أي الأرض ومن فيها فهو ترق. قوله: (بغير لام) أي سيقولون الله وكذا في الآية الآتية وأمّا في الأولى فلم يقرأ بها أحد وقد وهم فيه أبو حيان في عدم الفرق كما قاله الفاضل المحشي والقراءة بترك اللام على الظاهر وباللام على المعنى لأنّ فولك من رب الدار بمعنى لمن هي وقد وردا في كلامهم كما قال الشاعر:
إذا قيل من رلث المزالف والقرى ورب الجياد الجرد قيل لخالد
وقال الآخر في عكسه:
وقال السائلون لمن حضرتم فقال المخبرون لهم وزير ...
قوله: (فلا تشركوا به بعض مخلوقاته) كالأصنام وهو مترتب على الاتقاء وللترقي في
عظم المخلوقات ترقي في التذييل لأنّ هذا أبلغ في الوعيد مما قبله وقوله: ولا يمنع منه قيل إنه جار على عادة عظماء العرب حيث كانوا لا يجير أحدهم جار أحدهم ولو أجاره لم يفد. وقوله: معنى النصرة أو الاستعلاء. قوله: (ملكه غاية ما يمكن) يعني أنّ صيغة الملكوت للمبالغة في الملك فهي ملك أقصى ما يمكن ملكه أو الملكوت بمعنى الخزينة وقيل هي المالكية والمدبرية وقوله: إن كنتم تعلمون تكرير لاستهانتهم وتجهيلهم لكمال ظهوره وقوله فمن أين تخدعون كون أني بمعنى من أين تقدّم في آل عمران وأشار بقوله: تخدعون إلى أنّ
السحر هنا مستعار للخديعة. قوله: (من التوحيد والوعد بالنشور) هو إضراب عن قولهم أساطير الأوّلين فكان الظاهر اقتصار على الثاني لكنه لا حظ فيه معنى ما بعده من التوحيد بنفي الولد أو ما فهم من سياق ما قبله لكون الكلام مع المشركين وهو أولى وقوله حيث أنكروا ذلك وقالوا إنه أساطير الأوّلين وهو تفسير لحاصل المعنى لا أنّ الكذب مجاز عن الإنكار فإنه لا حاجة إليه وقوله: لتقدسه الخ لأنه لو كان له ولدتا تأله ولزم مشاركته في الإلوهية وهو معنى قوله يساهمه أي يقاسمه وفي نسخة يشابهه. قوله: (جواب محاجتهم وجزاء الخ (هذا على مذهب الفراء من أنّ إذن جواب وجزاء دأئما لشرط ملفوظ أو مقدر وقد مرّ تحقيقه والمقدر هنا لو كما أشار إليه المصنف رحمه الله بقوله أي لو كان معه آلهة الخ قال الفراء حيث وقعت اللام بعد إذن فقبلها لو مقدرة إن لم تكن ظاهرة والمحاجة على زعمهم والا فلا حجة لهم ولا دليل على زعمهم الفاسد. قوله: (واستبدّ به الخ) أي استقل به تصرّفا وملكاً وهو تفسير لقوله ذهب وقوله: وظهر بينهم التحارب وفي نسخة وتع وهو تفسير لقوله لعلا وقوله: كما هو حال ملوك الدنيا يعني أنه أمر عادي لا إلزامي قطعيّ ولذا قيل إنه دليل إقناعي لا قطعيّ وقوله وقيام البرهان صريح فيه لكن صاحب الكشف قدس سرّه خالف في هذا وقال لاج لي أنه برهان غير قطعي كما في قوله لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا وأطال فيه هنا وقد مرّ تحقيقه وقوله فلم يكن الني متفرّع على قوله لظهر بينهم التحارب أو على جميع ما قبله لأنه نتيجته فلا وجه لما قيل إن الظاهر عطفه بالواو على ظهر فإنه يترتب على ما يترتب عليه وقوله: وحده قيل الأولى تركه وهو تأكيد لا ضرر فيه. قوله: (واللازم باطل بالإجماع والاستقراء) المراد بالإجماع إجماع المسلمين ومشركي العرب لأنّ المراد إلزامهم فلا يرد إنه إن أراد إجماع المسلمين لم يفد وان أراد إجماع جميع أهل الملل ورد عليه الثنوية والاستقراء لأنه لم يوجد ملكان في مملكة إلا وبينهما ذلك وإذا ان هذا الكلام خطابيا إقناعيا لا يرد عليه ما قيل إنّ الإجماع والاستقراء لا يناسب المقام لأنهما ليسا حجة عقلية مع أنهما غير تامين والبرهان إنما قام على انتهاء سلسلة الموجودات إلى واجب الوجود بالذات ولا يلزم منه عدم تعدده مع تعدد السلاسل وما ذكره إنما يرد على برهان التمانع والبرهان ليس منحصرا فيه وإليه أشار المصنف رحمه الله البرهان لا ما زعمه المعترض! فإنّ برهان الوحدة مقرّر منوّر في الكلام بطرق متعددة فلا وجه لما ذكره أصلا إلا أنّ العرب لا يدعون لآلهتهم الخلق والدليل المذكور لا يدل على نفيها(6/343)
إلا بضم مقدمة
أخرى تثبت لزوم الخلق لمن كان إلها فتأمّل وقوله إلى واجب الوجود في نسخة واجب واحد بدله. قوله: (من الولد والشريك) إشارة إلى أن ما موصولة ويجوز كونها مصدرية وضمير فساده لما وسبحان للتنزيه وقد مرّ تفسيره وقوله على الصفة لأنه أريد به الثبوت والاستمرار فيتعرّف بالإضافة وقوله وهو دليل آخر أي بضم مقدمة وهي أنّ الإله لا بد أن يعلم كل شيء وليس غيره كذلك وقوله على توافقهم أي المشركين والمسلمين وقوله بالفاء أي التفريعية التي تدخل على النتيجة وقوله ولهذا أي لكونه دليلا. قوله: (إن كان لا بدّ من أن تريني) نزول ما وعدتهم من العذاب العاجل والآجل وكونه لا بد منه من زيادة التأكيد وقوله: قريناً لهم إشارة إلى معنى الظرفية وأنه من وضع الظاهر موضع المضمر لبيان سبب استحقاقهم للعذاب وهضم النفس التواضع بمقتضى مقام العبودية والمراد بمن وراءهم سواهم مجازا والمراد بأقته أمّة الدعوة لا أمّة الإجابة وقيل هو مطلق وقوله لم يطلعه الخ أي أهو في حياته أم بعدها وقوله وتصدير الخ الظاهر أنه تكرار كتكرير جؤار فتركه أولى خصوصا ما في لفظ الجؤار من الهجنة وما توعدون من الإيعاد ويصح أن يكون من الوعد العاتم. قوله: الكنا نؤخره) يعلم من التعبير بقادرون دون فاعلون وقوله لا نعذبهم وأنت فيهم اعترض عليه بأنه لا يلزم ما سبق لأنّ خبره تعالى لا يتخلف فليس العذاب المذكور ما في هذه الآية وإذا كان غيره يكفي لعدم تخلفه وقوعه بعده فتأمّل. قوله: (ولعله) أي ما ذكر في هذه الآية واستعجالهم بالجرّ معطوف على إنكارهم وضمير له للموعود والاستهزاء في قوله إنا لقادرون كما إذا قلت لمن توعدته بالضرب أنا قادر على ضربك وقوله قد أراه مفعوله مقدر أي ذلك وليس هذا وجهاً آخر بل تقرير لما ذكره. قوله: (وهو الصفح عنها والأحسان) الضمائر الثلاثة للتي وتذكير الأوّل والثالث باعتبار الخبر أو
لكونها عين الأحسن وتأنيث الثاني لمطابقته المرجع والخبر أو هما باعتبار لفظ أحسن ومعناه وتخصيص الثاني بالثاني لمناسبة الخبر. قوله: (لم يؤد (لو قال لا يؤذي كان أحسن فعلى هذا هي غير منسوخة والوهن الضعف وقوله كلمة التوحيد الخ فالمعنى اذهب شركهم بإعلاء دعوة الدين واعلاء اكمة الله وقوله: هو الأمر بالمعروف هذا هو المشهور وفي تقديم التي هي أحسن من الحسن ما لا يخفى. قوله: (من التنصيص على التفضيل) أي بقوله أحسن فإن دفع السيئة يكون بالصفح فإذا زيد معه الإحسان إلى المسيء كان دفعا بالأحسن وتقريرا بالإحسان كما هو عادة الكرام واليه أشار المصنف بتفسيره أولا وفي التعبير بالموصول وما فيه من الإبهام بلاغة أخرى كقوله يهدي للتي هي أقوم والتفضيل في هذا الوجه المختار على ظاهره لأنّ الصفح مع الإحسان أحسن من الصفح وحده وقيل المفاضلة بين الحسنة والسيئة والمراد أن الحسنة في بابها أزيد من السيئة في بابها وهذا شأن كل مفاضلة بين ضدين كالعسل أحلى من الخل أي هو في الأصناف الحلوة أميز من الخل في الأصناف الحامضة لا أن بينهما اشتراكا خاصا ومن هذا القبيل ما حكي عن أشعث الماجن أنه قال نشأت أنا والأعمش في حجر فلان فما زلنا يعلو وأسفل حتى استوينا يعني أنهما استويا في بلوغ كل منهما الغاية لكن أحدهما في غاية التعلّي والآخر في غاية التدني وهذه فائدة بديعة يعلم منها أن هذا لا يختص بباب التفضيل فاحفظه فإنه نفيس. قوله: (بما يصفونك به (فهو وعيد لهم وتسلية له ىلمجرو ولم يحمله على ما وصفوا الله به لسبقه والنخس بالنون والخاء المعجمة والسين المهملة الطعن والمهماز حديدة تربط على مؤخر رجل الفارس وتسمى مهموز الحث الدابة بنخسها ولذا قيل إن الهمزة بمعنى الحرفة لا تعرفها العرب قديما والراضة كالسادة جمع رائض وهو من يروض الخيل على الجري وذكر نكتة الجمع لدفع ما يقال لم لم يتعوّذ من الهمزة الواحدة وهو أبلغ بأنه في الواقع كذلك فيلزم التعؤذ من كل واحدة منها فتأمل. قوله: (يحوموا حولي) أي يقربوا مني للوسوسة وتخصيص حال الصلاة يعني أنه ورد في بعض الآثار والتفاسير كما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما تخصيصها بهذه فلم جعلتها عامّة أجاب بأنهم ليس قصدهم التخصيص! بل ذكر محال يشتد فيها الخوف ويكثر حضور الشياطين فيها ولذا قيل اللهمّ إني أعوذ بك من النزغ(6/344)
عند النزع وأحرى بالمهملة بمعنى أحق.
قوله: (متعلق بيصفون) أي الثانية كما في الكشاف أو الأولى كما جوّزه بعضهم وهي
ابتدائية كما مرّ والمعنى لا يزإلون على سوء الذكر إلى هذا الوقت وما بينهما اعتراض أو بقوله إنهم لكاذبون أو بمقدر يدل عليه ما قبله أي فلا أكون كالكفار الذين تهمزهم الشياطين وتحضرهم حتى إذا الخ وهذا أقرب عندي وقوله الإغضاء أي الصفح في قوله ادفع بالتي هي أحسن وأصله غض الجفن فجعله كناية عنه وهي مشهورة وما في نسخة من الاعتناء تحريف للنساخ وبالاستعاذة متعلق بالتأكيد وقوله أو بقوله معطوف على قوله بيصفون وما بينهما اعتراض أيضا تحقيقا لكذبهم أيضا. قوله: (تحسراً على ما فرط فيه) الضمير المجرور لما وقوله على الأمر أي في نفس الأمر أو حقيقة الأمر أو الأمر الحق وقوله والواو لتعظيم المخاطب وهو الله عز وجل وقد عرفت أنه يكون في ضمير المتكلم والمخاطب بل والغائب والاسم الظاهر ولا عبرة بمن أنكره اغترارا بكلام الرضي ومن فرّ منه فجعله خطاباً للملائكة بعد الاستغاثة بالله فقد تعسف وأقرب منه تقدير المضاف أي ملائكة ربي وأمّا اعتراض ابن مالك بأنه لا يعرف أحدا يقول رب ارحمون ونحوه لما فيه من إيهام التعدد فمدفوع بأنه لا يلزم من عدم صدوره عنا كذلك أن لا يطلقه الله تعالى على نفسه كما في ضمير المتكلم فتأمّل. قوله: (وقيل لتكرير قوله ارجعني الخ) هذا منقول عن المازني في قفا نبك وأطرقا ونحوه فأصله قف قف على التأكيد وبه فسر قوله تعالى: {أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ} لكنه مشكل جدّاً لأنه إذا كان أصل قفا قف قف مثلا لم يكن ضمير التثنية بل تركيبه الذي منه حقيقة فإذا كان مجازاً فمن أي أنواعه وكيف دلالته على المراد وما علاقته والا فهو مما لا وجه له. ومن غريبه أن ضميره كان مفرداً واجب الاستتار فصار غير مفرد واجب الإظهار ولم تزل هذه الشبهة قديما في خاطري والذي خطر لي أنّ لنا استعارة أخرى غير ما ذكر في المعاني ولكونها لا علاقة لها بالمعنى لم تذكر وهي استعارة لفظ مكان لفظ آخر لنكتة بقطع النظر عن معناه وهو كثير في الضمائر كاستعمال الضمير المجرور الظاهر مكان المرفوع المستتر في كفي به حتى لزم انتقاله عن صفة إلى صفة أخرى ومن لفظ إلى آخر وما نحن فيه من هذا القبيل فإنه غير الضميران المستتران إلى ضمير مثنى ظاهر فلزم الاكتفاء بأحد لفظي الفعل وجعل دلالة الضمير المثنى على تكرير الفعل قائما مقامه في التأكيد من غير تجوّز فيه ولابن جني في الخصائص كلام يدل على ما ذكرناه فتأمّل. قوله: (في الإيمان الذي تركتة) جعل الإيمان ظرفا للعمل الصالح لعدم انفكاكه عنه والترجي إما لهما لعلمه
بعدم الرجوع أو للعمل فقط لتحقق إيمانه إن أعيد فهو إمّا كقولك لعلي أربح في هذا المال أو كقولك لعلي أبني على أس أي " سس ثم أبني والمراد بالمال ما تركه وعلى الأخير جعل مفارقة الدنيا تركا لها وقوله: أنرجعك من رجعه أو أرجعه وقوله: إلى دار الهموم تقديره أأرجع إلى دار الخ وهو إنكار وقدوما بتقدير أختار قدوما وقوله للملائكة ارجعوني يدلّ على الوجه المرجوح في النظم. قوله: (والكلمة) يعني ليس المراد بها معناها المشهور لغة واصطلاحا بل هي هنا بمعنى الكلام كما يقال كلمة الشهادة وهي في هذا المعنى مجاز عند النحاة وأما عند أهل اللغة فقيل إنه حقيقة وقيل مجاز مشهور. قوله: (لا محالة الخ (يشير إلى التأكيد بالاسمية والتقوية بتقديم الضمير وترك ما في الكشاف من قوله هو قائلها لا محالة لا يخليها ولا يسكت عنها الاستيلاء الحسرة عليه وتسلط الندم أو هو قائلها وحده لا يجاب إليها ولا تسمع منه. وقوله أو هو قائلها وحده يعني به أن التقديم إقا للتقوى أو للاختصاص وقوله: لإيجاب الخ توجيه للقصر المستفاد منه فإن الظاهر منه أنّ المنفي قول غيره لهذه الكلمة وليس بمراد فأشار إلى أنه نزل فيه الإجابة والاعتداد والاستماع منزلة قولها حتى كان المعتذ بها شريك لقائلها وأفاد الشارح الطيبي أنه متداول مثله فمن قال إنه تركه لعدم صحة القصر فيه إلا بتكلف جعل ضمير قائلها لجنس الكلمة المتعلقة بالرجعة لم يصب. قوله: (إمامهم) يعني وراء هنا بمعنى إمام لأنه كل ما واراك أو من الأضداد والمراد بالجماعة الكفار وقوله وهو إقناط كليئ الخ ليس مراده أن الغاية داخلة في المغيا لأنه خلاف الاستعمال حتى أن بعض الأصوليين جعلها(6/345)
من المنطوق وإنما المراد إنه علق رجعتهم بالمحال كما في قوله حتى يلج الجمل في سمّ الخياط وحتى يشيب الغراب فسقط ما قيل إنه لا يصلح غاية لعدم الرجوع المذكور والعلم بأنه لا رجعة يوم البعث إلى الدنيا يفيد الإقناط ولكنه لا يصحح أمر الغاية. قوله: (لقيام الساعة (أي لوقت قيامها أو لأجله فاللام وقتية أو تعليلية وقيل إنها اختصاصية وقوله والقراءة بفتح الواو الخ يعني
أن قراءة العامّة بضم الصاد وسكون الواو وابن عباس والحسن بفتح الواو جمع صورة أيضا وهو شاذ عكس لحى بضم اللام جمع لحية بكسرها وهاتان القراءتان تدلان على أنّ القراءة المشهورة جمع صورة أيضاً حقيقة أو جمع اصطلاحيّ كتمر وتمرة لأنّ الأصل توافق معاني القرا آت فالمعنى إذا نفخت الأرواج في الأبدان لكن هذا التأييد ينافيه وصريح آيات أخر كنقر
في الناقور وسيأتي توفيقه. قوله: (تنفعهم الخ) يعني أنّ الأنساب بينهم محققة فنفيها لأنها لعدم نفعها نزلت منزلة العدم أو لأن افتخارهم بها في الدنيا فإذا لم يفتخروا بها ثمة فكأنها لم تكن كماقال:
لا نسب اليوم ولا خلة اتسع الخرق على الراقع ...
فهو استعارة وقيل تشبيه بليغ ويجوز أن يكون فيه صفة مقدرة أي لا أنساب نافعة أو يفتخر بها لأنّ الفخر بالدين والنجاة وقوله: من فرط الحيرة إشارة إلى أنه أمر طبيعيّ وإنما الحيرة أذهلتهم عنه وقوله لزوال التعاطف والتراحم علة لعدم النفع إمّا على ظنهم لقياسهم على أحوال الدنيا أو لأن المراد بالنفع ما يشمل التسلية ولو بالتألم كما قيل:
ولا بد من شكوى إلى ذي مروءة يواسيك أويسليك أويتوجع ...
فلا يرد عليه ما قيل إنه يشعر بأن التعاطف لو وتع نفعهم وليس كذلك لأن النفع حينئذ
ليس بغير الأعمال فالظاهر تعليله به وما قيل من أن التراحم واقع بين الأطفال وأصولهم كما ورد وزواله لا يستلزم عدم النفع والفرار المذكور حذرا من المطالبة ردّ بأن رحمة الأطفال عند دخول الجنة لا عقب النفخة الثانية وبأن انتفاعهم بالأنساب ليس بسبب التراحم كما في الدنيا فانتفاؤه ويستلزم المراد وكون الفرار مما ذكر غير متعين كما سيأتي وأورد عليه أن قوله بحيث الخ ظرف لزوال التعاطف لا لفرط الحيرة فلا ينافي الحذر مما ذكر وأما عدم التعين فلا يفيد لأن السوق مقتض للجزم به وأمّا حديث الأطفال فغير وارد لأنهم أطفال المؤمنين وهذا في شأن الكفار بدليل سياقه وما ذكر تخصيص من غير مخصص. قوله: (او يفتخرون بها (معطوف على تنفعهم وفي الكشاف يحتمل أن التقاطع يقع بينهم حق يتفرّقون مثابين ومعاقبين ولم يذكره المصنف لأنه مبنيئ على عمومه وهو في شأن الكفرة وأمّا الفاء فلا تأباه إفا لأنها سببية أو لأنّ التعقيب عرفيّ. قوله: (وهو لا يناقض قوله الخ (قيل إن قوله لاشتغاله بنفسه يدل على أن المراد بالسؤال سؤال التعارف فلا تناقض لأن الواقع للتوبيخ والخصومة وجوابه لا يناسبه قوله يومئذ لإطلاقه وكذا ما في الكشاف من أنه في النفخة الأولى إذ السياق والسباق يأباه يعني أن تقديم قوله يومئذ عليه يقتضي إطلاقه وفيه نظر وقوله لأنه عند النفخة قيل عليه ليس هذا عقيب نفخة البعث بل بعده لقوله من بعثنا من مرقدنا لصراحته في التساؤل وقوله وأقبل الخ عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه عند النفخة الثانية وفاء الجزاء لا تفيد تعقيبا وقيل عليه إن ما ذكره المصنف رحمه الله أقرب لتعاضد الأخبار على استيلاء الدهشة واشتغال كل بشأنه في بعث
القبور، وعن ابن مسعود رضي الله عنه أنه عند القيام من القبور وهول المطلع شغل كل بنف4 ومن بعثنا من مرقدنا ولو سلم أنه عقب النفخة الثانية لا يدلّ على أنه بطريق التساؤل ثم المختار دلالة الفاء الجزائية على التعقيب وقال الإمام أن قوله لا يتساءلون في الكفار وقوله: فأقبل الآية في المؤمنين بعد دخول الجنة وردّ بأن النقض ليس بقوله فأقبل بالفاء بل بالواو وهي في الكفار بلا شبهة وكلاهما في الصافات ثم إن يوم القيامة ممتد وفيه مشاهد ومواقف فيقع في بعضها تساؤل وفي بعض دهشة تمنع منه هذا خلاصة ما هنا فاختر لنفسك ما يحلو. قوله: (موزونات عقائده الخ) فالموازين جمع موزون وقد مر في الأعراف جواز كونه جمع ميزان مع وحدته جمعه لتعدد الوزن وقوله لها وزن عند الله تعالى وقدر إشارة(6/346)
إلى التفسيرين والمذهبين كما فصل في الكلام. قوله: (ومن لم يكن له ورّن وهم الكفار (قد مرّ في الأعراف تفصيله أيضا قال بعض المفسرين أي موازين أعماله أو أعماله التي لا وزن لها ولا اعتداد بها وهي أعماله السيئة انتهى يعني أنّ موازين أعماله الحسنة خفت بناء على أن أعمال الكفرة توزن لحكم الهية ولم يقيده بكونها حسنة لعلمه من تقييد الثاني المقابل له وبالجملة الحالية وهي قوله وهي أعماله السيئة وقوله أو أعماله الخ هذا هو القول الثاني وهو أنّ أعمال الكفار لا توزن بخلاف المسلمين لقوله لا نقيم لهم يوم القيامة وزنا وجعلناه هنا منثورا ونحوه وليس هذا مذهب المعتزلة لأن مذهبهم إنكار الوزن مطلقا وإنما بينا مراده مع وضوحه لأنّ بعض علماء العصر تردّد فيه واستشكله وأتى بما يتعجب منه حتى أنّ بعض الجهلة قال إن عبارته ليست السيئة بل السنية أي الحسنة وهذا ليس إلا لجهله وخفة ميزان عقله:
وما آفة الأخبار إلا رواتها
قوله: (غبنوها) يعني الخسارة والغبن وهو بيع متاعه بدون قيمته المراد به هنا على طريق الاستعارة التمثيلية تضييع زمانه في الضلال وترك ما أعطاه الله له من رأس المال وهو الاستعداد لأن يربح في تجارة الكمال بفطرة الإيمان وصالح الأعمال ولله در القائل كما تقدم مرارا.
إذا كان رأس المال عمرك فاحترس عليه من الإنفاق في غير واجب ...
قوله: (بدل من الصلة (ظاهره أنّ مجموعه بدل قال أبو حيان هذا بدل غريب وحقيقته أن
يكون البدل الذي يتعلق به في جهنم أي استقرّوا وكأنه من بدل الشيء من الشيء وهما لمسمى واحد على سبيل المجاز لأنّ من خسر نفسه استقرّ في جهنم قال الحلبي فجعل الجار والمجرور
بدلاً دون خالدون والزمخشري جعل جميعه بدلاً بدليل قوله أو خبرا بعد خبر لأولئك أو خبر مبتدأ محذوف وهذان إنما يليقان بخالدون وأمّا في جهنم فمتعلق به فيحتاج كلام الزمخشري إلى جواب وأيضا يصير خالدون مفلتا انتهى) أقول (ما قاله أبو حيان أن لا وجه له فإن خلودهم في النار يشتمل على خسرانهم فهو بدل اشتمال لا غرابة فيه ولا تجوّز وجعل جميعه بدلأنظراً لأنه بمعنى يخلدون فيها بلا تقدير لوقوعه صلة فهو جملة ميلا مع المعنى على عادته كما أشار إليه بعض شرّاحه. قوله: (تحرقها) بيان لحاصل المعنى واللفح والنفح مس لهب النار ولكون النفح أشد استعمل في الريح الطيبة نفحة دون لفحة وهذه الجملة حال أو مستأنفة والتقلص التباعد من شبه الشيخ وكلحون جمع كلح كحذر وقوله تأنيب بالنون والباء الموحدة بمعنى اللوم والتوبيخ والاستفهام إنكارفي. قوله: (ملكتنا الخ) يعني أنه من غلب فلان على كذا إذا أخذه وتملكه فهو إقا تمثيل أو شبهت المشقوة كالفطنة وهي كالشقاوة بالفتح والكسر مصدر بمعنى سوء العاقبة بمتغلب جائر وأسند الملك إليها تخييلاً والمراد أن جميع أحوالهم مؤدّية إليها وأنه غلب علينا ما قدر من الشقاء فأطعناه فليس فيه جبر وقوله إلى التكذيب كأنه جعل العود إلى التكذيب عودا إلى النار فتأمّل. قوله: (اسكتوا سكوت هوان) يعني أنه استعير من خسأت الكلب إذا طردته لهذا وفيه تشبيه لهم بالكلاب في الدال والهوان باعتبار أنها مكنية قرينتها تصريحية كما في ينقضون عهد الله وضمير فإنها للنار وقوله: فخسأ إشارة إلى أنه يكون لازماً متعذياً وما في الآية من اللازم وعطفه بالفاء إشارة إلى أن الثاني مطاوع للأوّل وأنه قد يكون ثلاثيا مثل جبرته فجبر ورجعته فرجع كما في شرح الإيضاج لأبي عليّ وغيره وقوله في رفع العذاب تقديره بقرينة السياق وقوله: رأسا أي أبداً وأصلا وهو مجاز مشهور. قوله: (قيل إن أهل النار الخ) هذا تأييد للتفسير الثاني وقولهم أبصرنا وسمعنا يعني آمنا يرجون به انقطاع العذاب وقوله حق القول أي بالخلود وأنه لا يفيد إيمانكم اليوم وعواء بضم ومد صياج الكلب
ونباحه فالمراد التشبيه به. قوله: (أي لآئه (وهو تعليل على القراءتين لزجرهم باتخاذهم من ذكر سخرة وسخريا مفعول ثان لاتخذ وجعل عين السخرة مبالغة وقرئ بالضم والكسر واختلف أهل اللغة هل هما بمعنى واحد أو بينهما فرق بالمباينة أو الأعمية وأصله من التسخير وهو الإحضار قهراً فإن كان للهزؤ به فهو السخرية بالكسر ومنه المسخرة وان كان لعمل واستخدام من غير أجرة فبالضم وقيل غير ذلك وهو مصدر زيدت فيه ياء(6/347)
النسبة للمبالغة كالخصوص والخصوصية كما زيدت في أحمريّ. قوله: (من فرط (من تعليلية والفرط الزيادة والتجاوز يعني أنكم لم تخافوا الله فيهم فذكر الله كناية عن خوفه لأن من خافه ذكره ونسيان ذكره لعدم المبالاة والخوف وإسناد الإنساء إليهم لأنهم سببه إذ بسبب التشاغل بهم نسوه كما أشار إليه المصنف رحمه الله وقوله في أوليائي أي في شأنهم والاستهزاء بهم. قوله: (فوزهم بمجامع مراداتهم الخ (بنصب فوزهم على أنه تفسير لأنهم هم الفائزون على قراءة الفتح وأنه مفعول ثان لجزي وهو متعد له بنفسه وبالباء يقال جزيته كذا وبكذا كما قاله الراغب وقوله: بمجامع مراداتهم أي بجميعها إشارة إلى أنّ مفعول فائزين حذف للعموم وقوله مخصوصين حال أي حال كونهم مخصوصين بذلك الفوز وفي نسخة مخصوصون أي وهم مخصوصون وهو بيان للاختصاص المفهوم من ضمير الفصل وقيل إنه على هذا بتقدير لام التعليل قال المعرب وهو الآظهر لموافقته القراءة الأخرى فإن الاستئناف يعلل به أيضا وتبعه القائل المعنى لأنهم هم الفائزون بالمراد من خلقهم وهو توحيده تعالى بالعبادة كقوله {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} وعدل عن المضيّ مع سبق ما ذكره لاستحضار صورة فوزهم أو لأنهم الذين يحق لهم الفوز لدلالة الاسم على أنه ثبت لهم ذلك فالمفعول الثاني محذوف على القراءتين وقيل إنه بعيد لاحتياجه إلى التقدير والتعليل على قراءة الكسر ليس بظاهر لأنه لا وجه للسؤال عن السبب المطلق وهو مذكور بقوله بما صبروا ولا عن السبب الخاص لفوزهم لأن السائلين هم القائلون ربنا أخرجنا الخ
- ا-5، 511ءاد، 6 / 5 " 3
وهم عارفون به فالظاهر أنّ السؤال عن كيفية الجزاء المبهم أي كيف جزاؤهم فأجيب بالفوز بجميع ما يريدون ثم أورد على قوله بالمراد من خلقهم الخ أنه مراد الله والفوز الظفر بمراد نفسه لا مراد الله وليس بشيء لأنّ التقدير إذا أريد العموم كثير بليغ لا ينكر وهو متعين في القراءة الثانية وكون توافق القرا آت أحسن مما لا شبهة فيه وأمّا أمر التعليل فعدم وروده ظاهر لأنّ العلل والأسباب تتعدد لأنها ليست علة تامة فإذا ذكر أنهم جزوا بسبب صبرهم على المكاره فلا مغ من أن يقال لم اختص الجزاء على الصبر بهم فيقال لأنهم فازوا بالتوحيد المؤدّي إلى كل سعادة نعم ما ذكره وجه آخر ولكل وجهة هو موليها فافهم. قوله: (قال الخ) جملة مستأنفة وقوله على الأمر الخ في الدر المصون الفعلان مرسومان بغير ألف في مصاحف الكوفة وبألف في مصاحف مكة والمدينة والشام والبصرة فحمزة والكسائيّ وافقا مصاحف الكوفة وخالفهما عاصم أو وافقهما على تقدير حذف الألف من الرسم الخ ومنه يعلم أنّ الرسم بدون ألف يحتمل حذفها من الماضي على خلاف القياس فلا وجه لما قيل إن مخالفة القراآت السبعة لما ثبت في رسم المصحف من الغرائب وكون الخطاب لبعض رؤساء أهل النار بعيد وهو جار في القراءة الأخرى والاستفهام إنكاري لتوبيخهم بإنكار الآخرة. قوله: (استقصار الخ (تقدم تحقيقه وقوله أو لأنها أي أيام الدنيا وقصر أيام السرور لسرعة مرورها وعلى هذا فالسؤال عن لبثهم في الدنيا. وقوله والمنقضي في حكم المعدوم أي فلا يدري مقداره طولاً وقصراً فيظن أنه كان قصيرا فلا يقال إن هذا يقتضي نفيه لا تقليله والعاديين بالتشديد جمع عادي نسبة إلى قوم عاد لأنهم كانوا يعمرون كثيراً. قوله: الو أنكم كنتم تعلمون الخ اليست لو وصلية لأنها بدون الواو نادرة أو غير موجودة فجوابها محذوف تقديره لو كنتم تعلمون قلة لبثكم في الأرض بالنسبة للآخرة ما اغتررتم بالدنيا وعصيتم لا لما أجبتم بهذه المدة كما قدره أبو البقاء لأنه لا يلائم ما ذكره المصنف رحمه الله من كونه تصديقا لهم فلعله يجعله رداً عليهم لا تصديقا فيصح ما قدره ويجوز أن تكون للتمني فلا تحتاج لجواب. قوله: (توبيخ على تغافلهم) كما أن تقليل مدتهم كذلك. وقوله حال أي من الفاعل وجمع لمشاكلة الضمير وقوله تلهياً بكم لا لتلهوا وتلعبوا
أنتم كما قيل لأنه يختلف فيه الفاعل فلا يكون مفعولا بدون لام إلا على قول ضمعيف وقوله كالدليل على البعث فهو توطئة لما بعده والعبث كاللعب ما خلا عن الفائدة مطلقا أو عن الفائدة المعتد بها أو عما يقاوم الفعل كما ذكره الأصوليون والظاهر أنّ المراد الأوّل. قوله: (أو عبثا (أي أو معطوف على قوله عبثاً والظاهر أنه على تقدير كونه مفعولاً له وأما على تقدير الحالية(6/348)
فيحتاج إلى تأويل أي مقدرين أنكم لا ترجعون فهي حال مقدرة وقوله وقرأ الخ وغيرهم قرأه مبنيا للمفعول وقد تقدم أن رجع يكون متعديا ولازما. وفي قوله فتعالى الله التفات للتفخيم والتوصيف بما بعده. قوله: (الذي يحق له الملك مطلقا (فالحق بمعنى الحقيق بالمالكية كما يقال هو السلطان حقا وبحق أو الثابت الذي لا يزول ولا يزول ملكه ورجح بعضهم هذا لشهرته ولأنّ معنى الأوّل يفهم من الملك وفيه نظر وقوله مملوك أي لله بالذات لأنه مخلوق له أوجده بيده جميع أموره قادر على التصرّف فيه بكل ما يريد وفي كل حال مطلقا وهذا معنى المالكية الحقيقية وأمّا مالكية غيره فبالعرض لأنها بتمليك الله له ولو شاء لم يعطه ومتى شاء أخذ ما أعطاه منه فليس تملكه ذاتياً ولا يقدر على التصرف فيما يملكه بكل وجه أراد حسا أو شرعا كما هو شأن المملوك فإسناد المالكية له بحسب الظاهر المتعارف حقيقة لا مجازا لتصرّفه وكسبه في الجملة كالعبد المأذون فلا حاجة إلى حمله على المبالغة أو التشبيه لأن ما ذكره بالنظر لنفس الأمر لا للعرف والشرع فإنهما ناظران للظاهر فقوله من وجه كالوجه الشريئ مثلا وقوله وفي حال كالحياة مثلاً فلا غبار عليه كما توهم. قوله: (الذي يحيط بالإجرام الخ) هذا على قراءة الجرّ على أنه صفة العرس أو الرفع على أنه نعت له مقطوع لا صفة الرب والمعنى أنه لإحاطته بالموجودات وكون جميع الأمور والرحمة والبركة تتنزل منه وصف بأنه كريم على لاستعارة المكنية والتخييلية أو التصريحية وقوله أو لنسبته يعني أنه كريم ربه فالإسناد إليه مجازي أو هو كناية عن كرم مالكه ونسبته هنا لفظة صادفت محزها وقوله يعبده تفسير ليدعو. قوله: (أفرادا أو إشراكا) سقط من بعض النسخ والصحيح إثباته واعترض على قوله أفراداً بأنه لا يتأتى ذكره هنا مع المعية الواقعة في النظم في قوله مع الله فالوجه الاتتصار على الإشراك وقد دفع بوجوه منها أنهم ولو عبدوا إلها آخر أفراداً فإنهم يعبدونه مع المعبود بحق وهو تعسف وقيل أراد بالإفراد أن يكون الإله الأوّل مفردا مستقلاً ومن الإشراك الإشراك في خلق الأشياء بأن يكون شريكا لله في الخلق والإيجاد وهو لا محصل له وقيل إنّ قوله إفرادا داخل في النص
دلالة لا عبارة وهذا كله من ضيق العطن فإنّ الإفراد والإشراك في العبادة ومعنى مع الله مع وجوده وتحققه ولا خفاء في القول بأنه مع وجود الله من الكفرة من يعبد غيره وحده ومنهم من يعبده مع عبادة الله وهذا لا غبار عليه فإن لم يقدر هذا فالمشرك إذا أفرد معبوده بالعبادة تارة وأشركه مع الله أخرى صدق عليه أنه عبد مع الله غيره وذكر آخر قيل إنه للتصريح بألوهيته تعالى وللدلالة على الشريك فيها وهو المقصود فليس ذكره مع المعية مستدركا فتأمّل. قوله: (لازمة له (أيمما لا مقيدة ومخصصة بل مؤكدة وقوله وبناء الحكم عليه بالجرّ معطوف على التأكيد والحكم هو ما يستفاد من جزاء الشرط من الوعيد له بأنه مجازي بما يستحقه وهو وان بني على الشرط وما يفيده من الإشراك لكن ليس فيه التنبيه على ما ذكر فقوله تنبيها تعليل لبناء الحكم عليه فإنّ القيود والصفات مقصودة بالذات ويجوز أن يكون تعليلاً له وللتأكيد معا وقوله أو اعتراض معطوف على قوله صفة. وقوله لذلك أي للتأكيد لا للبناء تنبيها كما قيل لأن الاعتراض لا يفيد غير التوكيد. قوله: (مجاز له الخ (فالحساب كناية عما ذكر لأنه المقصود منه وقوله أو الخبر يعني عن قوله حسابه وقوله حسابه عدم الفلاج يعني أنه على هذا التقدير من
تحية بينهم ضرب وجيع
وهذا أبلغ مع عدم أحتياجه إلى مقدر من تقدير اللام ولذا اقتصر عليه الزمخشري وموافقته للقراءة الأخرى تكفي باعتبار حاصل المعنى وكون إحداهما عين الأخرى مرجحة لا لازمة ولذا قدم الوجه الأوّل والكافرون من وضع الظاهر موضع المضمر وجمع نظر المعنى من. قوله: (بدأ السورة بتقرير فلاح المؤمنين) يشير إلى ما مرّ فيها من قد وصيغة الماضي الدالين على التقرير والتحقيق وقوله وختمها الخ يعني أن فيه حسن المبدأ والختام لما بينهما من التناسب التام. قوله: (ثم أمر رسوله صلى الله عليه وسلم بأن يستغفره الخ (ليس فيه تقييد الطلب بأنه له فيبقى على عمومه ولا حاجة إلى التأويل بالدوام على ذلك والمراد تعظيم أفته والحديث الأوّل موضوع والثاني وارد مرويّ في السنن لكنهم اختلفوا في صحته(6/349)
وضعفه
والثالث قال العراقيّ وابن حجر أنه لم يوجد في كتب الحديث.
تم الجزء السادس، ويليه الجزء السابع وأوله: تفسير سورة النور
سورة النور
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله: (مدنية الخ) المدنيّ والمكيّ معروف وإنما الكلام فيما نزل مزتين هل يكون مكياً ومدنيا أو يعتبر أوّل النزولين ما لم يكن في الثاني زيادة أو نقص وبه يندفع بعض الشبه وسبأتي عن القرطبيّ أن آية {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ} الخ مكية وفي التيسير أنه اختلف في آيتين منها وعدد الآيات توقيفي أيضا وقوله: وستون وقع في نسخة بدله سبعون وقد قيل إنه سهو لأنّ المقرّر في كتاب العدد للداني وهو المعتمد فيه ما ذكره من أنها ستون. قوله: (أي هذه سورة الخ) يعني أنه إمّا خبر مبتدأ محدّوف أو مبتدأ خبره محذوف وقدّر الخبر مقدما وان كانت النكرة هنا تخصصت بالوصف لأنه أحسن كما مر لكن أورد على الثاني أن فائدة الخبر ولازمها منتف هنا لأنّ السورة المنزلة عليه معلوم أنها وحي ودفع بأنه لا ضير فيه فإنه إنما يلزم ذلك فيما قصد به الإعلام والقصد هنا الامتنان والمدح والترغيب. قوله: (وفيه بحث (وان كان ما ذكره مما قرّره أهل المعاني كما فصله في شرح التلخيص لأنّ مثله مما قصد به الامتنان أو التحسر ونحوه لا يخلو من أن يكون لإنشاء ذلك كما اختاره في الكشف أو للإخبار عنه فإن كان إنشاء لم يكن مما نحن فيه وان كان إخبارا فلا بدّ من كونه دالاً على ذلك بإحدى الطرق المعروفة ولا! ك أنه ليس بحقيقة فبقي كونه مجازاً أو كناية وحينئذ فالمعنى المجازي أو الكنائي فائدة الخبر إذ نحو أراك تقدم رجلاَ وتؤخر أخرى فائدته التردد فتأمّل وأورد عليه أيضا أنه يأباه أن مقتضى المقام بين أنّ شأن السورة كذا وكذا والحمل عليها بمعونة المقام يوهم أق غيرها من السور ليس على تلك الصفات ولا يخفى أن هذا ليس من مفهوم الصفة لاشتراكه بين الوجوه فهو من تقديم المسند وهو على الأصح يفيد قصر المسند إليه على المسند فالمعنى أنّ السورة الموصوفة بما ذكر مقصورة على الإنصاف بأنها فيما أوحى إليه أي بعض الموحى لأنه من ظرفية الجزء لكله وهو يدلّ على أنّ القصر غير مراد كما في تلك آيات الكتاب المبين وأمّا بيان أنّ شأنه كدّا فحاصل من التوصيف ولكونه كالحاضر المشاهد لذكره عقبه والجمل بعد العلم بها صفات وقبله أخبار لم يحمل عليه مع أنه مر أنّ القصد الامتنان. قوله: (أنزلناها صفتها (قيل لعل فائدة الوصف المدح أو التأكيد لأن الإنزال يفهم من السورة لأنها
كما مر طائفة من القرآن مترجمة أقلها ثلاث آيات وهدّا على مذهب الزمخشري أمّا على مذهب أهل السنة فيجوز أن يكون للتخصيص احترازا عما هو قائم بذاته تعالى ولا يخفى أنه ليس بشيء لأنه وان لم يعترف بالكلام النفسي فهو معترف بكونها في اللوح المحفوظ ولأن المبتدأ والخبر المذكور إنما يتصوّران في المنزل إلينا فلا بد من القول بأنه للتنويه بشأنها ويشهد له ضمير العظمة. قوله: (ومن نصبها جعله مفسرا لناصبها فلا يكون لها محل (في المغني من الجمل التي لا محل لها من الإعراب التفسيرية وهي الفضلة المفسرة لحقيقة ما تليه واحترزت بالفضلة عن الجملة المفسرة لضمير الشأن فإنها كاشفة لحقيقة المعنى ولها موضع بالإجماع وعن المفسرة في الاشتغال فقد خالف فيها الشلوبين فزعم أنها بحسب ما تفسره فهي في مثل زيدا ضربت لا محل لها وفي نحو إنها كل شيء خلقناه بقدر ونحو زيد الخبز يأكله في محل رفع ولهذا يظهر الرفع إذا قلت آكله وقال:
فمن نحن نؤمنه يبت وهو آمن
فظهر الجزم وكأنها عنده عطف بيان أو بدل ولم يثبت الجمهور وقوعهما جملة وقد تبين
أن جملة الاشتغال ليست من الجمل التي تسمى في الاصطلاج مفسرة وان حصل بها تفسير ولم يثبت جواز حذف المعطوف عليه عطف بيان واختلف في المبدل منه (وفيه بحث (لم ينبه عليه شراحه وهو أن الجملة المفسرة في الاشتغال عنده لا تخلو إمّا أن يكون لها محل من الإعراب فينبغي إدخالها في المفسرة أوعدها على حدة ولم يات بشيء منهما أو يكون لها محل فإن كان بالتبعية فلا بد من الرجوع إلى ما ذكره الشلوبين وان كان له وجه آخر فليحمل(6/350)
كلامه عليه فإنه لا نص منه في ذلك ولذا قال وكأنها الخ نعم لك أن تقول إنها تأكيد وحينئذ لا يلزم ما ذكره وادّعاء عطف البيان والبدل فيما اتحد لفظه غير ظاهر وكلام المصنف والزمخشري محتمل لموافقة الشلوبين ثم إنه بقي ههنا أنّ شرط المنصوب على الاشتغال أن يكون مختصاً ليصح رفعه بالابتداء ولهذا اعترض ابن الشجري على أبي عليّ في قوله تعالى {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا} إنه من باب زيدا ضربته كما في الباب الخامس من المغني وقال بعدما قرّره المشهور أنه عطف على ما قبله وابتدعوها صفته ولا بد من تقدير مضاف أي حب ورهبانية قال وإنما لم يحمل أو عليئ الأمر على ذلك لاعتزاله ولذا قال فإنّ ما يبتدعونه لا يخلقه الله تعالى وقد أجاب عنه حفيد ابن هشام بأن الظاهر ما قاله أبو عليّ لأنّ من المسائل التي يجوز فيها ألاشتغال ما يجب النصب فيه ولا يصح الرفع على الابتداء وحينئذ فليس جواز الأمرين شرطا في صحة الاشتغال ويقويه تجويزهم له في سورة أنزلناها فإنه لا يصح فيه كون سورة مبتدأ أنزلنا خبره بل إذا جعل مبتدأ فأنزلنا صفته والخبر محذوف وهو الظاهر وقال العلوي في شرح الجامع إنّ ابن الشجري وابن هاشم لم يشترطا صحة الرفع على الابتداء حتى يقال إنّ فيه ما لا يصح فيه ذلك بل كونه قابلاً للابتدائية بناء على أنّ الأصل فيه جواز الرفع والنصسب وهو لا ينافي تعين النصب لعارض وتجويز الاشتغال في سورة أنزلناها كتجويز أبي عليئ فإمّا أن يمنع أو يتأوّل كما ذكر في وأخرى تحبونها فتأمل.
قوله: (إتل) قيل الظاهر اتلوا بصيغة الجمع لأنّ الخطابات التي بعده كذلك وهو بناء على ما اشتهر أنه لا يخاطب في كلام واحد اثنان فأكثر بدون تثنية أو جمع أو عطف ولنا فيه كلام فصلناه في طراز المجالس وزبدته إنه لما قال الزمخشري في قوله تعالى: {إِذْ تُصْعِدُونَ} في آل عمران إذ منصوب بإضماراً ذكر أورد عليه القطب أنه مشكل إذ يصير المعنى اذكر يا محمد إذ تصعدون أيها المصعدون الذين تركوا الرسول صلى الله عليه وسلم وفرّوا فالصواب اذكروا وأجاب بأنّ تقديره هذا على قراءة يصعدون بالتحتية وأجاب السعد بأنّ المراد جنس هذا الفعل فيقدّر اذكرو لا اذى أو هو من قبيل إذا طلقتم النساء وفيه أنّ نظم الآية وهو إذ تصعدون ولا تلوون على أحد والرسول يدعوكم في أخراكم الخ يأباه وما ذكروه من أصله غير وارد بل غير صحيح لأن ما قدروه من اذكر واتل ونحوه مما فيه معنى القول مصحح له بلا تأويل لأنه قول وما بعده مقول فالخطاب فيه محكيّ لتضمن عامله معنى القول أو تأويله به كما عرفت في مثله فيقصد لفظه حتى كأنه انسلخ عنه الخطاب أو تعدد قائله ومما يرشدك إلى ذلك نحو توله {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ *لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ} فخطاب قل للرسول صلى الله عليه وسلم من الله والخطاب بعده من الرسول صلى الله عليه وسلم للكفرة فكأنهما خطابان أو كلامان أو المقصود الأوّل وهو كثير كقوله في هذه السورة قل أطيعوا الله وفي الكشف إشارة له وهذا تحقيق لا ريب فيه فعليك أن تعض عليه بالنواجذ. قوله: (أو دونك) ردّه في البحر بأنه لا يجوز حذف أداة الإغراء وقيل عليه إنه لا يسلم إلا بدليل ودليله أظهر من الشمس وهو ضعفه في العمل لأنه عمل بالحمل على الفعل لكن ابن مالك أجاز في قوله:
يا أيها المائح دلوي دونكا
أن يكون دلوي فعولاً لدونك آخر مضمرا وزعم أنه مذهب سيبويه وهو موافق لما هنا إن
لم يشترط فيه ذكر مثله بعده وذكر ابن هشام في الباب الخامس من المغني أنّ شرط الحذف أن لا يؤذي إلى اختصار المختصر فلا يحذف اسم الفعل وما نقل عن سيبويه رحمه الله من حذفه تفسير معنى لا تقدير إعراب ومراده تقدير حذف الزم ونحوه. قوله: (وفرضنا ما فيها من الأحكام) يحتمل أن يريد أن المفروض أحكامها وهي مشتملة على غير الأحكام فأسند إلى الكل ما هو لجزئه كبني تميم قتلوا فلانا والقاتل أحدهم أو المفروض مدلولها لا هي فأسند ما لأحدهما للأخر لملابسة بينهما تشبه الظرفية أو هو على تقدير مضاف كما سأل القرية وقيل إنه مجاز في المفرد بعلاقة الحلول وهو بعيد لأنه إن تجوّز في السورة فالتوصيف بأنزلنا لا يناسبه وان كان في ضميرها على الاستخدام فهو خلاف الظاهر وفيما ذكر براعة استهلال. قوله: (وشدّده ابن كثير الخ) يعني أن التضعيف للتكثير في الحدث كطوّقت أو في المفعول ولو بواسط كما هنا فإنه لتكثير المفروض عليهم والمبالغة بزيادة الكيفية بشدة(6/351)
لزوم الفرضي
والإيجاب وقد فسر بفصلناها فهو من الفرض بمعنى القطع ويجري فيه ما ذكر. قوله: (فتتقون المحارم) قال الإمام ذكر الله في أوّل السورة أنواعا من الأحكام والحدود وفي آخرها دلائل التوحيد فقوله فرضناها إشارة إلى الأحكام المبينة أوّلاً، وقوله وأنزلنا فيها آيات بينات إشارة إلى ما بين من دلائل التوحيد ويؤيده قوله لعلكم تذكرون فإنّ الأحكام لم تكن معلومة حتى يؤمر بتذكرها، وأشار المصنف رحمه الله إلى جوابه بأن لعلكم تذكرون راجع للأحكام أيضا لأنه تذييل لجميع ما قبله والمقصود من التذكير غايته وهو اتقاء المحاربم فلا حاجة لما ذكر. قوله: (أي فيما فرضنا أو أنزلنا الخ) في كتاب سيبويه أمّا قوله عز وجل الزانية والزاني الخ وقوله: والسارق والسارقة الخ فإنّ هذا لم يبن على الفعل ولكنه مثل قوله: {مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ} [سورة الرعد، الآية: 35] ثم قال فيها أنها رفيهاً كذا فإنما وضع المثل للحدث الذي بعده فذكر أخبارا وأحاديث فكأنه قال ومن القصص مثل الجنة أو مما يقص عليكم مثل الجنة فهو محمول على هذا الإضمار وكذلك الزانية والزاني لما قال سورة أنزلناها وفرضناها قال في الفرإئض {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي} [سورة النور، الآية: 2] ثم جاء فاجلدوهما فجاء بالفعل بعد أن مضى فيهما الرفع كما قال:
وقائلة خولان فانكح فتاتهم
فجاء بالفعل بعد أن عمل فيه المضمر وعلى هذا قوله: واللذان ياتيانها منكم فآذوهما،
وقد قرأ أناس والسارق والسارقة والزانية والزاني بالنصب وهو في العربية على ما ذكرت لك من القوّة ولكن أبت العامة إلا الرفع في ذلك انتهى يعني أنّ النهج المألوف في كلام العرب إذا أ! يد بيان معنى وتفصيله اعتناء بشأنه أن يذكر قبله ما هو عنوان وترجمة له وهذا لا يكون إلا بأن يبنى على جملتين فالرفع في نحوه أفصح وأبلغ من النصب من جهة المعنى وأفصح من الرفع على أنه جملة واحدة من جهتهما معا لما عرفت ولما يلزمه من زيادة الفاء وتقدير إمّا ووقوع الإنشاء خبرا كما فصل في شرح الكتاب إذا عرفت هذا فههنا أمور منها إنه مرّ في المائدة قوله في الكشاف وقرأ عيسى بن عمر بالنصب وفضلها سيبويه على قراءة العامة لأجل الأمر وتبعه ابن الحاجب وليس في كلام سيبويه شيء مما ذكراه كما سمعته ولم ينبهوا عليه، ومنها أنّ الشارح العلامة رحمه الله قال عندي أن مثل هذا التركيب لا يتوجه إلا بأحد أمرين زيادة الفاء كما نقل عن الأخفش أو تقدير أمّا لأنّ جواز دخول الفاء في خبر المبتدأ إفا لتضمنه معنى الشرط وامّا لوقوع المبتدأ بعد إمّا ولما لم يكن الأوّل وجب الثاني، وقيل ربما دخلت الفاء الخبر إذا كان في المبتدأ معنى يستحق به أن يترتب عليه الخبر كما في قوله: وقائلة خولان الخ فإنّ في هذه القبيلة شرفا وحسنا بسببه أمر بنكاح نسائهم وهو راجع إلى تضمن معنى الشرط وقد عرفت أنّ في أبتنائه على جملتين ما يغني عن هذا التكلف ومنها أنه قيل إنّ سبب الخلاف أنّ سيبويه والخليل يشترطان في دخول الفاء الخبر كون المبتدأ موصولا بما يقبل مباشرة أداة
الشرط وغيرهما لا يشترط ذلك وليس هذا مبني الكلام وإنما هو من عدم الوقوف على المقصود لما مرّ. وقوله حكمهما إشارة إلى أنّ في الكلام مضافا مقدراً وإذا بني الكلام على جملتين فالفاء سببية لا عاطفة وقيل زائدة. قوله: (لتضمنها) وفي نسخة لتضمنهما وهي أظهر وقوله وقرئتا بالنصب على إضمار فعل الخ قيل دخلت الفاء لأنّ حق المفسر أن يذكر عقب المفسر كالتفصيل بعد الإجمال في قوله فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ويجوز أن تكون عاطفة والمراد جلداً بعد جلد وذلك لا ينافي كونه مفسراً للمعطوف عليه لأنه باعتبار الاتحاد النوعي ولا يخفى أنّ المفسر إذا كان فيه إيضاح وتفصيل يعطف بالفاء وقد يعطف بالواو أمّا إذا اتحد لفظهما فلم يعهد عطفه عند النحاة ولو جازت المغايرة المذكورة لجاز زيدا فضربته وهو ممنوع بالاتفاق وما ذكر تكلف لم نر أحدا ذكره من النحاة فالظاهر ما قاله ابن جني من أنها جوابية لما في الكلام من معنى الشرط ولذا حسنت مع الأمر كما أشار إليه المصنف لأنه في معناه ألا تراه جزم جوابه لذلك إذ معنى أسلم تدخل الجنة إن تسلم تدخل الجنة والمراد كما في بعض شروح الكشاف إن أردتم معرفة حكم الزانية والزاني فاجلدوا الخ ولذ لم يجز زيداً فضربته لأنّ الفاء لا تدخل في جواب الشرط إذ كان ماضياً، وتقديره إن أردتم معرفة الخ أحسن من تقدير إن جلدتم لأنه لا يدلّ على الوجوب(6/352)
المراد وقال أبو حيان إنّ الفاء في جواب أمر مقدو أي تنبهوا لحكمهما فاجلدوهما، وفي شروح الكشاف هنا كلام لا يخلو من الخلل. قوله: (للأمر) وفي نسخة لأجل الأمر علة لكونه أحسن لأنه في باب الاشتغال يختار النصب إذا كان بعده أمر إذ لو رفع على الابتداء لزم وقوع الإنشاء خبراً وهو لا يكون بدون تأويل وقوله والزان بلا ياء أي قرىء الزان بلا ياء لحذفها تخفيفاً وقوله وإنما قدم الخ ولذا عكس في السرقة لغلبتها في الرجال والمفسدة اشتباه النسب وزيادة العار المتعدّي، والزانية في الأصل بمعنى المزنى بها. وقوله والجلد ضرب الجلد لأنّ فعل المفتوح العين الثلاثيّ اطرد صوغه من أسماء الأعيان لإصابتها كرأسه أصاب رأسه وعانه أصاب عينه كما في التسهيل. وقوله لما دل ما عبارة عن الدليل وهو الأحاديث المشهورة، وقيل إنها منسوخة في حى المحصن. وقوله بالبكر هي من لم تجامع في نكاح صحيح كما ذكره الكرماني. قوله: (وليس في الآية ما يدفعه الخ) في الهداية لنا قوله تعالى {فَاجْلِدُوا} الآية جعل كل الموجب رجوعا إلى حرف الفاء أو إلى كونه كل المذكور والحديث منسوخ كشطره وهو الثيب بالثيب جلد مائة ورجم الحجارة ثم قال إلا
أن يرى الإمام في ذلك مصلحة فيعزره على قدر ما يرى وذلك تعزير وسياسة لأنه قد يفيد في بعض الأحوال فيكون الرأي إلى الإمام انتهى، يعني أنّ ما ذكر وقع موقع الجزاء مبيناً لما يترتب على الزنا ويجازى به فلا بد أن يكون جميع جزائه درالا كان تجهيلا في مقام البيان فكأنه قيل ليس له إلا الجلد وحينئذ يعارضه الحديث فيكون ناسخاً ومنه ظهر الجواب عما قاله المصنف رحمه الله من طرف الشافعي من إثباته بالحديث وعدم نسخه لأنه لا يسلم كون ما بعد الفاء جميع الجزاء ولا يقول بأنه تعزير لأنه لا جمع بين الحد والتعزير بسبب واحد فإنه غير مسلم
فهو أمر للسياسة موكول لرأي الإمام وما قيل من أن الفاء للجزاء وهو ما كان كافياً لأنه من جزأ بالهمز أي كفى وهو على إختيار الفراء والمبرد في إعراب الآية على ما مرّ وأنّ قوله الزانية والزاني شروع في بيان حكم الزنا ما هو فكان الصذكور تمام حكمه د والا كان تجهيلاً لا بيانا وتفصيلاً إذ يفهم منه أنه تمام وليس بتمام في الواقع فكان مع الشروع في البيان أبعد من البيان
لأنه اوقع في الجهل المركب وكان قبله في البسط وهذا يعم المذاهب في إعراب الآية فيه أنّ الجزأء مصدر جازيته جزأء وهو منقوص بلا شبهة كما يدلّ عليه الاستعمال واللغة وقلب حرف العلة فيه همزة لتطرفه كما في كساء وأمّا جزأ وأجزأ المهموز فهو مادة أخرى فهو خلط في اللغة
غير محتاج إليه ثم إنه كيف يكون تمام حكمه وليس فيه حكم المحصن والعبد فكيف يقال إنه تفصيل للحكم فالظهر أنّ الآية مجمل مبينة بفعله صلى الله عليه وسلم الثابت بالأحاديث المحيحة فتأمّل. قوله:
(شمخا مقبولا أو مردودا) الزيادة على نص الكتاب عند علمائنا نسخ وعند الشافعيّ بيان مخصص حتى يجوز بخبر الوأحد والقياس ولا يقبل ذلك عندن! فقوله مقبولاً أو مردود إشارة
إلى مذهب الحنفية وفي الكشاف ما احتج به الشافعيّ على وجوب التغريب من قولهءتجيئ والبكر بالبكر الخ منسوخ أو محمول على التعزير والتأديب من غير وجوب واعترض عليه بأنه بناء على أنّ الزيادة على النص نسخ ولا ينسخ الكتاب بخبر الآحاد والحديث المذكور في مسلم والترمذيّ وأبي داود كما مر في سورة الشساء فلو سلم لهم الأصل الأوّل لا يسلم الثاني فأفا المروي عن الصحابة فلا يحتمل النسخ أصلا وردّ بأنّ قوله منسوخ متعلق بالحديث وقوله أو محمول جواب ثاني عن الحديث بما يصلح جوابا عن فعل الصحاية وليس بإجماع منهم ولو
كان إجماعا لصلح كاشفا عن ناسخ الآية على المذهبين وقال الطيبي ما رواه الترمذي عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه صلى الله عليه وسلم ضرب وغرّب وأنّ أبا بكر رضي الله عنه ضرب وغرّب وأنّ عمر رضي الله عنه ضرب وغرّب ولا يعلم منكر إجماع والحمل على التعزير لا وجه له إذ لا
يجتمع مع الحد انتهى ولا يخفى حاله أمّا الإجماع فكيف يتأتى مع مخالفة كثير كالإمام وغيره ولو سلم لكان ناسخاً كما تقرّر في الأصول فكان لظاهر الاقتصار على الجواب الثاني على ما فيه. قوله: (وله في العبد الخ (الأقوال عدم التغريب أو التغريب سنة أو نصفها. قوله: (وهو مردود الخ (كما في البخاري عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما(6/353)
قال جاء اليهود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا أنّ رجلاً منهم وامرأة زنيا فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما تجدون في التوراة في شأن الرجم فقالوا نفضحهم ويجلدون قال عبد الله بن سلام رضي الله عنه كذبتم إن فيها الرجم فأتوا بالتوراة فنشروها فوضع أحدهم يده على آية الرجم فقال عبد القه بن سلام رضي الله عنه ارفع يدك فرفع يده فإذا فيها آية الرجم قالوا: صدق يا محمد فيها آية الرجم فأمر بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجما ولا دليل عليه قال الكرماني الأصح أنه! هـ كان متعبداً بشرع من قبله ما لم يكن منسوخا وقيل إنما سألهم ليلزمهم ما يعتقدونه وقد قيل إنه! يم كان أوّل ما قدم المدينة يحكم بالتوراة ثم نسخ، وفيه بحث. قوله: (إذ المراد بالمحصن الذي يقتص! له من المسلم (قيل هذا تقييد للإطلاق بغير دليل وأكثر استعمال الإحصان في إحصان الرجم وفيه نظر لأنهم قالوا الدليل عليه ما مرّ من حديث البخاري وغيره فتأمل. قوله:) رأفة رحمة (فسرها هنا بالرحمة وفي البقرة تبعا للجوهري بأشد الرحمة وقال في قوله لرؤوف رحيم قدم الرؤوف مع أنه أبلغ محافظة على رؤوس الفواصل وفيه أنّ الرأفة حيث قارنت الرحمة قدمت سواء الفواصل وغيرها ألا تراها قدمت في قوله رأفة ورحمة ورهبانية ابتدعوها وهي في الوسط فلا بد لتقديمها من وجه آخر وكونها أبلغ لا وجه له وان تفرد به الجوهري فقد فسرت في العين والمجمل وغيرهما بمطلق الرحمة وهي عند التحقيق نوع من الرحمة الحقيقية وهو التلطف والمعاملة برفق وشفقة ويقابلها العنف والتجبر فينبغي تقديمها على الرحمة بمعنى الأنعام كما في المثل الإيناس قبل الأساس وقال:
أضاحك ضيفي قبل إنزال رحله
ومما يعنيه أنّ معاوية رضي الله عنه سأل الحسن رضي الله عنه وكرّم وجه أبيه عن الكرم
فقال هو التبرع بالمعروف قبل السؤال والرأفة مع البذل وقال سفيان بن عيينة رضي الله عنه في تفسير هذه الآية أي لا تبطلوا الحد شفقة عليهما وقال قيى الرقيات:
ملكه ملك رأفة ليس فيه جبروت منه ولاكبرياء ...
وقال ابن المعتز:
فحلماً وإبقاء ورأفة واسع بالأنعام لا كبر ولا متضايق ...
وقال ابن نباتة السعدي:
وخير خليليك الصفيين ناصح يغصك بالتعنيف وهورؤوف ...
وفي نهج البلاغة ليرئف كبيركم بصغيركم وهذا كله مما ورد به استعمال البلغاء شاهد لا
يقبل الرشا وإنما أطلنا فيه لأنهم اغترّوا بكلام الجوهرفي رحمه الله وظواهر اللغة المبنية على التسامح فارتكبوا تكلفات لا حاجة إليها كما قيل الرأفة أشد الرحمة أو أن يدفع عنك المضار والرحمة أن يوصل إليك المسار فإن فسر بالأوّل لزم التكرار والانتقال من الأعلى إلى الأدنى فلا بد من الثاني وفسر الرؤوف في شرح المواقف بمريد التخفيف على العبيد. قوله: (فتعطلوه) بالترك أو تسامحوا فيه بالتخفيف. وقوله لو سرقت فاطمة الخ بعض حديث في البخاريّ عن عائشة رضي الله عنها: " أنّ قريشاً أهمهم أمر المخزومية التي سرقت فقالوا من يكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن يجترىء عليه إلا أسامة حبّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أتشفع في حد من حدود الله ثم قام فخطب فقال أيها الناس إنما ضل من قبلكم إنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق الضعيف أقاموا عليه الحذ وايم الله لو أنّ فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها ".
تنبيه: فاطمة هذه بنت الأسود بن عبد الأسد المخزومية صحابية رضي الله عنها سرقت فقطعها النبيّ صلى الله عليه وسلم وقيل هي أم عمر وبنت نعيصان المخزومية وفي قوله لو سرقت فاطمة نكتة لأنّ اسم السارقة فاطمة أيضاً وقوله بنت محمد روي مرفوعاً ومنصوباً وكانت شريفة في نسبها وكانت سرقت قطيفة وقيل حلياً وضرب لها مثلاً بالزهراء رضي الله عنها لنزاهته. قواسه: (فعالة) بفتح الفاء مصدر أو اسم مصدر كالسآمة والكآبة وقول الشارح الطيبي إنها شاذة كأنه اراد أنه في هذه الماذة قليل الاستعمال بالنسبة إلى الرأفة بالسكون والا ففعالة في المصادر كثير وليس شذوذه في القراءة لأنها قراءة قنبل كما ذكره الجعبرفي رحمه الله. قوله:) وهو من باب التهييج) كما يقال إن كنت رجلاً فافعل كذا ولا شك(6/354)
في رجوليته وكذا المخاطبون هنا مقطرع بإيمانهم لكن قصد تهييجهم وتحريك حميتهم وعزتهم لله فلا يتوهم أنه ليس المحل محل إن لأنه لبس المقصود به الشك بل التهييج لإبرازه في معرضه.
قوله: (والطائفة الخ) قيل هذا مخالف لما مرّ في سورة التوبة وتحقيق المقام على وجه تندفع به الأوهام إنّ الطواف في الأصل الدوران أو الإحاطة كالطواف بالبيت والطاثفة في الأصل اسم فاعل مؤنث فهو إمّا صفة نفس فتطلق على الواحد أو صفة جماعة فتطلق على ما فوقه وهو كالمشترك بين تلك المعاني فيحمل في كل مقام على ما يناسبه بحسب القرائن فلا تنافي بينها، قال الراغب: الطائفة من الناس جماعة منهم ومن الشيء قطعة، وقال بعضهم: قد تقع على واحد فصاعدا فهي إذا أريد بها الجمع جمع طائفة دماذا أريد بها الواحد يصح أن تكون جمعاً كني به عن الواحد ويصح أن تكون كراوية وعلامة انتهى وفي حواشي العضد للهروي يصح أن يقال للواحد طائفة وبراد بها النفس الطائفة فهو من الطواف بمعنى الدوران وفي شرح البخاريّ حمل الشافعي الطائفة في مواضع من القرآن على أوجه مختلفة بحسب المواضعفهي في قوله تعالى: {فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ} [سورة التربة، الآية: 122] واحد فأكثر واحتج به على قبول خبر الواحد وفي قوله: وليشهد عذابهما طائفة أربعة وفي قوله: فلتقم طائفة منهم معك ثلاثة وفرقوا في هذه المواضع بحسب القرائن أمّا في الأولى فلأنّ الإنذار يحصل به وأمّا في الثانية فلأنّ التشنيع فيه أشد وأمّ في الثالثة فلذكرهم بلفظ الجمع في قوله: فليأخذوا أسلحتهم وأقله ثلاثة وكونها مشتقة من الطواف لا ينافيه لأنه يكون بمعنى الدوران أو هو الأصل وقد لا ينظر إليه بعد الغلبة فلذا قيلى إنّ تاءها للنقل فلها معان وفيها اختلاف فلا يرد الاعتراض على المصنف رحمه الله ولا يصح إطلاق القول بأنّ إطلاقها على الواحد لا أصل له في اللغة. قوله تعالى: {لَا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً} الخ جوّز فيه أن يكون معناه ما في الحديث من أنّ من زنى تزني امرأته ومن زنت امرأته يزني زوجها. قوله: (وكان حق المقابلة الخ (وفي نسخة العبارة وتنكح قيل إنه بصيغة المجهول وكان الظاهر أن يقول لا تنكح إلا زانيا على البناء للفاعل لكنه ساق الكلام على مذهبه من أق النساء لا حق لهن في مباشرة العقد وفيه إنه وان قال بأنه لا يصح عقدهن مطلقا لحديث لا نكاج إلا بوليّ لكن إسناد النكاح والتزوّج إلى كل
منهما صحيح عنده وقد صرّح به في تفسير قوله تعالى {حَتَّىَ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} ولك أن تقول إنه هنا مبنيّ للفاعل بتضمينه معنى تقبل النكاح منه وإنما اختاره إشارة إلى مذهبه وهو المناسب لمقابله ولو كان مجهولاً وفاعله المقدّر الوليّ عاد الذم إليه وليس بمراد. قوله: (نزلت في ضعفة المهاجرين الخ) المراد بالضعفة جمع ضعبف الفقراء ولما بالفتح والتشديد أو الكسر والتخفيف ويكرين بضم الياء وسكون الكاف من الإكراء يقال أكريت واكتريت واستكريت ولينفقن متعلق بقوله يتزوّجوا لا بيكرين أوهموا لأنّ الصحابة رضي الله عنهم أورع من أن يصدر مثله عنهم والوارد في كتب ا- لحديث كما رواه ابن أبي شيبة عن ابن جبير أنه قال كن بغايا بمكة قبل الإسلام فلما جاء الإسلام أراد رجال من أهل الإسلام أن يتزوّجوهن فحرّم ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكره العراقي وابن حجر فينبغي تنزيل ما هنا عليه لكن الظاهر منه أنّ الآية مكية. قوله: (ولذلك قدّم الزاني) أي لكون المراد بيان ما نزلت له من أحوال الرجال! وتقديم الزانية أولاً لما مرّ. وفي الكشاف أنه لأنّ الآية مسوقة لذكر النكاح والرجل أصل فيه وقوله لسوء القالة هي كما قاله الراغب كل قوله فيه طعن فعطف الطعن للتفسير وقيل هي ما تيسر من القول وقال الخليل القالة تكون بمعنى القائلة، وفي نسخة المقالة وهو مصدر ميمي بمعنى القول. وقوله عبر عن التنزيه بالتحريم على أنه بالمعنى اللغوي وهو المنع مطلقاً ولو تنزيهاً أو المراد معناه المعروف على التشبيه البليغ أو الاستعارة وهو جواب عن أنه غير حرام ولو ممن زنى. قوله:) وقيل النفي) في قوله لا تنكح فهو خبر بمعنى الطلب كيرحمه الله وعلى الأوّل هو باق على حقيقته وإنما أبقى الحرمة على ظاهرها لأنّ حمله على التنزيهيئ تأويل وجعله خبراً بمعنى النهي تأويل آخر فهو تكلف أمّا على الخبرية فلا بأس به، وقوله مخصوص بالسبب وهو النكاح للتوسع بالنفقة من كرائهن، وهو مراد الطيبي إذ فسره بنكاج الموسرات(6/355)
وقيل المراد به سبب النزول وهو ما ذكر. قوله: (أو منسوخ بقوله وأنكحوا الآيامى إلى آخره) أورد عليه في الكشف أن العامّ إذ ورد بعد الخاص حمل على الخاص عند الشافعية وعند الحنفية هو ناسخ له فلا يتمشى ما ذكره المصنف على أصولهم وردّ بأنّ الشافعيّ قال في الأمّ اختلف أهل التفسير في هذه الآية اختلافاً متباينا فقيل هي عامّة ولكن نسخت بقوله وأنكحوا الأيامى الخ وقد رويناه عن سعيد بن
المسيب وهو كما قال وعليه دلائل من الكتاب والسنة فلا عبرة بما خالفه هذا محصله قال البقاعيّ فقد علم أنه لم يرد أنّ هذا الحكم نسخ باية الأيامى فقط بل مع ما انضم إليها من الإجماع وغيره من الآيات والأحاديث بحيث صير ذلك دلالتها على ما تناولته متيقنة كدلالة الخاص على ما تناوله فلا يقال إنه خالف أصله في أنّ الخاص لا ينسخ بالعامّ لأنّ ما تناوله الخاص متيقن وما تناوله العامّ مظنون فالقاعدة عندهم مخصوصة بما لم يقم دليل ظاهر على بقاء العموم على عمومه بل لا حاجة إلى التخصيص لأنّ الناسخ في الحقيقة دليل العموم لا العامّ وحد. واليه أشار المصنف رحمه الله بقوله: ويؤيده الخ وعلى هذا حمل قول ابن عباس رضي الله عنهما كنا نأخذ بالأحدث فالأحدث لكن في قوله: الإجماع مع خلاف عائشة رضمي الله عنها ومن تابعها نظر. قوله: (يتناول المسافحات (السفاح الزنا من سفحت الماء صببته وتسميتها مسافحة وهي مسفوج بها كالزانية للمزنى بها مجاز صار حقيقة عرفية. وقوله: ويؤيده أي يؤيد النسخ وهو إشارة إلى ما مرّ وقيل معناه يؤيد ما عرفته من أن الحرمة غير متحققة الآن وإنما قلنا ذلك لأنّ الحديث لا اختصاص له بالنسخ فإنه يجامع الاحتمالين الأوّلين أي التنزيه والتخصيص ولا يخفى أنه غير مناسب لما قرّره قبيله ولا لما ارتضاه من كلام البقاعيّ. قوله: (فيؤول إلى نهي الزاني الخ) في الكشف أق الغرض النهي مبالغة لا مجرّد الأخبار فيكون المعنى نهي الزاني عن الزنا إلا بزانية وبالعكس كما ذكره المصنف وهو ظاهر الفساد لأنه إذن للزنا بالزانية وهو مراد التقريب بقوله: لأنه غير مسلم إذ قد يزني الزاني بغير زانية بأن يعلم أحدهما الزنا ويجهله الآخر أو يكره عليه فلو لم يفسد لزم أن لا يحرّم هذا وليس كذلك وليس غرضمه لزوم الكذب فيه حتى يغاير كلامه كلام المصنف رحمه الله كما قيل (وفيه بحث (لأنّ النظم يحتمل النهي والخبر وعلى الثاني يلزم الكذب وقال أبو حيان لك أن تقول يجوز إبقاء النفي على ظاهره والمقصود تشنيع أمر الزنا ولذلك زيدت المشركة. والمعنى أن الزاني في وقت زناه لا يجامع إلا زانية من المسلمين أو أخس منها لكنه مكرّر لأنه كقوله الخبيثات للخبيثين. قوله: (يقذفونهن بالزنا الخ الما كان الرمي مطلقا والمراد به قذف مخصوص أشار إلى قرينة الخصوص بقوله لوصف الخ، وقوله: واعتبار أربعة شهداء لأنه معلوم قبل أنه مخصوص بالزنا كما يقتضيه السياق فلا يرد عليه أنّ فيه مؤنة بيان تأخير نزول هذه الآية عن قوله فاستشهدوا عليهن أربعة لأنه لو لم يكن كذلك لم يكن قوله ثم لم يأتوا بأربعة شهداء الخ في محله وقوله
والقذف بغيره الخ قيل فيه شبه المصادرة وليس بشيء لأنه ليس المراد إثبات ما ذكر بهذه الآية بل بيان أنه المراد بعد تقرّر ما ذكره في الشريعة ولم يذكر ما في الكشاف من قوله يا كافر لأنه بغير تأويل عند الشافعية يوجب كفره ورذته لا التعزير كما في الروضة لحديث من كفر مسلما بغير حق فقد كفر ولا يرد هذا الزمخشريّ كما ظنه الطيبي رحمه الله لأنه يوجب التعزير عندنا كما في الهداية. قوله: (وتخصيص المحصنات الخ) يعني الظاهر من المحصحنات النساء العفائف والحكم عامّ للرجال، وما قيل إنّ المراد الفروح المحصنات لقوله والتي أحصنت فرجها قياس مع الفارق لعدم التصريح بالفرج هنا واسناد الرمي يأباه ولما في التوصيف بالمحصنات من مخالفة الظاهر وأقرب منه أن يراد الأنفس المحصنات ولذا قيل والمحصنات من النساء إذ لولا أنه صالح للعموم لم يقيد، وامّا أنه ثمة قرينة بخلاف ما هنا فممنوع إذ كون حكم الرجال كذلك قرينة فتأمّل. قوله: (لخصوص الواقعة الأنها نزلت في امرأة عويمر كما في البخاريّ، وقوله أغلب وأشنع قيل عليه إنّ فيه إخلالاً بثبوت الحكم في المحصن بدلالة النص والجواب أنّ المصنف رحمه الله شافعيّ لا يلحقه بالدلالة بل بالإجماع أو الحديث أو القياس، وقيل إنّ العبارة إنما هي أشيع بالياء التحتية ولا يخفى(6/356)
أن كونه أشنع لا نزاع فيه فتأمّل. قوله: (ولا يشترط اجتماع الشهود الخ) هذا مما خالف فيه أبو حنيفة رحمه الله فاعتبر الاجتماع واتحاد المجلس وجوّز شهادة الزوج معهم إلا أنّ الفرق بينه وبين غيره أنه يلاعن وهم يحدون إذا لم تصادف الشهادة محلها. قوله: (وليكن ضربه أخف من ضرب الزنا الخ (ضعف سببه ظاهر لأنه ليس بزنا بل إعلام به وفوله احتماله أي للصدق والكذب لأنه خبر وفي الهداية لا يجرّد من ثيابه لأنه سبب غير مقطوع به فلا يقام على الشدّة بخلاف الزنا ولما كان المحتاج إلى الفرق حد القذف والزنا فرقوا بينهما وأمّا التعزير فلا يثتبه حاله فلذا لم يفرق بينهما وكون الضرب تعزيراً أشد مذهب الشافعيّ رضي الله عنه فما قيل إنه يرد عليه النقض بضرب التعزير إذا كان المقذوف غير محصن فإنه أشد من ضرب الزنا مع فيام العلة المذكورة فيه غير وارد لأنه إن أراد أنه أشدّ كما فظاهر الدفع وان أراد كيفا فغير مسلم لأنّ كون أربعين شديدة أشد من مائة معتدلة غير متحقق ولو سلم فالمصنف رحص4 الله شافعيّ المذهب يرى التغريب في حد الزنا فلا يتصوّر كونه أشد منه عنده وما قيل إنه بعد تسليم صحة ما ذكر على مذهب المصنف رحمه الله بينهما تفاوت فاحش من حيث العدد فإنّ ضرب التعزير قليل فلو جرى فيه التخفيف من حيث الوصف أذى إلى فوات المقصود وهو الانزجار بخلاف حد القذف ليس بشيء لما مرّ وحديث الانزجار واه لأنّ أدنى التعزير ثلاث فاذا انزجر بها فلم لا ينزجر بأربعين حقيقة مع أنه ربما كان بالعتاب ونحوه. قوله: (ولا تقبلوا لهم شهادة) في التلويح هو من قبيل {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ
صَدْرَكَ} فهو أبلغ من لا تقبلوا شهادتهم وأوقع في النفس لما فيه من الإبهام ثم التفسير وقوله أيّ شهادة لأنه نكرة في سياق النفي وقوله لأنه مفتر أي كامل الافتراء أو متحقق الافتراء لحكم الشارع بفسقه فخرج قاذف غير المحصن والقول بأنه من تمام الحدّ لا يوافق مذهب المصنف رحمه الله. قوله: (خلافاً لأبي حتيفة رحمه الله) قيل لأنّ تعلق الجزاء على المعطوف بواسطته ولذلك إذا قال لغير المدخول بها إن دخلت الدار فأنت طالق وطالق يقع واحدة كما تقرّر في الأصول وفي دلائل الإعجاز جزاء الشرط قسمان جزاء للشرط ابتداء كقولك إن جاء زيد أعطه واكسه وقسم يعتبر جزاء بواسطة الجزاء الأوّل كقولك إذا رجع الأمير استأذنت وخرجت أي وإذا استأذنت خرجت ولأبي حنيفة أن يقولط لما لم يرجح هنا أحد المعنيين على الآخر والأصل قبول الشهادة وقع الشك في الردّ قبل الجلد فلا يردّ بالشك لأنه من جملة الحد المندرىء بالشبهات ولا يخفى أنه غير مسلم عند الخصم كما أشار إليه بقوله ولا ترتيب بينهما فكيف يلزمه بما لا يعترف به مع أنّ الشرطية هنا غير متحققة لجواز كونه مفعول فعل مقدّر على طريقة الاشتغال وذكر المصنف للشرطية من إرخاء العنان وهو لا يجعل عدم القبول من تمام الحد لأنّ الحدّ فعل يلزم الإمام إقامته كما في التلويح. قوله: (وحاله قبل الجلد أسوأ مما بعده) قيل لاجتماع الحقين عليه حق الله وحق العبد وفيه أنه إذا أريد أنه أسوأ حالاً عند الناس فظاهر أنه ليس كذلك وان أريد عند الله فالمعتبر في الشهادة ما عند الناس وفيه أنه قد يقال إنه أسوأ حالاً عند الله وعند الناس لأنّ الاستسلام للحد توبة عند المصنف والفاسق قبل التوبة أسوأ منه بعدها ومن عليه حقان أسوأ ممن عليه حق وهذ ظاهر لا ينكر والذي جنح إليه هذا القائل إنه إذا ضرب بمحضر من الناس يكون أحقر وأسوأ حالاً عندهم لكنه وان عد قبيحا بحسب العقل القاصر فليس قبيحاً بحسب الشرع. قوله: (ما لم يتب) هذا بناء على أنّ الاستثناء راجع إلى جميع ما قبله وسيأتي تحقيقه وقيل بل إلى آخر أوقات أهليتهم للشهادة ولذلك قبلى شهادة الكافر المحدود في قذف بعد إسلامه لحدوث أهلية أخرى وردّ بأنهم لا يقبلون شهادة الكافر مطلقا فبنى المصنف رحمه الله كلامه على ما هو المتفق عليه بين الأئمة وفي الكشاف فإن قلت الكافر يقذف فيتوب عن الكفر فتقبل شهادته بالإجماع والقاذف من المسلمين يتوب عن القذف فلا تقبل شهادته عند أبي حنيفة رحمه الله كأنّ القذف مع الكفر أهون من القذف بعد الإسلام قلت المسلمون لا يعبؤون بسب الكفار لأنهم شهروا بعداوتهم والطعن فيهم بالباطل فلا يلحقه بقذف الكافر من الشين(6/357)
ما يلحقه بقذف مسلم مثله فشدّد على المسلمين ردعا وفي الفرائد أبو حنيفة لا يحتاج إلى هذا الجواب الضعيف والكافر إنما قبلت شهادته بعد الإسلام لأنها غير شهادة الكفر
لأنها مستفادة من الإسلام فلم تدخل تحت الرد ويدل عليه أنّ شهادته مقبولة بعد الإسلام على المسلم والذمي وتلك الشهادة غير مقبولة على المسلم ولو كان كما قال من عدم لحوق الشين لوجب أن لا يحذ لعدم اعتبار قذفه وقال في الكشف كونه غير شهادة الكفر مسلم أمّا عدم الدخول تحت الرد فلا لأن قوله لا تقبلوا لهم شهادة أبداً عام لم يقيد بحال كفرهم أو إسلامهم ولا بالشهادة التي لهم الاتصاف بها حال القذف أو بعده وأمّا قوله: لوجب أن لا يحدّ فممنوع لأنّ حاصله أنّ ما لحق المسلم من قذف مسلم مثله أشدّ في إلحاق الشين به فزيد في حذه عدم قبول الشهادة وهذا لا يقتضي عدم المؤاخذة في شأن الكافر بل يقتضي مؤاخذة أسهل وفي هذا المقام كلام طويل الذيل تركناه خوف السآمة. قوله:) وأولئك هم الفاسقون المحكوم بفسقهم) فيه إشارة إلى أنهم ليسوا بفسقة في نفس الأمر وإنما حكم بفسقهم لما سيجيء قيل وهو غير داخل في حيز الجزاء بدليل عدم المشاركة في الشرط فإنه جملة خبرية غير مخاطب بها الأئمة لافراد الكاف في أولئك بخلاف ولا تقبلوا لهم شهادة فهو عطف على الجملة الاسمية أي الذين يرمون الخ أو مستأنف لحكاية حال الرامين عند الشرع الحاكم بالظاهر لا عند الله العالم بالسرائر وهو ردّ على الزمخشريّ في قوله: عند الله فإنه لا يصح مع قوله: سبب عقوبته محتمل للصدق وأجيب بأنه لا ينافيه لأنه إذا صدق ولم يكن له شهداء فقد هتك ستر المسلم لغير مصلحة وهو مأمور بصونه فهو فاسق عند الله أيضا آثم بفعله، وهذا مقرّر في كتب الأصول لكنه أورد عليه في التلويح أمورا منها أنّ عطف الخبر على الإنشاء وعكسه لاختلاف الأغراض شائع ومنها أن إفراد كاف الخطاب مع الإشارة جائز في خطاب الجماعة كقوله: ثم عفونا عنكم من بعد ذلك على أنّ التحقيق أنّ الذين يرمون منصوب بفعل محذوف على المختار أي اجلدوا الذين الخ فهو أيضا جملة فعلية إنشائية مخاطب بها الأئمة فالمانع المذكور قائم هنا مع زيادة العدول عن الأقرب إلى الأبعد، ولو سلم أن الذين مبتدأ فلا بد في الإنشائية الواقعة موقع الخبر من تأويل وصرف عن الإنشائية عند الأكثر وحينئذ يصح عطف أولئك هم الفاسقون عليها، وقال الزمخشري: أولئك هم الفاسقون بمعنى فسقوهم، وما قيل من أن التأكيد بضمير الفصل والاسمية ياباه لا وجه له وقوله عند الله ليس في بعض النسخ ولو سلم فعند الله كما يستعمل بمعنى في علمه يكون بمعنى في حكمه وشرعه فلا فرق بينه وبين تفسيره وأمّا ما ذكره من هتك الستر فحسن كما في التلويح. قوله: (ومنه) أي التدارك أوالإصلاح والاستسلام الانقياد، وقوله: والاستثناء راجع إلى أصل الحكم يعني أنّ المستثنى منه الرامون فهو داخل فيهم متصل حينئذ والاستثناء الإخراج من الحكم وهو في القضية الشرطية حقيقة أو تأويلا لاقتضائه الشرط واستلزامه لما ذكر في الجزاء فإذا خرج من حكمه بطل في حق التائب اللزوم للجزاء فإذا تاب واستسلم للحدّ لا يجلد مرّة أخرى وإذا استحل لا يجلد أصلا وتقبل شهادته عند المصنف
فظهر تفرع قوله ولا يلزمه سقوط الحد وفي قوله لهذا الأمر لطف وفي نسخة الأمور وفي نسخة الحكم فلا يرد أنه يستلزم سقوط الحد بالتوبة وهو خلاف الإجماع ولا حاجة إلى ما قيل إنه استثناء من الجميع ومنع الإجماع من تعلقه بالجلد ولأنه حق العباد وفي الكشف أنّ الأولى من هذا ما أشار إليه القاضي من أنّ الاستسلام للحد من تتمة توبته فكيف يعود إليه، وهذا أحسن جدا وهو تدقيق منه قدّس سرّه وقد أوضحناه بما لا مزيد عليه فلا يرد عليه أنه يلزمه أن يكون استثناء متصلا مع أنه غير مخرج من الحكم. قوله: (لآنّ من تمام التوبة (قيل الظاهر أن تمام التوبة من تمام الاستثناء فإنّ الإصلاح معطوف على التوبة فهو ليس نفسها ولا جزءا منها ثم مراده على ما نبهت عليه أنّ الاستثناء راجع إلى الأمور الثلاثة في الرامي فإذا استسلم وجلد وقد تاب من القذف تقبل شهادته ولا يحكم بفسقه فلا يتحقق الجمع المذكور وإذا استحل من المقذوف وتاب لا يتحقق واحد منها لأنّ طلب المقذوف شرط الجلد وأورد عليه أنه يلزمه سقوط الحد بمجرّد الاستسلام كالاستحلال وكذا يلزمه قبول شهادته قبل الحد(6/358)
وهو خلاف مذهب الشافعيّ وأيضا اللازم عدم أقتضاء الشرع مجموع هذه الأمور وهو متحقق بنفي الفسق فقط والردّ متيقن فلا يزول بالشك وهذ هو المناسب لمذهب أبي حنيفة رحمه الله بخلاف ما ذكره ذلك القائل فتدبر وقوله ومحل المستثنى الخ لأنه من كلام تامّ موجب. قوله: (وقيل إلى النهي الخ) ذكر. ابن الحاجب في أماليه حيث قال إنه لا يرجع إلى الكل أما الجلد فبالاتفاق وأمّا قوله وأولئك هم الفاسقون فلأنه إنما جيء به لتقرير منع الشهادة فلم يبق إلا الجملة الثانية وأورد عليه أنه إن أراد بالتقرير التأكيد فهو مانع للعطف وأن أراد التعليل فهو بالفاء وهو غير وارد لأنّ مراده أنّ ذلك معلوم منه بقرينة السياق كما تقول ضربت زيداً وهو مهين لي يفهم منه أنّ ضربه للإهانة فلا ينافي كونه للتقرير والتعليل فتدبر. قوله: (قيل إلى الأخيرة الخ (هذ بناء على أنّ مذهب أبي حنيف رحمه الله أنّ الاستثناء لا يرجع إلى جميع السوابق بدليل أنه لا يرجع إلى الجلد اتفاقاً وذهب الزمخشريّ إلى أنّ بناء الخلاف ليس على هذا بل على أن قوله وأولئك هم الفاسقون جملة منقطعة عن الأوّلين عند أبي حنيفة فيتعلق الاستثناء بها لا محالة ومسألة الاستثناء بعد متعدّد مقترن بالواو اختلف فيها الأصوليون فقال الشافعيّ يعود للجميع وقالت الحنفية للأخيرة وقال الغزاليّ والقاضي بالوقف والمرتضى بالاشتراك وأبو الحسين إن تبين الإضراب عن الأولى فللأخيرة مثل أن يختلفا نوعا أو اسماً وليس الثاني ضميره أو حكما غير مشترك في غرض والا فللجميع والمختار عند ابن الحاجب أنه إن ظهر الانقطاع فللأخيرة أو الاتصال فللجميع والا فالوقف وفي التلويح وشرح العضد أنه لا خلاف في جواز كل وإنما الخلاف في الأظهر منها واختلفوا في اشتراط التعاطف بالواو وعدمه هذا محصل كلامهم في
هذه المسألة وأمّا النحاة فقل من تعرّض لها منهم والذي ذكره ابن مالك في التسهيل أنّ الظاهر في المفردات عوده إلى الجميع ما لم يمنع مانع أو يظهر مرجح وأمّا الجمل فإن اتحل! معمولها فكذلك هالا فلا يجوز وفي شرح اللمع أنه يختص بالأخيرة وأنّ تعليقه بالجميع خطأ للزوم تعدد العامل في معمول واحد إلا على القول بأن العامل إلا أو تمام الكلام قبله ومنه يعلم ما في قوله الأصوليين أنه يجوز الجميع بلا خلاف وإنما الخلاف في الأظهر لأنّ الخلاف فيه مبنيّ على عامل الاستثناء فالظاهر أنّ الخلاف في صحته إلا ان يقال نظر الأصولي غير نظر النحوي أو أنه يقدر معمولاً لأحدها وبقدر مثله للآخر وكذا إذا اقتضى الاستثناء الإتباع وتعدّد إعراب المستثنى منه وما نقل عن البحر أنّ ابن مالك رحمه الله استثنى من ذلك ما إذا اختلف العامل والمعمول كقولك إكس الفقراء وأطعم أبناء السبيل إلا من كان مبتدعاً ففي هذه المسألة يعود إلى الأخير خاصة فتحصل منه أنّ ما قاله أبو حنيفة رحمه الله مختار أهل العربية فيه نظر فتأمّله فإنه كلام غير محزر. قوله:) وقيل منقطع الخ) اختلف في الاستثناء في هذه الآية هل هو متصل لأنّ المستثنى منه في الحقيقة الذين يرمون والتائبون من جملتهم لكنهم مخرجون من الحكم وهذا شأن المتصل كما تقول قام القوم إلا زيداً فزيد داخل في القوم غير متصف بالقيام وجعله فخر الإسلام ومن تبعه منقطعاً لأنه لم يقصد إخراجه من الحكم السابق بل إثبات حكم آخر له وهو أنّ التائب لا يبقى فاسقا ولأنه غير داخل في صدر الكلام لأنه غير فاسق وفيه تفصيل في الأصول هالى دليل فخر الإسلام أشار المصنف بقوله متصل بما بعده مع ما بين قوله المنقطع والمتصل من الطباق البديعي. قوله: (علة للاستثناء (أي لما تضمنه الاستثناء من التوبة وكأنه إشارة إلى ردّ ما في الكشاف من أنّ الاستثناء من الفاسقين لا من غيره لأنه لا يناسبه قوله فإنّ الله غفور رحيم بأنه ختم به تعليلاللاستثناء مع قطع النظر عن المستثنى منه مع أنه قال بعد هذا وظاهرها أن تكون الجمل الثلاث بمجموعها جراء الشرط كأنه قيل من قذف المحصنات فاجلوهم وردّوا شهادتهم وفسقوهم أي فاجمعوا لهم الجلد والردّ والتفسيق إلا الذين تابوا عن القذف وأصلحوا فإنّ الله يغفر لهم فينقلبون غير مجلودين ولا مردودين ولا مفسقين وهو يقتضي أنّ الأوّل غير مرضى له. وأجاب الطيبي بأنّ العذاب إمّا بالإيلام وامّا بالتذليل فإذا تاب وقبلت توبته رفع الله عنه العذاب بنوعيه فيناسب الختام والمبدأ. قوله: (نزلت في هلال الخ (تمام الحديث أنه(6/359)
قذف امرأته عند النبيّ صلى الله عليه وسلم بشريك ابن سمحاء فقال النبي صلى الله عليه وسلم البينة أو حذ في ظهرك فقال يا رسول الله إذا رأى أحدنا على امرأته رجلا ينطلق يلتمس البينة فجعل النبيّ صلى الله عليه وسلم يقول البينة أو حد في ظهرك فقال هلال والذي بعثك بالحق إني لصادق فلينزلن الله ما يبرىء ظهري من الحذ فنزل جبريل عليه الصلاة والسلام وأنزل عليه والذين يرمون أزواجهم فقرأ حتى بلغ إن كان من الصادقين فانصرف النبيّ صلى الله عليه وسلم فأرسل إليها فجاء هلال فشهد إلى آخر الحديث
كما في البخاري وفيه أيضا قصة لعويمر بن نصر العجلاني قريبة من هذه وأنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال له قد أنزل الله فيك وفي صاحبتك قرآنا وهو يقتضي أنّ سبب النزول قصة أخرى فإمّا أن يقول إنّ سبب النزول أمر مناسب ينزل عقبه الآية فيجوز تعدده كما في الإتقان أو سبب النزول القصة الأولى أو الثانية ولما كان حال الأخرى يعلم منها سميت سبباً تسمحاً كما في الإعلام وقد اختلف المحدثون في سبب النزول هنا على ثلاثة أقوال فقيل هو هلال بن أمية وقيل عاصم بن عديّ وقيل عويمر وقال السهيلي أنّ هذا هو الصحيح ونسب غيره للخطا وههنا بحث نقله في شرح المغني عن السبكيّ ولم يجب عنه وهو أنّ ما تضمن الشرط نص في العلية مع الفاء ومحتمل لها بدونها ولتنزيله منزلة الشرط يكون ما تضمنه من الحدث مستقبلاً لا ماضيا فلا يثبت حكمه إلا من حين النزول ولا ينعطف حكمه على ما قبله ولا يشمل ما قبله من سبب النزول وقال إنه إشكال صعب وارد على آية اللعان والسرقة والزنا وما عذه صعبا أسهل من شرب الماء البارد في حرّ الصيف لأنّ هذا وأمثاله معناه إن أردتم معرفة هدّا الحكم فهو كذا فالمستقبل معرفة حكمه وتنفيذه وهو مستقبل في سبب النزول وغيره والقرينة على أنّ المراد هذا أنها نزلت في أمر ماض أريد بيان حكمه ولذا قالوا دخول سبب النزول قطعيّ ولا حاجة إلى القول بأنّ الشرط قد يدخل على الماضي ولا أنّ ما تضمن الشرط لا يلزم مساواته لصريحه من كل وجه ولا أنّ دخول ما ذكر بدلالة النص لفساده هنا والانعطاف معناه دخول ما قبله في حكمه كدخول أوّل النهار في الصوم لمن نواه بعده كما ذكره القرافي في قواعده. قوله: (بدل من شهداءا لأنه كلام غير موجب والمختار فيه الإبدال وإذا كانت إلا بمعنى غير فهي نفسها صفة ظهر إعرابها على ما بعدها لكونها على صورة الحرف وهو مما يحاجي به. قوله: (فعليهم) قدره مقدّماً ليفيد الحصر أي فعلى جنس الرامين دون غيرهم أو فعليهم هذا لا الحذ ويصح تقديره مؤخرا أي واجبة أو كافية.
قوله: (متعلق بشهادات الخ) هذا على المذهبين في التنازع قيل لكن على قراءة من رفع
أربع يتعين تعلقه بشهادات حتى لا يلزم الفصل بين المصدر ومعموله باجنبيّ. (أقول) هذا مما اختلف فيه النحاة فمنعه بعضهم وجوّزه آخرون مطلقا وآخرون في الظرف كما هنا استدلالاً بقوله إنه على رجعه لقادر يوم تبلى السرائر والمانعون يقدرون له عاملاً غير رجعه والمصنف
جوّزه في هذه الآية وإنما مرضه هنا لما فيه من الخلاف فما ذكره لا يوافق مختار المصنف وفي كون الخبر أجنبياً كلام أيضاً والشهادة هنا بمعنى القسم حتى قال الراغب إنه يفهم منه وان لم يذكر بالله. قوله: (وعلق العامل عته باللام تثيدا) أي لأجل التأكيد أو حال كونها تأكيداً أي مؤكدة أو التقدير وأكد تأكيدا وهو توجيه لذكرها والتعليق بها لصدارتها وهو لا يختص بأفعال القلوب بل يكون بما يجري مجراها كالشهادة لإفادتها للعلم ولو جعلت الجملة جوابا للقسم وجاز ولم يتعرّض! لتأكيد أنّ والاسمية لظهوره ومن أدرجه في كلامه لاحظ أنّ الكلام يستلزمهما لكنه تعسف لا وهم كما ظن وقوله في الرمي قدّره بقرينة المقام. قوله: (وحصول الفرق بينهما بنفسه) أي بنفس اللعان من غير احتياج إلى تفريق القاضي كما هو مذهب أبي حنيفة رحمه الله وأمّا عند الشافعيّ رحمه الله فهو فسخ مؤبد ما لم يثبت للحديث المذكور فإنه بظاهره يدلّ على أنّ التلاعن يقع به الفرقة ولنا قوله تعالى {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} وقوله أبداً يدل على أن الفرقة مؤبدة فلو كذب نفسه لا يحل له تزوّجها وعندنا يجوز ومعنى أبداً ما داما متلاعنين وقوله وبتفريق الحاكم معطوف على قوله بنفسه. وقوله نفى الولد وثبوت حذ الزنا معطوف على قوله سقوط حد(6/360)
وخلاف أبي حنيفة في هذا معروف في الفروع. قوله: (أي الحدّ) وقال أبو حنيفة العذاب هنا بمعنى الحبس لأنها تحبس حتى تلاعن ولو فسر بالحد لم
يمنع منه مانع لأنّ اللعان قائم مقام الحد عند. وقوله بالعطف على أن تشهد وأن غضب الله بدل منه أو خبر مبتدأ مقدّر. قوله: (متروك الجواب للتعظيم) أي ليدلّ على أنّ المقدر أمر هائل عظيم لا تحيط به العبارة وأنّ الله مصدر تأويلا معطوف على فضل وقوله من الأفك بفتح الهمزة وسكون الفاء مصدر أفك الرجل يأفك إذا كذب أو مصدر أفكته عن الأمر إذا صرفته عنه قاله البطليوسي وبكسرها مع سكون الفاء وجاء فتحهما أيضا بمعنى الكذب أو أبلغه كما في شرح البخاريّ للكرماني وقوله بأبلغ ما يكون من الكذب إشارة إلى أنّ اللام للعهد ويجوز حمله على الجنس قيل فيفيد القصر كأنه لا أفك إلا هو وقوله في بعض الغزوات وهي غزوة بني المصطلق قال ابن إسحاق وذلك سنة ست وقال موسى بن عقبة سنة أربع. قوله: (فإذن ليلة في القفول) آذن بالمد وتخفيف الذال المعجمة المفتوحة من الإيذان وهو الإعلام أو بالقصر وكسر الذال المخففة من الإذن أو بالفتح والقصر وتشديد الذال من التأذين بمعنى الإعلام أيضا والرحيل بالجرّ ويجوز نصبه على الحكاية كما في شرح البخاري والقفول بقاف وفاء بمعنى الرجوع متعلق بإذن وكذا بالرحيل يعني أنه كان في رجوعهم من الغزو وكون في القفول صفة ليلة بتقدير في أزمان القفول تكلف وجزع بفتح الجيم وسكون الزاي المعجمة خرزيمان وفي بعض الحواشي ويجوز كسرها وظفار بفتح الظاء المعجمة وكسر الراء بلا تنوين مبنيّ على الكسر قرية باليمن وروي في البخاريّ أظفار جمع ظفر وهو ما اطمأنّ من الأرض أو شيء كالخرز ويرحلها بضم الياء التحتية وتشديد الحاء المهملة أي يشد رحلها والهودج مركب معروف والمطية الناقة والجمل ومنشد بمعنى من يوصلها إلى القوم ويتفقدها من أنشدت الضالة إذا عرّفتها ونشدتها طلبتها فشبه من يوصلها بالمعرّف وهي باللقطة فلا وجه لما قيل إن الظاهر ناشد وصفوان بن المعطل بضم الميم وتشديد الطاء المكسورة السلمي بضم السين وفتح اللام علم لابن خالة لأبي بكر رضي الله عنه كان صاحب ساقة الجيش ثمة والتعريس بالسين المهملة النزول آخر الليل واذلج بتشديد الدال بمعنى لكر وأدلح بالسكون بمعنى سار الليل كله. قوله:) وهي من
العشرة إلى الأربعين) على قول وفيها خلاف لأهل اللغة وفي البخاريّ قال عروة لم يستم من أهل الأفك إلا حسان بن ثابت ومسطح بن أثاثة وحمنة بنت جحش في أناس آخرين لا علم لي بهم والذي تولى كبره عبد الله بن أبيّ رأس المنافقين وكان ابتداء صدوره منه لعداوته لرسول الله صلى الله عليه وسلم ومن عداه فلتة فعلى هذا يجوز كون زيد بن رفاعة منهم لأنّ منهم أناسا لم يعلموا والمصنف رحمه الله ربما ظفر بنقل فيه فانه وقع في كثير من التفاسير وقد خطأه بعضهم فيه ومنهم من برّا حسان بن ثابت رضي الله عنه وهو مرويّ عن عائشة رضي الله عنها وقيل إن صح عنه فمانما نقله عن ابن أبيّ غفلة لا عن صميم قلب ول أااعتذر عن عائثة رضي الله عنه بقصيدته التي فيها براءتها بقوله:
حصان رزان لا تزنّ بريبة وتصبح غرثى من لحوم الغوافل ...
ومسطح بكسر الميم وأثاثة بضتم الهمزة ومثلثتين وحمنة بحاء مهملة مفتوحة وميم ساكنة
ونون أخت زينب أمّ المؤمنين رضي الله عنها وابن المعطل بفتح الطاء المهملة المشددة بالاتفاق وقد قيل كما مرّ في سورة يوسف أنّ العصبة والعصابة العشرة فصاعداً لتعصبهم في المهمات فلها هنا موقع حسن وكونهم إلى الأربعين يردّه ما في مصحف حفصة رضي الله عنها عصبة أربعة ورد بأنه مع تعارض كلاميه مخالف لما في كتب اللغة وما ذكر إمّا من قبيل ذكر البعض بعد الكل لنكتة أو مجاز وقد اعترف به هنا من حيث لا يدري وهذا كله كلام مختلف فإنّ ما ذكر في معنى العصبة أكثري لا كليّ وأصل معناها لغة فرقة متعصبة مطلقاً هي واردة هنا على حقيقتها الوضعية فلا إشكال فيه وقوله خبر إنّ وقيل بدل من ضمير جاؤوا والخبر جملة لا تحسبوه وضميره عائد إلى مضاف مقدر أي فعل الذين جاؤوا وهو تكلف. قوله: (والخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم) في الكشاف الخطاب لمن ساءه ذلك من المؤمنين وخاصة رسول الله صلى الله(6/361)
عليه وسلم وأبي بكر وعائشة وصفوان وقوله ثماني عشرة آية في البخاري فأنزل الله {إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ}
العشر الآيات كلها وهو مخالف لما قاله المصنف إلا أنّ الخلاف مبنيّ على الخلاف في رؤوس الآي وما قاله المصنف رحمه الله موافق لما قاله الداني في كتاب العدد. قوله: (والذي يمعنى الذين) كما صرّح به النحاة ومثلوا له بآيات منها والذي جاء بالصدق وصدق به واشترط ابن مالك في التسهيل أن يراد به الجنس لأجمع مخصوص فإن أريد به الخصوص قصر على الضرورة وفي الكشف في البقرة إنّ الذي يكون جمعاً وافراد ضميره جائق باعتبار إرادة الجمع أو الفوج أو نظراً إلى أنّ صورته صورة المفرد وقد مرّ إفراده في قوله والذي جاء بالصدق وصدّق به وجاء جمعه في قوله وخضمّ كالذي خاضموا فمن قال إنه يأباه توحيد الضمير الراجع إليه ويجوز أن يقال المراد إنه بمعناه في المآل لتوصيفه للاسم المفرد لفظا المجموع معنى كالفوج لا أنه حذف منه النون تخفيفا لم يصب شاكلة الصواب وقوله بدأ فيه في نسخة به وشايعاه بمعنى تابعاه وقوله في الآخرة الظاهر أنه للوعيد وهو شامل للجميع والذي بمعنى الذين وفيما بعده للحكم به وقيل إنّ الأوّل على أن يراد من الذي ابن أبيّ فقط إذ غنره كفر بإقامة الحد من الذنب فلم يبق له عذاب في الآخرة وقوله أو في الدنيا على كون الذي بمعنى الذين مطلقا فالظاهر ما قدّمناه وقوله وصار ابن أبيّ مطروداً فيه أنه لم يحد مع قذفه وفيه كلام في شرح الحديث وقوله وحسان الخ الأولى تركه لما مرّ. قوله: (بالذين منهم من المؤمنين والمؤمنات كقوله تعالى {وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ} (هذا من بديع كلامهم وقد وقع في القرآن كثيراً وهو بحسب الظاهر يقتضي أنّ كل واحد يظن بنفسه خيرا وليس بمراد بل أن يظن بغيره ذلك وتوجيهه أنه مجاز لجعله اتحاد الجنس كاتحاد الذات ولذا فسر قوله ولا تقتلوا أنفسكم بلا تقتلوا من كان من جنسكم أو بجعلهم كنفس واحدة فمن عاب مؤمنا فكأنما عاب نفسه ويجوز أن يقدر فيه مضاف أي ظن بعض المؤمنين والمؤمنات بأنفس بعضهم الآخر وقال الكرمانيّ في حديث أموالكم عليكم حرام إنه كقولهم بنو فلان قتلوا أنفسهم أي قتل بعضهم بعضاً مجازاً أو إضماراً للقرينة الصارفة عن ظاهره وسيأتي فيه كلام في آخر هذه السورة وفيما مثل به مناسبة تامّة لفظا ومعنى لأنّ اللمز الطعن وأشار بقوله هلا إلى أنّ لولا تحضيضية. قوله: (وإنما عدل فيه) يعني لم يقل ظننتم وأتى بالاسم الظاهر لإشعاره بأن من لم يظن خيراً كأنه ليس بمؤمن كناية كقوله المسلم من سلم الناس من يده ولسانه وقال مبالغة في التوبيخ لأنّ لولا تفيد التوبيخ أيضاً كما صرّح به أهل العربية وقوله كما يذبونهم عن أنفسهم إشارة إلى ما مرّ في وجه المجاز. قوله: (وإنما جاز الفصل الخ) اعترض عليه أبو حيان
بأنه يقتضي أنه إذا لم يكن الفاصل ظرفاً امتغ وليس كذلك إذ يصح لولا زيد ألقيته بالاتفاق وقد يقال مراده أنه غير جائز بلاغة واستحساناً لأنّ الأصل أن يليها فعل فلا بد للعدول عنه من وجه إليه أشاو الطيبي في شرح قول الزمخشريّ كيف جاز الفصل. قوله: (لأنه منزل منزلته الخ (قيل عليه توسط الظرف لتخصيص التحضيض بأوّل وقت السماع وقصر التوبيخ واللوم على تأخير القول المذكور وأمّا ترك القول بعده والتبرئة بالوحي فمما لا يتوهم وقوعه وعليه يحمل ما قيل إن المعنى أنه كان يجب عليهم أن يتفادوا أوّل ما سمعوا بالأفك عن التكلم به فلما كان ذكر الوقت أهمّ وجب التقديم وأمّا ما قيل من أنّ ظروف الأشياء منزلة منزلة أنفسها فهي ضابطة ربما تستعمل فيما إذا وضع الظرف موضمع المظروف بأن جعل مفعولاً به لفعل مصرّح به أو مقدر وليس بشيء لأنه عين ما ذكره المصنف بقوله فإق التحضيض الخ لكنه قدم على ذكر المرجح بيان المجوز تجويزاً أوليا يعني أنّ المقصود الحث على ظن الخير والمبادرة إلى تبرئة المؤمنين وهذا يفهم من تقديم الظرف عرفاً كما إذا قلت هلا إذا جئتك قصت أي بادرت إلى القيام والنسخ هنا مختلفة ففي نسخة يخلرا من الإخلال والباء صلته أو ظرفية والضمير لظن الخير أو لوقت السماع المفهوم منه وفي نسخة يخالوا بمعنى يظنوا والباء ظرفية أي يظنوا سوءاً بالمؤمنين في أوّل ذلك الوقت وقوله كما يقول المتيقن هذا من قوله مبين وأتى بحرف(6/362)
التشبيه لأنه ظن وقوله من جملة المقول ويحتمل أنه من قول الله وفيه تقرير أيضاً. قوله:) عند الله) أي في حكمه. في شرح الكشاف لما فسر الزمخشريّ عند الله بأنه في حكمه وشريعته أواد أنه لا يراد به في علم الله وان ورد بهذا المعنى أبضا لكنه هنا يلزمه المحال وهذا للإيذان بأن مدار الحكم على الشهادة والأمر الظاهر لا على السرائر التي لا يعلمها إلا الله فإن قلت الكذب إمّا باعتبار مخالف الواقع أو الاعتقاد على المذهبين وهذ يؤذن بقسم ثالث قلت المعنى أنه يحكم عليهم بالكذب لأنّ خبرهم لم يطابق الواقع في الشرع وهو لا ينافي مطابق الواقع في نفس الأمر يعني أنّ الحكم عائم لأنه في قوّة شرط وجزاء ولا ينافيه خصوص السبب وهذا يقتضي بناء الأمر على الظاهر وحكم الشرع وأمّا كون الآية في خصوص عائشة رضي الله عنها وهو في علم الله كذلك فعند الله بمعنى في علمه فلا وجه له لأنّ خصوص السبب لا ينافي عموم الحكم كما تقرّر في الأصول والتقييد بالظرف يأباه إباء ظاهرا ومنعه بناء على أنه على حدّ الآن خفف الله عنكم وعلم أنّ فيكم ضعفاً تكلف مبنيّ على تكلف آخر ونحو هذا ما وقع في شرح قول السكاكي في مجاز الإسناد عند المتكلم وللشريف فيه كلام ثمة يحتاج إلى التحرير فتدبر. قوله: (ولذلك (أي لكون ما لا حجة عليه كذبا رتب الحكم وفي نسخة الحذ وهما بمعنى هنا وترتيبه عليه إمّا في نفس الأمر أو في الآية في قوله: {ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ} [سورة النور، الآية: 4] . قوله: (لولا هذه (إشارة إلى أنها فيما سبق للتحضيض والخطاب هنا إمّا لغير ابن أبيّ رأس المنافقين لأنه لمن سمع الأفك
من المؤمنين بقرينة ما قبله وهو مخترعه وقائله كما قيل ويجوز أن يكون عاما شاملا له لأنّ عذابه أعظم مما توعد به هنا وهو الخلود في النار ونحوه كما قيل، وقول المصنف رحمه الله عاجلا يناسبه فتأمّل. وقوله في الدنيا الخ إشارة إلى أن في النظم لفار نشراً مرتبا ففضله في الدنيا ورحمته في الآخرة ويجوز جعل كليهما لكليهما. قوله: (أفضتم فيه الخ (قال الراغب فياض سخيّ ومنه استعير أفاض في الحديث وهو من أفاض الماء في الإناء فاستعير لنشر الحديث والاكثار منه فهو متعد بفي كخاض وليست للسببية كما توهم كما أنّ كلام المصنف يأباه. قوله تعالى: {تَلَقَّوْنَهُ} الضمير لما وقوله بالسؤال عته تفسير لقوله بألسنتكم والسؤال إمّا عن كيفيته أو عن العلم به والأفعال المذكورة متقاربة المعاني إلا أنّ في التلقي معنى الاستقبال وفي التلقن الحذق في التناول وفي التلقف الاحتيال فيه كما ذكره الراغب وقوله تلقونه مجهول من الالقاء، وقوله من القائه بعضهم على بعض يشير إلى أنّ فيه تجوّزا. قوله: (من الولق والألق (أصل الولق السرعة ومنه أولق للجنون لما فيه من السرعة والتهافت وعن ابن جني أنه من باب الحذف والإيصال أي يسرعون فيه أو إليه، وقال ابن الأنباري هو من ولق الحديث إذا أنئعأه واخترعه وفي الأفعال للسرقسطي ولق الكلام دبره وولقه أيضا كذبه وبه قرأت عائشة رضي الله عنها ومعناه تدبرونه أو تكذبونه انتهى فمن قال إنه إذا كان بمعنى الكذب لا يكون متعديا لم يصب. توله: (وتثقفونه الخ) في الكشف في الحواشي من ثقفه إذ وجده والصواب من ثقفت الشيء إذا طلبته فأدركته جاء مخففاً ومثقلاً أي يتصيدون الكلام في الأفك من ههنا ومن ههنا وليس بشيء لأنّ معنى قوله وجده أي بعد طلب وتركه تسمحاً للعلم به ومثله سهل وتقفونه من قفاه ويقفاه إذا تبعه، وقوله: ما ليس لكم به علم أي بوجه من الوجوه، وقوله: بلا مساعدة الخ إشارة إلى أنّ تخصيص الشيء بالذكر يفيد نفيه عما عداه فليس تأكيدا صرفا كنظر بعيته وهذا مختار الزمخشريّ ومن تبعه وقيل إنه توبيخ كما تقول قاله بملء فيه فإنّ القائل ربما رمز وربما صرّح وتشدّق، وقد
قيل هذا في قوله بدت البغضاء من أفواههم، وقيل فائدته أن لا يظن أنه كلام نفسي فهو تأكيد لدفع المجاز والسياق يقتضي الأوّل فإن قلت قد مرّ أنّ الزمخشري قال إسناد الفعل إلى جارحة العمل أبلغ كأبصرته بعيني قلت هذا إذا لم تقم قرينة على خلافه فتأمّله. قوله: (تبعة) بضم فسكون كفرجة الظلامة كما في القاموص وفي المصباح هي العاقبة السيئة وهذا هو المناسب هنا، وقوله علق بها مس العذاب الخ إشارة إلى ترجيح تعلق إذ بمسكم ويمكن تعميمه للوجهين لأنّ المراد بالتعلق المعنوي وهو إذا تعلق بأفضتم وهو قيده تعلق به(6/363)
أيضاً، وقوله وهو عند الله عظيم إشارة إلى رجوع الضمير إلى ما. وقوله: ما ينبغي وما يصح إشارة إلى أنه كالمحال مبالغة قال القرطبي رحمه الله في الأحزاب ما كان وما ينبغي ونحوه معناه الحظر والمنع فيجيء لحظر الشيء والحكم بأنه لا يكون وامتناعه إمّا عقلاً كقوله ما كان لكم أن تنبتوا شجرها أو شرعاً كقوله: ما كان لبشر الخ وربما كان في المندوب كما تقول ما كان لك ترك التنقل. وقوله وأن تكون إلى نوعه أمّا على التجوّز أو تقدير المضاف، قال ابن عادل الإشارة إلى الشيء بحسب شخصه وقد تكون بحسب نوعه كقوله تعالى: {وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ} [سورة البقرة، الآية: 35] أي نوعها. وقوله فإنّ الخ إشارة إلى تعليل الوجه الثاني بأنه يدلّ على المقصود بالأولوية ووقع هذا بعد سبحانك في نسخة وكذا قوله لعظمة المبهوت وقع بعد قوله يعظكم وهو من الكاتب. والصدّيقة رضي لله عنها المراد بها هنا الصادق نزاهتها وفضلها والصديق لقب أبي بكر رضي الله عنه وفي التسمية به وجوه وحرمة بضم فسكون بمعنى المرأة كما في المصباح والمراد زوجته رضي الله عنها وفي نسخ حرم بفتحتين وهو كناية عن أهله أيضاً كما اشتهر استعماله بهذا المعنى. قوله: (تعجب ممن يقول الخ) على هذا ليس القصد فيه إلى التبرئة من أن يصم نبيه صلى الله عليه وسلم أو يشينه بخلاف الوجه الثاني وهو على هذا من المجاز المتقرّع على الكناية وهو كثير وقد ذكره النووي في الإذكار وكذا لا إله إلا الله تستعمل للتعجب أيضا وأمّ الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في مقام التعجب فلم ترد ولم تسمع في لسان الشرع وقد صرّح الفقهاء بالمنع وإنما وقع من العوأم وبعض المحدثين كقوله:
فمن رأى حسنه المفذي في الحال صلى على محمد ...
وعلى الثاني هو حقيقه، وقوله حرم نبيه صلى الله عليه وسلم وفي نسخة حرمة نبيه صلى الله عليه وسلم وتقدم معناه ومقصود الزواج التناسل واختلاله اشتباه النسب وقوله بخلاف كفرها إشارة إلى أن بعض زوجات الأنبياء عليهم الصلاة والسلام من الكفرة كزوجة نوج ولوط عليهما الصلاة والسلام وقوله لعظمة المبهوت عليه أي الأمر المبهوت المكذوب وهو هذا الأفك أو الإنسان المبهوت عليه وهو حرمه صلى الله عليه وسلم. قوله: (فإنّ حقارة الذنوب الخ) فإن قلت الحقارة والعظم قد يكون في الفعل نفسه فإنّ قتل النفس ليس كشتمها وقد يكون باعتبار مصادرها فإنّ سيئات الأبرار ليست كسيئات غيرهم قلت ليس في كلامه ما يدل على الحصر فلا إشكال فيه كما أشار إليه المحشي ولو سلم فالمراد بالمتعلق متعلق الذنب بالمعنى العامّ وهو شامل لإفراده ومورده ومصدره فتامّل. قوله: (كراهة أن تعودوا الخ الما كان هذا مفعولاً له وليس الوعظ للعود بل لعدمه قدّروا في أمثاله مضافاً وهو كراهية ليصح أن يكون مفعولاً لأجله كما قدر في قوله يبين الله لكم أن تضلوا ومنهم من قدر فيه لا أي لئلا تعودوا ويجوز تقدير في أي يعظكم الله في العود أي في شأنه وما فيه من الإثم والمضارّ كما يقال وعظته في الخمر كما في الكشف أو هو مضمن معنى الزجر بتقدير عن أي يزجركم عن العود وفي الحواشي عاده وعادله وفيه بمعنى. قوله: (فإن الإيمان يمنع عنه) أي عن العود، وقوله وفيه تهييج وتقريع لإبرازه في معرض الشك وليس الشرط على ظاهره بل هو من باب إن كنت أبالك فلم لا تحسن لي وترك قوله في الكشاف وتذكير بما يوجب ترك العود وهو اتصافهم بالإيمان الصادّ عن كل مقبح لأنّ قوله الإيمان يمنع عته يتضمنه فجعلهما وجها واحدا وبعض شزاحه جعلهما وجهين على أنه تتميم لقوله يعظكم الله إمّا للزجر تهييجا وامّا للتحريض تذكيراً وردّ بأنه لا تساعده الرواية ولا الدراية وليس كذلك ويؤيده أنه وقع في بعض نسخه عطفه بأو الفاصلة ولكل وجهة، والتقريع التعيير والتوبيخ وهو إمّا على وجود الشيء كقوله إن كنتم قوما مسرفين أو على تركه ومن قصره على الأوّل فقد قصر. قوله: (الدالة على الشرائع الخ (المراد بالآداب آداب معاملة المسلمين بحسن الظن والتكذيب لما لا يليق والكشخنة عدم الغيرة والديانة وكشخنه شتمه بها وليست بعربية كما نقل عن الخليل رحمه الله، وقوله ولا يقرره عليها أي لا يتلبس بما يفضي إلى عدم الغيرة ولو صدر ما يفضي إليها عن حرمه لم يقرّه عليه إذ لا أغير من الله تعالى على رسله عليهم الصلاة والسلام(6/364)
فلا يرد أنه مستدرك بعد قوله لا يجوز الخ.
قوله: (يريدون) محبة الله رضاه ومحبة العبد أخص من الإرادة لأنها إرادة ما فيه خير
ونحوه وقد تنفرد عنها كمحبة الصلحاء وربما فسرت بالإرادة وليست هي قاله الراغب وقد فرق بينهما أيضاً بأنّ المحبة تتعلق بالأعيان والإرادة تتعلق بالأفعال فإذا أريد من أحدهما الآخر فهو مجاز أو كناية قيل والمراد من محبة الشيوع الإشاعة بقرينة ترتب العذاب عليه ولذا قيل إنه من قبيل الاكتفاء عن ذكر الشيء بذكره مقتضيه تنبيها على قوّة المقتضي أو هو من قبيل التضمين أي يشيعون الفاحشة محبين شيوعها لأنّ معنى المحبة الإشاعة مقصود إن هنا ولا حاجة إلى هذا التكلف لقول الكرماني العزم على المعصية وسائر أعمال القلب كالحسد أو محبة إشاعة الفاحشة يؤاخذ عليه إذا وطن نفسه عليه وفي كلام المصنف إشارة إليه ومنه تعلم أن ما قيل إنّ تفسير المحبة بالإرادة إشارة إلى وقوع الإشاعة فإنّ الإرادة لا تنفك عن الفعل كما تبين في الكلام لكنه لا يلائم قوله يعاقب على ما في القلوب من حب الإشاعة والأمر فيه سهل لأنّ المراد بحبّ الإشاعة تلك الإرادة ليس بشيء يعتذ به مع أنّ الإرادة الحادثة ليست كذلك كما صرّح به في الكلام وغيره. توله: (بالحدّ والسعير) الحذ جزاء القذف والسعير جزاء محبته له بقلبه أو هو مخصوص بأمّهات المؤمنين ولا حاجة إلى هذا فإنّ الحدّ لمن نقل من المسلمين والسعير لأبي عذرته ابن أبيّ وهو لم يحد فلا يرد أن الحدود مكفرة فكيف يجمع بينهما مع أنه مختلف فيه وقيل يجوز أن يكون المراد غيره من عذاب الدنيا كالعمى فيجوز إبقاء المحبة على ظاهرها والمراد محبة تدخل تحت الاختيار وهو مخالف لحال من نزلت فيهم الآية فتأمّل. قوله:) والله يعلم ما في الضمائر) هذا مناسب للمحبة القلبية السابقة أو المراد يعلم ما أعد لهم في الآخرة أو كل شيء. قوله: (والله سبحانه يعاقب على ما في القلوب (لما مرّ عن الكرمانيّ رحمه الله وقد فصله الغزاليّ رحمه الله في الإحياء وقال إنّ النية المصممة يثاب ويعاقب عليها وان لم تقارن الفعل وعليه بنى المصنف رحمه الله كلامه وإن اشتهر خلافه. قوله: (ولذا) أي للدلالة على عظمه ويجوز أن تكون الإشارة للتكرير أي ليزداد قوّة بالتكرير مرّة بعد أخرى والأوّل أولى والجواب المحذوف لمسكم. قوله:) وقر " انخطوة بفتح الخاء مصدر خطأ وبضمها اسم لما بين القدمين ويجمع على خطوات والاسم إذا جمع تحزك عينه فرقاً بينه وبين الصفة فيضم اتباعاً للفاء أو يفتح تخفيفا وقد يسكن وقوله بسكونها الضمير للخطوات لظهور ما يسكن منها لا للطاء حتى يكون إضماراً قبل الذكر ويقال الأولى تأخيره واتباع خطوات الشيطان
كشاية عن اتباعه. قوله: (بيان لعلة النهي الخ) أي هذه الجملة بتمامها تعليل للنهي عن اتباعه كما قاله الشيخ عبد القاهر في لا تقتل أباك وهو سبب حياتك ونحوه ولم يتعرّض لجواب الشرط فهو أما المذكور على أنه من إقامة السبب مقام المسبب أو مقدر سد هذا مسده والتقدير وقع في الفحشاء والمنكر فإنه لا يامر إلا بهما كما قرّره النسفي وابن هشام في الباب الخامس من المغني ولا يرد عليه ما في شرحه أنه يأباه ما نص عليه النحاة من أنّ الجواب لا يحذف إلا إذا كان الشرط ماضيا حتى عدوا من الضرورة قوله:
لئن تك قد ضاقت عليّ بيوتكم ليعلم ربي أنّ بيتي أوسع ...
لأنّ الآية ليست من قبيل ما ذكروه في البيت فإنه مما حذف منه رأسا وهذ مما أقيم مقامه
ما يصح جعله جوابا بحسب الظاهر فما قيل إنّ النسفيّ جعل قوله فإنه الخ تعليلا للجملة الشرطية والتقدير من يتبعه ارتكب الفحشاء والمنكر فإنه لا يأمر إلا بهما ومن كان كذلك لا يجوز اتباعه وطاعته يعني أنّ الجملة الشرطية بين لعلة النهي وهو أقرب مما ذكره المصنف رحمه الله ليس بشيء لأنّ كلامه ليس فيه ما يخالف ما ذكره كما قرّرناه وجعل أبو حيان رحمه الله ضمير فإنه لمن والمعنى من يتبعه فهو رئيس يتبع في الضلال وهو مبني على اشتراط ضمير في جواب الشرط الاسمي يعود إليه وسيأتي ما فيه. قوله: (ما أنكره الشرع) رد على الزمخشري في قوله ما تنكره النفوس لابتنائه على مذهب المعتزلة في الحسن والقبح العقليين. قوله: (وشرع الحدود المكفرة لها) كما في البخاري قتل القاتل كفارة له قال الكرماني وهو مخصوص(6/365)
بغير الردّة لقوله إنّ الله لا يغفر أن يشرك به وعن القاضي إسماعيل وغيره أن قتل القاتل حد وردع لغير. وأمّا في الآخرة فالطلب للمقتول قائم لأنه لم يصل إلى حقه وفي الحديث ما يخالفه كحديث ابن حبان رحمه الله السيف محاء للخطايا ونحوه ومنهم من توقف فيه لحديث أبي هريرة رضي الله عنه إنه عليه الصلاة والسلام قال لا أدري الحدود كفارة لأهلها أم لا وجمع بينهما بأنه ورد أوّلاً قبل أن يوحى إليه بذلك. قوله: ( {مَا زَكَا} (كتب المخفف بالياء وان كان قياسه الألف لأنّ خط المصحف لا يقاس عليه أو حملاً له على المشدد وهذا أولى وقوله آخر الدهر هو كناية عن التأبيد فلا وجه لما قيل إنّ الظاهر أن يقول إلى ما لا غاية له. قوله: (افتعال من الألية) أي القسم ويكون بمعنى التردّد كما في المثل إلا حظية فلا ألية
وليس بمراد هنا أو هو افتعال من الالو بمعنى التقصير ومنه لم آل جهداً في كذا واليه أشار بقوله أو ولا يقصر وما في بعض النسخ يقتصر تحريف وقوله من الإلو بوزن الدلو أو الإلوّ بوزن العتوّ فإنهما مصدره كما في كتب اللغة ويؤيد الأوّل أي القسيمة لأن يتألى مخصوص به وقوله وأنه نزل الخ تأييد آخر له للتصريح بأنه حلف في سبب النزول. وقوله في الدين إشارة إلى أنّ الفضل بمعن الزيادة وخصها بالدين لذكر السعة بعده ولذا دلت على فضل أبي بكر رضي الله عنه لنزولها فيه والمنكر لذلك خذله الله حمله على فضل المال ويردّه أنه يتكزر مع قوله والسعة. قوله: (على أن لا الخ الف ونشر فتقدير على وحذف لا على أنه بمعنى يحلف وتقدير في على أنه بمعنى يقصر وجمع الضمير لأنه وان كان سببه خاصا بأبي بكر رضي الله عنه فهو عامّ لجميع المؤمنين وقيل إنه لتعظيم أبي بكر رضي الله عنه وما ذكر من أنّ التعظيم مخصوص بضمير المتكلم مردود ويحتمل أن يكون أن يؤتوا مفعولاً له بتقدير كراهة أن يؤتوا ونحوه مما سبق فتذكره. قوله: (صفات لموصوف واحد (لأنها نزلت في مسطح وهو متصف بها فالعطف لتنزيل تغاير الصفات منزلة تغاير الموصوفات والجمع على ظاهره لما مرّ وقوله أبلغ أي في إثبات استحقاق الإيتاء لهذه الصفات لأنّ من اتصف بواحدة منها إذا استحقه فمن جمعها بالطريق الأولى والإغماض كالغض عدم فتح البصر وهو كناية عن عدم المبالاة بما صدر منهم وقوله على عفوكم الخ قدره بقرينة السياق. قوله: (مع كمال قدرته (يعني أنه يعفو مع قدرته على الانتقام فكونوا أنتم كذلك وقوله فتخلقوا بأخلاقه كما ورد تخلقوا بأخلاق الله فمان ثلت المراد بأخلاقه صفاته وسميت أخلاقاً مشاكلة ومنها المتكبر والمنتقم فكيف يتخلق بها كلها قلت الظاهر أنه ليس على عمومه بل المراد الأخلاق التي تليق بكم وتحمد فيكم وقال بعض الصوفية إنه على عمومه يريد أنّ الانتقام دلّه والتكبر على من لا يخشى الله محمود أيضا ولذا قيل إن التكبر على المتكبر صدقة كأنه لإرشاده لقبحه فتدبر وقوله رجع إلى مسطح نفقته استعمل فيه رجع متعذيا وقد نص عليه المرزوقي في قوله:
عسى الأقوام أن يرج! ش قوماً كالذين كانوا ...
وفي نسخة بنفقته فهو لازم. قوله: (الغافلات عما قذفن به) ما في الكشاف من أنهن
سليمات الصدور والقلوب نقيات الجيوب ليس فيهن دهاء ولا مكر لم يجربن الأمور فلا يفطن لمايفطن له كما قيل:
بلهاء تطلعني على أسرارها
وكذا البله من الرجال الذين هم أكثر أهل الجنة لأنهم أغفلوا أمر دنياهم وجهلوا التصرّف
فيها لاشتغالهم بأمور آخرتهم كما قرّر في شرحه فعلم أنّ المراد من الغفلة الغفلة عن الشرّ طبعاً وما قذفن به شر محض فيترتب عليه الجزاء ألطف ترتب فما قيل بعد سوق كلام الكشاف كأنه يشيء إلى ما قالتة بريرة والذي بعثك بالحق ما رأيت منها أمر أغمصه عليها أكثر من أنها جارية حديثة السن تنام عن عجين أهلها فتأتي الداجن فتأكله والمصنف لم يرتضه لأنه لا يظهر مدخلية ما قاله الزمخشري في ترتب الجزاء ليس بسديد لأنّ معنى كلام بريرة أنها رضي الله عنها لحداثة سنها لا تتقيد بأمور بيتها وليس هذا معنى كلام الزمخشريّ ولا معنى الآية كما سمعته لعدم ترتب الجزاء عليه وترتب الجزاء على ما ذكره أظهر من أن يخفى عليه ثم قال وعلى ما اختاره المصنف يلزم التكرار لأنّ العفة تتضمن الغفلة المذكورة والتأسيس أولى من التأكيد وهذه غفلة منه فإنّ المراد بالغفلة عما قذفن به أنه لم يخطر لهن ببال لكونهن مطبوعات(6/366)
على الخير مخلوقات من عنصر الطهارة فهو ترق لا تكرار فيه كأنه قيل المبرّآت من الزنا بل اللاتي لم يخطر ذلك ببالهن قط كما عرفت. قوله: (استباحة لعرضهن الخ) هو مفعول له أو حال يعني إذا استحل القذف المحرم أو قصد الطعن في النبيّ صلى الله عليه وسلم يكفر فيستحق اللعن والوعيد الشديد. وقوله وقيل الخ يعني أنه لغير معين وإنما المنهيّ عنه لعن الفاسق المعين كما صرّح به الفقهاء فهو على ظاهره ولا حاجة إلى تأويله بأبعدوا عن الذكر الحسن ففي الآية ثلاثة أوجه وفي الكشاف وجهان وقوله وقيل مخصوص أي سواء استباح أم لا. قوله: (ولذلك قال ابن عباص رضي الله عنهما الخ) الذي في الكشاف عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان بالبصرة يوم عرفة فسأل عن هذه الآية فقال من أذنب ذنبا ثم تاب منه قبلت توبته إلا من خاض في أمر عائشة رضي الله عنها وهو مبالغة وتعظيم لأمر الأفك والا فقد تاب مسطح كغيره وما تقدم مصرّح بقبول توبته وأمّا تقييده بالاستباحة فلا يصح فهو كما قيل في قوله والكافرون هم الظالمون أنه أريد التاركون للزكاة تغليظاً أو لأنّ تركها من صفات الكفار فعبر به تغليظاً عليهم حيث شبه فعلهم بالكفر أو جعلهم مشارفين عليه أو تعبير باللازم عن الملزوم لأن ترك الزكاة من صفات الكفار ولوازمهم فهو استعارة تبعية أو مجاز مشارفة أو مجاز لزوم وهذا جار في كل ما هو كذلك وقوله ولو فتشت الخ تأييد لكلام ابن عباس وضي الله عنهما والزمخشريّ أخره
عن قوله الحق المبين ولكل وجهة. قوله: (لما في لهم من معنى الاستقرار للعذاب لأنه موصوف) والعامل فيه إمّ الجار والمجرور أو متعلقه قيل وهو أجزل من أعمال المصدر فيه نظر وقوله لأنه موصوف إشارة إلى ما ذكره النحاة من أنّ المصدر إذا نعت لا يعمل مطلقا وأجازه السيرافي مطلقا استدلالاً بقوله:
أرواح مودع أم بكور أنت فانظر لأيّ ذاك تصير ...
فأنت فاعل المصدر المنعوت عنده فلا حاجة إلى الجواب بأنه ظرف متوسع فيه لخروجه
عن المذهبين بغير نقل وأعجب منه ما قيل إنه غير مذكور في كتب العربية فكانه أراد بها شرح الكافية. قوله: (يعترفون بها الخ) سيأتي في سورة يس اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون وبين الآيتين تعارض! لأنّ الختم على الأفواه ينافي شهادة الألسنة وقد ذكر المصنف رحمه الله ثمة ما ذكره وأورد حديثا أشار فيه إلى التوفيق بينهما وهو أنهم يجحدون ويتخاصمون فيختم على أفواههم وتتكلم أيديهم وتشد. أرجلهم وسيأتي ما فيه فقوله يعترفون بالعين المهملة والفاء من الاعتراف وهو الإقرار وبها صلته والضمير للأعمال وهو تفسير لتشهد وفسر الشهادة بوجهين أشار في كل منهما إلى دفع التعارض أمّا على الأوّل فالمراد به حقيقته وهو الاعتراف والنطق بجميع الجوارح ناطقها وصامتها من غير اختيار إذ النطق هو التكلم بما يسمع ولو بغير الجارحة المعروفة كنطق الملائكة عليهم الصلاة والسلام فالختم على الأفواه معناه المنع عن التكلم بما يريده وينفعه بحسب زعمه اختيارا كالإنكار والاعتذار فتكون هذه الآية كقوله أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء وأمّا على الثاني فالمراد به ظهورآثار ما عملوه على جميع الأعضاء بحيث يعلم من يشاهدهم ما عملوه وذلك بكيفية يعلمها الله فهو استعارة ولا جمع فيه بين الحقيقة والمجاز كما توهم حتى يتمشى على مذهب المجوز له ولا يرد على الثاني أنه معارض لقوله أنطقنا الله الآية لأنّ من فسر الشهادة بظهور الآثارة يفسر النطق به ويجعله كنطقت الحال واليه أشار المصنف ثمة أو يقول هذا في حال وذاك في حال أو كل منهما في حق قوم غير الآخرين كما جمع بهذا بين الآيتين فقد حصل دفع التعارض بوجوه أشار المصنف رحمه الله إليها في مواضحع متعدّدة وأمّا إنّ المذكور هناك شهادة السمع والأبصار والجلود والألسنة والأيدي والأرجل فلا يدفع المخالفة بل يريدها وأمّا ما قيل من أنّ عبارة المصنف ههنا يقترفون بالقاف من الاقتراف بمعنى الاكتساب كقوله في يس بما كانوا يكسبون فهو تفسير لقوله يعملون للإشارة إلى أنّ الشهادة والعمل مخصوص بالشرّ لتعدّي الشهادة بعلى واستعمال الاقتراف فيه كما ذكره الراغب وضمير بها للألسنة والباء للألة(6/367)
وقوله بإنطاق متعلق بتشهد وضمير آثاره لما باعتبار لفظه ومن قال إنه من الاعتراف فقد صحفه بما لا
تساعده الرواية والدراية ولا تعارض بين الآيتين لأنّ شهادة الألسن بطريق خرق العادة كشهادة الأيدي والأرجل كما نبه عليه المصنف رحمه الله بقوله بغير اختيارهم ومن لم يتنبه له وفق بينهم بجواز تعدد الأحوال والمواطن وبأنّ هذا في حق القذفة وذاك في حق الكفرة فليس بشيء لما عرفته وأمّا ما ذكره آخراً فوارد كما أشرنا إليه فإن تلت بعد. ما عرفت من التوفيق ما النكتة في التصريح بالألسنة هنا وعدم ذكرها هناك قلت لما كانت الآية في حق القاذف بلسانه وهو مطالب معه بأربعة شهداء ذكر هنا خمسة أيضاً وصرّح باللسان الذي به عمله ليفضحه جزاء له من جنس فعله وهذه نكتة سرية. قوله: (جزاءهم الخ) يعني أنّ الدين بمعنى الجزاء كما ذكره أهل اللغة وقوله الثابت الخ تفسير للحق وهو كقوله في المواقف أنه الواجب لذاته الذي لا يفتقر في وجوده إلى غيره وقوله الظاهر ألوهيته تفسير للمبين بأنه بمعنى الظاهر من أبان اللازم ولما كان ظهوره في الدنيا إنما هو بظهور ألوهيته ومظاهرها فسره به وفوله لا يشاركه الخ إشارة إلى الحصر التأخوذ من تعريف الطرفين وضمير الفصل وقوله أو ذو الحق الخ هو ما في الكشاف وفيه نزعة اعتزالية ولذا أخره وفسره بعضهم بالمظهر للأشياء كما هي والكل مناسب للمقام كما أشار إليه بقوله ومن كان خلافا لمن استظهر الأخير بتحكم سلامة الأمير. قوله: (أي الخبائث الخ) محصله كما في الكشاف أنّ الخبيثات والطيبات يحتمل أن يكون صفة ما لا يعقل من المقالات القبيحة وضده واللام للاختصاص والاستحقاق أي المقالات الخبيثة مختصة بالخبيثين أو مستحقة أن تقال لهم لاتصافهم بها فالخبيثون شامل للخبيثات تغليباً وثذا الطيبون وأولئك إشارة إلى الطيبين وضمير يقولون للأفكين لسبق ذكرهم فيما مرّ أو للخبيثين القائلين للخبيثات ومبرّؤون أن كان معناه حينثذ أنه لا يصدر عنهم شيء من الفحش احتاج إلى تقدير مثل لأنّ الصادر ليس عين ما صدر عن أولئك كما أشار إليه المصنف رحمه الله ولو أريد أنهم مبرؤون عن الإتصاف بما في مقالتهم لم يحتج إلى تقدير ولذا لم يتعرّض له الزمخشريّ وأن يكون الخبيثات والطيبات صفة لمن يعقل أي النساء الخبيثة لا يرغب فيهن إلا الخبيثون فهو كقوله الزاني لا ينكح إلا زانية الخ كما قيل:
إنّ الطيور على أشباهها تقع
فهو من إرسال المثل والإشارة لأهل البيت وقوم مخصوصين وفي قوله أولئك مبرؤون
7 / م 3
تغليب ولم يزد المصنف رحمه الله عليه غير تقديم أحد الوجهين على الآخر لنكتة وإذا كان أولئك إشارة لأهل البيت وفيهم رجال ونساء ناسب حمل الجمعين على الذوات وقد علم مما سبق أنهم المبرؤون وإذ أشير به إلى الطيبين مطلقاً وحمل عليه مبرؤون لزم حمل الخبيثات والطيبات على المقالات ليعلم ما يقال لهم أيّ شيء هو لاستقلال هذه الجملة بخلافه على الأوّل فإنّ ما قالوه معلوم كذا في شرح الكشاف وبه اتضح ما هنا. قوله: (إذ لو صدق) أي ما يقولونه لو طابق الواقع لم تكن زوجته ولم يقرّر على زوجيتها إذ لو علم لم يختر ما يدنسه ولو لم يعلمه أوحى إليه لأنّ الله عصمه عما تنة س منه الطباع. قوله: (يعنيم الجنة) الحامل له على تفسيره بها آية الأحزاب في أمّهات المؤمنين وأعتدنا لها رزقاً كريما فإن المراد به ثمة الجنة لوله أعتدنا كما سيأتي والقرآن يفسر بعضه بعضاً، والتبرآت الأربع كل منها مفسر في محله غير حجر موسى عليه الصلاة والسلام فإنه إشارة إلى ما ورد في الحديث من رميهم له صلى الله عليه وسلم بالأدرة لاستتاره في غسله عن أعين الناس فاغتسل مرة ووضع ثوبه على حجر ففرّ به فذهب خلفه حتى رأوه سليما مما ذكروه به وقوله منصب الرسول صلى الله عليه وسلم أي شرف وعلوّ قدره لأنه في اللغة واستعمال الثقات بمعنى الأصل والحسب والشرف ومنه قول السكاكي أساس الحسنات ومنصبها وقول أبي تمام:
ومنصب نماه ووالد سما به
وأمّا بمعناه المتداول فلم يذكر في اللغة وإنما هو من كلام المولدين والقياس لا يأباه كقوله:
نصب المنصب أو هي جلدي وعنائي من مداراة السفل ...
قوله: (التي تسكنونها الخ) قيل المراد إنها تضاف إليهم بالسكنى مع اتباعهم وقد فسرها بعضهم بالتي اختص! بكم سكاها سواء سكنتموها أم لا لأنّ المانع من الدخول قبل الاستئناس
سكون الغير وانتفاؤه(6/368)
لا يستلزم ثبوت سكونهم انتهى، وأنت خبير بأنّ ما اختص بهم سكناه لا يشمل ما لا يسكن من بيوتهم فإنّ معناه أن يسكنوها دون غيرهم بل حكمها يعلم من. قوله: (لا جناح عليكم أن تدخلوا بيوتاً غير مسكونة الخ (فإنه يعمها أيضا. ومبنى تفسير المصنف ليس استلزام انتفاء سكنى الغير ثبوت سكناهم بل إنّ إضافة البيوت إلى ضمير المخاطب لامية اختصاصية واذ دل الدليل على أنه لا يراد الاختصاص الملكيّ ثبت أنه اختصاص السكنى ثم إنّ السكون يقابله التحرّك فلا معنى له هنا اهـ (أقول (كل من المعنيين صحيح وما اختاره المصنف رحمه الله سالم من التكرار وما ذكره الرادّ غير مسلم لجواز أن يراد بالاختصاص كونها في يده وتصرفه وأمّا اعتراضه على عبارة السكون فقصور منه رحمه الله قال الراغب في مفرداته السكون ثبوت الشيء بعد تحرك. ويستعمل في الاستيطان السكنى أن يجعل له السكون في دار بغير أجرة اهـ. قوله: (فإن الآجر الخ) تعليل للتفسير المذكور أي لا يراد من بيوتكم معنى التملك وإلا انتقض بالآجر والمعير طرداً وعكسا. قوله: (من الاستئناس بمعنى الاستعلام) من آنس بالمد بمعنى أبصر وابصار الشيء طريق إلى العلم به فلذا أفاد معنى الاستعلام وقيل كأنه لم يثبت آنس بمعنى علم عند المصنف وإن ذكره بعض اللغويين والا كان الظاهر أن يقول إذا علم وفيه نظر وقوله للحال أي للحال المعهودة في الاستئذان وقوله فإنّ الخ بيان لما بينهما من اللزوم حتى يكون كناية عما ذكر. قوله: (هل يراد دخوله أو لا يؤذن له) هكذا هو في النسخ التي رأيناها ولا إشكال فيه وأو على ظاهرها وهو طبق ما في اك كشاف ووقع في نسخة المحشي هل يراد دخوله أو يؤذن بدون لاوله وهي غير مستقيمة وقد تكدف لها بأنّ أو بمعنى الواو أو للتخيير في التعبير وقيل يراد بمعنى يرضى والإذن المراد به صا كان تحاشيا عن رذه لا برضا وهو تعسف وفي نسخة هل يردّ وعدم القبول والظاهر أنه كله تحريف. قوله:) أو من الاستئناس الذي هو خلاف الايحاس (يعني أنه بمعناه المعروف وهو كناية عن المأذونية ويص كونه مجازاً أو استعارة وقوله خائف الخ أي من أن لا يؤذن له لأن الذي يطرق باب غيره لا يدري أيؤذن له أم لا فهو كالمستوحش من خفاء الحال عليه فاذا أذن له استأنس كما في الكشاف والظاهر أنه مراد المصنف لكنه عدل إلى ما ذكر لأنه أظهر فما قيل إنه عدل عنه لاستلزامه الاستئناس فيمن يردّ لزوال خفاء الحال فلا شبهة أنّ المراد بالحال المعهودة فإن أريد بها الإذن أو حال المستأذن عليه وما هو فيه لا يرد ما ذكره بقرينة قوله فإذا الخ وأيضاً لا يلزم الاستئناس عند الردّ لأنّ الاستيحاس معلوم بالطريق الأولى وسببه غير منحصر في خفاء الحال. قوله: (أو تتعرّفوا الخ) عطف على تستأذنوا يعني أنه يجوز أن يكون استفعالاً من الإن! بالكسر
لا بالضم بمعنى الناس كما فيما قبله فهو بمعنى طلبهم أي طلب معرف من في الدار منهم وأشار بتأخيره كما في الكشاف إلى مرجوحيته لأن المعروف أنّ الاستئناس ضد الاستيحاس ولأنه اشتقاق من جامد كما في السرج من السراج ولأنّ معرف من بها لا يكفي بدون الإذن فيوهم جواز الدخول بلا إذن ولا يفهم من قوله وتسلموا وما فسره به المصنف رحمه الله تفسير لمجموع الغاية لا له فقط فلا تكرار فيه على تفسير الاستئناس بالاستثذان كما توهم ولأنّ التسليم إنما يكون بعد التعرّف فلا حاجة إلى ما ذكره مع ذكر قوله تسلموا فلا وجه للقول بأولوية هذا لمناسبته لقوله فإن لم تجدوا فيها أحدا فتدبر. قوله: (وعنه صلى الله عليه وسلم الخ) رواه ابن ماجه وهو كما في الكشاف عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه قلنا يا رسول الله ما الاستئناس فقال يتكلم الرجل بالتسبيحة والتكبيرة والتحميدة ويتنحنح يؤذن أهل البيت والتسليم أن يقول السلام عليكم " دخل ثلاث مرّات فإن قلت هذا كعبارة المصنف يقتضي أنّ الاستئذان داخل في التسليم وتفسيره الاستئناس بالاستئذان يخالفه قلت السنة في الاستئذان أن يقرن بالتسليم فتارة جعل من التسليم لأنه بدونه كالعدم وتارة جعل مغايرا له كما في نفس الأمر اعتمادا على معرفة المخاطب بالسنة وفي الأذكار النووية الصحيح المختار تقديم السلام على الاستثذان كما جاءت به السنة وفيه ثلاث أوجه أحدها هذا والثاني عكسه والثالث واختاره الماوردي وبه يوفق بين الأقوال والروايات(6/369)
أنه إن وقعت عين المستأذن على من بالمنزل قبل دخوله قدم السلام والأقدم الاستئذان وثلاث مرات منصوب على المصدرية. وقيل: إنه ظرف ليقول.
قوله: (من أن تدخلوا بغتة) هذا هو المفضل عليه إن كان خير اسم تفضيل فإن كان صفة
لا يقدّر ما ذكر وعلى هذا فخيرية المفضل عليه إمّا على زعمهم لما في الانتظار من المذلة ولعدّهم تحية الجاهلية حسنة كما هو عادتهم إلى الآن في قولهم صباح الخير ومساء الخير أو هو من قبيل الخل أحلى من العسل وما قيل من أنه إذا قدر المفضل عليه فهو غير هذا إذ لا حسن فيه وهم وفي الحديث تسمية الدخول بغير إذن دمورا وأصله الهلاك ثم غلب فيه ولما أرادوا بيان اختصاصه قالوا دمق بمعنى دمر كما قالوا قانعه الله بمعنى قاتله وهذا من باب نوادر
اللغة فاعرفه. وقوله: أو من تحية الجاهلية لو عطفه بالواو كان أحسن. قوله: (دخل بيتاً) هو على ظاهره ولا حاجة إلى تأويله بأراد الدخول واللحاف معروف. وقوله: روي الخ رواه في الموطأ وغيره ومنه يعلم أنّ غير بيوتكم شامل لمسكن الأمّ وأمّا اقتضاؤه أنّ العلة هي التحرّز عما يؤدّي إلى الاطلاع على عورة الغير وسيصرّح بأنها أعم فغير مسلم. قوله: (متعلق بمحذوف) أي تعلقاً معنوياً لأنه في معنى التعليل وقد مرّ ما في قوله إرادة الخ فتذكر وقوله وتعملوا هذا أولى من عطفه بأو كما في بعض النسخ. قوله: (فإن لم تجدوا فيها أحدا يأذن لكم) ذكر فيه احتمالين في الكشاف اختلف شرّاحه في الفرق بينهما وكلام المصنف شامل لهما لأنه يحتمل أن لا يكون فيها أحد أصلاً فلا يجوز دخولها لحاجة إلا بإذن من أهلها على أن يكون النفي للقيد والمقيد معاً وأن يكون فيها من لا يعتد بإذنه كصبيّ وعبد على أنّ المنفيّ هو القيد فقط وقال فإن لم تجدوا دون لم يكن لأنّ المعتبر الوجدان سواء كان فيها أو لم يكن. وقوله حتى يأتي الخ صادق بالوجهين وما يخفيه الناس أي وان لم يكن عورة وقوله يأذن وقع في نسخة يؤذن بمعنى يعلم بالحال. قوله: (مع أنّ التصرّف في ملك الغير الخ) المراد بالملك ما يشمل ملك العين والمنفعة فلا يرد أنّ التعليل لا ينتظم ما إذا كان الداخل معيراً حتى يحتاج إلى الجواب بأنه لندرته لم يعتبر. ولذا أورد. بمع الدالة على أنه ليس بتعليل مستقل فلم يبال بعدم شموله مع أنّ الندرة غير مسلمة. قوله. (واستثنى ما إذا عرض الخ) أي المستثنى من الحكم المذكور في قوله يا أيها الذين آمنوا إلى هنا ما ذكر وليس الاستثناء هنا بالمعنى المصطلح بل التخصيص بأمر معلوم من الشرع والعقل ونحوه فهو بمعنى الإخراج مطلقاً لأنّ الضرورات تبيح المحظورات وموضع الضرورة مستثنى من القواعد كما بين في محله. والحرق والغرق لما فيها من الحيوان تبح المحظورات وموضعالضرورة مستثنى من القواعد كما بين في محله. والحرق والغرق لما فيها من الحيوان ونحو. يكون في الدار الخالية والمنكر كالفسق
لغيرها فهو على التوزيع في الإخراج مما شمله النظم فمن قال إنّ التي فيها منكر لا تكون خالية لم يصب ولا حاجة إلى القول بأنه بعد توصيفه بقوله يأذن لكم ينتظمه ولو قيل إنّ المراد بالإذن ما يعمّ الإذن دلالة وشرعاً ولذا وقع بصيغة المجهول لم يحتج إلى الاستثناء رأساً لكن ما ذكر. المصنف رحمه الله وان كان مآله ذلك أظهر. وقوله ونحوها أي نحو المذكورات وهو الخصم في حق إذا توارى كما فصل في كتاب أدب القاضي للصدر الشهيد. قوله: (أزكى لكم) من زكا بمعنى طهر وقوله: عما الخ تعلق به لما فيه من معنى العبد والتنزه وهو على الثاني من الزكاة بمعنى النمو وفي نسخة لما يخلو وهي ظاهرة وقيل عما متعلقة بأطهر لما فيه من معنى التجاوز أي أطهر من الوقوف متجاوزاً عما الخ وفيه أنّ التجاوز المتعدي بعن كما في كتب الأدب بمعنى المغفرة والعفو وغيره متعد بنفسه على كلام فيه كتبناه في حواشي الرضي. قوله: (كالريط) بضم الراء والباء وطاء مهملة جمع رباط بكسر الراء مكان يقيم فيه المجاهدون وتربط فيه خيولهم والمرابطة محافظة الثغور الإسلامية ويطلق على الخانقاه والحانوت هو الدكان والخان الذي تنزله التجار والسابلة معروف وهما معرّبان. قوله: ( {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا} الخ) هذا كقوله في سورة إبراهيم قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة وقد مرّ عن المصنف رحمه الله أنه أمّا جواب لقل لتضمنه معنى حرف الشرط ومفعوله مقدر أي قل لهم غضوا يغضوا إيذانا بأنهم لفرط مطاوعتهم لا ينفك فعلهم عن أمره وأنه كالسبب الموجب له أو يقدّر لام أمر لدلالة قل أو هو جواب الأمر المقول للقول(6/370)
أو لشرط مقدر من جنسه وأبطله ابن مالك بأنه يستلزم أن لا يتخلف أحد من المقول له عن الامتثال وأجيب بأنّ الحكم مسند إليهم على سبيل الإجمال لا إلى كل فرد، أو المراد بالعباد والمؤمنين المخلصون منهم وبما مرّ من أنه جعل كالسبب الموجب. ولا يرد أنه لا ملازمة بين الشرط والجزاء لأنه قد يكون جزء علة وفي المغني يرده أنّ الجواب لا بد أن يخالف المجاب إمّا في الفعل والفاعل نحو ائتني أكرمك، أو في الفعل نحو أسلم تدخل الجنة أو في الفاعل نحو تم أقم ولا يجوز أن يتوافقا فيهما، وأيضا الأمر للمواجهة وياقيموا ويغضوا غائب ومثله لا يجوز. وقد قيل إنه لم لا يجوز أن يكون من قبيل من كانت هجرته الحديث أي أقيموا إقامة مقبولة. وقوله: لإيجاب بلفظ الغيبة إتا أن يريد إن لم يكن محكيا بالقول. أو مطلقا والأوّل مسلم ولا يفيد والثاني غير مسلم لأنه إذا كان محكيا
بالقول يجوز التلوين نظراً إلى الغيب بالنظر إلى الأمر بقل (قلت) فيه إنّ اتحاد طرفي الجملة، كما في شعري شعري والحديث يكون إذا قصدت المبالغة تحقيراً أو تعظيما ولا بدّ من تأويله يما يفيد المغايرة، كأن تقيموا ظاهراً فقد أقمتم إقامة نافعة. والمبرد القائل به لم يذكر تأوبلا ولم يخصه بمقام وما ذكره من التلوين لا يفيد هنا وقد مرّ فيه كلام فتأمّل. قوله: (أي ما يكون نحو محرّم) هو بيان لمعنى من التبعيضية فالمراد غض البصر عما يحرم والاقتصار به على ما يحل وجعل الغض عن بعض المبصر غضا عن بعض البصر وفي الكشف أنّ فيه كناية حسنة ليست في حفظ الفروج، ولذا لم يدخل فيه من فتأمّل. قوله: (ولما كان المستثنى منه الخ) جواب سؤال عن الإتيان بمن التبعيضية والتقييد به في غض الأبصار دون حفظ الفروج مع أنه غير مطلق ومقيد في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [سورة المؤمنون، الآية: 5] لأنّ المستثنى من الحفظ هو الإزواج والسراري وهو قليل بالنسبة لما عداه فجعل كالعدم ولم يقيد به مع أنه معلوم من الآية الأخرى بخلاف ما يطلق فيه البصر فإنه يباح في أكثر الأشياء إلا نظر ما حرم عن قصد فقيد الغض به، ومدخول من التبعيضية ينبغي أن يكون أقل من الباقي وفيه نظر ظاهر ولو اقتصر على التوجيه بأنه إتكال على أنه ذكر في آية أخرى كان أولى. وقيل: إنّ الغض والحفظ عن الأجانب وبعض الغض ممنوع يالنسبة إليهم وبعضه جائز بخلاف الحفظ فلا وجه لدخول من فيه وفيه تأمّل. قوله: (وقيل حفظ الفروج الخ) يعني وسترها مأمور به مطلقا فلذا لم يقل من فروجهم فهذا تفسير متضمن للنكتة المذكورة، ولذا قال أبو زيد: كل ما في القرآن من حفظ الفروج فهو عن الزنا إلا هذا فإنه بمعنى الاستتار. وقيل ولذا مرضه المصنف رحمه الله لمخالفتة لما وقع في القرآن. وقيل: وجهه أنها قد تكشف في مواضع يجوز كشفها فيها. وقد يقال: إنّ النهي عن الزنا يعلم منه بطريق الأولى أو الحفظ عن الإبداء يستلزم الحفظ عن الإفضاء فلا يرد أنه لو عمم كان أولى مع أنّ هذا مرجح بأنه معنى حقيقي متبادر منه. قوله: (ذلك) أي الغض والحفظ. وقوله: أنفع إشارة إلى أنه من الزكاة بمعنى النمو وما بعده إشارة إلى أنه منها بمعنى الطهارة لكن فيه جمع بين معنى المشترك وهو جائز عند المصنف رحمه الله وقيل قوله: أطهر ناظر إلى غض البصر وفيه نظر وأفعل إمّا مجرّد عن معنى التفضيل، أو المراد أنه أزكى من كل شيء نافع أو مبعد
عن الريبة وقيل المراد أنه أنفع من الزنا والنظر الحرام فإنهم يتوهمون لذته ضعاً مع ضرره في الآخرة والدنيا لكونه مجلبة للفقر والقحط والطاعون كما ورد في الآثار. والإجالة مجاز عن استعمالها في الرؤية وما لا يحل النظر إليه من الرجال العورة وما بين السرّة والركبة ولمذا قيل: لو ترك* قوله: من الرجال كان أخصر وأظهر لأنّ النظر إلى ما ذكر من النساء لا يحل لهن أيضاً ومن في قوله من الرجال بيانية أو تبعيضية لإخراج ما عدا المذكوو أو الحل النظر إلى المحارم والأزوأح فتأمّل. قوله: (بالتستر أو التحفظ) قد أخر التفسير الذي قدّمه هنا ومرضه في الآية السابقة وليس هذا بناء على ما في الكشف من أنه لاستلزامه المعنى الثاني على وجه برهاني لأنه لو كان كذلك سوى بينهما بل لأنه أنسب بما بعده سواء أريد به ستر أنفسين أو ستر فروجهن مع أنّ الستر بحال النساء أليق وأمّا كونه إشارة إلى ارتضاء ذلك القيل فلا وجه له. وقوله: أو التحفظ أو فيه لمنع الجمع والتخيير في التفسير، وقيل: لمنع الخلق.(6/371)
قوله: (لأنّ النظر بريد الزنا) ورائد الفجور كما قال الحماسي:
وكنت إذا أرسلت طرفك رائدا! ك يو! اأروك ا! اظر ...
وهي استعارة حسنة والبريد بمعنى الرسول وأريد به الداوعي معرب من بريده دم أي محذوف الذنب لأنه اسم لبغال توضع في الطرق مرصدة لإبلاغ الأخبار وكانت تعلم بذلك ثم أطلق على المسافة الموضوع فيها وعلى الرسول الذي يركبها. فتقديم النهي عته لأنه يتضمن النهي عن الزنا ولأنه يتقدمه في الواقع فجعل النظم على وفقه ولأنّ البلوى به أعم فبودر إلى منعه. قوله: (كالحلئ) المراد بالحلي ما كان في مكان يستر كالخلخال والسوار وكذا الثياب كشعار البدن والإصباغ المراد بها الكحل والخضاب ومذهب الشافعيّ رحمه الله كما في الروضة وغيرها أنّ جميع بدن المرأة عورة حتى الوجه والكف مطلقاً. وقيل: يحل النظر إلى الوجه والكف إن لم يخف فتنة وعلى الأوّل هما عورة إلا في الصلاة فلا تبطل صلاتها بكشفهما ومذهب أبي حنيفة الوجه والكفان والقدمان ليست بعورة مطلقاً فلذا حمل المصنف رحمه الله الزينة على ظاهرها بقرينة الاستثناء والمراد لا يبدينها في مواضعها لأنها لا تكون زينة لهن بالفعل إلا وهي كذلك وكلامه لا يحتمل غيره كما توهم. ولمن الخ متعلق بيبدين. قوله: (إلا ما ظهر منها) إلا بلا إظهار كان كشفته الريح والاستثناء عن الحكم الثابت بطريق الإشارة وهو المؤاخذة به في دار الجزاء وفي حكمه ما لزم إظهاره لتحمل شهادة ومعالجة طبيب وهذا عندنا وعند الشافمي رحمه الله كما فصله أبو بكر الرازي في أحكام القرآن فلا تكلف فيه ولا مخالفة
للمذهب كما قيل. قوله: (وقيل المراد بالزبنة م! واضعها) وفي نسخة مواقعها وهو بمعنا. وهذا ما ارتضا. الزمخشريّ. وهو على مذهب أبي حنيفة رحمه الله وجعله كناية عما ذكر كنقيّ الجيب وهو مجاز من ذكر الحال وارادة المحل. وقيل: إنه بتقدير مضاف كما ذكر. المصنف رحمه الله. وفي الانتصاف. قوله: (ولا يضربن بأرجلهق الآية) يحقق إنّ إبداء الزينة مقصود بالنهي ولو حمل على ما ذكر لزم أن يحل للأجانب النظر إلى ما ظهر من مواقع التزين وهو باطل لأنّ بدن الحرّة جميعه عورة يعني عند الشافعيّ ومالك. وأما إبداء الزينة وحدها فلا خلاف في جوازه إذ لا يحرم نظر سوار امرأة يباع في يد رجل وأمّا كونه تنكسر به قلوب الفقراء فلا وجه له ولذا مرضه المصنف لمخالفته مذهبه، وفيه نظر والزينية نسبة إلى الزينة وفي نسخة التزيينية. وقوله: والمستثنى أي على هذا القول وهو قول أبي حنيفة رحمه الله والقدمان
. والذراعان في رواية. قوله: (بدن الحر عورة) كما في الحديث المرأة عورة مستورة روا. الترمذيّ عن ابن مسعود رضي الله عنه لكن ليس فيه لفظ مستورة وما ذكره من الفرق بين العورة في الصلاة وغيرها مذهب الشافعي رحمه الله وفيه كلام في ابن الهمام فراجعه. قوله تعالى: {وَلْيَضْرِبْنَ} الخ قال أبو حيان عدي بعلى لتضمنه لمعنى الوضع. وفي مفردات الراغب ما يخالفه فإنه جعله متعديا بها دون تضمين والجيب ما جيب أي اقطع من أعلى القميص وهو ما يسميه العامة طوقاً وأمّ اطلاقه على ما يكون في الجنب لوضع الدراهم ونحوها فليس من كلام العرب كما ذكره ابن تيمية لكنه ليس بخطا بحسب المعنى وضم الجيم هو الأصل لأنّ فعلا يجمع على فعول في الصحيح والمعتل كفلوس وبيوت. والكسر لمناسبة الياء قال الزجاج: وهي لغة رديئةء.. وقوله: بكره بضم الكاف بمعنى الكراهية وحرّمه بعض الشافعية، وقيل إنه خلاف الأولى وهو مذهب الحنفية وتفصيله في الهداية ولام ليضربن ساكنة ومكسورة للأمر. وقوله: فإنهم المقصودون فيه إشارة إلى وجه تقديهم. قوله: (لكثرة مداخلتهم) المفاعلة على ظاهرها أو بمعنى الدخول. وقوله: مماسة القرائب أي الجائزة والمهنة بالفتح والكسر والتحريك الخدمة. وقوله: الأحوط قيل أخره لضعفه بحريان ما ذكر في أبناء البعولة. وقوله:
لأبنائهم يعني وهم غير محرم. وقوله: نسائهن إضافة إليهن لتخرج الكافرات والمراد أنهن لهن التجرّد عند نساء المؤمنات الحرائر لمقابلته لما بعده. وقوله: يتحرّجن من الحرج وهو الإثم أي لا يعدون وصفهن إثماً. قوله: (وللعلماء في ذلك خلاف) يحتمل أن يريد خلاف الشافعية لأبي حنيفة ويحتمل أن يريد(6/372)
الخلاف في مذهبه فإنّ فيه خلافا عندهم هل يحل للكافرة ذمية أو غيرها أن تنظر من المرأة المسلمة ما عدا الكفين والقدمين والوجه. أولا ويترتب على الخلاف جواز دخولهن الحمام معهن وعدمه. قوله:) يعم الإمام والعبيدا لعموم ما وهو أحد القولين في مذهب الشافعيّ والأصح أنهم كالأجانب وهو مذهب أبي حنيفة رضي الله عنه وذهب ابن المسيب إلى التعميم ثم رجع عته، وقال لا يغزنكم آية النور فإنها في الإناث دون الذكور لأنهم فحول غير محرم ولأزوج والشهوة متحققة لجواز النكاج في الجملة كما في الهداية ومن قال: إنه بمنزلة المحرم عندنا فقد غلط. وقوله: قنعت وفي نسخة تقنعت من القناع وهو ما تستر به المرأة رأسها والحديث رواه أحمد في مسنده وأبو داود. ولم يبلغ بمعنى لم يصل لقصره. وقوله: أبوك وغلامك أي هو مثلهما في أنه يحل له النظر فيما يحل لهما. وقوله: وقيل المراد بها الإماء هذا مذهب أبي حنيفة والمراد بنسائهن الحرائر لأنه المتبادر من الرجال والنساء كما في التيسير مع أنه لو أبقي على عمومه فلزوم التكرار مشترك بين التفسيرين كما قيل. وردّ بأنه على التعميم للتكرار فائد وهي الدلالة على تساوي العبيد والإماء في حل النظر فليس فيه إطناب مخل كما في هذا الوجه أمّا الإطناب، فإنّ إماءهن أقل لفظا من ما ملكت أيمانهن لا لدخوله في نسائهن كما توهم، وأمّا الخلل فلايهامه شمول العبيد، وأمّا القول بأنه إذا عمم النساء فذكر هذا لئلا يظن أنه مخصوص بالحرائر فلا وجه له لأنه يعلم بالطريق الأولى فتدبر. قوله: (أولى الحاجة) تفسير لأولى الإربة لأنها من الإرب بمعنى الحاجة. وقوله: الشيوخ جمع شيخ وهو المسن والهمّ بكسر الهاء وتشديد الميم الهرم الفاني كالهمة وفي نسخة الهرم وهو بمعناه وفيه توصيف الجمع بالمفرد. والممسوحون بالمهملات الذين قطع ذكرهم وخصاهم. والخصيّ من قطع خصاه والمجبوب من قطع ذكره وما قيل من أن الخصيّ بالخاء والضاد المعجمتين بمعنى الضعيف فضعيف ودخولهم على النساء حرام وأوّل من فعله معاوية رضي الله عنه ولم يعتدوا
بتجويزه وأمّا كون المقوقس أهدى للنبيّ صلى الله عليه وسلم خصيا اسمه مابور. كما ورد في كتب الحديث فقبله فلا دلالة فيه على جواز إدخاله على النساء. وأمّا أنه لا يحل إمساكه وبيعه وشرازه كما في الكشاف ففيه نظر. قوله: (بالنصب على الحال (أو الاستثناء وقراءة الجرّ على البدلية لا الوصفية لاحتياجه إلى تكلف جعل التابعين لعدم تعينهم كالنكرة كما قاله الزجاج: أو جعل غير متعرّفا بالإضافة هنا. وفيه نظر. قوله: (لعدم تمييزهم الخ) أصل معنى الظهور البروز فإذا عدى بعلى يكون بمعنى الاطلاع أو الغلبة فإن أريد الأوّل فهو كناية عن عدم التمييز وان أريد الثاني فالمراد به عدم بلوغ حد الشهوة والقدرة على الجماع. قوله:) والطفل الخ (يعني أنه مفرد وضع موضع الجمع كالحاج بمعنى الحجاج وقال الراغب إنه يقع على الجمع ولذا قال بعض النحاة إنه في الأصل مصدر فيقع على القليل والكثير وهذا أولى لأن وقوع المفرد موقع الجمع ردّه بعض النحاة. وقوله: اكتفاء بدلالة الوصف يعني إنّ وصفه بالجمع قرينة على ذلك. قوله: (وهو أبلغ من النهي الخ) لأنّ سماع صوت الشيء أضعف من رؤيته وكون هذا أكثر تحريكا للشهوة غير مسلم. وقوله: أدل على المنع الخ يعني أنه أكثر دلالة على منع النساء من رفع أصواتهن لأنه إذا نهى عن استماع صوت حليهن فعن استماع صوتهن بالطريق الأولى وهذا سد لباب المحرّمات وتعليم للأحوط الأحسن والا فصوت النساء ليس بعورة عند الشافعيّ رحمه الله كما في الروضة. وأمّا عندنا فقال: ابن الهمام صرّح في النوازل أنّ نغمة المرأة عورة وبنى عليها أنّ تعلمها القرآن من المرأة أحب إليّ لأن نغمتها عورة. ولذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: التسبيح للرجال والتصفيق للنساء فلا يحسن أن يسمعها الرجل انتهى. قوله: (إذ لا يكاد الخ (يعني أنّ الإنسان في الأكثر لا يخلو من تفريط ما في الأوأمر والنواهي فلذا أمرهم الله بالتوبة وان لم يذكر ذنب هنا. وقوله: سيما بحذف لا وقد جوّزه بعض النحاة ومرّ ما فيه مرارا. وقوله: جب
مجهول أي قطع بالإسلام لأنه هو التوبة عنه فالمراد بالتوبة الندم عما صدر منهم والعزم على الكف وهذا يلزم التائب كلما يذكر خطيئته والفرق بين الوجهين أنّ الأوّل توبة عما هو في الحال وهذا عما مضى. قوله: (وقرأ الخ) في النشر أيها هنا(6/373)
وقف عليها بالألف في المواضع الثلاثة خلافاً للرسم أبو عمرو والكساتي ويعقوب ووقف عليها الباقون بالحذف اتباعا للرسم. إلا أنّ ابن عامر ضم الهاء اتباعا للياء فيها. قوله: (لما نهى عما عسى يفضي إلى السفاح) أي يؤدّي إليه بتحريك عرق الشهوة وهو النظر وابداء الزينة وضرب الأرجل، والسفاح أصله صب الماء ثم جعل بمعنى الزنا والمخل صفته والمقتضى صفة النسب والمؤذية قيل إنه راجع إلى الثلاثة من الألفة وحسن التربية ومزيد الشفقة وعسى مقحمة هنا وقد وقع مثله في عبارة الكشاف كقوله: فإن عسى- كان ذاك وخطأه أبو حيان فيه. وقال: إنه تركيب أعجمي وخرجها الفاضل اليمني في الإعراف على وجهين أحدهما هذا ونقل في همع الهوامع عن الفراء جواز اقحامها فإن أردت تفصيله فارجع إليه والزجر عنه. في قوله: الزانية الخ. وقوله: الحافظ له أي للنسب أو للنوع وبعد الزجر متعلق بنهي والمبالغة من النهي عن النظر والزينة وهوءتعليل للنهي. وتزويج المولية راجع للأولياء والمملوك واجع للسادة والمولية بصيغة المفعول من ينفذ فيها تصرف الولي وتثبت عليها الولاية. قوله: (وفيه دليل على وجوب تزويج المولية) اعترض! عليه بأنه كيف يكون دليلاً والأمر عندنا للندب. لكنه يقول إنه عندنا خلاف الأصل والظاهر وكأن الطاهر أن يقول عند طلبهما كما وقع في بعض النسخ إلا أنه قيل: إنه أرجعه إلى المولية إشارة إلى أنه لا عبر بطلب المملوك ولا وجه له لأنه بغير طلب غير واجب عند المصنف وقد تكلف له بما تركه أولى من ذكره. قوله: (واشعار بأنّ المرأة الخ) إن أراد بالمرأة ما يعمّ المرأة العاقلة البالغة فلا ولاية لأحد عليها عندنا ودخولها تحت الأمر لشمول الأيامى لها مقيد بإذنها. كما أنّ الرجل من الأيامى كذلك بالاتفاق والأمرو لكون المعتاد فيه! المعاونة والتوسط لإصلاح حالهما. قوله: (وأيامى مقلوب أيايم) ذهب المصنف تبعاً للزمخشريّ ومن تابعه إلى أنه مقلوب لأنّ فعيلاً وفيعلاَ لا يجمعان على فعالى فأصله يتائم وأيايم فقدّمت الميم. وفتحت للتخفيف فقلبت الياء ألفاً لتحركها وانفتاح ما قبلها ويتيم أيضاً جرى مجرى الأسماء الجلصدة! لأنّ فعيلاً الوصفي يجمع على فعال ككريم وكرام لا على فعائل. وقد مرّ في سورة النساء أنه لما جر! مجرى الأسماء الجامدة كفارس وصاحب جمع على يتائم ثم قلب فقيل يتامى أو جمع على
يتمي كأسري لأنه من باب الآفات ثم جمع يتمى على يتامى وذهب ابن مالك ومن تبعه إلى أنه شاذ لا قلب فيه وهو ظاهر كلام سيبو-له وذهب ابن الحاجب إلى أنهم حملوا يتامى وأيامى على وجاعي وحياطي لقرب اللفظ والمعنى. قوله: (وهو العزب الخ) عن محمد هي الثيب واختار الكرخي ما ذكره المصنف ويشهد له ما روي أنه صلى الله عليه وسلم قال: الأيم أحق بنفسها من وليها والبكر تستأذن في نفسها واذيها صماتها ألا ترى كيف قابلها بالبكر وفي رواية الثيب أحق كذا في المغرب وفيما استدل به نظر وقال التبريزي في شرح ديوان أبي تمام قد كثر استجمال هذه الكلمة في الرجل إذا ماتت امرأته وفي المرأة إذا مات زوجها وفي الشعر القديم ما يدل على أنّ ذلك بالموت وبترك الزواج من غير موت قال الشماخ:
يقرّ بعيني أن أحدث إنها وإن لم أنلها أيم لم تتزوّج ...
انتهى وقد ورد بهذا المعنى في قوله الحماسي:
كل حي تايم منه اهـ حرس أومنهايتيم ...
قوله: (فإن تنكحي أنكح وإن تتأيمي وإن كنت أفتى منكم أتأيم (وان كنت أفتى جملة معترضة وأفتى أفعل تفضيل من الفتوة وهي الشباب وأتأيم جواب الشرط مجزوم وحرك بالكسر لأجل الشعر ومنكم خطاب بصيغة الجمع للواحدة كقوله:
ولو شئت حرمت النساء سواكم
قوله: (وتخصيص الصالحين الخ) أي ليحصن دينهم ويحفظ عليهم صلاحهم لأنهم ينزلون منزلة الأولاد فكانوا مظنة الاهتمام وعلى الوجه الثاني المراد بالصلاح معناه اللغوي فالأمر للندب كما لا يخفى. قوله: (ردّ لما عسى الخ) مرّ نظيره والغنية ما يستغنى به وغاد ورائح بمعنى آت وذاهب وهو من كلامهم قديما ومعناه لا يستقر على حال فيكون أمراً بغنى القلب والإتكال وخصوا به لما ذكره فلا يرد عليه شيء. وقوله: اطلبوا الغنى في هذه الآية أي بالتزوّج كما
صرح به فيما تابعه من الأحاديث. وقوله: لكن مشروط بالمشيئة دفع لما يتوهم من أنه لا يخلف الميعاد(6/374)
وكم من متزوّج فقير بأنه مقيد بالمشيئة بدليل سمعيّ. وهو الآية المذكورة أو عقليئ وهو أنّ الحكيم لا يفعل إلا ما اقتضته المصلحة كما في الكشاف لكن هذا مبنيّ على مذهبه كما قيل والأولى أن يقال: إنه من قوله: عليم حكيم. كما فسره به لأن مآله إلى المشيئة ففي هذه دلالة عليه. وهو كلام حسن فإن قيل: كذلك العزب غناه بالمشيئة فلا وجه للتخصيص قيل إنه تقرر في الطباع أنّ العيال سبب الفقر ولذا سموها سوس المال فالمراد دفع هذا التوهم لا التخصيص فالمعنى أن النكاح لا يمنع الغنى فعبر عن نفي المانع بوجوده معه.
كقوله: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ} [سورة الجمعة، الآية: 10] ظاهره الأمر بالانتشار والمقصود أنه لا مانع منه فعبر به عنه مبالغة وهو تحقيق بديع وفي الجواب الأوّل نظر إليه. وأمّا ما قيل في الجواب من أنّ الغنى للمتزوّج أقرب وتعلق المشيئة به أرجى للنص على وعد المتزوّجين دونهم كما هو كذلك بالاستقراء فيأباه النص على خلافه في قوله: {وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللهُ كُلاًّ مِّن سَعَتِهِ} [سورة النساء، الآية: 130] بل في هذه الآية لما في الكشاف وشرحه في قوله: {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ} [سورة النور، الآية: 33] إنه وعد من الله بالتفضل عليهم بالغنى وهم غير متزوّجين والحاصل أنه أمر للأولياء أن لا يبالوا بفقر الخاطب مع صلاحه ثقة بلطفه تعالى في الإغناء. ثم أمر الفقراء بالاستعفاف إلى وجدان الغنى تأميلاً لهم وأدمج فيها أن مدار الأمر على العفة والصلاج وأنه مع ذلك وعد المتزوّج والعزب معا بالإغناء فلا ورود للسؤال أصلا وليس ذهابا إلى القول بالمفهوم كما توهم. وكون قوله تعالى: ( {إِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً} (الخ وارداً في منع الكفار عن الحرم فكونها مشروطة بالمشيئة لا يدلّ على مشروطبة ما هنا ليس بشيء كما توهم وقوله: اطلبوا الغنى في هذه الآية. قال بعضهم إنه لم يقف عليه في كتب الحديث إلا أنه روي بمعناه وهو التمسوا الرزق بالنكاج. قوله: (لا تنفد نعمته) أي لا يفنى إحسانه ولا يتناهى لعدم تناهي قدرته على إيجاده وإعطائه ولما كان المتبادر أن يردف قوله واسع بكريم ليكونا تذييلاً لما قبلهما إشار بقوله: في تفسيره يبسط الرزق أي يوسعه ويقدر بزنة يضرب أي يضيقه إلى أنّ عليم تكميل لقوله واسع كقوله: حليم إذا من الحلم زين أهله مع الحلم في عين العدوّ مهيب ...
إذ مقتضى السعة والقدرة أن لا يضيق على أحد فدفعه بأنه لعلمه بأحوالهم واللائق بهم لا
يفعل إلا ما تقتضيه حكمته. قوله: (وليجتهد في العفة الخ) هو مأخوذ من السين الطلبية وفي الكشاف كأنه طالب من نفسه العفاف وحامل لها عليه أي جرّد من نفسه شخصا يطلبه منه وهو من حيز التجريد كما في قوله: يستفتحون ومرّ تحقيقه. وقوله: أسبابه وفي نسخة استطاعته هو إمّا على المجاز أو تقدير المضاف فيه. قوله: (ما ينكح به) فعال يكون صفة بمعنى مفعول ككتاب بمعنى مكتوب واسم آلة كركاب لما يركب به وهو كثير كما نص عليه أهل اللغة ولم يذكره الصرفيون لكونه غير قياسيّ فهو حقيقة. وما قيل: من أنه من إطلاق اسم المسبب على السبب كقوام ولجام لما يقام ويلجم به وهم مع أنّ اللجام معرب ليس في شيء مما نحن فيه. قوله:) أو بالوجدان الخ) وهو مجاز أو كناية كقوله {اقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ} كما فصله الراغب وقوله المكاتبة أي أنّ الفعال مصدر بمعنى المفاعلة كالعتاب بمعنى المعاتبة وكذا شامل للمال والخدمة وقوله: من الكتاب أي مأخوذ منه. وقوله: بنجوم جريا على الغالب فهو شامل للنجم الواحد عندنا ومذهب المصنف رحمه الله لا بد من تعدده فهو على ظاهره. قوله: (والموصول الخ) فالخبر الإنشائي بتقدير مقول فيه كما هو معروف في نظائره وقد مرّ في المائدة أنه لا حاجة إلى تأويل مثله لأنه في معنى الشرط والجزاء وقوله: أو مفعول فهو من باب الاشتغال ووقوع الفاء في المفسر لتضمنه الشرط أيضا كما مرّ. فما قيل: إنّ تضمن معنى الشرط على ألابتداء والخبر. وعلى الإضمار والتفسير الفاء لأنّ حق المفسر أن يعقب المفسر والمراد كتابة بعد كتابة لكثرة الموالي والمكاتبين غير متوجه. وقوله: والأمر الخ قد عرفت ما فيه فتذكره. قوله: (والآمر فيه للندب) وذهب بعضهم إلى أنه للوجوب بشرط الخيرية. وقوله: لأنّ الخ دليل عدم الوجوب والإرفاق إفعال من الرفق بالعبد بتخليصه من الرق. وقوله: لأنّ المطلق لا يعم الخ ردّ على الحنفية إذ خالفوا ما ذهب إليه الشافعي في تجويز الكتابة الحالة استدلالاً بالاطلاق هنا لأنّ المطلق غير العام وقد قالوا إنّ الكتابة(6/375)
تغني عن تقييده بالتنجيم لأنه يكتب أنه يعتق إذا أذى ما عليه ومثله لا يكون في الحال فظهر سقوط ما قيل عليه إنه إنما يكون كذلك لو تعين كونها من الكتابة للتأجيل وليس فليس وانّ الإطلاق يكفي لغرض الحنفية إذ لا تمس حاجتهم إلى العموم. قوله: (مع أنّ العجز الخ) يعني أن العبد لكونه لا مال له يؤذيه
فعجزه الحال يمنع صحة المكاتبة الحال قياسا على السلم فيما لا يوجد عند حلول الأجل فإنه لا يجوز. وأجيب بأنها مطلقة فتقييدها بدون حاجة ممتنع، وما ذكر لا يصح القياس عليه للفارق والعتق على مال حال جائز بالإجماع ولا فرق بينهما ولا عجز مع أمر المسلمين بإعانته بالصدقة والهبة والقرض فهو كصحة البغ لمن لا يملك الثمن بل أولى. قوله:) أمانة وقدرة) هذا تفسير الشافعيئ لأنّ مقصود الكتابة يحصل بهما فإن فقدا أو أحدهما لا تستحب الكتابة عنده وهو أولى من تفسيره بالمال. وقوله: روي مثله إشارة إلى تأييده بأنه مروفي عن النبيّ صلى الله عليه وسلم فلا وجه لمخالفته وتضعيفه. وقوله: صلاحا في الدين مرضه لأنه لا يناسب المقام ويقتضي أنه لا يكاتب غير المسلم وهذا قريب من تفسيره في الهداية بأن لا يضرّ بالمسلمين بعد العتق فإن كان كذلك فالأفضل عدم كتابته. قوله: (وضعفه الخ) إمّا لفظا فإنه لا يقال فيه مال بل عنده أوله ولا يرد على هذا أن العبد لا ملك له كما توهم لأن الاختصاص يكفي فيه كونه في يده مع أنه لا يدفع الضعف وأمّا المعنويّ فلأنّ العبد لا مال له ولأن المتبادر من الخير غيره وان أطلق الخير على المال في القرآن كالأمانة والصلاح وقدرته على الك! سب كما لا يخفى. قوله: (فلا يلزم من عدمه عدم الجواز) بل عدم المشروط وهو الوجوب أو الاستحباب، وهو دفع لتوهم اقتضائه لعدم الجواز فإن كان الأمر للإباحة فالشرط لا مفهوم له لجريه على العادة في مكاتبة من علم خيريته. قوله: (أمر للموالي كما قبله) أي كالأمر الذي قبله وهو أنكحوا وهذا عند الشافعيّ رحمه الله وعندنا لعامة المسلمين ولهم فيه قولان هل الأصل الحط والبذل يدل منه أو عكسه واختار المصنف الثاني لتبادره من الإيتاء ومال إلله ولأنه حينئذ مجاز والأصل خلافه. وفسره الدميري رحمه الله بالتزام المال كما في الجزية وفيه نظر والأصح عندهم أنه يكفي حط مقدار مّا. وقوله: وهو للوجوب يعني في مذهبه. وقوله: ما يتموّل بصيغة المجهول أي ما يعد ما لا كفسقته. وقيل: هو معلوم والعائد محذوف أي به والمعنى يصير ذا مال (فائدة (قال
الدميري رحمه الله: الكتابة لفظة إسلامية. وأوّل من كاتبه المسلمون عبد لعمر رضي الله عنه يمسى أبا أمية. قوله: (ويحل) أي ما يأخذه الكاتب من الزكاة يحل لمولاه لأنه تصدق به على العبد وأخذه منه السيد على أنه بدل الكتابة لا صدقة كما لو أخذه الفقير منه واشتراه غنيّ فإنه يحل له وهذا منقول في الكشاف عن أبي حنيفة رحمه الله قال الطيبي عند الشافعي: أنه إذا أعيد المكاتب إلى الرق أو أعتق من غير جهة الكتابة رد المولى ما أخذه إلا أن يتلف قبله لأنّ ما دفع للمكاتب لم يقع موقعه فقياسه على من اشترى من الفقير غير صحيح وكذا إلحاقه بقصة بريرة رضي الله عنها فإنه لم يظهر فيها بطلان صرف الصدقة إلى من صرفت إليه يعني عند الشافعيئ فليس اعتراضا على الزمخشري فظهر أن معنى قول المصنف رحمه الله: يحل للمولى الخ أنه يحل له إذا لم يرق المكاتب أو يعتق من غير جهة الكتابة، وأمّا عندنا فيحل له مطلقاً لتبدل الملك عند محمد رحمه الله أو لأنه لا يثبت في الصدقة وإنما الخبث في أخذها، عند أبي يوسف رحمه الله لكنه ينافي جعلها أوساخ الناس في الحديث وأنه لا اعتراض عليه كما توهم في المقيس عليه لأنّ كون ما أخذه بدل الكتابة يقتضي تقرّرها وكلامه مبنيّ عليه فتختلف الجهة في الملك اختلافاً صحيحاً مقرّراً عليه. وتنظيره بقصة بريرة رضي الله عنها التي رواها الشيخان لمجرّد اختلاف جهتي الملك فإنها أخذته بعد العتق صدقة وأعطته هدية لآل البيت الذين لا يحل لهم الصدقة فلا غبار عليه. وأمّا عندنا فلا ورود له أصلاً. قوله: (في حديث بريرة رضي الله عنها) وهو كما في البخاري عن عائشة رضي الله عنها أنها أرادت أن تشتري بريرة وأنهم اشترطوا ولاءها لهم فذكرت ذلك للنبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: اشتريها فأعتقتها فإنما الولاء لمن أعتق قالت فأتى إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقلت هذا ما تصدق به على بريرة فقال هو لها صدقة ولنا هدية. وبريرة(6/376)
بفتح الباء الموحدة وكسر أولى الراءين المهملتين كانت مكاتبة كما في البخاري فاشترتها عائشة ثم أعتقتها والصدقة المعطاة ليست زكاة لفك رقبتها فالمقيس عليه تبدل الملك فما اعترض! به عليه وهم. قوله:) كانت لعبد الله بن أبتي) ابن سلول رأس المنافقين والحديث صحيح في مسلم والضرائب جمع ضريبة وهي المال المعين المقسط. وقوله: فشكا بعضهن
أي ثنتان منهن كما صرّحوا به. قوله: (شرط للإكراه الخ) قيل على تقدير التسليم يكون سببا للترك لا للذكر. وقيل: لا مجال للمنع لظهور أنّ الإكراه يكون على خلاف الإرادة والاختيار. ثم المقصود ردّ من تمسك بالآية لإبطال المفهوم إذ لو اعتبر يلزم جواز الإكراه إذا لم يرد التحصن وهو لا يتصوّر وخلاصته مغ أنّ لها مفهوما مستنداً لما ذكر. فظهر أن ما اعترض به عليه من أنه شبه مقابل للمنع بالمنع مع تعرّض المصنف رحمه الله لبيان سبب الذكر وهو الإشعار بندرته وغرابته وتقريع مرتكبه وفيه أنّ قوله لا مجال للمنع غير مسلم عند قائله لأنه يجوز الإكراه إذا لم يردن التحصن بأن تكره على زنا غير الذي أرادته أو على ما أرادته ومنعها منه الحياء أو زيادة طلب أجر ونحوه وفي العضد وشروحه الغالب أن الإكراه يكون عند إرادة التحصن لأنهن إمّا أن يردن التحصن أو البغاء أو لا يردن شيئا لكن الغالب إرادتهن التحصن، فخرج الشرط مخرج الغالب ومثله لا مفهوم له، وكل ضدين اختيار بين لا ثالث بينهما لا يجوز خلوّهما عن الإرادة عندنا لأنها صفة تخصص أحد المقدورين بالوقوع وأحدهما واقع. فلا بد له من مخصص وعند المعتزلة يجوز خلوّهما عنها لأنّ الإرادة عندهم تتبع اعتقاد النفع فيجوز أن لا يكون في النفس ميلى لهما. فقوله: الغالب أن الإكراه يكون كند إرادة التحصن بناء على مذهب المعتزلة لأنّ الاعتراض لأبي عبد الله البصري والقاضي عبد الجبار منهم. وفيه بحث وأمّا قوله: إنه منع للمنع مخالف لآداب البحث فعند التأمّل غير وارد لأنه منع للسند وهو قد يمنع كما قرّروه. وفي شرح المفتاح الشريفي فائدة تقييد النهي بالشرط التنبيه على أنهن مع قصورهن إذا أردن التعفف فالولي أحق بذلك فهي نعي عليه وزجر له والآية نزلت فيمن أردنه فخص لخصوص مورده قيل وهو الأوجه فتأمّل وقوله: لجواز الخ لا مغايرة فيه لما قبله ويرد عليه ما تقدم. قوله: (وإيثاران الخ) هذا ما قرره أهل المعاني ولا غبار عليه ولا يلزم أن يترتب على القيد حكم شرقي حتى يقال إنه لا وجه لذكر لمجرّد هذه النكتة. وما قيل من أنّ إيثارها للإيذان بوجوب الانتهاء عن الإكراه عند كون التحصن في حيز الإرادة والشك وإن كان له وجه يبعده سبب النزول الداخل فيه بالأولوية لتحقق الإرادة فيه ولذا لم يعرجوا على ما ذكره. قوله: (لتبتغوا) أي لأجل الابتغاء والطلب وعرض الحياة كسبهن وأولادهن وقوله: لهن ذكروا فيه وجوها تقدير لهن وله ولهما معا والإطلاق لتناوله لهن تناولاً أوّليا. واعترض! أبو حيان على الوجه الأوّل بخلوّ جواب اسم الشرط عن ضميره وردّ بأنه لا محذور فيه لأنّ اللازم لانعقاد الشرطية كون الأوّل سببا للثاني مع أنّ التقدير فإنّ الله بعد إكراههم إياهن. والمقدر يكفي
للربط. وقيل: جواب الشرط محذوت أي فعليه وبال إكراههن. وردّ بأنّ فيه ارتكاب إضمار بلا ضرورة ولا يخفى أنّ ما ذكره أبو حيان هو الأصح عند النحاة. وفي المغني إذا وقع اسم الشرط مبتدأ فهل خبره الشرط أو الجزاء لالتزامهم عود ضمير منه إليه على الأصح. وأما ما ذكره معه ففيه نظر لأنهم لم يعدوا الفاعل المقدر في المصدر في نحو هند عجبت من ضرب زيدا رابطا ولا فرق بينهما كما توهم وتقدير الجواب المذكور لتسبب الجزاء كما لا يخفى. قوله: (على المكره) بفتح الراء القتل هذا مذهب الشافعي وقد خولف فيه وتفصيله في الفقه وقيل إنّ الإكراه كان دون الإكراه الشرعي فلذا ذكر هذا. قوله: (لآن اجمراه لا ينافي المؤاخذة بالذات) أي المؤاخذة بارتكاب ما نهى عنه من حيث هو منهيّ عنه لا تنافي الإكراه لأنه لا يسقط حرمته وأئمه ولا يسقط التظليف وإنما المنافي لها عدم التكليف به والإكراه بواسطة المغفرة له مناف لها وذلك بالعرض لا بالذات. وذهب بعض أهل الأصول إلى منافاة بعض أنواعه للمؤاخذة ولذا قال الزمخشريّ: لعل إكراههن كان دون ما اعتبره الشارع وتفصيل المسألة في أصول الفقه.(6/377)
قوله: (التي بينت في هذه السورة) فالمبين الآيات والمبين فيه السورة والتبيين ذكرها واضحة الدلالة فقوله: وأوضحت فيها أي في هذه السورة عطف تفسير عليه. وأمّا كون ضمير فيها للأيات على أن الأصل مبيناً فيها على الحذف والإيصال فوجه آخر لا يمكن إرادته مع الأول كما توهم ولو أراده لقال: أو أوضحت وهذا على قراءة الفتح وعلى الكسر فهو إما من بين بمعنى تبين اللازم والمرإد تبين كونها آيات من الله وشرائع مطهرة ولذا قال: تصدقها الخ أو من المتعدي والمفعول محذوف كما ذكره المصنف رحمه الله والإسناد مجازيّ. قوله: (وقصة الخ) يعني المثل هنا بمعنى القصة المستغربة كما مرّ ومن ابتلا. ائية اتصالية أو بيانية والمراد أنها من جنس القصص المستغربة في الأمم السالفة لأنها كقصة يوسف عليه الصلاة والسلام ومريم حيث أسند إليهما مثل هذا الإفك فبرأهما الله منه. وقوله: تلك الآيات إشارة إلى ما مضى في هذه السورة. وقوله: وقيل معطوف على قوله يعني الآيات فالمراد بها في الأوّل الآيات الماضية في هذه السور وفي هذا جميع القرآن. وقوله: والصفات الخ إشارة إلى مصححه. قوله تعالى: {اللهِ نُورٌ} الخ في الكشاف في سورة البقرة الإضاءة فرط الإنارة فقي!! : إنه جعل الضوء أبلغ من النور وأشد. لقوله:) جعل الشمس! ياء والقمر نورا) وفي الفلك الدائر أنه غير صحيح إذ ليس له في اللغة شاهد ولا في ألاستعمال مساعد وقد قال ابن
السكيت: النور الضياء فسوى بينهما والآية المذكورة لا تدلّ على المدعي وأجيب بأنّ كلام ابن السكيت بحسب أصل الوضع وما ذكر بحسب الاستعمال كما في الأساس. والتحقيق ما في الكشف من أنّ الضوء فرع النوو وهو الشعاع المنتشر ولذا أطلق النور على الذوات دون الضوء ولما كان الإبصار بالفعل بمدخلية الضوء كان فيه مبالغة من جهة أخرى وتنويره ما قاله الإمام السهيلي رحمه الله في الروض في توله ورقة:
ويظهرفي البلاد ضياء نور يقيم به البرية أن تموجا 0..
إنه يوضح معنى النور والضياء وأنّ الضياء هو المنتشر عن النور والنور هو الأصل ومنه
مبدؤه وعنه يصدر وفي التنزيل فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم وهو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نوراً لأنّ نوو القمر لا ينتشر عنه من الضياء ما ينتشر عن الشمس لا سيما في طرفي الشهر. وفي الحديث الصلاة نور والصبر ضياء وذلك لأنها عمود وهي ذكر وقرآن ونهي عن المنكر والصبر عن المنكر ضياء صادر عن هذا النور الذي هو القرآن ومن أسمائه تعالى النور دون الضياء وهذا منزع رفيع وسر بديع فيه نور وشفاء لما في الصدور علم به أنّ بينهما فرقا لغة واستعمالاً وأنّ أبلغية كل منهما لها وجه. وتسميته تعالى به فان فهمت فنور على نور وبهذا تبين أنّ قول الشريف إطلاق كل منهما على الآخر مشهور فلا يتأتى الفرق المأخوذ من استعمالات البلغاء ولا المأخوذ من اصطلاح الحكماء وهو أق الضوء ما يكون للشيء من ذاته والنور ما يكون من غيره كلام ناشىء من ضيق العطن وكذا ما قيل ينبغي أن يكون النور على الإطلاق أقوى. قوله: (الله نور السموات الكنه إنهما يتجه إذا لم يكن بمعنى المنور كما عليه المفسرون فاحفظه فإنه نفيس. قوله: (النور في الأصل كيفية الخ) بين في الحكمة أن المبصر بالذات الألون والأضواء وما سواها يدرك بواسطتها بعد إدراكها وان لم يشعر به واليه أشار بقوله: ظاهر بنفسه الخ والضوء عندهم كالنور كيفية وقيل: جوهر شفاف وأمّا عند اللغويين فقد مرّ تحقيقه. وقوله: كالكيفية وفي نسخة الكيفيات والجمع باعتبار الأفراد وما أفيض عليه. قوله: (المحاذية لهما) أي المقابلة للنيرين وفي نسخة بواسطتها أي تلك الكيفية وهو إشارة إلى أنها مشروطة بالمقابلة. فإن قلت: إنا نجد وجه الأرض مضيئا عند الأسفار من الشمس التي لم تقابله حينئذ قلت: استضاءة وجه الأرض بمقابلة الهواء المستضيء بها والقابلة إمّا بالذات أو بالواسطة. وقوله: وقد قرىء به أي بمنور على زنة اسم الفاعل وقرىء نور ماضياً أيضا. قوله: (لا يصح (لأنه تعالى منزه عن الجسمية والكيفية. وقوله: زيد كرم في الكشاف ثم تقول ينعش
الناس بكرمه وجوده أي تجيء بما يدلّ على أنّ المراد ذو كيرم كما قيل: مثل نوره ويهدي الله لنوره. وقوله: بمعنى منوّر(6/378)
فهو مجاز مرسل من إطلاق اا " نر على مؤثره كما يطلق المسبب على سببه ولم يجعله من المبالغة لأنه لا يحسن هنا جعله نفس الكيفية إدّعاء ولا يصح. كما أشابى- إليه في قوله: بالكواكب الخ قيل: هو لف ونشر فتنوير السماء بالكواكب والأرض يما يفيض عنها وكذا قوله: بالملائكة والأنيياء عليهم الصلاة والسلام لكن التنوير على هذا عقليّ لا حسيّ وفيه نظر. قوله: (أو مدبرهما) معطوف على قوله منوّر السموات فيكون مجازا واستعارة وأورد عليه أنه ذكر فيه طرفا التشبيه وهما الله والنور فهو تشبيه بليغ لا استعارة على الأصح إلا أن يكون على قول ضعيف أو يعطف على قوله تجوّز والجوإب عنه أنّ ذكرهما إنما ينافيها إذا ذكر على وجه ينبىء عن أنه مشبه وكان هو المشبه بعينه كما أشار إليه في مواضمع من الكشاف وصرّح به أهل المعاني كما سنرا. في سورة الدخان وهنا لم يشبه إلله بالنور بل المدبر به وذكر جزئي يصدق عليه المشبه أو كليّ يشمله لا ينافي ذلك واليه أشار من قال: يمكن أن يقال: إنه استعارة تبعية استعير للتدبير بعلاقة المشابهة في حصول الاهتداء ثم اشتق منه المنور بمعنى المدبر. وقوله: من قولهم بيان لتصحيح الاسنعارة حيث يفهم منه جواز إطلاق النور على التدبير في قوله: على تجوز دلالة على هذا إلا أنه خبط فيه خبط عشواء لأنّ النور مصدر فلا معنى لجعل الاستعارة فيه تبعية ولا حاجة إليه بعدما سمعته وقد مرّ تفصيله في سورة يوسف وعذا جار في قوله أو موجدهما. قوله: (فإنّ النور ظاهر الخ) كذا في المواقف حيث ذكر إنه من أسماء الله وكذا قال الغزالي: فإن فهمت فهو نور على نور فيكون أطلق عليه تعالى مجازا مرسلا باعتبار لازم معناه وهو ظهوره في نفسه واظهاره لغيره وأريد بالظهور فرده الكامل وهو ما كان من كتم العدم إلى الوجود لتبادره واليه أشار بقوله: وأصله الوجود. وقيل: هو استعارة وقوله: ظاهر الخ بين لوجه الشبه فالمستعار له الواجب الوجود الموجد لما سماه لا الوجود كما توهم والم! نتعار منه الظاهر بنفسه المظهر لما سواه لكن قوله: وأصل الظهور الخ لا يناسبه فإنّ الأصالة ينبغي أن تكون في المشبه به وان كانت الأعرفية كافية فيه كما هنا والمراد بكونه أصلاً إنه أقوى أفراده أو أنه مترتب عليه في الأكثر فتامّل. قوله: (أو الذي به يدرك الخ) الظاهر أنه معطوف على قوله: منوّرهما وهو مجاز لا على قوله: تجوّز حتى يكون حقيقة ولا على قوله كيفية كما قيل لبعده واباء ما بعده عنه والنور يدرك بواسطته المعالم فتجوّز به عن مفيض الإدراك ومعطيه لأنه يفيض على الإنسان ما علم وهو قريب من معنى الهادي. كما أشار إليه فهو مجاز مرسل أو استعارة لا تشبيه بليغ كما عرفت ويدرك الأوّل معلوم والثاني مجهول وهما
تنازعا قوله أهلهما أي السموات والأرض. يعني أنه أطلق عليه تعالى مجازاً لإطلاقه على قوّة البصر والبصيرة إطلاقا شائعا حقيقة أو بمنزلتها لتجوّز به عن معطي ذلك لأنه سببه أو مشابهه ولذا قال: وهو الله وفيما ذكره المحشي هنا خلل يعلم مما مرّ. قوله: (لتعلقها به (يشير إلى ما في البصر من الخلاف هل هو بشعاع نوراني فيتعلق البصر بالنور أو بالانطباع أو بمجرد خلق الله فيكون مثابها أو متوقفا عليه على وجهي التجوّز كما مرّ وهما وجهان لإطلاق النور على الباصرة. وقوله: من حيث بيان لإطلاق النور عليه تعالى. وقيل: معنى قوله لتعلقها به أنّ أبصارها بسببه فهو مجاز مرسل. وقوله: عليه أي على كل منهما لا على النور فتأمّل. قوله: (ثم على البصيرة لأنها أقوى) فهي أحق بإطلاق النور عليها من الباصرة فإن قلت قوله ثم يقتضي أنها دونها وقوله أقوى يخالفه قلت هما باعتبارين فإنّ إطلاق النور على البصر أشهر وأظهر والبصيرة مستمدة من الحواس الظاهرة غالباً فهي في المرتبة الثانية بهذا الاعتبار وباعتبار أنّ مدركاتها أكثر أقوى ورب فرع قلق أصله فهي تدرك المعدومات ونفسها بخلاف الباصرة. وقوله: الموجودات والمعدومات بدل أو صفة للكليات والجزئيات لتعميم إدراكها وقوله: تغوص في بواطنها أي تدرك ما خفي وتركب منها وهذا بيان للإدراكات العقلية التي لا تدركها الباصرة إجمالا. وقوله: تتصرف فيها أي في بواطنها أو في المدركات قيل وهو أولى. قوله: (ثم إنّ هذه الإدراكات الخ) إشارة إلى العلاقة بين المدرك المسمى نورا وبين الباري تقدس وتعالى بل كونه أحق به والمراد من الإدراكات إدراك البصر والبصيرة(6/379)
السابقين جميعاً. وقوله: ولذلك سموا نورا هذا مجاز آخر لتسمية القرآن نوراً وما ذكره ملخص من مشكاة الأنوار للإمام الغزاليّ وتفسير الإمام رحمهما الله.
قوله: (ويقرب منه قول ابن عباس الخ (يعني أنه تعالى سبب لكل من الهداية والإدراك وادراك الشيء مطابقاً للواقع سبب للهداية فيؤول إطلاق النور بمعنى سبب الإدراك عليه تعالى إلى كونه هادياً لكن لما كان بين مفيض الإدراك والهادي تغاير في الجملة قال: يقرب منه فقول الطيبي ومن تبعه إنّ قول ابن عباس رضي الله عنهما من واد وهذا من واد إذ قوله من وادي طور سيناء وهذا من وادهام فيه ابن سيناء فإنّ معنى قوله: الله هادي العالمين مبين ما يهتدون به ويتخلصون من ظلمات الكفر والضلال بوحي منزل ونبيّ مرسل والتأويل الذي عليه التعويل ما ساعده النظم سياقا وسباقا وما قبله من قوله: ولقد أنزلنا الخ إشارة في ضمن ما بين من
الأحكام إلى نزاهة أمّ المؤمنين رضي الله عنها وطهارة ساحة أفضل المرسلين هدانا بها إلى معالم الحكم فذكر بعدها أنه الهادي ثم قال: يهدي الله لنوره فأخذ الكلام بعضه بحجز بعض غير سديد. وما هو من التعصب ببعيد. وقوله وادهام فيه ابن سيناء إشارة إلى أنه أخذ. من كلامه من الإشارات:
وفي الإشارات ما يغني عن الكلم
فتدبر. قوله: (وإضافته إليهما (أي السماء والأرض مع أنه بجميع معانيه نور لجميع الموجودات فإئا أن يكون ليس المقصود التخصيص بهما بل القصد إلى سعة إشراقه كقوله وجنة عرضمها السموات والأرض أو المراد بهما العالم كله كإطلاق المهاجرين والأنصار على جميع الصحابة رضي الله عنهم فإن قلت هذا من إطلاق اسم البعض على الكل مجازاً وقد اشترط فيه في التلويح أن يكون الكل مركباً تركيباً حقيقياً ولم يثبت في اللغة إطلاق الأرض على مجموع الأرض والسماء والإنسان على الآدميّ والسبع قلت لا يتعين كونه مجازاً لجواز كونه كناية كما صرّج به الطيبي ولو سلم فما في التلويح غير مسلم أو أغلبيّ مقيس لأنّ الزمخشريّ ذكر في قوله تعالى: {لاَ يَخْفَىَ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء} أنه عبر عن جميع العالم بالسماء والأرض وقال العلامة في شرحه أنه من إطلاق الجزء على الكل وقوله العقلية يعني بها الأنبياء والملائكة عليهم الصلاة والسلام والأولياء وقوله: وقصور الخ وجه آخر لعدم التعميم والاقتصار عليهما والمدلول لهما شامل لإثبات الصانع. قوله:) صفة نوره) هو معنى المثل كما مرّ في سورة البقرة وقوله دليل الخ لأنه لو كان عينه لزم إضافة الشيء إلى نفسه فهو يدلّ على أنه على تقدير مضاف أو أنه مجاز عما مرّ والكوّة بفتح الكاف وضمها الطاقة. وقوله: كصفة إشارة إلى تقدير مضاف فيه وثاقب بمعنى شديد الإضاءة. وقوله: كالزهرة بضم الزاي وصتح الهاء وتسكينها خطأ اسم للكوكب المعروف وهو تمثيل للكوكب وخصه لشدة ضوئه وشبهه بالسراج وزهرته بفتح الزاي وضمها مع سكون الهاء بياضه وحسنه. قوله: (منسوب إلى الدرّ) في الزاهر لابن الأنباريّ الدري الكوكب المضيء وفيه خمس لغات ضم
الدال وكرها وفتحها مع الهمزة وضم الدال وكسرها مع تشديد الياء فمن قال درفي نسب إلى الدر لحسنه وضيائه فوزنه فعليّ ومن قال: درىء بالضم والهمز فهو فعيل من درأ الكوكب درأ جرى أو دفع وهو شاذ لأنّ فعيلا ليس من أبنية العرب ومريق اسم المعصفر أو ما سمن من الخيل وعده سيبويه من أبنيتهم. وقال أبو عبيدة: أصله درّوء كسبوح فجعلت الضمة كسرة لاستثقال الضمات والواو ياء كما قالوا في عتوّ عتى. ومن قال: دريّ بكسر أوّله كسره من أجل الياء التي بعد الراء مجانسة لها فقول منسوب إلى الدر بناء على عدم وجود فعيل والهمزة من تغييرات النسب، وقوله أو فعيل على مذهب سيبويه. وقوله من الدرء بمعنى الدفع أو الجري كما مرّ وقيل هو من درأ إذا طلع بغتة وفاجأ وقوله قلبت همزته على أنه من درأ المهموز ودريء بالكسر كشريب وسكيت صف مشبهة وهو أفصحها والضم لندور. جعله بعضهم لحناً ولا وجه له مع وروده في الكتاب العزيز وفي اللباب فعيل غريب لا نظير له إلا مريق وعلية وسرية وذرية قاله: أبو عليّ. وقال الفراء لم يسمع إلا مريق وهو أعجمي وأمّا درىء بفتح الدال والهمز فشاذ ليس له نظير إلا سكينة بفتح السين في لغية حكاها أبو زيد وما ذكره في سرية خالف فيه بعض أهل العربية وجعله نسبة إلى السير وهو النكاح وضمه من تغييرات النسب(6/380)
كدهري وقيل هو فعلولة من السرور فأبدلت الراء الأخيرة ياء فوزنها فعليلة وأما ذرية فنسبة إلى الذر على غير القياس لإخراجهم كالذر من ظهر آدم عليه الصلاة والسلام وقوله فإنه يدفع إلى آخر. إشارة إلى أنّ الدرء بمعنى الدفع. وقوله أو بعض معطوف على فاعل يدفع المستتر. وقوله: ويدل عليه أي على القلب وقوله وقد قرىء به أي بكسر الدال وقوله مقلوباً أي مقلوباً همزته ياء وقيل إنه يريد به القلب المكاني بتقديم الهمزة ساكنة على الراء فإنه قرىء به في نادر الشواذ وهو غريب. قوله: (أي ابتداء) إشارة إلى أنّ من للابتداء والثقوب الإضاءة وقوله المتكاثر نفعه تفسير لمباركة وقوله بأن رويت بتشديد الواو وتخفيفها أي سقيت متعلق بابتداء. وذبالته بضم النال المعجمة وتخفيف الموحدة هي الفتيلة وقوله إبدال الزيتونة وقال أبو عليّ إنه عطف بيان بناء على أنه يكون في النكرات فلا وجه لرد ابن هشام عليه في تذكرته وقوله تفخيم لشأنها لما في التفسير بعد الإبهام من تمكينه في الذهن وتعظيمه وقوله على إسناده إلى الزجاجة إشارة إلى أنه على ما قبله مسند للمصباح واذ أسند إلى الزجاجة فهو بتقدير مضاف أي مصحباحها أو مبالغة. قوله: (وقرىء توقد) هي قراءة أبي عمرو وابن كثير وأصله تتوقد بتاءين فخفف بحذف إحداهما وذكرها بالمجهول توطئة لما بعده والا فعادته استعمال مثله في الشواذ وقوله: ويوقد بفتح الياء
التحتية والواو- وا القاف المشدّدة ورفع الدال والمعروف إنما هو الحذف لاجتماع التاءين المتماثلتين لكنه كما قال ابن جني شبه فيه حرف مضاوعة بحرف مضارعة فعومل معاملته كما - ضببهت التاء والنون في تعد ونعد بياء يعد فحذفت الواو معهما كما حذفت فيه لوقوعها بين ياء وكسرة أو أنه شبه به لانجتماع زيادتين وان لم يتماثلا كما ذكره المصنف لكنه غريب في الاستعمال. قوله: (تقع الشمس عليها الخ) فإنها إذا كانت شزقية وقعت الشمس عليها وقت!! الشروق فقط وإذا كانت غربية وقعت عليها عند الغروب فإذا كانت بينهما وقعت عليها ديئما فأريد به ذلك وهو لازم معناه وقوله طول النهار منصوب على الظرفية أي من أوّله إلى آخره وهو معروف بهذا المعنى وليس مقابلاً لقصره كما يتوهم ولا يرد على هذا التفسير أنه يعارض الحديث الآتي لأنّ القائل له لا يسلم أنّ معنى المضحى ما كان بارزاً للشمس دائما بل يفسره بما تقع عليه الشمس في أوّل النهار وقت الضحى أو نقول الحال فيه يختلف باختلاف الأقاليم حرا وبردا واعتدالاً أو باعتبار الثمار كالزيتون وغيره وأمّا كون الحديث غير ثابت لقول العرأي وابن حجر إنه لم يوجد في شيء من كتب االحديث فلا يناسب إيراد المصنف له من غير تردّد فيه. والقلة رأس الجبل وقوله أنضج أي أكثر ئضجاً في نسخة أبهج. وقوله ولا في صوضع في نمخة مضحى. قوله: (أو في مقنأة) فسره بقوله تغيب عنها دائماً لأنّ المقنأة بالقاف وفتح النون. وضمها والهمزة المكان الذي لا تطلع عليه الشمس عند أبي عصرو وقال: غيره أنه بالألف بدون اهمزة وهو مقنوة بالواو وهو نقيض المضحاة وقوله في القاموس المقناة المضحاة كأنه غلط منه! وقد أخر الزمخشريّ الوجه الأوّل وقال في تفسيره له ليست مما تطلع عليه الشمس في وقت شروقها أو غروبها فقط بل تصيبها بالغداة والعشيّ جميعا فهي شرقية غربية وفيه خفاء ولذا أخره وفسره لأنّ النفي إذا دخل على متعددة فإمّ أن يراد نفي كل واحدءمنهما منفردا ومجتمعاً وحيئ! ذ تكرّر لا نحو لا فارض ولا بكر وإمّا أن يراد نفي اجتماعهما ولا تكرّر فيه لا وهنا قصد إثباتهما وأنها شرقية غربية وافادة التركيب له خفية فأشار إلى أنّ فيه قيدا مقدرا توجه إليه النفي وهو قوله ضط فيفيد اجتماعهما وفي شرح الكشاف عن المطلع أنه كقول الفرزدق:
بأيدي رجال لم يشيمواسيوفهم ولم تكثر " القتلى بها حين سلت ...
إذ معناه شاموا سيوفهم وأكثروا بها القتلى وهو اختيار الزجاج وتعقبه في الكشف بأنه لا استدلال بالبيت على ما ذكره لجواز أن يريد لم يشيموا غير مكثري القتلى على الحال وافادته المعنى المذكور واضحة حينئذ وفي البيت كلام طويل ليس هذا محله قال: أبو حيان رحمه الله
في تذكرته فان قلت: إذا لم تكن شرقية ولا غربية فما هي قلت المعنى ليست في مشرقة أبداً والمشرقة الموضع الذي لا يصيبه ظل ومعنى غربية ليست(6/381)
في مقنأة والمقنأة المكان الذي لا تصيبه الشمس أي ليست الزيتونة تصيبها الشمس خاصة ولا الظل خاصة ولكن يصيبها هذا في وقت وهذا في وقت وهو أحسن لها والا فالشرقية والغربية لا تخرج عنهما انتهى. قوله تعالى: {وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ} كلمة لو في مثله لا تكون لانتفاء الشيء لانتفاء غيره ولا للمضي وكذا ليست للتعليق والاستقبال بل المعنى ثبوت الحكم على كل حال ولذا قيل إنها للتأكيد والواو للعطف على مقدّر هو ضدّ المذكور وعند بعضهم إنها حالية لكن مقتضاه كون حرف الشرط مع ما بعده حالاً فتقديره والحال لو كان كذا أي مفروضاً كما قدره بعضهم. والزمخشري وغير. يقدّره ولو كان الحال كذا ولا يخفى حاله كما ذكره المحقق في شرح الكشاف وتحقيقه كما قاله: المرزوقي أنّ أدوات الشرط لا تصلح للحالية لأنها تقتضي عدم التحقق والحال يقتضي خلافه فلذا قيل إنه ينسلخ عنها الشرطية وانها مؤوّلة بالحال كما أنّ الحال تكون في معنى الشرط نحو لا فعلنة كائنا ما كان أي أن كان هذا أو غيره وإنما قدره الزمخشري والمرزوقي بعد لو إشارة إلى أنه قصد إلى جعلها حالاً قبل دخول الشرط المنافي له ثم دخلة تنبيهاً على أنها حال غير محققة وهذا سرّه وان خفي على من لا يخفى عليه مثله فاعرفه. وعلى جعلها عاطفة كما ارتضاه اكثرون لا يتوهم إن كاد تنافيه فإنها تقتضي انتفاء الإضاءة وهو إنما هو في حال عدم مس النار لا في حال مسها فيتعين كونها حالية لا عاطفة فإنه غفل عما قرّروه من قولهم في كل حال فإنه كما هو منتف في حال عدم المس منتف في مجموع الحالين أيضاً لا يتوهم أيضا أن المبالغة تقتضي الاقتصار على الثاني لأنّ المراد التسوية بينهما. قوله: (وفرط وميضه) في نسخة بالميم والضاد المعجمة ومعناه البريق واللمعان وفي أخرى وبيص بالباء الموحدة والصاد المهملة ومعناه أيضاً البريق والتلألؤ الإنارة ومنه اللؤلؤ لصفاته واشراقه وقوله: متضاعف إشارة إلى أنّ الجار والمجرور صفة معناه ما ذكر. وقوله: زاد في إنارته زاد يكون متعديا ولازما وهو لازم هنا ومن ظنه متعدّياً فقد قصر. وقوله: وضبط المشكاة لأشعته في الكشف دلّ هذا على أنّ وجه الشبه الإضاءة وقوّتها لا السعة والفشو فلا يتوهم أنه كالمتناقض لكون المصباح في مكان متضايق فتأمّل. قوله: (في معنى التمثيل) أي في المراد من التشبيه مطلقا وعبر بالتمثيل موافقة لما في النظم وقوله تمثيل للهدى يعني أنه تشبيه مركب بمركب فشبهت فيه الهيئة المنتزعة بأخرى والنور وإن كان لفظه مفرداً دالّ على أمور متعددة وقيل: إنه ذكر للتنصيص على ما هو العمدة في التمثيل وقوله في جلاء الخ متعلق تمثيل وهو وجه الشبه وهو مركب عقليّ كما في شرح الكشاف والمراد بالآيات آيات القرآن مطلقاً أو آيات هذه السورة. وقوله:
من الهدى بيان لما تضمنته وهو مدلولها أيضا وفي عبارته نوع خفاء. قوله: (أو تشبيه للهدى الخ) يعني أنه تشبيه مقيد وفي شرح الكشاف أنه على هذا من المركب الوهمي حيث تصوّر في المشبه والمشبه به حال منتزعة وهي قوله: من حيث إنه محفوف الخ فشبه الهدى المحيط به الضلال بمصباح في ليل مظلم كقوله:
وكانّ النجوم بين دجاها سنن لاح بينهن ابتداع ...
ولا يخفى أنه بحسب الظاهر ينافيه كون حق الكاف الدخول على المصباح وقوله لاشتمالها يعني به أنّ المشتمل مقدّم على المشتمل عليه في رأي العين فقدم لفظا رعاية لذلك أو لأنه إذا دخل على المشتمل فكأنه دخل على ما فيه فلا وجه لما قيل إنه لا يكفي فيه بل النكتة أنه أبلغ لأنّ الإنارة إذا نسبت للمشكاة فالمصباج أقوى بها. وكذ ما قيل إنّ فيه قلبا وإنما كان المصباح أوفق من الشمس لأنه ما يوقد في الليل فيدلّ على الظلمة التي لها دخل في التشبيه. وقيل: إنه تشبيه مفرّق فشبه الهدى بالمصباح والجهالات بظلم استلزمتها وفيه نظر. قوله: (أو تمثيل لما نور الله الخ) ففيه مضاف مقدر أي كنور مشكاة كما أشار إليه وهذا الوجه رجحه الطيبي على غيره وقال إنه تفسير السلف وأنه الأنسب بالمقام ونقل البغوي عن كعب أنه قال إنه مثل ضربه الله لنبيه صلى الله عليه وسلم فالمشكاة صدره والزجاجة قلبه والمصباح ما فيه من الحكم وعن الحسن رحمه الله تعالى الشجرة المباركة شجرة الوحي يكاد زيتها يضيء القرآن يتضح(6/382)
وان لم يقرأ أو شجرة النبوّة والظاهر على هذا أنه تشبيه مفرّق وقيل إنه مركب كالأول والفرق بينهما في أصل المعنى لا في طريق التشبيه. واضافة النور إليه تعالى باعتبار السببية. قوله: (أو تمثيل لما منح الله الخ) فهو تشبيه مفرّق وهذا مبنيّ على كلام الحكماء ولذا قال الطيبي رحمه الله: إنّ المقام ينبو عنه فتركه أولى من ذكره. وقوله: وهي الحساسة أي القوّة الحساسة والمراد بها الحس! المشترك فإنّ الحواس الظاهر كالجاسوس لها واليها يتأدّى ما يدرك كما أشار إليه المصنف وهي في مقدم البطن الأول من الدماغ وهذا شروع في بيان الحواس الباطنية التي
سمتها الأطباء نفسانية. والقوّة الخيالية هي التي تتخيل صور المحسوسات بعد غيبتها وتحفظها. وقوله: بالحواس الخمس أراد بها الحواس الظاهرة لأنها جواسيسها كما مرّ ومن لم يقف على مراده اي ض عليه بأنه لا يصح أن يقال تدرك المحسوسات بالحواس الخمس بل يقال: أعني الحواس الخمس. فإن تلت: فحينثذ كان حق النظم كمشكاة وزجاجة ومصباح الخ حتى يفيد تشبيه كل واحد بكل واحد قلت لما كان كل من هذه الحواس يأخذ ما يدركه مما قبله كما يؤخذ المظروف من ظرفه أشار إلى ذلك بأداة الظرفية دلالة على بديع صنعه وحكمته. وقوله بالأشياء الخمسة متعلق بتمثيل على اللف والنشر. وقوله: فإنّ الحاسة في نسخة بدله الحساسة. قوله: (لأنّ محالها الكوي) في نسخة كالكوي جمع كوّة بفتح الكاف وضمها وقد مرّ بيانه والكوي يكسر مع المد والقصر ويضم مقصوراً ومحالها جمع محل وفي نسخة محلها وض! مير محالها ووجهها للحاسة والمراد بيان وجه السبب لتجويفها وتوجهها لظاهر البيت لا لما خلفه لتوجهها للحواس الظاهرة وكونها في مقدم الدماغ وما قيل من أنّ الظاهر أن يقول لأنها كالكوّة ووجهها إلى الظاهر فإنه يوهم أنّ المقصود تشبيه محلها لأنفسها بالمشكاة والقول بأنّ لفظ المحل مقحم وجمع لتعدد المواد تكلف ما لا يوافق مأخذ كلامه لا وجه له فإنه تكلف فيه واقحام لفظ المحل وان صح لكنه لا يرتضيه من وقف على مراده فتدبر. قوله: (في قبول صور المدركات) وحفظها لها كالزجاجة القابلة للأشعة المنعكسة وضبطها للأنوار ولحفظها المدركات الحس المشترك وقوله: كالشجرة هو أوفق مما في بعضها بالشجرة والزيتونة عطف على الشجرة. وقوله: لتأدّيها ولتجردها تعليل للتشبيه فهو متعلق بمتعلق الكاف أو بها لتأويلها بأشبه عند من جوّزها. قوله: (أو تمثيل للقؤة العقلية الخ) وهو تشبيه مفرّق لا تمثيليّ كما قيل هذا زبدة ما في النمط الثالث من الإشارات وهو أنه إشارة إلى قوى النفس النظرية ومرتبتها من البداية إلى النهاية لأنها أمّ استعداد الكمال أو نفس الكمال والاستعداد إمّا ضعيف أو متوسط أو قوفي فالضعيف استعداده للمعقولات الأولى كالطفل للكتابة وهو العقل الهيولاني والمتوسط
استعداده للمعقولات الثانية بعد الأولى كالأمي لتعلم الكتابة وهو العقل بالملكة وحصول المعقولات الثانية إمّا بحركة من الذهنية وهو حصول بالفكر أو بحركة الذهن وهو حصول بالحدس ويدخل فيه التعلم. والاستعداد القوفي استعداد المعقولات الثانية بعد حصولها كاستعداد القادر على الكتاب وهو العقل بالفعل والكمال حصول المعقولات الثانية وهو العقل المستفاد والشيخ حمل مفردات التنزيل على هذه المراتب لكن لتلك المفردات ترتيب فيه حيث جعل الزجاجة في المشكاة والمصباح في الزجاجة. وتحقيقه كما في المحاكمات أنّ هناك استعدادا محضا واستعداد اكتساب واستعداد استحضار وحصول ولا شك أنّ استعداد الاكتساب بحسب الاستعداد المحض واستعداد الاستحضار بحسب استعداد الاكتساب فتكون الزجاجة وهي عبارة عن العقل بالملكة إنما هي في المشكاة وهي العقل الهيولاني والمصباح وهو العقل بالفعل في الزجاجة التي هي العقل بالملكة لأنه إنما يحصل باعتبار هو حصول العقل أولاً. والعقل بالملكة إنما يخرج بالقوّة إلى الفعل فالفكر والحدس والشجرة الزيتونة إشارة إلى الحدس ويكاد زيتها يضيء إشارة إلى القوّة القدسية فإن قلت هذا لا ينطبق على النظم لأنه وصف الشجرة بتلك الصفات وهذه أمور متباينة لا يجوز وصف أحدها بالآخر. قلت الشجرة الزيتونة شيء واحد. فإذا ترقت في أطوارها حصل لها زيت إذا ترقى وصفاً كاد يضيء وكذلك(6/383)
الاكتساب قوّة نفسية هي فكرة فإذا ترقت كانت حدسا ثم قوّة قدسية فهي وان كانت متباينة ترجع إلى شيء واحد كالشجرة وأمّا قوله لا شرقية الخ فهو إشارة إلى أنها ليست من عالم الحس الذي لا يخلو عنهما كما أشار إليه المصنف رحمه الله بقوله: مجرّدة عن اللواحق الخ أو لأنها بين الصور والمعاني والصور ظهورها كالشروق والمعاني خفاؤها كالغروب فاعتباره في جانب المشبه به ظاهر أيضاً ولها نور على نور وهو العقل المستفاد وقد مثل نوره تعالى بالعقل المستفاد وهو كمال النفس الإنسانية في القوّة النظرية تحقيقا لاستلزام معرفة النفس معرفة الرب علت كلمته وهذا تحقيق لطيف. وقد قال بعض المشايخ: إنّ حقيقتها نور قدحه رّناد الإيمان بيد اليقين في حراق الوهم فاشتعل مصباح البصيرة في ظلمة الطبيعة وغايتها إعمال النظر الصحيح في تحصيل أسباب النجاة فافهم. قوله: (فكالشجرة الزيتونة الاحتياج الإيقاد منها إلى كسب فشبه بها التحصيل بالنظر. والحدس يشبه الزيت وقوله والإلهام عطف على ملك الوحي
وأفرد الذي لكونهما في حكم شيء واحد ولو ثنى كان أظهر وقوله من حيث إنّ العقول تشتعل عنها ضمير عنها ليس للقوّة القدسية بل هو لمرجع ضمير مثله فلو ذكره كان أظهر ولذا قيل إنه من سهو الكاتب لكنه أنث مراعاة للخبر وقوله يهدي الله لنوره إشارة إلى أنّ ما ذكر تقريب وتلويح. وقوله: توضيحاً تعليل للأدناء. وقوله: معقولاً كان أو محسوسا فالتوضيح إنما فائدته للناس. وقوله: وعد ووعيد لأنّ علمه تعالى عبارة عن مجازاته كما مرّ. وقوله: لمن الخ لف ونشر مرتب والاكتراث الاعتناء. قوله:) متعلق بما قبله) أراد ما يشمل التعلق المعنوي والصناعي لأنه على الأوّل صفة وقد قيل إنه لا يليق بشأن التنزيل لتوسط قوله نور على نور الخ بين أجزاء التمثيل وهو فصل بين العود ولحاله مع أنه يؤدّي إلى كون حال ذكر المنتفعين بالتمثيل بنور الهداية بطريق الاستتباع والاستطراد مع قصد أضدادهم بالذات وليس بشيء فإنه زخرف من القول إذ لا فصل فيه وما قبله إلى هنا كله من المثل فتنبه. قوله: (فيكون تقييدا (أي على الوجهين وقوله: بما يكون لخير باللام والخاء المعجمة والراء المهملة في نسخة صحيحة أي قيده بما يكون معد للخير وهو الطاعة والعبادة لمناسبته للممثل له وهو الهداية ونحوها وضبطه بعضهم كما في بعض النسخ تحبيراً بالحاء والراء المهملتين والباء الموحدة يعني تزييناً وتحسينا ولا مدخل له في التمثيل وفي أخرى تحيرا وكحيز بمعنى محل ومقر بالمعجمة وزاد الكاف لأنها معلقة فيه فليس حيزا حقيقياً لها كما قيل وهو تكلف. قوله: (أو مبالفة فيه (وفي نسخة ومبالغة بالواو ووجه المبالغة كونها أضوء وأكبر وعلى هذه النسخة يكون عطفه على ما قبله كالتفسير له ليكون له مدخل في التمثيل. قوله:) أو تمثيلاَ لصلاة المؤمنين (هو عطف على قوله: تقييداً أو تحبيراً على ما في بعض النسخ يعني أنه شبه صلاتهم الجامعة للعبادات القولية والفعلية بالجوامع أو شبه أبدانهم بها وهذا مناسب لما مرّ من أن المشكاة قلب المؤمن وقد قيل عليه أن جعل المراد من البيوت الصلاة أو الأبدان لأحسن له ولذا لم يذكره الزمخشري وغيره وقيل إنّ تخصيص الصلاة لزيادة الأنوار العقلية بها الكمال التوجه للنور الحقيقي وعلاقتها بالمساجد من حيث الحالية والمحلية وعلاقة الأبدان المشابهة في إحاطة الأنوار وما يتوهم من أنّ المشبه قلب المؤمن في بدنه بالمشكاة التي في المساجد فاسد لعدم ذكره فيما سبق وفيه نظر. قوله: (ولا ينافي جمع البيوت وحدة المشكاة (سواء تعلق بمشكاة أو بتوقد وسواء كان تمثيلاً أولاً والوحدة من التاء فالمراد إفا الوحدة الجنسية أو أنّ النكرة قد نعم في الإثبات ويكفي لتحقق الوحدة أن يكون في كل بيت مشكاة واحدة مع أنه غير لازم. وقوله: إذ المراد أي بالمشكاة وقوله بلا اعتبار وحدة الخ قد علمت أنه يجوز اعتبارها. قوله:) أو بما بعده)
وهذا أولى مما قبله والجملة مستأنفة حينئذ وقوله وفيها تكرير أي لفظ فيها وفيه إيهام لطيف فهو كقوله ففي رحمة الله هم فيها خالدون ومررت بزيد به وهذا أجود من مررت بزيد بزيد وبعض النحاة يعربه بدلاً كما في شرح التسهيل وفي المغني الأكثرون يوجبون في مثله سقوط الجاو وأن يرفع الاسم بالابتداء أو ينصب بإضمار جاوزت ونحوه بالوجهين قرىء قوله والظالمين أعد لهم وهو من توكيد الحرف بإعادة ما دخل عليه مضمراً(6/384)
كان زيداً أنه فاضل وليس الجار والمجرور توكيدا للجار والمجرور لأنّ الظاهر لكونه أقوى لا يؤكد بالضمير وليس المجرور بدلاً بإعادة الجار لأنه لا يبدل مضمر من مظهر وإنما جوّزه النحاة قياسا ولا يخفى أنّ مثله وقع في القرآن وكلام العرب كثيرا وما ذكره غير وارد لأنّ المجموع بدل أو تأكيد وأتى بالظاهر هربا من التكرار وفي الكشاف وشرح المفتاح إشارة إليه فلا وجه لما ذكره.
قوله: (مثل سبحوا الخ) وهذه الجملة كما قيل مترتبة عل ما قبلها وترك الفاء للعلم به
نحو قم يدعوك. والثلاثة بيت المقدس والحرمان وقوله: والتنكير للتعظيم لتعينها وعلى الأوّل هو للتبعيض والتعليل كما أشار إليه المصنف رحمه الله. وقوله: أو التعظيم فالرفع معنويّ والمراد أن لا يفعل فيها ما لا خير فيه فليس عطف يذكر تفسيريا كما قنل وعلى الأوّل هو أعلاء البناء وأذن الله بمعنى أمر أو أجاز. وقوله: حتى المذاكرة إشارة إلى استحباب المذاكرة العلمية فيها. قوله: (أي يصلون) فذكر التسبيح وأريد الصلاة لاشتمالها عليه. وقوله: والغدوّ مصدر فأطلق على الوقت مجازا ثم صار حقيقة عرفية فيه. وفال المصنف في الرعد الغدوّ جمع غداة كقنى وقناة وقيل: مصدر ويؤيده إنه قرىء الإيصال أي الدخول في وقت الأصيل. وفوله: ويؤيده يدل على أنه مرضي له ولذا اقتصر عليه هنا فقيل لمجرّد الحكاية لا للتمريض حتى يكون بين كلاميه تتاف كما قيل وجمع الغدوات والعشايا باعتباو الأيام وخصهما لأنهما محل الاشتغال بالأسواق والمعاس فيعلم غيرهما بالطريق الأولى. قوله: (وهو جمع أصيل) في الكشاف جمع أصل كعنق وفي الكشف الظاهر أنه جمع أصيل كشريف وأشراف لأن أصلاً جمع أيضاً وسيأتي أنه غير صواب وما ذكره المصنف تبع فيه الجوهري وفي الأساس أنّ أصلاً مفرد كأصيل فلا يعارضه كلام الجوهري ولا يخفى أنّ أصلا يكون مفردا وجمعاً وجمع فعيل على أفعال ليس بقياسي كما ذكره النحاة وفي الروض للسهيلي الأصائل جمع أصيلة والأصل جمع أصيل لأنّ فعائل جمع لفعيلة وأصيلة لغة معروفة فيه وظن بعضهم أنه جمع آصال بزنة
أفعال وآصال جمع أصل كاطناب وطنب وأصل جمع أصيل كرغف ورغيف فأصائل جمع جمع الجمع وهو خطأ لأنه لم يجمع جمع الجمع حتى يكون هذا نظيره ولأنهم لا يجمعون الجمع الذي ليس لأدنى تعدد فأحرى أن لا يجمع جمع الجمع وأيضا فيه غفلة عن الهمزة التي هي فاء إذ ظنوها كأقاويل ولو كانت كذلك لكانت الصاد فاء وهي عين فلو كان أصائل جمع آصال كأقاويل لأقوال لقيل آصال وأواصل بإبدال الهمزة التي هي فاء واو الاجتماع همزتين وأيضا أصل جمع كثرة وآصال جمع قلة فكيف يكون جمعه فآصال جمع أصل واحد كأصيل كما ورد في كلام الأعشى والآصال جمع أصيل بحذف البزوائد انتهى. قوله: (وهو الدخول في الأصيل) كأعتم وأصبح بمعنى دخل في العشمة والصباح. قوله: (إلى أحد الظروف الثلائة الخ) يعني له وفيها وبالغدوّ وقيل إنه على زيادة الحروف الجارة فعلى الأوّل إسناد حقيقيّ. وفي الأخيرين مجازي إلى المكان أو إلى الزمان والأولوية للأوّل لأنه يلي الفعل ولأنّ الإسناد على حقيقته وقد تبع فيه الطيبى حيث جوّز فيه زيادة الحروف وعدمها ولا يخفى أنه ارتكاب لما لا داعي له. والذي ذكره اتزمخشريّ زيادة الباء إذا قرىء تسبح بتاء التأنيث في المجرور القائم مقام الفاعل لضعفه واحتياجه للتاويل كما في قرإءة أن تعف عن طائفة في سورة براءة ثم إن إسناده إلى فيها إفما يكون إذا لم يكن في بيوت متعلقا بيسبح فمن اقتصر عليه وجوّزه هنا فقد غفل عنه. قوله: (ورفع رجال يما يدلّ عليه الخ) أي يسبحه رجال ويجوز كونه خبر مبتدأ أي المسبح رجال وفي المغني في الباب الخامس أنه لا يجوز أن يبنى الفعل للمفعول ثم يؤتى بالفاعل تمييزا فلا يقال ضرب أخوك رجلاً فإنه نقض للغرض الذي حذف لأجله قال: وأمّا قراءة من قرأ يسبح بفتح الباء فالذي سوغ فيها ذكر الفاعل بعدما حذف أنه في جملة أخرى واعترض عليه بأنّ فيه منقضاً للغرض واًنّ كونه في جملة أخرى لا يفيد ولا وجه له لأنّ الغرض! ثم في محله وأصاب محزه والجملة الثانية جواب سؤال مقدّر فحسن فيها ذكره لأنه محل التفسير والبيان بعد الإبهام وليس هذا موجودا فيما منعه فتأمّل وقوله ومفتوحا الخ فالباء زائدة كما عرفته والإسناد مجازي بجعل الأوقات مسبحة كما أشار إليه بقوله:(6/385)
على إسناده الخ أو على إسناده إلى ضمير المصدر المؤنث وهو التسبيحة وسياتي نظيره في قوله ليحكم كما قيل: وقد ضعف بأن الوحدة لا تناسب المقام. قوله: (معاملة رابحة الأنه أصل التجارة. ووجه المبالغة أنه يفيد أنه لا يشغلهم شيء أصلاَ وقوله مطلق المعاوضة أي رابحة أو غير رابحة وقوله أو بإفراد الخ فيكون من التخصيص بعد التعميم وهو عكس الأوّل وان أريد بالبيع الشراء فلا
تخصيص وهما متلازمان. وقوله: وفيه إيماء لأنه لا يقال فلان لا تلهيه التجارة إلا إذا كان تاجرا لأنّ المتبادر نفي القيد وإنما قال إيماء لاحتمال أن يكون معناه لا يشغلهم شيء عن طريق الكناية ولاحتمال أن يرجع النفي للقيد والمقيد كقوله:
على لا حب لا يهتدي بمناره
فمن قال إنها نزلت فيمن فرغ عن الدنيا كأهل الصفة ولم يرتضه المصنف لأنه لا يقال لا
تلهيه التجارة إلا لمن أغلب حاله التجارة وما ذكر لا يتبادر إليه الذهن لم يصب فالصواب أنه إنما تركه لأنه لم يصح عنده ولا يناسب المقام لأنه على ما اختاره أمدح كما لا يخفى والجلب ما يكون بالمسافرة فيراد بالتجارة ما لا يكون بسفر أو الأعم. وقوله: لأنه الغالب فيها أي الغالب في التجارة الجلب فهو لازم لها عادة وليس المراد أنّ لفظ الجلب غالب فيها حتى يرد ما يقال: إنّ المناسب أن يقول: غالب فيه على أن كون لفظ التجارة غالبا في معنى الجلب ممنوع. قوله: (عوّض الخ) في شرح الكشاف عن الزجاج أصله أقوام فقلبت الواو ألفا ثم حذفت لاجتماع ألفين وأدخلت التاء عوضاً عن المحذوف وقد تعوض عنه الإضافة كما مر ويرد عليه أنه لا داعي إلى قلبها ألفا مع فقد شرطه وهو أن لا يسكن ما بعدها فلو فيل نقلت الحركة لما قبلها فالتقى ساكنان الخ كان أصح واشتراط الحذف بتعويض التاء أو الإضافة مذهب الفراء وسيبوبه رحمه الله لا يشترطه. قوله:) عد الآمر الخ (أصله عدة والتاء فيه عوض عن فاء الكلمة وأوّله:
إنّ الخليط أجد والبين وانجردوا
وقيل: إنه جمع عدوة بمعنى ناحية فأراد جوانب الأمر ونواحيه فلا شاهد فيه. قوله:) ما جب الخ) يعني المراد بالزكاة المال المؤدّي لأفعله لإضافة الأيتاء إليه وقوله يخافون استثناف او حال وقوله: مع الخ يميل إليه ويوما مفعول على تقدير مضاف أي عقابه وهو له أو بدونه أو ظرف والمفعولط محذوف. قوله: (تضطرب) يعني أنّ المتقلب إمّا نفس القلوب والإبصار كقوله وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر كما قرّروه ثمة أو حالها كما ورد يا مقلب القلوب وقوله ما لم تكن تفقه هو الإيمان وأمور الآخرة وما لم تكن تبصر مشاهدة أمور الآخرة وما
أنكر في الدنيا وقوله من توقع النجاة من سببية فلا وجه لما قيل إنّ الأظهر بين توقع النجاة الخ. قوله: (أو لا تلهيهم الأنه وان لم يكن فعلاَ لكنه في معنى يكفون وأمّا تعلقه بيخافون فلا يناسبه أحسن ما عملوا إلا أن يكون باعتبار ما يلزمه من الرجاء. قوله: (أحسن جزاء ما عملوا الخ) أصل معنى الجزاء المقابلة والمكافأة على ما يحمد ويتعدى إلى الشخص المجزيّ بعن قال تعالى {لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً} وإلى ما فعله ابتداء بعلى تقول جزيتة على فعله وقد يتعدى إليه بالباء وأمّا ما وقع في مقابلته فبنفسه والباء قال: الراغب يقال جزيته كذا وبكذا هذا ما حققه أهل اللغة فلذا قدر المصنف وحمه الله فيه مضافا ليكون من جنس الجزاء فيتعدى إليه بنفسه لأنه لو لم يقدّره وأفعل بعف! ما أضيف إليه سواء كانت ما موصولة أو مصدرية يكون الأحسن عملاَ فيتعدّى إليه بعلى أو الباء وحذف الجار غير مقيس عليه وما قيل إنّ أحسن العمل أدناه المندوب فاحترز به عن الحسن وهو المباح إذ لا جزاء له أورد عليه أنه يلزمه حذف الخافض وهو غير مقيس بخلاف حذف المضاف فإنه كثير مقيس وهو مسلم إن لم يقدر قبل أحسن مضاف أي جزاء أحسن كما ذكره القائل في قوله: ليجزيهم الله أحسن ما كانوا يعملون في التوبة لكنه ليس في كلامه هنا ما يدلّ عليه وكون المقام يقتضي الاهتمام بالجزاء لا ينافيه وقد يفسر ما عملوه بما سبق وأحسنيته ظاهرة والموعود بالجرّ أو النصب صف جزاء أو أحسن. وقوله: أشياء تمييز لنسبة الزيادة وقوله: سعة الإحسان إشارة إلى أنّ قوله تعالى: {بِغَيْرِ حِسَابٍ} كناية عن السعة والمراد إنه لا يدخل تحت حساب الخلق وعدهم. قوله: (حالها على ضدّ دّلك)(6/386)
الإشارة إلى ما سبق من حال المؤمنين وجزائهم أحسن الجزاء والضدية في كونها غير مجزى عليها أو معاقب بها والمراد أنها لا ت! طصه من خلود العذاب إن قلنا إنه يجازي على ما يشترط فيه الإيمان أو المراد الأعمال المشروطة به كما سيأتي تفصيله وقوله: يسرب الخ إشارة إلى وجه التسمية وأن السراب بمعنى الجاري في الأصل لأنه في النظر يتوهم كذلك. وقوله: وقيل جمعه أي القاع جمع القيعة وقيعات أمّا جمع قيعة فيرسم بتاء طويلة أو مفرد كفرهاة بمعنى قاع فتاؤه مدوّرة وقيل ألفه للإشباع وأصله قيعة والديمة مطرد أيم بلا برق ورعد والذين كفروا معطوف على ما قبله عطف القصة على القصة أو على مقدر ينساق إليه ما قبله وجملة يحسبه صفة سراب أو مستأنفة وفسر الظمأ بالعطش وقد قيل إنه أشده وكلاهما صالح هنا. قوله: (وتخصيصه لتشبيه الكافو به) أي
تخصيص الظمآن بالذكر مع انه يتراءى لكل أحد كذلك فكان الظاهر الرائي بدله لما ذكر ولم يرد أنّ المراد بالظمان هنا الكافر كما في الكشاف وان صح إوادته أيضا من أنه شبه ما يعمله من لا يعتقد الإيمان بسراب يراه الكافر بالساهرة وقد غلبه عطش القيامة فيحسبه ماء فيأتيه فلا يجده ويجد زبانية الله عنده يأخذونه فيسقونه الحميم والغساق وفي شرحه إنما قيده به ولم يطلقه لقوله: ووجد الله الخ لأنه من تتمة أحوال المشبه به وهو أبلغ لأنّ خيبة الكافر أدخل وأعرق ونحوه مثل ما ينفقون في هذه الحيوة الدنيا الخ فإنّ الكافرين هم الذين يذهب حرثهم بالكلية يعني أنه شبه أعمال الكفار التي يظنونها نافعة وماكها الخيب برؤية الكافر الشديد العطش في المحشر سراباً يحسبه شرابا فينتظم عطف وجد الله أحسن انتظام كما نوّروه وهو تشبيه تمثيلي أو مقيد ولا مفرّق كما توهم فلا يلزم من اتحاد بعض المفردات في الطرفين تشبيه الشيء بنفسه كاتحاد الفاعل في أراك تقدم رجلا وتأخر أخرى فلا وجه لما قيل إنّ جعل الظمآن هو الكافر حتى تطرد الضمائر للظمآن يؤول لتشبيه الشيء بنفسه كما قيل:
وشبه الماء بعد الجهد بالماء
يعني قول بعض الشعراء في حمام:
لله يوم بحمام نعمت به والماءمن حوضه مابينناجاري ...
كأنه فوق مسعاة الرخام ضحى ماء يسيل على أثواب قصار ...
فإنه عيب عليه حتى قال فيه بعضهم:
وشاعر أوقد الطبع الذكيّ له فكاد يحرقه من فرط لألاء ...
أقام بعمل أياما رويته وشبه الماءبعدالجهدبالماء ...
وليس بشيء لما عرفت وكذلك هذا الشاعر فإنه شبه هذا ااهـ خام الأبيض في الحمام بشقة قصار بيضاء جرى عليها الماء ولم يرد تشبيه الماء ولكن لما ذكره في الطرفين جاء بارداً فأشار الشاعر إلى برودته بما ذكره وليس في الآية ما يضاهي ذلك فافهم فإنه من النكات الأدبية. قوله تعالى: {لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا} قيل يجوز أن يكون شيئاً بدلاً من الضمير ويجوز إبدال النكرة من المعرفة بلا نعت إذا كان مفيداً صرّح به الرضي أو حالاً أو وجد من أخوات ظن فشيثا مفعول ثان. قوله: (مما ظته) فسره به إشارة إلى أنّ الحسبان بمعنى الظق وهو المشهور وأن فرق بينهما الراغب بأن الظن أن يخطر النقيضين بباله ويغلب أحدهما على الآخر والحسبان أن يحكم باحدهما من غير أن يخطر الآخر بباله وقيده به لدفع ما يتوهم من التناقض بين مجيئه له وكونه غير شيء ولذا قيل إنّ المراد بكونه غير شيء أنه غير معتد به والتوهم في كلامه مقابل اليقين فيشمل الظن فليس في كلامه شيء ويدفعه أيضاً تقدير مضاف وهو موضعه وإذا لم يقدر فمجيئه
بناء على توهمه وقيل إنّ في جاءه حينئذ إسنادا مجازيا وفيه نظر. قوله: (ووجد الله عنده) أي عند السراب أو العمل لا الظمآن كما قيل وأفرد الضمير باعتبار كل واحد وهذه الجملة معطوفة على لم يجده ولا حاجة إلى عطفه على ما يفيده من نحو لم يجد ما عمله نافعاً وهذا تشبيه بليغ وقع مثله في قول مالك بن نويرة:
لعمري إني وابن جارود كالذي أراق شعيب الماء والآل يبرق ...
فلما أتاه خيب الله سعيه فأمسى بغض الطرف عيمان يشهق ...(6/387)
قوله: (عقابه أو زبانيته الما كان الله منزهاً عن المكان أوّل العندية بما ذكر وظاهر كلامه
دخول هذا وما بعده في التشبيه فيكون المشبه به الكافر الظمآن المعاقب المحاسب فيتحد كلامه وكلام الزمخشري ويتحد مرجع الضمائر ولا يلزم تشبيه الشيء بنفسه لما مر ويحتمل أن يكون بيانا لحال المشبه به الكافر فيعطف بحسب المعنى على التمثيل بتمامه. ولو قيل: على الأوّل إنه من تتمة وصف السراب والمعنى وجد مقدوره تعالى من الهلاك بالظمأ عند السراب فوفاه ما كتب له من لا يؤخر الحساب كان الكلام متناسبا فتدبر وعلى تقدير المضاف زبانيته عبر بما ذكر لزيادة التهويل وقوله أو وجده محاسبا إياه فالعندية بمعنى الحساب على طريق الكناية لذكر التوفية بعده. قوله: (استعراضاً) استفعال من العرض! منصوب على التمييز فتوفية الحساب إتمامه بعرض الكتبة ما قدمه أو مجازاته على عمله وفي نسخة استعواضاً من العوض والأولى أولى وقوله: لا يشغله الخ يعني أنه كناية عن هذا وليس المراد بالسرعة ظاهرها لأنه تعالى لا يوصف بها حقيقة وقوله: روي الخ لا يأباه قوله والذين كفروا لأنه غير خاص بسبب النزول وان دخل فيه دخولاً أوّلياً ولا يرد عليه أنّ السورة مدنية نزلت بعد بدر وعتبة قتل في بدر كما لا يخفى. قوله: (عطف على كسراب) ولا حاجة إلى تقدير مضاف كما قيل أي كأعمال ذوي ظلمات. قوله: (وأو للتخيير الخ) أي في التشبيه وما ذكره الرضي كغيره من أنها تختص بالطلب وان اشتهر فقد ذهب كثير إلى عدم اختصاصه به كابن مالك والزمخشري ووقوعه في التشبيه كثير كما مر تحقيقه في قوله أو كصيب وأنها في الأصل لتساوي شيئين فصاعدا في الشك ثم استعيرت لمطلق التساوي إمّا بطريق المشابهة أو هو من قبيل المشفر وظاهره أنّ الشك ونحوه مستفاد منها لا من عرض الكلام كما ذكره الشريف في حذف المسند إليه وهو ظاهر كلام النحاة والمذكور في الأصول أنه مدلول الأمر وقد جمع بينهما بأنه من سياق الكلام لكنه بواسطتها فنسب لهذا تارة ولآخر أخرى واليه أشار الرضي فما ذكره قدس سره هو التحقيق
وان كان في الكشاف ما ينبو عته فتدبر وقوله فإنّ أعمالهم أي الحسنة بقرينة قوله لاغية. قوله: (أو للتنويع) فكأنه قبل بعض أعمالهم كالسراب وهو الحسن وبعضها كالظلمات وهو القبيح. فقوله: أعماله شامل لهما حينئذ فمن اختار هذا وخصها بأعمال البر لم يصب وفيه إبهام لطيف وقد أورد عليه أنه ياباه قوله ووجد الله عنده لأنّ أعمالهم الصالحة وان سلم أنها لا تنفع مع الكفر لا وخامة في عاقبتها وأجيب بأنه ليس فيه ما يدل على أنّ سبب العقاب الأعمال الحسنة بل وجدانهم العقاب لسبب قبائح أعمالهم لكنها ذكرت جميعها لبيان أنّ بعضها جعل هباء منثورا وبعضها معاقب به مع أنه مشترك الورود لتفسيره وجد الله عنده الخ. ببطلان حسناته وبقاء عقاب سيئاته وقد قيل: إنّ وروده إذ دخل قوله: ووجد الله في التشبيه وليس بمقرر كما مر. ثم إنّ المراد بالحسن الحسن الشرعي لوجوده فيما لا يشترط فيه الإيمان كالبرّ والصدقة لا الذاني كما قيل. قوله: (أو للتقسيم) أي لتقسيم حال أعمالهم الحسنة لا مطلقها وان صح بأنها ني حال لخلوها عن نور الحق كالظلمات وفي أخرى كالسراب لكونها هباء منثورا وخص الأول بالدنيا لقوله ومن لم يجعل الله له نور فإنه ظاهر في الهداية والتوفيق المخصوص بها والآخر بالآخرة لقوله ووجد الله الخ فهو الملائم للنظم وقدم أحوال الآخرة التي هي أعظم وأهمّ لاتصاله بما يتعلق بها من قوله: ليجزيهم الخ ثم ذكر أحوال الدنيا تتميماً لها فلا حسن لما قيل إنه يمكن أن يطلق هذا فيهما فإنها ظلمات فيهما أو يعكس فيكون سرابا حال الموت وظلمات في القيامة كما في الحديث الظلم ظلمات يوم القيامة ويكون ترقيا مناسباً للترتيب الوقوعي. قوله: (لجئي) صفة بحر قدّمت لإفرادها وكذا جملة يغشاه كما ذكره بقوله والجملة صفة الخ وقوله: هذه ظلمات يشير إلى أنه خبر مبتدأ مقدّر وأعربه الحوفي مبتدأ خبره جملة بعضها فوق بعض وردّه ابن هشام بأنه ابتداء بالنكرة من غير مخصص إلا أن يكون تنوينه للتعظيم كما في قوله:
له حاجب في كل أمريشينه
وهو تكلف وقوله على إبدالها من الأولى أي من لفظ ظلمات الأولى وهو على تنوين سحاب وعدم إضافته في قراءة قنبل ولا يحسن جعله تأكيدا للفصل وعلى الإضافة هو من قبيل(6/388)
لجين الماء أو لبيان أنه ليس سحاب رحمة ومطر. وقوله: مرادفة إشارة إلى أنّ الفوقية ليست
حقيقية وجملة إذا أخرج الخ صفة ظلمات. قوله: (لم يقرب الخ) أي لم يقرب من الرؤية فضلاً عنها كما سنحققه والشعر المذكور لذي الرمة من قصيدة حائية له منها:
هي البر والأسقام والهم والمنى وموت الهوى في القلب مني المبرح ...
وكان الهوى بالنأي يمحي فينمحي وحبك عندي منجد ومبرح ...
إذا غيرالنأي المحبين لم يكد رسيس الهوى من حب مية يبرح ...
والنأي البعد وروي الهجر والرسيس الثابت. والمراد القديم العهد وهو من إضافة الصفة للموصوف وفيه إشارة إلى أنّ كاد كغيرها في النفي والإثبات لا أنّ نفيها إثبات وإثباتها نفي مطلقا، أو في بعض الأحوال كما زعمه بعض النحاة، وزعم أنّ ابن شبرمة خطا ذي الرمة في هذا وناداه يا غيلان أراده قد برح ففكر ثم بدله بقوله: لم أجد، واعلم أنه قد جرى في العرف أن يقال ما كاد يفعل ولم يكد يفعل في فعل قد فعل بجهد مع استبعاد فعله. كقوله: فذبحوها وما كادوا يفعلون فلما ورد نفيه على هذا توهم ابن شبرمة وذو الرمة أنه إذا قال لم يكد فقد زعم أنّ الهوى قد برح وليس الأمر كذلك فإنّ الذي يقتضيه لم يكد يفعل وما كاد يفعل أنّ الفعل لم يكن من أصله ولا قارب في الظن أن يكون ولا يشك في هذا وقد علم أنّ كاد موضوعة لشدة قرب الفعل من الوقوع ومشارفته فمحال أن يوجب نفيه وجود الفعل لأنه يؤدّي إلى أن يكون ما قارب كذلك فالنظر إلى أنه إذا لم يكن المعنى على أنّ ثمة حال يبعد معها أن يكون ثم تغيرت كما في قوله: فذبحوها الخ يلتزم الظاهر ويجعل المعنى أنّ الفعل لم يقارب أن يكون فضلاً عن أن يكون فمعنى بيت ذي الرمة أنّ الهوى لرسوخه في القلب وتملكه للنفس بحيث لا يتوهم عليه البراح، وأنه لا يقارب من أن يوجد فضلاً عن الوجود ثم إنهم قالوا في تفسير هذه الآية لم يرها ولم يكد أن يراها فبدؤوا بنفي الرؤية وعطفوا عليها لم يكد لا أنّ سبيله سبيل ما كاد في قوله وما كادوا يفعلون وهو نفي معقب على إثبات وليس المعنى على أنّ الرؤية كانت بعدما كادت لا تكون ولكن أنها ما قاربت الكون فضلاً عنه ولو كان لم يكد يوجب وجود الفعل كان محالاً كقولك لم يرها ورآها، واعلم إن لم يكد في الآية والبيت جواب إذا فيكون مستقبلا واذ قلت إذا خرجت لم أخرج فقد نفيت خروجا في المستقبل فاستحال أن يكون المعنى فيهما على أنّ الفعل قد كان. هذا خلاصة ما حققه الشيخ في دلائل الإعجاز فإذا علمت هذا فنفي كاد أبلغ من نفي الفعل الداخلة عليه لأنّ نفي مقاربته يدل على نفيه بطريق برهاني إلا أنه إذا وقع في الماضي لا ينافي ثبوته في المستقبل وربما أشعر بأنه وقع بعد اليأس منه. كما في قوله: وما كادوا يفعلون وإذا وقع في المستقبل لا ينافي وقوعه في الماضي فإن قامت قرينة على ثبوته فيه أشعر بأنه انتفى نفيا وأيس منه بعد ما كان ليس كذلك كما في هذه الآية فإنه لشدة الظلمة لا يمكته رؤية يده التي كانت نصب عينه فلك أن تقول إنه مراد من قال
نفيها إثبات وإثباتها نفي لأنّ نفيها في الماضي يشعر بالثبوت في المستقبل وعكسه كما سمعته وهذا وجه تخطئة ابن شبرمة وتغيير ذي الرمة لأنّ مراده أنّ قديم هواها لم يقرب من الزوال في جميع الأزمان ونفيه في المستقبل يوهم ثبوته في الماضي فلا يقال إنهما من فصحاء العرب المستشهد بكلامهم فكيف خفي هذا عليهما ولذا استبعده في الكشف وذهب إلى أنّ هذه القصة موضوعة فاحفظه فإنه تحقيق أنيق. وتوفيق دقيق سنح بمحض اللطف والتوفيق. قوله: (والضمائر) يعني في قوله: {إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ} [سورة النور، الآبة: 40] وقوله: من لم يقدر الخ أوّله لئلا يكون كقولك الثابت ثابت ومنهم من قال: معناه من لم يكن له نور في الدنيا لا نور له في الآخرة. وقيل إنه إشارة لما ورد في حديث خلق الله الخلق في ظلمة ثم رس عليهم من نوره فمن أصابه منه اهتدى ومن أخطأه ضل وتنوين نور الثاني للتقليل أي لا شيء له من النور. قوله: (ألم تعلم الخ) قيل هو إشارة إلى أنّ الرؤية هنا علمية لا بصرية وأنّ إطلاقها على الأوّل استعارة أو مجاز بعلاقة اللزوم وإليه أشار في الأساس وفيه نظر لأنهم ذكروا رأي العلمية في نواسخ المبتدأ والخبر(6/389)
وأعملوها بإطراد غير عمل رأي البصرية ولأمرية في أنه حقيقة عندهم والذي في الأساس من المجازر أي بمعنى اعتقد لأنها لا تعمل عمل رأي العلمية وأرأيت وألم تر للتعجب منقولة من البصرية لتعديتها بنفسها إلى واحد أو بإلى نحو أرأيت الذي يكذب بالدين ألم تر إلى الذي حاج إبرهيم في ربه ولذا فسروه بأن هذا مما يتعجب منه، فانظر إليه فجعلها محازا في هذا المقام لا مطلقاً وإن قيل بأنها منقولة من العلمية فلا وجه لتنظيره، والى هذا أشار المصنف بقوله يشبه المشاهدة وأمّا قول السعد رحمه الله: كل من لفظ ألم تر وأرأيت للتعجب إلا أنّ الأولى تتعلق بالمتعجب منه فيقال ألم تر إلى الذي صنع كذا بمعنى انظر إليه فتعجب من حاله والثانية بمثل المتعجب منه فيقال أرأيت مثل الذي صنع كذا بمعنى أنه من الغرائب بحيث لا يرى له مثل فغير مسلم بقسميه. أما الأولى فلأنّ أرأيت يتعلق بغير المثل كأرأيت الذي يكذب بالدين وهي للتعجب منه كما صرحوا به ولا حاجة إلى التقدير وألم تر يتعلق بالمثل ألا ترى إلى قوله: (ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم كيف) عطف عليه.
قوله: (أو كالذي مو على قرية) وإنما قدره الزمخشري بأرأيت لأنّ إلى لا تدخل على الكاف اسمية أو حرفية وهو الذي غره حتى قال ما قال وما المانع من أن يقول ألم تر إلى مثل أبي بكر ونحوه وقوله بالوحي متعلق بتعلم أو بالوثاقة ولا وجه لما قيل: عليه إنّ علمه قد يكون بالمكاشفة أو بنور زائد على نور العقل أو بإراءة الله إياه كما أرى إبراهيم عليه الصلاة والسلام ملكوت السموات والأرض لأنها من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام في حكم الوحي كما لا
يخفى. قوله: (أهل السموات) فاعل ينزه والملائكة والثقلان معطوف عليه لا على العقلاء ولا على تغليب كما قيل أمّا الأوّل فلرفع الثقلان ولأنهم عين العقلاء فلا يصح عطفه بأو وكذا الثاني مع أنّ اللام تعليلية وهي بالنسبة للمعطوف عليه اختصاصية وكل هذا تعسف لا حاجة له وقوله: من لتغليب العقلاء مذا هو الوجه الوجيه وما قيل من أنه لإسناد التسبيح الذي هو من أفعال العقلاء إليهم فلا حاجة إلى التغليب تكلف التغليب أحسن منه لأنه يعني أنّ الكل شبهوا بالعقلاء فهو استعارة لأنهم من ذوي العقول حقيقة أو ادعاء فلا بد من عموم المجاز أو التغليب مع أن التسبيح بتفسيره المذكور لا يختص بالعقلاء. فإن قال بحسب الظاهر فضغث على إبالة. قوله: (بما يدل الخ) فهو من عموم المجاز ولا بدّ منه لعطف الطير عليه. وهذا متعلق بينزه وهو ناظر إلى الوجه الأوّل وسكت عن الثاني لظهوره وعلمه منه وضمير عليه للتنزيه لعلمه من الفعل. قوله: (على الأول الخ) وعلى الثاني هو من عطف المتغايرين وقوله ولذلك أي الصنع والدليل لأنه إنما يظهر في صف أجنحتها ووقوفها في الهواء وباسطة تفسير لصافة وبما متعلق بإعطاء والباء للسببية أو حال والباء للملابسة أو بتقوى لا بصافة لأنّ القبض ضد البسط وقوله: دعاءه تفسير لصلاته والضمير لكل واحد أو لله على إضافتة للمفعول وقوله: كل واحدة أي فرقة واحدة أو ذات واحدة ولو قال كل واحد كان أظهر وقوله: اختيارا أو طبعا راجع للدعاء والتنزيه أو للتقسيم والأوّل ناظر للعقلاء والثاني لغيرهم أو عامّ والمراد بالطبع دلالة الحال. قوله: (لقوله) تعليل لرجوع ضمير علم إلى الله تعالى لأنه مسند له هنا فيكون فيما قبله وهو فاعل علم لذلك ولا وجه لما قيل إنه يقتضي خلافه لأنّ التأسيس أولى من التأكيد لأنه ليس بتأكيد إذ هو أعم مما قبله والأكثر في الفواصل التذييل بالأعم. قوله: (أو علم كل) إشارة إلى الوجه الثاني وهو رجوع ضمير علم إلى كل. وقوله: على تشبيه حاله أي حال كل وظاهره أنّ المراد به كل طير أو كل منها ومن الملائكة والثقلين لا كل مسبح وداع بلسان الحال ليشمل الجماد إذ لا علم له وإن جاز لأنّ الدلالة على الحق أي الله شاملة للجميع والميل الطبيعي إلى النفع في الحيوانات وقد يوجد في الجماد كميل الأشجار إلى المياه ونحوه وعليهما فالاستعارة تمثيلية لا تبعية. وذلك إشارة إلى المذكور وهو صلاته وتسبيحه وضمير صلاته وتسبيحه إلى كل أو إلى الله وليست الدلالة إشارة إلى التسبيح والميل إشارة إلى الدعاء فإنه غير مناسب للتمثيل وان
صح. وقوله: على وجه يخصه متعلق بكل من الدلالة والميل والمقصود بيان إضافة صلاته وتسبيحه على وجه يكون له دخل في التشبيه. قوله: (مع أنه لا يبعد الخ) هذا دليل على إرادة كل الطير أو هي والملائكة والثقلين وهو الظاهر إذ لو أريد كل من في السموات(6/390)
والأرض كان قاصرا مع أنه قيل إنّ فيه جمعا بين المجاز والحقيقة والمصنف رحمه الله يجوّزه وما قيل عليه إنه ليس في لك لأنّ العلم على حقيقته وإنما يلزم على الوجه الذي قبله مع أنه مخالف للظاهر لدعوى الهام الجماد يأباه كلامه. قوله: (فإنه الخالق) فهو المالك الحقيقي والصفات والأفعال أي الموجودة فيها وقوله: من حيث تعليل لكونه خالقهما وما فيهما مع الإشارة إلى ما عليه المحققون من أنّ علة الاحتياج الإمكان وقوله: واجبة الانتهاء قصر لمسافة الدليل وارخاء للعنان مع مناسبته. قوله: (وإلى الله المصير (وألا فعند أهل الحق لا علية ولا شرطية بين الممكنات والكل مستند إليه ابتداء بلا واسطة. قوله: (يزجي سحاباً يسوق) في الدرر والغرر الرضوية هو السوق الضعيف الرفيق يقال أزجي إزجاء وزجى تزجية ومنه بضاعة مزجاة أي مسوقة شيئاً بعد شيء على قلة وضعف. وقوله: يزجيها كل أحد بتشديد الجيم وتخفيفها أي يدفعها لرغبته عنها أو يقدر على سوقها وايصالها. وقوله: فزعاً قطعاً متفرقة بفتح القاف والزاي جمع قزعة. وقوله: وبهذا الاعتبار أي لأنّ المراد قطع السحاب وأجزاؤه فصح إضافة بين التي لا تضاف لغير متعدد إلى ضميره كما أوّل قوله: بين الدخول فحومل. وقد قيل: أيضاً سحاب جمع سحابة أي اسم جنس جمعي فلا يحتاج لتأويل وقوله: جمع خلل وقيل إنه مفرد كحجاب. والفتوق جمع فتق وهو الشق وفيها صفة جبال. قوله: (من قطع الخ) على التشبيه البليغ وقد فسرها بعضهم بالغمام أيضاً ومن الغريب قول الأصبهاني إنّ الجبال ما جبله الله أي خلقه من البرد واللغة لا تساعده كما قاله الرضي في درره وفي الكشاف إنّ المراد به الكثرة كما يقال عنده جبل من ذهب وعظام جمع عظيم كنديم وندام كما في ضرام السقط وظنه بعض الجهلة لم يسمع إلا في جمع عظيم وهو خطأ. قوله: (مبتدأمن السماء) يشير إلى أنّ من
الأولى والثانية ابتدائية والجار والمجرور الثاني بدل من الأوّل بدل اشتمال أو بعض وقدر فيها لأنه لا بد له من رابط. وقوله: وبجوز الخ أي فمن الثانية تبعيضية والأولى ابتدائية أو هما للتبعيض وأحدهما واقع موتع المفعول لكونه صفة أو مؤوّلاً ببعض والآخر بدل منه. وقوله: ليس في العقل الخ أي فيجوز إبقاؤ. على ظاهر. والتفسير به. وذكر المصنف في البقرة أنّ الماء يبتدأ من أسباب سماوية تثير أجزاء رطبة إلى الجو فينعقد سحابا ماطراً، وقد ينعقد برداً. وقوله: والمشهور أي بين أهل الحكمة والبخار أجزاء هوائية يمازجها أجزاء مائية. وقوله: لم تحللها حرارة أي من الشمس فإن حللتها انقلبت هواء والطبقة الباردة هي الزمهريرية. وقوله: وقد يبرد الهواء إشارة إلى قول الحكماء إنه قد يحدث المطر من غير بخار لغلبة البرد على الهواء وحينئذ لا ينعقد برد الشدة البرد ولذا لم يذكره. وقوله: اجتمع أي من البخار. وقوله: وكل ذلك الخ ردّ على من قال إنه لأسباب ومعدات من الطبيعة. قوله: (وقرئ بالمذّ) المقصور بمعنى الضوء والممدود بمعنى العلو والشرف فهو كناية عن قوّة الضوء. وقوله: جمع برقة وهي مقدار منه لأنّ فعلة بالفتح للمرّة وبالكسر للهيئة وبالضم للقدر كما في درة الغواص واليه أشار المصنف رحمه الله. قوله: (توليد الضد الخ) أي البرق الذي هو نار أو منير من السحاب الذي هو ماء منعقد أو ظلمة من نور أو ذهاب البصر من النور الذي به الأبصار وقوله: وقرئ يذهب أي بضم الياء من الإذهاب المتعدي بالهمزة والباء زائدة إذ لا يجتمع أداتا تعدية وان جوّزه بعضهم. وقيل: الباء بمعنى من كقوله:
شرب النزيف ببر دماء الحشرح
والمفعول محذوف أي يذهب النور من الأبصار وقوله: لدلالة على وجود الصانع إذ لا
بد له من محدث قديم وكمال قدرته لتوليد الضد من ضدّه واحاطة علمه لكونها أفعالاً متقنة
ونفاذ مشيئته تصرفه وأصابته كما يريد وتنزهه عن الاحتياح لأنه إنما يفعله للاعتبار. قوله: (لمن يرجع إلى بصيرة) أي لمن له بصيرة يراجعها ويعملها وفيه إشارة إلى أنّ البصر هنا بمعنى البصيرة كما ذكره الراغب وغيره. ومن قال إنه لوضوح دلالته قال الأبصار دون البصائر أبقاه على أصله لتبادره منه لكنه ذهب عنه حسن التجنيس ولزوم ما هو كالإيطاء. وقد قيل إنه ليس في القرآن جناس تام غير هذه الآية. وقوله: ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة وفيه كلام في الإتقان ناشىء من عدم الإتقان. قوله: (حيوان يدب على الأرضى) إشارة إلى أنّ التاء للنقل(6/391)
إلى الاسمية لا للتأنيث. وقيل دابة واحد داب كخائنة وخائن. وقوله: من ماء إمّا على ظاهره، أو المراد به النطفة لأنه يطلق عليها قيل والتنكير في ماء الأوّل للإفراد النوعي. وفي الثاني شخصي ولا مانع من حمل الأوّل على الشخصي كما ذكره أهل المعاني. وقوله: متعلق بدابة هو قول القفال رحمه الله أي تعلقاً معنويا لأنه صفة بمعنى كائنة من ماء فلا يرد عليه أنّ مقام الاستدلال على كمال القدرة لا يناسبه فتامّل. قوله: (تنزيلاَ للغالب الخ) فكلمة كل للتكثير وهو كثير كما في قوله يجبي إليه ثمرات كل شيء وقد يراد بها التعدد كما في شرح المفتاح في قوله عام النسبة إلى كل مسند إليه كما ذكره الشريف وقيل: إنه يجوز أن يراد بالداية ما يخلق بالتوالد بقرينة من ماء أي نطفة. كقوله: (كل شيء حغ) إذا أريد ما به الحياة بقرينة حي لأنه موصوف معنى بمتوالدة لقيام قرينة السياق والعقل فلا غبار عليه كما توهم ولذا اختار القفال رحمه الله كونه صفة فافهم. قوله: (سمي الزحف مشياً على الاستعارة) في الكشاف على سبيل الاستعارة كمشي أمره كاستعارة الشفة مكان المشفر فهو مجاز مرسل وإن أريد شفة تشبه المشفر في الغلظ فهو استعارة كما في الكشف واستعماله لمطلق الشفة لا ينافي إرادة شفة الإنسان منه باعتبار أنه فرد من أفراد المطلق كما يقال لزيد رجل كما نبه عليه المحقق في شرح المفتاح فما قيل إنّ هذا ليس من قبيل ذكر المقيد وإرادة المطلق لأنّ خصوص الزحف مقصود هنا ظاهر السقوط. قوله: (للمشاكلة) في نسخة أو المشاكلة وأورد على الأوّل أنّ
المشاكلة البديعية لا يصار إليها عند صحة الاستعارة البيانية وردّ بأنه لا مانع مما ذكره فإنّ المشاكلة جامعة للحسن الذاتي والعرضي وليست بديعية محضة فلا أقل من أن تكون أدنى حالاً من الاستعارة مع أنه لا حجر في محتملات الكلام وان قوي بعضها وقد اعتنى هذا المعترض باعتراضه في رسالته المشهورة بناء على أنّ الحسن الذاتي يأبى كونه عرضيا وليس بشيء عقلا ونقلا. قال في المفتاح أمّ حسن الاستعارة التخييلية فبحسب حسن الاستعارة بالكناية متى كانت تابعة لها كفلان بين أنياب المنية ومخالبها ثم إذا انضم إليها المشاكلة. كقوله: (يد الله فوق أيديهم) كانت أحسن وأحسن ولا فرق بين استعارة واستعارة وتحقيقه في الشرح. قوله: (ويندرج فيه ماله كثر الخ) وهذا باعتبار الأكثر فيما يعتد به فلا يرد أمّ أربع وأربعين مع أنّ مفهوم العدد غير معتبر ومن التبعيضية. قوله: ( {يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاء} ) صريح في أنّ له تعالى مخلوقات أخرى على هيآت لا يعلمها إلا هو فلا حاجة إلى مثل هذه التكلفات. قوله: (وتذكير الضمير) في منهم إذ لم يقل منها قال الرضي: بعدما ذكر أنّ من في وجوهها لذوي العلم ولا تفرد لغيره وتقع على ما لا يعلم تغليبا ومنه فمنهم من يمشي على بطنه لأنه قال: فمنهم والضمير عائد على كل دابة فغلب العلماء في الضمير ثم بني عليه فقال: من يمشي الخ والمذكور في الأصول والعربية كما في المغني أنّ التغليب لأجل الاختلاط أطلقت من على ما لا يعقل في نحو فمنهم من يمشي على بطنه الخ فإنّ الاختلاط حاصل في العموم السابق في كل دابة وفي من يمشي على رجلين اختلاط آخر في عبارة. التفصيل فإنه يعم الإنسان والطائر اص. وظاهره أنّ في قوله: (كل دابة) تغليبا وهو غير مراد بل الظاهر بل المقصود أنه لما شمل العقلاء وغيرهم على طريق الاختلاط لزم اعتبار ذلك في الضمير العائد عليه وتغليب العقلاء فلا حاجة إلى أن يقال إنه لما اعتبر حكم العقلاء في ضميره لزم اعتباره فيه ولا يلزم كون التغليب مجازا فالمراد بالتفصيل من ومن ومن وبالإجمال ضميرهم لا دابة كما توهم فاعترض! بأنّ الموافقة تحصل بالتعبير يلفظ ما لا يقال الضمير واقع في أثناء التقسيم والتفصيل فكيف يسمى إجمالاً والتعبير بمن بعد جعلهم بواسطة الضمير في حكم العقلاء كالترشيح والتخييل له فلا تغليب فيه وإنما سمي تغليباً لابتنائه عليه لأنا نقول لما كان الضمير عبارة عن كل دابة صح جعله إجمالاً والتغليب إنما هو في ضميره ولذا اقتصر عليه المصنف رحمه الله وأما من فلا تغليب فيها إلا فيمن يمشي على رجلين. ولو جعل من التعبير به موافقة لضمير العقلاء على نمط بل أنتم قوم تجهلون صح فتدبر. قوله: (والترتيب لتقديم ما هو اعرف في القدرة) أي أعظم ما تعرف به القدرة الإلهية وفي نسخة أغرب من الغرابة وفي أخرى أعرق من العراقة وهي الأصالة لمشيه بغير آلة(6/392)
أي لانتقاله وتحرّكه بدونها وهو صعب مستغرب. ومن الغفلة ما قيل إنه غفول عن أنّ المشي مستعار للزحف فإنّ الزحف مثله فتأمّل. قوله: (بسيطاً) كالعناصر
والمركب ما تركب منها وعلى اختلاف متعلق بيخلق وهو تفسير لقوله: ما يشاء وفي قوله لقد أنزلنا التفات. وقوله: للحقائق تقدير لمتعلق له مناسب لما قبله وان صح جعله بمعنى واضحات في نفسها. والدلائل مما تدل عليه الآيات. قوله: (نزلت الخ) قد مر في سورة النساء إنه خاصم يهوديا فدعاه اليهودي إلى النبي صلى الله عليه وسلم ودعا المنافق إلى كعب بن الأشرف ثم تحاكما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فحكم لليهودي فلم يرض المنافق بقضائه وقال نتحاكم إلى عمر فلما ذهبا إليه قال له اليهودي: قضا لي النبي صلى الله عليه وسلم فلم يرض بقضائه فدخل عمر رضي الله عنه بيته وخرج بسيفه فضرب عنق المنافق فجمع الضمير لعموم حكمه أو لأنّ معه من يشايعه في مقالته فهو كقولهم: بنو فلان قتلوا قتيلاً وكعب بن الأشرف من كبراء اليهود وقوله: أن يحاكم بصيغة المجهول أو المعلوم. قوله: (وأطعنا لهما) أي انقدنا لهما ولحكمهما. وقوله: قبول حكمه أي الرسول صلى الله عليه وسلم أو الله أو هما لاتحاد حكمهما. ويتولى بمعنى يعرض وثم للاستبعاد. وقولهم: هو أطعنا وقوله: إشارة إلى القائلين يعني والمراد بهم المنافقون المذكورون في قوله: (يقولون آمنا الخ) ونسبة التولي والإعراض عن الإيمان إلى فريق منهم مع أنّ جميعهم كذلك لإظهارهم ذلك كما في سبب النزول. وقوله: أو إلى الفريق منهم لا بأسرهم أي من المنافقين وهم المذكورون بقوله: (فريق منهم) وضمير يقولون للمؤمنين مطلقا. قوله: (وسلب الإيمان) أي في قوله: (وما أولئك بالمؤمنين) قيل عدم إيمانهم ليس لتوليهم لاقتضائه الفاء بل الأمر بالعكس وردّ بأنه فرق بين العدم والسلب ومقابل الأوّل الوجود والثاني الإيجاب والمراد الحكم بانتفاء اسم الإيمان لظهور أمارة التكذيب الذي هو التولي يعني أنه ذكر بعده ليتضح لنا وجه الحكم بنفي الإيمان عنهم فتأمّله. قوله: (والتعريف الخ) جعله للعهد لأنه في المنافقين وهم
مؤمنون ظاهراً أو المراد الثابتون على الإيمان في السر والجهر أو لأنّ توليهم عن قبول حكمه كفر بعد إيمان وضمير دعوا يعود إلى ما يعود إليه ضمير يقولون. قوله: (ليحكم النبي) ففاعله ضمير الرسول صلى الله عليه وسلم. وقوله أو المدعوّ إليه فالضمير يعود إلى ما يفهم من الكلام وهو شامل لهما لكنه في الحقيقة الرسول فذكر الله لتعظيمه الخ على الوجهين لأنه إذا ذكر اسمان متعاطفان والحكم إنما هو لأحدهما كما قرروه في نحو يخادعون الله والذين آمنوا وسرني زيد وحسن حاله أفاد قوّة اختصاص المعطوف بالمعطوف عليه وأنهما بمنزلة شيء واحد بحيث يصح نسبة أوصاف أحدهما وأحواله إلى الآخر ولا كذلك البدل في نحو أعجبني زيد كرمه لأنّ الثاني مقصود بالنسبة كما قرره شراح الكشاف ولما قال الزمخشري هنا يعني إلى الله ورسوله كقولك: أعجبني زيد وكرمه تريد كرم زيد توهموا من إسقاط المعطوف عليه في التفسير إنّ المعطوف هو المقصود بالنسبة. وهذا شأن البدل وما نحن فيه طريقة أخرى فاعترض عليه ولم يهتد إلى أنه ليس مقصودا وحده بالنسبة لفوات الدلالة على قوّة الاختصاص كما مر لكنه في نفس الأمر وحقيقة الحال هو المقصود لا كقصد البدل فإسقاطه إشارة إلى هذا ومن لم يقف على مراده قال: ليس المثال الذي ذكره الزمخشري من الإبدال في شيء فإنه طريقة العطف للتفسير وفائدته التعظيم وفي قوله: للتفسير نظر. قوله: (والدلالة على أن حكمه الخ الما عرفت من أنّ فائدة هذا الأسلوب الدلالة على قوّة الاختصاص المسوّغ لإسناد ما لأحدهما للآخر ومن لا يتنبه له قال: إنّ الدلالة إنما تظهر إذا أعيد الضمير المفرد إلى الله ورسوله وأمّا في مجرد ذكر الله فلا. قوله: (فاجأ فريق الخ) بيان لأنّ إذا فجائية. وقوله: إذا كان الحق عليهم قيد. به لعلمه من سبب النزول والتعبير بإذا في جانب الباطل إشارة إلى تحققه بخلاف جانب الحق فلذا عبر فيه بان. وقوله: وهو شرح الخ يعني قوله: إذا دعوا الخ لأنه بيان لأنّ إعراضهم إذا حكم عليهم والمبالغة من جعل المفاجاة إلى الإعراض عقب الدعوة دون الحكم عليهم والتعبير بالاسمية وما قيل: من أنّ الأولى أن يقال إذا اشتبه الأمر حالاً وان كان الحكم لهم مآلاً ولذا قال: بينهم لا عليهم إشعاراً بأنّ إعراضهم(6/393)
شامل لصورة الشك لا يناسب سبب النزول وسوق الكلام ومقابلته لقوله لهم الحق ولا ما سيأتي من نفي ريبهم والنكتة في اختيار بينهم دون عليهم لأنّ المتعارف قول المتخاصمين اذهب لتحكم بيننا لا علينا وهو الطريق المنصف. وقوله: لا عليهم من تقديم الخبر وقوله: أو لمذعنين وإلى بمعنى اللام أو هو متضمن معنى الإسراع وتقديم صلته لما ذكر أو للفاصلة أو لهما. قوله: (بأن رأوا الخ الم يفسره بالشك في نبوّته كما في
الكشاف لدخوله في مرض القلب. وتقديم عليهم على الرسول في النظم قيل إنه لإظهار أنه لو وقع منه لكان من الله لأنه مظهر لا مثبت. وأورد عليه أنه لا يناسب قوله لأنّ منصب نبوّته الخ وأيضاً هم يخافون حيفة نفسه فلا يتم الحصر فهو لتأكيد أنّ حكمه حكم الله ولا يخفى عدم ورود. وأنّ مآل ما ارتضاه إلى ما أنكر. فتأمّل. قوله: (إضراب عن القسمين الآخيرين) ذهب الإمام إلى أنّ أم منقطعة والمصنف والزمخشريّ: إلى أنها متصلة والمقصود التقشم لكنهما اختلفا في إضراب بل فذهب الزمخشري إلى أنه عن الأخير والمصنف إلى أنه عن الأخيرين والطيبي إلى أنه عن الجميع والتقسيم والأوّل أدلّ على ما كانوا عليه وأدخل في الإنكار من حيث إنه يناقض شرعهم إليه إذا كان الحق لهم على الغيرة وحصر الظلم فيهم ناطق به وأما أنه لا يدل على تعين الأوّل والمقام يقتضيه ولذا خالفه المصنف كما قيل، ففيه أنه إذا أبطل خوفهم الحيف استلزم إبطال الارتياب، وتعين الأوّل ليس بلازم إذ نفى الإيمان عنهم قبله مغن عنه وعلى الأخير فالإضراب انتقاليّ والمعنى ح هذا كله فإنهم هم الكاملون في الظلم الجامعون لتلك الأوصاف فلذا أعرضوا عن حكمك بدليل اسم الإشارة والخطاب وتعريف الخبر وتوسط الفصل لأنه لو كان للأوّلين لأعرضوا عنه والحق لهم ولو كان للثالث لم يناسب لعلمهم بأمانته وثباته على الحق فتامّل. قوله: (منصب نبوّته) أي شرفها وعلوها كما مر وكذا شرعهم إليه والحق لهم. وقوله: وظلمهم الخ الظاهر أنه دفع لما يقال من أنه إذا بطل الأخيران كان الأوّل مثبتاً والمثبت هنا الظلم وهو غيره فهو لإبطال الأخير بإثبات الظلم والحيف لهم دون غيرهم بأنّ المرض فسر بالكفر والميل إلى الظلم والكافرون هم الظالمون. قوله: (والفصل) أي الإتيان بضمير الفصل المفيد للحصر على معنى أنهم الكاملون في الظلم. وقوله: سيما الخ ربما يشعر بأنه إضافي والمدعو لحكمه هو الرسول صلى الله عليه وسلم. قوله: (تعالى إنما الخ) الحصر لأنّ هذا شأن من آمن وكان بمعنى لاق به وانبغى له كما صرح به المصنف فلا حاجة إلى تفسير المؤمنين بالخاص منهم كما قيل وان صح أيضاً نعم قولهم أطعنا مفسر بالثبوت أو الإخلاص لصدور مثله عمن قبلهم أيضا. قوله: (وقرئ قول بالرفع) في الكشاف وقراءة النصب أقوى لأنّ
أن يقولوا أوغل في التعريف فهو أولى بكونه مبتدأ ويجوز خلافه أيضا وذلك لأنه لا يكون إلا في تاويل مصدر معرف وأمّا كون الفعل لا يوصف بتعريف ولا تنكير فلا يضر كما توهم وأمّا كونه لا يوصف كالضمير فلا دخل له في الأعرفية وهذا بناء على أنّ المصدر المسبوك معرفة أبداً قال الدماميني: ولا يظهر له دليل فإنّ المصدر المؤول به يجوز أن لا يقدّر مضافا كما جعل قوله: {وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ} أن يفتري بمعنى افتراء. وقد ذكر في باب النعت أنّ جواز تنكيره مذهب الفارسي مع أنه قد يقدّر إضحافته لنكرة كما يؤوّل أن يقوم رجل بقيام رجل مثلا ففي ما ذكره شراح الكشاف هنا نظر وقد تناقض كلام المغني في هذه المسألة وقد قيل إنّ قراءة الرفع أقعد لأنّ جعل ما هو أكثر فائدة مصب الفائدة أولى وفيه نظر. وقراءة ليحكم مجهولاً مناسبة لدعوا معنى لعدم ذكر الداعي والحاكم. قوله: (في الفرائض والسنن) هذا منقول عن ابن عباس رضي الله عنهما ويحتمل اللف والنشر وقوله: على ما صدر الخ تعليلية كقوله: (اذكروا الله على ما هداكم) لا علاوة لفساده. وقوله: فيما بقي من عمره لأنّ الاتقاء يكون في الآتي بخلاف الخشية. قوله: (وقرأ يعقوب الخ) والباقون بخلافه بكسر القاف وياء وصل بعدها الضمير وقوله بلا ياء أي ياء وصل والهاء ضمير لأنّ قبله ساكنا تقديراً فجعل كمنه وعنه إذ لو كان تحركا كبه وله لم يحذف فجعل المحذوف للجزم في حكم الباقي. وقوله: بسكون الهاء قيل وهي للسكت وقوله بسكوت القاف الخ فأعطى تقه حكم كتف لكونه على وزنه فخفف بتسكين وسطه لجعله ككلمة(6/394)
واحدة وقال ابن الأنباري إنه لغة لبعض العرب في كل معتل حذف آخره بجعله منسيا ويعطي حكم الآخر لما قبله فيقولون لم أر ولم أبل بسكون الراء واللام فلا يختص بهذا الوزن والهاء إما للسكت حركت لالتقاء الساكنين أو ضمير وكان القياس ضمها حينئذ كمنه لكن السكون لعروضه لم يعتد به ولئلا ينتقل من كسر لضم تقديراً وضعف الأوّل لتحريك هاء السكت واثباتها في الوصل.
قوله تعالى: {وَأَقْسَمُوا} الخ عود إلى بيان حال المنافقين الممتنعين عن قبول حكمه وقوله جهد أيمانهم منصوب على الحالية أو هو مصدر لأقسموا من معناه وهو مستعار من جهد نفسه إذ أبلغ وسعها أي أكدوا الإيمان وشددوها هذا محصل ما في الكشاف وشروحه. وقوله: في المائدة جهد الإيمان أغلظها لا ينافيه كما توهم فتأمّل. قوله: (بالخروج الخ) قدره بقرينة جواب القسم ومنهم من خصه بالخروج للغزو وقوله: على الحكاية أي حكايته بالمعنى وأصله لنخرجن بصيغة المتكلم مع الغير ليس المراد حكاية الحال الماضية وأصله لخرجنا لأنّ المعتبر
زمان الحكم وهو مستقبل فيه. قوله: (أي المطلوب الخ) قد اختلفوا في إعرابه فقيل إنه مبتدأ محذوف الخبر أي طاعة معروفة أمثل بكم أو خير أو خبر مبتدأ مقدّر أي المطلوب منكم طاعة معروفة أو طاعتكم طاعة معروفة. وقيل: مرفوع بفعل مقدر أي لتكن طاعة معروفة منكم وهذا الاختلاف مبني على تفسير معروفة لأنها فسرت بأنها معروفة بالخلوص ومواطأة الجنان وبأنها معروفة منهم بأنها على طرف اللسان بقرينة أنها في أهل النفاق. وقال البقاعي: لا تقدير فيه وطاعة مبتدأ خبره معروفة وسوّغ الابتداء بالنكرة أنها أريد بها الحقيقة فتعم والعموم من المسوّغات ولم تعرف لئلا يتوهم أنّ تعريفها للعهد والجملة تعليل للنهي أي لا تقسموا فإنّ الطاعة معروفة منكم لا تخفى وكذا المعصية فلا فائدة في إظهار ما يخالف الواقع كما ورد في الحديث ما من عامل عملاً إلا كساه الله رداءه ونحوه وهو معنى حسن لكنه خلاف الظاهر. قوله: (على أطيعوا طاعة) أي تقديره وطاعة بمعنى إطاعة كما في أنبتكم نباتاً وقوله: على الحكاية متعلق بتبليغ فالمعنى قل لهم قال الله: كذا وهذا لاقتضاء قوله فإنما عليه ما حمل الخ والمبالغة في التبكيت لأنه أمر من الله بالدّات وهو أبلغ وكذا إيراد لفظ الرسول وتكرير الفعل فإنّ مقتضى الرسالة منه وجوب الإطاعة ولا يفيد هذا لو قال: أطيعوني وقوله: فإن تولوا إما جواب كقوله: وما بكم من نعمة فمن الله أو قائم مقامه وأصله تتلوا على الخطاب التفاتا لقوله عليكم وان تطيعوه تهتدوا وكان أصله تولوا على الغيبة ومقتضاه عليك وعليهم ففيه التفات من هذا الوجه لأنه جعلهم غيباً حيث أمر الرسول بخطابهم يقل لهم ثم خاطبهم بأن تولوا استقلالاً من الله لا من نبيه صلى الله عليه وسلم فهو التفات حقيقي لا جار مجراه كما قيل لأنه وان كان خطابا بحسب الظاهر في حكم الغيبة لأنه محكي فالظاهر قد يتجه مع أنه التفات وقد يختلف بلا التفات وهو من بديع المعاني. وقيل: إنه من تلوين الخطاب إذ عدل عن خطاب الرسول عليه الصلاة والسلام إلى خطابهم بالذات فليس مندرجا تحت القول. وقوله: على محمد قيل الظاهر على الرسول وهو سهل وقد يوجه بأنه للتنبيه على أنه المراد بالرسول. وقوله: من الامتثال إشارة إلى أنّ فيه مشاكلة أو شبهها لأنّ حمل بمعنى كلف والمراد بقوله فإنما الخ أنكم لا تضروه بمخالفتكم وإنما ضررتم أنفسكم لتعريضها للسخط والعذاب. قوله: (الموضح الخ (فهو متعد أو المعنى البين في نفسه فهو لازم كما في الكشاف وتركه المصنف رحمه الله لأن هذا أنسب
بمقام التبليغ. قوله: (خطاب للرسول صلى الله عليه وسلم وللامّة) أمّة الرسول أمّة دعوة وهم من بعث إليهم مطلقاً وأمّة إجابة وهم من آمن به ويصح كل منهما هنا سواء قلنا الخطاب الشفاهي يخص الموجودين في زمته أم لا لوجودهما في عصره وبعده فلا وجه لما قيل إنه يعني أمّة الإجابة على مذهب من لا يخص الشفاهي بالموجودين في زمنه ويجوز أن يراد به أمّة الدعوة الموجودين في عهده فلا يخص المؤمنين فمن تبعيضية. قوله: (ومن للبيان) وقيل للتبعيض أي المهاجرين منهم فإنهم الخلفاء وهذا على الوجه الثاني وقيل على التقديرين أن أريد بالأمّة أمّة الإجابة والا نعلى الثاني وفيه نظر وفيه تنويع للخطاب خاطب القسمين على تقدير التولي ثم صرف الخطاب عنهم إلى المؤمنين الثابتين وهو(6/395)
كالاعتراض فلما ذكر أنه ينبغي أن يأمرهم بالطاعة كفاحا ولا يخاف مضرّتهم كده بأنه هو الغالب ومن معه فليس للخوف مجال ولا يجوز أن تكون من تبعيضية حينئذ كذا في الكشف مع وجه آخر لم يرتضه ثم إنه قدم من ومجرورها هنا وآخرهما في الفتح إشارة إلى أنّ مدار الاستخلاف الإيمان فإنّ الخليف لا ينعزل بالفسق ومدار المغفرة والأجر العظيم الإيمان والعمل الصالح معاً كما قدم المفعول على المعطوف في قوله: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ} [سورة البقرة، الآية: 127] إشارة إلى أنّ الرافع إبراهيم وإسماعيل تبع له. قوله: (تقديره الخ) فالمفعول محذوف دلّ عليه جواب القسم أي استخلافهم وتمكينهم لأنّ وعد يتعدى لمفعولين وعلى الثاني ليستخلفنهم منزل منزلة المفعول وما في كما استخلف مصدرية وهو صفة لمحذوف أي اسنخلافا مثل استخلافهم. وقوله: بعد الجبابرة أي بعد إهلاكهم قيل واستخلافهم بمصر وتملكهم لها مخالف لما في التواريخ. قوله: (بالتقوية والتثبيت) يشير إلى أنه مأخوذ من المكان لكن أجريت فيه الميم مجرى الحروف الأصلية كتمسكن وأصله جعل الشيء في مكان ثم استعمل في لازمه وهو الثبوت والتقوية والمكنة. وقوله: من الأعداء متعلق بخوفهم وهو بمقتضى البشرية ولذا قال الله: لنبيه صلى الله عليه وسلم والله يعصمك من الناس وقرىء ليبدلنهم بالتخفيف من الإبدال. قوله: (عشر سنين) قيل إنه مخالف لما اشتهر من أنه صلى الله عليه وسلم أقام بمكة ثلاث عشرة سنة وموافق لمن قال
عمره صلى الله عليه وسلم ستون سنة فإنه بعث على رأس أربعين وأقام بالمدينة عشر سنين بلا خلاف (قلت) اختلفت الروايات في سنه صلى الله عليه وسلم فقيل: ثلاث وستون وقيل: ستون والأوّل أصح وقد جمع بين الأقوال بأنها ستون وأشهر فمن قال: ستون لم يعد الكسور من زاد عدها وتفصيله في كتب الحديث. وقوله: فأظهرهم أي غلبهم عليهم. قوله:) وخلافة الخلفاء الراشدين) معطوف على صحة أو النبوّة والمآل واحد وهو ردّ على الرافضة والشيعة لأنه خطاب لمن في حضرة الرسالة وما وعد. الله امتنانا لا بد من صحته وقد وعد به جمع منهم ولا يلزم عموم الاستخلاف للمخاطبين بل وقوعه منهم كبنو فلأن قتلوا قتيلاَ فلا ينافي عموم الخطاب وكون من بيانية كما مرّ ولا ينافيه ما وقع في خلافه عثمان وعليّ رضي الله عنهما من الفتن فإنّ المراد أمنهم من أعداء الدين وهم الكفار كما سيأتي والموعود عليه الإيمان والعمل الصالح وكما له فيهم فإنّ وصفهم بهما يشعر بمدخليتهما في ذلك. وقوله: في الآخرة قيد للعذاب والأمن وخوفه في الدنيا. قوله: (حال من الذين) أي الأوّل بقرينة قوله لتقييد الوعد لأنهم هم الموعودون أو من ضميرهم. وقوله: بالثبات على التوحيد لأنّ ما في حيز الصلة من الإيمان والعمل الصالح بصيغة الماضي لما دل على أصل الاتصاف به جيء بقوله: يعبدونني المضارع الدال على الاستمرار التجذدي حالاً منه مقيد بلا يشركون بي شيثا مما يشرك به أو شيئاً من الإشراك فهو مفعول به أو مطلق. قوله: (أو استئناف) أي بيانيّ كأنه قيل ما لهم يستخلفون ويؤمنون فقيل يعبدونني كما في الكشاف وأورد عليه أنّ المقتضي قد بين حيث رتب الحكم على الموصول الدال على علية مضمون الصلة فلا وجه للاستئناف وليس هذا بشيء لأنّ علية الصلة للاستخلاف وعلية هذا لاستخلافهم في أمن الأعداء ومآله إلى تعليل الأمن فقوله: يؤمنون من الأمن لأمن الإيمان وهذا ناشىء من عدم التدبر فتدبر. قوله: (حال من الواو) أو من الذين أو بدل من الحال أو استئناف. وقوله تعالى: {وَمَن كَفَرَ} معطوف على جملة وعد أو على مقدر أي من آمن هم الفائزون ومن كفر الخ. وقوله: (ومن ارتدّ الخ) إشارة إلى أنه من الكفر أو الكفران ولا يتوهم أن يكون المرتد من الخلفاء لما من الله به عليهم من التمكين في الدين. قوله: (الكاملون في فسقهم) توجيه للحصر بأنه باعتبار الكمال. وقوله: (حيث ارتدّوا الخ الف ونشر لتفسير الكفر السابق. وقوله: في سائر ما أمركم به أي غير ما ذكر. وقوله: ولا يبعد الخ
فيه إشارة إلى جواز عدم العطف عليه فقيل هو حينئذ معطوف على يعبدونني ولا وجه له لأنه بعد تسليم الالتفات وجواز عطف الإنشاء على الخبر لا يناسب هذا كونه حالاً أو استئنافا فهو إمّا عطف كما ذكره على أطيعوا أو على مقدر كاعبدوا ولزوم عدم الوقف بينهما مع نقل خلافه ليس بشيء.(6/396)
قوله: (فيكون تكرير الآمر الخ) المراد بالتعليق التعليق المعنوي لأنه تعليل له. وقوله: أو بالمندرجة أي بجملة القول التي اندرجت فيه وهو قوله: أقيموا الخ وتعليق الهدى في قوله: (د إن تطيعوه تهتدوا) وقوله: فإنّ الفاصل الخ أي ليس بأجنبيّ ومن كفر من تتمة الوعد ولو كان أجنبياً جاز لأنّ أصل العطف المغايرة. قوله: (ولا تحسبق يا محمد) هذا عطف تفسيري وليست الواو زائد كما توهم لسقوطها من بعض النسخ وقيل الخطاب لكل من يقف عليه كقوله ولو ترى لا للنبيّ صلى الله عليه وسلم لأنه لا يصدر عنه مثله وأجيب بأنه تعريض بمن صدر منه كقوله:
إياك أعني فاسمعني يا جارة
أو هو إشارة إلى أنه قبيح منهيّ عنه من لا يتصوّر صدور مثله عنه. كقوله: {وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكَينَ} [سورة الأنعام، الآية: 14] وقوله: في الأرض صلة معجزين لبيان حالهم في الدارين أي هم في الدنيا مقدور على إهلاكهم وفي الآخرة مأواهم النار. وقيل: فائدته تقوي الحكم الإلهيّ والإنكار. قوله: (الضمير فيه لمحمد صلى الله عليه وسلم) قدمه لتوافق القراءتين، وقدم في الأرض على الثاني إشارة لمفعوليته وقد قيل إنه بمعزل عن المطابقة لمقتضى المقام ضرورة أنّ مصمث الفائدة هو المفعول الثاني ولا فائدة في بيان كون المعجزين في الأرض وقد مرّ نحو. في قوله: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً} [سورة البقرة، الآية: 30] وقد مرّ منا أنه وان كان محط الفائدة جعل مفروغا عنه وإنما المطلوب بيان محله أي لا يعجزونه في الأرض ولا في الآخر لأنّ مأواهم النار. وقوله: أو لا يحسبوهم أي يحسبوا أنفسهم واتحاد الفاعل والمفعول يجوز في أفعال القلوب وهو الذي سهل حذف أحد المفعولين هنا وان عده النحاة ضعيفا كما أشار إليه المصنف رحمه الله. قوله: (عطف عليه من حيث المعنى الخ) أوّله ليصح عطف الخبر
على الإنشاء وقيل: هو معطوف على مقدّر لأن الأوّل وعيد في الدنيا كأنه قيل هم مقهورون في الدنيا والاستئصال ومجزيون في الآخرة بعذاب النار. وقيل: تقديره مقدور عليهم ومحاسبون وماواهم النار. وقيل: هو حال على معنى لا ينبغي الحسبان لمن مأواه النار كأنه قيل إني للكافر هذا الحسبان وقد أعد له النار والعدول إلى مأواهم للمبالغة في التحقق، وأنّ ذلك معلوم لهم لا ريب فيه وهو حسن لا تكلف فيه. وقوله: لأنّ المقصود الخ تعليل لهذا التقدير وأنه ليس المقصود منه الإنشاء. وقوله: المأوى إشارة إلى أنه اسم مكان وقد جوّز فيه المصدرية أيضاً. قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ} الخ بيان لحال العبيد بعد ما بين حال الأجانب فلا تكرار فيه واليه أشار بقوله: تتمة والالهيات ما يتعلق بالإله وان ذكر معها بعض الأحكام والمناسب للبيان أن يراد الشرائع وفي بعض النسخ التمثيليات يعني الله نور السموات الخ وغيره أي غير ما سلف. وقوله: والمراد به أي بما ذكر في هذه الآية من الخطاب. وقوله: الوعد عليها معطوف على الإلهيات أو وجوب الطاعة. قوله: (لما روي الخ) بيان لإدخال النساء تغليباً وفي الإتقان دخول سبب النزول في الحكم قطعي واخراجه ممنوع ولا اعتداد بمن جوّزه وقد قيل عليه فيه بحث إذ يجوز أن يعلم الحكم في السبب بطريق آخر كالدلالة والقياس الجلي كما في آية الإحصار إذ يعلم منها حكم منع العدوّ بالطريق الأولى عندنا فقوله: في الإتقان قطعي ليس بمسلم إلا أن يجعل ما ذكر في حكم الدخول. وفي بعض شروح جمع الجوامع إنه لا يجوز تخصيصه منه وقال السبكي: إنه ظني الدخول فيجوز إخراجه منه. ونقل أنه وقع مثله من الإخراج لأبي حنيفة وبنت أبي مرشد بالشين المعجمة أو الثاء المثلثة قيل وهو بفتح الميم فيهما فليحرّر ولعله كان قبل نزول آية الحجاب وفي بعض الروايات أنها أتته صلى الله عليه وسلم فقالت: إنّ خدمنا وغلماننا يدخلون علينا في حال نكرهها فنزلت. قوله: (وقيل الخ) سبب آخر للنزول وهو أحد موافقات رأيه الصائب للوحي وقوله: إن لا يدخلوا قيل لا زائدة للتأكيد. وقد
روي بدونها وروي أيضا عن الدخول كأنهم قد اعتادوا وألفوا الدخول بغير إذن فأراد أن ينهاهم الله أبلغ نهي. وقيل: الوجه أن تضمر الإرأدة أي نهاهم إرادة أن لا يدخلوا بغير إذن وجوّز أن يكون علة للودادة والأولى نهاهم لئلا يدخلوا بغير إذن وحذف اللام جائز فلا يحتاج إلى إضمار الإرادة مع أنه رد بأنّ إرادة الله تعالى لا يقع خلافها وأجيب بأنّ الإرادة بمعنى الطلب فقد تكون صيغة النهي لغير الطلب وهو تعسف لما فيه من التقدير ثم التأويل من غير حاجة(6/397)
وقد روي أنّ عمر وضي الله عنه خرّ ساجدا لله شكراً لما نزلت وهذه الآية مدنية كالسورة لأنّ الغلام أنصاري والآية مصدره بيأيها الذين آمنوا فلا وجه لقول القرطبي رحمه إنها مكية: وقوله: الساعات جمعه لتعدد الظهائر بتعدد الأيام فالمراد عدم تخصيصه بهذه الظهيرة. قوله: (من الأحرار) بيان للصبيان وهو يؤخذ من المقابلة. وقوله: فعبر أي بطريق الكناية والمراد المراهقين لا المطلق. وقوله: في اليوم والليلة إشارة إلى أنها في أوقات متعددة ولذا قيل إنّ المراد بالمرات الأوقات. وقوله: مرّة بدل من مرّات لتفصيلها وبيانها مع ما بعده. وتوله: لأنه الخ بيان لسبب النهي لأنه ربما تنكشف فيه العور أو لا يحب الإطلاع على تلك الحالة واليقظة بفتح القاف وتسكينها غير جائز إلا في الضرورة. وقوله: ومحله النصب أي الجار والمجرور وجوّز في محله الجر على أنه بدل من مرّات ويأباه نصب حين إلا أن يجعل مبنيا على الفتح وقوله: لليقظ أي التي تلبس لها وهو حال أو صفة لأنّ المراد بثيابكم الجنس أو بتقدير الكائنة وللقيلولة متعلق بتضعون أو لليقظة متعلق بتضعون وهذا بدل منه. قوله: (بيان للحين) أو المراد من أجل حرّ الظهيرة وقوله: هي ثلاث أوقات إشارة إلى تقدير مضاف أو تجوز في عورات. وقوله: يختل الخ تفسير للعورة واعورّ المكان بصيغة الماضي اختل حاله. قوله تعالى: ( {لَيْسَ عَلَيْكُمْ} الآية) في الكشاف إنّ هذه الجملة إذا رفع ثلاث عورات في محل رفع على الوصف. والمعنى هن ثلاث مخصوصة بالاستئذان وإذا نصب لم يكن له محل لأنه مقرّر للاستئذان في تلك الأحوال خاصة وقد أشكل الفرق بينهما إذ جوّز الوصفية في حال دون أخرى فقيل في توجيهه إن
الجملة الواقعة صفة لا بد أن تكون معلومة حتى توضح أو تخصص! وفي النصب تكون هذه الجملة من أجزاء الجملة الأولى لأنها صفة للبدل فإن لم تعلم انتقضت القاعدة وان علمت كان الحكم المستفاد من قوله: ليستاذنكم لغواً مع أنه خلاف الواقع لما مرّ في سبب النزول بخلاف حالة الرفع فإنّ الحكم فيها معلوم من الجملة الأولى وهذه جملة أخرى مؤكدة لها لما علم منها وفيه بعد تسليمه بحث قد مرّ وأمّا ما قيل في وجهه من أنه يلزم جعل الحكم المقصود وصفاً للظرف فيصير مقصوداً وأيضا الأمر بالاستئذان في المرّات حاصل وصف بأن لا حرج وراءها فساقط لا طائل تحته. قوله: (في ترك الاسمئذن) في للسببية أو الظرفية المجازية وقيد بعدهن لا يفيد ثبوت الإثم قبلهن مع أنّ الأطفال غير مكلفين {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} لأنه لا عبرة يالمفهوم أو أنه لترك تعليمهم والتمكين من الدخول عليهم. قوله: (وليس فيه ما ينافي آية الاستئذان) لأنّ هذه تدلّ على جواز الدخول بعد هذه الأوقات وتلك على خلافه. وقوله: ومماليك المدخول عليه يدلّ على أنّ مماليك غيره في حكم الأحرار فلا يرد أنه خارج عما ذكرء قوله: (في ترك الاستئذان) أي بعدهن وقوله: على تعليل الأحكام أي الشرعية وصحة القياس إذا اطلع على العلة لا مطلقاً وقوله: وكذا أي ما ذكر دال على التعليل في الجملة لا كلياً. وقوله: طائف أي على بعض خبر متعلقه خاص بقرينة ما قبله أو بعضكم فاعل ليطوف مقدّر مقدم. وقوله: أي الأحكام فهو مجاز من إطلاق الدال على مدلوله لما بينهما من شبه الحالية والمحلية. وقوله: الذي بلغوا الخ بقرينة ذكر البلوغ أو الذين ذكروا قبلهم وهم الرجال كل قوله لا تدخلوا بيوتا وهو أولى مما قبله وقوله وجوابه فالتعريف للعهد ويؤيده بيان الأطفال بقوله منكم. قوله: (ومبالغة في الأمر الخ) لأنّ تكرير بيانه يدل على الاعتناء به وقد قيل في الوجوب المستفاد منه إنه منسوخ وقيل مخصوص بعدم الرضا وعدم باب يغلق كما كان في العصر الأوّل. قوله: (العجائز الخ) أو قعدن عن الأزواح وعده في الأساس من المجاز لأنهن
يكثرن القعود لكبر سنهن. وقوله: لا يرجون نكاحا صفة كاشفة وهو جمع قاعد ولا يؤنث لاختصاصه ولذا جمع على فواعل لأنّ التاء فيه كالمذكورة أو هو شاذ وقيد الثياب لتخرج الباطنة لأنها تفضي لكشف العورة. وقوله: لأنّ اللام أي موصولة إذ أريد به الحدوث فتدخل الفاء خبرها والا فدخولها فيه لإرادة الثبوت أو على مذهب المازني أو هو على مذهب من فرق بين أل الموصولة(6/398)
وغيرها. قوله: (غير مظهرات زينة) هذا التفسير إشارة إلى أنّ الباء للتعدية ولذا فسره بمتعد مع أنّ تفسير اللازم بالمتعدي كثير. وأمر التعدي واللزوم سماعي ألا تراهم يقولون: أثمرت النخلة أطلعت ثمرها وقد صرّج به الراغب ويؤيده أنّ أهل اللغة لم يذكروه متعدياً بنفسه ولم نر من قال: تبرّجت المرأة حليها وليست الزينة مأخوذة في مفهومه حتى يقال: إنه تجريد كما توهم. فمن قال: إنه إشارة إلى زيادة الباء في المفعول وفي القاموس تبرّجت أظهرت زينتها للرجال. وفي الشكف هذا بناء على أنّ الباء للتعدية ويأباه قول العلامة تكلف إظهار ما يجب إخفاؤه نعم يلائمه قوله: وبدا وبرز وتبرج بمعنى فقد أخطأ وخبط خبط عشواء وقوله: منه شيء أي من البياض وما أمرن بإخفائه ما مرّفي قوله: ( {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ} الخ) [سورة النور، الآية: 31] . قوله: (إلا أنه خص بكشف المرأة الخ) أي بعدما كان معناه مطلق الكشف كما في السفينة. وقيل: إنه إشارة إلى تجريده عن معنى التكلف الدال على المبالغة إذ المقام يأباه فإنّ مقتضاه منعه مطلقاً. وقوله: من الوضع أي وضع الثياب وترك الستر. وقد يقال إنه تنازعه يستعففن وخير. قوله: (من مؤاكلة الأصحاء) هو من إضافة المصدر لفاعله أو مفعوله وضمير استقذارهم للأصحاء فيقعون في الإثم واستقذارهم لعيوبهم وحقارتهم ولأنّ الأعمى لا يدرك أين تقع يده والأعرج قد يضيق على جليسه. وأكلهم بالجز عطف على مؤاكلة وذلك إشارة لدفع المفتاح والتب! ط وهذا إشارة لنفي الحرج. وكلا بالفتح والتشديد منوّنا بمعنى ثقلاً وتحرج بمعنى تجنب ولذا حمله عليه فعداه بمن وان كان المعروف
تعديته بعن ويجوز كون ما موصولة والعائد محذوف وهو عته ومن بيانية. قوله: (ثم نسخ بنحو ش له الخ) قيل: إنه إنما قال: بنحو لأنّ هذه الآية في حق النبيّ صلى الله عليه وسلم فلا تدل على المنع عما سواه وهي آية الحجاب وقد فهم منها الصحابة رضي الله عنهم المنع مطلقاً كما سيأتي ووجهه أنه صلى الله عليه وسلم أكرم الناس وأقلهم حجابا فإذا منعوا من منزله فغيره بعلم بالطريق الأولى. قوله: (وقيل في الخ) في الكشاف إذ فسر بأنّ هؤلاء ليس عليهم حرج في القعود عن الغزو ولا عليكم أن ئأكلوا من البيوت المذكورة لالتقاء الطائفتين في أنّ كلا منفي عنه الحرج ومثاله أن يستفتيك مسافر عن الإفطار في رمضان وحاج مفرد عن تقديم الحلق على النحر فقلت: له ليس على المسافر حرج أن يفطر ولا عليك يا حاج أن تقدم الحلق على النحر يعني أنه إذا كان في العطف غرابة لبعد الجامع في بادىء النظر وكان الغرض بيان حكم حوادث تقاربت في الوقوع والسؤال عنها أو الاحتياج إلى البيان لكونها في معرض الاسنفتاء والإفتاء كان ذلك جامعا بينها محسنا للعطف وان تباينت وليس هذا بناء على أنّ الاتحاد في بعض أطرافها كاف في الجامعية كما توهم. وقد أشار إليه في قوله: ( {وَيَسْأَلُونَكَ} ) في البقرة فلا يعارض هذا ما منعه السكاكي من نحو حقي حقيق وخاتمي ضيق وبهذا ظهر الجواب عن قول المصنف رحمه الله وهو لا يلائم ما قبله ولا بعده لأن ملاءمته لما بعده قد عرفت وجهها وأمّا ملاءمته لما قبله فغير لازمة إذ لم يعطف عليه وهذا تحقيق نفيس ينبغي العض عليه بالنواجذ فاحفظه. قوله: ( {وَلَا عَلَى أَنفُسِكُمْ} الخ) إشارة إلى جواب ما يقال إنه ليس في أكل الإنسان من بيت نفسه حرج فما فائدة ذكره بأنّ المراد بالأنفس من هو بمنزلتها من العيال كما في قوله: (ولا تقتلوا أنفسكم) وما في الكشف من أنّ فائدة إقحام النفس أن المراد به ليس على ال! ضعفاء المطعمين ولا على الذاهبين إلى بيوت القرابات أو من هو في مثل حالهم وهم الأصدقاء حرج وعلى هذا وجه العطف لا يخلو عن شيء لكونه لغوا حينئذ لأنه ليس المعنى ما ذكره بل ما قرّرناه أوّلاً ولا حاجة إلى الجواب عنه بأنه بدخول الأولاد فيه يكون مفيداً. وقيل: إنه على ظاهره والمراد إظهار التسوية بينه وبين قرنائه وهو حسن ولا يرد عليه أنه حينئذ لم يذكر فيه الأكل من بيوت الأزواج والأولاد لأنه داخل في قوله: من بيوتكم وليس في قوله أنفسكم جمع بين الحقيقة والمجاز فتأمّل. قوله: (أنت ومالك لآبيك) الحديث وواه أبو داود وابن ماجه. وقوله: وإنّ ولد. من
كسبه استعارة لجعله كسبا مملوكاً له مبالغة في جواز التصرّف في ماله وهذا من حديث رواه الشيخان وغيرهما. وقوله: وكالة أي بطريق الوكالة والحفظ كقيم الضيعة وهذا التفسير منقول. عن ابن عباس رضي الله عنهما.(6/399)
قوله: (وقيل بيوت المماليك) فالتقدير أو بيوت الذين ملكتم مفاتحهم وملك المفتاح لما
كان كناية شائعة لم ينظر إلى أنّ التصرّف فيه مما يتوصل إليه بالمفتاح أو لا وهو ترشيح لجريهم مجرى الجماد من الأموال وهو ضعيف ولذا مرضه المصنف رحمه الله وقيل لأنه داخل في بيوتكم. قوله: (وهو يقع على الواحد والجمع) والمراد به الجمع وعن جعفر رضي الله عته من عظم حرمة الصديق أن جعله الله في الأنفس والثقة بمنزلة النفس والأخ والأب والابن وعن ابن عباس رضي الله عنهما الصديق أكبر من الوالدين لأنّ الجهنميين لما استغاثوا لم يستغيثوا بهما بل قالوا: ما لنا من شفيع ولا صديق حميم. وقد قيل: في سر إفراده إنه إشارة إلى قلة الأصدقاء والخليط الصديق المخالط. قوله: (ولذلك خصص الخ) جواب عن أنه إذا وجد الإذن فلا اختصاص له بهؤلاء بأنه جرى على المعتاد فلا مفهوم له أو هو كان في أوّل الإسلام جائزاً بغير إذن ثم نسخ قوله: فلا احتجاح للحنفية الخ لأنهم كغيرهم في الاحتياج إلى الإذن وأما كونه بغير إذن إن قيل: به فهو منسوخ فلا دليل فيه على الاحتمالين على عدم قطع المحرم مطلقاً والشافعيّ يقول بقطع ما عدا الوالدين والمولودين وإنما لم يقطع عندنا لعدم الحرز فلو سرق مال ذي رحم محرم لم يقطع ومجرد احتمال إرادة ظاهر الآية وعدم النسخ كاف في الشبهة المدرئة للحدّ كما قالوه (وفيه بحث) لأنّ درء الحدود بالشبهات ليس على إطلاقه عندهم كما يعلم من أصولهم وقيل الآية دلت على إباحة دخول دارهم بغير إذنهم فلا يكون مالهم محرزا وأورد عليه أنه يستلزم أن لا تقطع يد من سرق من الصديق والجواب بأنه ليس بصديق
ضيقي إذ هو لا يسرق ليس بشيء إذ الشرع ناظر إلى الظاهر لا إلى السرائر. قوله: (مجتمعين أو متفرقين) جميعاً كاجمعين لا يفيد الاجتماع في وقت واحد خلافا للفراء لكنها هنا دلت على ذلك بمقابلة أشتاتاً وأمّا القول بأنه إشارة إلى أنّ جميعا بمعنى مجتمعين أطلق على الجمع كالصديق فلا وجه له لأنّ جميعا بمعنى كل لفظه مفرد ومعناه جمع. قوله: (كانوا يتحرّجون أن كل الرجل وحده) أي يعدونه حرجا واثما وهذه سنة للعرب موروثة من الخليلى عليه الصلاة والسلام كما قال حاتم:
إذا ما صنعت الزاد فالتمسي له أكيلا فإني لت آكله وحدي ...
وفي الحديث " شر الناس من أكل وحده وضرب عبده ومنع رفده " والنهي في الحديث لاعتياده بخلا بالقرى نفي الحرج عن وقوعه أحيانا بيان لأنه لا إثم فيه ولا يذم به شرعا كما دمّت به الجاهلية فلا حاجة إلى القول بأنّ الوعيد في الحديث لمن اجتمعت فيه الخصال الثلاث دون الانفراد باكل وحده فإنه يقتضي أنّ كلاً منها على الانفراد غير منهيّ عنه وليس كذلك والقول بأنهم أهل لسان لا يخفى عليهم مثله ولكن لمجيء الواو بمعنى أو تركوا كل واحد منهما احتياطا لا وجه له لأنّ هؤلاء المتحرجين لم يتمسكوا بالحديث وكون الواو بمعنى أو ئوهم لا عبرة به ولا شك أنّ اجتماع الأيدي على الطعام سنة فتركه بغير داع منه. قوله: (لاختلاف الطعام الخ) قيل إنه كحكام وحفاظ جمع طاعم كاكل لفظا ومعنى ولم نره في شيء من كتب اللغة ولو قيل إنه الطغام بفتح الطاء وبالغين المعجمة وهم أسافل الناس أو العامّة جاز والقزازة بقاف مفتوحة وزاءين معجمتين فسره في الكشف بالتباعد عن الناس وفي القاموس التباعد عن الدنس وفي الحواشي هو مدح والكزازة ذم وهو غير مناسب والمناسب ما في أفعال السرقسطي إنه كراهة المأكول والمشروب يقال قززت الشيء إذا عفته وهو ضد النهمة وهي اشتهاء الطعام والرغبة فيه والمعنى أنّ الناس يختلفون في كراهة الطعام ومحبته فمن أحبه كره مشاركة الناس لشرهه. وقوله: من هذه البيوت أي السابقة بقرينة الفاء فمن خصه ببيت نفسه والسلام على أهله لم يصب. قوله: (فسلموا على أنفسكم الخ) يشير إلى أنّ المراد بالأنفس من هم بمنزلتها لشدة الاتصال كقوله ولا تقتلوا أنفسكم ويحتمل أنّ المسلم إذا ردّت تحيته عليه فكأنه سلم على نفسه كما أنّ القاتل لاستحقاقه القتل بفعله كأنه قاتل نفسه وأمّا إبقاؤه على ظاهره لأنه إذا لم يكن في البيت أحد يسن أن يقول السلام علينا على عباد الله الصالحين كما روي عن ابن عباس فبعيد غير مناسب لعموم الآية والسلام بمعنى السلامة من الآفات وقيل إنه اسم من أسمائه وفي الانتصاف(6/400)
سماهم أنفسا إشارة إلى إباحة اكل كما يباح لكل أحد الأكل
من بيت نفسه وقوله ديناً وقرابة الواو للتقسيم على مغ الخلو فلا يرد أنّ الأولى ترك قوله قرابة لئلا يخرج مثل سلمان وصهيب وبلال أو هو بناء على الغالب في أهل البيوت المدخولة. قوله: (ثابتة بأمره) إشارة إلى أنه صفة وقوله: ويجوز الخ فيتعلق بتحية المصدر على معنى مطلوبة من الله فهو ظرف لغو وأصل معناها أن يقول: حياك الله أي أعطاك الحياة ثم عمم لكل دعاء وقوله: فإنه الضمير للتحية ذكر لرعاية الخبر وطلب الحياة إشارة إلى أنها نقلت للإنشاء ومعنى الطلب وهي مصدر لسلموا من معناه كجلست قعودا. وقوله: زيادة الخير والثواب تفسير للبركة. قوله: (وعن أنس رضي الله تعالى عنه الخ) رواه في شعب الإيمان وغيره وقال البيهقيّ إنه ضعيف وقوله: بطل عمرك جزاء بالمثل لطلبه سلامة أخيه وهي بطول عمره وكذا كثرة الخير والأوابين جمع أوّاب وهو الكثير الرجوع إلى الله بالتوبة وقيل المطيع وقيل المسبح ومنهم من فرق بين هذه الصلوات. قوله: (كرّره الخ) التفخيم نشأ من التكرير لأنّ العظيم يعتني بشأنه فيقتضي زيادة تقريره وتاكيده أو من لفظ كذلك المشار به لما بعده لأنه يفيده كما مر مراراً وقيل: إنه من لفظ الإشارة إلى البعيد لتنزيل بعد المكانة منزلة بعد المكان والإشارة وإن كانت للتبيين فتفخيمه يتضمن تفخيم المبين. وقوله: فصل بالتخفيف أي أورده في الفاصلة وما هو المقتضي بالكسر عليم حكيم لاقتضاء العلم والحكمة التبيين والمقصود منه تعقله المذكور هنا. قوله: (الكاملون الخ) فسره به ليصح الحصر لا لتصحيح الحمل لأن المحمول مجموع ما ذكر وقوله: للمبالغة لجعل السبب للجمع جامعا وهو مجاز عقليّ أو استعارة مكنية وجميع بمعنى جامع أو مجموع له على الحذف والإيصال. قوله: (فيأذن لهم الا بد من تقديره
لأنه هو الغاية لما قبله وضمير اعتباره للاستئذان المفهوم من الفعل وضمير لصحته للإيمان والمصداق بمعنى المصدق وديدنه أي المنافق بمعنى عادته وأورد الكاف لأنه يؤمن بدونه والمميز يجوز رفعه عطفاً على خبران وجرّه عطفا على المصداق. وقوله: ولتعظيم الخ معطوف على قوله لأنه ووجهه عد من لم يستأذن غير مؤمن. قوله: (ولذلك) أي لاعتباره أو لتعظيم جرمه أو لجميع ما ذكر وأبلغ من المبالغة لقوله بعده وفيه أيضا مبالغة يعني لما أراد أن يكرره توكيدا وتقريرا أعاده مؤكداً بأن والاسمية واسم الإشارة للبعيد وقلبه فجعل معنى المسند مسندا إليه وعكسه بقوله: (إن الذين) الخ فأفاد حصر المؤمنين في المستأذنين وعكسه تعريضا للمنافقين المتسللين وعقبه بأولئك معقباً بالإيمانين ليؤذن بأنهم حقيقون بأن يسموا مؤمنين لما اكتسبوه واجتنبوه فتأمّل. قوله: (فإنه الخ) تعليل لكونه أبلغ أو لعظم الجرم ولا محالة من المؤكدات وكون الذاهب ليس كذلك من الحصر وقيل إنه يفهم من التعريض والمهام جمع مهم وهو معنى الشان وقوله: وفيه أيضا مبالغة كما في السابق والمبالغة من جعل الاستئذان ذنبا محتاجا للاستغفار والمغفرة العظيمة فكيف الذهاب بدون إذن والتضييق لعدم القطع بالإذن وتعليقه بالمشيئة وذكر البعض والشان المهم. قوله: (واستدل به الخ (هذه مسألة التفويض المذكورة في الأصول وليست مسألة الاجتهاد كما توهم والمانع لها المعتزلة وليس الخلاف في أن يقال احكم بما شئت ترويا فإنه متفق على جوازه بل أن يقال احكم بما شئت تشهيا كيفما اتفق كما في العضد فلذلك قال: ومن منع الخ ومفوّضة خبر بعض أنثه لإضافته إلى مؤنث وتقديم لهم للمبادرة إلى أنّ الاستغفار للمستاذنين لا للإذن وفي الكشف نقلاً عن شيخه الشهاب السهروردي أنّ هذه الآية تدل على أق ملاك الأمر في الاتباع تسليم نفسه لصاحب الشريعة كالميت بين يدي الغاسل فلا يقدم ولا يحجم دون إشارته. قوله: (لا تقيسوا الخ) هذا
من الكاف وفي الجواز متعلق بتقيسوا والدعاء بمعنى الدعوة إلى أمر وقوله: وقيل الخ فوجه ارتباطه بما قبله أنّ الاستئذان يكون بقولهم يا رسول الله إنا نستأذنك ولأنّ من معه في أمر جامع يخاطبه ويناديه لكن لما كان الأوّل أظهر مرض هذا وأخره فما قيل من أنه لا يلائم السباق واللحاق غير مسلم ولا حاجة إلى بيان المناسبة بأنّ في كل منهما إهانة له ودعاؤه على هذا مصدر مضاف للمفعول والدعاء بمعنى النداء ولقبه المعظم بصيغة المفعول أو الفاعل. قوله: (أو لا تجعلوا دعاءه عليكم الخ)(6/401)
ومناسبتة لما قبله ما في عدم الاستئذان من عدم المبالاة بسخله كما أشار إليه المصنف رحمه الله مع ارتباطه بالاستغفار لكنه فيه ضعف لفظي لأنه كان الظاهر أن يقول على بعض وأمّا قوله: بينكم فلا يأباه ولو كان كذلك لورد على الأوّل أيضاً. قوله: (فإنّ دعاءه مستجاب) وفيه بحث لأنه ورد في الحديث أنه صلى الله عليه وسلم قالط: سألت الله ثلاثاً فأعطاني وسألته أن لا يسلط عليهم عدوّاً من غنرهم فأعطاني وسألته أن لا يذيق بعضهم بأس بعض فمنعني وهذا وجه تضعيف المصنف رحمه الله. وأمّا قوله: إنّ لكل نبي دعوة مستجابة واني اختبأت دعوتي شفاعة لأمّتي فلا ينافي هذا إلا باعتبار أنه يقتضي أنّ المجاب بعض دعائه كما ذكره الكرماني لكنه يعلم منه الجواب كما سيأتي وليس أبو عذرة هذا وكيف يرد بعض دعائه وقد قال تعالى: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [سورة غافر، الآية: 60] وفي الحديث إنّ الله لا يردّ دعاء المؤمن وإن تأخر وقد قال الإمام السهيلي في الروض: الاستجابة أقسام إما تعجيل ما سأل أو أن يدخر له خير مما طلب أو يصرف عنه من البلاء بقدر ما سأل من الخير وقد أعطى عوضاً من أن يجعل بأسهم بينهم بالشفاعة وقال: أئتي هذه أمّة مرحومة ليس عليها في الآخرة عذاب عذابها في الدنيا الزلازل والفتن كما في أبي داود فإذا كانت الفتنة سبباً لصرف عذاب الآخرة عن الأمّة فما أجاب دعاءه لأنّ عدم استجابته أن لا يعطي ما سأل أو لا يعوض عنه ما هو خير منه كما ذكره النووي في الإذكار والكرماني وبقي فيه كلام في الروض فانظره وقوله: فإن دعاءه موجب أي لا يتخلف وفي نسخة مستجاب وهي بمعناها وقد قيل استجابته أغلبية.
قوله: (ينسلون قليلاَ قليلاَ) فهو نظير تدرج وتدخل في دلالة تفعل على مواصلة العمل في مهلة وهو معنى قولهم: إنّ ذلك الفعل وقع قليلا قليلاً وقد في قوله قد يعلم الله للتحقيق أو لتقليله في جنب معلوماته أو للتكثير. قوله: (ملاو " تم إشارة إلى أنه مصدر لاوذ لعدم قلب واوه ياء تبعا لفعله ولو كان مصدر لاذ قيل لياذا كقيام كما ذكر في التصريف وأما بالفتح فهو مصدر لاذ كطواف وهو منصوب على المصدرية أو الحالية بتأويله بملاوذين وأصل معنى لاذ التجأ. قوله: (وعن لتضمته معنى الإعرا ض) وقيل زائدة وقوله: أو يصدّون الخ لأنه كما في الكشاف يقال خالفه إلى الأمر إذا ذهب إليه بدونه ومنه أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه وعن الأمر إذا صد عنه دونه وفي التلويح معنى خالفني عن كذا إذا أعرض عنه وأنت قاصد إياه مقبل عليه فالمعنى يخالفون المؤمنين عن أمر الله أو أمر النبي صلى الله عليه وسلم ويجوز أن يكون على تضمين المخالفة معنى الأعراض أي معرضون عن الأمر ولا يأتون بالمامور به فعلى الأوّل يتعدّ! إلى المفعول الأوّل بنفسه وإلى الثاني بعن حقيقة وعلى الثاني هو لازم مضمن. وفي شرح مقامات الزمخشري له خالف عنه إذا تركه وخالف إليه إذا أقبل نحوه قال ابن الزبعري:
ومن لا يخالف عن ردى الجهل يندم
انتهى وظاهره أنه إذا كان بمعنى الصد لا تضمين فيه وقد قيل: إنه تضمين فيجوز أن
يكون حمل عليه في التعدية دون تضمين لأنه بمعناه أيضاً ويجوز أن يكون مجازاً وقيل إنه إذا تعدّى بعن ضمن معنى الخروج وأصل معنى المخالفة أن يأخذ كل واحد طريقاً غير طريق الآخر في حاله أو فعله كما قاله الراغب وهو تحقيق لمعنى المفاعلة فيه المبني عليه معناه فتدبر. قوله: (وحذف المفعول) وهو المؤمنين لا الرسول دون المؤمنين أي خلاف المؤمنين فإنهم لا يخالفونه كما قيل لإقدامهم فإنّ معنى مخالفته من حيث الفعل والترك قبل ومنه ظهر أنه لا يناسب كون المفعول الرسول سيما إذا عاد ضمير أمره إليه فافهم وقوله: (فإنّ الأمر له والرسول) مبلغ. وقوله: واستدل به أي بما ذكر في هذه الآية على أنّ الأمر أي مطلقاً ما لم تقم قرينة على خلافه للوجوب كما في الأصول وإنما يتم الاسندلال إذا أريد بالأمر الطلب لا الشأن كما في قوله على أمر جامع وقد جوزا فيه مع إرادتهما معاً وتقريره أنّ تعليق الحكم بالوصف مشعر بالعلية فخوفهم وحذرهم من إصابة الفتنة والعذاب يجب أن يكون بسبب
مخالفتهم الأمر بترك المأمور به أو موافقته الإتيان به لأنه المتبادر لا عدم اعتقاده أو حمله على غير ما هو عليه بأن يكون للوجوب أو الندب مثلاً فيحمل على غيره فسوق الآية للتحذير عن مخالفة الأمر وإنما يحسن ذلك إذا كان فيها خوف الفتنة أو العذاب إذ لا معنى للتحذير عما لا مكروه فيه ولا يكون في مخالفة الأمر خوف(6/402)
الفتنة أو العذاب إلا والمأمور به واجب إذ لا محذور في ترك غيره لا يقال هذا إنما يتم بوجوب الخوف والحذر بقوله: فليحذر وهو محل النزاع وعلى تقدير عموم أمره وهو ممنوع بل هو مطلق ولا نزاع في كون بعض الأوامر للوجوب لأنا نقول لا نزاع في أنّ الأمر قد يستعمل للإيجاب والأمر بالحذر من هذا القبيل إذ لا معنى للندب والإباحة. والحذر عن إصابة المكروه واجب وأمره مصدر مضاف ولا عهد فهو عام لا مطلق وعلى تقدير إطلاقه يتم المطلوب لأنّ المدعي أنّ مطلق الأمر للوجوب إذ لا نزاع في مجيئه لغيره بقرينة والأقرب أن يقال المفهوم من الآية التهديد والوعيد على مخالفة الأمر فيجب أن يكون حراما كذا قيل: وقد أورد على قوله لا معنى هنا للندب والإباحة إنه لا يلزم منه كونه للإيجاب لجواز كونه للتهديد وردّ بأنه بعد تسليم كون التهديد معنى حقيقيا للأمر لا معنى له لأنّ المهدد عليه مدلول ذلك الأمر كما في اعملوا ما شئتم والحذر ليس مما يهدد عليه بل عدمه وفيه أنا لا نسلم كون التهديد دائما كذلك والمثال الجزثي لا يجد به فالصواب أنه على تقدير التهديد يثبت المدعي كما أشار إليه بقوله: والأقرب الخ. وأورد على قوله: وعلى تقدير كونه مطلقاً الخ أنّ المطلق في المدعي بمعنى المطلق عن القرينة وهو غير المطلق في التقرير فلا يثبت المدعي على ذلك التقرير إلا أنه لا بعد بينهما فإنّ المطلق عن القرينة شائع في محتملاته ومثله لا يخفى على مثله ومقتض الأمر المأمور به وقوله بالحذر عنه أي عن أحد العذابين وقوله: فإن تعليل لقوله يدل وبه تندفع المصادرة السابقة. قوله: (يدل على حسنه) أي حسن الحذر لأمر الله به وقد قال: إنّ الله لا يأمر بالفحشاء فذلك الحسن معلوم بأخبار الشارع أنه حكيم لا يأمر بما لش فيه حسن فسقط ما قيل عليه من أنه مخالف لمذهب الأشعرية الذين منهم المصنف إذ الحسن والقبح عندهم لا يعلم إلا من جهة الشرع وأمّا عند الماتريدية ففيه كلام في الأصول وقوله المشروط صفة الحسن. قوله: (بقيام المقتصى له) وهو الترك وضمير له للعذاب لا للحذر كما توهم أي لا يحسن الحذر عن العذأب إلا بعد وجود المقتضي للعذاب وهو ترك المأمور به بقرينة توله: يخالفون. وقوله: وذلك أي قيام مقتضى الحذر يستلزم وجوب ترك المحذر عنه. وهو مخالفة الأمر فيلزم وجوب امتثاله فيكون للوجوب وهو المطلوب. ولا يرد على هذا التقرير أنه متوقف على كون أمر الحذر للوجوب فهو مصادرة كما مر تفصيله لعدم توقفه عليه لكنه قيل عليه إنه يتوقف على كون المرإد بالأمر مقابل النهي وليس بمتعين كما مر مع أنّ الأصل في الإضافة العهد فالظاهر أنّ المراد بأمره الأمر الجامع السابق وما في الكشاف من أنه ليس بوجه لفوات المبالغة والتناول الأولى والعدول عن الحقيقة في لفظ المخالفة والأمر عن ضرورة لا يدفع الإشكال لأنّ فوات المبالغة والتناول لا يقاوم العهد ولا
عدول عن الحقيقة لأنّ الأمر حقيقة في الحادثة وكذا المخالفة فيما ذكر ولو سلم فهو مشترك الإلزام فإنه ليس حقيقة في المعنى العام وقوله: بلا ضرورة ممنوع فإنّ إضافة العهد صارفة عن المعنى الحقيقي وهذا مكابرة ومنع مجرد لا يسمع فإنّ الأبلغية لا شبهة فيها فإنّ تهديد من لم يمتثل أمره أشد من تهديد من تركه بلا إذن وكون الأمر حقيقة في الطلب هو الأصح في الأصول. والمخالفة المقارنة للأمر لا شبهة في أنّ حقيقتها عدم الامتثال واشتراك الإلزام ليس بتام لأنّ أمره إذا عم يشمل الأمر الجامع بمعنى الطلب أيضا وعهد الإضحافة ليس بمتعين حتى يعدّ صارفا فتأمّل. قوله: (أيها المكلفون) فدخل فيه المنافقون السابق ذكرهم كما أشار إليه المصنف لكنه قيل إنه بطريق التغليب لأنّ الخطاب قبله للمؤمنين ويؤيده قوله ويوم يرجعون إليه. قوله: (وإفما كد علمه بقد) في الكشاف ومرجع توكيد العلم إلى توكيد الوعيد وذلك أنّ فد ذا دخلت على المضارع كانت بمعنى ربما فوافقتها في الخروج إلى التكثير كقوله: أخوثقة لايهلك الخمرماله ولكنه قديهلك المال نائله ...
فاسنعمل للتأكيد والتقوية ما يدل على التكثير لأنه في قوّة التكرير وقد قيل: إنه يجوز أن يكون إدخال قد على المضارع ليزيد أهل الحق تحقيقاً ويفتح لأهل الريب إلى الاحتمال طريقاً فإنه يكفي للخوف من النكال حروف الإهمال ولا يكفي أنه تكلف ما لا يدل عليه اللفظ فإنها إما للتحقيق أو للتكثير وهو إما حقيقة(6/403)
أو استعارة ضدية أو للتقليل والمراد تقليل ما هم عليه بالنسبة لمعلوماته وعلى كل حال فلا يفيد ما ذكره. قوله: (ويوم يرجعون إليه الخ) هو إمّا مفعول به معطوف على ما أنتم وإذا كان الكلام مخصوصاً بالمنافقين جاز عطفه على مقدر أي ما أنتم عليه الآن ويوم الخ فإنّ الجملة تدل على الحال كما قيل والمراد بالحال ما في ضمن الدوام والثبوت فلا يرد عليه أنه لا دلالة لها على ذلك ويجوز تعلقه بمحذوف يعطف على ما قبله أي وسينبئهم يوم يرجعون إليه كما في الكشاف. قوله: (ويجورّ أن يكون الخطاب) أي في قوله: (ما انتم عليه) وقد كان عامّا لهم وللمؤمنين في الوجه السابق. وقوله: أيضاً أي كالغيبة في يرجعون. وقوله: على طريق الالتفات أي من الغيبة إلى الخطاب فيكون في يرجعون ال! كات من الخطاب إلى الغيبة ويجوز أيضاً كون كل منهما عاماً. قوله: (من سوء الأعماد الخ) بيان لما على أنها موصولة محذوفة العائد ويجوز كونها مصدرية وقوله بالتوبيخ متعلق بينبئهم وقوله: عن النبي الخ هو موضوع من حديث أبيّ بن كعب المشهور والظاهر أنّ قوله: من
الأجر عشر الخ مقدّم من تأخير أي أعطى بعدد كل مؤمن ومؤمنة عشر حسنات ومناسبته ظاهرة تذكر الأحكام المتعلقة بالمؤمنين والمؤمنات في هذه السورة تمت السورة اللهم كما يسرت هذا الإتمام يسر لنا حسن الاختتام، بجاه نبيك عليه أفضل صلاة وسلام وعلى آله وصحبه الكرام.
سورة الفرقان
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله: (مكية) وعن ابن عباس رضي الله عنهما وقتادة إلا ثلاث آيات من قوله: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ} إلى قوله: (وكان الله غفورا رحيماً) فهي مدنية. وقال الضحاك السورة مدنية إلا أوّلها لقوله: نشورا فهو مكيّ وعدد الآيات متفق عليه كما ذكره الداني في كتاب العدد. قوله: (تكاثر خيره الخ) تفسير له باعتبار حاصل معناه لا إشارة إلى تقدير مضاف لأنّ البركة في الأصل مأخوذة من برك البعير وهو صدره ومنه برك البعير إذا ألقى بركه على الأرض واعتبر فيها معنى اللزوم فقيل براكاء الحرب لمكان يلزمه الابطال وسمي محبس الماء بركة. والبركة ثبوت الخير الإلهي في الشيء ثبوت الماء في البركة والمبارك ما فيه ذلك الخير ولما كان الخير الإلهيّ لا يحس ولا يحصى ولا يحصر قبل لكل ما يعرف فيه زيادة غير محسوسة مبارك وفيه بركة والتزأيد إما باعتبار كمال الذات في نفسها ولذا قيل: تباركت النخلة إذا تعالت أو باعتبار كمال الفعل وما نحن فيه يناسب المعنييز فلذا فسرها الزمخشري بالثاني وتبعه المصنف رحمه الله واقتصر على الثاني في الملك لمناسبة ما بعده كذا في الكشف (وفيه بحث) لأنّ قوله: ليكون للعالمين نذيرا يناسب تفسيره الثاني لأنه خص الإنذار ليكون براعة استهلال لذكر المشركين ويناسب الابتداء بأنه تعالى عما يقول: الظالمون كما ذكره الطيبي واختاره الفاضل اليمني وصيغة التفاعل للمبالغة. وقوله وتعالى تفسير لتزايد إشارة إلى أنّ المراد رفعته عما سواه وكماله وقوله: فإنّ البركة الخ مر وجهه. قوله: (وتوتيبه على إنزاله الخ) أي رتب وصفه بقوله: تبارك على إنزاله الفرقان ترتب المعلول على علتة لأنّ تعليق شيء بالمشتق يقتضي عليه مأخذه أما لما في الفرقان من الخير الكثير لأنه هداية ورحمة للعالمين وفيه ما ينتظم به أمر المعاس والمعاد أو لدلالة ما في حيز صلته على علوّه وعظمته كما يقتضيه النزول ووصفه بالعبودية أو لما فيه من وصف ذاته العلية ولا دخل للإعجاز هنا كما قيل وهذا لف ونشر على تفسيري تبارك. قوله: (وقيل دام) وقد مر وجهه والبركة كسدرة مجمع الماء الراكد وهي معروفة وضمير دام إن كان لله فتمريضه لقلة فائدته فإن دوامه ظاهر ولعدم مناسبته لما بعده كما قيل وإن كان للخير فلأنّ البركة لم تستعمل بهذا المعنى. قوله: (وهو لا يتصرف فيه) أي
لا يستعمل له مضارع واسم فاعل ونحوه ويرد عليه ما نقله في الكشف من أنه يقال تباركت النخلة إذا تعالت قال:
إلى الجذع جذع النخلة المتبارك
إلا أن يقال إنه أغلبي.(6/404)
قوله: (ولا يستعمل إلا لله الخ) يرد عليه قول العرب تباركت النخلة وقراءة أبي رضي الله
عنه كما سيأتي في الكشاف تباركت الأرض ومن حولها ومثله تعالى. قوله: (والفرقان) كالغفران مصدر فرق الشيء من الشيء وعنه إذا فصله ويقال: أيضا فرقت بين الشيئين كما ذكره الراغب قال تعالى: {فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} {لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ} [سورة المائدة، الآية: 25] فمن قال إنه مصدر فرق الشيء إذا فصل بعضه عن بعض لا مصدر فرق بين الشيئين إذا فصل بينهما كما قاله المصنف فقد أخطأ ولا فرق بين الفرق والتفريق بغير التكثير خلافا لمن فرق بينهما بأنّ الأوّل في المعاني والثاني في الأجسام وتقريره بمعنى بيانه. قوله: (أو لكونه مفصولاً) يعني أنه مصدر بمعنى الفاعلى أو بمعنى المفعول كما في هذا الوجه وقوله: في الإنزال يقتضي اختصاصه بالقرآن لأنه هو المفصل إنزاله وغيره أنزل دفعة واحدة كما صرحوا به ولذا قسره بعضهم بكونه مفصلاً إلى الآيات والسور فمن اعترض عليه بأنه لا اختصاص له بالقرآن وهذا يقتضيه فقد أخطا. وقوله: كقوله تعالى: {وَلَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ} يعني أنّ الإنزال كما يضاف إلى الرسول صلى الله عليه وسلم يضاف إلى امّته لأنه واصل إليهم ونزوله لأجلهم فكأنه منزل عليهم وان كان إنزاله حقيقة عليه وقد قيل إنه المراد بالجمع تعظيماً. قوله: (أو الفرقان) أو الله كقوله: {إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ} وقوله: للجن والإنس فصيغة جمع العقلاء باعتبار الأفراد على ظاهرها من غير تغليب وخرح الملك ولذا قدم للعالمين للحصر ولتشويف لا لمجرد الفاصلة. قوله: (منذرا) على أنّ فعيلاً صفة مشبهة بمعنى منذر أو مصدر كالنكير وجعل نفس الإنذار مبالغة كرجل عدل وليس هذا على طريق الل! والنشر المرتب لقوله: العبد أو الفرقان كما قيلى. قوله: (وهذه الجملة وإن لم تكن معلومة الخ) هذا بناء على أنّ جملة الصلة لا بد أن تكون معلومة قبل التكلم بها لأنّ تعريف الموصول بما في الصلة من العهد وفي شرح التسهيل أنه غير لازم وأنّ تعريف الموصول كتعريف الألف واللام يكون للعهد والجنس وأنه قد تكون صلتة مبهمة للتعظيم كقوله:
فإن أسنطع أغلب وأن يغلب الهوى فمثل الذي لاقيت يغلب صاحبه ...
وعلى تقدير تسليمه فهذه الجملة معلومة للرسول صلى الله عليه وسلم وهو المخاطب بها كقوله:
{سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ} [صورة الإسراء، الآية: ا] ولا يلزم أن تكون معلومة لكل أحد وما اختاره المصنف رحمه الله من تنزيلها منزلة المعلوم أبلغ لكونه كناية عما ذكر مناسبة للرد على من أنكر التوحيد والنبوّة وأما على إبدال الذي بعده فلا يجدي في دفع السؤال كما سيأتي. قوله: (بدل من الأوّل الخ) قيل هذا أوجه من القطع مدحاً لأنه لكونه حق الصلة أن تكون معلومة أبدل منه هذا بيانا وتفسيرا له ولا يخفى ما فيه أو هو نعت للأوّل أو في محل رفع أو نصب بمقدر وقوله: مرفوع أو منصوب يحتمل أنهما على المدح بتقدير هو أو أمدح أو أعني ويحتمل أنه لف ونشر فالرفع على البدلية والنصب على المدح. وزعم النصارى بمعنى مزعومهم. وقوله: كقول الثنوية فإنهم يقولون بتعدّد الإله فيثبتون للإله شريكاً. وقوله: مطلقا أي بجميع وجوهه أو لجميع الأشياء وما يقوم مقامه الولد وما يقاومه أي يساويه الشريك. وفوله: فيه تنازع فيه الفعلان وقوله: ما يدل عليه أي على ما ذكر أو على الملك خلقا وتصرفاً وفي قوله: خلق كل شيء ردّ على الثنوية القائلين بأن خالق الشر غير خالق الخير ولا يضر كونه مذكورا قبله وكون ما ذكر دليلا عليه لأنه يفيد فائدة جديدة لما فيه من الزيادة أو هو ردّ على المعتزلة وهو معطوف على إحدى الصلتين. قوله: (أحدثه إحداثاً) المراد كما في الكشاف وشرحه أنّ الخلق إيجاده مقدّرا بمقدار وتسوية من الصور والأشكال فالتقدير معتبر فيه فذكره بعده يكون تكرارا كأنه قيل قدّره فقدّره فأشار إلى أنّ التقدير المذكور ليس هو المعتبر في معنى الخلق بل بمعنى جعله مهيا لما خلق له من العلم والتكليف وهما غيران فلا حاجة إلى ادعاء القلب فيه لرعاية الفاصلة كما قيل مع أنّ المقلوب غير مقبول مطلقا مع أنه لا يدفع السؤال بدون الوجهين وقوله: من مواد مخصوصة وصور كقوله:
وزججن الحواجب والعيونا
والمعنى خلقه من مواد وعلى صور وأشكال وقوله: وهيأه إشارة إلى ما مر. قوله: (أو
فقدره الخ) إشارة إلى جواب ثان وهو أنه تجريد لاستعمال الخلق في مجرد الإيجاد(6/405)
بدون تقدير
فلذا صرح به بعد. للدلالة على أنّ كل واحد منهما مقصود بالذات. فلا يرد أنه لا معنى للتجريد منه ثم ذكره والوجه الأوّل مختار الزجاج وهو أظهر. وقوله: من غير نظر إلى وجه الاشتقاق بحسب الوضع فإنّ اشتقاقه من الخلق بمعنى التقدير كقوله:
ولانت تفري ما خلقت وب! ض القوم يخلق ثم لا يفري ...
أي يقطع ما قدره فمعنى التقدير ملاحظ في اشتقاقه وقوله: متفاوتا أي مختلف الخلقة كقوله: ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت وقوله: للبقاء إشارة إلى أنه حينئذ مراعى فيه معنى إدامة ذلك ليصح عطفه بالفاء ومن لم يتنبه له اعترض وقال ما قال. وحتى لا يكون يجوز رفعه ونصبه. قوله: (إثبات التوحيد) هو من نفي الولد والشريك والنبوّة من قوله: (أنزل على عبده (وضمير اتخذوا للمشركين المفهوم من قوله: (ولم يكن له شريك في الملك) أو من المقايم وقوله: (نذيرا) وقوله: لأنّ عبدتهم الخ عبدة جمع عابد كخدمة جمع خادم. وقد قيل عليه إن المناسب لما قدّمه أن يقول لأنهم مخلوقون له تعالى ليشمل ما أشركته النصارى والثنوية لئلا يخلو الكلام من الردّ عليهم مع أنهم المقصودون به أيضا. والمضارع في قوله: يخلقون لاستحضار الحال الماضية ولا يخفى أنّ ما ذكره المصنف رحمه الله تعالى أتم فائدة وأنسب بالمقام لأنّ الذين أنذرهم نبينا عبدة الأصنام وأنّ عدم ملك الضر والنفع والافتراء بمعنى الاختلاق أوفق به ولا حصر فيما قدمه كما أشار إليه بكاف التشبيه ودفع ضر وجلب نفع إمّا إشارة لتقدير مضاف أو بيان لحاصل المعنى المراد منه بناء على أنّ ملكه كناية عن التصرف فيه بالدفع والجلب كما قيل وما قيل إنه معنى الملك لا كناية عنه غير مسلم إذ قد توجد القدرة المذكورة بدونه وكذا ما قيل من أنّ الكناية ذكر اللازم وإرادة الملزوم وهذا عكسه لما قرره أهل المعاني وقدم دفع الضرر لأنه أهم وقال لأنفسهم ليدل على غاية عجزهم لأنّ من لم ينفع نفسه لا ينفع غيره. قوله: (ولا يملكون إماتة أحد و0احياءه) قدم الموت لمناسبته للضر المتقنمم وفسر الموت والحياة بالإماتة والإحياء والإنشار إمّا بيانا لحاصل المعنى لأنّ ملك الموت القدرة على الإماتة أو إشارة إلى أنه بمعنى الأفعال كما في قوله أنبتكم من الأرض نباتا وقوله إحياءه أو لا
أي في الدنيا فسره به لثلا يتكرر مع قوله: نشوراً. ولذا قال وبعثه ثانياً وما ينافيها المخلوقية وعدم القدرة. قوله: (اختلقه) أي اخترعه لا أنه ينزل عليه والمراد بالذين كفروا المشركون بقرينة ادّعاء إعانة بعض أهل الكتاب له. وقوله: فإنهم الخ تفسير للإعانة على زعمهم الفاسد. وقوله: يعبر عنه أي عما يلقونه إليه والمعنى يترجمه بلغته وينقله بعبارة فصيحة. وجبر ويسار وعداس غلمة لأهل الكتاب سمع النبي صلى الله عليه وسلم قراءتهم للتوراة والإنجيل. قوله: (وأتى وجاء الخ) يعني أنهما يتعديان بنفسهما تارة كما هنا ويلزمان أخرى فلا حاجة إلى جعل المنصوبين حالين أو جعله من الحذف والإيصال المخالف للقياس باتفاق النحاة فالقول بأنه كفى بوقوعه في التنزيل هنا سماعا مصادرة لا تدفع الهجنة كما توهم. قوله: (ما سطره المتقدمون) مرّ تفسيره وإعرابه. وقد جوّز فيه هنا أن يكون تقديره هذا أساطير الأوّلين وجملة اكتتبها حال بتقدير قد وفيه أنّ عامل الحال إذا كان معنوياً لا يجوز حذفه كما في المغني وإن كان غير مسلم كما في شرحه وقوله: كتبها لنفسه وفي نسخة اكتتبها وهو إمّا افتراء عليه أيضاً لأنه لم يكتب قط أو لظنهم أنه يكتب أو مجاز بمعنى أمر بكتابتها كبنى الأمير المدينة لكنه يكون بمعنى الوجه الثاني والمغايرة بينهما أنه في الأوّل مجاز إسنادي وهذا على استعمال افتعل لهذا المعنى كاحتجم وافتصد إذا أمر بذلك. قوله: (لأنه أمئ) وبيان لوجه هذه القراءة واختيارها لأنّ القراآت غير قياسية وقوله: وبني الفعل للضمير فيه تسمع والمراد بني للمفعول وأسند للضمير. وهذا بناء على جواز إقامة المفعول الغير الصريح مع وجود الصريح كما جوّزه الرضي وغيره وإن منعه بعض النحاة وقوله: (بكرة وأصيلا) إن لم يرد بهما دائماً فالتخصيص لأنه وقت غفلة الناس عنه وهو يخفيها على زعمهم وقوله ليحفظها إشارة إلى أنّ المراد بالإملاء الإلقاء عليه للحفظ بعد الكتابة اسنعارة لا الإلقاء للكتابة كما هو المعروف حتى يقال إنّ الظاهر العكس وأن يقال أمليت فهو يكتبها وهذا على تفسير اكتتبها بكتبها. وقوله: أو ليكتب بيان لاحتمال أنه على ظاهره. وهذا إذا فسر(6/406)
باستكتبها أي طلب كتابتها فأمليت عليه. قوله: (لأفه الخ) بيان لكونه كلام رب
العالمين لا بعض أساطير الأوّلين. وقوله: فلذلك الخ بيان لمطابقة الخاتمة للمعنى فإنه كان الظاهر إنه عليم ونحوه بأنّ ما تقدمه في معنى الوعيد فعقبه بما يدل على قدرته على الانتقام منهم كناية لأنه لا يوصف بالمغفرة والرحمة إلا القادر أو هو تنبيه على استحقاقهم للعذاب ولكنهم لم يعاجلوا به لمغفرته ووحمته. قوله تعالى: ( {مَالِ هَذَا الرَّسُولِ} الخ) في الكشاف وقعت اللام مفصولة عن هذا في خط المصحف وهو سنة لا تغير وكذا هي في مواضع أخر ذكرت في شرح الرائية والاستهانة تؤخذ من الإشارة المفيدة للتحقير والتهكم من تسميته رسولاً لأنهم أرادوا ما لهذا الزاعم أنه رسول وقوله يأكل الطعام جملة حالية ويجوز فيها الاستئناف. وقوله: لطلب المعاس إشارة إلى أنّ مشيه في الأسواق كناية عن الاحتياج المنافي للرسالة بزعمهم والعمه في البصيرة كالعمى في البصر فقوله وقصور الخ تفسير له أو هو بمعنى الحيرة والضلال. وقوله فإنّ الخ تعليل لقصور النظر والعمه. والأحوال النفسانية ما جبله الله عليه من الكمال. وضمير فيكون للملك ومعه للرسول صلى الله عليه وسلم ويجوز عكسه وهو منصوب في جواب التحضيض. وقوله: لنعلم صدقه بيان لأنه ليس المرإد مجرد نزوله بل تصديقه له برؤيتهم له ومشاركته له في الإنذار وششظهر بمعنى يتقوّى وعدل إلى المضارع للدلالة على أنّ الكنز الملقى يبقى ويستمر عنده لعدم نفاده بخلاف الإنزال وكذا ما بعده. قوله: (هذا على سبيل التنزل) أي قوله أو تكون له جنة الخ وفي الكشاف إنّ أكل الطعام والمشي في الأسواق عنوا به أنه كان يجب أن يكون ملكاً مستغنياً عن اكل والتعيش وما بعده تنزل منهم عن ملكيته إلى صحبة ملك له يعينه ثم نزلوا عنه إلى كونه مرفودا يكنز ثم قنعوا بكونه له بستان فجعل الثلاثة تنزلاً والمصنف خصه بالأخير فخالفه لأنّ ما قبله استثناف في جواب سؤال هو أنه كيف يخالف حاله حالكم كما يشهد له قطعه عنه كما قيل وقيل إنه لا مخالفة بينهما وذكره التنزل هنا ليس لنفي التنزل فيا قبله بالكلية لأنّ ما قبله لا يدفع اعتراضهم بعدم مخالفتة لهم في ا! ل والمشي
إذ هي غير لازمة من الإنزال والإلقاء بل المعنى إن لم توجد المخالفة فهلا يكون معه من يخالف فيهما فإن لم توجد فهلا يخالفنا في إحداهما. وهو طلب المعاش برفع الاحتياج بالكلية فإن لم توجد فلا أقل من رفعه في الجملة بإيتاء ما يتعيش بريعه وهذا وإن احتمل فتصريحه بالتنزل في الأخير يفهم منه أنّ ما كبله بخلافه وأمّا القطع فيكفي فيه الاستئناف وان لم يقدر سؤال والريع ما يتحصل منه والدهاقين جمع دهقان وهو صاحب الصنعة والزراعة وهو معرب ده جان أي رئيس القرية وما في كما موصولة واقعة على البستان وهو معروف، والمياسير جمع موسر بمعنى غني وقراءة النون في نأكل. قوله: (وضع الظالمون الخ) يعني كان الظاهر أن يقول قالوا فوضع الظاهر موضع المضمر إشارة إلى أنّ قولهم: هذا لوضعه في غير موضعه ظلم عظيم ويحتمل أن يكون المراد الظالمون منهم وقوله: ما تتبعون يعني أنّ إن نافية. قوله: (سحر فغلب على عقله) يعني المراد بالسحر ما به اختلال العقل والسحر بفتح السين وسكون الحاء وقد تفتح الرئة يعني أنه للنسب كتامر ولابن ومفعول كفاعل يأتي للنسب. والمراد به أنه بشر لا ملك كما ذكره المصنف رحمه الله وأما كون المراد به أنه ساحر كقوله حجاباً مستورا فبعيد. قوله: (قالوا فيك الأقوال الشاذة) أي المستغربة المستبعدة لكون مثلها لا يصدر إلا عن جاهل أحمق لأنّ الشاذ النادر كذلك فهو مجاز لكون ما يضرب به المثل كذلك غالباً وقوله: عن الطريق الموصل الخ يعني أنهم أخطؤوا طرق الهداية والرشد إذ لم يعرفوا النبي صلى الله عليه وسلم الدال على ذلك فلم يصلوا إلى ما يرشدهم والمميز بين النبي صلى الله عليه وسلم وغيره هو المعجزة ولا يلزم تجرده عن صفات البشر وكونه ملكاً وخبطوا خبط عشواء مثل لسلوك ما لا يليق وأصل الخبط ضرب اليد أو الرجل على الأرض أو نحوها والعشواء الناقة التي لا تبصر ما أمامها. قوله: (إلى القدح في نبوّتك الخ) يعني أنهم يريدون القدج فيك بما ذكر فلا يأتون به ولا يفيد قدحهم قدحا إلا في عيونهم ولذا نفاه بطريق أبلغ لأنّ نفي سبيل الشيء الموصل إليه أبلغ من نفيه فهو كقوله: على لا حب لا يهتدى بمناره
ولا فرق بين هذا وبين كون الفاء تفسيرية والمراد بالسبيل ما يوصل إلى معرفة(6/407)
خواص النبي صلى الله عليه وسلم فتأمل. قوله: (في الدنيا) قيده به لمناسبة ما ذكره الكفار ولأن ما في الآخرة محقق لا
يناسبه إن وكونها بمعنى قد تعسف وذلك إشارة إلى الكنز والجنة. وقوله: لأنه تعليل للتأخير والضمير لما في الآخرة وأبقى تفسير للخيرية. قوله: (عطف على محل الجزاء) وهو الجزم وهو يحتمل الرفع أيضا على أنّ التسكين للإدغام وقوله: والرفع لأنه لما لم يظهر أثره في الشرط الملاصق له لم يؤثر في الجزاء وليس على حذف الفاء كما ذهب إليه المبرد ولا الجواب محذوف وهذا على نية التقديم كما ذهب إليه سيبويه وينبني على الخلاف جواز جزم المعطوف وتفصيله مذكور في كتب العربية. وهل رفع الجواب لازم أو جائز قولان للنحاة أيضا. والبيت المذكور لزهير من قصيدة مدح بها هرم بن سنان. وقوله: خليل من الخلة بالفتح وهي الفقر والمسغبة مصدر ميمي من السغب وهو الجوع وحرم كحذر بمعنى فاعل للحرمان أي لا أتعللى على سائل ولا أحرمه فالتقدير ولا أنا حرم. وقيل: إنه صفة المال يقال مال حرم إذا كان لا يعطي منه شيء. قوله: (وبجوز أن يكون استئنافا) والواو استئنافية لا عاطفة وعدل عن المضيّ لأنه مستقبل في الآخرة والظاهر أنّ الاستئناف بالواو ليس جوابا لسؤال هو كيف حاله في الآخرة كما قيل. قوله: (وقوئ بالنصب على أنه جواب بالواو) هذه قراءة شاذة والنصب بعد الشرط والجزاء ذكره سيبويه. وقال إنه ضعيف قال السيرافي: لأنه لكون الشرط غير مجزوم أشبه الاستفهام وقيل إنه شبيه بالنفي وقد سمع من العرب كقول الأعشى:
ومن يغترب عن قومه لم يزل يرى مصارع مظلوم مجرّا ومسحبا ...
وتدفن منه الصالحات وان يسيء يكن ما أساءالدهرفي رأس كوكبا. 0.
وتفصيله في شرح الكتاب والتسهيل. قوله تعالى: ( {بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ} الخ) إضراب انتقاليّ وهو إمّا عطف على ما حكي عنهم يقول بل أتوا بأعجب من ذلك كله وهو تكذيبهم بالساعة وجوز أن يتصل بما يليه كانه قيل بل كذبوا بالساعة فكيف يلتفتون إلى هذا الجوأب وكيف يصدقون بتعجيل ما وعدك الله في الآخرة وهم لا يؤمنون بها كما في الكشاف والى هذا أشار المصنف بقوله فقصرت أنظارهم الخ إشارة إلى الوجه الأوّل وأنه معطوف على مقولهم وقوله: تبارك كالمعترض وظنهم أنّ الشرف مقصور على الدنيوي والطعن بالفقر إشارة إلى ل، في كلامهم من إنكار مشيه في الأسواق لظنهم أنه لاحتياجه وتمنيهم أن يكون له كنز أو جنة والحطام بالضم كالحطامة ما يكسر من الشيء فاطلق على متاع الدنيا لكونه متغيراً فانيا ويحتمل أنه جمع حطامة فلذا أنث صفته وقوله أو فلذلك الخ أي لأجل نظرهم إلى الدنيا ناظر إليه أيضاً
وقوله أو فكيف الخ ناظر إلى الثاني. وقوله: أو فلا تعجب الخ ناظر إلى كونه إضرابا عن جميع ما قبله فهو وجه ثالث وقيل إنّ قوله فقصرت الخ على كونه معطوفا على قوله تبارك وقوله: أو فلذلك على عطفه على قوله: (وقال الذين كفروا) وقوله: أو فكيف على عطفه على تبارك وقوله: أو فلا تعجب على عطفه على قوله وقال إلى آخره وفيه نظر وقوله: (ويصدقونك الخ) الوعد في قوله إن شاء الخ كما مر وقوله: فإنه أي التكذيب بالساعة والأعجبية لأنهم أنكروا قدرة الله على الإعادة مع ما شاهدوه في الأنفس والآفاق وهو أهون عليه وليس ذلك لأنه تكذيب لله لعدم إيمانهم وسماعهم بذلك منهء قوله: (نارا شديدة الاستعار) أي التوقد والالتهاب فهو نكرة ولذا دخلت عليه الألف واللام. ولذا مرض كونه علما لجهنم والشدة من صيغة فعيل فإنها للمبالغة والتأنيث باعتبار النار فإذا كان علما كان فيه التأنيث والعلمية فالظاهر حينئذ منع صرفه لكنه صرف لتأويله بالمكان أو للتناسب ورعاية الفاصلة وتأنيثه بعده للتفنن. قوله: " ذا كانت بمرأى منهم) أي قريبا منهم وفي شرح الكتاب للسيرافي قول العرب أنت مرأ! ومسمع رفعوه لأنهم جعلوه هو الأوّل حتى صار بمنزلة قولهم أنت مني قريب وبعضهم كنصبه فيقول مرأى ومسمعاً فيجعله ظرفا لأنهم لما قالوا بمرأى ومسمع ضارعه الأوّل فلذا نصب على الظرفية وإنما أوّله بما ذكر لأنها لا تتصف بالرؤية ونحوها مما للحيوان ولذا قيل إنّ المراد رأتهم زبانيتها. ومنهم من قال لا حاجة إلى التأويل وانه يجوز أن يخلق الله(6/408)
في النار حياة فيكون إسناد الرؤية والزفير والتغيظ إليها حقيقة لأنّ الحياة غير مشروطة بالبنية عند أهل السنة مع أنّ ذلك الشرط محل نظر ليس هذا محل تفصيله. قوله: (لا تتراءى ناراهما) هو نهي للنار والمراد نهي صاحبها. وفي النهاية معناه يجب على المسلم أن يباعد منزله عن منزل المشرك ولا ينزل بمنزل إذا أوقدت نار فيه يراها الآخر فإسناد الرؤية إلى النار فيه ليس على حقيقته كما في الآية ولذا استشهد به إشارة إلى أنه تجوّز معروف كنار على علم كما أشار إليه. وجهنم مؤنث سماعي باعتبار البقعة وقوله: على المجاز إمّا بأن يجعل استعارة بالكناية بتشبيه النار بشخص أو هو تمثيل أو مجاز مرسل. وقوله: لا تتقاربان بيان لحاصل المعنى المتجوّز عنه وقوله: لأنه بمعنى النار وهو لف ونشر على تفسيري السعير وأوّل الحديث إنّ المؤمن والكافر ويجوز أن تكون لا نافية. قوله: (هو أقصى ما يمكن أن يرى منه) هو معنى البعد مع الرؤية وقوله صوت تغيظ الغيظ أشد الغضب والتغيظ هو إظهار الغيظ وقد يكون مع صوت كما
في هذه الآية قاله الراغب وإليه أشار المصنف. وقيل إنه أراد بالسماع مطلق الإدراك أو هو من قبيل متقلدا سيفا ورمحا فيقدر وأدركوا تغيظاً وزفيرا. قوله: (شبه صوت غليانها) على أنّ الاستعارة تصريحية أو مكنية أو تمثيلية كما يظهر بأدنى تأمّل والبنية الجسد واشتراطها بذلك ممنوع وأمّا كون نار الآخرة ذات بنية فمكابرة وقوله: على حذف المضاف أو الإسناد المجازي. وقوله: في مكان إشارة إلى أنه منصوب على الظرفية. وقوله: تقدم فصار حالاً قاعدة كلية. وهي أنّ كل جار ومجرور بعد نكرة فهو صفة فإذا تقدمت صارت حالاً. وجوّز بعضهم تعلقه بالقوا وقوله: لزيادة العذاب بيان لوجه ضيقه. والروح بالفتح الراحة وقوله: يتمنون الخ يعني المراد بالدعاء هنا النداء والنداء مجاز عن التمني فانه قد يستعمل له كما صرحوا به في نحو:
يا نسيم الشمال بلغ سلامي
لكن إذا كان التمني على ظاهره بان تمنوا الهلاك ليسلموا مما هو أشد منه كما قيل أشد
من الموت مما يتمنى معه الموت فظاهر. وان كان مجازا كما قرروه في قوله يا حسرتا على ما فرّطت فلا يخلو من إشكال غير كونه مجازا على المجاز فتأمّل. قوله: (فيقال) يعني أنه معمول لقول معطوف على ما قبله واضماره كثير جائز وقوله: لأنّ الخ يعني كثرته لتعداد أنواعه المتوالية وقوله: كل نوع الخ فالمراد بالثبور المهلك وان كان أصل معناه الهلاك فالحاصل أنّ كثرته بتوالي أنواعه وقوله: أو لأنه يتجدد إشارة إلى جواز اتحاده فكثرته باعتبار تجدد أفراده وقوله: أو لأنه لا ينقطع فكثرته كناية عن دوامه لأنّ الكثير شانه ذلك كما قيل في ضده وفاكهة كثيرة لا مقطوعة ولا ممنوعة. وقيل المراد بكون كل نوع منها ثبوراً أنها محل وسبب للدعاء بالثبور أو الدعاء بألفاظ ثبور كثيرة كيالهفاه ويا حسرتاه. فوصف الثبور بالكثرة لكثرة الدعاء أو المدعوّ به وهو لا يناسب النظم ولا كلام المصنف رحمه الله لأنه كان الظاهر حينئذ أن يقال
دعاء كثيرا. قوله: (الإشارة) يعني بقوله. ذلك والمراد بالعذاب النار المذكورة قبله وإنما سماها عذابا لتذكير اسم الإشارة والدليل على إرادتها أنها هي التي تقابل جنة الخلد فلا وجه لما قيل إنّ الإشارة للسعير أو المكان الضيق مع أنّ المآل واحد والتفضيل في قوله خير ولا شك أنه لا خيرية في النار فكونه تهكماً وتوبيخا ظاهر. قوله: (أو إلى الكنز والجنة) في قولهم أو يلقي إليه كنز الخ بتأويل ما ذكر والعائد المحذوف تقديره وعدها لتعديه لمفعولين وقوله: واضافة الخ يعني مع أنّ نسبة الإضافة معلومة والمدح يكون بما هو معلوم فلا منافاة أو أنّ ذلك غير معلوم للكفرة فأضيف للدلالة عليه ولا يخدشه قوله خالدين بعده لأنه للدّلالة على خلود أهلها لا خلودها في نفسها وان تلازما أو هو لدفع احتمال أن يراد بها جنات الدنيا وقيل إنها علم كجنة عدن. قوله: (في علم الله الخ) تفسير للمضي بأنه باعتبار ما ذكر أو المراد أنها ستكون فهو وعد من أكوم اكرمين لكنه لتحققه فإنه لا يخلف الميعاد عبر عنه بالماضي على طريق الاستعارة ويجوز أن يكون هذا باعتبار تقدم وعده في كتبه وعلى لسان رسله عليهم الصلاة والسلام كقوله: {مَا وَعَدتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ} . قوله: (بالوعد) أي بمقتضاه لا بالإيجاب. وقوله: ولا يمنع الخ جواب عن استدلال المعتزلة بهذه الآية على مذهبهم من وجوب الثواب لمن اتقى والعذاب لغيره لما فيها من لام الاختصاص وتقديم الجار والمجرور وجعل ذلك لمن اتصف بالتقوى(6/409)
فرده بأنه على تسليم ما ذكر فالمختص بهم كونه جزاء لهم بمقتضى وعده فلا ينافي كونه لغيرهم بفضله أو المراد بالمتقي المؤمن لاتقائه النار بإيمانه كما مر في مراتب التقوى ويدل عليه مقابلته بالكافر في النظم أو المختص بهم دخولهم ابتداء دون سبق عذاب وكلامه واضح إلا قوله برضاهم فإنه اعترض عليه بأنه مخالف للمذهب فإنه تعالى يتصرف كيف يشاء من غير اشتراط رضا أحد وقد يفسر رضاهم برضا الله عنهم فتأمّله.
قوله: (ما يشاؤونه) إشار إلى أنّ ما موصولة حذف عائدها. وقوله: يقصرهمّ أي ما يهتم
به ويريده وفي نسخة همم جمع همة وهو جواب عما يقال: إنّ عموم الموصول يقتضي أنه إذا شاء أحد رتبة من فوقه كالأصفياء والأنبياء عليهم الصلاة والسلام نالها وان يقبل شفاعتهم لأهل النار وقوله: شيئاً مما يدركه الكامل في نسخة شيئاً مما للكامل وهما بمعنى والتشهي تكلف شهوة ما لا يليق به. ووجه التنبيه تقديم الخبر وفيها المفيد للحصر وقوله: إذ الظاهر تعليل
لقصر همهم وذلك بصرف الله لهم عن ذلك ورؤية كل أحد أنّ ما هو فيه ألذ الأشياء. قوله: (حال من أحد ضمائرهم) أو من المتقين قيل جعله حالاً من الأوّل يقتضي كونها حالاً مقدّوة ومن الثالث يوهم تقييد المشيئة بها فخير الأمور أوسطها وقد رجح الثالث لقربه وما ذكره من التقييد غير مخل بل مهم. قوله: (الضمير في كان الخ) أو للخلود وقيل إنه ليحصل لهم فيها ما يشاؤون أوله ولكونه جنة الخلد جزاء ومصيرا والإفراد باعتبار ما ذكر. ولا يخفى أنه معنى رجوعه إلى الوعد أو الموعود المفهوم من الكلام وقوله: حقيقاً الخ فهو كناية عن كونه أمراً عظيما من شانه أن يطلب ويتناف! فيه وعلى الوجه الآخر فهو على ظاهره. وقوله ربنا الخ بدل من دعائهم أو مقول قول دل عليه الدعاء. ويحتمل أنه لم يقل لقولهم كما في الذي بعده لتوهم أنه دعاء منه. وهذا على كون وعدا خبرا بمعنى موعود فعلى ربك متعلق بكان أو بمقدّر لا بوعداً للمنع من تقديم معمول المصدر عليه عندهم وان كان خبرا فوعدا مصدر مؤكد. وقوله: أو الملائكة معطوف على الناس والمسؤول هنا وإن كان ما يشاؤونه لا الجنة نفسها كما في قوله: (ربنا وأدخلهم جنات عدن) فإنها معروفة بأنّ فيها ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين فلا يرد عليه أنه كيف يصح التفسير به. قوله: (وما في على) مبتدأ خبره لامتناع الخلف يعني على للإيجاب وليس يجب على الله شيء عندنا لاستلزامه سلب الاختيار وأن لا يكون محمود التعلق الحمد والثناء والجميل الاختياري فاجاب بأنّ الممتنع على الله إيجاب الإلجاء والقسر من خارج لأنه هو السالب للاختيار. وأمّا ما أوجبه على نفسه بمقتضى وعده وكرمه فلا ضير فيه وحاصله أنّ الوجوب الناشىء من إرادته لا ينافي القدرة والاختيار وما قيل اللازم الوجوب على الله وما صححه المصنف رحمه الله هو الوجوب منه ففي كلامه إشارة إلى دفعه بأنّ الأوّل مستعار للثاني بجامع التأكيد واللزوم بقرينة الوعد والسؤال لأنّ سؤال الواجب عبث لتحتم وقوعه وأمّا دفعه بأن الأوّل يستلزم الثاني فلذا اهتم به فليس بشيء لظهور فساده. قوله: (فإنّ تعلق الإرادة بالموعود الخ) حاصله أنه إذا أراد خيرا ووعد به بعد ذلك وعد ألا يخلفه كانت إرادته سابقة على لىلجابه منه فلا يتصوّر الإلجاء فيه أصلا والوعد إن كان حادثاً فظاهر وان كان قديما بان كان بالكلام النفسيّ فالتقدم والتأخر بحسب الذات وهو لا يستلزم الحدوث أو يقال الحادث بالإرادة تعلقه بالموعود به وأمّا كون إراد الموعود تستلزم حصوله فلا معنى للوعد به فليس بشيء. قوله: (ويوم نحشرهم) متعلق باذكر مقدر معطوف على تل وكسر الشين قليل في
الاستعمال قويّ في القياس لأنه أكثر في المتعدي وما يعبدون معطوف على مفعول نحشرهم وليست الواو للمعية. وقوله يعم كل معبود الخ سواه معنى قوله: من دون الله وقوله: لأنّ وضعه أعم هذا على مذهب ولا ينافيه عدم ارتضائه له في موضحع آخر والوصف بناء على أنه إذا أريد به الذات اختص بغير العقلاء وإذا أريد الوصف لا يختص! كما في قوله: وما بناها فهو بمعنى المعبودين وقد مر تحقيقه. قوله: (أو لتنليب الأصنام) غير العقلاء على غيرهم من العقلا واعترض عليه بأنّ التحقير لا يليق بشأن المغلب عليهم وهم الأنبياء والملائكة عليهم الصلاة والسلام وأجيب بأنّ المراد بالتحقير بعدهم عن استحقاق العبادة وتنزيلهم منزلة ما لا علم له ولا قدرة فلا نسلم أنه بهذا المعنى غير لائق وهو لا يدفع ما في عبارة التحقير وكون(6/410)
التحقير للأصنام لا يناسب تغليبهم. قوله: (أو اعتبار الغلبة عبادها) يعني أنّ كثرة عبادها وعبادتها مستلزمة لكثرتها ومنزلة منزلتها والأكثر يغلب على الأقل وقوله: يخص معطوف على قوله: يعم فما أطلقت على العقلاء إمّا على أنها تطلق عليهم حقيقة أو مجازا أو باعتبار الوصف وقرينة السؤال والجواب لاختصاصها بالعقلاء عادة وان كان الجماد ينطق يومئذ فلا اعتراض عليه أو المراد بها الأصنام. وهي من غير العقلاء. وقوله: ينطقها الخ جواب عما ذكره من القرينة ويؤيده أنّ السياق فيهم وقوله: كما الخ تنظير لهما. قوله: (وهو على تلوين الخطاب (المرإد به الالتفات من التكلم إلى الغيبة وإن كان أعم منه وعلى قراءة ابن عامر وهو بالعكس وفيه نظر والنكتة أنّ الحشر أمر عظيم مناسب لنون العظمة بخلاف القول واضافة عبادي للترحم أو لتعظيم جرمهم لعبادة غير خالقهم وهؤلاء بدل منه والمرشد الرسول والكتاب. قوله: (لأنه لا شبهة فيه) أي في الفعل وهو الضلال والعتاب بالتاء المثناة الفوقية من الاستفهام التوبيخي وما يلي الهمزة هو المسؤول عنه حقيقة أو حكما والسؤال عن الفاعل يقتضي أنّ الفعل مسلم والمراد بالصلة صلة ضل وهي عن يعني لم يقل عن السبيل للمبالغة فإن ضله بمعنى فقده وضل عنه بمعنى خرح عنه والأوّل أبلغ لأنه يوهم أنه لا وجود له رأسا. قوله: (تعجباً مما قيل لهم)
قد مر تحقيق سبحان واستعماله للتعجب في الإسرأء. وقوله: قالوا جواب لقوله فيقول: أأنتم الخ وعدل إلى المضي للدلال على تحقق التبرئة والتنزيه وأنه حالهم في الدنيا وأمّا دلالته على الاهتمام بما به الإلزام فلا. وقوله: لأنهم إمّا ملائكة الخ هو على الوجه الأوّل من عموم ما وقوله أو إشعار الظاهر أنه على تخصيصه بالعقلاء كما سيأتي وقوله: لا تقدر بالمثناة الفوقية مسنداً إلى ضمير الجمادات أو بالتحتية مسندا إلى ضمير الجماد الذي في ضمنها ولا وجه لاستبعاد.. قوله: (أو إشعارا) مر أنه على تخصيصه بالعقلاء منهم كالمسيح وأما تعميمه بناء على أنّ المراد بالتسبيح ما مر في قوله: {وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ} [سورة الإسراء، الآية: 44] فقوله: الموسومون يأباه وان لم يلاحظ فيه الحصر فإن لوحظ فيه فهو أشد إباء لا لكونه يجامع الإضلال كما في الشياطين الإنسية والجنية كما توهم. وأمّا منع إق الشياطين مسبحة مطلقا وهو ظاهر في منكر إلا له كالدهرية فليس بشيء. قوله: (أو تنزيهاً لله عن الأنداد) ذكر في سبحانك ثلاث معان الأوّل إنه تعجب لأنه كثيراً ما يستعمل فيه والثاني إنه كناية عن كونهم مسبحين موسومين بذلك فكيف يليق بهم أن يضلوا عباده. والثالث أنه مستعمل في التنزيه فهو على ظاهره والمراد تنزيهه تعالى عن الأنداد وعلى الوجوه يتم الجواب وقوله يصح لنا مر تفصيله في سورة النور. قوله: (للعصمة أو لعدم القدرة) متعلق بينبغي المنفي أو بالنفي ولو علل بأنه لا معبود سواه كان أنسب بالتسبيح والأوّل ناظر إلى الملائكة والأنبياء عليهم الصلاة والسلام والثاني إلى الأصنام والجمادات. وقوله: فكيف الخ لهما لأنّ العصمة وعدم القدرة مانعان عنها وقوله أن نتولى الخ مفعول ندعو والتقدير إلى أن الخ أي نحن لا نعبد غيرك فكيف ندعو غيرنا إلى عبادتنا كما دعتهم الشياطين واتخذوهم أولياء أي عباداً فليس الظاهر فيه العطف كما توهم. قوله: (من اتخذ الذي له مفعولان) فمفعوله الأوّل ضمير المتكلم القائم مقام الفاعل والثاني من أولياء ومن تبعيضية لا زائدة أي لا تتخذونا بعض أولياء وتنكير أولياء من حيث إنهم أولياء مخصوصون وهم الجن والأصنام كما في الكشف ولم يجوّز زيادة من في المفعول الثاني كما أشار إليه المصنف لأنه مع كونه خلاف الظاهر فيه ما سيأتي ولذا قيل لأنه محمول على الأوّل فيثغ بشيوعه ويخص كذلك فجعل من تبعيضية وجاء الأشكال في تنكير أولياء فأجاب بأنه للذلالة على الخصوص وامتيازهم بما امتازوا به وهو للتنويع على الحقيقة وأورد عليه أنا لا نسلم انّ المحمول يخص بخصوص الموضوع فإنه في قولنا زيد حيوان وجسم باق على عمومه كما تقرر وأجيب بأنّ مراده أنه إذا كان محمولاً لا يراد صدقه على غيره فيشيع ويخص كذلك
في الإرادة وذلك لا ينافي عمومه في نفسه مع خصوص الموضوع وقيل إنه لا يناسب مع إمكان الاتحاد بخلاف ما ذكره من المثال وقوله: من أولياء من مقابلة المتعدد بالمتعدد كأنه قيل ما يصح لواحد منا أن يتخذ وليا من أولياء فلا يرد أنّ نفي المتعدد فيه بجامع ثبوت الواحد وهو خلاف الظاهر. وقال الطيبي رحمه الله: أجاز ابن جني أن تزاد(6/411)
من المفعول الثاني وأبي الزجاج أن تزاد إلا في الأوّل وصاحب النظم أن تزاد إلا في مفعول واحد وبنى المصنف رحمه الله كلامه على كلام الزجاج فجعلها تبعيضية ولا حاجة إليه لعمومها وإذا كانت من تبعيضية فلم نكر أولياء لأنّ المعنى ما صح للكفار أن يتخذونا من دونك بعض أوليائهم لكن لما كان القائلون هم الملائكة والأنبياء تعين أن يكون الباقي الجن والأصنام لأنّ المعبودين محصورون في هؤلاء وقال السجاوندي مفعول نتخذ من أولياء أي حسبة من أصفياء. والمعنى ما ينبغي لنا أن نحسب من بعض! من يصلح للولاية فضلاً عن الكل فإنّ الوليّ قد يكون معبودا ومالكا ومخدوما ويجوز على هذه القراءة أن يكون مما له مفعول واحد ومن دونك صلة ومن أولياء حالاً كما أنه على القراءة الأولى يجوز أن يكون مما له مفعولان الأوّل هذا بزيادة من والثاني من دونك وعلى ما ذكره يكون حالاً ليحرّر. قوله: (وعلى الأول مزيدة لتكيد النفي (لأنها يحسن زيادتها بعد النفي والمنفي كان لكن هذا معمول معمولها فينسحب النفي عليه واتخذا ما متعدّ لواحد أو لاثنين وقوله وآباءهم ذكر لأنّ له مدخلاً في الغفلة ولكن استدراك على ما يفهم مما قبله من إنا لم نضلهم. وقوله: عن ذكرك فالألف واللام للعهد أو بدل من الإضافة والذكر بمعناه المعروف أو المراد به التوحيد وعلى الأوّل ما بعده بمعنى التذكير لنعم الله وآيات ألوهيته وفي نسخة أو التدبر ولها وجه. قوله: (وهو نسبة للضلال إليهم) أي هذا القول ممن عبدوه فيه نسب الضلال إليهم لكسبهم له. وقوله: واسناد له أي للضلال والحامل الذي فعله الله تمتيعهم وهو ردّ على الزمخشريّ وغيره من المعتزلة المستدلين بهذه الآية على أنّ أفعال العباد مخلوقة لهم وانه لا يجوز إسناد خلق القبائح إليه تعالى ولذا لم يقولوا أنت أضللتهم وانه إذا أسند إليه فهو مجاز عن تمكينهم منه وخلق ما يحملهم عليه فيهم وأنّ تأثير هؤلاء من إسناده إليهم كيف يسند إليه تعالى وقد شنع الزمخشري عليهم بهذا فأشار إلى أنّ إسناده إليهم لكسبهم له. وخلق ما يحملهم عليه ليس مما لأهل السنة فيه نزاع ولم يتعرّض لردّ ما ذكره لأنه معلوم من مسألة الحسن والقبح وأنه فن حيث صدوره عنه ليس بقبيح فعلمه بالطريق الأولى ظاهرا البطلان فلا قصور في كلامه كما توهم وقوله فحملهم فاعله ضمير مستتر عائد على فعل. قوله: (وكانوا الخ) جملة حالية بتقدير قد أو معطوفة على مقدر أي كفروا وكانوا الخ أو على ما قبلها.
وقوله: في قضائك توجيه للمضي. وقوله: مصدر أي لبار بمعنى هلك توجيه لافراد. وهو خبر عن جمع ويؤيده راتق ما فتقت إذ أنابور والعوز بالعين المهملة والذال المعجمة جمع عائد وهي الحديث النتاح من الظباء والإبل والخيل. وقوله: التفات أي من الغيبة إلى الخطاب والفاء فجائية فصيحة أي فقلنا إن قلتم إنهم أضلونا إذ عبدناهم فقد كذبوكم الخ أو لا حاجة لتقدير القول إلا أنه لمجرّد التحسين كما قيل وتسيمة الفاء الفصيحة فجائية ذكره الزمخشريّ هنا ووجهه ظهر. قوله: (في قولكم الخ) إشارة إلى أنّ الباء ظرفية وما مصدرية والجار والمجرور متعلق بالفعل والقول بمعنى المقول ويجوز أن تكون موصولة والعائد محذوف. وقوله: إنهم الخ مقول القول. وقوله: بدل من الضمير لأنّ كذب يتعدى بنفسه وبالباء أيضاً أو هي زائدة حينئذ وهو بدل اشتمال وقوله بقولهم الخ إشارة إلى أنّ ضمير يقولون على هذا للمعبودين وقد كان للعبد والباء على هذا للملابسة أو الاستعانة ثم إنه اعترض! ما قدره مقولاً للقول بأنه لا تعلق له بما بعده من عدم اسنطاعتهم الصرف والنصر ولا يخفى تعلقه به على القراءة الثانية لأنّ عدم استطاعتهم لذلك يتفرع على كذبهم وأمّا على الأولى فالتفريع على كونهم ليسوا بآلهة وعلى ما تضمنه وهو ظاهر فلا حاجة لتكثير السواد بمثله وقراءة ابن كثير في رواية عنه وجعل الضمير للمعبودين وقد جوّز فيه كونه للعابدين التفاتا. قوله: (دفعا) أصل الصرف رد الشيء من حالة إلى حالة أخرى فلذا اختار تفسيره الأوّل لأنه حقيقته وتسمية الحيلة به لأنها تؤذي إليه. وقيل: إنها تخصيص للمطلق دون قرينة فلذا ضعفه وقد تطلق على التوبة والفرية وبه فسر هنا أيضا. وقوله: فيعينكم الخ إشارة إلى أنّ الصرف قبل نزوله والنصر بعده وضمير يعينكم للناصر المفهوم منه أو للنصر على الإسناد المجازي وكونه جمع ناصر كصحب لا وجه له.(6/412)
قوله ة (أيها المكلفون الم يجعل الضمير للكفار بقرينة السياق كما قيل لأنه يحتاج إلى تأويله بيدم على الظلم إن أريد به الكفر فإن أريد به غيره فذكر تعذيب الكفار لغيره تهديداً خلاف الظاهر وان ذهب إليه بعضهم وليس فيه إظهار في مقام الإضمار للتسجيل عليهم بالظلم في شركهم وافترائهم على الرسول صلى الله عليه وسلم بناء على أنّ أصله ونذقه أو نذقكم على القراءتين كما قيل فتأمّل. قوله: (هي النار (الضمير للعذاب وأنث للخبر وقوله والشرط أي من يظلم وقال أو فسق وإن
كاق المناسب للعموم الواو لتقسيم على سبيل منع الخلوّ وفي قوله: إن إشارة إلى أنه يجوز تخصيصه بالفرد الكامل وهو الكفر فلا يحتاج إلى التقييد وأن يراد أنه يستحق ذوق العذاب فلا يلزم وقوعه. وقوله: وفاقا أي مناو من المعتزلة والتوبة شاملة للكفر والفسق وكان الأولى ترك فوله إجماعا وإن كان يمكن صرفه إلى ما اتفق عليه لأنّ إحباط الطاعة إذ زادت لغيرها من الكبائر إذا لم يتب عنها غير مسلم عند بعفى المعتزلة. وقوله: عندنا أي معاشر أهل السنة. قوله: (إلا رسلاَ أنهم الخ) يعني أنّ جملة إنهم الخ صفة لموصوف محذوف وكسرت إن لوقوعها ابتداء ولوقوع اللام بعدها أيضا وقرىء شاذا بفتحها عن زيادة اللام وتقدير لأنهم. وقوله: رسلاً هو الموصوف المقدو وصفته جملة إنهم كما صرّج به. وفي الكشاف إنّ هذه الجملة صفة ثانية لموصوف مقدر قبل قوله من المرسلين. والمعنى ما أرسلنا قبلك أحدا من المرسلين إلا آكلين وماشين ولم يقا- ر المصف قبل قوله: من المرسلين شيثا أمّا لأنه لا حاجة إليه أو لأنه يقدره كما قدره الزمخشريّ وعدل عما في الكشاف قيل: لأنّ فيه فصلاً بين الصفة والموصوف بالا وقد ردّه أكثر النحاة كما في المغني فجعله صفة لمحذوف بعد إلا هو بدل مما حذف قبله وأقيمت صفته مقامه فلم تفصل إلا بين الصفة والموصوف بل بين البدل والمبدل منه وهو جائز فلا يرد عليه أنه مخالف لما قدمه في سورة الحجر من عدم جواز التفريغ في الصفات وما وقع في شرح المفتاح من أنه لا خلاف في جر بأن الاستثناء المفرّغ في الصفة مثل ما جاءني رجل إلا كريم مردود كما صرّح به شارح المغني وتأويله تعسف وما قيل إنّ المصنف رحمه الله أشار إلى تقدير موصوف لقوله من المرسلين كما في الآية المستشهد بها لأنّ تقديرها ما أحد منا خبط وخلط فتدبر. قوله: (ويجوز أن تكون حالاً الغ) مستثنى من أعم الأحوال وهذا منقول عن ابن الأنباري لكنه قدر الواو معه والمصنف رحمه الله أشار إلى أنه قد يكتفي بالضمير وما مرّ في سورة الأعراف من أنّ الاكتفاء بالضمير غير فصيح قد مرّ ما فيه وقد يحمل ذلك على غير المقترن بالا لأنه في الحقيقة بدل فلا يرد عليه شيء. وقوله: وهو جواب لغوي حقيقي. قوله: (وقرىء يمشون) أي بتشديد الشين المفتوحة مع ضم الياء وهي قراءة عليّ كرّم الله وجهه وعبد الرحمن بن عبد الله رضي الله عنه وهو للتكثير كما قال الهذلي:
يمشي بيننا حانوت خمر
كما في المحتسب وقوله: حوائجهم الخ عن الإسناد المجازي هو إشارة إلى الفاعل المحذوف. قوله: (ابتلاء) أي اختباراً لمن يصبر وغيره وهو معنى الفتنة كما مرّ وقوله ومناصبتهم الخ المناصبة لهم العداوة من قولهم نصب له إذا عاداه وأصله من نصبت الشبكة للصيد وإيذائهم بمعنى أذاهم كما ذكره الراغب وغيره. وقوله: في القاموس لا يقال إيذاء خطأ. قوله: (وفيه دليل على القضاء والقدر) قال ابن السيد في مثلثاته قدر الله وقدره وقدره قضاؤه ومنهم من يفرق بينهما فيجعل القدر تقديره الأمور قبل أن تقع والقضاء إنفاذ ذلك القدر بخروجه من العدم وهو الصحيح لما في الحديث من أنه يك! ح مر بحائط مائل فأسرع مشيه حتى جاوزه فقيل له أتفر من قضاء الله فقال صلى الله عليه وسلم: أفر من قضائه إلى قدره ففرق بينهما انتهى. وقيل القضاء الإرادة الأزلية المقتضية لوقوع المراد على وفقها والقدر تعلق تلك الإرادة للإيجاد أو نفس الإيجاد وقيل المبرم قضاء وغيره قدر ووجه الدليل أنه جعل أفعال العباد كعداوة الكفار وايذائهم وما مرّ بجعل الله وأرادته والمعتزلة ينكرون ذلك فالآية حجة عليهم واعترض عليه بأنه لا دلالة فيها لأنّ قوله: أتصبرون علة للجعل لا للتقدير ولا وجه له لأنّ الجعل هو الإيجاد والفتنة بمعنى الابتلاء وإن لم تكن من أفعال العباد مفضية ومستلزمة لما هو منها كالعداوة والإيذاء وارتباط هذا بما قبله لأنّ جعلهم آكلين(6/413)
ماشين لا ملائكة لابتلائهم فتأمّل. قوله: (علة للجعل الخ) أي جعلنا ذلك لنبتلي الصابر من غيره ولذا قيل إنّ معادله محذوف أي أم لا تصبرون وجملة الاستفهام معموله للعلم المقدر المعلق عنها أي لنعلم أيكم يصبر أي ليظهر لكم ما في علمنا وتنظيره بالآية المذكورة في دلالة ما هو بمعنى الفتنة وهو الابتلاء على إرادة العلم كما مرّ إلا أنه مضمن ثمة ومقدر هنا فالتشبيه ليس من كل وجه. قوله: (أوجب عليهم الصبر) أي أتصبرون المراد منه الإيجاب والأمر بالصبر أي اصبروا فإني ابتليت بعضكم ببعض الغني بالفقير والشريف بالوضيع لذلك وفي نسخة أو حث على الصمبر بالحاء المهملة والثاء المثلثة فهو معطوف على قوله: علة والاستفهام للترغيب والتحريض. وقوله: افتتنوا بصيمخة المجهول. قوله: (لا ياملون) من أمل بالتخفيف بمعنى أمّل بالتشديد فإنه ورد عنهم كقوله: المرء يأمل أن يعب سش وطول عيشه قديضرّه ...
خلافا لمن أنكره كما ذكره ابن هشام في قول كعب رضي الله عنه:
والعفو عند رسول الله مأمول
وفي المصباح الأمل ضدّ اليأس وأكثر ما يستعمل فيما يبعد حصوله والطمع يكون فيما
ترب حصوله والرجاء بين الأمل والطمع فإنّ الراجي يخاف أن لا يحصل مأموله ولذ استعمل بمعنى الخوف فإن قوي الخوف استعمل استعمال الأمل كما يستعمل الأمل بمعنى الطمع انتهى فقد علمت أنه كما فرقت العرب في الاستعمال بين الرجاء والأمل ولذا قال زهير:
أرجو وآمل أن تدنو مودّتها
استعملت كلا منهما بمعنى الآخر ولذا سوى بينهما في القاموس وفسر أحدهما بالآخر
كما هنا. وفرق بينهما كما في قول ابن هلال في فروقه الأمل رجاء يستمر ولذا قيل للنظر في الشيء إذا استمرّ وطال تأمّل فلا وجه للاعتراض على تفسيره به ولا وجه للاعتذار عنه بما لا طائل تحته. قوله: (بالخير) متعلق بلقاءنا أو بيرجون أو هما تنازعاه والباء للسببية أو الملابسة وقوله لكفرهم تعليل لعدم الرجاء وقوله أو لا يخافون فالرجاء بمعنى الخوف كما في قوله:
إذا لسعته النحل لم يرج لسعها
لأنّ الراجي لأمر يخاف فواته فاستعمل مجازا فيه وكون هذا لغة تهامة كما نقله الزمخشريّ وهو ثقة إمّا لأنهم لا يخصونه بهذا المعنى أو على أنه حقيقة عندهم وقول الرضي وغيره إنّ الترجي الارتقاب لمكروه أو محبوب لا يقضى عليه مع أنّ الكلام هنا في لفظ رج وكلام النحاة فيما يدلّ عليه كلعل فتأمّلى قال المرزوقي وضعوا الخوف موضحع الرجاء كقوله: ولوخفت أني إن كففت مسبتي تنكب عني رمت إن تتنكبا..-
والرجاء موضع الخوف كقوله. إذا لسعته الخ فما وقع للمحشي هنا من الاعتراض بكلام
النحاة خبط غريب منه. قوله: (وأصل اللقاء الخ) يعني أن أصله مقابلة الشيء ومصادفته لا المماسة ومن الوصول أو اللقاء الرؤية فإنه يطلق عليها والمراد هنا على المعنيين لقاء جزائه بطريق الكناية أو بتقدير مضاف فيه سواء كان الجزاء خيرا أو شرّا ومن تبعيضية. وقوله: ويمكن أن يراد به الرؤية أي في الآخرة وهو الظاهر لا لما قيل لئلا يخالف قوله أو نرى ربنا لأنه مع كونه غير مخالف له لا يضرّ لدلالته على كذبهم ثم إنّ وجه تخصيصمه بالأوّل إنّ الرؤية لا معنى لكونها مخوف بخلاف ما إذا كان بمعنى يأملون فلا وجه للقول بأنه لا وجه للتخصيص فتأمّل. قوله: (فتخبرنا) وفي نسخة فيخبرونا فهو كقوله: {لَوْلَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ} فيكون معه نذيرا. وقوله: وقيل الخ لعله إنما ضعفه لأن السياق لتكذيبه والتعنت في طلب مصدق له لا لطلب
ملك مستقل بدله وتكراره مع قوله سابقاً لولا أنزل إليه ملك الخ. لا يضرّ مع الأوّل في طلب ملك ينذر بما أنذر به وهذا في طلب ملك يقول إنه صادق في مدعاه أو يأمرهم بالتوحيد والإسلام وأمّا كون العادة الإلهية على إرسال الرسل من البشر فهم لا يسلمونه ولو علم فمرادهم التعجيز والعناد. قوله: (أي في شأنها الخ) يعني أنهم لتكبرهم استكبروا أنفسهم أي عدوها كبيرة لشان وخصوصية لها فنزل فيه الفعل لمتعدي منزلة اللازم كما في قوله: تجرح في عراقيبها نصلي وأصله من استكبره إذا عذه كبيراً عظيماً وفي الكشاف معناه أنهم أصروا الاستكبار في أنفسهم كقوله: إن في صدورهم اكبر وهو وجه آخر(6/414)
أظهر مما ذكره المصنف وعدل عنه لأنّ ما ذكره أبلغ منه والمراد بالإفراد عظماؤهم وأكمل أوقاتها هو الوحي بالملائكة لا بإلهام ومنام ونحوه أو المراد به رؤية الملك جهاراً معايناً على صورته لأنه هو الذي اقترحوه وضمير أوقاتها للأفراد وأنثه لظاهر الجمع ولو قال أوقاتهم. كان أظهر ويمكن أن يقال الضمير للنبوّة المفهوم منه وما هو أعظم رؤية الله عياناً وهو بالواو وفي نسخة بأو جريا على ظاهر النظم وعلى الأولى يصح كون ما استفهامية أي وأيّ شيء أعظم من ذلك فيكون ما يتفق شاملاً لهما معا فلا يرد عليه أنه يفوت بيان فساد طلبهم الرؤية وكوفه أعظم مع أنه بعيد.
قوله: (بالغاً الخ) تفسير لقوله كبيراً وعتوّاً مصدر جاء هنا على الأصل وأمّ عتيا في سورة
مريم فللفاصلة كما مرّ تحقيقه وما عدت الخ أي منعت وهو ما مرّ ويحتمل أن يكون استكبروا وعتو الفا ونشرا لقوله: لولا أنزل الخ. وقوله: واللام أي في قوله لقد والقسم لتأكيد ما ذكر وتحقيقه ووجه حسن الاستئناف هنا أنه لما ذكر قبله أمر عظيم يقتضي إنكاره والتعجب منه وعدل عن مقتضى الظاهر فيه حتى كأنه لم يتمالك بعده إن ذكر شناعة فعلهم مؤكدة بالقسم فأفاد التعجب لوقوعه في موقع يقع في مثله التعجب وهذا أمر ذوقي والإشعار بالتعجب من السياق كما بيناه وما ذكره من الشعر نظيره وفي الكشاف وفي فحوى هذا الفعل دليل على التعجب من غير لفظ تعجب ألا ترى أنّ المعنى ما أشد استكبارهم وما أكبر عتوّهم وما أغلى ناباً بواؤها كليب. وقال الشارح: ونحوه قوله: كبر مقتا (وفيه بحث) لأنّ ما ذكر في النظم مسلم لأنه كقوله: لمن جنى جناية فعلت كذا وكذا استعظاما وتعجباً منه ومثله كثير في سائر الألسنة لكن البيت وما مثل به الشارح ليس من هذا القبيل لأنّ الثلاثي المحوّل إلى فعل لفظاً أو تقديرا موضوع للتعجب كما صرّح به النحاة وقد مرّ تفصيله في أوّل الكهف وهذا مما يتعجب
منه. قوله: (وجارة جساس البيت) من قصيدة لمهلهل وجساس لقب مرّة بن ذهل الشيباني قاتل كليب وجارته هي البسوس بنت منقذ التميمية وهي خالة جساس وقصتها معروفة والناب الناقة المسنة وأبأت القاتل بالقتيل إذا قتلته به قصاصا من البواء وهو التساوي. وقوله: غلت بالمعجمة أي! اأغلا! اإذا قل فيها كليب فهو محل الاستشهاد كما مرّ. ووقل: أو العذاب أي في القيامة قيل وهو المناسب لقوله: وقدمنا الخ وفيه نظر. قوله: (ويوم نصب باذكر الخ) وعلى هذا فهو مفعول به لا ظرف إلا بتأويل كما مرّ منصوب لا مبني وان جاز في إضافته للجملة ولو مضارعية لأنّ أصل الفعل البناء واعرابه أمر عارضي وعلى الثاني متعلقه ما دلّ عليه لا بشرى كما ذكره المصنف أو نفسه مقدراً وفيه وجوه أخر. وقوله: يمنعون الخ إشارة إلى المقدّر قيل والأحسن أن يقدر لا يبشر لما فيه من التهويل لأنّ ما ذكره يقتضي أنّ ثمة بشرى لهم ولكن لا تقع وليس بشيء لأنّ ذكر البشرى المنفية فيها تحسير لهم على ترك الفطرة التي كانت تقتضي ذلك ومثله على طرف الثمام. قوله: (تكرير) فهو تأكيد للأوّل أو بدل منه متعلق بما يتعلق به، أو خبر لا واعترض أبو حيان على الأوّل بأنّ عامله حيئ! ذ عامل الأوّل فيلزم عمل ما قبل لا المبني معها اسمها فيما بعدها وهي لها الصدر لا لا مطلقاً وتخطي العامل مانع للصدارة. وردّه المعرب بأنّ الجملة المنفية معمولة لمقول مضمر وقع حالاً من الملائكة التي هي معمول يرون العامل في جملة يوم بالإضافة فلا وما في حيزها من تتمة الطرف لكونها معمولة لما في حيزه ومثله لا يعد محذوراً فتأمّل مع أنّ كون لا لها الصدر مطلقا أو إذا بنى معها اسمها ليس بمسلم عند النحاة لأنها لكثرة دورها خرجت عن الصدارة كما صرحوا به وأما عدم لزوم المحذور إذا قدّر يعدمون لأنه معنى النفي فمكابرة في المحسوس. قوله: (وللمجرمين تبيين) كسقيا له فهي متعلقة بمحذوف لا ببشرى حتى تكون معربة وعدم تنوينه لألف التأنيث فهو مقدر كما ذكره المصنف وليس بشرى معمولاً لفعل مقدر حينئذ لأنه لا يصح التبيين إلا بتكلف. وقوله: أو ظرف الخ معطوف على قوله تكرير وقوله فإنها أي لا المبني معها اسمها لأنها لو عمل اسمها طال وأشبه المضاف فينتصب وسكت عن تعلق الظرف المتقدم ببشرى وأشار إلى منعه لأنّ معمول المصدر الواقع بعدلا لا يجوز تقدمه مطلقاً وجوّزه بعضهم في الظرف لتوسعهم فيه لكنه لا حاجة إلى ارتكابه هنا من غير ضرورة.(6/415)
قوله: (وللمجرمين إمّ عام الخ اللعصاة والكفار الذين لا يرجون لقاءه- وقوله: فتناول حكمه أي حكم العام أو حكم
المجرمين وهو سلب البشرى حكمهم أي حكم المعهودين وهم الذين لا يرجون لقاءنا وفي بعض النسخ كلهم- وقوله: من طريق البرهان بأن يقال: الذين لا يرجون لقاءنا مجرمون كاملون وكل المجرمين لا بشرى لهم فهم لا بشرى لهم بالطريق الأولى وهذا مراد من قال: لدلالة الكلام على أنّ المانع من حصول البشرى هو الإجرام ولا إجرام أعظم من إجرام الذين لا يرجون لقاءنا ويقولون ما يقولون فهم أولى به فلا وجه للردّ عليه وقوله: ولا يلزم الخ دفع لسؤال يرد على العموم وهو أنه يقتضي نفي العفو والشفاعة للعصاة كما تقوله المعتزلة بأنّ هذا في وقت مخصوص وذاك في آخر سواء أريد باليوم وقت الموت أو العذاب وقد قيل إنّ مدلوله نفي البثرى لهم بأعمالهم الحسنة ولا تعرّض فيه للشفاعة وهي ثابتة بالأحاديث الصمحيحة فلا تعارض بينهما فتأمّل. وتوله: حينئذ أي حين إرادة العموم أو حين الموت أو رؤية العذاب. قوله: (وإمّا خاص) أي بالكفرة السابق ذكرهم فيكون على خلاف مقتضى الظاهر للنكتة المذكورة التي تفوت بالإضمار ولذا رجح الأوّل لموافقته للظاهر واثباته للمدعي بطريق برهاني ولا تكلف فيه كما توهم. وقوله: ضميرهم بكسر الهاء ويجوز ضمها. قوله: (عطف على المدلول) يحتمل أن يريد المدلول المعهود في قوله ما دل عليه لا بشرى فيكون معطوفاً على يمنعون أو يعذبون وليس هو العطف على المعنى كما قيل ويحتمل أن يريد أنه معطوف على ما قبله باعتبار مدلوله لأنه في معنى يئاهدون القيامة وأهوالها ويقولون: الخ ولم يجعله معطوفا على يرون مع ظهوره لفصل لا بشرى بينهما ولاحتياجه على تعميم المجرمين إلى تكلف لا يخفى. قوله: (يقول الكفرة الخ) فالضمير للذين لا يرجون وهو الظاهر ولذا قدمه وحينئذ فالمراد به الاستعاذة من ملائكة العذاب طلباً من الله أن يمنع لقاءهم قال أبو علي الفارسي: مما كانت العرب تستعمله ثم ترك قولهم حجرا محجوراً وهذا كان عندهم لمعنيين أحدهما أن يقال عند الحرمان إذا سئل الإنسان فقال: حجراً محجوراً علم السامع أنه يريد أن يحرمه ومنه قوله: جثت إلى النخلة القصوى فقلت لها حجر حرام ألا تلك الدهارش! ...
والوجه الآخر الاستعادة كان الإنسان إذا سافر فرأى ما يخاف قال حجراً محجوراً أي
حرام عليك التعرّض لي انتهى وإلى هذين المعنيين أشار المصنف بقوله: أو تقولها الملائكة على أنّ الضمير لهم والمراد بها الحرمان كما كانوا يقولونه في الدنيا والظاهر أنه معطوف كما في الوجه الأوّل. وما قيل: من أنّ الظاهر حينئذ أنه حال من الملائكة كما أنه يجوز في الوجه الأوّل تأباه الواو وأنه يصير كقولهم قمت واصك وجهه د ان كان أقرب بحسب المعنى ولذا
اختاره الطيبي وجعله بتقدير وهم يقولون وجعله على الأوّل عطفا على يرون وأصل معنى الحجر المنع فأريد ما ذكر. قوله: (وقرئ حجرا بالضم الخ) هي قراءة الحسن والضحاك وأبو رجاء ومن عداهم بكسرها وقرى بالفتح أيضا كما حكاه أبو البقاء ففيه ثملاث لغات قرئ بها ورابعة وهي حجري بألف التأنيث. وقوله: لما اختص بموضع يعن لما خصوا استعماله بالاستعاذة أو الحرمان صاو كالمنقول فلما تغير معناه غير لفظه عما هو أصله وهو الفتح إلى الكسر أو الضم لإيهام أنه لفظ آخر كالمرتجل لكنه يرد عليه أنه استعمل مفتوحا على أصله كما مرّ إلا أن يقال إنه لا يعتد به لندوره. قوله: (كقعدك وعمرك) قعدك بفتح القاف وحكي كسرها عن المازني وأنكره الأزهري والعين ساكنة يقال: قعدك لله وقعيدك الله بنصب الاسم الشريف لا غير وقعدك منصوب على المصدرية والمراد رقيبك وحفيظك الله ثم نقل إلى القسم فقيل: قعدك الله لا تفعل كذا قال:
قعيدكما الله الذي أنتما له ألم تسمعا بالنعيتين المناديا.. ء
وأمّا عمرك الله فبفتح العين وضمها والراء مفتوحة لأنه منصوب على المصدرية ثم اختص
بالقسم كقوله:
أيها المنكح الثرياسهيلا عمرك الله كيف يلتقيان ...
والتمثيل إن كان للاختصاص فظاهر وان كان له وللتغيير فلأنّ أصله بإقعاد الله وتعميره
أي إدامته لك فغير معناه للقسم ولفظه إلى ما ذكر. قوله: (ولذلك لا يتصرف فيه) أي يلؤم النصب على المصدرية(6/416)
بفعل لازم الإضمار كما في بعض كتب النحو لكنه اعترض عليه في الدر المصون بما أنشده الزمخشري:
قعالت وفيها حيدة وذعر عوذبربي منكم وحجر ...
فإنه وقع مرفوعاً وكذا سمع في غيره أيضاً فمن جوّز فيه النصب على المفعولية أي اجعل البشرى حجرا لنا لم يصب. قوله: (ووصفه الخ) يعني أنه اشتق له من لفظه صفة مؤكدة وهي تكهعون بفاعل كشعر شاعر وموت مائت بوزن مفعول كحجر محجور وغيره كليل أليل وهي للنسب أي ذو حجر ومفعول كفاعل يكون للنسب كما مرّ في الإسراء. وقيل إنه على الإسناد المجازي وما ذكر لا يلائم المعنى وفيه نظر. قوله تعالى: ( {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ} ) قيل صحة البيان فيه باعتبار التنكير كصحة الاستثناء في أن نظن إلا ظناً إلا أن التنكير هناك للتحقير أي إلا ظناً حقيرا لا يعبأ به وهنا للتعظيم وإليه أشار المصنف رحمه الله بقوله: من المكارم كقرى الضيف وإغاثة الملهوف أي المظلوم والإغاثة بالمعجمة والمثلثة أو بالمهملة
والنون ولو قيل إنه للتعميم ودفع ما يتوهم من العهد في الموصول أي كل عمل عملوه غير معتد به لكان وجهاً. قوله: (وعمدنا إلى ما عملوا الخ) هذا التفسير منقول عن ابن عباس رضي الله عنهما كما في شرح الكشاف فلهذا ابتدأ به أي كما هو دأبه في تقديم المأثور والعمد القصد ولما كان بين كلاميه كما في الكشاف تناف فإنّ ظاهره أنّ القدوم مجاز عن القصد فهو مجاز مرسل وقوله شبهت حالهم الخ يقتضي أنه استعارة تمثيلية فلا تجوّز في شيء من المفردات كما تقرّر في المعاني اعترض عليه بعضهم بأنه خلط. وشراح الكشاف تنبهوا له ونبهوا على أنّ المراد أنه اسنعارة تمثيلية ولا تجوز في شيء من مفرداته باعتبارها وهو لا ينافي أن يكون في بعض مفرداتها مجاز سابق عليها كالقدوم هنا فإنه استعمل للقصد الموصل إلى المقصد والإرادة وهو المراد هنا لأنّ الذي لا بد منه هو قصد السلطان إلى من صدر منه ذلك أمّا القدوم فلا حاجة إليه بل قد يكون وقد لا يكون كما قيل وفيه ما فيه ثم إنّ مجموع قصد مصنوعاتهم ليجعل هباء منثوراً مستعار لإبطال أعمالهم وافنائها لكونها لم تصادف محلها ولم تقع موقعها فما ذكره المصنف بيان لحاصل المعنى المراد منه فلا إشكال فيه على ما قالوا وكلامهم لا يخلو من الخلل والاضطراب فإنّ كلام المصنف والكشاف لا يناسب ما ذكروه لتصريحهما بتشبيه العمل المحبط بالهباء المنثور وقد ذكر الطرفان ولو كان تمثيلاً لم يجز التشبيه والتصرف في شيء من أجزائه وما قيل إنه تشبيه ضمني لازم ذكر لتكثير الفائدة وبيان مناسبة المفردات لا يجدي نفعاً وكذا ما ذكره في المفتاح من جعله استعارة تبعية تصريحية طرفاها والجامع بينهما عقلية فاستعير من قدوم المسافر بعد مدة إلى الأخذ في الجزاء بعد الإمهال وأورد عليه أنه إذا كان قدمنا بمعنى أخذنا في جزاء أعمالهم بعد الإمهال فلا معنى لتعديته بإلى وهو غير وارد لأنّ المجاز قد يعتبر أصله في تعديتة كنطقت الحال بكذا إذ لم يقل على كذا وهو كثير بل الوارد عليه أنه لا يكفي في بيان معنى النظم وما بعده لا يلائمه وما قيل: من أنه إذا أريد بقدمنا قصدنا فلا حاجة إلى التمثيل لصحة المعنى بدونه واقتضاء المقام ممنوع ثم إنّ قدوم السلطان القاهر بنفسه يكون لاشتعال غضبه فاعتباره أنسب بالحال فهو مع قلة مفاده فيه اختلال على اختلال واذ سردنا لك ما في هذا المقام من القيل والقال فاعلم إنّ هنا استعارة تمثيلية في قوله: قدمنا! الخ واللفظ المستعار وقع فيه استعمال قدم بمعنى عمد وقصد لاشتهاره فيه كما أشار إليه في الأساس والقول بأنه لا حاجة إلى التمثيل بعده من قلة التدبر فإنه لا بدّ منه. وأمّا تشبيه عملهم في تفرّقه بالهباء ففي اللفظ المنقول فلا ينافي ما ذكر كما إذا قلت أراك تقدم رجلا وتؤخر أخرى كالمهر في طوله ولاشتهار قدم المدى بإلى في هذا المعنى وعدم مناسبتة للغارة إذ لا يقال قدم الجيس على العدوّ بل يقال أغار ونحوه لم يتفق على حقيقته وبهذا علمت ما في الكشاف وترجيحه غلى ما ذهب إليه السكاكي وما في كلامهم برمّته. قوله: (لفقد ما هو شرط
اعتباره) يعني الإيمان. وقوله: وهو تشبيه الخ قد عرفت معناه فمن قال إنّ الواو فيه بمعنى أو فقد أخطأ. واستعصوا بما خالفوه. وقوله: فقدم إلى أشيائهم جمع شيء كما صحح في نسخ الكشاف وفي نسخة أسبابهم بمهملة وموحدتين والصحيح الأول لأنه استعمال عامي. قوله: (ومنثورا صفتة الخ) يشير إلى أنه تتميم إذ لم يكتف بجعله في تفرّقه كالهباء حتى جعله منثورا كقول الخنساء:(6/417)
وان صخر التأتمّ الهداة به كأنه علم في رأسه نار 0..
فجعلها جامعة لحقارة الهباء وتناثره وقد علمت أنّ هذا التشبيه في ضمن التمثيل فلا يرد
أنه خلط لأنه حينئذ تشبيه لا استعارة كما توهم. وقوله: أو تفرقه معطوف على قوله انتثاره. وقوله: نحو أغراضهم تشبيه لتفرّقه بتفرّق أغراضهم في أعمالهم السيئة وعطفه بأو وان كاًن التفرّق والانتشار متقاربين لتباين ثمرته فإنها على الأوّل إنه لا يمكن جمعه والانتفاع به وعلى هذا هو جزاء له على حاله والجزاء من جنس العمل. فما قيل إنّ معناه جعلنا عملهم متفرّقا نحو أغراضهم من حيث الخلق وهو لا يناسب التمثيل غير متجه. قوله: (أو مفعول ثالث) يعني هو مفعول بعد مفعول كالخبر بعد الخبر لأنّ جعل لا يتعدى إلى ثلاثة مفاعيل كما أشار إليه بقوله من حيث إنه الخ وهذا جواب عما اعترض به على الزمخشري بجعله كحلو حامض وهو ضعيف كما تقدم ولذا آخره. قوله: (مكاناً يستقرّ فيه الخ) يعني المراد بالمستقر محل التحادث وبالمقيل محل الاستراحة ولذا جمع بينهما والا فالجنة كلها مستقر لهم وإلاسترواح استفعال من الراحة. وقوله: والتمتع الخ تفسير له وقوله تجوّزا له أي نقل له من معناه الحقيقي وهو مكان القيلولة إلى مكان التمتع بالأزوإج لأنه يشبهه في كون كل منهما محل خلوة واستراحة فهو استعارة. وقال الأزهري المقيل الاستراحة في نصف النهار وان لم يكن معه نوم وهو على المصدرية وليس فيه ما يقتضي عدم التجوّز هنا كما قيل. قوله:) أو لأنه لا يخلو الخ) عطف على قوله على التشبيه فهو مجاز مرسل لاستعمال المقيد في المطلق ولا تغليب فيه بالمعنى المتعارف كما قيل وقوله إذ لا نوم في الجنة تعليل للتجوّز وعدم إرادة الحقيقة. قوله:) وفي أحسن رمز الخ) يعني أنه كناية عن أنّ لهم فيه ما يتزين به مما ذكر لأنّ حسن المنزل إن لم يكن
باعتبار ما يرجع لصاحبه لم تتم المسرّة به ولما فيه من الخفاء جعله رمزاً. والتحاسين جمع تحسين مصدر حسنه كالتضاعيف سمي به ما يحسن به الشيء وقوله: يحتمل الخ يعني إنّ كلا منهما أو هما يحتمل المصدرية والزمانية والمكانية فالوجوه تسعة. قوله: (والتفضيل الخ) يعني المراد أنه أحسن من كل شيء يتصوّر حسنه أو المراد خير وأحسن مما للمترفين في الدنيا ولا ياباه قوله يومئذ كما توهم لأنه لا يلزم وجود المفضل عليه يومئذ أو مما لهم في الآخرة على التقدير والتهكم بأهل النار أو هو على حد الصيف أحر من الشتاء. قوله: (روي الخ) في شرح الكشاف أنه يفهم منه وجه آخر ولذا عطفه الزمخشريّ على ما قبله إذ المراد بالمستقر موضع الحساب وبالمقيل محل الاستراحة بعد الفراغ منه. ومعنى يقيلون يتقلون إليها وقت القيلولة. وقوله: وأهل النار مشاكلة أو تهكم والحديث أخرجه الحاكم وصححه وله طرق أخرى. قوله تعالى: ( {يَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاء بِالْغَمَامِ} ) العامل في يوم إمّا اذكر أو ينفرد الله بالملك لدلالة ما بعده عليه كما ذكره المعرب وقيل إنه معطوف على يومئذ أو يوم يرون وقرئ تشقق بتخفيف الشين وتشديدها بحذف إحدى التاءين وبادغامها في الشين لما بينهما من المقاربة كما في تظاهرون. قوله: (يسبب طلوع الغمام منها) يعني إنّ الباء للسببية كالسماء منفطر به والمراد بالغمام ضباب يخرج منها إذا تشققت وفيه ملائكة ينزلون وفي أيديهم صحائف الأعمال وهو المراد بقوله هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله الآية كما أشار إليه المصنف والمراد انفتاحها لذلك ولما كان تشقق السماء لأجل نزول ما فيه من الملائكة وبروز الخلق للحساب جعل سببا له وذكر التشقق للتهويل وقيل إنها للملابسة وهو أظهر وقيل إنها بمعنى عن أو للآلة. قوله: (وقرئ الخ) القراآت إمّا على الأصل بنونين على أنه مضارع معلوم من التفعيل أو الأفعال أو بنون واحدة وتاء تأنيث ماض مجهول من التفعيل أو أنزل مجهول الأفعال والرابعة نزل الملائكة بمجهول الثلاثي والخامسة بنون واحدة مضمومة والتشديد وضم اللام على أنه مضارع من التفعيل حذف فاء فعله وكلها ظاهرة إلا الرابعة فإن نزل الثلاثي لم يسمع تعديه. قال ابن جني فإمّا أن يكون لغة نادرة أو يكون أصله نزل نزول الملائكة فحذف المضاف فتأمّله. قوله:
(الثابت له) أي للرحمن فالحق بمعنى الثابت والجار والمجرور متعلق به ويومئذ متعلق بالملك. وقوله: لأنّ كل ملك الخ إشارة إلى ما يفيده تعريف الطرفين ولام الاختصاص(6/418)
من قصر المسند إليه على المسند والملك بمعنى المالكية. وقوله: فهو أي الحق. وقوله: وللرحمن صلته أي صلة الحق لا الملك للفصل بينهما فهو مؤكد لما يفيده تعريف الطرفين فلا وجه لما قيل إنه حينئذ لا نكتة في تعريف المسند. وقوله: أو تبيين فهو متعلق بمحذوف لا صلة كما في مقياله وهو بيان لمن له الملك وقوله لأنه متأخر أي مصدر متأخر لا تتقدم عليه صلته ولو ظرفا والتوسع فيه لا يقتضي ارتكابه من غير ضرورة. وادعاء جواز تقديره بأن والفعل لا يقتضي أن يعطي جميع أحكامه أو أنّ الحق صفة ولذا فسره بالثابت خلاف ما صرّحوا به وما ذكره هنا بناء على المشهور يومئذ بمعنى يوم إذ تشقق السماء. قوله: (أو صفة) عطف على قوله فهو الخبر أي الحق صفة لكن فيه فصل بين الصفة والموصوف بالخبر وللرحمن حينئذ صلة الحق وإذا كان للرحمن خبرا فيومئذ متعلق بالملك لا بالحق لما مرّ. وقوله: شديدا أي ما فيه من الأهوال شديد وقيل معناه لا يتيسر فيه شيء. وقوله: من فرط الحسرة أي من زيادة تحسره وندامته على ما فرط فيه. قوله: (وعض اليدين وكل البنان الخ) حرق الأسنان بحاء وراء مهملتين كمصدر حرق حك بعضها على بعض بحيث يسمع لها صوت كما يفعل في شدّة الغضب وروادفها أي لوازمها التي تقع بعدها غالبا فهي لازمة لها في العادة والعرف. قوله: (وقيل عقبة بن أبي معيط) فتعريفه للعهد وفي الوجه السابق للجنس ومعيط مهمل مصغر. وقوله: صديقه أي صديق عقبة. وقوله: صبأت أي خرجت من دينك إلى دين آخر من صبأ إذا مال وكانوا يقولون لمن أسلم صبأ. وقوله: آلى بالمد أي أقسم ودار الندوة مجمع معروف بمكة. وضمير طعن أبيا للنبيّ صلى الله عليه وسلم لأنه صلى الله عليه وسلم قتله بنفسه في أحد كما ذكره الثعلبي. وقوله: علوت رأسك بالسيف أي ضربتك به وقد برّ فيما ذكره لأنه فعل بأمره والآمر كالفاعل عرفا في بعض المواضع. ولذا قالوا إنه لو حلف ليضربنه فأمر بضربه برّ إن كان حاكما أو سيدا بخلاف غيره وكون لمأمور عليا كرّم الله وجهه رواية وفي الطبراني عن مجاهد إنه ثابت بن أبي الأفلح وقوله تعالى يقول شال من فاعل بعض أو جملة مستأنفة أو مبينة لما قبلها وياليتني الخ مقول القول وقصة عقبة أخرجها
ابن جرير من طرق مرسلة. قوله: (طريقاً إلى النجاة) أيّ طريق كان فالتنكير لشيوعه وعلى ما بعده التنكير والإفراد للوحدة وعدم تعريفه لادعائه تعينه وطريق الحق في نسخة طريق الجنة وقوله: تتشعب أي تختلف وتتفرّق فانّ طريق الحق واحدة وغيرها طرق متفرّقة. وقوله: على الأصل لأنها ياء المتكلم قلبت ألفا للتخفيف كما في صحارى. وقوله: يعني من أضله مطلقا أو أبيّ بن خلف. قوله: (وفلان كناية عن الإعلام الخ) إشارة إلى قول النحاة أنهم كنوأ بفلان وفلانة عن علم مذكر ومؤنث عاقلين وبهن وهنة عن اسم جنس مذكر ومؤنث غير علم سواء كان عاقلاً أو لا واشترط ابن الحاجب في فلان أن يكون محكياً بالقول كما في الآية وردّه في شرح التسهيل بأنه سمع خلافه كثيراً كقوله:
وإذا فلان مات عن أكرومة دفعوا معاوذ فقره بفلان ...
وقد يقال إنّ القول فيه مقدر فلا يرد قول ابن هشام أنه إذا قيل جاءني فلان معناه جاءني مسماه لا العلم وان أجيب عنه بأنه على تقدير جاءني مسمى فلان وكون هن المفتوج الهاء المخفف النون معنا. ما ذكر أكثريّ فإنه ورد خلافه في قوله:
والله أعطاك فضلاً من عطيته على هن وهن فيمامضى وهن ...
فإنه أراد عبد الله وإبراهيم وحسن والمراد بالكناية معناها اللغوي لا مصطلح أهل اإمعاني والمراد بالأجناس أسماء الأجناس أي ما ليس بعلم. قوله:) وتمكنت منه (إمّا عطف تفسير لقوله: جاءني وهو الظاهر أو المراد به الوصول إليه بعلمه وهذا بيان للواقع وليس في الآية دليل على إيمان عقبة ثم ارتداده لنزولها فيه ولعل قوله: وتمكنت منه إشارة إلى ذلك. وقوله: وكان الشيطان الخ إمّ من كلام الله أو كلام الظالم. وقوله: يعني الخليل فإنه يشبه الشيطان في الإضلال والإغواء. وقوله: لأنه حمل أي بوسوسته لأنه لم يضله ظاهراً. وقوله: يواليه أي يتخذه ولياً حقيقة أو حكما ثم يتركه وقت حاجته وتبريه منه(6/419)
وقوله فعول من الخذلان أي خذول والخذلان ترك المعاونة والنصرة وقت الحاجة.
قوله: (محمد يومئذ) أي المراد من الرسول نبينا صلى الله عليه وسلم شرفه الله وعظمه وقوله: ذلك في الآخرة يوم يعض الظالم على يديه وأورد عليه إنه لو كان في الآخرة لما عدل عن سنن ما تقدّم وأجيب بأن القصد فيما تقدم إلى الاستمرار التجدّدي الذي اقتضاه المقام وليس مقصوداً هنا فعبر بالماضي الدال على تحقق الشهادة عليهم حينثذ ولا يخفى إن ما تقدم إخبار عما في الآخرة فهو مستقبل حقيقة ولا قرينة على إوادة الاستمرار قيه. واحتمال عطفه على قوله: وكان الشيطان على أنه من كلامه تعالى بعيد ولو قيل إنه عدل عنه لتحققه ومناسبته لما قبله لكفى فتامّل. قوله: (أو في الدفيا بثا إلى الله) وهو المناسب لما بعده من تسليته له وبنا هنا بمعنى شكو! ما يحزنه إلى الله أي يقوله للبث وهذا على الاحتمال الثاني ويحتمل أنه عليهما فالمقصود ذلك لعلم الله به. وقوله: وصدّوا عته أي تركوه من الصدود فهو من الهجر بالفتح لا من الصدّ والمعنى صدّوا الناس عنه لعدم مناسبته للسياق والظاهر أنهما وجه واحد لا اثنان والأوّل الترك بالكلية مع عدم القبول والثاني عدم الاشتغال مع القبول. وما ذكره من الحديث قال العراقي رحمه الله روي عن أبي هدية وهو كذاب. وقوله علق مصحفه أي طواه ورفعه على المعتاد وتعلقه به يحتمل إجراؤه على ظاهره لأنّ أحوال الآخرة لا يقاس عليها. ويحتمل إنه ئمثيل أو أنّ المراد الملائكة الموكلون به وهو أقرب. قوله: (أو هجروا الخ) يعني من الهجر بالضم على المشهور وهو الهذيان وفحش القول والدخل وهو على الحذف والإيصال أي مهجورا فيه وله معنيان لأنه إما بمعنى مدخولاً فيه كقولهم: إنه أساطير الأوّلين تعلمها من بعض أهل الكتاب أو أنهم كانوا إذا قرى رفعوا أصواتهم بالهذيان لثلا يسمع كقوله: لا تسمعوا لهذا القران وألغوا فيه كما هو مسطور في تفسيرها. أو هو مصدر بمعنى الهجر بالضم لا بالفتح كما ئوهم كالمعقول وأخره لقلته عند من أثبته وأقل منه كونه للنسبة كحجابا مستورا كما مر في سورة الإسراء فقوله: فيكون الخ أي على الاحتمالين الأخيرين وعلى الأوّل منهما الهاجر الكفار وعلى الثاني من أتى به على زعمهم الفاسد. قوله: (وفيه تخويف الخ) أي على القول الثاني وفي الاقتصار عليه هنا ما يشير إلى ترجيحه لما مر وكونه في الآخرة كما توهم لا وجه له وبه
يهندفع أنه ليس فيه فائدة الخبر ولا لازمها كما مر وكذا في القول الأوّل. قوله: (كما جعلناه) بيان لدخوله فيهم دخولاً أوّلياً وأنّ المراد تسليته صلى الله عليه وسلم وأمره بالصبر لأنّ البلية إذا عمت طابت وقوله: وفيه دليل الخ لأنّ المراد بجعلهم عدوّاً جعل عداوتهم وخلقها وما ينشؤ منها فيهم لأجعل ذواتهم كما لا يخفى فهو إبطال لمذهب المعتزلة ويدخل فيهم آدم عليه الصلاة والسلام لدخول الشياطين وقابيل في المجرمين فلا حاجة إلى جعل الكلية بمعنى الكثرة كما قيل. وقوله: والعدوّ الخ لأنّ لبعض الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أعداء ولم يجعله مرادا لاحتمال تأويله فتأمّل. قوله: (إلى طريق قهرهم) قدّره لمناسبته لما بعده وما قبله وجعله بمعنى هادياً لمن آمن منهم ونصيرا على غيره كما قيل بعيد وقهرهم مصدر مضاف للمفعول وهاديا تمييز أو حال. قوله: (أنزل) فلا دلالة على التدريج وبهذه الآية استدل من قال نزل وأنزل بمعنى واعترض على قول المصنف رحمه الله بالفرق مينهما فيما مر وأنه معارض لما ذكره هنا وقد مر أنّ دلالته على ذلك عند الإطلاق ومقابلته بأفنرل وهو من القرائن الخارجية لا من الصيغة فلا تعارض بين كلاميه كما توهم. وجملة حال بمعنى دفعة وواحدة صفة عؤكدة له وقوله لئلا يناقض أي لو دل على التدريج. قوله: (كالكتب الثلانة) هي التوراة والإنجيل والزيور وهذا بناء على المشهور من أنها نزلت دفعة واحدة وقد قال في الإتقان إنه كاد أن يكون إجماعاً وذكر آثاراً وأحاديث مروية عن السلف كثيرة تد! ل عليه وقال رأيت بعض فضلاء العصر أنكره وقال إنه لا دليل عليه ثم بين خطأه فيه فلا عبرة بمن قال إنّ بعض العلماء ذكر في آخر سورة النساء إنّ التوراة أنزلت منجمة في ثماني عشرة سنة ويدل عليه نصوص التوراة ولا قاطع بخلافه من الكتاب والسنة والمراد بالذين كفروا أهل الكتاب وقيل المشركون. قوله: (وهو اعترأض الخ) أي قول الكفار لولا نزل الخ والطائل الفائدة وأورد على قوله: لأنّ الإعجاز(6/420)
لا يختلف الخ بأنّ فيه غفلة عما تقرّر في المعاتي من إنّ إعجازه ببلاغته وهي بمطابقته لمقتضى الحال في كل جملة منه ولا يتيسر ذلك في نزوله دفعة واحدة وما ذكره من المقدم مسلم وأما قوله إنه لا يتيسر الخ فممنوع فإنه يجوز أن ينزل دفعة واحدة مع رعاية المطابقة المذكورة في كل جملة منها لما سجدث من الحوادث الموافقة لها الدالة على أحكامها وقد صح إنه فزل دفعة واحدة إلى السماء الدنيا فلو لم يكن هذا لزوم كونه غير معجز فيها ولا قائل به بل قد يقال إنّ هذا أقوى في إعجازه مع أنه قيل في بعض السور إنها نزلت دفعة واحدة كسورة الأنعام ولا شبهة
في إعجازها ويؤيده أنّ الشاعر البليغ يقول القصيدة الطويلة دفعة واحدة كما في المعلقات مع أتفاقهم محلى بلاغتها وإن لم تكن معجزة وأيضا لو سلم لكانت بلاغتها مختصة بمن علم سبب نزولها فاللازم إنما هو أن يفهم من سياقها مطابقتها لمقامها ولو كان قبل تحققه فافهم. قوله: (حيث كان أمّياً وكانوا يكتبون) أي ويقرؤون الخط للزومه للكتابة فيسهل عليهم حفظها من غير احتياج إلى غيره من البشر المورث لتعبه ونقص فيه لاحتياجه للغير. وأمّ جواز نزوله دفعة بخط سماوي وتعليم جبريل عليه الصلاة والسلام تدريجاً فلا ضير فيه إلا أنه إذا لزم تلقنه منه تدريجاً لا يكن في نزوله كذلك فائدة مع أنّ في خلافه فوائد جمة والتعني تفعل من العناء وهو التعب والمشقة. قوله: (ولعله لم يستتب له) أي يتم ويستقيم قال البحتري:
قليل احتجاب الوجه يغدو بمسمع من الأمرحتى يستتب وينظر ...
أي ربما لا يتم حفظه له لو نزل جملة كما أشار إلى وجهه بقوله فإنّ التلقف أي التلقي له وقواله: ولأنه إذ أنزل منجماً الخ يعني أنه صلى الله عليه وسلم تحداهم بكل جزء وهذا أقوى من التحدي يالجملة فإذا عجزوا عن ذلك فهم أعجز عن غيره فطلبه يدل على شدة حيرتهم ودهشتهم. وقوله: تثبت به أي في نزوله حالاً فحالاً ترويح لنفسه وتثبيت لفؤاده كما إن كتب المحبوب إذا سواصلت لمحبه جدّدت له محبة ونشاطا. قوله: (ومنها) أي من فوائد تفريقه معرفة الناسخ المتأخر نزوله من المنسوخ المتقدّم المخالف لحكمه كما في آية القتال وتحققهما فيه من البواعث المتقدمة ومعرفة ذلك من الفوائد المتأخرة. وقوله: فانه يعين على البلاغة أي على معرفه البلاغة لأنه بالنظر إلى الحال يتنبه السامع لما يطابقها ويوافقها وفيه إشارة إلى ما مر. قوله: (وكذلك صقة مصدر محذوف) هو وعامله أي أنزلنا إنزالاً كذلك الإنزال الذي عرفتموه وأنكرتموه. وهو المفرق الذي دل عليه ما ذكر فإنّ معناه لم أنزل مفرقاً ولم ينزل جملة فهو من كلام الله. وقوله: من تمام كلام الكفرة فهو من جملة مقول القول وبه يتم والإشارة إلى إنزال الكتب المتقدّمة دفعة واحدة كما مر تحقيقه وهو حال من القرآن لا صفة مصدر فعل مقدّر كما مر ولا مانع صن جعله صفة لجملة ولا من كونه صفة مصدر هذا الفعل المذكور أيضاً وقوله
تتعلق بمحذوف هو أنزلنا الذي كذلك صفة لمصدره في أحد الوجهين. قوله: (وقرأناه) أي أمرنا أو قدرنا أو أردنا قراءته عليك والتؤدة والتمهل بمعنى. وقوله: في عشرين الخ اختلاف في المحدثين مر بيانه وتفليج الأسنان عدم تلاصقها وهو ممدوح فيها وقوله: كانه مثل الخ إشارة إلى أنه مجاز وقوله في البطلان لأنّ أكثر الأمثال أمور مخيلة والقدح بمثل لولا أنزل إليه ملك لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة وغيره مما مر وقوله إلا جئناك استثناء مفرغ من أعم الأحوال فمحله النصب على الحالية وجعل مقارنا له وإن كان بعده للدلالة على المسارعة إلى إبطال ما أتوا به تثبيتاً لفؤاده صلى الله عليه وسلم وقوله: الدافع من الدفع وهو ظاهر وفي نسخة الدامغ بميم وغين معجمة وهو المهلك له بإخراح دماغه استعير للدّفع أيضاً. قوله: (وبما هو أحسن بياناً) إشارة إلى أن أحسن معطوف على الحق وإزة التفسير بمعناه المعروف وهو الكشف والبيان وهو منصوب على التمييز وقوله: أو معنى فالمراد بالتفسير المعنى والمراد أحسن معنى لأنه يقال تفسير هذا كذا وكذا أي معناه فهو مصدر بمعنى المفعول لأنّ المعنى مفسر كدرهم ضرب الأمير. وقيل إنه من إطلاق السبب على المسبب لأنّ التفسير سبب لظهور المعنى وقيل عليه فرق بين نفس المعنى وظهوره فلا يتم التقريب. ورد بأن المفسر هو الكلام لا المعنى لأنه يقال: فسرت الكلام لا معناه كما(6/421)
في الكشاف فتجوز به عن بيان معنى الكلام وهو مجاز مشهور ملحق بالحقيقة فلذا تجوز به عن المعنى نفسه ولا يخفى ما فيه من التعسف وقوله من سؤالهم هو المفضل عليه المقدر وفي الفرائد المعنى إنه في غاية الحسن والكمال فلا حاجة لتقدير ما ذكر لكنه قيل إنه يفوت معنى التسلية إذ المراد لا يهمك ما اقترحوه وهو المراد بقوله: ولا يأتونك وفيه نظر. فوله: (أو لا يأتونك الخ) في نسخة ولا يأتونك الخ قيل وهي أولى لأنّ المآل واحد ولا وجه له فإنّ الفرق بينهما ظاهر فإنّ المثل في الأوّل بمعنى السؤال وفي هذا بمعنى حاله صلى الله عليه وسلم. ثم إنه قيل عليه أنه يأباه الاسنشاء المذكور لأنّ المتبادر منه أن يكون ما أعطاه الله من الحق مترتباً على ما أتوا به من الأباطيل وأفعالها ولا ريب في إنّ ما آتاه الله من الملكات السنية ليس لأجل ما حكي عنهم من الاقتراحات بل لأجل إبطالها ولا يخفى ضعفه فإنّ المراد بقوله: جئناك بالحق أظهر نافيك ما يكشف عن بطلان ما أتوا به نعم الوجه الأوّل أرجح وقد أشار إلى ترجيحه بتقديمه. وقوله: أحسن كشفا أي مما زعموه حسناً أو هو تهكم كما مر وفيه إشارة إلى أنّ تفسيرا بمعنى كشفا ولكنه كشف لما بعث به. قوله: (أي مقلويين) أي منكسين
يطؤون على رؤوسهم ووجوههم مع ارتفاع أقدامهم بقدرة الله وهذا يحتمل التضمين فعلى وجوههم وإلى جهنم صلته ويحتمل أنه يشير إلى أنهما حالان بتقدير ما ذكر وكذا قوله: أو مسحوبين أي مجرورين. قوله: (أو متعلقة قلوبهم الخ (أي هو كناية عما ذكر أو استعارة تمثيلية لأنّ من تعلق قلبه بشيء توجه إليه بوجهه والمراد بالسفليات الدنيا وزخارفها وما لهم فيها ولعل كون هذه الحال في الحشر باعتبار بقاء آثارها فتأمّل. قوله: (وعنه عليه الصلاة والسلام الخ) رواه الترمذي وفيه قيل يا رسول الله وكيف يمشون على وجوههم قال: " إنّ الذي أمشاهم على! دامهم قادر على أن يمشيهم على وجوههم) وعن المصنف الصنف الذي على الدواب هم المتقون والمراد أنهم يسرعون إلى الجنة كالركبان والمشاة هم الذين خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيثاً والذين يمشون على الوجوه الكفرة وقوله: وهو أي لفظ الذين يحشرون منصوب بتقديرم أذم أو أعني أو مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف تقديره هم لا أنه بتقدير بئس كما توهم أو هو مبتدأ. قوله: (كأنه قيل إنّ حاملهم) أي الداعي والباعث على أسؤلتهم ما ذكر فكأنهم نسبوا إليه الشرّ والضلال فقيل لهم على وجه التسليم أنتم شرّ وأضل منه وإلا فلا شيء فيه من ذلك فإنه محض خير وهداية ويجوز أن لا يجعل هو مفضلاً عليه ويكل ن المعنى أنتم أقوى في ذلك من كل من اتصف به والمكان في كلامه إمّا بمعنى الشرف والمنزلة أو بمعنى المسكن كقوله: {أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَّقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا} [سورة مريم، الآية: 73] وقوله: إنه متصل الخ المراد 6لصال الشيء بقسيمه ومرضه لبعده وتقدم قسيمه أو ما يشبهه وهو في الوجه السابق متصل بما قبله وقوله من الإسناد المجازي لأنه وصف صاحبه وهو وان أسند إليهم فسبيلا تمييز محوّل من الفاعل ففيه جمع بين الحقيقة والمجاز لكنه جائز في المجاز الحكمي فتأمّل. قوله: (يوارّره في الدعوة) أي يعاونه فيها وهو إشارة إلى معنى الوزير واشتقاقه على اختلاف فيه. واعلاء الكلمة
إظهار التوحيد وهو مجاز معروف كما في الحديث من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا. وقوله: ولا ينافي الخ إشارة إلى قوله: {وَوَهَبْنَا لَهُ مِن رَّحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا} [سورة مريم، الآية: 53] وأنه لا ينافي هذا لأنه وان كان نبيا فالشريعة لموسى عليه الصلاة والسلام وهو تابع له فيها كما أنّ الوزير متبع لسلطانه. وفي قوله: وجعلنا إشارة إلى نبوّته أيضاً إلا أنّ في قوله: لأنّ المتشاركين الخ قصورا لأنه لو كانت الوزارة بمعنى الاشتراك صح جعل موسى وزيراً فلا بدّ من قيد التبعية ولذا قال ووهبنا له ثمة دون جعلناه نبياً لكنه اعتمد على فهمه من جعله معاونا له لظهوره فلا يرد عليه شيء. قوله: (بآياتنا (إمّا متعلق باذهبا وهي الآيات التسع فمعنى كذبوا فعلوا التكذيب قيل وهو ظاهر من صنيع المصنف وفصله منه أو بكذبوا لقربه منه فالآيات دلائل التوحيد أو الآيات التي جاءت بها الرسل الماضية أو التسع وحينئذ يحتاج إلى جعل صيغة الماضي بمعنى المستقبل لتحققه إن لم يكن ذهابا ثانيا لكنه قيل إنه لا يناسب المقام فالمضي بالنظر إلى زمن الحكاية للرسول لا إلى زمن المحكي كما قيل ولا يخفى أنه بناء على أنه يعتبر زمن الأخبار وهو مرجوح عندهم كما تقرر في الأصول إذ المعتبر زمن الحكم فتأمّل.(6/422)
قوله: (فذهبا إليهم الخ) يشير إلى أنّ فيه إيجاز حذف وأن الفاء في قوله فدمرناهم فصيحة لأنّ أمره مستلزم لامتثالهما وتدميرهم للتكذيب فهو في قوّة المذكور ولذا اختصر وضمن قوله: اختصر معنى الاقتصار فعداه بعلى أو حمله عليه وحاشيتا القصة طرفا قصتهما في الدعوة وهي إلزام الحجة بالبعثة التي في قوله اذهبا فإنّ المقصود ادعواه وألزماه الخ وقال: استحقاق التدمير لأنه هو المتعقب على التكذيب ولذا قال والتعقيب باعتبار الحكم لأنّ حكمه الذي يعقب تكذيبهم لاسنحقاقهم فهذا إمّا توجيه آخر للتعقيب أو هما واحد لتلازمهما وتقاربهما وقد علم الجواب عن أنه وقع بعد أزمنة متطاولة فلا حاجة إلى جعل الفاء سببية أو لمجرد الترتيب أو باعتبار أنه نهاية التكذيب. وقوله: فقلنا معطوف على جعلنا المعطوف على آتينا بالواو التي لا تقتضي ترتيباً فيجوز تقدّمه مع ما يعقبه على إيتاء الكتاب. فلا يرد أن إيتاء موسى الكتاب وهو التوراة بعد هلاك فرعون وقومه فلا يصح الترتيب إلا أن يراد بالكتاب الحكم والنبوّة ولا يخفى بعده. قوله: (وقوم نوح) بالنصب بمقدر أي واذكر قوم نوح أو هو منصوب بمضمر يفسره أغرقناهم ويرجحه أنّ قبله جملة فعلية. وفي الدر المصون أنه إذا كان لما ظرف زمان وأمّا إذا كان حرف وجوب لوجوب فلا يتاتى هذا لأنّ جوابها لا يفسر وجوّز فيه تبعا للقرطبي وأبي حيان عطفه على مفعول دمرناهم وردّ بأن تدمير قوم نوح ليس مترتبا على تكذيب فرعون وقومه فلا يصح
عطفه عليه وقد تكلف في دفعه بأنّ المقصود من العطف التسوية والطير كأنه قيل دمرناهم كقوم نوح فتكون الضمائر لهم والرسل نوح وموسى وهرون وقد قيل إنه ليس من ضرورة ترتب تدميرهم على ما قبله ترتب تدمير هؤلاء عليه، لا سيما وقد بين سببه بقوله: لما كذبوا الرسل الخ وماكه إلى اعتبار العطف قبل الترتب فيكون المرتب مجموع المتعاطفين ومثله يكفي في ترتب بعضه وقد ذكر صاحب الكشف في صورة الصف ما يقاربه. قوله: (كذبوا نوحاً ومن قبله الخ) جواب عما يقال من أنّ الظاهر أن يقال: كذبوه وإذا كان المراد به هو ومن فبله فتعريفه عهدي أو هو للاستغراق إذ لم يوجد وقت تكذيبهم غيرهم وعلى الثاني فهي للاستغراق لكن على طريق المشابهة والادعاء وعلى الثالث فهي للجنس أو الاستغراق الحقيقي وتكذيب الرسل فيه عبارة عن إنكارهم وإرادة نوح عليه الصلاة والسلام بالرسل تعظيماً بعيد والبراهمة قوم قالوا: لا بعثة لا حدوا دعوا استحالتها عقلا وهم نسبة إلى رجل يسمى برهام، وهو صاحب مذهبهم كما في الملل والنحل وأعتدنا بمعنى جعلناه معداً لهم في البرزخ أو في الآخرة وعلى التخصيص المراد بالظالمين القوم الصذكورون فكان الظاهر لهم. قوله: (عطف على هم في جعلناهم) المعطوف على الجملة المتقدّمة المقيدة بالظرف وهو لما لا على المظروف وحده وأورد عليه أنه إن أراد بتلك الجملة أغرقناهم فلا تقيد له بالظرف بل الظرف كما قيل: قيد للمحذوف المفسر به وان أراد بها ذلك المحذوف فمع أنه لا حاجة إلى العطف عليه يخدشه إنّ الوجه حيئذ القطع للاحتياط كما قطع أراها في قوله:
وتظن سلمى أنني أبغي بها بدلاً أراها في الضلال تهيم ...
وأجيب باختياو الشق الأوّل وحمل كلامه على التنزل والتسليم مبالغة في دفع ما يرى
بادى الرأي من أنّ قوله: وجعلناهم عطف على المقيد بالظرف وإذا عطف عاداً وثمود على هم لزم تقييد جعلهم آية أيضاً بالظرف المذكور ولا صحة له معنى ولا يخفى ضعفه وأنه لا يتعين نصب قوم نوح بمقدر كما مرّ ولو سلم فالظاهر عطفه على المذكور وانّ الظرف متعلق به وما ذكره من القطع استحساني قد يجوز خلافه اعتماداً على القرينة العقلية ولم يتعرض المصنف رحمه الله لاحتمال كونه معطوفاً على قوم نوح قيل لظهور. ولا يخفى ما فيه، وقيل لأنه منصوب بأغرقنا مقدراً فلا مجال للعطف عليه لأنّ عاداً وثموداً يغرقوا ولا يخفى أنّ المصنف رحمه الله لم يذكر له إعرابا وأنه يحتمل وجوهاً أخر كما مر. نعم عدم ذكره قد يقال إنه قرينة على إرادته إذ لا مانع له سواه فتأمّل. قوله: (لأن المعنى ووعدنا الظالمين) إشارة إلى أنه عطف
على محله لأنه في محل نصب وإنما ذكره تحقيقاً لمحله وليس وجهاً آخر كما قيل والوعد في كلامه بمعنى الوعيد وأعتدنا بمعنى هيأنا قريب منه فلا(6/423)
وجه لما قيل إنه ليس بمعناه وقوله: على تأويل القبيلة فإذا صرف فباعتبار الحي أو أنهم سموا بالأب ا! بر وعدم تنوينه قراءة حمزة وعاصم قيل وقد خالف عادته فيهما فإنه يقول قرى مجهولاً في الشواذ. قوله: (وهي البئر الغير المطوية) أي المبية يقال طويت البئر إذا بنيتها بالحجارة قال:
وبئري ذو حفرت وذو طويت
وانهارت بمعنى انهدمت وغارت وقوله: بفلج اليمامة بسكون اللام وفتحها وفي آخره
جيم وهي قرية عظيمة بناحية اليمامة وموضع باليمن من مكان عاد واليمامة معروفة والأخدود الحفرة المستطيلة وإنطاكية بتخفيف الياء بلدة معروفة وقصة حبيب النار ستأتي في سورة يس وحنظلة قيل: إنه كان بفلج اليمامة وهو نبي اختلف في عصره وقيل: هو خالد بن سنان وطير اسم جنس جمعي يجوز تذكيره وتأنيثه فلذا قال عظيم وفيها. قوله: (يقال له فتح أو دمخ) فتح بالفاء والتاء المثناة من فوق والحاء المهملة وقيل إنها معجمة وقيل إنه بمثناة تحتية وجيم ودمخ بدال مهملة وميم ساكنة وخاء معجمة. وقوله: تنقض بمعنى تنزل وأعوزها بمعنى احتاجت إليه. قوله: (ولذلك سميت منرباً) إمّا لإتيانها بأمر غريب وهو اختطاف الصبيان وقيل إنها اختطفت عروساً أو لغروبها أي غيبتها وقد قيل أيضاً في وجه التسمية إن وكرها كان عند مغرب الشمس وقيل إنها طائر موجود الاسم معدوم الجسم ويقال عنقاء مغرب بالتوصيف والإضافة مع ضم الميم وفتحها وقوله أي دسوه في الغريبين رسه ودسه بمعنى أدخله والقرن تقدم الكلام فيه. قوله: " شارة إلى ما ذكر) من الأمم ولذا أضيف إليه بين وقوله لا يعلمها إلا الله فسره به لقوله: {وَمِنْهُم مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ} [سورة غافر، الآية: 78] والإعذار بيان العذر وازالته.
وقوله: فتتنا أي مزقنا وأهلكنا. قوله: (والثاني بتبرنا لأنه فارغ) أي لا معمول له بخلاف ضربنا لذكر له وتقديمه للفاصلة لا لإفادة القصر على أنّ المعنى كلاَ لا بعضاً كما قيل لإفادة لفظ كلا له والفرق بين النفي والانتفاء تكلف وقوله يعني قريشاً فالضمير لهم لا للمهلكين المار ذكرهم لعدم صحته معنى. قوله: (مروا مرارا) فسره به لأنّ أتى إمّا متعدّ بنفسه أو بإلى فتعديته بعلى لتضمته معنى المرور وأتى وان تعدى بعلى كما في القاموص لكنه بمعنى آخر يقال أتى عليه الدهر أي أهلكه فهو كقوله: {وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِم مُّصْبِحِينَ وَبِاللَّيْلِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} [سورة الصافات، الآية: 137] قيل وقوله: مرارا أخذه من هذه الآية لأنّ القرآن يفسر بعضه بعضاً والأحسن إنه من قوله هنا أفلم يكونوا يرونها لأنّ كان والمضارع يدل على التجدّد والتكرر كما أضار إليه المصنف ولم يصرح به في أوّل الآية بأن يقول ولقد كانوا يأتون للإشارة إلى أنّ المرور ولو مرة كاف في العبرة ومتاجر جمع متجر بمعنى التجارة لا صيغة مفاعلة. قوله: (يمني سدوم) أي المراد بالقرينة سدوم وهي مدينة قوم لوط عليه الصلاة والسلام وهي بالسين والدال المهملتين وقيل إنه بذال معجمة والدال خطأ وصححه الأزهري وقال سذوم بالمعجمة اسم أعجمي وفي الصحاح إنه بالمهملة وفي الكشف الاعتماد على ما قاله الأزهري وهو اسم قاضيها في الأصل ولذا قيل أجور من سذوم ثم غلب على القرية وقوله: عظمى قر! قوم لوط بدل أو صفة لسدوم وهو إشارة إلى وجه إفراد القرية بالذكر مع تعدّد قراهم وقوله أمطرت الخ تفسير لمطر السوء. قوله: (في مرار مرورهم) إشارة إلى ما في المضارع من الاستمرار وفي كان من التكراو ولذا لم يقل أفلا يرونها وهو أخصر وأظهر. قوله: (بل كانوا كفرة الخ الما كان الرجاء في الأصل انتظار الخير ونشور الكفار لا خير فيه لهم فسره بوجو. منها أنه هنا بمعنى التوقع مجازا وهو يعم الخير والشر ومنها أنه على حقيقته وليس المراد بالنشور نشورهم بل نشور فيه خير كنشور المسلمين وهم لا يرجونه حتى يرجعوا عن كفرهم ومنها إنّ المراد بالرجاء الخوف على لغة تهامة كما مر تحقيقه وليس بمجاز كما توهم لأنّ جعله لغة يأباه بحسب الظاهر فالمراد بالنشور نشورهم والركاب الإبل المركوبة واحدها ركوبة أو لا واحد له من لفظه فواحده راحلة. قوله: (ما يتخذونك) إشارة إلى أنّ إن نافية وقوله موضع هزء أو مهزوأ* به يعني معنى تخاذه هزوا الاسنهزاء به فهزواً إمّا مصدر بمعنى المفعول مبالغة أو هو بتدير مضاف أي موضمع هزء ومعنى اتخاذه موضمع هزءانه مهزوء به وإنما أوّل ليصح حمله على
ضمير الرسول وجملة أن يتخذونك جواب إذا وهي تنفرد بوقوع جوابها المنفي بما ولا وان بدون فاء بخلاف غيرهما من أدوات الشرط وجملة أهذا حال بتقدير القول(6/424)
أو مشتانفة " في جواب ماذا تقولون ويجوز أن يكون الجواب أهذا الذي الخ بتقدير يقولون وجملة إن يتخذونك معترضة.
قوله: (قول مضمر) أي محذوف وفرق بعضهم بينهما بأنّ المضمر يقال فيما كان له أثر ظاهر أو مقدر وهو هنا نصب المقول محلاَ لأنه مفعوله والمحذوف بخلافه. وقزله:، والإشارة للاستح! قار لأنّ كلمة هذا تستعمل له وعائد الموصول محذوف أي بعثه ورسولاً حال منه هـ وقوله: بجعله صلة لأنّ الصلة يكون معناها معهوداً فيقتضي العلم باتصاف الموصوف بها والمقول له فلا يقال كيف أتى به كذا وهو منكر عندهم ولم يلتفت إلى تقدير في زعمه لأنّ هذا أبلغ مع سلامته من التقدير. وقوله: ولولاه أي لولا التهكم والاستهزاء وإفراد الضمير لأنهما كشيء واحد. وقوله: إنه كاد إشارة إلى أنها مخففة من الثقيلة لدخول اللام الفارقة في حيزها. فوله: (ليصرفنا الخ) يعنون إنه مع كثرة ما يورده في صورة المعجزات لم يصرفنا عما نحن عليه لصبرنا وتثبت أقدامنا وهذا مناسب لما قبله وربما يتوهم أنه مناقض لاستحقارهم واستهزائهم حتى يقال إنه ليس كذلك لأنّ الاستحقار من وجه لا ينافي الاستعظام من وجه آخر والقوّة لكثرة الإيراد والمورد لا ينافي ضعف المدعي من جهة أخرى كما قيل رداً على من قال إنما تناقض كلامهم لاضطرابهم وتحيرهم فإنّ الاستفهام السابق دال على الاستحقار وهذا دال على قوّة حجته وكمال عقله ففي ما حكاه الله عنهم تحميق لهم وتجهيل لاستهزائهم بما استعظموه وقد قيل عليه إنه ليس بصريح في اعترافهم بما ذكر بل الظاهر أنه أخرج في معرض التسليم تهكماً كما في قولهم بعث الله رسولاً وهو الأنسب بذكره في ضد الهزء من غير تعرض لاختلاف مقالتهم والحق ما ذكرناه أولاً لأنّ كاد ونسبة الإضلال إليه وتسليم إلهية ما عبدوه يدفع التناقض ويأبى الاسنهزاء كما لا يخفى واليه أشار المصنف فتدبر. قوله: (ولولا في مثله تقيد الحكم المطلق) يعني أنّ لولا في معنى الثرط الذي هو قيد للجزاء وما قبله لدلالته على الجزاء كما في معناه وهذا في معنى القيد له كقولك أنت طالق إن دخلت الدار وإنما قال دون اللفظ لأنّ الجزاء لا يتقدّم على الصحيح. قوله: (كالجواب لقولهم إن كاد الخ) من أمّا اسنفهامية خبرها
أضل والجملة سادة مسد مفعولي يعلمون أو موصولة وأضل خبر مبتدأ محذوف أي هو أضلى وانجملة صلته،! وحذف صدر الصلة لطولها بالتمييز والمراد بالجواب الجواب المعروف لا جواب الشرط وجعله كالجواب لا جوابا لعدم صراحته وقوله: فإنه الخ بيان لكونه كالجواب والمراد أنهم جعلوا دعوته صلى الله عليه وسلم إضلالاً والمضل لغيره لا بد أن يكون ضالاً وهذه الجملة تدل على نفي الضلال عنه لأنّ معناها أنهم يعلمون أنهم في غاية الضلال لا هو ونفي اللازم يقتضي نثي ملزومه فيلزمه أن يكون هاديا لا مضلا. وقوله: يكون عطف على قوله يلزمه والموجب بفتح الجيم وكسرها أي يفيد نفي ما يكون موجباً لقولهم هذا وهو كونهم على الهداية والرشاد قيل وكأنه جعل لفظ أضل في النظم بمعنى الضلال! ولذا قال: كالجواب ولو أريد به مطلق الزيادة بمعنى في غاية الضلال وهو الضال المضل كان أحسن والمعنى سوف تعلمون المضل فيفيد نفي ما صرحوا به من كونه مضلا فيكون جوابا لا كالجواب ولا يخفى ما فيه فإنه ليس بصريح في الجواب على كل حال فتأمّل. والوعيد في قوله: يرون العذاب. قوله: (بأن أطاعه) يعني إنّ الإله هنا استعارة للمطاع المتبع الذي هو عنده كالدين والمراد بالدليل ما في الافاق والأنفس ولذا جعله مبصرا. وفي نسخة يتبصر. وقوله: قدم المفعول الثاني وهو إلهه على لأوّل وهو هواه لأنّ المعنى جعل هواه إلها له والعناية الاهتمام به لأنه هو الذي نشا منه شدة الإنكار فكم في الناس من ذي هوى يعذر في هواه وأمّا هؤلاء فلجعلهم هواهم كالإله المعبود استحقوا الإنكار الشديد فمن علله بأنّ الإله يستحق التعظيم والتقديم لم يصب إذ الإله المراد به الهوى ليس كذلك وقد قيل إنّ تقديمه للحصر كأنه قيل أرأيت من لم يتخذ معبوده إلا هوا. فهو أبلغ في ذمّه وتوبيخه وفيه نظر. ثم إنه أورد عليه أنّ المبتدأ والخبر في الحال أو الأصل كما هنا إذا كانا معرفتين لا يجوز تقديم أحدهما على الآخر وليس هذا على إطلاقه فإنه إذا قامت القرينة صح ذلك كما صرحوا به والقرينة هنا قائمة عليه وهي عقلية لأنّ المعنى عليه كما عرفت فلا حاجة إلى القول بأنّ أهل المعاني لا يسلمون هذا فتدبر ورأى علمية فقوله أفأنت الخ في محل المفعول(6/425)
الثاني أو بصرية فهو مستأنف. قوله: (تمنعه الخ) تفسير لقوله حفيظاً. وقوله: وحاله هذا أي جعله هواه إلها وهذه جملة حالية بيان لوجه الإنكار. وقوله: بل أتحسب إشارة إلى أنّ أم منقطعة وضمير أكثرهم لمن باعتبار معناه وقوله: عليه باعتبار لفظه واختير الجمع هنا لمناسبته إضافة اكثر لهم وأفرد فيما قبله لجعلهم في اتفاقهم على الهوى كشيء واحد وقيل إنه للكفار لا لمن لأنّ قوله: عليه يأباه وليس بشيء. قوله: (وهو أشد مذمة) أي ذمّا لسلب
الإحساس والشعور عنهم وجعلهم كالحيوان فالإضراب للانتقال من القبيح إلى الأقبح وقوله: منهم من آمن أي بعد اتخاذ إلهه هواه والمضيّ باعتبار الحكاية وقوله: إن هم إن كان الضمير لدمر فهو ظاهر وإلط كان لمن فاكتفى عن ذكر الأكثر بما قبله. وقوله لأنها تنقاد لمن يتعهدها أي تطيع من يقوم بعهدة مصالحها كأكلها وسقيها ولذا عداه وهو لازم. وقوله: غير متمكنة من طلب الكمال لعدم تكليفها وعقلها وما وقع في نسخة من على بدل من تحريف. قوله: (ألم تنظر إلى صنعه) وفي نسخة إلى صنيعه وهو إشارة إلى أنّ الرؤية هنا بصرية لأنها هي التي تتعدّى بإلى وإنّ فيه مضافاً مقدّرا لأنه ليس المقصود رؤية ذات الله هنا وكيف منصوب بمذ على الحالية وهي معلقة لتر إن لم تكن الجملة مستأنفة وقد تقدم تفصيله وهذا شروع في بعض أدلة التوحيد بعدما نعى على الكفر شركهم وكيف للاستفهام عن الحال وقد تجرّد عن الاستفهام وتكون بمعنى الحال نحو انظر إلى كيف تصحنع وقد جوّزه الدماميني في هذه الآية على أنه بدل اشتمال من المجرور وهو بعيد. وألم تنظر إلى الظل الخ يعني كان حق التعبير هذا فعدل عنه إلى ما ذكر لما ذكره لا أنّ فيه تقديماً وتأخيراً فإنه لا وجه له فبعدما كان متعلق الرؤية الظل جعله الرب إشعارا بأنّ المعقول وهو صنيع الرب تعالى وتقدّس المفهوم منه كالمحسوس لأنّ صنعه وهو مدّ الظل أمر معقول جعل كالمحسوس لإدخاله تحت الرؤية والظل أمر محسوس وقع التعبير عن رؤيته ممدودا برؤية الرب مادّاً له فجعل المعقول كالمحسوس لما ذكر وهو أظهر في الدلالة على ما ذكر ولا يخلو كلامه من إغلاق قيل والأولى أن يقول إنّ التعبير المذكور للإشعار بأنّ المقصود العلم بالرب علماً يشبه الرؤية وقوله برهانه الضمير المجرور عائد على المعقول أو للظل بجعله مضافاً للفاعل أو المفعول والبرهان بمعنى لدلالة لا المدلول فلا مسامحة في رجوع ضمير هو إلى البرهان لا إلى المعقول وضمير حدوثه وتصرفه للظل وقوله: لوضوح علة لقوله كالمشاهد والتصرف مصدر مجهول وهو زيادته وكماله ونقصانه
والأسباب الممكنة طلوع الشمس وحركتها والإجرام. وقوله: على أنّ ذلك متعلق بدلالة وكالمشاهد خبر أنّ. قوله: (فكيف بالمحسوس منه) وهو الظل نفسه أي فكيف يثتبه كون المحسوس وهو الظل شاهدا حتى يبين فلا يرد أنه من مراتب الضوء فكيف يصح تشبيهه بالمشاهد مع أنه يصح أيضا إذا أريد بالمشاهد الجرم وكذا لا يرد أنه لا يتعلق الغرض بالمحسوس منه حتى يقول فكيف الخ إذ لا خفاء في كون مد الظل مشاهدا مقصوداً فكذا هو نفسه في ضمته فتأمّل. قوله: (أو ألم ينتة علمك الخ) فرأى علمية لا بصرية كما في المعنيين الأوّلين وهذا لازم معناها كما قيل وتعديته بإلى لتضمين معنى الانتهاء وكون إلى اسماً واحدا لآلاء وهي النعم بعيد جداً وذلك مد الظل أو الظل الممدود وقوله فيما بين الخ هو على الوجه الأخير أو على جميع الوجوه وقوله وهو أي ما بين طلوع الفجر والشمس وهو زمان مد الظل وبسطه أو الظل الممدود ويؤيده قوله: ولذلك الخ وقوله: يبهر البصر أي يغلبه. قوله: (ثابتاً من السكنى الخ) أي دائماً غير زائل فإنّ السكنى الاستقرار وذلك بأن لا تطلع الشمس أو لا تذهب وهذا أنسب بما قبله من الامتنان بمد الظل وغير متقلص من قلص الظل إذا ارتفع وقوله: ة إنه لا يظهر فالدليل باعتبار ظهوره لا وجود. إذ هو موجود ما بين الفجر وطلوع الشمس وبعض الإجرام وهو ماله الظل. وقوله: أو لا يوجد لأنّ وجوده بحركة الشمس إلى الأفق وتفاوته بحركتها من الأفق إلى ما فوقه عادة لكنه قيل عليه إن ثم لا تناسب الوجود فإنه ليس بعد المد والدليل حينئذ بمعنى العلة وهو خلاف الظاهر أيضا. قوله: (لما عبر عن إحداثه يمعنى التسيير) في نسخة النشر وهو أنسب بالقبض إذ القبض إلى نفسه بمعنى جمعه وهو المراد بالكف من كف أطراف ثوبه إذا جمعها لا بمعنى الترك وقوله: قليلاً قليلا هو بقرينة(6/426)
الواقع ولولاه لم يدل اللفظ على التدريج ولو قبضه دفعة واحدة لم تحصل به المصالح. قوله: (وثم في الموضعين الخ) يعني أنّ التراخي رتبي ففيه اسنعارة تبعية شبه تباعد الرتبة بالتباعد الزماني فاستعير له ما يدل عليه وهو إمّا من الأدنى إلى الأعلى فإن جعل الشمس دليلاَ بطلوعها وهو
أنفع من الظل الصرف وارتفاعها الملزوم للقبض أنفعءمنه أو بالعكس فإنّ الظل أطيب الأحوال وأدنى منه وقت الطلوع وأدنى منه وقت الشعاع. قوله: (أو لتفا! ل مبادي أوقات ظهورها) فالتراخي رّماني لكنه باعتبار الابتداء فإنّ بيته وبين ابتداء ما بعده بعد زماني فبين ابتداء الفجر وطلوع الشمس بعد وكذا ما بعده. قوله: (وقيل مدّ الظل الخ) هذا ذكره الزمخشري وضعفه المصنف رحمه الله لتكلفه وقيل إنه لا يناسب قوله: ألم تر وقد منع إذا كان بمعنى ألم تعلم وقال بعض الصوفية المراد من الظل العالم ومن الشمس الله تعالى وقبضه إهلاكه وهو قريب مما ذكره المصنف. قوله: (فألقت عليه طلها) قيل عليه إذا لم يكن نير كيف يتحقق الظل إذ الواقع حينئذ هي الظلمة وهي عدم الضوء عما من شأنه أن يكون مضيكا ولا يتفاوت الحال بين إن تبنى السماء فوق الأرض أم لا في انتفاء الضوء وتحقيق الظلمة وأجيب بأنّ السماء شفافة لها نور ما ويكونه فوق الأرض يشتدّ ظهوره أو المراد بالنير الشمس لتبادره فلا يرد ما ذكر أو المراد أنّ الأرض كانت إذ ذاك مظلمة غير مضيئة وكونه ظلاً باعتبار ما ترى في بادئ النظر وقد ذكر نحوه في تفسير قوله: أغطش ليلها والمراد بتلك الحالة بناء السماء على الأرض دون إيجاد شيء آخر وهو تفسير لقوله: ولو شاء لجعله ساكناً على هذا الوجه وثم للتراخي الزماني على هذا. قوله: (ثم خلق) هو معنى جعل على هذا وعليه مفعول ثان له على هذا بتقدير مسلطاً عليه ودليلاَ حال وهو بمعنى ما يلزم من العلم به العلم بشيء آخر والاستتباع في كلامه بمعنى اللزوم وضمير عليه واياه للظل يعني أنّ الشمس مسلطة على الظل بإيجاده واعدامه ودليل عليه لإظهاره وذكر مسلطاً وان كان صفة للشمس لتأويله بالكوكب ومن تقريره يظهر وجه تكلفه وتمريضه. قوله: (أو دليل طريق من يهدبه) في أكثر النسخ دليلا بالتنوين ولطريق جار ومجرور متعلق به وهو معطوف على مسلطا والدليل بمعناه العرفي ومن الموصولة قيل إنها عبارة عن الظل وضمير يهديه للشمس وفي بعضها دليل الطريق بالإضافة وهو معطوف على فاعل يستتبع ومن معطوف على مفعوله وقوله: يتفاوت بحركتها الخ اسنئناف-لبيان نسبة الاستتباع المذكور وتحوّله بتحوّلها وان اختلفت جهة التحوّل في الظل والدليل فإنّ الدليل يتبحه من يهديه في جهته والظل بخلات فتأمّل وقوله: شيئاً فشيئاً يعني أنّ يسيرا بمعنى التدريج لأنّ المعنى متدرجا إلينا أو بمعنى سهل فإنه يستعمل بهذا المعنى أيضاً وقوله: عند قيام الساعة بقرينة قوله: إلينا والتعبير بالماضي لتحققه ولمناسبة ما ذكر معه وقوله بقبض أسبابه فإعدامه بإعدام أسبابه كما أن إنشاءه بإنشائها. قوله تعالى: ( {جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا} ) قدم هنا جعل الليل لباساً على جعل النوم
سباتاً لتقدمه عليه ووقوع النوم في أثنائه ولمناسبة الليل للظل وعكس في سورة النبا ليتصل الليل بالنهار بعده والنوم بالأرواح التي هي راحة لهم. وقوله: شبه الخ إشارة إلى أنه تشبيه بليغ لا استعارة لذكر الطرفين وكذا ما بعده. قوله: (واحة للأبدان الم يرتض هذا في الكشاف لأن مقابلته بالنشور يرجح الثاني وأشار المصنف إلى جوابه بأن النشور بمعنى الانتشار للمعاش فهو مقابل لسكون الراحة لكن المتبادر منه الأوّل وهو يكفي مرجحاً كما أشار إليه في الكشف والسبات بالسين بتفسيربه من القطع لكنه على الأوّل قطع المشاغل وعلى الثاني قطع الإحساس أو الحياة. قوله: (ذا نشور) يعني أنه جعل النهار نشوراً مبالغة ومعناه ذو نشور والنشور الانتشار أو هو بمعنى ناشر على الإسناد المجازي لانتشار الناس فيه للمعاش فهو كقوله: {جَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا} [سورة النبأ، الآية: 11] وقوله: أو بعث معطوف على انتشار أو نشور وقوله بعث الأموات منصوب على المصدرية أي كبعث الأموات واليقظة بفتح القاف وتسكن لضرورة الشعر وأنموذج ويقال نموذج معرب نمونه وما ذكره عن لقمان إشارة إلى تشبيه النوم بالموت وأنه أخوه وأمّا قوله الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا فمعنى آخر وفي كلامه لف ونشر لتفسيري السبات والنشور. قوله: (وقرأ ابن كثير على التوحيد) وقوله: على إرادة الجنس(6/427)
بالألف واللام أو الاستغراق فهو في معنى الجمع موافقة لقراءة الجمهور ولا يعارضه ما ورد في الحديث من قوله: اللهمّ اجعلها رياحا ولا تجعلها ريحا ولذا قيل إنّ الريح حيث أريد بها ما لا يضرّ جمعت وفي عكسه تفرد لأنه إمّا أكثريّ أو عند عدم القرينة أو في المنكر ويلائمه كلام المصنف رحمه الله. قوله: (ناشرات) أي هو حال وهو جمع نشور كرسول ورسل وبفتح النون وسكون الشين مصدر وقع حالاً أيضاً وقوله وصف به لأنها صفة معنى ومفعول مطلق من أرسل لأنه بمعنى نشر ومعنى نشرها للسحاب جمعها لها من النشر بمعنى البعث لأنها تجمعها كأنها تحييها لا من النشر بمعنى التفريق لأنه غير مناسب إلا أن يراد به السوق مجازاً وتخفيف نشر بضمتين بمعنى تسكينه وبشور بالباء الموحدة صيغة مبالغة أو مصدر بمعنى مبشر فهو كقوله: {أَن يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ} [سورة الروم، الآية: 46] وقوله: قدام تفسير لبين يدي والمطر تفسير للرحمة لأنها استعيرت له ثم رشحت. كقوله: يبثرهم ربهم برحمة منه وجعلها بين يدبه تتمة لها لأنّ البشير يتقدّم المبشر به ويجوز أن تكون تمثيلية وبشرا من تتمة الاستعارة داخل في جملتها ومن قرأ
نشراً كان تجريداً لها لأنّ النشر يناسب السحاب. قوله: (مطهرا) تفسير للمراد منه وقوله: لقوله الخ دليل على أنّ المراد بالطهور المطهر لأنّ القرآن يفسر بعضه بعضاً ثم شرع في بيان كيفية دلالته على التطهير مع أنّ فعولاً صيغة مبالغة من الثلاثي وهو لازم فكيف يفيد معنى التعدي فقال: وهو اسم لما يتطهر به يشير إلى قول الأزهريّ في كتاب الزاهر فعول له معان مختلفة منها إنه اسم اكة لما يفعل به الشيء كغسول ووضوء وفطور في أخوات كثيرة ويكون صفة بمعنى فاعل أو مفعول واسماً كذنوب ومصدراً لكنه قليل فالطهوو ما يتطهر به فيدلّ وضعا على أنه مطهر وليس صفة حتى يرد ما أوردو. ولا الإسناد فيه مجازي كما توهم وهو بدل أو عطف بيان لا صفة لماء وليست الواو في قوله: وهو الخ بمعنى أو كما توهم. وقوله: به تنازعه يتوضأ ويوقد ثم ذكر أحاديث دالة على وروده بهذا المعنى والحديث الأوّل في السنن والثاني في مسلم والتسبيع والتتريب مذكور في كتب الفقه مع الاختلاف فيه وليس هذا محله وولغ بمعنى أدخل لسانه فيه ليشرب مته. قوله: (وقيل بليغاً في الطهارة الخ) قائله الزمخشري قال بعده وعن أحمد بن يحى هو ما كان طاهرا في ففسه مطهر الغيرة فان كان ما قاله شرحاً لبلاغته في الطهارة كان سديداً والا فليس فعول من التفضيل في شيء وقال في الكشف فيه إيماء إلى أنّ الطهارة لما لم تكن في نفسها قابلة للزيادة لأنها شيء واحد رجعت المبالغة فيه إلى انضمام التطهير إليها إلا أنّ اللازم صار متعدياً الخ وقد اعترض عليه بأنّ إفادة المبالغة تعلقه بالغير لا يساعده لغة ولا عرف فانظر إلى قول جرير:
عذب الثنايا ريقهن طهور
انتهى. ومثل بيت جرير قوله تعالى: {وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا} [سورة الإنسان، الآية:
21] وقد ردّ على من أورده الزجاجي بأنّ ما ذكره أهل اللغة في حقيقته ووصف الريق والشراب ابه ليس كذلك ويؤيده ما قيل إنّ المبالغة يجوز أن تكون في الكيفية باعتبار أنه لم يخالطه شيء آخر مما في مقرّه أو ممره كمياه الأرض فقوله رجعت المبالغة غير مسلم وقد علمت مما حققناه إنّ الطهور بمعنى المطهر عند أهل اللغة كما ذكره الأزهري وغيره من الثقات لا لأنه من التفعيل
كما ظنه الزمخشري بل لأنه ا-لة الطهارة كالفطور لما يفطر به وا-لة الطهارة هي المطهرة فلا حاجة إلى ما تكلفوه لتوجيهه ولا ورود لما أوردوه عليه فإنه ناشئ من عدم التحقيق ولبعض الفضلاء هنا كلام طويل تركناه لأنّ المقام لا يتحمله. قوله: (وإن غلب في المعنيين) أي كونه اسم آلة كطهور وكونه للمبالغة بمعنى فاعل كأكول والصبوب بصاد مهملة وباءين موحدتين بمعنى مصبوب وفي نسخة ضبوث بضاد معجمة وباء موحدة وثاء مثلثة من ضبثه إذا جسه بيده والمراد ناقة بحس باليد للشك في سمنها والمصدر بوزن فعول بالفتح نادر والمعروف فيه الضم والاسم بمعنى اسم الجنس الجامد والذنوب الدلو المملوءة ماء أو القربة من الماء ويطلق على النصيب. وقوله: وتوصيف الماء في نسخة يوصف الماء0 وقوله: للمنة فيه أي في نفسه لكونه طاهرا مطهرا وما بعده السقي به وتطهير ظواهرهم من تفسير طهور بمطهر والمقصود من التطهير التقرب إلى الله تعالى وتطهير الباطن أزيد في القرب فيعلم بالطريق الأولى وما قيل(6/428)
من أنّ مدخول لام العلة يكون مقصوداً بما قبله لا وجه له فتأمّل. قوله: (بلدة ميتاً) المراد به مطلق الأرض أو معناه المعروف. وقوله: بالنبات تفسير للأحياء به بالأنبات فقوله: بالنبات بدل من قوله به أو متعلق بنحعص على أنّ الباء الأولى آلية أو سببية وهذه للملابسة أو على حدّ أكلت من بستانك من العنب وجعله تفسيراً على الاستخدام في ضمير به تعسف وقوله غير جار على فعله يعني أنه من أمثلة المبالغة التي لا تشبه المضارع في الحركات والسكنات حتى يعمل عمله في غير شذوذ كما ذكره النحاة ويزيد بدلالته على الثبوت فلذا أجريت مجرى الجوامد في عدم عملها والحيا بالقصر المطر. ولذلك نكر يعني أن تنكيره للتنويع فالمراد نوع من الإناسي والأنعام وهم سكان البوادي وكذا تنكير بلدة ومن تبعيضية أو بيانية وكثيرا صفة لهما لا على البدل والأنهار إن كانت من الأمطار فالمراد ما كان بلا عود منها وبهم وبما حولهم الجار والمجرور وما عطف عليه خير مقدم وغنية بمعنى استغناء مبتدأ مؤخر والسقيا بالضم بمعنى السقي وسائر الحيوانات يعني به ما عدا الأنعام وهو وجه لتخصيصها مع احتياج غيرها للسقي.
وقوله: مع أنّ الخ وجه آخر لشخصيصها بالذكر والقنية بكسر القاف وضمها ما يقتنيه لنفسه وعليته بعين مهملة ولام ساكنة جمع على كصبية وصبي والعلي الشريف لكنهم يقولون في الاستعمال عليه الناس بمعنى أكثرهم وهو المراد كما في شرح الكشاف. قوله: (وسقي وأسقي) بمعنى أي أوصله إلى ما يشربه وجعل السقيا له بمعنى تهيئتها واعدادها ويقال سقي وأسقي وسقى بمعنى واحد وقد فرق بينها وهي متقاربة وقوله وأناسي أي قرئ أناسي بحذف ياء أفاعيل فيكون بياء خفيفة ساكنة كما جمع أنعام على أناعم وظربان بكسر الظاء وسكون الراء المهملة وباء موحدة دويبة منتنة الريح ويجمع على ظرابيّ بتشديد الياء وأصله ظرابين فأبدلت نونه ياء وأدغمت وكون إناسي جمع إنسان وأصله أناسين مذهب سيبويه وكونه جمع إنسيئ مذهب الفراء والمبرد والزجاج وأورد عليه في الدر المصون إنّ فعالي إنما يكون جمعاً لما فيه ياء مشددة إذا لم يكن للنسب ككرسي وكراسي وما فيه ياء النسب يجمع على أفاعلة كازرقي وأزارقة وكون يا إنسي ليست للنسب بعيد فحقه أن يجمع على أناسية وقال: في التسهيل أنه أكثريّ فلا يرد ما ذكر. قوله: (صرّفنا هذا القول) المفهوم من السياق وهو ذكر إنشاء السحاب وانزال القطر وتصريفه وتكريره وذكره على وجوه ولغات مختلفة أو المطر فالضمير له لفهمه من قوله: {وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء} وتصريفه تحويل أحواله وأوقاته وانزاله على أنحاء مختلفة. وقوله: لم ما عام الخ ما نافية وأمطر أفعل تفضيل بمعنى أكثر مطراً يعني ليس تفاوت السنين فيه إلا لحكمة إلهية وهذا الحديث رواه الحاكم والطبراني. وقوله: أو في الأنهار والمنابع معطوف على قوله في البلدان فمعنى تصريفه تقسيمه عليها. وقوله: أو ليعتبروا وقع في نسخة بالواو. قوله: (إلا كفران النعمة) فالكفور بمعنى كفران النعمة بعدم الاكتراث والمبالاة بها أو الجحود والإنكار لها رأساً بماضافتها لغير. بأن يقولوا مطرنا بنوء كذا والنوء كما في أدب الكاتب سقوط النجم في المغرب مع الفجر وطلوع آخر يقابله من ساعته في المشرق من ناء نهض لأنّ الطالع ينهض وبعضهم يجعل النوء السقوط فهو من الأضداد وكانوا إذا سقط نجم وطلع آخر فكان عنده مطر أو ريح أو برد أو حر نسبوه إلى الساقط إلى أن يسقط الذي بعده فإن سقط ولم يكن مطر قيل
خوي وأخوى انتهى. ثم إنه أشار إلى ما في الكشاف من أنه إن اعتقد أنّ النجوم فاعلة ومؤثره استقلالاً فهو كافر وان اعتقد أنها أسباب يسببها الله تعالى بفعله وخلقه أو أمارات نصبها لا يكفر وكذا سائر أحكام النجوم وظاهره أنه لا يأثم أيضا وقد صرّح الإمام بأنه خطأ. قوله: (نبياً ينذر أهلها الخ) ما ذكره المصنف أحسن من قول بعضهم يعني أنّ المقصود من البعثة إبلاغ الدعوة وإلزام الحجة لا الاهتمام في أمر الهداية والا لفعلنا ما هو أدعى لذلك من دعوة كل أهل قرية بنذير مستقل وقد كفينا بتركه مؤنته واعباء النبوّة أثقالها استعارة وتعظيمه وإجلاله بعدم نبيّ في عصره ظاهر وأورد على قوله: وتفضيلاً لك على سائر الرسل أنه لا يلزم من تخصيصه بالرسالة في زمانه تفضيله على سائر الرسل إلا إذا ثبت أنّ كل رسول معه نبيّ. كذلك(6/429)
ويدفع بأنه تعليل لعموم رسالته المفهوم من السياق وهو مخصوص به كما تقرّر فتدبر.
قوله: (فقابل ذلك بالثبات والاجتهاد الخ) أي قصر الرسالة عليه نعمة جليلة ينبغي شكرها
وهو بمقابلتها بذلك لأنّ إعلاء كلمة الله لازم وليس في الوجود غيره حتى يقوم له بذلك فيلزم ما ذكر وهذا بيان لمحصل المعنى وتوطئة لقوله: {فَلَا تُطِعِ} الخ وبيان لترتبه عليه واقترانه بالفاء وليس في الكلام حذف وتقدير كما قيل حتى يرد أنّ فيه حذف العاطف والمعطوف ويتكلف لتوجيهه ما تكلفوه. وقوله: فيما يريدونك عليه في الأساس أراده على كذا إذا حمله عليه. وقوله: وهو تهييج أي تحريك لغيرته والا فإطاعته لهم غير متصوّرة حتى ينهى عنها وإذا خوطب بشيء تضمن خطاب أمّته فلذا قال وللمؤمنين. قوله: (بالقرآن أو بترك طاعتهم الخ) يعني أنّ ضمير به إمّا للقرآن أو للترك المفهوم من النهي والباء للاستعانة أو للملابسة. وقوله: والمعنى أي على الثاني يعني إنا عظمناك بجعلك مستقلاً بمسك الختام ليدخر لك حسن الجزاء فعليك بالمجاهدة والمصابرة ولا تعبا بما قابلوا به من الإباء والمشاجرة ومدار السورة على عموم بعثته لكافة الناس ولذا جعل براعة استهلالها تبارك الذي الخ وجوّز في الكشاف رجوعه إلى كونه نذيراً أي جاهدهم بسبب كونك نذيراً للكافة. قوله: (لأن مجاهدة الخ) بيان لكون ما ذكر جهادا كبر لأنه أشق والا لم فيه أشد لكونه روحانيا. وقوله: (فيما بين أظهرهم) خبر أن
وهو بيان لكونه أكبر أيضا ولم يحمله على الجهاد بالسيف لأنّ السورة مكية. وقوله: إلى كافة القرى فهم من قوله: ولو شئنا الخ واستعمل كافة معرفة غير منصوبة على الحال وقد منعه بعضهم والجواب عنه مذكور في شرحنا للدرة. قوله: (خلاهما بالشديد) أي تركهما والمرج وإن كان مطلق الاختلاط ومنه الهرج والمرج لكن ما ذكره يفهم مما بعده إذ لو اختلطا لم تبق الحلاوة فيه والإشارة إلى كل منهما على حدة دالة على ذلك أيضا ومرح الدابة إرسالها لترعى. وقوله: هذا عذب فرات الخ إمّا استئناف أو حال بتقدير مقولاً فيه والفرات الشديد العذوبة من فرته وهو مقلوب من رفته إذا كسره لأنه يكسر سورة العطش ويقمعها كما أشار إليه المصنف والأجاح ضده وهو الشديد الملوحة، وقوله: قرئ سلح بوزن حذر هي قراءة شاذة لطلحة ابن مصرف والحامل على القول بأنّ أصله مالح فخفف إنه لم يسمع ملح بمعنى مالح ولذا أنكر هذه القراءة أبو حاتم. وقوله: كبرد في بارد يشير إلى ما سمع عن العرب في قوله:
أصبح قلبي صرداً وصلياناً بردا
الخ إلا أنه قيل عليه إنّ الأحسن جعله لغة أصلية أو مخفف مليح لأنه ورد بمعنى مالح
لأنّ مالحاً أنكره بعض أهل اللغة وقال إنه عامي وان كان الصحيح أنه مسموع من العرب كما أثبته أهل اللغة وأنشدوا لإثباته شواهد كثيرة. قوله: (حاجزا من قدرثه) فهو كقوله: {بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا} يريد لا عمد لها. وإنما هي مرفوعة بقدرته كما مرّ. قوله. (وتنافرا بليغاً) بيان للمعنى المراد منه وهو التمييز التام وعدم الاختلاط وقد مر أنّ حجرا محجوراً كلام يقوله المستعيذ لما يخافه كما فصلناه ثمة فأشار المصنف إلى أنه مراد هنا لكن مجازا كما في قوله تعالى: {بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَّا يَبْغِيَانِ} [سورة الرحمن، الآية: 20] فجعل كلا منهما في صورة الباغي على صاحبه المستعيذ منه وهي استعارة تمثيلية كما في تلك الآية وتقريرها كما في شروح الكشاف أنه شبه البحران بطائفتين متعاديتين يريد كل منهما البغي على الآخر لكنهما امتنعا من ذلك لمانع ق! ي مجبر فهي مصرّحة تمثيلية بولغ فيها هنا حيث جعل المعنى المستعار كاللفظ المقول لأنّ كلاً منهما يتعوّذ من صاحبه فانقلبت المصرحة مكنية ولذا كانت من أحسن الاستعارات فلما منعه لما فيه من الاختلاط شبه ذلك المنع بجعلهما قائلين هذا القول فعبر بأنه جعل بينهما هذه الكلمة عن ذلك وظاهر تقريرهم أنه لا تقدير فيه وقد جعل بعضهم على هذا حجراً محجورا منصوبا بقول مقدر ولا بعد فيه وجوّز فيه بعضهم أن يكون مجازاً مرسلاً فاطلق حجرا محجورا على ما يلزمه من التنافر البليغ وقال إنّ كلام المصنف يحتملهما. وقوله: كان الخ بيان للزوم أو للمشابهة وما قبله بيان لحاصل المعنى والمتعوّذ بصيغة الفاعل ولما فيه من معنى التباعد علق به قوله عنه أي عن الآخر فتدبر. قوله: (وقيل حدّا محدودا) فحجرا بمعنى منعا صار بمعنى مانع
فهو مجاز أيضاً والمعنى أنه منعهما عن الامتزاج حتى بعد دخول أحدهما في الآخر فقوله: وذلك إشارة إلى مزجهما(6/430)
مع الحدّ بينهما وفيه نوع تساهل لا يخفى. قوله: (وقيل المراد الخ) إنما مرضه لأن البرزخ إذا كان بمعنى الأرض لا يدل على كمال القدرة كما في الوجه الأول لا لإطلاق البحر على النهر العظيم لشيوعه حتى جعل حقيقة وإن لم يجعل حقيقة ففيه تغليب لكنه أورد على الأوّل إنّ عدم التغير أصلاً مع بعده مخالف للمحسوس وحيلولة الأرضى إنما هي في مجاريه والا فهو ينتهي للبحر. وقوله: فتكون القدرة في الفصل بالأرض بينهما واختلاف الصفة هي العذوبة والملوحة والعنصر هنا الماء بجملته لأنه عنصر واحد. وقوله: إن تضامت خبر أن وأن فيه مصدرية. قوله: (يعني الذي خمر به طينة آئم) فالمراد بالما " الماء المعروف وتعريفه للجنس والمراد من البشر آدم أو هو وذريته ومن ابتدائية ويسلس بمعنى يلين وقوله: أو النطفة معطوف على قوله: الذي قيل ولم يقل إنسانا لأنه مجموع البدن والروح وهي غير مخلوقة من الماء وخدس بقوله: {خَلَقَ الإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ} [سورة النحل، الآية: 4] وقوله: قسمه قسمين إشارة إلى أنّ الواو للتقسيم، فإنها ترد له كما ذكروه وأنّ قوله نسباً وصهراً بتقدير مضاف حذف ليدل على المبالغة ظاهرا والمراد بذي النسب المذكور لأنّ النسب إلى الآباء والمصاهرة التزوّج بالإناث. وقوله: طباع متباعدة تقدم إن الطباع تكون جمع طبع ولذا قال متباعدة والقسمان المتقايلان الذكر والأنثى وقوله ة نطفة واحدة المراد الوحدة النوعية. قوله: (ما لا ينفعهم) أي إن عبدوه ولا يضرّهم إن لم يعبدوه. وقوله: إذ ما من مخلوق ما نافية ومن فيه زائدة واستقلاله بالنفع والضرّ أي من غير إرادة الله وتقديره. وقوله: يظاهر الشيطان إشارة إلى أنّ فعيلا بمعنى فاعل كنديم وجليس بمعنى منادم ومجالس والمظهارة المعاونة والمتابعة وإذا أريد بالكافر الجنس فهو إظهار في مقام الإضمار لنعي كفرهم عليهم. قوله: (وقيل هيناً مهيناً) ففعيل بمعنى
مفعول أي مرمياً به من قوله جعلته بظهر مني إذا نبذته وتركته ومرضه لأنّ المعروف ظهير بمعنى معين لا بمعنى مظهور به. وقوله: فيكون كقوله الخ أي بمعناه ويقرب منه أيضا لأنّ من وراء الظهر لا ينظر إليه ولا يكلم ومثله يواجه والظهير يطلق على الواحد والجماعة وهو على هذا مجاز عن عدم الالتفات وأمّا الآية المذكورة فمجاز أو كناية. قوله: (للمؤمنين والكافرين) أي ما أرسلناك في حال من الأحوال إلا حال كونك مبشراً ومنذراً فلا تحزن على عدم إيمانهم. وقوله: للمؤمنين والكافرين لف ونشر ويجوز تعميم الإنذار للعصاة أيضاً كما جوّزه المصنف في غير هذه الآية واقتصر على صيغة المبالغة في الإنذار لتخصيصه بالكافرين إذ الكلام فيهم والإنذار الكامل لهم وهذا هو الناسب لظاهر كلام المصنف ولو قيل إنّ المبالغة باعتباراً لكم لشموله للعصاة جاز. قوله: (على تبليغ الرسالة الخ) أو على المذكور من التبشير والإنذار. وقوله: إلا فعل من شاء يعني إنّ فيه مضافاً مقدّراً والاستثناء متصل على هذا كما صرّحوا به ولذا صرّح المصنف بالانقطاع في الوجه الثاني واسنثناؤه من الأجر كالاستثناء في قوله:
ولا عيب فيهم غيرأنّ نزيلهم يعاب بنسيان الأحبة والوطن ...
وهو من تأكيد المدح بما يشبه الذم كما أشار إليه المصنف بقوله فصوّر الخ وكونه متصلا
بناء على الادعاء وفيه تفصيل في شرح التلخيص لا حاجة لذكره هنا. وقوله: يتقرب الخ يعني أنّ اتخاذ السبيل إلى الله أي إلى رحمته أو جنابه والمراد به لازم معناه لأنّ من سلك طريق شيء قرب إليه بل وصل. وقوله: صوره بصورة الأجر لإدخاله فيه حتى استثنى وكونه مقصوداً بالفعل وذلك إشارة إلى فعل من شاء. وقوله: قلعا إمّا مفعول له أو مصدر أو حال بتأويل قالعا وكذا قوله: إظهاراً واشعاراً أي لما يعرض للعقول القاصرة من توهم أنّ اجتهاده في دعوته حبا للرياسة أو طمعا في المال وقوله: إظهار الخ أي لإظهار شفقة النبيّ صلى الله عليه وسلم على أمّته أو الله وضمير اعتد له أيضاً وضمير انفاعك لغير معين والمراد كل مؤمن مبلغ وقد مرّ إنّ الإنفاع لم يوجد في اللغة وبالتعرض متعلق به فهو كقول ذي شفقة عليك قد سعى لك في تحصيل مال ما أطلب منك ثوباً على ما سعيت إلا أن تحفظ هذا المال ولا تضيعه. وقوله: أجراً منصوب باعتد لتضمنه معنى الجعل وكونه وافيا أي تامّا مرضياً لحصره فيه لعدم الاعتداد بغيره. وقوله به متعلق بمرضيا(6/431)
لتضمنه معنى قانعاً أو الباء زائدة وضمير عليه للأجر. أو للرسول صلى الله عليه وسلم وكون طاعتهم تعود عليه من جعلها أجرا له. ولذا ورد عنه صلى الله عليه وسلم لي أجري وأجر من يتبعني لأنّ الدال
على الخير كفاعله ولا منافاة بينه وبين الوجه الأوّل لأنّ الإشعار بناء على أن الأجر حقيقي والتصوير بناء على خلافه لأنّ الأول بالنظر إلى نفس فعلهم وهذا بالنظر إلى ما يلزمه ويترتب عليه فجاز اعتبار الأجر وعدمه. قوله: (متقطع الخ) قالا بمعنى لكن والاستدراك باعتبار أنّ المراد من شاء أن يتخذ سبيلا بالإنفاق القائم مقام الأجر كالصدقة والنفق! ة! في سبيل الله لا مطلقا ليناسب الاستدراك. قوله: (فإنه الحقيق بأن يتوكل عليه دون الأحياء) فيه إشارة إلى أنه يفيد الحصر لأنّ أصله توكل على الله فلما عدل عنه إلى ما ذكر أفاد بفحواه أن من ليس كذلك لا يصح التوكل عليه أمّا غير الإحياء يهالأصنام فظاهر وأما من يموت فلأنهم إذا ماتوا ضاع من توكل عليهم ولذا قيل إنه لا يصح لذي عقل أن يثق بمخلوق بعد نزول هذه الآية أو لأنه لترتب الحكم على وصف مناسب وهو أن المتوكل عليه دائم باق معتمد عليه فصح الحصر. قوله: (ونزهه عن صفات النقصان) قدم التنزيه لأنه تخلية وقوله: مثنيا إشارة إلى أن قوله بحمد وحال والباء للملابسة والثناء بأوصاف الكمال معنى الحمد وهو إذا وقع في مقابلة الأنعام اتحد مع الشكر الموجب للمزيد لقوله: {لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ} [سورة إبراهيم، الآية: 7] وهو المراد كما أشار إليه المصنف. وسوابغه بالغين المعجمة بمعنى نعمه كما قال أسبغ عليكم نعمه. وفي نسخة سوابقه بالقاف بمعنى ما قدمه من النعم السابقة. قوله: (ما ظهر منها وما بطن) هو معنى خبير لأنّ الخبرة معرفة بواطن الأمور كما ذكره الراغب ومن علم البواطن علم الظواهر بالطريق الأولى فيدل عل! هما مطابقة والتزاما وقيل إنه من الجمع المضاف لأنه من صيغ العموم وهو المنايسب لتقديمه وخبيرا مفعول أو حال أو تمييز والمفعول محذوف وبذنوب صلة كفى أو خبيراً وباؤه زائدة وقوله فلا عليك إشارة إلى أن المقصود تسليته صلى الله عليه وسلم بهذه الجملة وقوله: وقد سبق أي في سورة الأعراف وانه بكسر الهمزة أو فتحها. قوله: (ولعل ذكره زيادة تقرير (هذا على وجوه الإعراب وقد قيل إنه على الثاني أظهر وهو على الأوّل مستأنف يحتمل أن يكون جواب سؤال تقديره لم أمهلهم مع علمه بذنوبهم. والتحريض على الثاني من القرينة وهي العلم بقدرته على إيجادها في أقل من لمح البصر. وهو مروي عن سعيد بن جبير رضي الله عنه فلا
وجه لما قيل إنه بعيد لعدم القرينة الدالة عليه والتؤدة التمهل والتدرج إيجاده شيئاً فشيئاً. قوله: (إن جعلته صفة للحي) ويؤيده قراءة الجرّ في الرحمن ويحتمل نصب الذي على الاختصاص وكون الرحمن مبتدأ خبره فاسأل الخ كقوله:
وقائلة خولان فانكح فتاتهم
كما سيشير إليه. قوله: (فاسأل عما ذكر الخ) إشارة إلى أنّ الضمير واجع للخلق والاستواء وأفرد لتأويله بما ذكر ومثله كثير لا سيما في اسم الإشارة وما قيل إنه للرحمن والسؤال عن تفصيل رحمتة بعيد وذكر عن بيان لحاصل المعنى وانه صلة اسأل لا إشارة إلى أنّ الباء بمعنى عن لما سياتي ولو قيل إنّ فيه إيماء إليه لم يبعد. وقوله: عالما تفسير خبيراً ويخيرك جواب الأمر لا تفسير للخبير كما توهم وقيل إنه صفة لعالم وفائدة الأمر بالسؤال على الأخير تصديقه وتأييده وعلى ما قبله مع تقدم إخبار الله به أن ما تقدم يفيد علماً إجماليا والسؤال عن حقيقته وتفصيله وأما جعل السؤال مجازا عن الاعتناء وهو المراد بالتضمين وان كان المصنف يستعمله بهذا المعنى فمع بعده ينافيه أوّل كلامه فإنّ قوله بحقيقته يقتضي أن السؤال على حقيقته. وقوله ليصدقك في نسخة يصدقك بجزمه في جواب الأمر وهذا على الأخير لا على الوجوه كما قيل. قوله: (وقيل الضمير للرحمن) إنما قالط ما يرادفه لأنّ كتبهم ليست عربية ولم يرتضه لعدم مناسبته لما قبله ولأنّ فيه عود الضمير للفظ الرحمن دون معناه وهو خلاف الظاهر ولأنه كان الظاهر حينئذ أن يؤخر عن قوله ما الرحمن وكونه مبتدأ خبره ما بعده والفاء زائدة جار في الوجوه فلا وجه لتخصيصه. قوله: (كما يعدي بعن الخ) يعني أنه في الأصل متعدّ لاثنين بنفسه وقد يعدى بما ذكر لكون ما ذكر في ضمن معناه ويصح أن يراد التضمين الاصطلاحي وقد مر أنّ المصنف يستعمل التضمين بمعنى المجاز. وقوله: وقيل إنه(6/432)
وفي نسخة به وخبيراً مفعول اسأل ويصح تنازعهما فيه وفيه حينئذ نوع من البديع غريب يسمى المتجاذب وهو كون لفظ واحد بين جملتين يصح جعله من الأولى والثانية وقد ذكره السعد في أواخر شرح المفتاح وهو كثير في الفارسية وهذا مما غفل عنه أصحاب البديعيات وقد نظمنا فيه أبياتا ليس هذا محلها وبقي في الكشاف وجه آخر وهو أنه تجريد كقولك: رأيت به أسداً أي برؤيته أي اسأل بسؤاله خبيراً والمعنى إن سألته وجدته خبيرا وباء التجريد سببية عنده قال في
الكشف وهو أوجه ليكون كالتتميم لقوله: الذي خلق الخ فإنه لإثبات القدرة مدمجاً فيه العلم. قوله تعالى: ( {اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ} الا يخفى موقع هذا الاسم الشريف هنا وفيه معنى أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فافهمه ووقع السؤال بما دون من لأنه عن معناه أو لأنه مجهول كما يقال للشيخ المرئي ما هو فإذا عرف قيل من هو. وقوله: ما كانوا يطلقونه على الله ولذا قيل إنه عبرانيّ وأصله رخماني بالخاء المعجمة ولذا أنكروه كما سيأتي وظنوا أنه غير الله وقوله ولذلك أي لأحد هذين الأمرين أو للثاني قيل وهو الأقرب لأنّ ما بعده ناظر له. قوله: (للذي تامرناه) إشارة إلى أنّ ما موصولة عائدها محذوف وقوله يعني تأمرنا بسجوده على الحذف والإيصال والأصل تأمرنا بالسجود له ثم بسجوده ثم تأمرنا سجوده كأمرتك الخير ثم تأمرناه بحذف المضاف ثم تأمرنا كما ذكره أبو البقاء وهل هذا الحذف تدريجي أولاً قولان. وقوله: أو لأمرك على أنّ ما مصدرية واللام تعليلية والمسجود له محذوف أو متروك ومرّض كونه معرّباً لبعده ولشهرة اشتقاقه وهو قول ثعلب وقولهم: رحمن اليمامة يأباه واستدل بهذه الآية وبتقديمه على الرحيم وجوابه ظاهر مما مر وعلى هذا فالمقصود من قولهم ما الرحمن التعريف اللفظي. وقوله: الأمر بالسجود للرحمن لعلمه مما مر والإسناد مجازي وجملة وزادهم معطوفة على قالوا لا على مقوله وفي اللباب أنّ الضمير للسجود لما روي أنه-لمجهيه وأصحابه رضي الله عنهم سجدوا فتباعدوا عنهم مستهزئين وعليه فليس معطوفاً على جواب إذا بل على مجموعه فلا يرد عليه أنه غير سديد معنى فتأمّل. قوله: (البروج الاثني عشر هي معروفة) وقوله: سميت به أي أطلق لفظ البروج عليها وهي في الأصل بمعنى القصور على طريق التشبيه. ثم شاع فصمار حقيقة فيها، وعن الزجاج أنّ البرج كل مرتفع فلا حاجة إلى التشبيه أو النقل. قوله: (واشتقاقه) أي البرح المفهوم من البروح. وقوله: لظهوره إشارة إلى أنّ التبرج بمعنى الظهور لا الإظهار وقد مر ما فيه وهذا كاشتقاق الوجه من المواجهة وهو اشتقاق كبير فلا يرد عليه أنّ الظاهر العكس لأنّ المزيد يؤخذ من المجرد إذ عادة الأدباء جعل الأشهر مشتقا منه وضمير فيها للبروج أو للسماء وهو أظهر. قوله: (وهي الشمس والكواكب الكبار) وقد جوّز فيه أن يكون من قبل إنّ إبراهيم كان أمّة قالتا لأنها لعظمها وكمال إضاءتها كأنها سرج كثيرة أو جمع باعتبار الأيام
والممطالع ومنهم من فسر السرج بالكواكب الكبار واعترض على المصنف بأنه يلزم تخصيص القمر بالذكر بعد دخوله في السرج والمناسب تخصيص الشمس لكمال مزيتها على ما سواها ورد بأنه بعد تسليم دخوله في السرج خص بالذكر لأن سنيهم قمرية ولذا قدم الليل على النهار أي اعتبر مقدماً عليه فالليلة لليوم الذي بعدها فهم أكثر عناية به مع أنه على ما ذكره يلزمه ترك ذكر الشمس وهي أحق بالذكر من غيرها والاعتذار عنه بأنها لشهرتها كأنها مذكورة. ولذا لم تنتظم مع غيرها في قرن لا يجدي ولبعض الناس هنا كلام تركه أولى من ذكره. قوله: (مضيئا) تقدم الكلام على الضوء والنور والفرق بينهما. وقوله: أي ذا قمر قدّر فيه ذا بمعنى صاحب لأنه جمع قمراء بمعنى منيرة وهي الليلة ذات القمر وصاحبها هو القمر نفسه فيتضح وصفه بقوله منيراً وكونه فيها ويوافق القراءة المشهورة في المعنى ومنيرا وصف للمضاف المقدر لأنّ المحذوف قد يعتبر بعد حذفه كما في فوله:
بردي يصفق بالرحيق السلسل
قوله: (أي ذوي خلفة) بفتح الواو وتثنية ذي والخلفة الاختلاف أو كونه خلفا عنه وهو مفعول ثان لجعل أو حال إن كان بمعنى خلف وان كان بمعنى مختلف كما في القاموس فلا حذف ولا تأويل والإفراد لكونه مصدراً في الأصل. وقوله: يقوم مقامه أي ما فات فيه يعمل في الآخر. قوله: (أن يتذكر الخ) يعني أنّ هذا أصله(6/433)
فأبدل وأدغم والظاهر أن اللام صلة جعل ولما كان ظهور فائدة ذلك لمن يتذكر أو يشكر كانا كأنهما لم يجعلا خلفة لغيرهما ويجوز أن يكون للتعليل. وقوله: رحيم على العبادة بقرينة ما سبق من ذكر الرحمن وقوله: أو أراد أو فيه للتنويع أو للتخيير على معنى استقلاله بكل منهما ولم يؤت بالواو لئلا يتوهم إنّ جمعهما لازم وقد قيل إنّ قوله والشاكرين إشارة إلى أنّ أو بمعنى الواو. وقوله: أو ليكونا وقتين الخ ظاهره إنه مقدر وهو على كل من معنيي خلفة. والوود بكسر الواو الوظيفة من قراءة ونحو ذلك وجمعه أو راد كحمل وإحمال وهذا ناظر للتفسير الأوّل لخلفة. وقوله: من ذكر أي الثلاثي. قوله: (خبره الخ) أو خبره قوله: {الَّذِينَ يَمْشُونَ} [سورة الفرقان، الآية: 63] وهو أقرب.
وقوله: واضافتهم إلى الرحمن أي دون غيره من أسمائه وضمائره لتخصيصهم برحمته أو لتفضيلهم على من عداهم لكونه! م مرحومين منعما عليهم كما يفهم من فجوى الإضافة إلى مشتق. فما قيل إنهم أضيفوا إليه مع أنّ الكل عبيده وأورب هـ عليه إنه لا تخصيص حينئذ إذ ا! بادة تشمل الكل وغايتة أن يكون ما بعده ط! تصا فالظاهر أنّ مراده إنّ إضافته إلى الرصمن لا إلى اغيره من أسمائه تعالى للتخصيص عن عبدة الأصنام وفيه أنّ التخصيص والتفضيل يوجد في إضافته إلى لفظ الله مثلاَ فلا بد من ضم قصد التعريض لمن قالوا وما الرحمن كما قيل تكلف لك غني عته بما قدمناه فتدبر. وقوله في عبادته أي أو عبوديته فل! يس اهذا مبنياً على كونه جمع عابد ثم التعريض في كلا الوجهين! لكته " في هذا أظهر. قوله: (على أن عباد جمع عابد) الظاهر! أئه بضم العين وتشديد الباء وهي قراءة كما في الدر المصون كتاجر وتجار وهي جمع عابد لا عبد والأول من العبادة وهي أن يظعل ما يرضاه الرب والثاني من العبودية وهي أن يرصى ما يفعله الرب فمن قال إفه عني بقوله على أنّ الخ أنّ الوجه الثاني! للإضافة مبنيّ على أنّ عباد بكسر العين وتخفيف الباء جمع عابد وغلط من زعم أنه بالضم والتشديد وتجار بكتسر المتا اء وتخفيف الجيم كرجلى. كما في وقل:
ولقدأروح على التجارمرجلا فقد خبط خبط عشواء
قوله: (هينين) يعني إنّ الهون مصدر بمعنى اللين والرفق ومنه حديث المؤمنيق هينون
لينون والمثل إذا عز أخوك فهق وهو إمّا مصدر مع تأويله بالوصف أي هيناً أو حال بمعنى هينين وقوله: مصدر وصف به بتأويله بالصفة هو على الوجه الثاني ويجوز أن يكون عليهما لأنّ الحال وصف لصاحبها معنى فالوصف بالمعنى اللغوي. وقوله: والمعنى الخ يعني أنه كناية عما ذكر. قوله: (تسليماً منكم ومتاركة) فهو منصوب عبى المصحدرية لأنه فصدر مؤكد لفعله الم! ضمر الذي قام- مقامه والتقدير نسلم منكم تسليماً والج! ملة قق! ول القول والسطلام للمتاركة وهذا المعنى كثير في- كلام اهلعرب كقوله:
طرقتك صائدة القلوب وليس ذا وقت الزيارة فارجعي ب! سلام ...
وفي كتاب سيبويه قالوا سلاما أي براءة منكئم لأن! ها مكية والسلام في النساء وهى مدنية
ولم يؤمر المسلمون بمكة أن يسلموا على المشزكين وإنما هذا على براءة+ منكم وتسليما لا خير بيننا وبينكم ولا شر ا!. وإلى هذا أشار الزمخشريّ وتبعه المصنف رحمه الله. قوله: (أو سدادا من القول) بفتح السين أي صواباً وهو معطوف على قوله تسليماً- وفي الك! ش! ف في بعض
الحواشي هذا تفسير ليس يسديد لأنّ المراد هنا يقولون: هذه اللفظة لا أنهم يقولون قولاً ذا سداد بدليل قوله سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين (أقول) وتلك الآية لا تخالف هذا التفسير فإنّ قولهم سلام عليكم من سداد القول أيضاً كيف والظاهر أنّ خصوص اللفظ غير مقصود بل هو أو ما يؤدّي مؤداه مصا يدل على المتاركة وعدم الإثم واللغو اهـ. وهذا مما لا غبار عليه لما مر عن الكتاب فمن قال إنّ مراد القائل إنّ القرآن يفسر بعضه بعضاً فإذا صرح في تلك الآية بهذه اللفظة لا ينبغي التأويل بغيرها إذ الظاهر القصد إلى خصوصها والله أعلم بحكمة تخصيصه وذلك كتخصيص هذه اللفظة بمن مر على آخر مثلاَ ولا يخفى أنه غفلة عن مراد. وأمّا حكمة تخصيصها فما مرّ وهو أنهم لم يؤمروا بالسلام على الكفرة إذ ذاك كما صرحوا به وأمّا تخصيص هذه اللفظة بعد مشروعية السلام فظاهر وفي بعض الحوأشي هنا خبط عجيب تركناه لطوله بلا طائل. قوله: (يسلمون فيه من الإيذاء) استعمل الإيذاء كغيره وهو صحيح قياساً واستعمالاً كما ذكره الراغب في مفرداته وإنما تركه الجوهري وغيره على عادتهم في ترك المصادر القياسية(6/434)
فقوله في القاموس ولا تقل إيذاء خطأ كما مر ولا حاجة إلى اعتذار بعضهم عنه بأنهم استعملوه قياساً وهم لا يتحاشون عن مثله بل عن استعمال الخطا المشهور.
قوله: (لنسخه) أي لنسخ ما في هذه الآية لأنها مكية وآية القتال مدنية وهو منفي لأنّ النفي متوجه للقيد ولأنّ قوله فإنّ الخ يدل على أنّ حكمها باق غير منسوخ وجعله جوابا آخر ياباه سياقه. وقوله: لربهم متعلق بما بعده وقدم للفاصلة والتخصيص واحمز بالحاء المهملة والزاي المعجمة بمعنى أشق لكونه زمان النوم والراحة. وقوله: وتأخير القيام الخ يحتمل أن التقديم لشرفه وإباء المستكبرين عنه في قوله وإذا قيل الخ وقوله أجرى مجراه أي لشموله للكثير بحسب أصله وإن كان مؤوّلاً بالوصف على هذا. قوله: (لازماً) وقيل معناه مهلكاً ولزومه إما للكفار أو المراد به الامتداد كما في لزوم الغريم وقوله: بأنهم أي المؤمنين ومخالطتهم وقع في نسخة بدله مخالقتهم بالقاف مفاعلة من الخلق كقوله صلى الله عليه وسلم: " خالف الناس بخلق حسن ". وما وقع في بعض النسخ من مخالفتهم بالفاء تحريف من الناسخ ووثوقهم معطوف على اعتدادهم.
قوله: (مستقرا ومقاماً) الظاهر أنه كقوله:
وألفي قولها كذا ومينا
وحسنه كونه فاصلة وقيل المستقر للعصاة والمقام للكفرة وقوله: يئست مستقرا ذكر في ساءت وجهين أحدهما أنها بمعنى بئس فتعطى حكمها والمخصوص محذوف تقديره هي وهو الرابط لهذه الجملة بما هي خبر عنه إن لم يكن ضمير القصة ومستقرّاً تمييز والضمير المبهم عائد عليه مفسر به وأنث لتأويل المستقر بجهنم أو مطابقة للمخصوص ومقاما قرئ بفتح الميم وضمها وجملة أنها الخ من مقول القول أو من كلامه تعالى كما سيأتي. قوله: (أو أحزنت) هذا هو الوجه الثاني فيها وهو معطوف على قوله بئست فهي فعل متصرف متعد ومفعوله محذوف أي أحزنت أهلها وأصحابها ومستقرا تمييز أو حال وهو مصحدر بمعنى الفاعل أو اسم مكان. قوله: (والجملة تعليل الخ) قال ابن هشام في التذكرة هذا ضعيف إذ لا مناسبة بين كون الشيء لزاما وكونه ساء مستقرا، ويجاب عنه بأنه بملاحظة اللزوم والمقام فإنّ المقام من شانه اللزوم وعلى الثاني ترك العاطف للإشارة إلى أنّ كلا منهما مستقل بالعلية وقوله: وكلاهما يحتملان ثني خبر كلا رعاية لمعناها ويجوز إفراده رعاية للفظها ومثله كلتا وتفصيله في كتب النحو. وقوله: والابتداء فيكون تعليلاً ليقولون ويحتمل المخالفة بجعل أحدهما مقولاً والآخر تعليلا ثم إنه يجري في كل منهما الوجهان. قوله: (وقرأ الكوفيون بفتح الياء وضم التاء الخ) كذا في النسخ المصححة ووقع في نسخة بضم التاء وهي سهو من الناسخ. وقد جرى على عادته في جعل قراءة الأكثر أصلاً وقوله وسطا بفتح السين والفرق بينه وبين المسكن مشهوو وعدلاً بمعنى معتدلاً. قوله: (سمي) أي الوسط به أي بالقوام واستقامة الطرفين تعادلهما كان كلا منهما يقاوم الآخر. وقوله: وهو أي قواما خبر ثان لكان مؤكد للأوّل وهو بين ذلك واسم كان ضمير مستتر يعود للإنفاق. ويجوز كون قواماً خبراً. وبين ذلك ظرف لغو متعلق بقواما أو بكان إن قلنا
بجواز تعلق الظرف بها. قوله: (لإضافته إلى غير متمكن) أي مبني وهو اسم الإشارة لأنّ المضاف قد يكتسب البناء مما أضيف إليه إذا كان ظرفا أو في حكمه كما ذكره النحاة. وقوله فيكون كالأخبار بالشيء عن نفسه لأنّ، ما بينهما هو القوام فيبهون كشد- الجارية مالكها وهو لا يصح ولا يخفى إنّ هذا غير وارد على قراءة الكسر وأمّا على الفتح فمتجه وما قيل من أنه من باب شعري شعري والمعنى كان قواماً معتبراً مقبولاً فهو مع بعده إنما ورد فيما اتحد لفظه وما نحن فيه ليس كذلك وكذا ما قيل إنّ بين ذلك أعم من القوام فإنّ ما بين الإقتار والإسراف لا يلزم أن يكون قواماً ووسطاً فقد يكون فوق الإقتار بقليل ودون الإسراف بقليل فتكلف أيضاً إذ معا بينهما شامل للوسط إلحاق وما عداه كالوسط من غير فرق ومثله لا يستعمل في المخاطبات لإلغازه وأما رده بأنه يلزمه الإخبار عن الأعم بالأخص وان في مراعاة حاق الوسط حرجاً لا يمدح به فليس لأنّ الأخبار عن الأعمّ بالأخص جائز كالذي جاءني زيد والقائل لم يرد إلحاق الحقيقيّ بل التقريبيّ كما يدل عليه. قوله: بقليل ومثله لا حرج فيه. وقوله: لا يدعون الخ أي لا يشركون به غيره. قوله: (بمعنى حرّم قتلها) لأنّ الحل والحرمة إنما يتعلقان بالأفعال(6/435)
لا بالذوات. وقوله متعلق بالقتل المحذوف أي في توله: حرّم الله قتلها أي حرّم قتلها يسبب من الأسباب إلا بسبب حق فهو مفرغ في الإثبات لاستقامة المعنى لإرادة العموم أو لكون حرم نفي معنى وما قيل إنه لا وجه له لاقتضائه عدم جواز قتل النفس مطلقاً ولذا لم يتعلق بحرم مع ظهوره لا وجه له وكذا إذا تعلق بلا يقتلون لكنه نفي صريح وقد جوّز فيه أن يكون صفة مصدر محذوف أي قتلاً ملتبساً بالحق أو حالاً أي ملتبسين بالحق. قوله: (ننى عنهم أمّهات المعاصي) وهي الشرك والقتل والزنا وأصول الطاعة البدنية والمالية الإنفاق والأجر الموعود في قوله أولئك يجزون الخ. وقوله: ولذلك أي لقصد التعريض وقوله: أضداده أي النفي والثبوت. قوله: (جزاء آه3) على أنّ الآثام بمعنى الجزاء والعقاب كما ذكره بعض أهل اللغة. وقوله: أو إثماً على أنه بمعنى الإثم نفسه فيكون فيه مضاف مقدر أو هو مجاز بذكر السبب وارادة المسبب والأيام بمعنى الشدائد شائع ومنه أيام العرب لوقائعهم ومقاتلتهم وفي نسخة شديداً والجمع أصح. قوله: (لأنه في معناه) يشير إلى أنه بدل كل من كل ويحتمل أن يكون بدل اشتمال والبيت المذكور استشهد به النحاة على الإبدال من الشرط فتلمم بمعنى تنزل وبنا متعلق به بدل
من تاتنا والاستشهاد به لمجرّد الإبدال من المجزوم بالشرط وليس تلمم جواب الشرط لعدم الفائدة فيه. والحطب الجزل اليابس الكثير وتاججاً يحتمل أن يكون بضمير التثنية لتغليب الحطب أو الألف للإطلاق وفيه ضمير النار لتأويله بمذكر أو أصله تتأججن مضارع مؤكد بإلنون على خلاف القياس وإذا كان حالاً فهو من ناعل يلق والمعنى مضاعفاً له العذاب. وقوله: وابن كثير أي وقرأ ابن كثير. وقوله: مع التشديد متعلق بالقراءتين وفي يضعف متعلق بالتشديد. فوله: (مضاعفتة لانضمام المعصية) جواب عن أنّ هذه الآية مخالفة لقوله تعالى ة {وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا} [سورة الشورى، الآية: 40] فإن العقاب لا يضاعف بخلاف الثواب. وقد أجيب أيضاً بأن المضاعفة بالنسبة إلى ما دونه من المعاصي ولا بعد فيه لعدم ذكر ما دونه كما قيل وأمّا ما أورد على الأوّل من أن تكرّر لا النافية يفيد نفي كل من تلك الخصال بمعنى لا يوقعون شيئاً منها فمن يفعل ذلك بمعنى من يفعل شيئا من ذلك ليتحد مورد الإثبات والنفي فلا دلالة له على الانضمام فليس بشيء لأنه كما عرفت تعريض للكفرة ومن يفعل شيئا من ذلك منهم فقد ضمّ معصيتة إلى كفره ولو لم يلاحظ ذلك على ما اختاره لزم أنّ من ارتكب كبيرة يكون مخلدا ولا يخفى فساد. وتوارد النفي والاثبات على شيء ليس بلازم فما ذكر. تعسف وخيال لا حقيقة له. قوله: (ويدل عليه) أي على الانضمام المذكور لما مر وهو إشارة إلى ما ذكرناه لأنّ استثناء المؤمن يدل على اعتبار الكفر في المستثنى منه. وما قيل إنّ المستثنى من جمع بين ما ذكر فيكون المستثنى منه غير جامع لها فلا يدل على الانضمام ردّ بأنه وان كان كذلك لكن هنا قرينة على أنّ المستثنى منع جمع بين أضدادها كما مرّ ولذا جمع بين الإيمان والعمل مع أنّ العمل مشروط بالإيمان فذكره للإشارة إلى انتفائه عن المستثنى منه ولذا قدم التوبة عليه ويحتمل أنّ تقديمها لأنها تخلية. وقوله: فأولئك الخ احتراس لأنّ الاستثناء من مضاعفة العذاب ربما يوهم ثبوت أصله ومن لم يتنبه له اعترض به فتنبه. قوله: (بأن يمحو الخ) فالتبديل بإقامة شيء مقامها كبدلت الرديء بالجيد وقوله: أو يبدّل ملكة الخ فالمراد بهما ملكتهما لأنفسهما وأدخل الباء على الحاصل لأنه يجوز في التبديل دخولها على الذاهب منهما كما ذكره الأزهريّ وقد مرّ تفصيله في البقرة فمن قال إنّ الأولى إدخال الباء على ملكة المعصية فان المنصوب يكون الحاصل والمجرور بالباء الذاهب كما في قوله: {وَبَدَّلْنَاهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ} [سورة سبأ، الآية: 4 ا] لم يأت بشيء وان كان في قوله الأول إشارة إلى ما ذكر لكنه لم يتنبه إلى أنّ عدول
المصنف عنه لموافقته للنظم هنا فتدبر. قوله: (وقيل بأن يوفقه الخ) قيل إنه مرضه لأنّ مآله إلى أحد الوجهين السابقين وما قيل من أنه لأجل إنه يؤدّي إلى اشتراط الشيء بنفسه لا يرد على عبارته إلا إذا أريد بما سلف الكفر وليس بمتعين. وقوله: أو بأن يثبت الخ لإنابته واستغفاره وقد ورد في الحديث ليأتين ناس يوم القيامة ودّوا أنهم استكثروا من السيئات قيل من هم يا رسول الله قال: " الذين بدل الله سيئا-لهم حسنات ". ولذا قال أبو نواس:(6/436)
تعض ندامة كفيك مما تركت مخافة الذنب السرورا ...
قوله: (فلذلك الف ونثر مرتب وقوله: عن المعاصي أي التي فعلها ويتلافى بالفاء بمعنى يتدارك وقوله: أو خرج عن المعاصي أي جنسها وان لم يفعله وهو الفرق بينهما. وقوله: يرجع إلى الله بذلك أي بالتوبة والعمل الصالح فهو رجوع مخصوص وبهذا تبين مغايرة الجزاء للشرط ووجه التخصيص مع أق الرجوع إلى الله عام كما قال وانكم إلينا لا ترجعون. قوله: (مرضياً الخ) هو مستفاد من تعظيم التنكير وبه يندفع ما مرّ أيضا. وقوله متابا إلى الله الذي الخ لاشتهار الله بذلك. ويصطنع بهم بمعنى يحسن إليهم وعدا. بالباء لتضمينه معنى الرفق. وقوله: تعميم الخ لأنه توبة عن جميع الذنوب وما قبله عن الأمهات ويشهدون على الأوّل من الشهادة والزور منصوب على المصدر أو بنزع الخافض أي شهادة الزور أو بالزور. وعلى الثاني من الشهود والحضور والزور مفعول به بتقدير مضاف أي محال الزور والشركة لإشعاره بالرضا. وقوله: يلقى بالقاف أو بالغين المعجمة. قوله: (مكرمين الخ) إشارة إلى أنّ
كراماً جمع كريم بمعنى مكرم لنفسه وغيره بالصمفح ونحوه ودخول الكناية إن كان في منطوقه لزم فيه الجمع بين الحقيقة والمجاز إذ لا مروو فيه وهو جائز عنده وان كان بطريق القياس ونحوه فلا وقوله: بالوعظ على أنّ المراد بالآيات معناها اللغوي. وقوله: لم يقيموا عليها أي على سماعها. وقوله: كمن الخ إشارة إلى أنه تشبيه بليغ وراعية بمعنى مديمة للنظر. وقوله والمراد الخ أي خرّوا غير صم عمي لرجوع النفي إلى القيد. والهاء في قوله: عليها إذا كانت للمعاصي فالنفي لأصل الفعل ولبعد ما ذكر عن السياق لم يرتضه. قوله: (بتوفيقهم للطاعة الخ) حيازة الفضائل الدينية جمعها وتحصيلها والفضيلة مزية لا يلزم تعديها فتعم ولذا ذكرت بعد الطاعة. وقوله: فإنّ الخ تعليل لإرادة ما ذكر ولم يقل فإنّ سرور قلب المؤمن في أزواجه وذرّياته أن يشاركوه في طاعتة تعالى لعدم مطابقته للواقع فإنه كم من سرور له بغير ذلك مع أن الفرق يسير وقوله: سرّ بهم قلبه وقرّت بهم عينه لو قدمه ليكون عطفاً تفسيريا صح لكنه لا يحتاج إلى التفسير وقرّة العين أمّا من القرّ وهو البرد لأن دمعة السرور باردة ولذا قيل في ضدّ. أسخن الله عينه أو من القرار لعدم النظر لغيره. قوله: (ومن ابتدائية) متعلقة بهب أو بيانية متعلقة بمقدر وهذا بناء على جواز تقدم المبين على المبين. وقوله: رأيت منك أسداً تجريد ومن التجريدية تحتملهما كما مرّ تحقيقه. قوله: (وتنكير الأعين الخ) يعني أعين القائلين معينة ونكرت لقصد تنكير المضاف للتعظيم وهو لا يكون بدون تنكير المضاف إليه وقوله: وهي قليلة الخ قيل عليه إن الأحسن أن يقال إنه لأن المراد إن كل واحد يقول ذلك لا لما ذكر لأن المعتبر في جمع القلة قلة عدده في نفسه لا بالإضافة لغيره ورد بأنّ المراد أنه استعمل في معنى القلة مجرّداً عن العدد بقرينة كثرة القائلين وعيونهم وفيه نظر. قوله: (بإضافة الخ) متعلق باجعلنا إشارة إلى أنّ التقدم إنما هو بالعلم والعمل واعتذر عن عدم مطابقته للمفعول الأوّل وهي لازمة إما لأنه اسم جنس فيجوز إطلاقه على معنى الجمع مجازا بتجريده من قيد الوحدة أو هو في الأصل مصدر وهو لكونه موضوعا للماهية شامل للقليل والكثير وضعا فإذا نقل لغيره قد يراعي أصله. فما قيل إن الفرق بينهما قليل الجدوى قليل الجدوى وما ذكره مصحح وقوله:
أو لأنّ المراد أي مع رمحاية الفاصلة هو المرجح ولذا لم يجعنه وجهاً مستقلاً. وكونه جمع آمّ بعيد وأقرب منه أنه يستعمل للواحد والجمع كهجان، وما قيل من أن مدار التوجيه على أن هذا الدعاء صدر عن الكل على طريق المعية وهو غير واقع أو عن كل واحد بطريق تشريك غيره وليس بثابت فالظاهر اأنه صدر عن كل واحد قوله اجعلني إماما فعبر عنهم للإيجاز بضمير الجمع وأبقى إماما على حاله لا يخفى تكلفه وتعسفه مع مخالفته للعربية وأنه ليس مداره على ذلك بل أنهم شركوا في الحكاية في لفظ واحد لاقحاد ما صدر عنهم مع أنه يجوز اختيار الثاني لأنّ التشريك في الدعاء أدعى للإجابة فأعزفه. قوله: (ومعناه قاصدين) أي على الوجه الأخير وفيه إشارة إلى أنّ الإمام من الأم بمعنى القصد ومقتدين على صيغة الفاعل أو المفعول والأوّل أقرب وبهم! وفي نسخة لهم صلته. وقوله: وهي اسم مفرد أريد به الجمع بدليل(6/437)
ما في الآية الأخرى وقد قرئ في تلك الآية في الغرفة والأصل توافق الآيات وإذا كانت بمعنى الجنة لا كحتاج إلى التأويل. وقوله: بصبرهم إشارة إلى أنّ ما مصدرية وأن مفعول الصبر محذوف. وقوله: من مضض بيان للمشاق وأصله الوجع والمراد به هنا ثقلها. قوله: (دعاء بالتعمير) أي! طول العمر والبقاء لأنّ التحية أصل معناها قول: حياك الله وأبقاك وهي مشتقة من الحياة كما أشار إليه، والسلامة تفسير للسلام وقوله: تحييهم بيان للداعي وفي نسخة أو تحييهم على أنّ الأول غير معين والمراد من الدعاء به التكريم والقاء السرور، والا فهو متحقق لهم. وقوله: أو تبقية تفسير له على أنه لم يرد الدعاء بل وصفهم بما ذكر وقوله وقرأ حمزة الخ وقراءة غيره بتشديد القاف. وقوله: مقابل سات " فهو إمّا بمعنى نعمت أو سرت وجميع ما مرّ جار هنا والتأفيث لتأويل المقام بالجنة مطابقة لئأنيث المختص فتذكر. قوله: (ما يصنع بكم) فما استفهامية ؤتجوله: من عبأت الخ فأريدا به لازم معناه وهو الصنع لأن الشيء إنما يهيأ ليصنع به صنع. وقوله: أو لا يعتد بكم فما نافية وهو من العبء بمعنى الحمل ولما كان ما لا يعتد به يرمى ولا يحمل أطلق على عدم الاعتداد بالشيء وعدى تعديته. وقد كان متعذيا بنفسه والخطاب لكفار قريش أو لجميع العباد كما ارتضاه في الكشاف على كلام فيه. قوله: (لولا
عبادتكم) قد مرّ أن الدعاء يطلق على العبادة وتوجيهه فالمس در مضاف للفاعل وقد جوّز فيه أن يكون مضافا إلى المفعول والمعنى لولا دعاؤه إياكم إلى التوحيد وأن يكون الدعاء بمعنى التضرّع وجواب لولا محذوف لدلالة ما قبله عليه. قوله:) وقيل معناه ما يصنع بعذابكم (ففيه مضاف مقدر والدعاء بمعنى العبادة أيضاً والخطاب للكفار. وقوله: عبا بفتح الباء مصدر وقوله يعبؤكم إشارة إلى أنه متعد بنفسه في الأصل كما مر واضافة رب إلى ضحميره للإشارة إلى أن تبليغه بأمره وتربيته. قوله: (حيث خالفتموه) فالتكذيب استعير للمخالفة وما أخبرهم به إفا في قوله ما يعبأ الخ أو في غيره وقوله: كذب القتال الخ كما يقال في ضده حمل حملة صادقة. وقوله: بما وجد في جنسهم فلا يتوهم دخول الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فيهم. وقوله: يكون جزاء التكذيب يعني أنّ الضمير لمصدر الفعل المتقدم بتقدير مضاف أو على التجوّز وإن اللزام مصدر مؤوّل باسم الفاعل وأتى به للمبالغة. وقوله: أو أثره وهو الأفعال الشنيعة المتفزعة عليه فصيغة المضارع للاستمرار وعلى الأوّل للاستقبال. وقوله: حتى يكبكم بالرفع أو النصب والياء مفتوحة من كب لا بالضم من أكب للزومه كذا قيل لكن صاحب القاموس والراموز قالا إنه يقال كبه وأكه فيجوز فيه الفتح والضم ومن خالف في تعديه فهو قاصر وليس هذا محله- وقوله: وإنما أضمر أي في يكون- وقوله: من غير ذكر أي صريحاً وإلا فهو في ضمن الفعل فلا إضمار قبل الذكر- وقوله: يكتنهه أي يحيط بكنهه وحقيقته. قال الأزهريّ رحمه الله تعالى: اكتنهت الأمر اكتناهاً إذا بلغت كنهه فلا وجه لقوله في شرح المفتاح في الفصل والوصل أنه مولد. وقوله: وقيل المراد أي باللزام هنا ما لزمهم من العذاب في الدنيا وقد كان ملزوماً لهم في الآخرة ولزاما بالفتح مصدر لزم. والحديث المذكور موضوع والنصب التعب ومناسبته ظاهرة تمت السورة الشريعة بحمد الله وعونه وحسن توفيقه.(6/438)
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الشعراء
هي مكية إلا الآيات المذكورة كما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما، وقوله: أولم يكن
لهم آية أن يعلمه علماء بني إسرائيل كما في الإتقان فإنها نزلت بالمدينة في شعراء رسول الله صلى الله عليه وسلم حسان وكعب بن مالك وابن رواحة رضي الله عنهم، وقال الداني: روي بسند صحيح أنها نزلت في شاعرين تهاجيا في الجاهلية مع كل واحد جماعة فالسورة على هذا كلها مكية. قوله: (قرأ حمزة الخ) وكون نافع قرأ بين بين رواه أبو عليّ الفارسيّ في الحجة، وعليه اعتماد الزمخشريّ والمصنف في فقل القراآت، فما في النشر مما يخالفه وأنه مرويّ عن قالون لا يرد على المصنف كما توهم، وقوله: بكراهة للعود تعليل لعدم الإمالة الصرفة، ويعني به أن الألف منقلبة عن ياء فلو أميلت إليها أنتقض غرض القلب، وهو التخفيف ومن لم يمل أصلاً نظر إلى أن الطاء حرف استعلاء يمنع من الإمالة، وإنما كان منفصلاً لأنها أسماء حروف مقطعة، ومن أدغمها رآها متصلة في حكم كلمة واحدة خصوصاً على القول بالعلمية، وأمّا معنى طسم وإعرابه فقد مرّ في أوّل البقرة كما أشار إليه المصنف. قوله: (الظاهر إعجازه وصحته) إشارة إلى أنه من أبان اللازم لا من المتعذي ومفعوله محذوف ومو الشرائع والأحكام أو الحق ونحوه لأن هذا أنسب بالمقام، ولذا اقتصروا عليه هنا، وجوّز غيره في غير هذه الآية وذكر الإعجاز إمّا إشارة إلى تقدير مضاف، أو إلى أنّ الإسناد مجازيّ، والإعجاز والصحة متلازمان وقيل المراد صحة كونه من عند الله وهو عطف تفسير للإعجاز وفيه نظر لأنّ كونه من عند الله لا يلزمه الإعجاز ألا ترى أنّ التوراة والأحاديث القدسية من عند ألله ولا إعجاز فيها. قوله: (والإشارة إلى السورة أو القرآن) المفهوم من قوله طسم بأن تجعل اسماً لهما، أو تعدادا للحروف مرأدا به قرع العصا، وقوله: آيات الكتاب بمعنى آيات
هذا المؤلف منها، وطسم مبتدأ خبر. تلك والكتاب المبين صفته أو خبره وهو وخبره خبر الأوّل، وهو أرجح وإذا أريد القرآن فالتأنيث لرعاية الخبر. قوله: (قاتل نفسك) أي غماً وتهالكاً(6/439)
والبخاع بكسر الباء بالمعنى المذكور مما تفرّد الزمخشريّ بإثباته وتبعه المطرزيّ لكن ابن الأثير في النهاية قال: إنه لم يوجد في شيء من كتب اللغة، واستعمال العرب، وقد مرّ تفصيله وأنّ المثبت مقدّم على النافي خصوصا مثل هذا المثبت، وقوله: مستبطن القفا غير غبارة الكشاف، وهي قوله: مستبطن الفقار جمع فقارة وهي عظام الظهر لما قيل إنه تحريف لأنّ أقصى حدّ الذابح في القفا، وفيه نظر. قوله: (أي أشفق على نفسك الخ الما كان الترجي غير صحيح ولا مرادا جعلها للإشفاق، والإشفاق بمعنى الخوف أيضاً غير متصوّر منه تعالى فجعله من المخاطب، ولما كان غير واقع أوّله بالأمر به لدلالة الإنكار المستفاد من سوق الكلام عليه أو المعنى أنك تفعل ذلك أي التحسر والتهالك فلا تفعل، قيل: ولو فسر البخع بشدّة الحرص كما يقال هو يقتل نفسه على كذا جاز الخبر، وعدم الحمل على الإشفاق، وفيه ما فيه. قوله: (لئلا يؤمنوا الخ) في الكشاف لثلا يؤمنوا ولامتناع إيمانهم أو خيفة أن لا يؤمنوا فزأد قوله ولامتناع الخ إشارة إلى أنّ السكون بمعنى الصحة فهو عطف تفسيريّ، وعلى الثاني هو بمعناه لكن لما لم يصح كون عدم الكون في المستقبل علة للبخع لكونه غير معلوم قدر خيفة لا لأنه ليس فعلألفاعل الفعل المعلل فإنه وهم فإنّ فيه مصححاً آخر لحذفها، وهو أن المصدرية لاطراد الحذف مطلقاً معها كما حققه بعض شرّاج الكشاف ففي كلام المصنف رحمه الله قصور، وتوجيهه بأنّ المراد لاستمرارهم على عدم قبول ا! يمان لأنّ كلمة كان للاستمرار فأريد به استمرار النفي لا المنفيّ فليس فيه غفلة عن فائدة ذكر الثون كما توهم ليس بشيء لأنه ليس في كلامه ما يدلّ على إرادة الاستمرار صراحة، ودلالة فلا بتمّ بعناية القاضي، وكأنه أراد انّ كان هنا أتى بها لأجل الفاصلة، والأولى ما مرّ فتأمّل. قوله: (1 ن نثأ الآية) قيل إنه استئناف لتعليل ما يفهم من الكلام من النهي عن التحسر المذكور ببيان أن إيمانهم ليس مما تعلقت به مشيئته تعالى حتماً فلا وجه للطمع فيه، والتألم من فواته، ويرد عليه أنه يقتضي أن عدم تعلق مشيئته بإيمانهم يكون عذراً لهم في ترك الإيمان كما سيورده هو فيما سيأتي، وليس كذلك فالأولى أن يقال إيه تسلية له صلى الله عليه وسلم، والمراد منه تعليل الأمر بإشفاقه على نفسه ومفعول المشيئة ما يدل عليه الجزاء أو إيمانهم بقرينة ما قبله، ويؤيده أنّ السورة في تعظيم شأنه صلى الله عليه وسلم فهو براعة استهلال. قوله: (دالة ملجئة إلى الإيمان الخ) وفي نسخة دلالة ملجئة بماسناد الإلجاء للدلالة مجازاً، وقيد الأية بالملجئة لأنّ غيرها مما تحقق نزوله قبله ومعه، والإلجاء لأنه سنة الله عند ظهور أمثالها، وقولنا سنة أحسن من قول بعضهم عادة لأنّ العادة لا تطلق عليه تعالى كما في
الانتصاف لكن الزمخشريّ، وغيره يستعملها والوارد في الآثار ما ذكرناه سابقاً. قوله: (أو بلية قاسرة عليه) أي على الإيمان بالجبر عليه، وليس ذلك في الوجه الأوّل، والتخصيص لما مرّ لا لأنّ عليهم يدل عليه لأن الاستعمال تعديته بعلى فلا دلالة على ما ذكر كما قيل. قوله: (منقادين) يعني أنّ الخضوع هنا مجاز أو كناية عن الانقياد والإذعان، ولما كان خاضعين لجمع من يعقل والإعناق ليست كذلك جعلها مقحمة والأولى أن يقال إنها أكتسبت التذكير، وصفات العقلاء من المضاف إليه، ولما كان الخضوع وضدّه يظهر في الرأس والعنق جعله محله لأنه يتراءى قبل التأمّل أنه هو الخاضع دون صاحبه، وقوله على أصله أي قبل الإقحام. قوله: (وقيل لما الخ) معطوف على قوله: وأصله الخ لا على قوله وترك الخبر لفساده معنى كما لا يخفى، وقوله بصفات العقلاء جمعها وهي صفة واحدة أعني الخضوع لتعددها باعتبار تعدّد من قامت به هنا أو لأنه أريد الجنس كما في قولهم فلان يلبس الثياب، ولها صلة ظلت أو خاضعين، ولم يلتفت لتقدير أصحاب أعناقهم لأنه ركيك مع الإضافة لضميرهم، ولا لجعل خاضعين حالاً من المضاف إليه لذلك. قوله: (وقيل المراد بها الرؤساء) أي مجازاً كما يقال لهم صدور ورؤس فيثبت الحكم لغيرهم بالطريق الأولى أو الجماعات وفي نسخة الجماعة أي مطلقاً رؤساء أم لا فالمعنى ظلت جماعاتهم أي جملتهم لأنهم جماعة من الناس فلا إشكال فيه، وعلى قراءة خاضعين الإسناد مجازيّ. قوله: (فظلت الخ) هو تفريع على جميع ما تقدم لا على الأخير وهذا من العطف على المعنى كما عطف فأصدق المنصوب على أكن المجزوم(7/2)
لصحة الجزم فيه، وقوله: لأنه لو قيل الخ بيان له، والماضي وإن كان يصح عطفه على المضارع إلا أنه هنا غير مناسب فإنه لا يترتب الماضي على المستقبل بالفاء التعقيبية أو السببية فإنه غير معقول، والمعقول عكسه وتأويل أحد الفعلين يدفع ذلك فهو لازم لكنه إن نظر إلى زمان الحكم كان الجواب مستقبلا فيؤوّل ظلت بتظل كما قرئ به، وان نظر إلى زمان الحكاية يؤوّل تنزل بأنزلنا كما قرئ به، وهو الذي اختاره الشيخان لأنه وإن كان مستقبلا حقيقة لأنّ المعتبر زمان الحكم لا التكلم على المشهور، ولو خط فيه أيضا صورة نزول تلك الآيات العظيمة الملجئة إلى الإيمان، وحصول خضوع رقابهم عند ذلك في ذهن السامع ليتعجب منه وعبر عنه بالماضي إشارة إلى أنّ نزول تلك الآيات لقوة سلطانه، وسرعة ترتب ما ذكر عليه كأنه كان واقعاً قبله، وإلا لم يصح الترتب والتسبب لما مرّ فلذا جرى فيه على خلاف مقتضى الظاهر كما في شرح الكشاف فما قيل في دفع كون كلمة الشرط تخلص للاستقبال، وانّ النظم
لو كان أنزلنا أوّل يتنزل من أنّ إن الشرطية قد تخرج عن الاستقبال كما في نحو إن كنت قلته فقد علمته، وهو كذلك هنا بدليل وقوع لو في نظائره كقوله: {وَلَوْ شَاء اللهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى} [سورة الأنعام، الآية: 35] فالمعنى هنا لو شئنا لأنزلنا فلذا عطف على المعنى تكلف ما لا حاجة إليه من كون أن بمعنى لو ومضيّ ما في حيزها، وأنت في غنية عنه بما قدمناه ومن قال إنّ الفاء لا يجزم ما بعدها لم يفرق بين العاطفة والجوابية فتأمّل. قوله: (موعظة أو طائفة من القرآن) يعني المراد إما التذكير والموعظة، ومن زائدة أو القرآن ومن تبعيضية والجاز والمجرور صفة لمقدر، وقوله: بوحيه متعلق بيأتيهم، وعنوان الرحمن إشارة إلى أنه رحمة، وقوله وتنويع التقرير أي التثبيت في الأذهان أو الحمل على الإقرار، والأوّل أولى. قوله: (إلا جدّدوا إعراضاً) قيل كان ينافي ما ذكر، فالظاهر أتا لمعنى ما يجدّد الله تعالى بوحيه على نبيه صلى الله عليه وسلم موهـ هـ ودريرا إلا استمرّوا لحى ما اعتادوه من الإعراض! وردّ بأنه لوقوعه في مقابلة ما يأتيهم فالمراد به بالاستمرار التجدّدي، وقوله: محدث لتوكيد.، والاستثناء يدلّ على أنّ الإعراض وقته إتيان الذكر، ولا يخفى أنّ هذه الجملة حالية ماضوية وأن كان تدلّ على الاستمرار التجددي ووقوعها في مقابلة المضارع لا يقتضي إلا الثبوت عليه مع تجدد التذكير وتكرّره، وهو أبلغ في الذمّ فالظاهر أن المصنف رحمه الله أراد ما ذكره المعترض، ولولاه لم يقل واصراراً الخ، وإنما قال جددوا لأنّ الإعراض عما يحدث لا بد أن يكون حادثا إذ لا يتصوّر الإعراض عن شيء قبل وجوده، فإن أراده هذا القائل! ن فاسداً وان أراد الاستمرار بعده فهر معنى الإصرار، وقال بعض الفضلاء في فقد كذبوا تمادوا على التكذيب، وكان تكذيبهم مع ورود ما يوجب الإقلاع من تكرار إتيان الذكر كتكذيبهم أوّل مرّة، وللتنبيه على ذلك عبر عنه بما يعبر عن الحادث وله نظائر كقوله: {رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ} [سورة الشعراء، الآية: 117] فكذبوه وفي قوله وأمعنوا إشارة إليه فتاً مّل. قوله: (بعد إعراضهم) هذا مقتضى الفاء، واعراضهم تكذيب فعلى هذا لا حاجة إلى أن يقال وعنده أيضا، وأمعنوا بمعنى بالغوا فيه، وقوله المخبر به عنهم الظاهر أن يقول عنه، وكذا هو في نسخة مصححة، وإنما جعله متضمناً له لأنّ قوله ما كانوا به يستهزؤون يقتضي تقدم الاستهزاء، ولو جعل الإعراض والتكذيب دالاً عليه كان أظهر، وقوله: {إِذَا مَسَّهُمْ} [سورة الاً عراف، الآية: 201] الخ هو غير مغاير لقوله في الأنعام عند ظهور الإسلام وارتفاعه كما توهم، واتيان الخبر كناية عن وقوع
محذور منتظر، واليه أشار ببيان الأنبار بقوله من أنه الخ. قوله: (أولم ينظروا إلى عجائبها (بيان لمحصل المعنى أو لتقدير مضاف وقد جعل هذا معطوفا على مقدر هو أكذبوا بالبعث لدلالة الذكر عليه، وقوله صنف إشارة إلى أنه ليس المراد بالزوح معناه المعروف، وهو أحد القرينين من ذكر وأنثى، بل ما في قوله: {أَزْوَاجًا مِّن نَّبَاتٍ شَتَّى} [سورة طه، الآية: 53، أي أنواعا متشابهة وقال الراغب: إنه يطلق عليه لتركبه، وقوله وهو أي كريم صفة بمعنى محمود مرضيّ لا بمعنى معطي. قوله: (وهاهنا يحتمل أن تكون) أي صفة الكريم مقيدة هو بالقاف كما في بعض الحواشي، وهو الظاهر فالمعنى أنّ الصفة يحتمل أن تكون مقيدة للصنف مخصصة بما ذكر لأنه ليس كل صنف كذلك، وقوله لما يتضمن الدلالة إمّا صلة مقيدة فما يتضمن المنبت مطلقا أو تعليلية ففاعل يتضمن ضمير كريم أي لتضمن كرمه الدلالة على القدرة أي(7/3)
دلالة ظاهرة وإلا فكل ما نبت دال عليها، ويجوز أن يكون بالفاء ومآله ما ذكر، وقوله: وأن تكون مبينة أي موضحة لا مخصصة لما ذكره. قوله: (وكل لإحاطة الآزواج) يعني أنه لا تكرار فيه إذ فرق بين الكثرة والشمول فالمعنى أنبتنا شيئاً كثيرا هو كل زوج فمن بيانية أو شيئا كثيرا من كل صنف فمن تبعيضية. قوله: (أي في إنبات تلك الآصناف) قيل إنه توجيه لإفراد اسم الإشارة أو آية بأنه إشارة إلى إنباتها أو إلى كل واحد منها، ويجوز أن يكون إشارة إلى الجميع بجعلها كشيء واحد لاتحاد الغرض فيها، وكونها آية كما مر في قوله إماماً، والظاهر أنه بيان للمراد من الإشارة واً نه إمّا للإنبات أو للمنبت لأنه لا يحتاج لتاويل عليهما إذ كل مضافة لنكرة فهي للإحاطة على البدلية لا على الاجتماع، واسم الإشارة بعدها كالضمير يكون مفردا كما مر وتنكير آية للتعظيم. قوله: (في علم الله وقضائه الخ) قد مرّ مثله، والاعتراض عليه بأنّ علمه تعالى ليس علة لعدم إيمانهم لأنّ العلم تابع للمعلوم لا بالعكس فكان هنا زائدة، وهو إخبار عن حالهيم في الواقع في علم الله، وكون علمه وقضائه ما نعين عن الإيمان رأي المجبرة، وقد مر ردّه بان معنى كون علمه تعالى تابعاً للمعلوم إنّ علمه تعالى في الأزل بمعلوم معين حادث تابع لماهيته بمعنى أنّ خصوصية العلم، وامتيازه عن سائر العلوم إنما هو باعتبار أنه علم بهذه الماهية، وأمّا وجود الماهية فيما لا يزال فتابع لعلمه الأزليّ التابع لماهيته بمعنى أنه تعالى لما علمها في الأزل على هذه الخصوصية لزم أن تتحقق، وتوجد فيما لا يزال كذلك فنفس موتهم على الكفر، وعدم إيمانهم متبوع لعلمه الأزليّ، ووقوعه تابع له، وأمّ كون كان زائدة فلا وجه
له، وكونه إخباراً عن حالهم إن أراد في الماضي فلا فائدة فيه، وان ادّعى أنه لتوبيخهم وتقبيح حالهم، وان كان في المستقبل فلا دلالة للفظ عليه، والمصنف لم يلأع أنّ علمه وقضاءه تابعان كما توهم، وأمّا جعله من الاستدلال بأحد لازمي الشيء على الآخر فقيل إنه يأباه سياقه إذ المفهوم منه العلية بحسب الوجود على أنّ عدم النفع معلوم مشاهد فلا فائدة في بيانه، وفيه بحث. قوله: (القادر على الانتقام) وعدم تعجيله لحكمة اقتضت سبق رحمته، ولذا عقبه بقوله الرحيم كما أشار إليه، ولأنه يخاف الفوت، وإنما قدّم العزيز لأنّ ما قبله في بيان القدرة، وقوله الغالب تفسير للعزيز لا وصف له قدم حتى يقال إنه لم يسمع إطلاقه على الله، وان قيل في باب الإيمان إنه سمع الطالب الغالب كما ذكره شيخنا المقدسيّ. قوله: (مقدر باذكر) على أنه مفعوله واذ متصرفة وهو معطوف على ما قبله عطف القصة على القصة، وقيل إنه معطوف على مقدر آخر أي خذ الآيات، أو ترقب إتيان الأنباء، وقوله أو ظرف لما بعده وهو قال: الخ، وقوله أي ائت الخ يعني أنّ أن تفسيرية أو مصدرية قبلها حرف جر مقدّر، وقوله بالكفر هو ظلمهم لأنفسهم وما بعده ظلمهم لغيرهم، وقوله بدل الخ قد رجح الثاني ليكون وصفهم بالظلم في حكم النتيجة فالأبلغ فصده ولاشتراكه عينه بما بعده، وهو مخالف لتقديم المصنف رحمه الله له فقد يقال إنه أولى لأنّ فيه إشعاراً بأنّ قوم فرعون علم في الأظلمية، ولعل الاقتصار أي في الإتيان أو في الوصف بالظلم، وقيل إنه مفعول يتقون وقيل منادى وقيل هو اكتفاء، وقد يقال قوم فرعون شامل له شمول بني آدم له. قوله: (أولى بذلك) أي بالإتيان أو الوصف بالظلم، وقد خص في بعض المواضع للدلالة على ذلك، وقوله: استئناف أي بيانيّ بتقدير ما أقول إذا جئتهم لا نحوقي كما قيل: وقوله أتبعه إرساله الخ قيل إنه إشارة إلى أنه من جملة ما نودى به موسى عليه الصلاة والسلام، وقد قيل عليه ليت شعري ما الطريق إلى جعله منه وقد عرفت طريقه وفي الكشاف إنه يحتمل أن يكون حالاً من الضمير في الظالمين، ولو كان حالاً بتقدير القول أي قائلاَ لهم ألا يتقون لم يرد عليه شيء لكن قوله أي يظلمون غير متقين الله، وعقابه فأدخلت همزة الإنكار على الحال يأباه، ولذا أورد عليه أنّ فيه مع الفصل بالأجنبي لزوم إعمال ما قبل الهمزة فيما بعدها إلا أنه أشار إلى دفعه في الكشف، وغيره بأنه غير أجنبيّ، وأنّ مثله غير بعيد لتوسعهم في الهمزة، وقوله تعجيبا إشارة إلى أنّ الاستفهام مستعار للتعجب وقد
جعله الزمخشريّ للإنكار إشعاراً بأنّ عدم التقوى هو الذي جرّ أهم على الظلم فلا يتوهم أنه لا يلائم ما قبله، وإن كان الظاهر أن يقال أيظلمون، واليه أشار المصنف رحمه الله تعالى بقوله: (من إفراطهم في الظلم)(7/4)
وقيل ألا للعرض ولا استفهام فيه.
قوله: (وقرئ بالتاء الخ) وجه الزجر والغضب أنه ضرب وجوههم وجيههم بما ذكر، كما تشكو جناية جان حاضر عندك لآخر فإذا حمى غضبك أقبلت على الجاني تقول له أما تخالف الله أما تستحيي من الناس، وقوله: وان كانوا غيباً جملة حالية من ضمير أجروا إن لم يجعل جوابا وغيبا بضم الغين وتشديد الياء، ويجوز فتحهما مخففاً جمع غائب، وكلام المرسل وهو موسى عليه الصلاة والسلام مصدر مضاف للمفعول أي تكليم الله من أرسله، ومبلغه بصيغة المفعول والضمير للكلام يعني أنه إذا بلغهم به خاطبهم أو هو بصيغة الفاعل، وقوله: واسماعه الخ يعني نزل منزلتهم فخوطبوا. قوله: (مع ما فيه من مزيد الحث الخ) الضمائر للالتفات ومورده هنا الغضب والزجر كما مر، وقوله: مزيد إشارة إلى أنّ أصله مراد مع الغيبة أيضا وليس هذا من أنّ ألا للعرض! كما قيل، نعم كلامه محتمل له فتدبر، وقوله ويحتمل الخ إشارة إلى أنّ ألا كلمة واحدة للعرض، ويا ندائية سقطت ألفها لالتقاء الساكنين، وحذف المنادى كما في الآية المذكورة، ورسمه حينئذ بإسقاط الألفين مخالف للقياس، وما بعده فعل أمر وقوله وقرى الخ فأصله يتقونني حذفت إحدى نونيه لاجتماع مثلين وياؤه اكتفاء بالكسرة. قوله:) رتب استدعاء الخ) الترتيب من فاء فأرسل والضم والإشراك من السياق، وقوله معي في محل آخر، ومفعول أرسل مقدر أي ملكاً، أو جبريل عليه الصلاة والسلام، وقوله خوف التكذيب هو وما بعد. مجرور بدل من لأمور الثلاثة، ويجوز رفعه ونصبه، وقوله: وضيق القلب إشارة إلى أنه عبر عنه بضيق الصدر مبالغة، وقوله انفعالاً أي للانفعال وتتأثر منه، وعنه إن رجع ضميره للخوف فظاهر وان رجع للتكذيب فباعتبار أنه مخوف متوقع كما تدل عليه صيغة المضارع فلا يرد عليه أنه غير متيقن فلا وجه للجزم بضيق القلب المترتب مع أنّ ذلك كما يوجد به يوجد بخوفه، ولو عمم ضيق القلب بأن جرد عنه كما ذكر في قوله: {رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي} [سورة طه، الآية: 25] جاز. قوله: (وازدياد الحبسة قي اللسان) بعدم انطلاقه من سجن اللكنة وقيد
الغي وانحلال عقدته وزاد ازدياد لأنه المتوقع الحاصل بانقباض! الروح عند الضيق دون الحبسة نفسها فإنها كانت موجودة والخوف غمّ مما يتوقع وهذا ميل إلى القول بعدم زوال العقدة بالكلية، والمراد بالروح الشعاع الخارج من القلب المنتشر المسمى بالروح الحيواني الذي تتحرّك به العضلات، وحبسة اللسان للقصة المشهورة. قوله: (ضيقه) أي غمه المقتضى لرجوع الروح وانقباضها نحوه، وإنما جعل ضيق الصدر وحبسة اللسان متفرّعين على التكذيب داخلين تحت الخوف مع إمكان غيره حتى لا يحتاج إلى التأويل وزيادة الازدياد لتتوافق قراءة الرفع، والنصب في المعنى إذ الأصل توافقهما، وان كان بينهما فرق في الأداء وقد جوّز البقاعي كون أخاف بمعنى أعلم أو أظن فتكون أن مخففة من الثقيلة لأنها واقعة بعدما يفيد علما، أو ظنا كما اشترطه النحاة ولا يأباه قرإءة النصب كما توهم لأنّ أخاف فيها محمول على ظاهره، ولا تخالف بينهما معنى، وقوله: لأنها الخ متعلق برتب لتعليله وتنويره، وقوله متى تعتريه حبسة تنوينه للتقليل ليلتئم مع ما مر أو فيه مضاف مقدر وهو ازدياد فتأنله. قوله: (ولا تنبتر حجته (أي لا تنقطع بعد الشروع فيها من البتر بالموحدة والمثناة الفوقية، وهو قطع الآخر، وقوله وليس ذلك تعللا الخ جواب عن أنه كيف ساغ لموسى عليه الصلاة والسلام أن يأمره الله بأمر لا يتلقاه بالسمع والطاعة من غير توقف، وتشبث بأذيال العلل والاستعفاء بعيد من مثله من أولي العزم، وقوله: وتمهيد عذر فيه أي في طلب المعونة وليس أمره بالإتيان مستلزماً له. قوله: (فيكونان من جملة ما خاف مته (أي إبتداء وصراحة بخلافه على الوجه السابق فإنهما مترتبان على خوف التكذيب والمترتب على المخوف مخوف فلا ينافي هذا ما موّ، وقوله تبعة كفرحة أي ما يتبعه من جزائه، وعلى التسمية باسمه هو مجاز بعلاقة السببية، وقوله على زعمهم أو هو بتقدير دعوى ذنب. قوله: (يقتلون به) أي قودا قبل أداء الرسالة المأمور بتبليغها، وهذا هو البلية التي طلب من الله دفعها بعصمته من الناس وليس هذا في شيء مما قبله حتى يغايره بكونه قبل الأداء، وذاك بعده أو في أثنائه كما توهم قيل وهو وان كان نبياً غير عالم ببقائه إلى أداء الرسالة أو إن أمره بشرط التمكين مع أن له نسخ ذلك قبله فإنه(7/5)
فعال لما يريد لا يسأل عما يفعل وأمّا كون الأنبياء عليهم الصلاة والسلام يعلمون أنه إذا حملهم الله تعالى رسالة أنه يمكنهم من أدائها ويبقيهم إلى وقت إلقائها، وإن كان بناء على اكثر لقتل بعض الأنبياء فغير مسلم لما مر، وقوله: ذاك إشارة إلى قوله إني أخاف أن يكذبون الخ، فإن قلت استدفاع البلية
يكون قبل الأداء وبعده فلا وجه لتقييد هذا به، ومقابلته للاستظهار بل هو مناسب للاستظهار، وتدارك مصلحة النفس، والتوقي غير مناف لمقام النبوّة كما كان يفعله نبينا صلى الله عليه وسلم حتى نزل عليه والله يعصمك من الناس، قلت: بعد أمر الله له بالتبليغ اللائق ملاحظة ذلك والخوف من فوات ما أمر به لا التوقي والاستظهار في أمر الدعوة يكون بعد الأداء لأنه طلب ظهورها وشيوعها فلا يرد ما ذكر، وهو اللائق بمقام أولي العزم الباذلين مهجهم في سبيل الله، وتوقي الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لا ينافيه فإنه لخوف فوات مصلحة الرسالة أيضا، وان كان حفظ النفس في ضمنه أيضاً فتأمّل. قوله: (إجابة له إلى الطلبتين) تثنية طلبه بوزن كلمة، وهي ما يطلب، وهو لف ونثر مشوّس فإنّ الإجابة إلى الثانية بكلا، والى الأولى باذهبا، وقدّمت الثانية لاختصاصها بموسى عليه الصلاة والسلام، ولذا فسروه بارتدع دون ارتدعا وبوعده متعلق بالإجابة ولدفع مفعول وعده أي موسى عليه الصلاة والسلام واللام للتقوية، وردعه مفعول اللازم، ويجوز أن يكون فاعله أي اللازم له ردعه فالجواب معلوم بطريق الكناية، وقيل إنه مجاز، وضم أخيه عطف على وعده. قوله: (والخطاب الخ) لأنّ السياق يقتضي عدم حضور هرون ولا ينافي هذا ما ذكره في تفسير قوله: {اذْهَبْ أَنتَ وَأَخُوكَ} [سورة طه، الآية: 42] وقوله لأنه معطوف الخ تعليل للتغليب لأنّ كلا بمعنى ارتاع يا موسى فالخطاب له فقط وخطاب غيره بالتبعية له، والفاء ققتضي فهمه مما قبله وهو قوله فأرسل، وقيل إنها فصيحة، وقد قيل إنّ هرون كان إذ ذاك بمصر. قوله: (يعني موسى وهرون وفرعون) قيل والظاهر أنه لموسى وهرون ومن تبعهما من بني إسرائيل فيتضمن الكلام علوهما واعزازهما لقوله في القصص {وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا} [سورة القصص، الآية: 35] أو لهما تعظيما ويأبى هذا ما بعده وما قبله من التثنية كما أنه يرد على لأوّل أنّ المعية لا تختص بأحد لقوله: {وَلَا أَدْنَى مِن ذَلِكَ} [سورة المجادلة، الآية: 7] ولا أكثر إلا وهو معهم والخاصة وهي معية الشفقة، والنصرة لا تليق بالكافر ولو بطريق التغليب، وقد يقال خصوص المعية لا يلزم أن يكون بما ذكر بل بوجه آخر، وهو تخليص أحد المتخاصمين من الآخر بنصرة المحق والانتقام من المبطل كما أشار إليه في تفسير قوله مستمعون فلا غبار عليه مما ذكره أرباب الحواشي. قوله: (سامعون لما يجري بينكما وبينه) أعلم أنه في الكشاف جعل مستمعون قرينة معكم في كونه من باب المجاز، والله تعالى يوصف بأنه سميع وسامع ولا يوصف بأنه مستمع، اهـ محصله وأشار شراحه إلى أنّ السمع انكشاف ما فهو في حقه تعالى بمعنى الانكشاف التامّ المناسب له، ولا يعلم حقيقته إلا هو، وقد وصف الله بهما فإن كان
ذلك في الأزل قيل سميع وإن كان فيما لا يزال قيل سامع، وهو بحسب الأصل مجاز إن كان مقيداً بالحاسة، ثم صار كالحقيقة وأمّا مستمع فلا يطلق عليه تعالى لأنه مقدمة جسمانية له كالنظر للرّؤية، ولأن فيه تلمسا للإدراك ينزه الله عنه سواء أكان بحاسة أم لا فسقط ما قيل من أنّ السمع في الحقيقة إدراك بحاسة فإن أريد به مطلق الإدراك فالاستماع مثله فلا حاجة إلى التجوّز فيه، ثم إنّ لهم في فهم كلامه طريقين احدهما أنّ قوله أنا معكم مستمعون جملته استعارة تمثيلية كما ذكره المصنف رحمه الله تعالى بقوله مثل الخ لكنه مشكل لأنه حينئذ لا تجوّز في شيء من مفرداته، ولا يكون مستمعون مطلقاً على الله فلا حاجة إلى جعله بمعنى سامعين إلا بتكلف سيأتي، والثاني أنّ قوله مستمعون مجاز عن سامعين إمّ استعارة أو مجازاً مرسلاً أو كناية لتلازمهما غالبا، وقوله إنا معكم استعارة تمثيلية، وقوله: قرينة بمعنى مقترنة في المجازية معها واختاره الفاضل اليمني، واً وّل كلاميه يناسبه لكن قوله: يريد أنا لكما ولعدوّكما كالناصر الظهير لكما عليه إذا حضر واستمع يدل على أنه جعل مستمعون من جملة التمثيل لقول المصنف رحمه الله استماعا كما قاله بعض الشراح وأمّا ما قيل من أنّ اللازم في التمثيل بقاؤه على ما كان عليه قبل النقل حقيقة كان أو مجازا، والاستماع(7/6)
في المستعار منه كناية عن السمع لأنه المقصود، وكل منهما يوجد بدون الآخر فكذا في المستعار له فمع كون كلام الكشاف والمصنف رحمه الله صريحاً في خلافه بعيد جدّا، ولا فائدة تحته وجعل قوله: مثل بمعنى شبه وأنه استعارة بالكناية في الضمير المستتر في معكم لا يدفعه فإنّ تشبيهه تعالى بالحاضر لما ذكر يقتضي كون مستمعين بمعناه، والتخييلية يراد حقيقتها فالظاهر أنه أراد الثاني، وأنّ قوله إنا معكم تمثيل له في نصره وامداده بمن يحضر خصمين ليعين أحدهما، ويكون الاستماع بحسب ظاهره لكونه لم يطلق عليه كالسمع كالقرينة له وان كان مجازا عن السمع، والقرينة في الحقيقة عقلية، وهي استحالة حضوره تعالى في مكان والاستماع المذكور في تقرير التمثيل ليس هو الواقع في النظم بل هو من لوازم حضور الحكم للخصومة، ولما كانت المعية الخاصة تستعار لما يؤثر كالحفظ في قوله: {إِنَّ اللهَ مَعَنَا} [سورة التربة، الآية: 40] كما ذكر السمع قرينة هنا لما ذكر، ووزانها وزان أني معكما أسمع وأرى فلا غبار في كلام الشيخين فتدبر. قوله: (مبالغة) علة لقوله مثل، وقوله: ولذلك أي لقصد المبالغة، وتوله: تجوّز لما عرفت أنه لا يطلق عليه، وجعل التجوّز هنا بمعنى الكناية تعسف بارد، وأصل معنى الإصغاء الميل للسماع، ثم تجوّز به عنه مطلقا، وقوله: الذي هو مطلق إدراك الحروف إشارة إلى أنه لا يتقيد بالحاسة، وإنما هو انكشاف مخصوص كما هو مذهب أهل السنة بل أهل اللغة فلذا أطلق عليه تعالى بخلاف الاستماع كما مر، وقوله معكم لغو أي متعلق بمستمعون، وقيل إنه حال من ضميره وتقديمه للاهتمام أو الفاصلة أو الاختصاص إن أريد معية مخصوصة. قوله: (لأنه
مصدر) بحسب الأصل وصف به الآن هنا كما يوصف بغيره من المصادر للمبالغة كرجل عدل فيجري فيه ما يجري فيه من الوجوه، وقد قيل إنه لما كان له جهتان تبعيته لموسى عليهما الصلاة والسلام، وكونه وزيراً، وكونه نبيا مرسلاً من الله روعي كل من الجهتين فأفرد مرة وثني أخرى ولا ينافيه جمعهما في المسند إليه، وان لزم منه اشتراكهما في المسند لأنّ الإشعار في لفظ لا ينافي النظر إلى الواقع في آخر نعم في كلامه خلل من جهات ليس لنا حاجة إلى بيانها هنا. قوله: (فإنه مشترك) أي بين المعنيين، وأن كان مصدراً في الأصل لأنه صار حقيقة في المعنى الآخر، وبه سلم من كون فعول بمعنى مفعل لم يسمع في غيره. قوله: (لقد كذب الخ (هو من شعر لكثير عزة وقبله:
حلفت برب الراقصات إلى منى خلال الملا يمددن كل جديل
لقد الخ وبعد.:
فلاتعجلي يا عزأن تتفهمي بنصح أتى الواشون أم بحبول
وقد روي هذا البيت مقدما والمعنى ما أرسلتهم برسالة إذ أرسلته بمن أرسل لا وجه له، والتجريد يأباه المقام إذ لا مبالغة فيه كذا في الكشف، وقد قيل عليه إنه لا مانع من كونه فيه بمعنى المرسل وأرسلتهم بمعنى أرسلت إليهم على الحذف، والإيصال وهو كثير في فصيح الكلام والمعنى ما وقفوا على سرى بالذات، ولا بالواسطة، وهو المناسب، وما ذكره مبنيّ على أنّ ضمير أرسلتهم للمرسل لا للمرسل إليه، وليس بشيء لأنّ المتعارف أنّ الباء لا تدخل إلا على ما مع الرسول كالهدية فلا يقال أرسلت برسول، وأنما يقال أرسلت الرسول بالهدية أو بالكتاب، وكذا بعثت ولذا اعترض على قول المتنبي:
فآجرك الإله على عليل بعثت إلى المسيح به طبيبا
فهو محتاج إلى التجريد، وإنما لم يحمل أرسلتهم على الحذف لأنه خلاف الظاهر من
غير فائدة مع أنّ قوله فلا تعجل، ومعنى الواشي يناسب ما ذكر فتدبر، وقوله ولدّلك أي لكونه مشتركا أو مصدراً. قوله: (أو لاتحادهما الخ) فكأنهما نفس واحدة لما ذكر، أو لتبعية هرون لموسى عليهما الصلاة والسلام كما مر ولا ينافيه التثنية مع التصريح بالوزارة لأنه لئلا يكون المقام خلواً عن الإشارة إلى الجهتين كما ثني هنا قولاً، وهذه النكتة في الحكاية فلا منافاة بينهما حتى يقال إنه وقع مرتين أو مرة بما يفيد التثنية، والاتحاد فساغ التعبير بكل منهما، والمرسل اسم فاعل هو الله والمرسل به الشريعة والتوحيد. قوله:) أو لأنه الخ) يعني أن قوله
إنا بمعنى إنّ كلامنا فصح إفراد خبره كما يصح في ذلك، وفائدته الإشارة إلى أنّ كلا منهما مأمور بتبيغ ذلك ولو منفردا، فما قيل: إنّ التثنية تفيد هذا فلا فائدة في العدول عنها، وأنّ مثله إنما هو في تاويل(7/7)
الجمع كيخرجكم طفلاَ لا وجه له، وقوله: أي أرسل يعني أن تفسيرية هنا وأشار بما بعده إلى توفر شرطها عند النحاة، وهو تقدم ما تضمن معنى القول دون حروفه، وقد جوز فيها المصدرية بتقديره بأن أرسل الخ، وهو على الأوّل متحد بما قبله في الجملة، وعلى هذا مغاير له، ولذا رجحه بعضهم لموافقته لقوله: {فَأَرْسَلَ} [سورة الثعراء، الآية: 53] في طه فلا وجه لما قيل إن ما في طه موافق لكلا الوجهين على سواء فتأمّل. قوله: (معنا إلى الثأم (أخذ التقييد من قوله معنا وقرينة الحال، ومنهم من فسره بيذهبوا حيث شاؤوا على أنّ الإرسال بمعنى الإطلاق مع أنه وافقه في محل آخر، وقوله بعدما أتياه الخ كأنه يشير إلى كونه قال إنما يتصوّر بعد الإتيان، والقول فهو معلوم من السياق، ويحتمل أنه إشارة إلى تقدير فأتيا فرعون فقالا له ذلك كما في الكشاف وغيره، وقوله في منازلنا إشارة إلى تقدير مضاف تقتضيه الظرفية، ولو قدّر في أهلنا صح لكن هذا أظهر وأقرب للحقيقة. قوله: (سمي به) أي سمي الطفل بالوليد، وهو فعيل بمعنى مفعول لأنّ فعيلا قد يدل على قرب التلبس بالمعنى كحليب ووليد كما صرح به أهل اللغة وكأنه أخذ من صيغة المبالغة لما كانت الولادة لا تفاوت فيها نفسها وفي قوله لبث الخ شيء ما سياتي في القصص. قوله: (وبخه به) أي بذلك القتل، وتعظيم القتل بما في الموصول من الإبهام الذي يستعمل لذلك كما في نحو {فَغَشِيَهُم مِّنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ} [سورة طه، الآية: 78] كأنه أمر لا يمكن الإحاطة به ومعرفة كنهه، وفيه أيضا تلطف به لعدم التصريح بذنبه، وقوله: قتله بكسر القاف وفعلة للهيئة والفعل المخصوص كما أشار إليه بقوله بالوكز وهو الضرب بجمع كفه، وعلى الفتح هو للمرّة. قوله: (بنعمتي) فهو من كفران النعمة وجعل الدليل عليه قتل خواصه، والمراد بخواصه المضافة الجنس فيشمل الواحد، وقوله أو ممن يكفر بصيغة المجهول وفي نسخة تكفرهم من الإكفار أو التكفير فإنهما مسموعان لكن الأشهر هو الأوّل، والمعنى كنت من جملة القوم الذين ادعيت كفرهم، وهذا الحكم منه بناء على ما عرفه من ظاهر حاله لاختلاطه بهم، والتقية معهم بعدم الإنكار كما أشار
إليه المصنف رحمه الله، وإلا فالأنبياء عليهم الصلاة والسلام معصومون عن الكفر قبل النبوّة وبعدها، وكونه افتراء عليه بعيد لأنه لو علم بإسلامه أوّلاً سجنه أو قتله إحدى التاءين يعني في الفعلين السابقين، وكونه حكماً مبتدأ أي غير حال فهو إمّا مستأنف أو معطوف، وقوله من الكافرين بالهيته الكفر بمعنى الجحد أو على زعمه، وقوله أو بنعمته هو الوجه الأوّل بعينه والمغايرة بينهما في وجهه فإنه في الأوّل قتل خواصه وفي هدّا مخالفتة له، وفي الوجه الأخير مبنيّ على اعتقادهم الباطل. قوله: (قال فعلتها إذا (أي إذ ذاك وفي الآية لف ونشر مشوس، وأقرّ بالقتل لثقته بحفظ الله له، وقوله من الجاهدين فسر الجهل بما ذكر ومحصله الإقدام من غير مبالاة بالعواقب وهو بهذا المعنى في أكثر استعمالات العرب كقوله:
ألالايجهلن أحدعلينا فنجهل فوق جهل الجاهلينا
والفرق بينه وبين الثالث أنه في هذا عالم بالعواقب دون ذاك، والضلال يستعمل بمعنى الجهل كما يستعمل الجهل بمعناه، وما يؤول إليه الوكز هو القتل، ولأنه يتعلق بالذاهلين، وتفسير. بالجاهلين بالشرائع غير مناسب والفرق بين الثاني والثالث غير ظاهر، وكونه في مجرّد التعبير لا محصل له، وهذا جواب لما وبخه به وكون الضلال بمعنى النسيان مرّ تحقيقه في سورة البقرة. قوله: (لما خفتكم) أي حين الخوف لقوله: {إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ} [سورة القصص، الآية: 25] وقوله: حكمة أراد بها النبوّة وما وبخه به هو القتل وكفران نعمته، والردّ بأنه قبل النبوّة وكان خطأ منه، وكرّ بمعنى رجع أي إلى ردّ ما ادعاه من نعمة التربية، وقوله: ولم يصرّح بردّه لأنه اعترف به بقوله وتلك نعمة بخلاف الأوّل فإنه لما قدج في نبوّته بالقتل العمد قال: إنه لم يكن عمدا، وانه قبل النبوّة فلا يتوهم أنّ الأوّل غير صريح أيضاً كما قيل، والنعمة استعباد بني إسرائيل حتى صار هو في حجره. قوله: (لأنه كان صدقا) فلا يناسب رده بنفسه صراحة بخلاف القتل كما مرّ وتربيته له غير قادح فيه لا حقيقة ولا توهما بخلاف الأوّل فإنه يتوهم فيه القدح، وقوله تمنها عليّ بها كذا في أكثر النسخ، وكان الظاهر إسقاط الضمير، وقد قيل إنه إشارة إلى أنه من الحذف والإيصال فهو بتقدير أي بها أو هو عطف بيان على الضمير(7/8)
وهو تكلف، وقوله بها وتمنها بمعنى تعدها عليّ من المن وهو على ظاهره من الاستقبال أو تنعم بها من المنة والمضارع لاستحضار الصورة، والتعبيد التذليل باتخاذهم عبيداً،
والتربية مفهومة من قوله ألم نريك، وقوله وهي في الحقيقة تعبيدك أي بسبب تعبيدك، وجعلها عينه مبالغة كما صرّح به بعده. قوله: (وقيل الم يرتضه لأنه خلاف الظاهر، وقد منعه بعض النحاة، وقوله: ومحل أن عبدت أي على الوجهين الرفع على أنه خبر محذوف، والجملة حالية أو مفسرة وقوله بدل نعمة، أو تلك وهو معنى قوله في نسخة أو مبدل من المبتدأ أو الخبر أو عطف بيان، وقوله أو الجرّ الخ هما قولان مشهوران في محل إن وأن وما معهما بعد حذف الجاز، وعليهما فهو بدل من ضمير تمنها ومنهم من قدره لأن عبدت. قوله: (وقيل الخ) الشنعاء القبيحة، وفيه فصل بينهما بأجنبيّ، ولذا مرضه مع قوته بحسب المعنى وشناعتها مأخوذة من الإبهام، وهو حينثذ للإنكار عليه فيما امتن به والجمع في منكم، وخفتكم وجهه ظاهر كما صرّح به في قوله إنّ الملأ يأتمرون بك ليقتلوك، ولم يرعو مضارع ارعوى بمعنى انتهى، وانكف وضمير إنه لموسى عليه الصلاة والسلام. قوله: (شرع في الاعتراض على دعواه الخ) وتقديم الاستفسار جار على قواعد البحث لتصوّر المدعي توطئة لرده والمراد بدعواه ما يخص التوحيد، والا فقد تقدم الاعتراض على دعوى النبوّة أيضا، واليه أشار بقوله جواب ما طعن فلا وجه للاعترإض عليه بأنّ القدح في نبوّته كان أيضاً أعتراضا على دعواه كما توهم. قوله: (عن حقيقة المرسل) يعني أنّ سؤاله كان من حقيقته، وماهيته الخاصة وما يسأل بها عن الحقيقة مطلقاً سواء أكان من أولي العلم أم لا فلا يتوهم أنّ حق الكلام أن يقال من رب العالمين كما إذا كان السؤال! عن الجنس حتى يوجه بأنه لإنكاره له عبر بما تحقيراً، ولما كان التفتيش عن حقيقته مما لا سبيل إليه عدل عن جوابه إلى ذكر صفاته على نهج الأسلوب الحكيم إشارة إلى تعذر ما ذكره، ولما نظر السكاكيّ إلى الظاهر جعل السؤال عن الوصف، ولم يتعرّض لما في الكشاف من أنّ بوّابه قال هنا من يزعم أنه رسول رب العالمين لأنه يختل به النظم، كما قاله الطيبيّ وان ردّه في الكشف. قوله: (لما امتنع تعريف الآفراد (لأنّ الفرد المعين لا يحد وإنما يعرف بالإشارة، وهي غير معرّفة في الحقيقة، وإنما المعرّف خواصه ومشخصاته ومع ذلك فالإشارة الحسية ممتنعة في حقه تعالى، وقوله لما بالتشديد جوابه
محذوف يدلّ عليه قوله عرفه الخ أو بالتخفيف، وما مصد! ية أي لامتناع تعريف الأفراد، والمرا! بتعريفه بيان حقيقته بقرينة قوله حقيقة المرسل فلا يقال أنّ الأولى أن يقول لما امتنع تعريفه بدل تعريف الإفراد إذ هو اللازم من كلامه لأنّ ما ذكر إثبات للمدّعي بطريق برهاني كما لا يخفى. قوله: (وإليه أشار (أي إلى امتناع تعريف حقيقته كما في سائر الأفراد المعينة إلا بذكر الخواص، وقوله الأشياء إشارة إلى أنّ له مفعولاً عامّا مقدراً، ويحتمل أن يريد أنه نزل منزلة اللازم والمعنى إن كنتم ممن شأنه الإيقان، وقوله لتركبها لأنّ التركب يستلزم الحدوث كما بين في الكلام، وكذا التعدد كما مرّ وتغير أحوالها محسوس، واستلزام تعريفه بحقيقته لتعرياله بنفسه ليس مغالطة كما قيل بل لأنه لا أجزاء له لا ذهنية ولا خارجية، وتعريف الشيء بنفسه باطل للزوم توتفه على نفسه كما قرّره في محله، وليس هذا مبنيا على تجانس الأجسام كما سبق إلى بعض الأوهام. قوله: (جوابه) هو مفعول تستمعون، وقوله أو يزعم في نسخة زعم، وهو معطوف على يذكر، وقد جوّز عطفه على سألته وقوله أو غير الخ يعني على زعمه الفاسد إذ هي كذلك في النظرة الحمقاء، وذلك لعدم العلم بإمكانها وحدوثها الذي هو علة الحاحة لما ذكر لا لأنّ التأثير لا ينافي دعواه الربوبية، وأنه إله العالم فلا حاجة إلى ما تكلفه بعضهم هنا. قوله: (عدولاً إلى ما لا يمكن الخ) يعني أنه لما أنكر خلق السموات والأرض لتوهمه قدمها عدل إلى ذكر هذا لإلزامه إذ لا يشك في حدوثه وافتقاره، والنظر في الأنفس أقرب واً وضح من النظر في الآفاق، وقوله مثله الضمير لما مرّ من الوجوب، وعدم الافتقار إلى مؤثر! ومثل مقحمة كقوله مثلك لا يبخل، ثم إنّ المصنف بني تفسيره هنا على الوجهين الأخيرين في تفسير الآية السابقة، ولذا قيل إنه رجحهما على الوجه الأوّل ويجوز أن يقال على الوجه الأوّل أنه صلى الله عليه وسلم عدل إلى ذكر لازم أجلى وأظهر من الأوّل تنبيهاً على عدم إمكان تعريفه(7/9)
بدون خواصه، ولك أن تقول إنّ قوله ويكون أقرب الخ إشارة إليه، ومعناه أنه عدل عن الجواب بحقيقته إلى ما هو أوضح إشارة إلى أنّ ما سأل عنه لا يمكن الوقوف عليه، وانّ فيما
ذكر كفاية لمن يفهم ولو لم يقصد هذا لم يرتبط به ما بعده، ونحوه ما قيل إنه لم يتعرّض له لعدم إمكان تفهيمه، وستسمع تتمته.
قوله: (اسأله عن شيء الخ الأنه سأل عن الحقيقة فأجابه بالوصف على الأسلوب الحكيم فلم يفهم مطابقته، ولم يتعرّض لتفسيره على الأخيرين لأنه جعل هذا ناظراً إلى أوّل كلامه، وانه عدل إلى الطنز لحيرته، وعدم قدرته على دفع ما ذكره وقوله تشاهدون الخ يعني أنّ تحريك الشمس على مدارات مختلفة دالّ بتغيرها على حدوثها، وأنّ لها صانعا قادرا حكيما. قوله: (إن كان لكم عقل الخ) يعني أنه منزل منزلة اللازم هنا لأنه أبلغ، وأوفق بما قبله من رد نسبة الجنون إليه للإشارة إلى أنهم مظنته لا هو كما أشار إليه بقوله وعارضهم بمثل مقالتهم، وقوله لا ينهم أي عاملهم باللين والرفق لما قال لهم إن كنتم موقنين وخاشنهم أي أغلظ عليهم في الردّ بقوله إن كنتم تعقلون وقوله عن المحاجة متعلق بقوله عدولاً والديدن العادة والحجوج المغلوب برد حجته. قوله: (واستدلّ به) أي استدلّ بما ذكر هنا من قوله: {وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ} الخ على أنّ فرعون كان يدعي الألوهية، وان كان قوله ويذرك وآلهتك يقتضي أنه مشرك، ولذا قال: من ذهب إلى هذا أنه كان يدعي الألوهية لنفسه، ولها أيضاً وهو بعيد وقوله: {وإن تعجبه} الخ قيل مراده على جواز ما ذكر فلا ينافي ما مرّ في تفسيره، وهو تكلف ما لا حاجة إليه لأنّ ما مرّ مبنيّ على ما ارتضاه كما أشار إليه بقوله ولعله كان دهرياً الخ والقطر بضم فسكون جانب الأرض، وقوله بقوّة طالعه بناء على زعمه في تأثير الكواكب كما تقول الدهرية. قوله: (واللام الخ) وجه كونه أبلغ من لأجعلنك مسجونا الأخصر ما فيه من الإشارة إلى سجن مخصوص لا يرجى منه الخلاص، وهو ظاهر وليس هذا من قبيل كانت من القانتين، وذاك نوع آخر فيه بلاغة أخرى كما ذكره ابن جنى رحمه الله تعالى. قوله: (أي أتفعل ذلك) يعني إنكار نبوّتي وكفرك، وقوله: يبين صدق دعواي فهو من أبان المتعدّي ومفعوله
محذوف لأنه المناسب للمقام، وجعل الواو حالية فإن قلت قوله بعد حذف الفعل يقتضي أنها عاطفة فينافيه، قلت: يريد أنّ التقدير أتذكر ما قلت، ولو جئتك الخ فالمقدّر صاحب الحال وعاملها وحينئذ لا حاجة إلى تأويل الإنشائية بخبرية ليصح وقوعها حالاً، وقوله: في أنّ لك بينة أسقط ما في الكشاف هنا من أنّ في هذه الآية ردّا على أهل الحق لأنه لا وجه له كما بين في شروحه. قوله تعالى: ( {فَأَلْقَى عَصَاهُ} الا حاجة إلى جعل هذه الفاء فصيحة مبنية على مقدّر كما قيل، وقوله ظاهر ثعبانيته الخ أي ليس بتمويه وتجيل كما فعله السحرة، وهو مشتق من ثعب بمعنى جرى جرياً متسعا، والثعب المجري الواسع وسمي به لجريه بسرعة من غير رجل كأنه ماء سائل، ولذا شبه به الماء الجاري، وأمّا كونه من الانفجار من بعد وان كان ما-له ما ذكر فليس بمراد هنا، وقوله فما فيها سأله ليتنبه لحالها ويرى ما حدث فيها من النور ليكون أعجب والإبط ما بين الذراع والجنب ويعشى بعين مهملة. قوله: (مستقرّين حوله الخ) يعني أنه منصوب لفظاً على الظرفية والظرف مستقرّ وقع حالاً كما أشار إليه بقوله مستقرّين ولم يجعله صفة للملا على حدّ:
ولقد أمر على اللئيم يسبني
لأنّ هذا أسهل وأنسب كما لا يخفى وقوله فائق في علم السحر أخذه من صيغة المبالغة. قوله: (بهره سلطان المعجزة) أي غلبة قوّة المعجزة وحطه عن دعوى الربوبية لإظهار ائتماره بأمرهم، والمؤامرة المشاورة وهو إشارة إلى معنى قوله تأمرون، وفيه مخالفة للزمخشريّ حيث جوّز في تامرون أن يكون من المؤامرة بمعنى المشاورة لأمر كل بما يقتضيه رأيه أو من الأمر وخص النكتة بالثاني كما يتبادر من كلامه لعدم تأتيها على الأوّل، وهو الظاهر من السياق ومحل ماذا النصب على المصدرية أو المفعولية، وتنفيرهم بقوله يريد أن يخرجكم من أرضكم والاستشعار طلب الشعور بظهوره واستيلائه. قوله: (أخر أمرهما) أي إلى أن تأتيك السحرة من
أرجأته إذا أخرته، وقد قرئ بهمز وبدونه وقوله شرطاً بضم الشين وفتح الراء جمع شرطه بفتح الراء وسكونها، وهم أعوان الولاة وقد يرد بمعنى خيار الجند وليس بمناسب هنا، ويحشرون السحرة بمغني يجمعونهم عندك، وقوله يفضلون(7/10)
من صيغتي المبالغة ولم يزيدوا في العلم لأنّ المهمّ هو العمل هنا، وقوله: فما فيها أي أفي شيء فيها يعني ليس فيها معجزة. قوله تعالى: ( {فَجُمِعَ السَّحَرَةُ} ) في المفتاح أنّ تعريف السحرة عهدي وفي شرح الفاضل المحقق أنّ المعهود قد يكون عامّا مستغرقاً كما هنا ولا منافاة بينهما كما يتوهم، وفيه بحث ليس هذا محله، وقوله لما وقت به أي عين وظاهره أنه مخصوص بالزمان، وهو المتبادر من الوقت وفي الكشاف الميقات ما وقت به أي حدّد من زمان أو مكان، ومنه مواقيت الإحرام وقد يقال ما ذكره المصنف هو أصل معناه، وما في الكشاف شاع فيه بعد ذلك حتى الحق بالحقيقة. قوله: (فيه استبطاء) يعني أنّ الاستفهام مجاز هنا عن الحث والاستعجال وباعث بمعنى مرسل ودينار وعبد رب أخو عون ومخراق بالخاء المعجمة كلها إعلام وعبد رب بالنصب عطف على محل دينار كما رواه سيبويه، ولو جرّ عطفاً على لفظه صح، وقوله إحداهما هو معنى أو وأخا عون إمّا منادى أو عطف بيان لما قبله. قوله: (نتبعهم في دينهم) إشارة إلى أنّ المراد بالاتباع موافقتهم في مدّعاهم، وقوله إن غلبوا إشارة إلى بيان حاصل المعنى لأنّ المقصود منه الخبر وليست كان فيه زائدة، وقوله والترجي باعتبار الغلبة يعني أنّ من جملتهم فرعون وهو لا ترجى منه ولا يترجى اتباعهم فالترجي، واحتمال الوقوع للغلبة لا للاتباع لأنه غير متصوّر منه بل من أتباعه بحضرته، إلا باعتبار أنّ أتباعهم اتباع له لكونهم أتباعه، ولذا جعلوه كناية عن عدم اتباع موسى عليه الصلاة والسلام والمعنى الحقيقيّ هنا بالنسبة إلى فرعون، وان كان متبعا لأنّ مدعي الألوهية لا يتغ غيره فيكفي إمكانه واحتمال وقوعه ولو من غيره، أو يقال أنه لدهشته وغلبة ذل العجز عليه جوّز اتباعهم كما طلب الأمر ممن حوله فلا حاجة إلى جعله مجازا متفرّعا على الكناية بناء على مذهب الزمخشريّ فيه. قوله: (التزم لهم الأجر) هو من قوله نعم لأنه إجابة
لما طلبوا منه، وقوله زبادة عليه أي على الأجر من قوله وانكم الخ وقوله: إن غلبوا معنى قوله إذا لأنها جواب وجزاء كما أشار إليه بقوله فإذا الخ، وقوله بالكسر أي بكسر العين مع فتح النون. قوله: (ولم يرد الخ) يعني أنّ السحر حرام، وقد يكون كفرا على ما فصل في الأحكام وعلى كلى حال فلا يليق من النبيّ المعصوم الأمر به فدفعه بأنّ الأمر هنا ليس على حقيقته لأنهم فاعله لا محالة، وإن لم يقل لهم ذلك كما أشار إليه بقوله ما أنتم ملقون، ولذا عبر بالاسمية فهو عبارة عن الإذن بتقديمه ليتوسل به إلى إبطاله المتوقف عليه كما يؤمر الزنديق بتقرير حجته لتردّ فإنّ الممتنع هو الرضا على طريق الاستحسان لا مطلق الرضا، وما اشتهر من قولهم رضا الكفر كفر ليس على إطلاقه كما عليه المحققون من الفقهاء وأهل الأصول، وقوله ما هم فاعلوه لأنه علم ذلك بفراسة صادقة أو إلهام أو وحي، ولأنّ الظاهر أنّ فرعون بعد إحضارهم لذلك يحملهم عليه فما قيل إنه في ظنه لا وجه له ولا يناسب كلام المصنف. قوله: (أقسموا بعزته) وخصوها بالقسم هنا لمناسبتها للغلبة، واذا فجائية وتلقف أصله تتلقف عبر بالمضارع لاسنحضار الصورة، والدلالة على الاستمرار وأصل التلقف الأخذ بسرعة، وفسر هنا بالابتلاع، وقوله ما يقلبونا أي يغيرونه عن وجهه أي حاله الأوّل من الجمادية إلى كونه حيا نضراً وفيه إشارة إلى أنّ ما موصولة حذف عائدها للفاصلة، وقوله إفكهم إشارة إلى جواز كونها مصدرية. قوله: (وفيه) أي في سجودهم، وتسليمهم له دليل على أنّ منتهى السحر تمويه أي تلبيس من موّه الأمر إذا أظهر منه ما ليس فيه، وأصله أن يطلى بالذهب المذاب كالماء ووجهه أنّ السحر أتوى ما كان في زمن موسى عليه الصلاة والسلام، ومن أتى به فرعون أعلم أهل عصره به وقد بذلوا جهدهم وأظهروا أعظم ما عنده منه، وهو تمويه فعلم ما ذكر ولكن ليس كل سحر كذلك، وإنما هذا هو الغالب فيه والتزويق التزيين والتحسين، وأصله أن يجعل الزاووق وهو الزئبق مع الذهب، ويطلى به ثم يدخل في النار فيطير الزاووق، ويبقى الذهب، ثم قيل لكل مزين ومنتقش مزوّق. قوله: (وإن التبحر) معطوف على قوله إنّ منتهى السحر والتبحر تفعل من البحر، وهو عبارة عن زيادة العلم وسعته أي زيادة العلم نافعة في كل فن وإن لم يكن من العلوم الشرعية فإنّ هؤلاء السحرة لتبحرهم في علم السحر علموا حقيقة ما أتى به موسى عليه(7/11)
الصلاة والسلام وأنه معجزة فانتفعوا بزيادة علمهم لأنه أدّاهم إلى الاعتراف بالحق والإيمان لفرقهم بين المعجزة والسحر، وأنما بدل الخرور بالإلقاء الخ والمعروف فيه ذلك نحو خرّوا له ساجدين ولا إلقاء وايجاد خرورهم وخلقه فيهم لا يسمى إلقاء حقيقة، ولغة فمن قال إنه تعالى خلق خرورهم عند أهل السنة وخلقه هو الإلقاء فلا حاجة إلى التجوّز لم يفرق بين الفاعل الحقيقي واللغويّ وهو دقيق. قوله: (قكأنهم أخذوا الخ) إشارة إلى أنّ في ألقى استعارة تبعية حسنها المشاكلة، وليس مجازاً مرسلاً وان احتمله النظم، ووجه الشبه عدم التمالك لا السرعة كما قيل، وقوله وانه تعالى الخ إشارة إلى أنّ الفاعل هو الله حذف للعلم به وفي الكشاف، ولك أن لا تقدر له فاعلاً لأنّ ألقوا بمعنى خرّوا وسقطوا يعني فلا يحتاج إلى فاعل آخر غير من أسند إليه المجهول لأنه فاعل الإلقاء، وقيل إنه أراد أنه لا يحتاج إلى تعيين فاعل لأنّ المقصود الملقى لا تعيين من ألقاه كما في قتل الخارجيّ، وهو بعيد مما ذكرنا.، وخوّلهم بالخاء المعجمة بمعنى أعطاهم. قوله: (بدل الاشتمال الما بين الإلقاء وهذا القول من الملابسة، ويحتمل أن يكون استئنافا كأنه قيل فما قالوا وقوله إبدال لو جعله عطف بيان كان أظهر، ورفع التوهم بأن يتوهم بأنهم أرادوا برلث العالمين فرعون لقوله: {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} [سورة النازعات، الآية: 24] الخ ولا وجه له إذ يجوز أن يكون فرعون قال كلا من الكلامين ولم يذكر الثاني هنا وتوافق الآيتين غير لازم وكذا ما قيل إنه من نسبة فعل الواحد للجنس، وروح بفتح الراء ومشهور بين القراء. قوله: (بيان له) أي لمفعول يعلمون المحذوف، وهو الوبال وتفصيل لما أجمل ولذا فصل وعطف بالفاء في محل آخر وقوله لا ضرو علينا إشارة إلى الخبر المقدر، وحذفه في مثله كثير وقوله: {بما توعدنا به} [سورة الأعرأف، الآية: 123 إمّا معلوم من الأفعال أو مجهول من التفعل، وهو قطع الأيدي وما معه، وقد وقع في بعض النسخ بفتح التاء والواو مع رفع الدال على أنّ أصله تتوعدنا، والانقلاب إليه هو الرجوع إلى جزائه وثوابه، والصبر عليه بالثبات على الحق، وقوله موجب للثواب أي بمقتضى وعده أو كالموجب إذ لا يجب عليه تعالى شيء عندنا. قوله: (أو سبب من أسباب الموت) يعمي المراد من الانقلاب إليه
الموت وهو كائن لا محالة:
ومن لم يمت بالسيف مات بغيره تعددت الأسباب والداء واحد
فلا ضير ولا جزع لوقوعه بما هو أنفع لنا فالمعنى على الأوّل لا ضير في قتلك لأنه
سبب للسعادة الأبدية وعلى هذا إلا ضير فيما فعلت لأنه لا بد من الموت فهو كقول علي كرّم الله وجهه لا أبالي أوقعت على الموت أم وقع الموت عليّ، والفرق ظاهر وترك هنا وجهاً آخر ذكره في الأعراف على عادته في ترك بعض الوجوه المذكورة في محل آخر لتكثير الفائدة، وهو أنّ المراد مصيرنا ومصيرك إلى رلث يحكم بيننا، وليس تركه لما فيه من تفكيك الضمائر لكونها للسحرة فيما بعده، وقبله لأنه لو كان محذورا لم يجوّزه ثمة ولأنّ دخولهم فيه مانع منه كما لا يخفى فتأمّل، وقوله من خلاف أي من محل فهو ظرف، أو من أجل خلافكم، وقوله: لأن كنا إشارة إلى قراءة الفتح وأنها على تقدير الجار. قوله: (من أتباع فرعون الخ) المراد أنهم أوّل من أظهر الإيمان منهم عنده كفاحا فلا يرد عليه ما قيل إنه منقوض بمؤمن آل فرعون وآسية، والثاني بهما وببني إسرائيل إلا أن يكونوا غير حاضري المشهد، وهو غير معلوم وفي الكشاف من أهل زمانهم، وفيه إنّ بني إسرائيل مؤمنون قبلهم، وليس المراد بالإيمان بموسى عليه الصلاة والسلام، لقولهم رب موسى وايمان بني إسرائيل في ذلك الوقت به غير محقق. قوله: (والجملة في المعنى تعليل ثان) إنما قال في المعنى إشارة إلى أنه ليس المقصود به التعليل ليكون المقام مقام العطف ولذا قيل إنه تعليل له مع علته، وعلى الوجه الثاني هو تعليل للعلة، وقوله وقرئ الخ أي بأن الشرطية التي تستعمل في الشك فلذا جعله مضافا لنفسه نزله منزلة المشكوك، وقوله أو على طريقة المدل بوزن(7/12)
الفاعل مشدد اللام من قولهم تذلل عليه أظهر مخالفته تعنتاً لاعتماده على محبته، وليس بمراد لكنه أبرزه في صورة الشك لتنزيل الأمر المعتمد منزلة غيره تمليحا وتضرّعا لله كقول القائل إن كنت عملت لك فوفني حقي وقوله تعالى: {إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي} [سورة الممتحنة، الآية: ا] وقد نجوّز فيها أن تكون مخففة من الثقيلة بدون اللام الفارقة لعدم اللبس فإنه ورد مثله في فصيح الكلام لعدم احتمال النفي، وقوله إن أحسنت الخ الظاهر أنه معمول لقول مقدر أي إذا قال أو قائلاً ونحوه أو هو بدل من المدلّ بدل اشتمال. قوله: (وذلك بعد سنين الخ) أي أمر الله له بالمسير عنهم بعد
سنين من مجيء السحرة، وقوله أتبعكم مصبحين كان الظاهر اتبعوكم لكنه أرجع الضمير لفرعون لأنه المقصود، وقوله مصبحين حال من ضمير الجمع الواقع مفعولاً وارتكبه ليطابق ما في النظم بعده، ولو جعل من الأفعال بحذف مفعوله أي أتبعكم جنوده صح وفي بعض النسخ اتبعوكم وهي ظاهرة، وقوله فأطبقه بالرفع معطوف على يدخلون، وقد جوّز نصبه على أنه جواب للأمر، وقوله بحيث لا يدركونكم توجيه لأمرهم بالسرى، وبيان لحكمته، وقوله حتى أخبر بسراهم إشارة إلى أنّ الفاء فصيحة أي فسروا وأخبر بسراهم فارسل الخ، والمراد بالمدائن مدائن مصر. قوله: (على إرادة القول) يعني أنّ هؤلاء الخ معمول لقول مضمر، وهو إمّا حال أي قائلا ذلك أو مفسر لأرسل والشرذمة الطائقة، وقيل بقية كل شيء خسيس ويقال ثوب شراذم وشراذمة أي خلق مقطع وهو من وصف المفرد بالجمع مبالغة كما ستسمعه قريبا، وقوله بالإضافة متعلق باستقلهم أي جعلهم قليلاَ بالنسبة لجنده لأنّ مقدمته فقط أكثر منهم. قوله: (وقليلون الخ) يعني كان الظاهر شرذمة قليلة فجمع باعتبار أنّ الشرذمة مشتملة على الأسباط أي الفرق، والقبائل من بني إسرائيل، وكل منهم قليل كما يقال ثوب شراذمة ويراد أخلاق للمبالغة في أنّ كل جزء منه متصف بالبلاء كمعي جياع فهو يفيد تناهيه في ذلك الوصف، ولذا ذكرهم باسم دالّ على القلة وهو شرذمة ثم وصفهم بالقلة، ثم جمع القليل للإشارة إلى قلة كل حزب منهم، وأتى بجمع السلامة الدال على القلة، ويجوز أن يراد بالقلة الذلة لا قلة العدد يعني أنهم لقلتهم لا يبالي بهم ولا يتوقع غلبهم. قوله: (لفاعلون ما يغيظنا) من مخالفة أمرنا والخروج بغير إذن منا مع ما عندهم من أموالنا المستعارة، وتقديم لنا للحصر والفاصلة واللام لجعله بمنزلة اللازم كما يشير إليه تفسيره بفاعلون أو للتفوية، وقوله لجمع إشارة إلى أنّ جميع بمعنى الجمع وليست التي يؤكد بها، ولو كانت هي المؤكدة نصبت، وقوله من عادتنا الحذر بفتح الحاء والذال أو بكسر فسكون، وهو الاحتراز وكونه من عادتهم من صيغة فعل الدالة على الثبات والمبالغة. قوله: (أشار أوّلاً الخ) يعني بقوله إنّ هؤلاء الخ، وقوله: ثم إلى تحقق الخ هو من قوله: (وأنها لنا لغائظون) ووجوب التيقظ من قوله وانا لجميع حذرون وهو معطوف على تحقق، أو على قوله فرط وقوله حثا تعليل لقوله أشار وضمير عليه إلى ما ذكر، وقيل إنه
للاتباع. قوله: (أو اعتذر) في نسخة واعتذر وفي نسخة أو اعتذار بالنصب عطف على حثا وضمير به لفرعون يعني اعتذر من إرساله لهم بأنهم ليسوا بشيء يخاف منه، وإنما يكثر الجيوس لحزمه وإراءة قوّته لهم، والأوّل يعني حذرون للثبات لأنه صفة مشبهة، والثاني حاذرون اسم فاعل يفيد التجدد والحدوث وهذا بناء على ما اشتهر عند النحاة، وفي شرح المفتاح الشريفي إنّ اسم يدل على الثبوت مطلقاً والدوام والتجدّد من القرائن، وفيه نظر. قوله: (وقيل الحاذر المؤدي في السلاح) أي الداخل في عدة الحرب كالدرع فإن المؤدي بالهمز هو صاحب السلاح لاً نه صاحب أداة أي آلة، وآلة الحرب تسمى حذراً مجازا كما في قوله: {خُذُواْ حِذْرَكُمْ} [سورة النساء، الآية: 71] وأليه أشار بقوله وهو أيضا الخ وأمّا المودى بمعنى الهالك فغير مهموز من أودى إذا هلك وليس من الأضداد لأنه سبب أداته كما قيل. قوله: (وقرئ حادرون بالدال) المهملة ومعناه أقوياء أشداء من حدر حدارة إذا امتلأ شحماً أو لحماً، ومنه الحادرة اسم شاعر أو هو بمعنى تام السلاح أيضا لأنه يتقوّى به كما يتقوّى بأعضائه فهو استعارة حينئذ، أو مجاز مرسل أو كناية. قوله: (أح! ب الصبتي الخ) يقول إني أحب بعض الصبيان، وان كان قبيحا لحب أمّه، وقد أبغض بعض الصبيان(7/13)
لبغض أمّه وان كان حسنا فسكنى عن حسنه بكونه حادرا والحدارة بفتح الحاء، والدال المهملتين كالجسامة لفظاً ومعنى وأراد به القوّة هنا. قوله: (بأن خلقنا الخ) إنما أوّل أخرجنا بخلقنا داعية الخروج وأوجدناها ولم يؤوّله بخلقنا الخروج وان كان كافياً لأنّ مراده أنّ الإسناد هنا مجازيّ لأنه تعالى أوجد فيهم دواعي حملتهم على ذلك، وخلق الدواعي لا ينافي كون الخروج مخلوقاً له أيضا، وقوله بهذا السبب أي الذي تضمنته الآيات الثلاث، وهو متعلق بخلقنا أو بداعية، وضمير حملتهم للدّاعية وقوله وكنوز المراد إمّا الأموال التي تحت الأرض وخصها لأنّ ما فوقها انطمس، أو مطلق المال الذي لم ينفق منه في طاعة الله، والأوّل أوفق باللغة والثاني مروقي عن السلف فلا وجه للتحكم هنا، وقوله يعني الخ تفسير للمقام الكريم. قوله: (وكنوز) قيل عبر به لأنّ أموالهم الظاهرة انطمست فهو من مجاز الأوّل قيل وهو سهو، وفيه ما لا يخفى فتدبر. قوله: (مثل ذلك الإخراج أخرجناهم الا يرد عليه وعلى ما بعده أنه يلزمه تشبيه الشيء بنفسه كما مرّ تحقيقه في
البقرة، وقوله فهو مصدر أي الإشارة بذلك إلى مصدر هو الإخراح والجار والمجرور في محل نصب صفة لمصدر مقدر أو في محل جر صفة مقام، واذا قدر الأمر كذلك فالمراد تقريره وتحقيقه، والجملة معترضحة حينثذ كالتي بعدها. قوله: (وأورثناها الخ) هو استعارة أي ملك! ناها لهم تمليك الإرث بعد زمان أو بعد إغرإق الفراعنة إن قيل إنهم دخلوها وملكوها حينئذ لكن المذكور في التواريخ أنهم لم يدخلوها في حياة موسى عليه الصلاة والسلام وضمير فأتبعوهم الفاعل لقوم فرعون، والمفعول لبني إسرائيل أي أتبعوا أنفسهم بني إسرائيل حتى لحقوهم وهو معطوف على قوله فأخرجناهم، وقوله مشرقين حال. قوله: (لملحقون) من أدركه إذا لحقه وفي قراءة التشديد هو على قوله فأخرجناهم، وقوله مشرقين حال. قوله: (لملحقون) من أدركه إذا لحقه وفي قراءة التشديد هو من الإدراك وهو والتتابع بمعنى وهو ذهاب أحد على أثر آخر، ثم صار في عرف اللغة بمعنى الهلاك وأن يفنى شيئا بعد شيء حتى يذهب جميعه كما في قول الحماسي:
أبعد بني أمي الذين تتابعوا أرجى حياة أم من الموت أجزع
ولذا فسره بقوله أي لمتتابعون الخ، وفي نسخة لمتشايعون والتشايع بمعنى التتابع كما في القاموس وغيره. قوله تعالى: ( {إِنَّ مَعِيَ رَبِّي} ] قال بعض الفضلاء قدّم المعية هنا وأخرها في قوله: {إِنَّ اللهَ مَعَنَا} [سورة التوبة، الآية: 40] نظرا للمقام لأنّ المخاطب هنا بنو إسرائيل، وهم أغبياء يعرفون الله بعد النظر والسماع من موسى عليه الصلاة والسلام والمخاطب ثمة الصديق، وهو ممن يرى الله قبل كل شيء، ولذا خص المعية هنا بقوله بالحفظ والنصرة كما أخبره الله بقوله: {إِنَّا مَعَكُم مُّسْتَمِعُونَ} [سورة الشعراء، الآية: 5 ا] على ما مرّ وقال معي دون معنا لأنه هو المتيقن لذلك بما أوحى إليه وهم خائفون، ولذا قالوا إنا لمدركون، وخص نغسه بذلك، وان كانت نصرته مستلزمة لنصرتهم إشارة إلى أنه هو المقصود بالذات، وأنّ عناية الله بهم لأجله فلا وجه لما قيل إنّ الأنسب أن يفسر بأن معي وعد ربي لأنه لو كان معناه لما ذكر قيل معنا مع أنّ الماس واحد عند التحقيق، فمن قال إنّ هذا لا يدفع إلا نسبية فقد وهم-، وقوله غشيك أي لحقك، وقوله أو مرأى أرجوا أن يامرني الله بما أصنع وهو الدخول في البحر وكان لم يؤمر به
قبل الوصوف إليه. قوله: (القلزم) كقنفذ بلد بين مصر ومكة قرب جبل الطور، واليه يضاف بحر القلزم لأنه على طرفه أو لأنه يبتلع من بركته لأنّ القلزمة الابتلاع، والنيل معروف وقوله فضرب نانفلق إشارة إلى أنّ الفاء فصيحة. قوله: (وصار اثني عشر فرقاً بينها مسالك) يسلك في كل منها سبط من الأسباط الاثني عشر، والمراد بالفرق ما ارتفع من الماء فصار ما تحته كالسرداب لا ما انفصل من الماء عما يقابله فلا يرد عليه أنه لا بد من كون الفرق ثلاثة عشر حتى يحصل اثنا عشر مسلكاً بعدد الأسباط ليدخل كل سبط في شعب لأنّ الفرق إذا كانت اثني عشر لزم كون الشعوب التي في خلالها أحد عشر فلا يتمّ ما ذكر، ولا حاجة إلى ما قيل من أنه ليس الأمر كما توهم بل يلزم مما ذكر كون الشعوب التي في خلالها ثلاثة عشر لأنّ الفرقين الطرفين لا بدّ أن يكونا منفصلين مما يحاذيهما من البحر إذ لو اتصلا لم يميزا عنه، ولم يتحقق حينئذ اثنا عشر فرقاً بل أقل كما لو كانوا في الفروق نفسها غاية الأمر أنه(7/14)
لم يذكر فائدة الشعب الزائد على الاثني عشر، ولعله لم يدخل فيه من آمن بموسى عليه الصلاة والسلام من القبط، ولذا قال بعض فضلاء العصر من العجم إنه ممنوع لأنّ الفرق عبارة عن قطعة من الماء ارتفعت عن سطح البحر بضربه حتى صارت كالجبل فلا يلزم كون الفرق ثلاثة عشر على تقدير كون المسالك اثني عشر إلا إذا فرض أنه لكل ضربة انكشف الماء إلى ناحية المسلك، وصار كطودين منكشفين له فيزيد حينئذ عدد الفرق على المسالك، أما على ما ذكر فلا والحاصل أنه لو كان المراد بالفرق طائفة انفصلت منه، وصارت كالجسر لزم ما ذكر أمّا لو أريد به ما ارتفع عن الأرض، وصار تحته أرض يب! كالسرداب، والفرق هو الماء المرتفع كالسقف والقبة والطود فلا، وقد صرّح به المصنف بقوله كالجبل الخ والنظم صريح فيه أيضاً وهذا إشكال مشهور، والأمر فيه سهل كما سمعته، وما صار مسلكاً ليس هو البحر بل موضعه فهو إمّا استخدام أو على تقدير مضاف وهو موضع، والمنيف بمعنى العالي والشعاب طرق في الجبال استعيرت.
قوله: (فدخلوا الخ) هو لبيان الواقع لا ليعطف عليه، قوله: وأزلفنا كما توهم حتى يكون الأنسب نأدخلنا لأنه معطوف على قوله فأوحينا، ولا حاجة إلى التقدير، وثمّ ظرف مكان بمعنى هنالك، وقوله حتى دخلوا الخ إشارة إلى أنّ قربهم من قوم موسى عليه الصلاة والسلام لما ذكر، ويجوز أن يراد قرب بعضهم من بعض لئلا ينجو منهم أحد، وقوله إلى أن عبروا أي جازوا البحر من العبور، واطباقه عليهم بعد خروج موسى وقومه، وقوله وأية آية إشارة إلى أنّ التنوين للتعظيم. قوله: (وما تنبه الخ) هو من مفهوم الجملة الحالية يعني أنّ أهل عصره مع
هذه الآية العظيمة التي تقتضي تصديقه بعدها في كل ما جاء به منهم من بقي على كفره كبقية القبط، ومنهم من عصاه، واقترج عليه ما اقترح كبعض بني إسرائيل وقوله وبنو إسرائيل الخ مبتدأ خبره سألوا الخ يعني أنهم أيضا لم يؤمنوا بها، وألا لما صدر عنهم ما صدر ولعل مراده بذكر هذا بيان ما صدر من قومه أيضا، ويحتمل أن يكون إشارة إلى أنّ ضمير أكثرهم شامل لقوم فرعون، ولمن كان مع موسى عليه الصلاة والسلام، وقوله: سألوا بقرة يشير إلى قولهم اجعل لنا إلها كما لهم آلهة لأنهم كانت لهم تماثيل على صور البقر، وقوله: بأوليائه عداه بالباء لتضمنه معنى الرؤف. قوله: (على مشركي العرب) خصهم، وإن قيل إنه لجميع الناس لأنه جدّهم فذكر قصته لهم ليأتسوا به ولذا غير الأسلوب فيه، وقوله ليريهم أي ليعلمهم بذلك لا للاستعلام إذ هو معلوم مشاهد له، وتوله لا يستحق العبادة لقوله هل يسمعونكم الخ وضمير قومه لإبراهيم لا لأبيه، وإن وافق قوله أراك وقومك لما فيه من التفكيك، وقوله لها متعلق بنظل أو بعاكفين. قوله: (فأطالوا جوابهم) وكان يكفي أن يقولوا أصناما، وقوله بشرح حالهم أي ملتبسا به، وفي نسخة وشرح حالهم وهو مفعول معه وقيل إنه من باب علفتها تبنا وماء بارداً، أي وذكر واشرح حالهم معه، وليس لفظ الشرح مقحما وضممير معه للجواب، وكونه للأصنام بتأويل ما يعبدون بعيد، وكذا كونه لإبراهيم عليه الصلاة والسلام ومع بمعنى عند، وقوله تبجحا بتقديم الجيم على الحاء بمعنى سروراً. قوله: (ونظل ههنا بمعنى ندوم) هي فعل ناقص دالّ على اقتران مضمون الجملة بالنهار أو بمعنى صار، وكلامه يحتمل أنها ناقصة أريد بها الدوام كما يكون كان كذلك، ويحتمل أن يريد إنها تامّة بمعنى دام كقولهم لو ظل الظلم هلك الناس كما ذكره ابن مالك، وان أنكره بعض النحاة وعاكفين على الأوّلين خبر وعلى هذا حال. قوله: (وقيل الخ) فهي ناقصة دالة على اقتران مضمون الجملة بالنهار كما مرّ، ومرضه لأنّ المتبادر منها الأوّل، وهو أبلغ مناسب لمقام التبجح واختار هذا الزمخشري لأنه أصل معناها لأنه من الظل، وهو مناسب للمقام أيضا لأنه يدلّ على إعلانه لافتخارهم به. قوله: (يسمعون دعاءكم) سمع إذا دخل على مسموع تعدى إلى واحد نحو سمعت كلام زيد، وان دخل على غير مسموع ذهب الفارسيّ إلى أنه يتعدى إلى اثنين إلا أنه لا بد أن يكون الثاني مما يدلّ على صوت كسمعت زيداً يقول كذا، وذهب غيره إلى أنه في ذلك متعد إلى واحد فإن كان معرفة فالجملة حال، وان كان نكرة فصفة وجوّز فيها البدلية أيضاً، واذا علق بالذات أفاد
السماع بغير واسطة فقوله(7/15)
يسمعون دعاءكم إشارة إلى أنه متعد لواحد داخل على مسموع مقدر، وقوله: {هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ} [سورة الشعراء، الآية: 72] إشارة إلى أنه من القبيل الثاني داخل على غير مسموع، وبعده جملة مقدرة واعرابها كما سمعت، فقوله: فحذف ذلك أي المضاف أو جملة تدعون، وقيل يسمعون بمعنى يجيبون كما في الحديث: " اللهم إني أعوذ بك من دعاء لا يسمع " أي لا يستجاب وقد جوّز ذلك في قوله: {إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء} لكن إبقاؤ. على معناه هنا أنسب وقوله: وقرئ يسمعونكم أي من الأفعال. قوله: (ومجيئه مضارعاً الخ) يعني لم يقل يسمعونكم تدعون على النهج المعروف، ولا إذ دعوتم لكون إذ لما مضى فيناسب ذكر الماضي معها لأنه أتى بما ذكر للدلالة على أنها حال ماضية، وعبر بالمضارع لاستحضار تلك الحال وحكايتها، وأمّا كون هل تخلص الفعل المضارع للاستقبال بخلاف الهمزة كما ذكره النحاة، وأهل المعاني فلا يضرّ هنا كما توهم لأنّ المعتبر زمان الحكم لا زمان التكلم، وهو هنا كذلك كما لا يخفى لأنّ السماع بعد الدعاء، وأمّا ارتكاب التجوّز هنا والمناقشة فيه بأنّ الأصلى الحقيقة فمن ضيق العطن، وخمود نار الفطن. قوله: (على عبادتكم لها) ضمنه معنى يجازونكم فعذاه بعلى، وقيل إنها تعليلية، وقوله من أعرض! إشارة إلى أن الضير لا يتعلق بهم، ولذا لم يقل يضرّونكم، وان احتمل تركه للفاصلة، وقوله ضر قدمه لأنه أقرب منهم، وقد قيل إنه أخره لمراعاة السجع مع سمع وليس بشيء، وقوله اضربوا الخ أي أضربوا عن نفعهم، وضرّهم فكأنهم قالوا: لا يضرّون ولا ينفعون، وكذلك صفة مصدر قدم للفاصلة. قوله: (فإنّ التقدّم الخ) يشير إلى أنّ الاستفهام فيه إنكاري للتوبيخ فيتضمن بطلان ا-لهتهم، وبطلان عبادتها وانه ضلال قديم لا فائدة في قدمه إلا ظهور بطلانه لأن المعنى أعلمتم
أيّ شيء عبدتم أنتم ومن قبلكم، وأنها لا تقدر على ضرّ ونفع. قوله: (أعاديهم أنا ولا أعبدهم) بيان لأصل معنى هذا اللفظ، وان لم يكن مراداً منه بل هو كناية أو مجاز عما أشار إليه بقوله يريد الخ وجمع ضمير إنهم مراعاة لمعنى ما وهذا تفصيل لما قبله وتفسير له، أو تعليل لما فهم منه من أني لا أعبدهم أو لا تصح عبادتهم، ويجوز أن يكون خبرا لما كنتم أو المعنى فأخبركم وأعلمكم بمضمون هذا، وقال النسفي: العدوّ اسم للمعادي والمعادي جميعاً فلا يحتاج إلى تأويل فهو كقوله: {وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُم} [سورة الأنبياء، الآية: 57] . قوله: (من حيث أنهم يتضرّرون من جهتهم الخ) إشارة إلى أنّ قوله أنهم عدوّ تشبيه بليغ وقوله فوق ما يتضرّر الخ قيل لأنّ المشبه أقوى في وجه الشبه في الواقع، وان كان المشبه به أشهر فلا وجه لما قيل إنه لا دلالة في النظم على هذا المعنى، وقيل إنهم يخاصمونهم إذ ينظقهم الله في القيامة، وقيل إنّ هذا على القلب وأصله إني عدوّ لهم وهو تكلف. قوله: (أو إنّ المغرى (وفي نسخة بالواو والأولى أصح وهو عطف على قوله إنهم يتضرّرون أو على قولهم إنهم أعداء الخ، والمغري بمعنى المرغب الحامل على ذلك فهو مجاز عقلي من إطلاق وصف السبب على المسبب، وقيل إنه على تقدير مضافين أي مغري عبادتهم. قوله: (لكنه صور الأمر في نفسه الخ) أي عبر عن عداوتهم وضررهم لهم بما ذكر من وصف نفسه به على طريق التعريض كما في قوله: {وَمَا لِي لاَ أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [سورة يس، الآية: 22] والمعنى إني فكرت في عبادتي لها لو صدرت مني قرأيتها للعدوّ الضار فتركتها لمن الخير كله في عبادته، وهذا التعريض يحتمل الكناية والمجاز فإن نظر إلى أنّ الأصنام لا تصلح لعداوة إبراهيم عليه الصلاة والسلام كان مجازاً والا فيكون كناية كذا في شرح الطيبي، وفيه نظر لأن الجماد لا يصلح للعداوة بوجه من الوجوه لا له ولا لهم وفيه كلام في شرح المفتاج للشريف فتأمله. قوله: (فإنه) أي التعريض وعدم التصريح أنفع لعدم تنفيرهم بالمكافحة بالطعن وهو أقرب للقبول، وقوله: وأفراد العدوّ مع أنه خبر عن الجمع إمّا لأنه مصدر في الأصل فيطلق على الواحد المذكر وغيره، أو لاتحادهم في معنى العداوة أو لتاويله بكل منهم كما يشير إليه في قوله: (لكل معبود يعبده) وقوله: أو بمعنى النسب أي ذو كذا فيستوي فيه الواحد وغيره كما في قولك هم ذو عداوة فلا شبهة فيه كما قيل. قوله: (أو متصل (أيمما من ضمير إنهم الراجع إلى ما يعبدون الشامل لله، ولا حاجة على هذا إلى الاستخدام كما قيل وقوله: (وكان من آبائهم من عبد الله) هذا بلا شبهة، وما قيل من إنه لا حاجة(7/16)
إلى هذا لأنهم مشركون فهم يعبدون الله، والأصنام لقوله: {إِذْ نُسَوِّيكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [سورة الشعراء، الآية: 98] لا يرد عليه لأنه وجه آخر للاتصال ولذا لم يدع فساده بل عدم الحاجة إليه، وما قيل من أنّ قولهم في
جوابه نعبد أصناما بدون ذكر الله يقتضي قصر عادتهم عليها وما ذكر من الآية ليس محكيا عن قوم إبراهيم عليه الصلاة والسلام، ولو سلم فالمراد بالتسوية مساواة من عبد الله في مطلق العبادة أو تسويتها بالته في استحقاق العبادة، وهو غير مستلزم للعبادة نفسها ليس بشيء لأنّ تخصيص الأصنام بالذكر للردّ عليه، ولأنّ المداومة على عبادتها لا تنافي عبادته أحياناً مع أنّ المصنف رحمه الله قد اعترف بما ذكره القائل في تفسير قوله:. {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاء مِّمَّا تَعْبُدُونَ إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي} [سورة الزخرف، الآية: 27] كما سيأتي في سورة الرحمن وما ذكره من تاوبل الآية المذكورة تكلف لم يسبق إليه. قوله: (هداية مدرجة) منصوب على أنه مصدر ليهدي، وقوله دم الطصث أي الحيض هو بناء على ما اشتهم ونقل عن جالينوس، وأنه لذلك يصيبه الجدرى وغيره من الأمراض الدموية لكن الحكيم ابن زهر أنكره وقال إنّ جالينوس أراد بدم الطمث دما في الرحم صالحا لا دم الحيض فإنه دم فاسد لو اغتذى به لاجنين لم تتصوّر حياته، وإنما لم ينصبّ دم الحيض مدة الحمل للرحم لاشتغال الرحم، وهو وان كان مما يقبله العقل فالظاهر أنه لا يعلم حقيقته إلا الله فلا يجزم بشيء منهما إلا إذا اعتضد بدليل سمعيّ. قوله: (والفاء للسببية) في خبر الموصول لتضمنه معنى لشرط، وقوله وللعطف أي على الصلة والصفة إمّا منصوبة أو مرفوعة على القطع، وقوله لأنه يهدي كل مخلوق الخ إشارة إلى أنّ ما ذكر من الحكم ليس خاصا به، وان صوّر في نفسه للتعريض كما مرّ فسقط اعتراض! أبي حيان بأن الفاء إنما تزاد في خبر الموصول لتضمنه معنى الشرط إذا كان عامّا وهذا ليس كذلك مع أنّ اشتراط ذلك فيه غير مسلم كما فصله الرضى، وإنما هو أغلبيّ، ثم إنّ السببية بمقتضى الحكمة فإنّ من أوجده يتكفل بما به قوامه وبقاؤه، وقيل إنها سبب للأخبار لا للهداية فإنها غير مسببة عن الخلق، وانّ السببية قد تجامع العطف كما في الذي يطير الذباب فيغضب زيد فلا وجه للتخصيص. قوله: (فيكون) أي على العطف فإنّ الأصل فيه تماثلهما، ويجوز أن يكون على التقديرين وتقدم الخلق يقتضي المضيّ والاسنمرار من الاسمية التي خبرها مضارع دال على الاستمرار أيضا، وقوله على الأوّل أي كون الذي مبتدأ خبره هو يهدين وقوله على الوجهين أي الابتدائية والوصفية والحكم ما تضمنه الخبر أو الاستئناف من العداوة. قوله: (عطفه على يطعمني (أو على جملة هو يطعمني، وقوله من روادفهما أي توابعهما ولوازمهما
وهو إشارة إلى وجه التأخير:
فإنّ الداء أكثر ما تراه يكون من الطعام أو الشراب
وحكمة تاخير السقي ظاهرة لأنه من توابع الطعام أيضاً ولذا لم يكرر الموصول فيها. قوله: (لم ينسب المرض إليه) أي لم يقل أمرضني مع أنه الممرض حقيقة فأضاف إليه النعم دون النقم تأدّباً، وقوله ولا ينتقض الخ جواب عن سؤال مقدّر لكن قوله فإنّ الموت الخ غير تامّ في دفعه فإنه لا يلزم من عدم إحساس ضرره وألمه أن يكون نعمة، وكونه مع ما بعده جوابا واحداً خلاف الظاهر إذ كان الظاهر الاقتصار عليه كما في بعض شروح الكشاف، وقد اعتذر عنه في الانتصاف بأن الموت لما علم أنه قضاء محتوم من الله لا يخص أحداً، ولا كذلك المرض فكم معافى منه سقط كونه بلاء فساغ في الأدب نسبته إليه تعالى فتأمّل. قوله: (المحالث) هي نعيم الجنة ورضوان الله، ومنه تخليص العاصي أيضاً من اكتساب المعاصي، وقوله ولأنّ المرض معطوف على قوله لأنّ مقصوده الخ، وقوله إنما يحدث الخ فلما كان سببه الظاهر منه، ومن تركيبه نسب إليه وجعل كأنه فاعل حقيقيّ له بخلاف الصحة، ولو طارئة وأمّا ما يحصل بالعلاج والاحتماء فليس بمطرد، والأخلاط أمزجة الإنسان الأربعة، والأركان العناصر، وقوله باستحفاظ اجتماعها أي الإخلاط والأركان، وقوله عليها متعلق بالمخصوص لكنه بمعنى المقصور أو بالاستحفاظ أو بقهراً، وقوله يميتني لم يقل هو يميتني لأنّ الإماتة لا تسند لغير الله في لسان العرب. قوله: (ثم يحيين) أورد ثم لما بينهما من التراخي بخلاف غيره، وذكر يوم الدين لظهور المغفرة فيه وهضم نفسه لعدها خاطئة، وكونهم على حذر لأنّ المعصوم(7/17)
إذا كان هذا حاله فما بال غيره، ويندر أي يقع نادرا، وقوله أني سقيم الخ بدل من الثلاث، وقد مرّ بيانها. قوله: (ضعيف لآنها معاريض) أي تورية قصد بها خلاف ظاهرها، كما
قيل: " إن في المعاريض لمندوحه عن الكذب " فليس كذبا حتى يكون خطيئة كما روي عن مجاهد والحسن وعدّ منها قوله للكوكب هذا ربي وقد مرّ، وأمّا ما ورد في حديث الشفاعة وامتناعه حياء من الله بهذه الكذبات فقد اعتذر عنه بأنه استعظم أن يصدر منه ما هو على صورة الكذب، فإنّ حسنات الأبرار سيآت المقرّبين، وقوله واستغفارا وقع في نسخة بدله واستعذارا أي طلبا للعذر. قوله: (كما لا في العلم والعمل) جعله شاملاً لهما لتنكيره، والمراد بالحكم ما يتوقف عليه من كمالهما، وقيل المراد به الحكمة والعمل لازم لها، وقوله أستعد به ضمنه معنى أحصل به ولذا عداه بنفسه وان كان متعديا باللام، والحق الله أو خلاف الباطل فيكون كمسجد الجامع وهذا قبل النبوّة فهو طلب لها أو بعدها فالمراد طلب كمالها والثبات عليه. قوله:) ووفقني الكمال في العمل) الكمال منصوب بنزع الخافض، أو هو مضمن معنى أعطني التوفيق له، وليس هذا تكراراً مع ما قبله لتقييده بقوله لأنتظم الخ أو المراد بالأوّل ما يتعلق بالمعاس وبهذا ما يتعلق بالمعاد أو هو تخصيص بعد تعميم اعتناء بالعمل لأنه النتيجة والثمرة، وقوله الكاملين في الصلاح هو من الإطلاق أو من تعريف العهد وفي الكشاف أو يجمع بينه وبينهم في الجنة، ولقد أجابه حيث قال وإنه في الآخرة لمن الصالحين. قوله: (جاها) فالمراد باللسان الذكر الجميل بعلاقة السببية أو للاحتراز عن الإطراء المذموم، وهو المراد من حسن الصيت، وقوله يبقى أثره الخ من قوله في الآخرين فإنّ تعريفه للاستغراق كما أشار إليه بقوله ولذلك الخ وهذا يدل على محبة الله ورضاه كما ورد في الحديث. قوله: (أو صادقاً من ذريتي) فهو بتقدير مضاف أي صاحب لسان صدق أو مجاز بإطلاق الجزء على الكل لأنّ الدعوة باللسان وقوله أصل ديني وهو العقائد وبعض الأحكام التي لم تنسخ، وقوله مرّ أي في مريم والمؤمنين
فانظره. قوله: (بالهداية (بناء على أنّ الدعاء كان قبل موته كما سيصرح به، وهذا أحد الوجوه في الآية للسلف ولا يبطله قوله تعالى: {كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ} [سورة الممتحنة، الآية: 4] إلى قوله الأقول إبراهيم لأبيه لاستغفرن لك لأنّ طلب الهداية للكافر أمر حسن كما قال صلى الله عليه وسلم: " اللهئم اهد قومي " الخ والاستثناء المذكور يقتضي خلافه وهو مخالف لقوله: {إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ} [سورة التوبة، الآية: 114، الآية لأنّ الاستثناء بناء على أنه لا يقتدى به فيه بناء على ظنه مطلقا وقد مرّ تحقيقه. قوله: (وإن كان هذا الدعاء بعد موته (قد ارتضاه بعضهم إذ لا مانع منه عقلا وفي شرح مسلم للنووي أنّ كونه تعالى لا يغفر الشرك مخصوص بهذه الأمة، وكان قبلهم قد يغفر وقد مرّ ما فيه، وحمل قوله فلما تبين له أنه عدوّ دلّه على يوم القيامة والتعبير بالماضي لتحققه أو هو كناية أو مجاز عن عدم مغفرة الكفر، ولا يخفى أنّ سياقه له في مقاولة إبراهيم لأبيه وقومه يبعده كما لا يخفى. قوله: (كان يخفي الإيمان الخ) هذا بناء على أنه لا يعتبر فيه الاعتراف والإقرار باللسان، وقوله ولذلك وعده به أي وعد إبراهيم عليه الصلاة والسلام أباه بالاستغفار له لظنه أنه مؤمن يخفى الإيمان لعذر فتبين عداوته لله إمّا بالوحي أو في الآخرة، وقوله من الضالين بناء على ما ظهر لغيره من حاله. قوله: (أو لأنه لم يمنع الخ (أي لم يوح إليه بذلك ولا ينافيه قوله فلما تبين الخ كما عرفت، وقوله الخفاء العاقبة الخ بيان لصحة إرادة هذا المعنى ودفع لأنه تحصيل الحاصل، ويجوز أن يكون تعليماً لغيره وجواز التعذيب تعليل آخر، وقوله أو ببعثه الخ ولا يلزم منه التعذيب حتى يغني عنه ما قبله، والخزاية بفتح الخاء مصدر وقوله لأنهم معلومون فلا يرد أنه كيف يعود على ما لم يسبق له ذكر، واذا عاد على الضالين فهو من تتمة الدعاء لأبيه أي لا تحزني يوم يبعث الضالون وأبى فيهم. قوله: (لا ينفعان أحدا الخ) فالاستثناء مفرغ من أعتم المفاعيل ومن في محل نصب وقدم هذا لظهوره،
وقوله مخلصا تفسير لمن أتى الله بقلب سليم، وقوله وميل المعاصي أي سليماً من لميل إلى المعاصي فالمصدر مضاف لمفعوله بعد نزع الخافض، وقوله سائر آفاته أي القلب. قوله: (أو لا ينفعان إلا مال من هذا شانه وبنوه حيث الخ) ففيه مضافان مقدران أي الآمال، وبنو من الخ(7/18)
والاستثناء متصل وهو بدل من الفاعل فهو في محل رفع، وقوله حيث الخ بيان لوجه نفعهما له لأن ما أنفقه في الخير له ثواب نافع والولد الصالح يدعو لأبيه ويشفع له، وله ثواب إرشاده وتعليمه. قوله: (وقيل الاستثناء مما الخ) يعني أنه من الميل مع المعنى فإنّ الغني مطلقاً شامل للغنى الدنيوي، وهو بالمال والبنين والديني، وهو بسلامة القلب فذكر المال والبنون وأريد به الغنى الدنيوي، ثم قصد بذكر الخاص وهز الغنى الدنيوي العامّ وهو مطلق الغنى فليس هذا وجهاً آخر كما توهم فكأنه قيل لا غنى إلا الغنى الديني كما يقال لا غنى إلا غنى القلب، ولا صحة إلا سلامة العرض فعلى هذا يجوز أن يقال الاسنثناء متصل لدخوله فيما قبله بحسب مآل المعنى كما أشار إليه المصنف رحمه إلله. قوله: (وقيل منقطع) وفي الكشاف ولا بد لك مع ذلك من تقدير المضاف، وهو الحال والمراد بها سلامة القلب، ولو لم يقدر المضاف لم يتحصل للاستثناء معنى، وقد مغ بأنه لو قدر مثلاً ولكن من أتى الله بقلب سليم يسلم أو يقدر المضاف لم يتحصل للاسنثناء معنى، وقد مغ بانه لو قدر مثلاً ولكن من أتى الله بقلب سليم يسلم أو ينتفع يستقيم المعنى أيضاً وأجاب عنه في الكشف بأنّ المراد أنه على تقدير الاستثناء من مال لا يتحصل المعنى بدونه، وما ذكره المانع استدراك من مجموع الجملة إلى جملة أخرى، وليس من المبحث في شيء، ولما لم يكن مناسبا للمقام لم يلتفت إليه، ورده بعض شراح الكشاف وتبعه الفاضل المحشي بأنه دعوى بلا دليل قلت بل دليله ظاهر لأنّ المستثنى لا بدّ من دخوله في المستثنى منه، ولو توهما ولو لم يقدر لم يكن كذلك بخلاف الاستدراك الصرف، وهو غير مناسب لأنّ المراد بيان حال المال والبنين في النفع، وعدمه لا مطلق النفع وهو ظاهر فتأمّل، وبقي في الآية وجوه أخر في الكشاف، وغيره تركها المصنف رحمه الله فلنضرب عنها صفحاً. قوله: (فيبتجحون) أي يفتخرون ويسرّون، وقوله يتحسرون لأنّ غائلة تبريزها لهم لا لكل من رآها كما في قوله: {وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَن يَرَى} [سورة النازعات، الآية: 36] . قوله: (وفي اختلاف الفعلين ترجيح لجانب الوعد) وأنه لا يخلف بخلاف الوعيد لأنّ
التعبير بالأزلاف وهو غاية التقريب يشير إلى قرب الدخول وتحققه، ولذا قدم لسبق رحمته بخلاف الإبراز فإنه الإراءة ولو من بعد فإنه مطمع في النجاة كما قيل من العمود إلى العمود فرج. قوله: (والكبكبة تكرير الكب) وهو الإلقاء على الوجه يعني كرّر لفظه ليدل على تكرّر معناه كما في صرصر، وقوله من عصاة الخ لو عمهما صح، وقوله خبره ما بعده يعني قوله قالوا الخ. قوله: (وإلا للضمير) كذا في أصح النسخ وهي ظاهرة، ولو قال فللضمير كان أظهر، وقد سقطت إلا من بعضها وهي تحتاج إلى تقدير يعني أجمعون تأكيد لقوله: {وَجُنُودُ إِبْلِيسَ} [سورة الشعراء، الآية: 95] فقط إن كان مبتدأ خبره قالوا الخ فإن كان معطوفاً على ما قبله يكون أجمعون تأكيدا للضمير في قوله: {فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ} [سورة الشعراء، الآية: 94] وما عطف عليه، وقوله وكذا الضمير المنفصل الخ يعني إن كان جنود إبليس مبتدأ فهو عائد عليه وإلا فهو عائد عليه وعلى ما عطف عليه لا تأكيد كما يتوهمه من لم يتدبر وليس في عبارته تسامح أصلاً، وقوله وما يعود إليه يعني هم، وضمير يختصمرن لا قالوا. قوله: (على أنّ الله ينطق الأصنام) إذا كان الضمير راجعا لهم الأوّل وما عطف عليه فإنه شامل للأصنام فيكون لها اختصام لما ذكره، وقوله ويجوز أن تكون الضمائر أي في قوله هم فيها يختصمون على أنّ الخصام جار بينهم وخطاب الأصنام للتحسر لا لأنها جعلت ممن يعقل بأنّ خلق الله فيها إدراكاً فيقول بعضهم لبعض لولا أنتم لكنا مؤمنين، كما أشار إليه بقوله: {وَمَا أَضَلَّنَا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ} وانهماكهم في الضلالة من كان الاستمراربة. قوله: (وما أضلنا إلا المجرمون) القصر بالنسبة إلى الأصنام وأنها لا دخل لها في ذلك ولا قدرة لها عليه وقوله إذ الأخلاء الخ فالمراد بالشفعاء والأصدقاء من كان كذلك في الدنيا، وقوله أو فما لنا الخ فالمراد من كانوا يقدرون شفاعته في القيامة وهي الأصنام، وقوله أو وقعنا الخ يعني ليس المراد معنى ذلك بل هو كناية عن شدة الأمر بحيث لا ينفع فيه أحد كقولهم أمر لا ينادي وليده. قوله: (وجمع الشافع ووحدة الصديق
الخ) وما قيل من أنه إشارة إلى أنه لا فرق بين استغراق الجمع والمفرد، وليس الثاني أشمل من الأول كما زعمه بعضهم مع مراعاة الفاصلة فتكلف على ما بين في المعاني، مع أن هذا ليس من محل الخلاف لأنّ من إذا زيدت بعد النفي داخلة على الجمع جعلته في حكم المفرد، ومساويا لأل في ألاستغراق بلا(7/19)
خلاف.
قوله: (ولآن الصديق الواحد الخ) يعني فالواحد في معنى الجمع فلذا اكتفى به لما فيه من المطابقة المعنوية كما قيل:
وواحد كالألف إن أمرعنا
وقوله أو لإطلاق الصديق الخ يعني بخلاف الشافع، وسكت عنه لظهوره، والحنين
مصدر حن إليه إذا اشتاق والصهيل صوت الخيل وفعيل مطرد في الأصوات، ولو قال لكونه على زنة المصدر كان أحسن لأنه لم يسمع صديق وعدوّ وبمعنى الصداقة والعداوة. قوله: (تمن للرّجعة) التمني معنى لو، والرجعة معنى الكرة من كر إذا رجع، وقوله: وأقيم فيه لو مقام ليت واستعمال لو للتمني بدليل النصب في جوابه ذكره النحاة، واختلف فيه فقيل هو معنى وضعيّ، وقيل إنه مجاز وهل هي في الأصل مصدرية أو شرطية، والى الأخير أشار المصنف لظهور وجه التجوّز فيه لأنّ لو تدل على الامتناع والتمني يكون لما يمتنع فأريد بها ذلك مجازا مرسلاً أو استعارة تبعية، ثم شاع حتى صار كالحقيقة فيها، وقوله حذف جوابه وتقديره رجعنا عما كنا عليه أو خلصنا من العذاب ونحوه. قوله: (أو عطف على كرّة (يعني إذا كانت لو شرطية جوابها محذوف نحو لكان لنا شفعاء أو ما أضلنا المجرمون، ويجوز هذا أيضا على التمني كما يجوز عطفه على إنّ لنا كرّة، وقوله وعظة لأنّ الآية تكون بمعنى العبرة، وأصول
العلوم الدينية نفي الشريك، واثبات الصانع وتوحيده وكل ما ذكر معلوم من تفسير. سابقا، والدلائل من أوصافه تعالى، وحسن الدعوة بالاستفهام ثم الإبطال، وكمال الإشفاق بإظهار التحزن وتعريضاً وايقاظا علتان للتصوير والإطلاق، وقوله: ليكون تعليل لقوله جاءت الخ، وقوله: أكثر قومه يجوز أن يفسر بما مرّ في أول السورة فتذكره. قوله: (القوم مؤنثة) قال في المصباح القوم يذكر ويؤنث فيقال قام القوم وقامت القوم وكذلك كل اسم جمع لا واحد له من لفظه نحو رهط ونفر اهـ فقوله مؤنثة بناء على الأغلب لا أنه ذهب إلى أنه جمع قائم، والأصل تأنيثه، وقوله: وقد مرّ الكلام في تكذيبهم المرسلين في الفرقان، وفي الكشاف ونظير قوله المرسلين، والمراد نوح عليه الصلاة والسلام قولك فلان يركب الدوالت ويليس البرود وماله إلا دابة وبرد يعني أنه للجنس فهو يتناول الواحد لكنه مصحح لأمر حج بخلاف تلك الأوجه. قوله: (لآنه كان منهم) توجيه لقوله أخوهم كما يقال يا أخا العرب، والضمير لقوم نوج أو للمرسلين، وقوله فتتركوا الخ إشارة إلى أنّ الاتقاء هنا من الكفر، وقوله على دلالة الخ هو من ترتيب الأمر بالفاء على كل منهما، وحسم طمعه أي قطعه من قوله ما أسألكم الخ وكونه رسولاً من الله بما فيه نفع الدارين من غير شائبة نفع منهم يقتضي وجوب طاعته بلا قصور فيه كما توهم، وفتح ياء المتكلم وتسكينها لغتان مشهورتان اختلف النحاة في أيهما الأصل، وأتباعك مبتدأ خبر. الأرذلون والجملة حالية، ولذا جعلت هذه القراءة دليلاً على أن اتبعك حال بتقدير قد لأنّ عطفه على فاعل نؤمن المستتر للفصل ركيك معنى فلا يرد ما قيل إنه لا دليل فيها على ذلك، وقوله كشاهد الخ أو جمع تبيع كشريف وأشراف، وقوله على الصحة أي جمع السلامة وهو للقلة ولذا اختاروه. قوله: (وهذا) أي ما ذكروه من قولهم أنؤمن الخ وقوله الحطام
الدنيوية أنث وصفه لتأويله بالأمتعة، وقوله وأشاروا بذلك أي اتباع الأرذلين، وهذا أيضا من سخافة رأيهم لأنه بحسب النظرة الحمقى فلا يتوهم أنه لا يناسب المقام، وقوله فلذلك أي لما ذكر من إشارتهم وما في وما علمي استفهامية أو نافية، وقوله في طعمة بالضم ما يطعم والمراد بها ما يعطون للانتفاع به، وقوله المانع عنه أي عن إيمانهم هو مفعول ثان لجعلوا. قوله: (أي ما أنا إلا رجل الخ) أي هو مقصور عليه لا يتعداه إلى طرد الأرذلين منهم، وعلى الثاني معناه مقصور على إنذاركم لا يتعداه إلى استرضائكم، وهما متقاربان(7/20)
وقوله من المشتومين فالرجم مستعار له كالطعن وفي الوجه الأخير هوءلمى ظاهره. قوله: (إظهارا لما يدعو عليهم لأجله (لدفع توهم الخلق فيه التجاري، أو الحدة فلا يرد أنه ليس فيه فائدة الخبر ولا لازمها، وقوله واستخفافهم عليه أي على نوح عليه الصلاة والسلام، وهو استفعال من الخفة بالفاء وكونه بالقافين كما ضبطه بعضهم بعيد والفتاحة بمعنى الحكومة، وفتحا مصدر أو مفعول به والمملوء أي من البشر وجميع الحيوانات، وثم في ثم أغرقنا للتفاوت الرتبي، ولذا قال بعد وقوله اسم أبيهم أراد به جدهم الأعلى 0 قوله: (تصدير القصص!) أي الخمس بها أي بجملة فاتقوا الله وأطيعون الخ، وذكر هذا هنا دون أن يذكره في الأوّل أو الآخر لأنه أوّل موضع وقع فيه التكرير لها ولم يصدر قصة موسى وابراهيم عليهما الصلاة والسلام بها تفنناً مع ذكر ما يدل على ذلك لا لأنّ ما ذكر ثمة أهم، وقوله دلالة مرفوع ومنصوب وهو مصدر دلت فلانا على كذا إذا أرشدته إليه كما في قولهم في تعريف التشبيه هو الدلالة على مشاركة أمر لأمر لا مصدر دل اللفظ على كذا حتى يؤوّل بالدليل ليصح حمله على التصدير كما قيل فتأمّل. قوله: (على أنّ البعثة الخ) لأنّ التقوى واطاعة الأنبياء فيها بمعنى التوقي عن كل ما يؤتم كما مرّ في أوّل البقرة
فيتضمن معرفة الله وجميع الطاعات فلا حاجة إلى ما قيل إنها تتوقف على المعرفة فيعلم بالاقتضاء، والطريق الأولى أو أنها مجاز عن معرفته، ووجه ما ذكر أنهم لم يرتبوا على رسالتهم إلا ما ذكر فعلم أنها مقصورة عليها، ولا قائل بالفصل بين رسالة ورسالة، وقوله وكان الأنبياء متفقين على ذلك، وفي نسخة وأنّ الأنبياء متفقون الخ لأن اتفاق هؤلاء يقتضي أنها مقتضى النبوّة والرسالة كما مرّ. قوله: (ومنه ريع الأرض لارتفاعها) أي لما ارتفع منها وأمّا الريع بمعنى النماء والحاصل فاستعارة، وقيل أصل الريع الزيادة، وقوله إذ كانوا يهتدون بالنجوم فلا يحتاجون إليها غالباً إذ مرّ الغيم نادر لا سيما في ديار العرب مع أنه لو احتيج لها لم يحتج إلى أن يجعل في كل ريع فإنّ كثرتها عبث، وقال الفاضل اليمني أنّ أماكنها المرتفعة تغني عنها فهي عبث فلا يرد ما قيل إنه لا نجوم بالنهار، وقد يحدث بالليل ما يستر النجوم من الغيوم، وقوله أو بروج الحمام معطوف على قوله علماً وهذا تفسير مجاهد، وقوله مآخذ الماء هي مجاربه، وقوله فتحكمون بنيانها أي لظن الخلود بها. قوله: (وإذا بطشتم بطشتم جباربن) قيل بزيادة القيد تغاير الشرط والجزاء فلا حاجة لتأويله بماذا أردتم البطش كذلك ولا إلى أنه أريد المبالغة باتحاد الشرط والجزاء وردّ بأنّ التقييد لا يصحح التسبب لأنّ المطلق ليس سبباً للمقيد فلا بدّ من التأويل المذكور إلا أن يقال الجزائية باعتبار الأعلام والأخبار وفيه نظر، وقوله بلا رأفة تفسير لغاشمين. قوله: (كرره) أي الأمر التقوي مرتبا على الإمداد لإفادته عليه مأخذ الاشتقاق فيكون تعليلاً مقدّما بحسب الرتبة، وان تأخر لفظا وفي نسخة مرتباً عليه إمداد الله وهو بحسب الذكر واقع، وتنبيهاً وقع في نسخة أو بدل الوأو والأولى أولى ووجهه إن جعل الإمداد مرتباً عليه التقوى يشير إلى دوامه بدوامه وانقطاعه بانقطاعه إذ التقوى شكر له، وقد قال: {لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ} [سورة إبراهيم، الآية: 7] . قوله: (ثم فصل بعض تلك النعم) يعني بقوله أمدكم بأنعام الخ فمانه تفسير له أو بدل منه ففي كل من النعم والمساوي إجمال
وتفصيل، وقوله مبالغة تعليل لقوله فصل لأنّ في التفصيل بعد الإجمال مبالغة لا تخفى، وقال السفاقسي ذهب بعضهم إلى أنه بدل من قوله تعلمون أعيد معه العامل كقوله: {اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ اتَّبِعُوا مَن لاَّ يَسْأَلُكُمْ} [سورة يس، الآية: 20- 21] واكثر على أنه ليس ببدل وهو من تكرير الجمل، وإنما يعاد العامل إذا كان حرف جرّ، وقال أبو البقاء إنها مفسرة لا محل لها. قوله: (ف! ئا لا نرعوي الخ) أي لا نكف وننتهي، وقوله وتغيير شق النفي إذ لم يقل أم لم تعظ على مقتضى الظاهر في المقابلة لعديله والمبالغة من حيث إنّ لم تكن من الواعظين أبلغ منه لأنه نفي عنه كونه من عداد الواعظين، وجنسهم فكأنه قيل استوى وعظك بعدم عدّك من هذا القبيل أصلاً فيفيد عدم الاعتداد به على وجه المبالغة التامّة لأنه سوّاه بالعدم الصرف البليغ فيقيد ما ذكر فلا حاجة إلى اعتبار الاستمرار الذي تفيده كان والكمال الذي يدل عليه الواعظين في النفي دون المنفى أي استمرّ انتفاء كونك من زمرة من يعظ انتفاء(7/21)
كاملاً بحيث لا يرى منك نقيضه كما قيل. قوله: (ما هذا الخ) إشارة إلى أن أن نافية، وهذا على قراءة خلق بفتح فسكون فهو إمّا بمعنى الكذب والاختلاق كقولهم: {أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ} [سورة الأنعام، الآية: 25] أو بمعنى الإيجاد، ومحصله إنكار البعث والحساب المفهوم من تهديدهم بالعذاب، وعلى القراءة بضمتين هو بمعنى العادة، والمرأد إمّا عادة من قبله ممن خوّف، وأنذر أو عادة أسلافهم أو عادة الناس مطلقاً من الحياة والموت، وعلى هذا هو إنكار للبعث أيضا، ولذا قالوا وما نحن بمعذبين ومناسبته للوجوه كلها ظاهرة فتدبر، وقوله بسبب التكذيب من الفاء التفريعية. قوله: " نكار لأن يتركوا الخ) فالاستفهام للإنكار كما في قوله أتبنون واذا كان للتذكير فهو للتقرير،
وأسباب بالنصب معطوف على إياهم أو مفعول معه، وقوله فسره معطوف على مقدر أي أجمل وأبهم في قولهم فيما ههنا ثم فسره الخ، والتخلية تركهم يتقلبون فيما هم فيه من النعم، وقوله في جنات الخ بدل من قوله فيما ههنا أو ظرف لقوله آمنين الواقع حالاً، وهو على الإنكار بمعنى إلا من الموت والعذاب وعلى التقرير بمعنى الأمن من العدوّ ونحو.. قوله: (لطيف لين) أصل معنى لهضم لغة الانحطاط أو الشدخ والشق، ثم تجوّز به عن الرقة واللطف، واللين كما هنا وقوله للطف الثمر ليس لأن الطلع أريد به الثمر لأوله إليه بل المراد أنه وصف باللطف للطف ثمره، وقوله أو لأنّ النخل أنثى أي لأن المراد بالنخل إباثها بقرينة ذكرها في سياق الامتنان بها لأنها هي المثمرة، وليس في تأنيث ضمير طلعها دليل عليه لأنّ النخل مطلقا يذكر يؤنث فوصف طلعها باللطف على ظاهره، وقوله هي بلا واو في الأصح وفي بعضها بواو، وقوله ما يطلع بضم الياء وكسر اللام من أطلعت النخلة إذا بدا طلعها أو بفتح الياء وضم اللام من طلع يطلع إذا ظهر، وقوله كنصل السيف أي طلوعاً مشابهاً له في الهيئة، والقنو للنخل كالعنقود للعنب وتفاريعه شماريخ وأصله عرجون. قوله: (أو متدل متكسر) تفسير آخر لهضيم والتكسر مجاز أو على ظاهره، وقوله وأفراد النخل أي بالذكر مع دخوله في الجنات، وضمير بها للجنات لا ذكره مفردا لأنه اسم جنس جمعي، وليس بمفرد وذكر ضميره في قوله لفضله لأنه يجوز تأنيثه وتذكيره كنخل منقعر. قوله: (بطرين) من البطر وهو الشره، وعدم القناعة وقدمه للإلف، رة إلى أنه أنسب بمقام الذم من الثاني، ولذا رجحه بعضهم وهو مما لا شبهة فيه، وقوله: فإنّ الحاذق الخ يقتضي أن حقيقنه النشاط واستعماله في الحذق مجاز، وهو كذلك كما في نهاية ابن الأثير ولا ينافيه تفسيره به في بعض كتب اللغة لأنهم لا يفرقون بين الحقيقة والمجاز الواردين عن العرب، أو أنه لشيوعه صار حقيقة عرفية فيه فلا غبار عليه كما توهم، وقوله وهو أبلغ لدلالته على الثبوت وعدم الحدوث الدال عليه اسم الفاعل، وكون زيادة الحروف تدل على زيادة المعنى غير مطرد وقد مرّ تفصيله. قوله: (استعير الطاعة االخ الو قال الإطاعة لكان أظهر يعني أنّ الإطاعة للآمر لا للأمر فجعلها له إمّا استعارة للامتثال، أو تجوز في النسبة فهو مجاز حكمي على الثاني، وعلى الأوّل هو إمّا استعارة تبعية بتشبيه الامتثال بالإطاعة لإفضاء كل منهما إلى فعل ما أمر به أو مجاز مرسل للزومه له أو مكنية وتخييلية، وفي
الكشف الوجه هو الحمل على المجاز الحكمي للدلالة على المبالغة على ما ذكره آخراً، وقيل عليه إنه لا يناسب المقام لأنّ مقتضاه نفي الإطاعة لهم رأسا لا نفي كما لها وليس بشيء لأنه إذا قيل إنهم لا يطيعون من تجب إطاعته أصلا، ويطيعون من لا تجوز إطاعته إطاعة كاملة كان أقوى في الذم فتأمّل. قوله: (وصف موضح) لأنّ المراد بالإسراف ليس هو معناه المعروف بل زيادة الفساد، ولما كان يفسدون لا ينافي صلاحهم أحيانا أردفه بقوله ولا يصلحون لبيان كمال إفسادهم واسرافهم فيه. قوله: (حتى غلب على عقلهم) إشارة إلى أن الصيغة لتكثير الفعل دون غيره لعدم مناسبته هنا، وقوله من الأناسيّ أي البشر لأنّ قوله من المسحرين كناية عنه على هذا لأنّ ذا سحر بمعنى حيوان وجمع المذكر السالم يخصصه بالبشر، وقوله: {قَالُواْ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا} تأكيداً وأمّا على الأوّل فهي للتعليل أي أنت مسحور لأنك بشر مثلنا لا تمييز لك علينا فدعواك إنما هي لخلل في عقلك، وقوله ذوي السحر إشارة إلى أنه للنسبة كالتفسيق، وقوله للحظ من السقي، والقوت لف ونشر(7/22)
مرتب. قوله: (عظم اليوم) بصيغة الماضي من التفعيل أي نسب إليه العظم بوصفه به أو هو مصدر بكسر العين وفتح الظاء مبتدأ خبره لعظم مايحل فيه لأنّ جعل الزمان نفسه عظيم شديد أبلغ، وهو من التجوز في النسبة. قوله: (أسند العقر إلى كلهم) استعمل كل المضاف إلى الضمير غير مبتدأ، وهو مخالف لفصميح الاستعمال كما في المطوّل وغيره، وقوله لأنّ عاقرها الخ، وفي معناه أمرهم بذلك على ما رواه في الكشاف فلا وجه للاعتراض! بأنه لأمر الجميع به وهو واقع على ما أفصح عنه قوله فنادوا صاحبهم الخ ولا حاجة إلى جعل النداء مجازاً عن الرضا لأنهم قوم كثيرون لا يتصوّر حضورهم جميعاً، ولا إلى جعل اكثر بمنزلة الكل، وقد مر تفصيل هذا المجاز وأنه حكمي وماله وعليه فتذكره، وقوله أخذوا أي أهلكوا جميعاً لرضاهم به. قوله: (لا توبة الأنه لا يناسب تفريع قوله: {فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ} عليه ولأنّ مجرّد الندم ليس توبة بل إذا كان مع العزم على عدم العود، وقيل ليس الندم على عقرها لخوف العذاب لأنه مردود بقوله تعالى وقالوا أي
بعدما عقروها {يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ} [سورة الأعراف، الآية: 77] بل على ترك ولدها وهو كما في الكشاف بعيد، وقد ردّ بأنّ قوله بعدما عقروها في حيز المنع إذ الواو لا تدلّ على الترتيب فيجوز أن يريدوا بما تعدنا المعجزة أو الواو حالية أي والحال أنهم طلبوها من صالح ووعدوه الإيمان بها عند ظهورها مع أنه يجوز ندم بعض وقول بعض آخر ذلك بإسناد ما صدر من البعض إلى الكل أو ندموا أوّلاً خوفا، ثم قسمت قلوبهم وزال خوفهم أو على العكس، والعذاب الموعود هو الصيحة. قوله: (في نفي الإيمان الخ) المراد بالمعرض السياق! اسناد الذنب إلى جميعهم وهذا بناء على تعلق قوله: {وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ} [سورة الشعراء، الآية: 8] بقوله فأخذهم العذاب كما سيصرّح به، والظاهر أنه لا يختص به وأنه متعلق بقوله إنّ في ذلك لآية تسجيلا لقسوة قلوبهم وعدم اعتبارهم أو هو غير مخصوص بهذه القصة والشطر بمعنى النصف هنا، وقوله وانّ قريشا الخ والمراد علم الله بإيمان أكثرهم، أو بين ذلك في عاقبة أمرهم، وهو قريب منه لأنه في وقت نزول هذه السورة لم يكن أكثرهم مؤمنين كما لا يخفى، وقوله: أخوهم لوط لأنهم أصهاره عليه الصلاة والسلام كما ذكره في محل آخر. قوله: (أي أتأتون الخ) يعني إنكم مخصوصون بهذ الفاحشة، وهي إتيان الذكران دون الإناث، وقوله: (لا يشارككم فيه غيركم) أي من الناس في ذلك العصر أو من الحيوانات، وأمّا كون الحمار والخنزير كذلك فلا يضرّ لندرته أو لإسقاطه عن حيز الاعتبار مع أن في مشاركتهما أشد راح لهم فيجوز على الأوّل إرادة الناس أيضا بالعالمين لأنهم أوّل من سن هذه السنة السيثة، لقوله: {مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّنَ الْعَالَمِينَ} [سورة الأعراف، الآية: 80] والنكاج في قوله من ينكح الوطء، وهو مبنيّ للفاعل أي يطؤ من الحيوان 0 قوله: (فيكون تعريضا بأنهم الخ (ولا ينافي هذا كونه لإنكار إتيان الذكران كما توهم لأنه من منطوق الكلام، وهذا من مفهومه ويؤيده قراءة ابن مسعود رضي الله عنه ما أصلح لكم ربكم من أزواجكم كما في الكشاف. قوله: (متجاورّون الخ الأن معنى العادي المتعدى في ظلمة المتجاوز فيه الحد فالمراد، إمّا التجاوز
في الشهوة بقرينة المقام، أو في المعاصي مطلقاً ويدخل فيه ما سيق له الكلام ومتعلقه عليهما مقدّر لكنه إمّا خاص أو عامّ، وقوله أو أحقاء الخ على تنزيله منزلة اللازم وقطع النظر عن متعلقه. قوله: (عما تذّعيه من الرسالة) وما يتضمنه فهو عام وعلى الثاني خاص بنهيهم عن فعلهم الشنيع، وعلى الثالث هو تقبيح ما هم سواء نهاهم أو لا فلا يتوهم أنّ الظاهر عطفه بالواو على أنه عطف تفسير أو يقال أو للتخيير في التعبير بناء على أنّ النهي لا ينفك عن التقبيح فإنه غير مسلم كما لا يخفى ولا مانع من جمع هذه المعاني كلها. قوله: (ولعلهم كانوا يخرجون الخ) كاخذ أمواله، وإنما ذكر هذا لأنّ الإخراج من بين أظهر القوم الظالمين لا يصلح للتهديد به فتعريف المخرجين للعهد كما مرّ في قوله: {مِنَ الْمَسْجُونِينَ} [سورة الشعراء، الآية: 29] ولذا عدل عن لنخرجنك الأخصر إليه. قوله: (من الميغضين غاية البغض الخ) فهو أبلغ من البغض، وفي الكشاف القلي البغض الشديد كانه بغض يقلي الفؤاد والكبد، وتبعه الرازي، واعترض عليه أبو حيان بأنه لا يصح لأن قلي بمعنى أبغض ياتي تقول قليته فهو مقلي، والذي بمعنى الطبخ والشيّ واوي تقول قلوته فهو مقلوّ فالمادّتان مختلفتان، وما ذكر خطأ وغفلة عما(7/23)
ذكر، والمخطئ ابن أخت خالته فإنّ بعض الألفاظ يكون واوياً ويائيا ومنه قلاه بمعنى أبغضه، وقد صرّح به كثير من أهل اللغة كصاحب المغرب، وغيره قال الراغب في مفرداته: القلي شدة البغض يقال قلاه يقليه ويقلوه فمن جعله من الواو فهو من قلوت بالقلة إذا رميتها فإنّ المقلو يقذفه القلب لبغضه، ومن جعله من الياء فهو من قليت السويق على المقلاة اهـ. قوله: (لا أقف عن الإنكار عليه الخ) هو من رجوعه إليه بعد التهديد لا من استمرار القالين أي إني وان أوعدتموني بالإخراج لا أنتهي عن الإنكار عليكم فالوقوف بمعنى الرجوع والانتهاء، وقوله وهو أبلغ الخ لأنه إذا قيل فاعل لم يفد أكثر من تلبسه بالفعل، واذا قيل من الفاعلين أفاد أنه مع تلبسه به من قوم عرفوا أو اشتهروا به فيكون راسخ القدم عريق العرق فيه، وقد صرّح به ابن جنيّ وتبعه الزمخشريّ، وقرّره الشريف في شرح المفتاح فمن توقف في دلالة اللفظ عليه، وادّعى خفاءه كأنه لم يقف على كلامهم، وقوله من شؤمه وعذابه لأنه لا يتليس بعملهم ولا يخشى تلبسه به، وإنما يخشى ما ذكر، وقوله: أهل بيته الخ هو بالتجوّز في أهله لمن اتبع دينه لا من عموم المجاز ولا على الجمع بين الحقيقة والمجاز إذ لا داعي له، وقوله باخراجهم
متعلق بنجيناه، وقوله وقت حلول العذاب إمّا على اعتبار اتساع الوقت، أو على تقدير مضاف أي وقت قرب حلوله بهم. قوله: (مقدّرة في الباقين في العذاب (لأنّ غير بمعنى مكث بعد مضيّ من معه، كما قاله الراغب: وهي قد خرجت معهم على قول فكونها غابرة بمعنى ماكثة في العذاب بعد سلامة من خرج معه لا في دارهم، أو يقال إنها لهلاكها كأنها ممن بقي فيها، وقوله وقيل الخ بناء على أنها بقيت حقيقة فلا حاجة إلى التأويل بما مرّ، وقوله فيمن بقيت أي في طائفة بقيت فأنثه رعاية لمعنى من والا كان الظاهر فيمن بقي، ومرّضه لمخالفته للرواية المشهورة كما قيل إنها خرجت، ثم رجعت وقيل الغابرين طوال الأعمار. قوله: (أمطر الله على شذاذ) بمعجمات بوزن جهال جمع شاذ، وهو من انفرد عنهم في الطريق أو من كان غريبا من غير قبائلهم، وهذا إشارة إلى التوفيق بين طرق إهلاكهم فإنه ورد أنه بصيحة وفي أخرى برجفة، وفي أخرى بأمطار حجارة فهو إمّا بوقوع بعضه لبعضهم، أو لأنه أرسل لطائفتين أهلك كل منهما بنوع منه، ولا مانع من الجمع بينهما وفي الكشاف وشروحه هنا كلام تركناه لطوله، وقوله يصح هذا بناء على أنّ ساء بمعنى بئس، وفاعلها لا يكون إلا مبهما فإن لم تكن كذلك جاز كونها للعهد، وغيضة بغين وضاد معجمة هي مكان كثير الأشجار وناعم الشجر لعله ما كان أخضر غير كثير الشوك إذ الناعم الأملس، وتفسيرها بالغيضة مرويّ عن ابن عباس رضي الله عنهما، وقد قيل إنه تفسير لمعناها لغة لا فيما وقع هنا لما سيأتي، وقوله كما بعث إلى مدين بصيغة المجهول ونائب فاعله ضمير شعيب، والدوم بفتح الدال المهملة، وسكون الواو وهو المقل وهو من شجر البادية يشبه صغار النخل وبعضهم يظنه برئه. قوله:) بحذف الهمزة وإلقاء حركتها الخ) وقراءة هؤلاء بفتح التاء خلافا لما يفهم من كلامه، وقد استشكلها أبو عليّ الفارسي وغيره بأنه لا وجه للفتح لأن نقل حركة الهمزة لا يقتضي تغيير الإعراب من الكسر إلى الفتح، وقال أبو عمرو كتب في جميع المصاحف ليكة في الشعراء وص بلام من غير ألف قبلها، وفي الحجروق الأيكة ويقال إنّ ليكة بفتح التاء اسم البلدة نفسها، والأيكة اسم الكورة،
ولذلك قرأ الحرميان وابن عامر فيها ليكة بفتح التاء غير مصروف للعلمية والتأنيث، وقال بعض النحويين إنما هو مكتوب في هذين الموضعين على نقل الحركة فكتب على لفظه، وقال أبو عبيداني: لا أحب مفارقة الخط في القرآن إلا فيما يخرج عن كلام العرب وهذا ليس بخارج عن كلامها مع صحة المعنى، وذلك لأنا وجدنا في بعض كتب التفسير الفرق بين الأيكة وليكة فقيل ليكة اسم القرية التي كانوا فيها والأيكة اسم البلاد كلها كالفرق بين مكة ويكة، ثم وجدتها في مصحف عثمان الذي يقال له الإمام في الحجروق الأيكة، وفي الشعراء وص ليكة وعلى هذا قرّاء المدينة، وهذا ردّ على ما قاله النحاة فإنهم نسبوا القراءة إلى التحريف وليس بشيء قاله السخاوي في شرح الرائية فلا عبرة بإنكار الزمخشريّ ومن تبعه كالمصنف، وقوله في هذه القراءة إنها على النقل غير صحيح. قوله: (وقرئت كذلك(7/24)
مفتوحة الخ) هذا يقتضي أنّ ما قبله بالكسر، وليس كذلك فإنّ فيها ثلاث قراآت قراءة ابن كثير ونافع وابن عامر ليكة بفتح التاء، وقراءة غيرهم على الأصل الأيكة وقرئ شاذاً ليكة بكسر التاء، وقوله اتباعا للفظ قد علصت أنه غير صحيح، والذي غره كلام الزمخشريّ، وأنه ليس في كلام العرب مادة ل ى ك وليس بشيء لما عرفتة، والأسماء المرتجلة لا منع منها، وذكر البخاريّ أنّ ليكة بمعنى الأيكة وناهيك
قوله: (بالميزان السوفي) أي الصحيح المساوي، وهو نهي عن النقص لا عن الزيادة وقيل
إنه القبان، وقوله إن كان عربياً إشارة إلى قول آخر فيه، وهو أنه معرّب روميّ الأصل، ومعناه العدل أيضا كالقسط فهو من توافق اللغتين وقوله ففعلاع بتكرير العين يعني شذوذا إذ هي لا تكرّر وحدها مع الفصل باللام ومن قال إنها مكروة صورة لا حقيقة فقد وهم لأنه يتحد مع القول الثاني، ولذا قال الزمخشريّ: وزنه فعلاس كما وقع في بعض النسخ تحقيقاً لزيادتها، ومن قال إنه رباقي فهو من قسطس ووزنه فعلال إذ فعلاع لا نظير له وهو الحق إذ ما ذكر لا نظير له عند النحاة ولا داعي لما قالوه. قوله: (شيثاً من حقوقهم) يعني أنّ الإضافة جنسية فيؤل معناه إلى شيئا من أشيائهم فلا يقال إنّ الظاهر أن يقال شيئا بالإفراد أو هو من مقابلة الجمع بالجمع فالمعنى لا تبخسوا أحداً شيئاً، أو الجمع للإشارة إلى الأنواع فإنهم كانوا يبخسون كل شيء جليلا كان أو حقيراً، وقيل المراد بأشيائهم الدارهم والدنانير وبخسها بالقطع من أطرافها، ولولاه لم يجمع وهو وجه آخر في التفسير وقد ذهب إلى ما مرّ في محل آخر ووقع بخس في
الآية متعدّيا لإثنين، وفي التفسير لواحد وقد يتعدّى لاثنين كما في المصباح فلا حاجة إلى جعل الثاني بدل إشتمال، وإنّ إسقاط المصنف له للإشارة إلى ذلك، كما قيل وهذا تعميم بعد تخصيص. قوله: (ولا تعثوا في الآرض مفسدين) العثو الفساد أو أشده ومفسدين حال مؤكدة أو المراد مفسدين آخرتكم، والجبلة الطبيعة وذووها أصحابها. قوله: (أتوا والخ (يعني أن كلا منهما كاف فكيف إذا اجتمعا، وقد مرّ أنّ تركها لأنه استئناف للتعليل أو تأكيد، وقوله متنافيين وقع في نسخة منافيين وهي أصح، وقوله مبالغة للجمع إذ كل منهما كاف في زعمهم، وقوله قطعة وقيل إنه بالسكون جمع كسفة بمعنى قطعة، وهو أحسن لتوافق القراءتين فيه وقوله ولعله ألح أي لا طلب معجزة منه كشق القمر فهو كقوله: {فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً} [سورة الأنفال، الآية: 32] وقراءة حفص بكسر الكاف وفتح السين على أنه جمع كسفة، والمراد بدعواك ما أرسل به، والتهديد بالعذاب على ما مرّ. قوله: (وبعذابه) لأنّ العلم بعملهم كناية عن جزائه كما مرّ، وقوله مما أوجبه لكم أي على عملكم، وهو العذاب وهو بمعنى مما أوجبه عليكم به فلا غبار عليه، وقوله في وقته المقدّر يعني فلا وجه لقولهم أسقط علينا الخ، واضافة العذاب ليوم الظلة إشارة إلى أنّ لهم فيه عذاباً غير عذابها. قوله: (على نحو ما اقترحوا) بقولهم أسقط علينا كسفاً من السماء سواء أرادوا بالسماء السحاب، أو المظلة ولذا ذكر نحو، ولم يقل ما اقترحوه لأنّ هذا من جنسه حيث كان من جهة علوية، ومن لم يتنبه لمراده وعدوله عما في الكشاف قال إنه إشارة إلى أنّ السماء في كلامهم بمعنى السحاب فتدبر، وقوله بأن سلط الخ بب ن لأخذ العذاب. قوله: (واطراد) مبتدأ خبره يدفع الخ وقوله استهزاء معلوم من أنّ أحدا لا يطلب ما يضرّه فلا وجه لما قيل إنهم لم يذكروه هنا فإنه ترك لظهوره، ودفعه بالحدس وهو إقناقي فلا يضرّه احتمال كونه لاتصالات واقترانات كما هو عند المنجمين فإنها مقتضية لذلك كما قالوا في
طوفان نوح عليه الصلاة والسلام، ولا كونه ابتلاء لهم كما يبتلى المؤمنون. قوله: (تقرير لحقية تلك القصص الكونها من عند الله فضمير إنه لما ذكر قبله والتنبيه على إعجازه بما فيها من الأخبار عن المغيبات، وهو لا ينافي كونه معجزاً بنظمه، وقوله ونبوّة محمد صلى الله عليه وسلم من نزول الوحي عليه كما أشار إليه بقوله فإنّ الخ، وقوله إن أراد به الروح لأنه يطلق عليها كما ذكره الراغب، وقوله: فذاك أي فالأمر ذاك واضح صحيح لأنّ المدرك هو الروج، وقال على قلبك دون عليك الأخصر إشارة إلى أنه لم ينزل في الصحف كغيره من الكتب. قوله: (لآنّ المعاني الروحانية الخ (إن كان هذا بناء على أنّ جبريل عليه الصلاة والسلام أنزل له المعاني خاصة، وهو عبر عنها بلسانه فظاهر لكنه(7/25)
خلاف القول الأصح عند المسفرين والمحدثين، وان كان هذا على المشهور بأنه أوحى إليه بألفاظه تارة كصلصلة الجرس، وتارة بتمثيل الملك له فينصل بالسمع أوّلاً، ثم يرتسم في الخيال ويدركه الروح لا بالعكس واسقاط الواسطة بشدة تلقيه لا يفيد هنا كما لا يخفى فلعل المراد بالمعاني ما يقابل الأعيان لا ما يقابل الألفاظ، ويكون هنا شأناً خاصاً بالأنفس القدسية والأرواح المقدسة كأنها لقوّتها تسبق الحواس في إدراك ما يبقى منها حتى كأنها تأخذه منها على عكس ما للعامّة، وليس المراد بالمعاني ما يقابل الألفاظ لأنّ المراد بالقرآن هنا معناه القديم لقوله: {وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ} [سورة الشعراء، الآية: 196] فإنّ ما فيها معناه لا لفظه لأنه بتقدير مضاف أي وانّ معانيه كما سيأتي ولا وجه لما قيل إنّ النازل غالباً هو المعاني، وما ذكر باعتباره فتأمّل، ولوح المتخيلة تخييل والمراد بالمتخيلة الخيال. قوله: (واضح المعنى) إشارة إلى كون مبين من أبان اللازم، وقد جعل من المتعدى على معنى مبين للناس ما يحتاجون إليه من أمور دينهم ودنياهم، وقوله لثلا يقولوا الخ أي فيتعذر الإنذار، واذا تعلق بنزل فهو بدل من به بإعبادة العامل، وقوله وهم هود الخ هذا بناء على المشهور، وزاد بعضهم خالد بن سنان وصفوان بن حنظلة، وعلى تعلقه بالمنذرين فالمعنى أنك أنذرتهم كما أنذر آباؤهم الأوّلون وأنك ليست بمبتدع لهذا فكيف كذبوك فاندفع ما قيل إنه ليس فيه كبير فائدة إذ معناه إنك من جملة من أنذر بلغة عربية، وقوله بلغة العرب إشارة إلى أنه ليس المراد
بلسان عربيّ لغة قريش كما نقل عن ابن عباس وضي الله عنهما. قوله: (وإن ذكره الخ) يعني أنه على تقدير مضاف، والأوّل أقرب لأنّ مثله مستفيض كما يقال فلان في دفتر الأمير، ولذا قدمه وفيه إشارة إلى ردّ ما نقل عن أبي حنيفة من جواز القراءة بالفارسية في الصلاة والاحتجاج له بهذه الآية لكونه سمي ما في زبر الأوّلين قرآنا، وهو معناه لا لفظه فإنه إذا كان على تقدير مضاف لم يكن كذلك، وقد قيل إنّ الصحيح من مذهبه أنّ القرآن هو النظم، والمعنى معاً وتفصيله في كتب الفروع والأصول ولم يذكر كون الضمير للنبيّ صلى الله عليه وسلم لضعفه كما في الكشاف وشروحه. قوله: (على صحة القرآن) أي وان لم يتأملوا وجوه إعجازه، وقوله أن يعرفوه أي القرآن أو الرسول صلى الله عليه وسلم وقوله وهو أي هذا الكلام تقرير إشارة إلى أنّ الاستفهام تقريرفي لهم بأن علم أهل الكتاب دليل عليه وقيل إنه إنكاريّ وقوله والخبر لهم لم يجعله أن يعلمه لئلا يلزم الخبر عن النكرة، وان تخصصت بالظرف بالمعرفة وقوله: أو الفاعل معطوف على قوله الاسم، وكان حينئذ تامّة واذا كانت ناقصة واسمها ضمير الشأن يجوز أيضا كون لهم آية مبتدأ وخبراً، وأن يعلمه بدل من آية أيضا. قوله: (كما هو عليه) أي بحاله من الإعجاز والعربية، وزيادة الإعجاز للمنزل أو المنزل عليه بإتيان الأعجم بأفصح كلام عربيّ، وقوله أو بلغة العجم فيكون منافياً لفائدة تنزيل القرآن بلسان عربيّ مبين، وعلى الأوّل يكون بيانا لشدّة شكيمتهم في المكابرة بعد أن بان لهم حقية القرآن فقوله لفرط عنادهم واستكبارهم على الوجه الأوّل، أو لعدم فهمهم على الثاني فهو لف ونشر مرتب. قوله:) والآعجمين جمع أعجمي الخ (كالأشعرين جمع أشعريّ، وقوله على التخفيف أي على حذف ياء النسب في الجمع دون المفرد، وقوله ولذلك جمع جمع السلامة أي لكون مفرده أعجمياً لا أعجم لأن أفعل فعلاء لا يجمع جمع سلامة لكنه قيل إنه في الأصل البهيمة الجماء لعدم نطقها، ثم نقل أو تجوّز به عمن لا يفصح، وان كان عربيا وهو بهذا المعنى ليس له مؤنث على فعلاء فلذلك جاز جمعه جمع السلامة لوجود الشرط فيه بعد ذلك، كما قيل لكنه اعترض عليه بقول الرازي في غريب القرآن الأعجم هو الذي لا يفصح والأنثى عجماء، ولو سلم فالأصل مراعاة أصله، وهو ليس بوارد لأنه وان سمع عجماء لكنه ليس بهذا المعنى كما في صلاة النهار عجماء، وجرج العجماء جبار كما صرّح به أهل اللغة، وكون ارتفاع المانع لعارض مجوّزاً صرّح به النحاة، ثم أنّ كون
أفعل فعلاء لا يجمع هذا الجمع مذهب البصريين، والفرّاء وغيره من الكوفيين يجيزونه، كما في الدرّ المصون فلا يرد الاعتراض على من جعله جمع أعجم عجماء كما توهم، وقوله: كذلك الإشارة فيه لما قبله أو لما بعده كما سبق. قوله: (والضمير للكفرا لقرب مرجعه لفظاً ومعنى وجعله للبرهان الدال عليه قوله، أو لم يكن لهم آية بعيد لفظا ومعنى، وأمّا رجوعه للقرآن وإن خلا عن(7/26)
تفكيك الضمائر فبعيد لأن كونه مسلوكا في قلوبهم خلات الواقع من أن الأوّل لكونه مبنياً على مذهب أهل السنة أقوى، وأشد مناسبة لما بعده فلا وجه لما قيل إنه لا وجه لتمريضه مع أنه أقوى رواية لأنه تفسير ابن عباس رضي الله عنهما كما ذكره الطيبيّ، وقوله الملجئ إلى الإيمان إشارة إلى وجه عدم قبوله وقوله لا يؤمنون به حال أو استئناف تفسير لما قبله. قوله: (في الدنيا والآخرة) كون عذأب الدنيا بغتة ظاهر لأنه قد يفاجئهم فيها ما لم يكن بمرئيّ، ولا في خاطر فيرونه على حين غفلة، وأمّ عذاب الآخرة وان شمل البرزخ فوجه البغتة فيه أن يرأد أنه يأتيهم من غير استعداد له وانتظار، وعدم شعور به قبل وقوعه. قوله: (وههنا شيء) وهو أنّ الزمخشريّ جعل الفاء في قوله فيأتيهم، وفي قوله فيقولوا للتفاوت الرتبي كأنه قيل حتى تكون رؤيتهم للعذاب فما هو أشد منها، وهو مفاجأته فما هو أشد منها وهو سؤالهم النظرة كقولك إن أسأت مقتك الصالحون فمقتك الله، وترى ثم تقع في هذا الأسلوب أي التراخي الرتبى كما صرّح به بعض شرّاحه، ولا يخفى أنّ تفاوت الرتبة من التراخي ولا دلالة للفاء عليه فكان وجهه أنه من جعل ما هو مقدّم متعقبا لا في كل معطوف بالفاء إذ الرؤية بعد البغت كما صرّح به فالحامل له على هذا أنّ البغت من غير شعور لا يصح تعقبه للرؤية، وأمّا كون العذاب الأليم منطويا على تلك الشدة، وهي البغت فلا يصح الترتيب هنا وكون الفاء للتفصيل فوهم. قوله: (وحالهم الخ) إشارة إلى أنّ الاستفهام للإنكار تهكما وتبكيتا لهم، وقوله لم يغن عنهم الخ يحتمل أنه يشير إلى أنّ ما نافية أو استفهامية لأنّ استفهام الإنكار نفي معنى وقد جوّز المعرب فيها الوجهين، وقوله تمتعهم إشارة إلى أنّ ما في ما كانوا يمتعون مصدرية، وهو أولى من جعلها موصولة بحذف العائد، والتطاول مأخوذ من كان فإنها تستعمل للاستمرار. قوله: (منذرون) جمعه لعموم القرية في سياق النفي وزيادة من، أو المراد
الرسول صلى الله عليه وسلم ومن تبعه من المؤمنين، وقوله على العلة أي هو مفعول له لقوله منذرون، وأما كونه لأهلكنا والمعنى أهلكوا بعد الإنذار ليكونوا تذكرة وعظة لغيرهم فتكلف لاحتياجه إلى التقدير أو عمل ما قبل إلا فيما بعدها، وقوله أو المصدر أي مفعول مطلق عامله منذرون كقعدت جلوساً لأنّ الإنذار تذكرة معنى، وقوله لإمعانهم أي مبالغتهم، وأصل معنى الإمعان البعد، وقوله خبر محذوف أي هذه ذكرى. قوله: (وما كنا ظالمين) أي ليس من شأننا الظلم، أو المعنى لسنا ظالمين في إهلاكهم فقوله: (قنهلك غير الظالمين) معناه أي لا يصدر عنا بمقتضى الحكمة ما هو في صورة الظلم لو صدر من غيرنا بأن يهلك أحد قبل إنذاره، أو بأن يعاقب من لم يظلم ولذلك قال: وما كنا دون ما نظلم مع أنه أخصر لأنه يقال كأن يفعل كذا لما هو عادته ودأبه فلا ينافي هذا قول أهل السنة إنه يجوز لله أن يعذب من غير ذلك لأنه مالك الملك يتصرّف فيه كيف يشاء، ولا يسئل عما يفعل للفرق بين الجواز العقلي الفرضي والوقوعي. قوله: (ومما تنزلت به الشياطين) عبر بالتفعيل لأنه لو وقع كان بالاستراق التدريجي، وقوله وما يصح هو أحد معاني ما ينبغي وحمله عليه لأنه أبلغ، وان صح حمله على ظاهره، وقوله إنهم عن السمع لمعزولون أي ممنوعون منه ويجوز كون الضمير للمشركين، والمراد لا يصغون للحق لعنادهم وهو تعليل لما قبله، وقوله لكلام الملائكة قيل المراد به الوحي المنزل على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فلا يرد أنهم قد يسترقون السمع، والمراد أنّ الله حمى ما يوحى به إلى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أن يسمعوه قبل نزول الوحي فلا يلزمه أنهم لا يسمعون آيات القرآن، ولا يحفظونها وليس كذلك وأمّ آية الكرسي وآخر البقرة فلخاصية فيهما حتى يتعين أن يراد أنهم لا يسمعون كلام الله منه. قوله: (لأنه مشروط بمشاركة في صفات الذات) وهم متصفون بنقائضها، وهذا على مذهب الحكماء في النبوّة وأما القول بأنه شرط عاديّ حتى لا يخالف مذهب أهل السنة فبعيد من سياقه كما لا يخفى، وقوله لا يمكن تلقيها إلا من الملائكة الحصر إمّا بالنسبة للشياطين أو المراد ابتداء تلقيها. قوله: (تهييج لازدياد الإخلاص) فهو كناية عمن أخلص في التوحيد حتى لا يرى مع الله سواه، والا فهو لا يتصوّر
منه ذلك حتى ينهي عنه ووجه اللطف فيه أنه إذا نهى عنه مثل هؤلاء كان إيقاظا لهم من سنة الغفلة بألطف وجه، إذا لم يواجهوا به(7/27)
ولو خوطبوا به لخافوا من أن يكونوا متهمين به أو محتملاً صدور. منهم في القابل عند الله فأتى به على منوال إياك أعني فاسمعي يا جاره وهذا وجه بديع في مثله فتيقظ. قوله: (1 لأقرب منهم) من بيانية، وقوله فإنّ الاهتمام بيان لوجه تخصيصهم بالذكر مع عموم رسالته ولا يتوهم منه مداراتهم بل إنّ قرابته لا تفيد من لم يؤمن به ومصدّقي بياء مفتوحة مثددة، والفخذ جماعة دون القبيلة من قومه وبين يدي عذاب استعارة أي بعذاب قريب، والحديث المذكور صحيح رواه ابن حبان وغيره. قوله: (مستعار) للتواضع بتشبيه هيئة المتواضع بهيئة الطائر، وهي استعارة تبعية أو تمثيلية ويجوز أن يكون مجازاً مرسلاً مستعملاً في لازم معناه. قوله: (ومن للتبيين الخ) المراد بالمؤمنين كل من آمن به من عشيرته، وغيرهم كما في المدارك وغيره، ولذا قيل إنّ قوله من المؤمنين ذكر لإفادة التعميم وإلا فاتباعه، والإيمان توأمان إذ المتبادر من اتباعه اتباعه الديني كما أشار إليه الزمخشري، وجعله أعمّ بناء على أصل معناه كما ذكره المصنف ليفيد قوله من المؤمنين، وعلى ما ذكره هذا القائل يكون فائدته التعميم كطائر يطير بجناحيه، ولكل وجهة فلا وجه للاعتراض على المصنف به والتعميم من المؤمنين لشموله العشيرة وغيرهم، كما سمعته لا من كلمة من كما توهم حتى يقال إنّ من الجارة لا تفيد التعميم إلا إذا زيدت بشرائطها وليست هذه كذلك فإنه من قلة التدبر. قوله: (على أنّ المراد من المؤمنين المشارفون) ! ان لم يؤمنوا فالمتبعون في الدين بعضهم، وكذا لو أريد من صدق باللسان، ولو نفاقا وعلى هذين فالإتباع دينيّ كما ذكره الزمخشري، وقوله بما تعملونه بناء على أنّ ما الموصولة عائدها محذوف وقوله أو من أعمالكم بناء على أنها مصدرية فسقوط أو من بعض النسخ من قلم الناسخ وضمير فإن عصوك للكفار المفهوم من السياق أو للعشيرة. قوله: (يكفك) مجزوم في جواب الأمر وفيه
إشارة إلى وجه ارتباطه بالجزاء، وقوله على الإبدال لم يجعله معطوفاً على الجزاء الخفاء التعقيب فيه، ورؤية الله معناها مذكور في كتب الكلام، وقوله وتردّدك إشارة إلى أنّ التقلب بمعنى الذهاب، والمجيء مجازاً وقوله المجتهدين أي في العبادة، وقوله نسخ فرض قيام الليل لأنه كان فرضاً قبل الصلوات الخمس ثم نسخ بها، وقوله لما سمع الخ بيان لوص الشبه بين بيوتهم ومقرّ النحل والمراد بالساجدين المصلون لأنّ السجود أشرف الأركان، والدندنة الأسواط المختلطة المرتفعة حتى لا تكاد تفهم، وقوله أو تصرّفك معنى آخر للتقلب أي تغيرك من حال كالجلوس والسجود إلى آخر كالقيام في الإمامة. قوله: (وإنما وصفه الخ) أي بقوله تقلبك الخ وهو وصف معنويّ لا نحويّ، وقوله يستأهل أي يكون أهلا ويستحق والمراد بالولاية الرسالة والمراد بالعلم بهذا العلم بجميع أحواله، ويجوز في الرؤية أن تكون علمية وفي كلامه إشعار به، وقوله على من متعلق بتنزل قدم عليه لصدارته لأنّ من استفهامية، وأمّا تقدم الجار فغير ضارّ كما بين في النحو فلا حاجة إلى ادّعاء أيّ من أصله أمن والهمزة مقدرة قبل الجارّ كما ادّعاه الزمخشريّ. قوله: (لما بين أن القرآن الخ) أي في قوله وما تنزلت به الشياطين، وقوله لا يصح وقع في نسخة بدله لا يصلح وهما بمعنى هنا وقوله من وجهين متعلق بلا يصلح أو ببين، وقوله إنه أي تنزل الشياطين وشرّير كذاب الخ لف، ونشر مرتب تفسير لأفاك أثيم، وقوله إنما يكون الخ الحصر مستفاد من السياق أو من مفهوم المخالفة المعتبر عند الشافعية، أو من التخصيص في معرض البيان، وقوله بالغائبات بالغين المعجمة والباء الموحدة المراد به ما غاب عن الحس كالجن والملائكة، وفي نسخة العاتبات بعين مهملة ومثناة فوقية من العتوّ والتمرّد، وقوله: لما بينهما خبر إنّ وكلمة كل للتكثير ليناسب عموم من، ويجوز أن تكون للإحاطة ولا بعد في نزولها على كل كامل في الإفك والإثم كما قيل، وقوله وثانيهما قوله أي مضمون قوله هذا. قوله: (أي الأفاكون الخ) إشارة إلى أنّ هذه الجملة
مستأنفة لبيان حالهم معهم، ويجوز أن يكون صفة لكل أفاك لأنه في معنى الجمع لكن تقدير المبتدأ أظهر في الأوّل، وأما الحالية فلم يلتفت إليها لعدم المقارنة وكونها منتظرة خلاف الظاهر، والقاء السمع مجاز عن شدة الإصغاء للتلقي، ويحتمل أن يكون السمع بمعنى المسموع أي يلقون المسموع من الشياطين إلى الناس كما في الوجه الآتي لكنه تركه لبعده أو لقلة جدواه، وقوله فيتلقون(7/28)
منهم ظنونا أي مظنونات، وقوله لنقصان علمهم الضمير للشياطين أو للأفاكين. قوله: (كما جاء في الحديث الخ) هو مختصر من حديث مروفي في الصحيحين عن عائثة رضي الله عنها قالت: " سأل ناس رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكهان فقال لهم: ليسوا بشيء قالوا: يا رسول الله فإنهم يحدّثون أخبارا بالشيء يكون حقاً فقال صلى الله عليه وسلم: تلك الكلمة يحفظها الجني فيقرها في أذن وليه قرّ الدجاجة قيخلطون بها كثر من مائة كذبة " وقوله فيقرها بفتح الياء وكسر القاف من قرّت الدجاجة إذا صوّتت صوتا منقطعا وقرّه يقره إذا سارّه وهو من الأوّل والمعنى يسمعه إياها، ووليه من يواليه وقوله مائة كذبة وقع في نسخة كلمة. قوله: (ولا كذلك محمد صلى الله عليه وسلم) معطوف على قوله الأفماكون الخ، يعني أنهم يكذبون ويذكرون أمورا متخيلة موهومة، وهو صادق فيما يخبر به متيقن له وقوله لقوله الخ يعني أنّ الضمير لكل أفاك وهم كلهم كاذبون لا أكثرهم، والمقام يقتضي التعميم وقوله والأظهر لأنّ كون الأكثر بمعنى الكل بعيد يعني المراد بالكذب ما وقع في حكايتهم عن الجن فإنّ ما ينسبون لهم كذب عنهم في اكثر وقد يصدقون في النقل عنهم، ويجوز أن يكون هذا في مطلق أقوالهم فإنّ من اعتاد الكذب لا يتركه غالبا. قوله: (وقيل الضمائر أي في قوله يلقون الخ) فالمراد إنّ الشياطين يلقون السمع أي يستمعون إلى الملأ الأعلى من الملائكة قبل الرجم، والطرد فيختطفون أي يتلقون بسرعة لخوفهم من الشهب أو السمع بمعنى المسموع منهم ومرضه لأنّ المقام في بيان من تنزل عليه الثياطين، لا بيان حالهم وأمّا دلالته على الوجه الثاني فليست بلازمة حتى يضعفه لفواتها كما قيل، وقوله إذ يسمعونهم من الأسماع تعليل لكذبهم بأنهم لا يسمعون اولياءهم لخيانتهم فيتعمدون الكذب، أو هو لقصور فهمهم عنهم أو قصور ضبطهم وحفظهم
لما يسمعونه منهم، وقوله إفهامهم مصدر من الأفعال أي كذبهم لقصور إفهامهم ما يلقونه لأوليائهم، وقوله: {وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ} على الوجهين وكونه للثاني أظهر. قوله: (أبطل كونه عليه الصلاة والسلام شاعرا) كما أبطل كون ما يأتي به قبيل الكهانة كما سيشير إليه وان كان الضمير في قوله ألم تر أنهم للغاوين فالتقرير ظاهر، وكذا إن كان للشعراء فليس الأنسب حينثذ كونه دليلاً آخر كما قيل والغاوي من غوي إذا ضل، وهو بمعنييه مناسب لما بعده، والوادي معروف والمراد به هنا شعب القول وفنونه وطرقه وشجونه، والهيام أن يذهب المرء على وجهه من عشق أو غيره وهو تمثيل كما في الكشاف والمعنى يخوضون في كل لغو من هجو ومدح، وقوله لأنّ الخ تعليل لكون اتباعهم غيا، والنسيب بنون وسين مهملة ذكر محاسن الحسان، واظهار التعشق والهيام بها والحرم جمع حرمة وهي المرأة المحرّمة على غير زوجها، والغزل التغزل والتلهي بصفات النساء وذكر الميل لهن، والابتهار الكذب بادّعاء الوصول إلى محبوبته قال الأعشى:
قبيح بمثلى نعت النتا ة إمّا ابتهاراً وامّا ابتيارا
وفي شرح ديوانه الابتهار أن تقول فعلت بفلانة وأنت لم تفعل والابتيار أن تقول فعلت
وقد فعلت اهـ وتمزيق الإعراض! استعارة للغيبة بما يقدح في عرض أحد، والإطراء المبالغة في المدح. قوله: (وإليه أشار بقوله الخ) لأنّ قوله يقولون ما لا يفعلون كناية عن أنهم يكذبون فلا يرد أنه لا إشارة فيه إلى مدح من لا يستحق المدح والإطراء، ولا حاجة إلى الجواب بأنّ الفعل عام للقلبي والمدح المذكور فيه إظهار لخلاف ما لا يعتقد ولا إلى القول بأنّ المراد الإشارة إلى جنس ما ذكر. قوله: (وكأنه لما كان إعجارّ القرآن الخ) الظاهر أنّ إعجازه من جهة المعنى مطابقته لمقتضى المقام، واشتماله على الأخبار بالمغيبات وأمّا من جهة اللفظ فظاهر، واذا كان مما تنزلت به الشياطين اشتمل على الأكاذيب فينا في صحة معناه، وإذا كان من جنس كلام الشعراء لم يكن لفظه معجزا ولا معناه حقا، وتوله على التخفيف أي من الأفعال وقوله تشبيها لبعه بعضد أي في ضم ثانيه والضمّ ثقيل فإذ! كان بعد الكسر فهو أثقل ومنافاته للأوّل بقوله: {وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ} ومنافاته للثاني بقوله: {وَالشُّعَرَاء يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ} الخ والمكافحة
المدافعة.(7/29)
قوله: (والكعبان) هما كعب بن زهير وهو معروف في الصحاية وقصته مشهورة، وأمّا كعب بن مالك فهو كعب بن جعيل بن عجرة بن ثعلبة بن عوف بن مالك فمالك جده كما في الإصابة لابن حجر وقال إنه لم يذكره في الصحابة غير ابن فتحون عن البغوي، والحديث المذكور وهو (اهجهم الخ) ليس معروفا فيه، وإنما هو مع حسان رضي الله عنه كما في السير والحديث الأول متفق عليه وروح القدس جبريل عليه الصلاة والسلام، والمراد أنّ الله مؤيده وملهمه إلهاما بانيا لما يقوله، وقوله لهو أي الهجو المفهوم من الفعل ورفع الكعبان كما في النسخ كما في قوله:
كيف من صاد عقعقان وبوم
أو قوله كعبد الله خبر مبتدأ تقديره، وهم وهذا معطوف على محل الجار والمجرور وهو أولى. قوله: (لما في سيعلم الخ) لأنّ السين تفيد التأكيد كما مرّ وليس مخالفا لقول النحاة إنها للاستقبال كما توهم، واطلاق الظلم إذ لم يقيد بنوع والتعميم لأنّ الموصول من صيغ العموم، والتهويل من جعله كأنه لا يمكن معرفته. قوله: (وقد تلاها أبو بكر لعمر رضي الله عنهما الخ) لأنه أمر عثمان رضي الله عنه أن يكتب في مرض موته، وقد عهد لعمر رضي الله عنه ما صورته يسم الله الرحمن الرحيم هذا ما عهد أبو بكر خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم عند آخر عهده بالدنيا وأوّل عهده بالآخرة في الحال التي يؤمن فيها الكافر، ويتقي فيها الفاجر إني قد استعملت عليكم عمر ابن الخطاب فإنّ برّ وعدل فذاك علمي به، ورأيي فيه، وان جار وبدل فلا علم لي في الغيب،
والخير أردت ولكل امرئ ما اكتسب، وسيعلم الذين ظلموا أيّ منقلب ينقلبون اهـ، وذكره المبرد في الكامل وغيره. قوله: (وقرئ أيّ منقلت الخ) أي بالفاء والتاء الفوقية، وهي قراءة الحسن وابن عباس في الشواذ، وقوله عن النبيّ الخ هو حديث موضوع من الحديث المنسوب إلى أبيّ بن كعب المشهور تمت السورة بحمد الله ومنه.
سورة النمل
بسم الله الرحمن الرحيم
كونها ثلاث أو أربع وتسعون هو المشهور، وقيل إنها خمس وتسعون واختلف أيضا في
مكية بعض آياتها كما سيأتي. قوله تعالى: ( {طس} ) قرئ بالإمالة وعدمها وقد تقدم الكلام فيه وقوله الإشارة إلى آي السووة يجوز أن يكون إشارة إلى السورة نفسها أو إلى مطلق الآيات كما مرّ، وقوله وإبانته الخ إشارة إلى أنه من أبان المتعدي، وحذف مفعوله لعمومه، وعدم اختصاصه بشيء، وقوله يبينه من الأفعال أو التفعيل للتتنبيه على ذلك، وعدل عما في الكشاف من قوله وإبانتهما أنهما يبينان ما أودعاه من العلوم والحكم والشرائع وانّ إعجازهما ظاهر مكشوف لأنه يقتضي أخذه من اللازم والمتعدي معاً، ولذا قيل إنهما وجهان والواو فيه بمعنى أو، وقوله وتأخيره أي الكتاب هنا مع تقديمه في سورة الحجر، وهو على هذا التفسير مقدم في الوجود لتقدّم اللوح المحفوظ على القرآن بمعنى المقرر لأنا نعلم أنه في اللوح من القرآن، أو بعد علمنا به وأمّا كونه لا طريق لنا إلى العلم به سواه فمع أنه لا حاجة إليه غير مسلم إذ قد نعلمه من الرسول، ويعلمه الرسول بوحي غير متلو وكون العلم بانه قرآن أهم وجه آخر، وليس التقدم والتأخر حينئذ باعتبار العلم وغيره كما قيل. قوله: (وتقديمه في الحجر باعتبار الوجود (الخارجي فإنّ القرآن بمعنى المقروء لنا مؤخر عن كونه في اللوح المحفوظ ولا حاجة إلى القول بأنّ وجود الألفاظ بعد وجود الكتابة، وأنّ هذا مبنيّ على حدوث الكلام اللفظي كما قيل، وأمّا السؤال باعتبار أحد الوجهين في أحدهما دون الآخر قدوريّ فان قيل بتقدم نزول هذه السورة على الحجر كما في الإتقان فظاهر لمناسبة تقديم ذكر الدليل، ولذا عرف الكتاب في الحجر للعهد. قوله: (أو القرآن) معطوف على اللوح، وإبانته لما أودع مبتدأ وخبر فهو من المتعدى أيضاً والمبين الحكم والأحكام وصحة كونه من عند الله بإعجازه فليس قوله أو لصحته على أنه من أبان اللازم حتى يرد عليه ما ورد على الكشاف كما توهم مع أنّ بعضهم جوّز حمله عليه فالواو بمعنى أو. قوله:(7/30)
(وعطفه على القرآن الخ) يعني على الوجه الثاني لأنهما عبارة عن شيء
واحد بالذات متغاير بالصفات ولكونهما اسمين غلبا عليه، وان كان أحدهما مصدرا والآخر اسم جنس أو صفة في الأصل، ولذا أتى بكاف التشبيه فهو كقولهم هذا فعل السخيّ، والجواد الكريم لأن القرآن هو المنزل المبارك المصدق لما بين يديه فحكمه حكم الصفات المستقلة بالمدح فكأنه قيل تلك الآيات آيات المنزل المبارك وأيّ كتاب كما في الكشاف. قوله: (وتنكيره) يعني على الوجهين لا على الثاني لأنه على الأوّل مبهم لعدم مناسبته للمقام، والمضاف المحذوف آيات، ويجوز عدم تقديره أيضاً. قوله: (حالان من الآيات) هو أحد وجوه سبعة في إعرابه ومعنى الإشارة أشير أو أنبه، وهو الذي سمته النحاة عاملاً معنوياً، وقوله بدلان منها قال في شرح التسهيل اشترط الكوفيون في إبدال النكرة من المعرفة شرطين اتحاد اللفظ وأن تكون النكرة موصوفة نحو: {لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ} [سورة العلق، الآية: 16] ووافقهم ابن أبي الربيع في الثاني والصحيح عدم الاشتراط لشهادة السماع بخلافه فلا حاجة إلى ما تكلف هنا من أنه اكتفى بنعت قيدها بالموصول وقوله للمؤمنين إن كان قيدا للهدى والبشرى معا فالهدي بمعنى الاهتداء أو على ظاهره، والتخصيص لأنهم المنتفعون به، وان كانت هدايته عامّة، وجعل المؤمنين بمعنى الصابرين للإيمان تكلف كحمل هداهم على زيادته ومن عممه للبشر جعل القيد للبشرى فقط، وأبقى الهدى على ظاهره من العموم فلا وجه لما قيل من أنه لا دلالة في النظم على التعميم بل دلالته على اختصاصه بالمؤمنين. قوله:) يعملون الصالحاث (كأنه يشير إلى أنه كناية عن عمل الصالحات مطلقا، وانهما خصصا لأنهما إما العبادة البدنية والمالية فقوله من الصلاة والزكاة بتقدير من جنس الصلاة والزكاة، ولو حذفه كان أظهر. قوله: (من تتمة الصلة) لأنّ الحال قيد وهو بيان لاتصاله بما قبله، وقوله وتغيير النظم هو على العطف على الصلة لتغايرهما في الاسمية، ويحتمل أن يكون على الوجهين وثباته تفسير لقوّة اليقين، أو القوّة من تكرير الإسناد والثبات من الاسمية لإفادتها ذلك إذا كانت معدولة، وان كان الخبر فعلا فلا يرد الاعتراض بأنها لا تدلّ على ذلك كما صرّح به أهل المعاني حتى يقال إنه مأخوذ من اليقين كما قيل وقوله وإنهم الأوحديون فيه أي الكاملون في الاتصاف باليقين والياء للمبالغة، وقوله أو جملة اعتراضية هو على ظاهره من غير حاجة إلى جعلها مستأنفة والمراد بالاعتراض الانقطاع عما قبله لابتنائه على أنّ الاعتراض لا يكون في آخر الكلام، وليس بمسلم عندهم وقوله: ويعملون الصالحات إشارة إلى أنهما كناية عما ذكر وقوله هم الموقنون أي الكاملون في
الإيقان بقرينة ما قبله. قوله: (فإن تحمل المشاق الخ) المراد بالمشاق التكاليف الدينية وتحملها إنما يعتد به إذا وافق الباطن الظاهر، أو هو بالنظر إلى الأغلب فلا يرد من يعمل رباء والوثوق مضمن معنى الاعتماد فلذا عدى بعلى، وهما إنما يكونان لكمال الإيقان فتكون العلة للتحمل منحصرة فيه فزوالها يوجب زوال معلولها كوجودها لوجوده فيفيد أنّ المتحمل، هو الموقن لا غيره مع أنّ التلازم بينهما ظاهر فلا يرد أنّ اللازم من التعليل انحصار التحمل في الموقن، والمدّعي عكسة فلا يتم التقريب. قوله: (وتكرير الضمير للاختصاص) كما في الكشاف قيل المراد بالاختصاص الاختصاص المؤكد إذ تقديمه يكفي لإفادة الاختصاص وهذا بناء على أنّ نحو هو عرف يحتمل التقوّي والتخصيص فالتقوي لتكرّر الإسناد، والتخصيص لتقدّم الفاعل المعنوي فلما قدم الضمير، وأكد بالتكرير أفاد التخصيص والتوكيد كما فصل في كتب المعاني وفيه تأمّل، وتقديم بالآخرة للفاصلة ويحتمل الحصر الإضافي للتعريض باليهود. قوله: (زينا لهم أعمالهم القبيحة) قد تقدّم تفصيله في الأنعام وقوله بأن جعلناها الخ إشارة إلى أنه مجاز، وقد جوّز فيه الزمخشري أن يكون استعارة وأن يكون مجازا في الإسناد، وكلام المصنف محتمل لهما أيض أ، وقوله أو الأعمال الحسنة هو منقول عن الحسن وتخصيص الواجب مع أنّ المندوب كذلك لمناسبته للذم يعني أنه تعالى جعل الأعمال الحسنة الواجبة عليهم حسنة كاسمها فعموا عنها كما صرّح به بعد. فالترتيب باعتبار الواقع وتعكيسهم لما يجب عليهم فلا(7/31)
يتوهم إنّ الفاء لا تناسبه، واضافة الأعمال الحسنة إليهم باعتبار وجوبها عليهم لا باعتبار صدورها منهم وهو خلاف الظاهر ولذا أخره، وقوله بترتيب المثوبات متعلق بزينا إشارة إلى أنّ الحسن فيها شرعي، وهذا بناء على أنهم مخاطبون بالفروع وتفصيله في الأصول. قوله: (فهم يعمهون) العمه التحير والتردّد، وقوله من ضرّ أو نفع ناظر إلى الوجهين إمّا على الجمع أو على التوزيع، وقوله: كالقتل والأسر خصه بالدنيا لقوله بعده في الآخرة الخ، ولو عممه لهما جاز لأنه بعد ذكر عذاب الدارين بين أنّ ما في الآخرة أشدهما. قوله: (لفوات المثوبة واستحقاق العقوبة) بخلاف عصاة المؤمنين فإن المثوبة لا تفوتهم، وتقديم في الآخرة للفاصلة أو للحصر لأنّ الأخسرية والاً شذية بالنسبة إليها لا إلى ما في الدنيا، وقيل الأولى أنّ التفضيل باعتبار حالته في الدارين فالكفار خسرانهم الأخروفي أزيد من الدنيوفي لعدم تناهيه بخلاف العصاة إذ ليس لخسرانهم قدر بالنسبة إلى النعيم الغير المتناهى، ولا يرد عليه أنّ المعتبر في تفضيل خسرانهم
الأخروي على ما ذكره أن يكون بالنظر إلى خسرانهم الدنيويّ لا إلى النعيم، ولا شك أنه أشد منه لأنه ممنوع فإنه إذا زال عنهم هان لديهم بخلاف ما في الدنيا كما قيل:
واذا نظرت فإنّ بؤسا زائلا للمرء خيرمن نعيم زائل
فتأمّل. قوله: (لتؤتاه) لأنّ لقي المخفف يتعدى لواحد والمضاعف يتعدى لاثنين أقيم أوّلهما مقام الفاعل ومن قال تلقن أراد تفسيره لا أنّ الألف مبدلة من النون، وقوله أفي حكيم وأيّ عليم إشارة إلى أنّ تنوينه للتعظيم. قوله: (مع أنّ العلم داخل في الحكمة) أي في معناها لغة لا لازم معناها لأنها الإتيان بالفعل على وجه الإتقان، وهو متوقف على العلم كما قيل، قال الراغب: الحكمة من الله تعالى معرفة الأشياء وإيجادها على غاية الأحكام ومن الإنسان معرفة الموجودات وفعل الخيرات، اهـ وامّا تفسيرها بالعلم بالأشياء على ما هي عليه فلا وجه له لأنه معنى اصطلاحيّ ذكره في الطبيعيات، نعم هو قريب مما نقل عنه وقوله لعموم العلم إذ هو يتعلق بالمعدومات ويكون بلا عمل ودلالة الحكمة على إتقان العمل لما مرّ فجمع بينهما لأنّ في كل منهما فائدة ليست في الآخر، ولعموم العلم قدم تقديم الجنس على الفصل، وقوله والإشعار والعلم يتبادر منه ما لا تعلق له بالعمل كالقصص كان فيه إيماء لذلك، وقوله ثم شرع الخ إشارة إلى أنّ ما مرّ تمهيد لهذا وتقدير اذكر مرّ تحقيقه. قوله: (ويجورّ أن يتعلق بعليم) وليس المراد تقييد علمه تعالى لأنه عالم بالأشياء قبل وجودها وبعده بل بيان لتعلق علمه به ولركاكته عبر عنه بالجواز الذي هو جار الامتناع وقوله عن حال الطريق الخ بيان للواقع لأن من يذهب لضوء نار على الطريق يكون كذلك، وقوله لما كني بفتح اللام وتشديد الميم جمع دليل جوابها أو هو إن جوّز تقدّمه يعني أنّ الله لما سمي المرأة أهلا حشمة له والأهل جماعة الاتباع جمع ضميره مشاكلة له بحسب ظاهره، ويجوز كسر اللام وتخفيف الميم على أنّ ما مصدرية والمعنى ما ذكر وأمّا كونها موصولة واقعة على السبب والعائد محذوف تقديره له أي للسبب الذي كني عنها بالأهل له، وهو التعظيم فتكلف وقوله إن صح إشارة إلى أنّ الصحيح أنه كان معه غيرها كولده. قوله: (والسين للدلالة الخ) يعني لم يجرّد الفعل عنها إمّا للدلالة على بعد مسافة النار في الجملة حتى لا يستوحشوا إن أبطأ عنهم لأنّ السين حرف تنفيس أي توسيع لمدة الفعل الضيقة بنقله من الحال إلى الاستقبال، ولا يضرّ هنا كون تنفيسها أقل من سوف على قول لكنه لا يرد على المصنف رحمه الله نقضا كما توهم. قوله: (او الوعد بالإتيان وإن أبطأ) أي
أتى بها للدلالة على الوعد بما ذكر لأنّ إتيانه بذلك غير متعين، ولذا أتى بلعل بدلها في آية أخرى، وهي تدخل في الوعد لتأكيده وبيان أنه كائن لا محالة وان تأخر كما ذكره الزمخشريّ في البقرة في تفسير قوله: {فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللهُ} [سورة البقرة، الآية: 137] وأمّا دلالتها على احتمال أن يعرض له ما يبطئه، وان يم تطل المسافة فكأنّ القائل أخذه من مقابلته للأوّل والا فليس في النظم وكلام(7/32)
المصنف ما يدل عليه. قوله: (وإضافة الشهاب إليه الخ) يعني أنه ليس من إضافة الشيء إلى نفسه بل إضافته بيانية لما بينهما من العموم والخصوص كثوب خز فإنّ الشهاب شعلة النار، والقيس ما يتناول من الشعلة ولذا استعير لطلب العلم والهداية فالقبس قد يكون شهابا كشعلة مأخوذة من أخرى وقد لا يكون كالحراقة وشهب الجوّ، وقوله لأنه بمعنى المقبوس توجيه للوصفية، وهو إمّا تاويل أو إشارة إلى أنه صفة مشبهة كحسن. قوله: (ولذلك عبر عنهما بصيغة الترجي الخ) يعني لا تدافع بين ما وقع هنا وقوله في طه: {لَّعَلِّي آتِيكُم} [سورة طه، الآبة: 0 ا] لأنهما يدلان على الظن والراجي إذا قوي رجاؤه يقول سأفعل كذا، وسيكون كذا مع احتمال خلافه فالترجي يكون بمعنى الخبر وعلى العكس. قوله: (والترديد) يعني كلا الأمرين مطلوب حسن فكان الظاهر الواو لا أو لأنّ كلاً منهما مهمّ له، وقيل إنه يجوز أن يكون احتياجه لأحدهما لا لهما لأنه كان في حال الترحال، وقد ضل عن الطريق فمقصوده أن يجد أحدا يهدي إلى الطريق فيستمرّ في سفره فإن لم يجده توقد النار لدفع ضرر البرد في الإقامة، وقد قيل إنّ ما مرّ في سورة طه من أنه كان في الطور قد ولد له ابن في ليلة شاتية، وظلمة مثلجة وقد ضل الطريق وتفرّقت ماشيته فرأى النار وقال لأهله ما قال يدلّ على احتياجه لهما معاً فلا يتوجه ما ذكره، ولذا لم يلتفت إليه المصنف رحمه الله لمخالفته المنقول. قوله: (للدلالة على أنه الخ) فهي لمنع الخلوّ تحرّيا للصدق، وقوله لا يجمع الله بين حرمانين كما في المثل لا يضرب الله بسيفين، والصلاء بكسر الصاد والمدّ ويفتح بالقصر كما في القاموس هو الدنوّ من النار لتسخين البدن، وهو الدفء ودفع ألم البرد ويطلق على النار نفسها كما ذكره أهل اللغة، أو هو بالكسر الدفء وبالفتح النار. قوله: (أي بورك) يعني أنّ أن تفسيرية وشرطها موجود وهو تقدم ما فيه معنى القول دون حروفه كالنداء كما أشار إليه المصنف رحمه الله واذا كانت مصدرية يجوز في بورك أن يكون خبرا وانشاء للدعاء ولا يضرّ فوات معنى الطلب إذا أوّل بالمصدر كما توهم لأنه أمر تقديري ولو سلم ففواته كفوات معنى المضيئ، والاستقبال وقد
مرّ تفصيله. قوله: (والتخفيف وإن اقتضى التعويض الخ) والتعويض عما حذف منها، وقيل إنّ هذا التعليل غير تامّ لأنه لو كان كذلك اطرد، وهو غير مطرد وكذا التعليل بأنه للفرق بينها وبين المصدرية فإنه لو كان كذلك لزم عدم الدخول على الجملة الدعائية، وهي تدخل عليها كالمصدرية كما في الكشف، والعلل النحوية حالها معروف فالأصوب أن يحال على السصاع أو يقال كما في الحجة لأبي عليّ الفارسيّ إنها لما كان لا يليها إلا الأسماء استقبحوا أن يليها الفعل من غير فاصل، وكان الظاهر أتي بدل قوله بلا بحرف نفي فإنه لا يختص بها كما في التسهيل والرضى، ثم إنّ ما ذكره في الجملة غير الاسمية والشرطية وغير الفعلية التي فعلها غير متصرّف كعسى، وليس مع أنه أغلبيّ كقوله:
علموا أن يؤملون فجادوا
والأحكام التي تخالف فيها كعدم وقوعها شرطا وحالاً وخبرا، وما ادّعاه الرضى من أن
بورك إذا جعل دعائياً فهي مفسرة لا غير لأنّ المخففة لا يقع بعدها فعل إنشائيّ إجماعاً وكذا المصدرية مخالف لما ذكره النحاة ودعوى الإجماع ليست بصحيحة، ونائب فاعل نودي أمّا ضمير موسى أو ضمير المصدر وهو النداء أو هو إن بورك كما في الدرّ المصون. قوله: (من في مكان النار) يعني أنه فيه مضاف مقدر في موضعين أي من في مكان النار وحول مكانها، وقوله وكفاتهم أي مقرّهم، وأصل الكفات بكسر الكاف ما يكفت الشيء أي يضمه ويشمله، وقوله في تلك الوادي كما في بعض النسخ أنثه لتأويله بالأرض. قوله: (وقيل المراد (أي بمن في النار وحولها، وهذا يحتمل أن يراد بمن في النار موسى وبمن حولها الملائكة ويؤيده قراءة أبيّ، ومن حولها من الملائكة وعكسه كما قيل في تفسيره أي جعل البركة، والخير فيمن في مكان النار وهم الملائكة ومن حولها أي موسى ولا وهم فيه كما توهم، وتلك القراءة مع شذوذها غير نص فيه. قوله: (وتصدير الخطاب بذلك) أي بقوله أن بورك سواء كان دعاء أو خبرا لأنّ الدعاء من الله بشارة، والأمر العظيم النبوّة وهو على التفسيرين، وقيل إنه على الأوّل لقوله في أرض الشام إذ ليس في الثاني ما يفيد عمومه لأرض الشام، والمراد انتشار بركة جديدة لأنّ أصلها(7/33)
كان حاصلاً فيها قبله. قوله: (من تمام ما نودى به) فهو من جملة الخطاب،
وهو إمّا خبر أو طلب لتنزيهه عما يتوهم من مجيء الخطاب من جانب من الجهة وجارحة الكلام وغير ذلك مما يشبه ما للبشر، ويجوز كونه جملة معترضة، وقوله وللتعجب الخ هذا أيضا على كونه من تمام النداء لكن التعجب لا يكون من الله فهو كناية عن عظمته، وأنه مما يتعجب منه وقوله أو تعجب من موسى أي صادر منه بتقدير القول أي، وقال موسى الخ وفي نسخة تعجيب فمن متعلقة به فالتقدير وقلنا لموسى وقال السديّ إنه تنزيه منه. قوله: (أو للمتكلم) المنادى له فالتقدير إنّ المنادى المتكلم أنا، والحمل مفيد من غير رؤية لأنه علمه علم اليقين بما وقر في قلبه فكأنه رآه والله عطف بيان للضمير، وتجوز البدلية عند من جوّز إبدال المظهر من ضمير المتكلم بدل كل وقول أبي حيان في ردّ هذا الوجه أنه إذا حذف الفاعل وبنى فعله للمجهول لا يجوز عود ضمير على ذلك المحذوف لأنه نقض للغرض من حذفه والعزم على أن لا يكون محدثا عنه معتنى به غير وارد لأنه لم يقل أحد إنه عائد على الفاعل المحذوف بل على ما دلّ عليه الكلام، والسياق ولو سلم فهذا لا يمتنع أن يكون في جملة واحدة، وأمّا في جملة أخرى فلا كما تقدم في قوله تعالى: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ} [سورة البقرة، الآية: 178] ثم قال وأدإء إليه أي إلى الذي عفا وهو وليّ الدم فقد مرّ فيه أنّ الضمير عائد إلى نائب الغاعل المحذوف كما مرّ تفصيله وقوله أن لايكون محدثا عنه غير صحيح لأنه قد يكون محدثا عنه، ويحذف للعلم به وعدم الحاجة إلى ذكره وقوله غير معتنى به لا يخلو من هجنة وسوء أدب هنا وإن كان المراد منه معلوما، ويجوز أن يكون أنا تأكيداً للضمير والله خبره كما مرّ في طه. قوله: (ممهدتان لما أراد أني ظهره الخ) أي في قوله وألق عصاك الخ كما أشار إليه بقوله كقلب العصا الخ والقوي القادر تفسير للعزيز، وقوله الفاعل الخ تفسير للحكيم. قوله: (عطف على بورك الخ) هذا ما اختاره الزمخشريّ وقيل إنه معطوف على قوله إنه أنا الله الخ ة وقيل إنه معطوف على مقدر أي أفعل ما آمرك وألق الخ وما ذكره المصنف رحمه الله أولى لما في الثاني من عطف الإنشاء على الخبر والفعلية على الاسمية، ولا يرد على المصنف رحمه الله لأنّ جملة بورك دعائية إنشائية مع أنه يجوز في مثله عطف الإنشاء على الخبر لكون النداء في معنى القول، ولأنه على الثالث كان الظاهر فألق بالفاء وأشار بقوله ويدلّ الخ إلى أنّ تكرير أن التفسيرية في سورة القصص صريح فيه والقرآن يفسر بعضه بعضا والى أنه لا يرد عليه أنّ تجديد النداء في فوله يا موسى يأباه، كما قيل لا لأنه جملة معترضة كما توهم لأنّ ذكران في الآية المستدل بهاينافيه بل لأنه ليس بتجديد نداء لأنه من جملة تفسير النداء المذكور فما ذكر غفلة
عما أشار إليه بتكرير أن فتدبر. قوله: (تتحرّك باضطراب) أي بشدة وضرب على الأوض لأنّ الهز التحريك الشديد كما قاله الراغب: ورأى بصرية لا علمية كما قيل، وقوله حية خفيفة سريعة إشارة إلى التوفيق كما مرّ، وقوله وقرئ جأن أي بهمزة مفتوحة هرباً من التقاء الساكنين، وإن كان على حده كما قرئ في الضالين. قوله: (ولم يرجع) من شدة خوفه من عقب الرجل في الحرب إذا كر ورجع بعد ما فرّ قال:
فما عقبوا إذ قيك هل من معقب
وقوله رعب بالبناء للمجهول أو المعلوم أي اشتدّ خوفه، وهو بوزن منع، وقوله أريد به
أي أريد وقوعه به بأن قلبت حية لإهلاكه، وقوله ويدلّ عليه أي على أنّ ذلك لخوفه بأيّ وجه كان فلا وجه لما قيل إنّ خوفه من الله لظنه أنه أراده به، وقوله من غيري أيّ مخلوق كان حية أو غيرها، وهو إشارة إلى مفعوله المقدر، وقوله ثقة بي أي اعتمادا عليّ علة للنهي، وقوله أو مطلقاً على تنزيله منزلة اللازم، وقوله لقوله تعليل للثاني لشموليما الخوف من الله، أو لقوله ويدلّ وفي الكشاف إنما رعب لظنه أنّ ذلك لأمر أريد به ويدل عليه إني لا يخاف لديّ المرسلون أي يدلّ على أن خوفه لظنه أنه أريد به، إذ لو لم يكن الأمر كذلك لم يصح تعليل نهيه عن الخوف به، وهو راجع إلى ما ذكره المصنف رحمه الله خصوصاً إن قلنا إن قوله لقوله متعلق بيدل فتأمّل. قوله: (حين يوحى إليهم) هو معنى قوله لديّ، وقوله: من فرط الاستغراق بتوجههم الكلي إلى تلقي الأوامر، وانجذاب أرواحهم إلى عالم الملكوت، ولذا كان صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه الوحي يرى كالمغشي عليه فيغيب عنهم كل شيء سواه(7/34)
حتى الخوف وهذا باعتبار الأغلب والمعنى لا ينبغي لهم أن يخافوا في تلك الحال بل لا يخطر ببالهم الخوف وان وجد ما يخاف منه فيندفع رعبه الناشئ عن ظنه، ولذا قيل: {أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ} [سورة القصص، الآية: 31] تثبيتا له وما قيل من أنّ الأولى طرح هذا وتبديله بقوله لا يلحقهم وقت الوحي ما يخافونه من بأس الله إذ به يندفع رعبه الناشئ عن ظنه ليس بشيء لأنه مع عدم منامبته للمقام غير محتاج إلى البيان. قوله: (فإنهم أخوف الناس الخ) بيان لتقييد عدم خوفهم بما مرّ الدالّ عليه قوله لديّ مع أنهم أشد خوفاً من الله كما قال {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء} [سورة فاطر، الآية: 28] ولا أعلم منهم بالله. قوله: (أو لا يكون لهم عندي سوء
عاقبة) هذا جار على الوجهين أي لا تخف من غير الله أو لا تخف مطلقاً فإنك آمن من سوء العاقبة كسائر المرسلين، والذي ينبغي أن يخشاه أولو العزيم وصفوة الخلق إنما هو ذلك:
إن ختم الله بغفرانه فكل ما لاقيته سهل
فمناسبته للمقام ظاهرة والمراد بسوء العاقبة ما في الآخرة لا الدنيا حتى يرد قتل بعض الأنبياء عليهم الصلاة والسلام كيحعى صلى الله عليه وسلم فلديّ بمعنى عندي أي عند لقائه تعالى، وقوله يخافون منه هو الصحيح وفي نسخة فيخافون بالفاء، وكان الظاهر حذف النون منه.
تنبيه: ما ذكر هنا مبنيّ على مسالة أصولية وهي أنّ الأنبياء عليهم الصلاة والسلام هل يأمنون مكر الله ولا يخافون سوء العاقبة لأنّ الله أمنهم من ذلك فلو خافوا لم يثقوا بما أمرهم الله به، وهو الصحيح عند الأشعريّ أولاً وقد بيتاه في غير هذا المحل. قوله: (استثناء منقطع استدرك الخ) فمن في محل نصب أو رفع بهلى اللغتين فيه، فإن قلت إذا كان المراد بمن ظلم من صدرت عنه صغيرة من المرسلين فهو متصل لدخولهم فيهم، قلت: لو كان متصلا لزم إثبات الخوف لهم لاستثنائه من الحكم وهو نفي الخوف عنهم، ونفي النفي إثبات فليس بمتصل بل هو شروع في حكم آخر، ولذا قيل: إنّ المراد بمن ظلم غير المعصومين من الأمم أو هو على الوجه الأوّل فإنّ أحدا منهم لا يخاف حين الوحي، وأشار بقوله استدرك إلى أنّ إلا بمعنى لكن في المنقطع، وقوله من نفي الخوف متعلق بيختلج، وقوله وفيهم الخ جملة حالية وقوله فإنهم تعليل لقوله استدرك وقصد معطوف عليه، وكون وكز القبطي قبل النبوّة لا يضرّ كما توهم بل كلمة ثم تقتضيه لأنّ من صدر منه ما هو في صورة الظلم عامّ شامل لمن فعل شيئاً منه قبل رسالته أو بعدها ولذلك قيل إنّ تسميته ظلما مشاكلة لقوله: {ظَلَمْتُ نَفْسِي} [سورة النمل، الآية: 44] وعصمة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وتفصيلها في الأصول. قوله: (وإن فعلوها الخ) تفسير لقوله ثم بدل الخ وقوله وقيل متصل هو على الوجه الأخير فإنّ من صدرت منه صغيرة يخاف أمر عاقبته، ثم بعده يتبين له خلافه، أو يزول عنه بالتوبة وحينئذ قوله فانى الخ مستأنف، وهو على الأوّل جواب من إن كانت شرطية وخبرها إن كانت موصولة، وقوله وثم بدل مستانف أي على الاتصال، وهو معطوف على محذوف مستأنف لا على المذكور لأنه لا يصح حينئذ كون الاستثناء متصلاً لأنّ تبديله ينافي الخوف فالتقدير فمن ظلم بالذنب، ثم بدله بالتوبة {فَإِنِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ} ، وإسناد التبديل إليه ليس بحقيقيّ بل مجازيّ لأنه سبب لتبديل الله له بتوبته كما أشار إليه بقوله بالتوبة أي بسببها. قوله: (لأنه كان الخ) بيان
لقوله في جيبك دون كمك، والمدرعة بكسر الميم وسكون الدال المهملة لباس لا أكمام له، والجيب مدخل الرأس من القميص لا ما يوضع فيه الدراهم كما هو معروف الآن لأنه مولد وقوله لأنه يجاب أي يقطع فهو فعل بمعنى مفعول وقد مرّ معنى قوله من غير سوء وما فيه في سورة طه، وقوله تخرج جواب الأمر وبيضاء حال وكذا من غير سوء وهو احتراس. قوله: (في تسع آيات (حال متعلق بادخل أي معدودة من جملتها، وكائنة معجزة لك معها، وقوله على أنّ التسع خبر مبتدأ مقدّر أي هذا على أنّ الخ والطمسة جعل أسبابها حجارة. قوله: (ولمن عد العصا) الخ إشارة إلى دفع ما يتبادر من أنّ آياته إحدى عشرة لا تسعاً إن عدّت اليد منها وعشرة إن لم تعد لأفرادها بالذكر والأخيرين الجدب والنقصان، وهو ظاهر فإذا كانا واحدا ولم يعد الفلق كانت تسعاً، وهذا أقرب مما في التقريب ممن أنّ الطمسة والجدب والنقصان ترجع لشيء واحد وذهب صاحب الفرائد إلى أنّ الجراد والقمل واحد والجدب والنقصان واحد. قوله:(7/35)
(لأنه لم يبعث به إلى فوعون) بل لهلاكهم به وان تقدمه بيسير ومن عده يقول يكفي معاينتهم له في البعث به أو هو بعث به لمن آمن من قومه، ولمن تخلف من القبط ولم يؤمن، وقوله أو اذهب معطوف على قوله في جملتها فهو متعلق بمقدر مستأنف في بمعنى مع وقوله مبعوثا الخ إشارة إلى أنه حال، وقوله تعليل للإرسال أي مستأنف استئنافا بيانيا كأنه في جواب سؤال لم أرسلت إليهم بما ذكر، وهو على وجهي تعلق إلى فرعون لأ! ن المقصود من الأمر بالذهاب الإرسال. قوله: (بأن جاءهم موسى بها) إشارة إلى أن الإسناد مجازي ما بينهما من الملايسة لكونها معجزة له، والنكتة في العدول عن الظاهر الإشارة إلى أنها خارجة عن طوقه كسائر المعجزات وأنه لم يكن تصرّف عاديّ في بعضها، وكونه معجزة له لإخباره به ووقوعه بدعائه ونحوه فلا يلزم حينئذ عدم اختصاصه به فلا يكون معجزة له كما توهم كيف، وكثير من المعجزات كذلك كشق القمر ونحوه ولا ينافي هذا الإسناد إليه لكونها جارية على يديه للإعجاز في نحوه: {فَلَمَّا جَاءهُم مُّوسَى بِآيَاتِنَا} [سورة القصص، الآية: 36] في محلى آخر كما توهم، وقد بين بعضهم وجها لاختصاص كل منهما بمحله بأنّ ثمة ذكر مقاولته، ومحاولتهم معه فناسب الإسناد إليه وهنا لما لم يكن كذلك ناسب الإسناد إليها لأنّ المقصود بيان جحودهم لها فتدبر. قوله: (بينة) هو محصل المعنى، وقوله أطلق للمفعول يعني استعمل بمعناه وهو إمّا
باستعماله بمعنى مفعول مجازاً أو على الإسناد المجازي، كما قيل لكن قوله إشعاراً الخ يقتضي أنّ في الآيات استعارة بالكناية بأن شبهت بشخص وقف على مرتفع لينظر الناس، وإثبات الأبصار له تخييل، وقوله: جاءتهم ترشيح ولذا عبر بالأشعار لأنه لا ملازمة بينهما إذ قد يرى نفسه من استتر عن العيون، ويرى الناس من لم يروه فسقط ما قيل من أنّ وجه الإشعار خفيّ، وقوله أو ذات تبصر يعني به أنه للنسب كلابن وتامر والتبصر بمعنى الأبصار فإن تبصر ورد بمعنى أبصر، وهذا الوجه لم يذكره في الكشاف. قوله: (من حيث أنها تهدي والعمي) جمع أعمى كحمر جمع أحمر لا تهتدي بنفسها فضلاً عن أن تهدي غيرها يعني أنها سبب للهداية فيكون لها نسبة إلى التبصر في الجملة باعتبار أنّ كلاً منهما سبب للهداية التي لا تكون مع العمي فليس هذا على أنه استعارة مكنية كما توهم، وما وقع في الكشاف وشروحه كلام آخر وهو الذي غره. قوله: (أو مبصرة كل من نظر الخ) هو ما أشار إليه في الكشاف بقوله، ويجوز أن يراد بحقيقة الأبصار كل ناظر فيها من كافة أولي العقل وأن يراد أبصار فرعون وملئه لقوله، واستيقنتها أنفسهم بمعنى أنّ الأبصار المسند إلى الآيات مجاز لكل ناظر فيها من العقلاء أو لفرعون وقومه ولما كان العموم هو الظاهر، ولذا اقتصر عليه المصنف رحمه الله أيده بقوله واستيقنتها أنفسهم الخ. قوله: (وقرئ مبصرة) بفتحات على وزن اسم المكان، ولذا فسره بقوله مكانا يكثر قيه التبصر، والكثرة من الصيغة لأنه لا يصاغ في الأكثر إلا لمثله فلا يقال مضببة إلا لمكان يكثر فيه الضباب لا لما فيه ضبّ واحد، ثم تجوّز به عما هو سبب لكثرة الشيء وغلبته كقولهم الولد مجبنة ومبخلة، وهو المراد هنا وهذه القراءة شاذة نسبت لقتادة وعلي بن الحسين رضي الله عنهما، وقوله واضح سحريته إشارة إلى أنه من أبإن اللازم وجعل جملة استيقنتها حالاً بتقدير قد لأنه أبلغ. قوله: (ظلماً لأنفسهم) أو للآيات والترفع التكبر وعد نفسه رفيع القدر وانتصابهما على العلية، وأنهما مفعول له، ويجوز أن يكون على الحالية والعلية باعتبار العاقبة والادّعاء فهو كقوله لدوا للموت وابنوا للخراب، ولكونه أبلغ وأنسب لذكر العاقبة بعده اف! تصر المصنف عليه لاقتضاء فاء التفريع له وتذكير ضمير العاقبة لمطابقة الخبر. قوله: (طائفة من العلم) يعني أنّ التنوين للتقليل، ويحتمل أن يكون للتعظيم والتفخيم واليه أشار بقوله أو علما أيّ علم وكلاهما مناسب للمقام لأنه إن نظر إلى أنّ القائل هو الله فكل علم عنده قليل، وإن نظر إلى أنه للامتنان فالعظيم إنما يمتن بأمر عظيم فلا وجه لما قيل إنّ الثاني أوفق بالمقام
فينبغي تقديمه، والمراد بالحكم الأخلاق والعلوم الحقيقية الشرائع تشمل علم القضاء والفتيا. قوله: (عطفه بالواو الخ) جواب عن سؤال مقدر، وهو أنّ مقتض الظاهر أن يقال فقالا لترتب الحمد على الإيتاء المذكور كما تقول أعطيته فشكر فأجاب كما اختاره الزمخشريّ، بأنه ليم يقصد وقوع هذا القول(7/36)
في مقابلة ذلك الإيتاء لأنه لا يعادله فعدل عنه إشارة لذلك، واشعاراً بأن ثمة معنى آخر ملاحظا كأنه مقدراً عطف عليه ما ذكر أي فعملا به وعلماه وعرفا حق نعمته وفضله وقالا الخ، وهذا أحسن مما ذهب إليه السكاكيّ من أنه فوّض فيه الترتيب إلى العقل لأن المقام يستدعي شكرا بالغاً وفي طيه إشارة إلى أنه جاوز حد الإحصاء وإليه أشار المصنف رحمه الله بقوله كأنه قال الخ وقال: كأنه إشارة إلى أنه ليس بمقدر حقيقة وإن ذهب إليه بعضهم وتسمى هذه الواو الواو الفصيحة، ولم يلتفت إلى احتمال أن يكون الحمد على نعم عظيمة، ومن جملتها العلم فلذا لم يعطف بالفاء لعدم مناسبته للمقام. قوله: (يعني من لم يؤت علماً الخ) أي أراد داود عليه الصلاة والسلام بقوله كثير من لم يؤت علما أصلاً أو لم يؤت علماً مثل علمهما، وهو علم القضاء أو علم النبوّة والتحريض لأنهما إذا فعلاه فقد نبها على فضله وحثا عليه، وقوله أن يتواضع الخ إذ قالا على كثير دون أن يقولا على الناس أو على المؤمنين وهما قدوة لغيرهما. قوله: (وإن فضل على كثير فقد فضل عليه كثير) قيل فيه إنه يدل بالمفهوم على أنهما لم يفضلا على القليل فإمّا أن يفضل القليل عليهما أو يساوياه وإن سلم فلا أقل من أن يحتمل الأمرين، وأجيب بأن الكثير لا يقابل القليل في مثل هذا المقام بل يدل على أنّ حكم الأكثر بخلافه، ولما بعد تساوي الكثير من حيث العادة لا سيما والأصل التفاوت حكم بأنه يدل على أنه فضل عليهم كثيرون أيضاً على أنّ العرف طرح التساوي في مثله عن الاعتبار، وجعل التقابل بين المفضل والمفضل عليه فإذا قيل لا أفضل من زيد فهم أنه أفضل من الكل، وقيل إنه مبنيّ على قوله: {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} [سورة يوسف، الآية: 76] وقوله النبوّة الخ لأنّ الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لا تورث كما في حديث: " إنا معاشر الأنبياء لا نورث "
فالمراد بالوراثة قيامه مقامه فيما ذكر فهو استعارة وقوله أو العلم أي المخصوص بالنبوّة أو علما زائداً على ما كان له في حياته فلا يرد عليه أنه قبل موته كان عنده علم أيضاً. قوله: (تشهير النعمة الله الخ) يعني أنّ مخاطبته لعموم الناس لأجل إشاعة نعمه تعالى، وتعظيم قدرها لا الافتخار كما قال صلى الله عليه وسلم: " أنا سيد ولد آدم ولا فخر " وقوله بذكر المعجزة متعلق بدصاء، والمراد بالتصديق التصديق بنبوّته. قوله: (وقد يطلق لكل ما يصوّت به على التشبيه (وهو إمّا على تشبيه الصوت بالنطق استعارة مصرّحة أو على تشبيه المصوّت بالإنسان فيكون استعارة بالكناية، وإثبات النطق لها تخييل ولو أريد بالنطق مطلق الصوت على أنه مجاز مرسل صح، ولكنه لا يناسب المقام وقوله أو التبع يعني به المشاكلة التقديرية فإنه لما سمي صامتا على الحقيقة سمي غيره ناطقاً مشاكلة له فقوله: كقولهم نطقت الحمامة مثال للتشبيه مثله نطق العود، وقوله ومنه الناطق والصامت بيان للتبع، وقوله من حيث الخ توضيح للتبع وأنه مع المشاكلة فيه وجه شبه أيضا وهو أحسن أنواع المشاكلة أو هو رجوع إلى بيان التشبيه اعتناء به لأنه أحسن، ولذا قدمه وليس المراد بيان التبع وأنه تبع الأصوات للتخيلات فإنّ ما له إلى التشبيه ولا جعل الاستعارة في الطير تبعية إثبات النطق لها على طريق التخييل كما قيل فإنه طريق آخر للتشبيه فتدبر. قوله: (ما من جنسه) أي ما كان من جنسه كما نشاهده منها إذا صوّتت للفزع وغيره وكما يقرقر الدجاج إذا وجد الحب، وقوله الذي صوّته أي حمله على التصويت فالضمير منصوب بنزع الخافض أي صوت له، أو بتضمينه معنى التصيير وتوخاه
بمعنى قصد 0، وقوله نصف ثمرة بالثاء المثلثة معلوم. قوله: (فعلى الدنيا العفاء) بفتح العين والمد كما قال صفوان بن محمد إذا أكلت كسرة وشربت ماء فعلى الدنيا العفاء وهو مثل للترك لعدم المبالاة ويكون العفاء بمعنى الدروس والانمحاء، ومنه عفا الله عنه إذا محى ذنوبه والأنسب هنا الأوّل. قوله: (فلعله الخ) يعني ليس هذا ما فيمه من صوته دائماً بل في ذلك الوقت لما ذكر وقوله والضمير الخ إشارة إلى أنّ هذا يستعمله المتعظمون فكيف هو هنا ومقام النبوّة لا يناسبه وان كانوا عظماء، ولذا سمي بعض النحاة نون نقوم نون العظمة وقال الزمخشريّ: إنه يقال لها نون الواحد المطاع فأجاب، أولاً بأنها إنما تكون كذلك إذا لم يكن مع المتكلم غيره وأبوه معه وثانيا بأنه كان ملكاً مطاعا فتكلم بما يليق بحاله الذي كان عليه، قال الزمخشري: وقد يتعلق بتجمل الملك وتفخمه وإظهار آيينه(7/37)
وسياسته مصالح فيعود تكلف ذلك واجباً وفد كان وسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل نحوا من ذلك إذا وفد عليه وفد أو احتاج أن يرجح في عين عدوّ ألا ترى كيف أمر صلى الله عليه وسلم العباس بحبس أبي سفيان حتى تمرّ عليه الكتائب وقوله قواعد السياسة في نسخة السيادة. قوله: (والمراد من كل شيء الخ) لأنّ كل للإحاطة، وقد ترد للتكثير كثيراً أو هو كناية أو مجاز مشهور، وظاهره أنّ من زائدة لأنه لولاه لم يحتج للتأويل، ولم يلتفت إليه لأنه غير مناسب لمقام المدح والتحدّث بالنعم. قوله تعالى: ( {مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ} الخ) تخصيص الثلاثة لأنه لم يسخر له الوحش، وتقديم الجن لأنه في بيان التسخر له، وتسخير الجن أعظم أشق من تسخير الإنس والطير ولم يقدم الطير لذلك لئلا يفصل بين الجن والإنس المتقابلين، والمشتركين في التمييز والتكليف، وما قيل من أنّ مقام التسخير لا يخلو من تحقير فهو مناسب لتقديمهم لأنهم أحقر لا الإنس ليس بشيء لأنّ التسخير للأنبياء عليهم الصلاة والسلام شرف لأنه في الحقيقة لله الذي سخر كل شيء، فإن قيل إنه كذلك من حيث هو في نفسه فمسلم لكنه مع أنه لا حاجة إليه ليس مناسبا للمقام، وقوله يحبس أوّلهم على آخرهم أي يوقف أوّلهم شفقة على آخرهم لانتظارهم. قوله: (واد بالشام) وقيل بالطائف، وقوله وتعدية الفعل أي أتى مع أنه يتعدى بنفسه أو بإلى إمّ لأنّ إتيانهم الوادي كان من جانب عال فعدى بها للدلالة على ذلك كما في قول المتنبي:
ولشد ما قربت عليك الأنجم
لما كان قربا من فوق وقوله من عال في نسخة من عل ويصح فيه مع فتح العين كسر
اللام وضمها، وفتحها مع القصر وهو من الظروف بمعنى فوق كما في قوله:
كجلمود صخر حطه السيل من عل
لأنّ الريح كانت تحملهم في الهواء وفيه لغات مذكورة في المطوّلات وقوله أو لأنّ المراد قطعه الخ يعني أنه من قولهم أتى عليهم الدهر إذا أفناهم فالإتيان على الوادي على هذا بمعنى قطعه إلى آخره، وقد كان فيما قبله بمعنى الوصول إليه، وأنفده بالدال المهملة بمعنى أفناه ومنه لنفد البحر وقوله: كانهم أرادوا الخ فالإتيان عليه بمعنى قطعه مجاز عن إرادة ذلك، والا لم يكن لقوله لا يحطمنكم وجه إذ لا معنى للتحذير بعد قطعه ومجاوزته لواد فيه النمل، وأخريات الوادي بمعنى آخره ومنتهاه يقال جاء في أخريات الناس، وهو جمع أخرى بمعنى آخرة فانث باعتبار البقعة. قوله: (قالت نملة الخ) أنثه مراعاة لظاهر التأنيث، وان كانت تاؤه للوحدة وما نقل عن أبي حنيفة رضي الله عنه من أنّ نملة سليمان عليه الصلاة والسلام كانت أنثى استدلالاً بهذه الآية فيه كلام طويل في شروح الكشاف، والمفصل لا حاجة لنابه وقوله: كأنها الخ بيان لمعنى النظم والحطم أصله الكسر والمراد به الإهلاك بوطئهم لها، وقوله فصاحت الخ قيل الفاء لتفصيل ما قبلها، وتفسيره فلا يلزم تكرار قوله فتبعتها بل عدم صحة تفريعه وقيل التابع في قوله فتبعها غيرها بعض النمل وما بحضرتها كلها، أو التبعية الثانية في الدخول للبيوت لا للفرار وهذا أقرب. قوله: (فشبه ذلك الخ) ففيه استعارة تمثيلية شبه الفرار والتصوبت خوفاً وتبعية غيرها لها بمن ينصح آخرين فاتبعوه وامتثلوا مقالته وعبر بذلك وأجرى مجراه، ويجوز أن تكون مكنية، وقوله أجروا الخ أنسب به من التمثيل كما لا يخفى والإجراء مجراهم في النداء، والواو التي هي ضمير العقلاء، وأمّا خلق الله لها عقلاً ونطقاً حقيقياً وان جاز لكنه غير مناسب هنا من ذكر اختصاص سليمان عليه الصلاة والسلام بفهم أصوات الحيوان إلا أن يخص بالطير لظاهر النظم. قوله: (نهى لهم) أي لسليمان وجنوده والمراد نهي النمل عن التوقف حتى تحطم على طريق الكناية لأنّ الحطم غير مقدور للنمل، ولولا هذا لم يصلح للبدل من الأمر أيضا كما في لا أربيك هاهنا فإنه في الظاهر نهي للمتكلم عن رؤية المخاطب،
والمقصود نهي المخاطب عن الكون بحيث يراه المتكلم. قوله: (فهو استئناف (تفريع على كونه نهياً عن التوقف بطريق الكناية لأنّ البدل الاشتمالي إنما يصح إذا لوحظ هذا فاعتراض أبي حيان عليه بهذا غفلة عما أرادوه، وما قيل في جواب إنه كيف تصح البدلية ومدلولهما متخالفان أنه إذا كان المعنى النهي عن التوقف بحيث يحطم زالت المخالفة، وحصل الاتحاد يقتضي أنه بدل كل من كل بناء على أنّ الأمر بالشيء عين النهي بمن ضده، وعلى ما ذكرناه لا حاجة لهذا، وقوله لا جواب له الخ ردّ على الزمخشريّ في تجويزه تبعا(7/38)
لأبي البقاء، وقوله في الكشف كما مرّ في الأنفال إنّ دخول النون لأنه في معنى النهي اعتذار عن ارتكاب ما لا داعي إليه، وكونه مخصوصا بضرورة الشعر صرح به سيبويه رحمه الله قال في الكتاب وهو قليل في الشعر شبهوه بالنهي حيث كان مجزوما غير واجب، اهـ نعم هو وارد على المصنف حيث جوّزه في قوله تعالى: {لاَّ تُصِيبَنَّ} ومثله بهذه الآية وقال لما تضمن معنى النهي ساغ فيه ذلك، ولا يخفى ما بين كلاميه واذا كان جوابا فلا نافية لا ناهية. قوله: (كأنها شعرت عصمة الأنبياء) عليهم الصلاة والسلام أصله بعصمة الأنبياء فهو منصوب بنزع الخافض يعني أنها لعلمها بذلك نزهتهم عن صدور ذلك منهم قصدا بالذات أو بالتسبب لفعل الجنود بإذنه أو برضاه، وقوله وقيل استثناف الخ قيل إنه معطوف على مقدر أي، وهو حال وقيل الخ وقوله فهم الخ لأنّ الفاء أظهر في الاستئناف، والضمير يحتمل أن يرجع على الأوّل لسليمان وجنوده وأن يرجع لجنوده فقط. قوله تعالى: ( {فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا} ) الفاء للسببية فلا حاجة إلى تقدير معطوف عليه أي فسمعها فتبسم وجعلها فصيحة كما قيل، ووجه مناسبته لما بعده على الثاني ظاهر وأمّا على الأوّل فوتجهه أنه متضمن لنعمة عظيمة، وهي كونه ملكا مطاعا ذا جند أو كونه وجنوده لا ظلم لهم لقولها وهم لا يشعرون فاكتفى بما يدل عليه التزاماً، واليه أشار الزمخشريّ بقوله أضمحكه ما دلّ من قولها على ظهور رحمتة ورحمة جنوده، وشفقتهم وعلى شهرة حاله وحالهم في باب التقوى وذلك قولها وهم لا يشعرون، اهـ وقد يقال يكفي في المناسبة تحقق تلك الحال، وأن لم يكن تبسمه لها وهذا أنسب بكلام المصنف، وقوله ضاحكا حال أي شارعا في الضحك، وكذلك ضحك الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وقد قيل إنها حال مقدرة وإنّ فائدتها بيان أنّ التبسم ليس استهزاء، وفيه نظر على ما فصل في الكشاف وشروحه. قوله: (من إدراك همسها الخ) أورد على قوله همسها أنه ينافي قوله قبيله فصاحت صيحة، وأجيب بأنّ صوتها همس
بالنسبة إليه وصياح النسبة إلى النمل الذي بقربها، وأمّا علمه بمنطق الطير فلا يفيد أنه لا يعلم غيره من أصوات الحيوانات، ولو سلم فهذا على سبيل خرق العادة أو باعلام الله، وما روي عن الشعبيّ من أنّ لها جناحين فعلى تسليم صحته عنه لا يقتضي عذها من الطيور، وما قيل من أنه علم منطق الطير على الخصوص أوّلاً ثم علم بعده ما يعمه وغيره تكلف ما لا يقال بالرأي. قوله: (1 جعلني أرّع شكر نعمتك) يعني أنّ همزته للتعدية، ولا حاجة إلى جعله تضميناً أي يسر لي الشكر وازعا إياه وازع كاضع في حذف واوه ومعناه أكفه وأحبسه وهو مجاز عن المداومة والملازمة، وقوله لا ينلفت بالفاء والتاء الفوقية بمعنى يذهب أو بالقاف والباء الموحدة وهو بمعناه والأوّل أولى، وقيل معناه الإغراء، وقيل الإلقاء والإلهام وما قيل من أنّ معناه تقييد النعمة بالمداومة على الشكر محتاج إلى جعل الشكر مجازاً عن النعمة فإنه سببها أو كناية وهو بعيد لذكر النعمة معه، وإن كان شكر النعمة نعمة مع أنّ طلب المداومة على الشكر أنسب بحال الأنبباء عليهم الصلاة والسلام. قوله: (أدرج فيه ذكر والديه) يعني أنّ ما ذكر ما أنعم به على والديه مع ما أنعم به عليه في حيز الشكر لتكون النعم التي اعترف بها كثيرة، فإنّ الاعتراف بالنعمة شكر فإذا كثرها أي اعترف بكثرتها عليه فقد شكر شكراً كثيراً، وهذا باعتبار كون الأنعام عليهما إنعاما عليه، واليه أشار بقوله فإن النعمة عليهما الخ ووجهه أنّ الله أنعم عليهما بالدين والعراقة، وحسن الأخلاق وقد ورث ذلك منهما فكان ما أنعم به عليهما وصل إليه لكونه سبباً بحسب الظاهر لنعمتة، ولا يرد عليه شيء مما توهم وقوله أو تعميما وجه آخر للإدراج اقتصر عليه في الكشاف، ومعناه أنّ ما أنعم به عليه غير خاص به بل هو عامّ شامل لوالديه لكونه سبباً لذكرهما والدعاء لهما، واليه أشار بقوله والنعمة عليه يرجع نفعها الخ ففيه لف ونشر مرتب، وقوله سيما الدينية فإنه إذا كان تقياً نفعهما دعاؤه وشفاعته، ودعاء المؤمنين لوالديه إذا رأوه واليه أشار في حديث: " إذا مات ابن آم انقطع عمله) الخ وقيل التكثير باعتبار أنّ النعمة عليه غير النعمة عليهما بحسب الظاهر، وكذا العكس والتعميم باعتبار المآل،
وأنّ النعمة عليه نعمة عليهما وبالعكس فتأمّل. قوله تعالى: ( {تَرْضَاهُ} ) صفة مؤكدة أو مخصصة إن أريد به كمال الرضا، وقوله تماما(7/39)
للشكر أي تتميماً له بذكر شكر الأركان بعد شكر اللسان المستلزم للجنان.
قوله: (في عدادهم الجنة) الجنة مفعول أدخلني المقدر، وقدره لئلا يتكرّر مع ما قبله لأنه
إذا عمل عملاً صالحا كان من الصالحين ولك أن تقول إنه عد نفسه غير صالح تواضعا، وعدادهم بكسر العين بمعنى جملتهم، يقال هو في عديد القوم وعدادهم إذا عدّ واحدا منهم كما في المصباح، وجعل الزمخشريّ معناه اجعلني من أهل الجنة على طريق الكناية من غير تقدير. قوله: (وتعرّف الطير) أي أراد معرفة الموجود منها من غيره، والتفقد تفعل من الفقد وهو العدم بعد الوجود فهو أخص من العدم، ومعناه ما ذكر وأصله تعرّف الفقد، وقوله أم منقطعة فمعناها بل كما أشار إليه بقوله فاضرب، وقوله ما لي لا أراه أي عدم رؤيتي له لأيّ سبب مع حضوره ألساتر أم لغيره، وقوله كأنه يسأل عن صحة ما لاح له عبر بكأنّ لأنّ المسؤول! عنه في الحقيقة ليس هو الصحة، وقوله في قفص! لأنه لا يلازم ضده ما لم يكن محبوسا، وقوله بحجة تفسير للسلطان ولم يعبر بها مع أنها أظهرلما فيها من حسن الاتفاق، وهو أنّ حجته بلقيس وهي سلطان. قوله: (والحلف في الحقيقة الخ) دفع لسؤال محصله كما يفهم من الكشاف وشروحه أنّ الحلف على فعل الغير في المستقبل لا يصح إلا إذا علم به فلا تقول والله ليأتيني زيد غدا إلا وأنت متيقن، أو قريب من المتيقن له وهذا ليس كذلك، وقيل إنه عن أنه لا يحلف المرء على فعل غيره لأنه غير مقدور له فكيف حلف عليه وقرنه بالمقدور وهو الوجه لا عدم درايته فإنه غير لازم في الحلف فجوابه بأنه يجوز أن يعلمه بوجه غير موجه مع أنّ قوله سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين ينافيه، ودفع المنافاة بجواز أن يأتي بحجة لا يعلم سليمان عليه الصلاة والسلام صدقها وكذبها غير سديد إذ قوله مبين يأباه، وفي الكشف والحاصل أنّ الحلف على الأوّلين وأدخل الثالث في سلكهما للتقابل لا لأنه محلوف عليه بالحقيقة، وهو نوع من التغليب لطيف المسلك وتبعه بعض الشراح، وجعله تغليبا لم يظهر لي معناه فإن قلت إن أريد أن الحلف على فعل الغير ليس بواقع في كلام العرب فليس بصحيح فإنه كثير في كلام العرب كقول امرئ القيس:
لناموا فما إن من حديث ولا صالي
وفي الحديث ليردنّ الحوض أقوام، وان أرإد شرعا فكذلك لتصريح الفقهاء بأنه لو قال
لآخر أقسمت عليك بالله لتفعلن كذا، وقصد اليمين كان يمينا يستحب إبراره ما لم يكن مكروها أو محرّما فما وجه ما ذكروه هنا قلت: الظاهر أنه ليس معناه ما ذكر حتى يرتكب أمور متكلفة بل لأنّ مقتضى الظاهر أن يقال لأعذبنه أو أذبحنه إلا أن يأتيني بسلطان على تقييد المحلوف عليه بذلك، واليه أشار المصنف رحمه الله بقوله بتقدير عدم الثالث. قوله: (لكن لما اقتضى ذلك الخ) ظاهر قوله أحد الأمور الثلاثة أنّ أوفى الثلاثة للترديد لا أنها في الأوّلين للتخيير، وفي الثالث للترديد بينه، وبينهما كما قيل ولا في الأوّلين للتخيير وفي الثالث بمعنى إلا لأنّ لام القسم تأباه، ووجه القراءتين ظاهر وعليهما رسم المصاحف القديمة. قوله تعالى: ( {فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ} ) بيان لمقدار ما مضى من غيبته بعد التهديد، وقراءة غير عاصم بض الكاف وهما لغتان فيه فكون الضم دالاً على شدة غيبته لتوافق الحركة معناه لا وجه له. قوله: (وفي مخاطبتة إياه بذلك الخ) يعني أنه تعالى ألهم الهدهد أن يخاطبه بما ذكر ابتلاء له وتنبيها له على ما ذكر ليعدّ نفسه حقيرة صغيرة، وأن كان نبياً ملكا وهو من خطابه بأنه أحاط علمه بما لم يحط به لا من رؤية سبا حتى يرد أنّ التفرّد بالوقوف على بعض المحسوسات لا يعد كمالاً. قوله: (وقرئ ب! دغام الطاء في التاء) في أحطت وفرطت، وبسطت فقرئ في السبعة بالإدغام مع بقاء صفة الإطباق، وليس بإدغام حقيقيّ وقرأ ابن محيصن في الشواذ بإدغام حقيقي، واعترض ابن الحاجب رحمه الله على القراءة الأولى بأنّ الإطباق صفة الحرف، والإدغام يقتضي إبدالها تاء وهو ينافي وجود الصفة لأنه يقتضي أن تكون موجودة، وغير موجودة وهو تناقض فالتحقيق على هذه القراءة أنه لا إدغام فيها ولكنما أطلق عليه إدغام توسعا، فإن قلت يرد عليه ألم نخلقكم فإنه قرئ بوجهين إدغام محض وغير محضن، وهي مثل هذه في الإطباق، قلت بينهما فرق فإنّ الكاف والتاء مهموستان فلذا قوي الإدغام في الأولى دون الثانية، فإن قلت لم قرئ في خلقكم بإدغام محض فقط قلت لأنه إدغام كبير(7/40)