وهو النحاس مطلقا أو المذاب منه، وآن بوزن عان بمعنى شديد الحرارة كقوله: {وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ} [سورة الرحمن، الآية: 44] ويقال فيه قطر بكسر فسكون، والصفر بضم الصاد المهملة، وسكون الفاء نوع من النحاس. قوله: (والجملة حال ثانية أو حال من الضمير في مقزنين) أي جملة سرابيلهم من قطران حال ثانية من المجرمين، والحال الأولى مقرّنين، وهذا إذا كان في الأصفاد متعلق بمقرّنين، وألا فهي ثالثة أو هي حال من الضمير المستتر في مقرّنين فهي حال متداخلة، وجوّز فيها أن تكون مستأنفة، وحالاً من نفس مقزنين، وكونها حالاً، وهي اسمية غير مقترنة بالواو بناء على غير مختاره أو على تأويلها بمفرد أي متسربلين، وقد أشبعنا الكلام فيه في سورة الأعراف، وما ذكرناه هو ما ذكره المعربون، وكلام المصنف رحمه الله ظاهر فيه، وقيل إنه يعين أنها حال ثانية من ضمير مقرّنين، والأولى في الأصفاد أو حال ابتدائية مته، وفي الأصفاد ظرف لغو متعلق به فقوله من الضمير تنازع فيه حال، وحال. قوله: (وتتغشاها) عطف تفسير، وفي نسخة أي، وذكر وجه النص على تعذيبها لأنها لم تسجد لله، ولم تعمل الحواس
في معرفتة، وقوله كما تطلع على أفئدتهم هو أحد التفاسير فيه كما سيأتي في سورة الهمزة. قوله: (يفعل بهم ذلك ليجزي كل نفس مجرمة) يعني أنّ متعلق الجارّ، والمجرور يقدر كما ذكر، والنفس مخصوصة بالنفس المجرمة بقرينة المقام أو عامّ لأنه إذا خص المجرمين بالعقاب علم اختصاص غيرهم بالثواب مع أنّ عقاب المجرمين، وهم أعداؤهم جزاء للمطيعين أيضا كماقيل:
من عاس بعد عدوّه يومافقدبلغ المنى
وعلى هذا يجوز تعلقه بقوله، وبرزوا ويكون ما بينهما اعتراضاً فلا اعتراض، وأورد عليه أمران الأوّل أنه لا حاجة لما تكلفه بقوله لأنه الخ. لأنه إذا أبقى على عمومه يدخل فيه المجرمون دخولاً أوليا الثاني أنّ الظاهر أنّ فاعل برزوا ضمير المعاندين للرسل عليهم الصلاة والسلام، وهو المناسب لمقام الوعيد، وهو متعين إذا فسر البروز بأنه على زعمهم كما مرّ فكيف يتعين التعميم على تعلقه به، ولا ورود لهما أمّا الأوّل فلأنّ ما قدره بقرينة ما قبله إنما هو فعل العذاب لا الجزاء مطلقا فلا بد من ذكره وأمّا الثاني فلأنّ ظاهر تفسيره السابق للبروز من القبور إنه شامل لجميع الخلائق كما صرّح به بعض المفسرين، وجعل الجملة حالية، ويجوز تعلقه بتري، وما ذكر يحتمله. قوله: (لأنه لا يشغله حساب عن حساب) فاللام للاستغراق، وقال بعض المتأخرين لأنه لا يشغله فيه تأمّل، وتتبع، ولا يمنعه حساب عن حساب حتى يستريح بعضهم عند الاشتغال بمحاسبة الآخرين فيتأخر عنهم العذاب، وبهذا التفصيل تبين إصابة هذا التذييل محزه. قوله: (إشأرة إلى القرآن أو السورة) والتذكير باعتبار الخبر وقوله أو ما فيه إشارة إلى توجيه الأفراد، والتذكير على هذا، وقوله من قوله من ابتدائية أي إلى هنا، وقوله كفاية أصل معنى البلاغ التبليغ، ويطلق على الكفاية كما هنا صرّح به الراغب. قوله: (عطف على محطوف الخ) ذكروا في إعرابه وجوهاً منها أنه معطوف على علة أخرى متعلقة بقوله بلاغ محذوفة ومنها أنّ له متعلقاً هو المعطوف، ومنها أنّ الواو زائدة، وقيل اللام لام أمر قيل، وهو حسن لولا قوله، وليذكر وتعلقه بمحذوف تكلف. قوله: (وقرئ بفتح
الياء من نذر به إدّا علم به واستعدّ له) وهذه قراءة السلمي، وغيره من نذر بمعنى علم واستعد فالوا، ولم يسمع لنذر بمعنى علم مصدر فهي كعسى، وغيرها من الأفعال التي لا مصادر لها، وقيل إنهم استفنوا بأن، والفعل عن صريح المصدر، وفي القاموس نذر بالشيء كفرح علمه فحذره، وأنذره بالأمر إنذارا ونذراً ويضم، وبضمتين ونذيرا أعلمه وحذره، وقوله يحظيهم بالظاء المعجمة أي ينيلهم الحظوة، وهي قبول الفضل والمحاسن، وقوله تكميل بالنصب، وكذا ما بعده بدل من ثلاث، ومرفوع خبر الحكم، وهو بيان لما قبله من الثلاث أيضا، وتكميل الرسل عليهم الصلاة والسلام بالإنذار، واستكمالهم من قوله، وليعلموا الخ والاستصلاج من قوله، وليذكر وقوله منتهى كمالها التوحيد المراد بالتوحيد ما يتعلق بمعرفة الله مطلقاً، ولذا يسمى الكلام علم التوحيد فلا يرد عليه ما قيل إنّ التوحيد أوّل مراتب الإيمان، ومنتهاها معرفة الصفات الإلهية، والآيات المبينة في الآفاق، والأنفس. قوله: (وعن النبني صلى الله عليه وسلم الخ (هذا الحديث رواه ابن مردويه والثعلبيّ والواحدقي، وهو موضوع أيضا كما ذكره العراقي رحمه الله تعالى.(5/279)
سورة الحجر
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله: (تسع الخ) قال الدانيّ رحمه الله تعالى لا خلاف فيها. قوله:) الإشارة إلى آيات السورة والكتاب هو السورة الخ) جعل الإشارة إلى آيات السورة وجوّز كون الإشارة إلى ما في اللوج المحفوظ منها أو إلى جميع آيات القرآن، وأمر الحروف ما مرّ، وذكر أنّ المراد بالكتاب السورة، وقيل هو اللوح، وتركه هنا لأنّ قوله المبين يقتضي خلافه، وقوله وكذا القرآن أي المراد به السورة لأنه بمعنى المقروء مطلقا الشامل للكل والجزء فلا حاجة لجعله مجازاً بإطلاق اسم الكل على الجزء، وقوله وتنكيره للتفخيم كما أن تعريف الكتاب لذلك كما أشار إليه بقوله كتابا كاملا، وبيانا غريباً، وفيه إشارة إلى التغاير بين المتعاطفين، وأنهما مقصودان بالذات فلذا عطف أحدهما على الآخر فالمقصود الوصفان، وقدم الكتاب هنا باعتبار الوجود وأخره في النمل باعتبار تعلق علمنا به لأنا إنما نعلم ثبوته في اللوح من القرآن، ووجود القراءة بعد الكتابة كما ذكره المصنف رحمه الله تعالى هناك، وقوله يبين الرشد من الغي يناسب إرادة السورة لأنها كذلك، والمبين من أبان المتعدّي، ويجوز أخذه من اللازم أي الظاهر معانيه أو أمر إعجازه. قوله: (حين عاينوا حال المسلمين عند نزول النصر الخ (أمّا ودادتهم عند حلول النصر فظاهرة، وحلول الموت معطوف على نزول النصر وجوّز عطفه على عاينوا، والأوّل أقرب، ومعاينتهم عند حلول الموت أن تكشف لهم، وخامة الكفر فيعلموا منه حال أهل الإسلام حتى كأنها مشاهدة لهم، وترك كونه عند خروج العصاة من النار، وكأنه تبع الزمخشريّ فيه إذ لم يرضه بناء على مذهبه لكنه قول أكثر مفسري السلف كابن عباس، ومجاهد رضي الله تعالى عنهم، وهو مأثور عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في تفسير هذه الآية روى الترمذفي عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه في تفسير هذه الآية قال: (إذا خرج أهل التوحيد من النار، وأدخلوا الجنة وذ الذين كفروا لو كانوا مسلمين) وورد من طرق أخر. قوله: (وقرأ نافع وعاصم ربما بالتخفيف (أي بضم
الراء، وفتح الباء المخففة، وغيره من الباقين بالتشديد، وما عدا القراءتين شاذ، وأشار إلى أنه اختار في النظم الضم، والتشديد لكونها قراءة اكثر، وقرئ بالتاء أيضاً في الشواذ، وقوله وفيه ثمان لغات قال في المغني إنها ست عشرة لغة ضم الراء، وفتحها مع ضم الباء وفتحها، وسكونها مع التخفيف، والتشديد في المحرك، ومع تاء التأنيث ساكنة ومتحرّكة، والتجرّد منها، وإذا ضممت إليه الاتصال بما، والتجرّد منها بلغت نيفأ وثلاثين، وقوله فيجوز دخوله على الفعل أي بعد الكف، وقبله مختصة بالأسماء كسائر حروف الجرّ. قوله: (وحقه أن يدخل الماضي الو قال على الماضي كان أحسن قال ابن الحاجب رحمه الله تعالى لأنها موضوعة لتقليل محقق أو لتقليل ما تحقق كما نقل عن المبرّد فهي بالماضي أحق وأجدر، وخالف في هذا أبو حيان رحمه الله تعالى فقال تدخل عليهما لكنه في الماضي أكثر، واختاره صاحب اللب. قوله: (لكن لما كان المترقب في أخبار الله تعالى الخ) هو جواب عن تمسك القائلين بدخولها على المضارع بهذه الآية، ولذا قيل إنّ فيه كان مقدرة أي ربما كان يودّ وهو تكلف، وحاصله أنّ المضارع في أخبار الله المستقبلة محقق كتحقق الماضي فلذا وقع في موقعه، وقيل هو مؤوّل بالماضي كقوله: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ} [سورة الكهف، الآية: 99] فقال ابن هشام في المغني، وفيه تكلف لاقتضائه أنّ الفعل المستقبل عبر به عن ماضي متجوّز به عن المستقبل، وهو وارد على المفتاح، والتلخيص في نحو ولو ترى فقوله أجرى مجراه أي وقع في موقعه لا أنه متأوّل به كما يتوهم. قوله: (وقيل ما نكرة موصوفة) والجملة صفتها والعائد محذوف أي يودّه كما أنّ عود ضمير له على ما في البيت يدل على اسميتها وان احتمل كونها كافة ومن الأمر متعلق بتكره، ومن تبعيضية، والضمير لبعض أو للأمر فإنه مع أنه مناقشة في المثال خلاف الظاهر، وعلى هذا لا تكون ما خارجة عما هو حقها. قوله: (ربما الخ) وروي بدل تكره تجزه، وهو من شعر لأمية بن أبي الصلت، وقيل لحنيف بن عمير اليشكري، وقيل للبهر ابن أخت مسيلمة(5/280)
الكذاب وهو:
يا قليل العزاء في الأهوال وكثير الهموم والأوجال صبرالنفس عندكل مسلم إنّ في الصبرحيلة المحتال
لا تضيقن بالأمور فقد ت! صثمف لأواؤها بغير احتيال ربماتجزع النفوس من الأهـ ص له فرجة كحل العقال
قديصاب الجبان في آخرالصف وينجو مقارع الأبطال
وأخرج ابن عساكر رحمه الله تعالى عن الأصمعي قال لما قرأ أبو عمرو رحمه الله تعالى
إلا من اغترف غرفة قال له الحجاح ائتني بنظير لها من كلام العرب والا ضربت عنقك فهرب منه فبينما هو مهموم إذ سمع أعرابياً ينشد هذه الأبيات فقال له ما وراءك يا أعرابيّ قال مات الحجاج قال فلا أدري بأيهما أفرح بموت الحجاج أو بقوله فرجة لأني كنت أطلب شاهد الاختيار هذه القراءة ومنه تعلم أنّ الرواية فيه ضم الفاء. قوله: (ومعنى التقليل فيه الإيذان بأنهم لو كانوا يودّون الإسلام الخ) جواب عن سؤال مقدّر وهو أنّ الظاهر أنّ الودادة وقعت منهم كثيراً والسؤال إنما يرد بناء على أنها موضوعة للتقليل وقيل إنها موضوعة للتكثير وقيل إنها مشتركة بينهما والمصنف رحمه الله تعالى ذهب إلى أنها موضوعة للتقليل وأنّ مقتضى المقام التكثير ولكن عدل عنه لما ذكر وهو بعينه ما في الكشاف وذهب المدقق في الكشف إلى أنه من استعارة أحد الضدين للآخر للمبالغة وهي لا تختص بالتهكم والتمليح على ما يوهمه ظاهر كلام المفتاح كالمفازة للتفاؤل ثم إنه قد يختص موقعها بفائدة زائدة كما ذكر وليس استفادة ما ذكر بطريق الكناية الإيمائية كما توهم بل هو من فوائد الاستعارة على ما سيفصل في سورة التكوير وتبعه بعضهم في شرح كلام المصنف رحمه الله تعالى ورد بأنّ مراده أنّ التقليل ليس مقصودا حقيقة بل مجرّد الإخبار بوقوع الودادة وفائدة صيغة التقليل ما ذكره من النكتة وليس استعارة ولك أن تقول التقليل إنما هو بالنسبة إلى إظهار الودادة لا إلى نفس الودادة وليس بشيء لأنه لم يبين كيفية دلالته على المعاني المذكورة ولعله من قبيل الكناية الإيمائية وايضاحها ما أشار إليه في الانتصاف بقوله إنّ العرب تعبر عن المعنى بما يؤدّي عكس مقصوده كثيراً كقوله تعالى {وَقَد تَّعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ} وقد اختلف توجيه علماء البيان لذلك فمنهم من وجهه بما ذكره الزمخشري من التنبيه بالأدنى على الأعلى ومنهم من وجهه بأنّ المقصود في ذلك الإيذان بأنّ المعنى قد بلغ الغاية حتى كاد أن يرجع إلى الضدّ وذلك شأن كل ما بلغ نهايته أن يعود إلى عكسه وقد أفصح عنه أبو الطيب بقوله:
ولجدت حتى كدت تبخل حائلاَ للمنتهى ومن السروربكاء
وكلا الوجهين يحمل الكلام على المبالغة بنوع من الإيقاظ إليها والعمدة في ذلك على
سياق الكلام لأنه إن اقتضى تكثيراً قد خلت عنه العبارة وفيه عبارة يشعر ظاهرها بالتقليل استيقظ السامع لأنّ المراد المبالغة على إحدى الطريقتين المذكورتين وللكلام في تحقيقه محال ولعل النوبة تفضي إليه فقد تلخص منه أنه إمّ استعارة ضدية أو كناية إيمائية والوجه الآتي يبقيه على حقيقته كما ستراه ففي مثله ثلاثة أوجه وفي المطول فيه كلام لولا خوف الإطالة أوردناه وقوله فبالحريّ بالحاء المهملة وتشديد الياء كحقيق وزنا ومعنى وأن يسارعوا مبتدأ وبالحريّ خبره وهو مصدر والباء غير زائدة بل للملابسة أي المسارعة ثابتة بالوجه الحق فإن كان صفة
مشبهة فالباء زائدة في المبتدأ وأن يسارعوا خبره كقولك بحسب زيد درهم كذا أعربه الطيبي رحمه الله تعالى والجملة جواب لو الشرطية لكونها بمعنى إن فلذا اقترنت بالفاء. قوله: (وقيل تدهشهم أهوال القيامة نإن كانت الخ (وفي نسخة حانت بالحاء المهملة والنون أي جاء حينها وأوانها فعلى هذا التقليل على ظاهره غير محتاج إلى التأويل. قوله: (والغيبة في حكاية ودادتهم كالغيبة في قولك حلف بالله ليفعلن) اختار المصنف رحمه الله تعالى أن لو للتمني والكلام(5/281)
فيها مبسوط في المغني، وقيل إنها مصدرية فهي في تأويل مفرد هو مفعول يوذ، وعلى الأوّل محذوت تقديره النجاة، ولا ينبغي تقدير الإسلام لأنه يصير تقديره يوذون الإسلام لو كانوا مسلمين، وهو حشو، وقيل إنها امتناعية شرطية، والجواب محذوف تقديره لفازوا، ومفعول يوذ مقدر كما مرّ وقوله، والغيبة الخ إشارة إلى ما قاله النحاة كما في البديع إنك إذا أخبرت عن يمين حلف بها فلك فيه ثلاثة أوجه أحدها أن تكون بلفظ الغائب كأنك تخبر عن شيء كأن تقول استحلفته ليقومن الثاني أن تأتي بلفظ الحاضر تريد اللفظ الذي قيل له فتقول استحلفته لتقومن كأنك قلت له لتقومن الثالث أن تأتي بلفظ المتكلم فتقول استحلفته لأقومن، ومنه قوله تعالى {تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ} ، وأهله بالنون والتاء والياء، ولو كان تقاسموا أمراً لم يجز فيه الياء لأنه ليس بغائب انتهى. وقد سيق الكلام فيه في هذه الآية، وإذا لم يكن لو كانوا الخ. مفعولاً يقدر قبله قول أي يودّون قائلين لو كنا الخ لكته أتى بالغيبة لما ذكره المصنف رحمه الله تعالى، وقول صاحب الفرائد أنه منزل منزلة المفعول غير ظاهر إذ ليس مما يعمل في الجمل إلا أن يكون بمعنى ذكروا التمني ويجري مجرى القول على مذهب بعض النحاة، وتعليل إيثار الغيبة بقلة الحذف ليس بشيء كما في الكشف. قوله: (دعهم (تفسير لذر بمعنى ح، واترك لكنهما أميت ماضيهما في المشهور، والمراد من الأمر التخلية بينهم وبين شهواتهم إذ لم تنفعهم النصيحة، والإنذار ويفهم من كلامهم هنا أنه اً مر لهم بالأكل، والتمتع واللهو لا لتقدير لام الأ! ر قيل يأكلوأ كما ظن بل لما أفاده في الكشف من أنه جعل أكلهم، وتمتعهم الغاية المطلوبة من الأمر بالتخلية، والغايات المطلوبة إن صح تعلق الأمر بها كانت مأمورا بها بنفس الأمر وأبلغ من صريحه فإذا فلت لازم سدة العالم لتتعلم منه ما ينجيك في الآخرة كان أبلغ من قولك لازم، وتعلم لأنك جعلت الأمر وسيلة للثاني فهو أشدّ مطلوبية، وان لم يصح جعلت مأمورا بها مجازاً كأسلم تدخل الجنة، وما نحن فيه لما جعل غاية للأمر على التجوّز صار مأمورا به على ما أرشدت إليه، وهذا من نفائسه وكم مثله فيه جزاه الله خيراً وقوله ويشغلهم بالجزم عطف على جوإب الأمر وقوله سوء صنيعهم إشارة إلى تقدير مفعوله، وقوله والغرض أي الحكمة فيه المشابهة للغرض لأنّ أفعاله تعالى لا تعلل بالأغراض كما مرّ غير مرّة. وارعواؤهم
بمعنى انزجارهم، وانكفافهم عن القبيح. قوله:) وإيذانه بأنهم من أهل الخذلان الخ (إشارة إلى أنّ الأمر ليس على حقيقته بل للتخلية بينهم، وبين ما هم عليه لأنهم مخذولون مأيوس منهم والزام الحجة لأنّ من أنذر فقد أعذر، وقوله أجل مقدّر إشارة إلى أنّ الكتاب بمعنى لأجل المكتوب، ولذا قال بعده ما تسبق من أمّة أجلها دون كتابها. قوله: (والمستثنى جملة واقعة صفة لقرية الخ) اختلف في إعراب هذا، ونحوه فمنهم من أعربه حالاً، ولا يلزم تقدمها لكون صاحبها نكرة لأنها واقعة بعد النفي وهو مسوغ لمجيء الحال منها لأنه في معنى الوصف، ولأن التفريغ يقع في الحال عند أهل العربية، وأمّا في الصفة فذهب أكثرهم إلى منعه، وإلى هذا ذهب أكثر النحويين، وأهل المعاني، وذهب الزمخشري، وأبو البقاء، وتبعهم المصنف رحمه الله تعالى إلى أنّ هذه الجملة صفة، وأنها يجوز أن تقترن بالواو كالحال لأنها في معناها فتوسطت الواو لتأكيد لصوق الصفة بالموصوف، وقال أبو حيان رحمه الله تعالى أنه لم يسبقه إليه أحد من النحويين حتى جعله السكاكيئ سهوا منه، وليس كما قال: فإنه كما في الدرّ المصون سبقه إليه ابن جنيّ، وناهيك به من مقتدى بل جعله في الكشف مذهب الكوفيين فإنهم يجوّزون زيادة الواو مطلقاً ويؤيده أنّ ابن أبي عبلة قرأ بإسقاطها، وقوله إلا لها منذرون الخ منذرون إمّا فاعل الظرف أو مبتدأ مؤخر، وعلى الأوّل لا يقترن بالواو، ومثل بعضهم له بهذه الآية، وهو سهو منه. قوله: (من امّة أجلها) من مزيدة في سياق النفي، وقد روعي في ضمير أقة لفظها أوّلاً في قوله أجلها ثم روعي معناها لأنها في معنى الجمع، وضمير أمّة في لفظ يستأخرون. قوله:) نادوا به النبتيءلجي! ر على التهكم الخ الأنهم لا يعتقدون إنزال الذكر عليه فإذا كان النداء منهم فلا بد من حمله على التهكم، وأمّا إذا كان من كلام الله تعالى تبرئة له عما نسبوه إليه من أوّل الأمر لم يكن تهكما لكنه قيل إنه لا يناسب قوله(5/282)
إنا نحن نزلنا الذكر فإنه رذ لإنكارهم، واستهزائهم ىلمجب! ، ولعل من يراه يجعل الاستهزاء من قوله تعالى: {إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ} [سورة الحجر، الآية: 6] لا من هذا فتأمل. قوله: (والمعنى أنك لتقول قول المجانين (إشارة إلى
أن تشبيهه بما ذكر لأجل قوله المذكور لا لما يظهر عليه من شبه الغشي حين ينزل عليه الوحي لأنّ هذا هو المناسب للمقام وقوله لمعنيين أي على طريق البدل لا معا، والمعنى لأحد معنيين، وقد بينا في النحو. قوله: (بالياء ونصب الملائكة على أن الضمير لله) وفي نسخة بالياء مسنداً إلى ضمير اسم الله فاسم مقحم كما في قوله: {إِلَى الْحَوْلِ} [سورة البقرة، الآية: 240] ثم اسم السلام عليكما وأورد عليه أنّ قراءة الياء لم يقرأ بها أحد من العشرة، ولم توجد في الشواذ أيضا والمصنف رحمه الله تعالى بنى تفسيره عليها، وحكى قراءة السبعة بصيغة التمريض، وفوله تنزل الخ أي أصله تتنزل بتاءين، ورفع الملائكة فحذفت إحداهما تخفيفاً، وفي نسخة بمعنى نزل أي بمعنى الثلاثيّ ولو حمل على ظاهره كان أولى. قوله: (1 لا تنزيلاَ ملتبساً بالحق الخ) يعني أنّ الباء للملابسة، والجار والمجرور صفة مصدر محذوف مستثنى استثناء مفرغا، وجوّز فيه الحالية من الفاعل، والمفعول وفسير الحق بمقتضى الحكمة، وهو أن لا يشاهدوا ليكون إيمانا بالغيب، وقوله فإنه لا يزيدكم إلا لبساً أي كونهم يشاهدونه بصورة البشر لأنّ البشر لا يقوى على رؤية الملك بصورته فإن تمثل بشراً التبس عليهم أيضا كما قال تعالى: {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَّجَعَلْنَاهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ} [سورة الأنعام، الآية: 9] وعدل عن قوله في الكشاف ولا حكمة في أن تأتيكم عيانا تشاهدونهم، ويشهدون لكم بصدق النبيّ صلى الله عليه وسلم لأنكم حينئذ مصدقون عن اضطرار لأنّ ما ذكره أوفق بالآية الأخرى وما ذكره الزمخشريّ مبنيّ على النزول بصورهم الحقيقية، وهذا على التمثيل بالصورة البشرية، ولا منافاة بينهما، وفي وجه الحكمة إشارة إليه على ما قرّرناه فليس في كلامه ردّ عليه كما توهم. قوله: (ولا في معاجلتكم) معطوف على قوله في أن تأتيكم، وهذا ناظر لقوله للعقاب كما أنّ الذي قبله ناظر لقوله فيكون معه نذيراً وهذا مما زاده على الكشاف كما أنّ الوجهين المذكورين بقيل ناظران لهما على اللف، والنشر أيضاً. قوله: (جواب لهم وجزاءا لأنّ وضعها لذلك، وبين
كونها جزاء بتقدير الشرط لأنها ظاهرة في جواب طلب نزول الملائكة التسليمي ومعنى الأنظار إمهالهم، وتأخير عذابهم. قوله: (ولذلك كده من وجوه) هي أنّ، والجملة الاسمية، وتقديم الضمير ويزيده قوّة ضممير العظمة، وقوله والنقص أي نقص الكلمات لا السور فإنه لا يخل بالإعجاز كما لا يخفى وقوله أو نفي تطرّق الخلل الخ عطف على ما قبله بحسب المعنى أي حفظ بنفي التحريف الخ أو نفي تطرق الخلل الخ والفرق بين الوجهين أنّ الأوّل بالنظر إلى أوائل نزوله، وهذا إلى أواخره، والأوّل ناشئ من الإعجاز وهذا ناشئ من كونه ليس من كلام البشر كما أشار إليه بقوله بأنه المنزل له، وقوله أن يطعن فيه أي طعنا معتدّا به مسلما، ويحتمل حفظه مما يشينه من تناقض، واختلاف لا يخلو منه الكلام المفتري كقوله: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا} [سورة النساء، الآية: 82] وفي قوله بأنه المنزل له إشارة إلى أنّ الجملة الثانية مقرّرة للأولى لأنها كالدليل عليها لكن لتضمنها معنى زائداً عطفت عليها فتدبر، وكون الضمير للنبيّ صلى الله عليه وسلم خلاف الظاهر فلذا مرضه. قوله: (في شيع الأوّلين (أي شيع الأمم الأوّلين، وقيل إنه من إضافة الصفة للموصوف، وقوله من شاعه أي هو مأخوذ من المتعدّي لأنه الذي يدلّ على التبعية وأمّا شاع الحديث اللازم فهو بمعنى انتشر واشتهر، والشياع بكسر الشين، وفتحها صغار الحطب فالشيعة بمعنى الاتباع أو الأعوان مأخوذ منه هنا لأنهم في الأصل أصغر ممن يتبعونه أو يعينونه فمن قال الاشتقاق من الشياع لا يناسب أحد المعنيين لم يأت بشيء، واطلاقه على الفرقة المتفقة لأن بعضهم يشايع بعضا، ويتابعه. قوله: (والمعنى نبأنا رجالاً فيهم وجعلناهم رسلاَ فيما بينهم) أشار بقوله نبأنا إلى أن المراد بالرسل عليهم الصلاة والسلام المعنى العامّ الشامل للأنبياء غير الرسل فإنه يطلق على ذلك، وفيه أيضا بيان لمفعوله المقدّر، وقيل إنه توجيه لتعدي الإرسال بفي والأصل تعديه بإلى بتوجيهين الأوّل تضمينه معنى التنبئة، والثاني تضمينه معنى الجعل قالوا وبمعنى(5/283)
أو ويجوز أن يكون الثاني تفسيراً للأوّل، ولا يخفى ما فيه فإنّ من في الظرفية تتعلق بكل فعل من غير حاجة إلى التضمين فإن أراد التعدية بها فلا وجه له لأنّ أنبأ يتعدى بالباء، وإنما هذا صفة للمفعول المقدّر أو حال
ولا وجه لجعل الواو بمعنى أو فإنه تكلف لا داعي له، وقيل إنه بيان لأنه عدل عن إلى إلى في للأعلام بمزيد التمكن فيهم فدل قوله نبأناه فيهم على معنى أعطيناه المعجزة، وقوله وجعلنا. رسولاً فيما بينهم على معنى صيرناه صاحب كتاب وشريعة، ولا يخفى ما فيه أيضا فتدبر. قوله: (وما للحال الخ) هذا بناء على ما ذهب إليه الزمخشريّ من أنها مع المضارع لنفي الحال، ومع الماضي لنفي الماضي القريب من الحال، وهو أكثريّ لا كليّ فإنها جاءت لنفي المضارع في المستقبل كقوله: {قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاء نَفْسِي} [سورة يونس، الآية: 5 ا] فما نحن فيه من القسم الأوّل بالتأويل المذكور، وقوله والسلك بفتح السين مصدر بمعنى الإدخال، والمخيط بكسر الميم آلة الخياطة، ويقال سلك السنان في المطعون وعدّه في الأساس من الحقيقة، وقوله والضمير للاستهزاء أي ضمير نسلكه المفعول وأرجعه إليه لقربه، وقوله كالخيط مثال للشيء، وقيل تقديره كإدخال الخيط، ولا حاجة إليه. قوله: (وفيه دليل على أنه تعالى الخ) هذا ردّ على المعتزلة في قولهم أنه قبيح فلا يصدر عنه تعالى، ولكن مع الاحتمال لا يخفى حال الاستدلال كما مرّ، ولذلك أيد ما ارتضاه الزمخشريّ من الوجه الثاني بما سيأتي الكلام عليه. قوله:) فإنّ الضمير الآخر في قوله لا يؤمنون به له (أي الضمير المجرور للذكر، وهدّه الجملة حال من الضمير الذي هو مفعول نسلكه فيتعين كونه للذكر، ولا يصح كونه للاستهزاء وقوله مثل ذلك السلك إشارة إلى أنّ المشار إليه مصدر الفعل المذكور كما مرّ تحقيقه في البقرة، وكذلك صفة مصدر محذوف في محل نصب أو خبر مبتدأ في محل رفع ونسلكه جملة مستأنفة، وقوله مكذباً بيان لمعنى الحالية، وتوضيح لها، والمراد أنّ الإلقاء وقع بعده التكذيب من غير توقف فهما في زمان واحد عرفا فلا حاجة إلى القول بأنها حال مقدرة كما ذكره صاحب الكشف، وما ذكره من الحالية غير متعين لاحتمال الاستئناف، واعترض على هذا بوجهين الأوّل أنّ نون العظمة لا تناسب إرجاع الضمير للذكر فإنها إنما تحسن إذا كان فعل المعظم نفسه فعلاً ظهر له أثر قويّ، وليس كذلك هنا فإنه تدافع وتنازع فيه، وأجيب بأنّ المقام إذا كان للتوبيخ يحسن ذلك لأنّ العظمة قد تكون باعتبار اللطف، والإحسان، ولا يجب كونها باعتبار القهر والغلبة،. ولا يخفى أنه باعتبار القهر، والغلبة يقتضي أنه يؤثر ذلك في قلوبهم، وليس كذلك لعدم إيمانهم به وكذا باعتبار اللطف، والإحسان يقتضي
أن يكون سلكه في قلوبهم إنعاماً عليهم، وإذا لم يؤمنوا به فأيّ إنعام عليهم بما يقتضي الغضب فلا وجه لما ذكر الثاني أنّ ضمير به لا يتعين عوده على الذكر حتى يلتزم إرجاع الأوّل إليه أيضا لأنّ الأصل توافق الضمائر فيما ترجع إليه لجواز أن يكون للاستهزاء أيضاً والباء للسببية، وإنما يتعين لو كانت الباء صلة يؤمنون، ولا يخفى ركاكته وبعده يغني عن رذه، وقوله إذ لا يلزم الخ القائل لا يدعي لزومه بل أنه أولى، وهو لا يمكن إنكاره فلا يعدل عنه لغير مقتض، وقوله أو بيان للجملة المتضمنة له أي للذكر أو لهذا المعنى فكأنه قيل أي لا يؤمنون به. قوله: (لجواز أن تكون حالاً من المجرمين) أي لا يلزم كونها حالاً من الضمير حتى يتعين عوده على الذكر قيل، وهذا لا يضرّ القائل إذ المعنى نسلك الذكر في قلوب المجرمين في تلك الحال، وبه يحصل توافق الضميرين أيضاً، ولا يخفى أنه ادّعى تعين عوده على الذكر لكونها حالاً منه فإذا لم تتعين الحالية لا يتعين ما ادّعاه وهذا في غاية الظهور، وكونه من المضاف إليه لأنّ المضاف بعضه، ولم يجعله من القلوب لعدم العائد إليها فمن قال الأولى جعله حالاً من القلوب لم يصب. قوله: (ولا ينافي كونها مفسرة) أي عود الضمير على الاستهزاء لا ينافي كون هذه الجملة مبينة، ومفسرة لها إذ عدم الإيمان بالذكر أنسب بتمكن الاستهزاء في قلوبهم، وكون القائل مراده بيان الإعراب لا دعوى المنافاة غير ظاهر من سياقه في صدد الاستدلال. قوله: (أي سنة الله فيهم) إشارة إلى أنّ الإضافة لأدنى ملابسة لأنّ السنة بمعنى العادة ليست لهم لا أنّ الإضافة على معنى في، وقوله بأن خذلهم، وسلك الكفر في قلوبهم الخ هذا ناظر إلى عود ضمير نسلكه إلى الاستهزاء لأنّ الاستهزاء كفر، وقدمه لأنه تفسير أهل السنة، وقوله(5/284)
أو بإهلاك الخ جار على التفسيرين يعني المراد بسنة الله في الأوّلين إهلاك المكذبين منهم، وهو وان لم يسبق له ذكر لكن السياق منبئ عته، ولذا قدم الأوّل لأنّ ما قبله دال عليه، وعلى التفسير الأوّل هو تسلية للنبيّ صلى الله عليه وسلم، وعلى الثاني وعيد لأهل مكة لأنه إذا أهلك هؤلاء لكفرهم دل على أنّ هؤلاء على شرف الهلاك. قوله: (يصعدون إليها ويرون عجائبها الخ) فالضمير للكفرة، وقوله طول نهارهم من قوله ظلوا لأنه يقال ظل يعمل كذا إذا فعله في النهار حيث يكون للشخص ظل، وأمّا وروده بمعنى صار فعلى خلاف الأصل ومعنى مستوضحين يرونه واضحا ظاهراً لكونه نهاراً، وقوله أو تصعد الملائكة فضمير ظلوا، ويعرجون للملائكة، وقوله وهم يشاهدونهم أي يشاهدون صعود الملائكة من عند الأنبياء عليهم الصلاة والسلام إلى السماء، ومشاهدتهم لهم لفرض وقوعها نهارا كما مرّ، وتشكيكهم إيقاع غيرهم في الشك. قوله:
(سدّت عن الأبصار بالسحر الخ (قال الراغب السكر حالة تعرض بين المرء وعقله، وأكثر ما يستعمل في الشراب المسكر، وقد يكون من الغضب، والعشق قال الشاعر:
سكران سكر هوى وسكرمدامة أنى يفيق فتى به سكران
والسكر بفتحتين ما يسكر، والسكر بالسكون حب! الماء بالسد، والسكر بالكسر الموضع المسدود، ولذا يطلق على الجسر فسكرت هنا قيل إنه من السكر بالضم، وقيل من السكر بالكسر والفتح، وقال ابن السيد السكر بالفتح سد الباب، والنهر وبالكسر السد نفسه، ويجمع على سكور قال الرفاء رحمه الله تعالى:
غناؤنا فيه ألحان السكور إذا قل الغناء ورنات النواعير
فقوله ب! دت الخ إشارة إلى القول بأنه من السكر بالفتح، والكسر بمعنى السد بالمعنيين
بيان للاشتقاق أي سدت أبصارنا بسحر النبيّ صلى الله عليه وسلم على زعمهم، وقوله عن الأبصار بكسر الهمزة متعلق بسدت أي منعت من الأبصار حقيقة، وما نراه تخيل لا حقيقة له، وقوله ويدل عليه قراءة ابن كثير بالتخفيف أي والباقون بالتشديد، ووجه الدلالة عليه أنّ سكر المخفف المتعدي اشتهر في معنى السد، وقوله أو حيرت بالبناء للمجهول إشارة إلى القول الثاني بأنه من السكر ضد الصحو، والتشديد فيه للتعدية لأنّ سكر لازم في الأشهر وقد حكي تعديه فيكون للتكثير، والمبالغة، ووجه دلالة قراءة سكرت كفرحت عليه أنّ الثلاثيّ اللازم مشهور فيه، ولأنّ سكر بمعنى سدّ المعروف فيه فتح الكاف، وعلى هذا فسكرت أبصارنا استعارة، وأمّا على الأوّل فالظاهر أنه حقيقة، وقيل إنه استعارة أيضاً. قوله: (قد سحرنا محمد صلى الله عليه وسلم بذلك) أي بسكر أبصارنا أو بما نراه فالباء للسببية أو للملابسة. قوله: (وفي كلمتي الحصر والإضراب الخ) بين الزمخشريّ الحصر بقوله يبتون القول بأنّ ذلك ليس إلا تسكيرا وتبعه بعض المتأخرين، وأورد عليه العلامة أنّ إنما تفيد الحصر في المذكور آخراً فيكون الحصر في الأبصار لا في التسكير فكأنهم قالوا سكرت أبصارنا لا عقولنا فنحن، وان تخيلنا هذه الأشياء بأبصارنا لكن نعلم بعقولنا إنّ الحال بخلافه، ثم أضربوا عن الحصر في الأبصار وقالوا بل تجاوز ذلك إلى عقولنا، وكذا قال الإمام أيضاً: وهذا مبنيّ على أن تقديم المقصور على المقصور عليه لازم، وخلافه ممتنع، وقد قال المحقق في شرح التلخيص إنه يجوز إذا كان نفس التقديم مفيداً للقصر كما في قولنا إنما زيدا ضربت فإنه لقصر الضرب على زيد قال أبو الطيب:
أساميالم تزده معرفة وإنما لذة ذكرناها
أي ما ذكرناها إلا للذة، وأجاب بأنّ الكلام فيما إذا كان القصر مستفاداً من إنما، وهذا
ليس كذلك وجوابه غير مسلم فإنه قال في عروس الأفراح إنّ هذا الحكم غير مسلم فإنّ قولك إنما قصت معناه لم يقع إلا القيام فهو لحصر الفعل، وليس بأخير، ولو قصد حصر الفاعل لانفصل، ثم أورد أمثلة متعدّدة من كلام المفسرين تدل على خلاف ما قاله أهل المعاني في هذه المسألة فالظاهر أنّ الزمخشري لا يرى ما قالوه مطرداً، وهم قد غفلوا عن مراده هنا، وقيل إنه يجوز أن يعتبر الحصر بعد اعتبار إسناد التسكير إلى الأبصار فيكون من قبيل قصر الموصوف على الصفة قصراً إضافيا أي الواقع تسكير أبصارنا لا أنه كذلك حقيقة، وهذا لا محصل له، ومعنى الإضراب جعل الأوّل في حكم المسكوت عنه دون النفي، ويحتمل(5/285)
الثاني فالإضراب لأنّ هذا ليس بواقع في نفس الأمر بل بطريق السحر، أو هو باعتبار ما تفيده الجملة من الاستمرار الذي دلت عليه الاسمية أي مسحوريتنا لا تختص بهذه الحالة بل نحن مستمرّون عليها في كل ما يرينا من الآيات، وقوله على البت بالتاء المثناة الفوقية أي القطع، وغير ما في الكشاف لما سمعته. قوله:) اثني عشر مختلفة الهيئات الخ) يعني الحمل وما بعده، واختلاف الخواص لاختصاص بعضها بالربيع، وبعضها بالصيف، وبعضها بالخريف، وبعضها بالشتاء، وتفاوت الهواء حرارة، وبرودة، ونحوه وقوله مع بساطة السماء أي كونها متماثلة في الصورة، والحقيقة، واختلاف الخواص مع التماثل يدل على خالق قدير حكيم، وتفسير البروج بما ذكر قول ابن عباس رضي الله عنهما، وهو المشهور وسيأتي في سورة البروج تفسيرها بالكواكب العظام، وما دل عليه الرصد راجع إلى الهيئات، والتجربة راجع إلى الخواص والرصد بمعناه المعروف عند أهل الهيئة، وبساطتها مما اتفق عليه الحكماء، وأصحاب الرياضات. قوله: (بالأشكال والهيئات البهية) جعل الضمير راجعا إلى السماء لئلا تنتشر الضمائر، وقيل إنه للبروج، وقوله المعتبرين جعل النظر بمعنى الأبصار لأنه المناسب للتزيين، ثم أشار إلى أنه كناية عن الاعتبار، والاستدلال بالأثر على المؤثر ومنهم من فسره بالمستدلين، ويناسبه ما وقع في بعض النسخ للمعتبرين باللام الجارة، ولو أسقط قوله يوسوس أهلها، ويتصرّف في أمرها كان أولى. قوله: (بدل من كل شيطان) أي بدل بعض من كل فإن قلت لا بد مع بدل البعض من ضمير يربطه، والبدل يشارك المبدل منه في معنى العامل، وهما هنا مختلفان نفيا، واثباتاً قلت أجاب عن هذا أهل العربية بأن إلا رابطة، وإذا ظهر الربط استغني عن الضمير، وبأن اختلاف التابع، والمتبوع بما ذكر لا ينافي التبعية كما في مررت برجل لا ظريف، ثم إنه
اعترض على البدلية بأنها يشترط فيها أن تكون في كلام غير موجب، وهذا مثبت، ودفع بأنه في تأويل المنفي كما أشار إليه المصنف رحمه الله بتفسير حفظنا بلا يقدرون، وأورد عليه أمران الأوّل أنّ تأويل المثبت بالمنفي في غير أبي ومتصرفاته غيره مقيس، ولا حسن فلا يقال مات القوم إلا زيد بمعنى لم يعيشوا، وقد يدفع بأنّ المصنف رحمه الله تعالى لا يسلم ذلك، ويدل عليه قول النحاة بعد نفي صريح أو مؤوّل مع أنّ المصنف رحمه الله مسبوق به فالعهدة فيه على قائله الثاني أنه على هذا يكون الاستثناء متصلاً فيقتضي أنهم أي المسترقين يوسوسون لأهلها ويتصرفون فيها، وتقدير حفظناها من قرب كل شيطان كما قيل لا يطابق كلام المصنف رحمه الله فالوجه جعله استثناء منقطعا، وقد يدفع بأنه يكفي للاتصال دخوله في كل شيطان، وكونه غير محفوظ عنه في الجملة كما يشهد له تفسير الاستراق، والتصريح بالخطفة في آية أخرى على أنّ الواو في قوله ويوسوس وما بعده بمعنى أو فتأمل. قوله:) واستراق السمع اختلاسه سرا الخ) وهو المراد بالخطفة في الآية الأخرى وقوله شبه إشارة إلى أنه استعارة، وقطان جمع قاطن، وهو الساكن والمراد باً لسمع المسموع، وقوله لما بينهم من المناسبة في الجوهر أي في جشسه لا نوعه لأنّ الملائكة عليهم الصلاة والسلام من نور، والشياطين من نار على ما حققه المصنف رحمه الله في سورة البقرة ولاختلاف النوع لا يقدرون على الاستماع، وتلقي الوحي، وإنما يخطفون خطفات يخلطون فيها فلا ينافي هذا قوله تعالى {إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ} في الشعراء، وقول المصنف رحمه الله هناك أنّ السمع مشروط بمشاركتهم في صفات الذات، وقبول فيضان الحق، والانتقاس بالصور الملكوتية، ونفوسهم خبيثة ظلمانية شريرة بالذات لا تقبل ذلك، وأمّا كون المراد بالسمع ثمة سمع القرآن، وهو مشروط بما ذكر فلا حاجة إليه لا! الشرط المذكور ينافيه، وقوله هنا الجوهر، وثمة صفات الذات صريح فيما قرّرناه لكن الكلام في أنّ الاستراق يقتضي مناسبة الجواهر، والسمع التامّ يقتضي المشاركة المذكورة فإنه لا يتمشى على أصول الشرع، وكأنها من همزات الفلاسفة، وأما كون تلقيهم ما ذكر من الأوضاع الفلكية فمخالف لصريح النظم والأحاديث مع أنه يقتضي أن يكون قطان السماء بمعنى الكواكب، وشموله لشياطين الأنس من المنجمين. قوله: (ولا يقإج فيه تكونها قبل المولد (أي لا يقدح في كلام ابن عباس رضي الله عنهما بكون الشهب قبل مولد عيسى عليه الصلاة والسلام، ومشاهدة(5/286)
انقضاضها لأنه يجوز أن يكون لأسباب أخر، وهو دفع لما قاله بعض الطاعنين في التنزيل. قوله: (وقيل الاستثناء منقطع الخ) فمن في محل رفع بالابتداء، وخبره
جملة فأتبعه الخ، ودخول الفاء لأن من إمّا شرطية أو موصولة مشبهة بها كما قاله أبو البقاء رحمه الله وعلى إلاتصال فهي عاطفة، وقيل عليه إنّ الإبدال يقتضي التجانس، والانقطاع يقتضي خلافه فبينهما تناف وردّ بأن إثبات حكم آخر لبعض المستثنى منه من غير إخراجه عن الحكم السابق انقطاع في الاستثناء فقوله، والانقطاع يقتضي خلافه غير مسلم. قوله: (فأتبعه فتبعه) فليست الهمزة فيه للتعدية، والشهاب من الشهبة، وهي بياض مختلط بسواد وليست البياض الصافي كما يغلط فيه العامة فيقولون فرس أشهب كالقرطاس، وقوله ولحقه يشير إلى أن أتبعه أخص من تبعه قال الجوهريّ رحمه الله تبعت القوم تبعا، وتباعة بالفتح إذا مشيت خلفهم أو مروا بك فمضيت معهم وأتبعت القوم على أفعلت إذا كانوا قد سبقوك فلحقتهم، وقال الأخفش رحمه الله أنّ تبعه، وأتبعه بمعنى كردفته، وأردفته، والمصنف رحمف الله تعالى مشى على الفرق بينهما، وهو أحسن. قوله: (ظاهر للمبصرين) إشارة إلى أنه من أبان بمعنى ظهر اللازم، وقوله وقد يطلق للكوكب أي يستعمل له، ولذا عداه باللام دون على، وقوله في الأرض، وهي إمّا شاملة للجبال لأنها تعد من الأرض أو خاصة بغيرها لأنّ أكثر النبات وأحسنه فيها، وقوله أو فيها، وفي الجبال أي فالضمير إما لما قبله مطلقاً بالتأويل، وامّا عائد على الأرض! بمعنى ما يقابل السماء على طريق الاستخدام، وأمّا عوده على الرواسي لقربها، والمراد بالإنبات إخراج المعادن فبعيد. قوله: (مقدّر بمقدار معين) فهو مجاز مستعمل في لازم معناه أو كناية أو من استعمال المقيد في المطلق، وأمّا إذا كان بمعنى مستحسن فهو مجاز عما يوزن من الجواهر، وقد ذكر الشريف الرضي في الدرر إنّ العرب استعملته بهذا المعنى كقول عمرو بن أبي ربيعة:
وحديث ألذه وهو مما تشتهيه النفوس يوزن وزنا
وهو شائع في كلام العجم، وتبعهم المولدون كثيرا فيقولون قوام موزون أي معتدل، وقد علمت أنه سمع من العرب، وقوله أوله وزن أي قدر ووقع فتجوّز بالوزن كما تجوز بالقدر، وقوله أو ما يوزن، ويقدر هو إمّا مجاز كما مر فعطف قوله، ويقدر تفسيري، والفرق بينه، وبين الأوّل أنّ تقدير الأوّل جعله على مقدار تقتضيه الحكمة، وفي هذا جعله على مقدار يقدره الناس، وقيل إنه حقيقة، وإنه مناسب لكون الضمير للجبال، وإنّ قوله له وزن معناه أنّ له قدرا واعتبارا. قوله: (على التشبيه بشمائل) هي رواية للأعرج وخارجة عن نافع يعني أنّ الياء فيه
عين الكلمة، والقياس في مثله أن لا تبدل منه همزة لأنها إنما تبدل من الياء الزائدة كياء شمائل، وخبائث لكنها لمشابهتها لها في وقوعها بعد مدة زائدة في الجمع عوملت معاملتها على خلاف القياس. قوله: (عطف على معايش أو على محل لكم الخ الا على المجرور لأنه بدون إعادة الجار شاذ، وقوله ويريد الخ أي المراد بمن الخدم، والعيال، وذكر بهذا العنوان لظن بعض الجهلة أنهم يرتزقون منهم أو الامتنان بأنه استخدامهم من تكفل بنفقته، وقوله وفذلكة الآية أي محصلها واجمالها، والاستدلال خبره، وعلى كمال قدرته متعلق به، والامتنان معطوف عليه، وقوله ممدودة لا ينافي كريتها كما مر واختلاف الشكل، والأجزاء مستفاده من جعل الرواسي فيها، وأنواع النبات من قوله، وأنبتنا فيها والحيوان مأخوذ من قوله معايش، ومن مدلول الكلام، وتناهي حكمته بلوغها النهاية، والغاية فيها. قوله: (أي وما من شيء إلا ونحن قادرون على إيجاده وتكوينه) يشير إلى أنّ أن نافية، والخزائن جمع خزانة، ولا تفتح، وهي اسم المكان الذي يخزن فيه الشيء، ويحفظ شبه اقتداره على كل شيء، وايجاده بالخزائن المودعة فيها الأشياء المعدّة لإخراج ما يشاء منها وما يخرجه إلا بقدر معلوم فهو استعارة تمثيلية قيل، والأنسب أنه مثل لعلمه بكل معلوم، وأنه لم يوجد شيء منها إلا بقدر معلوم، ووجهه أنه يبقى شيء على عمومه لشموله الممكن، والواجب بخلاف القدرة، ولأنّ عند أنسب بالعلم لأنّ المقدور ليس عنده إلا بعد الوجود، وقيل عليه إنّ كون المقدورات في خزائن القدرة ليس باعتبار الوجود الخارجي بل الوجود العلمي، والفاء في قوله فضرب تفسيرية كما(5/287)
في قوله: {وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ} [سورة هود، الآية: 45] فقال الخ وهو تفسير لقوله بالغ لما في التمثيل من المبالغة كما بينه، وقوله ما من شيء أي من الأنواع أو الإفراد التي لم تخلق، وعممه ليكون كالدليل على ما قبله، وخصصه الزمخشريّ بما ينتفع به بقرينة السياق، وهو من الاستعارة التمثيلية على الأوّل، ومن المكنية، والتخييلية على الثاني. قوله: (من يفاع القدرة (بفتح الياء بمعنى المرتفع ضد الحضيض، وهو استعاوة لعظمة قدرته أو هو كلجين الماء فالمراد بالتنزيل الإيجاد، والإنشاء. قوله: (حدّه الحكمة) بلفظ الماضي أي جعلت له حذاً، وقوله لا بد له من
مخصص حكيم إشارة إلى كون الآية دليلاً على الألوهية. قوله: (حوامل شبه الريح الخ) يعني أنه جمع لاقح بمعنى حامل يقال ناقة لاقح بمعنى حامل فهو من التشبيه البليغ شبهت الريح التي تأتي بالسحب الماطرة بالناقة الحامل لأنها حاملة للسحاب الماطر أو للماء الذي فيه، وقال الفراء: إنها جمع لاقح على النسب كلابن، وتامر أي ذات لقاح، وحمل وهي التي تجيء بالسحب الممطرة، ويقال لضدّها ريح عقيم. قوله: (أو ملقحات للشجر أو السحاب) عطف على قوله حوامل، وهو من ألقح الفحل الناقة إذا ألقى ماءه قيها لتحمل فاستعير لصب المطر في السحاب أو الشجر، وإسناده إليها على الأوّل حقيقة، وعلى الثاني مجاز إذ الملقي في الشجر السحاب لا الريح، وهو حينئذ جمع ملقح بحذف الزوائد كالطوائح أو هو جمع لاقح على النسب أو هو مجاز وكلام المصنف رحمه الله تعالى صريح في الأوّل، ولقح الشجر تنميته ليثمر، ويزهو أو أن يجري الماء فيه. قوله: (ومختبط مما تطيح الطوائح) صدره:
ليبك يزيد ضارع لخصومة
وهو من شعر في رثاء يزيد النهشلي واختلف في قائله فقيل لبيد وقيل نهشل بن حرب،
وقيل الحرث بن نهيك النهشلي، وقيل الحرث بن ضرار النهشلي، وقيل مزرد كما في شرح أبيات الكتاب، والمختبط طالب العرف المحتاج، وأصله من تخبط ورق الأشجار لتأكلها الدواب، وإنما يفعل ذلك في الجدب، وشدّة الاحتياج، وتطيح بمعنى ترمي، والطوائح جمع المطيحة بمعنى السنين أو الجوائح الرامية له أو جمع طائحة على التجوّز، وقوله على تأويل الجنس الخ أي أنها وإن كانت مفردة على هذه القراءة لكن دخول الألف، واللام الجنسية عليها صيرها في معنى الجمع فلذا صح جعل لواقح حالاً منها فالمعنى جنس الريح نحو أهلك الناس الدينار الصغر فإن قلت هذه القراءة تخالف ما قالوه في حديث اللهمّ اجعلها رياحاً ولا تجعلها ريحا من أنّ الرياج تستعمل للخير، والريح للشرّ قلت هذا ليس من الوضع، وإنما هو من الاستعمال، وهو أمر أغلبيّ لا كليّ فقد استعملت الريح في الخير أيضا نحو قوله تعالى: {وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ} [سورة يونس، الآية: 22] أو هو محمول على الإطلاق بأن لا يكون معه قرينة كالصفة والحال، وأمّا كون المراد به الدعاء بطول العمر ليرى رياحا كثيرة فلا وجه
له، وقوله سقيا كبشرى بمعنى تسقي به الأراضي، والمواشي فليس أسقاه بمعنى سقاه، وان ورد بهذا المعنى أيضاً. قوله: (قادرين متمكنين من إخراجه) أي من العدم لأن الخزن اتخاذ الخزائن، وهو يستعار للقدرة كما مرّ وأشار إليه بقوله نفي عنهم ما أثبته لنفسه أي في قوله: {وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ} أو في قوله وأنزلنا الخ ووجه دلالته على إثباته لنفسه هنا كما صرّح به أوّلاً أنه من باب، وما أنت علينا بعزيز فيفيد تقديمه القصر ولا حاجة إليه مع دلالة ما مرّ، وهذا على الحصر فيه. قوله: (أو حافظين في الندران) فالخزن مجاز عن مطلق الحفظ في مجاريه مع أنه لو خلي وطبعه لفار، وقوله وذلك أي الحفظ فيما ذكر، وقوله أيضا أي كإنزاله من السماء أو إيجاده، وقوله كما تدلّ حركة الهواء يشير إليه قوله: {وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ} الخ، وقوله فإنّ طبيعة الماء الخ. بيان لدلالة حفظ الماء على ما ذكر، وقوله دون حده أي حد الغور أو حد الماء وطبعه، والغور ذهاب الماء في الأرض!. قوله: (وقد أوّل الحياة بما يعم الخ) فهو من عموم المجاز بمعنى يعطي لكل شيء قوّة النماء ونحوه، وقوله وتكرير الضمير أي في قوله نحن نحي، ونحن الوارثون قيل إنه جعل الضمير للفصل، وهو يفيد القصر، وقد رذه أبو البقاء رحمه الله تعالى بوجهين أحدهما أنه لا يدخل على الخبر الفعلي، وأنّ اللام لا تدخل عليه قال في الدرّ المصون والثاني غلط فإنه ورد دخولها عليه كقوله: {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ} [سورة آل عمران، الآية: 62] وهذا مبنيّ على مذهب الجرجاني، وبعض النحاة إذ جوزوا دخوله على المضارع كقوله: {إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ} [سورة البروج، الآية: 13](5/288)
والعجب من أبي البقاء فإنه ردّه هنا وجوّزه في قوله تعالى: {أُوْلَئِكَ هُوَ يَبُورُ} [سورة فاطر، الآية: 0 ا] كما نقله في المغني.
قوله: (الباقون إذا مات الخلائق كلها) فهو استعارة كما وقع في الحديث: " اجعله الوارث منا " أ1) وقوله من استقدم ولادة وموتا استقدم، واستأخر بمعنى تقدم وتأخر، ولا حاجة إلى جعل الواو بمعنى أو لأنهما معلومان له تعالى وقوله بعد أي إلى الآن. قوله: إ وهو بيان لكمال
علمه بعد الاحتجاج على كمال قدرته) بما مرّ كما صرّح به في تفسير قوله تعالى: {وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ} وقوله فإنّ ما يدل على قدرته دليل على علمه بيان لوجه تعقيبه لأنّ القادر على كل شيء لا بدّ له من علمه بما يصنعه، وكونه بياناً لكمال علمه على هذا الوجه، وأمّا على الوجهين الأخيرين فالمعنى يجزيهم على قدر نياتهم كما أشار إليه بقوله يحشرهم لا محالة للجزاء. قوله: (وقيل رغب رسولي الله صلى الله عليه وسلم في الصف الخ) قال السيوطيئ: لم أقف عليه، وقوله: أنّ امرأة حسناء (1) أخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه وابن حبان والحاكم وصححه من حديث ابن عباس رضي الله عنهما. قوله: (وتوسيط الضمير للدّلالة الخ) جعل الضمير للحصر، وقد مرّ الكلام عليه، وقيل عليه إنه في مثله يكون الفعل مسلم الثبوت، والنزاع في الفاعل، وهاهنا ليس كذلك فالوجه جعله لإفادة التقوى، وهذا في القصر الحقيقي غير مسلم كما صرّح به المطوّل. قوله: (وتصدير الجملة بأنّ لتحقيق الوعد والتنبيه الخ) كما نبه عليه بقوله لا محالة، وفائدة الإعادة بناء قوله، والتنبيه الخ. عليه والمراد بالوعد وعدهم بالحشر، والجزاء، وقوله يدل على صحة الحكم أي بالحشر، وقوله كما صرّح به أي بالدلالة على كمال قدرته، وعلمه، وذكره لأنّ تأنيث المصدر غير معتبر، وقوله أنه حكيم الخ. جملة مستأنفة لتعليل ما قبله، وباهر الحكمة أي عالم بالأشياء على ما هي عليه وفاعل لها كما ينبغي، وقوله متقن في أفعاله تأكيد له باعتبار جزء معناه. قوله: (طين يابر يصلصل) أي يصوّت إذا نقر كذا نقله في الدرّ المصون عن أبي عبيدة رحمه الله تعالى، وهو محصل ما في الكشاف وناهيك بهما إمامان في اللغة، وكذا فسره الراغب فمن قال إني لم أجده في اللغة لم
يصب، واشتقاق الصلصلة كالصريح فيه. قوله: (وقيل هو من صلصل إذا أننن تضعيف صل) وصلصال بفتح أوّله، وكسره، وفي هذا ونحوه مما تكررت عينه، وفاؤه خلاف فقيل وزنه فعفع كررت الفاء، والعين ولا لام نقل عن الفرّاء رحمه الله تعالى قال في الدر المصون وهو غلط لأنّ أقل الأصول ثلاثة فاء، وعين ولام، وقيل وزنه فعفل، وهو المشهور عن الفرّاء، وقيل فعل بتشديد العين، وأصله صلل فلما اجتمع ثلاثة أمثال أبدل الثاني من جنس الفاء، وهو مذهب الكوفيين، وخص بعضهم هذا الخلاف بما إذا لم يختل المعنى بسقوط الثالث نحو لملم، وكبكب فإنك تقول لمّ وكبّ فلو لم يصح المعنى بسقوطه نحو سمسم فلا خلاف في أصالة الجميع، وقال اليمني ليس معنى أنه أصله أنه زيد فيه صاد بل هو رباعي كزلزل، والاشتراك في أصل المعنى لا يقتضي أن يكون منه إذ الدليل دالّ على أنّ الفاء لا تزاد لكن زيادة الحرف تدل على زيادة المعنى. قوله: (طين تغير واسوذا لما خمرت طينته بالماء، وكون الجارّ، والمجرور صفة لوقوعه بعد النكرة، ويجوز أن يكون بدلاً من الجارّ والمجرور قبله، ومسنون صفته، ولا ضير في تقديم الصفة الغير الصريحة على الصريحة فإنه جائز، والنكتة فيه مناسبته لما قبله في أنّ كلا منهما من جنس المادّة قال الرضي إذا وصفت النكرة بمفرد، وظرف أو جملة قدم المفرد في الأغلب، وليس بواجب خلافا لبعضهم، والدليل عليه قوله، وهذا كتاب أنزلناه مبارك لكنه يحتاج إلى نكتة في كلام الله لأنه لا يعدل عن الأصل لغير مقتض، وقد بيناها. قوله: (من سنة الوجه (أي صورته، وقوله أو مصبوب أي معنى مسنون مصبوب من سنه بمعنى صبه، وقريب منه شن الماء بالمعجمة إذا وشه، وقوله لييبس بياءين مفتوحة، وساكنة وبعدهما باء موحدة، وسين من اليبس ضد الرطوبة، وقوله ويتصور بالعطف عليه، والواو لا تقتضي ترتيباً أي صبه، وهو رطب لأجل التصوير، واليبس لتثبت الصورة فيه، وفي نسخة بدل الواو أي التفسيرية، ومعناه لتبقى صورته لأنّ ما لم ييبس لا يبقى، وقيل إنه من تحريف الناسخ، والصواب ليسن، وفي أخرى أو مصبوب مصوّر، وهي ظاهرة وقوله تمثال بكسر التاء الفوقية بمعنى مثال، وفي نسخة بمثال بالباء الموحدة، وقوله طوراً بعد طور أي صار جسدا ولحما، وذا روح وخلقه من تراب سابق على كونه صلصالاً، وقوله إذا نقر صلصل أي صدم بجسم آخر سمع له صوت يشير(5/289)
إلى أنّ من في من حمأ مسنون ابتدائية فتكون ماذة سابقة على كونه صلصالاً، وليس فيه تمثيل كما توهم فإنه تخيل لا وجه له بل كناية عن كاية تجفيفه، وقوله من سننت الحجر الخ، ومنه المسن المعروف، ونتنه تغير رائحته كما نشاهده في طين
الآجام، والسنين بفتح السين المتغير ريحه. قوله: (أبا الجق وقيل إبليس الخ) يعني الجانّ بمعنى الجن أو هولهم كادم للبشر، وأبو الجن إبليس كما في الدرّ المصون، وقوله لأن تشعب الجنس الخ إشارة إلى أنّ خلقهم من النار إذا كان بمعنى الجنس لا ينافي أنّ المخلوق منها إنما هو أبوهم لأنّ الخلق منها شامل لما يكون بواسطة، وبدونها فقوله من نار لا يعين التفسير الأؤل كخلق الإنسان من تراب، وطين. قوله: (من نار الحر الشديد) أراد بالحرّ الريح الحارة فإنه يطلق في العرف بهذا المعنى، وقال الإمام السموم في اللغة الريح الحارة، وهي فيها نار، وقيل سميت سموما لأنها بلطفها تنفذ في مسام البدن قيل فالأولى أن يقول المصنف من نار الريح الشديد الحر ليوافق كلام أهل اللغة، وهو تسمح سهل كما عرفت والمسام منافذ البدن، وهو جمع لا واحد له، وهو إشارة لاشتقاقه. قوله: (ولا يمتنع خلق الحياة في الإجرام البسيطة الخ) جواب عما يقال كيف تخلق الحياة في النار، وهي يسيطة، والحياة كالمزاج لا تكون إلا في المركبات، وقد اشترط الحكماء فيها البنية المركبة فما ذكره رد عليهم فأجاب بمنعه لأنها إذا خلقت في المجردات كالملائكة عليهم الصلاة والسلام فبالطريق الأولى البسائط مع أنّ هذا غير وارد رأساً لأنّ معنى كونها من نار أنه الجزء الأعظم الغالب عليي كالتراب في الإنسان، ولذا مال بالطبع إلى أسفل فليست بسيطة كما هو محصل آخر كلامه لكنه لم يرتبه على مقتضى المناظرة، والمراد بالبسيط ما لم يتركب من أجزاء مختلفة الطبع فإنه أحد معنييه، والآخر ما لا جزء له، وقيل أراد بالمجردة الأجزاء الفردة كما وقع في بعض النسخ ففيه رد على المعتزلة في اشتراط البنية المركبة من الجواهر الفردة، وقوله فإنها أقبل لها لأنها غير مضادّة لها بل مقوية لها، وقوله باعتبار الغالب مرّ تقريره، وجزم به هنا، وصدره في سورة الأجمراف بلعل، ولا منافاة بينهما. قوله: (فهو للتنبيه على المقدمة الثانية الخ) إشارة إلى ما استدل به المليون على إمكانه من أنه كلما كان جمع الأجزاء، وتأليفها على ما كانت عليه، واعادة الحياة فيها أمرا ممكناً، وثبت أنه تعالى عالم بتلك الأجزاء قادر على جمعها وتأليفها، واحيائها ثبت إمكان
الحشر لكن المقدم حق فالتالي مثله فإمكان الحشر يتوقف على أمرين قابلية الأجزاء للجمع، والأحياء، وعلمه تعالى بها، وقدرته على جمعها، واحيائها ففي الآية دليل على كلا الأمرين كما أشار إليه لكنه أطلق المقدمة الثانية على قبول الأجزاء للجمع والأحياء تقديماً لشمول العلم، وعموم القدرة في النظر، والاعتبار لكونه الأصل، وجعل كمال قدرته مقدمة أولى مع أنه لا بد من عموم علمه أيضاً لانطوائه فيه، واسنلزامه كما نبه عليه أيضا بقوله ما يدل على كمال قدرته دليل على عموم علمه كذا قرّره الفاضل المحشي، وقيل إنه تكلف لا حاجة إليه فإنه إمّا قياس استثنائي اسنثنى فيه عين المقدّم هكذا كلما أمكن جمع الأجزاء على ما كانت عليه، واعادة الحياة فيها أمكن الحشر أو اقتراني هكذا أجزاء الموتى تقبل الجمع، والحياة، وكل ما كان شأنه ذلك أمكن حشره فالمنبه عليه المقدمة الأولى دون الثانية، والمطلوب إمكان الحشر لا وقوعه، وقوله وهو قبول الخ الضمير للمقدمة وذكر باعتبار الخبر أو لتأويلها بجزء الدليل. قوله: (حتى جرى آثاره) فجعل الروح منفوخا فيه مجاز عن جريان أثره فإنها مجردة، وتجاويف جمع تجويف، والمراد به المجوّف، وقوله إجراء الريح أي من الفم أو غيره، وهذا معنى عرفي لا لغويّ، وقوله ولما كان الروح أي النفس الناطقة، وهذا كلام الفلاسفة، وكثيراً ما يعوّل عليه والبخار اللطيف يسمى روحا عند الأطباء، وهو في أحد تجويفي القلب فإنّ له تجويفاً في جانبه الأيسر ينجذب إليه دم لطيف يحصل منه بخار لطيف في الجانب الآخر بواسطة حرارته، وهذا البخار تتعلق به النفس الناطقة أوّلاً، وقوله المنبعث أي الخارج منه إلى الدماغ، وغير. وضمير وتفيض للروح، وقوله حاملاً لها لتلك القوّة، وفي تجاويف متعلق بيسرى، والشرايين العروق النابضة حينئذ جمع شريان، وغيرها تسمى أوردة. قوله: الما مرّ في النساءا لأنه خلقها من غير واسطة تجري مجرى(5/290)
الأصل، والمادّة أو الإضافة للتشريف فتخصيص الروح الإنسانية لا يحتاج إلى مخصص كما قيل. قوله: (أمر من وقع يقع) كان الظاهر تقديمه على ساجدين، واعتذر بأن السجود لما كان بياناً لكيفية الوقوع هنا قدّمه عليه. قوله: (كد بتثيدين الخ) في التسهيل لا تعرض في أجمعين إلى اتحاد الوقت بل هو ككل في إفادة المعموم مطلقا خلافا للفراء فإنه زعم أنه يفيد مع التأكيد الاجتماع في وقت واحد، وليس
كذلك عند البصريين، واستدلوا بقوله عز وجل: {لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} [سورة ص، الآية: 82] فإنّ إغواءهم لم يكن في وقت واحد ورده المدقق في الكشف بأنّ الاشتقاق من الجمع يقتضيه لأنه ينصرف إلى أكملى الأحوال فإذا فهمت الإحاطة من لفظ آخر، وهو كل لم يكن بد من كونه في وقت واحد، والا كان لغوا والردّ بالآية منشؤه عذم تصور وجه الدلالة، ومنه تعلم انّ ما قاله المبرّد هو الحق الموافق لبلاغة التنزيل، وقوله ومنع مجرور معطوف على التعميم. قوله: (1 ن جعل منقطعاً اتصل به قوله أبي الخ) وجه الانقطاع ظاهر لأنّ المشهور أنه ليس من جنس الملائكة، والانقطاع يتحقق بأحد أمرين عدم دخوله في المستثنى منه أو في حكمه، وما قيل إنه لو كان منقطعا لم يكن مأموراً بالسجود فلا يذم، والاعتذار عنه بأنهم كانوا مأمورين، واستغنى بذكر الملائكة عليهم الصلاة والسلام عنهم، وإنه معنى الانقطاع، وتوجه اللوم من ضيق العطن كما مرّ تفصيله. قوله: (أي ولكن إبليس الخ) فإلا بمعنى لكن وابليس اسمها، وجملة أبي خبرها كذا في شرح الكشاف وسيأتي ما فيه، وقوله وان جعل متصلاً إمّا بأن يكون ملكاً أو الجن من جنس الملائكة أو غيرهم، ولكنه داخل فيهم على طريق التغليب كما مرّ، وجملة أبي حينئذ مستأنفة استئنافاً بيانياً، وقوله أفي غرض لك في أن الخ أي هو على تقدير حرف الجرّ، والغرضية من اللام، وقوله اللام لتأكيد النفي كما قرّرناه في لام الجحود، وتفسير نفي كان بنفي الصحة هو أحد استعمالاته، ومن قال إنه لزمه لا لأنّ نفي السجدة كناية عن نفي الصحة بناء على عدم صلوحه للجواب بل بيان لأنّ الجواب لم أكن مع ما بعده لا وجه له، وقوله وخلقتني من نار إشارة إلى مراده بدليل بيان ماذة آدم، وقوله قبله من نار السموم، وقوله وأناملك إشارة إلى وجه الاتصال على قول. قوله: (باعتبار النوع والأصل الخ) يعني قوله بشر، ومن صلصال ومرّ في الأعراف أنّ إبليس مخطئ فإنه رأى الفضل كله باعتبار العنصر، وغفل عما يكون باعتبار الفاعل كما أشار إليه بقوله: {مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [سورة ص، الآية: 75] أي بغير واسطة، وباعتبار الصورة كما نبه عليه بقوله، ونفخت فيه من روحي، وباعتبار الغاية، وهو ملاكه. قوله: (من السماء) هذا هو الظاهر، ولذا قدمه، وقوله أو الجنة قيل لقوله:!! كن أنت ورّوجك الجنة} [سورة البقرة، الآية: 35] ولوقوع الوسوسة فيها وردّ بأنّ وقوعها كان بعد الأمر بالخروح من السماء أو من زمر الملائكة عليهم الصلاة والسلام، ويلزم منه خروجه من السماء إذ كونه بانزوائه عنهم في جانب لا يعدّ خروجا في المتبادو،
وكفى به قرينة. قوله: (مطرود من الخير والكرامة الخ) إشارة إلى أنه كناية عن الطرد لكونه لازما للرّجم، وكونه بمعنى المرجوم بإلشهب يقتضي أنه للاستقبال، وتقدير موصونه بشيطان لأنه هو المرجوم بها لقوله تعالى: {وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِّلشَّيَاطِينِ} [سورة الملك، الآية: 5] ولذا قيل إنه كناية عنه، وقوله وهو وعيد أي بالرجم بها، وما شضمنه من الخزي وتضمف للجواب عن شبهته لأنه تضمن شقاوته، وسوء خاتمته، وبعده عن الخير فهو الذ ي منعه عن السجود لا شرف عنصره، وفيه لطيفة أخرى، وهو أنه لما افتخر بالنار في الدنيا عدّب بها كالمجوس فكب فيها على وجهه وقيل قضمنه للجواب بالسكوت كما قيل جواب ما لا يرتضي السكوت، وقيل لأنه علم منه أنّ الشرف بتشريف الله، وتكريمه فبطل ما ادّعاه من رجحانه إذ أبعده، وأهانه، وقرّب آدم عليه الصلاة والسلام، وكرمه. قوله: (فإنه منتهى امد اللعن فإنه يناسب أيام التكليف (الضمير الأوّل ليوم الدين، ومنتهى اسم زمان النهاية جواب عن سؤال، وهو أنّ إلى لانتهاء الغاية فيلزم زوال اللعن، والطرد عن رحمة الله عندها فأجاب أنه أريد به وقت جمع الخلائق، وهو اليوم المعلوم لأنه لا يعلمه إلا الله فجعله غاية للعنة لانقطاع التكليف به، وقوله فإنه أي اللعن ينايسب أيام التكليف فالمراد لعن الخلق له، وألا فإبعاده عن الرحمة ثابت له إلى الأبد، ولا يلزم منه تكليف(5/291)
العباد إذ المراد منه الثوأب، وتد يؤوّل بالطرد عن رحمة الله المجرّد عن الجزاء والعذاب، وفي نسخة لا يناسب فالضمير راجع إلى يوم الدين. قوله: (ومنه زمان الجزاء) وتع في النسخ هنا اختلاف فأشهرها هذه، وقد قيل فيها إنّ منه اسم فاعل من أنهى فهو منه، وزمان منصوب على أنه مفعوله أو مرفوع على أنه مبتدأ مؤخر ومنه خبر مقدم أي يوم الدين قاطع لزمان الجزاء، والتكليف، ومنهم من جعل منه جارا، ومجرورا خبرا مقدما وزمان الجزاء مبتدأ مؤخرأ، ومن ابتداء أي زمان الجزاء مبتدأ من يوم الدين، وهو الظاهر، ويشهد له أنه وقع في نسخة أخرى، ومن اليوم! زمان الجزاء. قوله: (وما في قوله فأذن مؤذن بينهم أن لعنة الله الخ (جواب عن سؤال، وهو أنه كيف يكون منتهى أمد اللعنة، وقد أثبته الله فيه في هذه الآية فأجاب بأنها بمعنى آخر أي اليوم الذي تنسى عنده هذه اللعنة لغاية فظاعة اللعنة المذكورة كما يعلم من تفسيرها. قوله: (وقيل إنما حدّ اللعن الخ) هذان جوابان آخران يخي المراد به التأبيد، ويوم الدين بمعنى يوم القيامة لأنه أبعد غاية تضربها الناس أو المراد أنّ اللعن في يوم القيامة كالزأئل لإذهال شدة العذاب عنه. قوله:) أو لأنه يعذب) هذا هو الوجه الثاني،
والظاهر أنه عليه حقيقة، وإنه غاية لأهون الشرّين، وقيل إنه استعارة مكنية بتشبيه المنسيّ بالزائل وتخييلية هي إثبات التحديد بالوقت له أو إلى استعارة تبعية. قوله: (والفاء متعلقة بمحذوف) أي إن أخرجتني فأنظرني. قوله: (أراد أن يجد فسحة في الإغواء) وفي نسخة بالإغواء قال العلامة فإبليس لما سأل الأنظار إلى يوم البعث كان غرضه أن لا يموت أصلا إذ لا موت بعد البعث فمنعه الله عن هذا الأنظار وأنظره إلى آخر زمان التكليف، وقد أعطاه الله تعالى مسؤوله 0 قوله: (المسمى فيه أجلك عند الله أو انقراض الناس كلهم وهو النفخة الأولى عند الجمهور (أي يوم النفخة الأولى ومقابل قول الجمهور القول الأوّل، وهو وقت علم الله انتهاء أجله فيه. قوله: (ويجوز أن يكون المراد بالآيام الثلاثة يوم القيامة) أي يوم الدين، ويوم يبعثون، ويوم الوقت المعلوم، وقوله فعبر إمّا مبنيّ للمفعول أو للفاعل والضمير دلّه، وقوله لما عرفته من أنّ الدين بمعنى الجزاء ومنه ابتدئ بزمان الجزاء. قوله: (وثانياً بيوم البعث) مع أنّ البعث قبله، ومراد إبليس بحده على أنّ المراد يوم القيامة 11 نمسحة في الإغواء لا النجاة من الموت بناء على أنه عالم بموته قبله فلا يسأل ما يعلم أنه لا يجىاب إليه كما في الكشف، وقيل عليه إنه ليس ببين ولا مبين، وكونه على غالب الظن لا ي! ت! ي في مثله، ثم اعترض على المصنف رحمه الله في توجيه يوم يبعثون بما ذكره بأنه لا مناسبة له مع تلك التسمية فالأولى أن يقال في وجهه أنّ الخلائق يبعثون فيه أو لأجله، وفيه تأمل، وقوله واليأس عن التضليل أي يأس إبليس عن الإغواء. قوله: (وثالثاً بالمعلوم لوقوعه في الكلامين) أي لسبق ذكره أو لأنه لا يعلمه إلا الله 0 قوله: (ولا يلزم من ذلك أن لا يموت الخ (جواب عن سؤال مقدر، وهو أنه إذا أنظر فأمهل إلى يوم القيامة يلزم عدم موته إذ لا موت بعده، والنص بخلافه فأجاب بأنّ أيام القيامة ليست كأيام الدنيا بل بمقدار سنين فيجوز أن يموت في أوّله، ويكون البعث بعد ذلك في أثنائه، ومنهم من حمل يوم يبعثون على ما يكون قريبا منه، وهو وقت موت كل المكلفين قريباً من يوم البعث فرجع الكلام إلى أنّ مسؤوله الأنظار إلى آخر أيام التكليف فيكون أعطى مسؤوله، وهو القول الآخر كما مرّ، وما قيل إنه ليس في القيامة يوم، ولا ليل فيوم البعث بمعنى وقت البعث فألمحذور باق ليس بشيء لأنّ المراد باليوم وقت معين فلا محذور فيه.
قوله: (وهذه المخاطبة وإن لم تكن بواسطة لم تدل على منصب إبليس) أي شرفه لأنه في الأصل بمعنى الأصل ويستعار للشرف قال أبو تمام:
ومنصب نماه ووالدسما به
أي إنما تدل على ذلك لو لم تكن للإهانة وهي كذلك هنا، وقوله وان لم معطوف على مقدر أي إن كانت بواسطة، وان لم تكن لا تدل على الشرف، وطوى الأوّل لظهوره على قاعدة أن الوصلية فمن قال الأولى حذف الواو لم يصب وقد ذهب بعض المفسرين إلى أنها بواسطة ملك. قوله: (الباء للقسم الخ) اختار الوجه الآتي في الأعراف، ومرض القسمية، وعكس! هنا، والقصة واحدة فالفرق بين المحلين تكلف لا حاجة إليه وكم في هذا الكتاب مثله، وضمير لهم للذرية المفهوم من السياق، وان لم يجر له ذكر للتصريح في آية أخرى به كقوله: {لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ} [سورة الإسراء، الآية: 62] وقوله لأزينن لهم المعاصي إشارة إلى مفعوله المقدو، وقوله في الدنيا إشارة إلى أن(5/292)
المراد على هذا الوجه بالأرض معناها العرفي، وهي دار الدنيا، وما فيها من الشهوات الفانية، وقد مر تفسيرها وذكرت بهذا اللفظ تحقيراً لها، وترك الوجه الآخر المذكور في الكشاف، وهو تنزيل الفعل منزلة اللازم ثم تعديته، وأنّ المراد لأحسنن الأرض، وأزينيا لهم حتى يشتغلوا بها عن الآخرة كما بين في شروحه. قوله: (وفي انعقاد القسم بأفعال الله تعالى خلاف) وقع في كتب الشافعية والحنفية، والنزاع في أنه يمين يترتب عليها أحكامها من الكفارة، وغير ذلك، ولا خلاف في أنّ الحلف والقسم في عرف العرب يقع عليه، وهو متعارف عندهم، ولهذا ورد النهي عن الحلف بالآباء، وعدّه الأصحاب هـ صحروهاً فلذا قيل إنّ! ذكره المصنف رحمه الله لا مساس له بالمقام، وليس بشيء لأنه استطراد الكلام الفقهاء إلا أنّ الصفة إذا لم تشعر بتعظيم ويتعارف منها ليست بيمين عندهم، وكلام المصنف رحمه الله موهم بأنّ الخلاف فيها مطلقاً، وكذا ما قيل إنّ أقسام إبليس بإغوائه بلا إنكار من الله يصلح دليلا للقائلين بجواز الحلف الشرعي بفعل من أفعاله تعالى فمساسه للمقام ظاهر فإنه كيف يصلح دليلا، وليس محلاً للنزاع عندنا، وعندهم فتأمّل. قوله: (وقيل للسببية) قيل إنه أولى لأنه وقع في مكان آخر فبعزتك، والقصة واحدة، والحمل على محاورتين لا موجب له، ولأنّ القسم بالإغواء غير متعارف، ولعله لذلك رجح السببية في الأعراف، وفيه نظر لأنّ قوله فبعزتك يحتمل القسمية، وقد صرّج الطيبي رحمه الله بأنّ مذهب الشافعية أنّ القسم بالعزة، والجلال يمين شرعاً فكيف تكون تلك الآية مؤيدة لمذعاه، وهي
عليه لا له. قوله: (والمعتزلة أوّلوا الإغواء بالنسبة إلى الغيئ) أي المراد من الإغواء نسبته إلى الغيّ كفسقته نسبته إلى الفسق لا فعلته أو أنّ المراد فعل به فعلاً حسنا أفضى به لخبثه إلى الغيّ كأمره بالسجود على ما في الكشاف، وقد ذكره المصنف رحمه الله في الأعراف، وفسر به الآية ثمة فلذا قيل إنه ذكره على أنه أحد محتملات النظم من غير التزام له، وانكار لجواز نسبة مسببه إليه، والإضلال عن طريق الجنة ترك هدايته اللطف به فليس فيه نسبة القبيح إلى الله حتى يلزمهم الوقوع فيما فرّوا منه. قوله: (واعتذروا عن إمهال الله له الخ) أي المعتزلة اعتذروا عن أنظار إبليس وهو لإفضائه إلى الإغواء قبيح إذ الإعانة على القبيح مثله لا مطلق العلماء فإنّ أهل السنة ذكروه على أنه حكمة لا لأنهم لم يذكروه على وجه الاعتذار إذ لا حاجة إليه عندهم، وقوله بأنّ الله متعلق باعتذاو. قوله: (وضعف ذلك لا يخفى على فوي الألباب (لأنه مع أن مثله ينبغي أن يفوّض إلى الله فإنه لا يسئل عما يفعل لا يناسب أصولهم أيضاً في وجوب رعاية الأصلح فإنه يقتضي أن لا يمكن مما هو سبب الغيّ، وأن لا يسلطه على بني آدم فيزيد غيهم المقتضى لشدّة تعذيبهم، وما التجؤوا إليه من قولهم أن في إمهاله تعريضاً الخ يعني أنّ إمهاله ليس لما ذكر بل لتعريض بني آدم للثواب، ولا يرد عليه إنه معارض! بالمثل فإنّ فيه تعريضاً لمتبعيه بخلافه. قوله: (ولأحملنهم أجمعين على الغواية الخ) أوّله ردّا على المعتزلة في تمسكهم به لأنّ الإغواء القبيح فعل الشيطان لا فعل الله، ولذا نسب له، وحاصله أنه لا متمسك لهم فيه لأنّ المراد الحمل عليه لا إيجاده لقوله سابقا بما أغويتني حيث أسند الإغواء إليه فإنّ أوّلوا الأوّل فليس تأويل أولى من تأويل. قوله: (أخلصتهم لطاعتك (تفسير له على فتح اللام وأنه اسم مفعول، وعلى الكسر معناه ما ذكره، وقال! في سورة يوسف أخلصوا دينهم لقوله: {مخلصين له الدين مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [سورة الأعراف، الآية: 29] وقوله وطهرتهم من الشوائب أي من كل ما ينافي الإخلاص وقوله فلا يعمل فيهم كيدي إشارة إلى أنه من ذكر السبب وارادة مسبيه، ولازمه على طريق الكناية لينتظم اللحاق بالسباق فإنه كان الظاهر أنّ منهم من لا أغويه لكن الإخلاص، والتمحض دئه يستلزمه فذكر ليثبت ما ذكر بدليل فهو ابلغ من التصريح به قوله: (حق على ان اراعيه) كذا فسره في الكشاف بناء على مذهبه في الأصلح على الله وكلمة على
تستعمل للوجوب، وما ذكره المصنف رحمه الله ليس متابعة له بل هو على اصل اهل السنة، والجماعة كقوله: ( {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} ) [سورة الروم، الآية: 47] من أنه، وان كان تفضلاَ منه إلا أنه شبه بالحق الواجب لتأكد ثبوته، وتحقق وقوعه بمقتضى وعده، وعلى الوجه الآتي هو كقولهم طريقك عليّ، وايثار حرف الاستعلاء دون إلى التشبيه الثبوت بتمكن الاستعلاء، والا فهو منزه عن استعلاء شيء عليه تعالى الله(5/293)
عن ذلك علواً كبيرا.
قوله: (لا انحراف عنه) أي لا يجوز العدول عنه إلى غيره، وجعل الإشارة إلى ما تضمنه، وهو تخلصهم منه، وأنه مما التزمه تكرّما بوعده، وهذا على قراءة فتح اللام أنسب، وقوله أو الإخلاص بالجرّ معطوف على ما تضمنه، وهو على قراءة الكسر، وقوله أنه طريق عليّ الخ هذا تفسير آخر على جعل الإشارة إلى الإخلاص لقوله عليّ، وهو تمثيل كما مرّ، وليست على فيه بمعنى إلى، وهو متعلق بيمر مقدّراً وطريق متضمن له فيتعلق به، وقوله من غير اعوجاج تفسير لمستقيم، وضلال عطف تفسير على اعوجاج. قوله: (تصديق لإبليس الخ) فهو كالتقرير لقوله إلا عبادك منهم المخلصين، ولذا لم يعطف على ما قبله، وقوله وتغيير الوضع أي التعبير بعبارة أخرى بجعل المستثنى مستثنى منه، وتقديم عبادة المشزفين بالإضافة في الذكر، ولا تراد الإضافة لسبقها، وان كان بين الإضافتين فرق، والتعظيم من جعلهم متبوعين محكوما عليهم وعبادي للجنس فإذا أخرج منهم الغاوون بقي المخلصون، وكان يحتمل أن تكون الإضافة للعهد لكن يكون الاستثناء منقطعاً، وظاهر كلامه الآتي أنه على هذا الوجه يكون متصلاً، وحمل قوله يكون الاستثناء منقطعا على أنه متعين الانقطاع خلاف الظاهر، وقال في المغني: المراد بالعباد المخلصون، والاستثناء منقطع بدليل سقوطه في سورة الإسراء. توله: (ولأن المقصود) أي من الكلام فلذا صدر بقوله إن عبادي ليس لك عليهم سلطان مؤكدا بأن بخلاف الأوّل فإنّ المقصود فيه فعل الشيطان، وقوله مخالب الشيطان أي كيده، ومكره فهو استعارة. قوله:) أو تكذيب له فيما أوهم أنّ له سلطانا) أي تسلطاً، وقهراً فإنّ غاية قدرته أن يغرّهم ولا يقدر على جبرهم لاتباعه كما في الآية المذكورة، وإنما جعله إيهاما لأنّ استثناء المخلصين لإخلاصهم يقتضي أنّ من لا إخلاص له تحت تصرف غوايته،
وتفسير أغوينهم السابق لا ينافي هذا الإيهام لأنه بحسب ظاهر الكلام فهو يؤيد كونه إيهاما غير محقق، والسلطان المنفي هنا غير المثبت له فلا تنافي أيضا، وقوله فانّ منتهى تزيينه، وفي نسخة منة، وهو بضم الميم بمعنى قوّته، وقدرته. قوله: (وعلى هذا يكون الاستثناء منقطعاً (بخلافه على الوجه الأوّل فإنه متصل كما سمعته، وتعين انقطاعه لعدم دخولهم في الحكم إذ المعنى أنّ من اتبعك ليس لك عليهم سلطان بل هم أطاعوك في الإغواء لا غير، ولا يضرّ دخولهم في العباد لأنّ المعتبر في الاتصال، والانقطاع الحكم. قوله: (وعلى الآوّل يدفع قول من شرط أن يكون المستثنى أقل من الباقي الخ الأنه جعل الغاوين مستثنى هنا فيكونون أقل، وقد كانوا مستثنى منهم في قوله إلا عبادك فيكونون أكثر، ويتناقض الكلام فيهما أي يستلزم أمرين متنافيين، وهو ظاهر وخصه بالأوّل لأنّ من قال به إنما قاله في الاستثناء المتصل لا المنقطع لأنه لا إخراج فيه، وصاحب هذا المذهب أبو بكر الباقلاني من الأصوليين، وقيل إن كان المستثنى منه عدداً صريحاً يمتنع فيه استثناء الأكبر، والنصف مثله في الخلاف، وان كان غير صريح لا يمتنعان، واستدلوا عليه في غير العدد بهذه الآية، وتفصيله في الأصول وقد قيل عليه أنّ التصديق في صريح الاستثناء لا ينافي التكذيب في جعل الإخلاص علة للخلاص على ما يشير إليه كلامه فانّ الصبيان، والمجانين خلصوا من إغوائه مع فقد هذه العلة، والظاهر أنّ من مات قبل أن يكلف من العباد أكثر من المكلفين خصوصاً إذا انضم إليهم المخلصون فظهر لتغيير الوضع فائدة أخرى على أنّ الكثرة الادّعائية تكفي في صحة شرطهم، والمخلصون كثيرون، وان قلوا والغاون بالعكس كما في آخر قسم الاستدلال من المفتاح، ولذا لا تقول لفلان عليّ ألف إلا تسعمائة، وتسعين إلا وأنت تنزل ذلك الواحد منزلة الألف بجهة من الجهات الخطابية أن مع أنّ السكاكي يشترط كون المستثنى أقل من الباقي، وما ذكره من حديث الادّعاء يرفع الخلاف، وليس بمسلم عند المعترض فإنّ ظاهر كلام الأصوليين ينافيه. قوله:
(أو حال والعامل فيها الموعد إن جعلته مصدرا) اشترط النحويون في مجيء الحال من المضاف إليه كون المضاف جزأه أو كجزئه أو أن يكون مما يعمل عمل الفعل ليتحد عامل الحال، وصاحبها حقيقة أو حكماً فإن كان الموعد على الحالية مصدرا ميمياً فقد وجد الشرط لكنه يقدّر قبله مضاف لأنّ جهنم ليست عين الموعد بل محله فيقدر محل وعدهم أو مكانه فإذا كان اسم مكان لم يحتج إلى تقدير لكنه لا يوجد شرط(5/294)
الحال، ولا يمكن عمل المضاف لأنّ اسم المكان لا يعمل عمل فعله كما حقق في النحو فلذا جعل العامل معنى الإضافة، وهو
الاختصاص على القول بأنه هو الجارّ للمضاف، وهذا غير صحيح عند المحققين من أهل العربية لأنّ الإضافة من المعاني لا تنصب الحال، وفد سبق فيه تفصيل، والمصنف رحمه الله تبع في هذا أبا البقاء، ولو تركه كان أحسن، وفي جعل جهنم موعدا لهم تهكم، واستعارة فكأنهم كانوا على ميعاد. قوله: (يدخلون فيها لكثرتهم) ظاهره أنه على تعدد الأبواب دون الطبقات، ولا محذور فيه إذ لا ينافي تعدد الطبقات إذ المراد بيان كثرة الداخلين فيها فلا وجه لخلط التفسير الثاني بالأوّل، ولا حاجة إليه، والحكمة في تعدّدها سرعة تعذيبهم، وعدم تأخير عذاب بعض منهم كما أن تعدّد أبواب الجنة لسرعة تنعمهم، وعدم انتظارهم. قوله: (أو طبقات) وهو المشهور المأثور، ويدل عليه أفراد كل فرقة بباب فإنه يدل على تمايز مقرّهم، وقوله وهي جهنم الخ في ترتيبها وتعيين أهلها اختلاف في الروايات، وفي الدر المنثور أنه خرجه ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وعلى هذا ينبني التغليب الآتي في سورة تبارك لكن قال الإمام السهيلي في كتاب الأعلام وقع في كتب الرقائق أسماء هذه الأبواب، ولم ترد في أثر صحيح، وظاهر القرآن، والحديث يدل على أنها أوصاف النار نحو السعير والجحيم، والحطمة والهاوية، ومنها ما هو علم للنار كلها نحو جهنم، وسقر ولظى فلذا أضربنا عن ذكرها. قوله: (ولعل تخصيص العدد الخ) أي حكمة ذلك انحصار مجامع المهلكات الموجبات لدخولها في الركون، والميل إلى زخارف الدنيا، ولذاتها المدركة بالحواس الخمس، واتباع القوّة الشهوانية والغضبية فصارت سبعة أو أصول الفرق الداخلين فيها سبعة، وهي المذكورة في هذه الآية، وقوله أفرز لها أي فصل، وميز يقال أفرزت الشيء عن الشيء إذا ميزته، وأمّ قول أبي نواس في وصف ما في الرياض:
وكأنها البرك الملاء يحفها أنواع ذاك الروض بالزهر
بسط من الديباج بيض فروزت أطرافها بفرا وزخضر
فقيل إنه معرّب برواز، وقيل إنه فعلال من فرزت الشيء إذا عزلته فيكون عربياً، وقوله
والثاني في ترتيب ما بعد الفرقة الأولى اختلاف في الرواية، وجعل المنافقين في الدرك الأسفل لأنّ حالهم أشد من الكفار كما مر في البقرة وقوله جزء بالتثقيل أي بزاي مضمومة بعدها همزة، والتخفيف تسكينها، وقوله ثم الوقف عليه بالتشديد لأنه لعة كما بين في النحو. قوله: (ومنهم حال منه) أي من جزء، وجاء من النكرة لتقدمه، ووصفها والظرف المراد به الجارّ، والمجرور الواقع خبرا، ولم يجعله صفة باب لأنه يقتضي أن يقال منها، وتنزيلها منزلة العقلاء لا وجه له هنا، ولذا فسر المصنف رحمه الله الضمير بالاتباع أي أتباع الشيطان الذين أغواهم، وقوله لأنّ الصفة أي مقسوم لأنه صفة جزء، ولو كان حالاً من ضميره عمل في الحال لأنّ العامل في الحال هو العامل في صاحبها. قوله: (من أتباعه في الكفر والفواحش فإنّ غيرها مكفرة) الجارّ، والمجرور متعلق بالمتقين والاتباع مصدر من الافتعال، وفي الكفر متعلق به، وأنث خبر غير لاكتسابه التأنيث من المضاف إليه فالمراد بالفواحش الكبائر، وغيرها الصغائر لأنها تكفر باجتناب الكبائر، وتبع في هذا التفسير الزمخشريّ، ولم يحمله على المتقين عن الكفر فقط، ولم يلتفت إلى اعتراض الإمام عليه، وغيره بأنه على مذهب المعتزلة في تخليد أصحاب الكبائر، وتفسيرها بما ذكر مخالف لتفسير الجمهور المأثور عن الصحابة رضي الله عنهم، والمتقي من اتصف بتقوى واحدة، ولا يلزم اتصافه بجميع أنواعها كالضارب لا يفهم منه فعل جميع أنواع الضرب لأنّ السياق يدل على أن المتقين هم المخلصون السابق ذكرهم في قوله: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} [سورة الحجر، الآية: 42] وهو معنى التقوى شرعا، وأمّ إخراج العصاة من النار فثابت بنصوص أخر، وكذا إدخال التائبين الجنة بل غيرهم كما هو مذهبنا فإن قلت كيف قلت إنّ غيرها من الصغائر يكفر حتى لا يكون صاحبها من الأجزاء المقسومة للنار إذا اجتنبت الكبائر، وقد قال أهل الكلام أنه يجوز العقاب على الصغائر، وأن اجتنبت الكبائر، وما وجه التوفيق قلت هو وارد في الحديث الصحيح، وهو غني عن التوفيق لأنّ كلام أهل الكلام في تجويزه لتجويز عقاب المطيع، وما في الحديث يدل على أنه لا يقع التفضل من الله إلا بعفوه، ولا حاجة إلى(5/295)
حمله على صغيرة لم تقع بين الصلوات الخمس كما إذا صدرت عقب البلوغ فإنه تكلف مستغنى عنه مع أنّ الصغيرة قد يعرض لها ما يصيرها
كبيرة. قوله: (لكل واحد جنة وعين أو لكل عدّة منهما) الأوّل بناء على قاعدة تقابل الجمع بالجمع فالاستغراق مجموقي، وعلى الثاني الاستغراق افراديّ فيكون لكل واحد جنات، وعيون،. وقوله: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} [سورة الرحمن، الآية: 46، وما بعده وان ذكر فيه الجنة فقط لكن بفهم منها العيون لأنها لا تكون بدون الماء في الغالب إلا أنه قيل إنه يدل على أنه له اثنان منهما لا جنات، وعيون إلا أن يبني على إطلاق الجمع على اثنين، وكذا قوله: {مَّثَلُ الْجَنَّةِ} [صورة محمد، الآية: 5 أ] الآية فإنه دال على تعدد الأنهار دون تعدد العيون لكل أحد فتأمّل، وضم العيون هو الأصل، وكسرها لمناسبة الياء. قوله: {ادْخُلُوهَا} ذكر بعد الحكم بأنّ لهم جنات، وعيوناً قيل لأنهم لما سكنوا جنات كثيرة كانوا كلما خرجوا من جنة إلى أخرى قيل لهم ادخلوها سالمين من الآفات، وهذا إنما يجري على تفسيره الثاني وقيل لأنه لما اعتنى بحال المؤمنين أخبر أنهم في جنات وعيون، وجعلوا كأنهم مستقرّون فيها في الدنيا فلذا جاء ادخلوها بالأمر لأنّ من استقرّ في الشيء لا يقال له ادخل فيه فيكون قوله في جنات المراد به أنهم الآن فيها، وهذا على تفسيره الأوّل بأن يكون لكل جنة، وفيه تأمّلى. قوله: (على إرادة القول اليرتبط بما قبله، ولا يكون أجنبياً، وهو إمّا حال بتقدير، وقد قيل لهم ادخلوها فلا يرد أنه بعد الحكم بأنهم في الجنة كيف يقال ادخلوها كما مز أو يقدر مقولاً لهم ذلك، والمقارنة عرفية لاتصالهما أو يقدر يقال لهم فيكون مستأنفا، وقرئ بقطع الهمزة، وضمها وكسر الخاء فلا يكسر التنوين لعدم التقاء الساكنين كما في القراءة الأخرى، وعلى هذه القراءة لا حاجة إلى تقدير القول وكونه على القراءة بمجهول الأفعال لا يكسر باعتبار المشهور الجاري على أصل القياس، وقرأ الحسن رحمه الله، ويعقوب أيضا ماضياً مبنيا للمفعول إلا أنّ يعقوب ضمّ التنوين بإلقاء حركة همزة القطع عليه كما ألقى حركة المفتوحة في قراءته الأخرى، والحسن كسره على أصل التقاء الساكنين إجراء لهمزة القطع مجرى همزة الوصف في الإسقاط. قوله: (سالمين أو مسلماً عليكم الخ (ولا يتكرر على التفسير الأوّل مع قوله آمنين على ما فسره به لأنّ معناه سالمين من الآفة، والزوال في الحال، وآمنين من طروّها في الاستقبال فلا حاجة إلى تخصيص السلامة بما يكون جسمانيا، والأمن بغيره، وتفسيره بمسلما عليكم كقوله: {سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ} [سورة الزمر، الآية: 73] . قوله: (والزوال) إن كان المراد زوال ما هم عليه من النعيم، والسرور والصحة لا يتكرّر مع قوله: {وَمَا هُم مِّنْهَا بِمُخْرَجِينَ} وإن أريد ظاهره من زوالهم عن الجنة، وانتقالهم منها قيل يلزم عليه التكرار ودفع بأنّ إلا من من الشيء لا يستلزم عدم وقوعه كأمن من الكفرة من مكر الله مثلا،
ويجوز أن يكون المراد زوال أنفسهم بالموت لا الزوال عن الجنة، والثاني في غاية البعد فإنه لا يقال للميت إنه فيها، وان دفن بها كالأوّل فإنّ الله إذا بثرهم بالأمن منه كيف يتوهم عدم وقوعه فالجواب ما ذكرناه أوّلاً مع الاعتراف بالتكرار للاعتناء به، والتأكيد أحسن من هذا. قوله: (من حقد كان في الدنيا) قال الراغب أنه من الغلالة، وهو ما يلبس تحت الثوب فيقال لمن تدرّع ثوب العداوة، والضغن، والحقد، وكون النزع في الدنيا لما روي أنه كان بين أحياء العرب ضغائن، وعداوة في الجاهلية فلما جاء الإسلام ألف الله بين قلوبهم وصفى بواطنهم، وسرائرهم من ذلك، وأما كونه في الجنة فلما روي عنه صلى الله عليه وسلم: " إن أهل الجنة يدخلون الجنة بما في صدورهم من الشحناء فإذا تقابلوا نزع الله ما في صدورهم " (1) فذلك قوله تعالى: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم} . قوله: (أو من التحاسد) قيل الغل الحقد الكائن في القلب من انغل في جوفه، وتغلغل فلا وجه لتفسيره بما ذكر ورد بأنّ المعنى نزعنا ما يفضي إلى الحقد، وهو التحاسد، وليس كما ذكر لأنّ الغل ما يضمر في القلب مطلقا كما يشهد به الاستعمال، واللغة. قوله: (حال من الضمير في جنات الخ) أي من الضمير المستتر في قوله في جنات ففي كلامه تساهل، وهي حال مترادفة إن جعل ادخلوها حالاً منها أيضا، وإذا كان حالاً من فاعل ادخلوها فهي مقدرة إن كان النزع في الجنة، وكذا إذا كان حالاً من ضمير آمنين، وقوله أو(5/296)
الضمير المضاف إليه في صدورهم، وجاز لأنه بعضه كما مرّ، وهي مقدّرة أيضا، وقوله وكذا قوله: {عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ} [سورة الصافات، الآية: 44] أي كل منهما حال على هذه الوجو. الثلاث، وقوله أو حالين أي مترادفين أو متداخلين، وقوله من ضميره أي الضمير المستتر فيه لأنه في معنى مشتق، وقوله من المستقرّ في على سرر سواء كان حالاً أو صفة، والتصافي خلوص المحبة تشبيها لها بالماء الصافي كما قيل:
والخل كالماء يبدي لي ضمائره مع الصفاء ويخفيها مع الكدر
قوله: (استئناف) أي نحوي أو بياني، وقوله أو حال بعد حال أي من الضمير في قوله
في جنات أو من ضمير إخوانا، وقوله بعد حال أي على أحد الوجهين، وكونه حالاً من
الضمير في متقابلين على الوجوه السابقة او من الضمير في قوله على سرر. قوله تعالى: ( {نَبِّىءْ عِبَادِي} الخ) هو إجمال لما سبق من الوعد، والوعيد، وتأكيد لهما، وأنا إمّا مبتدأ أو تأكيد أو فصل، وهو إمّا مبتدأ أو فصل، وقوله دليل الخ. إذ لو أريد ذلك لم يكن لذكر المغفرة موقع، وقد قيل إنه لو حمل المتقين على مجتنبي جميع الذنوب، ويكون ذكره للمغفرة لدفع توهم أنّ غيرهم لا يكون في الجنة بأنه يدخلها إذا تاب، وان لم يتب لأنه الغفور الرحيم فله وجه. قوله: (وفي توصيف ذاته بالغفران والحرمة دون التعذيب الخ) إذ لم يقل في مقابله، وأني أنا المعذب المؤلم، والإضافة لا تقتضي حصول المضاف إليه بالفعل كما إذا قيل ضربي شديد أي إذا وقع، والإضافة لأدنى ملابسة. قوله: (وفي عطف ونبئهم الخ) أي لما تضمن ما قبله ذكر الوعد والوعيد عطفت هذه القصة عليه لتحقيقه فإنها تتضمن ذلك لما فيها من البشرى، واهلاك قوم لوط عليه الصلاة والسلام، ولما فيها من الاعتبار، وزيادة قصة خاصة عطفت على ما قبلها، وقيل إنها تفصيل لقوله: {أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمَ} [سورة الحجر، الآية: 50] فضمير لهما للوعد والوعيد، وما يعتبرون به قصة إبراهيم وقوم لوط عليهما الصلاة والسلام، وهذا أحسن من قصره على الوعيد الواقع في الكشاف، وفي تقديم الغفور، وبشرى إبراهيم عليه الصلاة والسلام إشارة لسبق رحمته غضبه. قوله: (نسلم عليك الخ أجعله منصوباً بفعل مقدر مضارع أو ماض، وجوّز فيه النصب بقالوا أي ذكروا سلاماً، ولم يذكر ردّ السلام ولا بقية القصة اختصاراً لسبقها، ولأنّ المقصود هنا الترغيب، والترهيب فاقتصر على مقدار الحاجة منه وظاهر. أنه ذكر لهم أنه خائف لهم، وقد مرّ في سورة هود أنهم شاهدوا منه أثر الخوف فيكون قوله هنا: {إِنَّا مِنكُمْ وَجِلُونَ} [سورة الحجر، الآية: 152 قولاً بالقوّة لا بالفعل لظهور علاماته أو صرّح به بعد إيجاس الخيفة. قوله: (لآنهم دخلوا بغير إذن وبغير وقت الخ) أي في وقت لا يطرق في مثله أو امتنعوا عن الأكل، وكان الطارق إذا لم يأكل من زادهم ناويا لهم شرا، والموافق لما في هود هذا، ولهذا قيل لو كان الوجه هو الأوّل قاله عند دخولهم،
وليس كذلك إنما قاله عند امتناعهم من اكل فالوجه هو هذا، وسيأتي في الذاريات أنه وقع في نفسه عليه الصلاة والسلام أنهم ملائكة أرسلوا للعذاب، وقد جعل البشارة هنا لإبراهيم عليه الصلاة والسلام، وفي أخرى لامرأته، ولكل وجهة فتدبر، وقراءة لا تأجل بالألف بقلب الواو ألفا، وقوله ولا توجل ولا تواجل بالمجهول، والثاني من المفاعلة، وقراءة حمزة بفتح النون من الثلاثيئ بمعنى المزيد، وقوله إذا بلغ قيده به لأن تمام العلم الذي تفيده صيغة المبالغة به، وقد فسر عليم بنبيّ فالتقييد عليه ظاهر. قوله: (تعجب من أن يولد له مع مس الكبر) إشارة إلى أنّ الاستفهام للتعجب، وعلى بمعنى مع وقوله أو إنكار فالاستفهام للإنكار بمعنى أنه لا ينبغي أن يكون، وإنما أوّله لأنّ البشارة واقعة فلا يتأتى فهي الاستفهام الحقيقي. قوله:) فبأي أعجوبة تبشروني أو فبأي شيء تبشروني) الأوّل على أنّ الاستفهام للتعجب، وعلى بمعنى مع، والثاني على أنه للإنكار ففيه لف ونشر، وقوله في كل القرآن قيل إنه سهو فإنه لم يقع تبشرون في غير هذه الآية، واعتذر بأنه قراءة في أمثاله لا في عين هذه الكلمة، وليس بشيء، وقوله على حذف نون الجمع استثقالاً الخ كأنه اختاره لأنّ فيه إعلالاً واحداً، وهو الحذف، ولو حذفت نون الوقاية احتيج إلى كسر نون الجمع فيكون فيه إعلالان فلا يرد عليه أنّ المذكور في النحو وهو القياس(5/297)
أن المحذوف نون الوقاية مع أن المذكور هو مذهب سيبويه رحمه الله تعالى، وكونه خلاف القياس لأن نون الرفع حذفت مع الجازم معارض بما مز، وأما احتمال هذه القراءة لعدم الحذف بأن يكون اكتفى بكسر نون الجمع من أوّل الأمر فخلاف المنقول في كتب النحو، والتصريف وان ذهب إليه بعضهم، وأجاب به عما أورد على قراءة نافع بحذف الياء من أنّ حذف الحرفين لا يجوز. قوله:) ودلالة بإبقاء نون الوقاية على الياء) اعترض أبو حاتم على هذه القراءة بانّ مثله لا يكون إلا في الشعر وتجرأ على غلطه فيها وقال وكسر نون الرفع قبيح، وهذا مما لا يلتفت إليه لأنّ حذف الياء في مثله اجتزاء بالكسرة كثير فصيح، وقد قرئ به في مواضع عديدة. قوله: (بما يكون لا محالة أو باليقين الذي لا لبس فيه الخ) على الوجهين الأخيرين اقتصر الزمخشري، والفرق بينهما أن الباء إمّا للتعدية كما في بشرته بقدوم زيد أو للآلة كضربه بالسوط فهي على الأوّلين للتعدية إلا أن الأوّل مبنيّ على أن الاستفهام للتعجب
أي المبشر به أمر لا بدّ من وقوعه فكيف يتعجب منه، والثاني على أنه للإنكار أي أنّ المبشر به أمر محقق متيقن فكيف ينكر والثالث على أنّ الباء للألة أي بطريق، وأمر من له الأمر القادر على خلق الولد من غير أبوين فكيف بإيجاده من شيخ، وعجوز فانيين، وقيل إنّ الثاني ناظر إلى إطلاق الحق على الحكم المطابق بفتح الباء للواقع فيكون المبشر به هو ذلك الحكم وعلى الأوّل الغلام نفسه، وعلى الثالث بم تبشرون سؤال عن الوجه والطريقة يعني بأي طريقة تبشرونني به، ولا طريق في العادة فالباء للملابسة لا صلة أي تبشرونني ملتبسين بأيّ طريقة. قوله: (باعتباو العادة دون القدرة الخ) أي تعجبه مته لكونه مخالفا للعادة لا لقدرة الله تعالى إذ مقام النبوّة أجل من توهم مثله فمعنى قولهم لا تكن من القانطين الآيسين من خرق العادة لك فإنّ ظهور الخوارق على يد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام كثير حتى يعد بالنسبة إليهم غير مخالف للعادة فلذا أجابهم باعترافه بذلك، والتصريح برحمة الله تعالى في أحسن مواقعه، وأنّ سؤاله عنه للاستكشاف، وتعجبه جريا على عادة الناس لا بالقياس إليه، وقوله المخطئون طريق المعرفة الخ. يعني الكفار لا الأعم كما في الكشاف. قوله: (وقرأ أبو عمرو والكسائتي يقنط بالكسر الخ) والباقون بالفتح، وهو مختارة في النظم، والضئم شاذ وهي قراءة الأشهب كما قاله ابن جنيّ رحمه الله تعالى ففيه ثلاث قراآت، وماضيه محرك بحركات ثلاث أيضاً وورد من باب نصر، وضرب وفرح إلا أنه لم يقرأ إلا بواحدة منها، وهي الفتح في قوله تعالى: {مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا} [سورة الشورى، الآية: 28] فقوله وماضيهما بالفتح أي في القراءة المأثورة إذ هو في اللغة مثلث كما سمعتة. قوله: (كما قال تعالى: {لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} ) تقدّم الكلام على هذه الآية، وهي مسألة مفصلة في الأصلين حاصلها أنّ اليأس من رحمة الله تعالى استعظاما للذنب، والأمن من مكره بالاسترسال في المعاصي اتكالاً على عفو الله اختلفوا فيهما فقال الحنفية أنهما كفر بناء على ظاهر الآية، وقال الشافعية أنهما من الكبائر لحديث ابن مسعود رضي الله تعالى ضنه الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم قال: " من الكبائر الإشراك بالله واليأس من روج الله والأمن من مكر الله " والصحيح أنه موقوف على ابن مسعود رضي الله تعالى عنه، وقال ابن أبي شريف رحمه الله تعالى عطفه على الإشراك
بمعنى مطلق الكفر يقتضي المغايرة فإن أريد باليأس إنكار سعة الرحمة الذنوب، وبالأمن اعتقاد أنه لا مكر فكل منهما كفر اتفاقا لأنه ردّ للقرآن وان أريد استعظام الذنوب، واستبعاد العفو عنها استبعاداً يدخل في حد اليأس، وغلبة الرجاء المدخل له في حد الأمن فهو كبيرة اتفاقا اهـ. قوله: (فما شأنكم الذي أرسلتم لأجله سوى البشارة) إشارة إلى أنّ الخطب، والشأن والأمر بمعنى لكن الخطب يختص بما له عظم، وقوله والبشارة لا تحتاج إلى العدد قيل، ولا التعذيب ألا ترى أنّ جبريل عليه الصلاة والسلام قلب مدائنهم بأحد جناحيه، وأورد على قوله، ولذلك اكتفى بالواحد في بشارة زكريا ومريم أنّ قوله تعالى: {فَنَادَتْهُ الْمَلآئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى} [سورة آل عمران، الآية: 39] يدل على أنّ المبشرين جميع الملائكة، وأمّا مريم إنما جاءها لنفخ الروح والهبة كما يدل عليه قوله تعالى: {لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا} ، وقوله تعالى: {فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا} [سورة التحريم، الآية: 12] وأمّا التبشير فلازم(5/298)
لتلك الهبة، وفي ضمنها وليست مقصودة بالذات فلا دلالة فيهما على أنّ الأصل في البشارة أن تكون بواحد ويدفع بأنّ المعنى أنّ العادة الجارية بين الناس ذلك فيرسل الواحد للبشارة، والجمع لغيرها من حرب وأخذ ونحوه والله تعالى يجري الأمور للناس على ما اعتادوه فلا ترد قصة جبريل عليه الصلاة والسلام في ذلك وان قيل المراد من الملائكة في تلك الآية جبرائيل كما ذكره المفسرون كقولهم يركب الخيل، ويلبس الثياب أي الجنس من ذلك الصادق بالواحد كما مرّ تحقيقه في سورة يوسف عليه الصلاة والسلام، وعلى ما ذكرناه لا حاجة إلى ما ذكره فإنه يعلم منه عدم وروده، وأما كون بشارة الواحد توجد في ضمن بشارة الجمع فلا تنافي فمما لا يليق التفوّه به.
قوله: (ولو كانت تمام القصة لابتدؤوا بها) قيل يخدشه قصة مريم قالت: {إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَن مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا} [سورة مريم، الآية: 18] قال إنما رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا فيجوز أن يكون قوله تعالى لا توجل تمهيدا للبشارة، ولا يخفى عدم وروده فإنها لنزاهة شأنها أوّل ما أبصرته تمثلاً عاجلته بالاستعاذة فلم تدعه يبتدىء بالبشارة بخلاف ما نحن فيه، وهذا ظاهر لمن تدبره. قوله: (إن كان استثناء من قوم كان منقطعاً إذ القوم مقيد الخ) كذا في الكشاف أيضاً لأنه مستثنى من موصوف مقيد بتلك الصفة فلو أدخلوا فيه لكانوا متصفين بالإجرام، وليس كذلك فتعين انقطاعه، وأمّا احتمال تغليبهم على غير المجرمين فليس مقتضى المقام ولو سلم، فالكلام بناء على كونه حقيقة، ولا ينافي صحة الاتصال على تقدير آخر، والعجب من بعض أرباب الحواشي أنه نقل عن بعض فضلاء عصره هنا اشكالاً اذعى أنه رفع
إلى ابن الهمام، ولم يجب عنه فنقله على أنه وارد غير مندفع مع اشكالات أخر يتعجب منها، وهو أنّ الضمير في الصفة هو عين الموصوف المقيد بالصفة فينبغي أن يكون الاستثناء منقطعا في الصورتين، وأطال فيه من غير طائل، وأظن ابن الهمام إنما سكت عن جوابه لوضوج اندفاعه، وإنه لا ينبغي أن يصدر عمن تحلى بجلية الفضل، ولكن ذلك من آفة الفهم:
وما آفة الاخبار إلا رواتها
ثم إنه قيل جعله على استثنائه من قوم مجرمين منقطعا أولى وأمكن، وذلك أنّ في استثنائهم من الضمير العائد على قوم منكرين بعداً من حيث إنّ موقع الاستثناء إخراج ما لولاه لدخل المستثنى في حكم الأوّل، وهنا الدخول متعذر مع التكير، ولذلك فلما تجد النكرة يستثنى منها إلا في سياق نفي لأنها حينئذ تعمّ فيتحقق الدخول لولا الاستثناء، ومن ثمة لم يحسن رأيت قوما إلا زيدا، وحسن ما رأيت أحد إلا زيداً، ورد بأنه ليس نظير رأيت قوما إلا زيدا بل من قبل رأيت قوماً أساؤوا إلا زيداً فالوصف يعينهم فيجعلهم كالمحصورين على أنّ المراد بالقوم أهل القرية كما صرّح به في آية أخرى فهم معنى محصورون، ونقل المدقق عن السكاكيّ أنّ الاستثناء من جمع غير محصور جائز على المجاز. قوله:) وإن كان استثناء من الضمير في مجرمين كان متصلاَ (لأنه يعود على القوم بدون وصفهم بالاجرام، ولو عاد عليه مع وصفه لم يتأت إسناده إليه، وقد مرّ تحقيقه نقضا وابراما فإن قلت فلا يكون إلا امرأته مستثنى من آل لوط إذا استثنى من الضمير، وجعل قوله إنا لمنجوهم اعتراضاً قلت جعل الدلالة على ذلك كفعله فتأمّل. قوله: (والقوم والارسال شاملين للمجرمين الخ) أي على الاتصال يكون القوم شاملا للمجرمين وغيرهم بقطع النظر عن الصفة، وكذا الارسال بمعناه المطلق شامل لهما بخلاف على الأوّل فإنّ الارسال يختص بالقوم المجرمين لإخراج آل لوط منهم بالاستثناء فالمراد بالارسال أحد أنواعه، وهو ما كان لتعذيب، واهلاك لا انّ الارسال بمعنى الإهلاك كما توهمه بعض شرّاح الكشاف، وقوله لنهلك الخ إشارة إلى عموم الارسال وشموله لهما كما مرّ، وقوله مما يعذب به القوم قيل لم يقل من العذاب لأن الانجاء منه لا يحتاج إلى فعل فاعل لأنه على الأصل بخلاف انجائهم مما عذب به هؤلا من الخسف فإنه يفعل الله، واخراجه، وفيه نظر. قوله:) وهو استئناف إذا اتصل الاستثناء (لثمام الكلام عنده والاستئناف بياني كأنه قيل ما بالهم، وقوله جار مجرى خبر لكن الخ أي إذا كان استثناء منقطعا وجب نصبه إذ لا يمكن توجيه العامل إليه لأنهم لم يرسلوا إليهم كما مرّ إنما أرسلوا إلى المجرمين خاصة
فيكون قوله: {إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ} جاريا مجرى لكن في اتصاله معنى بآل لوط الواقع اسما للسكن فيكون في موضع رفع(5/299)
التقدير إلا بلكن كذا قرّره أبو حيان والزمخشري، وفي كون إلا الاستثنائية تعمل عمل لكن خفاء من جهة العربية، وقد قرّره المعرب، وقال إنه إذا لم يذكر له خبر يقدر والظاهر أنّ المراد أنه في معنى ذلك، وقولهم يجري مجرى الخبر إشارة إلى أنه ليس خبراً في الحقيقة لأن ما بعد إلا منصوب في الحقيقة على الاستثناء، ومن لم يتنبه لهذا قال إنما قاله لأن الخبر محذوف تقديره ما أرسلنا إليهم، وهذا دليله لتلازمهما ولذا لم يجعله نفس الخبر بل جار مجراه. قوله: (وعلى هذا جاز أن يكون قوله إلا امرأته استثناء من أن لوط) فيفيد أنها غير ناجية، وفيه ردّ على الزمخشري إذا لم يجوّز إلا الوجه الثاني، وسنحققه لك. قوله:) أو من ضميرهم) بكسر الهاء أي ضمير الآل أو بضمها أي من ضمير هو لفظ هم في قوله: {إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ} والمقصود فيهما واحد، وكذا قوله من ضميرهم المذكور بعده. قوله: (وعلى الأوّل لا يكون إلا من ضميرهم (أي على الاتصال لأنه ذكر أوّلاً هنا وان كان ثانيا فيما تقدم فيتعين على هذا كونه مستثنى من ضمير لمنجوهم فتكون امرأته مجرمة، ولا ينافيه ظاهر قول آل لوط لعمومه لأن المراد بآل لوط عليه الصلاة والسلام المؤمنون به كما مرّ في كلامه مع أنّ تقديرها في الغابرين، واخراجها من الناجين دال على تخصيصه بغيرها، وما ذكره مبنيئ على أن تخلل جملة بين المستثنى، والمستثنى منه منقطعة عنهما كالمستأنفة مانع من جواز الاستثناء، وقد صرّح به الرضي، وشراج الكشاف. قوله: (لاختلاف الحكمين الخ (أي لا! آل لوط متعلق بأرسلنا والا امرأته متعلق بمنجوهم فأنى يكون استثناء من اسنثناء كما في الكشاف، وهو مراد المصنف رحمه الله، وفي التقريب قد يتوهم أنّ الارسال إذا كان بمعنى الاهلاك فلا اختلاف إذ التقدير إلا آل لوط لم نهلكهم فهو بمعنى منجوهم، وجوابه أنّ الاستثناء من الاستثناء شرطه أيضاً أن لا يتخلل لفظ بين الاستثناءين متعدد يصلح مستثنى مته، وههنا تخلل إنا لمنجوهم فلو قال إلا آل لوط إلا امرأته لجاز ذلك، وارتضاه الشارح الطيبي رحمه الله وهذا لا يدفع الشبهة لأنّ السبب حينئذ في امتناعه وجود الفاصل لا اختلاف الحكمين فلا وجه للتعبير به عنه، وما قيل في تأويله إنّ هنا حكمين الإجرام، والإنجاء فيجرّ الثاني الاستثناء إلى نفسه كيلا يلزم الفصل إلا إذا جعل اعتراضا فإنّ فيه سعة حتى يتخلل بين الصفة، وموصوفها فيجوز أن يكون استثناء من آل لوط ولذا جوّر الرضي أن يقال أكرم القوم، والنحاة بصريون إلا زيداً لا يخفى أنه مقرّر إلا أنه لا يغني شيئآ في دفع ما أورد على كلام التقريب، ومن ارتضاه. قوله:) اللهنم إلا أن يجعل إنا لمنجوهم اعتراضا) قيل إنه استعان بالله لضعفه لأنّ الاعتراض بماله تعلق بالطرفين بعيد، ولا وجه له لأنه لتقرير الكلام الواقع فيه وتعلقه بهما أقوى في ذلك. فإن قلت لم لا
يرجع إليهما قلت لأنّ الاستثناء متعلق بالجملة المستفلة والخلاف في رجوعه إلى الجملتين فصاعدا لا إلى جملة، وبعض جملة سابقة هذا، والمعنى مختلف في ذلك ومحل الخلاف الجمل المتعاطفة لا المنقطع بعضها عن بعض كذا في الكشف، واعلم أن تحقيق هذا المقام أنّ الزمخشريّ جوّز في استثناء إلا آل لوط أن يكون من قوم منقطعا بملاحظة الصفة لأنهم ليسوا قوما مجرمين أو من الضمير المستتر في مجرمين فيكون متصلا لرجوع الضمير إلى القوم فقط فبخرجون من حكم الإجرام، وعلى الانقطاع وهم مخرجون من حكم الإرسال المراد به إرسال خاص، وهو ما كان للإهلاك لا مطلق البعث لاقتضاء المعنى له، وعلى الاتصال هم مخرجون من حكم المستثنى منه، وهو الاجرام داخلون في حكم الارسال بمعنى البعث مطلقا، وجملة: {إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ} في المعنى خبر لكن المؤوّل بها، وليس خبراً حقيقياً كما صرح به النحاة وأشير إليه هنا، وعلى الاتصال هي مستأنفة، والا امرأته مستثنى من ضمير منجوهم المضاف إليه وليس مستثنى من المستثنى سواء كان متصلاً أو لا لاختلاف الحكمين أي الحكم المخرج منه المستثنى الأوّل والمخرج منه الثاني لأنّ المخرج منه على الانقطاع الحكم بالارسال بمعنى الاهلاك، ولو أخرجت امرأته منه لكانت غير مهلكة، وليس كذلك وعلى الاتصال الاجرام، ولو أخرجت منه كانت غير مجرمة، وليس كذلك فتعين إخرأجها من حكم الإنجاء هذا تقرير كلامه، وقال القاض! ي: إنه على الانقطاع يجوز أن يجعل إلا امرأته مستثنى من آل لوط أو من ضمير منجوهم، وعلى الاتصال يتعين الثاني لاختلاف الحكمين إلا إذا(5/300)
جعلت جملة ة {إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ} معترضة فخالفه من وجهين حيث جوّز الاستثناء من الاستثناء في الانقطاع، ومنعه الزمخشري فيهما، وحيث جعل اختلاف الحكمين في الاتصال وأثبته الزمخشري فيهما، فإن قلت المراد بالحكم في الكشاف معلوم، وبتقريره علم ثبوت الخلاف في كلا الوجهين فما مراد القاضي به حيث أثبته تارة ونفاه أخرى، وما معنى انتفاء الاختلاف على الاعترأض قلت كأنه أراد أنه على الانقطاع، وكون إلا بمعنى لكن {إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ} في معنى الخبر يكون في هذه الجملة حكم آخر وهو أن الإنجاء إلا امرأته مخرجا منه ولا يختلف حكماهما، وكذا إذا كان اعتراضا فإنه يكون لبيان حكمه فهو في المعنى كالأوّل فيصح الإخراج منه بخلاف ما إذا كان استئنافاً فإنه يكون منقطعا عنه، ويكون جوابا لسؤال مقدر، ولا يتم الجواب بدون الاستثناء، وهو ظاهر فإن قلت هل أحد المسلكين حق أحق أن يتبع أم لكل وجهة. قلت الذي ظهر لي أنّ الحق ما ذهب إليه الزمخشريّ دراية ورواية أمّا الأوّل فلأنّ الحكم المقصود بالإخراج منه هو الحكم المخرج منه الأوّل، والثاني حكم طارىء من تأويل إلا بلكن، وهو أمر تقديريّ، وأمّا الثاني فلما ذكر في التسهيل من أنه إذا تعدّد الاستثناء فالحكم المخرج منه حكم الأوّل، ومما يدل عليه أنه لو كان الاستثناء مفرغاً في هذه الصورة كما إذا قلت لم يبق في الدار إلا اليعافير أنها أبقاها الزمان إلا يعفور صيد فيها فإنه يتعين إعرابه بحسب العامل الأوّل كقولك ما عندي
إلا عشرة إلا ثلاثة، ثم إنّ كلامه مبنيّ على أمر، ومانع معنويّ لا على عدم جواز تخلل كلام منقطع بين المستثنى، والمستثنى منه كما قيل، وان كان مانعا أيضا كما صرح به الرضي فتدبر. قوله: (الباقين مع الكفرة الخ) إشارة إلى ما ذكره الراغب من أنه من الغبرة، وهي بقية اللبن في الضرع ومعناه الماكث بعد من مضى، وقيل معناه من بقي، ولم يسر مع قوم لوط عليه الصلاة والسلام، وقيل فيمن بقي في العذاب. قوله: (وإنما علق والتعليق من خواص أفعال القلوب لتضمنه معنى العلم) يعني علق عن العمل في قوله إنها الخ. إذا لم يصح لوجود لام الابتداء التي لها صدر الكلام، والتضمين الظاهر أنّ المراد به المصطلح، وقيل المراد به التجوّز عن معناه الذي كأنه في ضمته لأنه لا يقدر إلا ما يعلمه، وهو جائز وإذا أجرى مجرى القول لكون التقدير، والقضاء يقتضي قولاً يجوز أن يعمل عمله من غير تضمين. قوله:) وإسنادهم إياه إلى أنفسهم) يعني إذا كان من كلام الملائكة عليهم الصلاة والسلام فإن كان من كلام الله تعالى كما قيل به لا يحتاج إلى تأويل، وهذا يدل على أنّ المراد التضمين المصطلح إذ لو كان المراد به العلم مجازاً لم يحتج إلى تأويل أيضاً بحسب الظاهر، وقوله لما لهم من القرب توجيه للإسناد المجازي فإنهم لقربهم من الله كقرب خاصة الملك به يجوز أن يسندوا لهم ما أسند إليه كما تقول حاشية السلطان أمرنا ورسمنا بكذا، والآمر هو في الحقيقة. قوله: (تنكركم نفسي وتنفر عنكا الما كان ظاهر قوله منكرون أنه لا يعرفهم وجوابهم بقولهم بل جئناك بالعذاب الذي كانوا يشكون فيه، والاضراب لا يوافقه، ويطابقه جعله كناية عن أنكم قوم أخاف شركم لأن من أنكر شيئا نفر عنه، وخاف منه فلذا أضربوا عنه بما ذكر أي ما جئناك لايصال شرّ إليك بل لتمشية أمرك، وتعذيب أعدائك بما توعدتهم به، وتوله ما جئناك بما تنكرنا لأجله فهو اضراب عن هذا المقدر وباء بما يسرك للملابسة أو التعدية، وقوله ويشفي لك أي يشفي ما بصدرك، وقوله الذي توعدتهم به لو قال كنت توعدتهم به كان أولى، ويمترون بمعنى يشكون أو يجادلون. قوله: (باليقين من عذابهم) يعني أنّ الحق بمعنى المتيقن المحقق، والباء للملابسة أي ملتبسين بحق أو ملتبسا أنت به لابصاره، ولو حمل على الخبر اليقين كان قوله: وإنا لصادقون مكرّراً. قوله: (فاذهب بهم في الليل) لأنّ الإسراء سير الليل خاصة وكذا السرى وفي
ترادفهما والفرق بينهما كلام سيأتي في الإسراء، وقوله بقطع من الليل مؤكد له وعلى قراءة فسر تأسيس أو الإسراء مجرد عن جزء معناه لمطلق السير أو القيد لبيان وقوعه في بعض دون استغراقه فيكون لتقليل المدّة. قوله: (افتحي الباب وانظري الخ) يحتمل أن يكون استطال الليل فأمر جليسه لينظر في النجوم ليرى هل قرب الصبح أم لا، ويحتمل أنه كان يحب طوله فأمر بالنظم ليعلم ما بقي من الليل قال صاحبنا الموصلي في شرح شواهد الكشاف: أي كم بقي علينا يخاطب ضجيعته مستقصر الزمن الوصال أو(5/301)
مستطيلا ليل الهجر لما عنده من الملال، وهذا الشعر لم أطلع على قائله، وهو شاهد على إطلاق القطع على طائفة من الليل. قيل: ولا شاهد فيه لاحتمال أنه بمعنى القطعة مطلقا، وتخصيصه هنا بالإضافة. قوله: (وكن على أثرهم) بفتح الهمزة، والثاء أو بكسر فسكون بمعنى عقبهم وخلفهم، وقوله تذودهم الخ بذال معجمة بمعنى تسوقهم بيان الحكمة أمره بأن يكون خلفهم، وترك ما في الكشاف من أن خروجه مهاجراً سالما يقتضي الاجتهاد في الشكر، وفراغ البال للذكر فلم يكن قدامهم لئلا يشتغل عن ذلك بتفقد من خلفه لعدم تبادره. قوله: (لينظر ما وراءه فيرى من الهول الخ) فيكون لا يلتفت على ظاهره لأنّ الالتفات إنما هو للنظر وإذا كان بمعنى لا ينصرف، ويتخلف فهو مجاز لأن الالتفات إلى الشيء يقتضي محبته، وعدم مفارقته فيتخلف عنده فهؤ من لفته بمعنى ثناه وصرفه. قوله:) وقبل نهوا عن الالتفات ليوطنوا نفوسهم على المهاجرة (وتطبيب قلوبهم بمفارقة منازلهم لأنّ من هو كذلك لا يلتفت لما خلفه تحسراً على فراقه. قوله: (فعدى وامضوا إلى حيث وتؤمرون إلى ضميره الخ) كذا في الكشاف فقيل حيث ظرف مبهم فعلى تقدير نصبه على الظرفية لا يحتاج إلا في لأنه مبهم، والظرف المبهم منصوب، والمؤقت حكمه حكم ما ليس بظرف فيحتاج إلى في، وكذلك الضمير في تؤمرونه مبهم نظراً إلى تقديره، وهو راجع إلى حيث، ولو كان مؤقتاً لقيل تؤمرون فيه ورذ بأنه لم يرد ما ذكر فإن قلت هو مسلم في تعدية تؤمرون إلى ضمير حيث فإنّ صلنه، وهي الباء محذوفة إذ أصله تؤمرون به أي بمضيه فأوصل بنفسه، وأمّا تعدية امضوا إلى حيث فلا اتساع فيه كما سمعته إلا أن يجعل تغليبا قلت تعليق
حيث بالفعل هنا ليس تعلق الظرفية ليتجه تعدية الفعل إليه بنفسه بكونه من الظروف المبهمة فإنه مفعول به غير صريح نحو سرت إلى الكوفة، وقد نص النحاة على أنه قد يتصرف فيه فالمحذوف ليس في بل إلى كما أشار إليه الزمخشريّ، والمصنف رحمه الله فلا اشكال قلت، وإن دفع به اشكال التعدي لكنه غير صحيح لأنهم صرحوا بأنّ الجمل المضاف إليها لا يعود منها ضمير إلى المضاف. قال نجم الأئمة: اعلم أنّ الظرف المضاف إلى الجملة لما كان ظرفا للمصدر الذي تضمنته الجملة على ما مر لم يجز أن يعود من الجملة إليه ضمير فلا يقال يوم قدم زيد فيه لأنّ الربط الذي يطلب حصوله حصل بإضافة الظرف إلى الجملة وجعله ظرفا لمضمونها فيكون كأنك قلت يوم قدوم زيد فيه اهـ، وحيث تلزم الإضافة لجمله فكيف يقدر الضمير في تؤمرون عائداً عليه، وأغرب منه أنّ بعض المتأخرين صبه في قالبه مع أنه قال في بعض كتبه: إنّ حيث لا يصح عود الضمير عليها، واعترض به على صاحب التوضيح، وقد أتى من مأمنه فحرّره. قوله: (أوحينا إليه مقضياً ولذلك عدى بالى) يعني أنّ قضي لا يتعدّى بإلى لكنه ضمن هنا معنى أوحى فعدى تعديته، وقوله مقضيا بالنصب على الحال من ذلك إشارة إلى أحد وجهي التضمين، وهو جعل المضمن فيه حالاً، ولذ أخره ليظهر تعلق الجار به، والا فلا يلزم تأخره، وقوله ولذلك عدي بإلى أي لكونه بمعنى أوحينا. قوله: (يفسره أنّ دابر هؤلاء الخ) كونه تفسيرا ليس مخصوصا بقراءة الفتح، وقوله وفي ذلك أي في التفسير بعد الإبهام تفخيم للأمر حيث أبهم ثم فسر اعتناء بثأنه وأتى بلفظ ذلك الموضوع للبعيد وفي نسخة، وذلك بدون في، والأولى أولى وفي لفظ ذلك، والأمر حسن تعبير لايهامه معنيين، وقوله والمعنى الخ يعني أنّ الدابر الآخر، وليس المراد قطع آخرهم بل جملتهم، وقوله عن آخرهم مرّ تحقيقه، وهو واقع في محزه هنا، وقوله على الاستئناف أي في جواب وما ذلك الأمر، ونحوه والبدلية على الكسر لأنّ في الوحي معنى القول. قوله: (داخلين في الصبح) لأنّ الأفعال يكون للدخول في الشيء نحو أتهم، وأنجد وهو بيان لأنها تامّة هنا، وجعله حالاً من المضاف إليه لأنّ المضاف بعضه فهو مما يجوز فيه ذلك، وليس العامل معنى الإضافة، ولا يتوهم كونه اسم الإشارة لأنّ الحال لم يقل أحد أنّ صاحبها يعمل فيها فهذا من سقط القول، وقوله وجمعه توجيه لكونه حالأ من الدابر مع جمعه بأنه في معنى الجمع لأنّ دابر بمعنى المدبرين من هؤلاء. قوله: (سذوم) بفتح السين على وزن فعول بفتح الفاء، وذاله معجمة
وروي إهمالها، وقيل إنه خطأ، وهو أعلى ما قال الطبرفي رحمه الله اسم ملك من بقايا اليونان كان غشوما ظالما، وكان بمدينة سرمين من أرض قنسرين، وباسمه تسمى البلد كما في المثل أجود من(5/302)
قاضي سذوم، وقال الميداني رحمه الله: سذوم مدينة من مدائن قوم لوط عليه الصلاة والسلام، وفي الصحاح بفتح السين، والدال غير معجمة وهو معرّب، ولذا قيل إنه بالاعجام بعد التعريب وبالإهمال قبله، والاستبشار السرور وفرحهم به إذ قيل لهم أن عنده ضيوفا مردا في غاية الحسن، والجمال فطمعوا فيهم، والضيف يطلق على الواحد والجمع لأنه في الأصل مصدر ضافه فلذا كان خبرا لقوله هؤلاء، وقوله أسيء مبنيّ للمجهول من أساء إليه ضد أحسن، وقوله لفضيحة ضيفي باللام والباء لأنّ فضيحتهم تورث فضيحة له، وركوب الفاحشة فعلها كارتكابها. قوله: (ولا تذلوني بسببهم (أي بسبب محبتهم فإنه لولاه لم يكن قصدهم الشنيع أو بسبب اخزائهم، وقوله تخجلوني من التخجيل، وهو فعل ما يورث خجلا وحياء، وهو إشارة إلى معنيي الخزي المختلفين باختلاف مصدريهما كما مر، وهو معطوف على الأمر بما يوجب الانتهاء أو على النهي، وهو مؤكد ومقرّر له. قوله: (عن أن تجبر منهم أحدا الخ (يعني أنّ المراد منه ذلك أو هو على تقدير مضاف أي إجارة العالمين أو ضيافتهم وقوله، وتمنع الخ. عطف تفسير، وقوله يمنعهم عنه أي عن التعرّض، وهم ينهون عنه بالوعيد بالرجم ونحوه. قوله: (إن كنتم فاعلين قضاء الوطر (قال في الكشاف شك في فبولهم لقؤله كأن قال إن فعلتم ما أقول لكم، وما أظنكم تفعلون، وقيل إن كنتم تريدون قضاء الشهوة، وهو المراد من الوطر في كلام المصنف رحمه الله، وقدّم الزمخشري الأوّل لأنه أنسب بالشك، وقدم المصنف رحمه الله تعالى الثاني لتبادره من الفعل وهو تقدير لمفعوله على الوجهين، ويجوز تنزيله منزلة اللازم، وجواب الشرط محذوف أي فاقضوا الوطر بما قلته لكم أو فهو خير لكم، وكون النبيّ صلى الله عليه وسلم بمنزلة الأب! الذى ر بمنزلة البنين، والنساء بمنزلة البنات بالنسبة له صلى الله عليه وسلم فقط. قولى: (قسم بحياة المخاطب الخ) عمرك مبتدأ محذوف الخبر وجوبا وتقديره قسمي أو يميني، والعمر بالفتح، والضم البقاء، والحياة إلا أنهم التزموا الفتح في القسم لكثرة دوره فناسب التخفيف، وإذا دخلت اللام التزم فيه الفتح، وحذف الخبر وهو صريح في القسم، وبدون اللام يجوز فيه
النصب والرفع، وهو مصدر مضاف للفاعل أو المفعول وسمع فيه دخول الباء، وذكر الخبر قليلأ، وقيل شاذا ورعمك بالقلب، وهي قراءة شاذة وكون المقسم به حياة النبي صلى الله عليه وسلم هو قول جمهور المفسرين ولذا ورد في الأثر أنه تعالى لم يقسم بحياة أحد غير نبينا-لمجؤ تكريما له وتعظيماً أخرجه ابن مردويه عن أبي هريرة رضي الله عنه فيعمهون حينئذ على حكاية الحال الماضية، وأمّا كونه خطابا للوط عليه الصلاة والسلام فيحتاج إلى تقدير القول أي قالت الملائكة للوط عليه الصلاة والسلام لعمرك الخ. ولذا أخره المصنف رحمه الله تعالى عكس ما في الكشاف لأنه مع مخالفته للرواية محتاج للتقدير، وهو خلاف الأصل، وان كان سياق القصة شاهداً له، وقرينة عليه فلا يرد عليه ما قيل إنه تقدير من غير ضرورة، ولو ارتكب مثله لأمكن اخراج كل نص عن معناه بتقدير شيء فيرتفع الوثوق بمعاني النص، وقوله قالت الملائكة الخ. إشارة لما ذكرنا إذ لو كان كلام لوط عليه الصلاة والسلام لقال لعمري، وقوله يختص به القسم على القلب أو تضمين معنى التمييز أو التجوّز به، وهو أكثري. قوله: (لفي غوايتهم أو شدّة غلمثهم الخ) الغلمة بالضم الشبق، واشتهاء الغلمان يشير إلى أنّ السكرة مستعارة لما ذكر، وقوله التي أزالت عقولهم إشارة لوجه الشبه وهو قيد للغواية، والشدّة ووصف لهما على البدل، وقوله الذي يشار به صفة للصواب، وما أشار به هو الكف عن القبيح، والاكتفاء بالحلال الطيب من نكاح البنات، وقوله يتحيرون تفسير للعمه لأنه عمى البصيرة المورث للحيرة كما مرّ، واستبعد كونه لقريش لعدم مناسبة السياق، والسباق ولذ جعل اعتراضاً. قوله: (يعني صيحة هائلة مهلكة) من غير تعيين لمن صاح بهم، وفي القول الآخر تعيين له، وأمّا قوله مهلكة فمستفاد من الأخذ لأنه في الأصل بمعنى القهر، والغلبة واشتهر في الإهلاك، والاستئصال، والتعريف على الأوّل للجنس وعلى الثاني للعهد. قوله: (داخلين في وقت شروق الشمس) وأمّا الجمع بين قوله مشرقين، ومصبحين فباعتبار الابتداء والانتهاء وأخذ الصيحة قهرها إياهم، وتمكنها منهم ومنه الأخيذ للأسير، ولك أن تقول مقطوع بمعنى يقطع عما قريب كذا في الكشف، وقيل مشرقين حال مقدّرة. قوله: (عالي المدينة أو عالي قراهم)(5/303)
المراد بعاليها وجه الأرض وما عليها، وقوله وأمطرنا عليهم وفي هود عليها أي المدينة أو القرى، والمآل واحد والسجيل تقدم أنه معرّب سنك كل، وكونه من
السجل، وهو الكتاب أو الصك لأنها كتب عليها أسماؤهم أو لأنها مما كتب الله تعذيبهم بها، وقد مر الكلام عليه في سورة هود. قوله: (للمتوسمين) صفة آيات أو متعلق به، والتوسم تفعل من الوسم، وفسر بالتثبت والتفكر، وفسره ثعلب بالنظر من القرن إلى القدم واستقصاء وجوه التعريف قال:
بعثوا إليّ عريفهم يتوسم
وتوسمت فيه خيرا أي ظهرت علاماته لي منه قال ابن رواحة رضي الله تعالى عنه:
إني توسمت فيك الخير أعرفه والله يعلم أني ثابت البصر
وتوسم طلب عشب المطر الوسمي، وقوله المدينة أو القرى، وقيل الضمير للصيحة أو الحجارة أو الآيات وقوله للمؤمنين خصهم لأنّ غيرهم يظنها من الاقترانات، ونحوه. قوله: (وإن كان أصحاب الآيكة) أن مخففة من الثقيلة، واللام فارقة، والأيكة أصلها الشجرة الملتفة واحدة الأيك، وسيأتي أنه يقال فيها ليكة، وتحقيقه والغيضة بالضاد المعجمة البقعة الكثيفة الأشجار، وفيه إشارة لوجه تسميتهم بذلك وقيل الأيكة اسم بلدة، والظلة بالضم سحابة أظلتهم فأرسل الله عليهم منها ناراً أحرقتهم كما مرّ والتكاثف كثرة الأشجار والتفافها، وقوله والأيكة الشجرة المتكاثفة أي الملتفة الأغصان، وهذا بيان لمعناها الحقيقيّ، وأمّا المراد بها هنا فقد علم مما قبله، وهو أنه الغيضة أو البلدة بطريق النقل أو تسمية للمحل باسم الحالّ فيه، ثم غلب عليه حتى صار علماً فلا وجه لما قيل عليه أنه كان عليه أن يبدل الشجرة بالغيضة، ولا يحتاج إلى تكلف أنّ المراد الجماعة الواحدة من الشجر أو نوع منه. قوله: (يعني سذوم والأيكة الخ) يعني محل قوم لوط وقوم شعيب عليهما الصلاة والسلام، وقيل هما راجع إلى الأيكة والى مدين ومدين، وان لم يذكر هنا لكن ذكر أحدهما يدلّ على الآخر لإرساله إلى أهلهما. قوله: (فسمي به الطريق واللوح (يعني اللوج المحفوظ أو مطلق اللوج المعد للقراءة كما سمي به مصحف عثمان رضمي الله تعالى عنه، وحيث أطلق في القرا آت فهو المراد والمطمر بكسر الميم كالمطمار خيط البنائين الذي يقدرون به البناء، وهو المسمى زيجاً وبه سمي الزيج المعروف عند أهل الهيئة، وهو معرب زيه بمعنى الخيط وفي نسخة سمي به
اللوح، ومطمر البناء بدون ذكر الطريق لأنه علم تسميتها به من تفسير الآية فكأنه معناه الأصلي، وهذا منقول مأي سمي به اللوح، والمطمر كما سمي به الطريق فلا غبار في كلامه. قوله: (ومن كذب واحدا من الرسل فكأنما كذب الجميع الخ) جواب عن سؤال مقدر، وهو أنّ أصحاب الحجر كذبوا صالحاً صلى الله عليه وسلم فقط فكيف قيل كذبوا المرسلين فأجاب بأنّ من كذب واحدا فقد كذب جميع الرسل لاتفاق كلمتهم على التوحيد، ودعوة الحق فجعل اتحاد المكذب فيه بمنزلة اتحاد المكذب، ولذا قال قكأنما لأنهم لم يواجهوهم بذلك حتى يك! ونوا مكذبين لهم حقيقة. قوله: (ويجوز أن يكون المراد الخ) على التغليب، وجعل الاتباع مرسلين كقوله:
قدني من نصر الخبيبين قدي
وقوله يسكنونها راجع للحجر أو الوادي، وأنث باعتبار البقعة. قوله: (يعني آيات الكتاب المنزل على نبيهم) أورد عليه أنّ صالحاً صلى الله عليه وسلم ليس له كتاب ماثور إلا أن يقال الكتاب لا يلزم أن ينزل عليه بل يكفي كونه معه، وإن نزل على غيره لأنه أنزل على من قبله، والظاهر هو التفسير الثاني، وسقبها بفتح السين المهملة، وسكون القاف، والباء الموحدة، ولد الناقة وفصيلها وتفصيله مرّ في هود، وقوله أو ما نصب لهم من الأدلة أي ما أظهره الله من الأدلة ألعقلية الدالة عليه الميثوئة في الأنفس، والآفاق. قوله: (من الانهدام ونقب اللصوص الخ) فالحال مقدرة، وقوله أو من العذاب الخ الظاهر أنّ المراد عذاب الآخرة فظنهم أنها تحميهم منه من غاية الحماقة إذ لا وجه له، ولو أريد الأعمّ منه، ومن عذاب الاسنئصال في الدنيا كان التعليل بما ذكر أظهر، ويؤيده تفريع ما بعده عليه، والحسبان بكسر الحاء الظن. قوله: (فأخذتهم الصيحة) في الأعراف: {فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ} [سورة الأعراف، الآية: 78] ووفق بينهما بانّ الصيحة تفضي إلى الرجفة أو هي(5/304)
مجاز عنها قيل، وفوله تعالى: {مُّصْبِحِينَ} يردّ ما مرّ في الأعراف من قوله فلما كانت ضحوة اليوم الرابع تحنطوا بالصبر، وتكفنوا بالأنطاع فاتتهم صيحة من السماء فتقطعت قلوبهم فإنه يقتضي أنّ أخذ الصيحة إياهم بعد الضحوة لا مصبحين ورد بأنه يحمل
قوله مصبحين على كون الصيحة في النهار دون الليل أو أطلق الصبح على زمان ممتذ إلى الضحوة لنص ظفر به دال عليه) قلت) هذا كله غفلة عن قوله تعالى: {فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ} هنا وقد مرّ الكلام عليه فتدبر. قوله: (ولذلك اقتضت الحكمة الخ) فهذه الآية لبيان هلاكهم في الدنيا، وما بعدها لبيان عذابهم في الآخرة، وهو أولى من قصره على الثاني كما في الكشاف، وقوله فينتقم الله الخ بيان لأن المراد من الإخبار بإتيانها، وقوله فاصفح يشير إلى أنه قادر على الانتقام منهم. قوله: (وعاملهم معاملة الصفوح الحليم) يعني المراد إمّا أمره بمخالقتهم بخلق رضا، وحلم وتأن بأن ينذرهم، ويدعوهم إلى الله قبل القتال، ثم يقاتلهم بعد ذلك فليست الآية منسوخة، وان كان المراد مداراتهم، وترك القتال تكون منسوخة بآية السيف في سورة براءة 0 قوله: (فهو حقيق بأن تكل ذلك إلبه ليحكم بينكم) أي في الآخرة، وهذا ناظر إلى كون الآية غير منسوخة كما أنّ ما بعده ناظر لنسخها، وقوله وعلم الأصلح أي وان لم يجب عليه فعله، وإنما يفعله تفضلاً منه فليس مخالفا لمذهب أهل السنة، وقوله وفي مصحف عثمان وأبي رضي الله تعالى عنهما قيل يلزم عليه أن لا تكون هذه القراءة شاذة لوجود شروطها، وفيه نظر. قوله: (وهي الفاتحة الخ) قيل هذا أصح الأقوال وهو المصرح به في صحيح البخاري نقلا عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في قوله الحمد لله رب العالمين هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته ونحوه من الأحاديث المروية من طرق. قوله: (وقيل سبع سور وهي الطوال) المعدود على التفسير الأوّلط آيات، وعلى هذا سور، وحينئذ فيها قولان، والطوال كصغار جمع طويلة والذي ورد في الحديث الطول بوزن كبر جمع طولى، وفي سابعتها اختلاف، ولو قال في التعليل فإنهما سورة واحدة كان أظهر لكنه أقحم حكم إشارة إلى القول
الآخر، وهذا القول ورد في الحديث أيضاً، وقد قيل بإنكاره لأن هذه السورة مكية، والسبع الطول مدنية، وأجيب بأنّ المراد من إيتائها إنزالها إلى السماء الدنيا، ولا فرق بين المدنيّ والمكيّ فيه، واعترض بأنّ آتيناك يأباه، وقيل إنه تنزيل للمتوقع منزلة الواقع في الامتنان، ومثله كثير. قوله: (وقيل التوية الخ (معطوف على الأنفال، ومرضه لما فيه من الفصل بينها وهو خلاف الظاهر، وكذا قوله الحواميم، وهو مبنيّ على جواز أن يقال حواميم في جمع حم، وهو الصحيح لوروده في الحديث الصحيح، والشعر الفصيح كما بيناه في شرح الدزة فلا عبرة بقول بعض أهل اللغة أنه خطأ، والصواب آل حميم. قوله: (وقيل سبع صحائف وهي الآسباع (الظاهر أن المراد بالصحائف الصحف النازلة على الأنبياء عليهكل الصلاة والسلام، وأنه أنزل عليه سبع منها، والمراد ما يتضمنها، وان لم يكن بلفظها فتأمّل. قوله: (والمثاني من التثنية أو الثناء (يعني أنه جمع مثنى على وزن مفعل، وهو إمّا من التثنية أي من الثني بمعنى التثنية أو الثناء، وهو مصدر سمي به المفعول أو اسم مكان سمي به مبالغة أيضاً، وقوله فإنّ كل ذلك مثنى بيان لكونه من التثنية، وقوله تكرّر قراءته لم يقل في الصلاة ليشمل الوجوه، وقوله قصصه ومواعظه هو مخصوص بغير الفاتحة، وقوله مثنى عليه بالبلاغة بيان لكونه من الثناء، وقوله فتكون من للتبعيض قيل إنه في غير الوجه الذي يفسر فيه بالإسباع، والقرآن فإن من فيه بيانية أيضأ. قوله: (فمن عطف الكل على البعض (بناء على أن يراد بالقرآن مجموع ما بين الدفتين، والعام على الخاص إذا أريد به المعنى المشترك بين الكل، والبعض وفيه دلالة على امتياز الخاص حتى كأنه غيره كما في عكسه حتى لا يعد تكرارا. قوله: (لا تطمح ببصرك) الباء للتعدية، وطمح بمعنى ارتفع، وقوله طموح راغب قيد به لأنه المنهيّ عنه، وقوله مطلوب بالذات لا إنه آلة لغيره، وان أفضى إلى اللذات. قوله: (وفي حديث أبي بكر رضي الله تعالى عنه الخ (قال العراقي:
الحديث مرويّ لكن لم أقف على روايته عن أبي بكر رضي الله تعالى عنه في شيء من كتب الحديث، وأذوعات بفتح الراء وكسرها بلد بالشام قيل وهذا لم يعرف أيضا(5/305)
ولم يعهد سفره صلى الله عليه وسلم للشام فالظاهر ما وقع في غيره من التفاسير أنه وافت من بصرى وأذرعات سبع قوافل الخ، وقوله سبع آيات يعني الفاتحة، وفي الكشاف يقول لرسوله رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أوتيت النعمة الكبرى التي كل نعمة، وان كبرت وعظمت فهي إليها حقيرة فعليك أن تستغني به عن متاع الدنيا، ومنه الحديث: " ليس منا من لم ينغق بالقرآن " (1) قال في الانتصاف: هذا هو الصواب في معنى الحديث، وقد حمله كثير على تحسين الصوت، وإنما ينهي عن تمطيط الصوت المخرج له عن حده، وقال إنه لا يبني يتغنى إلا من الغناء الممدود لا من الغنى المقصور، وقد وجدت بناء يتغنى من المقصور في حديث الخيل فرجل ربطها تغنياً، وتعففاً فقد ورد منهما جميعا على خلاف ما ادّعاه المخالف، وهو كلام حسن. قوله: (أنهم لم يؤمنوا) بفتح الهمزة بدل اشتمال من الضمير المجرور، ويجوز أن يكون على تقدير اللام أي لأنهم لم يؤمنوأ، وكذا قوله أنهم الممتعون به. قوله: (وتواضع لهم وأرفق بهم) فخفض الجناح مجاز عن التواضع أو تمثيل بتشبيهه بالطائر. قوله: (أنذركم ببيان وبرهان) سيأتي بيان وجه جعله في قوّة الفعل وقوله: مثل العذاب الذي أنزلناه عليهم فما موصولة والعائد محذوف وقوله فهو وصف لمفعول الخ أي نذير عذابا كالعذاب الذي نزل الخ، واعترض! بأنّ أعمال اسم الفاعل، والصفة المشبهة إذا وصفت غير جائز وكونه في قوة أنذركم لا فائدة فيه كما توهم، وأجيب بأق المراد بالمفعول المفعول الغير الصريح، وتقديره بعذاب وهو لا يمنع الوصف من العمل فيه، وأيضا أنه لا يصلح أن يكون من كلام النبيّ صلى الله عليه وسلم لقوله أنزلنا وإذا كان صفة مفعول يكون من مقول القول، واعتذر له بأنه كما يقول بعض خواص
الملك أمرنا بكذا أو حكاية لقول الله عليه ولا يخفى ما فيه، وقوله الاثنا عثر، وقيل كانوا ستة عشر أرسلهم الوليد بن المغيرة أيام الموسم ليقفوا على رأس طرق مكة لما ذكر، وقوله فأهلكهم الله تعالى يوم بدر في الكشاف وقتلهم بآفات. قوله:) أو الرهط الذين اقتسموا أي تقاسموا على أن يبيتوا صالحاً عليه الصلاة والسلام الخ) فيكون تفاعلاً من القسم، وهو في الوجه الأخير من الانقسام على مفارق الطرق، وهو على هذا صفة مفعول النذير كما في الوجه الذي قبله، وترك كون المراد بالمقتسمين اليهود، وبما أنزل عليهم ما جرى على بني قريظة، والنضير لأنّ المشبه به يكون معلوما حال النزول، وهذا ليس كذلك فيلغوا التشبيه. قوله: (وقيل هو صفة مصدر محذوف الخ) قائله جار الله، وآتينا بمعنى أنزلنا فكأنه قيل أنزلنا إنزالاً كما أنزل الخ والمقتسمون على هذا الذين قسموا القرآن عناداً لما ذكر: {وهُم مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ} أيضا كما في الوجه الذي بعده، وأنما الفرق بينهما تقسيمهم له إلى ما يؤمنون به، وما يكفرون، وأنّ المراد بالقرآن معناه اللغوي وهو المقروء من كتبهم، وعلى هذا الدّين صفة المقتسمين، وعلى الأوّل مبتدأ خبره فوربك الخ، وكان الظاهر أن يقول، والمقتسمون هم أهل الكتاب، وما اقتسموه إمّا القرآن حيث قالوا الخ. أو ما يقرؤونه من كتبهم. قوله: (فيكون ذلك تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم الخ) أي على هذا الوجه الأخير المقصود منه تسلية النبيّ صلى الله عليه وسلم، وقوله ممداً لها أي للتسلية، والمراد أنه مؤكد مقولها، وعبر به لموافقة النظم. قوله: (أجزاء جمع عضة الخ) عضوة بكسر العين، وفتح الضاد بمعنى جزء فهو معتل اللام من عضاه بالتشديد جعله أعضاء، وأجزاء وجعله أجزاء يتناول التقسيم إلى الشعر، والسحر، والكهانة وتقسيمه إلى حق، وباطل دمايمانهم ببعض، وكفرهم ببعض منه. قوله: (وقيل فعلة من عضهته (كذا في نسخة مصححة أي على وزن فعلة بوزن الهيئة، وأمّا في الوجه الأول فهو بفتح الضاد كما ذكره الطيبيّ ونقله السيوطيّ رحمه الله تعالى، وقيل إنه على الاحتمال الأوّل بوزن فعلة أيضاً، وأراد بفعلة بناء النوع فإنه علم وليس الأوّل،
وان وافق زنة بهذا المعنى فلهذا خصه بهذا، وفيه نظر، وفي بعضها، وقيل أسحاراً جمع سحر تفسير لعضين، وإذا كان من عضهته، فاللام المحذوفة هاء كشفة على القول بأنّ أصلها شفهة، وقوله إذا بهته أي افتريت عليه لكن الواقع في الحديث (1) بمعنى الساحرة، والمستسحرة أي المستعملة لسحر غيرها كما ذكره ابن الأثير فكان أصل معناه البهتان بما لا أصل له فأطلق على السحر لأنه تخييل أمر لا حقيقة له فلذا(5/306)
جمع بينهما المصنف رحمه الله تعالى لكن فيه إجمال، وهذا الحديث رواه ابن عدفي في الكامل، وأبو يعلى في مسنده كما قاله العراقي. قوله:) وإنما جمع جمع السلامة الخ) إشارة إلى ما ذكروه من أنّ ما حذف منه حرف يجمع جمع السلامة جبرا لما فات منه كعزين، وسنين وهو كثير مطرد والا فحقه أن لا يجمع جمع السلامة المذكر لكونه غير عاقل، ولتغيير مفرده، وهذه المسألة مفصلة في شرح التسهيل، وقوله والموصول الخ. ترك كونه منصوبا بالنذير الذي في الكشاف لبعده، وأعمال المصدر الموصوف فيه. قوله: (من التقسيم) ناظر إلى قوله أجزاء، وقوله أو النسبة إلى السحر ناظر إلى قوله، وقيل أسحارا أو إلى تفسيره على الواقع في بعضها إذ معنى بهتهم القرآن جعله سحراً. قوله: (فيجارّيهم عليه) بصيغة المتكلم أو الغيبة، والفاء تفسيرية أو عاطفة، وعلى الأوّل فالسؤال مجاز عن المجازاة لأنه سببها فلا يرد أنه ينافي قوله تعالى: {فَيَوْمَئِذٍ لَّا يُسْأَلُ عَن ذَنبِهِ إِنسٌ وَلَا جَانٌّ} [سورة الرحمن، الآية: 39] وعلى الثاني المراد سؤال التقريع بلم فعلتم لا الاستفهام لعلمه بجميع ما كان وما يكون، وأورد عليه الإمام أنه لا وجه لتخصيص نفيه بيوم القيامة، وأجيب بأنه بناء على زعمهم كقوله: {وَبَرَزُواْ لِلّهِ جَمِيعًا} [سورة إبراهيم، الآية: 21] فإنه يظهر لهم في ذلك اليوم أنه لا يخفى عليه شيء فلا يحتاج إلى الاستفهام، وقيل المراد لا سؤال يومئذ من الله، ولا من غيره بخلاف الدنيا فإنه ربما سأل غيره فيها ورد بأن قوله لأنه تعالى عالم بكل أعمالهم يأباه، ثم إنّ الإمام ارتضى في سورة الرحمن ما ردّه هنا، وسيأتي الكلام فيه، وأنه باعتبار المواقف، والعموم نظرأ إلى ظاهر ما وقوله أنا النذير المبين. قوله:) فاجهر به) فاصدع أمر من الصدع بمعنى الإظهار، والجهر من انصداع الفجر أو من صدع الزجاجة، ونحوها، وهو تفريق أجزائها فالمعنى افرق بين الحق، والباطل، وقوله وأصله الخ إشارة إلى أنه مستعار منه، والباء في الأوّل صلته، وفي الثاني سببية. قوله: (وما مصدرلة أو موصولة الخ) رد أبو حيان رحمه الله تعالى المصدرية بأنه جار على مذهب من يجوّز أن يراد بالمصدر
أن، والفعل المبنيّ للمفعول، والصحيح عدم جوازه وردّ بأنّ الاختلاف في المصدر الصريح هل يجوز انحلاله إلى حرف مصدري، وفعل مجهول أم لا إمّ أنّ الفعل المجهول هل يوصل به حرف مصدري فليس محل النزاع فإن كان اعتراضه على الزمخشريّ في تفسيره بالأمر، وأنه كان ينبغي أن يقول بالمأمور به فشيء آخر سهل، وقوله بما تؤمر به من الشرائع فالمأمور به الشرائع نفسها لا الأمر بها حتى يتكلف، ويقال أصله تؤمر بالصدع به فحذف تدريجاً إذ لا داعي له، وقوله فلا تلتفت الخ. يشير إلى أنه ليس أمراً بترك القتال حتى يكون منسوخاً بآية السيف. قوله: (كانوا خمسة الخ) كونهم خمسة قول وفي شرح البخارفي أنهم سبعة، وفي بعض أسمائهم اختلاف مفصمل في كتب الحديث، والعاص بضم الصاد واجراء الإعراب عليها، وليس منقوصا كالقاضي فإنه علم آخر كذا قيل، ولا أصل له، وقوله عدفي بن قيس كذا في نسخة وصوابه الحرث بن قيس ونبال بفتح النون، وتشديد الباء الموحدة من يصنع النبال أي السهام، وقوله لأخذه متعلق بينعطف، وقوله كالرحى في رواية كعنق البعير، وقوله فامتخط أي خرج قيح من أنفه بدل مخاطه.
تنبيه: في المستهزئين خلاف فقال الكرمانيّ في شرح البخاريّ هم السبعة الذين ألقوا الأذى على رأسه صلى الله عليه وسلم وهو يصلي كما في البخاريّ فهم عمرو بن هشام، وعتبة بن ربيعة وشيبة ابن ربيعة والوليد بن عتبة، وأمية بن خلف وعقبة بن أبي معيط، وعمارة بن الوليد وفي الأعلام للسهيلي أنهم قذفوا بقليب بدر وعدهم بخلاف ما ذكر. قوله: (عاقبة (إشارة إلى مفعوله، وقوله في الدارين متعلق به، وقوله فافزع الفزع هنا بمعنى الالتجاء، وقوله بالتسبيح، والتحميد
بمعنى أنه بمعناه العرفي، وهو قول سبحان الله والحمد لله، وما بعده إشارة إلى أنه بمعناه اللغويّ، وما نابك بمعنى ما نزل بك، وقوله من المصلين فهو من إطلاق الجزء على الكل، وقوله حزبه بالباء الموحدة، والنون أيضا وقد مرّ ضبطه وشرحه، وقوله فزع إلى الصلاة أي قام إليها واشتغل بها، وقوله الموت فاليقين بمعنى المتيقن، والمراد مدة حياته صلى الله عليه وسلم، وقيل المراد به تعذيب هؤلاء، وأن ينزل بهم ما وعده وتخل من الخلل والتقصير، وقوله من " ترأ سورة الحجر الخ) (1) هو حديث موضوع كما في كثر ما ذكر في أواخر السور.(5/307)
سورة النحل
بسم الله الرحمن الرحبم
قوله: (مكية غير ثلاث آيات) وقيل مكية كلها، وقيل غير ذلك. قوله: (مائة الخ) الذي
ذكره الداني في كتاب العدد أنها تسعون، وثلاث، وقيل أربع، وقيل خمس في سائر المصاحف، وتسمى سورة النعم جمع نعمة لما ذكر فيها مما أنعم " الله به على الإنسان من الماكل، والمركب وغير. كما ستراه، ولما ذكر في آخر السورة السابقة المستهزئين المكذبين له ابتدأ هنا بقوله: {أَتَى أَمْرُ اللهِ} المناسب له على ما ذكر في معناه، وسبب نزوله. قوله: (كانوا يستعجلون ما أوعدهم الرسول صلى الله عليه وسلم) الاستعجال طلب الشيء قبل زمانه ولذا قيل من استعجل بشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه، وقوله دماهلاك الله، وفي نسخة أو بدل الواو، وهما بيان للوعيد، وقوله تشفع لنا ناظر للساعة، وتخلصنا للإهلاك فليس قوله إن صح ما يقوله الخ. ظاهرا في إرادة قيام الساعة كما توهم، وقوله استهزاء، وتكذيباً تعليل لقوله يستعجلون فليس استعجالهم على حقيقته بل هو في صورة الاستعجال، والمراد به ما ذكر، ويقولون معطوف على يستعجلون. قوله: (والمعنى أنّ الأمر الموعود به) يشير إلى أنّ أتى بمعنى يأتي على طريق الاستعارة بتشبيه المستقبل المحقق بالماضي في تحقق الوقوع، والقرينة عليه قوله فلا تستعجلوه فإنه لو وقع ما استعجل، وقوله من حيث إنه تعليل لما قبله، وانّ بالكسر على ما ارتضاه ابن هشام رحمه الله تعالى، وجوّز ابن إياز فتحها لأنها قد تضاف للمفرد لكنه شاذ فالكسر أولى، وقوله فلا تستعجلوا وقوعه تفريع على وجوب الوقوع فإنّ ما هو كذلك لا يخاف فواته حتى يستعجل فإنّ الاستعجال إنما هو في الاكثر لذلك، ثم علل النهي بأنه لا خير في الوقوع، ولا بد منه فضمير فيه وعنه للوقوع، ولا غبار على كلامه. قوله: (تبرّأ وجل عن أن يكون له
شريك الف ونشر فتبرأ تفسير سبحان وجل تفسير تعالى، وعن أن الخ تنازع فيه تبرّأ وجل، وما تحتمل الموصولية، والمصدرية لكنها ظاهرة في الثاني، وإليه أشار بقوله عن أن إذ فسرها بان المصدوية مع احتماله للوجه الآخر، ولما كان التنزيه إنما يكون عن صفة العين لا عن الذوات، وصفات الغير فلا يظهر التنزبه عن الشريك أشار بقوله أن يكون له إلى أنه صفة سببية سلبية، وأيضاً لما كان التنزيه منه تعالى لنفسه آل إلى معنى التبري فلذا فسره به، وقوله فيدفع ما أراد بهم بيان لارتباطه بما قبله، ومناسبته له، ويدفع بالنصب أي تنزه سبحانه، وثعالى عن أن يحوم العجز اللازم لتكذيبهم حول سرادقات كبريائه فيكون له شريك فضلاً عن شركاء حتى يكون ما زعمتم من دفعهم عنكم،،. هم أحجار، ومخلوقات لا تملك لأنفسها ضرّا ولا نفعا. قوله: (بالياء على تلوين الخطاب (الواقع في قوله فلا تستعجلوه فإنه للكفرة فإذا قرئ يشركون بالغيبة حينئذ كان التفاتا، والمراد بتلوين الخطاب الالتفات من الخطاب للكفرة إلى الغيبة، والخطاب الكلام المخاطب به، وعليه إذا قرى بالتاء لا التفات فيه، وكذا إذا كان الخطاب الأوّل للمؤمنين أولهم، ولغيرهم فإنه لا يتحد معنى الضميرين حتى يكون التفاتاً أو هما متحدان لكنه فيه تغليبان فغلب المؤمنون على غيرهم في الخطاب وغيرهم عليهم في نسبة الشرك على قراءة تشركون بالتاء، ولا التفات فيه أيضاً، وعلى قراءة الياء لا التفات، ولا تغليب أصلا. فمن قال ليس المراد بتلوين الخطاب الالتفات بل المعنى الأعم منه لوجوده أيضا إذا كان الخطاب لهم ولغيرهم فلا تصح المقابلة على الإطلاق لم يصب. قوله: (لما روي أنه لما نزلت الخ ((1) اعترض عليه بأنه ليس في هذه الرواية استعجال المؤمنين، وقد قيل في آية أخرى يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها فالظاهر أنهم لما سمعوا أوّل الآية اضطربوا الظن أنه وقع فلما سمعوا خطاب الكفار بقوله فلا تستعجلوه اطمأنت قلوبهم وردّ بأنه ليس المراد بالاستعجال حقيقته بل اضطرابهم، وتهيؤهم لها المنزل منزلته، وليس هو الاستعجال الواقع من الكفرة في تلك الآية لأنه استعجال تكذيب كما في الوجه الآخر، وبه اندفع الاعتراض بلزوم الجميع بين الحقيقة، والمجاز إذا كان الخطاب للمؤمنين وغيرهم فإن قلت إذا كان الخطاب للمؤمنين لا يتصل قوله(5/308)
سبحانه وتعالى عما يشركون بما قبله بخلافه على العموم والاختصاص بالكفرة (قلت) كذا توهمه بعضهم وليس كذلك، فانه لما نهاهم عن الاستعجال ذكر ما يتضمن أنّ إنذاره، واخباره للتخويف، والإرشاد وأنّ قوله إنّ الساعة آتية إنما هو لذلك، فليستعد كل أحد لمعاده، ويشتغل قبل السفر بتهيئة زاده فلذا عقب بذلك دون عطف، وقد أشار المصنف رحمه الله تعالى إلى ارفإطه باعتبار ما بعده، فيكون ما ذكر مقدمة واستفتاحاً له، وأيضا فإنّ قوله تعالى أتى أمر الله
تنبيه وايقاظ لما يرد بعده من أدلة التوحيد فتدبر.
قوله: (بالوحي أو القرآن فإنه يحبا به القلوب الخ) في الكشاف الروح استعارة للوحي
الذي هو سبب الهداية ومن أمره بيان له فشبه الوحي مطلقا أو بعضه بالروح فإن كان بالنظر إلى الموحى إليهم فلأنه بتخليصهم من الجهالة والضلالة المشبهة بالموت كما قال تعالى: {أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ} [سورة الأنعام، الآية: 22 ا] فيه حياة لهم وان كان بالنظر إلى الدين فلأنه به قيامة، وقوامه كما تقوم الروح بالبدن فهو استعاوة مصرحة محققة لكنها تلزمها مكنية وتخييلية، وهي تشبيه الجهل والضلال بالموت، وضده بالحياة أو تشبيه الدين بإنسان ذي جسد وروج، كما إذا قلت رأيت بحراً يغترف الناس منه وشمساً يستضيؤون بها فإنه يتضمن تشبيه علمه بماء عذب ونور ساطع لكنه جاء من عرض فليس كاظفار المنية، وليس غير كونه استعارة مصرّحة كما توهم، وقد مرّ مثله في البقرة. (فإن قلت) قوله من أمره يخرج الروح من الاستعارة إلى التشبيه كما في قوله تعالى: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} [سورة البقرة، الآية: 187] (قلت) قالوا إنّ بينهما بونا بعيدا لأنّ نفس الفجر عين المشبه شبه بخيط، وليس مطلق الأمر بمعنى الشأن مشبها به، ولذا بينت به الروح الحقيقية في قوله تعالى: {قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ} كما تبين به المجازية، ولو قيل: يلقي أمره الذي هو الروح لم يخرج عن الاستعارة فليس وزان من أمره وزان قوله من الفجر، وليس كل بيان مانعاً من الاستعارة، كما يتوهم من كلام المحقق في شرح التلخيص، فعليك بالتفقنزا له فإنه مما تزل فيه الأقدام، ولم يلتفتوا إلى جعل الروج هنا بمعنى جبرائيل الواقع في بعض التفاسير، وقوله: (فإنه الخ) إشارة إلى وجه الشبه على ما حققناه، وقرينة الاستعارة إبدال أن أنذروا منه. قوله: (وذكره عقيب ذلك إشارة إلى الطريق الذي به الخ) هو على وجوه الخطاب، وازاحة معطوف على قوله إشارة وقوله بالعلم الباء دخلت فيه على المقصور وقد مرّ بيانه، وقوله: وعته تنزل أصله تتنزل فحذفت إحدى التاءين. قوله: (بأمره أو من أجله) يعني من إما سببية أو تعليلية، والأمر واحد الأوامر ومن جعله واحد الأمور جعلها تبيينية وقد صرح به شراج الكشاف رحمهم الله تعالى أخذاً من كلامه فلا عبرة لمن أنكره، وقوله أن يتخذه رسولاً بيان لمفعول يشاء المقدر وقوله: {أَنْ أَنذِرُواْ} تفسير له بما يجري على بعض الوجوه وهو كون أن مصدرية منصوبة
المحل بعد حذف الجار أو مجرورة وكونه بدلاً من الروج، وكونها مخففة من الثقيلة لا تفسيرية وإذا كانت مخففة فاسمها ضمير شأن مقدر، والخبر أنذروا ولا يحتاج فيه إلى تقدير قول لأن خبر ضمير الشأن يكون أمراً من غير تأويل لأنه عينه كقولك كلامي اضرب كما حققه في الكشف. قوله: (من نذرت بكذا إذا علمته) تقدم تحقيقه وأنه ليس له مصدر صريح، وإذا دخلت عليه همزة التعدية صار بمعنى أعلمت ثم خص بإعلام ما يخاف منه، فوقع في مقابلة التبشير ومحصله حينئذ التخويف، فإما أن يكون على أصل معناه لتعلقه بقوله لا إله إلا أنا ولا تخويف فيه بحسب الظاهر أو يكون بمعنى التخويف، ولذا قيل إنه يدلّ على أنهم أثبتوا له تعالى شركاء، وهو يقتضي الانتقام منهم لا منا وهم نسبوا إليه ما لا يليق بجلاله فمن قال: الثابت في اللغة أن نذر بالشيء كفرح به علمه، فحذره وأنذره إذا أعلمه بما يحذره، وليس فيها مجيئه بمعنى التخويف، فأصله للاعلام مع التخويف فاستعملوه في كل من جزأي معنييه لم يأت بشيء يعتد به. قوله: (إنّ الشأن الخ (فالضمير للشأن وهو مفعول أنذروا بمعنى أعلموا دون تقدير جارّ فيه بخلاف ما إذا كان بمعنى التخويف، ومفعوله الأوّل عام فلذا لم يقدره، وعلى الثاني خاص بأهل الكفر والمعاصي محذوف كما أشار إليه، وهو يتعدى إلى الثاني بالباء فلذا قال بأنه. قوله: (وقوله فاتقون رجوع إلى مخاطبتهم) قيل: إنه لا يظهر لتخصيص كون(5/309)
الانذار بمعنى التخويف بكون اتقون رجوعا إلى مخاطبتهم وجه بل ذلك في كونه بمعنى الاعلام أولى فإنّ قوله فاتقون إنذار وتخويف، فابقاؤه في حيز خوفوا هو الظاهر، وردّ بأنّ المراد أنه رجع إلى مخاطبة قريش بالانذار وليس في كلامه ما يدل على اختصاص هذا بالمعنى الثاني لأنذروا كما ظنه، ئم قال فإن قلت هذا على تقدير أن لا يكون {فَاتَّقُونِ} من جملة الموحى به، وهو الظاهر لجريانه على جميع الوجوه فهل لك أن تجعله منها، والمعنى أعلموهم قولي إنّ الشأن كذا فاتقون أو خوّفوهم بذلك قلت: لا والا لقيل إنّ بالكسردلا بالفتح، ثم وجه تفريع قونه فاتقون على التوحيد أنه إذا كان واحداً لم يتصوّر تخليص أحد! لأحد من عذابه (قلت) إذا كان بمعنى التخويف، فالظاهر دخول قوله: (فاتقون) في المنذر به لأنه هو المنذر به في الحقيقة فمقتضاه أن يقال أنذروهم بأنه المنفرد بالألوهية الذي يجب عليهم أن يتقوه ويخشوا عذابه لأنه المقصود ذكره للانذار فالعدول عنه لذلك، وإذا كان بمعنى الاعلام فالمقصود بالاعلام هو الجه لمة الأولى وهذا متفرّع عليها على طريق الالتفات فتأمّل، وأمّا الكسر الذي ذكره، فغير وارد فانه ليس بعد قول صريح ملفوظ، أو مقدّر إنما ذكروه لتصوير المعنى. قوله: (وأن مفسرة) فلا محل لها مع الجملة الداخلة عليها، وهي تفسير للروح بمعنى الوحي، وقوله الدال على القول بيان لوجود شر،، أن المفسرة وقد وقعت بعد فعل يتضمن معنى القول، وهو قوله تعالى: {يُنَزِّلُ الْمَلآئِكَةَ بِالْرُّوحِ} فليس شرطها مفقوداً هنا كما توهم، دمانما صزح
بتأويل الروح به لأنه المفسر في الحقيقة، ولولاه لم تدلّ الجملة على ذلك. قوله: (أو مصدرية) على مذهب سيبويه المجوز لوصلها بالأمر والنهي وفوات معناه بالسبك، كفوات المضيّ مع أنه غير مسلم كما مرّ تحقيقه، وإذا كانت مخففة من الثقيلة، فهل يحتاج إلى تقدير القول معها أم لا تقدم الكلام فيه، والنصب بنزع الخافض بتقدير الباء السببية معه. قوله: (والآية تدل على أنّ نزول الوحي بواسطة الملائكة الخ) دلالة الآية على ذلك ظاهرة وليس فيها دلالة على أنه لا يكون إلا بذلك حتى يرد عليه أنه لا دلالة فيها على الحصر مع أنه غير منحصر في ذلك، وقوله: (منتهى كمال القؤة العلمية) يعني أنه أشرف المطالب اليقينية، وكون النبوّة عطائية هو مذهب أهل الحق خلافاً للحكماء، وقد مرّ تحقيقه في سورة الأنعام وقوله: (لأصول العالم) يعني به السماوات والأرض، وقوله: (على وفق الحكمة) هو معنى قوله بالحق وقوله فيلزم التمانع إشارة إلى برهان التمانع المذكور في علم الكلام، وقوله وفروجمه! يعني به ما في خلق الإنسان الخ. قوله: (أوجدهما على مقدار وشكل الخ) هو يؤخذ من موله تعالى بالحق لأنّ معناه ما يحق لها بمقتضى الحكمة لتدلّ على صانع مختار منفرد بالألوهية والا لوقع التمانع لاجتماع مؤثرين على أثر واحد ولذا عقبه بقوله: {تَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} وقيل: معنى قوله بالحق بحكمة الحق وقوله: (منها) وفي نسخة منهما واليهما والمعنى واحد وقيده بما ذكر ليرتبط بما قبله ولأنه الواقع. قوله: (على أنه تعالى ليس من قبيل الإجرام) أي ليس بجسم كما يقوله المجسمة، ووجه الدلالة أنه يدلّ على احتياح الإجرام إلى خالق، فهو لا يجانسها والا لاحتاج إليه فلا يكون خالقاً أنّ كل ما هو جرم فهو منهما وخالقهما، وما فيهما هو الله فليس منهما حتى يرد عليه أنه إنما يدلّ على أنه ليس من السماوات والأرض، فجاز أن يكون جسما من غيرها إلا أن يراد بالسماوات والأرض جهة العلو والسفل كما قيل. قوله: (منطيق مجادل) منطيق بكسر الميم صيغة مبالغة كمنحار، فهو دليل آخر على خالقيته، وقدرته وهذا هو الوجه كما في شرح الكشاف ولذا قدمه المصنف رحمه الله تعالى، ووجه الاستدلال أنه كان نطفة
سيالة لا يستقرّ ولا يحفظ شكلا فانتقلت إلى أطوار مختلفة حتى صارت تدفع عن نفسها وتخاصم وتحاج من حاجها، وهذا ليس مما تقتضيه الطبيعة بل هو بخلق فاعل حكيم مختار. قوله: (أو خصيم مكافح الخ) هذا هو الوجه الثاني وأخره لما مرّ وأصل الكفاح في القتال، وأراد به مطلق الدفع أو الدفع بالحجة على التشبيه لها بالسيف، ونحوه على طريق الكناية والتخييل وهو لبيان جراءة من كفر على الله وعدم استحيائه منه، ووقاحته بتمادبه في الكفر قيل ويؤيد هذا الوجه قوله في سورة يس بعدما ذكر مثله قال: {مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ} [سورة ي! ، الآية: 78] فإنه نص في هذا فصدر الآية(5/310)
للاستدلال، وعجزها لتقرير الوقاحة وليس بشيء لأنّ مدار ما قبلها في تلك السورة على الحشر والنشر ومكابرتهم فيه بخلاف هذه، ولكل مقام مقال، وقد أشار إليه المصنف رحمه الله تعالى هناك، وأمّا كون الآية مسوقة لتقرير وقاحة الإنسان لانتفاء التنافي بين الاستدلال على الوحدانية والقدرة وتقرير وقاحة المنكرين، ولذا جعل تتميما لقوله تعالى: {عَمَّا يُشْرِكُونَ} فعدم المنافي لا يقتضي وجود المناسب ووجه التعقيب وإذا الفجائية مع أنّ كونه خصيماً مبينا لم يعقب خلقه من نطفة إذ بينهما وسايط أنه بيان لأطوار. إلى كمال عقله فالتعقيب باعتبار أخرها فلا وجه لتقدير الوسايط ولا للقول بأنه من باب التعبير عن حال الشيء بما يؤول إليه وخصيم صيغة مبالغة أو بمعنى مخاصم، وترى بضثم التاء بمح! ى تزعم وتظن ورم بمعنى صار رميماً. قوله: (روي أنّ أبئ بن خلف الخ) الرميم البالي الفاني وفي هذه الاية دليل الشافعيّ رضي الله تعالى عنه على أنّ العظم والشعر ينجس بالموت، وأبو حنيفة رحمه الله تعالى خالف في ذلك وقال لو أن فيه حياة ما لبث بعد الموت وتأويفه بما سياتي في سورة يس يأباه أنّ دخول صورة السبب لازم. قوله: (ألا بل الخ) سيأتي تحقيقه والغنم شامل للضأن والمعز كشمول البقر للجاموس وهذه هي الأزواج الثمانية والزوج ما معه غيره وقد يراد به المجموع، وفي نصب الأنعام أوجه نصب على الاشتغال وهو أرجح من الرفع لتقدم الفعلية أو بالعطف على الإنسان فعلى الأوّل قوله خلقها مفسر، وعلى هذا مبين مؤكد وهو مستأنف جواب سؤال مقدر وقرىء بالرفع في الشواذ. قوله:) بيان ما خلق لأجله (وفي نسخة ما خلقت لأجله والتذكير في الأولى بتأويل ما ذكر أو يكون لأجل نائب الفاعل وجوّز فيه أن يكون مبنيا للفاعل وفي الكشاف ما خلقها إلا لكم ولمصالحكم يا جن! الإنسان فقيل
الحصر مأخوذ من لام الاختصاص بناء على أنه معنى اختصاها على أحد الاحتمالين، وقوله: يا جنس الإنسان إشارة إلى أنه التفات من الغيبة إلى الخطاب والكلام تم عند قوله خلقها، ويجوز أن يتم عند قوله لكم متعلقة بخلقها والأوّل أولى لعطف قوله: {وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ} عليه وعليه فالحصر مستفاد من التقديم وعلى الأوّل من اللام أو الفحوى والمقام وخالفه المدقق، فجعل الأولى تعلق لكم بخلق قيل: وهو الذي أراده رحمه الله تعالى ولذا لم يذكر حديث الحصر لأنّ اللام لا تدلّ عليه كما مرّ تفصيله، والمقابلة غير متعينة هنا وفيه أن قوله هنا لأجله صريح في أن اللام تعليلية لا اختصاصية غير دالة على الحصر وان قيل: إنّ التعليل قد يفيد ذلك فتأمّل وقوله فيقي البرد أي يكون وقاية دافعة بجعله لباسا أو بيتاً كما في آية أخرى ومن أصوافها الخ. والدفء اسم لما يدفىء أي يسخن وقرأ زيد بنقل حركة الهمزة إلى الفاء والزهريّ كذلك إلا أنه شدد الفاء كأنه أجرى الوصل مجرى الوقف وفي اللوامح منهم من عوّض! من الهمزة تشديد الفاء، وهو أحد وجهي حمزة بن حبيب وقفا، واعترض عليه المعرب بأنّ التشديد وقفاً لغة مستقلة، وان لم يكن ثمة حذف من الكلمة الموقوف عليها، ويدفع بأنه إنما يكون ذلك إذا وقف على آخر حرف منها أمّا إذا وقف على ما قبل الآخر كقاض فلا. قوله: (نسلها ودرها وظهورها) أي وركوب ظهورها، وقوله وأنما عبر عنها أي عما ذكر من النسل وما ذكر معه والمراد بعوضها ثمنها ويلحق به الأجرة، وقوله أي تأكلون ما يؤكل إشارة إلى أنّ من تبعيضية، ويجوز أن تكون ابتدائية، وقوله:) والألبان) إشارة إلى أنّ الكل هنا بمعنى التناول الشامل للشرب، وقوله:) أو لأن الأكل منها هو المعتاد) بيان لوجه آخر للتقديم، وهو الحصر وأنه إضافيّ بالنسبة إلى اللحوم المعتادة، ونحوها، فلا يرد لحم الطيور والخبز والبقول والحبوب، والاعتياد مأخوذ من المضارع الدال على الاستمرار. قوله: (تردّونها من مراعيها إلى مراحها) بضمّ الميم وهو مقرها في دور أهلها وفيه إشارة إلى أنّ ضمير المفعول محذوف من الفعلين، والأفنية جمع فناء الدار بالكسر والمد وهو ما حولها من الفضاء، ويجل بكسر الجيم بمعنى يعظم، وملأى بفتح الميم وسكون اللام تأنيث ملآن كعطشان وعطشى، وحافلة بمعنى ممتلئة باللبن وحاضرة لأهلها أي موجودة في أفنيتهم، وقوله: {تُرِيحُونَ} فيه إشارة إلى حذف العائد من الجملة الواقعة صفة، والتسريح بمعنى الارسال، وأصله في الشعر والمراد به هنا(5/311)
ارسال المواشي للرعي وتقييد الأوّل بالعشيّ. والثاني بالغداة بناء على المعتاد، والحظائر جمع
حظيرة، وهي مبيتها، والأحمال جمع حمل بالكسر معروف.! قوله: (وتقديم الإراحة الخ) أي مع تاخرها في الوجود لما ذكر والواو وإن لم تقتض ترتيبا لكن مخالفة الظاهر لا بد له من نكتة. قوله: (إن لم تكن الخ) بتشديد النون المدغمة في نون ضمير الإناث العائد على الأنعام ويجوز تحقيقه، وفاعله ضمير هي المقدر للافعام، وفي نسخة إن لم تكن الأنعام وكان تامّة، ويجوز أن تكون ناقصة، والخبر محذوف وهذا إشارة إلى السؤالين المذكورين في الكشاف، ودفع ما يتوهم من أنّ الموافق للسياق لم تكونوا حامليها إليه وأن طباقه من حيث إنّ معناه تحمل أثقالكم إلى بلد بعيد قد علمتم أنكم لا تبلغونه بأنفسكم إلا بجهد ومشقة فضلا أن تحملوا على ظهوركم أثقالكم، وترك الوجه الثاني وهو أنّ المعنى لم تكونوا بالغيه بها إلا بشق الأنفس وحذف بها لأنّ المسافر لا بد له من الأثقال لأنّ الأوّل أبلغ وعن عكرمة رضي الله تعالى عنه أنّ البلد مكة. قوله: " لا بكلفة ومشقة) هذا بيان المعنى المراد منه وما بعده بيان لأصل معناه وانّ اطلاقه إمّا لكونه يكسر النفس أو يذهب نصفها كما تقول لن تبلغ كذا إلا بقطعة من كبدك، وقوله لانفاعكم الموجود في اللغة النفع لا الإنفاع، وقد استعمله المصنف رحمه الله تعالى في مواضع من كتابه، وخطىء فيه كما سيأتي في سورة الجن، وقوله وتيسير الأمر عليكم من قوله وؤوف. قوله: (ولتتزينوا بها زينة) فهي مفعول مطلق لفعل مقدر معطوف على لتركبوا أو هو مفعول به لفعل مقدر هو حال أي، وقد جعلها لكم زينة كما هو أحد الوجو. في إعرابه، وقوله: (وتغيير النظم) أي بإظهار اللام في الأوّل دون الثاني لأنّ الأوّل مختلف فاعله، فلا يصح نصبه على أنه مفعول له لفقد شرطه على ما عرف في النحو بخلاف الزينة بمعنى التزيين، واعترض عليه بفقد الشرط الآخر وهو المقارنة في الوجود فإن خلقها متقدّم على الزينة ورذ بأنها في حال خلقها زينة في نفسها، وفيه نظر وفي شرح المفصل للسخاوندي أنه لا بد من كون المصدر واقعا بعد الفعل يعني أنه لا يشترط فيه المقارنة، ودفع أيضا بأنّ المراد بالمقارنة عدم التقدم، لأنه يقال شربت الدواء اصلاحا للبدن كما قيل عليه أنه مخالف للمشهور بين النحاة وما ذكر محمول على الحال المقدرة، والذي يحسم ماذة الاشكال التأويل، كما أوّل التأديب بإرادته في ضربته تأديباً، ولذا قيل إنه علة بحسب الوجود الذهني
معلول بحسب الوجود الخارجي لاعتماده عليه، وقوله:) معطوفة على محل لتركبوها) فهي مفعول له. قوله: (ولأنّ المقصود من خلقها الركوب) فصرّح فيه بحرف العلة إشارة إلى أن الخلق في الأصل لأجله، وهذا لا يعارضه ما مرّ من أن نصبه لوجود شرط النصب فيه، لأنّ النكات لا تتزاحم، وقوله فحاصل بالعرض! لأنّ العقلاء لا تنظر إلى زينة الحياة الدنيا، فإنها عرض زائل فلذا أخره، وغير الأسلوب فيه قيل وهذا هو الوجه. قوله: (وقرىء بغير واو) وهي قراءة شاذة لابن عباس رضي الله عنهما، وفي إعرابه الوجوه السابقة ويزيد عليها كونه مفعولاً له لتركبوها وهو بمعنى التزين، فلا يرد عليه اختلافهما، ولا حاجة إلى الجواب بأنه على القول بجوازه، وفي كلام المصنف رحمه الله تعالى إيماء إليه، وأما لزوم تخصيص الركوب المطلوب بكونه لأجل الزينة، وكون الحكمة في خلقها ذلك، وكرن ذلك هو المقصود الأصلي لنا فلا ضير فيه لأن التجمل بالملابس، والمراكب لا مانع منه شرعاً كما مز في قوله ولكم فيها جمال وهو لا ينافي أن يكون لخلقها حكما أهم عند العقلاء كالجهاد عليها وسفر الطاعات وإنما خص لمناسبته مقام الامتنان مع أن الزينة على ما قال الراغب ما لا يشين في الدنيا ولا في الآخرة، وأما ما يزينه في حالة دون أخرى فهو من وجه شين، ولذا قال تعالى: {حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ} [سورة الحجرات، الآية: 7] وقوله: (متزينين) على الحالية من ضمير الفاعل ومتزينا بها على كونه حالاً من ضمير المفعول. قوله: (واستدلّ به على حرمة لحومها (هو أحد قولي الحنفية في كراهتها هل هي تحريمية أم لا وإلى الأوّل ذهب صاحب الهداية وحمه الله تعالى، وذكر في وجه الاستدلال أنّ الآية واردة في مورد الامتنان والأكل من أعلى منافعها، والحكيم لا يترك الامتنان بأعلى النعم، ويمن بأدناها، ونقله في كتاب(5/312)
الأحكام عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، وأشار المصنف رحمه الله تعالى إلى الجواب عنه بأنّ كونه أدنى النعمتين غير مسلم، واًن ذكر بعض المنافع لا ينافي غيرهما، والآية وردت للامتنان عليهم بما ألفوه واعتادوه، وهو الركوب والتزين بها لا اكل بخلاف النعم فذكر أغلب المنفعتين عندهم وترك الأخرى اكتفاء بذكره أوّلاً كيف وحرمة لحوم الحمر الأهلية إنما وقعت عام خيبر عند أكثر المحدثين، وهذه الآية مكية فلو علم منها ذلك كان ثابتا قبله (وفيه بحث (لأنّ السورة وان كانت مكية يجوز كون هذه الآية مدنية، ويؤيده ما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فتأمّل فإن الاستدلال بها لا يخلو من الكدر، وقوله: (على أن الحمر الأهلية الخ (يعني ولو كانت الآية دالة على حرمة لحوم الخيل لدلت على حرمة لحوم الحمر أيضاً لكونهما على سنن
واحد في النظم، وهو إشارة إلى ما في مسلم وغيره " نهى يوم خيبر عن لحوم الحمر الآهلية " (1) . قوله: (لما فصل الحيوانات الخ) إشارة إلى تفاوت مراتب الاحتياج وأن منها ما هو ضرورفي، وما هو غير ضروريّ، وقوله أجمل غيرها إشارة إلى أن قوله ويخلق ما لا تعلمون بمعنى ويخلق غير ذلك، والتعبير عنه بذلك لأن مجموعها غير معلوم، وقوله: (ويجوز الخ) فما لا تعلمون على ظاهره، وأنه مما لا يحتاج إليه، وأن يراد معطوف على أن يكون، وهو مخصوص بما في الجنة، وكونه غير معلوم لنا، وقوله: (ما لم يخطر (إشارة إلى الحديث المشهور. قوله: (بيان مستقيم الطريق الخ (ليس القصد هنا مصدر قصدته بمعنى أتيته بل هو بمعنى تعديلها وهو مصدر وصف به فهو بمعنى قاصد يقال سبيل قصد وقاصد أي مستقيم، كأنه يقصد الوجه الذي يؤمه السالك، ولا يعدل عنه فهو نحو نهر جار وطريق سائر ولما كان على للوجوب ولا وجوب على الله عندنا كما ذكره الزمخشري كان معناه أنه لتحتمه وتعينه بطريق الوعد به تفضلاً كالواجب اللازم عليه كما أشار إليه بقوله رحمة الخ واللازم ليس هو مستقيم الطريق بل الهداية إليه وبيانه للعباد فلذا قدروا فيه مضافا، وهو البيان كما أشار إليه المصنف رحمه الله تعالى أو الهداية كما في الكشاف لقوله تعالى: {إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى} [سورة الليل، الآية: 12] أو هو مصدر بمعنى الإقامة، والتعديل أي اظهاره بالحجج والبراهين وارسال الرسل عليهم الصلاة والسلام، وانزال الكتب ولا حاجة إلى تقدير المضاف على هذا والموصل صفة مستقيم لا صفة الطريق، لأن كل طريق موصل إلى الحق مستقيم، وإنما قيل إن عليه بيان الطريق المستقيم دون ضده، لأنه ما عدأه فيعلم من بيانه بيانه وترك ذكره لعدم الاعتداد به، وإيهام أنه غير محتاج إلى البيان، وقد علم مما مرّ الفرق بين الوجهين باختلاف معنى القصد فيهما، والاحتياج إلى التقدير وعدمه وقيل الأوّل مبنيّ على ملاحظة وجود الطريق المستقيم، وتحققها وكونها مفروغا عنها دون الثاني. قوله: (أو عليه قصد السبيل الخ) يعني أن على
ليست للوجوب واللزوم، والمعنى أن قصد السبيل ومستقيمه موصل إليه، ومارّ عليه فشبه ما يدلّ على الله بطريق مستقيم شأنه ذلك، وقوله: (والمراد بالسبيل الجنس الخ) أي هو شامل للمستقيم، وغيره فإضافة القصد بمعنى المستقيم إليه من إضافة الخاص إلى العامّ لا من إضافة الصفة إلى الموصوف، واليه أشار بقوله ولذلك الخ فإن إضافة الصفة إلى الموصوف خلاف الظاهر فلذا استدلّ به عليه وكذا استدل بقوله منها فإن الجائر ليس منها بل قسميها، وأمّا عود الضمير على المطلق الذي في ضمن المقيد فخلاف الظاهر، ونحن في غنى عنه بقصد السبيل. قوله: (حائد عن القصد الخ) حائد بالحاء والدال المهملتين اسم فاعل من حاد بمعنى عدل، وفي نسخة مائل، والوجه الأول ناظر إلى تفسير القصد بالقاصد والإقامة والتعديل، والثاني إلى الأخير. قوله: (وتغيير الأسلوب لآنه ليس بحق الخ (الجور العدل عن الاستقامة وطريق جائر غير مستقيم قال:
ومن الطريق جائر وهدى قصد ال! سبيل ومنه ذودخل
فكان الظاهر، وعلى الله قصد السبيل، وعليه جائرها فعدل عن ذلك لأن الضلال لا يضاف إلى الله إما لأنه غير خالقه كما هو مذهب المعتزلة كما في الكشاف، وقد جعلوا الاية حجة لهم أو لأنه لا يليق أن يضاف إليه تأدبا هو كقوله: {الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ} [سورة الفاتحة، الآية: 7] والمصنف رحمه الله تعالى أشار إلى(5/313)
دفع استدلالهم تبعا للإمام بأن المراد على الله بحسب الفضل والكرم بيان الدين الحق، والمذهب الصحيح فأمّا بيان كيفية الاغواء والاضلال فغير واجب وفيه بحث فإنه كما أن بيان الهداية، وطريقها متحتم فكذا ضده، وليس إرسال الرسل عليهم الصلاة والسلام، وإنزال الكتب إلا لذلك فالحق أن المعنى على الله بيان طريق الهداية ليهتدوا بها، وبيان غيرها ليحذروه، وإنما اكتفى بأحدهما للزوم الآخر له، ولذا قال محي السنة رحمه الله تعالى المعنى بيان طريق الهدى من الضلالة:
وبضدها تتبين الأشياء
وقوله: (أو لأن المقصود الخ (هذا جواب آخر بناء على أن بيانهما لازم، ولكنه اقتصر
على بيان الأوّل، لأنه المقصود بالذات والآخر إنما يبين ليجتنب كما قيل:
عرفت الشز لا للشرّ لكن لتوقيه
ولما كان مقتضى هذا ترك ذكره بالكلية أشار إلى أنّ ذكر انقسام السبيل إليهما وقع بالعرض كالاستطراد وقراءة ومنكم بالواو قراءة ابن أبيّ وقراءة على فمنكم بالفاء. قوله: (أي ولو شاء هدايتكم الخ) قدر مفعوله من مضمون الجواب كما هو المطرد فيه كما مرّ تحقيقه،
وأجمعين قيد المنفي لا النفي فهي لسلب العموم لا لعموم السلب، وقوله هداية مستلزمة للاهتداء قيد به لأنه هو المنفي إذ الهداية بمعنى مطلق الدلالة واقعة للجميع لما لم يكن تعلق مشيئة الله بشيء موجبة لوجود. عند المعتزلة والآية منادية على خلاف ما زعموه جعلوا المشيئة قسمين مشيئة قسر والجاء وغيرها، والأولى موجبة بخلاف الثانية وفسروا المشيئة هنا بالقسرية كما في الكشاف. قوله: (من السحاب أو من جانب السماءا لما كان المطر ينزل من الغيم دون السماء نفسها جعلها بمعنى السحاب إمّا استعارة، أو مجازاً مرسلاً على أنها بمعنى ما علا مطلقاً أو في الكلام مضاف مقدر وهو جانب أو جهة، وقوله صلة أنزل فمنه شراب مبتدأ وخبر أو منه صفة وشراب فاعله وقوله: (ومن تبعيضية) أي في قوله منه والجملة صفة، وأمّا من في قوله: {مِّنَ السَّمَاء} فابتدائية. قوله: (وتقديمها يوهم حصر المشروب فيه) أشار بقوله يوهم إلى أنه ليس بمراد لأنّ التقديم لا يلزمه ذلك ولذا قال ولا بأس به أي لا ضرر في قصد الحصر المتبادر منه فإنّ جميع المياه العذبة المشروبة بحسب الأصل منه كما بينه والآبار جمع بئر على القلب والتقديم إذا لم يكن صلة أنزل، وهو ظاهر وقوله فسلكه ينابيع دلالته على ما ذكره بحسب الظاهر إذ لا يأبى كون بعضها ليس منه، وكذا ما بعده. قوله: (ومنه يكون شجر) بيان لحاصل المعنى لا للإعراب، لأن منه خبر مقدم أي كائن منه شجر، وقوله: (يعني الشجر الذي ترعاه المواشي (فيه إبقاء الشجر على حقيقته لأنه ما كان له ساق وقيده بما يرعى لقوله فيه تسيمون، والإبل والبقر تأكل من أوراقه طرية وتخبط لها يابسة، وقوله: (وقيل كل ما ينبت) فهو مجاز شامل، وهو أنسب بكونه مرعياً واستدل عليه بالبيت إشارة إلى استعماله بهذا المعنى كما ورد في الحديث: (لا تكلوا ثمن الشجر) يعني الكلا كما في النهاية.
قوله:
جدبوا، وقيل المراد باللحم الضرع، والمراد سقيها اللبن، وعز بمعنى قل والشجر هنا بمعنى الكلأ لأنه هو الذي يعلف، وكون ذلك فيه ضرر، لأنه لا يغني غناء غيره. قوله:) ترعون من سامت الماشية واسامها الخ) والقراءة المشهورة بضم التاء من الأسامة وقرئ شاذآ بفتحها بتقدير لتسيم مواشيكم والسومة بضم السين كالسمة بكسرها بمعنى العلامة، وقوله لأنها تؤثر بالرعي علامات يعني أن المواشي تؤثر علامات في الأرض والأماكن التي ترعاها فلذا سميت أسامة. قوله تعالى:) {يُنبِتُ لَكُم بِهِ الزَّرْعَ} ) يحتمل أن تكون صفة أخرى لماء أو مستأنفة استئنافا بيانيا كأنه قيل، وهل له منافع أخر، وقوله على التفخيم لأنه يستعمله المعظم نفسه، ولذا سماها النحاة نون العظمة. قوله:) وبعض كلها) فمن تبعيضية وصرّح بها لأن كل الثمرات لا تكون إلا في الجنة، وإنما أنبت في الأرض! بعض من كل ليتذكر باقيها كما في الكشاف والمصنف رحمه الله تعالى ذكر وجهاً آخر، وهو أنها بعض مما في يفاع الإمكان من ثمر القدرة الذي لم تجنه راحة الوجود وهو أظهر وأشمل، وأنسب بما تقدم، لأنه كما عقب ذكر الحيوان المنتفع بها على(5/314)
التفصيل بقوله تعالى: {وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} عقب ذكر الثمرات المنتفع بها بمثله. قوله: (ولعل تقديم ما يسام الخ (يعني كان الظاهر تقديم غذاء الإنسان الأشرف فأشار إلى أن ما قدم منه غذاء له بواسطة أيضا، وهذا لا يدفع السؤال لأنه كان ينبغي تقديم ما كان غذاء بغير واسطة فالنكتة أنه قدّم النعم التي لا دخل للخلائق فيها ببذر، وغرس وقدم الزرع لمناسبته للكلأ المرعى، وقوله ومن هذا أي من هذا القبيل أو لأجل هذا صرّج بالأنواع الثلاثة لما فيها من الغذائية، وغيرها من الثمار للتفكه، وقدم الزيتون لأنه أعرف وثنى بالنخل لأنه أقوى غذاء من العنب، وقال الإمام قدم ذلك للتنبيه على مكارم الأخلاق، وأن يكون اهتمام الإنسان بمن تحت يده أقوى من اهتمامه بنفسه، وقوله: {كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ} [سورة طه، الآية: 54، إيذان بأنه ليس بلازم وان كان من الأخلاق الحميدة ولك أن تقول لما سبق ذكر الحيوانات المأكولة، والمركوبة ناسب تعقيبها بذكر مشربها ومأكلها لأنه أقوى في الامتنان بها إذ خلقها ومعاشها لأجلهم فإن من وهب دابة مع علفها كان أحسن كما قيل من الظرف هبة الهدية مع الظرف. قوله: (على وجود الصانع وحكمتة فإن من تأمّل الخ (الظاهر أنه متعلق بآية، وقيل إنه علق على
بيتفكرون لتضمينه معنى يستدلون قيل كان المناسب لما سبق من قوله في تفسير قوله أنه لا إله إلا أنا فاتقون، والآيات بعدها دليل على وحدانيته وما سيقوله من قوله مقدّس عن منازعة الأضداد، والأنداد أن يقول على وحدانيته فلعل مراده على وجوب الصانع الواحد بقرينة كلامه السابق، واللاحق (أفول) الظاهر أنّ وجود الصانع الحكيم يدل على انتفاء غيره ووحدانيته بطريق التمانع كما أشار إليه بقوله فيما مرّ أنها تدلّ على أنه تعالى هو الموجد لأصول العالم، وفروعه على وفق الحكمة، والمصلحة فلو كان له شريك لقدر على ذلك فيلزم التمانع وبهذا يرتبط الشرط والجزاء ويأخذ الكلام بعضه بحجر بعض، وقوله علم خبران. قوله: (ولعل فصل الآية به لذلك الخ) كذا في بعض النسخ، وفي بعضها إسقاط لفظ به، والمراد بالفصل وقوعه فاصلة خاتمة لها على المعتاد في تتميم الآيات، وتذييلها ومعناه أنّ هذه ختمت بقوله: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [سورة الزمر، الآية: 42] وما بعدها بقوله إنّ في ذلك لآيات لقوم يعقلون لأنّ إنبات السنبلة أو الشجرة من الحبة بعد انشقاقها برطوبة مودعة في الأرض الخ أمر خفيّ يحتاج إلى التفكر، والتدبر لمن له نظر سديد يستدل به على قدرته، وحكمته، ولذا أفرد الآية لأنه معنى واحد والمختلف فروعه، وثمرته بخلاف أمر الليل، والنهار والشمس، والقمر والنجوم فإنه مختلف مع أنه أظهر دلالة على القدرة الباهرة، وأبين شهادة على الكبرياء، والعظمة، ولذلك جمعت الآيات على ما أشار إليه في الكشاف، وأمّا فصل جملة ينبت الخ فلأنها مستأنفة أو نعت هكذا ينبغي تحقيق كلامه فما قيل في تفسيره أنه فصل قوله ينبت لكم به الزرع بقوله إنّ في ذلك لآية الخ. للعلم بما ذكره، وانّ فيه ما فيه وليس في بعض النسخ لفظ به فيكون المراد بالفصل ترك العاطف في تنبت، وهو معنى جيد لا غبار عليه ناشئ من عدم التفكر مع أنه غير ملائم لما قدمه في بيان أعرابها، ولا يصلح وجها للفصل، وكيف يتأتى ما ذكر مع تصريح المصنف رحمه الله تعالى بما ذكرناه في خاتمة الآية التالية. قوله: (بأن هيأها لمنافعكم (لما كان التسخير بمعنى السوق قهراً كما ذكره الراغب، وهو غير مراد هنا أشار بأنه مجاز عن الإعداد والتهيئة لما يراد منه، وهو الانتفاع به. قوله: (حال من الجميع أن نفعكم بها حال كونها مسخرات الما كان الحمل على الظاهر دالاً على أن التسخير في حال التسخير بأمره، وليس كذلك لتأخر الأوّل أوّلوه بأن المعنى جعلها مسخرات لأن في التسخير معنى الجعل فصحت مقارنته على أنه تجريد أو على أن التسخير لهم نفع خاص فمعناه نفعكم حال كونها مسخرات لما خلقت له مما هو طريق لنفعكم فسخر بمعنى نفع على الاستعارة أو المجاز المرسل لأن النفع من لوازم التسخير أو كلى أنّ مسخرات مصدر ميمي منصوب على أنه مفعول
مطلق، وسخرها مسخرات على منوال ضربته ضربات أو يجعل قوله مسخرات بأمره بمعنى مستمرة على التسخير بأمره الإيجادي لأن الأحداث لا يدلّ على الاستمرار، وسيأتي تحقيقه. قوله: (أو لما خلقن له بإيجاده وتقديره الخ) هذا وما قبله تفسير لقوله بأمر. فالأوّل على أن أمره شامل للإيجاد، والتدبير(5/315)
ابتداء، وبقاء فالمعنى أنها مسخرات لله منقادة في البروز من العدم إلى الوجود، وفي البقاء للانتفاع بها فإنها محتاجة إلى الفاعل في الحالين عند التحقيق فالأمر واحد الأمور، والمراد به الخلق، والتدبير الجاري على وفق مثيئته، وليس بيانا لمعنى التسخير لعدم تصوّر حقيقة التسخير، وهي القهر، والغلبة في الجمادات إذ لا حاجة إليه بعد ما فسره بالإعداد، والتهيئة وبين أنه بمعنى الجعل أو النفع أو الأمر واحد الأوامر، وهو تكوينيّ كقوله: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [سورة ي! ، الآية: 82] فالمعنى أنها مسخرة لما خلقت له بقدرته، وايجاده أو بحكمه عليها كما أراد فأوفى قوله أو بحكمه للتخيير في التفسير، وفي نسخة لحكمه باللام، والمشهور الباء. قوله: (وفيه للذان بالجواب عما عسى يقال الخ (عسى هنا مقحمة بين الصلة والموصول كما مر تفصيله يعني كون ذلك بأمره على التفاسير فيه ينفي تأثير العلويات، والطبائع بالذات لأن تخصيص بعضها ببعض الأحوال لا بدّ له من مخصص فإن كان ذلك حادثا دار أو تسلسل، وان كان واجباً ثبت المراد، وقوله فيكون تعميما للحكم بعد تخصيصه بناء على أنّ النجوم شاملة للشمس، والقمر. قوله: (لأنها تدل أنواعاً من الدلالة ظاهرة الخ) فيه لف، ونشر مرتب فقوله تدل الخ. بيان لنكتة الجمع وغير محوجة لذكر العقل يعني أنه لما ذكر الآثار السفلية أفرد الآية وذكر التفكر، وحين ذكر العلوية جمع الآية، وذكر العقل لظهور دلالتها على القدرة، والعظمة فكأنها مدركة ببديهة العقل، وكل منها دليل مستقل بخلاف الآثار السفلية فإنها خفية الدلالة لاحتمال استنادها إلى العلويات فلا بد من التفكر فيها، ومن ضمّ بعضها إلى بعض ليظهر المطلوب فهي بمنزلة آية واحدة، وكذلك الاستدلال باختلاف ألوان ما ذرأ فاحتاج إلى تذكر حال الآثار السفلية فيه فلذا قال إن في ذلك لاية لقوم يذكرون كذا قرّره العلامة في شرح الكشاف، والاستدلال بالدور والتسلسل إنما هو بعد التفكر في بدء أمرها وما نشأ منه من اختلاف أحوالها فلا وجه لما قيل إنه إذا انجرّ الكلام
إلى إبطال التسلسل على ما قرّره لا تكون الدلالة محوجة إلى استيفاء فكر، وإنّ المقام غير محتاج إلى ذلك لأنه للرذ على عبدة الأوثان المعترفين بأنه خلق كل شيء، وأمّا التعكيس بجعل الاستدلال بالآثار العلوية أدق من الاستدلال بالسفلية لأنّ اختلاف أحوال النبات، ونحوه مشاهد بخلاف العلوية لاحتياجها إلى تدقيقات حكمية وهندسية فهو وان كان له وجه غير ملائم للمقام، ولما في الفاصلتين من الختام فتدبر. قوله:) عطف على الليل الخ) ذرأ بمعنى خلق ومنه الذزية على قول قيل عليه إنّ فيه شبه التكرار لأن اللام في ذرأ لكم للنفع، وقد جعل سخر لكم بمعنى نفعكم فمآل المعنى نفعكم بما خلق لنفعكم فالأولى جعله في محل نصب بفعل محذوف أي خلق أو أنبت كما قاله أبو البقاء رحمه الله، وما قيل من أن الخلق للإنسان لا يستلزم التسخير لزوما عقليا فإنّ الغرض! قد يتخلف مع أنّ الإعادة لطول العهد لا تنكر رذ بأنه غفلة عن كون المعنى نفعكم، وما ذكره علاوة مبنيئ على كون لكم متعلقا بسخر أيضا، وهو عند المصنف رحمه الله متعلق بذرأ وهذا ليس بشيء لأن التكرار لما ذكر، وللتأكيد أمر سهل، وكون المعنى نفعكم لا يأباه مع أن هذه الآية سيقت كالفذلكة لما قبلها، ولذا ختمت بالتذكر وقوله أصنافه إشارة إلى أنه مجاز عما ذكر كما يقال ألوان الطعام، وهو مجاز معروف في العربية، وغيرها قال الراغب الألوان يعبر بها عن الأجناس، والأنواع يقال فلان أتى بألوان من الحديث، والطعام. قوله:) أنّ اختلافها في الطباع (أي اختلاف طبائعها، وهيئاتها، وأشكالها مع اتحاد مذتها يدل على الفاعل الحكيم المختار كما مرّ تقريره، وقيل المراد بالطباع الصفات التي تتميز بها الأجسام المتماثلة كما هو مذهب المتكلمين القائلين بتماثل الأجسام فلا يرد أن الماهيات ليست بجعل جاعل، ولا داعي لما ذكره، ولا قرينة على أنه المراد منه. قوله:) ووصفه بالطراوة لأنه أرطب اللحوم (، والرطوبة مستعدة للتغير فلذا كان سريع الفساد والاستحالة، وقوله فيسارع إلى أكله إشارة إلى أنه ينبغي تناوله طريا من ساعته، وقد قال الأطباء إن تناوله بعد طراوته من أضمز الأشياء ففيه إدماج لحكم طبيّ، وهذا لا ينافي تقديده، وأكله مخللاً كما توهم، ومنه متعلق بتأكلون أو حال، ومن ابتدائية أو تبعيضية، وطرقي فعيل مت طرو يطرو طراوة أو طرأ يطرأ، ويقال طراوة(5/316)
وطراء كشقاوة، وشقاء والطراوة ضد اليبوسة. قوله:
(وأجيب عنه بأن مبني الإيمان على العرف) أي على ما يتفاهمه الناس في عرفهم لا على الحقيقة اللغوية، ولا على استعمال القرآن، ولذا لما أفتى الثوري بالحنث بأكل السمك لمن حلف لا يأكل لحماً لهذه الآية، وبلغ أبا حنيفة قال للسائل ارجع، واسأله عمن حلف لا يجلس على بساط فجلس على الأرض هل يحنث لقوله تعالى: {جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطًا} [سورة نوج، الآية: 9 أ] فقال له كأنك السائل أمس قال نعم فقال لا تحنث في هذا، ولا في ذاك، ورجع عما أفتى به أوّلاً قال ابن الهمام فظهر أنّ متمسك أبي حنيفة العرت لا ما في الهداية من أنّ القياس الحنث، ووجه الاستحسان أن التسمية القرآنية مجازية لأن منشأ اللحم الدم، ولا دم فيه لسكونه الماء مع انتقاضه بالألية فإنها تنعقد من الدم، ولا يحنث بأكلها، وقيل عليه إنه يجوز أن يكون في المسألة دليلان ليس بينهما تناف، وما ذكره من النقض مدفوع بأن المذكور كل لحم ينشأ من الدم، ولا يلزم عكسه الكلي، ولا يخفى ما فيه فإن إطلاق اللحم على السمك لغة لا شبهة فيه فينقض الطرد والعكس فمراد المدقق الرذ عليه بزيادة في الإلزام نعم قد يقال مراده بالمجاز المذكور أنه مجاز عرفي كالدابة إنما أطلقت على الإنسان فيرجع كلامه إلى ما قاله أبو حنيفة رحمه الله، وحينئذ لا غبار عليه، وما ذكره بيان لوجه الاستعمال العرفيئ فلا يرد عليه شيء فتأمل، وكون السمك عذباً تسمح، والزعاق بضم الزاي، والعين المهملة المز الذي لا يشرب، وفي الكشاف إذا قال الرجل لغلامه اشتر بهذه الدراهم لحما فجاء بالسمك كان حقيقاً بالإنكار، وتعقب بأن الإنكار إنما جاء من ندرة اشتراء مثله لأنه غير متعارف، وفيما نحن فيه اشتراء السمك، ولحمه متعارف فمحل الإنكار إطلاق اللحم عليه. قوله: (كاللؤلؤ المرجان (في تهذيب الأسماء المرجان فسره الواحدي بعظام اللؤلؤ، وقال أبو الهيثم صغاره، وقال آخرون: هو جوهر أحمر يسمى النسيد وهو قول ابن مسعود رضي الله عنه، وهو المشهور في عرف الناس. قوله: (فأسند إليهم لآنهن من جملتهم الخ (لما كان الحلي من لبس النساء دون الرجال وجهه بأنه أسند إلى الرجال لاختلاطهم بالنساء، وكونهم متبوعين أو لأنهم سبب لتزينهن فإنهت يتزين ليحسن في أعينهم أو هو من المجاز في الطرف فمعنى تلبسون تتمتعون وتلتذون على طريق الاستعارة أو المجاز، ولو جعل من مجاز البعض لصح أن تلبسها نساؤكم، وأمّا كونه تغليبا، أو من إسناد ما للبعض إلى الكل فلا وجه له أمّا الأوّل فلعدم التلبس بالمسند، وهو اللبس، وأمّا الثاني فلأنه لا يتئم بدون الفجاز في الطرف، واستدل أبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى بهذه الآية على أن اللؤلؤ يسمى حليآ حتى لو حلف لا يلبس
حلياً فلبسه حنث، وأبو حنيفة رحمه الله يقول لا يحنث لأنّ اللؤلؤ وحده لا يسمى حليا في العرف، وبائعه لا يقال له بائع الحلي كذا في أحكام الجصاص، وأمّا ما قيل إنه لا مانع من تزين الرجال باللؤلؤ فلا حاجة لما تكلفه المصنف رحمه الله فبعد تسليم أنه لا مانع منه شرعا مخالف للعادة المستمرة، ويأباه لفظ المضارع الدال على خلافه فإن قلت الظاهر أن يقال تحلونهن أو تقلدونهن كما قال:
نزوع حصاة حالية العذارى فيلمس جانب العقد النظيم
وهي للنساء دون الرجال قلت أمّا الأوّل فسهل لأنّ المراد لازمه أي تحملونهن، والثاني
على فرض! تسليمه هم يتمتعون بزينة النساء فكأنهم لابسون، وإذا لم يكن تغليبا فهو مجاز بمعنى تجعلونها لباسا لبناتكم ونسائكم، ونكتة العدول أنّ النساء مأمورون بالحجاب، واخفاء الزينة عن غير المحارم فأخفى التصريح به ليكون اللفظ كالمعنى. قوله: (جواري فيه) فهو جمع ماخره بمعنى جارية، وأصل معنى المخر الشق فسميت به لأنها تشق الماء بمقدمها، وهو المراد بالحيزوم بالحاء المهملة، والزاي المعجمة لأنه أعلى الصدر مما اكتنفه الحلقوم، وله معان أخر أو المخر الصوت سميت به لأنها يسمع لها صوت إذا جرت. قوله:) من سعة رزقه بركوبها للتجارة) في إعراب لتبتغوا ثلاثة أوجه أحدها أنه معطوف على لتأكلوا، وما بينهما اعتراض وثانيها أنه معطوف على علة محذوفة أي لتنتفعوا بذلك ولتبتغوا، وقيل إنه متعلق بفعل محذوف أي وفعل ذلك لتبتغوا، وهو تكلف لا حاجة إليه وفسر الفضل بتوسيع الرزق، وقيده بما يكتسب من تجارة البحر لاقتضاء المقام. قوله: (أي تعرفون نعم الله تعالى فتقومون بحقها (ذكر المعرفة لأنه لا يشكر النعمة من(5/317)
لا يعرفها فهو لازم معناه المتقدم عليه، والقيام بحقها هو معنى الشكر، وهو شامل لما كان باللسان، والأركان والجنان. قوله: (ولعل تخصيصه بتعقيب الشكر لأنه أقوى في باب الأنعام) إذ ركوب البحر مظنة الهلاك لأنهم كما قال عمرو رضي الله عنه دود على عود، وهو من كمال النعمة لقطع المسافة البعيدة في زمن يسير قريب مع عدم الاحتياج إلى الحل، والترحال كما في البر والحركة مع الاستراحة والسكون، ولله در القائل: وأنا لفي الدنيا كركب سفينة نظن وقوفا والزمان بنا يسري
وقد تقدم تحقيق الرواسي. قوله: (كراهة أن تميل بكم وتضطرب الخ) تقدم نظيره، وأنه بتقدير مضاف أي ككراهة وخوف أو بتقدير لئلا تميد. قوله: (وكان من حقها أن تتحرك
بالاستدارة) قيل لا وجه لهذا على مذهب أهل الحق، ولا على مذهب الفلاسفة أمّا الأوّل فلأنّ ذات الشيء لا تقتضي تحزكه، وإنما ذلك بإرادة الله تعالى، وأما الثاني فلأنّ الفلاسفة لم يقولوا إنّ حق الأرض أن تتحرّك بالاستدارة لأنّ في الأرض ميلاً مستقيماً، وما هو كذلك لا يكون فيه صيد وميل مستدير على ما ذكروا ير العلم الطبيعي، وأورد أيضاً على منع الجبال لها من الحركة أنه قد ثبت في الهندسة أنّ نسبة أعظم جبل في الأرض، وهو ما ارتفاعه فرسخان وثلث فرسخ إلى جميع الأرض نسبة خمس سبع عرض! شعيرة إلى كرة قطرها ذراع، ولا ريب في أنّ ذلك القدر من الشعيرة لا يخرج تلك الكرة عن الاستدارة بحيث يمنعها عن الحركة، وكذا حال الجبال بالنسبة إلى كرة الأرض فالصحيح أن يقال خلق الله الأرض مضطربة لحكمة لا يعلمها إلا هو، ثم أرساها بالجبال على جريان عادته في جعل الأشياء منوطة بالأسباب، وفيه أنه يرد عليه ما أورده، واعلم أنّ من أصحاب العلوم الرياضية من ذهب إلى أنّ الأرض متحرّكة على ما فصله في نهاية الإدراك مع ردّه، وأمّا كون الأرض ذات ميد وميل مستقيم فيمتنع أن تتحرّك على الاستدارة بالطبع فهو مبرهن في محله لكن قال الإمام الجمهور على أنه تعالى لما خلق الأرضى على وجه الماء اضطربت فخلق عليها هذه الجبال الثقال فاستقرت على وجه الماء بسبب ثقل هذه الجبال كما أنّ السفينة إذا ألقيت على وجه الماء تميل من جانب إلى جانب فإذا وضعت فيها الإجرام الثقيلة استوت على وجه الماء، واستقرّت، وهذا مشكل لأنه سطح الماء إن كان حيز الأرض الطبيعي وجب سكونها، واسنقرارها وان لم يكن حيزها الطبيعي، وهي أثقل من الماء فلا بد من غوصها في الماء فلم تبق على وجه الأرض مضطربة، وأجاب بأنّ الأرض كرة من حقها أن تتحرك بالاستدارة كالفلك أو تتحرك بأدنى سبب فلما خلقت عليها الجبال توجهت نحو مركز العالم بثقلها العظيم فكانت جارية مجرى الأوتاد التي منعت الأرض عن الاستدارة فمنعها الأرض عن الميد والاضطراب هو الذي منعها من الحركة المستديرة، وقد تبعه المصنف رحمه الله تعالى على عادته، وأنت إذا تأملته علمت أنّ ما اعترضوا به غيروا رد لأنها من حيث هي كريتها تقتضي الحركة المستديرة بالذات والميل المستقيم عارض! لها بالثقل فلا منافاة بينه وبين ما تقرّر في الطبيعي، وليس هذا محلاً يسع تحقيقه، ولكن يكفي من القلادة ما أحاط بالعنق. قوله: (ما هي بمقرّ أحد على ظهرها) مقرّ بفثح الميم اسم مكان من القرار والباء زائدة، وقيل إنّ الظاهر أنه يضمها اسم فاعل من الإقرار بمعنى جعل الشيء قاراً والتذكير باعتبار المكان، ولا داعي له. قوله: (وجعل فيها أنهار الخ الما كان الإلقاء بمعنى الطرح لا تتصف به الأنهار أشار إلى تسلطه عليه باعتبار ما فيه من معنى الجعل والخلق أو تضمينه إياه
ويجوز أن يقدر له فعل لأنه على حدّ قوله:
علفتها تبناً وماء باردا
وقد جوّزوا فيه ذلك لكن المصنف رحمه الله تعالى اختار هذا لأن التقرير خلاف الظاهر. قوله: (لمقاصدكم) هذا بناء على الظاهر من أنه تعليل لقوله سبلاً، وقوله أو إلى معرفة الله على أنه تعليل لجميع ما قبله لأنّ تلك الآثار العظام تدل على فاعل حكيم عظيم ففي قوله تهتدون تورية حينئذ. قوله: (معالم) جمع معلم، وهو ما يستدل به على شيء والسابلة الفرقة التي تسلك سبيلاً، وتطلق على الطريق نفسها وليس! بمراد هنا، وقوله وريح هو إشارة إلى ما في التفسير الكبير من أنّ من الناس من يشمّ التراب فيعرف يشمه الطريق، وأنها مسلوكة أو غير مسلوكة، ولذا سميت المسافة مسافة لأنها من السوف بمعنى الشتم فالريح بمعنى الرائحة. قوله: (بالليل في البراري (جمع برّية، وهي معروفة(5/318)
وقوله والمراد بالنجم الخنس أراد بالجنس السيارة منها، وقد تطلق على النجوم كلها وعلى زحل، والمشتري والمرّيخ لأنها تخنس في مجراها أي ترجع هذا إن كان الخنس بخاء معجمة مضمومة، ونون مشددة مفتوحة وسين مهملة، وفي نسخة الجنس بجيم مكسورة ونون ساكنة، وسين مهملة أي تجنس النجوم، وهي أظهر عندي.
قوله: (ويدل عليه قراءة الخ) إمّا على أنه جمع نجم كسقف، وسقف ورهن ورهن، وتسكينه للتخفيف أو على أنّ أصله نجوم فخفف بترك الواو، وأورد عليه أنه لا اختصاص له بهذا التفسير بل هو مؤيد للوجه الثاني أيضا إذ فيه معنى الجمعية، وكونه مؤيداً {لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِن جُوعٍ} [سورة الغاشية، الآية: 7] فالوجه أنّ مراده أن النجم غلب على الثريا وأصله العموم فذكر أنه باق على أصله بدليل هذا القراءة فالدليل نسبيّ شامل لهما، وخصه بما ذكر لأنه الأصح عنده والثريا والفرقدان نجوم معروفة، وقوله وبنات النعش كذا وقع في النسخ بالألف، واللام والصواب إسقاطها لأنه علم، وأحكام العلمية تراعي في الجزء الثاني في مثله كما هو مقرّر عندهم قال الجوهري: اتفق سيبويه، والفراء على ترك صرف نعش للمعرفة، والتأنيث قال البدر الدماميني: الظاهر أن المراد ترك الصرف جوازاً لا وجوبأ لأنه ثلاثيّ ساكن الوسط كهند فيجوز فيه الأمران، والجدي نجم عند القطب تعرف به القبلة، والمنجمون يقولون له جدفي بالتصغير فرقاً بينه، وبين اسم البرج المعروف فيصح قراءته في عبارة المصنف رحمه الله تعالى مصغراً ومكبراً. قوله: (ولعل الضمير لقريش الخ الما كان ما قبله على سنن
الخطاب، وقد أخرج هذا إلى الغيبة، وخصص هؤلاء الغائبون بالاهتداء دون غيرهم لتقديمهم على يهتدون وخصص اهتداؤهم بالنجم دون غيره حيث قدم بالنجم على عامله، وهو يهتدون جعل المصنف رحمه الله تعالى تبعاً للزمخشري الخطاب في الآيات السابقة لجميع الناس، والمراد بهؤلاء قريش، ولما امتازوا من بينهم بالاهتداء بالنجوم لكونهم أصحاب رحلة وسفر خص بهم، وعدل عن سنن الخطاب إلى الغيبة وعبر بكلمة التوقع لاحتمال عموم الضمير لكل عارف بسلوك البر والبحر، وتغيير التعبير للالتفات واحتمال تقديم بالنجم للفاصلة وتقديم الضمير للتقوّى. قوله:) انكار بعد إقامة الدلائل) إشارة إلى معنى الهمزة، وأنه استفهام إنكارقي وأنّ معنى الفاء التعقيب والتفريع للمستدل عليه على الدليل، والدلائل المذكورة ما ذكره من أوّل السورة إلى هذه الآية، وقوله لأن يساوبه متعلقة بانكار يعني أنّ المساواة بعد ما ذكر منكرة قطعاً والانكار بمعنى النفي للمساواة، وليس لانكار تسوية الكفار حتى يكون بمعنى عدم الابتغاء، وان لزمه ذلك. قوله: (والتفرّد بخلق ما عدّد من مبدعاته الخ (إشارة إلى أنّ مفعول بخلق محذوف استغناء عنه بما مر أي أفمن يخلق ما ذكر من المخلوقات البديعة، وقوله ما لا يقدر على خلق شيء إشارة إلى أن مفعول لا يخلق مقدر أيضا لكنه عام أي كمن لا يخلق شيئاً ما جليلاً أو حقيراً، وبجوز أن يكون العموم فيه مأخوذاً من تنزيله منزلة اللازم وهو يفيد العموم في المنفي أيضا، ومن هذا علم أنه لا يتوجه الاحتجاج بالاية على المعتزلة في إبطال قولهم بخلق العباد لأفعالهم كما وقع في كتب الكلام لأنّ السلب الكليّ لا ينافي الإيجاب الجزئي وقوله لأن يساويه وقع في نسخة لأن يساوي بدون الضمير فما لا يقدر مفعول يساوي أو المشاركة تنازعا فيه وفاعلهما ضير الله، وعلى النسخة الأولى ما فاعل يساوي أو يستحق على التنازع أيضاً. قوله: (وكان حق الكلام أفمن لا يخلق كمن يخلق الخ) أي حقه هذا بحسب الظاهر في بادىء النظر لأنّ المقصود إلزام عبدة الأصنام، وسموها آلهة تشبيهأ بالله، وهم جعلوا غير الخالق مثله فكان حقه أفمن لا يخلق كم يخلق ووجه الجواب أنّ وجه التشبيه إذا قرن بين المشبه والمشبه به رجع التشبيه إلى التشابه فيقال وجه الخلفية كالقمر والقمر كوجه الخليفة، والمشركون لما عاملوا الأصنام معاملة الإله الخالق إذ سموها آلهة، وعبدوها فلم يبقى عندهم فرق بينها وبينه تعالى عما يقول الظالمون علواً كبيرا فحصل التشابه فلذا عبر بما ذكر أو
هو من التشبيه المقلوب إذ من حق المشبه أن يكون أحط من المشبه به فيما وقع في المشبه فإذا عكس كان فيه مزيد تقريع وتجهيل، وكلام المصنف رحمه الله تعالى يحتمل هذين الوجهين. قوله: (والمراد بمن لا يخلق كل ما عبد من دون الله الما كان الظاهر ما لا يخلق لأنّ الكلام في الأصنام، وهي لا تعقل دفعه بأنه ليس مخصوصا بها(5/319)
بل المراد كل ما عبد فيشمل الملائكة، وعيسى من أولي العلم، وأتى بمن تغليباً لذوي العلم على غيرهم. قوله: (أو الآصنام وأجراها) في نسخة، واجراؤها بصيغة المصدر يعني أنّ المراد الأصنام، ولما عبدوها والمعبود لا يكون إلا من ذوي العلم عبر به بناء على ما عندهم فهو حقيقة أو هو جار على نهج المشاكلة لمن يخلق. قوله: (أو للميالغة وكأنه قيل إن من يخلق ليس كمن لا يخلق الخ) قال الزمخشري: في تقرير هذا الوجه أو يكون المعنى أفمن يخلق من أولي العلم كمن لا يخلق منهم فكيف من غيرهم كقوله: {أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا} [سورة الأعراف، الآية: 195] يعني أن الآلهة حالهم منحطة عن حال من لهم أرجل، وأيدو أعضاء سالمة لأنّ هؤلاء أحياء وهم أموات فكيف تصح لهم العبادة لا أنها لو صحت لهم هذه الأعضاء لصح أن يعبدوا فقيل عليه أنه يحوم على أن العباد يخلقون أفعالهم، وأنّ المراد إظهار التفاوت بين من يخلق منهم، ومن لا يخلق كالعاجزين، والزمنى حتى يثبت التفاوت بين من يخلق منهم، وبين من لا يخلق من الأصنام بالطريق الأولى، ولقد تمكن منه الطمع حتى اعتقد أنه يثبت خلق العبد لأفعاله بتنزيله الآية على هذا التأويل، وتمنى لو تمّ له ذلك.
وما كل ما يتمنى المرء يدركه
وتبه بعض الشراج ورد بأنه غلط، وغفلة عن كلامه إذ المراد بمن لا يخلق جميع أولي العلم، وهذا هو الوجه الذي عزاه صاحب المفتاح لنفسه إذ توهم ما توهموا، وغفل كما غفلوا فقول المصنف رحمه الله تعالى للمبالغة معطوف على قوله للمشاكلة فيكون من فروع كون المراد بمن لا يخلق الأصنام على فرض! أنها من أولي العلم يعني لو كانوا من أولي العلم وهم ليسوا بخالقين لا يستحقون المساواة والشركة للعالم الخالق فكيف يشبه بهم ولا علم فيهم أو هو معطوف بحسب المعنى على قوله، والمراد بمن لا يخلق أي أو الكلام للمبالغة فالمراد به لا يخلق العالم القادر من الخلق دون الأصخام فلفظ من على حقيقته، والمقصود انكار تشبيه الأصنام بالله على أبلغ وجه لأنه إذا لم يصح تشبيه الحيّ القادر به تعالى من الخلق فكيف الجمادات وهذا هو الموافق لما في الكشاف والمفتاح فإن حمل عليه كلام المصنف رحمه الله تعالى فبها والا فذاك وجه آخر لم يذكره المصنف رحمه الله تعالى كذا قرّره بعض أرباب
الحواشي فتدبر. قوله: (فإنه لجلائه كالحاصل للعقل الذي يحضر) الموصول صفة الحاصل، ولما كان التذكر يستعمل فيما تصوّر أوّلاً ثم حصل الذهول عنه بحيث يحضر ثانيا بأدنى تنبيه، وهذا الحضور الثاني هو التذكر، ولم يسبق نفي المساواة حتى يتصوّر ويذهل عنه جعله لظهوره بمنزلة ما سبق تصوّر. فعبر بما ذكر فالتذكر استعارة للعلم بما ذكر تصريحية، وقيل هي مكنية باعتبار أن التقدير يتذكرون عدم المساواة، والمداناة فالكناية في ذلك المفعول المقدر، واثبات التذكر تخييل، فلا يرد عليه شيء لكن الأوّل أظهر، وقوله بأدنى تذكر قيل الأظهر بأدنى توجه، وليس بشيء لأنّ التذكر أدنى مراتب التفكر لأنه شامل له ولأعمال الفكر والتعمق وهذا مما لا شبهة فيه. قوله: (لا تضبطوا عددها) أصل معنى الإحصاء العد بالحصى. وكان ذلك عادتهم قال الأعشى:
ولست بالأكثرمنهم حصى وإنما العزة للكاثر
ثم كنى به عن مطلق العذ واشتهر حتى صار حقيقة فيه، وزاد قيد الضبط بمعنى الحصر
لئلا يتحد الشرط، والجزاء فيخلو عن الفائدة فلذا أوّل الجزاء بما ذكر، ولو أوّل الشرط بأن أردتم عدها اندفع المحذور أيضا لكن ما ذكره المصنف رحمه الله تعالى أولى، وقوله فضلا الخ اعتبره في معنى الآية ليلتثم السياق والسباق، وقوله أتبع ذلك الإشارة إلى قوله: {وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللهِ لاَ تُحْصُوهَا} والنعم المراد بها ما مرّ من أوّل السورة إلى هنا. أو من قوله وهو الذي سخر البحر، وقوله ولا يعاجلكم بالعقوبة على كفرانها أي إن كان بترك الواجبات. قوله:) وهو وعيد) إنما كان وعيداً لأنّ علم الملك القادر بمخالفة عبده يقتضي مجازاته على ذلك، وقد مرّ مراراً أن ذكر علم الله، وقدرته يراد به ذلك، وهو ظاهر. قوله: (وتزييف للشرك (أي رذ وابطال له وأصل معنى التزييف في نقد الدراهم، وتمييز الزائف من الرائج، وقوله باعتبار العلم يعني أنه أبطل شركهم للاصنام أوّلاً بقوله فمن يخلق كمن لا يخلق الخ كما مرّ تقريره، وأبطله ثانيا بقوله: {وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ} بناء على أن(5/320)
تقديم المسند إليه يفيد الحصر كزيد غرق في إفادة التخصيص يعني أنه تعالى عالم بذلك دون ما يشركون به فإنه لا يعلم ذلك بل لا
يعلم شيئآ أصلا فكيف يعذ شريكا لعالم السرّ والخفيات. قوله: (والآلهة الذين تعبدونهم (إشارة إلى أن الدعاء بمعنى العبادة كما مرّ تحقيقه، وقوله: وقرأ أبو بكر الخ. قال المعرب: قرأ العامة تسرّون وتعلنون بتاء الخطاب، وأبو جعفر وشعبة بالياء التحتية، وقرأ عاصم وحده بالياء، والباقون بالتاء من فوق، وقرىء يدعون مبنيا للمفعول، وهو واضح فما وقع في النسخ تبعا للإمام، وقرأ أبو بكر يدعون الياء، وقرى حفص ثلاثتها بالياء مخالف لما في كتب القرا آت فلعلها رواية شاذة عنه، وفي بعض النسخ قرأ عاصم ويعقوب يدعون بالياء، وهو الصحيح الموافق للنقل وما وقع في بعضها من الجمع بين النسختين لا وجه له فالظاهر أنّ النسخة الثانية إصلاج من المصنف رحمه الله تعالى.) أقول (هذا ما قالوه بأسرهم وهو من قصور الباع وقلة الاطلاع فإنّ الثلاثة قرأت بالمثناة التحتية في رواية عن أبي عمرو وحمزة من طريق إلا اً نهما لم يقرآ بها وفي كتاب الزوائد المفيدة في الزيادة على القصيدة للأربلي وعن حفص أيضا قراءة الثلاثة بتاء الخطاب. قوله: (لما نفى المشاركة بين من يخلق ومن لا يخلق بين أنهم لا يخلقون شيئاً) المشاركة مأخوذة من التشبيه وهذا دفع للتكرار وبيان لأنه ذكر للاستدلال على نفي التشابه والمشاركة لأنه في قوّة هم لا يخلقون شيئا ومن يخلق لا يشارك من لا يخلق فينتج من الثالث من يخلق لا يشاركهم ويعكس، وقيل عليه أنه مبنيّ على أن من يخلق ومن لا يخلق مجرى على غير تعيين، وقد بناه فيما سبق على كون الأوّل هو الله تعالى، والثاني الأصنام، وتقريره هناك يقتضي عدم الحاجة إلى هذه المقدمة للعلم بها، وكونها مفروغا عنها فإنما كرر لمزاوجة قوله، وهم يخلقون، ولا يخفى أن من لا يخلق عامّ، وكذا من يخلق كما صزح به هنا، وأما تخصيصه بما مرّ كما يقتضيه التعبير بالموصول فلأن من يخلق عندنا مخصوص به تعالى في الخارج اختصاص الكوكب النهاري بالمشمس وإن عمّ باعتبار مفهومه ومن لا يخلق وان عتم ذهناً وخارجاً فتفسيره بمن عبد لاقتضاء المقام له مع أنه في الوجه السابق لا يختص بذلك وأفا توله أنه لا يحتاج إلى هذه المقدمة فليس كما ذكره، وإنما مقتضاه أنها في غاية الظهور بحيث لا تحتاج إلى إثبات، وهو مصحح لكونها جزءاً من الدليل، وإذا ظهر المراد بطل الإيراد. قوله: (لآنها ذوات ممكنة الخ) إشارة إلى أن علة الاحتياج هي الامكان، وقوله ينبغي من المجاراة إذ لا بد من ذلك عقلا. قوله: (هم أموات لا تعتريهم الحياة الخ) بيان لفائدة قوله غير أحياء بعد ذكر أنهم أموات، وان قيل إنه تأكيد لأن التأسيس هو الأصل مع الإشارة إلى أنه خبر مبتدأ مقدر، ويجوز أن يكون خبراً بعد خبر، وكلام المصنف رحمه الله تعالى يحتمله، وغير أحياء صفة أموات أو خبر بعد خبر فقوله لا تعتريهم الحياة أي لا تعرض لهم بناء على أن المراد الأصنام فهو بيان لأنهم غير متصفين بالحياة حالاً، ومآلا لعدم القابلية لها كما تقبلها
النطفة، ونحوها فهم أموات حالاً، وغير أحياء بمعنى غير قابلة للحياة مآلاً فهو تأسيس في الجملة، وهذا بناء على أن المراد بالأحياء الأجسام غير ذوي العلم بمعنى الأصنام. قوله: (أو أموات حالاً أو مآلاً) هو جواب آخر، وأو في قوله أو أموات للتنويع لا للترديد ومنع الجمع، وهو على هذا متناول لجميع معبوداتهم ففي لفظ أموات عموم المجاز فالمراد ما لا حياة له سواء كان له حياة، ثم مات كعزير أو سيموت كعيسى، والملائكة عليهم الصلاة والسلام أو ليس من شأنه الحياة كالأصنام فهو شامل لذوي العلم وغيرهم، والذي في الكشاف وجوه ثلاثة ثالثها أن يراد بالذين تدعون الملائكة عليهم الصلاة والسلام وكان ناس منهم يعبدونهم، وأنهم أموات أي لا بد لهم من الموت غير أحياء أي غير تامّة حياتهم فليس بعام وكلام المصنف رحمه الله تعالى محتمل له. قوله: (غير أحياء بالذات) فالمراد به نفي الحياة الذاتية فليس مستغنى عنه، وقوله ليتناول تعليل له لبيان فائدته إذ لولاه لم يتناول عيسى، والملائكة عليهم الصلاة والسلام ممن عبدوه. قوله: (ولا يعلمون وقت بعثهم الخ) فسر يشعرون بيعلمون، ومنهم من فرق بين العلم والشعور، وهو سهل إلا أنّ ظاهر قوله وقت بعثهم أن إيان خرجت عن موضوعها، وهو الشرط أو الاستفهام إلى محض الظرفية بمعنى وقت مضاف إلى الجملة بعده كقولك وقت يذهب عمرو كما(5/321)
أورده المعرب على من جعل إيان ظرفا لقوله: {إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} فالظاهر تفسيره بمتى يبعثون كما في الكشاف، وغيره لكنه تسمح في العبارة، وما ذكره حاصل المعنى، والضميران في تفسيره الأوّل للذين تدعون وفي قوله أو بعث عبدتهم الضمير الأوّل للذين، والثاني لعبدتهم، وقوله فكيف الخ جار على الوجهين. قوله: (وف! يه تنبيه على أنّ البعث من توابع التكليف) أي مما يلزمه لأنّ البعث للجزاء، والجزاء للتكليف فلزمه كون البعث للتكليف، ولذا قيل تكليف العبادة لغرض مّا جزاء، وإذا ليس في هذه الدار جزاء فلا بد من دار جزاء ومن العلم بوقته لمن يجازي. قوله: (تكرير للمدّعي بعد- إقامة الحجج (يعني أنه ذكره أوّلاً بقوله لا إله إلا أنا، وذكر ما يدلّ عليه، ويبطل الشرك ثم أعاده. لأنه نتيجة لما تقدمه فأعاده كما تعاد النتيجة بعد ذكرها غير مبرهن عليها، ولما كان المدعي مذكور بالقوّة في ضمن الدلائل لم يعد بعيدا فلا مخالفة بينه، وبين ما في الكشاف من أنه لما أثبت بالدلائل المتقدمة الدالة على إبطال الشريك أن الإله واحد لا شريك له فكان الوإجب أن يخصص بالعبادة، ولا يشرك فيها، وهؤلاء عكسوا، واستمرّوا على الشرك فالفاء في قوله فالذين لا يؤمنون فاء القذلكة، والنتيجة لأنه كالتفسير لها، والمراد بالمستكبرين من استكبر عن التوحيد فهو مظهر
وضع موضع ضمير المشركين أو من استكبر عن الحق مطلقاً فهو عاتم متناول لهم كما قرّره العلامة. قوله: (بيان لما اتتضى اصرارهم الخ) يعني قوله فالذين الخ صدر بالفاء لأنه سبب لاصرارهم فالفاء للسببية كما قول أحسنت إلى زيد فإنه أحسن إليّ، ولما بين السبب، والمسبص من الارتباط كان هذا كالنتيجة، وقوله وذلك أي ما اقتضى اصرارهم هو أمور ثلاثة عدم الإيمان، والإنكار، والاستكبار، وقوله فإن المؤمن بها أي بالآخرة، ولو تقليداً، وقوله للدلائل أي دلائل التوحيد ليسلم في الآخرة وانكار قلوبهم معطوف على عدم إيمانهم، واتباعا علة ل! ركار، وقوله فمانه أي ما ذكر، والاستكبار معطوف عليه أيضاً وقوله، والأوّل هو العمدة يعني قول الذين لا يؤمنون بالآخرة، والأخيرين انكار قلوبهم واستكبارهم وترتيبه عليه بجعله خبراً للوصول المفيد لعلية الصلة للخبر على ما قرّر في المعاني. قوله: (لا جرم حقاً الخ) في هذه الفظة خلاف بين النحاة فذهب الخليل رحمه الله تعالى وسيبوبه والجمهور إلى أن لا جرم اسم مركب مع لا تركيب خمسة عشر، وبعد التركيب صار معناها معنى فعل، وهو حق، وما بعدها مرتفع بالفاعلية لمجموع لا جرم لتأويله بالفعل أو بمصدر قائم مقامه، وهو حقا على ما ذ! هـ أبو البقاء رحمه الله تعالى، وقيل هو مركب أيضا كلا رجل، وما بعدها خبر، ومعناها لا محالة، ولا بد وقيل إنه على تقدير جارّ أي في أن الله الخ. وقيل لا نافية لكلام مقدر تكلم به الكفرة كقوله لا أقسم على وجه، وما بعده جملة فعلية، وجرم فعل ماض معناه كسب، وفاعله مستتر يعود إلى ما فهم من السياق، وأن وما معها في محل نصب لأنّ ك! سب متعد فيوقف على لا، و! ذا قول الزجاج، وقيل معناها لا صذ ولا منع وجرم اسم لا بمعنى القطع، وأنّ وما بعدها خبر حذف منه الجار، وفيها لغات كما مرّ فقوله حقا تفسير له على مذهب الجمهور على مسلك أبي البقاء فيه، وقوله فيجازيهم مرّ تحقيقه مراراً، وقوله أو فعل يحتمل جرم وحده فعل، وهو الظاهر من لفظه لكن على هذا القول هو مفعول لا فاعل إلا أن يكون بمعنى ثبت، ووجب كما ذكره بعض المعربين، وهو قول فيه، ويحتمل أنّ مجموع لا جرم فعل تأويلا لأنه بمعنى حق، وهو الموافق لكلامهم كما أشار إليه بعض الفضلاء فما قيل أن شرط عمل المصدر أن لا لمجون مفعولاً مطلقا كما في الكافية وحقا مفعول مطلق من قلة التدبر على ما عرفته. قولى:) فضلاَ عن الذين الخ) فيه إشارة إلى أنه باق على عمومه، ويدخل فيه من مر ممن
استكبر عن التوحيد دخولاً أوّلياً، وهو الوجه الثاني في الكشاف، والأوّل أن يراد به من استكبر عن التوحيد وتركه لأن هذا أتمّ وأنسب بالتذييل، وقد جوّز كونه عاما مع حمل الاستفعال على ظاهره من الطلب أي لا يحب من طلبه فضلا عمن اتصف به. قوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُم مَّاذَا أَنزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ} في الكشاف ماذا منصوب بأنزل بمعنى أي شيء أنزل ربكم أو مرفوع بالابتداء بمعنى(5/322)
أي شيء أنزله ربكم فإذا نصبت فمعنى أساطير الأوّلين ما تدعون نزوله أساطير الأولين، وإذا رفعت فالمعنى المنزل أساطير الأولين كقوله: {مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ} [سورة البقرة، الآية: 219] فيمن رفع اهـ، وقد خفي تغاير التقديرين والفرق بين الوجهين على بعض النحاة تبعا لصاحب التقريب حيث قال: إنه لا يتعين للتقدير في أحدهما بما فيه صورة فعل، وهو ما تدعون، وفي الآخر بالمنزل، وأيضاً لم خالف بين لفظي الدعوى، والإنزال في التقديرين مع أنه حمل الإنزال على السخرية، ثم ذكر جوابا لم يرضوه، ونسبه بعضهم في هذا الكلام إلى ارتكاب هجنة لا تليق بالمقام ولم يلتفت شراحه إلى نقله لأنه غث، وسمين نشأ من عدم تحقيق مرامه إذا سمعت هذا:
فاعلم أنّ ماذا فيه وجهان
أحدهما: أن يكون ما اسم استفهام وذا اسم موصول بمعنى الذي وتقديره أيّ شيء الذي
الخ والمطابق حيئذ في جوابه الرفع ليطابق الجواب السؤال في كون كل منهما جملة اسمية. والثاني: أن يكون ماذا اسما واحدا مركبا للاستفهام بمعنى أيّ شيء محله النصب فينصب جوابه ليطابقه في الجملة الفعلية، ولذا قيل إنه كان مرفوعا هنا وجب تقديره بالذي لأنه لو قدر بأفي شيء وجب نصبه لعدم العائد، والأصل عدم التقدير فهو حينئذ مفعول لا محالة، وقوله وعلى هذا لا بد من إرادة الذي في كلامه حتى يكون التقدير أيّ شيء الذي أنزله ربكم كأنه من سهو الناسخ.
وإذا قيل للكفار أي شيء أنزله ربكم لم يكن جوابهم إلا ما أنزل من شيء، وما تدعون إنزاله أساطير الأوّلين لأنهم لا يقرّون بإنزاله من الله، ولذا لم يقرأ أساطير بالنصب في المشهور، وإن قرىء به شاذاً كما ذكره العرب فلا وجه لإنكاره أما إذا قيل لهم أفي شيء الذي أنزل ربكم فالإنزال لما جعل صلة كان ثابتا عند السامع فجوابهم المنزل أساطير الأولين لكن إثباتهم الإنزال لا يكون إلا على سبيل السخرية كما سيأتي، وهذا هو الذي أوجب اختلاف التقدير في الجواب بحسب الإعراب، وقد ارتكبوا هنا تعسفات تنبىء عن سبق، وهم أو سوء فهم، ولا يخفى أن هذا لا يدفع السؤال فالظاهر أن الذي يرفع نقاب الشبهة هنا قول المدتق طيب الله ثراه إن ما ذكر إيضاج، والا فالمعنى ما الذي كما هو متفق عليه، والفرق بين التقديرين أنّ المنصوب وإن دلّ على ثبوت أصل الفعل، وإن السؤال إنما هو عن المفعول
متقاعد عن دلالة المرفوع لأن الصلة من حقها أن تكون معلومة للمخاطب، وأنّ الحكم معلوم عنده، وعلى التقديرين لم يطابق الجواب كما أشار إليه فيما سيأتي، وإنما قدر ما يدعون في النصب لأنّ السائل لم يعتقد علمهم بالإنزال بل سأل عما سمع نزوله في الجملة، فيكفي في رذه إلى الصواب ادعاء نزول الأساطير.
وأمّا على تقدير الرفع فلما دل على تحقق الإنزال فإنه مسلم عندهم، وإنما السؤال عن تعيين المنزل أجيب بأنّ ذللة المحقق عندك أساطير تهكما إذ من المعلوم أن المنزل لا يكون أساطير فبولغ في ردّه بالتهكم به، وان بت الحكم في غير موضعه، فأراد عدم المطابقة مبالغاً في رذه، ويشبه أن يكون الأول جوابا للسؤال فيما بينهم أو بينهم، وبين الوافدين من الحجاج، والثاني جواباً عن سؤال المسلمين على ما ذكر من الاحتمالين لا العكس كما ظن، وهذا هو الموافق لما بعده، وجعل ما هنالك وجهاً ثالثا وأنه لم يقصد به الجواب هنا، وتوجيه اختلاف التقديرين بغير ذلك تكلف مستغنى عنه. هذا غاية ما يمكن في كلامه، وإنما بسطناه لأنه من مشكلات الكشاف، وليس الريّ عن التشاف فانظر فيه بعين الإنصاف وأساطير جمع أسطار جمع سطر فهو جمع الجمع، وقال المبرد: جمع أسطورة كأرجوحة، وأراجيح أي مما كتبه الأولون فهو كقوله: {اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ} [سورة الفرقان، الآية: 5] . قوله:) القائل بعضهم على التهكم الخ) يعني أنه إذا كان السؤال من بعضهم لبعض، فهو تهكم لأنهم لا يعتقدون أنه منزل لا إن كان من الوافدين عليهم الذين سمعوا به صلى الله عليه وسلم، وبما أنزل عليه أو من المسلمين لهم ليعلموا ما عندهم فليس الأولى حذفه مع أنه قول للمفسرين مسبوق به. قوله: (أي ما تدّعون الخ) قد مرّ تحقيقه، وهو إشارة إلى أنه خبر مبتدأ محذوف وهو على الوجوه السابقة. قوله:) وإنما سموه منزلاً الخ) يعني على تقدير المنزل أساطير الأولين، وليس توجيها لقوله: (ماذا أنزل التقدم توجيهه فإن الأساطير لا تكون منزلة، وقوله: (أو على الفرض) والتسليم(5/323)
ليردّوه كقوله: {هَذَا رَبِّي} [سورة الأنعام، الآية: 177 أو على التقدير أي قدروه منزلاً مجاراة ومشاكلة. قوله: الا تحقيق فيه) تفسير للأساطير وقوله والقائلون له أي للجواب المذكور، والمقتسمون هم الذين جعلوا القرآن عضين، وقد مرّ تفسيره. قوله: (أي قالوا ذلك إضلالاً للناس الخ (يشير إلى أن اللام لام العاقبة لأن ما ذكر مترتب على فعلهم، وليس باعثا ولا غرضا لهم كما بينه بقوله فحملوا لأنهم لم يصفوا القرآن بكونه أساطير الأوّلين لأجل أن يحملوا الأوزار لكن عاقبتهم ذلك إمّا مجازاً، وامّا حقيقة على معنى أنه قدر صدوره منهم ليحملوا،
وقد قيل أيضاً أنها للتعليل وإنها لام أمر جازمة، والمعنى أنّ ذلك متحتم عليهم فيتمّ الكلام عند قوله أساطير الأوّلين، وقوله إضلالاً يبين أن حمل أوزارهم ليس علة، وهم يعتقدون أنهم محقون لا ضالون مضلون فإنه غير مسلم، ولو سلم فالمراد قصدوا ما يصدق عليه إنه إضلال لا مفهوم الإضلال، وفيه نظر. قوله:) فإنّ إضلالهم نتيجة رسوخهم في الضلال) توجيه للوصف بالكمال، وقوله: (وبعض أوزاو ضلال من يضلونهم الخ (يشير إلى أن من تبعيضية لأنّ مقابلته لقوله كاملة يعينه، والمعنى مثل بعض أوزارهم فلا وجه لجعل من زائدة، ولا يرد عليه ما ورد في الحديث كما قيل وهو: " من سق سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها من غير أن ينقص! ذلك من أوزارهم شيئاً لأنّ للتابعين أوزارا غير ذلك ". قوله: (خصة التسبب) لأنّ ضلال من أضلوه من حيث المباشرة على المباشر ومن حيث التسبب على المضل من غير نقص، وفاعل يضلونهم ضمير القائلين ومفعوله ضمير الوافدين. قوله:) حال من المفعول الخ (أي أنهم يضلونهم حال كونهم جاهلين، وفيه تنبيه على أنهم إنما يضلون الجهلة الأغبياء، ويجوز أن يكون حالاً من الفاعل أي يضلونهم جهلاً منهم بما يستحقونه من العذاب الشديد على ذلك الإضلال، وكونه محدثاً عنه يعارضه القرب فلا يصلح مرجحا وإن رجحه الواحدي وقد رذه في الكشف، وكونه حالاً منهما كما نقل عن ابن جنيّ خلاف الظاهر، وقوله بض شيئا قد مر تحقيقه، وان ساء من باب بئس. قوله: (سووا منصوبات الخ) سوى بمعنى صنع، والمنصوبة كما نقل عن الزمخشري الحيلة يقال سوى فلان منصوبة، وهي في الأصل صفة للشبكة، والحبالة فجرت مجرى الاسم كالدابة، والعجوز ومنه المنصوبة في لعب الشطرنج، وقوله: ليمكروا بها رسل الله أي ليخدعوا، ولما كان بمعناه عداه تعديته، ولما كان المكر صرف الغير عما يقصده بحيلة، وما بعده يدل على أنهم لم يصرفوهم أشار إلى أنه مجاز هنا عن مباشرة أسباب المكر، وترتيب مقدماته ولو جعل تجريداً صح، وما قيل إنه أخرج مكر عن ظاهره فاحتاج إلى تقدير معنى ليناسب كونه تمثيلاً مع ما فيه من الإشارة إلى عدم وقوع المكر
منهم حقيقة بل مقدماته، والا لغلبوا على الرسل عليهم الصلاة والسلام لا يخفى ما فيه من التطويل من غير طائل. قوله: (فأتاه أمره) حقيقة الإتيان المجيء بسهولة كما قاله الراغب ولما كان هذا معناه الأصلي حمله المصنف رحمه الله تعالى عليه فاحتاج إلى تقدير مضاف، وهو الأمر، ولو جعل من قبيل أتى عليه الدهر بمعنى أهلكه، وأفناه على ما في الكشاف لم يحتج إليه وضمير أتاه بالتذكير كما في بعض النسخ للبنيان لأنه اسم مفرد مذكر قاًل تعالى {كَأَنَّهُم بُنيَانٌ مَّرْصُوصٌ} ، وفي أكثرها فأتاها بالتأنيث بناء على ما نقله الراغب عن بعض أهل اللغة من أنه جمع بنيانة على حد نخلة، ونخل وهذا، ونحوه يصح تذكيره، وتأنيثه. قوله: (من جهة العمد) بضم العين، والميم وجوز تسكينها أو بفتحهما جمع عمود، وهو والقاعدة بمعنى الدعامة، وضعضعت بالبناء للمفعول بمعنى هدمت ومنه ضعضعه الدهر إذا أذله وتضعضع بمعنى استكان قال:
إني لريب الدهر لا أتضعضع
وقوله من جهة الخ إشارة إلى أنّ من ابتدائية وقوله: (وصار سبب هلاكهم (وفي نسخة فصار بالفاء أي ما صنعوه ليكون سببا لبقائهم صار سببا لهلاكهم وفنائهم وانعكاس رجائهم وهو غاية الخيبة والحسرة عليهم وقوله: {مِن فَوْقِهِمْ} متعلق بخرّ ومن لابتداء الغاية أو متعلق بمحذوف على أنه حال من السقف مؤكدة وقيل إنه ليس بتأكيد لأنّ العرب تقول خبر علينا سقف، ووقع علينا حائط إذا انهدم في ملكه، وان لم يقع عليه، دماليه أشار المصنف رحمه الله تعالى بقوله صار سبب هلاكهم. قوله: الا يحتسبون ولا يتوقعون (التوقع ترقب الوقوع، وهو في موقعه هنا، وقيل فسر عدم الشعور به لأنه أفحش منه لاجتماع عدم الشعور مع العلم بأصل الوقوع(5/324)
وفيه نظر. قوله: (وهو على سبيل التمثيل (يعني أن قوله: {أَتَى اللهُ بُنْيَانَهُم} الخ استعارة تمثيلية لأنّ ما نصبوه وتخيلوه سبباً للاستيلاء صار سببا للبوار، والعفاء فالأساطين كالمنصوبات، وانقلابها عليهم مهلكة كانعكاس مكايدهم عليهم، ووجه الشبه أن ما عدوه سبب بقائهم عاد سبب استئصالهم، وفنائهم كقولهم من حفر لأخيه جبا، وقع فيه منكبا. قوله: (وقيل المراد به نمرود) هو بضم النون، وفي آخره دال مهملة، وهو اسم جبار معروف وكنعان في حواشي الكشاف الأفصح فيه كسر الكاف، والفتح مروي فيه، وهو المعروف وفي التهذيب مقيد بالفتح، وعن الليث أن كنعان بن سام بن نوح عليه الصلاة والسلام، واليه ينسب الكنعانيون، ولغتهم العربية الذي في كتب التواريخ، أنّ كنعان بن كوس من أولاد حام بن نوج
والصرح القصر وكل بناء عال وبابل اسم ناحية معروفة وسمكه بمعنى ارتفاعه، وعلوّه، وقوله ليترصد أمر السماء أي ليعرف أمر السماء، ويقاتل أهلها وقوله: (فخرّ عليه وعلى قومه فهلكوا) يقتضي أن هلاك نمرود إذ ذاك بما ذكر والمعروف أنه عاش بعده، وأهلكه الله ببعوضة وصلت لدماغه إظهار الكمال خستة، وعجزه وجازاه من جن! عمله لأنه صعد إلى جهة السماء بالنسور فأهلكه الله بأخس الطيور، وعلى هذا لا يكون تمثيلا بل حقيقة، وأخره لأنه لا دليل عليه. قوله: (يذلهم أو يعذبهم بالنار كقوله الخ) قد مر أنّ المصنف رحمه الله تبعاً للراغب فسر الخزي بذل يستحيا منه، ولتضمينه لهذين المعنيين استعمل في الذل تارة نحو عليه الخزي، وأخرى في الاستحياء واعترض عليه بأنه ليس كما ذكر فإنه مشترك بين المعنيين المذكورين، ويدل عليه اختلاف مصدريهما فإنه يقال خزي بالكسر يخزي خزياً إذا ذل وهان، وخزاية إذا استحيا كما قاله الجوهري، وقد مر تحقيقه والمراد به هنا الذل مطلقاً أو فرده الكامل، وهو التعذيب بالنار، واستدل عليه بأنه ورد في القرآن بهذا المعنى والقرآن يفسر بعضه بعضاً، والآية المستشهد بها قد مر الكلام عليها، وأنها من قبيل من أدرك الصمان فقد أدرك المرعى، وقد حقق ثمة بما لا مزيد عليه، وقيل إنه في الوجه الثاني كناية عن التعذيب بالنار أيضا، وأشار إلى وجهها بقوله كقوده الخ فإنه يدل على أنّ الاخزاء من روادف التعذيب بالنار، وقيل عليه إن قوله أين شركائي يأباه لأنه قبل دخولهم النار فالمراد أصل معناه، وهو الاذلال، ولا ورود له لأنّ معنى لهم الخزي أي العذاب أنه يبين استحقاقهم له لما ظهر من الأحوال، ومشاهدة الأهوال مع أنّ الواو لا تقتضي الترتيب، ونقله بصيغة التمريض مغن عن الإيراد، والجواب فإنه يشير إلى أنه غير مرضي عنده فتأمّل. قوله: (أضاف إلى نفسه الخ) يعني في النظم تقريع، وتوبيخ بالقول، واستهزاء بهم إذ أضاف الشركاء إلى نفسه لأدنى ملابسة بناء على زعمهم مع الإهانة بالفعل المدلول عليها بقوله يخزيهم أي ما لهم لا يحضرونكم ليدفعوا عنكم لأنهم كانوا يقولون إن صح ما تقول فالأصنام تشفع لنا فهو كقوله: {أَيْنَ شُرَكَآؤُكُمُ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ} [سورة الأنعام، الآية: 22] وقوله أو حكاية الظاهر رفعه عطفا بحسب المعنى على قوله أضحاف كأنه قال مضاف أو حكاية، وأضاف أو حكى ويجوز نصبه عطفاً على استهزاء أي حكى عن المشركين زيادة في توبيخهم إذ لو قيل أين أصنامكم كان فيه توبيخ أيضاً، وقراءة العامة شركائي بالمد ومنهم من سكن الياء فتحذف وصلا لالتقاء الساكنين وقرأ البزيّ بخلاف عنه بقصره مفتوج الياء، وقد أنكر. جماعة وزعموا أنّ هذه القراءة غير مأخوذ بها لأنّ قصر الممدود لا يجوز إلا ضرورة وليس كما قالوا فإنه يجوز في السعة، وقد يوجه بأنّ الهمزة المكسورة قبل الياء حذفت للتخفيف، وليس كقصر الممدود مطلقا مع أنه قد روي عن ابن كثير قصر التي في القصص وروي عنه أيضاً قصر ورائي في مريم، وعن قنبل قصر أن رآه استغنى في العلق فكيف يعدّ
ذلك ضرورة فأعرفه فإنّ كثيرا من النحاة غفلوا عنه. قوله: (تعادون) المشاقة المعاداة، والمخاصمة من شق العصا أو لكون كل منهما في شق، وقوله المؤمنين إشارة إلى أنّ مفعوله محذوف، وقوله فيهم بمعنى في شأتهم من العبادة وغيرها والأولى أن يفسر تشاقون بتخاصمون وتنازعون ليظهر تعلق فيهم به كما في الكشاف، ويحتمل أن تكون في للسببية، وفي نسخة قبل قوله الذين كنتم تشاقون فيهم، وقرأ البزيّ بخلاف عنه أين شركاي بغير الهمزة، والباقون بالهمزة، وقد مرّ تحقيقه، والذين يحتمل الرفع، والنصب. قوله: (وقرأ نافع بكسر(5/325)
النون الخ) أي وأصله تشاقونني بنونين حذفت إحداهما تخفيفا، ثم حذفت الياء اكتفاء بالكسرة عنها، وقرئ بتشديد النون المكسورة، وحذف إلياء، وبسطه في علم القراآت، وقد مر نظيره. قوله:) فإنّ مشاقة المؤمنين كمشاقة الله) أمّا إذا كانت المشاقة بمعنى المخاصمة فظاهر أنهم لم يخاصموا الله، وأمّا إذا كانت بمعنى العداوة فلأنهم لا يعتقدون أنهم أعداء الله، وأمّا قوله تعالى {عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ} فمؤوّل أيضا بغير شبهة فلا وجه لما قيل ليت شعري ما الداعي لإخراج الكلام عن ظاهره فإنّ المشركين أعداء الله " قال تعالى: {لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء} [سورة الممتحنة، الآية: ا] . قوله: (أو الملافكة) وعلى هذا فليسوا ملائكة الموت فلذا صرح بهم بعده فما قيل في رده إنّ الواجب حينئذ يتوفونهم مكان تتوفاهم الملائكة وان يلزم منه الإبهام في موضع التعيين والتعيين في موضع الإبهام في غاية السقوط. قوله: (الذلة والعذاب (الواو بمعنى أو لما مر أنهما معنيان متغايران أو على بابها بأن يراد ما يشملهما هذا إن جعلا معنى الخزي والسوء تأكيد له، وان جعلا لفاً ونشرا مرتبا فهو ظاهر وهو الأولى، وقوله الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أو العلماء الخ إشارة إلى أنّا لمراد بالذين أوتوا العلم الذين انتفعوا به في سبيل النجاة، وأن علم الكفار هو الجهل الذي هو سبب كل رذيلة، وقصر الخزي والسوء على الكافرين ادعائي بجعل ما لعصاة المؤمنين لعدم بقائه ليس من جنسه فلا دليل فيها للمرجئة ولا للخوارج، وقوله وفائدة الخ أي ليجمع لهم الله الإهانة قولاً وفعلا، وحكايته مرفوع، وقوله لأن يكون خبره، وهو يتضمن فائدة حكاينه وجره بالعطف على لفظ قولهم لا يخلو عن سماجة للتصريح باللام، ولو لم تكن كان معطوفا عليه. قوله: (وقرأ حمزة الخ) وجه قراءته ظاهر لأنه غير مؤنث حقيقي فيجوز تذكيره، وأمّ إدغام التاء في التاء فيجتلب له همزة وصل في الابتداء، وتسقط في الدرج، وإن لم يعهد همزة وصل في أوّل فعل مضارع على ما بين في كتب النحو،
والأوجه الثلاثة الجرّ على أنه صفة الكافرين أو بدل أو بيان له، والنصب والرفع على القطع للذم، وأفا كونه مبتدأ خبره قوله فألقوا السلم كما قاله ابن عطية فقيل إنه لا يتأتى إلا على مذهب الأخفش في إجازته زيادة الفاء في الخبر مطلقاً نحو زيد فقام أي قام، ولا يتوهم أنها الفاء الداخلة مع الموصول المتضمن معنى الشرط لأنه لو صرح بهذا الفعل مع أداة الشوط لم يجز دخول الفاء عليه فما ضمن معناه أولى بالمنع، وكونه أولى بالمنع كير مسلم لأن امتناع الفاء معه لأنه لقوّته لا يحتاج لرابط إذا صح مباشرته للفحلى، وما تضمن معناه ليس كذلك. قوله تعالى:) {الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ} ) وقد مر إعرابه وهو يصح فيه أن يكون مقولاً للقول وغير مندرج تحته، والقول إن كان في الدنيا فالمضارع على ظاهره، وان كان يوم القيامة فهو على حكاية الحال الماضية. قوله: (فسالموا) أي انقادوا، وأخبتوا بخاء معجمة، وباء موحدة ومثناة فوقية من قولهم أخيت لله بمعنى ذل، وتواضع، وأصله الإلقاء في الأجسام فاستعمل في إظهارهم الانقياد إشعاراً بغاية خضوعهم واستكانتهم، وجعل ذلك الشيء الملقى بين يدي القاهر الغالب على الاستعارة، وقوله عرّضوها للعذاب المخلد من التعريض، وهو جعل الشيء عرضة لكذا إذا كان معدّاً له مهيأ، وظلمهم ونفسهم وضعها في غير موضعها من الآباء عن طاعة الخالق الجبار، وقوله فألقوا فيه وجوه منها أنه خبر الموصول، وقد تقدم ما فيه أو هو عطف على قال الذين أو مستأنف والكلام تم عند قوله أنفسهم ثم عاد بقوله فألقوا إلى حكاية حال المشركين فقوله قال الذين الخ جملة اعتراضية أو هو معطوف على تتوفاهم كما قاله أبو البقاء وهو إنما يتمشى على كون تتوفاهم بمعنى الماضي قيل، وقول المصنف رحمه الله حين عاينوا الموت مبنيّ عليه إلا أنه لا يلائمه السياق، والسباق، وأنّ الظاهر أنّ هذه المسالمة حين عاينوا العذاب في يوم القيامة، وفيه بحث. قوله: (قائلين ما كنا نعمل من سوء الخ (يعني أنه منصوب بقول مضمر، وذلك القول حال ومن سوء مفعول نعمل، ومن زائدة أو جواب لما كنا نعمل إيجاب له. أو هو تفسير للسلم الذي ألقوه لأنه بمعنى القول بدليل الآية الأخرى فألقوا إليهم القول، وليس هذا على مذهب الكوفيين كما توهم لأنّ الجملة تفسيرية ل! محل لها، وليست معمولة له، وإنما أوّلها بالقول ليتطابق المفسر والمفسر، وهذا كقوله تعالى: {وَاللهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} [سورة الأنعام، الآية: 23] ومن قال ليت شعري ما معنى هذا الاشتراط لأن كونه تفسيراً للسلم لا يقتضي كونه نفسه(5/326)
بل يكفي كونه بهذا اللفظ دون غيره فقد غفل عن المراد فبادر للإيراد. قوله: (فهو يجازيكم) فلا يفيد الإنكار والكذب على الأنفس، وقوله استئناف، ورجوع إلى شرح حالهم يوم القيامة أي ليس معطوفا على قوله تتوفاهم كما مر، ومي
البحر فيكون قوله قال الذين إلى قوله فألقوا اعتراضا بين الأخبار بأحوال الكفار قيل والظاهر أنّ الاعتراض بجملة الذين تتوفاهم الملائكة على احتمال النصب، والرفع دون الجرّ، ولا يخفى أنه لا مانع من الاعتراض الأوّلى. قوله: (وعلى هذا أوّل من لم يجوّرّ الكذب يومئذ الخ) أي على احتمال الاستئناف، وأنه بيان لحالهم في الآخرة لزم وقوع الكذب يوم القيامة فإن قلنا بوقوعه كما مر تفصيله فلا إشكال، والط لم نقل به فلا بد أن يؤوّل هذا القول، هو ما كنا نعمل من سوء بأنّ المراد ما كنا عاملين السوء في اعتقادنا إن كان اعتقادنا أن عملنا غير سيئ، وليس هذا مبنياً على انّ الكذب ما لا يطابق الاعتقاد، وهذا كما أوّلوا قولهم، والله ما كنا مشركين، وقد مر أنّ المصنف رحمه الله ردّ هذا في سورة الأنعام بأنّ هذا التأويل لا يوافق قوله تعالى: {انظُرْ كَيْفَ كَذَبُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ} [سورة الأنعام، الآية: 24] أي بنفي الشرك عن أنفسهم وكذا لا يلائمه الردّ عليهم هنا لقوله بلى إنّ الله الخ لظهور أنه لإبطال النفي، ولا يقال الردّ على من جحد واستيقنت نفسه لأنه يكون كذباً أيضا فلا يفيد التأويل، ولذا مرض هذا القول وأخره وما كنا الخ مفعول لقول المصنف رحمه الله أوّل. قوله: (واخمل أن يكون الراذ (عطف على قوله أوّل وهو من فروع الاستئناف، وقوله هو الله أو أولو العلم يعني الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أو العلماء يعني أنه يحتملهما أيضا لا أن يكون الراد منحصرا فيهما بخلاف الوجه الأوّل فإنّ الراد فيه الملائكة. قوله: (كل صنف (على معنى أنّ الخطاب لكل صنف لا لكل فرد حتى يلزم دخول فرد من الكفار من أبواب متعددة أو يكون لجهنم أبواب بعددهم، وليس أمر المخاطب هنا بمعنى أمر الغائب أي ليدخل كل صنف كما توهم، وبابها إتا بمعنى المنفذ أو الطبقة كما مر، وفي الوجه الآخر الباب بمعنى الصنف كما يقال نظر في باب من العلم، والخطاب لكل فرد. قوله تعالى: ( {فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ} ) أدخل اللام في بثس، ولم يدخلها في الزمر، والمؤمن لما كان الكلام أحوج إلى التأكيد من حيث كان سياق الآية في التابع والمتبوع جميعا باللام إلا تراه قال: {لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [سورة النحل، الآية: 125 وتال بعده ولدار الآخرة فأدخل اللام ليطابق اللام بعده، وقوله جهنم يحتمل أنه تفسير للمثوى، وتقدير للمخصوص بالذم، وهو الظاهر والفاء عاطفة، وفي قوله المتكبرين إشارة إلى أن استحقاقهم النار للتكبر عن طاعة الله ورسوله. قوله:) أي أنزل خيراً وفي نصبه
الخ) يقال! تلعثم الرجل إذا توقف في الكلام، والمراد بالموسم موسم الحج من الوسم بمعنى العلامة، والإحياء جمع حيّ وهي القبيلة، وقوله أنزل خيراً إشارة إلى أنّ ماذا في محل نصب لا مبتدأ وخبر على أحد الوجهين ليطابقه الجواب، واختير كونها فعلية هنا دون ما مر في قوله أساطير الأوّلين حيث رفع من غير نظر إلى احتمال ماذا الخ للفعلية لأن الإنزال يناسب الفعل لتجدده بخلاف كونه أساطير فإنه على زعمهم الفاسد أمر متقدّم ثابت فلذا غاير بينهما كما مر تحقيقه، وقوله على خلاف الكفرة لأنّ أنه أساطير الأوّلين أنه غير منزل، وإنما سموه منزلاً على طريق المجاز وتطبيق ما ذكر من سبب النزول على تقديره ظاهر، ووجه دلالة النصب على ما ذكر أنه كقوله الهلال، والله بحذف العامل للمبادرة. قوله: (مكافأة في الدنيا (إشارة إلى أنّ قوله في هذه الدنيا متعلق بحسنه كتعلقه بأحسنوا، والحسنة التي في الدنيا الظفر، وحسن السيرة، وغير ذلك وقوله ولثوابهم في الآخرة إشارة إلى تقدير مضاف أو بيان لجهة خيريتها، وقوله وهو عدة أي قوله للذين أحسنوا فهو المحمود عليه. قوله: (ويجوز أن يكون بما بعده (أي قوله للذين أحسنوا مع ما بعده، وهو على الأوّل أعني قوله عدة كلام مستأنف فيكون في الوعد هنا نظير قوله: {لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ} [سورة النحل، الآية: 25] في الوعيد هناك، وهو الوجه ولذا قدمه، وحينثذ هو مقول القول، وعلى هذا قوله خيرأ من كلام الله تعالى سماه خيراً ثم حكى مقولهم كما تقول قال فلان جميلاً من قصدنا وجب- قه علينا، ودلالته على ما مر لشهادة الله بخيريته فخيراً مفعول قالوا وعمل فيه لأنه في معنى الجملة كقال قصيدة أو صفة مصدر أي قولاً خيراً، وهذه الجملة بدل منه فمحلها النصب أو مفسرة له فلا محل لها من الإعراب، وهذا بيان لوجه آخر يحتمله النظم فلا يقال لم لم يجعل منصوباً(5/327)
بأنزل على هذا الاحتمال، وما قيل من أنه لم يجعله منصوباً بأنزل لأنّ هذا القول ليس منزلاً من الله، وفيه تفوت المطابقة حينئذ كلام ناشئ من عدم التدبر، وقوله دار الآخرة إشارة لتقدير المخصوص بالمدح على المذاهب المعروفة فيه، والقرينة عليه لفظية وهي تقدمه في الذكر كما ذكره، وعلى الوجه الآخر فهو مذكور، وقوله خبر مبتدأ أي هي أو الخبر محذوف، وهو لهم وتجري الخ جملة حالية أو صفة إن لم يكن جنات علماً. قوله: (وفي تقديم الظرف) يعني فيها تقدمه يفيد الحصر، والموصول هنا للعموم بقرينة المقام فيدل على ما ذكر، وقوله مثل هذا الجزاء نجزيهم
مر تحقيقه. قوله: (وهو يؤيد الوجه الآؤل) يعني كون قوله للذين أحسنوا عدة فإنّ جعله جزاء لهم ينظر إلى الوعد به من الله، وإذا كان مقول القول لا يكون من كلام الله حتى يكون وعداً منه تعالى، وقيل إنّ المراد بالوجه الأوّل كون جنات عدن خبر مبتدأ محذوف لأنه إذا كان مخصوصا بالمدح يكون كالصريح في أن جنات عدن الخ جزاء للمتقين فيكون قوله كذلك الخ تأكيداً بخلاف ما إذا كان خبر مبتدأ محذوف فإنه لم يعلم صريحا أنّ جنات عدن جزاء للمتقين، وفيه نظر وقوله الذين تتوفاهم الملائكة يحتمل الرفع والنصب، وأن يكون مبتدأ خبره يقولون. قوله: (طاهرين من ظلم أنفسهم بالكفر والمعاصي الخ) مقتضى المفابلة أن يفسر طيبين بالطاهرين عن الكفر فقط فإنّ ظالمي أنفسهم صفة الكافرين، وقد قال المصنف رحمه الله تعالى هناك في تفسيره عرّضوها للعذاب المخلد لكن وصفهم بأنهم متقون موعودون بالجنة في مقابلة الأعمال يقتضي ما ذكر، وذكر الطهارة عن الكفر وحده لا فائدة فيه بعد وصفهم بالتقوى، وقال الطيبي رحمه الله تعالى أمّا المعاصي فإنّ قوله ظالمي أنفسهم مجاب بقولهم ما كنا نعمل من سوء فتأقل. قوله: (وقيل فرحين ببشارة الملافكة الخ) فالمراد بالطيب طيب النفس، وهو عبارة عن القبول مع انشراح الصدر، وقوله إلى حضرة القدس حضرة مقحم للتعظيم كما يقحم المقام، والمجلس لذلك، وفي نسخة حظيرة بالظاء المشالة، وهي ظاهرة، وقوله لا يحيقكم أي لا يلحقكم، وبعد مبنيّ على الضمّ، والمكروه كل ما تكرهه النفس. قوله: (حين تبعثون فإنها معدة لكم على أعمالكم الخ) حين متعلق بقوله يقولون لا بادخلوا فإنّ الدخول ليس في حين البعث بل بعده، والأمر لا يقتضي الفور حتى يحتاج إلى أن يقال إنها حال مقدرة، والمتبادر من الدخول دخول الأرواح في الأبدان لا دخول الأرواج فقط حتى يقال إنه لا حاجة إلى ما ذكر من التأويل، ودخول الأرواج هو المراد في حديث: " إن القبر روضة من رياض الجنة " وكذا قوله أغرقوا فأدخلوا ناراً نعم لو أريد ذلك صح وكان وجها آخر. قوله: (على أعمالكم) على سببية كما في قوله: {عَلَى مَا هَدَاكُمْ} [سورة البقرة، الآية: 185] وقد حملت الباء على المقابلة دفعا للتعارض! بين الآية، وحديث: " لن يدخل أحدكم الجنة بعمله " وقد
ثبت في الأصول أنّ العمل غير موجب للجنة، وقد دفع أيضاً بحمل الحديث على السببية الحقيقية الموجبة، والآية وأمثالها على السببية الحاضرة، وقريب منه أن الله سبب الأسباب، وقد جعلها سببا بمقتضى، وعده تكرّماً منه. قوله: الي قيل هذا التوفي وفاة الحشر) فالمراد بها غير المعنى المتعارف، وهو الذي في قوله ووفيت كل نفس ما كسبت أعني تسليم أجسادهم، وايصالها إلى موقف الحشر من توفي الشيء إذا أخذوه وافياً، وقوله ما ينتظر الكفار قد مرّ في الأنعام أنّ الانتظار مجار لأنهم شبهوا بالمنتظرين للحوقه لهم لحوق ما ينتظر فكأنهم لفعلهم ما يوجب العذاب منتظرون له فهو استعارة. قوله: (لقبض أرواحهم) يعني أنهم لا يرتدعون عن كفرهم بما شاهدوه، وسمعوه من البيان حتى يصير الأمر عيانا فيصدقوا حيث لا ينفع التصديق لأنّ الإيمان برهاني، وقيل المعنى هل ينتظرون في تصديقك إلا أن تنزل ملائكة تشهد بنبوّتك فهو كقوله لولا أنزل عليه ملك، وأو في قوله أو يأتي أمر ربك لمنع الجمع على هذا التفسير، وكذا على التفسير الآخر أما إذا فسر بالقيامة فقد أورد عليه أنه يجامعها فليس محلالاً والفاصلة ورذ بأنها لمنع الخلو، وفيه بحث. قوله: (من الشرك والتكذيب (يعني المشار إليه بذلك ما دلت عليه الآيات السابقة من الشرك والتكذيب لأنه سبب لإصابة السيئات، وما بينهما اعتراض واقع في حاق موقعه، وجعله راجعا إلى المفهوم(5/328)
من قوله هل ينظرون أي كذلك كان من قبلهم مكذبين لزمتهم الحجة منتظرين فأصابهم ما كانوا ينتظرونه سديد حسن إلا أن هذا أقرب مأخذاً، ودلالة فعل عليه أظهر، وهذا فذلكة ما قابلوا به تلك النعم، وأدمج فيه تسلية الرسول صلى الله عليه وسلم فلا يرد عليه أنهم كانوا ينتظرون حقيقة، وأنه لا يلائم قوله فأصابهم سيئات ما عملوا. قوله: (فأصابهم ما أصابهم (أي مثل ما أصابهم، وفي نسخة مثل ما أصابوا أي لقوا ووجدوا، وليس هذا تقديراً في النظم بل مبادرة إلى إظهار معنى المعطوف للإشارة إلى أن قوله وما ظلمهم الله الخ اعتراض، وقيل إنه مفهوم مما سبق أي كذلك كان من قبلهم مكذبين فأصابهم ما ينتظرونه وقوله فأصابهم سيئات الخ بيان لنتيجة ظلمهم أنفسهم فعلى هذا لا اعتراض! ، وقوله بتدميرهم أي إهلاكهم. قوله:) أي جزاء سيئات اعمالهم (يعني هو بظاهره
يدلّ على أنّ ما أصابهم سيئة، وليس بها فإفا أن يقدر المضاف أو يجعل من المشاكلة كما في الكشاف أو من إطلاق اسم السبب على المسبب على ما أشار إليه المصنف رحمه الله تعالى فمن قال إن المشاكلة لا تصح هنا، ديمانه ليس في كلام جار الله ما يدل عليها لم يصب فتأمل. قوله: (وأحاط بهم جزاؤه) يعني أن ما مصدرية، وفي الكلام مضاف مقدر وبه متعلق بيستهزؤون قدم للفاصلة، والضمير للرسول عليه الصلاة والسلام، ويجوز أن تكون موصولة عامة للرسول صلى الله عليه وسلم وغيره وضمير به عائد عليها. قوله: (والحيق الخ) يعني أن أصل معناه الإحاطة مطلقا لكنه خص في الاستعمال بإحاطة الشر فلا يقال حاقت به النعمة بل النقمة، ومن الأولى بيانية، والثانية زائدة لتأكيد الاستغراق، وكذا الثانية ونحن لتأكيد ضميو عبدنا لا لتصحيح العطف لوجود الفواصل، وان كان محسنا له. قوله: (إنما قالوا ذلك استهزاء ومنعا للبعثة والتكليف) يعني أنهم لم يقولوا ذلك اعتقاداً حتى يكون ذمهم عليهم حجة للمعتزلة في القول بخلق الأفعال، وبخلق الإرادة لكن لما سمعوا منه صلى الله عليه وسلم ومن المؤمنين ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن قالوا ذلك استهزاء بهم فذكر ذلك نعيا عليهم في الضلال أو إثباتا لمنعهم الباطل. قوله:) متمسكين بأن ما شاء الله يجب الخ الما مرّ، وهو حق أريد به باطل فلا حجة فيه للمعتزلة كما زعمه الزمخشريّ، وتخصيص الإشراك والتحريم بالذكر لأنهما أعظم، وأشهر ما هم عليه فلا يرد عليه أنه لا يلائم تقريره كما قيل. قوله: (أو إنكارأ لقبح ما أنكر عليهم الخ (فذكره ليس لأنه منكر في نفسه عندنا بل لرذ ما زعموه من أنه غير قبيح، وهذا الوجه هو مرتضى المصنف رحمه الله تعالى في آخر سورة الأنعام، وقوله فما الفائدة فيهما أي في البعثة والتكليف بعد ما شاء إشراك بعض، ودخوله النار، وايمان يعض، ودخوله الجنة. قوله: (محتجين بأنها الخ) الضمائر عائدة على ما وتأنيثها مراعاة للمعنى، ولو راعى لفظها لذكر، وضمير خلافه وإليه للصدور، ويجوز عود الضمير على الثلاثة المذكورة في البيان، وضمير ونحوها للبحائر، والآية وإن دلت على تجويزهم مشيئة الله لإيمانهم فإنها تستلزم تعلقها بكفرهم أيضا لعدم القائل بخلافه، وقوله لا اعتذارا عطف على إنكاراً أو على قوله استهزاء، ولو كان اعتذاراً كان دليلا للمعتزلة في عدم جواز تعلق إرادة الله بالكفر والمعاصي، وقد مرّ ما قاله الفاضل المحشي في الأنعام إنه لا ينتهض ذمهم به دليلاً على أهل السنة لمكان الكسب فانظره ثمة، وقوله ملجئا إليه حال مؤكدة، وفي العطف بلا بعد صريح الحصر كلام في المعاني وقد مرّ تفصيله. قوله: (إذ لم يعتقدوا قبح أعمالهم (قيل عليه فرض القبح يكفي للاعتذار يعني لو
سلمنا القبح في هذه الأعمال فهي بمشيئة الله لا بقدرتنا، واختيارنا إلا أن يقال إنه سند لمنع كون قولهم ذلك على سبي!! الاعتذار فلا يرد عليه ما ذكر، وفيه أن فرض القبح لا يلائم مقام الإنكار، والاحتجاج المذكور فتأمّل وقوله تنبيه على الجواب الخ سيأتي بيانه، وقوله ورذوا رسله عليهم الصلاة والسلام يؤخذ مما ذكر لأنه يلزمه. قوله: " لا الإبلاع الموضح الخ (إشارة إلى أنّ البلاغ مصدر بمعنى الإبلاغ، وأنّ المبين من أبان المتعذي، وقوله مؤد إليه على سبيل التوسط أي توسط أسباب أخر قدرها، وهذا هو الجواب عن الشبهة الأولى لأنه علم منه أن ما شاء الله، وجوده أو عدمه لا يجب ولا يمتنع مطلقا، وقوله قدرها له أي توقف عليها(5/329)
تعلق إرادته تعالى فرشد النبيّ صلى الله عليه وسلم إليها، وقوله ثم بين وفي نسخة تبين هو معنى قوله، ولقد بعثنا الخ وقوله سببا لهدى ايخ إشارة إلى معنى الفاء في قوله فمنهم من هدى الله الخ، وقوله وزيادة لضلال إشارة إلى أن الناس لا تخلو عن ضلال ما لم يبعث فيهم نبيّ، وقوله بقوله متعلق بين، وقوله بعبادة الله الخ إشارة إلى أن أن مصدربة لا تفسيرية، وقيل إنه يحتملهما وقوله وفقهم الخ إشارة إلى أن الهداية هنا موصلة لا دلالة مطلقة. قوله:) وفيه تنبيه على فساد الشبهة الثانية الخ) الشبهة الثانية هي أنها لو كانت مستقبحة ما شاء الله صدورها عنهم يعني أنه لما وقع قسيما للهداية، وهي بإرادته اقتضى ذلك أن يكون بإرادته أيضاً وأما أنّ إرادة القبيح قبيحه فلا يجوز اتصافه تعالى به فظاهر الفساد لأنّ القبيح كسبه، والاتصاف به لا خلقه وايجاده على ما تقرر في الكلام، وقوله في الآية الأخرى يعني قوله فإنّ الله لا يهدي من يضل، وقوله يا معشر خصهم لأنهم المخاطبون، وفي الفاء إشعار بوجوب المبادرة إلى النظر، والاستدلال المنقذين من الضلال، وقوله لعلكم تعتبرون إشارة إلى جواب الأمر المقدر، وأنّ المقصود مما ذكر
الاعتبار. قوله: (من يريد) كذا في نسختنا، وفي أخرى من يرد بالجزم، والأصح الأولى، وان أمكن توجيهها بتكلف أنه إشارة إلى أنه معنى الشرط أي من يرد الله إضلاله فلا هادممب له، ولا داعي له، وهو معنى من حقت عليه الضلالة فإنه المراد. قوله: (وهو أبلغ) فإنه يدل على أنّ من أضله الله، وخذله لا تمكن هدايته لكل هاد بخلاف القراءة الأولى فإنها تدل على نفي هداية الله فقط، وان كان من لم يهد الله فلا هادي له، والعائد محذوف أي من يضله، وضمير الفاعل لله قيل، والأبلغية مبنية على انّ يهدي في القراءة الأخرى متعد أما إذا كان لازما بمعنى يهتدي فهما بمعنى إلا أن الأولى صريحة في عموم الفاعل بخلاف هذه مع أنّ التعدي هو الأكثر، وقرئ لا يهدي بضم الياء، وكسر الدال قال ابن عطية: وهي ضعيفة يعني لعدم اشتهار أهدى المزيد فلا يرد عليه أنه إذا ثبت هدى لازما بمعنى اهتدى لم تكن ضعيفة كما قيل، وقوله وما لهم من ناصرين تتميم له بإبطال ظن أنّ الآلهة تشفع لهم. قوله: (لميذاناً بأنها كما أنكروا التوحيد الخ) يعني وهما أمران عظيمان من الكفر، والجهل فلذا حسن العطف فيه فلا يرد عليه أنّ ما ذكر مستفاد من العطف فكان عليه أن يذكر ما ذكره في الكشاف لأنه المحتاج للبيان، وقوله زيادة مفعول لقوله مقسمين والبت بمعنى القطع يتعدى بالباء لكنه ضمنه معنى النص، وقوله يبعثهم إشارة إلى أن بلى لا يجاب النفي وضمير فساده للبعث، وهو إمّا إعادة المعدوم أو جمع المتفرق كما بين في محله. قوله: (مصدر مؤكد لنفسه) قال النحاة ضابطه أنه إذا تقدمت جملة على المصدر لها دلالة عليه فإن احتملت غيره فهو توكيد لغيره، وان لم تحتمل في المعنى غيره فهو توكيد لنفسه، وسمي توكيداً لغيره لأنه جيء به لأجل غيره ليرفع احتماله، وسمي الثاني توكيدا لنفسه لأنه لا معنى له غيره فلم يبق سواه إذ مدلوله مدلول الأوّل، وهنا قوله يبعثهم الذي دل عليه بلى لا معنى له غير الوعد بالبعث، والإخبار عنه كما بينه المصنف رحمه الله تعالى، وقوله أبلغ رد حيث أثبت ما نفوه وأكده ثلاث مرّات، وقوله إنجاز. إشارة إلى تقدير مضاف أو إلى أنّ الإسناد مجازي لأنه الذي عليه لا وعده والجارّ والمجرور صفة كما أشار إليه بقوله صفة أخرى فالصفة الأخرى مؤكدة إن كان بمعنى ثابتاً متحققاً ومؤسسة إن كان بمعنى غير باطل. قوله: (إنهم يبعثون الخ) أو أنه وعد على الله كما في الكشاف ولكون هذا
أنسب بالسياق اقتصر عليه المصنف رحمه الله تعالى، والظاهر أنه تركه لأن مآلهما واحد، ولما فيه من نزغة اعتزالية وأمفا أنّ السياق يدذ على أن معناه ولكن أكثر الناس لا يعلمون ذلك الوعد الحق، والقول الصدق لقوله: {وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا} ففيه نظر، وكونه من مواجب الحكمة قد مز من المصنف رحمه الله تعالى بيانه بيانأ شافياً. قوله: (لقصوو نظرهم بالمألوف (أي بسببه، وعدم تجاوزه حصل لهم قصور النظر، وليس القصور بمعنى القصر للنظر عليه، وأن آل إليه ومعناه أنهم لا تتجاوز عقولهم المحسوسات، ولا يرى فيها معدوم عاد بعينه أو أنهم يرون بقاء كل نوع ببقاء إفراده. قوله: (فيتوهمون امتناعه (أي امتناع البعث، ويجوّزون عدم وقوعه لعرائه عن الفائدة، وتجويز مثله كفر لوجوب الجزم بالبعث في الإيمان قيل فلا يرد عليه أن على م(5/330)
العلم به لا يستلزم العلم بعدمه فضلاً عن العلم بالامتناع لما عرفت أنه ليس لهم العلم بعدم البعث بل مجرد الاحتمال له، ولا وجه للجواب عن هذا بأن عدم العلم هاهنا في ضمنه العلم بالعدم، ولا لتنويره بأقسامهم بأن الله لا يبعث من يموت لأن المقسمين هم القسم الأوّل من الذين لا يؤمنون بالبعث، ولا يخفى أنه كلام ناشئ من عدم الوقوف على مراد المعترض فإنه ذكر أوّلاً جزمهم بعدم البعث، وبتهم بفساده، كما ذكره المصنف رحمه الله تعالى قبيله، وجعل ما بعده دل! لاً عليه فأورده عليه لأنه لا تلازم بين الدليل والمدلول، وأن ما قزره لا تتجاوب أطرافه، وهو ظاهر لمن تلرلره، فالحق أن يقال إنه إنما ذكر عدم العلم الشامل لعلم العدم لأنه إذا أبطل توهمه علم منه إبطال الجزم به بالطريق الأولى ولعل هذا مبنيّ على قول المصنف رحمه الله تعالى قبل رذ الله تعالى عليهم أبلغ ردّ فتأمّل. قوله:) أي يبعثهم ليبين لهم (إشارة إلى ما في الكشاف من أنه متعلق بما دل عليه بلى، وهو يبعثهم، والضمير لمن يموت الشامل للمؤمنين، والكافرين، وجوّز فيه أيضا تعلقه بقوله: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً، [سورة النحل، الآية: 136 أي بعثناه ليبين لهم ما اختلفوا فيه، وأنهم كانوا على الضلالة قبله مفترين على الله الكذب. قوله:) وهو الحق (ضمير هو للمختلف فيه وبيانه إظهار حقيته وقوله فيما يزعمون، وفي نسخة فيما كانوا يزعمون وهما بمعنى، وهو عام للبعث وغيره، ويجوز تخصيصه به وقوله، وهو إشارة أي قوله ليبين الخ، وقوله من حيث الحكمة كقوله من حيث لي العمائم، وقوله وهو الميز الخ الضمير راجع للسبب والميز مصدر مازه بمعنى ميزه وقوله بالثواب، والعقاب متعلق بالمصدر إشارة إلى أنه المقصود من الميز كما قال تعالى: {وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ} [سورة يس، الآية: 59،. قوله:) وهو بيان إمكانه (أي مع سهولة، وفي
النسخ هنا اختلاف لفظي وأوضحها ما وقع في بعضها، وهو وتقريره أن تكوين الله بمحض قدرته، ومشيئته لا توقف له على سبق الموادّ، والمدد وإلا لزم التسلسل فكما أمكن له تكوين الأشياء ابتداء بلا سبق مادّة، ومثال أمكن الخ وكان هنا تامة، وفي الكشاف أي إذا أردنا وجود شيء فليس إلا أن نقول له احدث فهو يحدث عقيب ذلك لا يتوقف، وهذا مثل لأنّ مراده لا يمتنع عليه، وأنّ وجوده عند إرادته تعالى غير متوقف كوجود المأمور به عند أمر الآمر المطاع إذا ورد على المأمور المطيع المتمثل، ولا قول ثمة، والمعنى أن إيجاد كل مقدور عليه تعالى بهذه السهولة فكيف يمتنع عليه البعث الذي هو من شق المقدورات فسقط ما قيل إن كن إن كان خطابا مع المعدوم فهو محال، وان كان مع الموجود كان إيجاداً للموجود، وهو محال أيضا، وقوله أمكن أي لسبق المثال، وظاهر قوله أنه بإعادة المعدوم وهو مقرّر في محله، وأنّ منهم من قال إنه جمع الأجزاء المتفرّقة، وهو ظاهر النصوص، وأنّ قوله: {كُنْ فَيَكُونُ} استعارة تمثيلية كما جزم به الزمخشري، ويحتمل أنه على حقيقته وأنه جرت به العادة الآلهية، وقد مز تفصيله. قوله: (عطفاً على نقول أو جواباً للأمر) قراءة النصب لابن عامر، والكسائيئ، وقراءة الرفع للباقين، وهو هكذا في نسخة صحيحة فما وقع في نسخة من ذكر أبي عمرو بدل ابن عامر من سهو الناسخ قال الزجاج الرفع على تقدير فهو يكون أي ما أراد الله فهو يكون، والنصب إمّا على العطف على نقول أي فإن يكون أو على أنه جواب كن وتبعه المصنف رحمه الله تعالى، وقد ردّ الرضي وغيره نصبه في جواب الأمر بأنه مشروط بسببية مصدر الأول للثاني، وهو لا يمكن هنا لاتحادهما فلا يستقيم، ولذا تركه الزمخشري واقتصر على الأوّل، ووجه بأنّ مراده أنه نصب لأنه مشابه لجواب الأمر لمجيئه بعده، وليس بجواب له من حيث المعنى لأنه لا معنى لقولك قلت لزيد اضرب تضرب، ولا يخفى ضعفه، وأنه يقتضي إلغاء الشرط المذكور، والظاهر أن يوجه بأنه إذا صدر مثله عن البليغ على قصد التمثيل لسرعة التأثير بسرعة مبادرة المأمور إلى الامتثال يكون المعنى إن أقل لك تضرب تسرع إلى الامتثال فيكون المصدر المسبب عنه مسبوكا من الهيئة لا من الماذة، ومصدر الثاني من المادّة أو من محصل المعنى، وبه يحصل التغاير بين المصدرين وتتضح السببية والمسببية، وقد مرّ نظيره للمدقق في الكشف في الجواب عن دخول أن المصدرية على صيغة الأمر فتدبر. قوله: (هم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه الخ) الحبشة اسم(5/331)
جمع بمعنى الحبش، وهم جيل معروف، ويطلق على بلادهم،
وهو المراد هنا وكأنه مجاز، والمهاجرون من الحبشة إلى المدينة يقال لهم ذوو الهجرتين والمحبوسون ممن هاجر إلى المدينة أيضا، وقوله أو المحبوسون الخ معطوف على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأصحابه وهذا القول منقول عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وأمر هؤلاء معروف في السير، ثم في أسماء هؤلاء المحبوسين اختلاف في التفاسير ففي بعضها جبير وما وقع في بعضها بدل أبو جندل بن جندل فخطأ من الناسخ لكنه أورد عليه أنه على القولين تكون الآية مدنية فيخالف قوله في أوّل السورة إنها مكية، إلا ثلاث آيات في آخرها، وإذا كان هذا التفسير مأثورا فلا بد من الذهاب إلى أنّ فيها مدنيا غير ذلك، وأن ما ذكره تبع فيه المشهور اللهمّ إلا أن يراد بالمكي ما نزل في حق أهل مكة أو ما نزل بغير المدينة أو يكون أخبر به قبل وقوعه، وكله خلاف الظاهر، وفيه أن هجرة الحبشة كانت قبل هجرة المدنية فلا مانع من كونها مكية بالمعنى المشهور على القول الأوّل الأصح، ولا ينافيه قوله، ثم إلى المدينة لأنه بيان للواقع لا للهجرة المذكورة في النظم فلا يرد عليه ما ذكر. قوله: (في حقه ولوجهه (أي الذين هاجروا مخلصين لوجه الله لا لأمر دنيويّ، وهو إشارة إلى أن في على ظاهرها، وأنها هجرة متمكنة تمكن الظرف في مظروفه فهي ظرفئة مجازية أو للتعليل كقوله لمجح: " إنّ امرأة دخلت النار في هرة " وقيل إنه إشارة إلى أنها ظرفية مجازية، وقوله لوجهه بيان لحاصل المعنى، ولو كان إشارة إلى كون في للتعليل لقال في الله أي لوجهه. قوله: (مباءة حسنة الخ (المباءة بالمد المنزل من بوّأه بمعنى أنزله، وإنما قدر مباءة ليكون تقديره أظهر لدلالة الفعل عليه، وليس تقدير دارأ أحسن منه إلا أنه مأثور هنا عن الحسن لأنّ المراد به المدينة موافقة لقوله تعالى: {تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ} [سورة الحشر، الآية: 9] فهو إما صفة أو مفعول به إن ضمن الفعل معنى نعطيهم وإذا قدر تبوئة فهو صفة مصدر محذوف، وقوله ولأجر الآخرة أي المعدّ لهم كما أشار إليه المصنف رحمه الله تعالى بقوله مما يعجل لهم في الدنيا، وقوله وعن عمر الخ روي
هذا عنه ابن جرير وابن المنذر. قوله: (لوافقوهم) أي فيما هم عليه! من الإسلام وغيره، وقوله أو للمهاجرين قيل عليه إنه قال في معالم التنزيل إن الضمير للمشركين لا للمهاجرين لأنهم كانوا يعلمون ذلك، ودفع بأن المراد علم المشاهدة فإنّ الخبر ليس كالعيان أو المراد العلم التفصيلي، ويجوز أن يكون الضمير للمتخلفين عن الهجرة يعني لو علم المتخلفون عن الهجرة للمهاجرين من الكرامة لوافقوهم، وقوله ومحله النصب أي بتقدير أعني أو الرفع بتقديرهم، ويجوز أن يكون تابعاً للذين هاجروا بدلاً أو بياناً أو نعتا. قوله: (مفوّضين إليه الأمر كله (الكلية مأخوذة من تعميم التوكل بحذف متعلقه أو من تقديم الجار والمجرور إذ معناه على ربهم وحده، وكونه لرعاية الفواصل ليس بمتعين كما قيل، وحينئذ فالتعبير بالمضارع، إما للاستمرار أو لاستحضار تلك الصورة البديعة، وقوله منقطعين حال مؤكدة. قوله: (رذ لقول قريثس الخ (أي ردّ لمقالهم هذا الذي جعلوه شبهة في الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وقوله إلا بشرى أي لا ملكا واحترز بقوله للدعوة العامة عن بعث الملائكة للأنبياء عليهم الصلاة والسلام للتبليغ أو لغيره كإرسالهم لمريم للبشارة،! ما قيل من أنه المراد العموم لكافة الناس لأنه مخصوص بنبينا ىسييه بل المراد العموم لكثير من الناس لا صحة له مع ما فيه من الخلل لفظاً ومعنى، وقوله على ألسنة الملائكة عليهم الصلاة والسلام جمعه لتعددهم، وليس هذا مخالفا لقوله: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاء} [سورة الثورى، الآية: 51] وغيره من أقسام الوحي لأنه ليس المقصود به التخصيص، وإنما اقتصر عليه لأنه الأغلب وقوله قد ذكرت في سورة الأنعام أي في قوله تعالى: {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَّجَعَلْنَاهُ رَجُلاً} وقد مر تحقيقه. قوله: (فإن شككتم فيه الخ (ليس بيانا لأنه جواب شرط مقذو بل بيان لحاصل المعنى فلا يرد عليه أن للنحاة في مثله قولين إمّا أنه جواب مقدم أو دليل الجواب وهذا مخالف للقولين، وهذا جار على الوجوه الآتية في إعراب قوله بالبينات إلا الأخير كما ستراه، وقوله أهل الكتاب إشارة إلى أن الذكر بمعنى الكتاب لما فيه من الذكر، والعظة كقوله: {إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ} [سورة يس، الآية: 69، وقوله أو علماء الأحبار أي أحبار الأمم السالفة فالذكر بمعنى الحفظ. قوله: (وفي الآية دليل(5/332)
على أئه تعالى لم يرسل امرأة ولا صبياً (ولا ينافيه نبوّة عيسى عليه الصلاة والسلام في المهد فإن النبوّة أعثم من الرسالة، ولا يقتضي صحة القول بنبوة
مريم أيضا، وقد ذهب إليه جماعة، وصححه ابن السيد، وقوله إلى الملائكة أو إلى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لا للدعوة العامة، وهو المدعي، والرسول على الأوّل بمعناه المصطلح، وعلى الثاني بمعناه اللغوقي، وفي نسخة ولا ملكا مكان قوله ولا صبيا. قوله: (ورذ بما روي الخ) القائل هو الجبائيّ والردّ المذكور وارد على الحصر المقتضي للعموم فلا يرد عليه أنه لا دلالة فيما روي على رؤية من قبل نبينا صلى الله عليه وسلم لجبريل عليه الصلاة والسلام على صورته مع أنه إذا ثبت ذلك للنبيّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا مانع من ثبوته لغيره أيضاً، وقد نقل الإمام عن القاضي أنّ مراد الجبائي أنهم لم يبعثوا إلى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بحضرة أممهم ورؤيته على صورته لم تكن بمحضر منهم وقوله وعلى وجوب الخ معطوف على قوله على أنه تعالى الخ، والوجوب مستفاد من الأمر. قوله: (أي أرسلناهم بالبينات والزبر الخ) يعني أنه متعلق بمقدر يدذ عليه ما قبله، وهو مستأنف استئنافا بيانيا ولدا عطف عليه، ويجوز الخ وإنما قدمه لأنه المختار السالم من الاعتراض! ، وفسر البينات، والزبر بما ذكر وقوله، ويجوز أن يتعلق بما أرسلنا داخلا في الاستثناء فيه تسمح لأنه متعلق بأرسلنا فقط، ودخوله في الاستثناء، والحصر بناء على ما جوّزه بعض النحاة. من جواز أن يستثنى بأداة واحدة شيآن دون عطف فيقال ما أعطى أحد شيئأ إلا زيد درهما، وأنه يجري في الاستثناء المفرع أيضا لكن أكثر النحاة على منعه كما صزج به صاحب التسهيل، وغيره وأنا تعلقه به من غير دخوله في الاستثناء على أنّ أصله ما أرسلنا بالبينات، والزبر إلا رجالاً فخلاف ظاهر الكلام، واخراج له عن سنن الانتظام وأيضاً فيه عمل ما قبل إلا فيما بعدها من غير داع، وهو ممنوع أيضا عند أكثر النحاة. قوله:) أو صفة لهم (أي للرجال لا حالاً عنه لتنكره، وتقدمه وهو معطوف على داخلا لأنه متعلق معنى بأرسلنا، وكونه مفعولاً ليوحي بواسطة الباء، ومثله يسمى مفعولاً أيضا، والحالية من ضمير الرجال في قولهم
إليهم أي نوحي إليهم ملتبسين بالبينات، وقوله فاسألوا اعتراض أي {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} بتمامها جملة معترضة لأنها شرطية أو في قوتها، وهو جار على الوجوه المتقدمة أو غير الأوّل، وتصدير الجملة المعترضة بالفاء صزج به في التسهيل وغيره، وما نقل من منعه ليس يثبت كما في الكشف، ثم إذا كان اعتراضا بين مقصوري حرف الاستثناء فمعناه: {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} [سورة النحل، الآية: 43] أنهم رجال ملتبسون بالبينات، وعلى هذا يقدر الاعتراض مناسبا لما تخلل بينهما وأشبه الوجوه أن يكون على كلامين ليقع الاعتراض موقعه اللائق به لفظا، ومعنى كذا أفاده المدقق في الكشف، وقوله من القائم مقام فاعله، وهو إليهم على القراءة المشهورة. قوله: (على أنّ الشرط للتبكيت والإلزام) كقول الأجير إن كنت عملت لك فأعطني حقي فإنّ الأجير لا يشك في أنه عمل، وانما أخرج الكلام مخرج الشك لأن ما يعامل به من التسويف معاملة من يظن بأجيره أنه لم يعمل فهو يلزمه بما علم، ويبكته بالتقصير مجهلا له فكذا هنا لا يشك في أن قريشا المخاطبين بهذا لم يكونوا عالمين بالكتب فيقول إن كون الرسل كذلك أمر مكشوف لا شبهة فيه: {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ} [سورة النحل، الآية: 43] إن لم تكونوا من أهله يبين لكم أن إنكاركم وأنتم لا تعلمون ليس بسديد وانما السديد السؤال منهم لا الإنكار وقد جوّز أن لا يخص أهل الذكر بأهل الكتاب ليشمل النبيّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه ولو خص بهم جاز لأنهم موافقون لهم، وانكارهم إنكارهم ومنه يعلم وجه تخصيص التبكيت، والإلزام بتعلقه بتعلمون على أن الباء سببية لا زائدة، والمفعول محذوف فلا يتجه إنه يمكن اعتباره في الوجوه المتقدمة أيضا فتدبر. قوله: (وإنما سمي ذكراً لأنه موعظة وتنبيه) أي لأن فيه ذلك فالذكر من التذكير إما بمعنى الوعظ أو بمعنى الإيقاظ من سنة الغفلة، ولاشتماله على ما ذكر أطلق عليه أو لأنه سبب له، وقوله في الذكر الخ بيان لأنّ إنزاله ليس بالذات بل بالواسطة، وقوله مما أمروا بيان فما نزل وقوله كالقياس يدخل فيه إشارة النص، ودلالته، وما يستنبط منه من العقائد، والحقائق. قوله: (وإرادة أن يتأملوا فيه) قيل عليه إنّ الإرادة لا ينفك عنها المراد على المذهب الحق يعني، وهم كلهم لم يتأملوا، ويتنبهوا(5/333)
فيلزم الانفكاك فهو مناسب لمذهب المعتزلة، إلا أن يراد بها مطلق الطلب أو يراد تعلق الإرادة بالبعض لا بالكل إذ ليس فيه نص على كلية، وجزئية.
قوله: (المكرات السيئات) لما كان مكر لازماً جعل صفة للمصدر فهو مفعول مطلق،
ويجوز أن يكون مفعولاً به لتضمينه معنى فعل أو لا من بتقدير مضاف أو تجوّز أي عقاب السيئات أو على أنّ السيئات بمعنى العقوبات التي تسوءهم، وأن يخسف بدل منه، وعلى ذينك الوجهين هو مفعول أمن، والاستفهام إنكاريّ، ومعناه النفي وعدم وقوع الأمن على الأوّل، وعدم الانبغاء على الثاني، والباء في يخسف بهم للتعدية أو للملابسة وسيأتي تفصيله في سورة الملك. قوله: (بغتة من جانب السماء) كون ما لا يشعر به بغتة ظاهر وأمّا كونه من جانب السماء فإنه أراد به ظاهره فالتخصيص به لأنه لا يشعر به غالبا بخلاف ما يأتي من الأرض فإنه محسوس في الأكثر، وان أراد به ما لا يكون على يد مخلوق سواء نشأ من الأرض أو السماء كماقيل:
دعها سماوية تجري على قدر
فيكون مجازا لكنه لا يلائم قوله كما فقل بقوم لوط عليه الصلاة والسلام وإن كان المثال
لا يخصص، وأمّا ما قيل الظاهر أنّ هذه الآية، وما بعدها معناهما معنى قوله: {فَجَاءهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَآئِلُونَ} فالمراد من هذه اتيانه حال نومهم وسكونهم ولا يلزم أن يكون من جانب السماء، والثانية حال يقظتهم، وتصرفهم فمع كونه لا قرينة عليه لا يناسب ما استشهد به. قوله: (متقلبين الخ) يشير إلى أنّ قوله في تقلبهم حال، ويصح أن يكون لغوأ وما ذكر بيان لحاصل المعنى، والتقلب الحركة اقبالاً وادباراً. قوله: (على مخافة بأن يهلك قوماً الخ) فالتخوّف تفعل من الخوف، والجار والمجرور حال من الفاعل أو المفعول كما قاله أبو البقاء رحمه الله تعالى: والظاهر أنه من المفعول، وقوله أو على تنقصى شيئا بعد شيء فيكون المراد مما قبله عذاب الاستئصال، ومنه الأخذ شيئا فشيئاً من قوله تخوّفه، وتخونه إذا انتقصه، وقال الراغب: تخوّفناهم تنقصناهم تنقصاً اقتضاه الخوف منه، وقول عمر رضي الله تعالى عنه ما تقولون فيها أي في معنى هذه الآية، والمقصود السؤال عن معنى التخوف، وأبو كبير بالباء الموحدة شاعر هذلي معروف، والبيت من فصيدة له مذكورة في شعر هذيل، وفي كلام المصنف رحمه الله تعالى إصلاج لما في الكشاف من نسبة البيت لزهير مع أنه ليس له، وهو مناقض لما نقله من قول الهذلي شاعرنا فإن زهيراً ليس بهذلي. قوله: (تخوّف الرحل البيت)
الرحل بالحاء المهملة رحل الناقة، وهو معروف والتامك بالمثناة الفوقية السنام المشرف، والقرد بمتح القاف، وكسر الراء المهملة، وبالدال المهملة يقال صوف قرد أي متلبد وسحاب قرد أي ركب بعضه بعضا، والتبع شجر يتخذ منه القسى، والسفن بفتح السين المهملة، وفتح الفاء والنون، هو المبرد والقدوم يصف ناقة أثر الرحل في سنامها فأكله، وانتقصه كما ينتقص المبرد العود والديوان الجريدة من دوّن الكتب إذا جمعها لأنه قطع من القراطي! مجموعة، ولا تضلوا مجزوم لأنه جواب الأمر، وهو عليكم لأنه اسم فعل أمر وفي نسخة من الكشاف لا يضل وعود النبعة من إضافة العام للخاص، وقيل المسمى للاسم. قوله:) حيث لا يعاجلكم بالعقوبةأ فإن عدم المعاجلة لرحمته بعباده، وإسهالهم ليرجعوا عما هم عليه فهذا سبب أمنهم فهو كالتعليل للمستفهم عنه فتأمل. قوله:) أي قد رأوا أمثال هذه الصنائع الخ (أي رأوا هذه الصتائع، وأمثالها فليس الأمثال مقحماً وليس من قبيل مثلك لا يبخل، والصنائع هي المذكورة من هنا إلى قوله الهين اثنين، والرؤية بصرية مؤدية إلى التفكر كما أشار إليه بقوله فما بالهم لم يتفكروا، وهو المقصود من ذكر الرؤية، وقراءة التاء على الالتفات أو تقدير قل أو الخطاب فيه عام. قوله:) وما موصولة مبهمة بيانها يتفيؤوا الخ (الذي في الكشاف أن من شيء بيان، وهو الظاهر، ولكن لما كان كونها شيئا أمراً غنيا عن البيان، وإنما ذكر توطئة لصفته لأنها المبينة في الحقيقة عدل عنه المصنف رحمه الله تعالى إلى ما ذكر لأن البيان في الحقيقة إنما هو بالصفة، وقيل من ابتدائية لا بيانية، والمراد بما خلق عالم الأجسام المقابل لعالم الأرواج، والأمر الذي لم يخلق من شيء بل وجد بأمركن كما قال: {أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ} [سررة الأعراف، الآية 540، ولا يخفى بعده وأمّا ما أورد عليه من أن السماوات، والجن من عالم(5/334)
الأجسام والخلق، ولا ظل لها، ومقتضى عموم ما أنه لا يخلو شيء منها عنه بخلاف ما إذا جعلت من بيانية ويتفيؤوا صفة شيء مخصصة له فقد رذ بأن جملة يتفيؤوا حينئذ ليس صفة لشيء إذ المراد إثبات ذلك لما خلق من شيء لا له، وليس صفة لما لتخالفهما تعريفاً وتنكيراً بل هي مستأنفة لإثبات أنّ له ظلالاً متفيئة، وعموم ما لا يوجب أن المعنى لكل منه هذه الصفة، ولا يخفى أنه إن أراد أنه لا يقتضي العموم ظاهراً فممنوع، وان أراد أنه يحتمله فلا يرد ردّاً لأنه مبنيّ على الظاهر المتبادر. قوله:) عن إيمانها وعن شمائلها الخ (إشارة إلى أنه كان الظاهر تطابقهما إفراداً وجمعا، وسيأتي وجه العدول عنه، وأن المعرف باللام في معنى المضاف إلى الضمير، والتفيؤ تفعل من فاء
يفيء إذا رجع وفاء لازم فإذا أريد تعديته عدي بالهمزة أو التضعيف كأفاءه الله وفيأه فتفيأ، وتفيأ مطاوع له لازم، وقد وقع في قول أبي تمام:
وتفيأت ظله ممدوداً
متعذياً، والكلام في الفيء والظل، والفرق بينهما معروف في اللغة. قوله:) أي عن
جأنبي كل واحد منها الخ (إشارة إلى الجواب عن سؤال مقدر، وهو أن انبساط الظل، وانقباضه وإنما هو عن جانبي المشرق، والمغرب باعتبار ما قبل الزوال وما بعده فأشار إلى أنّ المراد بهما جانبا الشيء استعارة أو مجازاً من إطلاق المقيد على المطلق لا جانبأ لفلك على الوجهين اللذين ذكرهما الإمام الأوّل، وهو أن المراد بهما المشرق والمغرب فشبها بيمين الإنسان، وشماله فإن الحركة اليومية آخذة من المشرق، وهو أقوى الجانبين إذا طلعت الشمس يقع الاظلال في جانب المغرب إلى انتهاء الشمس إلى وسط الفلك، ثم بعده يقع في جانب المشرق إلى الغروب فهو المراد من تفيؤ الظلال من اليميق إلى الشمال، وعكسه وسيذكره المصنف رحمه الله تعالى بقوله: وقيل الخ، وترك جوابه، والثاني وهو أن البلد إذا كان عرضه أفل من الميل ففي الصيف يكون الظل في يمين البلد، وفي الشتاء في شماله لاختصاصه بقطر مخصوص، والكلام ظاهره العموم. قوله:) ولعل توحيد اليمين وجمع الخ (هذه النكتة مصححة لا مرجحة فإنه يقال لم روعي في أحدهما اللفظ، وفي الآخر المعنى، وقد وجهه ابن الصائغ بأنه نظر إلى الغاية فيهما لأنّ ظل الغداة يضمحل بحيث لا يبقى منه إلا اليسير فكأنه في جهة واحدة، وهو في العشيّ على العكس لاستيلائه على جميع الجهات فلحظت الغايتان هذا من جهة المعنى، وأما من جهة اللفظ فجمع ليطابق سجدآ المجاور له كما أفرد الأوّل لمجاورة ضمير ظلاله، وقدم الأفراد لأنه أصل أخف، ولك أن تحمل كلام المصنف رحمه الله تعالى عليه، وتجعل قوله كقوله الخ إشارة إليه فتأمل، وعن اليمين متعلق بيتفيؤ، وقيل: إنه حال. قوله:) وهما حالان الخ (فهما حالان مترادفتان إن قلنا الواو حالية لجواز تعذد الحال، ومن لم يجوزه جعلها بدل اشتمال أو بدل كل من كل كما فصله السمين، وجاز من المضاف إليه لأنه كالجزء كقوله تعالى: {مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا} [سورة البقرة، الآية: 13، كما مز تحقيقه أو هي عاطفة وهو ظاهر فلا تكون حالاً مترادفة بل متعاطفة، وقدم هذا لأنه واضح إذ جعل الحال الأولى من شيء، والأخرى من آخر خلاف الظاهر فلا يطالب بأنه لم لم يجعلها متداخلين كما في الوجه الآتي مع أن الآني ليس من التداخل في شيء فهو غفلة على غفلة،. قوله:) والمراد من السجود الاستسلام الخ (جواب عما يقال إنه إذا كان حالاً من الضمير الشامل للعقلاء،
وغيرهم وسجود المكلفين غير سجود غيرهم فكيف عبر عنهما بلفظ واحد، ودفعه بأن السجود بمعنى الانقياد سواء كان بالطبع أو بالقسر أو بالإرادة فلذا جاز أن يشمله لفظ أحد على طريقة عموم المجاز. قوله: (أو سجدا حال من الظلال وهم داخرون حال من الضمير) المراد من الضمير الضمير الأوّل على نهج إعادة المعرفة، وهو المضاف إليه الضلال، وهو في معنى الجمع لعوده على ما خلق من الإجرام التي لها ظلال وهذا هو الوجه المختار في الكشاف، ورجح في الكشف بأن انقيادهما مطلوب ألا ترى قوله: {وَظِلالُهُم بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ} [سورة الرعد، الآية: 15] وفيه تكميل حسن لوصف الظلال بالسجود، وأصحابها بالدخور الذي هو أبلغ، ولم يجعل حالاً من الضمير الراجع إلى الموصول في خلق لأن المعنى ليس عليه، والعامل في الحال الثانية يتفيؤ أيضا كما مرّ. قوله:) والمعنى ترجع الظلال بارتفاع الشمس الخ (يعني أن المراد من سجودها انفيادها لأمر الله بتفيوئها من جانب إلى آخر فالسجود بمعناه المتقدم، وقوله بارتفاع الشمس، وانحدارها بتناقص الظل إلى الزوال، ثم تزايده وانبساطه(5/335)
في جانب الشرق، وقوله باختلاف مشارقها ومغاربها فالتفيؤ انتقال الظلال من جانب إلى آخر، وقوله أو واقعة على الأرض! الخ فهو استعارة لابتنائه على التشبيه، وقيل إنه تشبيه بليغ، وقوله والإجرام في أنفسها أيضاً إشارة إلى أن قوله: {وَهُمْ دَاخِرُونَ} حال من الضمير المضاف إليه فلا صحة لما قيل في تفسيره إنهما حينئذ حالان متداخلان، وإنه يطالب أنه لم لم يجعلهما مترادفين كما في الوجه الأوّل، ولم يذكر كون الأوّل حالاً من الظلال، والثاني من الضمير كما اختار. جار الله، ولم يذكر عكسه أحد لبعده اهـ. قوله:) وجمع داخرون بالواو الخ (يعني أنه إما تغليب أو استعارة، وكذا ضميرهم أيضأ لأنه مخصوص بالعقلاء فيجوز أن يعتبر ما ذكر فيه، ويجعل ما بعده جارياً على المشاكلة، وكان عليه بيان ذلك إذ لا وجه لعدم ملاحظة ما ذكر فيه، وقيل على الثاني الدخور استعارة، والجمع ترشيح، وفيه نظر. قوله: (وقيل المراد باليمين والشمائل يمين الفلك الخ (هو معطوف على قوله عن أيمانها، وعن شمائلها الخ، وقد مرّ بيانه أيضاً، وقوله لأن الكواكب بيان لوجه مشابهة المشرق باليمين المستعار له لمشابهته لأقوى جانبي الإنسان الظاهر منه أقوى حركاته، وقوله الربع الغربي جعله ربعا لأنّ الظاهر منها في
حكم النصف فنصفه ربع الكرة. قوله: (يعم الانقياد لإرادته وتأثيره طبعاً الخ (لم يقل كرها أو قسراً ليقابل قوله طوعا لأنّ المراد عموم الانقياد لغير ذوي العقول مما ينقاد لإرادة الله، وأفعاله بحسب طبعه، وللعقلاء المنقادين طوعاً للأوامر والنواهي، وأمّا خروج انقيادهم قسراً فلا يضر لأنه لا يمدح به. قوله: اليصح إسناده) أي فسر بمطلق الانقياد المار ليصح إسناده من غير جمع بين الحقيقة والمجاز، وما قيل من أنه لو أريد الانقياد لإرادته طبعاً عمّ الجميع أيضاً مردود لأن إرادة الثاني منه متعينة لأنّ الآية آية سجدة فلا بد من دلالتها على السجود المتعارف، ولو ضمنا فاندفع ما قيل كونها آية سجدة يدل على أنّ المراد المنسوب للمكلفين فيها، وهو الفعل الخاص المتعارف شرعاً الذي يكون ذكره سببا لفعله سنة معتادة في عزائم السجود لا القدر الأعنم المشترك. قوله:) بيان لهما لأنّ الدبيب هو الحركة الجسمانية الخ (يعني أنه بيان لما في السماء، والأرض! لأن معنى الدبيب ما ذكر فيشمل من في السماء من الملائكة عليهم الصلاة والسلام بناء على أنهم غير مجزدين، وتقييد الدبيب بكونه على وجه الأرض لظهوره أو لأنه أصل معناه، وهو عامّ بقرينة المبين، وقيل إنه لو قال على أن الدبيب هي الحركة الجسمانية بطريق المجاز كان أولى، والأولى ترك مثله لقلة جدواه. قوله:) عطف على المبين به (القراءة برفع الملائكة والمبين به الدابة فعلى هذا هو معطوف على محل الجار والمجرور، وهو الرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف لأنّ من البيانية لا تكون ظرفا لغواً، وعلى الوجه الآخر هو معطوف على الفاعل وهو ما، وقوله عطف جبريل عليه السلام على الملائكة يعني أنه من عطف الخاص على العام لاذعاء أنه لكونه أكمل الأفراد صار جنسا آخر وهذا وجه إفادته التعظيم، وقوله أو عطف المجردات منصوب معطوف على عطف جبريل فيكون المراد بما في السماوات الجسمانيات، ولا تدخل الملائكة عليهم الصلاة والسلام في ما في السماوات لأنّ المجردات ليست في حيز وجهة ووجه الاستدلال به أنّ ما في السماوات وما في الأرض بين أحدهما بالدابة والآخر بالملائكة، والتقابل الأصل فيه التغاير، والدابة المتحرّكة حركة جسمانية فلا يكون مقابلها من الأجسام لأنّ الجسم لا بد له من حركة جسمانية، وهذا دليل اقناعي فلا يرد عليه احتمال كونه تخصيصا بعد تعميم كما مرّ. قوله:) أو بيان لما في الأرض (عطف على قوله بيان لهما فتكون الدابة ما يدب على الأرض، والملائكة تعيين لما في السماء بتكرير ذكرهم تعظيماً لهم أو هما بيان لما في الأرض! ، والمراد بالملائكة ملائكة تكون فيها
كالحفظة، والكرام الكاتبين فتكون الدابة غير شاملة لهم. قوله: (وما لما استعمل للعقلاء الخ) هذا بناء على أن وضع ما أن يستعمل في غير العقلاء، وفيما يعم العقلاء، وغيرهم كالشبح المرئي الذي لا يعرف أنه عاقل أو لا فإنه يطلق عليه ما حقيقة، وكونه أولى لأنه غير محتاج إلى تغليب، وتجوّز ولا ينافيه ما ذكره في غير هذا المحل كقوله: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ} [سورة الأنبياء، الآية: 98] من أنّ ما يختص بغير العقلاء لأنه مبنيّ على قول آخر، وقوله أولى من اطلاق من تغليبا عدل فيه عن قول الكشاف لو جيء بمن لم يكن فيه دليل على(5/336)
التغليب لأنه معترض! بأن قرائن العموم كقوله من دابة دليل عليه، وان وجه بأنه لا دليل في اللفظ، وقرينة العموم في السابق لا تكفي لجواز تخصيصمهم من البين بعد التعميم على أنّ اقتضاء المقام العموم، وما في التغليب من توهم الخصوص الذي يؤيده السجود كاف في العدول فتأمّل. قوله: (عن عبادته) يشير إلى أنّ الضمير للملائكة عليهم الصلاة والسلام لا لما لاختصاصه بأولي العلم، وليس المقام مقام التغليب وقوله أن يرسل الخ يعني أن قوله من فوقهم إفا متعلق بيخافون، وخوف ربهم كناية عن خوف عذابه أو هو على تقدير مضاف، وقوله أن يرسل بيان لحاصل المعنى لا تقدير إعراب أو هو حال من ربهم أي كائناً من فوقهم، ومعنى كونه فوقهم قهره وغلبته كما مرّ تحقيقه في الأنعام، وقوله أو بيان له أي لقوله لا يستكبرون كما قرّره بقوله لأنّ الخ، وإذا كان حالاً فهي حالاً غير منتقلة. قوله: (وفيه دليل على أن الملائكة عليهم الصلاة والسلام مكلفون) لأنّ الأمر تكليف فلا خفاء فيه كما توهم، وكون أمرهم دائراً بين الخوف والرجاء أمّا الخوف فمن حاق النظم، وأمّا الرجاء فلاستلزام الخوف له ولأنه بمقتضى الكلام إذ من خدم أكرم الاكرمين كان من الرجاء في مكان مكين فلا يرد عليه أنه لا ذكر للرجال في الآية حتى يناقش في الدلالة. فوله: (ذكر العدد مع أنّ المعدود يدل عليه) يعني المقصود النهي عن الإشراك مطلقا، ولذا قال إنما هو إله واحد وتخصيص هذا العدد لأنه الأقل فيعلم انتفاء ما فوقه بالدلالة، واثبات الوحدة لله ولضميره مع أن المسمى المعين لا يتعدد بمعنى أنه لا مشارك له في صفاته، وألوهيته فلشى الحمل لغواً، ولا حاجة إلى جعل الضمير للمعبود بحق المراد من الجلالة على طريق الاستخدام، وسيأتي تحقيقه في سورة الإخلاص، وقوله تعالى، وقال الله معطوف على قوله. ولله يسجد أو على قوله، وأنزلنا إليك الذكر، وقيل
إنه معطوف على ما خلق الله على أسلوب:
علفتها تبنا وماء بارداً
أي أو لم يروا إلى ما خلق الله ولم يسمعوا ما قال الله، ولا يخفى تكلفه، ودلالة تعليل
لقوله ذكر، وقوله إليه يعني لا إلى الجنسية. قوله: (أو إيماء بأنّ الاثنينية الخ (حاصل هذا، وما قبله دفع لأن الواحد، والمثنى نص في معناهما لا يحتاج معهما إلى ذكر العدد كما يذكر مع الجمع بأنه يدل على أمرين الجنسية، والعدد المخصوص فلما أريد الثاني صرّح به للدلالة على أنه المقصود الذي سيق له الكلام، وتوجه له النهي دون غيره فإنه قد يراد بالمفرد الجنس نحو نعم الرجل زيد وكذا المثنى كقوله:
فإن النار بالعودين تذكى وان الحرب أوّلها الكلام
وقوله أو إيماء الخ وجه آخر لذكره، وهو أنه في معنى قوله: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [سورة ايلانبياء، الآية: 22] والفرق بيته وبين الأوّل أنه ذكر في الأوّل لدفع إرادة الجنسية، والتأكيد وفي هذا للدلالة على منافاتها للألوهية فلذا صزج بها وعقبت بذكر الوحدة التي هي من لوازم الألوهية، ومنافي اللازم منافي الملزوم فلا يرد عليه أنه ليس محلاً للعطف بأو لأنه متفرع على الدلالة على كونه مساق النهي، وكذا قوله أو للتنبيه ولا حاجة إلى الاعتذار بأنه يصلح وجها مستقلاَ فلذا عطف بأو. فوله: (أو للتنبيه (على أن الوحدة من لوازم الإلهية وهذا عكس الوجه الأوّل حيث يكون نفي التعدد لمنافاته للازم الألوهية فهو توطئة له فتدبر. قوله: (نقل من الغيبة إلى التكلم مبالغة في الترهيب (يعني أنه التفت عن الغيبة في إنما هو إله واحد، وهو أبلغ لأن تخويف الحاضر مواجهة أبلغ من ترهيب الغائب سيما بعد وصفه بالوحدة والألوهية المقتضية للعظمة، والقدرة التائة على الانتقام، وأمّا الايقاظ وتطرية الاصغاء فنكتة عامّة لكل التفات والفاء في فإياي جواب شرط مقدر أي إن رهبتم شيئا فإياي ارهبوا، وقوله فارهبون دال على عامل إياي مفسر له، وانفصل الضمير لتقدمه على عامله لإفادة التخصيص كما أشار إليه المصنف رحمه الله بقوله فارهبون لا غير قال الزمخشري عوض عن الشرط المحذوف تقديم المفعول مع إفادة تقديمه الاختصاص، وأمّا عطف المفسر على المفسر بالفاء فلأن المراد رهبة بعد رهبة أو لأن المفسر حقه أن يذكر عقب المفسر، ولنا فيه تفصيل سيأتي، وقد مر نبذ منه. قوله تعالى: {وَلَهُ مَا فِي الْسَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ}(5/337)
معطوف على قوله إنما هو إله
واحد أو على الخبر اً ومستأنف، وقوله خلقا وملكا منصوب على التمييز للنسبة وبيان لجهة الاختصاص فيه، وفسر الدين بالطاعة وسيأتي تفسيره بالجزاء وهما أحد ما له من المعاني، وفسر واصباً بمعنى لازما على أنه حال من ضمير الدين المستكن في الظرف، والظرف عامل فيه، والوصب ورد في كلامهم بمعنى اللزوم والدوام، ولذا قيل للعليل وصب لمداومة السقم له. قوله: (من أنه الاله وحده) هو معنى قوله إنما هو إله واحد، وقوله والحقيق بأن يرهب منه معنى قوله فإياي فارهبون ولم يقل الواجب أن يرهب مع أنه مدلول الأمر وأقوى بحسب الظاهر المتبادر لأن ما ذكره مؤدي النظم وهو إن كنتم راهبين فارهبون إذ معناه أنه لا تليق الرهبة، وتحق إلا لي، وهو أبلغ من الوجوب إذ قد يجب شيء والحقيق غيره، وأوفق بالواقع وأنسب الاختصاص. قوله: (وقيل واصباً من الوصسب (كالتعب لفظا ومعنى، وفاعل حينئذ للنسب كلابن وتامر لأنّ فيه تكاليف، ومشاق متعبة للعباد، واليه أشار المصنف رحمه الله بقوله ذا كلفة، وإذا كان الدين بمعنى الجزاء كان واصبا بمعنى دائما، وثوابه فاعل ينقطع أو مبتدأ خبره لمن الخ، وخص العقاب بالكفرة دون فسقة المؤمنين لأنه الدائم، وما سواه منقطع ولو عمم، واعتبر الدوام بالنظير للجميع جازو لكن لا حاجة تدعو له. قوله تعالى: {أَفَغَيْرَ اللهِ تَتَّقُونَ} الفاء للتعقيب، والهمزة للإنكار أي أبعد ما تقرّر من توحيده وكونه المالك الخالق لا غير فتتقون غيره والمنكر تقوى غير الله لا مطلق التقوى، ولذا تدم الغير وأولى الهمزة لا للاختصاص حتى يرد أنّ انكار تخصيص التقوى بغيره لا ينافي جوازها، ولو اعتبر الاختصاص بالإنكار لصح فيكون التقديم لاختصاص الإنكار لا لإنكار الاختصاص فتأمّل. قوله: (ولا ضاز سواه كما لا نافع غيره (إذا كان لا ضار سواه علم منه لا ينبغي أن يتقي غيره، وقد أشار بقوله كما لا نافع غيره إلى ارتباط قوله: {وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ} فإنه كان الظاهر وما يصيبكم سوء إلا منه فكيف يتقي غيره فأشار إلى أنه ذكر النفع لأنه الضار النافع، وأنه اقتصر عليه اكتفاء بسبق رحمته وعمومها، وقوله وأفي شيء اتصل بكم أشار بأي إلى عموم ما على تقديري الموصولية والشرطية، وبقوله اتصل إلى أن الباء للالصاق، وأنه شامل للاتصاف وغير.، وفي الكشاف حل بكم أو اتصل بكم، وأشار به إلى تعميم متعلق الظرف. توله ة (وما شرطية او موصولة (إذا كانت موصولة فهي مبتدأ والخبر قوله من الله والفاء زائدة في الخبر لتضمنه معنى الشرص، ومن نعمة بيان للموصول، والجار والمجرور صلة وإذا كانت شرطية ففعل الشرط مقدر بعدها كما ذكره الفراء، وتبعه الحوفي، وأبو البقاء وتقديره ما يكن بكم من نعمة الخ، واعترض بأنه لا يحذف فعل الشرط إلا بعد أن خاصة في موضعين باب الاشتغال نحوه وأن أحد من المشركين
الخ، وأن تكون أن الشرطية متلوة بلا النافية، وقد دل على الشرط ما قبله كقوله: فطلقهافلست لهابكفء وألايعل مفرقك الحسام
وما عدا ذلك ضرورة والجواب أنّ الفراء لا يسلم هذا والوجه المذكور مبني على مذهبه. قوله: (متضمنة معنى الشرط باعتبار الأخبار) إشارة إلى ما ذكره النحاة. قال في إيضاح المفصل في هذه الآية إشكال من حيث إن الشرط وما شبه به يكون الأوّل فيه سبباً للثاني تقول أسلم تدخل الجنة فالإسلام سبب لدخول الجنة وهنا على العكس وهو أنّ الأوّل استقرار النعمة بالمخاطبين والثاني كونها من الله تعالى فلا يستقيم أن يكون الأوّل فيه سببا للثاني من جهة كونه فرعا عنه، وتأويله أن الآية جيء بها لإخبار قوم استقرت بهم نعم جهلوا معطيها أو شكوا فيه فاستقرارها مشكوكة أو مجهولة سبب للأخبار بكونها من الله عز وجل فيتحقق أنّ الشرط، والمشروط على بابه وأن ذلك صح من حيث إنّ جواب الشرط لا يكون إلا جملة، ويكون معنى الشرط فيها إما مضمونها، دماما الخطاب بها فمثال المضمون قوله تعالى: {الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} [سورة البقرة، الآية: 274] الآية، ومثال الخطاب بها قولك إن أكرمتني اليوم فقد أكرمتك أمس، والمعنى بالمضمون معنى نسبة الجملة كقوله: {فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ} فثبوت الأجر لهم هو مضمون الجملة، وهو مسبب عن الإنفاق، والمعنى بالخطاب بها أن يكون نفس الإعلام بها هو المشروط لا مضمونها ألا ترى أنك لو جعلت(5/338)
مضمون قوله فمن الله هو المشروط لكان المعنى أنّ استقرارها سبب لحصولها من الله فيصير الشرط سببأ للمشروط، ومن ثمة وهم من قال: إن الشرط قد يكون مسببا، وإذا جعلنا الخطاب أو الإخبار بنفس الجملة هو الشرط ارتفع الإشكال، وفي الكشف أنّ المقصود منه تذكيرهم وتعريفهم فالاتصال سبب للعلم بكونها من الله وهذا أولى مما قدره ابن الحاجب من أنه سبب للاعلام بكونها منه لأن قوله ثم إذا مسكم الضر الخ، يدل على أنهم عالمون بأنه المنعم، ولكن يضطرون إليه عند الالجاء ويكفرون بعد الانجاء، ويدفع بأن علمهم نزل علدم الاعتداد به منزلة الجهل فاخبروا بذلك كما تقول لمن توبخه ما أعطيتك كذا أما، وأما.
قوله: (فما تتضرعون إلا إليه) الحصر مأخوذ من تقديم الجار والمجرور، والفاء جواب
إذا، والجؤار رفع الصوت يقال جأر إذا أفرط في الدعاء، والتضرع وأصله صياج الوحش، وقوله بربهم يشركون أي يتجذد إشراكهم بعبادة غيره، وفي الآية وجهان أحدهما أن يكون
الخطاب في قوله: {وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ} الخ عاما فالفريق منهم الكفرة، ومن للتبعيض، وهو الذي أشار إليه المصنف رحمه الله بقوله وهم كفاركم الخ والباء في قوله بعبادة غيره سببية، والثاني أن يخص المشركين فمن للبيان على سبيل التجريد ليحسن والا فليس من مواقعه، والمعنى إذا فريق هم أنتم مشركون ويجوز على اعتبار الخصوص أيضاً كون من تبعيضية لأن من المشركين من يرجع عن شركه إذا شاهد تلك الأهوال كما صزج به في تلك الآية، والقرآن يفسر بعضه بعضا ولم تدل تلك الآية على تعين هذا لأنّ الاقتصار فيها يحتمل معنى آخر، رهو عدم الغلوّ في الكفر لا التوحيد وقوله على أن يعتبر بعضهم بالبناء للفاعل، ورفع بعضهم أي بناء على اعتبار بعضهم بما رآه فيرجع عن شركه. قوله: (كأنهم قصدوا بشركهم الخ (لما كان في موقع اللام التعليلية هنا خفاء لأنه كتعليل الشيء بنفسه وجه بأنها لام العاقبة والصيرورة، وهي استعارة تبعية والكفر بمعنى كفران النعم أو جحودها لأنه لما لم ينتج كفرهم وشركهم غير كفران ما أنعم به عليهم، وانكاره جعل كأنه علة غائبة له مقصودة منه، وقوله أو إنكار فالكفر بمعنى الجحود، وعلى الأوّل كفران النعمة، وهما متقاربان، وقوله أمر تهديد هو أحد معاني الأمر المجازية كما يقول السيد لعبده افعل ما تريد، وقوله فسوف تعلمون أغلظ وعيده إذ يفهم منه أنه إنما يعلم بالمشاهدة، ولا يمكن وصفه فلذا أبهم. قوله: (وقرئ فيمتعوا) قرأها أبو العالية ورواها مكحول عن أبي رافع مولى النبيّ صلى الله عليه وسلم بضم الياء التحتية ساكن الميم مفتوج التاء مضارع متع مبنيا للمفعول كذا في البحر والإعراب فلا يلتفت إلى ما قيل إنه صحح في بعض النسخ المعتمدة بضم الياء وفتح الميم، وتشديد التاء من التفعيل فإن القراءة أمر نقلي لا يعوّل فيه على النسخ. قوله: (وعلى هذا) أي على قراءته مضارعا يجوز كون لام ليكفروا لام الأمر، والمقصود من الأمر التهديد بتخليتهم، وما هم فيه لخذلانهم إذ الكفر لا يؤمر به، وعلى الأمر فالفاء واقعة في جواب الأمر وما بعدها منصوب بإسقاط النون ويجوز جزمه بالعطف أيضاً كما جاز نصبه بالعطف إذا كانت اللام جارة. قوله:) أي لآلهتهم التي لا علم لها لأنها جماد الخ) فما عبارة عن الآلهة، وضمير يعلمون عائد عليه، ومفعول يعلمون متروك لقصد العموم أي لا يعلمون شيئا أو لتنزيله منزلة اللازم أي ليس من شأنهم العلم أو الضمير للمشركين والعائد محذوف كما أشار إليه بقوله أو التي لا يعلمونها. قوله: (فيعتقدون فيها جهالاث مثل أنها تنفعهم الخ) تفسير لعدم علمها لأنها معلومة لهم فالمراد بعدم علمها عدم علم أحوالها وجهالات منصوب على المصدرية أي اعتقادات هي جهالات مركبة، وقوله أو
لجهلهم فما مصدرية، واللام تعليلية لأصلة الجعل، وصلته محذوفة والتقدير يجعلون لآلهتهم نصيبا لأجل جهلهم. قوله: (من الزروع والأنعام (مرّ تفصيله في سورة الأنعام في تفسير قوله تعالى: {وَجَعَلُواْ لِلّهِ مِمِّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالأَنْعَامِ نَصِيبًا} [سورة الأنعام، الآية: 136] الآية، وقوله من أنها الخ بيان لما وزاد حقيقة ليكون افتراء، وظاهر قوله بالتقرب أنّ الافتراء هنا ليس على ظاهره وليس بمراد وتحقيق الافتراء، والفرق بينه، وبين الكذب مبسوط في محله. قوله: (يقولون الملاءلكة بنات الله) يحتمل أنهم لجهلهم زعموا تأنيثها، وبنوّتها ويحتمل كما قاله الإمام أنهم سموها بنات لاستتارها كالنساء، ولا يرد عليه أن(5/339)
الجن كذلك لأنه لا يلزم في مثله الاطراد، وأمّا عدم التوالد فلا يناسب ذلك. قوله: (تنزيه له من قولهم) فهو حقيقة، وقوله وتعجب منه، وفي نسخة أو بدل الواو وفي أخرى تعجيب من التفعيل، وأحسنها أو تعجيب لأنه معنى مجازي، والأوّل حقيقي، والتعجب لا يوصف الله به كما مرّ تحقيقه إلا أن يؤوّل بأنه راجع، إلى العباد أو يكون المراد منه التوبيخ فإنّ المتعجب منه مستقبح يوبخ به فاعله فتأمل. قوله: (الرفع بالابتداء) والخبر لهم والجعل كناية حينئذ عن الاختيار لأن من جعل قمسما لغيره، وقسماً لنفسه فقد اختاره، وقوله وهو- وان أفضى الخ دفع لما أورده الزجاج، وغيره من أنه مخالف للقاعدة النحوية، وهو أنه لا يجوز تعدي فعل المضمر المتصل المرفوع بالفاعلية، وكذا الظاهر إلى ضميره المتصل سواء كان تعديه بنفسه أو بحرف الجر إلا في باب ظت وما ألحق به من فقد، وعدم فلا يجوز زيد ضربه بمعنى ضرب نفسه، ولا زيد- عرّ به أي مرّ هو بنفسه، ويجوز زيد ظنه قائماً وزيد فقده وعدمه وكذا لا يجوز زيدا ضبربه فلو كان مكان الضمير اسم ظاهر كالنفس أو ضمير منفصل نحو زيد ما ضرب إلا إياه، وما ضرب زيداً إلا إياه جاز فإذا عطفت ما على البنات موصولة أو مصدرية أدّى إلى تعدية فعل المضمر المتصل، وهو واو ويجعلون إلى ضميره المتصل، وهو هم المجرور باللام في غير ما استثنى وهو ممنوع عند البصريين ضعيف عند غيرهم فكان حقه أن يقال لأنفسهم، وقد اعترض أبهو حيان طى هذه القاعدة بقوله تعالى: {وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ} [سورة مريم، الآية: 35] {وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ} [سورة القصص، الآية: 32] والعجب أن منهم من ن! سب هذا لنفسه، وأجيب عنه بأنّ الممتنع إنما هو تعدي الفعل بمعنى وقوعه عليه أو على ما جر بالحرف نحو زيد مرّ به فإنّ المرور واقع بزيد وما نحن فيه ليس من هذا القبيل فإنّ الجعل ليس واقعا بالجاعلين بل بما
يشتهون، ومحصله المنع في المتعذي بنفسه مطلقاً، والتفصيل في المتعدي بالحرف بين ما قصد الإيقاع عليه، وغيره فيمتنع في الأوّل دون الثاني لعدم ألف إيقاع المرء بنفسه، وهذا تفصيل حسن غفل عنه المعترض! ، ومن تبعه، والمصنف رحمه الله تعالى دفعه بطريق آخر، وهو أن امتناعه إنما هو إذا تعذى أوّلاً لا ثانيا، وتبعاً فإنه يغتفر في التابع ما لا يغتفر في المتبوع، وقد أيد ذلك بأنه يجوز إذا انفصل الضمير كزيد ضرب أباه، وفصل العطف ليس بأقل منه وفيه نظر ظاهر، ومنهم من خصه بالمتعذي بنفسه، وجوّزه في المتعدّي بالحرف، وارتضاه الشاطبي في شرح الألفية وهو قوقي عندي. قوله:) أخبر بولادتها الما كانت البشارة الأخبار بما يسرّ وولادة الأنثى تسوءهم أشار إلى أن البشارة هنا بمعنى مطلق الأخبار وفيه مضاف مقدر، ويحتمل أنه بشارة باعتبار الولادة بقطع النظر عن كونها أنثى وكلامه يحتمله، وقيل إنه حقيقة بالنظر إلى حال المبشر به في نفس الأمر. قوله: (صار أو دام النهار كله) يعني أن أصل معناه دوام على الفعل في النهار فإمّا أن يكون على أصل معناه لأنّ أكثر الوضع يكون ليلا فيبشر به في يوم ليلته فيظل نهاره مغتما أو أنه بمعنى صار كما يستعمل أصبح وأمسى وبات بمعنى الصيرورة، وقوله النهار منصوب على الظرفية أي دام على فعله في النهار كله، ويجوز رفعه على الإسناد المجازي. قوله: (من الكآبة والحياء من الناس الخ (الكآبة بسكون الهمزة، وفتحها ممدودة الغمّ، وسوء الحال والانكسار من حزن. قوله:) واسوداد الوجه كناية عن الاغتمام والتشوير) سواد الوجه وبياضه يعبر به عن المساءة، والمسرّة وجعله كناية لا مجازا باعتبار أن من يغتم قد يلاحظ فيه سواد وجهه كما يسوذ وجه المخنوق لكن الظاهر أنه مجاز والتشوير من شور به إذا فعل به فعلاً يستحيا منه فتشوّر من الشوار، وهو الفرج والعرب تقول في الشتم أبدى الله شواره، والمراد به هنا الاستحياء والمعنى أنه الاغتمام أو الافتضاح القوفي. قوله:) مملوء غيظاً من المرأة (يشير إلى أن أصل الكظم مخرج النفس يقال أخذ بكظمه، ومنه كظم الغيظ لإخفائه وحبسه عن الوصول إلى مخرجه، ويقال كظم السقاء إذا مده بعد ملئه لمنعه عن خروج ما فيه، وكظيم بمعنى مشتد الغيظ مأخوذ من هذا كما أشار إليه المصنف رحمه الله تعالى، وقد مر تفصيله في سورة يوسف. قوله: (من سوء المبشر به عرفاً الخ (عرفا قيد لسوء ويجوز كونه قيداً للمبشر به لأنهم كانوا لا يبشرون بها وإنما أطلقت البشارة لأنها مما يبشر به عرفا لكونه ولداً، ووجهه اسم ظل أو بدل من الضمير المستتر فيه وكظيم فعيل بمعنى فاعل أو مفعول، وكلام المصنف رحمه الله ظاهر في الثاني، والجملة حال من الضمير في ظل(5/340)
أو من وجهه أو من ضمير مسوداً ولو رفع مسودّأ صح لكنه لم يقوأ به هنا، وجملة يتوارى مستأنفة أو حال على الوجوه إلا كونه من وجهه، ومن القوم ومن سوء متعلقان به لاختلاف معني من لأنّ الأولى ابتدائية والثانية تعليلية. قرله:) محدّثاً نفسه متفكرا في أن يتركه على هون (إشارة إلى أن
الجملة الاستفهامية معمولة لمحذوف معلق عليها وعنها، والعامل حال من فاعل يتوارى، وقول أبي البقاء إن جملة أيمسكه حال إما أن يريد هذا أو جوّز وفوع الطلبية حالاً لتأويلها بمتردد، ونحوه فلا يرد عليه شيء، والهون بضم الهاء الهوان والذل، وبفتحها بمعناه، ويكون بمعنى الرفق واللين، وليس مراداً في القراءة به، وعلى هون حال من الفاعل، ولذا قال ابن عباس رضي الله عنهما معناه أيمسكه مع رضاه هوان نفسه، وعلى رغم أنفه أو من المفعولى أي أيمسكها ذليلة مهانة، والدس إخفاء الشيء، وهو هنا عبارة عن الوأد ويثده كيعده مضارع، وأده وأدا وقراءة التأنيث للجحدري، وقوله حيث الخ تعليل لسوء حكمهم وقباحته لأنّ قيد اأحيثية يذكر للتعليل، وقوله ما هذا محله أي ما هو مرذول محقور عندهم كما سيذكره بعيده. قوله: (صفة السوءا لأنّ المثل يكون بمعنى الصفة العجيبة كما مر تحقيقه، وقوله المنادية بالموت من النداء، وجعل الحاجة إلى الولد منادية بالموت لكون الموت يعقبها بغير شبهة كأنه ينادي بها كماقيل:
لدوا للموت وابنوا للخراب
ولأنّ حاجة الوالد إلى الولد لأن يخلفه والخليفة متوقف على موته، وقوله واشتهاء الذكور بالرفع معطوف على الحاجة وكذا ما بعده ووقع في نسخة استبقاء الذكور استفعال من البقاء، وهي ظاهرة ومعناهما متقارب، والوجوب الذاتي في مقابلة الحاجة إلى الولد والغنى المطلق في مقابلة الاستظهار، والجود الفائق في مقابلة خشية الإملاق الذي هو بخل في الحقيقة، والنزاهة عن صفات المخلوقين بيان لكونه أعلى من صفات غيره على المعاني السابقة وقال الطيبي الغنى مقابل الحاجة للأولاد، والنزاهة عن صفات المخلوقين مقابل الوأد خثية الإملاق والجواد الكريم مقابل لإقرارهم على أنفسهم بالشح البالغ، وكلها نتيجة قوله: {وَيَجْعَلُونَ لِلّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ} [سورة النحل، الآية: 57، الخ، وقوله المنفرد الحصر من تعريف الطرفين وحمله على الكمال لأنه المختص به ولاقتضاء صيغة المبالغة. قوله تعالى:) {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللهُ النَّاسَ} الخ (المؤاخذة مفاعلة من فاعل بمعنى فعل أو هي مجاؤ كأنّ العبد يأخذ حق الله بمعصيته والله يأخذ منه بمعاقبته وكذا الحال في الخلق ودلالة الناس لأنهم سكان الأرض،
وكذا الدابة لأنها ما تدلث على الأرض وان جوّز المصنف رحمه الله تعالى قبل هذا تعميمها لما في السماء، وعمم الظلم للكفر والمعاصي لأنه فعل ما لا ينبغي ووضعه في غير موضعه، وقد يخص بالكفر وبالتعذي على غيره. قوله: (قط بثؤم ظلمهم) يعني أنه شامل لكل إنسان ظالما كان أو لا أمّا الظالم فبظلمه وأمّا غيره فبشآمته كقوله تعالى: {وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً} [سورة الأنفال، الآية: 25] وشامل أيضاً لغيره كما نقله عن ابن مسعود رضي الله عنه، ولأنّ الدواب خلقت لانتفاع الإنسان بها فإذا هلك لم تبق لعدم الفائدة والجعل بضم الجيم وفتح العين المهملة واللام دويبة منتنة معروفة، وخص لأنه أخس الحشرات والحجر بضم الجيم وسكون الحاء، والراء المهملة مأوى الحشرات، والبهائم. قوله: (أو من دابة ظالمة) فتنكيرها للنوع وهو مخصوص بالكفار، والعصاة على هذا بخلافه على الأؤل فإنه الجنس مطلقا، ويجوز تعميمه لغير الإنسان فيشمل بعض الدواب إذا ضرّ غيره، وقيل إن الظلم فيه الكفر فيخص الكفرة، وقوله وقيل الخ قائله الجبائي لأنه ما من أحد إلا وفي آبائه من ظلم فإذا هلكوا لزم فناء النوع بل الدواب المخلوقة لمنافع العباد على ما نقل عنه في اللباب لكن على هذا الفرق بينه، وبين القول الأوّل قليل. قوله: (سماه (أي عينه لأعمارهم أي مذة بقائهم أو عينه، وقتا لعذابهم وهو ما بعد حياتهم لإهلاكهم في الدنيا، وهما متقاربان، ولذا جعل علتهما واحدة، وقد مر الكلام على قوله تعالى: {وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ} [سورة الأعراف، الآية: 34] في الأعراف، وأنه هل هو مستأنف أو معطوف على الجملة الشرطية لا على الجزاء حتى يرد عليه ما ورد، وقوله بل هلكوا أو عذبوا لف ونشر على التفسيرين قبله. قوله: (ولا يلزم من عموم الناس وإضافة الظلم إليهم الخ (جواب عما استدل به بعض من ذهب إلى عدم عصمة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام من ظاهر الاية حتى احتاج بعضهم إلى تخصيص الناس بالمشركين(5/341)
لأن الكلام فيهم وهو خلاف الظاهر، وقوله ما شاع فيهم إشارة إلى أنه من إسناد ما للكل إلى البعض كما يقال بنو تميم قتلوا قتيلا لتظاهر الأدلة والنصوص على عصمتهم فلا يقال الأصل الحمل على الحقيقة، وقوله ما يكرهونه إشارة إلى أن ما موصولة عائدها محذوف، وقوله الشركاء في الرياسة فلا يرضى أحدهم أن يشرك في ذلك مع اذعاء التشريك لله، وقوله والاستخفاف بالرسل عليهم الصلاة والسلام فهم يغضبون لو استخف برسول لهم أرسلوه في أمر لغيرهم مع استخفافهم برسل الله المرسلين لهم، وأراذل الأموال معطوف على البنات وهو
إشارة إلى ما مرّ في الأنعام من أنهم كانوا إذا رأوا ما عينوه لله أزكى بدلوه بما لآلهتهم وإذا رأوا ما لآلهتهم أزكى تركوه لها. قوله: (وتصف ألسنتهم الكذب) هذا من بليغ الكلام وبديعه كقولهم عينها تصف السحر أي ساحرة وقذها يصف الهيف أي هيفاء قال أبو العلاء المعري: سرى برق المعرّة بعدوهن فبات برامة يصف الكلالا
وقد بيناه في محل آخر، وقوله مع ذلك أي مع ذلك الجعل، والكذب مفعول لتصف، وعلى القراءة الآتية صفة الألسنة، وأنّ لهم الحسنى بدل منه على الأولى أو بتقدير بأن لهم وعلى الثانية مفعول لتصف، وقوله وهو أنّ لهم الحسنى الخ بيان لحاصل المعنى لا للإعراب وان جاز أيضا، والمراد بالحسنى الجنة بناء على أنّ منهم من يقرّ بالبعث وهذا بالنسبة لهم أو أنه على الفرض والتقدير كما روي أنهم قالوا إن كان محمد صادقا في البعث فلنا الجنة بما نحن عليه، وهو المناسب لقوله لا جرم أنّ لهم النار لدلالته على أنهم حكموا لأنفسهم بالجنة فلا يرد أنهم كيف قالوا هذا وهم منكرون للبعث. قوله: (وقرئ الكذب جمع كذوب صفة للألسنة) وهو بضمتين مرفوع على أنه جمع كذوب كصبر وصبور وهو مقيس، وقيل جمع كاذب نحو شارف وشرف وهو غير مقيس، ولهذا اقتصر المصنف رحمه الله تعالى على الأوّل. قوله:) رذ لكلامهم وإثبات لضده) الرذ بكلمة لا والإئبات بجرم بمعنى كسب أي كسب ما صدر منهم أنّ لهم النار فأنّ لهم الخ في محل نصب على المفعولية وهذا قول الزجاج، وقيل في محل رفع وجرم بمعنى وجب، وثبت وهو قول قطرب، وقيل لا جرم بمعنى حقا وأن لهم النار في محل رفع فاعل حق المحذوف، وتفصيله في المطوّلات وقد مر طرف منه. قوله: (مقدّمون إلى النار الخ (قرأ نافع مفرطون بكسر الراء اسم فاعل من أفرط إذا تجاوز أي متجاوز والحد في معاصي الله وأفعل قاصر، والباقون بفتحها اسم مفعول من أفرطته بمعنى تركته ونسيته على ما حكاه الفراء أي هم منسيون متروكون في النار أو من أفرطته بمعنى قدمته من فرط إلى كذا بمعنى تقدم، وقال معناه مفرطون إلى النار يتعجلون إليها من أفرطته، وفرطته إذا قدمته، ومنه الفرط للمتقدم، وقرأ أبو جعفر مفرّطون بتشديد الراء المكسورة من فزط في كذا إذا قصر وفي رواية عنه بالفتح والتضعيف، وقرئ أن بالكسر فيهما على أنها جواب قسم أغنت عنه لا جرم. قوله:) فأصروا على قبائحها الخ (هو إفا تفسير لما زينه الشيطان لهم أو تفريع
عليه. قوله: (أي في الدنيا وعبر باليوم عن زمانها الخ (أي موالاته لهم في مدة الدنيا ومآربها ولما كان اليوم يستعمل معرّفا لزمان الحاًل كالآن وليس الشيطان وليا للامم الماضية في زمان الحال وجه بان ضمير وهو وليهم إن عاد إلى الأمم الماضية فزمان تزيين الشيطان لهم أعمالهم، وان كان ماضيا صوّر بصورة الحال ليستحضر السامع تلك الصورة العجيبة، ويتعجب منها وسموه حكاية الحال الماضية وليست الحكاية المتعارفة، وهو استعارة من الحضور الخارجي للحضور الذهني أو المراد باليوم مدة الدنيا لأنها كالوقت الحاضر بالنسبة للآخرة، وقد ورد إطلاق اليوم على مدتها كثيراً فهو مجاز متعارف، وليس فيه حكاية لما مضى، وهي شاملة للماضي والآتي وما بينهما، والوليّ على هذين الوجهين بمعنى القرين أو المتولي لإغوائهم، وصرفهم عن الحق أو المراد باليوم يوم القيامة الذي فيه عذابهم لكنه صوره بصورة الحال استحضاراً له فهو حكاية لما سيأتي، وليس من مجاز الأول أي لا ناصر لهم في ذلك اليوم إلا هو لا بمعنى المتولي للإغواء إذ لا إغواء ثمة، ولا بمعنى القرين لأنه في الدرك الأسفل وهو نفي للناصر على أبلغ وجه على حدّ قوله:
وبلدة ليس بها أنيس! إلا اليعافير وإلا العيس(5/342)
أو ضمير وليهم لكفار مكة أي زين الشيطان للأمم الماضية أعمالهم فهو الآن وليّ هؤلاء لاتصالهم بهم في الكفر أو هو بتقدير مضاف. قوله: (وعبر باليوم عن زمانها) أي من جميع أزمنتها إشارة إلى وجه التجوّز وتنزيله منزلة الحال لما مر. قوله:) أو فهو وليهم حين كان الخ (عطف بحسب المعنى على ما قبله أي فهو وليهم في الدنيا أو فهو وليهم وقت تزيينه للأمم الماضية الذي هو لاستحضاره كالحال الحاضر، وهو مجاز آخر، وقوله أو يوم القيامة لتنزيله منزلة الحاضر باستحضاره لكنه في الوجه الثاني حكاية حال ماضية، وهذا حكاية حال آتية كما أشار إليه بطريق اللف بقوله على أنه الخ ولا حاجة في الوجه الأوّل إلى تأويل، وان كانت الجملة الاسمية يقترن مضمونها بزمان اأيحال لأن جعل المجموع حالاً في العرف، وقد قارنه جزء منه في الحقيقة يكفي لذلك فلا يرد عليه شيء كما قيل. قوله:) ويجوز أن يكون الضمير لقريش (أي ضمير وليهم المضاف إليه لا لمن تقدمهم كما في الوجوه السابقة، واليوم بمعنى الزمان الذي وقع فيه الخطاب، وقيل فيه بعد لاختلاف الضمائر من غير داع إليه، والى تقدير المضاف في الوجه الآتي ورذ بأن لفظ اليوم داع له، ولذا قيل إن هذا الوجه هو المناسب للقسم بعد الإنكار، وتعداد القبائح لأنه تسلية للنبيئ رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن أمته على وتيرة من قبلهم، وقد تبع في هذا الشارح الطيبي رحمه الله وصاحب الكشف لم يرتضه حيث قال لا ترجيح لهذا الوجه من حيث التسلي إذ الكل مفيد لذلك على وجه بين وإنما الترجيح للوجه الصائر إلى استحضار
الحال لما فيه من مزيد التشفي وكون ما ذكر ليس بظاهر ظإهر، والقرينة المذكورة مصححة لا مرجحة، وإذا قدر المضاف فالضمير ليس لقريش لكن المراد بأمثال من مضى من قريش، ولذا جعل المصنف رحمه الله تعالى هذين الوجهين في قرن واحد. قوله: (والولئ القرين أو الناصر الخ (الذي في الكشاف أنه إذا كان المراد باليوم يوم القيامة كان الولي بمعنى الناصر إذ لا مقارنة ولا إغواء وجعله ناصراً فيه مع أنهم لا ينصرون مبالغة في نفيه وتهكم على حذ عتابه السيف كما مر تحقيقه، وتفصيله فإن كان قوله القرين أو الناصر على التوزيع رجع إلى ما في الكشاف لكنه فيه إجمال خفي، وقيل إنه جار على الوجوه وهو السرّ في تأخره. قوله: (وفيه بحث) فتأقل، وقوله على أبلغ الوجوه من المبالغة أو البلاغة وهو ظاهر، وقوله في القيامة جار على التفاسير السابقة وقوله للناس عممه لعدم اختصاصه بقريش، وعدم تأتيه لمن قبلهم، وقوله وأحكام الأفعال المراد بها ما لا يتعلق بالاعتقاد كرجم الزاني ونحوه معطوفان على محل لتبين الخ يعني أنهما انتصبا مفعولاً له والناصب أنزلنا ولما اتحد الفاعل في العلة والمعلول وصل الفعل لهما بنفسه ولما لم يتحد في لتبين لأنّ فاعل الإنزال هو الله وفاعل التبيين الرسول صلى الله عليه وسلم وصلت العلة بالحرف قال في الكشاف هدى ورحمة معطوفان على محل لتبين إلا أنهما انتصبا على أنهما مفعولان لهما لأنهما فعلا الذي أنزل الكتاب، ودخل اللام على لتبين لأنه فعل المخاطب لا فعل المنزل، وإنما ينتصب مفعولاً له ما كان فعل فاعل الفعل المعلل به اهـ ما قاله الزمخشري، وتبعه المصنف رحمه الله تعالى، وقال أبو حيان هذا ليس بصحيح قال المعرب قلت الزمخشري لم يجعل الصب للعطف على المحل إنما جعله بوصول الفعل إليهما لاتحاد الفاعل كما صرح به الخ ما فصله (قلت (هو مبني على أمرين أحدهما أن شرط نصبه اتحاد الفاعل، والزمان فإذا عدما جرّ باللام، ولا كلام فيه إنما الكلام فيما إذا ذكر ما فيه الئرط ونصب هل يجوز عطفه عليه أم لا فجوّزه العلامة، والمصنف رحمه الله تعالى، ومنعه أبو حيان، وبقي أمر آخر وهو أنه إذا جر ما فيه مانع آخر هل يصح أم لا كالمصدر المؤوّل بأن، والفعل فإنه لا يقع مفعولاً له نحو زرتك أن أكرمك وزرتك إكراما لك وهو محل يمتنع فيه حذف الجار مع أن فاعرفه فإنه لم يحرره الشراج كلهم فاحفظه، ومعنى كونه في محل نصب إنه في محل لو خلا من اأصموانع ظهو نصبه وهو هنا كذلك لمن تأمل هذا هو التحقيق، وما عداه تطويل بلا طائل، وقوله فإنهما الخ تعليل لظهور النصب فيهما دون المعطوف عليه فهو تعليل لما يفهم من السب ق. قوله: إ أنبت فيها الخ) يعني أن الإحياء والموت هنا استعارة لما
ذكر، وليس المراد إعادة اليابس بل إنبات مثله، وقوله سماع تدبر، وانصاف خصه بما ذكر لاقتضاء المقام له أو لتنزيل غيره منزلة العدم، وقال خاتمة المفسرين أراد بالسمع القبول كما في سمع الله لمن حمده(5/343)
أي لقوم يتأملون فيها، ويعقلون وجه دلالتها، ويقبلون مدلولها، وإنما خص كونها آية بهم لأن غيرهم لا ينتفع بها وهذا كالتخصيص في قوله هدى ورحمة لقوم يؤمنون وبما قرّرناه تبين وجه العدول عن يبصرون إلى يسمعون (قلت) ما ذكره الشيخان هو اللائبئ بالمقام، وبيانه أنه تعالى لما ذكر أنه أرسل إلى الأمم السالفة رسلا وكتبا فكفروا بها فكان لهم خزي في الدنيا، والآخرة عقبه بأنه أرسله صلى الله عليه وسلم بسيد الكتب فكان عين الهدى، والرحمة لمن أرسل له إشارة إلى مخالفة أمته لمن قبلهم من سعادة الدارين، وتبشيراً له ع! ييه بكثرة متابعيه وقلة مناويه، وأنهم سيدخلون في دينه أفواجا أفوأجاً ثم أقبع ذلك على طريق التمثيل لإنزاله تلك الرحمة التي أحيت من موتة الضلال إنزال الأمطار التي أحيت موات الأراضي وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا ولولأ هذا لكان قوله، والله أنزل من السماء ماء كالأجنبي، عما قبله وبعده، وقوله إن في ذلك لآية لقوم يسمعون تتميم لقولنا وما أنزلنا الخ وللمقصود! بالذات منه فالمناسب يسمعون لا يبصرون ولو كان مفهماً لما لاصقه ص الإنبات لم يكن ليسمعون بمعنى يقبلون مناسبة أيضا ومن لم يقف على محط نظرهم قال في جوالجه يمكن أن يحمل على يسمعون قول الله أنزل من السماء الخ فإنه مذكر وحامل على تأمّل مدلو له " مد بر.
قوله: (دلالة يعبر بها من الجهل إلى العلم) أصل معنى العبر والعبور التجاوز من محل
إلى آخر، وقال الراغب: العبور مختص بتجاوز الماء بسباحة ونحوها والمشهور عمومه فاطلاق العبرة على ما يعتبر به لما ذكر لكنه صار حقيقة في عرف اللغة فالعبرة بمعنى المعبر بكسر الميم، ولا حاجة إلى جعل الدلالة بمعنى الدليل. قوله: (استئناف لبيان العبرة) أي استثناف بياني كأنه قيل كيف العبرة فيها فقيل نسقيكم الخ ومنهم من قدر هنا مبتدأ وهو هي نسقيكم، ولا حاجة إليه. قوله: (وإنما ذكر الضمير الخ) يعني أنه ذكر ضميره تارة، وأنث أخرى لأنه اسم جمع لا جمع إذ بناء أفعال يكون في المفردات كبرمة أعشار وثوب أسمال، وما كان كذلك فهو اسم جمع، واسم الجمع كرهط، وقوم يجوز تذكيره وافراده باعتبار لفظه وتأنيثه، وجمعه باعتبار معناه فلذا ورد بالوجهين في القرآن وكلام العرب هذا ما أراده المصنف رحمه الله تعالى، وستسمع تحقيقه، وبيان الحق فيه عن كثب. قوله: (ولذلك عده سيبويه في المفردات المبنية على أفعال الخ) اعلم أنّ كلام سيبويه في كتابه تناقض في هذا، وأنه قال في موانع الصرف في صيغة منتهى الجموع، وكونها من الموانع دون غيرها ما نصه، وأئا أفعال
فقد يقع للواحد، ومن العرب من يقول هو الأنعام وقال عز وجل: {نُّسْقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهِ} وقال أبو الخطاب: سمعت العرب تقول هذا ثوب أكياش وقال في باب الزوائد ليس في الكلام أفعال إلا أن يكسر عليه اسم اهـ وقد اضطرب الناس في توجيهه والتوفيق بين كلاميه فذهب أبو حيان رحمه الله تعالى إلى تاويل ما في باب الموانع، وابقاء الثاني على ظاهره وأنّ أفعالاً لا يكون من أبنية المفرد أصلاَ، وأمّا قوله، وأما أفعال فقد يقع للواحد فمراده أنه يستعمل مجازآ بمعنى النعم فيعامل معاملته بأفراد الضمير وتذكيره لا أنه مفرد صيغة ووضعاً بدليل ما صرّج به في المحل الآخر من أنه لا يكون إلا جمعا، واعترض عليه بأنّ مقصود سيبويه رحمه الله تعالى ما ذكر في باب ما لا ينصرف الفرق بين صيغة منتهى الجموع، وأفعال وفعول حيث منع الصرف للأوّل دون الثاني لوجوه منها أن الأوّلين لا يقعان على الواحد بخلاف الآخرين كما أوضحه بما لا شبهة فيه فلو لم يكن وقوع أفعال على الواحد بالوضع لم يحصل الفرق فلا يتم مقصود سيبويه نعم كلام في تدافع كلاميه، وأيضا لو كان كذلك لم يختص ببعضهم وأيضآ أن التجوّز بالجمع عن الواحد يصح في كل جمع حتى صيغة منتهى الجموع، والحق في دفعه أنه لا تعارض بين كلاميه فإنه فرق بين مفاعل، ومفاعيل وأفعال، وفعول بأنّ منتهى الجموع لا يجمع وغيره يجمع فأشبه الآحاد ثم قواه بأنّ قوما من العرب تجعله مفرداً حقيقة في لغتهم وأشار إلى أنها لغة نادرة وما ذكره في الباب الآخر بناء على اللغة المتداولة، وقوله فرق بينهما بوجوه لا وجه له كما يعرفه حملة الكتاب وبهذا عرفت ما في كلام المصنف رحمه الله تعالى، وأما ما قيل إنّ كون بناء أفعال منه ما هو مفرد لا يلزم منه أن الأنعام كذلك فلا تنافي بين كلاميه فمن قلة التدبر، وفي الكشاف يجوز أن يفال في الأنعام وجهان(5/344)
أحدهما أن يكون تكسير نعم كأجبال في جبل، وأن يكون اسما مفرداً مقتضيا لمعنى الجمع كنعم فإذا ذكر فكما يذكر نعم في قوله:
في كل عام نعم تحوونه يلقحه قوم وتنتجونه
واذا أنث ففيه وجهان أنه تكسير نعم وأنه في معنى الجمع ولا يخفى ما فيه فإنه إذا وقع
مفرد ألا يكون جمعاً بل اسم جمع والاستدلال عليه بنعم لا يتم لأنه من أوزان المفردات. قوله: (كأخلاق) جمع خلق ضد جديد، وهو فيما سمع من قولهم ثوب أخلاق وثوب أكياش بياء تحتية بعد الكاف وشين ومعجمة، وهو ثوب غزل مرّتين وفي الأزهري أنه ضرب من برود اليمن ونقل فيه ضبطه بباء موحدة بدل التحتية، وروي فيه أكراش أيضا فكلها بمعنى، وقد ورد أفعال صفة للمفرد في ألفاظ منقولة في المطوّلات. قوله: (ومن قال إنه جمع نعم جعل الضمير للبعض الخ (فإن قلت كيف يكون جمع نعم، والنعم تختص بالإبل والأنعام يقال للإبلى والبقر والغنم مع أنه لو اختص كان مساوياً له قلت من يراه جمعاً له يخص الأنعام أو يعمم النعم
ويجعل التفرقة ناشئة من الاستعمال ويجعل الجمع للدلالة على تعدد الأنواع، وكون الضمير للبعض إمّا أنه يعود على البعض المقدّر أي بعض الأنعام أو على الأنعام باعتبار بعضها، وهو الإناث التي يكون اللبن منها أو على البعض المفهوم منها. قوله: (أو لواحده) كما في قول ابن الحاجب: المرفوعات هو ما اشتمل على علم الفاعلية، وقوله على المعنى لأنّ الألف، واللام لجنسية تسوي بين المفرد والجمع في المعنى فيجوز عود ضمير كل منهما على الآخر كما في تفسير النيسابوري أو الضمير له باعتبار ما ذكر. قوله: (نسقيكم بالفتح هنا وقي المؤمنين (والباقون بضمها فيهما واختلف فيه هل سقى وأسقى لغتان بمعنى واحد أم بينهما فرق فقيل هما بمعنى، وقيل بينهما فرق فسقى للشفة وأسة ى للأر ض، والشجر وقيل سقاه بمعنى رواه بالماء، وأسقاه بمعنى جعله شربا معدا له وفيه تفصيل في اللغة. قوله: (فإنه يخلق من بعض أجزاء الدم المتولد الخ) بين يقتضي متعددا، وهو هنا الفرث أي الروث ما دام في الكرس والدم فيكون مقتضى النظم توسط اللبن بينهما كما نقل عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فالبينية على حقيقتها، وظاهرها لكن ما ذهب إليه الحكماء يخالفه لأن الدم، واللبن عندهم لا يتولدان في الكرش لأنّ الحيوان إذا ذبح لم يوجد في كرشه دم، ولا لبن ولأنّ الدم لو كان في الكرش خرج بالقيء فلذا أوّل بأنّ المراد أنّ اللبن ينشأ من بين أجزاء الفرث، ثم من بين أجزاء الدم فإذا ورد الغذاء الكرس انطبخ فيه وتميزت منه أجزاء لطيفة تنجذب إلى الكبد فينطبخ فيها ويحصل الدم فتسري أجزاء منه إلى الضرع، ويستحيل لبنا فاللبن إنما يحصل بين أجزاء الفرث، ثم من بين أجزاء الدم فالنسبة، والبينية مجازية كما أشار إليه المصنف رحمه الله تعالى فقوله وهو الأشياء المأكولة، وفي نسخة بعض الأشياء الخ، وضمير هو للفرث، وما نقل عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما رواه الكلبيّ عن أبي صالح رضي الله تعالى عنهما، ولا ينافي هذا قوله فيما سيأتي، ويبقى ثفله وهو الفرث أمّا على النسخة الثانية فظاهر، أما على الأولى فكذلك لأنه لا يزول الاسم بزوال بعض الأجزاء فإن الرجل مثلاً يسمى رجلا، وان قطعت يده، والبينية على ما نقل عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما مكانية حقيقية بحسب الظاهر، والمصنف رحمه الله تعالى أوّله بما ذكر فهي مجازية أيضاً، والداعي ما مرّ من كلام الحكماء وقوله لأنهما
لا يتكوّنان تعليل لكون المراد ما ذكر، وصفاوة الطعام كصفوته ما صفا منه وخلص وقوله يمسكها أي يمسك الكبد الصفاوة وريثما يهضمها بمعنى مقدأر زمان هضمها، وهو منصوب على الظرفية كما مرّ وهذا هو الهضم الثاني الذي تحصل منه الأخلاط الأربعة ثم تذهب الصفراء إلى المرارة والسوداء إلى الطحال والماء إلى الكلية ومنها إلى المثانة، والمرّتين تثنية مرّة بكسر الميم، وتشديد الراء، والمراد بهما السوداء والصفراء تغليبا والأخلاط جمع خلط بالكسر، وهو معروف. قوله:) ثم يوزع الباقي) أي بعد الدخول في الأوردة، وهي العروق الثابتة في الكبد وهناك يحصل هضم ثالث كما فصل في مض لمه وزيادة أخلاط الأنثى لغلبة البرودة، والرطوبة على مزاجها، وقوله لأجل الجنين أي ليكون ثديه وتغذيته، والضروع جمع ضرع وهو الثدي، وانصبابه ليتغذى به الطفل بعد فصاله. قوله. لأومن الأولى تبعيضية (متعلقة بنسقيكم(5/345)
أيضا، ولا يضره اتحاد متعلقهما لاختلاف معناهما على ما عرف في النحو، ويجوز كون الأولى ابتدائية أيضا فتكون الثانية، ومجرورها بدلاً منها بدل اشتمال. قوله: (لأن بين الفرث والدم المحل) إن لم تكن بين لازمة الظرفية كما سيجيء تحقيقه في العنكبوت يصح رفع المحل خبراً لأن ولا إشكال في نصبه، وقوله لتنكيره علة لتقديمه، وكذا ما بعده، وكونه موضع العبرة ظاهر، وهو مرجح الحالية على الوصفية. قوله: (صافياً) قيل الصحيح هو التفسير الثاني لابتناء هذا على أن محل اللبن بين الفرث والدم وهو وهم ورد بأنه يكفي لصحته كون أصل اللبن الأجزاء اللطيفة في الفرث ولا يضره بعد مكان تصوّره بصورة اللبن عن محل الفرث كما لا يخفى مع أنّ عد ما ذكر مع كونه ظاهر النظم، وتفسير ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وهما لا يليق وليس المصنف رحمه الله تعالى غافلا عنه بعدما فصله قبيل هذا، وكونه سهل المرور لدهنيته، وقد قيل إنّ أحداً لم يشرق بلبن قط، وهو مرويّ عن السلف. قوله: (متعلق
بمحذوف الخ (في إعرابه وجوه أظهرها وهو هذا أنه متعلق بمحذوف تقديره نسقيكم، وهو من عطف جملة على أخرى وهو أولى من تقدير خلق أو جعل بهما ذكره أبو البقاء لدلالة نسقيكم المتقدم عليه وأما الاستغناء عن التقدير بعطفه على قوله مما في بطونه فيكون من عطف بعض متعلقات الفعل على بعض كقولك سقيته من اللبن ومن العسل فلم يذكر مع أنه أقرب لأن نسقيكم الملفوظ به وقع تفسير العبرة الأنعام فلا يليق تعلق هذا به لأنه لا تعلق له بتلك العبرة وكذا جعله متعلقا بما في الاسقاء من معنى الإطعام أي نطعمكم منها فينتظم المأكول منها، والمشروب المتخذ من عصيرهما، وأما إذعاء أنه ليس ببيان فخلاف الظاهر، ومخل بالانتظام، ومن عصيرهما بيان للمعنى المراد، وتقدير المضاف اللازم على هذا الوجه، والجائز على الوجه الثاني كما سيذكره المصنف رحمه الله تعالى وكون التعليق ثمة على التوزيع ليس بسديد، ولما كان اللبن نعمة عظيمة لا دخل لفعل الخلق فيه إضافة لنفسه بقوله نسقيكم بخلاف اتخاذ السكر فلذا أضافه لهم، وقوله لبيان الاسقاء أي المقدر لا الملفوظ. قوله: (أو بتتخذون ومنه تكرير للظرف الخ (أخره لأنه مخالف للظاهر لتقدم المتعلق، ولتكرير الظرف للتأكيد كما تقول بئ يد مررت به، وسيأتي تفسيره في سورة النور، وفي مرجع ضميره أقوال منها ما ذكره المصنف رحمه الله تعالى من عوده على المضاف المقدر أو على الثمرات المؤوّل بالثمر لأنه جمع معرف أريد به الجنس، وأما على الثالث فعلى ثمر المقدر، وحذف الموصوف بالجملة إذا كان بعضاً من مجرور من أو في المقدم عليه مطرد نحو منا ظعن وفينا أقام. قوله: (والسكر مصدر سمي به الخمر (فهو بمعنى السكر كالرشد، والرشد وقوله كالثمر، والزبيب دخوله في الرزق إذا لم يقدر المضاف ظاهر فإن قدر يحتاج إلى جعله معمولاً لعامل آخر مقدر، ويتم البيان عند قوله سكرأ، وهو بعيد والدبس بكسر الدال المهملة، وسكون الباء الموحدة، والسين المهملة عسل التمر، وهو عربي فصيح. قوله: (والآية إن كانت سابقة على تحريم الخمر الخ) قيل كيف لا تكون سابقة، وهذه السورة مكية إلا ثلاث آيات من آخرها إلا أن يكون فيه اختلاف، وهذا على قول آخر مع أنه سقط من بعض النسخ ما ذكر أو هذا جار على مجرد الاحتمال، وأفا الدلالة على كراهتها فقيل من كونها وقعت في مقابلة الحسن المقتضي لقبحها، وقيل عليه إنهما ليسا طرفي نقيض فيجورّ ثبوت الواسطة بالإباحة وفي أنّ السياق للامتنان بالنعم، ولا مقتضى للعدول، وفيه نظر والطعم بالضمّ، ثم السكون المطعوم المتفكه به كالنقل، ووجه الاستشهاد في البيت ظاهر، وعلى الوجه الآخر هو بمعنى المأكول مطلقاً،
وقوله من السكر بفتح فسكون، ويجوز كسره أيضاً قال ابن السيد في مثلثاته السكر بالفتح سد النهر، والباب ونحوه ومنه سكرت أبصارنا وبالكسر السد نفسه، ويجمع على سكور قال السري:
غناؤنا فيه ألحان السكور إذا قل الغناء ورنات النواعير
وقيل إنّ البيت المذكور كون السكر فيه بمعنى الخمر أشبه منه بالطعام، والمعنى أنه لشغفه بالغيبة وتمزيق الأعراض جرى ذلك عنده مجرى الخمر المسكرة، وفيه أن المعروف في الغيبة جعلها نقلأ، ولذا قيل الغيبة فاكهة القرّاء. قوله: (وإلا فجامعة بين العتاب والمنة الخ (فقوله سكراً عتاب، ورزقاً حسناً امتنان(5/346)
ولذا وصف بالحسن دون السكر كأنه وبخهم بالجمع بين السكر والرزق الحسن وقوله، وقيل السكر النبيذ عطف على قوله السكر مصدر سمي به الخمر ففيه ثلاثة أقوال وعلى القول الأوّل هي منسوخة والمراد المطبوخ من ماء العنب والزبيب، والتمر الذي يحل منه ما دون المسكر وهو المثلث، وقوله يستعملون عقولهم إشارة إلى تنزيله منزلة اللازم. قوله:) ألهمها وقذف في قلوبها الخ (فسره غيره بسخرها لهذا الفعل والمراد بالإلهام هدايتها لما ذكر والا فالإلهام حقيقة إنما يكون للعقلاء والنحل منه ما يكون في الجبال والعياض واليه الإشارة بقوله: (اتخذي من الجبال بيوتاً ومن الشجر) وما يكون مع الناس يتعهدونه، وهو المراد بقوله ومما يعرشون) وقرىء إلى النحل بفتحتين) هذه قراءة ابن وثاب رحمه الله تعالى، وهو يحتمل أن يكون لغة وأن يكون اتباعا لحركة النون كما قاله المعرب. قوله: (بأن اتخذي الخ) فإن مصدرية بتقدير الجار، وهو باء الملابسة أو هي مفسرة للإيحاء إليها لأنّ فيه معنى القول دون حروفه، ولا ينافيه كونه بمعنى الإلهام لأنّ معنى القول فيه باعتبار معناه المشهور على أن من ألهم شيئاً يتكلم به ومثله كاف لاعتبار معنى القول فالاعتراض غير وارد. قوله:) وتأنيث الضمير (أي ضمير اتخذي وكلي، وقوله على المعنى يعني به أنه اسم جنس يفرق بينه وبين واحده بالتاء، ومثله يجوز تذكيره باعتبار لفظه وتأنيثه باعتبار معناه، وهو أنه طائفة منه وجماعة وتأنيث لغة أهل الحجاز، وعليها ورد التنزيل هنا كما في قوله نخل خاوية، وورد تذكيره في قوله أعجاز نحل منقعر لكن قوله فإنّ النحل مذكر يقتضي أنّ الأصل
فيه التذكير، وتأنيثه بالتأويل وهو مذهب الزمخشري، وغيره من النحاة يخالفه كما نقلناه فمن ادّعى موافقة كلامه لهم فقد تعسف. قوله: (ذكر بحرف التبعيض) وهو من وفيه من البديع مع قوله من كل الثمرات صنعة الطباق وقوله كل ما يعرس من كرم أي يتخذ كالعرس من الكروم بهذا فسره السلف، وقوله أو سقف هو تفسير الطبري، وقوله ولا في كل مكان منها إشارة إلى أنّ التبعيض شامل للتبعيض بحسب الأفراد وبحسب الأجزاء، ومن تستعمل لكل منهما ولا مانع من شموله لهما، وفيه كلام أفرد. بعض الفضلاء بالتاليف فإن أردت تفصيله فانظره ولا حاجة إلى جعله كلاماً مستأنفا لبيان الواقع لا من مدلول من فتأمل. قوله: (وقوله لتعسل فيه) تفعيل من العسل أي تضع العسل فيه وفوله مشبها ببناء الإنسان يعني أنه استعارة لأن البيت مأوى الإنسان، ومأوى غيره عش، ووكر وحجر ونحوه، وقوله وصحة القسمة لأنه مسدس متساوي الأضلاع، ولو كان غير مسدس بقي بينها فرج ضائعة ومثله يوضع بآلات كالبيركار وذكر البيوت واستعارتها لمأواها للتنبيه على ما ذكر، وجمع فعل على فعول بالضم فكسره لمناسبة الياء، وقوله بضم الراء هذا هو الموجوب في الن! تت الصحيحة، ووقع في نسخة بكسر الراء، وهو من تحريف النساخ. قوله: (من كل ثمرة الخ) إشارة إلى أنّ استغراق الجمع، والمفرد بمعنى، وليس الثاني أشمل على ما عرف في محله، والثمر حمل الشجرة، ويطلق على الشجرة نفسها قيل، وهو المناسب هنا إذ التخصيص بحمل الشجرة خلاف الواقع لعموم أكلها للأوراق والأزهار والثمار، ولا يخفى أنّ إطلاق الثمرة على الشجرة مجاز غير معروف، وكونها تأكل من غيرها غير معلوم، وغير مناف للاقتصار على أكل ما ينبت فيها، وقوله تشهيتها بكسر التاء لخطاب المؤنث إشارة إلى أنّ العموم عرفي، وقيل كل هنا للتكثير، وقيل إنه إشارة إلى أنه عام مخصوص بالعادة ولو أبقى على ظاهره أيضا جاز لأنه لا يلزم من الأمر بالأكل من جميع الثمرات اكل منها لأنّ الأمر للتخلية والإباحة. قوله:) فاسلكي ما أكلت الخ) سلك يكون متعداً بمعنى دخل كسلكت الخيط في الإبرة سلكا ولازما بمعنى دخل كسلك في الطريق سلوكا فإن كان متعديا فمفعوله محذوف، وهو ما أكلت، ولذا قدره المصنف رحمه الله تعالى والسبل جمع سبيل وهي الطريق، وهي تحتمل أن يكون طريقا مجازية، وهي طريق عمل العسل أو طريق إحالة الغذاء، وهي الأجواف أو حقيقية، وهي طريق المجيء والذهاب وعلى الأخير كلي
بمعنى اقصدي ا! ل فالوجوه أربعة أو ثمانية فأشار بقوله في مسالكه إلى أن نصب سبل على الظرفية، وبقوله التي يحيل أي يغير من الإحالة إلى أنّ(5/347)
السبل مجاز بمعني البطون، وأشار بقوله بقدرته إلى معنى إضافة السبل إلى الرب، وأشار بقوله أو فاسلكي الطرق الخ إلى وجه لزومه، والسبل مجاز عن طرق العمل وأنواعها، وقوله أو فاسلكي راجع إلى كون السبل على حقيقتها مع اللزوم فاختار من الوجوه ثلاثة وترك باقيها، وقوله من أجوافك بيان للمسالك والنور بفتح النون الزهر، وقيل على الوجه الذي اختاره إنّ النحل لا دخل لها في السلك في تلك المسالك المحيلة حتى تؤمر به فالأمر تكوبنيّ، وليس بشيء لأنّ الإدخال باختيارها فلا يضرّه كون الإحالة المترتبة عليه ليست اختيارية وهو ظاهر فليس كما زعم.
قوله: (لا تتوعر عليك ولا تلتبس) بالرفع حال من سبل ربك فإن كان تفسيراً لقوله ذللاً
مقدما عليه فلا ضير فيه إذ كثيراً ما يقدم التفسير على طريق التوطئة والتمهيد فلا يقال في مثله الأولى تأخيره أو يقال إنه بيان لمعنى إضافتها إليه فإنه مع كونه تنبيهاً سابقاً يصير قوله ذللا تأكيداً والأصل التأسيس، وقوله أي مذللة تفنن في التعبير إذ أفرد وأنث هنا لأنّ الجمع يوصف بالمفرد المؤنث كما يقال جبال راسية، وجمع في قوله وأنث ذلل إشارة إلى أنّ ذا الحال، وان كان ضمير المؤنثة المخاطبة لكته عبارة عن النحل المؤنث معنى كما مرّ فهو مطابق له فما قيل إنه اكتفى بحرف التأنيث مع كون ذللا جمعا لكون دمها، وهو السبل جامداً بخلاف النحل، وهم على وهم. قوله: (عدل به) أي بهذا القول، والباء للتعدية أو الملابسة عن خطاب النحل في اتخذي، وما بعده إلى خطاب الناس في قوله يخرج الخ ففيه التفات إذ لم يقل من بطونك، والمراد بخطاب الناس الكلام معهم بما ألقى إليهم فلا يرد أنه لا خطاب لهم هنا حتى يقال إنه باعتبار أنّ المعنى يخرج لكم أيها الناس شراب الخ، ولو قيل الخطاب في قوله إنّ في ذلك لم يبعد، وقوله لأنه محل الأنعام عليهم أي لأنّ هذا المحل بسياقه، وسباقه بيان لنعم الله على الناس، وأنهم المقصودون من خلق النحل والهامه، والمقصود معطوف على الأنعام، ولا يخلو عن ركاكة، والهامه مفعوله محذوف أي ما ذكر من الاتخاذ ونحوه وقوله لأنه مما يشرب أي مع الماء وغيره. قوله: (واحتج به) أي بهذا الكلام على هذا القول فإنهم اختلفوا فيه على أقوال المشهووة منها هذان القولان فقيل إنها تأكل ما ذكر فإذا استحال في جوفها فاءته وادخرته للشتاء، وهو المشهور وعن عليّ كزم الله تعالى وجهه في تحقير الدنيا أشرف لباس ابن آدم فيها لعاب دودة، وأشرف شرابه رجيع نحل ومن ذهب إلى القول الآخر قال إنه على طريق التمثيل
والنظم ظاهر في هذا، ولذا قيل:
تقول هذا مجاج النحل تمدحه وان ترد ذمّه قيء الزنابير
قوله: (ومن زعم أنها تلتقط بأفواهها الخ) وهذا مذهب أكثر الأطباء ورجحه الإمام، والمصنف رحمه الله تعالى رجح الأوّل لكونه ظاهر النظم والآثار معه ولأنه يحتاج إلى تأويل البطون بالأفواه لأنها تطلق على كل مجوّف كما يقال بطون الدماغ، وفي الكشف ليت شعري ما يصنع هؤلاء بقوله تعالى ثم كلي من كل الثمرات، ولا يخفى أنّ تفسير الأكل بالالتقاط وان دفع الفساد لا يدفع الاستبعاد، والتقاطها عند هؤلاء بعد الأكل والاغتذاء والطلية بتشديد اللام نسبة للطل والمراد به أجزاء صغيرة رشية من الندى وقوله كان العسل أي بنوع تغير لا إلى حدّ الاستحالة كما في القول الأوّل. قوله: (بحسب اختلاف سن النحل) فالأبيض لفتيها والأصفر لكهلها والأحمر لمسنها ولا يخفى أنه مما لا دليل عليه، وقيل اختلافه باختلاف ما يؤكل من النور. قوله: (إمّا بنفسه) جواب عما توهم من أنه كيف يكون شفاء للناس مع ضرره بالمحرورين وتهييجه المرّة ونحوها يعني أنه شفاء بنفسه وله دخل في أكثر ما به الشفاء من المعاجين والتراكيب فالتنوين للتعظيم فيحمل على بعض الأمراض أو هو للتبعيض فلا يقتضي إنّ كل شفاء به، ولا إن كل أحد يستشفي به فلا يرد عليه منع الكلية، وقوله إلا والعسل جزء منه أي فيكون له دخل في الشفاء وقال أبو حيان رضي الله تعالى عنه وأمّا السكر فمع اختصاصه ببعض البلاد محدث مصنوع للبشر، وفي شرح الشمائل أنه عليه الصلاة والسلام لم يأكل السكر (1) وقد قيل على هذا إن جعله جزءا منه لا يقتضي انّ له دخلاً في الشقاء بل عدم ضرره إذ قيل إنّ إدخاله في التراكيب لحفظها، ولذا ناب عنه السكر في ذلك. قوله: (وعن قتادة رضي الله تعالى عنه الخ (هذا(5/348)
الحديث رواه البخارفي ومسلم والترمذيّ عن أبي سعيد رضي الله تعالى عنه مع تفسير فيه، وليس في آخره كأنما نشط من عقال، وسيأتي بيانه وما فعله النبيّ رسول الله صلى الله عليه وسلم من معجزاته الدالة على علمه بدقائق الطب من غير تعليم. قال: (في طبقات الآطباء المسمى
بالآنباء (مرض ثمامة العبسيّ من خواص المأمون بالإسهال فكان يقوم في اليوم، والليلة مائة مزة، وعجز الأطباء عن علاجه فعالجه يزيد بن يوحنا طبيب المامون، وأعطاه مسهلا فلما تناوله اتفق الأطباء على أنه لا يبقى لغد فقام إلى الزوال خمسين مرّة، ومن الزوال إلى الغروب عثرين مرّة، ثم إلى طلوع الشمس ثلاث مرات، وانقطع إسهاله ونام، وكان لا ينام قبله، ثم أصلح له طعاما فتناوله، وأفاق فسأله المأمون فقال هذا رجل في جوفه كيموس فاسد فلا يدخله غذاء، ولا دواء إلا أفسده ذلك الكيموس فعلمت أنه لا علاج له إلا قلع ذلك الكيموس بالإسهال، وان كان مخاطرة لأنه أيس منه قال: وهذه الحكاية كما روي عن النبيّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه جاء إليه رجل من العرب فقال يا رسول الله إن أخي غلب عليه الجوف وداويناه فلم ينقطع عنه بشيء فقال صلى الله عليه وسلم: " أطعمه عسل النحل فأطعمه للاه فزاد إسهاله لآنه مسهل فراجع النبتي صلى الله عليه وسلم فقال: أطعمه العسل فأطعمه فزاد إسهاله فشكى إليه عليه الصلاة والسلام فقال اطعمه العسل فأطعمه في اليوم الثالث فتقاصر إسهاله حتى انقطع بالكلية فأخبر النبني صلى الله عليه وسلم بذلك فقال صدق الله وكذب بطن أخيك! وإنما قال ذلك لأته علم أنّ في معدة المريض رطوبات لزجة غليظة قد أزلقت معدته فكلما مرّ به شيء من الأدوية القابضة لم يؤثر فيها والرطوبات باقية على حالها والأطعمة تزلق عنها فيبقى الإسهال فلما تناول العسل جلا تلك الرطوبات، وأحدرها فكثر الإسهال أوّلاً بخروجها، وتوالى ذلك حتى نفدت الرطوبة بأسرها فانقطع إسهاله وبرئ فقوله صدق الله يعني بالعلم الذي عرف نبيه صلى الله عليه وسلم به، وقوله كذب بطن أخيك يعني ما كان يظهر من بطنه من الإسهال، وكثرته بطريق العرض! ، وليس هو إسهالاً ومرضا حقيقيا فكأنّ بطنه كاذبة في ذلك انتهى ففسر صدق الله في الحديث بما علمه في ذلك وفسره غيره بجعل العسل شفاء ودواء في الآية، وجعل كذب بطنه استعارة مبنية على تشبيهها بالكاذب في كون ما ظهر من إسهالها ليس بأمر حقيقي وإنما هو لما عرض لها، ولذا سمي مثله الأطباء زحيراً كاذبا، وفرقوا بينه، وبين الزحير الصادق بما هو معروف في علم الطب وهو وجه حسن، وغير. ذهب إلى أن قوله كذب بطن أخيك من المشاكلة الضدية كقوله: من طالت لحيته تكوسج عقله، وهي مما حققه المدقق في الكشف وغيره فمن قال إنها ليست بمعروفة وإنه إنما عبر به لأن بطنه كأنه كذب قول الله بلسان حاله لم يصب، وقوله يشتكي بطنه يصح رفعه ونصبه، وقوله فبرأ من البرء، وفي نسخة برئ كفرح، وهي لغة أيضا. قوله: (فكأنما أنشط من عقال) بالبناء للمجهول شبهه بالبعير الذي حل عقاله فأسرع الحركة، والقيام قال في النهاية أنشط حل يقال نشطت العقدة إذا عقدتها وأنشطتها إذا حللتها، وكثيراً ما يجيء كأنما نشط من عقال بغير همزة، وليس بصحيح لما ذكرنا. قوله:) وقيل الضمير للقرآن الخ) مرضه لبعده ولدلالة الحديث، والتفسير المأثور على خلافه وقوله باًجال مختلفة منها ما هو في سن الطفولية ومنها ما هو فيما بعده، وهذا بيان للواقع، وللمراد من النظم بقرينة قوله ومنكم من يرذ إلى أرذل العمر فإنه صريح فيه، ولذا قيل
إن قوله ومنكم الخ معطوف على مقدر أي فمنكم من تعجل وفاته ومنكم الخ ويمكن حمل كلام المصنف رحمه الله تعالى عليه والخطاب إن كان للموجودين وقت النزول فالتعبير بالماضي، والمستقبل فيه ظاهر، وان كان عاما فالمضي بالنسبة إلى وقت وجودهم والاستقبال بالنسبة للخلق. قوله: (يعني الهرم الذي يشابه الطفولية الخ) وصفه بكونه مشابها لحال صغره، وبدء أمره ليتضح معنى قوله يرد فإنه لم يكن قبل ذلك حتى يتصور الرد أما إذا لوحظ نقص القوي تصوّر ذلك لأنه يرذ. لما يشبه حاله الأولى كأنه ردّ إليها، وهذا كقوله: {نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ} [سورة يس، الآية: 68] ففيه مجاز، وعلى هذا أرذل العمر الهرم مطلقا، وعلى ما يعده مقيد بذلك السن، وهو مرويّ عن السلف وإنما مرضه لأنه يختلف باختلاف الأمزجة فرب معمر لم يهرم، ورب هرم لم يبلغ ذلك السن فهو مبنيّ على الأغلب(5/349)
وقوله خمس وسبعون في بعض النسخ خمس وتسعون. قوله: (ليصير إلى حالة شبيهة بحالة الطفولية في النسيان وسوء الفهم) أشار بقوله ليصير إلى أنّ اللام هنا للصيرورة والعاقبة، وهي في الأص! للتعليل، وكي مصدرية ناصبة للفعل، والمصدر المسبوك منهما مجرور باللام على المذهب الصحيح عند النحاة والجار والمجرور متعلق بيرذ، وقوله في النسيان وسوء الفهم إشارة إلى أنّ كونه غير عالم بعد علمه كناية عن النسيان لأنّ الناسي يعلم الشيء ثم ينساه فلا يعلم بعد ما علم، وهذه صفة الأطفال أو العلم بمعنى الإدراك والتعقل، والمعنى لا يترقى في إدراك عقله وفهمه لأنّ الشالت في الترقي، والشيخ في التوقف، والنقصان، وفي الكشاف ليصير إلى حالة شبيهة بحال الطفولية في النسيان، وأن يعلم شيئا ثم يسرع في نسيانه فلا يعلمه إن سئل عنه، وقيل لئلا يعقل بعد عقله الأوّل شيئاً، وقيل لئلا يعلم زيادة علم على علمه الأوّل، وتحقيقه ينظر في شروحه وشيئا منصوب على المصدرية أو المفعولية، وجوّز فيه التنازع بين يعلم وعلم، وكون مفعول علم محذوفا لقصد العموم أي لا يعلم شيئا ما بعد علم أشياء كثيرة. قوله: (بمقادير أعمارهم الخ) في نسخة أعماركم، وهي ظاهرة وأما هذه فلكونه تفسيراً لا تقديرا له في كلام الله حتى يجري على مقتضاه مع أنه حينئذ يكون التفاتا، وليس لمراعاة لفظ من كما توهم لأنّ الضمير ليس له بل هو عام للمخلوقين ومنهم من فسره بأنه مستمر على العلم الكامل لا يتغير علمه بمرور الأزمان فالاستمرار تقيده اسمية الجملة، والكمال من صيغة المبالغة، وقال إنه أنسب وأحسن، وكذا الكلام في قدير، ومقتضى السياق ما ذكره المصنف رحمه الله تعالى كما
يعرفه من يدري أساليب القرآن، ووصف الشاب بالنشط كحذر لأنه شأنه، والهمّ بكسر الهاء وتشديد الميم الشيخ المسن كالهمة ويقال فإن لفناء قواه. قوله: (وفيه تنبيه على أنّ تفاوت آجال الناس الخ) الحصر مأخوذ من السياق فيعلم منه أنه لا تأثير لغير القدرة في ذلك ولأنه لو كان ذلك بمقتضى ألطبيعة النوعية لم يتفاوت الإفراد فيه فتأمّل. قوله: (ومنكم موال) أي سادات لأنّ المولى يطلق على السيد والعبد، وقوله يتولون الخ إشارة لوجه إطلاقه على السيد، وهو إشارة إلى أنّ تفاوتهم فيه في الكم والكيف، وقوله حالهم على خلاف ذلك أي يتولى رزقهم غيرهم، وقوله بمعطي رزقهم أي بمعطين فحذفت نونه للإضافة أي لا يعطون رزقهم للمماليك بل ما ناله المماليك رزق أنفسهم لكنه أجراه على أيديهم من غير نقص لما قدر لهم كما بينه بقوله فإن ما يدرّون الخ وفاعل يدرّون ضمير الذين والضمير المضاف إليه في أيديهم للموالي، وضمير عليهم ورزقهم للمماليك ويدرّون بالدال المهملة، والراء المشددة من إدرار الرزق، وهو إيصاله على التوالي. قوله: (فالموالي والمماليك الخ) يعني أن ضميرهم راجع لجملة ما قبله من الذين فضلوا وما ملكت أيمانهم، والمعنى أنهم مستوون في تقدير الرزق، وان كان بعضهم واسطة لبعض، والمراد باستوائهم استواؤهم في أنّ كلا مرزوق يناله ما قدّر له من غير زيادة، ولا نقص فاندفع ما يتوهم من أن الاستواء ينافي تفضيل الموالي المتقدم، وقوله في أنّ الله رزقهم أي الكل، وقوله لازمة للجملة المنفية فالفاء تفريعية، وعلى الوجه الآخر إن أريد بالتقرير التقرير ببيان وجهها فالفاء تعليلية، وإن أريد أنها مؤكدة لها لكون مدلوليها لشيء واحد فالفاء هي الأولى بعينها أعيدت للتأكيد، ولتغاير هذين الوجهين فيما ذكر أتى بأو فليس عطفه بالواو أولى كما توهم. قوله:) ويجورّ أن تكون واقعة موقع الجواب الخ) يعني أنها واقعة موقع فعل منصوب في جواب النفي تقديره فما الذين فضلوا براذي رزقهم على ما ملكت أيمانهم فيستووا، وهو في تأويل شرط وجزاء، وأشار إليه المصنف رحمه الله تعالى بقوله فيستووا حيث أتى به فعلاً منصوبا، وقال واقعة موقع الجواب لأنها ليست فعلية، ولهذا أوّلها بالفعل، وقد جوّز فيه أيضا أن يكون في تأويل فعل مرفوع معطوف على قوله برادّي أي لا يردون فلا يستوون نحو ما تأتينا فتحدثنا، وضمير يستووا للكل، وعلى أنه متعلق بتكون وضمير لا
يرضون للمشركين، وعلى هذا فالتساوي منفيّ، وعلى الأوّل مثبت لهم. قوله: (فإنهم يشركون بالله بعض مخلوقاته) في الكشاف أن المعنى أنه جعلكم متفاوتين في الرزق فرزقكم أفضل مما رزق مماليككم، وهم بشر مثلكم، واخوانكم فكان ينبغي أن تردوا فضل ما رزقتموه عليهم حتى تتساووا في الملبس، والمطعم كما(5/350)
يحكى عن أبي ذرّ رضي الله تعالى عنه أنه سمع رسول الله رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إنما هم إخوانكم فاكسوهم مما تلبسون، وأطعموهم مما تطعمون " فما رؤي عبده بعد ذلك إلا ورداؤه رداؤه وإزاره إزاره من غير تفاوت أفبنعمة الله يجحدون فجعل ذلك من جملة جحود النعمة، وقيل هو مثل ضربه الله للذين جعلوا له شركاء فقال لهم أنتم لا تسوّون بينكم، وبين عبيدكم فيما أنعصت به عليكم، ولا تجعلونهم فيه شركاء، ولا ترضون ذلك لأنفسكم فكيف رضيتم أن تجعلوا عبيدي لي شركاء، وقيل المعنى أنّ الموالي، والمماليك أنا رازقهم جميعاً فهم في رزقي سواء فلا يحسبن الموالي أنهم يردّون على مماليكهم من عندهم شيئا من الرزق فإنما ذلك رزقي أجريه إليهم على أيديهم قال الشارح رحمه الله تعالى وتبعه غيره فسر الآية بوجوه أحدها بين فيها حسن الملكة وثانيها أن يكون تمثيلاً والممثل به ما تعورف بين الناس من أحوال السادات مع المماليك فذكر لتوبيخ المشركين، وثالثها أنها بيان للجميع لأن جميع النعم المعدودة من أوّل السورة إلى هنا واصل منه تعالى للعبد سواء الحرّ وغيره لئلا يمن أحد على أحد، ووجه كونه تمثيلا بأنّ القرينة عليه كون الآية تخلصاً إلى بيان قبائح الكفار وكفرانهم النعم في قوله، ويعبدون من دون الله الخ وقوله أفبنعمة الله يجحدون تنبيه على القرينة، وفيه بحث فإن معناه الحقيقي مراد منه بلا شبهة فلا يصح أن يكون تمثيلا بالمعنى المتعارف فالظاهر أنه كناية عما ذكر إلا أن يريد بالتمثيل كونه مثالاً، ونظيراً له والقرينة المذكورة لإرادة التمثيل بالمعنى المذكور ما ذكر وهذا كما قاله في سورة الروم: {ضَرَبَ لَكُم مَّثَلًا مِنْ أَنفُسِكُمْ هَل لَّكُم مِّن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن شُرَكَاء فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنتُمْ فِيهِ سَوَاء} [سورة الروم، الآية: 28] وقيل الفرق بين الأقاويل أن نعمته تعالى في القول الأوّل والثالث هي الرزق وفي القول الثاني نعمة الله مطلقا هذا والجحود في القول مجارّ عن الكفران لأنّ جحود النعمة ملزوم له واطلاق الملزوم على اللازم مجاز وفي الثالث استعارة شبه منع الرزق من المماليك بالجحود وفيه تأمل والى الوجه الثاني أشار المصنف رحمه الله تعالى بقوله
ردّ وإنكار الخ، وكذا قوله يتخذون له شركاء وقوله فإنه يقتضي بيان لإطلاق الجحد على الشرك، وقوله أو حيث أنكروا أمثال هذه الحجج بيان لأنّ المراد من نعمة الله ما أنعم به من إقامة الحجج، وإيضاح السبل وارسال الرسل ولا نعمة أجل منها، وهو معطوف على قوله حيث يتخذون ولما كان الجحود يتعدى بنفسه فعدى بالباء كما في قوله: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ} [سورة النمل، الآية: 4 ا] أشار إلى أنّ تعديه بالباء لتضمنه معنى الكفر أو لما فيه من معناه، وقريب منه ما قيل إنه من حمل النظير على النظير فالتضمن اصطلاحيئ أو لغوي. قوله: (وقرأ أبو بكر تجعدون بالتاء) أبو بكر رحمه الله تعالى أحد القراء السبعة والباقون قرؤوا بالياء التحتية لسبق الخطاب في قوله بعضكم، والغيبة في قوله فما الذين الخ فروعيا فيهما. قوله:) أي من جنسكم الخ الما كانت النفس لها معان كالذات، وهو أشهرها، ولا يستقيم هنا كغيره فسرها بالجنس وهو مجازاً ما في المفرد أو الجمع لأنّ الذوات مجموعها جنس واحد فتدبر، وقد استدل بعضهم بهذه الآية على تحريم نكاح الجن. قوله: (وقيل هو خلق حوّاء من آدم) قيل عليه لا يلائمه جمع الأنفس، والأزواج وحمله على التعظيم تكلف غير مناسب للمقام، وكذا كون المراد منهما البعض أي بعض الأنفس وبعض الأزواج وكأنه وجه تمريضه، والذاهب إليه رأى أن حوّاء خلقت من نفس آدم عليه الصلاة والسلام كما مرّ فهو أنسب بالنظم مما قبله. قوله: (وحفدة) الحفدة جمع حافد ككاتب وكتبة كما أشار إليه المصنف رحمه الله تعالى، وهو من قولهم حفد يحفد حفداً وحفوداً وحفدانا إذا أسرع في الخدمة والطاعة وفي الحديث: " إليك نسعى ونحفد " وقد ورد لازما ومتعدياً وقيل أحفد أيضا، وقيل أصل معناه سرعة القطع وقيل مقاربة الخطو وفي معناه اختلاف فقيل هو ولد الولد وكونهم من الأزواج حينئذ يكون بالواسطة وإذا كان بمعنى البنات فلا واسطة، وقوله فإن الحافد الخ بيان لوجه تخصيص الحافد ومعناه الخادم من الأقارب أو مطلقا بهن واختيار التعبير به لتعارفهن بالخدمة التامة لشفقمتهن على الآباء، والأمهات والأختان الأصهار، وقوله على البنات وقيده به ليخرج أزواج القرائب ممن يطلق الصهر عليه، ولما كان القيد إذا تقدم تعلق بالمتعاطفين، والأصهار
ليسوا من الأزوأج جعلوا حفدة على هذا منصموبا بمقدر أي(5/351)
وجعل لكم حفدة ولذا مرضه لأنه لا قرينة على تقدير ما هو خلاف الظاهر، وكذا تفسيره بالربائب جمع ربيبة وهي ابنة امرأة الرجل من غيره لأنّ السياق للامتنان ولا يمتن بها، وان قيل إنه باعتبار الخدمة. قوله: (وبجوز أن يراد بها البنون الخ) ، ولما كان الظاهر ترك العطف حيسئذ لاتحادهما بين أنه للتنبيه على تغاير الوصفين المنزل منزلة تغاير الذات وهما البنوّة والحفدة فهو كقوله: {الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ} [سورة الأنفال، الآية: 49] وقوله:
إلى الملك القرم وابن الهمام
ومثله كثير فصحيح فيكون امتنانا باعطاء الجامع لهذين الوصفين الجليلين فكأنه قيل وجعل لكم منهن أولادا هم بنون، وهم حافدون أي جامعون بين هذين الأمرين. قوله: (من اللذائذ أو الحلالات) إشارة إلى أنّ الطيب إمّا بمعناه اللغوي وهو ما يستلذ أو ما هو متعارف في لسان الشرع وهو الحلال ولو قال الحلال بدل الحلالات كان أحسن لركاكته، ولا يرد على الثاني أنّ المخاطب بهذا الكفار، وهم لا شرع لهم فلا يناسب تفسيرها بها كما توهم لأنهم مأمورون ومكلفون بها كما بين في الأصول، وأيضاً فهم مرزوقون بكثير من الحلال الذي أكلوا بعضه وحرموا بعضه، ولا يلزم اعتقادهم للحل ونحوه. قوله: (ومن للتبعيض الخ (المرزوق بمعنى ما رزقه الإنسان ووصل إليه، وهو بعض من كل الطيبات في الدنيا أو في الآخرة لأنّ هذا كالأنموذج لها إذ " فيها ما لا عين رأيت ولا أذن سمعت " وأنموذج كنموذج بالفتح المثال معرّف نموذه، وقد مرّ تحقيقه، وضمير منها إمّا للطيبات مطلقا أو للتي في الدنيا لأنّ منها كثيراً لم يصل إليهم أو التي في الآخرة بقرينة قوله أنموذج وقوله الدنيا وهو المصرح به في الكشاف ففي عبارته الغاز. قوله: (وهو أنّ الآصنام تنفعهم الخ) يعني المراد بالباطل نفع الأصنام بشفاعتها، ونحوه وتحريم ما ذكر وفسر كفران النعم بإضافتها إلى غيره تعالى أو تحريم ما أحل منها لأنه إنكار وجحود لها في الحقيقة لأنهم إذا أضافوها لغيره فقد أنكروا كونه منعمأ بها وإذا حرموها فقد أنكروها، ثم إنه وقع في هذه الآية كما ترى وفي العنكبوت: {وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ} [سورة العنكبوت، الآية: 67] بدون ضمير لأنه لما سبق في هذه السورة قوله أفبنعمة الله يجحدون أي يكفرون كما مرّ فلو ذكرت بدونه هنا لكانت تكراراً بحسب الظاهر فأتى بالضمير الدال على المبالغة، والتأكيد ليكون ترقياً في الذم بعيداً عن اللغوية، وقيل إنه أجرى على عادة
العباد إذا أخبروا عن أحد بمنكر يجدون موجدة فيخبرون عن حاله الأخرى بكلام آكد من الأوّل، ولا يخفى أنه فرق بلا فارق، وقيل آيات العنكبوت أنكرت على الغيبة فلم يحتج إلى زيادة ضمير الغائب، وتخصيص هذه بالزيادة دون أفبالباطل لئلا تزيد الفاصلة الأولى على الثانية، ولا يخفى أنه لا مقتضى للزوم الغيبة، ولا لبس لو ترك الضمير فتأمّله، وقوله أو حرموا الخ أي كما حللوا ما حرّم الله كالميتة. قوله: (وتقديم الصلة على الفعل الخ) أي في الفاصلتين لا في هذه فقط ولا فيهما، والأولى تعلم بالقياس، وإن صح لقوله في العنكبوت، وتقديم الصلتين الخ ثم إنه ذكر للتقديم نكتتين الاهتمام لأنّ الأهئم المقدم، والأهمية لأن المقصود بالإنكار الذي سيق له الكلام تعلق كفرانهم بنعمة الله، واعتقادهم للباطل لا مطلق الإيمان والكفران، وايهام التخصيص، وأقحم الإيهام قيل لأنّ المقام ليس بمقام تخصيص حقيقة إذ لا اختصاص لإيمانهم بالباطل، ولا لكفرانهم بنعم الله لكنه مخالف لقوله في العنكبوت وتقديم الصلتين للاهتمام أو الاختصاص على طريق المبالغة وهو المصرج به في الكشاف هنا لأنهم إذا آمنوا بالباطل كان إيمانهم بغيره بمنزلة العدم، ولأنّ النعم كلها من الله بالذات أو بالواسطة فكفرانهم ليس إلا لنعمه كما قيل:
لا يشكر الله من لا يشكر الناسا
ولا منافاة بينهما لأنه إذا نظر للواقع لا حصر فيه، وان لوحظ ما ذكر يكون حصراً ادعائيا
وهو معنى الإيهام للمبالغة فلا تخالف بين الكلامين كما ظن، ولا حاجة إلى أن يقال يجوز قصد التخصيص بالنسبة إلى بعض ما عداهما على منوال القصر الإضافي، وهو الذي أراده الزمخشري. قوله: (من مطر ونبات الخ) بيان لرزقا على اللف، والنشر، وقيل إنه بيان لشيئا بإعرابيه. قوله: (ورزقاً إن جعلته مصدرا الخ) قال المعرب في نصب شيئاً وجوه أحدها أنه على المصدرية ليملك أي شيئاً من الملك، والثاني أنه منصوب برزقا، وهو منقول عن الفارسي رحمه الله فإن كان الرزق يكون مصدراً كالعلم كما صرح به بعض النحاة، وأشار إليه المصنف رحمه الله تعالى فلا غبار عليه(5/352)
وان استعمل بمعنى المرزوق كرعي بمعنى مرعى وكان اسم مصدر ففي علمه عمل المصدر خلاف فقد منعه البصريون، وأجازه غيرهم فالنصب على مذهب أهل الكوفة والثالث أنه بدل من رزقا أي لا يملك لهم شيئا وأورد عليه أنه غير مفيد إذ من المعلوم أنّ الرزق من الأشياء، والبدل يأتي لأحد شيئين البيان أو التأكيد وليسا بموجودين هنا، وفي الكشاف ما يدفعه، وهو أن تنوين شيئا للتقليل، والتحقير فإن كان تنوين رزقا كذلك فهو مؤكد، والا فمبين وحينئذ فيصح فيه أن يكون بدل بعض أو كل ولا إشكال، وقوله دهالا أي وإن لم يكن مصدراً بل اسماً بمعنى المرزوق، وقوله تعالى: {مِّنَ السَّمَاوَاتِ} جؤزوا فيه
تعلقه بيملك ورزقا على المصدرية، وأن يكون صفة لرزقا. قوله:) ولا يستطيعون أن يتملكوه الخ (جؤزوا في جملة لا يستطيعون وجهين العطف على صلة ما والاستئناف، واستطاع متعذ فمفعوله محذوف أشار المصنف رحمه الله تعالى إليه بقوله أن يتملكوه أو هو اشارة إلى أن مفعوله ضمير محذوف راجع لملك الرزق وعلى هذا لا يكون نفي الاستطاعة بعد نفي ملك الرزق لغوا غير محتاج إليه فإن عاد الضمير المحذوف إلى الرزق نفسه كما في الكشاف يكون نفي الاستطاعة تأكيدا لنفي الملك أو يراد أنهم لا يملكون الرزق ولا يمكنهم أن يملكوه ولا يتأتى لهم ذلك ولا يستقيم فهو تأسيس وهو الأولى لئلا يرد عليه ما قيل إن التأكيد يمنع من دخول العاطف لما بين المؤكد، والمؤكد من كمال الاتصال كما قزر في المعاني، وان كان مدفوعاً بأنه غير مسلم عند النحاة، وليس مطلقا عند أهل المعاني ألا ترى قوله تعالى: {كَلَّا سَيَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ} [سورة النبأ، الآيتان: 4- 5] وقوله: {يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءكُمْ} [سورة البقرة، الآية: 149 وأمّا ما قيل إنه في غير التأكيد المصطلح فهو ممنوع وأنه يجوز أن يحمل الأوّل على الحال، والثاني على الاستقبال فليس بشيء للتصريح بخلافه فهو منع للنقل ونقل لمحل النزاع فتدبر. قوله:) أو لا استطاعة لهم أصلاَ) دفع لتوهم التكرار بوجه آخر، وهو أنه منزل منزلة اللازم لا تقدير فيه، والمعنى نفي الاستطاعة عنهم مطلقاً على حذ يعطي ويمنع فالمعنى أنهم أموات لا قدرة لهم أصلا فيكون تذييلاً للكلام السابق.
قوله: (وجمع الضمير فيه وتوحيده في لا يملك (، والعود على المعنى بعد الحمل على اللفظ فصيح وارد في أفصح الكلام وان أنكره بعضهم لما يلزمه من الإجمال بعد البيان المخالف للبلاغة، وهو مردود كما فصل في غير هذا المحل، وقوله ويجوز أن يعود ضمير يستطيعون الخ هذا جواب آخر وعليه فجملة لا يستطيعون جملة معترضة لتأكيد نفي الملك عن الآلهة والمفعول محذوف كما أشار إليه بقوله شيئا وهذا وان كان خلاف الظاهر كما يشعر به التعبير بالجواز لكنه سالم عن مخالفة المشهور في العود على المعنى بعد مراعاة اللفظ فلا يرد عليه شيء. قوله: (فلا تجعلوا له مثلأ تشركونه به الخ (المثل في عبارته بوزن العلم الشبه، وليس واحد الأمثال الواقع في النظم بل بيان لحاصل المعنى فهو كما في الكشاف تمثيل للإشراك بالئه قال المدقق في الكشف أي إنّ الله تعالى جعل المشرك به الذي يشبهه بخلقه بمنزلة ضارب المثل فإن المشبه المخذول يشبه صفة بصفة وذاتاً بذات كما أن ضارب المثل كذلك فكأنه قيل ولا تشركوا وعدل عنه لما ذكر دلالة على التعميم في النهي عن التشبيه وصفاً وذاتا وفي لفظ الأمثال لمن لا مثال له نعي عظيم على سوء فعلهم وفيه إدماج لأن الأسماء توقيفية، وهذا هو الظاهر لدلالة الفاء، وعدم ذكر المثل منهم سابقا اهـ، ويجوز عندي أن يريد
أن تضربوا بمعنى تجعلوا لأن الضرب للمثل فيه معنى الجعل كما صرح به المصنف رحمه الله تعالى في سورة البقرة فيكون كقوله: {فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً} [سورة البقرة، الآية: 22] على أن الأمثال جمع مثل فيكون وجهاً غير المذكور في الكشاف، وبه يظهر مغايرة ما بعده وعطفه بأو وهذا مع ظهوره لم يعرج عليه أحد من أرباب الحواشي، ولبعض الشراح هنا كلام مختل تركناه خوف الإطالة. قوله: (أو تقيسونه عليه الخ) هذا معطوف على تشركون به فهو صفة مثلا أيضاً، وضمير عليه للمثل لا لله والفرق بينه وبين ما قبله على الوجه الثاني ظاهر لفظاً ومعنى، وأمّا على الأوّل فمعنى ضرب المثل فيما قبله الإشراك بالله على أنه استعارة تمثيلية كما حقق في شروح الكشاف، ومعناه على هذا النهي عن قياس الله على غيره فضرب المثل استعارة للقياس فإن القياس إلحاق شيء بشيء، وهو عند التحقيق تشبيه مركب بمركب فأو على ظاهرها، وليست للتنويع كما توهم، وقوله فإن ضرب المثل تشبيه حال بحال تعليل لهذا فقط على(5/353)
الوجه الأوّل، وتعليل لهما أو للثاني، ويعلم منه حال الأوّل على غيره. قوله:) فساد ما يعوّلون عليه) من التعويل بالعين المهملة، وهو الاعتماد ومن القياس بيان لما هو المعول عليه، ووقع في بعضها بالقاف بحذف إحدى التاءين من التقول، وهو الافتراء، ولا يخفى بجدها لفظا ومعنى لأن القياس ليس من الافتراء في شيء، وقوله على أنّ الخ صلة القياس لأنه يتعذى بعلى كما يتعدى بالباء وإلى قال أبو نواس:
من قاس غيركم بكم قاس الثماد إلى البحار
وجوّز فيه أن يتعلق بشيء مقدر على أنّ صلة القياس محذوفة أي بناء على أن عبادة الخ
وقوله وعظم جرمكم بالنصب عطف على فساد وهو مفعول ليعلم مقدر وقوله وأنتم لا تعلمون ذلك الإشارة إلى فساد ما تعولون عليه وعظم جرمكم على حد قوله عوان بين ذلك وذلك مفعول تعلمون، وقوله لما جرأتم عليه بالتخفيف والتشديد للرّاء يقال جرأتك على فلان حتى جرأت عليه والجراءة الإقدام والشجاعة. قوله: (فهو تعليل للنهي (قيل إنه جار على جميع الوجوه فالظاهر تأخيره، واعتذر له بأنه قدم للاهتمام، واقتضاء التفسير الأوّل له ولو أخر لم يخل من ركاكة، والظاهر أن وجه التعليل خفيّ في الأوّل فلذا احتاج إلى التصريح به، وأشار بالفاء في قوله فإنه الخ إلى اشتراكهما فيه وتقريره أنه كأنه قيل لا تشركوا به فأنتم قوم جهلة فلذا صدر عنكم ما صدر فتأمّل. قوله: (أو أنه يعلم كنه الأشياء (أي حقائقها هذا ناظر إلى قوله أو يقيسون عليه الخ. قوله:) ويجورّ أن يراد فلا تضربوا لله الأمثال الخ (فعلى هذا المنهي عنه ضرب الأمثال له تعالى حقيقة والمراد النهي مبالغة عن الإلحاد في أسمائه وصفاته لأنه إذا لم
يجوز ضرب المثل له، وهو استعارة يكفي لها شبه ما فعدم إطلاق الأسماء والإثبات الصفات من غير توقيف أولى ثم ضرب مثلاً دل به على أنهم ليسوا بأهل ضرب الأمثال لأنهم على هذا الحد من المعرفة، والتقليد أو المكابرة فليس لهم إلى ضرب الأمثال المستدعي لشدة الذكاء سبيل فهذا وجه التئام ما بعده به على هذا الوجه عند صاحب الكشف، وعند المصنف رحمه الله تعالى ما أشار إليه بقوله ثم علمهم الخ وأما على الأوّل فإنه تعالى لما نهاهم عن ضرب المثل الفعلي، وهو الإشراك عقبه بالكشف لذي البصيرة عن حالهم في تلك الغفلة، وحال من تابعهم بقوله ضرب الله مثلا عبداً مملوكا الآية. قوله: (فضرب مثلاَ لنفسه ولمن عبد دونه) هذا باعتبار المعنى المراد من التمثيل والتثبيه كما أشار إليه المصنف رحمه الله تعالى ولا يضره كونه إخباراً عما في اللوح أو العلم لأنّ إشراكهم وضربهم الأمثال من غير تطبيق لمفاصلها ثابت فيه أيضا مع أنه لا يتعين فيه المضي ولا الإخبار فتدبر. قوله: (الذي رزقه الله مالاً كثيرا) الكثرة تؤخذ من كونه حسنا فإنّ القلة التي هي أخت العدم لا حسن في ذاتها أو هو من قوله سراً وجهراً الدالين على كمال التصرّف وسعة المتصرف فيه. قوله: (واحتج بامتناع الإشراك والتسوية) هو عطف تفسير للإشراك، واحتج معطوف على مثل يعني المقصود من التمثيل ما ذكر من الاحتجاج وترك لأنه يعلم بالطريق الأولى ولإيهام أنه لا يليق بعاقل توهمه. قوله: (وقيل هو تمثيل للكافر المخذول الخ) يعني شبه الكافر المخذول بمملوك لا تصرف له لأنه لإحباط عمله وعدم الاعتداد بأفعاله وأتباعه لهواه كالعبد المنقاد الملحق بالبهائم بخلاف المؤمن الموفق فلا لغوية في التمثيل كما قيل، وأشار بتمريضه إلى ضعفه لبعده. قوله: (وجعله قسيماً للمالك المتصرف يدل الخ) الدال على المالكية قوله ومن رزقناه لأنّ من رزق شيئا ملكه ولوقوعه في مقابلة المملوك، والتصرف من قوله ينفق منه سر الخ الواقع في مقابلة عدم القدرة على شيء من التصرفات فإن قلت جعله قسيما للمالك المتصرف إنما يلزم منه أن لا يكون مالكاً كما ذكر فإنّ المالك قد لا يكون متصرفا كالصبي والمجنون قلت هذا بناء على أنّ الملك يلزمه صحة التصرف بالذات، وأنّ قوله لا يقدر على شيء صفة كاشفة لا تقييدية، ولا يضره خروج المكاتب، والمأذون له وفيه نظر، وأفا عدم تصرف الصبيّ والمجنون فلعارض، وفقد
شرط فتأمّل وهذا رذ على من قال إنّ الآية تدل لمذهب مالك رحمه الله الذاهب لصحة ملك العبد لأنّ الأصل في الصفة أن تكون مقيدة فتدبر. قوله: (والأظهر أنّ من نكرة موصوفة ليطابق عبدا) فيكون تقديره، وحرا رزقناه الخ وكل منهما نكرة موصوفة، وقوله وجمع الضمير وان(5/354)
تقدمه اثنان فالظاهر يستويان. قوله: (كل الحمد له) رجح كون التعريف استغراقيا واللام استحقاقية والمراد الاستحقاق الذاتيئ، وقد مر تفصيله في فاتحة الكتاب فلا يرد عليه أنه قد يحمد غير الله تعالى، ونفي الاستحقاق عن غيره لإفادة الاستغراق للحصر كما مرّ، وقوله لأنه مولى النعم كلها المراد بالنعم ما يشمل الفضائل والفواضل فلا يرد عليه أنّ الحمد أعمّ من الشكر أو أنه حمل الحمد على معنى الشكر بقرينة المقام، وقوله فضلا عن العبادة بيان لارتباطه بما قبله، ولذا قيل في تفسيره إنّ المراد الحمد لله على قوّة هذه الحجة، وظهور الحجة بل أكثرهم لا يعلمون ذلك، وقوله لا يعلمون حذف معموله اختصاراً أو اقتصاراً، وقوله فيضيفون الخ ربط له بما قبله. قوله: (ولد أخرس الخ) الخرس عدم النطق والبكم الخرس المقارن لخلقته لا العارض! ، ويلزمه الصمم فكونه لا يفهم لعدم السمع، وكونه لا يفهم غيره بالتشديد لعدم نطقه والإشارة لا يعتد بها لعدم تفهيمها حق التفهيم لكل أحد، وقوله من الصنائع، والتدابير خصه به لأنّ له قدرة على بعض الأشياء كما يشاهد منه لنقصان عقله المكتسب لأن قوّته بسلامة الحواس الظاهرة التي هي آلة له، وأمّا اكتسابه بعض الصنائع بالنظر كما تراه فلعل دفعه أنّ الصنائع ليس المراد بها الاستغراق، وفيه نظر. قوله: (عيال (في التكملة عيال جمع عيل كجياد جمع جيد، ويكون اسماً للواحد وعليه استعمال المصنف رحمه الله تعالى، وكذا استعمله صاحب المقامات كما نبه عليه الإمام المطرزي، وثقل بكسر فسكون بمعنى ثقيل، ومن يلي أمره تفسير لمولاه، وله معان أخر. قوله: (حيثما يرسله (بالجزم إشارة إلى أنها شرطية، وأنّ فاعل يوجه ضمير المولى، ومفعوله ضمير الأبكم وقوله على البناء للمفعول أي مع حذف الضمير، وهي قراءة علقمة وطلحة. قوله: (ويوجه (أي وقرئ يوجه بالبناء للفاعل والجزم، وحذف هاء الضمير فهو معطوف على قوله يوجه على البناء للمفعول، وقوله بمعنى يتوجه يعني أنه على هذه القراءة المعزية لابن مسعود رضي الله عنه، وابن وئاب وجه فيها لازم بمعنى توجه، وفاعله ضميرا لا بكم كما ورد كذلك في المثل المذكور وغيره فأوجه في المثل
المذكور بكسر الجيم معلوم لا بفتحها مجهول كما ضبط بقلم بعض النساخ فهو تحريف منه وقيل إنه على هذه متعد والفاعل ضمير الباري ومفعوله محذوف تقديره كقراءة العامّة. قوله: (أينما أوجه ألق سعدا) هذا مثل لمن يتلقاه الشر أينما سلك أو لمن يفرّ من مكروه فيقع في آخر وسعدا هنا اسم قبيلة لا اسم رجل شرير كما غلط في تفسيره به العلامة، وأصله أنّ الأضبط بن قريع السعدي كان سيد قومه فأصابه منهم جفوة فارتحل عنهم إلى قوم آخرين فرآهم يصنعون بساداتهم مثل صنيع قومه فقال أينما أوجه ألق سعدا أي قوما مثلهم في الجفوة، وقوله وتوجه الخ أي وقرئ توجه ماضياً من التفعل وفاعله ضمير الأبكم، وقوله بنجح بضم النون وسكون الجيم، والحاء المهملة هو الظفر والفوز وكفاية المهم كفاية غيره فيما يهمه ويعتني به وذكره تمثيلاً لا تخصيصاً، وهو مأخوذ من السياق. قوله: (ومن هو فهم) بكسر الهاء صفة كحذر ومنطيق بكسر الميم صيغة مبالغة في النطق قيل هو مأخوذ من الاستمرار التجدّدي الدال عليه يأمر بالعدل، وقيل إنه إشارة إلى اعتبار معنى النطق بكل ما فيه نفع للناس لا حصره في الأمر بالعدل لأنّ مقابل أبكم ناطق بكل خير ومن أخذ. من الاستمرار التجددي في المضارع جعله بمنزلة تفسير يأمر بالعدل، وليس كذلك ولا يخفى ما فيه فإنّ مقابل أبكم ناطق مطلقاً لا ما ذكر وما ذكر إن جعل تفسير المنطوق يأمر بالعدل فلا شبهة في بطلانه، وان جعل تفسيراً له باعتبار لوازمه ومدلول هيئته فلا محذور فيه كما ستسمعه عن قريب، وقوله ذو كفاية أي يكفي الناس في مهماتهم ويبلغ من مراداتهم كما يقال للوزير كافي الكفاة. قوله: (وهو على صراط مستقيم) جملة حالية مبينة لكماله في نفسه ولما كان ذلك مقدما على تكميل الغير أتى بها اسمية فإنها تشعر بذلك مع الثبوت إلى مقارنة ذي الحال فلا يقال الأنسب تقديمها في النظم كما أشار إليه المصنف رحمه الله تعالى بقوله، وهو في نفسه الخ. قوله: (لا يتوجه إلى مطلب إلا ويبلغه بأقرب سعي (وأسهله لأن كل طريقين موصلين المستقيم منهما أقرب بديهة كما يظهر في الشكل المثلث. قوله: (وإنما قابل تلك الصفات) أي كونه أبكم، لا قدرة له ثقل على غيره لآيات بخير بهذين الوصفين يعني أمره بالعدل، وكونه على الطريق القويم لأنهما كمال مقابله، ونهايته لأنه اختير آخر صفات(5/355)
الكمال المستدعية لما ذكر وأزيد حيث جعله هاديا مهديا، وتحقيق ما ذكر في ضرب المثل بوجهيه يعلم بالقياس على المثل السابق. قوله: (يختص به
علمه لا يعلمه غيره (الضمير الأوّل إن كان لله، والثاني للغيب أي يختص بالله علم الغيب فالباء داخلة على المقصور عليه، وقوله لا يعلمه غيره مستفاد من تقديم الخبر لا من اللام ولو عكس حال الضمير كانت داخلة على المقصور والاختصاص بمعنى التمييز أو على القلب كما مز تفصيله وأشار بقوله علمه إلى تقدير المضاف أو هو بيان لحاصل المعنى. قوله:) بأن لم يكن محسوساً ولم يدل عليه محسوس) بتعريفه للغيب بما ذكر خرج ما أثبته أهل الهيئة من أحكام النجوم فإنّ حركات النجوم المرصودة المحسوسة دالة عليه وقوله غائب عن أهل السماوات قيل إنه إشارة إلى تقدير مضاف، ولا حاجة إليه. قوله: (وما أمر قيام الساعة) فيه إشارة إلى تقدير مضاف، والسرعة والسهولة عليه تعالى مأخوذة من تشبيهه بلمح البصر، والطرف مصدر في الأصل ويطلق على الجفن الأعلى وهو المراد هنا، وقوله أو أمرها بيان لأنّ ضمير هو راجع لأمر الساعة، وضمير منه للمح البصر، وهو بيان لأنّ متعلق أقرب محذوف للعلم به، وتلك الحركة أي حركة الطرف، وقوله كان في آن أي أيّ جزء من الزمان غير منقسم، وهذا مما تغ في استعماله الحكماء والمولدين والمذكور في كتب اللغة، والنحو أنّ الآن هو الزمان الذي تقع فيه الحركة، والسكون قولاً وفعلا، وقد وقع آن في أوّل أحواله بالألف واللام معرفة، وأنه ليس له نكرة، ولا يقال آن منكراً ولذا بني، وفيه كلام طويل في شرح أدب الكاتب. قوله:) وأو للتخيير الخ (هذا بناء على ما ذهب إليه ابن مالك من أنّ التخيير مدلول أو وأنه غير مختص بالوقوع بعد الطلب بل يقع في الخبر ويكثر في التشبيه حتى خصه بعضهم به في الخبر كقوله: {فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً} [سورة البقرة، الآيات: 17- 19] وفي شرح الهادي اعلم أنّ التخيير والإباحة مختصان بالأمر إذ لا معنى لهما في الخبر كما أن الشك والإيهام مختصان بالخبر وقد جاءت الإباحة في غير الأمر كقوله: {كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً} إلى قوله {أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ السَّمَاء} [سورة البقرة، الآية: 74] أي بأقي هذين شبهت فأنت مصيب وكذا إن شبهت بهما جميعاً ومثله في الشعر كثير فما قيل إن التخيير إنما يكون في المحظور كخذ من مالي دينارا أو درهما أو في التكليفات كالكفارات غير وارد، وكذا ما توهم أن المراد تخيير المخاطب بعد فرض! الطلب، والسؤال فلا حاجة إلى البناء على ما ذكر، وأنه مشكل من جهة أخرى، وهو أن أحد الأمرين من كون قدره قدر لمح البصر أو أقرب غير مطابق للواقع فكيف يخير الله بين ما لا يطابقه، وهذا كله من ضيق العطن فإن كون أحدهما بل كليهما غير واقع لا ضير فيه فإنه مشبه به، ولم يقل أحد بأن عدم الوقوع فيه لازم بل قد يستحسن فيه عدم الوقوع كما في قوله:
إعلام ياقوت نشرن على رماح من زبرجد
والبعرة تدلّ على البعير، وقد مر تحقيق هذا في قوله {كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً} . قوله:
(أو بمعنى بل) هذا مرويّ عن الفراء، وقد ردّه أبو حيان رحمه الله تعالى بأنّ الإضراب بقسميه لا يصح هنا أما الإبطاليّ فلأن إبطال ما قبله من الإسناد يؤول إلى أنه إسناد غير مطابق، ولا يصح، وأما الانتقالي فيلزمه التنافي بين الأخبار بكونه مثل لمح البصر، وكونه أقرب منه فلا يمكن صدقهما معا، وأجيب باختيار الثاني، ولا تنافي بين تشبيهه في سرعة تحققه وسهولته بما هو غاية ما يتعارفه الناس في بابه، وبين كون تحققه في الواقع فيما هو أقرب منه، وهذا بنا على أن الغرض من التشبيه بيان تحققه، وسرعته لا بيان مقدار زمان وقوعه، وتحديده فلا يرد عليه أنّ المعنى على تشبيه أمر قيام الساعة في قدر زمانه لا في حال آخر من أحواله فالمنافاة بحالها، وأجيب بما يصححه بشقيه وهو أنه ورد على عادة الناس بمعنى أن أمرها إذا سألتم عنه أن يقال فيه هو كلمح البصر، ثم يضرب عنه إلى ما هو أقرب كما قرره في الكشاف، وبينه المصنف رحمه الله تعالى بقوله الذي يقولون فيه الخ وفي قوله أيضاً مبالغة ما يشير إلى دفع السؤال رأساً فلا محذور، وقال الزجاج أو للإبهام يعني أنه يستبهم على من يشاهد سرعتها هل هي كلمح البصر أو أقل إنه لا فائدة في الإبهام هنا فتدبر، واستقرابه عده قريباً، وهو بعيد عند الناس. قوله: (فيقدر أن يحيي الخلانق الخ) أي لبعثهم إذا قامت الساعة، وذكر أمر قيام الساعة بعد غيب السماوات كذكر جبريل عليه الصلاة والسلام بعد الملائكة، وقوله إن الله على كل شيء قدير تعليل له، وعقبه(5/356)
بقوله والله أخرجكم الخ. معطوفا بالواو إيذاناً بأنّ مقدوراته تعالى لا نهاية لها، والمذكور بعض منها، واليه أشار بقوله ثم دل على قدرته الخ. قوله: (امهاتكم) القرا آت وتوجيهها مفصل في محله ووزن أمّ فعل لقولهم الأمومة، والهاء فيه مزيدة والأكثر زيادتها في الجمع وورد بدونها، وقل زيادتها في المفرد، وقيل الأمّات للبهائم،،! الأمهات للأناسي، وأمّا زيادة الهاء في الفعل فنادرة. قوله:) والهاء مزيدة مثلها في إهراق الخ) هذا رذ لما قاله بعض أهل اللغة أنها أصلية، وقال ابن السيد في شرح أدب الكاتب هو غلط والصحيح أنهما فعلان رباعيان أأمت والهاء بدل من همزة أفعلت، وفي أهرقت عوض من ذهاب حركة عين الفعل عنها، ونقلها إلى الفاء وأصله أريقت أو أروقت على اختلاف فيه، ثم نقلت حركة الياء أو الواو إلى الراء فانقلبت ألفاً لتحرّكها وانفتاج ما قبلها الآن، وحذفت لالتقاء الساكنين، والدليل عليه أنها لو كانت فاء الفعل لزم أن يجري هرق مجرى ضرب من الأفعال الثلاثية،
وأهرقت مجرى أكرمت من الرباعي الصحيح، ولم تقله العرب. وإنما قالوا أهرقت إهريق بفتح الهاء، وكذا تفتح في اسم الفاعل، والمفعول مهريق، ومهراق بالفتح لها أو بدل من همزة لو ثبتت في تصريف الفعل فتحت فلو أبقوا تصريفه على أصله قلت في مضارعه يؤريق، وفي اسم فاعله مؤرق، ومفعوله مؤرق بفتح الهمزة فيها، ومصدره هراقة كإراقة، وإذا صرفوا أهرقت فمضارعه إهرق ومصدره إهراق، واسم فاعله مهرق، ومفعوله مهرق بسكون الهاء في جميعها فهذا يدلّ على أنه رباعيّ معتل، والهاء بدل من الهمزة أو عوض! من الحركة اص. قوله: (جهالاً الخ) يشير إلى أن الجملة حالية، وقوله مستصحبين الخ صفة كاشفة له، وتفسير للا تعلمون، وشيئاً منصوب على المصدرية أو مفعول تعلمون، والنفي منصب عليه أي لا تعلمون شيئا أصلاً من حق المنعم وغيره، وجهل الجمادية ما كانوا عليه قبل نفخ الروج. قوله:) أداة تتعلمون بها فتحسون الخ) الأداة الآلة، وجملة وجعل لكم السمع ابتدائية أو معطوفة على ما قبلها، والواو لا تقتضي الترتيب، ونكتة تأخيره أنّ السمع، ونحوه من آلات الإدراك إنما يعتذ به إذا أجس وأدرك، وذلك بعد الإخراج، وجعل أن تعذى لواحد فلكم متعلق به، وهو بمعنى خلق، وان تعدّى لاثنين بمعنى صير فهو مفعوله الثاني، وفي قوله مشاعر إشارة إلى أن السمع، والبصر عبارة عن الحواس الظاهرة أو اكتفى به عن غيره إذ لكل منها مدخل في الإدراك، وقوله أداة الخ تفسير لحاصل معنى جعلها لهم، وأفرد لاتحادها في سببية الإدراك، ولو جمع كان أظهر، وكأنه تركه لئلا يتوهم دخول الأفئدة فيها وفاء فتحسون تفصيل، وتفسير لما قبله، ومشاعر جمع مشعر بفتح الميم، وكسرها محل الشعور أو آلته، والمراد الحواس الظاهرة. قوله: (فتدركونها) ترتيبه على ما قبله إمّا لأنّ تحسون بمعنى تقصدون الحس ولإدراك أو تستعملون الحواس أو بناء على تغايرهما فإنّ الإدراك للحس المشترك أو للعقل والإحساس للحواس الظاهرة، وأمّا كونه تكريراً، وتوكيداً فلا وجه له. قوله:) وتتمكنوا من تحصيل المعالم الكسبية) كان الظاهر أن يقول العلوم الكسبية لأنّ المعالم جمع معلم الشيء، وهو مظنته وما يستدلّ به عليه، وليس هذا محله، وأمّا كونه جمع معلوم أو معلومة أي قضية معلومة فتكلف لا يساعده اللفظ والاستعمال فالظاهر أنه جمع علم والمراد به الأمر الكلي الذي سيتعلق به العلم لأنه محل للعلم في الجملة وعبر به دون معلوم لأنه ليس معلوما بالفعل للزوم تحصيل الحاصل أو استعمل مفعل بمعنى مفعول مجازاً كمركب بمعنى مركوب كما في شرح المفصل، وبالنظر متعلق بتتمكنوا أو بتحصيل، والتمكن بترتيب ما عنده من المعلومات، والمشاركات تقتضي الحكم إيجابا والمباينات سلبا، ومحصله ما ذهب إليه الحكماء من أنّ النفس في أوّل أمرها خالية عن العلوم فإذا استعملت الحواس الظاهرة أدركت أموراً جزئية بمشاركات ومباينات جزئية
بينها فاستعذت لأن يفيد عليها المبدأ الفياض المشاركات الكلية، وأهل السنة لا يقولون بهذا، ويقولون النفس تدرك الكلي، والجزئي باستعمال المشاعر، وبدونه كما فصل في محله. قوله: (ير تعرفوا ما أنعم تعالى عليكم) ذكر المعرفة لأنّ مجرّد ما ذكر قبله لا يقتضي الشكر ما لم يحرف كونه نعمة منه تعالى، وتفسير لعل بكى مز تحقيقه في البقرة. قوله: (على أئه خطاب للعامة) أي جميع الخلق المخاطبين(5/357)
قبله في قوله أخرجكم لا على أنّ المخاطب من وقع في قوله {وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ} بتلوين الخطاب لأنه التناسب للاستفهام الإنكاري في ألم يروا، ولذا جعل قراءة الغيبة باعتبار غيبة يعبدون، ولم يجعلوه التفاتاً وحينئذ فالإنكار باعتبار اندراجهم في العامة، ولما فيه من الخفاء نص عليه فسقط ما قيل إنّ الخطاب وجهه ظاهر لأن ما قبله، وما بعده كذلك، والمحتاج إلى التوجيه قراءة الغيبة، وأمّا ما قيل إنّ مصاحف دياره بالياء التحتية فلذا احتاج لتوجيه الخطاب فتلفيق وتلزيق لأنّ النقط، والشكل ليس في المصاحف العثمانية وإنما كان بعد ذلك. قوله:) بما خلق لها من الأجنحة الخ (المؤاتية بمعنى الموافقة، وترد بمعنى المساعدة تقول آتيته على كذا مؤاتاة إذا وافقته وطاوعته، والعامة تقول، وأتيته كما تقول واسيته، وهو خطأ عند بعضهم وصوابه الهمز، وصححه بعض أهل اللغة أيضا، وفسر الزمخشري الجوّ مطلقا بالهواء المتباعد من الأرض ووقع في بعض كتب اللغة تفسيره بالهواء مطلقا فإمّا أن يكون المصنف رحمه الله تعالى تبعه فيه أو هو تفسير للجوّ المضاف للسماء، وعن كعب أن الطير لا يرتفع أكثر من اثني عشر ميلا، والعلاقة بكسر العين ما يعلق به والدعامة بكسر الدال المهملة، والعين المهملة ما يدعم به الشيء أي يجعل تحته لئلا يقع كالعمود، وجملة ما يمسكهن حال من ضمير مسخرات أو من الطير أو مستأنفة. قوله: (تسخير الطير للطيران (مجرور عطف بيان لذلك، وتفسير للمشار إليه، ويصح رفعه، ونصبه ويجوز أن يدرج في معنى اسم الإشارة ما قبله من قوله، والله أخرجكم فيظهر معتى الجمعية في آيات، وقوله الطيران فيه أي في الجوّ، وفي بعض النسخ فيها أي في الأهوية وقيل إنه على تأنيث الجوّ باعتبار الجوّة التي هي لغة فيه، وقوله على خلاف طبعها يعني الهوفي لجهة السفل كما هو شأن الأجسام والإجرام، وقوله بحيث يمكن لطيران لخفته، والهامه التحرك كالسابح في الماء إلى غير ذلك، وقوله لأنهم المنتفعون بها بيان لوجه التخصيص مع ظهور
الآيات لغيرهم، وفيه إشارة إلى أنّ لام الاختصاص يفههم منها النفع. قوله: (موضعاً تسكنون فيه) وحده لأنه بمعنى ما يسكن أي المسكون فيه لأن فعلا بمعنى مفعول أو لأنه في الأصل مصدر، ومن بيانية الجار والمجرور حال، والمدر بفتح الدال المهملة الطين اليابس، والقباب جمع قبة، وهو ما يرفع للدخول فيه، ولا يختص بالبناء كما في العرف، وفي لفظ الاتخاذ ما يشعر به لأنه لا يشترط في التسمية السكنى بالفعل، والأدم بفتحتين جمع أديم، وهو الجلد المدبحوغ أو اسم جمع له. قوله: (ويجورّ أن يتناول المتخذة من الوبر) وهو شعر الإبل، والصوف للغنم، والشعر لغيرهما وتخصيص المصنف رحمه الله تعالى له بالمعر فيما سيأتي باعتبار ما ذكر من الأنعام، وهو المراد هنا أيضا، ولا يرد عليه أنه على كونه بمعنى الأدم من تبعيضية، وإذا أريد الوبر ونحوه فهي ابتدائية فإذا عمم لزم استعمال المشترك في معنييه لأنّ المصنف رحمه الله تعالى ممن يجوزه، وقيل الجلود مجاز عن المجموع، وقوله تجدونها إشارة إلى أنّ السين ليست للطلب بل للوجدان كأحمدته وجدته محموداً. قوله: (وقت ترحالكم) كذا في أكثر النسخ، وهو ظاهر وفي بعضها يوم وقت ترحالكم، وكان وجهها أنه تفسير لليوم بمعنى الوقت، ومطلق الزمان فوقت بدل من يوم أو مرفوع خبره والأولى أولى ولما كانت خفتها في السفر أعظم منه قدمت ولذا وجه خفة الحضر بأنها يخف ضربها، ونقلها فيه إذ قد تضرب في الحضر، وتنقل لداع لذلك كما سيأتي وقوله ووضعها أي على الأرض، وهو مرفوع عطف على حملها، وكذا ضربها وأو للتقسيم. قوله: (أو النزول) هذا هو التفسير الثاني، وهو أنّ المراد بالظجن ترحال المسافر وبالإقامة نزوله في متأهله، ومراحله، وعلى الأوّل الظعن السفر، والإقامة الحضر قيل، والثاني أولى إذ ظهور المنة في خفتها في السفر أقوى إذ لا يهم المقيم أمرها، وقيل ينبغي أن يكون الأول! أولى لشموله حالي السفر والحضر، ولأنّ حالي الترحل والنزول اندرجا في الظعن مقابل الحصر والخفة فيهما نعمة وقد تنقل في الحضر لداع يقتضي ذلك كما قيل:
تنقل فلذات الهوى في التنقل
والاندراج المذكور غير ظاهر لأنّ من ذهب إلى التالي لا يجعل الطعن مقابل الحضر بل
مقابل النزول ففيه نظر، وقوله بالفتح هما لغتان فيه، والفتح كما في المعالم أجزل اللغتين وقيل الأصل الفتح، والسكون تخفيف لأجل حرف الحلق كالشعر والشعر، وقوله الضائنة الضائن خلاف(5/358)
الماعز وجمعه ضأن، وهي ضائنة فالمناسب الضأن لمقابله، وقد تقدم تفسير الأنعام، وشموله للأزواج الثمانية بخلاف النعم فإنه يختص بالإبل، والمعز بفتح العين معروف يشمل ذكر. وأنثاه. قوله: (ما يليس ويفرس) فالفرق بينه، وبين المتاج أنّ الأوّل ما يتخذ للاستعمال، والثاني للتجارة، وقيل هما بمعنى وعطفا لجعل تغاير اللفظ بمنزلة تغاير المعنى كما في قوله: وألفى قولها كذبا ومينا
والأول أولى، ولذا اقتصر عليه المصنف رحمه الله تعالى، وأثاثا منصوب بالعطف على
بيوتا مفعول جعل فيكون مما عطف فيه جار ومجرور مقدم، ومنصوب على مثلهما نحو ضربت في الدار زيداً، وفي الحجرة عمرا وهو جائز أو هو حال فيكون من عطف الجارّ والمجرور فقط على مثله والتقدير {وَجَعَلَ لَكُم مِّن جُلُودِ الأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا} [سورة النحل، الآية: 80] حال! كونها أثاثا وليس المعنى على هذا كما قاله السمين رحمه الله تعالى، وهو ظاهر. قوله: (أو إلى أن تقضوا منه أوطاركم (أي حاجاتكم من الانتفاع بها، والفرق بين هذا وما قبله أنّ المعنى على الأوّل أنّ التمتع به ممتد لا كالثمار والمأكولات، وعلى الثاني بيان لمدة امتداده، وهي زمان حياتهم، وعلى هذا زمان الاحتياح إليه، وهي متقاربة، وقيل إنّ الأخير عام متناول لما قبله وتوله والجبل المناسب والجبال، ومعنى تتفيؤون تستظلون من الفيء، وتستكنودط تستترون من الكن، والكهوف جمع كهف، وهو المغارة هنا، والكن السترة من أكنه وكنه أي ستره وجمعه أكنان، وأكنة. قوله: (خصه بالذكر الخ) فهو على هذا من الاكتفاء بهذا دون ذاك لما سيذكر، وترك قول الزمخشريّ أو لأن ما يقي من الحرّ يقي من البرد لأنه خلاف المعروف إذ وقاية الحرّ رقيق القمصان، ورفيعها ووقاية البرد ضده، وكون وقاية الحر أهمّ لشدته بأكثر بلادهم قيل يبعده ذكر وقاية البرد سابقاً في قوله لكم فيها دفء، وهو وجه الاقتصار على الحرّ هنا لتقدم ذكر خلافه ثمة فتأمّل. قوله: (والجواشن) جمع جوشن وهو الدرع أيضاً، وقوله كذلك لتشبيه إتمام النعم في الماضي بإتمامها في المستقبل:
كما أحسن الله فيمامضى كذلك يحسن فيمابقي
أو هو تشبيه لهذا الإتمام به كما مرّ غير مرّة. قوله: (أي تنظرون في نعمه فتؤمنون به)
يعني أنّ الإسلام إمّا بمعناه المعروف فهو رديف الإيمان أو بمعناه اللغويّ، وهو الاستسلام والانقياد، وعلى كل حال فهو موضوع موضع سببه، وهو النظر، والتفكر في مصنوعاته أو مكنى به عنه. قوله: (وقرئ تسلمون من السلامة) هي قراءة ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، وقدّر تشكرون لأنّ مجزد إتمام النعمة ليس مؤذياً للسلامة بدونه وكذا تقدير تنظرون، ولو فسر بالسلامة من الآفات مطلقاً ليشمل آفة الحرّ، والبرد تمت النعمة. قوله تعالى: ( {فَإِن تَوَلَّوْاْ} ) في التعبير بالفعل إشارة إلى أن الأصل فطرة الإسلام، وخلافها عارض متجذد، وقوله أعرضوا إشارة إلى أنّ تولوا ماض غائب ففيه التفات للإعراض عن المعرض، ويصح أن يكون مضارعا حذفت إحدى تائيه، وأصله تتولوا فهو على الظاهر إلا أنه قيل عليه أنه لا يظهر حينئذ ارتباط الجزاء بالشرط إلا بتكلف ولذا لم يلتفت إليه المصنف رحمه الله تعالى، ومعنى إن تولوا إن داموا على التولي أو ثبتوا عليه لظهور توليهم. قوله: (فلا يضرّك فإنما عليك البلاغ) إشارة إلى نتيجة سبب الجزاء الذي أقيم مقامه عكس لعلكم تسلمون، وقوله يعرف المشركون في نسخة يعرفون المشركون على لغة أكلوني البراغيث، وقوله حيث يعترفون بها الخ فسره به لأنه ليس المراد معرفتها في ذاتها فهو توطئة لاستبعاد الإنكار. قوله: (بعبادتهم غير المنعم بها) وعبادة غيره إمّا فقط، وهو ظاهر في الكفران المنزل منزلة الإنكار، وأما مع عبادته فعبادته مع الشرك لا اعتداد بها كما مر لأنها محبطة فسقط ما قيل عليه إن مجرد هذا لا يوجب إنكار النعمة إلا أن يعتبر معه عدم عبادتهم له تعالى، وليس في كلامه ما يفيده نعم لو جعل قولهم إنها بشفاعة ا-لهتنا دليل الإنكار لكفي لكنه ذكر لبيان وجه عبادتهم لغير الله، وهو آلهتهم، وما ادّعى أنه دليل الإنكار عليه لا له فتأمّل. قوله: (أو بسبب كذا) عطف على قوله بشفاعة آلهتنا يعني إذا لم يعتقد أنها من الله أجراها عليه بواسطة ذلك كما صرّح به الزمخشري فسقط ما قيل إنه لا يصلح وجها لعبادة غير الله تعالى، وقوله أو بإعراضهم عطف(5/359)
على قوله بعبادتهم الخ، وهذا منزل
منزلة الإنكار أيضا فأعرفه. قوله: (الجاحدون عنادا (هذا هو المشهور، وفي نسخة المجاهرون أي بالإنكار، وعلى النسخة المعروفة هو تفسير له ولما كان الكفر منه ما يكون ناشئا عن جهل أو تقليد فسره بفرده الكامل، وهو من كفر عناداً لأن الجحد كفر، ولا حاجة إلى جعله للإشارة إلى أنه بمعناه اللغوي لأنّ الجحد ستر للحق، وهذا مراد من قال إنه يشير إلى انصرافه للفرد الكامل. قوله: (وذكر الأكثر إما لأنّ الخ (يعني لم يقل، وهم الكافرون إما لأنّ المراد الجاحدون عناداً لأن منهم من كفر لنقصان عقله، وعدم اهتدائه للحق لا عناداً أو لعدم نظره في أدلة الوحدانية نظراً يؤذي إلى المطلوب أو لأنه لم تقم عليه الحجة لكونه لم يصل إلى حد المكلفين لصغر ونحوه، وعلى هذا لا يبقى الكافرون على إطلاقه لا إن المراد من المنكر من لم يعرفها، وإن لم ينكر لأنّ الإنكار ليس على ظاهره كما مرّ فيدخل فيه من هو غير كافر فالكفرة أكثرهم لا كلهم حتى يحتاج إلى أن يقال اكثر بمعنى الكل ونحوه كما أنه يجوز أن يكون ذكر ذلك لأنه تعالى علم أن منهم من سيؤمن كما مرّ وهذا مع ظهوره خفي على من رذ هذا بأنه يلزمه إطلاق الكافر على من لم يبلغ حذ التكليف ومن بلغ ذلك ممن يعرف نعم الله، وينكر وهو في حيز المنع. قوله: (في الاعتذار) يشير إلى أنّ مفعول الإذن، ومتعلقه محذوف تقديره ما ذكر وقوله إذ لا عذر لهم أما أراد أنهم لا استئذان منهم، ولا إذن إذ لا حجة لهم حتى تذكر، ولا عذر لهم حتى يعتذروا أو أنهم يستأذنون فلا يؤذن لهم، وهو الظاهر، وتفسير الشهيد بالأنبياء للتصريح به في قوله: {وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ} الآية. قوله:) وثم لزيادة ما يحيق بهم (أي هي للتراخي الرتبي وأن ما بعدها لكونه أشذ مما قبله كأنه بعيد منه زمانأ، وقوله من شدة المنع بيان لما يحيق، وفي نسخة من شذة ما يمنع وما مصدرية، وقوله لما فيه الخ تعليل لشذة أو لزيادة، وعلى في قوله على ما يمنون متعلق بزيادة وهو مجهول مناه يمنوه، ويمنيه بالتخفيف بمعنى ابتلاه. قوله: (ولا هم يسترضون (أي يطلب رضاهم وقوله من العتبى، وهي الرضا أي أراد رضاهم في أنفسهم بالتطلف بهم فهو من استعتبه كأعتبه إذا أعطاه العتبى والرضا، وان أراد رضا غيرهم أن الله بالعمل فهو كقول الزمخشري لا يقال لهم أرضوا ربكم لأن الآخرة ليست بدار عمل، والعتبى مصدر أعتبه فإن قلت الاستفعال للطلب فيكون معناه
طلب العتب لا الرضا قلت قال الكرماني رحمه الله الاستفعال قد جاء أيضا لطلب المزيد فيه كما هنا فإن الاستعتاب ليس لطلب العتب بل لطلب الأعتاب بمعنى العتبى أي إزالة العتب، وهو بالرضا، والهمزة فيه للسلب وله نظائر وهذا ما أشار إليه في الكشف بقوله لا تطلب منهم العتبى أي إزالة عتب ربهم، وغضبه فافهم، وقيل استعتب بمعنى أعتب واستفعل بمعنى أفعل كثير. قوله: (وكذا قوله وإذا رأى الذين الخ) أي هو منصوب بمقدر هو أحد الأفعال الثلاثة التي ذكرها فعلى الأوّلين هو مفعول به بمعنى وقت، وقوله فلا يخفف مستأنف، وعلى الثالث هو ظرف شرطي والعامل فيه يحيق على ما بين في النحو وهو جوابه وقوله فلا يخفف مستأنف أيضا، وقد يجعل جوابها بتقدير فهو لا يخفف لأن المضارع مثبتا كان أو منفيآ إذا وقع جواب إذا لا يقترن بالفاء إلا أنّ التقدير مع كونه خلاف الأصل مناف للغرض في تغاير الجملتين في النظم، وهو أن التخفيف واقع بعد رؤية العذاب فلذا لم يؤت بجملة اسمية بخلاف عدم الإمهال فإنه ثابت لهم في تلك الحالة، وقوله التي دعوها شركاء إشارة إلى معنى إضافة الشركاء إلى ضميرهم، وهو ورد أيضا مضافا إليه في غير هذه الآية ودعوا بمعنى سموا، وخص الشركاء بالأوثان عن هذا التوجيه قيل ولو عمم على أن القائل بعضهم وهو من يعقل أوكلهم بإنطاق الأصنام كما سيذكره المصنف رحمه الله كان أولى. قوله:) أو الثياطين الذين شاركوهم (أي كفروا مثل كفرهم فكونهم شركاءهم على ظاهره فهذا توجيه آخر للإضافة أو المراد حينئذ بشركتهم لهم شركتهم في وباله لحملهم لهم عليه، وهذا ما ذكره المصنف رحمه الله، وقوله نعبدهم أو نطيعهم لف ونشر للأوثان والشياطين الحاملين لهم على الكفر. قوله: (هو اعتراف بأنهم كانوا مخطئين (وهو يؤخذ من السياق، وقوله أن يشطر بالتشديد أي ينصف بأن يطرج عنهم نصفه لتشريكهم دئه في العبادة التي تستحق عدم العذاب أو يلقي نصفه على من عبدوه، والأوّل لا يناسب قوله من دونك كما أن الثاني(5/360)
لا يناسب تفسيرهم بالأصنام فتأقل. قوله:) أي أجابوهم بالتكذيب في أنهم شركاء الله (الجار والمجرور متعلق بالتكذيب واً نهم عبدوهم معطوف على أنهم شركاء الله فهو مما كذبوا به، وهذا ناظر إلى أن الشركاء الأوثان
ويلائم ما بين به الإضافة، وقوله أو في أنهم حملوهم الخ ناظر إلى أنهم الشياطين وأورد عليه أنهم لم يقولوا هم ألزمونا الكفر حتى &@&@يكذبوا فيه فيكفي للتكذيب دعوتهم لذلك، وحين كذبوهم الخ متعلق بقوله ضاع. قوله تعالى:) {الَّذِينَ كَفَرُوا} ) قال المعرب يجوز أن يكون مبتدأ والخبر زدناهم، وجوّز ابن عطية أن يكون الذين كفروا بدلاً من فاعل يفترون، ويكون زدناهم مستأنفا، ويجوز أن يكون الذين كفروا نصبا على الذم أو رفعا عليه فيضمر الناصب، والمبتدأ وجوبا، وقوله زدناهم عدّابا أي أمّا بالشدة أو بنوع آخر منه، وهو المروي عن السلف رحمهم الله وهي حيات وعقارب كالبخاتي رواه ابن أبي حاتم. قوله: (بكونهم مفسدين بصدّهم الما فسر الصد أي المنع عن سبيل الله بوجهين أعني كونه باقياً على ظاهره لأنهم كانوا يتعرّضون لمن يريد الإسلام فيمنعونه أو لأنهم كانوا يحملون غيرهم ممن استخفوه على الكفر وفي ذلك مغ لهم فهم ضالون مضلون فسر الفساد بالصد بوجهيه، ولم يحمله على الكفر لأنه بيان لسبب الزيادة فتأمّل، وقوله فإن نبي كل أمّة يبعث منهم بيان لمعنى من أنفسهم وأنّ المراد به أنه من جنسهم كما مرّ تحقيقه، ولم يذكر هذا القيد في قوله قبله، ويوم نبعث من كل أمّة شهيداً لإفادة من له لا الشهادة، ولا يرد لوط عليه الصلاة والسلام فانه لما تأهل فيهم، وسكن معهم عد منهم. قوله:) على أمتك (قيل المراد بهؤلاء شهداء الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لعلمه بعقائدهم واستجماع شرعه لقواعدهم لا الأمة لأن كونه شهيدا على أمّته علم مما تقدم فالآية مسوقة لشهادته على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فتخلو عن التكرار وردّ بأنّ المراد بشهادته هنا على أمته تزكيته، وتعديله لهم، وقد شهدوا على تبليغ الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وهذا لم يعلم مما مز وهو الوارد في الحديث كما فصله المصنف رحمه الله في سورة البقرة في قوله: {وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [سورة البقرة، الآية: 143] ولذا ترك التصريح بالمراد بالشهادة هنا تعويلا على ما مرّ وأما على ما هنا فلا مضرّة فيها كما بينه ثمة مع أنه مشترك الورود وبهذا ينتظم ما بعده أشذ انتظام. قوله: (استئناف أو حال بإضمار قد) قيل إن كان قوله وجئنا بك كلاما مبتدأ لا معطوفا على قوله نبعث، وشهيدا حال مقدرة فلا إشكال في الحالية وان عطف عليه فالتعبير بالماضي لتحققه فمضمون الجملة الحالية متقدم بكثير فلا يفيد
ما ذكر في كون الماضي حالاً هنا ففي صحته كلام إلا أن يبنى على عدم جريان الزمان عليه تعالى، وليس بشيء لأنّ بيانه لكل شيء داخل فيه تلك العقائد والقواعد بالدخول الأوّلى وهو مستمرّ إلى البعث وما بعده وأما أنّ المعنى بحيث أو بحال إنا كنا نزلنا عليك الكتاب، وتلك الحيثية ثابتة له تعالى إلى الأبد فمما لا حاجة إليه. قوله: (بياناً بليناً) المبالغة من كون هذه الصيغة تدل على التكثير كالتطواف، والتحوال، ولم يرد بالكسر إلا في تبيان، وتلقاء على المشهور، وقال ابن عطية رحمه الله أنّ التبيان اسم، وليس بمصدر، والمعروف خلافه. قوله: (على التفصيل أو الإجمال) اختاره لبقاء كل على معناها الحقيقي لكنه خص عموم شيء بقيد أو وصف مقدر بقرينة المقام وأنّ بعثة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام إنما هي لبيان الدين ولذا قال عليه الصلاة والسلام أنتم أعلم بأمور دنياكم ولذا أجيبوا عن سؤال الأهلة بما أجيبوا، وقيل كل للتكثير والتفخيم كما في قوله: {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا} [سررة الأحقاف، الآية: 25، إذ ما في الإحاطة والتعميم ما في التبيان من المبالغة في البيان وأن قوله من أمور الدين تخصيص لا يقتضيه المقام، وقد علمت ردّ الثاني، وأما الأوّل فقد ردّ بأنّ ذلك بحسب الكمية لا الكيفية فلكل وجهة والمرجح للأول إبقاء كل على حقيقتها في الجملة. قوله: (بالإحالة إلى السنة أو القياس) الظاهر على بدل إلى لكنه تسمح فيه أو ضمنه معنى الصرف، وهو دفع لأنّ الإجمال ينافي البيان البليغ بأنه لما بينتة السنة أو علم بالقياس كان معلوما منه مبنيا به، واختير في بعضه ذلك للإيجاز وابتلاء الراسخين، وتمييز العالمين، وترك الإجماع اكتفاء بذكرهما فإن قلت من أمور الدين ما ثبت بالسنة ابتداء فإن دفع بأنه قليل بالنسبة لغيره رجع الأمر بالآخرة للتكثير قلت المراد بالإحالة على السنة كما في الكشاف أنه(5/361)
أمر باتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم وطاعته، وقيل وما ينطق عن الهوى، وحث على الإجماع في قوله ويتبع غير سبيل المؤمنين، وقد رضي رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته اتباع أصحابه، والاقتداء بآثارهم في قوله: " أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم " وقد اجتهدوا، وقاسوا ووطؤوا طريق القياس، والاجتهاد فكانت السنة، والقياس مستندة إلى تبيان الكتاب وفيه تأمل. قوله: (للجميع) بقرنية قوله وما أرسلناك إلا رحمة ولذا جعل قوله للمسلمين قيدا للأخير، ولو صرف للجميع لأنهم المنتفعون بذلك أو لأنّ الهداية الدلالة الموصلة والرحمة الرحمة التامة كان صحيحاً، وقوله وحرمان الخ دفع لسؤال مقدر وبيان لشمول الرحمة. قوله: (بالتوسط في الأمور اعتقاد الخ) فسر التعطيل بالتعطيل عن الأفعال كما هو مذهب الفلاسفة، وغيرهم من المعطلة، وقال أهل السنة القول بنفي الصفات عنه تعالى
تعطيل، والقول بإثبات المكان والأعضاء تشبيه والعدل إثبات صفات الكمال ونفي غيرها، وأيضاً نفي لصفات تعطيل، واثبات الصفات الحادثة تشبيه والعدل إثبات الصفات القديمة والظاهر أنّ المراد بالتعطيل نفي الصانع كما تقول الدهرية، والمراد بالتشريك إثبات الشريك، ولا حاجة لتفسيره بالتشبيه فإنه تكلف لا داعي له وما ذكره المصنف رحمه الله ملخص من تفسير الإمام ولم يرتض ما في الكشاف من تفسير العدل بالواجب لما فيه من إخراجه عن ظاهر مع أنه قيل إنّ فيه اعتزالاً وان نوزع فيه. قوله: (والقول بالكسب الخ) الجبر إسناد فعل العبد له تعالى من غير مدخل له فيه كما هو مذهب الجبرية والقدر إسناد الأفعال إلى العبد وقدره فهو بضم القاف جمع قدرة، ونفي خلق الله لفعله كما هو مذهب المعتزلة، وكذا القول بعدم المؤاخذة بالذنوب أصلا مع الإيمان وتخليد الفساق فالعدل في الحقيقة ما ذهب إليه أهل السنة رضي الله عنهم، وأن زعمت المعتزلة أنهم العدلية. قوله: (بين البطالة والترهب) قال الإمام المرزوقي في شرح الفصيح يقال رجل بطال إذ! اشتغل بما لا يعنيه، وتبطل إذا تعاطى ذلك ومصدره البطالة بالفتح وحكى الأحمر فيه الكسر انتهى وفي شرح المعلقات لابن النحاس أنّ الأفصح فتحه ويجوز كسره فالجزم بالكسر وأنّ وزنه وإن اختص بما فيه صناعة، ومعالجة كالحياكة لكنه مما حمل فيه النقيض على النقيفى قصور، والبطالة ترك لعمل لعدم فائدته إذ الشقي والسعيد متعين في الأزل كما ذهب إليه بعض الملاحدة والترهب المبالغة في التزهد بترك المباحات تشبيها بالرهبان لأنه لا رهبانية في الدين، وليس إخلاص الزهد منه وقوله وخلقا بضم الخاء والبخل والتبذير معروفان، وكان بين ذلك قواما وسيأتي تحقيقه في سورة الإسراء. قوله: (إحسان الطاعات الخ) الإحسان يتعدى بنفسه، وبإلى فيقال أحسنه، وأحسن إليه، وهو هنا يحتمل أن يكون من الثاني والمراد الإحسان إلى الناس فهو أمر بمكارم الأخلاق كما روي وأن يكون من الأوّل والمراد إحسان الأعمال واليه الإشارة في الحديث الصحيح (1) المذكور والمصنف رحمه الله اقتصر على الثاني لوروده في الحديث المذكور ولذا رجحه المصنف رحمه الله على غيره، والحديث صحيح رواه البخاري والإحسان فيه بمعنى اتقان الأعمال، والعبادة بالخشوع، وفراغ البال لمراقبة المعبود حتى كأنه يراه بعينه واليه أشار صلى الله عليه وسلم بقوله كأنك تراه ويستحضر أنه مطلع على أعماله، واليه أشار بقوله فإنه يراك وهاتان الحالتان تثمرإن معرفة الله وخشيته، وقال النوويّ رحمه الله معناه إنك إنما تراعي الآداب المذكورة إذا كنت تراه ويراك
وهذا الحديث من أصول الدين وجوامع الكلم وعد التنفل إحسانا لأنه زيادة في العمل، وجبراً لما في الواجبات من النقص الذي لا تخلو عنه الأعمال على ما حققه في الكشاف. قوله: (وإعطاء الأقارب ما يحتاجون إليه) أتى بمعنى جاء وآتاه بمعنى أعطاه، وهو مما تغير معناه بعد النقل كما سيأتي تحقيقه في سورة مريم والتخصيص بعد التعميم لدخوله في العدل على تفسيره، وقيل في توجيهه بأنه يدخل في الإحسان التعظيم لأمر الله والشفقة على خلقه، وأعظمها صلة الرحم فتأمل، وقوله ما يحتاجون إليه إشارة إلى مفعوله المقدّر، والمبالغة لجعله للاعتناء به كأنه جنس آخر. قوله: (عن الإفراط الخ) هذا مأخوذ من مقابلته للعدل بمعنى التوسط كما مر، وقوله كالزنا تمثيل لا تخصيص وأمّا توله فإنه فضميره عائد على الإفراط لا على الزنا كما قيل. قوله: (ما ينكر على متعاطيه الخ) في إثارة متعلق بينكر أي يحصل(5/362)
وقت إثارتها أو بسبب إثارتها أي تحريكها كالانتقام، وغيره مما لا يوافق الشرع، وقوله صارت سبب إسلام عثمان بن مظعون رضي الله عنه بالظاء المعجمة صحابي معروف أي صار نزول هذه الآية سبباً لإخلاص إسلامه لأنه أسلم أوّلاً، ولم يطمئن قلبه للإسلام كما ورد تفصيله في الآثار، وكون الأظهر أن يقول كانت بدله أمر سهل، ولم يقل ما تنكره العقول كما في الكشاف للتعميم، ولدفع إيهام القبح العقلي الذي ذهب إليه المعتزلة. قوله: (والبغي الخ) أصل معنى البغي الطلب، ثم اختص بطلب التطاول بالظلم والعدوان، واليه أشار المصنف رحمه الله بقوله والاستعلاء الخ. وقوله فانها الشيطنة الضمير راجع للأمور المذكورة من الاستعلاء والاستيلاء والتجبر أو للبغي وأنث باعتبار الخبر، والشيطنة مصدر شيطن بمعنى فعل فعل الشياطين في الخيانة كتشيطن، والقوى الثلاث الشهوانية والغضبية، والوهمية وهي من القوى الباطنة التي سمتها الفلاسفة قوة حيوانية والأطباء قوّة نفسانية، وقسموها إلى مدركة، ومحركة فمن المدركة القوّة الوهمية، وهي التي تدرك المعاني الجزئية غير المحسوسة كالعداوة المخصوصة وضدها، وهي تقتضي ما ذكر لترتبه عليها، ومن المحركة الباعثة، وتسمى شهوانية إن كانت حاملة على جلب أمر محبوب وغضبية إن كانت حاملة على دفع مكروه على ما فصلى في الحكمة، واعلم أنه قابل في النظم الأمر بالنهي مع مقابلة ثلاثة لثلائة، وكما دخل إيتاء ذي القربى فيما قبله
دخل البغي في المنكر أيضاً ولما كان بنو أمية يسبون علياً كرم الله وجهه في خطبهم وآلت الخلافة إلى عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه أسقط ذلك منها وأقام هذه الآية مقامه وهو من أعظم مآثره والذي خصها بذلك ما فيها من العدل والإحسان إلى ذوي القربى، ودفع البغي وقد سمى النبيّ صلى الله عليه وسلم من عادى عليا رضعي الله عنه وكرّم الله وجهه فئة باغية وقال: " اللهنم وال من والاه وعاد من عاداه " وكونها أجمع آية لاندراج ما ذكر فيها. قوله: (ولو لم يكن الخ) بيان لوجه مناسبة الآية لما قبلها وارتباطها بها ووجه التنبيه أنه إذا جمعت هذه الآية ما ذكر مع وجازتها أيقظت عيون البصائر وحركتها للنظر فيما عداها، والميز مصدر مازه بمعنى ميزه والخير والشر لف ونشر للأمر والنهي، وقوله تتعظون إشارة إلى أن التذكير بمعنى الوعظ هنا. قوله:) يعني البيعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم الخ (تفسير للعهد بالبيعة وان عمّ كل موثق لأنه روي في سبب النزول أنها نزلت فيمن بايع الرسول صلى الله عليه وسلم على الإسلام فهو قرينة على أنه أريد به موثق خاص وأورد عليه أنّ الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب فحكمها عام كما صرح به البغوي، وفيه نظر لأن ما قبله من قوله إنّ الذين كفروا الخ قرينة مخصصة له فتأمل. قوله: القوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ} ) قيل إنه تعليل لإطلاق عهد الله على عهد رسوله صلى الله عليه وسلم وتصحيح له فالمعلل منوي مقدر، ولا تعليل لكون المراد لعهد البيعة له، ولا بيان لأنّ الآية واردة في تلك البيعة، وهي بيعة الرضوان لعدم انتهاضه، ولأن السورة مكية نزلت في المستضعفين فهي البيعة الأولى لا هذه وفيه نظر. قوله: (وقيل كل أمر يجب الوقاء به) بنصب كل وكذا النذر والإيمان ويجوز رفعها بتقدير ضمير العهد أو البيعة، وقوله ولا يلائمه الخ وجه عدم الملاءمة بأنه قد يجب الوفاء بأمر من غير سبق عهد لعموم الخطاب فيمن أسند إليه في الموضعين، وأورد عليه أنّ مراد القائل كل أمر سبق الوعد به يجب الوفاء به وهذا مما لا مزية فيه لأنّ الوفاء يقتضي سبق ما ذكر وأما التوجيه بأنّ ما يجب الوفاء به أعمّ مما وقع العهد به في
الماضي والمستقبل، وقوله إذا عاهدتم مختص بالثاني فليس بشيء. قوله:) وقيل الآيمان بالله) بفتح الهمزة جمع يمين وهو إما يمين البيعة أو المطلق فقوله: {وَلاَ تَنقُضُواْ الأَيْمَانَ} تكرير للتوكيد على هذا ثم الظاهر أنّ المراد بالإيمان في النظم المحلوف عليه كما في الحديث: " من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير وليكفر عن يميته " لأنه لو كان المراد به ذكر اسم الله كان عين التأكيد لا المؤكد فلم يكن محل ذكر العاطف كما تقزر في المعاني، وهذا إذا لم يرد به يمين مخصوصة كما مر وإذا حمل على مطلق الإيمان فهو عام للحديث السابق لا خاص كما ذهب إليه الإمام لأنّ الخطر لو لم يكن باقيا ما احتيج إلى الكفارة الساترة للذنب كذا قيل ورد بأنّ المراد به العقد لا المحلوف عليه لأنّ النقض إنما يلائم العقد، ولا ي! نافيه قوله(5/363)
بعد توكيدها كما توهم لأنّ المراد كون العقد مؤكداً بذكر الله لا بذكر غيره كما يفعله العامة فالمعنى إنّ ذلك النهي لما ذكر لا عن نقض الحلف بغير الله، ثم إن النهي عن نقضه عام مخصوص بالحديث السابق، ووجوب الكفارة بطريق الزجر إذ أصل الإيمان الانعقاد، ولو محظورة فلا ينافي لزوم موجبها، وقد يقال إنه للإقدام على الحلف بالله في غير محله فليتأمل.
قوله: (بقلب الواو همزة) هذا مذهب الزجاج وغيره من النحاة، وذهب غيرهم إلى أنهما
لغتان أصليتان كأرخت وورخت لأنّ الاستعمالين في الماذتين متساويان فلا يحسن القول بأنّ الواو بدل من الهمزة كما في الدر المصون. قوله: (شاهداً الخ (يعني أنّ الكفيل هنا ليس بمعناه المتبادر منه بل بمعنى الشاهد إما على التشبيه فهو استعارة أو باستعماله في لازم معناه فهو مجاز مرسل، والعبارة محتملة لهما، والظاهر أن جعلهم مجاز أيضاً لأنهم لما فعلوا ذلك، والله مطلع عليهم فكأنهم جعلوه شاهداً، ولو أبقى الكفيل على ظاهره، وجعل تمثيلا لعدم تخلصهم من عقوبته وأنه يسلمهم لها كما يسلم الكفيل من كفله كما يقال من ظلم فقد أقام كفيلا بظلمه تنبيها على أنه لا يمكنه التخلص من العقوبة كما ذكره الراغب لكان معنى بليغا جداً فتأمله، وقوله إنّ الله يعلم كالتفسير لما قبله، وهذه الجملة حالية إمّا من فاعل تنقضوا أو من فاعل المصدر وان كان محذوفا، وقوله إبرام بالباء الموحدة والراء المهملة أصل معناه تقوية فتل الخيط والحبل ونحوه ولذا تجوّز به عن الإلحاح فقوله وأحكام عطف تفسير، وهما مصدران
من المبنيّ للمجهول. قوله: (ما غزلتة مصدر بمعنى المفعول الم يكتف بأحدهما، وان كان قد يغني عن الآخر للتوضيح إذ ما تحتمل المصدرية والموصولية ولأن الثلاثيّ أعمّ من الأوّل فينطبق على الوجه الثاني كما سننقله عن الكشاف، وقيل إنه لم يكتف بقوله مصدر بمعنى المفعول لأنّ مغزولها قد يكون بغزل الأجانب والإضافة إليها للملك، ونقض ما غزلته بنفسها أدل على شدة حمقها لكنه لو اكتفى بقوله ما غزلته كان أخصر وفيه ما فيه، وقوله متعلق بنقضت أي على أنه ظرف لقوله نقضت لا حال، ومن زائدة مطردة في مثله. قوله: (طاقات نكث فتلها الخ) جمع طاقة وهي ما فتل وعطف من الخيوط والحبال ونحوها كطاقات الأبنية والنكث والنقض بمعنى، وهو حل ما فتل أو بني في الأصل نقل مجازاً إلى إبطال العهود والإيمان ففي نقض الإيمان استعارة بها يتمّ الارتباط بين المشبه والمشبه به وقد مر تفصيلها في سورة البقرة، وقوله جمع نكث أي بكسر النون وسكون الكاف بمعنى منكوث كنقض بمعنى منقوض. قوله: (وانتصابه على الحال الخ) فهي حال مؤكدة وفي إعرابه وجوه أحدها هذا، والثاني أنه منصوب على أنه مفعول لنقضت لتضمنه معنى صيرت أو لتقديره أو لجعله مجازاً عنه كما ذكره المصنف رحمه الله تعالى قيل، والأوّل أولى، ونقضت فيه مجاز أيضا بمعنى أرادت النقض على حذ قوله إذا قمتم إلى الصلاة لما فيه من الجمع بين القصد، والفعل ليدل على حماقتها واستحقاقها اللوم بذلك فإنّ نقضها لو كان من غير قصد لم تستحق ذلك ولأنّ التشبيه كلما كان أكثر تفصيلاً كان أحسن، وفي هذا التمثيل إشارة إلى أنّ ناقض يمينه خارج من الرجال الكمل داخل في زمرة النساء بل في أدناهن، وهي الخرقاء، وكأنّ المصنف رحمه الله تعالى عدل عنه لما فيه من التجوّز مرّتين طيا للمسافة لا اغتراراً بقوله جار الله فجعلته إنكاراً كما توهم، وجوّز الزجاج فيه وجهاً ثالثاً، وهو النصب على المصدرية لأنّ نقضت بمعنى نكثت فهو ملاق لعامله في المعنى، وقوله والمراد به تشبيه الناقض بالضاد المعجمة أي من غير تعيين كما في الوجه الآخر إذ التشبيه لا يقتضي وجود المشبه به بل يكفي فرضه. قوله: (وقيل هي ريطة) وفي نسخة بريطة بباء جر داخلة على ريطة أي المراد تشبيه الناقض بريطة بفتح الراء المهملة وسكون المثناة التحتية، وفتح الطاء المهملة، وهو علم لامرأة معروفة منقول من الريطة بمعنى الأزار، والملاءة ذات اللفقين فالمشبه به معين كما تشهد له الموصولية قال جار الله إنها اتخذت مغزلاً قدر ذراع وصنارة مثل أصبع وفلكة عطيمة على قدرها فكانت تغزل هي وجواريها من الغداة إلى الظهر ثم تأمرهن فينقضن ما غزلن، والخرقاء بخاء معجمة، وراء مهملة وقاف، ومد الحمقاء أو ذات الجنون، والوسوسة. قوله:) حال من الضمير في ولا تكونوا (إن كان الدخل
بمعنى الدغل، وهو الفساد ففائدة الحال الإشارة إلى وجه الشبه و(5/364)
قوله متخذي جار على الوجهين، وجوّز فيه أن تكون جملة تتخذون خبر كان وكالتي نقضت حال، وقوله أصل الدخل الخ يعني أنّ هذا أصل معناه ثم كني به عن الفساد كما ذكره الراغب في مفرداته. قوله: (لأن تكون جماعة كثر عددا الخ (إشارة إلى أن المصدر المؤول بتقدير الجار المطرد حذفه معه، وقدر باللام كما سيشير إليه أو مخافة أو تكون، وجوّز في كان أن تكون تامة وناقصة، وفي هي أن تكون مبتدأ وعماداً وقوله والمعنى الخ قيل هذا لا يناسب السباق، واللحاق، وليس بشيء لأنه لما ذكر نقض عهودهم وأيمانهم في البيعة أردفه بذكر سببه ثم بحكمة الابتلاء بما ذكر وأفي مناسبة أتم من هذه وهذا مما لا خفاء فيه، وقوله لكثرة منابذيهم أصله منابذين أي معادين بصيغة الجمع فحذفت نونه للإضافة، وأما كونه بالتاء الفوقية مصدراً كالمقابلة كما في بعض النسخ فتحريف وفي بعضها منابذهم بصيغة المفرد والشوكة القوة مستعار لها من الشوكة بمعنى السلاح المشبه بشوك الشجر، وقوله نقضوا عهدهم ضمير الجمع للحلفاء وهو ظاهر. قوله:) الضمير لأن تكون أمّة الخ) يعني أنّ الضمير في النظم إمّا عائد على المصدر المنسبك من أن تكون أو للمصدر المنفهم من أربى بمعنى أزيد، وهو الربو بمعنى الزيادة، وقيل إنه لا ربى لتأويله بالكثير، وفي نسخة لا ربى وفي أخرى للربو، وقوله وقيل للأمر بالوفاء المدلول عليه بقوله، وأوفوا الخ، ولا حاجة إلى جعله منفهما من النهي عن الغدر بالعهد كما قيل، وقوله بحبل الوفاء بعهد الله استعارة مبنية على الاستعارة في قوله، ولا تنقضوا. قوله:) إذا جارّاكم الخ) الظرف بدل من يوم القيامة بدل بعض من كل لبيان الجزاء الواقع فيه البيان وتفسير البيان بالمجازاة لأنها سبب لعلم ما هم عليه من الرأي الفاسد، والتوفيق ضدّ الخذلان وفسر الإضلال والهداية بهما ولو أبقاهما على ظاهرهما صح، وترك ما في الكشاف لابتنائه على مذهبه. قوله: (سؤال تبكيت ومجازاة (لا سؤال استفسار وتفهم، وهو المنفي في غير هذه الآية كما مر
تفصيله. قوله: (تصريح بالنهي عنه الخ (لما كان اتخاذهم الإيمان دخلا قيداً للمنهي عنه كان منهياً عنه ضمنا فصرج به لما ذكر، وهذا معنى قول الزمخشري ثم كرر النهي عن اتخاذ الإيمان دخلا بينهم تأكيداً عليهم، واظهار العظم ما ارتكب ولا مخالفة بينهما كما توهم، وقد اعترض عليه أبو حيان بأنه لم يتكرر النهي إذ ذكر أولأ على طريق الأخبار عنهم بأنهم اتخذوا أيمانهم دخلا معللا بأمر خاص، وجاء النهي المستأنف الإنشائي عن اتخاذ الإيمان دخلا على العموم ليشمل ما عداه من الحقوق المالية وغيرها، ورذ بأنّ قيد المنهي عنه منهي عنه فليس إخباراً صرفا ولا عموم في الثاني لأن قوله فتزل الخ إشارة إلى العلة السابقة إجمالأ لتقدم ذكرها كما أشار إليه المصنف رحمه الله تعالى على أنه قد يقال إنّ الخاص مذكور في ضمن العام أيضاً فلا محيص عن التكرار أيضا، ولو سلم ما ذكره فتأمّل، وقوله في قبح المنهي أي المنهيّ عنه والمراد به القبح الشرعي. قوله: (والمراد إقدامهم الخ (فتزل قدم منصوب بإضمار إن في جواب النهي لبيان ما يترتب عليه، ويقتضيه وإذا كان زلل قدم واحدة قبيحا منكر فسوه أشذ، وهذه نكتة سرية، وأما ما ذهب إليه في البحر من أن الجمع تارة يلحظ فيه المجموع من حيث هو مجموع فيؤتى بما هو له مجموعا، وتارة يلاحظ فيه كل فرد فرد فيفرد ماله كقوله: {وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً} [سورة يوسف، الآية: 31] أي لكل واحدة منهن متكأ ولما كان المعنى لا يفعل هذا كل واحد منكم أفرد قدم مراعاة لهذا المعنى ثم قال وتذوقوا مراعاة للفظ الجمع فهو توجيه للإفرأد من جهة العربية، وهو لا ينافي النكتة فلا وجه لرذه به ومتابعة غيره له. قوله: (بصدودكم عن الوفاء الخ (يعني أن صد يكون لازماً بمعنى أعرض، ومصدره الصدود لأنّ فعولاً يغلب في المصادر اللازمة ومتعدياً بمعنى منع ومصدره الصد والفعل هنا يحتملهما، وقوله فإنّ من نقض البيعة الخ جواب سؤال مقدر يرد على الوجه الثاني، وهو أنّ نقض العهود فيه صدود عن الوفاء لا صد للغير عنه فكيف ترتبه على ما قبله فأشار إلى أنهم بذلك سنوا سنة سيئة اتبعها من بعدهم من أهل الشقاء والإعراض عن الحق فكان صدودهم عن محجة الإسلام. قوله: (ولا تستبدلوا عهد الله الخ) إشارة إلى أنّ الاشتراء هنا مجاز عن الاستبدال لأن الثمن مشترى به لا مشتري كما مر تحقيقه، وفي كلامه اختصار وطيّ لما علم، والعرض بالراء
المهملة، والضاد المعجمة ما لا ثبات له قال تعالى: {تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا} ولهذا استعارة(5/365)
المتكلمون لما يقابل الجوهر، وفي بعضها عوض بالواو وهو ظاهر، وقوله إن كنتم من أهل العلم إشارة إلى أنه منزل منزلة اللازم لا أن مفعوله محذوف، وهو فضل ما بين العوضين لأنّ هذا أبلغ ومستغن عن التقدير. قوله:) ينقضي ويفني) مبتدأ وخبر من النفاد بالدال المهملة بمعنى الفناء، والذهاب يقال نفد بكسر العين ينفد بفتحتها نفاداً ونفوداً، وأما نفذ بالذال المعجمة ففعله نفذ بالفتح ينفذ بالضم، وسيأتي تحقيقه، وقوله من خزائن رحمته أي من رحمته المخزونة عنده، وفيه استعارة مكنية لتشبيه رحمته بالجواهر والنفائس التي تخزن وكونه تعليلا لكون ما عنده خيراً ظاهر، وكونه دليلا على بقاء نعيم الجنة بمعنى بقاء نوعه بناء على أنّ المراد بما عنده ما أعذه لهم في الآخرة. قوله: (على الفاقة (أي الفقر، وقوله على مشاق التكاليف فيعئم جميع المؤمنين وقوله بالنون أي بنون العظمة في أؤل المضارع على الالتفات من الغيبة إلى التكلم. قوله: (بما ترجح فعله الخ (لما كان ظاهر النظم أنهم لا يجازون على الحسن منها أؤله بأنّ المراد بالأحسن ما ترجح فعله على تركه فيشمل الواجب والمندوب، والحسن هو المباج فإنه لا يثاب عليه، والمراد بالأعمال ما يشمل الأعمال القلبية ككف النف! س عن المحزمات والمكروهات والعزم على فعل الخيرات، وقوله أو بجزاء أحسن من أعمالهم فأحسن صفة الجزاء، وكونه أحسن لمضاعفته، وهذا جواب آخر بأنّ الإضافة على معنى من التفضيلية، والإضافة إلى جنسه، والباء على هذا صلة نجزين وعلى الأول سببية، وقيل أحسن بمعنى حسن وأما الجواب بأنه إذا جازى على الأحسن علمت مجازاته على الحسن بالطريق الأولى فغيره مسلم. قوله:) بينه بالنوعين (أي الذكر والأنثى دفعأ لتوهم تخصيصه بالذكور لتبادره من ظاهر لفظ من فإنه مذكر وان شملهما بدون تغليب ولأنّ النساء لا يدخلن في اً كثر الأحكام والمحاورات لا سيما وقد عاد عليه ضمير مذكر. قوله:) إذ لا اعتداد بأعمال الكفرة الخ (معنى قوله، وهو مؤمن، وهو ثابت على إيمانه إلى أن يموت كما تفيده الجملة الاسمية، وجعل حياته طيبة كلها فلا حاجة إلى قيد آخر ليخرج من ارتد خصوصا، والمصنف ممن يعتبر الموافاة. قوله:) وإنما المتوقع عليها تخفيف العذاب (قيل إنما عبر بالمتوقع لتعارض الأدلة،
والنصوص في تخفيف عذاب الكفرة بسبب أعمالهم الحسنة كقوله: {وَإِذَا رَأى الَّذِينَ ظَلَمُواْ الْعَذَابَ فَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمْ} [سورة النحل، الآية: 85] وقوله: {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} [سورة الزلزلة، الآية: 7] وحديث أبي طالب أنه: " أخف الناس عذاباً " ورذ بأنّ هذا الحديث لا يدل إلا على تفاوت عذاب الكفرة بحسب تفاوت شرورهم زيادة ونقصانا ولا نزاع فيه، وليس بشيء لأنه لا شيء أشد من الكفر المستحق صاحبه للعذاب الأليم، وقد ورد في حق أبي طالب إنه لمحبته وحمايته للنبيّ صلى الله عليه وسلم خفف عذابه، وفي البخارقي ما معناه " إنه في ضحضاح من نار يغلي منه دماغه " فقال الإمام الكرماني في شرحه فإن قلت أعمال الكفار كلها هباء منثوراً يوم القيامة فكيف انتفع أبو طالب بعمله حتى شفع له صلى الله عليه وسلم قلت ليس هذا جزاء لعمله بل أو هو لرجاء غيره أو هو من خصائص نبينا مجتي! وبه يظهر التوفيق وسيأتي له تفصيل إن شاء الله تعالى. قوله: (كان يطيب عيثه بالقناعة والرضا بالقسمة (أي بما قسم الله له وقدره، والأجر العظيم في الآخرة على تخلف بعض مراداته عنه وضنك عيشه وهذه الأمور لا بد من وجود بعضها في المؤمن والأخير عام شامل لكل مؤمن فلا يرد عليه أن هذا لا يوجد في كل من عمل صالحاً حتى يؤول المؤمن بمن كمل إيمانه أو يقال المراد من كان جميع عمله صالحاً، وتوقع الأجر العظيم إما على صبره على العسر أو على عمله الصالح، وأن يتهنأ بالهمزة في آخره، وقد تبدل ألفا، وهو مفعول يدع أي يترك وقوله وقيل في الآخرة معطوف على قوله في الدنيا، وقوله من الطاعة مر بيانه. قوله: (1 ذا اردت قراءته (يعني أنه مجاز مرسل كما في الآية المذكورة كما تشهد له فاء السببية والحديث المشهور عن جبير أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول قبل القراءة: " أعوذ بالله من الشيطان الرجيم " وغيره مما استفاض! رواية وعملا وتفصيله في كتب الآداب، وهذا
مذهب الجمهور من القراء والفقهاء، وقد أخذ بظاهر الآية بعض الأئمة كأبي هريرة رضي الله تعالى عنه وابن سيرين، وقيل إنّ الفاء لا دلالة فيها على ما ذكر وأنّ إجماعهم على صحة هذا المجاز يدل على أنّ القرينة المانعة عن إرادة الحقيقة ليس بشرط(5/366)
فيه، وليس بشيء لأنّ طلب الاستعاذة من الوسوسة في القراءة المؤدّية إلى خلل ما بحسب الظاهر يكون قبل الشروع فيها ومثله يكفي قرينة قيل، والذي غره أنه لا فرق بين هذه الآية وقوله: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} [سورة المائدة، الآية: 6] فإنّ ثمة دليلا قائما على المجاز وترك الظاهر بخلاف ما نحن فيه، وقد أشار إلى رذه في الكشف حيث قال أجمع القراء وجمهور الفقهاء على أنّ الاستعاذة حال الشروع في القراءة، ودل الحديث على أنّ التفديم هو السنة فتبقى سببية القراءة لها، والقاء في فاستعذ تدل عليها فتقدر الإرادة ليصح وأيضاً الفراغ عن العمل لا يناسب الاستعاذة من العدوّ، وإنما يناسبها الشروع فيها فتقدر الإرادة ليكونا أي القراءة، والاستعاذة مسببين عن سبب واحد، ولا يكون بينهما مجرد الصحبة الاتفاقية التي تنافيها الفاء وأشار إليه في المفتاح بقوله بقرينة الفاء والسنة المستفيضة فتأمل. قوله: (فاسأل الله) بيان لأنّ السين للطلب، وقوله من وساوسه بيان للمراد أو لتقدير المضاف بقرينة المقام، وقوله والجمهور على أنه للاستحباب لما روي من ترك النبي صلى الله عليه وسلم لها وقال عطاء إنها واجبة لظاهر الأمر. قوله: (وفيه دليل الخ) المراد بالحكم ما دلّ عليه الأمر، وقد اختلف فيه هل يقتضي التكرار أولاً على ما فصل في الأصول فقيل الأمر المعلق على شرط أو صفة للتكرار لا المطلق وهو مذهب بعض الحنفية والشافعية واليه ذهب المصنف رحمه الله تعالى هنا في الشرط لأنه سبب أو علة، والشيء يتكرر سببه وعلته كما في قوله: {وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُواْ} [سورة المائدة، الآية: 6] فإنه يدل على وجوب الغسل لكل جنابة، وهذا معنى قوله قياسا أي قياساً لما وقع في الصلاة على ما وقع خارجها وقيل معناه قياسا على ما وقع ابتداء للاشتراك في العلة. قوله: (يستعيذ في كل ركعة) وهذا مذهب ابن سيرين والنخعيّ وأحد قولي الشافعي، وفي قول آخر له كأبي حنيفة يتعوّذ في الركعة الأولى لأنّ قراءة الصلاة كلها كقراءة واحدة ومالك رحمة الله تعالى لا يرى التعوّذ في الصلاة المفروضة، ويراه في غيرها كقيام رمضان. قوله: (بأنّ الاستعا " عند القراءة من هذا القبيل (أي قبيل العمل الصالح المطلوب من الذكور والإناث المورث لطيب حياة الدارين وإنما خوطب به النبي صلى الله عليه وسلم دلالة على فضل هذا العمل، وأن غيره تابع له فيه بحسب الذات والزمان، وتأكيداً للحث عليه لأنه إذا أمر بالاستعاذة المعصوم فغيره أولى. قوله:) هكذا أقرأنيه جبريل عليه
الصلاة والسلام عن القلم عن اللوح المحفوظ (هكذا رواه الثعلبيئ، والواحدي ولم يتعقبه العراقي في تخريجه وفي الكشف كذا وجدته في كتب القرا آت، ولا يريد بالقلم القلم الأعلى فإنه مقدم الرتبة على اللوج بالنص وإنما أراد القلم الذي نسخ به من اللوج، ونزل به جبريل عليه الصلاة والسلام دفعة إلى السماء الدنيا فافهم ففيه نظر فإنه لا داعي للعدول عن الظاهر إذ المراد أنه مشروع كذلك في الأزل فتأمل وكأنه وقع في نسخة عن اللوج عن القلم كما في بعض التفاسير، والذي في نسخ القاضي، والكشاف خلافه مع أن التأخير الذكري لا يقتضي التأخر الرتبي لا سيما بدون أداة ترتيب وفي كتب الكلام القلم العقل الأوّل، واللوج العقل الثاني. قوله:) تسلط وولاية) إشارة إلى أنّ السلطان هنا مصدر بمعنى التسلط، وهو الاستيلاء، والتمكن من القهر فعطف الولاية عليه للتفسير ثم أطلق على الحجة وعلى صاحب ذلك وقوله على أولياء الله أخذه من قوله الذين آمنوا لقوله تعالى: و {اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ} [سورة البقرة، الآية: 257] أو من التوكل لأن من فوض أمره لله وولاه جميع أموره كان وليا له ويدل عليه مقابلته بقوله يتولونه، وقوله المؤمنين به والمتوكلين عليه إشارة إلى أنّ الأصل في الصفة الإفراد، وقوله فإنهم الخ دفع لسؤال، وهو أنه إذا لم يكن له عليهم تسلط لم أمروا بالاستعاذة منه بأنه للاحتياط د! ان كان صدوره نادراً اعتناء بحفظهم، ولذأ جعل الخطاب له صلى الله عليه وسلم كما مرّ فالمنفي ما عظم منه، والاستعاذة عن محقراته، وقيل نفي التسلط بعد الاستعاذة، وفي الكشف إن هذه الآية جارية مجرى البيان للاستعاذة المأمور بها، وأنه لا يكفي فيها مجرد القول الفارغ عن اللج إلى الله تعالى وأن اللج إليه إنما هو بالإيمان أوّلاً والتوكل ثانيا، وعلى الوجهين ظهر وجه ترك العطف. قوله: (يحبونه ويطيعونه (إشارة إلى أن تولاه بمعنى جعله والياً عليه، ومن جعل غيره واليا عليه فقد أحبه وأطاعه كقوله: {وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ} [سورة التوبة، الآية: 23] الخ، وقوله بالله الخ إشارة إلى أن الضمير راجع لربهم، والباء للتعدية(5/367)
أو للشيطان والباء للسببية ورجح باتحاد الضمائر فيه. قوله:) بالنسخ فجعلنا الآية الخ (إشارة إلى أن بذلنا مضمن معنى جعلنا لأن المبدل نفسها لإمكانها، وذكر هذا عقب الاستعاذة لأنه مما يدخل فيه الشيطان الوسوسة على الناقضين بالبداء ونحوه، وقوله لفظآ أو حكما إشارة إلى قسمي النسخ كما فصل
في محله وأو لمنع الخلو فإنهما قد ينسخان معاً، وقوله بالتخفيف أي بتخفيف الزاي وسكون النون. قوله: (من المصالح (بيان لما ينزل والباء للسببية، ولو جعلت صلة العلم صح وما ذكر بيان لحكمة النسخ ورذ الطعن بالبداء أو فائدة التبديل فإنّ الطبيب الحاذق قد يأمر المريض بشربة ثم بعد ذلك ينهاه عنها ويأمره بضدها، وقوله تأمر بشيء ثم يبدو لك إشارة إلى وجه الطعن بالبداء، ولم يقولوا يأمر الله، وينهي بناء على زعمهم في أنه افتراء. قوله: (اعتراض) قدم الاعتراض لأن الحالية لا تخلو من الاعتراض، وفيه التفات، والسند قولهم يأمر بشيء ثم ينهي عنه فإنه لجهلهم يقتضي البداء الذي لا يليق بالحكيم، ويعني بهذا أنه منزل من عندي لا تقوّل عليئ، وقوله حكمة الأحكام أي في تبدلها. قوله: (كقولهم حاتم الجود) قيل المراد حاتم الجواد فأضيف للمبالغة في كثرة ملابسته له ورذ بأنه قال في الكشف في الصافات في رب العزة أنه أضيف لاختصاصه بها كحاتم الجود وسحبان الفصاحة وليس الإضافة فيه، ولا في نحو رجل صدق من إضافة الموصوف للصفة على جعله نفس الصدق مبالغة وذكر ثمة وجهاً آخر لا يناسب هنا (قلت (ما ارتضاه الفاضل وجه وجيه، وليس هو أبا عذرته قال الرضي في باب النعت هم كثيرا ما يضيفون الموصوف إلى مصدر الصفة نحو خبر السوء أي الخبر السيىء ورجل صدق أي صادق اهـ، وقوله بالتخفيف أي بسكون الدال. قوله: (تنبيه على أن إنزاله مدرجاً الخ (قوله مدرجا بصيغة المفعول أي بالتدريج، وهو مقابل الدفعي وهو إشارة إلى الفرق بين الإنزال والتنزيل، وقد مر تفصيله يعني أنه لم ينزل دفعة واحدة بل دفعات على حسب المصالح الدينية، والمصالح تختلف باختلاف الأزمان فكم من شيء يلزم في وقت ويمتنع في آخر فكونه كذلك مما يؤيد صحة النسخ وحسنه فلذلك اختار صيغة نزل هنا دون أنزل لمناسبته لمقتضى المقام فقوله على حسب المصالح خبر أن وبما يقتضي بدل منه أو حال من الضمير المستتر في مدرّجاً وبما الخ خبر، وقوله بما بالباء السببية، وفي نسخة مما وليس الإنزال التدريجي هنا مخصوصاً بالناسخ والمنسوخ كما قيل بل شامل له، وقوله ملتبسا الخ إشارة إلى أنّ الباء للملابسة، وأنّ الحق بمعنى الحكمة والصواب المقتضي للتبديل. قوله: (ليثبت الله
الذين آمنوا الم يؤوّله بقوله ليبين الله ثباتهم كما أوّله به غيره لأنه لا حاجة إليه إذ التثبيت بعد النسخ لم يكن قبله فإن نظر إلى مطلق الإيمان صح، وقوله وأنهم عطف تفسيري وفي نسخة فإنهم بالفاء وهي أولى، وقوله المنقادين تفسير للمسلمين بمعناه اللغوي ليفيد بعد توصيفهم بالإيمان. قوله: (وهما معطوفان على محل ليثبت) وجوّز المعرب العطف على لفظه لأنه مصدر تأويلا وقد مر نظيره في قوله لتركبوها وزينة على القراءة المشهورة مع وجوه أخر فيه لكن المصنف رحمه الله حكاه بقيل هناك مضعفاً له وهنا ساقه على وجه يقتضي ارتضاءه له فبين كلاميه تناف، ويدفع بالفرق بينهما فإن ثمة اختلافاً في الفاعل مجوّزاً للصراحة في أحدهما دون الآخر فهو نظير زرتك لتكرمني، واجلالاً لك وهذا نظير زرتك لأحدّثك، واجلالاً لك فالتضعيف راجع إلى التوجيه، واليه أشار المصنف رحمه الله تعالى بقوله أي تثبيتا وهداية، وبشارة فهو راجع إلى اتحاد فاعل الفعل المعلل وعدمه نعم يبقى الكلام على الاتحاد في وجه ترك اللام في المعطوف دون المعطوف عليه، ويوجه بأن المصدر المسبوك معرفة على ما تقرر في العربية والمفعول له الصريح، وان لم يجب تنكيره كما عزى للرياشي فخلافه قليل كقوله: وأغفر عوراء الكريم ادّخاره
ففرق بينهما تفننا وجريا على الأفصح فيهما، والنكتة فيه أنّ التثبيت أمر عارض! بعد حصول المثبت عليه فاختير فيه صيغة الحدوث مع ذكر الفاعل إشارة إلى أنه فعل لله مختص به بخلاف الهداية، والبشارة فإنها تكون بالواسطة، وأمّا الدفع بأن وجود الشرط مجوّز لا موجب والاختيار مرجح ما فيه من فائدة بيان جواز الوجهين فلا يصح وجها عند التحقيق. قوله: (وفيه تعريض بحصول أضداد دّلك لغيرهم) في الكشف إن هذا لأنّ فوله نزله الخ، جواب لقولهم إنما أنت مفتر فيكفي فيه قل نزله(5/368)
روج القدس فالزيادة لمكان التعريض، وأفاد سلمه الله أنّ قوله نزله روح القدس من ربك بدل أنزله الله فيه زيادة تصوير على جواب الطعن بأحسن وجه فإن الحكمة تقتضي التبديل فهو من الأسلوب الحكيم، وفيه نظر.
قوله: (يعنون جبراً الرومي الخ) جبر بفتح الجيم وسكون الباء الموحدة، والراء المهملة،
وهذه الرواية أنسب بإفراد الذي، والحضرمي بالضاد المعجمة نسبة إلى حضرموت واسمه على
ما ذكره السهيلي في الإعلام عبد القه بن عماد وله من الأولاد العلاء وعمر وعامر والعلاء أسلم وصحب النبي رسول الله صلى الله عليه وسلم على القول بأنهما " غلامان روميان جبر ويسار " كضد اليمين فالذي للجنس، وقوله كانا يصنعان السيف الأولى السيوف كما في الكشاف وعائش بدون هاء مذكر عائشة اسم الغلام المذكور، وقيل اسمه يعيش، وحويطب بالحاء والطاء المهملتين تصغير حاطب وهو جامع الحطب، وقوله وكان صاحب كتب أي كان له دراسة وعلم بالكتب القديمة كالإنجيل. قوله: (وقيل سلمان الفارسي) ضعفه لما في حواشي الكشاف من أنّ هذه الآية مكية وسلمان أسلم بالمدينة وكونها إخباراً بأمر مغيب لا يناسب السياق ورواية أنه أسلم بمكة، واشتراه أبو بكر رضي الله عنه وأعتقه بها ضعيفة لا يعوّل عليها كاحتمال أن هذه الآية مدنية. قوله: (لغة الرجل الخ) إشارة إلى أنّ اللسان هنا بمعنى التكلم مجازاً لا الجارحة المعروفة، وهو مجاز مشهور وقوله يميلون قولهم عن الاستقامة إليه أي ينسبون إليه التعليم، وفيه إشارة إلى أنّ مفعوله محذوف، وأصل معنى لحد وألحد أمال ومنه لحد القبر لأنه حفرة مائلة عن وسطه ولحد القبر حفره كذلك وألحده جعل له لحداً ولحد بلسانه إلى كذا مال، وقوله من لحد القبر بصيغة الماضي أو المصدر ووجه الأخذ ما مر، ولحده وألحده لغتان فصيحتان مشهورتان وليستا كصذه وأصده لأنّ أصده غير مشهورة الاستعمال فليس فيما مر في سورة إبراهيم من أن قراءة الحسن يصدون من أصده منقولاً من صد صدوداً غير فصيحة لأنّ في صده مندوحة عن تكلف التعدية ما يقتضي أنّ قراءة غير حمزة والكسائي ليست بفصيحة كما توهم، وقولهم لسان أعجمي يعني أنه صفة موصوف مقدر، وقوله غير بين تفسير لأعجمي لمقابلته بقوله مبين، وقوله ذو بيان وفصاحة الفصاحة تؤخذ من ذكر هذا الوصف بعد توصيفه بالعربية فإنه يقتضي أنه قوي البيان لا تعقيد فيه، ولا لكنه فتأمل. قوله: (والجملتان مستانفتان الخ) استئناف نحوي أو بياني فلا محل لهما من الإعراب، وفي البحر أنهما حال من فاعل يقولون أي يقولون هذا، والحال أنّ علمهم بأعجمية هذا البشر، وعربية هذا القرآن كان ينبغي أن يمنعهم عن مثل هذه المقالة كقوله أتشتم فلانا، وقد أحسن إليك، وإنما ذهب الزمخشري إلى الاستئناف لأنّ مجيء الاسمية حالاً بدون واو شاذ عنده، وهو مذهب مرجوح تبع فيه الفراء وقد مر تفصيله. قوله: (وتقريره (أي تقرير النظم أو تقرير إبطال الطعن، وقوله بأدنى تأمل من قوله مبين، وتلقفه بالفاء
أي أخذ.، وتناوله منه، وما اسم يكون ومنه خبرها أي مأخوذاً منه وقيل اسم يكون ضمير القرآن وما خبر له وضمير منه للبشر وقوله هب أنه أي قدر ذلك الوصف وأفرضه، وهذا التركيب كما في الحديث: " هب أن أبانا كان حمارا) وقد بيناه في شرح الدرة وحاصلهما مغ تعلمه منه مع سنده، ثم تسليمه باعتبار المعنى إذ لفظه مغاير للفظ ذلك البشر بديهة فيكفي دليلاً له ما أتى به من اللفظ المعجز، وقوله في بعض أوقات مروره استبعاد لتعلم مثل هذا الأمر الجليل في وقت قليل بلفظ يسير عجمي لا سيما مع احتمال أنّ السامع والمتكلم لا يعرفان معنى ذلك فهذا مما يكذبه العقل السليم وقوله معجز باعتبار المعنى لاشتماله على المغيبات. قوله: (لا يصدقون أنها من عند الله) فسره به بقرينة قوله إنما أنت مفتر، وقوله إلى الحق الظاهر أنه تقدير للمتعلق إمّا عامّا شاملا لما هو منج لهم، ولغيره فإنّ من الحق ما لا ينجيهم كالإقرار ببعفالرسل والشرائع القديمة السابقة أو خاصاً كالإيمان بمحمد! يهشي! ونحوه أو الجنة فالتغاير بين التفاسير المأثورة ظاهر فليست أو للتخيير في التفسير لأنّ الحق هو الصراط المستقيم الذي من سلكه نجا كما قيل، ومعنى لا يهديهم أن سبب عدم إيمانهم هو أنه تعالى لا يهديهم لختمه على قلوبهم أو عدم هدايتهم مجازا لعدم إيمانهم بأنّ تلك الآيات من عنده تعالى، وقيل الحق ما هو حق عند الله وهو الإيمان، والنجاة هي النجاة عن العقاب، وفيه تنبيه على أنّ الهداية كما تضاف إلى نفس الحق تضاف إلى طريقه(5/369)
والأولى أن يقول أو إلى سبيل الحق لكنه أضاف السبيل إلى لازمه، وهو النجاة، ولا يخفى أنه تعسف نحن في غنى عنه بما سمعته فتأمل. قوله: (إلى الجنة) قيل هو تفسير للمعتزلة مناسب لأصولهم، وفيه نظر وقوله هددهم التهديد بما ذكره في هذه الآية وإماطة الشبهة قد مر في قوله لسان الذي الخ وقوله قلب الأمر عليهم إشارة إلى أنّ في الآية قصر قلب والمعنى إنما يفتري هؤلاء لا هو وقوله لأنهم لا يخافون عقابا يردعهم لعدم تصديقهم بوعيده ومن لا يخاف العقاب يجترئ على الكذب. قوله:
(إشارة إلى الذين كفروا أو إلى قريش (أما كونه إلى الكافرين مطلقاً فلسبقهم في قوله الذين لا يؤمنون ويدخل فيهم قريش دخولاً أوّليا، وأمّا كونه لقريش فلأن السياق فيهم، وهم القائلون إنما أنت مفتر كأنه بعد تمهيد مقدمة كلية هي إن الذين يفترون كاذبون صرح بما هو كالنتيجة له، وهو أنّ قريشا كاذبون فلا استدراك في الكلام على هذا فاقا إذا كان إشارة إلى الذين كفروا فيدفع الاستدراك بأنّ المراد بالكاذبين الكاملون في الكذب، والتعريف جنسيئ على ما مر تحقيقه في أولئك هم المفلحون أو المستمرّون على الكذب أو يقيد اأممذب فهذه الوجوه الثلاثة إذا كان أولئك إشارة إلى الذين لا يؤمنون على ما حققه الشارح العلامة. قوله:) أي الكاذبون على الحقيقة الخ (شروع في دفع الاستدراك، والتكرار وتوجيه للحصر المستفاد من الضمير وتعريف الطرفين ومعنى قوله على الحقيقة أي الكاذبون حقيقة، وفي نفس الأمر لا بحسب الزعم والإسناد الواقع منهم في قولهم إنما أنت مفتر ومآله إلى الحصر الإضافي، وهذا على عموم المشار إليه على ما صرح به شراج الكشاف وجوز إرجاعه إلى كون الإشارة لقريش أو إليهما والإشكال بأنّ أحد الحصرين مناف للآخر مدفوع بأن معنى حصره في الكفرة عدم تجاوزه عنهم إلى غيرهم، وهو لا يقتضي وجوده في كلهم والفائدة في ضم قريش الموصوفين به، والحكم على الكل الإشارة إلى أنّ منشأ التكذيب الكفر المشترك بينهم، وأن من لم يكذبه منهم في قوة المكذب مستحق لما يستحقه مع أنّ الظاهر أنّ هذا الإشكال لا ورود له رأساً لأن الحصر على الوجوه الأربعة غير حقيقي فلا ينافي آخر مثله فتأمل. قوله:) أو الكاملون في الكذب (هذا هو ثاني الوجوه الأربعة، والتعريف للجنس الادعائي بجعل ما عداه كأنه ليس بكذب بالنسبة إليه على ما مر، وهذا أبلغ من جعله للعهد كما مر، وقوله أو اللذين عادتهم الكذب كما تدل عليه الاسمية، ولذا عطف على الفعلية وبه اندفع الاستدراك لأنه كقولك كذبت يا زيد وأنت كاذب يعني أنّ عادتهم الكذب فلذلك اجترؤوا على تكذيب آيات الله لأنه لا يصدر مثله إلا ممن عرف بالكذب، وفيه قلب حسن لأنه إشارة إلى أنّ قريشا لما كان عادتهم الكذب أخذوا يكذبون بآيات الله ومن أتى بها حتى نسبوا من شهد له بالأمانة، والصدق إلى الافتراء وقوله أو الكاذبون في قولهم إنما أنت مفتر فهو تقييد للكذب. قوله: (بدل من الذين لا يؤمنون الخ) أي بدل من الذين لا يؤمنون بآيات الله في قوله إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله، وقوله وأولئك هم الكاذبون اعتراض أي بين البدل والمبدل منه كما في الكشاف، واعترض عليه أبو حيان وغيره من المعربين بأنه يقتضي أنه لا يفتري الكذب إلا من كفر بعد إيمانه والوجود يقتضي أن من يفتري الكذب هو الذي لا يؤمن مطلقأ، وهم أكثر المفترين وأيضا البدل هو
المقصود والآية سيقت للرد على قريش وهم كفار في أصلهم وأجيب تارة بأنّ المراد بعد تمكنهم من الإيمان كقوله: {اشْتَرُوُاْ الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَى} [سورة البقرة، الآية: 16] كما مر تحقيقه وردّ بأنّ قوله إلا من كره يأباه ودفع بأنّ التمكن منه أعم من التمكن من إحداثه وابقائه ولا يخفى ما فيه من التكلف وتارة بأن المعنى من وجد الكفر فيما بينهم بعد الإيمان تعييرأ على الارتداد أيضاً بجعله كأنه صدر! هم لارتضائهم له كبنو فلان فتلوا قتيلأ وتارة بأنّ المراد من بعد تصديقه بآيات أدئه وأيد بأنه مناسب للمبدل منه، وكون المشار إليه أهل مكة الذين جحدوا بها واستيقنتها أقسهم، ولا يخفى ما في هذا كله، وأنه غير ملائم لسبب النزول، ولك أن تقول أقرب من هذا كله أن يبقى الكلام على ظاهره من غير تكلف، وأنّ هذا تكذيب لهم على أبلغ وجه كما يقال لمن قال إن الشمس غير طالعة في يوم صالح هذا ليس بكذب لأنّ الكذب يصدر فيما قد تقبله العقول، ويكون هذا على الوجه الأوّل، وهو قوله لا يهديهم إلى الحق فالته تعالى لما لم(5/370)
يهدهم إلى الحق والصدق، وخثم على حوأسهم نزلوا منزلة من لم يعرفه حتى يساعده لسانه على النطق به فقبح إنكارهم له أبئ من أن يسمى كذباً، دمانما يكذب من تعمد ذلك ونطق به مرة فتكون الآية للردّ على قريش صريحأ والأخرى دلالة على أبلغ وجه فتأمّل، وقوله أو من أولئك أو من الكاذبون يرد عليه ما ورد على ما قبله والكلام السابق يجري فيه برمته، وقيل إنّ هذا على أن يكون المشار إليه قريشاً فلا يرد اعتراض أبي حيان بناء على أنّ الإشارة إلى الذين لا يؤمنون إذ هو يقتضي حصر افتراء الكذب في المرتدين، والواقع خلافه على أنه قد عرف المخلص منه، وإذا كان بدلاً من الكاذبون يكون المعنى قريش هم الكاذبون بعد إيمانهم، ولا يخفى (نّ جملتهم ليسوأ كذلك، وجوابه ما مر وفيه بحث. قوله:) أو مبتدأ خبره محذوف الخ) أي من مبتدأ خبره محذوف، وهو عليه غضب الله بقرينة ما ذكره ومن موصولة على هذا، وقوله بالذم أي كلام مقطوع عما قبله قصد الذثم بتقدير أعني أو أذم والقطع للمدح والذم، وان تعورف في النعت ومن لا يوصف بها لكن لا مانع من اعتباره في غيره كالبدل، وقد نص عليه سيبويه، والجواب المحذوف تقديره فعليه كضب الله كما مر! أذا كانت شرطية فهي مبتدأ أيضاً، والكلام في خبرها شهور. قوله: (دل عليه قوله إلا من كره) كذا في بعض النسخ، وهو ساقط في أكثرها، وقد قيل في توجيه هذه النسخة مع أنّ الدالّ عليه بحسب الظاهر قوله فعليهم غضب كما أنه هو الدال على الخبر أيضأ أن مبناها على أعتبار تقديم تقدير الجواب على الاستثناء كما في الكشاف ليكون الحكم المخرج عنه المستثى ما تضمنه الجواب أعني الغضب لا ما تفمنه الشرط أي الكفر والفرق بينهما (نه يلزم على الأوّل أن يكون إجراء كلمة الكفر على اللسان مكرهاً محظورا مرخصأ لكن لم يترتب عليه حكمه، وهو العذاب وألمحضب، وعلى الثاني لم يكن محظورا حيث لم يكن كفراً والأول هو المحختار لكن قوله صلى الله عليه وسلم
كلا إنّ عمارا رضي الله عنه ملىء إيمانا يؤيد الثاني إلا أن يؤوّل الرح بعدم إصراره ثم إنه لا فرق بين الجواب، والخبر في هذا إلا أنه ذكر لكل منهما دليلاً تنبيهاً على جريان كل من الدليلين في كل منهما كذا قيل، ولا يخفى ما فيه من التعسف إذ ليس في كلامه ما يدل على تقديره مقدما أو مؤخرا، وما تثبتوا به أو هن من بيت العنكبوت وما ذكره من الفرق غير مسلم كما ستسمعه عن قريب فالظاهر أن هذه النسخة على تقدير صحتها المراد منها أن ما ذكر إلى آخر الآية دليل للجواب لتضمته له، ومثله من التسمح كثير لم! هل أو ضمير عليه يعود على كونه شرطاً فإنه صريح في العموم بخلاف الموصول فانه يحتمله كما يحتمل العهد والاستثناء معيار العموم. قوله: (على الافتراء أو كلمة الكفر) تقدير لما يدل عليه الكلام وقيل إنّ الأوّل مبنيّ على أن من كفر بدل من الذين لا يؤمنون، وقوله استثناء متصل لأن الكفر التلفظ بما يدل عليه سواء طابق القلب أو لا فيدخل فيه ما ذكروا العقد بمعنى اعتقاد القلب لأن أصل معناه الربط، ثم استعمل في التصميم واعتقاد القلب الجازم، وقال لغة تبعا للإمام الراغب إمام أهل اللغة فإنه قال في مفرداته كفر فلان إذا اعتقد الكفر، ويقال ذلك إذا أظهر الكفر وان لم يعتقده اهـ، وأمّا إطلاقه شرعا على من تلفظ به مع القرينة الدالة على أنه لم يعتقده كالإكراه فغير مسلم فمن قال الأولى ترك قوله لغة فإن من تكلم بكلمة الكفر يجعل شرعاً كافراً فقدوهم، وظاهره أنه مستثنى من قوله إلا من كفر، وقيل إنه مستثنى مقدم من قوله فعليهم غضب، وقيل من الجزاء والجواب المقدر ولذا قدره في الكشاف قبل الاستثناء، وكلام المصنف رحمه الله محتمل له أيضاً. قوله: (لم تتغير عقيدته) أصل معنى الاطمئنان سكون بعد انزعاج، والمراد هنا السكون والثبات على ما كان عليه بعد انزعاج الإكراه، وقوله وفيه دليل الخ حيث أطلق الإيمان على مجرد ما في القلب في قوله بالإيمان، وأورد عليه أنه لا يلزم منه كون ذلك حقيقة الإيمان لأن من جعل الإقرار ركنا قال إنه ركن يحتمل السقوط إذا منع منه مانع من خرس أو إكراه (قلت) هذا اختلاف لفظي لأنه إذا لم يعتبر إذا وجد المانع كان التصديق وحد. إيماناً حينئذ فتأمل. قوله تعالى: ( {وَلَكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا0020} ) الاستدراك على الإكراه لأنه ربما يتوهم أنه مطلق وقوله: {وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ} لا يدفعه فتامل ومن إما شرطية أو موصولة لكن إذا جعلت شرطية قال أبو حيان وحمه الله تعالى: لا بد من تقدير(5/371)
مبتدأ بعدها لأنّ لكن لا تليها الجمل الشرطية وردّه المعرب ويؤيده قوله:
ولكن متى يسترفد القوم أرفد
والتقدير فيه غير لازم وتوله إذ لا أعظم من جرمه الغ، وهو التصميم على قبول الكفر،
وأما أنه أعظم منه كفر يضم إليه منكر آخر كالصد عن سبيل الله فليس بشيء لأنّ الأعظمية بالنسبة لغيره وحده لا معه فلا وجه لما قيل الأظهر أن يقول بعظم جرمه، والمراد أنّ عظم عذابه لعظم جرمه فجوزي من جن! عمله. قوله: (روي أنّ قريشاً الخ) خرج هذا الحديث ابن حجر رحمه الله تعالى على اختلاف في طرقه وألفاظه وسمية بالتصغير أم عمار رضي الله تعالى عنهما وقوله بين بعيرين أي شجوها بينهما، وقوله وجيء بضم الواو، وكسر الجيم ثم همزة مبنيّ للمجهول من وجأه بمعنى طعنه والجار والمجرور نائب الفاعل، وروي أن الذي قتلها أبو جهل لعنه الله وقوله من أجل الرجال أي رغبة في جماعهم فلذا طعنت في قبلها لزعمهم الفاجر، وقوله أعطاهم الخ فيه مجاز لطيف كأنه فداء له، وقوله ما لك أي ما لك تبكي وتجزع من ذلك. قوله: (فعدلهم بما قلت) (2) ذكره في الهداية بلفظ فعدلهم دون قوله بما قلت، ويؤيد ما رواه المصنف رحمه الله تعالى ما رواه الحاكم، وغيره وصححه من أنه قال له فقل لهم، وفسره في الهداية بأنّ معناه عد إلى طمأنينة القلب لا إلى إجراء كلمة الكفر والطمأنينة معاً لأن أدنى درجات الأمر الإباحة فيكون إجراء كلمة الكفر مباحا، وليس كذلك لأنّ ألكفر مما لا تزول حرمته كما بين في الأصول، وقال الرازي: إنّ الأمر للإباحة، وقولهم الكفر مما لا تنكشف حرمته صحيح لكن الكلام في إجراء كلمة الكفر مكرها لا في الكفر نفسه، وتعقب في حواشي الهداية بأنّ إجراء كلمة الكفر كفر وان كان مكرهاً غايته أنه لا يترتب عليه حكم الكفر وأورد على قولهم أدنى درجات الأمر الإباحة بأنّ الإمام النسفيّ رحمه الله
تعالى صزح بأن أدنى درجاته الترخيص، وهو لا يقتضي الإباحة كالحنث في اليمين على ما هو خير، وأورد على تأويل الهداية أنه لا معنى لأمره بالعود إلى الطمأنينة، وهي لم تزل، وليس بشيء لأن المراد الثبات عليها والعود إلى جعلها نصب عينه قال الجصاص: الإكراه المبيح أن يخاف على نفسه أو بعض أعضائه التلف إن لم يفعل مع أخطاره بباله أنه لا يريده فإن لم يخطر بباله كفر، وقوله لما روي تعليل لأفضلية التجنب ومسيلمة بكسر اللام لوقوعها بعد ياء التصغير والفتح غلط، وقوله أخذ برخصة الله دليل لما مرّ عن النسفي، وقوله صدع بالحق أي صرّح به وأظهره استعارة من الصدع يعني الشق كقوله: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ} [سورة الحجر، الآية: 194 وليس هذا إلقاء للتهلكة بل هو كالقتل في الغز، وكما صرّح به. قوله: (أو الوعيد) وهو قوله فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم فوحد الإشارة على هذا لأنها لا يشار بها إلى متعدد أو لتأويله بما ذكر أو بالوعيد كما أشار إليه المصنف رحمه الله تعالى وقوله آثروها بالمد أي اختاروها وقدّموها وفسره به إشارة إلى تعدي الاستحباب بعلى لتضمنه معنى الإيثار. قوله: (الكافرين في علمه إلى ما يوجب ثبات الإيمان (إلى متعلق بيه! ي والقيد الأوّل ظاهر لأنّ من لم يعلم بقاءه على الكفر يهديه والثاني ليدخل فيه من ارتد ودام على ذلك وبه يرتبط النظم أتم ارتباط، وتحقيق الطبع قد تقدم، وقوله الكاملون في الغفلة فسرح له لتتم فائدته بعد ذكر الطبع، وقوله إذ أغفلتهم أي أوقعتهم في الغفلة الحالة الراهنة أي الحالة الراهنة عندهم مما هم عليه من زخرف الدنيا قال السمين في مفرداته أصل معنى الرهن الحبس، ومنه الحالة الراهنة أي الثابتة الموجودة اهـ، ومنه قول الفقهاء والحالة الراهنة هذه وهو استعمال فصيح سائغ، وفي بعض النسخ الواهنة وهو من تحريف جهلة النساخ. قوله: الا جرم أنهم في الآخرة هم الخاسرون (وقال في آية أخرى الأخسرون لاقتضاء المقام أو لأنه وقع في الفواصل هنا أعتماد الألف كالكاذبين، والكافرين فعبر به لرعاية ذلك، وهو أمر سهل، وقوله ضيعوا أعمارهم جعل الأعمال بمنزلة رأس المال على طريق الكناية بقرينة الضياع والخسران كما قال الشاعر:
إذا كان رأس المال عمرك فاحترس عليه من الإنفاق في غير واجب
ومن غفل عن هذا قال الأولى أن يقول ضيعوا رؤوس أموالهم. قوله: (عذبوا) يشير إلى
انّ أصل الفتنة(5/372)
في اللغة إدخال الذهب النار لتظهر جودته من رداءته كما قال الراغب، ثم تجوّز به عن البلاء، وتعذيب الإنسان، وقوله بالولاية والنصر تفسير لمعنى اللام الداخلة على النفع، ومتعلق بها أو بما تدل عليه وفيه إشارة إلى أنّ قوله للذين هاجروا خبر أنّ أي هو كائن لهم لا عليهم، وقيل إنه متعلق بالخبر على نية التقديم والتأخير والخبر لأنّ الأولى والثانية مكرّرة للتأكيد أو للثانية، وخبر الأولى مقدر، وقوله وثم لتباعد حال هؤلاء يعني أنها للتفاوت والتباعد في الرتبة مجازا لا للتراخي الحقيقي إذ أمرهم في الآخرة مؤخر فمقتضى الظاهر العكس، وقوله من بعدما عذبوا مرّ بيانه، وفسر فتنوا على هذه بوقعوا في الفتنة فإنه ورد لازماً ومتعديا. قوله: (على الجهاد الخ) يعني متعلقه إمّا خاص بقرينة أو عام، وقوله من بعد الهجرة والجهاد، والصبر يعني أنّ الضمير راجع لما قبله وأنث باعتبار المذكورات، ولو زاد الفتن كان أظهر وتركه لدخوله في الصبر، وقوله منصوب برحيم أي على الظرفية، ولا يضرّ تقييد الرحمة بذلك اليوم لأن الرحمة في غيره تثبت بالطريق الأولى، وهذا أحسن لارتباط النظم به ومقابلته لقوله: {فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ} . قوله: (تجادل عن ذاتها) هو إشارة إلى ما في الكشاف من أن الضمير للنفس فيكون تقديره نفس النفس، وفيه إضافة الشيء لنفسه قال في الكشف النفس الأولى هي الدّات، والجملة أي الشخص بإجزائه كما في قولك نفس كريمة، والثانية ما يؤكد به ويدلّ على حقيقة الشيء وهويته والفرق بينهما أنّ الإجزاء ملاحظة في الأوّل دون الثاني، والأصل هو الثاني لكن لعدم المغايرة بين الذات وصاحبها استعمل بمعنى الصاحب ثم أضيف الذات إليه فوزان كل نفس وزان كل أحد، وفي الفرائد المغايرة شرط بين المضاف، والمضاف إليه لامتناع النسبة بين منتسبين فلذا قالوا يمتنع إضافة الشيء لنفسه إلا أنّ المغايرة قبل الإضافة كافية، وهي محققة هنا لأنه لا يلزم من مطلق النفس نفسك، ويلزم من نفسك مطلق النفس فلذا صحت الإضافة، وان اتحدا بعدها ولذا جاز عين الشيء وكله ونفسه بخلاف أسد الليث وحيس المنع فتأمل. قوله: (وتسعى في خلاصها) بيان للمراد من المجادلة، والاعتذار بنحو هؤلاء أضلونا وما كنا مشركين، وقوله فتقول نفسي نفسي معمول لمقدر كنج، وهو بيان لعدم الاهتمام بشأن غيرها إذ لم يقلى ولدي وأبي وأمي ونحوه لا للمجادلة وهو ظاهر، وهذه العبارة وردت بعينها في الحديث (1) وقوله جزاء ما عملت يعني أنه تجوّز يجعل الجزاء كأنه عين العمل
أو فيه مضاف مقدر. قوله: (لا ينقصون أجرهم) إن أريد بجزاء ما عملت العقاب، وبهذا الثواب فلا تكرار فيه، ت وإن كان الأوّل أعم يكون هذا تكراراً للتأكيد، ولذا قيل الأولى تفسيره بأنهم لا يظلمون بزيادة العقاب أو بالعقاب بغير ذنب إلا أن يقال هذا أولى لأنه لما ذكر مجازاة ذنبها توهم إحباط عملها فدفع بهذا أي توفي جزاء عملها كله من خير وشرّ. قوله: (جعلها مثلاَ) أي جعل القرية التي هذه حالها مثلا، والمراد أهلها مجازاً أو بتقدير مضاف فضمن ضرب معنى جعل وقرية مفعول أوّل ومثلاً مفعول ثان، وقد مرّ تفصيله، وقوله لكل قوم أي هذا المثل ضرب لكل قوم كانوا بهذه الصفة من غير تعيين أو لقوم مخصوصين وهم أهل مكة كما أشار إليه بقوله أو لمكة أي لأهلها والقرية إمّا مقدّرة بهذه الصفة غير معينة إذ لا يلزم وجود المشبه به أو معينة من قرى الأوّلين، وقوله من نواحيها بيان لمكان. قوله: (جمع نعمة على ترك الاعتداد بالتاءا لأنّ المطرد جمع فعل على أفعل لا فعلة، ونعم بضم النون بمعنى النعمة أو اسم جمع للنعمة كما قاله الفاضل اليمني. قوله: (استعار الذوق الخ الما كان المتبادر أنّ الإذاقة واللباس هنا استعارتان إذ معناهما الحقيقي غير مرأد وفي إيقاع إحداهما على الأخرى خفاء ذهب الزمخشريّ، وتبعه المصنف رحمه الله تعالى إلى ما ذكر، وحاصله على ما قرره في الكشف أنّ الإذاقة استعيرت للإصابة وأوثرت للدلالة على شدة التأثير التي تفوت لو استعملت الإصابة وبين العلاقة بأنّ المدرك من أثر الضرر شبه بالمدرك من طعم المر البشع، ووجه الشبه بينهما الكراهة، والنفرة فهو من باب استعارة المحسوس للمعقول، وإنما قدم الزمخشريّ أنها جرت مجرى الحقيقة ليفرع عليه أنّ إيقاعها على اللباس تجريد فلا فرق بين إذاقها إياه، وأصابها به على ما حقق من أنّ التجريد إنما يحسن أو يصح بالحقيقة أو ما ألحق بها(5/373)
من المجاز الشائع فكان على المصنف رحمه الله تعالى أن لا يهمله، وأمّا الاعتراض عليه بأنه لولاه لم يظهر كونه ملائما للمستعار له لأنّ حدوث الاستعارة في هدّا يستدعي أن يكون لباس الجوع قرينة الاستعارة لعدم ما يصلح قرينة لها غيره فكيف يتأتى التجريد فمدفوع بأنه مبنيّ على أنّ التجريد
لا يكون قرينة مع أنه حينئذ يجعل القرينة إيقاعه على اللباس واللباس استعير لما غئيه من أثر الجوع والخوف، وهو ضررهما والغاشي هو الضرر لا الجوع، والخوف والا كان لباس الجوع كلجين الماء، وحينئذ تبين وجه إيقاع الإذاقة على اللباس إذ المعنى فأذاقهم ما غشيهم من ضرر الجوع والخوف، وظهر وجه إيثار التجريد على الترشيح لأنّ الإذاقة تفيد ما لا تفيده الكسوة من التأثير والإدراك وأوثر اللباس على الطعم للدلالة على الشمول والإذاقة على الكسوة للدلالة على التاثير والتأثر الموجب لقوة الإدراك، وهذا أولى مما في المفتاح من حمل اللباس على رثاثة الهيئة، وتغير اللون اللازمين للجوع، والخوف إذ لا يحسن موقع الإذاقة وتكون الإصابة أبلغ موقعا يعني أنه حينئذ اسنعارة محسوس لمثله فتفوت المبالغة التي اختير لأجلها الإذاقة إيهاما للعلة، وقال المحقق في شرح التلخيص الذي يلوج من كلام القوم إنّ في هذه الآية استعارتين إحداهما تصريحية، والأخرى مكنية فإنه شبه ما غشي الإنسان عند الجوع والخوف من أثر الضرر من حيث الاشتمال باللباس فاستعير له اسمه، ومن حيث الكراهية بالطعم المرّ البشع فيكون استعارة مصرّحة نظرا إلى الأوّل ومكنية نظراً إلى الثاني، وتكون الإذاقة تخييلاً، وتحقيق ذلك أنّ الاستعارة بالكناية إن كانت تشبيها مضمراً في النفس فلا مانع من كون المشبه في التشبيه مذكوراً مجازاً، وان كانت المشبه به المرموز إليه المستعار للمشبه فلا مانع أيضاً في ذلك من ذكر المشبه مجازاً وان كانت المشبه المستعار للمشبه به كما هو مذهب السكاكيّ فصحته تدور على صحة الاستعارة من المستعار فإن صحت صح والا فلا ولذا قال المدقق في الكشف أنّ الحمل على التخييل ضعيف لا يلائم بلاغة التنزيل فكونه منزع القوم هنا لا يخلو من التأمل كيف، وقد ذهب شيخنا الصناعة إلى خلافه، وقوله من الجوع، والخوف من هنا ابتدائية أو سببية أي ما غشيهم ناشئ من ذلك أو حاصل بسببه لا بيانية والا كان لباس الجوع تشبيها كلجين الماء كما مر، وقد جوّزه شرّأح المفتاح في النظم، واعلم أنّ السكاكيّ جعل هذه الاستعارة من الاستعارات المحتملة للتحقيق والتخييل فقال الذي يظهر من لفظ اللباس عند الأصحاب بتأملهم فيه هو الحمل على التخييل بأنه يشبه الجوع في التأثير بذي لباس قاصد للتأثير مبالغ فيه فيخترع له صورة كاللباس ويطلق عليها اسمه الموضوع لما هو متحقق، ويحتمل عندي أن يحمل على التحقيق، وذلك بأن يستعار لما يحيط بالإنسان عند جوعه من تغير لونه، ورثاثة هيئته فيكون استعارة المحسوس للمحسوس، واعترض بأنّ الحمل على التخييل لا يلائم بلاغة القرآن لأن الجوع إذا شبه بالمؤثر القاصد الكامل فيما تولاه ناسب أن يخترع له صورة ما يكون آلة للتأثير لا صورة اللباس، وهذا الاعتراض! أورده الشريف في شرح المفتاح، وتبعه الفاضل المحشي ظانا أنه وارد غير مندفع، ولا يخفى أن السكاكي ترى أن التخييلة مستعملة في أمر وهمي توهمه المتكلم شبيها بمعناه الحقيقي على ما حقق في محله فاللباس إذا كان تخييلاً يجوز أن يكون المراد به أمراً مشتملاً على الجوع اشتمال اللباس كالقحط، ومشتملاً على الخوف كإحاطة العدوّ، ونحوه فلا
وجه لقوله صورة اللباس مما لا مدخل له في التأثير، وما ادّعاه من أنه لا يناسب مع الفاعل إلا ذكر الآلة للتأثير لم يصرح به أحد من القوم ولا يتأتى التزامه في كل مكنية ألا تراك لو قلت إنّ مسافة القصر القريض ما زال يطويها حتى نزل ببابه على تشبيه المدح بمسافر أثبت له المسافة تخييلاً وما بعده ترشيحاً كانت استعارة حسنة، وليست قرينتها آلة لذلك الفاعل بل أمر من لوازمه، ولو تتبعت كلام البلغاء وجدت مثله يفوت العد، ويخرق سياج الحد مع أنه لو سلم ورد على ما اختاره فمانّ الإذاقة لا تناسب اللباس ظاهراً فتأمل.
قوله: (كقول ك! ير:
غمر الرداء إذا تبسم ضاحكا غلقت لضحكته رقاب المال)
هذا البيت من شواهد العربية، وهو من قصيدة لكثير عزة مدح بها عمر بن عبد العزيز
رضي الله تعالى(5/374)
عنه يقول إنه جواد لأنّ الغمر من الغمرة، وهي في الأصل معظم الماء وكثرته فاستعيرت للشدة والعطاء الكثير بل لكل كثير فالمعنى أنه كثير العطاء، وقيل كثير الدين لكثرة عطائه فوضع الرداء موضع الدين الذي يغمر الذمّة لأنّ كلا منهما كذلك أما الرداء فيغمر اللابس، وأما الدين فيغمر الذمة ومنه قول حكيم العرب من أراد الغنى فليخفف الردا أي ثقل الدين، وإذا تبسم ضاحكاً قيل معناه شارعاً في الضحك، وقال الفاضل اليمني معناه إذا ضحك تبسم أي إن ضحكه كله تبسم، وهو من أخلاق الكرام، والمعنى أنه إذا تبسم في وجه راجيه وجبت لهم رقاب ماله صارت لهم بمنزلة الرهن إذا غلق عند مرتهنه بأن استحقه وصار له إذا عجز الراهن عن تخليصه، وكان هذا معروفاً في الجاهلية، وإن لم يتعاقدا عليه كما في بيع الوفاء ففيه استعارة تبعية، وقال السيرافيّ معناه أنه إذا ضحك وهب ماله والمال عام لكل متموّل ويختص بالإبل في إطلاق كلامهم لأنها أكثر أموالهم فرقاب الأموال الإبل نفسها كقوله من أعتق رقبة أي عبداً، والغلق هنا بالغين المعجمة ضد الفتح، والمعروف الإحسان هنا. قوله: (النمر الذي هو وصف المعروف والنوال) نظراً إلى المستعار له كذا في الكشاف واعترض عليه بأنّ أهل اللغة نصوا على أنه يوصف به الثوب أيضاً كما يوصف به المنوال وكلاهما مجاز، وقد صرّح به في الأساس فبين كلاميه تدافع، وأجيب بأنه شاع في النوال وإن كان مجازاً فلا ينافيه استعماله في اللباس مجازا أيضاً وهذا لا يحسم مادّة الاشكال كرله إذا وصف به الثوب وأضيف إليه لم يكن تجريداً قال الفاضل اليمني بعدما قرر كلام الزمخشريّ قلت فيه عدول عن الظاهر
لأنّ الغمر ليس صفة حقيقية للنوال، والمعروف بل هو وصف للبحر المستعار أولاً للمعروف يقال غمره الماء يغمر. غمرا أي علا.، والغمر الماء الكثير فهو هاهنا تجريد للاسنعارة بعد أن كان ترشيحا وهذا المثال المستشهد به يشبه ما- في الآية في أنّ التجريد ليس تجريداً محضا انتهى وهذا هو تحقيق المقام بما تندفع به الأوهام، ونظيره من بعثنا من مرقدنا فتدبر. قوله: (ينارّعني ردائي عبد عمرو الخ) أراد بالرداء سيفه لأنه يتوشح به كما يتوشح بالرداء كما في الأساس وفي الإيضاح أنه أريد به السيف لأنه يصون صاحبه صون الرداء، والأوّل أظهر وسأل بعض الملاحدة ابن الأعرابي فقال أللتقوى لباس فقال نعم للتقوى لباس ولاباس، وإذا رحم الله الناس فلا رحم هذا الراس هب أنّ محمدا صلى الله عليه وسلم لم يكن نبيا ألم يكن عربياً، والاعتجار لف العمامة من غير إدارة تحت الحنك يقول يجاذبني سيفي الشخص المس! مى بعبد عمرو ويريد أن يأخذ. مني فقلت له رويدك أي تمهل فلي النصف الأعلى منه وهو ما كان منه بيمينه فخذ أنت النصف الآخر منه فلفه على رأسك ومعناه أنه يضر به، ومثله قول الآخر:
نقاسمهم أسيافنا شرّ قسمة ففينا غواشيها وفيهم صدورها
فالاعتجار ترشيح لاستعارة الرداء، وهو معنى قوله نظرا إلى المستعار والشطر النصف، والبعض من الشيء وقوله بصنيعهم أي مصنوعهم إشارة إلى أنّ ما موصولة والعائد محذوف أي يصنعونه، ويجوز أن تكون مصدرية، والباء سببية والضميران عائدان على المضاف المقدر في قوله ضرب الله مثلا قرية إذ تقديره قصة أهل قرية بعدما عاد إلى لفظها، وقيل إنه عائد على القرية مرادا بها أهلها فهو كقوله: {أَوْهُمْ قَالُوا} بعد قوله: {وَكَم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا} . قوله: (عاد إلى ذكرهم) بعدما ذكر مثلهم هذا مبنيّ على المختار في تفسير قوله ضرب الله مثلا قرية من أنّ القرية ليست مكة بل قرية مفروضة ضرب بها الصثل فإنها ذكرت تمثيلاً لهم بما يشبه حالهم، ثم انتقل من التمثيل لهم للتصريح بحالهم الداخلة في التمثيل فلا وجه لقول أبي حيان رحمه الله تعالى أنه يتعين أن يراد بالقرية مكة لقوله: {وَلَقَدْ جَاءهُمْ رَسُولٌ مِّنْهُمْ} وإذا أريد بها مكة فهو ظاهر المناسبة، والارتباط بما قبله. قوله: (أي حال اتجاسهأ بالظلم) بيان لأنّ الجملة الحالية ققتفي قلبسهم! وقو! ععتى--أثعامل فيها، وهو لا لنافي الاستمرار الذي لحفيل! الاسميه بل تقتضيه فلا وجه لما قيل إنّ الأظهر أن يقول حال استمرارهم على الظلم،
وقوله ما أصابهم من الجدب أي بمكة لأن السورة مكية أو وقعة بدر لتبادر القتل من العذاب، وهو لم يقع بمكة فيكون إخباراً بالغيب ولا ينافيه(5/375)
كون الماضي مجازاً عن المستقبل المتحقق وقوعه كما توهم. قوله: (أمرهم بكل ما أحل الله لهم الخ) أمر وأحل تنازعا قوله الله، وما أحل من قوله حلالاً وهو حال من مالا مما دلت عليه من التبعيضية لتكلف الحال من الحرف بلا مقتض، وخصه لأنه لا يأمر بأكل الحرام، والطيب ما يستلذ، وقد يكون بمعنى الحلال في غير هذا، ومن ابتدائية أو تبعيضية والمقصود بهذا بيان ارتباطه بما قبله بالفاء، وقوله صذاً مفعول لأجله من قوله أمرهم أي صدا لهم عن فعله بعد ذلك أو عن الاستمرار عليه، وقوله وشكر ما أنعم توطئة لما بعده وقوله حل بهم مبنيّ على التفسير الأوّل. قوله: (تطيعون الخ (يعني أن هذه مرتبطة بما قبلها، ومؤكدة له فإعا أن تحمل على الطاعة لتطابق الأمر أو تجري على حقيقتها بناء على زعمهم الكاذب من أن الآلهة مقربة لله وشفعاء عنده فعبادتها عبادة له لأنه المستحق للعبادة وما عداه ذريعة له، وإنما أوّلت بهذا لأنهم لم يكونوا يخصون الله بالعبادة. قوله تعالى: ( {إِنَّمَا حَرَّمَ} الخ (مرّ تفسيره وقوله فمن اضطر أي دعته ضرورة المخمصة إلى تناول شيء من ذلك غير باغ على مضطر آخر ولا عاد متعد قدر الضرورة وسد الرمق فالته لا يؤاخذه بذلك، وقوله ليعلم مجهول علم أو معلوم أعلم، وقوله ما عداها حل لهم بكسر الحاء بمعنى حلال، وهذا بناء على أن الأصل الإباحة، والحرمة متوقفة على الدليل، وقوله ثم أكد الخ توطئة لما بعده وإنما كان تأكيداً لأنّ الحصر يفيد أنّ المحرتم والمحلل ما حرّمه الله، وأحله فغيره كذب منهي فالتصريح بالنهي عن الكذب يؤكده ولا ينافيه العطف كما مرّ مرارأ، وقوله كما قالوا الخ مر تفسيره في الأنعام. قوله: (ومقتضى سياق الكلام) وهو النهي عن التحليل، والتحريم بعد تعديد المحرمات والحصر، وليس هذا من السكوت في موضع البيان حتى يكون بيانا لأنه نفي لما عدا ما ذكر. قوله: (1 لا ما ضم) بصيغة المعلوم أي ضمه إليها دلي! آخر من السنة، وهو استثناء من مقدر متفرّع على ما قبله أي فتنحصر المحزمات فيما ذكر إلا ما ضمه الدليل وسكت عن الخيل للاختلاف في حرمتها كما فصل في الفقه، والحمر بضمتين جمع
حمار، والأهلية هي الحمر المركوبة لا الوحشية فإن قلت كيف يضم إليها ما ذكر مع الحصر المنافي له قلت هو لا ينافيه لأنه حصر إضافيّ بالنسبة إلى ما حرموه ولأنّ المذكورات لم تحرم في الماضي فتأمّل. قوله: (وانتصاب الكذب الخ) هذا توجيه لقراءة الجمهور بكسر الذال ونصب الباء، وقد وجهت بوجوه منها هذا، وهو أنه مفعول به، وقوله هذا حلال الخ بدل منه بدل كل، وقيل إنه مفعول مطلق فلا يكون هذا بدلاً منه لأنه مقول القول، وفيه نظر لأنه يجوز أن يكون بدل اشتمال، وهذا من إبدال الجملة من المفرد قال ابن الحاجب رحمه الله تعالى، وهذا بناء على أنّ القول هل هو متعد أو لا، وما على هذا موصولة والعائد محذوف، والمعنى لا تقولوا هذا حلالط، وهذا حرام لما تصفه ألسنتكم بالحل، والحرمة فقدم الكذب عليه وأبدل منه، واللام صلة للقول كما يقال لا تقل للنبيذ أنه حلال أي في شأنه وحقه فهي للاختصاص، وسيأتي لها تفسير آخر، وفيه إشارة إلى أنه مجرد قول باللسان لا حكم مصمم عليه. قوله: (أو متعلق بتصف (أي بيان وتفسير له على إرادة القول أي تقديره بعده ليكون قوله هذا حلال وهذا حرام مقولاً ومعمولاً له والجملة مبينة ومفسرة لقوله تصف الخ لتصديرها بالفاء التفصيلية كما في قوله: {فَتُوبُواْ إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ} [سررة البقرة، الآية: 54] كما ذكره المصنف رحمه الله تعالى ويحتمل أنه بيان لحاصل المعنى بلا تقدير وقيل إنه بتضمين القول أي قائلين ذلك واللام بحالها وقوله فتقولوا جواب النهي ولا تعقيد فيه كما في بيت الفرزدق كما توهم إذ لا تقديم ولا تأخير فيه وقوله لما تصفه إشارة إلى أنّ ما موصولة عائدها محذوف. قوله: (أو مفعول لا تقربوا) أي قوله هذا حلال وهذا حرام مقول القول، والكذب مفعول به لتصف فهو معطوف على قوله، وهذا حلال وهذا حرام بدل منه، وهي معطوفة على الاسمية قبلها لا حالط حتى يتوجه ما قيل إنه عطف على قوله أو متعلق لكنه مع ما عطف عليه كان تفصيلا متعلقا بقوله، وانتصماب الكذب بلا تقولوا وهذا ليس كذلك فالوجه عطفه على جملة، وانتصاب الكذب بلا تقولوا الخ بتقدير مبتدأ أي، وهو مفعول لا تقولوا ولا يتكلف توجيهه مع أنه ظاهر، وتردّد المعرب في جواز كون الكذب تنازع فيه تقولوا وتصف، واللام على هذا للتعليل، وبيان أنه فول لم ينشأ عن حجة ودليل كما أشار(5/376)
إليه المصنف رحمه الله تعالى، وليس بتكرار مع قوله لتفتروا على الله الكذب لأنّ هذا لإثبات الكذب مطلقاً، وذلك لإثبات الكذب على الله فهو إشارة إلى أنهم لتمرنهم على الكذب اجترؤوا على الكذب على الله فنسبوا ما حللوه وحرّموه إليه. قوله: (ووصف ألسنتهم الكذب مبالنة الخ) هذا على جعل الكذب مفعول تصف ففيه
مبالغة لجعله عين الكذب ترقي عنها إلى أن خيل أنّ ماهية الكذب كانت مجهولة حتى كشف كلامهم عن ماهية الكذب، وأوضحها كما أشار إليه الرازي فتصف بمعنى توضح فهو بمنزلة الحد، والتعريف الكاشف عن ماهية الكذب فالتعريف في الكذب للجنس كأنّ ألسنتهم إذا نطقت كشفت عن حقيقته وعليه قول المعرّي:
سرى برق المعرّة بعد وهن فبات برامة يصف الكلالا
ونحوه نهاره صائم إذا وصف اليوم بما يوصف به الشخص لكثرة وقوع ذلك الفعل فيه، وكذلك وجهها يصف الجمال لأنّ وجهها لما كان موصوفا بالجمال الفائق صار كأنه حقيقة الجمال ومنبعه الذي يعرف منه حتى كأنه يصفه ويعرفه كقوله:
أضحت يمينك من جودمصوّرة لابل يمينك منها صوّرالجود
فهو من الإسناد المجازي أو نقول إنّ وجهها يصف الجمال بلسان الحال فهو استعارة مكنية، وعليه اقتصر في الكشف كأنه يقول ما بي هو الجمال بعينه ومثله وارد في كلام العرب والعجم هذا زبدة ما في شروح الكشاف وما في الآية أبلغ من المثال المذكور لما سمعت. قوله: (وقرئ الكذب بالجر الخ) تبع فيه أبا البقاء رحمه الله تعالى لكنه تسمح في قوله من ما إذ المبدل منه هي مع مدخولها، وفيه ردّ على الزمخشريّ إذ جعله نعتا لما المصدرية مع صلتها لأنّ المصدر المسبوك من أن، وما المصدرية مع الفعل معرفة كالمضمر لا يجوز نعته، وكذا أخواتهما فلا يقال أعجبني أن تقوم السريع بمعنى قيامك السريع. قوله: (والكذب (معطوف على ما قبله أي وقرئ الكذب بضم الكاف، والذال المخففة جمع كذوب كصبور وصبر أو جمع كذاب بكسر الكاف، وتخفيف الذال مصدر كالقتال وصف به مبالغة، وجمع على فعل ككتاب وكتب، وقيل إنه جمع كاذب كشارف وشرف، وقوله وبالنصب هي قراءة مسلمة بن محارب كما نقله ابن عطية رحمه الله تعالى وخرجت على وجوه أحدها أنها منصوبة على الشتم والذم، وهي نعت للألسنة مقطوع، والثاني أن يكون بمعنى الكلم الكواذب يعني أنها مفعول بها والعامل فيها إمّا تصف أو القول أي لا تقولوا الكلم الكواذب، والثالث أنه منصوب على أنه مفعول مطلق لتصف من معناه على أنه جمع كذاب المصدر ولبعده تركه المصنف رحمه الله تعالى وأعرب هذا حلال الخ. على ما مر ولا إشكال في إبداله لأنه كلم باعتبار مواده وكلامان ظاهراً. قوله: (تعليل لا يتضمن معنى النرض) يعني أنها لام الصيرورة والعاقبة المستعارة من التعليلية كما مر تحقيقه إذ ما صدر منهم ليس لأجل هذا بل لأغراض أخر يترتب عليها ما ذكر،
وقال المعرب يجوز أن تكون للتعليل ولا يبعد قصدهم لذلك، وهو بدل من لما تصف لأنّ وصفهم الكذب هو افتراء على الله أو متضمن له كما مر قاله أبو حيان رحمه الله تعالى، وهو على تقدير جعل ما مصدرية إمّا إذا كانت بمعنى الذي فاللام ليست للتعليل فيبدل منها ما يفهم التعليل، وإنما هي متعلقة بلا تقولوا على حدها في قولك لا تقولوا لما أحل الله هذا حرام أي لا تسموه بهذا الاسم وقد مر لها توجيه آخر قريب من هذا قيل، ولا مانع من إرادة التعليل على الموصولية أيضا. قوله: (لما كان المفتري) اسم فاعل أي الكاذب وقوله نفى عنهم الفلاح أي الظفر، والفوز بمطلوب يعتد به، وأمّا ما قصدوه فأمر قليل منقطع مفض إلى الخسران، والعذاب المخلد فلا عبرة به كما سيصرج، واليه أشار المصنف رحمه الله تعالى بقوله وبينه الخ. قوله: (أي ما يفترون لأجله) يشير إلى أنّ قوله متاع خبر مبتدأ محذوف تقديره ما ذكر لا متاع مبتدأ، وقليل خبره لأنّ النكرة لا يخبر عنها بدون مسوغ، وتأويله بمتاعها ونحوه بعيد، وقوله منفعة الخ تفسير لقوله متاع. قوله: (أي في سورة الأنعام) قيل، وفي هذه الآية دليل(5/377)
على تقدم آية سورة الأنعام في النزول لا على لهقدم سورة الأنعام بتمامها كما ظن قلت هذا غفلة عما ذكره المصنف رحمه الله تعالى في آخر سورة الأنعام من أنها أنزلت جملة واحدة فالقائل بنى كلامه على مدعي المصنف رحمه الله تعالى، وقد تقدم منا كلام فيه. قوله: (متعلق بقصصنا أو بحرمنا) بتقدير مضاف تقديره على الأوّل من قبل نزول هذه الآية، وكذا على الثاني ويحتمل أن يقدر فيه من قبل تحريم ما حرّم على أمّتك وهو أولى، ويجوز فيه التنازع، وقوله عوقبوا به أي بالتحريم عليه أي على ما عوقبوا به فالضمير الأوّل للتحريم، والثاني للموصول، والفرق بينهم وبين غيرهم في التحريم أنّ هذه الأمّة لم يحرم عليها إلا ما فيه مضرة لها وغيرهم قد يحرم عليهم ما لا ضرر فيه عقوبة لهم بالمنع كاليهود قال تعالى: {فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا} الاية. قوله: (بسببها) فالباء للسببية والمراد بالجهالة السبب الحامل لهم على العمل كالغيرة الجاهلية الحاملة على القتل وغير ذلك، وقوله أو ملتبسين فهي للملابسة وقوله لتعم الجهل بالله وعقابه متعلق بتقدير ملتبسين تعليل له يعني أنه فسره بما ذكر فشمل الجاهل بما ذكر إذا عمل سوءاً لغلبة شهوته فسببه غلبة الشهوة، ويصدق! عليه أنه ملتبس بالجهالة المذكورة وعدم التدبر
بالنصب معطوف على الجهل، ولغلبة الشهوة متعلق بملتبسين، وقيل بقوله عملوا السوء وغيره منصوب معطوف على الافتراء. قوله: (من بعد التوبة الم يذكر الإصلاج كما في بعض التفاسير لأنه مندرج في التوبة وتكميل لها وليس شيئا آخر ثم نظم هذه الآية واعرابها كقوله تعالى: {ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُواْ} [سورة النحل، الآية: 110] فلذا ترك التعرّض له لقرب العهد، وقوله يثيب على الإنابة وهي التوبة أي تفضلاً منه فإنّ مقتضاها العفو لا الإثابة. قوله: (لكماله واستجماعه فضائل الخ) أي الأمّة أصل معناها الجماعة الكثيرة فأطلقت عليه لاستجماعه كمالات لا تكاد توجد في واحد بل في أمة من الأمم واستشهد عليها استشهاداً معنويا بالبيت المذكور، وهو لأبي نواس الشاعر المشهور من شعر يمدح به الفضل بن الربغ الوزير وهو: قولاً لهرون إمام الهدى عند احتفال المجلس الحاشد
نصيحة الفضل واشفاقه أخلى له وجهك من حاسد
بصادق الطاعة ديانها وواحد الغائب والشاهد
أنت على مابك من قدرة فلست مثل الفضل بالواجد
أوجده الله فما مثله لطالب ذاك ولا ناشد
وليس لله بمستنكر أن يجمع العالم في واحد
وقوله وليس لله روي ليس من الله كما في نسخ هذا الكتاب، والمشهور في الكتب الأدبية
ليس على الله ومستنكر بمعنى مستغرب فلا يقال الأحسن أن يقول ليس من الله بمستبدع، والبيت ظاهر غير محتاج للتفسير وقد تبعه كثير من الشعراء في هذا المعنى، وقوله وهو أي إبراهيم عليه الصلاة والسلام رئي! الموحدين أي في عصره، وقوله قدوة المحققين لأنه أؤل من نصب أدلة التوحيد فقوله الذي الخ بيان له والزائغة المائلة عن السداد وقوله بالحجج الدامغة أي التي تلزم الخصم بحيث لا يقدر على الجواب مجاز من دمغه إذا شجه شجة بلغت دماغه. قوله: (ولذلك عقب ذكره بتزييف (في نسخة بالباء وفي أخرى بدونها وعلى الثانية فهو بالتشديد من قولهم عقبه إذا خلفه ثم تعدى بالتضعيف إلى مفعولين، ويجوز رفع ذكره فإنه يقال عقبه تعقيبا إذا جاء بعقبه أي بعده فمن قال إنّ هذا مبنيّ على ترك الباء في تزييف، ولم أجده في النسخ لا يلتفت إليه لأنه موجود في نسخ مصححه عندنا، وعلى الأولى قيل إنه من القلب
والأصل عقب تزييف مذاهب المشركين بذكره، وهو تكلف يؤيد أن تلك النسخة هي الصحيحة والتزييف الرد والإبطال مستعار من زيف الدراهم إذ جعلها زيوفا لا تروج، وهذا إشارة إلى ما مرّ في سورة الأنعام، وقوله من الشرك الخ إشارة إلى ما سبق في النظم. قوله: (أو لأنه كان وحده مؤمناً الخ الأنه عليه الصلاة والسلام(5/378)
قال لسارة: " ليس على الأرض اليوم مؤمن غيري وغيرك " كما في البخاري، ومن معاني الأمة كما في القاموس من هو على الحق مخالف لسائر الأديان، وهذا التفسير مرويّ عن مجاهد والظاهر أنه مجاز بجعله كأنه جميع أهل ذلك العصر لأنّ الكفرة بمنزلة العدم.
قوله: (وقيل هي فعلة الخ) الرحلة بضم الراء، وسكون الحاء المهملتين، وهو الشريف
ونحوه مما يرحل إليه فهو بمعنى مرحول إليه، والنخبة بضم النون، والخاء المعجمة والباء الموحدة المنتخب المختار فهو على هذا بمعنى مأموم أي مقصود أو مؤتم به بمعنى مقتدي به في سيرته والآية ظاهرة في الثاني، وقيل إنها تحتملهما قال في الانتصاف ويقوي هذا الثاني قوله: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ} [سورة النحل، الآية: 23 ا] أي كان أمة يؤمه الناس ليقتبسوا منه الخيرات، ويقتفوا بآثاره المباركة حتى أنت على جلالة قدرك قد أوحينا إليك أن اتبع ملته واقف سيرته اهـ. قوله: (مائلاَ عن الباطل) أصل معنى الحنف الميل الحسي، ونقل إلى المعنوفي وهو يتعدى بالى إلى الجانب المرضي المأخوذ وبعن إلى المتروك، وأحدهما مستلزم للآخر، ولذا فسر. في الكشاف بالمائل إلى ملة الإسلام غير الزائل عنها، وما فسره به المصنف رحمه الله تعالى غير مخالف له لأنّ من مال عن الباطل وأعظمه الكفر مال إلى الحق وأعلاه الإسلام، والعقائد الحقة وإنما اختاره المصنف رحمه الله تعالى لئلا يتكرر مع ما قبله فمن قال تفسير الزمخشريّ هو الموافق للغة لم يأت بشيء. قوله: (كما زعموا الخ) تنبيه على أنّ فائدته الرد على هؤلاء وإلا لم يفد ذكره، وقوله للتنبيه الخ إشارة إلى أنه عبر به لأنه يعلم منه غيره بالطريق الأولى فلا حاجة إلى استعارة جمع القلة للكثرة، وهذا الجار والمجرور يتعلق بشاكراً ويجوز تعلقه باجتباه، واجتباه إمّا حال وإمّا خبر آخر لكان والى صراط يجوز تعلقه باجتباه، وهداه على التنازع واجتباه بمعنى اصطفاه، واختاره، وقوله في الدعوة إلى الله تعالى في الكشاف في الدعوة إلى ملة الإسلام قيل، وما فعله المصنف رحمه الله تعالى خال من
الإعادة فتأمله. قوله: (بأن حببه إلى الناس الخ) أي جعله محببا في قلوبهم فهم يتولونه أي يجعلونه والياً أي مقتدى به في هديه، وسيرته فحسنة بمعنى سيرة حسنة، وعلى ما بعده فالمعنى عطية، ونعمة حسنة وقوله لمن أهل الجنة أي المستحقين لها، ولمقاماتها العلية فعلى هذا قوله ألحقني بالصالحين أي احشرني مع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام في الدرجات العلى فلا يقال وصف الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بالصلاح لا يعد مدحا، ولذا قيل المراد بالصالحين الكاملون في الصلاج كما في قوله تعالى: {أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [سورة البقرة، الآية: 5] . قوله: (وثم إمّا لتعظيمه الخ) يعني أنّ ثم إمّا للتراخي في الرتبة فتكون دالة على التعظيم، وقد صرح صاحب الانتصاف أنها لتعظيم المعطوف فلينظر هل تكون لتعظيم المعطوف عليه أيضا، وتحقيقه كما قال المدقق في الكشف إن فيه تعظيما لا يدرك كنهه إما للإيذان بأنّ أشرف ما أوتي خليل الله صلى الله عليه وسلم أتباعه له لدلالة ثم على تباين هذا المؤتي، وسائر ما أوتي من الرتب والمآثر، وأما تعظيم رسول الله صلى الله عليه وسلم من حيث إن الخليل عليه الصلاة والسلام مع علو مقامه أجل ما أونيه اتباع نبينا صلى الله عليه وسلم له ثم الأمر باتباع الملة دون اتباع الخليل عليه الصلاة والسلام إشارة إلى استقلاله في الأخذ عمن أخذ عنه إبراهيم عليه الصلاة والسلام، وهذا من بدائعه رضي الله تعالى عنه، ثم إنّ تخصيص إبراهيم عليه الصلاة والسلام دون غيره من الرسل عليهم الصلاة والسلام صريح في جلالته بكل وجه، فلا يرد عليه أنه تفوت الدلالة على جلالة المؤتى في الوجه الثاني كما قيل، وقوله أو لتراخي أيامه فهي على حقيقتها، وقدّم الأوّل لأنه أبلغ، وأنسب بالمقام. قوله: (في التوحيد والدعوة الخ) أي لا في الشراثع، والأحكام فإنه لم يؤمر بذلك قيل الدين والملة، والشريعة متحدة بالذات مختلفة بالاعتبار كما بين في محله فكون ما ذكر بعد التوحيد من الملة محل بحث، وجهة أنه ليس داخلاً في مفهومها ما ذكر من إيراد الدلائل، ونحوه على تفسيرهم ولا بأس في تسمية ما يتوقف عليه تبليغ التوحيد توحيداً كما يسمى الكلام علم التوحيد مع ما فيه من الأدلة، ومثله سهل. قوله:) تعظيم السبت أو التخلي فيه للعبادة الما كان استعمال جعل في كلام العرب على وجهين فتارة(5/379)
يتعدى إلى مفعولين وأخرى إلى واحدة فتعديه، إلى الثاني بعلى غير متعارف أوّلت الآية بوجهين الأوّل تقدير
مضاف، وهو وبال السبت والوبال عاتم أو هو المسخ أي جعل الله، وبال السبت كائنا أو واقعأ على هؤلاء فهي متعدية لمفعولين، وأتى بعلى لاقتضاء الأوّل لها، وقيل إنّ الحال على هذا متعلق بالمضاف المقدر والثاني أن يضمن جعل معنى فرض وإليه أشار المصنف رحمه الله تعالى بقوله تعظيم الخ. والأظهر أن يقول كما في الكشاف فرض عليهم تعظيمه، وترك الاصطياد، والتخلي للعبادة لأن التعظيم والتخلي لا يتعديان بعلى وليس في كلامه ما يقتضي أن السبت في الآية مصدر سبتت اليهود إذا عظمت سبتها، وان كان ورد بهذا المعنى وبمعنى اليوم المخصوص. قوله: (على ئبيهم وهم اليهود) الجار والمجرور متعلق باختلفوا، وفيه مخالفة للزمخشري بجعل ما اختاره مرجوحا، وقد أورد عليه بحث، وهو أن السبت فرض على المختلفين على نبيهم وعلى غير المختلفين عليه أيضأ، والقول بأنهم كلهم اختلفوا ممنوع، والمثبت مقدم على النافي، وفي بعض نسخ القاضي هنا إلا طائفة منهم، وهي تقتضي أنهم لم يختلفوا كلهم (أقول (إن المصنف رحمه الله تعالى تبع الإمام فيما ذكره، وتحقيقه على ما في شروح الكشاف إن الاختلاف إفا أن يقع بينهم بأن يكون فرقة منهم محرمة للسبت، وأخرى محللة له أو يقع من جميعهم بأن يكونوا جميعاً محرمين تارة، ومحللين أخرى لأن الاختلاف كما يقع بين المتنازعين، وهو المعروف الذي فسر به قوله ليحكم بينهم فيما كانوا فيه يختلفون فإنه المتبادر يقع بين الفعلين، وإن لم يقع بين قومين بل وقع من الجميع باعتبار زمانين، وهو المراد هنا على ما اختاره المصنف رحمه الله تعالى لأنه مروي عن ابن عباس رضي الله عنهما حيث قال معنى اختلفوا فيه اختلفوا على نبيهم في ذلك حيث أمرهم بالجمعة فاختاروا السبت لأنّ اختلافهم في السبت كان اختلافهم على نبيهم في ذلك اليوم، وأيده الطيبي رحمه الله بما روى البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " نحن الآخرون الشابقون يوم القيامة بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا وأوتبناه من بعدهم ثم هذا يومهم الذي فرض عليهم يوم الجمعة فاختلفوا فهدانا الله له فالناس لنا تبع فيه اليهود غدا والنصارى بعد غد " فلما أمر الله محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم بمتابعة إبراهيم عليه الصلاة والسلام وقد اختار الجمعة قبل فلما اختار اليهود السبت فقيل إنما جعل السبت الخ فمعنى اختلفوا فيه خالفوا جميعهم نبيهم فهو اختلاف بينهم، وبين نبيهم فإذا كان هذا تفسير رئيس المفسرين المروي من طرق صحيحة عن أفضل النبيين صلى الله عليه وسلم علم أنّ منعه لا يسمع، وأنّ النسخة المشهورة هي الصحيحة، والى ما ذكر أشار المصنف رحمه الله بقوله أمرهم. قوله:) فرغ فيه من خلق السماوات الأرض! (يعني أنه تعالى لما خلق العالم في ستة أيام بدأ الخلق في يوم الأحد، وأتمه
في يوم الجمعة فكان يوم السبت يوم الفراغ، وقالت اليهود نحن نوافق ربنا في ترك الأعمال في السبت، وقالت النصارى يوم الأحد مبدأ الخلق فنجعله عيداً لنا، وقلنا نحن يوم الجمعة يوم التمام، والكمال فهو أحق بالسرور والتعظيم كما روي وقوله فألزمهم الله السبت هو مصدو بمعنى تعظيم ذلك اليوم، وقوله وشدد الأمر عليهم بوجوب ترك العمل والاصطياد فيه عليهم لمخالفة نبيهم في الجمعة كما مر ولا حاجة إلى أن يقال إنّ البلوى عمت لغير المختلفين كما قيل. قوله: (وقيل معناه إنما جعل وبال السبت الخ) قد مر بيان إعرابه، وقوله وهو المسخ تفسير للوبال أي، وبال ترك السبت فالمعنى على أنه مصدر سبتت اليهود إذا عظمت ذلك اليوم أو وبال ترك تعظيم السبت على أنه اسم اليوم، ويؤيده قوله فأحلوا الصيد فيه أي في يوم السبت إلا أن يحمل على الاستخدام، وهو خلاف الظاهر هنا، ولذا اختاره الفاضل المحشي فلا وجه لرذه وعلى هذا للمضرة، وهذا رد على الزمخشري فيما اختاره، وقد عرفت وجهه، والحيل جمع حيلة، وقد مرت مفصلة في البقرة. قوله:) وذكرهم (يعني اليهود وما وقع منهم في أمر السبت على وجه التمثيل للمشركين والتهديد لهم بما في مخالفة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام من الوبال كما ذكرت القرية التي كفرت بأنعم الله تمثيلا وهذا على القول الثاني لذكر الوبال فيه تقديراً، وأمّا على الأوّل فلما مر من أنه جواب عما يقال من طرفهم من أنّ الرسول صلى الله عليه وسلم إذا كان مأموراً باتباع إبراهيم عليه الصلاة والسلام فما باله لم يعظم السبت(5/380)
وهو من ملته على زعمهم كما صرح به الإمام. قوله: (بالمجازاة على الاختلاف الخ (قد مر أن الاختلاف هنا على وجهين، وأنّ الاختلاف السابق غير الاختلاف الذي هنا، وان كان الظاهر جعلهما على نسق واحد فتدبر فالمجاز بإثابة من لم يختلف، وعقاب غيره، وبين كلامه وكلام الزمخشري هنا مخالفة لما عرفت. قوله: (ادع من بعثت إليهم (، وفي نسخة إليه رعاية للفظ من وفيه إشارة إلى أنّ المفعول محذوف للدلالة على التعميم لعموم بعثته فلا يناسب المقام تنزيله منزلة اللازم كما لا يناسب قوله وجادلهم، وكون الإسلام سبيل الله ظاهر لأنه الطريق المستقيم. قوله: (بالمقالة المحكمة) أي الحجة القطعية المزيحة للشبهة، وقريب منه أن الحكمة هي الكلام الصواب الواقع من النفس أجمل موقع، وقوله وهو الدليل ذكر فيه ضمير
المقالة رعاية للخبر أو لعدم اعتبار تأنيث المصدر لتأويله بمصدر مذكر أو بأن والفعل، والمزيح بالزاي المعجمة بمعنى المزيل والخطابات بفتح الخاء المعجمة جمع خطابة بفتحها على ما صرح به في القاموس، وغيره ويجوز فيه الكسر والخطابة هي إيراد الكلام في الدعاء إلى الاغراض، ونصر ما يقصده في المحافل العامّة، وهي كالخطبة، والمقنعة من الإقناع، وهو إيراد ما يقنع به المخاطب، وان لم يكن ملزماً كالمقدمات الإقناعية، ولذا خص الأوّل بالخواص، والثاني بالعوام كما في الأثر خاطبوا الناس على قدر عقولهم، وقوله وجادل معانديهم قدر فيه المضاف لأنّ الجدار إنما يحتاج إليه المعاند، وقوله التي هي أشهر فهي لشهرتها تكون مسلمة عندهم لا يمكن إنكارها بخلاف المقدمات المموهة الباطلة فإنّ الجدل بها ديدن المبطلين. قوله: (وتبيين شغبهم (الشغب بفتح الغين المعجمة، وتسكن، وهو الأكثر ولا عبرة بمن أنكر الفتح كالحريري في الدرة، وغيره وهو تهييج الشر والمراد به هنا الشرّ، والفساد. قوله: ( {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ} الآية) هو ضمير فصل للتقوية أو للتخصيص، والثاني هو الظاهر من كلام المصنف رحمه الله تعالى وان احتمل غيره، وقوله وهو أعلم عطف على جملة أن أو على خبرها وايثار الفعلية في الضلال، والاسمية في مقابلته إشارة إلى أنهم غيروا الفطرة بإحداث الضلال، ومقابلوهم استمرّوا عليها، وتقديم أهل الضلال لأنّ الكلام فيهم. قوله:) أي إنما عليك البلاغ الخ) قيل إنه يعني فلا تلح عليهم إن أبوا بعد الإبلاغ مرة أو مرتين مثلا {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ} فمن كان فيه خير كفته النصيحة اليسيرة ومن لا خير فيه عجزت عنه الحيل كما في الكشاف لا أنّ المعنى فلا تعرض! فما عليك باس من إيمانهم فاندفع كما قيل إنّ دلالة الآية على الثاني، وهو المجازاة مسلمة وأفا إنّ حصول الضلالة، والهداية ليس إليه فالآية لا تدل عليه نفياً، واثباتاً لأنه إنما نشأ من تفسيره بما ذكر اهـ، ولا يخفى أنّ ما فسره به هذا القائل أحسن مما في الكشاف فإنّ قوله وجادلهم ناطق بخلافه، وأمّا ما أورده عليه فغيروا رد لأنه إذا انحصر علم الهداية والضلال فيه تعالى علم أنه لا يكون لغيره علمها فكيف يكون له حصولها وهو في غاية الظهور فلا يصح عدم دلالة الآية على ما ذكر، وقوله لا إليك معناه فلا يفوّض إليك فحذف المنفي لدلالة متعلقه بقرينة السياق عليه، وقوله وهو المجازي لهم يعلم من علم الله به كما مر مراراً فلا تغفل ولذا أدرج فيه قوله، والمجازاة بالجرّ عطفاً على المضاف إليه أو بالرفع عطفاً على المضاف. قوله: ( {بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ) } المفاعلة ليست هنا للمشاركة والعقاب في العرف مطلق العذاب، ولو ابتداء، وفي أصل اللغة المجازاة على عذاب سابق لأنها ما يقع عقب مثله فإن اعتبر الثاني فهو مشاكلة، وسماها الزمخشري مزاوجة، وهي خلاف ما اصطلح عليه في البديع، وان اعتبر الأوّل فلا ماكلة فيه، ولذا لم يذكرها المصنف رحمه
الله تعالى فمن قال لا وجه للمشاكلة لم يصب. قوله: (لما أمره بالدعوة وبين له طرقها الخ (قال الإمام هذا هو الوجه الصحيح الذي يجب حمل الآية عليه ليرتبط بما قبله، وأما الوجه الآتي فبعيد جداً لما فيه من عدم الارتباط المنزه عنه كلام رب العزة، وعلى هذا تكون هذه الآية مكية كما قاله ابن النحاس، وعلى الثاني تكون مدنية كما صرح به المصنف رحمه الله تعالى في قوله في أوّل السورة إنها مكية إلا ثلاث آيات في آخرها فهي مدنية (أقول) كون هذه الآية مدنية كما صرح به المصنف، وكون سبب نزولها قصة حمزة رضي الله عنه مصرح به في كتب الحديث، والتفسير ومروي عن جماعة من الصحابة رضوان الله عليهم كما في تخريج أحاديث الكشاف للحافظ ابن حجر، وقال القرطبي: أطبق(5/381)
أهل التفسير على أنّ هذه الآية مدنية نزلت في شأن حمزة رضي الله عنه والتمثيل به، ووقع ذلك في صحيح البخاري فلا وجه لما ذكره الإمام، وأما ما ذكره من سوء الترتيب، وعدم الارتباط فليس بشيء فإنّ ذكر هذه القصة للتنبيه على أنّ الدعوة لا تخلو من مثله، وأنّ المجادلة تجر إلى المجادلة فإذا وقعت فاللائق ما ذكر فلا فرق بينه وبين الوجه الأوّل بحسب المآل، وخصوص السبب لا ينافي عموم المعنى، وتفسيره بما مر، وقوله شايعه بالشين المعجمة، والعين المهملة أي من اتبعه وعد من شيعته، وفي نسخة تابعه بالمثناة، وهي بمعناها يعني أنّ الله تعالى أشار إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأتباعه بما ذكر، وقوله المخالقة ضبط بالخاء المعجمة والقاف أي التخلق والاتصاف به في معاملة الخلق، ولو قرئت بالفاء كان له وجه، وقوله يناصبهم بالصاد المهملة بمعنى يعاديهم ويحاربهم، وقد يخص النصب في العرف بعداوة علي، وبغضه رضي الله عنه ومنه الناصبة، وقوله من حيث إنها أي الدعوة، ورفض وفي نسخة رفع بمعنى ترك أي تتضمن التكليف بذلك، وقوله والقدح أي الطعن في دين أسلافهم في الجاهلية وهو معطوف على المقدر قبل رفض أو هو معطوف عليه. قوله: (وقيل الخ) تبع في تضعيفه الإمام وقد عرفت أنه لا وجه له كما مر، وقوله قد مثل به مجهول مشدد من المثلة وهي القتل بما يخالف المعتاد أو فعل مثله بعد القتل، وقد شق بطن حمزة رضي الله عنه وأخرج قلبه، وقوله بسبعين حذف مميزه وهو رجلاً للقرينة عليه، وقوله مكانك خطاب لحمزة رضي الله عنه لتنزيله منزلة الحي لكونه سيد الشهداء وقوله فكفر عن يمينه إن قيل بتجويز الكفارة قبل الحنث فظاهر، والا فالفاء فصيحة أي فأظفره الله بهم فكفر الخ. قوله: (وفيه دليل على أنّ الخ) المقتص اسم فاعل القصاص، ومماثلة الجاني أن يفعل به
مثل ما فعل في الجنس والقدر، وأمّا اتحاد الآلة بأن يقتل بحجر من قتل به وبسيف من قتل به فذهب إليه بعض الأئمة ومذهب أبي حنيفة رحمه الله أنه لا قود إلا بالسيف فإن قلت هذه الآية صريحة في خلاف مذهبه فما معناها عندهم قلت القتل بالحجر، ونحوه لا يمكن مماثلة مقدأره شدة، وضعفاً فاعتبرت مماثلته في القتل، وازهاق الروج والأصل فيه السيف كما ذكره الرازي في أحكامه، وقد اختلف في هذه الاية فأخذ الشافعي بظاهرها وأجاب الحنفية بأن المماثلة في العدد بأن يقتل بالواحد واحد لقول النبي رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لأمثلن بسبعين منهم لما قتل حمزة " فنزلت هذه الآية فلا دليل فيها، وقال الواحدي أنها منسوخة كغيرها من المثلة وفيه كلام في شرح الهداية، وقهوله يجاوزه معناه يزيد في مقداره. قوله: (وحث على العفو تعريضاً الما في أن الشرطية من الدلالة على عدم الجزم بوقوع ما في حيزها فكأنه قا أط لا تعاقبوا وان عاقبتم الخ كقول طبيب! لمريض ساله عن أكل الفاكهة إن كنت تأكل الفاكهة فكل الكمثري، وقوله على الوجه الآكد بالمد أفعل تفضيل أي اكثر توكيداً لما فيه من القسم المقدر والجواب بالاسمية والتنصيص على الخبرية وفي الأوّل توكيد لما في كلمة الشرط من جعله مما يشك في وقوعه مع التعريض الذي قد يكون أبلغ من التصمريح وان عاقبتم بمعنى إن أردتم العقاب، وقوله للصبر إشارة إلى أنه من باب اعدلوا هو أقرب للتقوى، وفي نسخة أي الصبر. قوله: (للصابرين) في الكشاف المراد بهم المخاطبون فالتعريف للعهد وضع فيه الظاهر موضع المضمر، والصبر الراجع إليه الضمير صبرهم أيضاً ثناء من الله عليهم بأنهم صابرون في الشدائد فالصبر من شيمهم فلا يتركونه إذن في هذه القضية، ونحوها أو وصفهم بالصفة التي تحصل لهم إذا صبروا على المعاقبة فهو على حد من قتل قتيلاً أو الضمير لجنس الصبر الدال عليه صبرتم، والمراد بالصابرين جنسهم فيدخل هؤلاء دخولاً أوليا قيل، وكلام المصنف رحمه الله تعالى ظاهر في هذا، واختاره لما فيه من العموم، وفيه نظر. قوله: (صرح الأمر به) متعلق بالأمر، واستعمل صرح متعدياً بنفسه لأنه يقال صرح الأمر، وصرح به إذا كشفه، وبينه متعديا ولازما كما صرح به أهل اللغة أي خص! الرسول صلى الله عليه وسلم دون من معه بالتصريح بالأمر بالصبر وعلم أمر غيره به ضمنأ من قوله: {وَلَئِن صَبَرْتُمْ} الخ، وفي قوله علمه بالله ما يدل على أنه يصح أن يقال علمت الله كعرفت الله، وقد بيناه في محل آخر، وقوله وثوقه عليه أي اعتماده
عليه، ولذا عداه بعلى وان كان الظاهر به وقوله بتوفيقه يعني أنه فيه مضاف مقدر لاقتضاء المعنى له، وقوله على الكافرين أي على كفرهم، وعدم(5/382)
هدايتهم، وقيل على أزاهم. قوله: (في ضيق صدر الخ (فيه استعارة تبعية في أداة الظرفية كما يقال زيد في نقمة لجعله النقم، ونحوها من الغموم لشدته كأنه لباس أو مكان محيط به، وقيل إنه من القلب الذي شجع عليه أمن اللبس لأن ضيق الصدر وصف في الإنسان، وليس الإنسان فيه، وقد تضمن من اللطف ما حسته، وهو أن الضيق عظم حتى صار كالشيء المحيط به من جميع الجوانب، وهو في المعنى كالأوّل إلا أنه لا داعي إلى ارتكاب القلب مع الاستغناء عنه بما مر، وقوله من مكرهم إشارة إلى أنّ ما مصدرية، وقوله وهما لغتان أي الفتح الذي هو مشهور، والكسر المقروء به فهما مصدران كالضرب، والكبر والقول والقيل، وقوله هنا متعلق بقرأ أو هو صفة، وأصله ضيق مخفف كميت، وميت أي في أمر ضيق ورده الفارسي بأنّ الصفة غير خاصة بالموصوف فلا يجوز ادعاء الحذف ولذلك جاز مررت بكاتب وامتنع باكل، وهو ممنوع لأنه إذا كانت الصفة عامة وقدر موصوف عام فلا مانع منه، وقوله المعاصي بيان لمفعوله المقدر، وسيأتي له تقدير آخر، ويدخل فيها زيادة العقاب ويجوز تنزيله منزلة اللازم. قوله: (في أعمالهم الخ) يعني أن ما قبله تخلية وهذا تحلية، وقوله بالولاية أي يتولى أمورهم، وكفايتها والفضل الإحسان، والجار والمجرور متعلق بما تعلق به مع بيان المعية وفيه لف ونشر، وقوله أو مع الذين اتقوا الله أي خافوه، والمعنى خافوا عقابه، وأشفقوا منه فشفقوا على خلقه بعدم الإسراف في المعاقبة، وهذا التفسير مناسب لما قبله أتم مناسبة والإحسان على الأوّل بمعنى جعل الشيء حسنا، وعلى الثاني ترك الإساءة كما قيل:
ترك الإساءة إحسان وإجمال
والحديث المذكور وقع في التفاسير مرويا عن أبيئ بن كعب رضي الله تعالى عنه، وهو موضوع كما قاله العراقي تصت هذه السورة بحمد الله وعونه.
تم الجزء الخامس ويليه الجزء السادس أوّله سورة الإسراء(5/383)
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الإسراء
كونها بتمامها مكية قول الجمهور، والقول الآخر مروي عن قتادة رضي الله عنه، وهذا القول فيه نظر سيأتي في تفسير قوله: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ} [سورة الإسراء، الآية: 85] ولم يحك الداني رحمه الله في كونها مكية خلافاً وفي عددها خلاف يسير فقيل: مائة وإحدى عشرة. قوله: (سبحان اسم بمعنى التسبيح الذي هو التنزيه الخ (أي مصدر غير علم هنا، وهو مصدر سبح تسبيحا بمعنى نزه تنزيها، ويكون التسبيح مصدر سبح إذا قال: سبحان الله أيضا، حتى أنّ بعضهم ظن أنه مخصوص بالمعنى الثاني وليس كذلك، وقد ذهب إلى هذا صاحب القاموس رحمه الله في شرح ديباجة الكشاف وجعل سبحان مصدر سبح مخففاً، وقال الزمخشري: إن سبحان علم للتسبيح دائما وهو علم جنس لأن علم الجنس كما يوضع للذوات يوضع للمعاني، وخالفه المصنف رحمه الله تبعا لابن الحاجب ففصل فيه فقال إنه إذا أضيف ليس بعلم لأن الأعلام لا تضاف إلا شذوذا وإذا لم يضف فق ص علم لأنه سمع ممنوعا من الصرف كما سيأتي، وقوله اسم أي اسم جنس لا علم وهو رث على الزمخشري فلا ينافي كونه مصدرا كما قال في البقرة إنه مصدر كالغفران أو أراد أنه اسم مصدر لأن قياس مصدره التسبيح، فمن قال إنه يريد أنه اسم لا مصدر وادعى تأويل كلامه في سورة البقرة لم يصب، وقوله: التنزيه احتراز عن التسبيح بمعنى قول سبحان الله فإنه غير مراد هنا، وما ذكر في الكشف من أن الوجه ما ذهب إليه الزمخشري لأنه إذا ثبتت العلمية بدليلها فالإضافة لا تنافيها وليس من باب زيد المعارك بل من باب حاتم طيىء، ولذا لم يضف إلا لأسمائه تعالى لدلالته على تنزيه بليغ يليق بكبريائه فيرد عليه أن من منع إضافة العلم قياساً لم يفرق بين إضافة وإضافة فإن ادعى أن بعض الأعلام اشتهرت بمعنى كحاتم بالكرم فيجوز في نحوه الإضافة لقصد التخصيص ودفع العموم الطارئ فما نحن فيه ليس من هذا القبيل، كما لا يخفى ثم إنه قيل إن
قوله: بمعنى التسبيح الذي هو التنزيه المراد منه لا الذي بمعنى التعجب كما إذا قطع عن الإضافة أو استعمل بمن كما في البيت وهو تفسير لكلامه بما لم يرده لما مر من معناه، ولما حققه المدقق قدس سره(5/384)
من أن المعنى ما أبعد الذي له هذه القدرة عن جميع النقائص، فلا يكون اصطفاؤه لعبده المخصوص به إلا حكمة وصواباً، فالتنزيه لا ينافي التعجب كما توهم والتعجب هاهنا تبع بخلافه في قوله: {سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ} [سورة النور، الآية: 16] فافهم، ومن هذا ظهر مناسبة أوّل هذه السورة لخاتمة السورة التي قبلها وارتباطها بها وأن في سبحان ثلاثة مذاهب أنه علم جنس دائما وأنه علم إذا لم يضف غير علم إذا أضيف وأنه ليس بعلم أصلا كما سيأتي. قوله: (وقد يستعمل علماً له (أي للتنزيه فيقطع عن الإضافة لأن الأعلام لا تضاف قياسا، ويمنع من الصرف للعلمية والزيادتين، قال الرضي: ولا دليل على علميته لأنه أكثر ما يستعمل مضافا فلا يكون علما وإذا قطع فقد جاء منوّنا في الشعر كقوله: سبحانه ثم سبحانا نحوذ به وقبلنا سبحات الجود والحمد ...
وقد جاء باللام كقوله:
سبحانك اللهم ذا السبحان
قالوا ودليل علميته قوله:
سبحان من علقمة الفاخر
ولا منع من أن يقال: حذت المضاف إليه وهو مراد للعلم به وأبقى المضاف على حاله مراعاة لأغلب أحواله أي التجزد عن التنوين كقوله:
خالط من سلمى خياشيم وفا
قوله: (قد قلت لما جاءني فخره الخ (هو من قصيدة طويلة للأعثى، أولها:
شاقتك من قبله أطلاقا بالشط فالجزع إلى حاجر ...
وسببها أنه لما تنازع الشرف ودعوى الكرم علقمة بن علاثة وابن عمه عامر بن الطفيل العامريان على ما جرت به عادتهم في الجاهلية، وكان علقمة كريما رئيسا وعامر عاهراً سفيهاً وساقا إبلا كثيرة لتنحر لمن قرّ له أي الفضل هاب حكام العرب أن يحكموا بينهما فأتوا هرم بن سنان، فقال لهما: أنتما كركبتي البعير تقعان على الأرض معاً وتنهضان معا قالا فأينا اليمين قال: كلا كما يمين فمكثا سنة لم يحكم أحد بينهما، فأتى الأعشى علقمة مستجيراً به فقال: أجيرك من الأسود والأحمر فقأل له: ومن الموت قال لا، فأتى عامراً فقال له: مثله فقال له: ومن الموت قال: نعم، قال: وكيف قال إن مت في جواري وديتك، فلما بلغ ذلك علقمة
قال: لو علمت مراده لهان عليّ فقال الأعشى: يهجو علقمة، ويفضل عليه عامراً بقصيدته هذه ومنها قوله:
إن الذي فيه تماريتما بين للسامع والناظر ...
ما جعل الحد الظنون الذي خيب صوب اللحب الماطر ...
مثل الفرأتيّ إذا ما جرى يقذف بالبوصي والماهر ...
أقول لما جاءني فخره سبحان من علقمة الفاخر ...
علقم لا تسفه ولا تجعلن عرضك للوارد والصادر ...
والشاهد في قوله: (سبحان من علقمة الخ (لمنعه من الصرف، والمراد التعجب من فخره
على عامر كما يقولون سبحان الله من كذا أي أعجب منه، وقال الراغب: إنه تهكم ومن زائدة، وهو مضاف لعلقمة، وقيل: أصله سبحان الله فحذف المضاف إليه فلا شاهد فيه، وعلقمة المذكور صحابيّ قدم على النبي صلى الله عليه وسلم فأسلم وهو شيخ واستعمله عمر بن الخطاب رضي الله عنه على حوران فمات بها، وفي الاستيعاب أنه كان من المؤلفة، وقوله: يفعل متروك إظهاره أي لم يسمع من العرب إظهاره وهو سبح مشدداً بمعنى نزه لا مخففا كما مر تحقيقه، وقوله للتنزيه عن العجز، ولا ينافي قصد التعجب كما قدمناه، وقوله عما ذكر بعده وهو الإسراء المذكور، وعدل عن قول الزمخشري: إنه للتنزيه البليغ عن جميع القبائح التي تضيفها إليه أعداء الله لأنه يأباه المقام كما قاله الطيبي، لكن الذي دعا الزمخشري إلى التفسير به مع أنه شامل لما ذكر أنه تفسير مأثور. قال في الإعراب المسمى بالعقد الفريد عن طلحة رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تفسير سبحان الله فقال: تنزيهه من كل سوء فتأمّل. قوله: (واسرى وسرى بمعنى) هذا قول أبي عبيدة رحمه الله وهو سير الليل أو أكثره وليست همزة أسرى للتعدية بل هما بمعنى ويشير إليه ما ذكره بعده، وقيلى: الهمزة للتعدية ومفعوله محذوف تقديره أسرى ملائكته بعبده، وقيل: أسرى لأوّل الليل(6/2)
وسرى لآخره، وهو قول الليث وعليه فهو مختص بالليل، وأما سار فعاثم، وقيل: إنه مختص بالنهار، وليس مقلوبا من سرى. قوله: (وفائدته الدلالة بتنكيره الخ) أي مع أق السرى والإسراء لا يكون إلا ليلا فلا حاجة لذكره معه كما أشار إليه ولا فائدة في ادّعاء أنه للتأكيد أو تجريد الإسراء أو استعماله في مطلق السير مع ذكره بعده، وقوله: بقليل المدة أي مدة الإسراء كذا في الكشاف وتبعه المصنف رحمه الله كغيره واعترض عليه بأن البعضية المستفادة من من التبعيضية هي البعضية في الأجزاء والبعضية
المستفادة من التنكير في الأفراد والجزئيات فكيف يستفاد من التنكير أن الإسراء كان في بعض من أجزاء الليل فالصواب أنّ تنكيره لدفع توهم أن الإسراء كان في ليال أو لإفادة تعظيمه كما هو المناسب للسياق والسباق، وأجيب بوجهين: الأوّل أن التبعيض في الأجزاء مقارب لتقليل الأفراد فيستعمل ما لأحدهما في الآخر بأن يراد من ليلا بعضه وهو أبلغ وأدل على المعجزة، الثاني: أن ليلاً وإن كان اسما لمجموع الليلة إلا أنه أريد منه بعضها مجازاً، والمعنى المجازي له أفراد متفاوتة قلة وكثرة فنوّن حينئذ للتقليل، وهذ وجه حسن انتهى، ولا يخفى ما فيه من السماجة فإن التجوز في التنوين بدون التجوّز في الصيغة هنا غير متصوّر، فالجواب الأوّل بدون ملاحظة الثاني غير صحيح، وأمّا الثاني فلا وجه له كما ستراه عن قريب إذا عرفت هذا فالاعتراض لا يرد ابتداء لأن ما ذكر في الكشاف نص عليه الشيخ عبد القاهر في دلائل الإعجاز، فما ذكر من الفرق عمن رووه والذي تمسك به بعض المتأخرين من كلام الرضي لا دليل فيه لمن تأمّله بنظر صادق وليس هذا محل رذه، وقد كتبناه في حواشيه وتحقيق ما ذكره الشيخان على ما صرح به الفاضل اليمني نقلا عن ابن مالك وسيبويه أن الليل والنهار إذا عزفا كانا معيارا للتعميم وظرفا محدودا فلا تقول صحبته الليلة وأنت تريد ساعة منها إلا أن تقصد المبالغة كما تقول: أتاني أهل الدنيا لناس منهم بخلاف المنكر فإنه لا يفيد ذلاث، فلما عدل عن تعريفه هنا علم أنه لم يقصد استغراق السرى له، وهذا هو المراد من البعضية المذكورة، ولا حاجة إلى جعل الليل مجازا عن بعضه، كما أنك إذا قلت: جلست في السوق وجلوسك في بعض أماكنه لا يكون فيه السوق مجازاً كما لا يخفى، وهذا ما أشار إليه المدقق في الكشف أيضا، وقيل: المراد بتنكيره أنه وقع في وسطه ومعظمه كما يقال: جاء فلان بليل أي في معظم ظلمته فيفيد البعضية أيضا، وينافيه ما سيأتي في الحديث، وقوله: قرئ من الليل هي قراءة عبد الفه وحذيفة، وقوله: ومن الليل فتهجد سيأتي وجه تخصيص البعض فيه. قوله: الما روي أنه عليه الصلاة والسلام (الرواية الأولى متفق عليها من حديث مالك بن صعصعة مطوّلاً، وما سيأتي من أنه صلى الله عليه وسلم كان نائما في بيت أم هانئ بعد صلاة العشاء فأسرى به ورجع من ليلته وقمق القصة على أئم هانئ الحديث رواه النسائي باختصار عن ابن عباس رضي الله عنهما، وأورده ابن سعد وأبو يعلى والطبراني من حديث أم هانئ رضي الله عنها مطوّلاً كذا في تخريج
العراقي، وهذا مما يؤيد أنّ الإسراء كان مرّتين مرّة بروحه قبل البعثة، ومرة بجسده بعدها، وبهذا يجمع بين ما في الروايات من الاختلاف مع صحتها ثم إنه لكون رؤيا الأنبياء عليهم الصلاة والسلام تقع بعينها وتجيء كفلق الصبح أسرى به بعد ذلك حقيقة وكان الإسراء الروحانيّ تقدمة لهذا وتعليما لطريق الدخول في حظائر القدس فافهم، والحجر بكسر الحاء المهملة وسكون الجيم وبالراء المهملة ما يلي الميزاب من المحوطة المعروفة المفرزة من البيت بحائط قصير. قوله: (بين النائم واليقظان) اليقظان بسكون القاف صفة من اليقظة بفتحها ولا تسكن إلا في ضرورة الشعر كقوله:
فالعمرنوم والمنية يقظة والمرء بينهما خيال ساري ...
والمراد بكونه بينهما أنه قد عرضت له سنة وفتور يعتري قبل النوم على ما هو عادته صلى الله عليه وسلم
إذا نزل عليه الوحي وهو مستيقظ حقيقة، والبراق بضم الباء من دوالت الجنة سمي به لشدة سرعته كالبرق الخاطف. قوله: (أو من الحرم) عطف على قوله: من المسجد الحرام بمعنييه فعلى الأوّل هو من نفس المسجد وعلى هذا ليس منه نفسه، وقوله: وسماه الخ أي أطلقه عليه توجيه لإطلاق المسجد الحرام على(6/3)
الحرم فالأوّل على أنه حقيقة لغوية لأنه كله محل للسجود وحرام محترم ليس بحل، والثاني على أن المراد به معناه المتعارف وهو مجاز بعلاقة المجاورة الحسية والإحاطة، وقوله: ليطابق الخ توجيه للإطلاق المذكور وبيان لنكتة فيه وهو أنه لما كان المنتهى مسجداً عبر عن المبدأ به لتتم مناسبته له لا أنه سمي بذلك ليتطابقا فإن المبدأ ليس عين المسجد كالمنتهى كما توهم، وفسره بعضهم بما يتعجل منه مع ظهوره وهذا تعليل للعلة مع المعلل لبيان مرجح المجاز، فلا يلزم تعلق حرفي جز بمعنى بمتعلق واحد، وقوله: لما روي
الخ تعليل لقوله من الحرم، وأمّ هانئ بالهمز بنت أبي طالب الصحابية رضي الله عنها، وقوله: مثل لي الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فصليت بهم مجهول من التمثيل وهو إظهار المثال والصورة فهو إفا روحاني أو بالبدن المثالي الذي أثبته الحكماء والصوفية والظاهر أنه بالبدن الحقيقي لأنهم عليهم الصلاة والسلام أحياء في قبورهم، وهو الذي يقتضيه قوله أنه صلى الله عليه وسلم صلى بهم ولذا قيل إن مثل مخفف بوزن ظرف أي انتصب ولا حاجة إليه لأن المشدد بمعناه، قال الراغب في مفرداته: يقال مثل الشيء أي انتصب ومنه قوله عليه الصلاة والسلام: " من أحب أن يتمثل له الناس قياماً " وقد ذكر في الحديث أنه صلى الله عليه وسلم دخل بيت المقدس ووجد فيه نفراً من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فصلى بهم وفي حديث عند الترمذي كما في الروض الأنف أنه أنكر أن يكون صلى الله عليه وسلم صلى بهم وقال: ما زايل ظهر البراق حتى رأى ما رأى والمثبت مقدم على النافي، وقوله استحالة مفعول له لقوله: تعجبوا وفي نسخة واستحالوه أي عدوه محالاً، وقوله: فتعجبوا منه أي من إخباره بمثله من المحال إذ ليس له تحقق عندهم حتى يتعجب منه، وسعى بمعنى مضى وأسرع أو من السعاية وهي نقل الخبر على وجه الإفساد وإنما سعوا إليه رجاء أن يرجع عما هو عليه. قوله: (فسمي الصدّيق الخ) الصذيق صيغة مبالغة كسكيت فإن كانت من الصدق لأن المعروف أخذها من الثلاثي فالمراد شدة صدقه فيما أجابهم به وان كانت من التصديق على خلاف القياس فالمراد كثرة تصديقه له، أو هو من الصداقة، واستنعته أي طلب منه نعته، وقوله: بيت المقدس بالإضافة بوزن مجلس اسم مكان أو مصدر ميمي من القدس وهو الطهر أي المكان الذي يطهر فيه العابد من الذنوب أو يطهر من عبادة الأصنام وجاء فيه ضم الميم وفتح القاف وتشديد الدال المفتوحة وقد تكسر ويقال البيت المقدس بالتوصيف والأشهر الإضافة، وجلى مجهول مثذد أي أظهره الله له حتى شاهده فنعته،
والعير بكسر العين الجمال وتعيين قدومها وما معه بإعلام الله له، وهو من معجزاته صلى الله عليه وسلم لأخباره بالغيب فيه، والأورق من الجمال الأبيض الماثل للسواد وليس بمحمود فيها وإن طاب لحمه لهم، وقوله: يقدم الأوّل من القدوم وهو من باب علم والثاني من قدم يقدم كنصر ينصر بمعنى تقدّم ويجوز كونه ماضيا من التفعل، وقوله: يشتدون بمعنى يسرعون في المشي من قولهم: شد عليه إذا حمل عليه جملة أو هو من الشدة وأصله يشتد جريهم، والثنية مكان مرتفع في جبل يكون طريقا والمراد بها ثنية مخصوصة بمكة يدخل القادم من الشام منها وهي معروفة، وإلى متعلق بيشتدون أو يخرجوا، وكونه قبل الهجرة بسنة قول وقيل: بستة عشر شهراً وقيل: كان قبل البعثة وقد علمت أنه وقع مرّتين كما مر، وقولهم: ما هذا إلا سحر مبين أي ما ذكر لأن السحرة في زعمهم تطلع على بعض المغيبات. قوله: (واختلف في أنه كان في المنام الخ (فعن عائشة رضي الله عنها كانت رؤيا حق وقالت: لم نفقد بدنه وإنما عرج بروحه صلى الله عليه وسلم واحتج لهذا القول بقوله تعالى ة {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ} اسورة الإسراء، الآية: 160 لأن الرؤيا تختص بالنوم لغة وكذا وقع في البخاري، وذهب الجمهور إلى أنها يقظة والرؤيا تكون بمعنى الرؤية في اليقظة كما في قول الراعي يصف صائداً:
وكبر للرؤيا وهش فؤاده وبشر قلباكان جما بلابله ...
وقال الواحدي: إنها رؤية اليقظة ليلا فقط واحتجوا بما سيأتي، قال السهيلي في الروض: وذهبت طائفة(6/4)
ثالثة منهم القاضي أبو بكر إلى تصديق المقالتين وتصحيح الحديثين بأن الإسراء كان مرتين إحداهما في نومه قبل النبوة بروحه توطئة وتيسيراً لما بعده مما يضعف عنه قوى البشر فيما شاهده بعدها وعاناه بجسده، وحكي هذا القول عن طائفة من العلماء، وبه جمع بين ما وقع في طرق الحديث من الاختلاف على ما فصله، وحكى المأزري في شرح مسلم قولاً رابعا جمع به بين القولين فقال: كان الإسراء بجسده في اليقظة إلى بيت المقدس فكانت رؤية عين ثم أسري بروحه جمحيه منه إلى ما فوقه فكانت رؤيا قلب ولذا شنع الكفار عليه قوله عليه الصلاة والسلام: أتيت بيت المقدس في ليلتي هذه ولم يشنعوا عليه قوله: فيما سوى ذلك وكلام المصنف رحمه الله فيه إيهام لهذا القول، قيل والمراد بالمنام هنا ما يشمل ما بين حالي النائم واليقظان كما مر في الرواية الأولى ولا حاجة إليه لأن تلك الحالة كانت عند مجيء جبريل عليه الصلاة والسلام بالبراق لا وقت العروج فتأمل.
قوله: (بروحه أو بجسده (الظاهر أنه لف ونشر فقوله: بروحه راجع للمنام وبجسده لليقظة والمراد روحه فقط وكون المراد بروحه أو بجسده في اليقظة خلاف الظاهر. قوله: (ولذلك تعجب قريش واستحالوه) لأن النائم قد يرى نفسه في السماء ويذهب من المشرق إلى المغرب ولا يستبعده أحد، وأمّا كون العروج بروحه يقظة خارقا للعادة ومحلاً للتعجب أيضا والجواب بأنه غير منكر كالانسلاخ الذي ذهب إليه الصوفية والحكماء، فأمر لا تعرفه العرب ولم يذهب إليه أحد من السلف. قوله: (والاستحالة مدفوعة بما ثبت في الهندسة الخ (دليل عقلي على صحته ورد لاستحالته، والثانية في اصطلاح المتجمعين جزء من ستين جزءاً من الدقيقة والدقيقة جزء من ستين جزءاً من الدرجة وهي جزء من خمسة عشر جزءا من الساعة المقدر بها الليل والنهار، قال أستاذ عصرنا الفيلسوف في العلوم الرياضة: المولى عبد الوهاب هذا غير سديد من وجوه، منها أن علم الهندسة ليس مظنة للبحث عما ذكر ولو قال بالهندسة لهان الأمر لأن براهين الهيئة تعلم من الهندسة كما هو معروف عند من له معرفة بتلك الفنون، ومنها أن ما بين طرفي قرص الشمس وهو قطرها خمسة ونصف بما يكون به قطر الأرض واحداً على ما بين في مباحث الأبعاد والإجرام من التذكرة وغيرها وأمّا ما كان مائة ونيفا وستين مرة فهو جرم الشمس بالنسبة إلى كرة الأرض إذ بين ثمّ إن نسبة كرة الأرض كنسبة مائة وستة وستين وربع وثمن هو الشمس إلى الواحد بناء على ما أثبتوه ثمة من أنّ نسبة كرة إلى كرة كنسبة مكعب قطر الأولى إلى مكعب قطر الأخرى، ومنها أن قطر الشمس الذي هو كالواقع في مأخذ حركة مركزها بالحركة الأولى يصل طرفه المتأخر إلى موضع طرفه المتقدم وهو المراد بوصول طرفها الأسفل إلى موضع طرفها الأعلى على أن الطرف المتقدم أعلى من الطرف المتأخر، وكذا المتأخر أعلى من الطرف المتقدم في الارتفاعات الشرقية والانحطاطات الشرقية في جميع ما يتعين فيه الشرق والغرب من الآفاق مع أن الطرف المتقدم أعلى من جميع جوانب الشمس والمتأخر أسفل جميع جوانبها عند طلوع مركزها في أفق الاستواء فلا غبار في ذلك الوصول لكن كون زمانه أقل من ثانية ممنوع بناء على ما بين في محله من أن قطر الشمس، وجد في أكثر أحوال بعدها مساويا في النظر لقطر القمر في بعده الأبعد وقد بين أيضا أنّ قطر القمر في بعده الأبعد إحدى وثلاثون دقيقة وثلث دقيقة فكيف يتصوّر أن يقطع مركز الشمس مقدار قطرها في أقل من ثانية فيقع فيه ذلك لوصول سواء كانت الثانية ثانية الدرجة أو الساعة أو اليوم إذ اللازم مما ذكر أن يكون زمان الوصول المذكور إحدى وثلاثين دقيقة من دقائق الدرجة أو دقيقتين من دقائق الساعة أو خمس ثوان من ثواني اليوم بالتقريب والذي يقطعه مركز الشمس في أقل من ثانية هو مقدار قطر الأرض على أن تكون الثانية ثانية اليوم ولو اكتفى بذلك القدر
من سرعة حركته ولم يلتزم بيان ما هو أزيد منه لتم إثبات المقصود وهو جواز أن يقطع جسم مسافة بعيدة في زمان قليل أو يحزر تحريراً تاما فليتأمل هذا مرة بعد أخرى فإن دقائقه لا تصل إلى درجة منها بنظرة أولى ولا ثانية وهذا ملخص ما ذكره فمن أراده فعليه بالنظر فيه وهو مما لا شبهة في وروده إلا أن ما أورده أوّلا أمر سهل وقد(6/5)
أشار هو إلى دفعه فتدبر، والنيف مشدداً بوزن كيف ويخفف ما زاد على العقد إلى أن يبلغه.
تنبيه: عبد الوهاب المذكور من موالي الروم له يد طولى وتأليف العلوم الرياضية توفي
بعد عشر وألف قاضياً بالمدينة المنوّرة رأيته مدرساً بسليمية إردنه وكان زاهداً فاضلا ويعرف بقواله إلى زاده. قوله: (وقد برهن في الكلام أن الأجسام متساوية في قبول الإعراض الخ (أقول أنّ المصنف رحمه الله تبعاً للإمام أراد أن يثبت صحة الإسراء بدليل عقلي فذكر له أوّلاً: دليلا من علم الهيئة، وثانياً: من علم الحكمة أخذه من كلام الرازي في المسائل الأربعين وهو أن الأجسام لما كانت متسارية في الذوات والحقائق وجب أن يصح على كل واحد منها ما يصح على غيره لأن قابلية ذلك العرض إن كانت من لوازم تلك الماهية فأينما حصلت لزم حصول تلك القابلية فوجب أن يصح على كل واحد منها ما يصح على كل منها وان لم تكن من لوازمها كانت من عوارضها فيعود الكلام فإن سلم والا دار أو تسلسل وهذا بناء على تركبها من الجواهر الفردة، وهذا مما أجمعوا عليه غير النظام ورده القرافي في حواشيه، وصاحب لباب الفصول وبينوه وأنه لا وجه له وليس باب المعجزات محتاجا لمثل هذه الترهات، والمراد بالإعراض ما يعرض لها كالأمراض والحركات وما يحمله هو البراق قيل: والأولى الواو بدل أو لأن المعراج إنما كان بالبراق وليس بشيء. قوله: (والتعجب من لوازم المعجزات (لما دفع الاستحالة ورد حينئذ أنه أمر ممكن فلا ينبغي التعجب منه فدفع بأن المعجزات أمور خارقة للعادة فيتعجب منها وان كانت ممكنة لأن التعجب يلزم ما خالف العادة لا الاستحالة والمراد باللوازم المذكورة إنكار الأمم لها فإنه يتعجب حينئذ منه مع إمكانه وشمول القدرة له. قوله: الأنه لم يكن حينئذ وراءه مسجد (وجه لتسميته بالأقصى بمعنى الأبعد فهو أبعد بالنسبة إلى من بالحجاز، وفي تاريخ القدس أنه سمي به لأنه أبعد المساجد التي تزار من المسجد، وقيل: لأنه ليس وراءه موضع عبادة، وقيل: لبعده عن الأقذار والخبائث. قوله: (ومتعبد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام من لدن موسى عليه الصلاة والسلام (لا يخفى أنه بناه داود وأتمه سليمان عليه
الصلاة والسلام فكان متعبداً قبل موسى عليه الصلاة والسلام أيضا ففيما ذكره نظر وكأنه أراد أنه قبلة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أو أراد أنه بعد تخريبه، وقوله ومحفوف بالأنهار تفسير لقوله: حوله، وقوله: في برهة بضم الموحدة وتفتح وسكون الراء المهملة بمعنى مدة كما فسره الراغب فالمعنى في مدّة وقطعة من الليل من غير نظر إلى طول وقصر لأنه علم مما مر فلا وجه لما قيل إن المناسب أن يذكر ما يدل على القلة، وقوله: (كذهابه الخ (بيان لتلك الآيات وقوله: ومشاهدته بيت المقدس لما انجلى وظهر له لينعته لهم بمكة كما مرّ، وتمثل الأنبياء صلى الله عليهم وسلم له حين اجتمع بهم عليه الصلاة والسلام وصلى بهم، وقوله: ووقوفه على مقاماتهم إذ رأى كلاً منهم في سماء على تفاوت رتبهم على ما فصل في حديث المعراج، ولا حاجة إلى تقدير ثم إلى السماء بعد قوله إلى المسجد الأقصى كما قيل لأنه المراد بقوله: لنريه من آياتنا إذ معناه لنرفعه إلى السماء حتى يرى ما رأى. قوله: (وصرف الكلام من الغيبة إلى التكلم ئعظيم تلك البركات والآيات (أي صرف من الغيبة التي في قوله: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ} [سورة الإسراء، الآية: 1] ، إلى صيغة المتكلم المعظم في باركنا وما بعده لتعظيم ما ذكر لأنها كمما تدل على تعظيم مدلول الضمير تدل على عظم ما أضيف إليه وصدر عنه كما قيل:
إنما يفعل العظيم العظيما
فهو التفات ونكتته أن قوله الذي أسرى بعبده يدل على مسيره من عالم الشهادة إلى عالم الغيب فهو بالغيبة أنسب، وقوله باركنا حوله لإنزال البركات فيناسب تعظيم المنزل والتعبير بضمير العظمة، وأيضا هو من عالم الشهادة وقوله: لنريه يفيد الاتصال وعز الحضور فيناسب التكلم معه وأما الغيبة فلكونه ليس من عالم الشهادة ولذا قيل: إنّ الغيبة أليق وآياتنا يناسب التعظيم كما مرّ، وقوله: إنه هو السميع البصير بالغيبة لأنه مقام محو الوجود في غيبة الشهود، فإن قلت الالتفات لا يكون إلا في أوّل ما غير وعدل فيه من الكلام، وهو قوله: باركنا وأما قوله لنريه: وآياتنا فليس فيهما التفات لجريهما على نسق ما قبلهما كما لا يخفى، قلت: مراده أنّ الالتفات في الأوّل وأجرى الكلام عليه دون أن يرجع إلى النمط الأوّل لهذه النكتة أما على قراءة ليريه(6/6)
بياء الغيبة وهي قراءة الحسن ففيه التفاتات أربعة كما في الكشات، وقوله لتعظيم تلك البركات والآيات قيل إئه إشارة إلى دفع ما يقال إن الخليل عليه الصلاة والسلام أري ملكوت السموات والأرض وأري نبينا صلى الله عليه وسلم بعضها فمعراج إبراهيم عليه الصلاة والسلام أفضل لأن بعض الآيات المضافة إليه تعالى أشرف وأعظم من ملكوت السموات والأرض كلها قال تعالى: {لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} [سورة النجم، الآية: 18] ولا يخفى أنّ السؤال غير
وارد لأن ما رآه إبراهيم عليه الصلاة والسلام ما فيها من الدلائل والحجج وليس ذلك مقاوما للمعراج فتأمّل. قوله: الأقوال محمد صلى الله عليه وسلم الخ) فضمير أنه وهو دلّه وأتى به على الغيبة ليطابق قوله: بعبده ويرشح ذلك الاختصاص بما يوقع هنا الالتفات في أحسن مواقعه وينطبق عليه التعليل أتمّ انطباق إذ المعنى قربه وخصه بهذه الكرامة لأنه مطلع على أحواله عالم باستحقاقه لهذا المقام، قال الطيبي: إنه هو السميع لأقوال ذلك العبد البصير بأفعاله العالم بكونها مهذبة خالصة عن شوائب الهوى مقرونة بالصدق والصفا، مستأهلة للقرب والزلفى ولا بعد في أن يرجع الضمير إلى العبد كما نقله أبو البقاء انتهى وتبعه فيه بعض المحشين ولا يرد عليه شيء ولا يمتنع إطلاق السميع والبصير على غيره تعالى، كما توهم لا مطلقاً ولا مقيداً نعم الأوّل أظهر ولداً ذهب إليه الأكثر، ثم قال: ولعل السر في مجيء الضمير محتملا للأمرين الإشارة إلى أنهءسز إنما رأى ربه كما في حديث كنت سمعه وبصره فافهم تسمع وتبصر، ويكرمه من التكريم أو الإكرام، وقوله: على حسب ذلك أي أقواله وأفعاله أو سمعه ورؤيته لما صدر منه. قوله تعالى: ( {وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ} الآية) عقبت آية الإسراء بهذه استطرادا بجامع أن موسى عليه الصلاة والسلام أعطي التوراة بمسيره إلى الطور وهو بمنزلة معراجه لأنه منح ثمة التكليم وشرف باسم الكليم وطلب الرؤية مدمجا فيه تفاوت ما بين الكتابين ومن أنزلا عليه د ان شئت فوازن بين أسرى بعبده وآتينا موسى وبين هدى لبني إسرائيل ويهدي للتي هي أقوم، والواو استئنافية أو عاطفة على جملة سبحان الذي أسرى الخ لا على أسرى لعبده وتكلفه، وضمير وجعلناه المنصوب لموسى أو للكتاب ولبني إسرائيل متعلق بهدي أو بجعلناه وهي تعليلية. قوله: (على أن لا تتخذوا الخ (وفي نسخة على أي لا تتخذوا فهي بيان لأن أن تفسيرية بمعنى أي وهو الموافق لما في الكشاف ولا على هذا ناهية جازمة وهي تفسير لما تضمنه الكتاب من الأمر والنهي، والكتاب المكتوب وان كان في الأصل مصدرا وتفسيره بكتابة شيء هو أن لا الخ سيأتي ما فيه وعلى الأولى فالمعنى على أن يكون إلا بمعنى أن لا وهي مفسرة أيضا وليس المراد أنه بمعنى لئلا بحذف الجار كما في قراءة يتخذوا بالغيبة. قوله: (بالياء على لأن لا يتخذوا (وفي نسخة على أن لا يتخذوا أي تقديره كذا ومعناه على الأولى أن أق ناصبة لا مفسرة
وقبلها حرف جر مقدر كما خرجت عليه القراءة الأولى أيضا، وعلى الثانية المعنى أيضا هذا ولكنه لا يناسب النسخة السابقة ولا تظهر المغايرة بينهما والحاصل أن أبا عمرو رحمه الله قرأ بالتحتية والباقون بالفوقية قال أبو البقاء: تقديره على الغيبة جعلناه هدى أو أتينا موسى الخ لئلا يتخذوا وعلى غيرها فيه وجهان أن أن التفسيرية لما تضمنه الكتاب من الأمر والنهي أو لا زائدة والتقدير مخافة أن يتخذوا ولا يخفى أن تفسير الكتاب بمعنى المكتوب وهو التوراة غير ظاهر ولذا قيل إنه مصدر والمعنى كتابة شيء هو أن لا يتخذوا الخ وهو أيضا خلات الظاهر فتأمله، وجوز على المصدرية أن يكون أن لا يتخذوا بدلاً من الكتاب. قوله: (ربا تكلون إليه أموركم غيري (إشارة إلى أن وكيلا فعيل بمعنى مفعول وهو الموكول إليه أي المفوّض إليه الأمور وهو الرب وأن دون بمعنى غير ومن زائدة ويجوز أن تكون تبعيضية ومن دوني وكيلا مفعولاً لتتخذوا وكون دون بمعنى غير مصرج به في كتب اللغة والعربية ولها معان أخر وحاصله النهي عن الإشراك. قوله: (نصب على الاختصاص الخ (هذا توجيه لقراءة النصب وهي المشهورة ولذا بدأ بتوجيهها وعلى الاختصاص هو مفعول لا خص أو أعني مقدراً وليس بنداء وإن كان على صورته على ما حقق في النحو وعلى النداء فيا محذوفة فيه والتقدير يا ذرية من الخ وجوز فيه أيضا البدلية من وكيلا(6/7)
لأن المبدل منه ليس في حكم الطرج من كل الوجوه أي لا تتخذوا من دوني ذرية من حملنا، وأما كونه بدلاً من موسى كما ذكره أبو البقاء فبعيد جدا. قوله: (إن قرئ أن لا تتخذوا بالتاء (أي بالتاء الفوقية للخطاب وهذا قيد للنداء وخصه به تبعا لغيره كمكي فإنه قال: من قرأيتخذوا بالياء التحتية يبعد معه النداء لأن الياء للغيبة والنداء للخطاب فلا يجتمعان إلا على بعد، قيل: وليس كما زعم إذ يجوز أن ينادي الإنسان شخصاً ويخبر عن آخر فيقول: يا زيد ينطلق بكر وفعلت كذا يا زيد ليفعل عمرو كيت وكيت، وهذا إن سلمت صحته لا يدفع البعد الذي قاله وهو لا ينكر. قوله: (أو على أنه أحد مفعولي لا تتخذوا الخ (عطف على قوله: على الاختصاص، وجملة ومن دوني حال حالية أو اعتراضية أو معطوفة على اسم أن وخبرها يعني أنه ليس أحد مفعولي اتخذ كما في الوجهين السابقين ومن على هذا يجوز فيها أن تكون ابتدائية ووكيلاً مفعول ثان على التقديم والتأخير وهو بمعنى وكلاء لأن فعيلاً بمعنى مفعول يستوي فيه الواحد المذكر وغيره فلا يرد عليه أن المفعول الثاني خبر معنى وهو غير مطابق هنا. قوله: (فيكون كقوله الخ (أي مثله في المعنى لأن الوكيل بمعنى الوكلاء والمراد الأرباب كما مر فهو إشارة إلى عدم انتهائهم لاتخاذهم عزيرا وعيسى عليهما الصلاة والسلام ربا. قوله: (على أنه خبر مبتدأ محذوف (تقديره هو ذرية ولا بعد فيه كما توهم وقوله: أو بدل
من واو يتخذوا قال ابن عطية: ولا يجوز هذا في القراءة بالتاء الفوقية لأنّ ضمير المخاطب لا يبدل منه الاسم الظاهر، ورد بأنه يجوز في بدل البعض والاشتمال والكل إذا أفاد الإحاطة والشمول نحو جئتم كبيركم وصغيركم مع أنه جوّزه الأخفش والكوفيون فلذا أطلقه المصنف رحمه الله ولم يقيده بقراءة. قوله: (وذرية بكسر الذال (أي القراءة المشهورة بالضم وقرئ بالكسر أيضاً وهو معطوف على قوله: بالرفع لا على المستتر في قرئ وهذا من تغييرات النسب، قال الراغب الذرية أصلها الأولاد الصغار وإن كان يقع على الصغار والكبار، وششعمل للواحد والجمع وأصله الجمع وفيه أقوال، قيل هو من ذرا الله الخلق فترك الهمز فيه كما في برية وأصله ذروية وقيل: هو فعلية كقمرية وقيل إنه من الذر وتحقيقه في المفصلات وليس هذا محله. قوله: (وفيه تذكير بأنعام الله تعالى (إشارة إلى مناسبة ما ذكر هنا وأنه أيما إلى علة النهي كأنه قيل: لا تشركوا به فإنه المنعم عليكم والمنجي لكم من الشدائد وإنهم ضعفاء محتاجون إلى لطفه وفي التعبير بالذرية الغالب إطلاقها على الأطفال والنساء مناسبة تاقة لما ذكر وذكر حملهم في السفينة للإشارة إلى أنه لم يكن لهم حينئذ وكيل يتكلون عليه سواه، وقوله: يحمد الله الخ المراد بمجامع حالاته جميع حالاته والباء ظرفية وهذا من صيغة المبالغة في شكور، وفسر الشكر بالحمد الواقع في مقابلة النعمة لأنه رديفه، ووجه الإيماء أنه مسوق على وجه التعليل لما قبله وفيه أيضا حث لهم على الاقتداء، وقيل: إنه استطراد. قوله: (وأوحينا إليهم وحيا مقضيا مبتوتاً (المبتوت المقطوع به لأن القضاء بمعنى الحتم كما يدل عليه قوله في الكتاب، ولما كان قضى يتعدى بعلى وقد تعدى هنا بإلى ذهب بعضهم إلى أن إلى بمعنى على، وأما المتعدي بنفسه في قوله: قضى زيد منها وطرأ فبمعنى آخر، وذهب المصنف كغيره إلى أنه ضمن معنى الإيحاء فعدى بها وجعل المضمن أصلاً والمضمن فيه تابعاً صفة لمصدره لا حالاً كما اشتهر من عكسه لما مر من تحقيقه وقول الراغب: القضاء يكون بفصل الأمر قولاً أو فعلاً وكل منهما إمّا إلهي أو غيره فمن القول الإلهي وقضينا إلى بني إسرائيل فهذا قضاء بالإعلام والفصل في الحكم أي أعلمناهم وأوحينا إليهم وحيا جزما ليس فيه ما يقتضي عدم التضمين كما قيل، والوحي إليهم الإعلام ولو بواسطة النبيّ صلى الله عليه وسلم والكتاب، فلا وجه لما توهم من أنه لا معنى للوحي إليهم، وفسر الكتاب بالتوراة وقيل إنه اللوح المحفوظ على أنّ إلى بمعنى على. قوله: (جوإب قسم محذوف أو قضينا (أي أو جواب قضينا فهو معطوف على
قسم يعني أنه إفا جواب قسم تقديره والله لتفسدن الخ بقرينة اللام وهو مؤكد لتعلق القضاء أو جواب قوله: قضينا لتضمنه معنى القضاء وإجرائه مجراه في تلقيه بما يتلقى به كما قال(6/8)
العرب: قضاء الله لأفعلن كذا. قوله: (1 فسادتين (إشارة إلى أن مرتين منصوب على أنه مصدر لتفسدن من غير لفظه وعدل عنه لأن تثنية المصدر وجمعه ليس بمطرد والفعلة المرة الواحدة. قوله: (مخالفة أحكام التوراة وقتل شعياء الخ (شعياء نبي بعث بعد موسى عليهما الصلاة والسلام قيل: لما بلغهم الوحي أرادوا قتله فهرب ودخل شجرة انفلقت له فنشروها وهو في وسطها فقتلوه، كذا قال ابن إسحق رحمه الله، ووقع في نسخة وقيل ارمياء فقيل إنه مرضه لأنه لم يثبت قتله والذي وقع في الكشاف حبسه، وقيل إنه الخضر عليه الصلاة والسلام وان نظر فيه فإنه صاحب موسى عليه الصلاة والسلام كما سيأتي، وفي الكشف أن أرميا بضم الهمزة وكسرها وتشديد الياء وتخفيفها وفي القاموس أنه نبي وقوله: قتل زكريا ويحيى عليهما الصلاة والسلام في تفسير القرطبي أن زكريا مات بأجله ولم يقتل فلذا قيل: الأولى الاقتصار على يحيى، وذكر في الكشاف قتل زكريا بما وقع في المرة الأولى وضم إليه حبس أرميا وذكر قتل يحيى في المرة الثانية فقال في الكشف هذا فيمن جعل هلاك زكريا قبل يحيى وأرميا كان في زمن بختنصر، وبينه وبين زكريا أكثر من مائتي سنة. قوله: (ولتستكبرنّ عن طاعة الله الخ (أصل معنى العلوّ الارتفاع وهو ضد السفل فتجوز به عن التكبر والاستيلاء على وجه الظلم هنا كما أشار إليه المصنف رحمه الله، وقوله: وعد عقاب أولاهما ضمير أولاهما للمزتين قبله، والوعد هنا بمعنى الوعيد وفيه مضاف مقدر وهو عقاب وقيل: الوعد بمعنى الموعد اسم الوقت أو هو مقدر معه وفي نسخة بدل وعد وعيد وهي أظهر. قوله: (يختنصر (بضم الباء وسكون الخاء المعجمة والتاء المثناة معزب بوخت بالعبرانية معناه ابن، ونصر بفتح النون وتشديد الصاد المهملة وبالراء المهملة اسم صنم وهو علم أعجميئ مركب قال في القاموس: كان وجد عند الصنم ولم يعرت له أب فنسب إليه قيل إنه ملك الأقاليم، وقال ابن قتيبة: لا أصل لملكه لها، وعليه قول المصنف رحمه الله عامل لهراسف وهو ملك ذلك العصر، وبابل مملكة معروفة وعن ابن إسحق رحمه الله إنه لما عظم فساد بني إسرائيل استحلوا المحارم وقتلوا شعياء عليه الصلاة والسلام فجاءهم بختنصر ودخل بجنده بيت المقدس فقتلهم حتى أفناهم، وقوله: وص ده بالنصب عطف على بختنصر. قوله: (وقيل جالوت الجزري (بالجيم والزاي المعجمة نسبة إلى جزيرة بابل المعروفة الآن بالجزيرة المعمرية أي وقيل: الذي غزاهم جالوت يعني مع جنوده، وكذا ما بعده ولم يذكره اكتفاء، وقيل الخزري بخاء معجمة وزاي مفتوحتين نسبة
للخزر وهو ضيق العين وصغرها وجيل من الناس، وسنجاريب يروى بالجيم وهو المعروف، وروي بالحاء المهملة وهو اسم ملك، ونينوى بكسر النون ثم ياء مثناة تحتية ساكنة ثم نون مضمومة وواو مفتوحة بعدها ألف قرية بقرب الموصل منها بعث يونس عليه الصلاة والسلام، وفي الأعلام للسهيلي أن المبعوث لهم هم أهل بابل وكان عليهم بختنصر في المرّة الأولى حين كذبوا إرميا وجرحوه وحبسوه، وأمّا في المرّة الآخرة فاختلف في المبعوث عليهم وأن ذلك كان بسبب قتل يحيى بن زكريا عليهما الصلاة والسلام، وكان قتله ملك من بني إسرائيل والحامل على قتله امرأة اسمها ازبيد قتلت سبعة من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فبقي دم يحيى يغلي حتى قتل منهم سبعون ألفاً فسكن وقيل إن المبعوث عليهم بختنصر وهذا لا يصح لأنّ قتل يحيى عليه الصلاة والسلام كان بعد رفع عيسى صلى الله عليه وسلم وبختنصر كان قبل عيسى بزمن طويل وقبل الاسكندر وبين الاسكندر وعيسى عليه الصلاة والسلام نحو ثلثمائة سنة ولكنه إن أراد بالمرّة الأخرى حين قتلوا شعياء صح فقد كان بختنصر، حيا إذ ذاك فهو الذي قتلهم وخزب بيت المقدس واتبعهم إلى مصر وأخرجهم وبعض هذا عن الطبري. قوله: (بأس شديد (قال الراغب: البؤس والبأس وإلبأساء الشدة والمكروه، إلا أن البؤس في الفقر والحرب أكثر والبأساء في النكاية ولذا قيل أن وصفه بالشديد للمبالغة كأنه قيل ذو شدة كظل ظليل ولا بأس فيه، وقيل إنه تجريد وهو صحيح أيضاً، وقوله في الحرب لما مرّ عن الراغب. قوله: (ترددوا لطلبكم الخ (قال الراغب: جاسوا الديار(6/9)
توسطوها، وترددوا بينها ويقاربها حاسوا وداسوا وقيل: الحوس طلب الشيء بالاستقصاء، وقوله: وقرئ بالحاء المهملة هي قراءة طلحة وأبو السماك وقرئ أيضا تحوسوا بزنة تكسروا وهما شاذان، وقوله: وهما أخوان أي متقاربان لفظا ومعنى.
قوله: (وسطها (يعني أن خلال اسم مفرد بمعنى وسط ولذا قرىء خلل الديار، وقيل إنه
جمع خلل أي وسط كجبال في جبل، وقوله: للقتل والغارة بالغين المعجمة بمعنى النهب هذا يقتضي أن قوله: لطبكم من معنى الحوس كما مر تفسيره به وان احتمل خلافه، وحرقوا بالقاف من الحريق، وخزبوا بالخاء المعجمة من التخريب. قوله: (والمعتزلة لما منعوا تسليط الله الكافر الخ (بناء على مسألة القبح العقلي فلا يسند مثله إلى الله فجعلوه مجازاً عن عدم المنع ولا قبح فيه وتارة قالوا: لا قبح في نفس البعث وإنما القبح في التخريب والتحريق المسند إليهم وتفصيله في الكشاف وشروحه. قوله: (وكان وعد عقابهم لا بدّ أن يفعل (يعني اسم كان
ضمير الوعد السابق ومعنى مفعولاً متحتم إلفعل والألم يفد الحمل وقيل الضمير للجوس، وقيل إنه حمله على كونه مفعولاً قبل وقت الوعد فاحتاج إلى التأويل ولك أن تحمله على أنه كان قبل وقت النزول فلا حاجة إليه فتأمل. قوله: (أي الدولة والغلبة) أصل معنى الكز العطف، والرجوع ومنه الكز والفرّ في الحرب وغيره، قال امرؤ القيس:
مكز مفرّ مقبل مدبر معا
ولذا سمي الفتل به والحبل المفتول أيضاً والكزة مصدره ثم أطلقت على الدولة والغلبة مجازاً شائعاً كما يقال: تراجع الأمر، ولام لكم للتعدية، وقيل إنها للتعليل وعليهم متعلق بالكزة لما فيها من معنى الغلبة أو هو حال منها وجوّز تعلقه برددنا وشفقة مفعول ألقى، والأسرى جمع أسير وردهم إلى الشام من أرض بابل بعد قتل بختنصر ونقل باقيهم إليها، وقوله: من اتباع بختنصر جعل جار الله قتل بختنصر من آثار هذه الكرّة وهذا ناظر إلى أن المبعوث قتل بختنصر وما بعده ناظر إلى أنه جالوت، وفي اللباب أن معرفة هؤلاء الأقوام بأعيانهم لا يتعلق بها كبير غرض إذ المقصود أنهم لما كثرت معاصيهم سلط الله عليهم من ينتقم منهم مرة بعد أخرى. قوله: (أو بأن سلط داود عليه الصلاة والسلام على جالوت ققتله (قيل إنه يرذه قوله: وليدخلوا المسجد الخ فإن المسجد الأقصى هو المراد به أوّل من بناه داود ثم أكمله سليمان عليه الصلاة والسلام فلم يكن قبل داود مسجد حتى يدخلوه أوّل مرّة إلا أن يرتكب المجاز فيه، ودفع بأن حقيقة المسجد الأرض لا البناء أو بحمل قوله دخلوه على الاستخدام ولا يخفى أن المعترض أشار إلى ما ذكره هذا القائك مع ما فيه من التلطف، والأولى ما أشار إليه العلامة في شرح الكشاف من أن المبعوثين في المرة الآخرة لا يتعين كونهم المبعوثين أوّلاً فتدبر. قوله: (مما كنتم (بيان للمفضل عليه المقدر وقيل تقديره من أعدائكم، وقوله: من ينفر أي يذهب معه من قومه وصحح السهيلي أنه اسم جمع لغلبته في المفردات وعدم اطراد مفرده. قوله: الأنّ ثوابه (أيمما الإحسان لها أي للأنفس يعني أن اللام هنا للنفع كقوله: لها ما كسبت واللام في التفسير لتعليل كونه نافعاً لها وكذا قوله: فإن وبالها الخ وفي قوله: عليها إشارة إلى أنّ اللام الثانية بمعنى على وعبر بها لمشاكلة ما قبلها والازدواج افتعال من المزاوجة والمراد به المشاكلة لا ما اصطلح عليه أهل البديع، وقيل: اللام بمعنى إلى أي
إساءتها راجعة إليها، وقيل إنه تهكم وقيل إنها بمعنى على كما في قوله:
فخرّ صريعاً لليدين وللفم
وقيل إنها للاستحقاق كما في قوله: لهم عذاب، وفي الكشاف أنها للاختصاص قيل:
وهو مخالف في الآثار من تعدى ضرر الإساءة إلى غير المذنب إلا أن يقال: إنّ ضرر هؤلاء القوم من بني إسرائل لم يتعدهم ولا حاجة لمثله من التكلف لأن الثواب والعقاب الأخرويين لا يتعذيان وهما المراد هنا، والإحسان والإساءة بمعنى الأنعام وضده وإحسان العمل وما يخالفه قيل والمراد هنا الثاني لا الأعئم الشامل لهما وهو فعل ما يستحسن له أو لغيره والألم يلائمه كلام علي كرّم الله وجهه المنقول في الكشاف والظاهر أن المراد هو الأعمّ إذ هو أنسب وأتم، ولذا قيل إن تكرير الإحسان في النظم دون الإساءة إذ قيل فلها دون فإساءتكم لها إشارة إلى أن جانب الإحسان أغلب وأنه إذا(6/10)
فعل. ينبغي تكراره بخلاف ضده فتأمل. قوله: (بعثناهم ليسؤوا (إشارة إلى أنه متعلق بجواب إذا المحذوف لدلالة ما قبله عليه كما صرّج به في قوله: فحذف الخ، وقوله: بادية آثار المساءة فيها بنصب بادية منونا ورفع آثار به يعني أنه عدى المساءة إلى الوجوه وإن كانت عليهم لأنّ آثار الأعراض النفسانية إنما تظهر في الوجه كنضارة الوجه واشراقه بالفرج وكلوحه وسواده بالخوف والحزن، فالوجه عبارة عن الذات لظهور الآثار فيه فهو مجاز مرسل وقيل إنه استعارة تبعية، وقيل: الوجوه بمعنى الرؤساء وهو تكلف واختير هذا على ليسوؤكم مع أنه أخصر وأظهر إشارة إلى أنه جمع عليهم ألم النفس والبدن المدلول عليه بقوله وليتبروا، وقوله: للوعد أي بمجيء وقت العقوبة أو للبعث المدلول عليه بما مرّ والإسناد مجازي بخلافه في الوجه الأخير، وقوله: بالنون أي في أوّل المضارع وهذه القراءة مناسبة لقوله: بعثنا وما معه والضمير في القراءة المشهورة للعباد والقراآت على ما في شرح الشاطبية محصلها أن الحرميين وأبا عمرو وحفصا قرؤوا بالياء وضم الهمزة وواو ممدودة، وابن عامر وشعبة وحمزة بالياء وفتحها والكسائي بالنون والفتح أما على قراءة النون فاللام لام الأمر دخلت على المتكلم كما في قوله: (ولنحمل خطاياكم (وجواب إذا هو الجملة الإنشائية على تقدير الفاء وكذا إذا كان بالياء، وقيل: اللام على هذه القراءة يجوز أن تكون لام الأمر، وقوله: على الأوجه الأربعة أي النون والياء في أوّله مع التثقيل والتخفيف، وقوله على أنه جواب إذا أي والفاء محذوفة لأن الجمل الإنشائية لا تقع جواباً بدونها والضمير للعباد على حذ عندي درهم ونصفه والمراد به في الأخيرة أنه في معنى الجواب لأنّ اللام المفتوحة قسمية وجواب القسم
ساذ مسذ جواب إذا وهذا يحتمل عوده إلى الأخير وإلى ما قبله من قوله: وقرىء لنسوأن بالنون، فتأمّل. قوله: (متعلق بمحذوف هو بعثناهم (هذا على الوجه الأخير كما أنه كذلك إذا كانت اللام لام الأمر لكنه حينئذ يحتمل أن تكون هذه اللام لام أمر أيضا وهذه الجملة معطوفة على جملة قبلها ومن جعل الأولى لام كي وهذه مثلها فالجار والمجرور معطوف على الجار والمجرور وهو متعلق ببعثناهم المحذوف أيضا فعبارة المصنف رحمه الله يمكن أن تشملهما أو متعلقه مقدر وهو من عطف جملة على أخرى وكما دخلوه نعت لمصدر محذوف أو حال أي دخولاً كما دخلوه أو كائنين كما دخلوه، وأوّل منصوب على الظرفية الزمانية والتتبير الهلاك كما فسره المصنف رحمه الله به. قوله: (ما غلبوه واستولوا عليه (يعني أن ما موصولة والعائد محذوف وهو إما مفعول أو مجرور أو مصدرية ظرفية أي ليهلكوهم ما داموا غالبين عليهم قاهرين لهم وأسماء الملوك المذكورة غير مضبوطة عندنا واهدأ وهدأ مهموز الآخر بمعنى سكن، وقوله: نوبة بالنون والباء الموحدة بمعنى مرة. قوله: (عدنا موّة ثالثة (قال الراغب: العود الرجوع إلى الشيء بعد الانصراف عنه إفا انصرافا بالذات أو بالقول أو العزيمة فقوله: مرّة ثالثة إن تعلق بالعقوبة على أنّ المعنى عاقبناكم عقوبة ثالثة فلا خفاء فيه لتقدم العقوبة بتسليط أعدائهم عليهم مرتين، وإن تعلق بالعود فمعناه عودة ثالثة، والعود إنما يكون بعد الترك المسبوق بالفعل فالمرّة الأولى لا عود فيها بل في الثانية فتكون هذه عودة ثانية لا ثالثة، ولذا أورد عليه أن العود مرّتين والأوّل بدء لا عود ويدفع بأن العود قد يطلق على الفعل، وإن لم يسبق مثله كما ذكر في قوله تعالى: {أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا} [سورة الأعراف، الآية: 88، وأما القول بأن أوّل المرات كونهم تحت أيدي القبط فتكلف ظاهر، وأما الكلام في أن عبارة الكشاف مثل هذه أو لا فمن الفضول هنا ومن دفعه بأن المراد بالعود الرجوع فقد وقع فيما فز منه. قوله: (هذا لهبم في الدنيا (هذا توطئة لما بعده وبيان لأن ما ذكر جامع لعذابهم في الدنيا والآخرة وقوله: محبسا أي مكانا للحبس المعروف فإن كان اسما للمكان فهو جامد لا يلزم تذكيره وتأنيثه وإن كان بمعنى حاصراً أي محيطا بهم وفعيل بمعنى
فاعل يلزم مطابقته، فإقا لأنه على النسب كلابن وتامر أو لحمله على فعيل بمعنى مفعول أو لأنّ تأنيث جهنم غير حقيقي أو لتأويلها بمذكر، وقوله: أبد الآباد بالمد جمع أبد وليس مولداً كما قيل ومعنى أبد الآباد دائماً. قال في الأساس: يقال لا أفعله أبد الآباد(6/11)
وأبد الأبيد وأبد الآبدين، وقوله بساطا كما يبسط الحصير كقوله لهم: من جهنم مهاد فهو تشبيه بليغ والحصير بهذا المعنى بمعنى محصور لحصر بعض طاقاته على بعض كما قاله الراغب. قوله: اللحالة أو الطريقة (يعني أنه صفة لموصوف حذف اختصارأ لتذهب النفس كل مذهب فلذا كان أبلغ من ذكره كما في الكشاف وتعدية هدى بنفسه وباللام وإلى تقدمت ولم يذكر تقديره بالملة كما في الكشاف والقراءة بالتخفيف ضد التشديد لأنه يقال: بشرته وبشرته وأبشرته كما مرّ. قوله: (عطف على أنّ لهم أجرا الخ (يعني أنه إما معطوف على أن الأول فهو مبشر به أيضا لأنّ مصيبة العدوّ سرور، أو البشارة مجاز مرسل بمعنى مطلق الأخبار الشامل لهما فلا يلزم الجمع بين معنيي المشترك أو الحقيقة والمجاز حتى يقال إنه من عموم المجاز وإن كان راجعا لهذا، أو أنه مفعول يخبر مقدر فهو من عطف الجملة على الجملة، وأخره لأن التقدير خلاف الظاهر. قوله: (ويدعو الله (أي يدعو الإنسان الله عند غضبه بالشر فالباء فيهما صلة الدعاء، ووقوع ذلك عند الغضب على نفسه أو غيره كما سيأتي مشاهد يعني أنّ الإنسان إذا ضجر دعا بالشر وألح فيه كما يدعو بالخير ويلح فيه، وقيل: الباء بمعنى في يعني أنه يدعو في حالة الشر والضر كما كان يدعو في الخير فالمدعو به ليس الشر والخير، وقيل إنها للسببية وتركهما المصنف رحمه الله لمخالفتها الظاهر وقوله: أو يدعوه بما يحسبه خيراً وهو شر فلا يدعو في الدعاء به بناء على زعمه وظنه سواء كان خيريته وشريته لنفسه أو لغيره وهذا غير مقيد مجال الغضب وهو ظاهر، وقوله: مثل دعائه الخ يعني أنه مصدر تشبيهي وأصله دعاء كدعائه فحذف الموصوف وحرف التشبيه فانتصب وليس المراد أن فيه مضافا مقدراً أي مثل، وقيل المراد آدم عليه الصلاة والسلام يعني أن المراد على الأول جنس الإنسان وقيل إن المراد من الإنسان الثاني آدم عليه الصلاة والسلام ووجه ارتباطه بما قبله إفادته أن عجلته بالدعاء لضجره أو لعدم تأمله من شأنه وأنه موروث له من أصله:
شنشنة أعرفها من أخزم
فهو اعتراض تذييلي وكلام تعليلي، ولينهض بمعنى ليقوم كما روي أنه لما وصلت الروج
لعينيه نظر إلى ثمار الجنة فلما دخلت جوفه اشتهاها فوثب عجلا إليها فسقط فأول بلاء وقع على الإنسان من بطنه، وهذا روأه القرطبي فالعهدة فيه عليه. قوله: (روي أثه عليه اللام الخ (سودة أئم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وزمعة بفتح الزإي المعجمة وفتح الميم والعين المهملة أبوها وهي في الأصل زوائد خلف الأرساغ وبها سمي، وكتافه بكسر الكاف والتاء المثناة الفوقية والفاء اسم حبل تشد به اليدان وفي نسخة أكتافه جمع كتف، وقوله: فدعا عليها بقطع اليد أي قال: اللهمّ اقطع يديها لكونها حلت يده، ورواه الزمخشري أيضا قريبا من هذا لكن قال ابن حجر أنه: لم يوجد كذا في كتب الحديث والذي رواه الواقدي في المغازي عن ذكوان عن عائشة رضي الله تعالى عنها أن النبيّ صلى الله عليه وسلم دخل لها بأسير، وقال لها: احتفظي به قالت فهرب مع امرأة فخرج ولم تشعر فدخل فسأل عنه فقلت والله لا أدري فقال: قطع الله يدك وذكر نحواً من هذا، وقوله: فاجعل دعائي رحمة يعني أنه جمر رجا من الله أن يجعل الدعاء على أحد من أفته عند الغضب لله رحمة له بأن لا يؤثر فيه دعاؤه، وهذا من شفقته كصز بأفته ورأفته بهم، وقوله فاجعل دعائي الخ هذا وقع في مسلم في معاوية لما دعاه فقيل إنه يأكل. قوله: (وبجوز أن يريد بالإنسان الكافر الخ (يعني المراد بالدعاء على هذا ما هو على صورته لقصد الاستعجال فهو مجاز محتمل للحقيقة، والنضر معروف من كفار قريش، وقوله: خير الحزبين يعني حزبي المسلمين والمشركين، وقوله: (اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك (الآية وتمامها فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم فنصر الله حزب رسول الله لأنهم خير محض وابتلى هو بالعذاب فقتل، وقوله: صبراً أيمما مصبوراً محبوسا يقال صبرته أي حبسته ويقال قتل صبراً إذا أمسك وحب حتى يقتل بخلاف من قتل في حرب أو على غفلة منه وصبرا منصوب على المصدرية أي قتلا صبراً ورجح الإمام هذا الوجه فقال إنه تعالى لما شرح ماض به نبيه صلى الله عليه وسلم الإسراء وايتاء موسى عليه الصلاة والسلام التوراة وما فعله بالعصاة
المتمردين من تسليط البلاء عليهم(6/12)
كان ذلك تنبيهاً على أن طاعة الله توجب كل خير وكرامة ومعصيته توجب كل بلية وغرامة لا جرم قال: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} [سورة الإسراء، الآية: 9] ثم عطف عليه {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ} [سورة الإسراء، الآية: 12، الخ بجامع دليلي العقل والسمع أو نعمتي الدين والدنيا، وأما اتصال قوله: ويلأع الإنسان بالشر الخ فهو أنه تعالى لما وصف القرآن حتى بلغ به الدرجة القصوى في الهداية أتى بذكر من أفرط في كفران هذا النعمة العظمى قائلا اللهمّ إن كان هذا هو الحق الخ فظهر أنّ هذا الوجه كما نقل عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما هو المذهب. قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ} قال المعرب: الجعل بمعنى التصيير متعد لاثنين، أو بمعنى الخلق متعد لواحد وآيتين حال مقدرة واستشكل الأوّل بأنه يستدعي أن يكون الليل والنهار موجودين على حالة ثم انتقلا عنها إلى أخرى وليس كذلك ويدفع بأنه من باب ضيق فم الركية وهو مجاز معروف، وقوله: تدلان على القادر الحكيم الدلالة من نفس الآية لأنها العلامة الدالة على شيء وهما دليلان بتغيرهما على وجود فاعل مختار قادر لما في ذلك من القدرة الباهرة، حكيم لما فيه من الحكمة الظاهرة ويستلزم هذا وحدته أيضا. قوله: (بتعافبهما على نسق واحد (فالتعاقب دليل القدرة والنسق الواحد دليلى الحكمة فلذا قيده بقوله: بامكان غيره، والضمير للتعاقب أو للنسق والباء فيه للمصاحبة وفي قوله: بتعاقبهما للسببية فلا محذور في تعلقهما بالدلالة مع اختلاف معناهما، ومن أرجع ضمير غيره للقادر الحكيم وإن استبعد جعل باءه للسببية أيضاً كأنه أبدله من الظرف الأوّل لأن تعاقبهما يشتمل على الحدوث والإمكان المقتضي للاستناد إلى واجب الوجود فلا محذور فيه فافهم، ولبعض الناس هنا خبط تركناه خوت الملل. قوله: (أي الآية التي هي الليل بالإشراق (الجاز والمجرور متعلق بمحونا فمحوه إزالة ظلمته بالضوء، وعدل عما في الكشاف وغيره من تفسيره بجعلنا الليل ممحوّ الضوء مطموسه مظلماً لا يستبين فيه شيء كما لا يستبين ما في اللوح الممحوّ فقيل في وجهه أن المحو إزالة الشيء الثابت وليس فيما ذكره الكشات ذلك فلا وجه للعدول عن الحقيقة بلا ضرورة ثمّ تعقب بأنه يكفي ما بعده قرينة على تلك الإرادة فإن محو الليل في مقابلة جعل النهار مضيئاً وعلى ما ذكر المصنف رحمه الله قد لا يتعلق بمحو الليل فائدة زائدة على ما بعده وقيل عليه أن الظلمة هي الأصل والنور طارىء فيكون الليل مخلوقاً مطموس الضوء مفروغ عنه فالمراد بيان أنه تعالى خلق الزمان ليلاً مظلما ثم جعل بعضه نهاراً بإحداث الإشراق لفائدة ذكرها وكون محو الليل في مقابلة جعل النهار مضيئاً لا يوجب حمله على المجاز لفائدة بيان إبقاء بعض الزمان على إطلاقه وجعل بعضه مضيئا ولا يخفى ما فيه من التكلف، وأن المقام لا يلائمه فإن السياق لتفصيل الآيتين وعلى هذا المصرج به إحداهما فتاقل، وقوله: والإضافة فيها للتبيين أي على هذا الإضافة بيانية على تقدير من لصحة الحمل فيها بخلافها على الوجه الآتي وإضافة العدد كأربع نسوة مثلا وهي بيانية
أيضا. قوله: (مضيئة) فهو مجاز بعلاقة السببية أو هو من الإسناد المجازي كقولك: نهاره صائم أي مبصر من هو فيه أو هو للنسب أي ذات أبصار، وقوله أو مبصرة للناس يعني أنه من أبصره المتعذي من بصر فأبصره غيره أي جعله مبصمراً ناظراً والإسناد إلى النهار مجازي من الإسناد إلى سببه العادي والفاعل الحقيقي هو الله، وقوله: أو مبصراً أهله برفعه وهو مروي عن أبي عبيدة من باب أفعل المراد به غير من أسند إليه كأضعف الرجل إذا ضعفت ماشيته وأجبن من الجبن ضد الشجاعة إذا كان قومه جبناء بضم الجيم وفتح الباء الموحدة وبالنون والمد جمع جبان، فأبصرت الآية بمعنى صار أهلها بصراء وهو معنى وضعي لا مجازي. قوله: (وقيل الآيتان القمر والشمس (فالإضافة لامية ويحتاج حينئذ في قوله: وجعلنا الليل والنهار إلى تقدير مضاف في الأوّل أو الثاني كما ذكره المصنف رحمه الله إن جعلناه متعديا إلى مفعولين والليل والنهار هو المفعول الأوّل وآيتين الثاني فإن عكس كما في البحر وجعل الليل والنهار منه وبين على الظرفية في موضمع المفعول الثاني أي جعلنا في الليل والنهار آيتين وهما النيران لا يحتاج إلى تقدير كما إذا كان متعذيا لواحد بمعنى خلقنا والليل والنهار منصوبان على الظرفية كما جوّزه المعربون. قوله: (ومحو آية الليل التي هي القمر الخ (فمعنى محوها(6/13)
خلقها كمدة غير مشرقة بالذات لأن ضوءها مكتسب من الشمس على ما ذكره أهل الهيئة فالمحو ليس بمعنى إزالة ما ثبت بل خلقها كذلك كما مر عن الزمخشري، وعلى الثاني هو على ظاهره لأنه تنقيص نورها المكتسب شيئا فشيئا حتى يزول في آخر الشهر والنقص المذكور بحسب الرؤية والإحساس واذ ما قابل الشمس مضيء دائماً، وقوله: إلى المحاق أي إلى أن ينمحق ضوءه ويذهب لقيبته في آخر الشهر والمحاق يطلق على ثلاث ليال من آخره ات لك، وقوله: تبصر الأشياء بضوئها إشارة إلى أنّ فيه إسناداً مجازيا إلى السبب العادي أو تجوّزاً بعلاقة السبب كما مر. قوله: (لتطلبوا في بياض الئهار (يعني أن معنى الابتغاء الطلب وقوله: لتبتغوا متعلق بقوله: وجعلنا آية النهار مبصرة، وفيه مقدر أي لتبتغوا فيه ليرتبط معنى به، وقوله: بياض النهار فيه تسمح استعملته العرب أي في النهار الأبيض ووصفه باللون تجوز أيضاً، والمعاش مصدر ميميئ وضمير به لبياض النهار واستبانة الأعمال ظهور ما يفعل فيه، وقوله: باختلافهما أي تعاقبهما على نسق راجع إلى المعنى الأوّل وهو أن الآيتين نفس الليل والنهار، وقوله: أو بحركاتهما راجع إلى الثاني وهو أنهما النيران، قيل: والظاهر المناسب أن يقال: المراد لتعلموا بالليل فإن
عدد السنين الشرعية والحساب الشرعي يعلم به غالباً أو بالقمر لقوله تعالى: {قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} [سورة البقرة، الاية: 189] أو المراد باختلافهما اختلافهما مع ما فيهما من النيرين كما قيل وهذا مع كونه خلطا لأحد القولين بالآخر مما لا حاجة إليه فإن السنين شمسية وقمرية وبكل منهما العمل فلو قيل أن هذه مبينة لأحدهما وتلك للآخر لا محذور فيه وكون الشرع معوّلاً على أحدهما لا يضرنا. قوله: (وجنس الحساب) أي الحساب الجاري في المعاملات كالإجارات والبيوع المؤجلة وغير ذلك، وقيل: المراد به الحساب للشهور والأيام والساعات، وقوله تفتقرون تخصيص له ليخرج ما استأثر الله به ونحوه، وفي نصب كل وجهان: أحدهما أنه منصوب عيى الاشتغال ورجح نصبه لتقدم جملة فعلية وكذا وكل إنسان ألزمناه، والثاني أنه معطوف على الحساب وجملة فصلناه صفة شيء وهو بعيد معنى. قوله: (بيناه بيانا غير ملتبس) بيان لمعتى التفصيل لأنه من الفصل بمعهنى القطع فهو يقتضي الإبانة التافة فتأكيده بالمضدر يفيد ما ذكره وليس هذا إشارة إلى أنه مصدر نوعي كما توهم. قوله: (عمله وما قدّر له كأنه طير إليه من فش الغيب ووكر القدر) إشارة إلى ما ذكره الزمخشري في سورة النمل من أنهم كانوا يتفاءلون بالطير ويسمونه زجرا فإذا سافروا ومرّ بهم طير زجروه فإن مرّ بهم سانحا تيمنوا وان مرّ بارحا تشاءموا ولذا سمي تطيرا، والسانح والبارج مفصل في كتب اللغة والأدب فلما نسبوا الخير والشز إلى الطائر استعير استعارة تصريحية لما يشبههما من قدر الله وعمل العبد لأنه سبب للخير والشرّ ومنه طائراً لله لا طائرك أي قدر الله الغالب الذي ينسب إليه الخير والشر لا طائرك الذي تتشاءم به وتتيمن، وفي كلامه ما يشعر بأن فيه استعارة تصريحية كالمكنية التي يلزمها التخييلية بتشبيه الغيب والقضاء والقدر بوكر وعش وهو مقر الطائر الذي يختفي فيه ولا يخفى ما فيه من اللطف. قوله: (لما كانوا يتيمنون الخ) قد مرّ تقريره بما يغني عن الإعادة، والسنوح المرور من جهة اليسار إلى اليمين والبروح عكسه ومنه السانح والبارح، وللعرب فيه مذهبان أشهرهما هذا، والثاني عكسه وقلت في الأمثال السسماة بالسانح والبارج:
كم سانح وبارح من الغير لغافل يطيرمن وكرالقدر ...
وقوله: من قدر الله تعالى، وعمل العبد بيان لما الموصولة فإن كان قدر الله بمعنى مقدره
فلا إشكال فيه بأنه مخالف لتفسيره الطائر بما قدره الله، وان أبقى على ظاهره فهو بيان لما يستعار للعمل لأنه سبب الخير والشر كما يستعار للقدر لأنه السبب الأصلي أو سبب السبب وهو سبب واما استعارته للاعتقاد الفاسد في قوله: طائركم معكهم فهو راجع إلى العمل وملحق به إذ هو عمل قلبي وان تبادر من العمل- عمل الجوإرح وكون من تعليلية يأباه عطف العمل عليه إذ الظاهر أنه في كلامه أولاً وآخراً بمعنى واحد فتأويله يكسب العبد هنا خلاف الظاهر. قوله:
(لزوم الطوق في عتقه) الظاهر أن يقول: كما في الكشاف القلادة أو الغل(6/14)
لأنه كما في الكشف إشارة إلى وجه تخصيص العنق لظهور ما عليه من زائن، كالقلادة والطوق أو شائن كالغل ولأنه العضو الذي يبقى مكشوفا وينسب إليه التقدم والشرف ويعبر به عن الجملة وسيد القوم فهو لشبيه للعملى اللازم لصاحبه خيراً أو شراً لا للزوم الذي في ضمن الإلزام بالطوق أو الغل في اللزوم والظهور الشائن أو الزائن فتأمّل.
قوله: (أو نفسه المنتقشة بآثار أعماله) فكتابه عبارة عن نفسه وصور الأعمال المتمثلة فيها كالكتابة ونشره وقراءته عبارة عن ظهوره له ولغيره وهذا منزع صوفي حكمي بعيد من الظهور قريب من البطون ولذا قيل في بيانه إن ما يصدر عن الإنسان خيراً أو شرّا يحصل منه في الروج أثر مخصوص وهو خفيّ ما دامت متعلقة بالبدن مشتغلة بواردات الحواس والقوى فإذا انقطعت علاقته قامت قيامته لانكشاف الغطاء باتصالها بالعالم العلوي فيظهر في لوح النفس كل ما عمله في عمره وهو معنى الكتابة والقراءة وليس في هذا ما يخالف النقل، وقد حمل عليه ما روي عن قتادة رحمه الله من أنه يقرأ في ذلك اليوم من لم يكن قارئا ولا وجه لعده مؤيداً له، والقيامة على هذا الوجه القيامة الصغرى. قوله: (فإن الأفعال الاختيارية الخ) تعليل وبيان لانتقاس النفس بالآثار أي حصول كيفية لها من عملها وتلك الكيفية قبل رسوخها فيها تسمى حالاً وبعده تسمى ملكة عندهم، وهي قد تحدث عن كثرة العمل وتكرّره فشبه تلك الصور بنقوس الكتابة. قوله: (وهو ضمير الطائر) وفي نسخة هو بدون واو أي المفعول المحذوف هو ضمير عائد إلى طائره تقديره يخرجه له حال كونه كتابا. قوله: (ويعضده قراءة يعقوب) أي يعضد كونه حالاً فإن الأصل توافق القراءتين فإنه قرأه مبنيا للفاعل من خرج يخرج وفاعله ضمير الطائر وغيره وهو أبو جعفر بن القعقاع قرأه مجهولاً ففيه ضمير مستتر هو ضمير الطائر وقد كان مفعولاً، فإن قلت هذه القراءة يحتمل أن يكون له فيها نائب الفاعل فلا تعضده، قلت إقامة غير المفعول مع وجوده مقامه ضعيفه، وليس ثمة ما يكون حالاً منه فتعين ما ذكره كما قاله ابن يعيش في شرح المفصل، وقوله: وغيره بالجرّ معطوف على يعقوب، ويخرج بصيغة المجهول من الأفعال ووقع في نسخة إسقاط لفظ غيره بعطف يخرج مراداً به لفظه على يعقوب على قوله يخرج والنسخة الأولى أشهر وأظهر ولا إشكال فيها، وقوله وقرىء ويخرج أي بالغيبة على الالتفات. قوله: (لكشف الغطاء (هو ظاهر في المعنى الثاني للكتاب والظاهر أنه اختاره
لانطباقه على الوجهين ولو فسره بكونه غير مطوفي كان على الأوّل فقط، وقراءة ابن عامر من التفعيل كقوله: وما يلقاها إلا الصابرون عليهما أي يلقى إليه من جانب الله، وعلى كونهما صفتين فيه تقدم الوصف بالجملة على الوصف المفرد وهو خلاف الظاهر، والقول: المضمر قبل اقرأ تقديره يقال: اقرأ وهذه الجملة إما صفة أو حال كالتي قبلها كما ذكره المعرب أو مستأنفة وجملة: كفى بنفسك الظاهر أنها من مقول القول المقدر أيضا. قوله: (أي كفى نفسك (يعني أن كفى فعل ماض فاعله نفسك والياء زائدة كما في بحسبك درهم وذكر وإن كان مثله يؤنث كقوله: ما آمنت قبلهم من قرية لأن تأنيثه مجازي والقول بأنه اسم فعل أو فاعله ضمير الاكتفاء غير مرضي كما مر وقوله: وحسيباً تمييز كقوله: حسن أولئك رفيقاً ودلّه دره فارساً وقيل إنه حال وعذه بعض شراح الكشاف تجريد أي جرد من نفسك شاهدا هو هي فقيل إنه غلط فاحش وفيه بحث فإن الشاهد يغاير المشهود عليه فإن اعتبر كونه في تلك الحالة كأنه شخص آخر كان تجريدا لكنه لا يتعلق به هنا غرض فتدبر. قوله: (وعلى صلته لأنه الخ (قدم لرعاية الفواصل وعدى بعلى لأنه بمعنى الحاسب والعاذ وهو يتعدى بعلى، كما تقول: عدد عليه قبائحه واستشهد بضريب وصريم لأن مجيء فعيل الصفة من فعل يفعل بكسر العين في المضارع قليل، والصارم القاطع والهاجر. قوله: (أو بمعنى الكافي الخ (يعني أنه تجوز به عن معنى الشهيد فعدى بعلى كما يعدى بها الشهيد، وقوله لأنه يكفي الخ، بيان لعلاقة المجاز وأما كونه بمعنى الكافي من غير تجوّز لكنه عدى تعدية الشهيد للزوم معناه له كما في أسد عليّ فتكلف بارد. قوله: (وتذكيره (أي حسيباً وهو فعيل بمعنى فاعل لأنه مما يغلب في الرجال فأجرى على أغلب أحواله أو النفس مؤؤلة بالشخص، أو محمول على فعيل بمعنى مفعول، وقوله على أن الحساب(6/15)
أي مبني أو يبنى على أن الخ وقوله: لا ينجي اهتداؤه غيره الخ أي في الآخرة لأنه قد يتعدى حكمه في الدنيا أو في الدارين بمعنى أنه لا يوجب ذلك بالذات إيجابا مطرداً، ويردى بالمهملة أي يهلك ويضر. قوله: ( {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} (مؤكد لما قبعها للاهتمام به، روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنها نزلت في الوليد بن المغيرة لما قال: كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم وعلي أوزاركم، ولذا خص نفي التحمل بالوازرة، فتأمل. قوله: (يبين الحجج ويمهد الشرائع) بيان للمقصود من البعثة وليس المراد أن ثمة صفة مقدرة في النظم
وقوله: وفي دليل على أن لا وجوب قبل الشرع هذا رد لما في الكشاف مع ما في كلامه مما يعلم من شروحه أي لا يجب علينا شيء من الأحكام قبله كما ذهب إليه غير أهل السنة لأنه لو كان لشيء وجوب علينا قبله لعذبنا بتركه قبله والتالي باطل لهذه الآية فكذا المقدم، ولما كانت هذه الملازمة غير مسلمة عند الأشاعرة لأنهم لا يقولون بلزوم تعذيب العاصي عليه تعالى كما بين في الكلام والقائلون بلزوم ووجوبه على الله هم المعتزلة فالملازمة مسلمة عندهم لا عندنا قيل إنه دليل إلزاميّ والا فارتكاب المعاصي لا يوجب التعذيب عند أهل السنة يعني أنّ هذا الدليل تامّ عندهم لأنّ هذه المقدمة مسلمة عندهم فيكفي ذلك في الرد عليهم، وما قيل في رذه أنّ مراد المصنف رحمه الله أنه لا وجوب لشيء علينا من الأحكام التكليفية قبل أن تشرع والا عذبنا بتركه قبله لا أنه لا يجب تعذيبنا عليه تعالى بالمعصية قبل شرع حتى يرد عليه أنّ المذهب عدم وجوب الإثابة والعقوبة على الله فيحتاج إلى ذلك التأويل انتهى ناشىء من عدم التدبر وأنه لا محصل له فإنّ قوله: والا عذبنا مقدمة غير صحيحة عند الأشاعرة فإن بناها على مدعي الخصم رجع بالآخرة إلى ما قاله من رد عليه بعينه، ثم إن وجوب تعذيب العاصي عند القائلين به من المعتزلة وجوب شرعي لا عقلي قال في شرح التجريد: اتفق الأئة على أن الله تعالى يعفو عن الصغائر مطلقا وعن الكبائر بعد التوبة، واختلفوا في جواز العفو عن الكبائر بدون التوبة فذهب جماعة من المعتزلة إلى أنه جائز عقلا غير جائز سمعاً، وذهب الباقون إلى وقوعه عقلاً وسمعاً اهـ. (أقول) هذا ما قاله أصحاب الحواشي وفي شرح المحصول للأصفهاني لا دليل في الاية على ما ذكر لاحتمال أن يكون المراد بالرسول العقل وأن يكون المنفي عذاب المباشرة وليس فيها نفي التعذيب عن جميع الذنوب ولا يلزم من نفيه نفي الاستحقاق، وأجاب بأنّ الأصل الحقيقة والمنفي إيقاع العذاب مطلقا بمباشرة أم لا، وفي تفسير الإمام الاستدلال بالآية ضعيف لأنه لو لم يثبت العقلي لم يثبت الشرعي وهو باطل وبيان الملازمة أنه إذا جاء نبيّ بشرع ومعجزة فهل يلزم قبول ما جاء به أم لا فإن قلنا بلزومه فهل هو بشرعه أو بشرع غيره فإن كان بشرعه لزم إثبات الشيء بنفسه وإن كان بشرع غيره دار أو تسلسل فلزم الرجوع إلى الوجوب العقلي ورذه شيخنا في الآيات البينات بما يطول شرحه فانظره. قوله: (وإذا تعلقت إرادتنا بإهلاك قوم لانفاذ قضائنا الخ (لما كان ظاهر الآية أنه تعالى يريد إهلاك قوم ابتداء فيتوسل إليه بأن يأمرهم فيفسقوا فيدمرهم وارادة ضرر الغير ابتداء من غير استحقاق الأضرار مما ينزه عنه تعالى لمنافاته للحكمة وما ربك بظلام للعبيد دفع بوجوه، منها ما أشار إليه المصنف رحمه الله بقوله: وإذا تعلقت الخ يعني أنه إذا تعلقت الإرادة بإهلاكهم لما سبق من القضاء والعلم بأنهم من ذوي المعاصي المهلكين وقع منهم العصيان فأهلكوا، وقد رد هذا في الكشف بأنه في زمان تعلق الإرادة يجب الفعل فالتفسير بهذا دون الرجوع إلى التأويل الثاني غير مجد،
ولهذا اقتصر عليه في الكشاف، وقيل أنّ مراده إذا قرب تعلقها وأنه من مجاز المشارفة لكنه لا يدفع ما ذكر وان دفع السؤال الأوّل كما قرّرناه فالحق أن يقال: إنّ الإرادة لها تعلقان: قديم وهو المتحقق في علمه بأنه سيقع في وقته المعين له وحادث وهو المتعلق به إذا وجد، والمراد هنا هو الثاني لأن إذا معلقة على فسقهم مقارنة له كقوله: إذا كبر الإمام فكبروا، والواقع معه في زمانه الممتذ هو التعلق الثاني لا الأوّل القديم السابق عليه القضاء سبقا ذاتيا على أنّ المراد بإنفاده انفاذه في وقته المقدر له كما توهم فإنه لا يدفع السؤال إلا بتكلف وان ذهب إليه(6/16)
بعضهم فتأمّل. قوله: (أو دنا وقته المقدّر كقولهم إذا اراد المريض الخ) على هذا اقتصر في الكشاف وهو مبني على أصولهم كما في الكشف وعلى نهج قوله: جدارا يريد أن ينقض كما سيأتي تحقيقه فهو مجاز للتنبيه على عاقبة أمرهم فيجري مجرى قولهم: إذا أراد التاجر أن يفتقر أتته النوائب من كل جهة وجاءه الخسران من كل طريق وقولهم: إذا أراد العليل أن يموت خلط في أكله وشرع في أكل ما تتوق إليه نفسه لما كان المعلوم من حال هذا الخسران ومن حال هذا الهلاك حسن هذا الكلام كما في الدرر الشريفة يعني أق دلالة أمر على وقوع شيء عقبه ينزل منزلة الإرادة لذلك الشيء لما بينهما من اللزوم أو المشابهة فتدبر، وقوله: قوم إشارة إلى أنّ المراد بقرية أهلها. قوله: (أمرنا مترفيها متنعميها بالطاعة (لما كان المتبادر منه أن التقدير أمرناهم بالفسق كقوله: أمرته فقام إذ تقديره أمرته بالقيام كما سيأتي تحقيقه وهو غير صحيح لأن الله لا يأمر بالفحشاء إلا بارتكاب التأويل الآتي قدر له هذا المتعلق ولم يلتفت إلى رذه الآتي لأنه مأثور عن ابن عباس رضي الله عنهما وسعيد بن جبير كما نقله المفسرون وقوله: متنعميها بصيغة الجمع المضافة وقوله: على لسان رسول بيان للواقع المقدر بقرينة قوله: تحى نبعث رسولاً. قوله: (ويدل على ذلك ما قبله وما بعده الخ (ردّ على الزمخشري كما سيأتي تفصيله مقتدياً بالإمام فيه يعني أن ما زعمه من أنه لا دليل على تقدير ما ذكر ممنوع بل الدليل عليه ظاهر فإن فسق وعصى متقاربان بحسب اللغة وإن خص في الشرع بمعصية خاصة، وذكر الضد يدل على الضد، كما أنّ النظير يدل على نظيره فذكر الفسق والمعصية دال على تقدير الطاعة كما في قوله: سرابيل تقيكم الحرّ فيكون كقوله أمرته فأساء إليّ أي أمرته بالإحسان بقرينة المقابلة بينهما المقتضية بالعقل الدال على أنه لا يؤمر بالإساءة كما لا يؤمر بالفسق والنقل أنّ الله لا يأمر بالفحشاء والتعجب من جعل المصنف ما ذكر دليلا على تقديره مع أنّ الزمخشري جعله دليلاً على خلافه مما يتعجب منه ثم إنّ المدقق في الكشف رد ما ذكره المصنف رحمه الله كغيره بأن الزمخشري لم يمنع هذا التقدير من هذا المسلك بل المانع عنده أنّ تخصيص المترفين حينئذ يبقى غير بين الوجه وكذلك التقييد بزمان إرادة الإهلاك ولظهوره لم يتعرض له، وأيضاً شهرة الفسق في أحد معنييه تمنع من عده مقابلاً بمعنى العصيان على أنّ
ما ذكر من نبوّ المقام عن الإطلاق قائم في التقييد بالطاعة، فافهم ولا تغتر بما أثره الإمام وشنع بأنه لا فرق بين أمرته ففسق وأمرته فعصاني، وأيده غيره بأنّ الفسق الخروج عن الأمر فذلك من عدم تدبر ما أورده جار الله على ما يجب انتهى يعني أن الى، مر بالطاعة واقع من الله في كل زمان ولكل أحد فلا وجه للتقييد حينئذ وأن هذا هو الداعي لاختيار الزمخشري ما ذكر ولما ورد عليه أنه ليس في كلامه ما يدل عليه تلافاه بأنه تركه لظهوره ولا يخفى أنه قول بسلامة الأمير ونظر بعين الرضا إذا أدخل في الكلام ما ليس فيه، وأما التقييد المذكور فظاهر لأنهم أئمة الكفر ورؤساء الضلال وما وقع من سواهم باتباعهم ولو لم يلاحظ هذا لم يكن للتقييد وجه في سائر الوجوه فتدبر. قوله: (وقيل أمرناهم الخ (هذا ما ارتضاه الزمخشري وملخصه أن المراد أمرناهم ففعلوا، والأمر مجاز لأن حقيقته أن يقول لهم: افسقوا وهو لا يتأتى لما مر فالوجه أنه أفاض النعم عليهم ليشكروا فعكسوا ذلك وجعلوها ذريعة إلى المعاصي واتباع الشهوات فكأنهم مأمورون بذلك لتسبب إيلاء النعمة له فلما آثروا الفسوق أهلكهم، وهذا هو الوجه لأنّ المستفيض حذف ما يدل عليه، ونظيره لو شاء لأحسن إليك أي لو شاء الإحسان فلو أضمرت خلافه لم تكن على سداد، وكأنك تروم من مخاطبك علم الغيب فهو إفا استعارة تمثيلية أو تصريحية تبعية لا مجاز مرسل كما يوهمه لفظ التسبب، فافهم. قوله: (على أنّ الأمر مجارّ من الحمل عليه أو التسبب له (متعلق بقوله قيل الخ ومن متعلقه بمقدر أي ناشىء من الحمل لأنه وجه الشبه فإنه شبه إفاضة النعم وصبها على أهل الأهواء بأمرهم بالفسق والجامع مع ما ذكر أو شبه حالهم في تقلبهم في النعم مع عصيانهم وبطرهم بحال من أمر بفساد فبادر إليه، هذا ما في شروح الكشاف فقوله: بأن بيان للمستعار له، فما قيل(6/17)
من أنّ الأولى إبدال من بفي فيكون الأمر مستعملاً في معنى الحمل والتسبب مجازاً مرسلا وصحة كلام المصنف بأن يراد بالحمل والتسبب الصب فإنه حمل وتسبب مخصوص ويجعل الأمر مستعملاً في الصب وما أفضى إلى الفسق فعلاقته المشابهة في الحمل والتسبب فالتعبير عن الصبّ بالحمل والتسبب للإشارة إلى وجه الشبه على أنه استعارة تبعية تعسف من غير داع وتطويل من غير طائل، وقيل: أمرنا استعارة لحملنا وتسببنا لاشتراكهما في الافضاء إلى الشيء، وقوله: بأن صب الخ بيان للحامل من جانبه تعالى، وكونه استعارة للصب وان صح ليس بمراد فيه، وفيه ما فيه فتدبر. قوله: (ويحتمل أن لا يكون له مفعول منوي الخ (يعني أنه ينزل منزلة اللازم كما في المثال المذكور لأن القرينة قائمة على أنه ليس بتقدير أمرته بالعصيان ولا قرينة على تقدير شيء آخر، ودلالة الضد على ضده خفية فلا يقدر بالطاعة فيكون المعنى وجهنا الأمر فوجد منه العصيان أو
الفسق، وقد نفى جار الله هذا الاحتمال وذكر أن ما نحن فيه ليس كما ذكر في المثال والمصنف رحمه الله لم يلتفت إلى رذه تبعا للإمام وقد ضعفه في الكشاف فإن أردت التفصيل فراجعه وقد مرّت زبدته. قوله: (وقيل معناه كثرنا الخ) أمرت بفتح الميم وأمر بكسرها مطاوعه لازم والأوّل متعدّ فيختلف لزومه وتعديه باختلاف حركته، وقد قيل إنّ المكسور يكون متعدّيا وأنه قرىء به، وقوله: آمرنا بالمد يعني أنه يتعدى بنفسه وبالهمزة أيضاً، وأصله أمرنا فأبدل منه وهذا ذهب إليه أبو عبيدة والفارسي وغيرهما، واستدلوا بالحديث الآتي، وقوله: خير المال الخ هو حديث صحيح ذكر المخرّج سنده والسكة النخل المصفوف ومأبورة بالباء الموحذة والراء المهملة من تأبر النخل تلقح وتثمر وهو معروف، والمهرة أنثى الخيل ومأمورة بمعنى كثيرة الحمل والنتاج ومعناه خير المال زرع أو نتاج. قوله: (وهو أيضا مجاز من معنى الطلب (أي هو في الحديث مجاز كما في الآية كان الله تعالى قال لها: (كوني كثيرة النتاج فكانت) فهي إذا مأمورة غير منهية، وهذا من فائق اللغة بعينه، ومثله معنى ما قيل:
ومهفهف قال الإله لحسنه كن فتنة للعالمين فكانه ...
فلا يتم الاستدلال بالحديث كما ذكروه وقيل أصله مؤمرة فعدل عنه للمشاكلة كما في مأزورات غير مأجورات. قوله: (ويؤيده) أي يؤيد القول بأنه من أمر بمعنى: كثر قراءة يعقوب رحمه الله آمرنا بالمذ من الأفعال وما روي عن أبي عمر ومن قراءة أمرنا بالتضعيف فإنه ليس من الأمر ضد النهي فيكون من أمر بمعنى كثر فهو يدل على وجوده لو لم يحتمل أن يكون منقولاً من أمر بالضم إذا صار أميراً لأنه معروف فيه، وفعل المضموم مخصوص بهذا المعنى بخلاف غيره من المعاني فلذا قيده به ليتعين فلا يرد عليه أنه مثلث كما في كتب اللغة فلا وجه لتقييده مع أن شهرته تكفي فيه، وضمه لالحاقه بالسجايا، وقوله: وتخصيص المترفين الخ دفع للسؤال الذي مرّ تقريره في الكشف. قوله: (يعني كلمة العذاب السابقة) بالتأنيث كما في بعض النسخ وفي بعضها السابق بدون تاء على أنه صفة الكلمة لتأويلها بالقول، وقوله: بحلوله الضمير للعذاب والباء للملابسة أو السببية متعلقة بحق، وكذا هي فيما عطف عليه والكلمة هنا
بمعنى الكلام وهو الوعيد السابق والفاء للتعقيب. قوله: (بإهلاك أهلها (إشارة إلى التقدير أو بيان المراد من التدمير، وهو الإهلاك مع طمس الأثر وهدم البناء كما في البحر. قوله: (وكثيراً الخ) إشارة إلى أن كم خبرية، وقوله: وتمييز له أي مجرور بمن البيانية لا زائدة فقوله: من بعد نوج من فيه لابتداء الغاية فلذا جاز اتحادها مع ما قبلها متعلقا وخصه بالذكر ولم يقل من بعد آدم عليه الصلاة والسلام لأنه أوّل رسول أذاه قومه فاستأصلهم العذاب، ففيه تهديد وانذار للمشركين، وقوله: يدرك الخ تفسير لهما على اللف والنشر المرتب. قوله: (وتقديم الخبير (أي لفظاً على بصير التقدم متعلقه وهو المعلوم منه تقدما وجوديا على الأمر الظاهري لأنه ينشأ عنه غالبا، وقيل إنه تقدم رتبي لأنّ العبرة به، كما في الحديث أنّ الله لا ينظر إلى صوركم وأعمالكم وإنما ينظر إلى قلوبكم ونياتكم ونحوه، ثم إنه قال في الكشاف إذ نبه بقوله:(6/18)
وكفى بربك بذنوب عباده الخ على أنّ الذنوب هي أسباب الهلكة لا غير، والمصنف رحمه تركه لخفائه وقد بينوه بأنه لما عقب إهلاكهم بعلمه بالذنوب علماً أتم دل على أنه جازاهم بها، وإلا لم ينتظم الكلام وأمّا الحصر فلانّ غيرها لو كان له مدخل كان الظاهر ذكره في معرض الوعيد ثم لا يكون السبب تاضا ويكون الكلام ناقصاً عن أداء المقصمود فلزم الحصر، وهو المطلوب، ومنه يعلم ما قيل متعلقه بذنوب عباده ويرد عليه أنه متعلق ببصيراً أيضا على التنازع. قوله: (مقصورا عليها همه (في الكشاف كالكفرة وأكثر الفسقة، وأسقطه المصنف رحمه الله لابتنائه على مذهبه، والقصر مأخوذ من المقابلة فإنه جعله قسيم من أراد الآخرة فلو أرادهما لم يصح التقسيم وإنما قال: كالكفرة وأكثر الفسقة لأنه اعتبر في المقابل الإيمان والسعي لها حق السعي كذا في الكشف وفيه نظر، وقيل إنه مأخوذ من كان فإنها تدل في مثله على الاستمرار ولأنه قسيم والقسمة تنافي الشركة، ولقوله جعلنا له جهنم الخ فإنّ مريدهما ليس كذلك وهو ملحق بالقسم الثاني، ولا يخفى أنّ إلحاقه بالثاني ينبو عنه قوله حقها من السعي فلذا قيل إنه سكوت عنه ولا ضير فيه، وقيل إنه مأخوذ من الإرادة لأنها عقد القلب وتمحض النية وهو بعيد. قوله: (قيد المعجل) في قوله: ما نشاء، والمعجل له في قوله: لمن نريد،
وذكر المشيئة في أحدهما والإرادة في الآخر إن قيل بتراذفهه- أت! ت، رقوله: وليعلم أق الأمر بالمشيئة والهتم فضل يحتمل أن الهتم مسس ور معطوف على المشيئة والمراد به إرادة العبد وعزمه على ما يريد يعني وجود أمر بعد مشيئة العبد وعزمه فضل من الله تعالى لتوقفه على إرادته، وقيل هو مرفوع خبره فضل وخبر أن بالمشيئة وليس الهتم منصوبا معطوفاً على اسم أن والمعنى أنه لا بد في حصول كل أمر منها وإنما التأثير لها لا اللهتم فإنه فضل من الله موقوف عليها أيضا، وقوله: لأنه لا يجد الخ تعليل على اللف والنشر الغير المرتب أي لا يجد بعقمن يتمنى ما تمنى أصلا وبعض من وجد يجد بعضه لأكله. قوله: (ولمن نريد بدل من له بدل البعض (يعني الجار والمجرور من الجار والمجرور فلا يحتاج إلى رابعل لأنه في بدل المفردإت أو المجرور بدل من الضمير المجرور بإعادة العامل وتقديره لمن نريد تعجيله اط منهم. قوله: (وقرىء ما يشاء (بضمير الغيبة وقوله: والضمير فيه دلّه تعالى أي ضمير الغائب ليطابق المشهورة والضمير فييا لله أيضاً لكن الظاهر هو الوجه الثاني فإنه حينئذ يكون التفاتا، ووقوع الالتفات في جملة واحدة إن لم يكن ممنوعا فغير مستحسن كما فصله في عروس الأفراح، وقوله: مخصوصا بمن أراد الله تعالى به ذلك يعني كنمروذ وفرعون ممن ساعده الله على ما أراد استدراجا له، وقوله: وقيل الخ هذا أيضا على كون ضمير الغيبة لمن ولا عموم للموصولين فيه أيضا لكن المراد بالأول المنافق والمرائي والمراد بما يشاء جزاء ما أعده وسيلة للدنيا مما هو من أعما أط الآخرة فيها، والمساهمة المشاركة في السهام والانصباء الحاصلة من الغنائم ولا يخفى موقعها هنا مع الغرض من اللطف، وهو معطوف على ما قبله بحسب المعنى وقيل: المقابلة بينه وبين ما قبله باعتبار العموم والخصوص أو المنافاة فإن المنافقين أرادوا بعمل الآخرة الدنيا فتأضله. قوله: (حقها من السعي (من إفا تبعيضية أو بيانية وكون سعيها سواء كان مفعولاً به على أن المعنى عمل عملها أو مصدرا مفعولاً مطلقاً بمعنى ما يحق ويليق بها مأخوذ من الإضافة الاختصاصية فيخرج من يتعبد من الكفرة ويزعم أنه سعى لها واليه أشار بقوله: بما يخترعون بآرائثم جمع رأي، وقوله: اعتباهـ الخية
6 / / م 3
والإخلاص أي دلّه في عمله سواء كانت للأجل أو للاختصاص، وقوله: فإنه العمدة إشارة إلى وجه تفسيره بما ذكر فإن ما عداه لا يعد مؤمناً وقوله الجامعون الخ إشارة إلى ألإشارة راجعة إلى جميع ما قبله كما مرّ في قوله: أولئك هم المفلحون، وقوله: من الله من ابتدائية أي من جانبه ومثابا تفسير لمشكوراً ومقبولاً من لوازم الإثابة، وقوله: بدل من المضاف إليه أي عوض، وهذا بناء على أنّ تنوين كل وبعض تنوين عوض عن الاسم المفرد كما يكون عوضا عن الحرف في جوار وغواس وعن الجملة في يومئذ وهو قول للنحاة، وقيل إنه تنوين تمكين، وكلا مفعول نمدّ مقدم عليه. قوله: (نمدّ بالعطاء(6/19)
مرّة بعد أخرى (فسره به لأنه يشعر بالتكرار كما مد الماء ونحوه، قال تعالى: {وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ} [سورة لقمان، الآية: 27] وقوله: ونجعل آنفة مدد السالفة إن كان آنفة بتاء الوحدة منونا فمددا منون ولسالفة بلام الجر وتاء الوحدة أيضا، وإن كان مضافا لضمير العطاء الغالب فلسالفه، ذلك والسالف ما سبق منه والآنف بالمد ما استؤنف مرة بعد مرّة أخرى، وقوله: من معطاه إشارة إلى أنّ العطاء اسم مصدر واقع موقع المفعول وقوله: ممنوعا لأنه من الحظر بمعنى المنع من الحظيرة، وقوله: في الرزق قيده به لدلالة السياق أو المراد به اللغوي فيتناول الشرف ونحوه كما يقال: السعادة أرزاق أو هو تمثيل.
قوله: (بدل من كلا (أي بدل كل من كل لكنه قدره فيما مضى بكل واحد من الفريقين
تبعا للزمخشري فورد عليه ما أورده عليه أبو حيان والمعربون وتبعهم المحشي من أنه لا يصح على هذا التقدير لأنه يكون بدل كل من بعض كقوله:
رحم الله أعظما دفنوها بسجستان طلحة الطلحات 0..
وهو مردود كما بين في النحو فالظاهر أن يقدر كل الفريقين ومن لم يفهم مراده قال في تقريره: أي نمذ هذا الفريق وذاك الفريق لا كل فرد منهما ولذا قال: كل واحد دون أحد وفرد، والعجب من أبي حيان أنه خالف النحاة في أن كلا إذا أضيفت إلى نكرة قد ترد للكل المجموعي لا بمعنى: كل فرد فرد مستدلاً بقول عنترة:
جادت عليه كل عين ثرّة فتركن كل حديقة كالدرهم ...
وعليه قول الأصوليين كل رجل يشيل الصخرة العظمية وإن نازعه السبكي فيه في رسالة
كل وعلى ما ذكر لا يرد عليه شيء عند النظر الصحيح وكأنه أشار إليه بقوله: الأولى فتأمّل. قوده:) وانتصاب كبف الخ (أي أنها في محل نصب لأنها مبنية على الفتح قال نجم: الأئمة
إنما عد كيف في الظروف لأنه بمعنى على أي حال والجار والمجرور والظرف متقاربان، وكون كيف ظرفا مذهب الأخفش، وعند سيبويه هو اسم بدليل إبدال الاسم منه نحو كيف أنت أصحيح أم سقيم ولو كان ظرفا لأبدل منه الظرف نحو متى جئت أيوم الخميس أم يوم الجمعة فإن جاء بعد كيف ما يستغنى به فكيف منصوب المحل على الحال فتأمّل، وناصبه ما بعده من الفعل وليس مضافاً للجملة كما توهم والجملة بتمامها في محل نصب بقوله: انظر وهو معلق هنا كما بين في محله، والمعنى انظر إلى هذه الكيفية العجيبة. قوله تعالى: {أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً} درجات وتفضيلاً منصوبان على التمييز والمفضل عليه محذوف تقديره من درجات الدنيا وتفضيلها وقوله: بالجنة ودرجاتها والنار ودركاتها عمم الدرجات ليشمل الدركات فللتفضيل بمعنى التفاوت فاعتبر التفاوت بين أهل الجنة والنار وبين أبعاض الفريقين. قوله: (الخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم الخ) إنما جعل المراد به أقته على حذ قوله:
إياك أعني وسمعي يا جاره
أو المراد به العموم على حذ قوله ولو ترى إذ وقفوا على النار وهو معنى ما قيل إن الخطاب للإنسان لأن ما بعده ليس مما يصف به نبيه وحبيبه صلى الله عليه وسلم ولو على طريق الفرض والتقدير. قوله: (فتصير من قولهم شحذ الشفرة حتى قعدت كأنها حربة (شحذ بمعنى سن وحدد والشفرة السكين الكبيرة وكل نصل عريض وقعد بمعنى صار ويلحق به في العمل، قال الرضي: من الملحقات بصار قعد في قول إعرابي: أرهف شفرته حتى قعدت كأنها حربة أي صارت وقال: إنما تعمل قعد هذا العمل في هذا المثل فلا يقال قعد كاتبا لكونه مثله ولذا قيل: إن تفسيره بتصير هنا غير جيد وهذا غير مسلم لأن الفراء ذهب إلى إطراد قعد بمعنى صار، ومنه قول الراجز:
من دون أن تلتقي الأركاب ويقعد الاير له لعاب ...
وحكى الكسائي قعد لا يسأل حاجة إلا قضاها فما ذكر مبنيئ على قول الفراء: وعلى قول الأصحاب: مذموما مخذولاً حال، وعلى قول الزمخشري خبر يقعد. قوله: (أو فتعجز من قولهم قعد الخ) بمعنى العاجز عن القيام ثم تجوّز به عن مطلق العجز، وقيل القعود كناية عن العجز فإن من أراد أخذ شيء يقوم له ومن عجز قعد، وأما القعود بمعنى الزمانة فحقيقة والإقعاد مجاز كأنّ مرضه أقعده والقعود اللبث مطلقا قائما أو قاعدا أو هو حقيقة أيضا وفيه نظر إلا أن يريد أنه حقيقة عرفية لا لغوية لأنه ضد القيام. قوله: (جامعا على(6/20)
نفسك الخ (يشير إلى أنهما خبران على الأوّل وحالان مترادفان على الثاني لا متداخلان ولا من قبيل حلو حامض كما قيل وقوله: ومفهومه الخ ومثله من المفاهيم معتبر مقصود هنا فتأمل. قوله: (وأمر أمراً
مقطوعا به (كذا في الكشاف فقيل: إنه مجاز، وقيل: إنه ضمن معنى الأمر لكونه جامعا للمعنيين الأمر والقضاء الذي هو القطع وليست ضرورة داعية إلى هذا التضمين ورد بأن الداعي إليه أن المقضي يجب وقوعه ولم يقع التوحيد من بعض المخاطبين وقيل إنه أراد أنه مجاز عن الأمر المبتوت الذي لا يحتمل النسخ ولو كان تضمينا لكان متعلق القضاء حينئذ الأمر دون المأمور به والا لزم أن لا يعبد أحد غير الله فيحتاج إلى تخصيص الخطاب بالمؤمنين فيرد عليه بأن جميع أوامر الله بقضائه فلا وجه للتخصيص والأمر هنا لمطلق الطلب ليتناول طلب ترك العبادة لغيره تعالى، وأنت خبير بأنّ ما ذكره متوجه لو أريد بالقضاء أخو القدر أما لو أريد به معناه اللغوي الذي أشار إليه فلا يرد ما ذكره والتضمين عليه هنا شراح الكشاف والداعي إليه أنه لو كان مجازا لكان بمعنى أمر فقط ولم يلاحظ فيه معنى القطع الحقيقي له، فتأمل وأما التجوز في الإيمان بما ذكر فيغني عنه أن معنى لا تعبدوا غيره بمعنى اعبدوه وحده فهو أمر باعتبار لازمه وإنما اختير هذا للإشارة إلى أنّ التخلية بترك ما سواه مقدمة مهمة هنا. قوله: (بأن لا تعبدوا (إشارة إلى أن أن مصدرية والجارّ مقدر قبلها ولا نافية ويجوز أن تكون ناهيه كما مر ولا ينافيه كونها في تأويل المصدر كما أسلفناه، وأما كونه أخبارا عن إنثائه الماضي فتعسف وغاية التعظيم العبادة وهي لا تحق وتليق إلا لمن كان في غاية العظمة منعما بالنعم العظام وهذا لا يوجد في غيره فلذا أمروا بأن لا يعبدوا غيره. قوله: (وهو كالتفصيل (أي هذا وما عطف عليه من الأعمال الحسنة كالتفصيل لأنه لا يشمل جميع مساعيها ولذا عطف بالواو، وقوله ويجوز أن تكون أن مفسرة لتقدم ما تضمن معنى القول: دون حروفه وهذا معطوف بحسب المعنى على قوله: بأن لا تعبدوا لأنه في معنى وأن مصدرية كما مرّ وقوله ولا ناهية، وقيل إنها مخففة واسمها ضمير شان محذوف ولا ناهية، وقيل مصدرية ولا زائدة ويأباه الاستثناء. قوله: (وبأن تحسنوا (وفي نسخة وأن تحسنوا بعطف المقدر على أنها مصدرية ولا نافية، وقوله: أو وأحسنوا على أن أن تفسيرية ولا ناهية وهو معطوف على لا تعبدوا. قوله: (لآنّ صلته لا تتقدّم عليه) وجعله الواحدي صلة له فقيل إن كان المصدر منحلا بأن والفعل فالوجه ما ذكره المصنف تبعاً للكشاف، وان جعل نائبا عن أحسنوا فالوجه ما قاله الواحديّ وهذا كله إن لبم نغتفر ذلك في الظرف مطلقاً لتسامحهم فيه كما ذهب إليه كثير من النحاة. قوله: (ولذلك صح لحوق النون
المؤكدة للفعل (تبع فيه الزمخشري، وهو المذهب المشهور من أنه لا يؤكد بها الفعل بعد إد الشرطية إلا إذا زيدت عليها ما واختلف فيه فقيل إنه واجب وقيل إنه لا يجب وعليه قوله ابن
أفا ترى رأسي حاكى لونه طزة صبح تحت أذيال الدجى ...
فلا يرد ما اعترض به أبو حيان من أنه مخالف لقول سيبويه رحمه الله: وإن شثت أفحمت النون كما أنك إن شئت لم تجىء بها مع أنه قيل إن سيبويه إنما نص على أن نون التوكيد لا يجب الإتيان بها بعد أما وان كان أبو إسحاق قال بوجوبه وليس كلامه نصا فيما زعمه. قوله: (أو يدل على قراءة حمزة والكسائي من ألف يبلغان الخ (لا فاعل والألف علامذ التثنية على لغة أكلوني البراغيث وكلاهما عطف عليه فإن رد بأنه مثروط بأن يسند للمثنى نحو قاما أخواك مثنى أو مفرقا بالعطف بالواو خاصة على خلاف فيه نحو قاما زيد وعمرو وهنا ليس كذلك، واستشكلت البدلية بأن أحدهما عليه بدل بعض من كل لا كل من كل لأنه ليس عينه وكلاهما معطوف عليه فيكون بدل كل من كل لكنه خال عن الفائدة، على أنا نقول أن عطف بدل الكل على غيره مما لم نجده، وقد أجيب عنه بأنا نسلم أنه لم يفد البدل زيادة على المبدل منه لكنه لا يضر لأنه شأن التوكيد ولو سلم أنه لا بد منها ففيه فائدة لأنه بدل مقسم كما قاله ابن عطية فهو كقوله:
وكنت كذي رجلين رجل صحيحة وأخرى رمى فيها الزمان فشلت. 00(6/21)
إلا أنه تعقب بأنه ليس من البدل المذكور لأن شرطه العطف بالواو وأن لا يصدق المبدل
منه على أحد قسميه وهنا قد صدق على أحدهما وهذا محتاج إلى التحرير فانظره. قوله. (وكلاهما عطف على أحدهما فاعلاَ أو بدلا (قد علمت ما في البدلية من القيل والقال، واختار في البحر أن يكون أحدهما بدلاً من الضمير وكلاهما فاعل فعل مقدر تقديره أو يبلغ كلاهما وهو من عطف الجمل، وقوله: ولذلك لم يجز أن يكون تأكيداً للألف أي ضمير التثنية لأن التأكيد لا يعطف على البدل كما لا يعطف على كيره ولأن أحدهما لا يصلح توكيدا للمثنى ولا غيره فكذا ما عطف عليه ولأنّ بين إبدال بدل البعض منه وتأكيده تدافعا لأن التوكيد يدفع إرادة البعض منه وهذا القول منقول عن أبي علي الفارسي رحمه الله، قال في الدر المصون: ولا بد من إصلاحه بأن يجعل أحدهما بدل بعض من كل وبضمر بعده فعل رافع لضمير تثنية وكلاهما توكيد له والتقدير أو يبلغان كلاهما وهو من عطف الجمل حينئذ لكن فيه حذف المؤكد وإبقاء توكيده وقد منعه بعض النحاة، وفيه كلام في مفصلات العربية، وقوله: أن يكونا في كنفه أي
في منزله وكفالته أي في حال يلزمه القيام بأمرهما في المعيشة، كقوله: وكفلها زكريا ومنه الكفالة المعروفة وذلك لكبر سنهما وعجزهما عن الكسب وغيره. قوله: (فلا تتضجر مما يستقدر منهما (هذا بيان لمحصل معناه ومؤن بضم الميم وفتح الهمزة جمع مؤونة وهي معروفة وأف اسم فعل بمعنى أتضجر وذكروا فيها أربعين لغة لا حاجة إلى تفصيلها والوارد منها في القرا آت سبع ثلاث متواترة وأربع شاذة فقرأ نافع وحفص بالكسر والتنوين، وابن كثير وابن عامر بالفتح دون تنوين، والباقون بالكسر دون تنوين ولا خلاف بينهم في تشديد الفاء، وقرأ نافع في رواية عنه بالرفع والتنوين، وأبو السماك بالضم من غير تنوين وزيد بن علي بالنصب والتنوين، وابن عباس رضي الله عنهما بالسكون، واسم الفعل بمعنى الماضي والمضارع قليل والكثير فيه الأوامر وقوله: وهو صوت وهو هذا اللفظ الذي يقوله: المتضجر كأخ الذي يقوله المتوجع وقوله وقيل هو اسم الفعل الذي هو أتضجر كأوّه بمعنى أتوجع وهو قليل كما مر، وقوله لالتقاء الساكنين لأنه الأصل في التخلص منه والساكنان الفا آن، وقوله: للتنكير فالمعنى أتضجر تضجر أما وإذا لم ينون فهو تضجر مخصوص، وقوله: على التخفيف ليس المراد به ترك التشديد فإنهم لم يقرؤوا به بل تخفيف الفتح لأنه أخف من الكسر، وقيل المراد به ترك التنوين، وقوله: وقرىء به أي بالفتح وهي قراءة زيد وبالضم معطوف على قوله به، والاتباع للهمزة وهي رواية عن نافع كما مر. قوله: (قياساً (أي قياساً جليا لأنه يفهم بطريق الأولى وشممى مفهوم الموافقة ودلالة النص وفحوى الخطاب ولا خلاف فيه بين الحنفية والثافعية على أنه مفهوم كما تقرّر في الأصول وقوله: وقيل عرفا يعني أنه يدل على ذلك حقيقة ومنطوقا في عرف اللغة كما في المثال المذكور فإنه يدل على أنه لا يملك شيئاً قلبلا أو كثيرآ، والنقير نقرة في ظهر النواة والقطمير شق النواة أو قشرة رقيقة عليها. قوله: (ولذلك (أي لدلالة النص على ما ذكر منع الخ، وقال ابن حجر حديث حذيفة رضي الله عنه وأنه استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قتل أبيه، وهو في صف المشركين فقال: دعه بل غيرك كما في الكشاف لم أجده مرويا في كتب الحديث ولم يصح عن والد حذيفة أنه كان في صف المشركين فإنه استشهد بأحد مع المسلمين كما في صحيح البخاري لكن نحو القصة المذكورة وقعت لاً بي عبيدة بن الجراج،
وقوله: نهى عما يؤذيهما الخ بيان لمحصل معنى الآية من توله: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [سورة الإسراء، الآية: 23] إلى هنا، لا بقوله: {وَلاَ تَنْهَرْهُمَا} [سورة الإسراء، الآية: 23] كما قيل، وقوله: بإغلاظ متعلق بتنهرهما أو تزجرهما، وقوله: أخوات أي متقاربة في المعنى أمّا النهي والنهر وهو الزجر فظاهر وأمّا النهم بسكون الهاء والميم فلأنه يكون بمعنى الزجر أيضا كما يكون بالفتح بمعنى شدة شهوة الطعام، وقوله: بدل التأفيف والنهر معلوم مما قبله لا أنه مقدر في الكلام وقوله جميلا أي حسنا لأنه يرد بهذا المعنى في مثله لا بمعنى- كثرة العطاء- والشراسة بفتح الثين المعجمة والراء والسين المهملتين بينهما ألف الصعوبة ومخالفة الطباع اللينة وسوء الخلق، وقوله تذلل لهما وتواضع هو بيان لمحصل معنى الكلام، وقوله فيهما، كأنه معناه في حقهما وفي معاملتهما. قوله: (جعل(6/22)
للذل جناحاً كما جعل الخ (يعني أن فيه استعارة مكنية وتخييلية كما في بيت لبيد المذكور وهو من معلقته المشهورة فشبه الذل بطائر منحط من علو تشبيهاً مضمراً وأثبت له الجناج تخييلا والخفض ترشيحاً لأن الطائر إذا أراد الطيران والعلوّ نشر جناحيه ورفعهما ليرتفع فإذا ترك ذلك خفضهما وأيضاً هو إذا رأى جارحا يخافه لصق بالأرض وألصق جناحيه وهي غاية خوفه وتذلله، وقيل: المراد بخفضهما ما يفعله إذا ضم فراخه للتربية وأنه أنسب بالمقام. قوله: (وغداة ريح البيت (غداة مجرورة على إضمار رب والغدة أول النهار خصها لشدة بردها، وقرة بفتح القاف وقيل إنها مكسورة البرد الشديد وهو معطوف على ريح أو غداة، وقوله كشفت بصيغة المتكلم أي أزلت ضررها بكن الضيوف وإطعامهم وإيقاد النار لهم، ومن زعم أنه روي مجهولاً مع تاء التأنيث فقد أخطأ لأنه مختل الوزن ولا رواية فيه وأصبحت ناقصة واسمها ضمير مستتر للغداة أو الريح أو القرة وبيد الشمال زمامها من الخبر والمبتدأ خبرها كذا في شرح المعلقات، والمعنى أن تلك الغداة أو الريح الباردة أو القرة حصلت في ذلك الوقت وأتت بسبب هبوب الشمال وهي ريح معروفة بالبرودة فكأنها قائدة لها كما تقاد الإبل بأزمتها وهذا محل الشاهد ولا تكلف فيه كما توهم أن اسم أصبحت زمامها وأنه اكتسب التأنيث من المضاف إليه والجارّ والمجرور خبرها، وأوهن منه ما قيل إن أصبحت تامّة بمعنى دخلت في وقت الصباج وأنها مسندة لضمير القزة وزمامها فاعل الظرف وجملته حالية وقوله للشمال بفتح الشين وفيه لغات أخر ففيه استعارتان مكنيتان بتشبيه
الشمال برجل قائد والقرة بناقة منقادة وتخييليتان في الزمام واليد وقوله: وأمره بصيغة الفعل معطوف على جعل ومبالغة مفعول له أو اسم مرفوع خبره مبالغة ووجه المبالغة ما فيه من الترشيح لأنه أبلغ من التجريد لا الإيجاب لأنه يفهم من تواضع وتذلل أيضا. قوله: (أو أراد جناحه (ففيه استعارة تصريحية تحقيقية مرشحة أو تمثيلية ويحتمل المكنية أيضاً على بعد، ووقع في بعض النسخ بالواو بدل أو وهو من سهو الناسخ، والجناح الجانب كما يقال: جناحا العسكر وخفضه مجاز كما يقال: لين الجانب ومنخفض الجانب، وقوله: للبيان لأنه صفة مبينة لأن المراد من خفض الجناج التذلل والمبالغة لأنه وصف بالمصدر كما مرّ تحقيقه والكلام عليه فكأنه جعل الجناج بمنزلة عين الذل وأما أنه يفيد أنه خلق منه كما قيل فلا وجه له، وتحقيقه في الكشف أن فيه وجهين وجناح الذل في الوجه الأوّد بل خفض الجناج تمثيل في التواضمع كما أشار إليه في سورة الشعراء وجاز أن يكون استعارة في المفرد، وهو الجناج ويكون الخفض ترشيحا تبعيا أو مستقلاً كما مرّ في قوله واعتصموا بحبل الله ولما كان الأوّل أبلغ وأظهر اكتفى به في الشعراء، وفي الوجه الثاني استعارة بالكناية ناشئة من جعل الجناج للذل ثم المجموع كما هو مثل في غاية التواضع، ولما أثبت لذله جناحا أمره بخفضه تكميلا، وما عسى أن يختلج في بعض الخواطر من أنه لما أثبت لذله جناحا فالأمر برفع ذلك الجناج أبلغ في تقوية الذل من الأمر بخفضه لأنّ كمال الطائر عند رفعه فهو ظاهر السقوط إذا جعل المجموع تمثيلا لأن الغرض تصوير الذل كأنه مشاهد محسوس وأما على الترشيح فهو وهم لأن جعل الجناج المخفوض للذل بدل على التواضع وأمّا جعل الجناج وحده فليس بشيء ولهذا جعل تكميلا والأوّل أبلغ وأوفق بنظره في القرآن فافهم فإنه من بدائعه والذل بالكسر في الدوالث ومعناه سهولة الانقياد وبالضم في الإنسان ضد العز والنعت منه ذليل ومن الأوّل ذلول. قوله: (من فرط رحمتك الخ (قال في الكشف: إق هذا إشارة إلى أنّ من ابتدائية على سبيل التعليل ولا تحتمل البيان حتى يقال لو كان كذا لرجعت الاستعارة إلى التشبيه إذ جناج الذل ليس من الرحمة أبداً بل خفض جناح الذل جائز أن يقال إنه رحمة وهذا بين اهـ. يعني أنه لو كان بيانا لكان على سبيل التجريد وهو من أقسام التشبيه وهم قد صرحوا بأنه استعارة، ثم إنه بعد التنزل لا مجال له هنا فتدبر، وفرط الرحمة زيادتها والمبالغة فيها وهو مأخوذ من جعل جنس الرحمة مبدأ للتذلل فإنه لا ينشأ إلا عن رحمة تامّة لا من كون التعريف للاستغراق كما قيل. قوله: الافتقارهما إلى من كان أفقر خلق الله تعالى إليهما(6/23)
(تعليل لاحتياجهما إلى أشد الرحمة لأن احتياج المرء إلى من كان محتاجا له غاية
الضراعة والمسكنة فيرحم أشد رحمة كما قلت:
يا من أتى يسأل عن فاقتي ~ ما حال من يسأل من سائله
ما ذلة السلطان إلا إذا ~ أصبح محتاجاً إلى عامله
قوله: (وداع الله تعالى أن يرحمهما برحمتة الباقية (الخطاب للولد، ورحمته الفانية هي ما تضمنها الأمر والنهي السالفان، والرحمة الباقية هي رحمة الآخرة وخصها لأنها الأعظم المناسب طلبه من العظيم ولأنّ رحمة الدنيا حاصلة عموما لكل أحد، ولا تكتف نهي معطوف على الأمر قبله وهذه الرحمة التي في الدعاء قيل إنها مخصوصة بالأبوين المسلمين، وقيل عامة منسوخة بآية النهي عن الاستغفار، والمصنف رحمه الله ذهب إلى أنها عامة غير منسوخة لأن تلك الآية بعد الموت وهذه قبله ومن رحمة الله لهما أن يهديهما للإيمان فالدعاء بها مستلزم للدعاء به ولا ضير فيه، فيجوز الدعاء لهما بالرحمة على هذا الوجه فإن كان المراد رحمة الدنيا فهي دعاء بالزيادة. قوله: (رحمة مثل رحمتهما (فالكاف للتشبيه لا للتعليل كما ذهب إليه بعضهم لأنه مخالف لمعناها المشهور مع أن هذا يفيد ما أفاده التعليل، كما أشار إليه المصنف رحمه الله والجار والمجرور صفة مصدر مقدر أي رحمة مثل رحمتهما لي في صغري، وقال الطيبي رحمه الله: إن الكات لتأكيد الوجود كأنه قيل رب ارحمهما رحمة محققة مكشوفة لا ريب فيها، كقوله: مثل ما أنكم تنطقون قال في الكشف وهو وجه حسن، وأما الحمل على أنّ ما المصدرلة حينية والمعنى ارحمهما وقت أحوج ما يكون إلى الرحمة، كوقت رحمتهما لي وأنا لحم على وضم وليس ذلك إلا في القيامة والرحمة الجنة لأنها الرحمة الباقية فتعسف لا يساعده اللفظ والمعنى، وقوله وفاء بوعدك إشارة إلى ما ورد من نحو الراحمون يرحمهم الرحمن وغيره، وقوله روي تبع فيه الزمخشري وقال ابن حجر رحمه الله: إنه لا يوجد في كتب الحديث، وقوله: فهل قضيتهما أي حقهما كما صزج به في الكشاف، وفي إيراده إشارة إلى فائدة طلب الرحمة لهما من الله فإنه لا يفي بحقهما وإنما يوفيه الله عنه وهو أيضا توطئة لما بعده وفيه تهديد ووعيد لمن خالفه في ذلك، والظاهر أنه وعد لمن أضمر البر ووعيد لغيره. قوله: (قاصدين للصلاح (أي بما صدر في حقهما أي مع صدوره حال اليإ درة والحدة فلذا
فسره بالقصد، والأوبة الرجوع وهي التوبة هنا لأنها رجوع عن الذنب، وحرج الصدر ضيقه، وقوله: وفيه تشديد عظيم على الأولاد في حق أبويهم ووجهه كما في الكشف أنه شرط في البادرة النادرة قصد الصلاج وعبر عنه بنفس الصلاج، ولم يصرح بصدورها بل رمز إليه بقوله فإنه كان للأوّابين الخ لدلالة المغفرة والتوبة على الذنب، فشرط قصد الصلاج والتوبة وهو استئناف يقتضيه مقام التأكيد والتشديد، كأنه قيل: كيف يقوم بحقهما وقد تبدر بوادر فقيل إذا بنيتم الأمر على الأساس وكان المستمر ذلك ثم اتفقت بادرة من غير قصد إلى المساءة فلطف الله يحجز دون عذابه. قوله: (ويجوز أن يكون عاقاً الخ (عطف على ما قبله بحسب المعنى لأنه في قوّة أن يقال ورد في حق هؤلاء، وقوله: أوليا صفة مصدر مقدر أي اندراجا وقد وقع مصرحا به في بعض النسخ، وقوله لوروده على أثره أي لوقوعه بعده وهو تعليل للاندراج، وقيل إنه سقط من بعض النسخ، قوله ويندرج الخ فيشكل التعليل حينئذ إلا أن يراد أن يكون عاقا لغيره، وهو تعسف لا حاجة إليه فإنه إنما سقط من قلم الناسخ. قوله: (من صلة الرحم وحسن المعاشرة (هذا متفق عليه وذكره توطئة لمذهبه من أنه لا تجب النفقة على غير أصل وفرع خلافا لأبي حنيفة على ما فصل في الفروع لكنه قيل عليه إن عطف المسكين وابن السبيل عليه مما يدل على أن المراد الحقوق وذا القربى ظاهر في العموم لا يختص بالقرابة الولادية، وقوله في النظم حقه يشعر باستحقاقه ذلك لاحتياجه فلا يرد قوله في الكشف الحق أن إيتاء الحق عام والمقام يقتضي الشمول فيتناول الحق المالي وغيره فلا ينهض دليلا على إيجاب نفقة المحارم مع أنه إذا عم دخل فيه المالي وغيره فكيف لا ينهض(6/24)
وقوله: إذا كانوا محارم فقرأ اقتصر عليه لأنه محل الخلاف ولفهم منه أنهم إذا لم يكونوا كذلك حقهم صلتهم بالموذة والزيارة ونحوهما، وأقارب الرسول صلى الله عليه وسلم حقهم توقيرهم ومحبتهم وإعطاؤهم الخمس، ومزضه لأنه لا قرينة على التخصيص وفيه أن الخطاب قرينة وهو مروي أيضا.
قوله: (بصرف المال فيما لا يضبفي (إشارة إلى أن التبذير المثتق من تفريق البذر في الأرض المراد منه ما ذكر وهو شامل للإسراف في عرف اللغة ويراد منه حقيقته وإن فرق بينهما على ما نقل في الكشف بأن الإسراف تجاوز في الكمية وهو جهل بمقادير الحقوق والتبذير تجاوز في موقع الحق وهو جهل بالكيفية وبمواقعها وكلاهما مذموم، والثاني أدخل في الذم، وأما قوله فيه أنه يتناوله في الآية بطريق الدلالة إذ لا يفترقان في الأحكام لا سيما وقد عقبه بالاقتصاد المناسب للكمية المرشد إلى إرادته ففيه نظر غفل عنه من أورده من عنده فإنه إذا كان التبذير أقوى وأدخل في الذم كيف يدل على ما دونه بطريق الدلالة فتأمل، والمسكين وابن
السبيل يعطى من الزكاة كما بين في محله، ثم إنه قيل أن الإسراف منهيئ عنه ولو في وجوه الخير وأن ما أورده الزمخشري من قول القائل: لا سرف في الخير لا عبرة به وفيه نظر. قوله: (وعن النبي صلى الله عليه وسلم الخ (رواه أحمد بن حنبل رحمه الله عن ابن عمرو رضي الله عنهما وغيره وهو حديث صحيح. قوله: (أمثالهم في الشرارة (بفتح الشين مصدر كالطهارة أي في كونهم شراً وهو إشارة إلى أنّ الأخوان جمع أخ وهو بمعنى المثل والمشابه في الصفة مجازاً واستعارة كما وقع في الحديث بكلماته بأخي السرار أي كلام يشبه المساز به وكذا قولهم للخير أخو الشز فالأخ المماثل حقيقة أو ضدا كما يسمى المتقابلان زوجين، ولذا أرلد به الأصدقاء أو الاتباع فهو مجاز تشبيها لقران الصحبة والتبعية بقران القرابة فظهر أن الكل على الاستعارة وإن كان الوجه مختلف وقوله لأنهم كانوا يطيعونهم في الإسراف بيان لوجه جعلهم أصدقاء وأتباعاً بإطاعتهم لهم كما يطيع الصديق صديقه والتابع متبوعه وكأنه مجاز على مجاز لشهرة الأول التي ألحقته بالحقيقة فتأمل. قوله: (روي أنهم (أي الكفرة وهذا مما عرف في الجاهلية، والتياسر تفاعل من يسر إذا ضرب قداح الميسر على جزور ينحر ويقسم على سهام الميسر كما مر بيانه وعداه بعلى لتضمينه معنى يتزاحمون أو يتراهنون أو يجتمعون، وقوله في السمعة بضم فسكون وهي الرياء الذي يشتهر ويسمعه الناس، وقوله في القربات جمع قربة وهي ما يتقرب به إلى الله وقوله مبالغا من صيغة فعول، وأشار بقوله في الكفر إلى أنه يجوز أن يكون من الكفر ضد الإيمان، وقوله بنعماء بالمد بمعنى النعمة إشارة إلى أنه من كفران النعمة والمقصود زجرهم عن اتباعه. قوله: (وإن اعترضت عن ذي القربى الخ (إشارة إلى ارتباطه بما قبله ولذا خص ضمير عنهم بهم وإن احتمل العموم والخطاب عام وقيل معنى أن أعرضت أردت الإعراض فقل لهم قولاً ميسوراً ولا تعرض وقيل المعنى إن ثبت وتحقق في المستقبل أنك أعرضت عنهم في
الماضي فقل الخ والمراد سببية الثبوت للأمر بهذا القول فهذا وجه تفسيره المضارع بالماضي، وان كانت أن تخلصه للاستقبال وفيه نظر. قوله: (حياء من الرد (أي من رد مت سأل صريحا منهم وفي الحديث كان عليه الصلاة والسلام إذا سأل شيئا ليس عنده أعرض وسكت وفيه إشارة إلى أن هذا علة الإعراض لانتظار الرزق، وكونه كناية عن عدم النفع وترك الإعطاء لأن هذا شأن من لم يعط فهو لازم عرفاً وما وقع في نسخة ينفقهم بالقاف من تحريف الناسخ وليس ما ذكر علة له بل عدم حصول ما يعطيه. قوله: الانتظار رزق من الله (في الكشاف أن قوله ابتغاء رحمة أما أن يتعلق بجواب الشرط مقدما عليه أي فقل لهم قولاسهلا ليناً وعدهم وعداً جميلا رحمة لهم وتطييبا لقلوبهم ابتغاء رحمة من ربك أي ابتغ رحمة الله التي ترجوها برحمتك عليهم وأما أن يتعلق بالشرط أي وإن أعرضت عنهم لفقد رزق من ربك ترجو أن يفتح لك فسمي الرزق رحمة فرذهم رذاً جميلا فوضع الابتغاء موضع الفقد لأن فاقد الرزق مبتغ له فكان الفقد سبب الابتغاء والابتغاء مسببا عنه فوضع المسبب موضع السبب والمصنف(6/25)
رحمه الله لم يرد أنه علة لما قبله وقد أشار إليه فيما تقدم، لكنه أجمل ما في الكشاف فلا وجه لما قيل، كون انتظار الرزق علة للإعراض ممنوع وكذا عدم النفع بل هو معلل بالخيار كما ذكره، وقيل: إنه يعني أن إعراضك عنهم بترك الجواب المورث لليأس لانتظار ما ذكر لكن ما ذكره من تعلقه بالجواب أورد عليه أن ما بعد الفاء لا يعمل فيما قبلها في غير باب أما وما يلحق بها فإفا أن يكون جرى فيه على المذهب الكوفي المجوّز له مطلقا أو أراد التعلق المعنوي فيضمر ما ينصبه، ويجري هذا مجرى تفسيره وأن يأتيك بدل من الضمير بدل اشتمال. قوله: (أو منتظرين له (إشارة إلى أنّ المصدر حال مؤؤل باسم الفاعل وجمعه باعتبار المعنى لأنّ الخطاب لغير معين عام ففيه معنى الجمع، وكونه للتعظيم لا يناسب المقام وفي نسخة منتظراً وهي ظاهرة، وحمله في الأولى على انتظار السائلين بعيد، ولا وجه للتقييد به وهي حال مؤكدة، وقوله: ويجوز أن يتعلق بالجواب مر تفصيله. قوله: (وقيل معناه لفقد رزق من ربك (عطف على ما قبله من تفسير الابتغاء بالانتظار، قال في الكشف: ابتغاء الرزق أقيم مقام فقدانه وفيه لطف فكان ذلك الإعراض لأجل السعي لهم وهو من وضع المسبب موضع السبب كما مر وإذا جعل الإعراض كناية عن عدم نفعهم فالابتغاء مجاز عن عدم الاستطاعة متعلق بالشرط لا يخفى جريانه على التعليق بالجزاء أيضا، وقوله: لينا تفسير لميسوراً، والإجمال القول الجميل الحسن. قوله: (والميسور من يسر الآمر مثل سعد الرجل ونحس (اليسر السهولة واليسير والميسور السهل
وتيسر تسهل وتهيا كاستيسر، وقوله من يسر أي المجهول وكذا ما بعده فكأنه لم يسمع إلا مجهولاً إذا تعدى كما في الكشاف والميسور اسم مفعول منه، أو المراد بالقول الميسور الدعاء لهم باليسر مثل أغناكم الله ونحوه كيسر لكم الرزق فعلى هذا يكون الميسور مصدراً بتقدير مضاف، كما في الكشاف، أي قولاً ذا ميسور أي يسر قال العلامة: وفيه نظر لأن الميسور معناه ذا يسر ولهذا وقع صفة لقولا فأي ضرورة في أن يجعل مصدراً ثم يؤوّل بذا ميسور وما قيل إن قول المصنف وهو اليسر يشير إلى أن الميسور مصدر، وقول ميسور من باب رجل عدل فاندفع ما ذكره العلامة لا يسمن ولا يغني من جوع فالحق في دفعه أنه إذا أريد به قولا يشتمل على الدعاء لا يكون القول حينئذ ميسوراً بل ميسرا لما أرادوه وميسور ومعسور مصدرين مما ثبت في اللغة من غير تكلف فجعله صفة مبالغة أو بتقدير مضاف له وجه وجيه، فتأمل. قوله: (تمثيلان لمنع الشحيح وإسراف المبذر (يعني أنهما استعارتان تمثيليتان شبه في الأولى فعل الشحيح في منعه بمن يده مغلولة لعنقه بحيث لا يقدر على مذها وفي الثانية شبه السرف ببسط اليد بحيث لا تحفظ شيئا وهو ظاهر، وقوله: أمر بالاقتصاد بدل من نهي بدل اشتمال على ما وقع من ترك الواو في نسختنا، وقوله: الذي هو الكرم أي الجود الممدوج لأنه يختص به في العرف فلا وجه لما قيل الأولى: أن يقول هو الجود إذ لا اختصاص للكرم بالبذل المالي، وقوله: عند الله لأنه غير مرضيّ وعند الناس لأن من لا يحتاج إليه يطعن فيه بعدم تداركه لأحواله ومن يحتاج بذفته بإعطاء غيره أو تنقيصه نجل عند نفسه أيضاً كما سيذكره. قوله: (بالإسراف وسوء التدبير (قيل: الأولى أن يعتبر فيه التوزيع فتقعد منصوب في جواب النهيين والملوم راجع قوله: {وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ} [سورة الإسراء، الآية: 129 كما قيل: إن البخيل ملوم حيثما كانا
والمحسور راجع إلى قوله: {وَلاَ تَبْسُطْهَا} [سورة الإسراء، الآية: 129. قوله: (نادماً (فهو
من الحسرة وهي كما قال الراغب: الغتم والندم على ما فات كأنه انحسر عنه الجهل الذي حمله على ما ارتكبه أو المحسرات أي انكشفت قواه عنه أو أدركه إعياء عن تدارك ما فاته فلذا قيل: محسوراً دون حاسر لأنه أبلغ. قوله: (أو منقطعا بك (ضبط بفتح الطاء على صيغة المفعول لأنه من انقطع بالمسافة مبينا للمفعول إذا عطبت دابته ونفد زاده فانقطع، وقوله: لا شيء عندك تفسير له، وقوله: من حسره السفر أي أعياه، وأقفه حتى انقطع عن رفقته فهو حاسر ومحسور أمّا الحاسر فتصوّر أنه قد حسر نفسه، وأما المحسور فتصوّر أن التعب قد حسره، وقوله: إذا
بلغ منه أي إذا بلغ السفر منه الجهد كمن(6/26)
بلغ منه المرض إذا أثر فيه فهو استعارة. قوله: (وعن جابر الخ (هذا الحديث ذكره في الكشاف هكذا بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس إذا أتاه صبي فقال: إن أمي تستكسيك درعا فقال: من ساعة إلى ساعة يظهر فعد إلينا فذهب إلى أقه فقالت له قل له: إن أمي تستكسيك الدرع الذي عليك فدخل صلى الله عليه وسلم داره، ونزع قميصه وأعطاه له وقعد عرياناً وأذن بلال وانتظروا فلم يخرج للصلاة قال العراقي إنه لم يجده في شيء من كتب الحديث وقوله: تستكسيك أي تطلب منك كسوة لها والدرع هنا القميص، وقوله: من ساعة إلى ساعة تركيب مشهور في الألسنة ومعناه ما في المثل من العمود إلى العمود فرج إلى أخر سؤالك من ساعة إلى ساعة أخرى يظهر لك مرادك وتظفر به، فإنا نترقب حصوله ونرجوه وقوله: فأنزل الله ذلك وهو لا ينافي كونه عاما، وقوله: يوسعه تفسير للبسط ويضيقه تفسير ليقدر فإن يقدر، ويقتر مترادفان. قوله.) فليس ما يرهقك (أي يغشاك ويعرض لك في بعض الأحيان والإضافة أفعال بمعنى تضييق الحال ومن تعليلية وجوز في يرهقك أن يكون أفعالاً من الإرهاق فمن بيانية والا ظهر الأوّل. قوله: (يعلم سرّهم وعلنهم (لف ونشر مرتب كما مر وقوله فيعلم من مصالحهم الخ إشارة إلى أن المراد من علم الظاهر والباطن أنه أعلم بمصالحهم فيقدرها على وفق حكمته فهو تسلية له، وقوله: ويجوز أن يريد الخ فيكون ذكر أن القبض والبسط موكول إليه لعلمه بجميع أحوال عباده عبارة عن أنهم ينبغي لهم الاقتصاد في أمورهم أي الاعتدال والتوسط في الاعطاء والانفاق لأن الزيادة عنه والنقصان إنما هو الله، وقوله: (او أنه الخ (فيكون تعليما لهم وحثا لهم على التخلق بآخلاق الله حسبما يقتضيه الحال، وقوله: (وأن يكون تمهيدا الخ (لأنه إذا كان القبض والبسط دثه لا ينبغي أن يخشى الفقر الحامل على ذلك، وقوله:
وأدهم بناتهم أي دفنها حية كما كانوا يفعلونه في الجاهلية. قوله: (كاثم إثما (أي لفظا ومعنى، ويكون بمعنى تعمد الكذب وليس بمراد هنا وقرأ ابن ذكوان بفتح الخاء والطاء من غير مد وخرجها الزجاج على وجهين، أحدهما: أن يكون اسماً أي اسم مصدر لأخطا يخطىء إذا لم يصب واليه أشار المصنف رحمه الله بقوله: اسم أو هو مصدر خطىء بمعنى أخطأ كما في
قوله:
والناس يلمون الأمير إذا هم خطئوا الصواب ولا يلام المرشد ...
وقوله: وقيل لغة فيه إشارة إلى هذا يعني أنه مصدر خطىء خطأ وخطاً والمعنى أن قتلهم
غير صواب كما صرح به الراغب وقد استشكلوا هذه القراءة لأن الخطأ ما لم يتعمد وليس هذا محله ورد بأنهم لم يقفوا على ما مرّ عن أهل اللغة والتفسير. قوله: (وقرأ ابن كثير خطاء (بوزن قتال والباقون بكسر فسكون وهي التي فسر عليها أوّلاً وهو مصدر خاطأ يخاطىء خطاء كقاتل يقاتل قتالاً، قال أبو علي الفارسي: وان كنا لم نجد خاطىء لكنه وجد تخاطأ مطاوعه فدلنا عليه وأنشد عليه شعرا للعرب كما أشار إليه المصنف رحمه الله فلا عبرة بقول أبي حاتم أنّ هذه القراءة غلط، وقوله: وهو أي الخطاء إفا لغة أي في مصدره ديان لم يكن من المفاعلة كقام قياماً أو هو من المفاعلة، وقوله: وهو مبني عليه أي التفاعل مبنيّ على المفاعلة لأنه مطاوعه فب ل عليه كما مر، والقناص بالتشديد الصائد، والخرطوم الفم ومنقع بفتح الميم محل اجتماع الماء، وراسب بمعنى داخل يصف صيدا ظفر به وهو يثرب. قوله: (وقرىء خطاء بالفتح والمدّ (وهذه قراءة للحسن شاذة وهي اسم مصدر لأخطأ كأعطى وقرىء أيضاً خطا بفتح الخاء والطاء وألف في آخره مبدلة من الهمزة كعصا واليه أشار المصنف رحمه الله بقوله: وخطا بحذف الهمزة مفتوحا لكن عبارته توهم أنه من قصر الممدود وليس كذلك لأنه ضرورة لا داعي إليها، وقوله: ومكسورا أي مكسور الخاء مع ألف في آخره وهذه قراءة أبي رجاء، وقرىء خطأ بفتح فسكون وهمزة في آخره وهي مروية عن ابن عامر، وقرىء في الشواذ خشية بكسر الخاء. قوله: (بالعزم والإتيان بالمقدّمات (فهو نهي عنه على أبلغ وجه سواء كان كناية أو دلالة وفيه إشارة إلى تحريم العزم على المحزمات إذا صمم عليه(6/27)
وقوله: فعلة بفتح الفاء إشارة إلى وجه تأنيثه وهو خبر لمذكر أو إلى تقدير موصوف مؤنث، وقوله: ظاهرة القبح تفسير لفاحشة.
قوله: (وبئس طريقا طريقه (إشارة إلى أق ساء بمعنى بض وحكمها حكمها وسبيلا بمعنى طريقا تمييز، وقد اعترض عليه أبو حيان بأن الفاعل في بابه ضمير التمييز فلا يصح تقديره طريقه وسبيله لأنه ليس بمضمر ولا اسم جنس فالظاهر تقديره بئس السبيل سبيلآبلا إضافة وقيل الإضافة فيه بيانية أي بئس طريقا الطريق الذي هو الزنا فإنه طريق لقطع الأنساب وهيج الفتن كما ذكره المصنف رحمه الله فإن جعلت لامية وطريقه العزم والإتيان بمقدماته احتاج حينئذ إلى تقدير مضاف وهو الغصب أي طريق الغصب فتأمل. قوله: (وهو الغصب (بالمهملة على ايإبضاع بالكسر والمعجمة أي الإكراه على المجامعة والتصرّف في البضع بغير حق واستيلاء اليد األمبطلة على حق الله، وتأديته إلى قطع الأنساب، أما في نفس الأمر أو بحسب الشرع إذا لم يكن لها بعل أو كان ولو عنت ونحوه، وهيج الفتن تحريكها وهو ظاهر. قوله: (إلا بالحق (قال المعرب أي إلا بسبب الحق فيتعلق بلا تقتلوا، ويجوز أن يكون حالا من فاعل لا تقتلوا، أو من مفعوله، أي لا تقتلوا إلا ملتبسين بالحق وأما تعلقه بحزم الله فبعيد وان صح ومعنى تحريمها تحريم قتلها فالمعنى حزم قتلها إلا بحق فمن قال: لا محصل له لم يصب، قال الضحاك: وهي أوّل آية نزلت في شأن القتل، وقوله: إلا بإحدى الخ تفسير لقوله بالحق بالحديث الصحيح الذي رواه الشيخان وغيرهما عن ابن مسعود " لا يحل دم امرىء يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث النفس بالنفس والثيب الزاني والتارك لديته المفارق للجماعة " وفي الكشف أنه ينتقض حصره بدفع الصائل فإنه ربما أدى إلى القتل ودفعه بأن المراد ما يكون بنفسه مقصوداً به القتل وهذا المقصود به الدفع لكنه قد يفضي إليه، وقوله: كفر بعد إيمان قد عرفت أن هذا بعينه نص الحديث والحصر فيه ليس بحقيقي فلا يرد النقض بالكفر الأصلي كما في الجهاد، وقوله: وقتل مؤمن قيل قيده به بناء على مذهبه من أن قاتل الذي لا يقتص منه لكنه ينتقض بما إذا كان قاتله ذمّيا أيضا فتأمل. قوله: (غير مستوجب للقتل (يتناول العمد والخطأ على التفسير الأول لقوله سلطانا وقوله: وهو الوارث بناء على الأغلب ولو أبقاه على عمومه كان أولى، وقوله: تسلطا إشارة إلى أنه مصدر كالغفران، والمؤاخذة أعئم من أخذ
المال والقصاص، وبمقتضى يتعلق بالمؤاخذة وعلى من متعلق بتسلطا، ومن عليه بتقدير من هو عليه، والضمير المحذوف للمقتضي والمجرور بعلى لمن، وقوله: أو بالقصاص أي فقط عطف على قوله بالمؤاخذة، وقوله: لا يسمى أي لا يطلق عليه أنه ظلم في نفسه وكذا لا إثم فيه أيضا وان قيل إنه يأثم فيه ولذا شرعت الكفارة فيه فإنها لعدم التثبت واجتناب ما يؤذي إليه، ولذا ورد في الحديث) رفع عن أمّتي الخطأ (فلا حاجة إلى أن يقال المراد أنه لا يسمى ظلما في العرف والا فهو يتضمن الإثم، ولذلك وجبت كفارة على أنه ناشىء من عدم الفرق بين الإثم والظلم واهمال لقوله يسمى فتدبر. قوله: (أي القاتل (أي مريد القتل ومباشره ابتداء، ويرد على هذا التفسير أنه تأباه عبارة الإسراف فإن حقه النهي عن القتل مطلقاً فإن دفع بأنه فسر الإسراف بالقتل بغير حق ولا أباء فيه ورد عليه أنه يصير بمعنى قوله: {وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلاَّ بِالحَقِّ} [سورة الأنعام، الآية: 151، فلا وجه لتفريعه عليه، وإن كان تأكيداً فالوجه هو الثاني، وقوله: ما يعود عليه بالهلاك يعني القصاص إشارة إلى أنه نصح لهم ببيان ما ينفعهم. قوله: (أو الولتي بالمثلة (بالمقتول وهي معروفة، وقتل غير القاتل سواء كان وحده أو معه وسواء كان القاتل واحدا أو متعددا. قوله: (ويؤيد الأوّل قراءة أبتي (لأن القاتل متعدد في النظم في قوله ولا تقتلوا، والأصل توافق القراءتين ولم يجعلها معينة لأن الولي عام هنا فهو في معنى الأولياء فيجوز جمع ضميره بهذا الاعتبار ويكون التفاتاً وتوافق القراءتين ليس بلازم، وقوله: على خطاب أحدهما أي القاتل أو الولي التفاتا أي يجوز فيه الوجهان. قوله: (علة النهي على الاستئناف (أي البياني، وقوله إما للمقتول أي أوّلا والتعليل للنهي عن الإسرات
هـ
سواء كان النهي والضمير فيه للقاتل أو الولي وكذا إذا عاد الضمير للوليّ قوله: للذي يقتله(6/28)
الوليّ إسرافا والنهي وضميره حينئذ للولي فقط، والتعزير في المثلة بالمقتص منه، والوزر أي الإثم في الكل ويدخل به ما إذا كان فاعل المثلة سلطانا. قوله: (فضلاَ أن تتصرّفوا فيه (بتقدير الجاز أي عن أن تتصرّفوا فيه يعني أنه نهى عن القرب منه فيعلم منه النهي عن التصزف فيه بالطريق الأولى ودلالة النص، وهو كناية فلا ينافي إرادة المعنى الأصليئ منها، فالاستثناء دال أيضا على جواز القربان والتصرّف بالتي هي أحسن، ولم يتعرض المصنف رحمه الله له ثمة لأنه معلوم بالطريق الأولى أيضا فلا يتوهم أن الاستثناء يدل على جواز القربان بالتي هي أحسن لا التصرّف فيه، وقوله: بالطريقة التي الخ بيان لتقدير موصوف مؤنث بقرينة صفته وتلك الطريقة كحفظه وهي معروفة، وقوله: بما عاهدكم الله بحذف العائد أي عليه إن كانت ما موصولة والعهد بمعنى المعهود، وعهد الله ما كلفهم به وأما عهد العباد فشامل لما عاهدوا الله عليه من التزام تكاليفه وعاهدوا العباد عليه، ويدخل فيه العقود وغيره منصوب معطوف على ضمير المفعول. قوله: (مطلوبا يطلب من المعاهد الئي (فالمسؤول من سألته كذا إذا طلبته فمسؤول بمعنى مطلوب، وقوله: يطلب الخ إشارة إلى أن المطلوب عدم إضاعته والثبات عليه فالإسناد مجازي أو فيه مضاف مقدر بعد حذفه ارتفع الضمير واستتر، وأصله مطلوب عدم إضاعته ومثله من الحذف والإيصال شائع، فلا تعسف فيه من جهة اللفظ كما قيل ولا من جهة المعنى أيضا لأن الجملة الاستئنافية التعليلية مساوية للمعلل بها فيكون تعليلا للشيء بنفسه إذ طلب عدم إضاعته عين طلب الوفاء به فإنّ مآله إلى أن يقال: أوفوا بالعهد فإن عدم إضاعته لم تزل مطلوبة من كل أحد فتطلب منكم أيضا كما أفاده الفاضل المحشي، وقوله: من المعاهد صيغة الفاعل شامل للمعاهد بزنة المفعول لأن باب المفاعلة فيه كل جانب فاعل ومفعول فلا يرد ما قيل إن هذا الوجه يختص بما إذا فسر العهد بما عاهدتموه ولو قال: من المعاهد أو المعهود له كان جارياً على التفسيرين كما في الوجوه الآتية سوى الأخير إلا أن يفسر صاحب العهد بما يعم غير المعاهد أعني المعهود له فإنه يجري على التفسيرين أيضا، وقوله أو مسؤولاً عنه أي على الحذف والإيصال، وقوله: يسأل الخ، بيان للمسؤول عنه. قوله: (أو يسأل العهد الخ ( {بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ} مجهول بكسر التاء على خطاب المؤنث أو بسكونها على حكاية ما وقع في القرآن، والاستشهاد به بناء على أنه لا سؤال ثمة وإنما القصد التوبيخ كما في هذا الوجه، وقيل إنه استشهاد لمجرّد السؤال لأن سؤالها بعد إحيائها يوم القيامة وهو سؤال حقيقي
فتأمّله. قوله: (فيكون تخييلا (التخييل له استعمالات كما ذكره الشريف في حواشي شرح المفتاح حيث قال: إنه يطلق على التمثيل بالأمور المفروضة وعلى فرض المعاني الحقيقية وعلى قرينة الاستعارة المكنية وسيأتي تفصيله إن شاء الله تعالى فالمراد بالتخييل التمثيل بالاستعارة التصريحية للأمر المفروض فإن جعل العهد مسؤولا كذلك ويصح أن يراد معناه الاصطلاحي بأن يشبه العهد بشخص تصدر عنه أمور ويجعل كونه مسؤولاً عنها على التخييل قرينة لتلك المكنية وهذا مما لا خفاء فيه فلا وجه لما قيل إنّ الظاهر أن يقول فيكون تمثيلا أي يجعل العهد متمثلا على هيئة من يتوجه إليه السؤال كما تجسيم الحسنات والسيئات لتوزن إذ الظاهر أن الواقع ليس تخييلاً خاليا عن الحقيقة وكذا ما قيل إن مراده التخييلية المجرّدة عن المكنية لعدم ظهور وجه الشبه بين العهد والمسؤول عنه وقوله: لم نكثت بالخطاب معلوما ومجهولآ، والتبكيت التوبيخ والتقريع، وهذا كما ورد في الحديث من وقوف الرحم بين يدي الرحمن وسؤالها عمن وصلها وقطعها. قوله: (ويجوز أن يراد أنّ صاحب العهد الخ (أي يقدر مضاف قبل العهد كما ذكره، وقوله: ولا تبخسوا أي ولا تنقصوا فيه، وقوله: لسوفي أي المساوي بلا نقص فيه. قوله: (وهو رومتي (أي معرب من لغة الروم لفقد مادته في العربية وقيل: إنه عربيّ، وقيل إنه مأخوذ من القسط وفيه نظر، وقوله: ولا يقدج ذلك في عربية القرآن المذكورة في قوله تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا} [سورة يوسف، الآية: 12 لأنه بعد التعريب والسماع في فصيح الكلام يصير عربيا فلا حاجة(6/29)
إلى إنكار تعريبه أو ادعاء التغليب كما هو مشهور.
قوله: (وأحسن عاقبة (إشارة إلى أنه هنا بمعنى العاقبة لا بمعنى التفسير لأنه يطلق عليهما، إذ هو من الأول وهو الرجوع إلى الغاية المرادة منه علما أو فعلاً فالعلم كما في قوله: (وما يعلم تاويله إلا الله (، والفعل كقول ابن تيمية:
وللنوى قبل يوم البين تأويل
وقوله: يوم يأتي تأويله كما حققه الراغب، من ظن أنه لا يكون إلا بهذا المعنى فقد وهم فاحفظه. قوله: (ولا تتبع (بالتشديد والتخفيف أصل معنى قفاه اتبع قفاه، ثم استعمل في مطلق الإتباع وصار حقيقة فيه، وقات أثره إذا قصه واتبعه ومنه القيافة وأصل معناها ما يعلم من
الأقدام وأثرها وهو أص معروف عند العرب وقيل إن قاف مقلوب قفا، كجذب وجبذ والصحيح خلافه، والقافة كسادة جمع قائف أو اسم جميع له بمعنى متتبع الأثر ليعلم منه شيئا، وقراءة الجمهور بسكون القاف وضم الفاء وحذف حرف العلة الأخير وهو الواو للجازم وقرىء بإثباتها في الشواذ كقوله:
من هجو زبان لم تهجو ولم تدع
وهو معروف في النحو، والقراءة الثانية بضم القاف وسكون الفاء كتقل على أنه أجوف مجزوم. قوله: (ما لم يتعلق به علمك تقليد الخ (تقليداً منصوب على أنه مفعول له متعلق بقوله: ولا تتغ المفسر لقوله: ولا تقف وهو قيد للمنفيّ لا للنفي فيكون نفيا للتقليد الصرف، كما كان يفعل الكفرة من قولهم إنا وجدنا آباءنا فعلوا كذا، وأما تقليد المجتهدين فسيأتي بيانه، وقوله: أو رجما بالغيب أو فيه للترديد في التفسير أو لتقسيم ما كان بغير علم والرجم بالغيب استعارة للمتوهم لا من غير سند. قوله: (واحتج به من منع اتباع الظن (وكذا من منع العمل بالقياس من الظاهرية، وكذا العمل بالأدلة الظنية مطلقا، وقوله: وهو الاعتقاد الراجح الخ فخرج المرجوح والمتساوي الطرفين لأنه ليس العمل بالأدلة الظنية مطلقا، وقوله: هو الاعتقاد الراجح الخ فخرج المرجوج والمتساوي الطرفين لأنه ليس بعلم ولا ظن، وظاهره أن الظن يسمى علما حقيقة وهو مخالف للمشهور، قال في شرح المواقف: الظن والتقليد لا يسمى علما لا لغة ولا شرعا ولا عرفا، فقوله: واستعماله بهذا المعنى شائع كقوله تعالى: {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ} [سورة الممتحنة، الآية: 10، إشارة إلى دفع ما ذكر، وقيل إن الشرع أجرى الظن وان لم يكن علما مجرى العلم، وأمرنا بالعمل به للإجماع على وجوب العمل بالشهادة والاجتهاد في القبلة وغير ذلك، مما لا يحصى من الأحكام الفرعية، وقوله: المستفاد من سند أي ما يسند إليه ظنه من دليل أو أمارة فيدخل فيه التقليد، لأن له سندأ وهو حسن فإنه بالمجتهد أو سند المجتهد سند له في الحقيقة لعلمه بأنه لا يقول من غير دليل. قوله: (وقيل إنه مخصوص بالعقائد (أي ما ذكر من النهي عن اتباع ما ليس بعلم قطعي مخصوص بما ذكر فلا ينهض حجة لمن مغ العمل بالظن مطلقا حتى في القياس والتقليد في الفروع ونحوه والمخصص له أمر خارج عن الظن وهو عمل الناس والآثار الشاهدة بخلافه، وقوله: وقيل بالرمي أي القذف والذمّ بما لم يتحققه أو الشهادة بخلاف ما يعلمه أو بما لم يعلمه، وتخصيصه بما ذكر يدفع الاستدلال به على ما مرّ أيضا، وأما القول بأن المراد به مطلق الشهادة فباطل ولا سند فيما ظنه القائل به سنداً وهو ظاهر. قوله: (ويؤيده قوله عليه الصلاة
والسلام (أي يؤيد كون المراد به الرمي والقذف وشهادة الزور لأنهما سواء في أنهما نسبة ما لا أصل له إلى غيره فدليل أحدهما دليل للآخر، وقيل: إنه مؤيد للرمي وحده، فكان عليه أن يقدم شهادة الزور عليه أو يؤخرها عن الدليل، والحديث المذكور رواه الطبراني وغيره، بمعناه مع مخالفة فا في لفظه حتى قال العراقي: لم أجده بهذا اللفظ بعينه مرفوعا ولا ضير فيه، والردغة بفتح الراء المهملة وسكون الدال المهملة وفتحها والغين المعجمة أصلها في اللغة الوحل الشديد، والخبال بفتح الخاء المعجمة والباء الموحدة أصله الفساد في العقل ونحوه، وأما ردغة الخبال الواردة في الحديث ومثلها طينة الخبال الواردة في حديث من شرب الخصر كان حقا على الله أن يسقيه من طينة الخبال ففسرت في كتب الحديث بما يخرج من أبدان أهل النار من القيح والدم والصديد ونحوه، وهو تفسير مأثور وقوله: قفا بمعنى اغتاب وقذف. قوله: (حتى يأتي بالمخرج (المخرج بفتح فسكون المعروف في معناه أنه ما يخرجه عن عهدته ولما كان هذا غاية لحبسه في النار الواقع في الآخرة ولا مخرج له ثمة عن عهدة(6/30)
ما صدر منه لأنّ المتبادر إثبات ما اذعاه ونحوه أوّلوه بأنّ المراد بالمخرج ما يخرجه من حبسه في النار وهو أن يحمل عليه من ذنوب المغتاب ما يعذب به على مقداره ثم يخرج منها فالإتيان به مجاز عن تحمل ما يعذب به لأنه مسبب عما أتى به أوّلاً، وقيل إنه على حذ قوله حتى يلج الجمل في سمّ الخياط فهو كناية عن أنه لا إتيان له بدافع ولا خروج له عن عهدته لتعليقه على ما لا يكون فيفيد ما ذكر على أبلغ وجه وآكده وأما تفسيره بحتى يتوب فلا وجه له لما مر إلا أن يؤوّل حبسه بفعل ما يستوجب حبسه، ولا يخفى بعده. قوله: (وقول الكميت (بالتضمير شاعر إسلاي معروف وهم ثلاثة هذا أصغرهم والبيت من قصيدة له هجا بها نساء كليب، وقوله: بغير ذنب تأكيد لكونه بريا وأقفو بمعنى أقذف كما مر، والحواصن بالحاء والصاد المهملتين بمعنى المحصنات من النساء جمع حاصنة بمعنى محصنة أي عفيفة، وان قفينا بصيغة المجهول أي قذفهن غيري، والنون ضمير الإناث والألف لاطلاق القافية إشباعا للفتحة. قوله: (فأجراها مجرى العقلاء (هذا بناء على أن أولئك هل يختص بالعقلاء أو يغلب فيهم كما قيل أو هي عاقة
لهم ولغيرهم فعلى الأوّل تكون تلك الأعضاء منزلة منزلة العقلاء لصدور أفعالهم أو ما يشبهها منهم ففيه استعارة بقرينة الإشارة بما يشار به إلى العقلاء وهو أولئك وعلى غيره لا حاجة إليه واليه أشار بقوله: هذا الخ أي الأمر هذا أو خذ هذا، وكون ها بمعنى خذ بعيد، وقوله لما بفتح اللام وتشديد الميم جوابها محذوف بقرينة ما هو مقدّم عليها مما مر هو بمعناه أو بكسر اللام التعليلية وتخفيف الميم وما مصدرية وقوله: اسم جمع لذا أي اسم جمع لا مفرد له من لفظه وإنما له مفرد من معناه كرهط. قوله: (كقوله (أي قول الشاعر وهو جرير في قصيدته المشهورة وأوّله:
ذم المنازل بعد منزلة اللوى
وقال ابن عطية الرواية: بعد أولئك الأتوام فلا شاهد فيه، وما وقع للمصنف رحمه الله كالزمخشري مسطور في الكتب المعتبرة فلا يلتفت إلى ردّه ومعناه أنه يخاطب صاحبه ويقوله له: اذمم كل منزل وكل حياة بعد تلك المنازل وأيامها الخالية فيها واللوى موضع معروف. قوله: (في ثلاثتها ضمير كل (أي في كان وعنه ومسؤولاً ضمير مفرد عائد إلى كل أولئك بتأويل كل واحد منها مع أنه يجوز الإفراد وان لم يؤوّل بذلك لأن كلا المضافة إلى نكرة يطابق الضمير العائد إليها المضات إليه إفراداً وجمعاً وهل هو لازم أو لا فيه كلام فإن كان المضات إليه معرفة كما هنا جاز فيه الإفراد وغيره مراعاة للفظ أو المعنى ولذا لم يقل: كانت عنها مسؤولة لأن كل عبارة عما أضيف إليها وهو جمع معنى. قوله: (عن ئفسه (بيان لمعنى النظم وأنّ السؤال عن نفسه لا عن غيره، وقوله عما فعل به صاحبه ما مصدرية أو موصولة بحذف العائد أي فعله به، والباء للتعدية أو للسببية أي هل استعمله لما خلق له أم لا، وقوله ويجوز الخ معطوف بحسب المعنى على ما قبله وقوله المصدر لا تقف فيه تسمح لأنه مصدر تقف. قوله: (أو لصاحب السمع والبصر (وهو القافي وقد جوّز هذا في ضمير كان ففيه التف ت لأن الظاهر كنت حينئذ. قوله: (وقيل مسؤولا مسندا إلى عنه (على أنه نائب الفاعل وقائله الزمخشري وهذا رد عليه تبعا لأبي البقاء وغيره لأن القائم مقام الفاعل حكمه حكمه في أنه لا يجوز تقدمه على عامله كأصله قال المعرب رحمه الله: وليس لقائل أن يقول إنه على رأي
الكوفيين في تجويزهم تقديم الفاعل لأنّ ابن النحاس حكى الإجماع على عدم جوارّ تقديم القائم مقام الفاعل إذا كان جازاً ومجروراً فليس هو نظير غير المغضوب عليهم إلا أن ينازع فيه، وفي شرح المفتاح أنه مرتفع بمضمر يفسره الظاهر وجوّز إخلاء المفسر عن المسند إليه إذا لم يكن فعلا لالحاقه بالجوامد لعدم أصالته في العمل وهو مخالف للقياس والنقل، قال في الكشف فالوجه أنه حذف منه الجارّ فاستتر فيه الضمير ولو علل جواز تقديمه بأنّ المجرور بالحرف لا يلتبس بالمبتدأ لكان له وجه كما في التقريب، وجوز أن يكون مسؤولاً مسنداً إلى المصدر المدلول عليه ولكنه لا يصلح تصحيحا لكلام الكشاف. قوله: (مؤاخذ بعزمه) إذا صمم عليه بخلاف مجرد الخاطر كما فصله في الإحياء وقد قيل عليه إنه يجوز أن يكون ما يسأل عنه الفؤاد العقائد لا الهتم بأمر ولا حجة للمحتمل(6/31)
فتأمله. قوله: (وقرىء والفواد الخ (أي قرأ بعضهم وهو الجزاح العقيلي بفتح الفاء وابدال الهمزة واو وتوجيهها أنه أبدل الهمزة واواً لوقوعها بعد ضمة في المشهور ثم فتح الفاء تخفيفا وهي لغة فيه ولا عبرة بإنكار أبي حاتم لها. قوله: (ذا مرح) المرج شدة الفرح والسرور كذا فسره المعرب وفسره المصنف كغيره بالاختيال وهو افتعال من الخيلاء وهي العجب والكبر وهو أنسب أي لا تمش مشية المعجب المتكبر وفي انتصابه وجوه فقيل إنه مفعول به وقيل إنه مصدر وقع موقع الحال مبالغة فهو إما مؤوّل بمرج بكسر الراء بصفة الشبهة كما قرىء به أو مقدر فيه مضاف كما هو معروف في مثله وإليه أشار المصنف رحمه الله. قوله: (وهو باعتبار الحكم أبلغ (يعني القراءة بالوصف هنا أبلغ من قراءة المصدر المفيد للمبالغة بجعله عين المرج كما يقال رجل عدل لأنه واقع في حيز النهي الذي هو في معنى النفي ونفي أصل الاتصاف أبلغ من نفي زيادته ومبالغته لأنه ربما يشعر ببقاء أصله في الجملة وجعله المبالغة راجعة إلى النفي دون المنفيئ بعيد هنا كما لا يخفى، هذا ما عناه المصنف رحمه الله وهو تعقب لما في الكشاف فإنه قال: مرحاً حال أي ذا مرج وقرىء مرحا وفضل الأخفش المصدر على اسم الفاعل لما فيه من التأكيد اهـ فرده بأن المصدر آكد لما مر لكنه في الإثبات لا في النفي وما في حكمه، وقال الطيبي رحمه الله: إن القراءة باسم الفاعل شاذة وفي كلامه تسامح لأنه قال وفضل الأخفش الخ بعدما أوّله بذي مرج وإنما يكون المصدر أبلغ إذا ترك مجاله، ولا يرد ما ذكره لأن أوّل كلامه إشارة إلى دفع ما ذكره الأخفش حتى لا تفضل إحدى القراءتين على الأخرى أو هو ماش معه على تفضيل المتواترة على الشاذة أو ما ذكر أولا أراد به تصوير المعنى لا تقدير المضاف ولو سلم فهو مبنيّ على ظاهر التركيب فإن العدول عن التصريح يشعر به على أنّ جعله صاحب مرج أبلغ لجعله ملازما له كأنه مالك حائز له، فإن قلت مرج صفة مشبهة تدل على الثبوت ونفيه لا يقتضي نفي أصله أيضا، قلت هذه مغالطة نشأت من عدم معرفة معنى الثبوت فيها فإن المراد به أنها لا تدل على تجدد
وحدوث لا أنها تدل على الدوام كما ذكره النحاة، ثم إن ما ورد على الزمخشري أورده بعضهم على المصنف رحمه الله من عنده وقد عرفت دفعه، نعم يرد عليه أن ما ذكره فيه تفضيل القراءة الشاذة على المتواترة ولا وجه له، فتدبر. قوله: (لن تجعل فيها خرقا (فسره به إشارة إلى أنه ليس المراد به النفوذ من جانب إلى آخر كما يتبادر منه، وقوله: بتطاولك أيمما بتكلفك الطول بمد قامتك كما يفعله المختال تكلفا وهذا بيانا لحاصل المعنى فلا ينافي كونه تمييزاً أو مفعولاً له، وقيل إنه إشارة إلى أنه منصوب على نزع الخافض وأن الطول بمعنى التطاول وكونه إشارة إلى أنه مفعول له لما بين اللام والباء من الملابسة تكلف لا داعي له، وقوله: وتعليل لأن مآله إلى أن لا فائدة فيه والجدوى بالجيم والدال المهملة الفائدة. قوله: (إشارة إلى الخصال الخمس والعشرين الخ (وذكره لتأويله بالمذكور ونحوه، وأولها {لاَّ تَجْعَل مَعَ اللهِ إِلَهًا آخَرَ} [سورة الإسراء، الآية: 22، وهي النهي عن اعتقاد أن له شريكا، وثانيها وثالثها قوله: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ} [سورة الإسراء، الآية: 23، إذ هي أمر بعبادة الله ونهي عن عبادة غيره ورابعها {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [سورة الإسراء، الآية: 23] وخامسها {فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ} [سورة الإسراء، 1 لآية: 23، وسادسها {وَلاَ تَنْهَرْهُمَا} [سورة الإسراء، الآية: 23، وسا بعها {وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا} [سورة الإسراء، الآية: 23] وثامنها {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ} [سورة الإسراء، الآية: 24] وتاسعها {وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا} [سورة الإسراء، الآية: 24، وعا شرها {وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ} [سورة الإسراء، الآية: 26، وحادي عشرها {وَالْمِسْكِينَ} [سورة الإسراء، 1 لآية: 126 وثاني عشرها {وَابْنَ السَّبِيلِ} [سورة الإسراء، الآية: 26، وثالث عثرها {وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا} اسورة الإسراء، الآية: 26] ورابع عشرها {فَقُل لَّهُمْ قَوْلاً مَّيْسُورًا} [سورة الإسراء، الآية: 28، وخامس عشرها {وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ} [سورة الإسراء، الآية: 29] وسادس عشرها {وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ} [سورة الإسراء، الآية: 29، وسابع عشرها {وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ} [سورة الإسراء، الآية: 31، وثامن عشرها {وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ} [سورة الإسراء، الآية: 31، وتاسع عشرها {وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا} [سورة الإسراء، الآية: 33] وعشروها {فَلاَ يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ} [سورة الإسراء، الآية: 33، وحادي عشريها {وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ} [سورة الإسراء، الآية: 134 وثاني عشريها {وَأَوْفُوا الْكَيْلَ} [سورة الإسراء، الآية: 35، وثالث عشريها {وَزِنُواْ بِالقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ} [سورة الإسرأء، الآية: 35] ورابع عشريها {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [سورة الإسراء، الآية: 36، وخامس عشريها {وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا} [سورة الإسراء،
الآية: 137 وكلها تكليفات. قوله: (يعني المنهي عته الخ) في هذه الآية قراءتان فقرأ الكوفيون وابن عامر سيئه برفعه على أنه اسم كان واضافته إلى ضمير الغائب المذكر(6/32)
وهي التي فسرها المصنف رحمه الله أوّلاً، وقرأه الباقون مؤنثا منصوبا وعلى الأولى اختلف المفسرون في تفسيرها فذهب المصنف كغيره إلى أن كل ذلك شامل لجميع ما مرّ من الأوامر والنواهي وهو مبتدأ والجملة بعده خبره وسيئه المنهيات منه، فالإضافة لامية من إضافة البعض إلى الكل، وذهب آخرون إلى أن الإضافة بيانية وأن كل ذلك سيىء أما النواهي فظاهرة وأما الأوامر فلأنها نهي عن أضدادها فهي دالة عليه في الجملة أو الإشارة الى ما نهى عنه كما في الوجه الآتي والأوّل أظهر ومناه جمع منهي وفيه شيء. قوله: (إشارة إلى ما نهى عنه خاصة (بطريق التصريح ويجوز التعميم على أنّ الإشارة إلى ما نهى عنه صريحا أو ضمنا كما مرّ وقوله: بدل من سيئة أو صفة لها أي مكروها، وعند ربك متعلق به مقدم من تأخير وقوله محمولة على المعنى لتذكيره على الوصفية لا على البدلية فإنه لا يعتبر فيها المطابقة، وقل: إنّ السيئة بمعنى الذنب جرت مجرى الجوامد، وضعف البدل بأنّ بدل المشتق قليل، وقيل: إنه خبر كان لجواز تعدد خبرها وقوله على أنه صفة سيئة فيستتر فيه ضميرها والحال حينئذ مؤكدة. قوله: (والمراد به المبغوض (أي المراد بالمكروه هنا وهو جواب عن قول المعتزلة أنّ القبائح لا تتعلق بها الإرادة هالا اجتمع الضدان الإرادة المرادفة أو الملازمة للرضا عندهم والكراهة ونحن لا نقول بذلك لما ذكره المصنف رحمه الله وقوله: لقيام القاطع الخ دفع لقولهم لا يعدل عن الظاهر بلا دليل ولا ضرورة، وقوله: إشارة الخ بتأويل المذكور كما مرّ وهي من قوله: {وَلاَ تَجْعَلْ مَعَ اللهِ إِلَهًا آخَرَ} الخ. قوله تعالى: ( {مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ} الخ (أي كائن منا أوحي ومعلوم به وقوله: من الحكمة جوز فيه المعرب أن يكون حالاً من الموصول أو من عائده المحذوف أو متعلقاً بأوحى، ومن تبعيضية أو ابتدائية أو متعلقا بمحذوف ومن بيانية أو الجار والمجرور بدل مما أوحى. قوله: (التي هي معرفة الحق لذاته الخ) تفسير للحكمة وهي إما نظرية وأجلها معرفة الله ولذا اقتصر المصنف رحمه الله عليها وقيل إن أريد بالحكمة ما سبق ذكره فهو ظاهر ويأباه التعميم في قسميها وإما عملية واليها أشار بقوله والخير الخ. قوله: (فإن من لا قصد له بطل
عمله الخ (قيل إنه لا دلالة على أن التوحيد مبدأ الأمر ومنتهاه وهو غير متوجه إذ مراده كما نطق به كلامه أن فائدة الأعمال متوقفة على التوحيد فإن من عمل عملا من غير قصد أصلا عمله باطل لا يثاب عليه ومن قصد به غير الله كالأصنام أو الرياء كان سعيه ضائعا إذ لا يفيده شيئاً فبقي أن يقصد به وجه الله لا غير لينفعه وهذا متوقف على معرفة الله تعالى وتوحيده، ومن الناص من رده وتردد فيه من غير محصل لكلامه. قوله: (وإنه راس الحكمة وملاكها (معطوف على قوله أن التوحيد الخ الرأس معروف ويطلق على الأول والأشرف والمراد الثاني لأن الأوّل بمعنى المبدأ وقد تقدم ذكره والملاك بكسر الميم ما به البقاء فالمراد أنه أشرف الأمور وبه يكون بقاؤها وثباتها لأنه علم أنه من الحكمة بدخوله فيها ثم لما أعاد ذكره تأكيدا علم منه أنه مما يعتني به لما ذكر. قوله: (ورتب عليه الخ (يعني قوله مذموما مخذولاً وقوله: فتلقى في جهنم الخ، وقوله: تلوم نفسك لأنه في القيامة يشتغل كل أحد بنفسه فلا يتفرغ للوم غيره ولو سلم فيعلم منه لوم غيره بالطريق الأولى. قوله: (والهمزة للأنكار الخ (بمعنى أنه لم يكن ذلك من الله ولا يليق صدور اعتقاده بعاقل وهي مقدمة من تأخير أو داخلة على مقدر على ما تقرر والفاء على الأول لسببية الإنكار لا لإنكار السببية، وقوله: أفخصكم تفسير لأصفاكم لأنه من كونه صافيا أي خالصاً والباء داخلة على المقصور والكلام فيه معروف، وقوله: بناتا لنفسه أي لتكون أولاداً له لا للتزوّج، وعبر بالإناث إظهارا لخستهن وقوله: خلاف ما عليه عقولكم يعني من ترك الأشرف مع القدرة عليه وعادتهم من قبل ترك البنات بوأدهن واضافة الأولاد نسبتها وفي نسخة هن بدل هي باعتبار البنات والصحيح الأولى، وقوله لسرعة زوالها فيحتاج إلى بقاء النوع بالتوالد وأنت ضمير زوالها العائد للبعض لاكتسابه التأنيث من المضاف إليه أو لتأويله بالمتوالدة ويصح رجوعه للأجسام وقال بعض: لأنّ منها ما لا يتوالد كالفلكيات وقوله: بتفضيل معطوف على قوله: بإضافة الأولاد وكذا ما بعده، وما تكرهون هو البنات وأدونهم الإناث. قوله: إكررنا هذا المعنى) يشير إلى(6/33)
أنّ التصريف تكرير الشيء من حال إلى حال والمراد به التعبير عنه بعبارات، ومفعوله محذوف أي صرفناه. قوله: (في مواضع منه (إشارة إلى أن القرآن المراد منه المجموع، وقوله: ويجوز أن يراد بهذا القرآن إبطال إضافة البنات
الخ، لا يعني به أنه أطلق القرآن وأراد به الإبطال من باب إطلاق اسم الحاذ على المحل بل المراد أق هذا القرآن إشارة إلى البعض المشتمل على الإبطال ويؤيده قوله ولقد صرفنا القول في هذا المعنى كما أفاده في الكشف، وصرفنا متعد مفعوله القول المقدر وايقاع القرآن على المعنى وجعله ظرفا للقول إما بإطلاق اسم المحل على الحال لما اشتهر أنّ الألفاظ قوالب للمعاني أو بالعكس كما يقال الباب الفلاني في كذا، وهذه الآية في تحريم كذا أي في بيانه وكلا الاستعمالين شائع، وقوله: أو أوقعنا الخ على تنزيله منزلة اللازم وتعديته بفي كما في قوله: تجرج في عراقيبها نصلي، وفي نسخة بالواو بدل أو فيكون مع ما قبله وجهاً واحدا ويكون قوله على تقديره ولقد صرفنا القول بيانا لحاصل المعنى لا لتقدير المفعول لكنه خلاف الظاهر. قوله: اليتذكروا (إشارة إلى أصك لفظه وأنه من التذكر بمعنى العظة وأما قراءة التخفيف فمن الذكر بمعنى التذكر ضد النسيان والغفلة، ثم إن الزمخشري أشار إلى نكتة هنا وهو أنه قال أي كرّرناه ليتعظوا ويعتبروا ويطمئنوا إلى ما يحتج به عليهم فإن التكرار يقتضي الإذعان واطمئنان النفس به فيكون قوله: وما يزيدهم تعكيسا وهو معنى لطيف تركه المصنف رحمه الله، وقوله: وقلة طمأنينة إليه قيل: القلة بمعنى العدم أو كناية عنه ويجوز ابقاؤها على ظاهرها لأنهم ربما اطمأنوا لبعضه ظاهرا، وقوله وفيما بعده هو عما يقولون، وقوله: على أن الكلام مع الرسول صلى الله عليه وسلم بمعنى أنه إذا أمر أحد بتبليغ كلام لأحد فالمبلغ له في حال تكلم الآمر غائب ويصير مخاطبا عند التبليغ فإذا لوحظ الأوّل فحقه الغيبة وإذا لوحظ الثاني فحقه الخطاب كما في قوله تعالى: {قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ سَتُغْلَبُونَ} [سورة آل عمران، الآية: 12] وقد قرىء بالوجهين وقيل إنه يريد أنه ليس من جملة القول المأمور به بل كلام الله مع رسوله صلى الله عليه وسلم معترضاً بين الشرط والجزاء، وعلى قراءة الخطاب هو متعلق بالشرط وفيه نظر. قوله: (مما أمر الرسول صلى الله عليه وسلم الخ (أي باعتبار حاله عنده مكالمتهم لا باعتبار حاله مع الله، وقوله مما نزه به نفسه أي ابتداء من غير أمر للرسول صلى الله عليه وسلم لهم، وقولي عن قولهم وهو أن مع الله آلهة وقوله وجزاء للو لاقترانها بإذا واللام وقوله لطلبوا الخ فقوله إلى ذي العرس بمعنى إلى مقابلته ومغالبته والمعازة بالزاي المعجمة مفاعلة من العز ومعناها المقاومة والمغالبة من عزه إذا غلبه وهذه الآية، كقوله تعالى:
{لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [سورة الأنبياء، الآية: 22] ففيها إشارة إلى برهان التمانع بتصوير قياس استثنائي استثنى فيه نقيض التالي كما سيأتي تقريره ثمة. قوله: (أو بالتقرب إليه والطاعة (فالسبيل بمعنى الوسيلة الموصلة إليه وضمير ابتغوا فيهما للآلهة قالوا إنه إشارة إلى قياس اقتراني والمراد بالآلهة من عبد من أولي العلم كعيسى والعزير عليهما الصلاة والسلام وتقريره هكذا لو كان كما زعمتم آلهة لتقربوا إليه وكل من كان كذلك ليس إلها فهم ليسوا بآلهة ولو على الأول امتناعية وعلى هذا شرطية والقياس مركب من مقدمتين شرطية اتفاقية وحملية. قوله: (ينزه تنزيهاً (يشير إلى أنّ سبحان مصدر سبح بمعنى نزه وبرأ لا بمعنى قال سبحان الله كما م تقريره، وينزه بالياء في أوّله مجهول مضارع نزه تنزيها كما في النسخ الصحيحة لا بالتاء ماضي تنزهاً كما ظنه بعضهم فحبط إذ قال قدر فعله من التفعل لا من التفعيل ليناسب قوله تعالى ولم يقل تنزها لما مر أن سبحان من التسبيح الذي هو التنزه وقوله تعاليا إشارة إلى أن علوّاً مصدر من غير فعله كقوله أنبتكم من الأرض نباتا. قوله: (متباعداً غاية البعد) إشارة إلى أن الكبر من صفات الأجسام فإذا وصفت به المعاني فسر بما يليق بها وهو ما ذكره هنا، وذكر العلوّ بعد عنوانه بذي العرش في أعلى مراتب البلاغة، وقوله: ما يمتنع بقاؤه أي عادة لا بالذات ولذا توالد وتناسل لبقاء نوعه في الجملة. قوله: (ينزهه عما هو من لوازم الإمكان) يعني أن في قوله تسبح الخ استعارة تمثيلية أو تبعية كنطقت الحال فإنه استعير فيه التسبيح للدلالة على وجود فاعل قادر حكيم واجب الوجود منزه عن الإمكان وما يستلزمه كما يدل الأئر(6/34)
على مؤثره فجعلت تلك الدلالة الحالية كأنها تنزيه له عما يخالفه:
وفي كل شيء له آية تدل على أنه الواحد..0
فلوازم الإمكان الأمور الموجبة والمستلزمة له وقوله: حيث الخ إشارة إلى أنها محتاجة
إلى الفاعل في الوجود والبقاء لأنّ سببه الإمكان والحدوث على ما اختاره المحققون من أهل الكلام وبهذا ظهر وجه الشبه وان الدلالة مشبهة بالتنزيه لا أنها مفروغ منها كما توهم. قوله: (أيها المشركون (إشارة إلى جواب سؤال مقدر وهو أنه إذا كان التسبيح بمعنى الدلالة الظاهرة المشبهة بالتنزيه كيف قيل إن الناس لا يفهمون ذلك وكثير من العقلاء فهمه ولهذا ذهب بعض الظاهرية وارتضاه الراغب أنه تسبيح حقيقي ولكنا لا ندركه لحكمة ولا يستغرب هذا وقد
سبح الحصى في كف نبينا عليه أفضل الصلاة والسلام وسلمت عليه الحجارة فدفعه بأن الخطاب للمشركين والكفرة بقرينة ما قبله فإنه مسوق لهم وهم لو فقهوه ما أشركوا وسيأتي ما يرد عليه ودفعه وأن السؤال مدفوع على عموم الخطاب أيضا. قوله: (ويجوز أن يحمل التسبيح على المشترك الخ (معطوف على ما قبله بحسب المعنى أي يجوز أن يراد به الدلالة على تنزيه الباري عما ذكر مطلقا سواء كانت حالية أو مقالية على أنه من عموم المجاز أو بالجمع بينهما على رأي من جوزه، وعبر بالجواز رداً على ما يفهم من ظاهر كلام الكشاف من منعه وإشارة إلى أنه مرجوج عنده لأنه مع بعده لا يلائمه قوله لا تفقهون لأن منه ما يفقهه المشركون وغيرهم وهو التسبيح اللفظي وأن أجيب عنه بأنهم لعدم تدبرهم له وانتفاعهم به كان فهمهم بمنزلة العدم أو أنهم لعدم فهمهم لبعضه جعلوا كمن لا يفهم الجميع تغليباً وهذا وان حسم السؤال لكنه ضغث على إتالة، وقوله وعليهما عطف على قوله على المشترك أي على اللفظ والدلالة الحالية معاً، وقوله على معنييه أي الحقيقيّ والمجازي كما يحمل على الحقيقيين والمجازيين. قوله: (وقرأ ابن كثير الخ (قرأ أبو عمرو والأخوان وحفص بالتاء الفوقية تسبح له السموات، والباقون بالتحتية لأن التأنيث مجازي مع الفصل، وقال ابن عطية أنه أعيد على السموات والأرض ضمير العقلاء لإسناد ما هو من أفعالهم لها، ورده المعرب بأنه ظن أن ضميرهت يخص العاقلات وليس كذلك. قوله: (حين لم يعاجلكم الخ (إشارة
إلى دفع ما قيل جعل الخطاب للمشركين لا يناسب قوله أنه كان حليما غفوراً فالظاهر أنه للمؤمنين وأن قوله لا تفقهون إشارة إلى ما عليه الأكثر من الغفلة وعدم العمل بمقتضاه، ورد بأنه لا يلتئم مع ما قبله من الإنكار على المشركين لما أسندوه إليه فلما نزهه عنه قال هذ التنزيه مما شهد به حتى الجماد، وأما التذييل بقوله أنه كان حليما الخ، فوجهه كما أشار إليه المصنف رحمه الله أنه لا يعاجلهم بالعقوبة مع كفرهم وقصورهم في النظر ولو تابوا لغفر لهم ما صدر منهم فكأنه قيل ما أحلم الله وأكرمه وهذا في غاية البلاغة والانتظام. قوله: (يحجبهم عن فهم ما تقرؤه (قيل عليه إنه وان روي عن قتادة واختاره الزجاج وغيره لا يلائم قوله: بينك وبين الذين الخ إلا بتقدير حذف مضافين أي جعلنا بين فهم قراءتك وأيضا هو على هذا مكرر مع ما بعده من غير فائدة جديدة فالأولى أن يحمل على ما روي من أنها نزلت في أبي سفيان وأبي جهل والنضر وأئم جميل إذ كانوا يؤذونه إذا قرأه فحجب الله أبصارهم عنه فكانوا يمزون ولا يرونه، ومن الناس من يرد عليه بأنه سهل من غير بيان لوجه ألسهولة وكان السكوت عنه خيرا له بل الظاهر أنه لا يقدر فيه وإنما يلزم لو كان حقيقة وهذا تمثيل لهم في عدم استماع الحق بمن كان وراء جدار وحجب كما أن الأكنة كذلك وأما الإعادة من غير إفادة التي اذعاها فقد كفانا المصنف رحمه الله شرها فإن قوله: تسبح له السموات الخ نفي لفهمهم للأدلة الآفاقية والنفسية ثم عقبها بما هو أبلغ وهو أنهم لا يفهمون فصيح المقال فضلا عن دلالة الحال ثم صرح بما اقتضاه من كونهم مطبوعين على الضلال وأي فائدة بعد هذا أجل لمن كان ذا بال وقد تتبعنا كلام الكشاف والمصنف فرأيناهما إذا اقتصرا على تفسير أو قدماه فهو مأثور عن السلف ما لم يدع داع إلى سواه. قوله: (ذا ستر كقوله تعالى: {وَعْدُهُ مَأْتِيًّا} (لما كان الحجاب ساترا لا مستورا ذهبوا في تأويله إلى(6/35)
وجوه، منها ما ذكره من أنه للنسب كلابن وتامر، وهو وأن اشتهر في فاعل فقد جاء في مفعول أيضا كما نبهوا عليه وله نظائر كرجل مرطوب ومكان مهول وجارية مغنوجة، ولا يقال رطبته وهلته وغنجته وعليه يخرّج كل ما جاء على مفعول من اللازم فاحفظه، ومنه وعدا مأتيا أي ذا إتيان لأنه آت وكذا سيل مفعم بالفتح فإنه مفعم بالكسر من أفعمت الإناء إذا ملأته وأهل المعاني مثلوا به للإسناد المجازي وهو جائز فيه كما يجوز في النظم هنا كما في شروح الكشاف ولكل وجهة لكن صاحب الكشاف رجح النسبة على التجوز في الإسناد في هذا المثال بأنه لو قيل أفعم السيل الوادي كان التجوّز بحاله وفيه نظر لكن المثال لا يتحمل القيل والقال.
قوله: (أو مستورا عن الحس) فيكون بيانا لأنه حجاب معنوي لا حسيّ فهو على ظاهره حقيقة، وقيل إنه على الحذف والإيصال والأصل مستوراً به الرسول صلى الله عليه وسلم عن رؤيتهم أو فهم ما يقرؤوه وادراكه، وقوله: أو بحجاب آخر فيكون عبارة عن تعدّد الحجب، وقوله: لا يفهمون ولا يفهمون أنهم لا يفهمون بيان لتعدد الحجب المجازية فالحجاب الأوّل: عبارة عن عدم الفهم، والثاني: عدم فهم عدم الفهم، وعن الأخفش أن مفعولاً يرد بمعنى فاعل، كميمون ومشؤوم بمعنى يأمن وشائم كما أن فاعلا يرد بمعنى مفعول كماء دافق فإن أراد أنه حقيقة فقريب، وقوله: نفي عنهم تفصيل لمعنى هذه الآية مع ما قبلها وما بعدها وبيان لارتباطها، وقوله: النفقة للدلالات ضمنه معنى التفطن والتدبر فعداه باللام، وقوله: مطبوعين أي مجبولين ومخلوقين وكلامه ظاهر، وقوله: تكنها يقال كنه وأكنه إذا ستره. قوله: (كراهة أن يفقهوه (يعني أنه مفعول له بتقدير مضاف أو هو مفعول به لفعل مقدر مفهوم من الجملة أو من أكنة وأما جعله من التضمين كما قيل فغيرظاهر فإنه لا يظهر تضمين جعلنا أو أكنة أو الجملة بتمامها كما ذهب إليه بعض الشراح. قوله: (يمنعهم عن استماعه) أي عن حق استماعه، وكذا قوله فهم المعنى وإدراك اللفظ أي كما ينبغي ويليق به فإنهم كانوا يسمعون اللفظ من غير تدبر فلا يدركون إعجازه فقد منعوا عن إدراكه على ما ينبغي وكذا حال المعنى فلا يرد أن فهم المعنى موقوف على إدراك اللفظ فالجعل الثاني على تقدير كونه حقيقة كاف في الأمرين كما قيل: وهذا لو سلم لا يرد على المصنف رحمه الله ولو حمل على ظاهره لأنه ترق فكأنه لما قال لا يفهمون المعنى قال: بل لا يدركون لفظه فضلا عنه ولا محذور فيه حتى يتكلف له ما ذكر. قوله: (واحدا غير مشفوع به الخ (أي مقرون بذكره ذكر شيء من الآلهة، كما كانوا يقولون بالله واللات مثلا وعدم اقترانهم به صادق بنفيهم فلا يرد ما قيل إن المتبادر من هذا كونه غير مشفوع به في الذكر، وقوله: بعده هربا من استماع التوحيد يقتضي أنه غير مشفوع به في الألوهية، وقوله: مصدر وقع موقع الحال في الدرّ المصون أنّ فيه وجهين أحدهما أنه منصوب على الحال وإن كان معرفة لفظا فإنه في قوّة النكرة إذ هو في معنى منفردا وهل هو مصدر أو اسم موضوع موضع المصدر الموضوع موضع الحال فوحده موضوع موضع اتحاد، واتحاد وضع موضع متوحد، وهذا مذهب سيبويه رحمه الله أو هو مصدر أوحد على حذف الزوائد وأصله اتحاد أو هو بنفسه مصدر وحده فعلا ثلاثيا، يقال: وحده يحده وحدا وحدة كوعد أو عدة، وقال الزمخشري: إنه مصدر الثلاثي سادا مسذ الحال بمعنى واحدا كجهدك، وهذا ليس بمذهب سيبويه، والئاني:
أنه منصوب على الظرفية وهذا مذهب يونس، وعلى الحالية إذا وقعت بعد قاعل ومفعول كقوله: وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده جاز كونها حالا من كل منهما أي موحداً له أو موحداً بالذكر فقول المصنف رحمه الله واقع موقع الحال أي لا منصوب على الظرفية ولا على المصدرية بفعل هو الحال في الحقيقة وهذا معنى قوله وحده أي هو حال وحده لا مع عامله ولا مع متعلقه. قوله: (هرباً (يعني أنه مفعول له أو مفعول مطلق لقوله ولوا فهو منصوب بولوا لتقارب معناهما، أو جمع نافر فهو حال، وقوله: بسببه ولأجله يعني أنه متعلق بيستمعون والضمير لما والباء سببية في به لا بمعنى اللام إلا أنه وقع في نسخة أو بدل الواو وعليها يتعين ذلك، وقد تجعل الباء للملابسة أي يستمعون بقلوبهم أو بظاهر أسماعهم والأوّل أولى واما باء بما(6/36)
فمتعلقة بأعلم لأن أفعل للتعجب أو التفضيل في الجهل والعلم يتعدى بالباء وما سواهما باللام تقول هو أعلم بحاله وأكسى للفقراء، وقوله: من الهزء الخ بيان لما وقوله ظرف لأعلم أي متعلق به أي نحن أعلم بما هم عليه في هذا الوقت، وليس المراد تقييد علمه بل الوعيد لهم وقيل إنه متعلق بيستمعون الأولى، وقوله: بغرضهم من الاستماع وهو الهزء السابق، وقوله: مضمرون أي مخفون لغرضهم وهو يعلم من الاقتصار على الاستماع المقابل بالنجوى، وقوله ذوو نجوى إشارة إلى تقدير المضاف على المصدرية وإذا كان جمع نجيّ فهو كقتيل وقتلى. قوله: (على وضع الظالمين (أي وضع الظاهر موضع الضمير إذ الظاهر إذ يقولون لكنه عبر به للإشارة إلى أنهم بهذا متصفون بالظلم له أو لأنفسهم وقوله للدلالة متعلق بقوله بدل لبيان فائدة الإبدال وبقولهم خبر إن. قوله: (هو الذي سحر به فزال عقله (فهو كقولهم أن هو إلا رجل مجنون، وبه متعلق بسحر لتضمينه معنى فعل السحر به، وقوله: الذي له سحر بسكون الحاء وسينه مثلثة، كما في الدرر والغرر وقد تفتح حاؤه، والرئة مهموز آلة للنفس معروفة في الجوف، وقوله: يتنفس الخ إشارة إلى أنّ مسحوراً بمعنى ذا سحر وهو كناية عن كونه بشراً مثلهم لا يمتاز عنهم بشيء يقتضي اتباعه على زعمهم الفاسد، يقال: رجل مسحور ومسحر أي يأكل ويشرب ومنه سحور الصائم أو هو من وقت
السحر لأنه زمانه وهذا تفسير أبي عبيدة وقيل إنه بعيد لفظاً ومعنى لأنه لا يناسب ما بعده من كونه ضرب مثلا ولذا أخره المصنف رحمه الله ومرضه. قوله: (مثلوك بالشاعر الخ) أي قالوا تارة هذا وتارة هذا مع علمهم بخلافه فإنما قصدوا تشبيه حالك فيما قلته ونطقت به من القرآن بحال هؤلاء فتكون مثلوك بمعنى شبهوك إما على أن الأمثال جمع مثل بفتحتين أو مثل بكسر فسكون، وفي الكشف الأظهر أن تفسير ضربوا لك الأمثال بمعنى بينوا لك الأمثال كما ذكر في غير هذا المحل بقوله وقالوا أئذا كنا الخ المقالات الثلاث ألا ترى قوله: واضرب لهم مثلا فتفسيره بمثلوك غير ظاهر إذ الظاهر حينئذ مثلوا للى وبه ياهـ تبط الكلام أتم ارتباط فلما ذكر استهزاءهم بالقرآن عجبه من استهزائهم بمضمونه من البعث دلالة على أنه أدخل في التعجب لمخالفته العقل وأما على هذا التفسير فيكون وقالوا معطوفاً على فضلوا لأنه من الضلال أو على مقدر تقديره مثلوك بما ذكر، وقالوا: وأورد عليه أنه لا يظهر كون المقالتين الأخيرتين من ضرب المثل فالأولى الاقتصار على الأولى كما في قوله: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ} [سورة ياسين، الآية: 78] الآية وسميت أمثالا للتعبير عنها بعبارات شتى أو باعتبار تعدد القائل (قلت (ليس التعبير عنها بالأمثال لما ذكر بأقرب من جعل ما يتعلق بالمثل مثلاً على التغليب ثم إنه على ما اختاره في الكشف يكون قوله قالوا معطوفاً على ضربوا عطفا تفسيريا، والظاهر فيه الفاء، وعلى ما ذكره المصنف أيضا ولا حاجة لما تكلفه ولا وجه لعطفه على ضلوا والارتباط عليه تام أيضا لأنه لما تعجب من ضربهم الأمثال بما ذكر عطف عليه أمراً آخر أعجب منه، فلا داعي لما ذكره أصلاً كما أنه لا وجه لما اعترض به على هذا التفسير بأنهم ما مثلوه صلى الله عليه وسلم بما ذكر بل قالوا تارة أنه ساحر وأخرى أنه شاعر الخ، وأيضا كان الظاهر أن يقال فيك لا لك فإن ما ذكروه على طريق التشبيه لتفريقه بين الأقرباء والأصدقاء وعجزهم عن معارضته صلى الله عليه وسلم لإخباره بالغيب واشتماله على المحال بزعمهم، ولك أظهر من فيك لأنه الممثل له وتفسير ضربوا ببينوا هنا لا حاجة إليه بل لا يناسب فتأمل. قوله: (إلى طعن موجه (أي له وجه يقبل به، وقوله: يتهافتون بمعنى يقعون لضعف ما يتمسكون به ويختص في الاستعمال بالوقوع في الشر، وقوله: أو إلى الرشاد بيان لمتعلقه بوجه آخر، والرفات ما يلي فتفتت وقيل إنه التراب والحطام ما تكسر من اليبس وهما متقاربان، وصيغة فعال تكون لما تفزق كدقاق وفتات، وقوله على الإنكار أي قالوا هذا قولاً مبنياً على الإنكار وهو إشارة إلى أن الاستفهام إنكاري بمعنى أنه لا يكون هذاً وغضاضته طراوته ورطوبته، ولذا قابلها بيبوسة الرميم أي البالي لأن اليبوسة تقتضي التفرّق والفناء أأسمنافي للحياة والرطوبة تقتضي الاتصال المقتضي للبقاء والحياة كما يعلم من
علم الحكماء(6/37)
فسقط ما قيل إنّ الأولى أن يقال لما بين العظام والأجزاء المتفتة المنتشرة والبدن المجتمع من الأجزاء التي فيها الحياة والقوى الحيوانية من التباعد والتنافر. قوله: (والعامل في إذا ما دل عليه مبعوثون) وهو نبعث مقدراً بفرينة ما ذكر وأن الاستفهام بالفعل أولى لا نفسه لأنّ أنّ لها الصدر فلا يعمل ما بعدها فيما قبلها كما بينه النحاة وكذا الاستفهام مانع أيضا كما ذكروه وان كان تأكيداً وليس عدم ذكره لأنه غير مانع لهذا كما توهم، وهدّا على القول بأن العامل في إذا الشرطية الجواب أو ما في حيزه، وأما على القول بأن العامل الشرط فلا حاجة إلى التقدير وهو خلاف المشهور عند النحاة، وفي الدرّ المصون إذا هنا متمحضة للظرفية، ويجوز أن تكون شرطية فالعامل فيها جوابها المقدر أي أئذا كنا عظاماً ورفاتاً نبعث أو نحوه كنعاد، وهذا المحذوف جواب الشرط عند سيبويه والذي انصب عليه الاسنفهام عند يونس، قيل وعلى كونها شرطية والعامل الشرط يرد أن عمله فيها يوجب كونها ظرفا له وذلك لا يكون إلا بعد تعين مدلولها وهو لا يكون إلا بشرطها وهو تخيل واه لأنّ المعنى حينئذ أنبعث وقد كنا رفاتا في وقت فدعوى ادّعاء التعين لا يتعين وهو ظاهر. قوله: (وخلقا الخ (أي نصبه إمّا على أنه مفعول مطلق من غير لفظ فعله أو حال بمعنى مخلوقين، ووحد لاستواء الواحد وغيره في المصدر. قوله: (كونوا حجارة) قالط الزمخشري: أي لمشاكلة قولهم كنا وأما الأمر فقيل إنه للاستهانة أو الإهانة وقال الطيبي أنه أمر تسخير كقوله: {كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ} [سورة البقرة، الآية: 65] لكونه على الفرض وإلا لزم أن يكونوا حجارة قال في الكشف وهو غير ظاهر لأنه لا معنى للتسخير الفرضيّ ولو جعل من قبيل كن فلانا كقوله:
كن ابن من شئت واكتسب أدبا يغنيك عماذكرت من نسب ...
على معنى أنت فلان باستعمال الطلب في معنى الخبر أي أنتم حجارة ولستم عظاما ومع
ذلك تبعثون لا محالة لكان وجهاً قويما وفيه بحث لأنه كيف يقال أنتم حجارة على أنه خبر وهو غير مطابق للواقبم فلا بد من قصد الإهانة وعدم المبالاة وجعل لأمر مجازاً عن الخبر والخبر خبر فرضي وليس فيه ما يدل على الفرض كان ولو الشرطية، وهو مما لا يخفى بعده وليس بأقرب مما استبعده فالصواب أنه للإهانة كما جنح إليه في الإيضاج فتدبر. قوله: (أي مما يكبر الخ (يشير إلى أنّ الكبر في الأصل للمحسوسات ويوصف به المعاني كالعظيم ثم شاع فيما يستبعد وقوعه وهو المراد هنا، وقوله فإن قدرته تعالى الخ جواب عن إنكارهم البعث بعد كونهم عظاماً بالية بأنه أمر هين عليه تعالى ولو كنتم أجساماً لم تتصف بالحياة كالحديد
والحجارة فإنه يقدر على خلق الحياة فيها لتساوي الأجساد في قبول الأعراض فضلا عما كان متصفا بها فمن قال إنه تصوير لمعنى النظم إلى قوله فسينغضون لأن هنا إنكارين إنكار للبعث وانكار لمن يقدر عليه وهذان جواب عن الثاني والكلام في الأوّل لم يصب وهذا إنما يحتاج إليه في كلام الكشاف كما في الكشف، وهو الذي غره لعدم التدبر. قوله: ( {قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ} (مبتدأ خبره يعيدكم أو فاعل به أو خبر مبتدأ مقدر على اختلاف في الأولى كما فصل في محله، وقوله: وهو أبعد منه من الحياة وفي نسخة وما هو أبعد الخ ومن فيهما متعلقة بأبعد، والثانية: صلته والأولى: تفضيلية وضمير منه لما ذكر من العظام والرفات ومرفوتة بمعنى مفتتة، وقوله فسيحزكونها تفسير لقوله: فسينغضون إليك فإنه بمعنى إلى جانبك وتحريك الرأس لذلك معروف. قوله: (فإن كل ما هو آت (أي محقق إتيانه قريب ولم يعين زمانه لأنه من المغيبات التي لا يطلع عليها غيره تعالى فبعد تحقق الوقوع القريب والبعيد سواء وقيل إنه قريب لأن ما بقي من زمان الدنيا أقل مما مضى منه. قوله: (وانتصابه على الخبر الخ) أي على أنه وصف منصوب على أنه خبر يكون الناقصة واسمها ضمير يعود على البعث المفهوم مما قبله أو العود أو هو منصوب على الظرفية وأصله زماناً قريبا فحذت الموصوف وأقيمت صفته مقامه فانتصب انتصابه، ويكون على هذا تامّة فاعلها ضممير العود أي عسى أن يقع العود في زمان قريب، وقوله: وأن يكون اسم عسى يعني عسى يجوز أن تكون تافة وناقصة فعلى الأوّل أن يكون مرفوع بها ولا خبر لها أي قرب كونه في وقت قريب أو كونه قريباً على(6/38)
وجهي يكون وقريباً وهو الوجه الأوّل في كلام المصنف رحمه الله لكنه تسمح في تسمية مرفوعها اسما فإنه مخصوص بالناقصة، وأما التاتة فمرفوعها فاعل، وعلى الثاني ف اسمها مضمر راجع إلى العود كما مرّ فإن قلت إذا كان المعنى على التمام قرب أن يكون البعث قريبا لم يكن فيه فائدة، قلت: قال نجم الأئمة أنه لم يثبت معنى المقاربة في عسى لا وضعا ولا استعمالاً ويدل لما ذكره التصريح بقريبا بعده في هذه الآية فلا حاجة إلى القول بأنها جردت عنه، كما قيل فالمعنى يرجى ويتوقع قربه. قوله: (أي يوم يبعثكم فتنبعثون (بالبناء للفاعل فيهما، والأوّل من البعث الثلاثي والثاني من الانفعال المطاوع له وقوله استعار لهما أي للبعث والانبعاث ولا دعاء ولا استجابة فهو كقوله: (كن فيكون (فشبههما بذلك في السرعة والسهولة عليه، أما الأوّل فلأن قول قم يا فلان أو كن أمر سريع لا بطء فيه وكذا الثاني لأن مجرّد ندائه ليس كمزاولة إيجاده بالنسبة إلينا، فمن قال إنه ظاهر في الاستعارة الثانية وأما الأولى فباعتبار ترتب سرعة الأستجابة والانبعاث على الدعاء والبعث لم يأت بشيء، وقيل إنه حقيقة كما في قوله: {يَوْمَ يُنَادِ
الْمُنَادِ مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ} وقيل إنه كناية عن البعث والانبعاث لعدم المانع من إرادة حقيقتهما، فتدبر ثم إن قوله يوم يدعوكم فيه وجوه للمعربين ككونه بدلاً من قريبا على أنه ظرف أو منصوب بيكون أو منصوب بضمير المصدر المستتر في يكون العائد على العود بناء على جواز أعمال الضمير أو منصوب بمقدر كاذكر أو تبعثون، وأما أنه بدل من الضمير المستتر في يكون بدل اشتمال ولم يرفع لأنه إذا أضيف إلى الجملة قد يبنى على الفتح فتكلف وادعاء ظهوره ولا يسمع فإنه مكابرة وكذا القول بأنه لا وجه له إلا برفع يوم، ولا رواية له. قوله: (وأنّ المقصود الخ الأن الدعوة والنداء إنما يكون لأمر ودعوة السيد لعبده إنما تكون لاستخدامه أو للتفحص عن أمره والأوّل منتف لأنّ الآخرة لا تكليف فيها فتعين الأخير، فلا يقال إنه لا دلالة فيه على الإحضار لما ذكر بعده حتى يقال إنه تبرع من المصنف رحمه الله لبيان الواقع وكيف يتأتى هذا وقد أدخله المصنف في وجه الشبه وما قيل إنّ الدعوة تشعر بالإحضار والاستجابة بالسؤال المشعر بالحساب والجزاء لأنّ السؤال يكون له فليس بشيء كما لا يخفى. قوله: (حال منهم (أي من ضمير المخاطبين أي تستجيبون حامدين أو منقادين وقيل إنه متعلق بيدعوكم وفيه بعد وإذا كان بمعنى حامدين فهو حقيقة والباء للملابسة وقد أيده بما ذكر من الأثر وينفضون بالفاء والنفض معروف وإذا كان بمعنى منقادين فهو مجاز لأن من رضي فعلا وحمده انقاد له، وقوله: كالذي مرّ على قرية إشارة إلى الآية التي مرت، وقوله: لما ترون من الهول لأنهم يذهلون به. قوله: (يعني المؤمنين (يعني أن الإضافة هنا للتشريف فيختص بالمؤمنين اختصاص بيت الله بالكعبة وان كانت البيوت كلها لله والمقول لهم هم العباد المشركون، وقل أمر مقدر مقوله بقرينة جوابه وهو يقولوا أي قل لهم قولوا التي الخ أو يقولوا بتقدير لام الأمر أي ليقولوا وهو إرشاد لهم أن لا يقولوا إلا بأمره، وقد مر تفصيله. قوله: (الكلمة التي هي أحسن (بيان لتأنيث التي إما بتقدير موصوف لها مؤنث أو بكونها عبارة عن الكلمة المؤنثة، والمراد بالكلمة معناها اللغوي الشامل للكلام وقوله ولا تخاشنوا المشركين بالغيبة والخطاب أي تغلظوا القول لهم وهذا قبل الأمر بالقتال ونزول آية السيف. قوله: (يهيج بينهم المراء والشر (المراء المجادلة والمخاصمة وضمير بينهم للمؤمنين والمشركين، والمراد أنّ المخاشنة تفضي إلى
تحريك الشيطان لهم على هذا فتؤدّي إلى عنادهم واصرارهم على الكفر وايذاء المؤمنين فيتزايد الفساد ويفوت المقصود وقوله ظاهر العداوة إشارة إلى أنّ مبينا من أبان اللازم كما مرّ. قوله: (تفسير للتي هي أحسن الخ) فالخطاب هنا للمشركين والمعنى أن يشأ يعذبكم بإبقائكم على الكفر وان يشأ يرحمكم بتوفيقكم للإيمان، وقيل إنه استئناف وليس تفسيرا للكلمة والخطاب للمؤمنين وهو مروي عن الكلبيّ والمعنى أنه إن يشأ يرحمكم أيها المؤمنون في الدنيا بإنجائكم من الكفرة ونصركم عليهم وإن يشأ يعذبكم بتسليطهم عليكم فالتي هي أحسن المجادلة الحسنة، وقوله: ولا تصرحوا الخ أي بل علقوا أمرهم على(6/39)
مشيئة الله كما في الآية. قوله: (مع أن ختام أمرهم (في العذاب والرحمة غيب أي غائب علمه ومخفيئ من غير الله فلا ينبغي القطع بأنهم من أهل النار حتى أن المؤمن إذا صرح بذلك ينوي تعليقه على الإرادة أيضا فمن قال لا وجه لهذه العلاوة لم يصب.
قوله: (موكولاً الخ) أي مفوّضاً إليك، وهذا قبل آية السيف، وقوله بالاحتمال أي باحتمال أذيتهم، وقوله: فنزلت أي آية قل لعبادي إلى ما هنا، وهذا وجه آخر معطوف على ما قبله بحسب المعنى وهو مروفي وهو مخالف للأول في الخطاب ومعنى الرحمة والعذاب فتذكره. توله: (وقيل شتم عمر رضي الله عته رجل الخ (هذا سبب آخر للنزول، وعليه يختلف المعنى ويكون الخطاب في ربكم الخ للمؤمنين، والمراد بالتي هي أحسن الكلمة الحسنة التي لا شتم فيها ولا سبّ كأن يقول له عفا الله عنك وهداك ونحوه، وقوله فهمّ به أي قصد سبه أو ضربه أو نحوه مما يكون جزاء له، وقوله: وما أرسلناك عليهم وكيلا تعريض لهم أي فكيف بأصحابك وأتباعك، فإن قلت ما فسر به وكيلا لا يظهر له وجه فما معناه، قلت قوله تقسرهم على الإيمان معناه أنّ الوكيل يتصرّف في أمور موكله فتجوّز به عن إلجائه إلى الإيمان لأنه من جملة أحواله فوجهه ظاهر، وكذا قوله أنّ المشركين الخ معناه أنك لا تصرّف لك في أمورهم حتى تأمرهم بترك الأذية نعم ما ذكر عن عمر رضي الله عنه لا وجه له إلا جعله نظيراً لما قبله فتأمله. قوله: (يتيم أبي طالب (هو النبيّ صلى الله عليه وسلم وعبر بهذه العبارة حكاية عن الكفار في حال استبعادهم والا فهذه العبارة لا يجوز إطلاقها على النبيّ صلى الله عليه وسلم حتى أفتى المالكية بقتل قائلها كما في الشفاء فكان ينبغي للمصنف رحمه الله تركها، والجوع بضم الجيم وتشديد الواو جمع جائع
والعراة جمع عار واستبعادهم ذلك لجهلهم وظنهم أنّ النبوّة تتوقف على قوّة صاحبها بالمال ونحوه وكون اتباعه أغنياء أشد، ولذا خص الله داود عليه الصلاة والسلام بالذكر هنا إشارة إلى أنه لم يفضل بالملك وإنما فضل بالوحي كما سيذكره المصنف رحمه الله. قوله: (بالفضائل النفسانية (ليس هذا مبنيا على مذهب الحكماء كما مر تحقيقه في سورة الأنعام، والتبرئ مهموز وقد تبدل همزته ياء لكسر ما قبلها كالتوضي وليس كثرة زوجاته صلى الله عليه وسلم من العلائق الجسمانية كما يتوهمه من لا يتأمّل قوله " حبب إليئ من دنياكم النساء " وقد ذكر علماء الحديث أنه من خصائصه صلى الله عليه وسلم جواز الزيادة على الأربع دون أتته وكان ذلك جائزا في الملل السالفة كما ذكر في قصة سليمان عليه الصلاة والسلام وحكمته أن يقفن على ما يتعلق بالنساء من الشرع كأمور الحيض ونحوها مما يتحاشى الرجال عن ذكره، وقد قالوا إن عائشة رضي الله عنها أخذ عنها ربع العلم، وليس في كلامه إشارة إلى أن المراد ببعض النبيين داود عليه الصلاة والسلام كما توهم، وقوله: حتى داود عليه الصلاة والسلام توطئة لما بعده وإشارة إلى وجه تخصيصه كما مرّ. قوله: (قيل هو (أي ما ذكر هنا ومرّضه لبعده فإنه على ما قيل تلميح إلى ما وقع في الزبور من وصفه بما ذكر فيه حتى شبه بقصة المنصور وقد وعد الهذليّ بعدة فنسيها فلما حجا وأتيا المدينة قال له يوماً وهو يسايره: يا أمير المؤمنين هذا بيت عاتكة الذي يقول فيه الأحوص:
يا بيت عاتكة الذي أتغزل
فتفطن لمراده وعلم أنه يشير إلى قوله في هذه القصيدة:
وأراك تفعل ما تقول وبعفهم مذق اللسان يقول ما لا يفعل
فأنجز عدته، وقوله: تنبيه أي قوله وآتينا الخ تنبيه على وجه تفضيله عليه الصلاة والسلام. قوله: (وتنكيره هاهنا الخ (المعنى أنه في الأصل وصف أو مصدر ولما كان فعول بالفتح في المصادر نادراً والمعروف فيه الضم نظره وأيده بقراءة الضم، فمن قال إنه تأييد لكونه وصفا أو مصدراً لا علماً لم يصب فيبعد جعله علما دخلت عليه أل للمح أصله الوصفي،
كالعباس أو المصدر كالفضل، وهذا للمعنيين فلا يفيد نكتة لعدم دخولها هنا لأنه على الأصل، وقوله بعضر الزبر فهو نكرة غير علم ونكر ليفيد أنه بعضا من الكتب الإلهية أو من مطلق الكتب ولا إشكال حينئذ في دخول اللام عليه كما في الوجه السابق والتعريف على هذا عهدي وعلى ما بعده يفيد أنه جزء من الكتاب المخصوص، وقد مرّ الكلام على إفادة التنكير(6/40)
لمثله في أوّل هذه السورة في قوله: ليلا، فالزبور كالقرآن يطلق على مجموعه وعلى أجزائه. قوله: (قراءة حمزة بالضم (هي مؤيدة للمصدرية، كما بينا ومن قال: فإنه جمع زبر بكسر الزاي بمعنى المزبور، والأصل توافق القراءتين لم يصب، وحاصله أنه جواب عن سؤال مقدر، وهو أن زبور أعلم ولذا لم تدخله أل هنا لئل يجتمع تعريفان فلم دخلت عليه في آية أخرى، فأجاب بأنّ دخولها لا ينافي العلمية، لأنها للمح أو أنا لا نسلم أنه علم لأنه نكرة بمعنى كتاب مطلقاً وعلى تقدير اختصاصه بكتاب داود عليه الصلاة والسلام أيضا فليس يعلم لإطلاقه على ما يشمل كله وبعضه فهو من غلبة اسم الجنس لا العلم فمن قال اللائق بقانون المناظرة تقديم الجواب الثاني ثم الثالث إلا أنه قدم ما حقه التأخير اهتماما بشأنه لم يصب. قوله: (إئها آلهة (إشارة إلى تقدير متعلق لزعمتم قائم مقام مفعوليه لأنّ حذفهما معا أو حذف ما يسذ مسذهما جائز، وإنما الخلاف في حذف أحدهما وأنث الضمير إشارة إلى أنها بمنزلة الأصنام غير العفلاء في عدم القدرة على ما ذكر والداذ على هذا المقدر قوله من دونه، وقوله. كالملائكة والمسيح وعزير عليهم الصلاة والسلام لأنّ بعض الكفار عبد بعض هذه وبعضهم الآخر، وقوله: ولا تحويل ذلك منكم إلى غيركم ممن لم يعبده، وقيل المراد بالتحويل تحويله من بعض إلى آخرين أو تبديله بمرض آخر، وهذا أظهر. قوله: (هؤلاء الآلهة الخ (هذا هو الداعي إلى جعل الآلهة قبله عبارة عن المسيح وغيره من العقلاء لا الأصنام وإن كان الكلام مع المشركين وأولئك مبتدأ وجملة يبتغون خبره والموصول نعت أو بيان والإشارة إلى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام المعبودين دون الله، والواو ضمير عبادهم والعائد محذوف أي يدعونهم ا-لهة، أو يدعونهم لكشف الضرّ عنهم أو الذين خبره، ويبتغون حال أو بدل من الصلة وقرئ يدعون بالغيبة والخطاب. قوله: (بدل من واو يبتغون الا من واو يدعون كما قيل وهو بدل بعض من كل وأي موصولة كما أشار إليه المصنف رحمه الله وهي مبنية على الضم لحذف صدر صلتها والتقدير أيهم هو أقرب فجملة هو أقرب صلتها، وقيل إنها استفهامية فهي مبتدأ
وأقرب خبرها فليست بدلاً حينئذ بل جملتها في محل نصب بيدعون أو يبتغون، - وأورد عليه أثه يلزمه تعليق غير أفعال القلوب، ولذا قدر بعضهم قبله ينظرون بمعنى يكفرون، ويمكن أن يقال: إنه يتضمن معنى فعل قلبي فيجري التعليق فيه وكله تكلف فلذا لم يلتفت إليه المصنف رحمه الله ومذهب يوئش عدم اختصاص التعليق بأقعال القلوب وهو مذهب مرجوح نحن في غنى عنه. قوله: (أي يبتغي من هو أقرب منهم) ولا ينافيه جمع يرجون ويخافون لعدم اختصاصه بالأقرب أو لكون الأقرب متعددا كالملائكة، وقوله فكيف تزعمون نتيجة ما تقدم كله من الابتغاء والرجاء والخوف، وقيل إنه نتيجة الرجاء والخوف ونتيجة الابتغاء- اسشعاد عدم ابتغاء من ليس بأقرب، ويلزم نفي كونهم، آلهة فيتحدان بحسب المال، وقوله: حقيقا الخ أوّل به لأن من العصاة والكفرة من لم يحذره، وقوله: بالموت أي حتف أنفه لذكر القتل بعده، وفيه إشارة إلى دخول أهلها في ذلك، قال ابن فارس والأزهري: لم يسمع للحتف فعل، وحكى ابن القوطية فعلا له من باب ضرب وقيل أوّل من تكلم به النبيّ صلى الله عليه وسلم ورد بأنه سمع في الجاهلية قال السموأل:
وما مات منا سيد حتف أنفه
ومعناه أن روحه تخرج منه وهو يتنفس لا بغتة بضرب سيف. قوله: (وما صرفنا عن إرسال الآيات الخ) قيل عليه أن المنع حقيقة صرف الغير له عن فعله والصرف والمنع محال في حق الفاعل المختار كما ذكره الطيبي فلا يفيد تأويل أحدهما بالآخر فكان عليه أن يجعله مجازاً عن الترك كما في الكشاف وغيره، ومن الناس من منعه منعاً مجرّداً لا يسمع مثله ومنهم من سلمه واعترض على المعترض فقال: ليس مراد المصنف رحمه الله تأويل المنع بالصرف بل توضيح معناه وبيان حقيقته ثم تفسيره بتركنا لا يلائم إلا منعنا بسكون العين والإسناد للمتكلم، والذي في النظم بفتحها على الغيبة نعم يجوز أن يكون معنى الآية ما ذكره لكن لا على أن يكون المنع مستعارا للترك كما صرّج به بل على أن يكون مجازاً مرسلاً بعلاقة اللزوم فيكون منعنا مجازاً عن تركنا على التكلم لا على الغيبة لعدم جريان التبع(6/41)
في المجاز المرسل على المشهور اص. وعبارة الزمخشري استعير المنع لترك إرسال الآيات من أجل صارف الحكمة اهـ، فقال الشارح العلامة في شرحه المنع كالغير كن فعل يريد أن يفعله وذلك في حقه تعالى
محال فهو ليس حقيقة في معناه بل مستعار للصرف عن إرسال الآيات فإنه إذا صرفه عن الإرسال فكأنه منعه عنه، واليعنى وما صرفنا عن إرسال الآيات المقترحة إلا تكذيب الأوّلين فإنه مؤذ إلى تكذيب الآخرين المقترحين اتباعا لهم، وتكذيبهم يتضمن تعجيل العذاب بحكم عادة الله تعالى والحكمة تقتضي تأخيره لبعث النبيّ صلى الله عليه وسلم فيهم فتكون الحكمة صارفة عن إرسالها وحاصله أنا تركنا إرسال الآيات فبمانه لو أريد ظاهره والمنع مسند إلى تبهذيب الأوّلين يلزم أن يكون ترك إرسال الآيات مسنداً إلى التكذيب لكن التارك هو الله تعالى (أقول (هذا تحقيق لكلام الكشاف بلا مزيد عليه وهو بعينه كلام المصنف رحمه الله، وقد صرّح به في الكشاف بعده حيث قال: والمعنى وما صرفنا عن إرسال ما يقترحونه، وتقريره أنه مبنيّ على مقدّمة وهي الفرق بين المنع والصرف والترك بأن المنع يقتضي القسر ويكون من فاعل آخر هو المانع، وأمّا عد الأمور المعنوية مانعا فاصطلاج أو عرف طار على أصل اللغة، وكون فاعل آخر قاسر الله محال منزه عنه والصرف يكون في المعاني ولغير القاسر لإشعاره بوصوله إليه وتمكنه منه ثم إنه متصرف عنه والترك أعمّ لأنه عدم الفعل سواء كان لصارف أو لا فيجوز أن يكون المنع هنا مجازاً عن الصرف أو الترك لكن الثاني لا يتأتى هنا لأنه لو كان منع مجازا عن الترك والتارك هو الله لكان ضمير الله فاعلاً وان كذب مفعولاً عكس ما في النظم والقلب لا يليق هنا إلا أنّ ما ادّعاه من لزوم اتحاد الفاعل في المعنى الحقيقي والمستعار له مما لم يقم عليه دليل بل الظاهر خلافه ولذا صرّج الطيبي بأنه مستعار للترك ولم يلتفت لهذا، وما يدل عليه ما ذكره المدقق في الكشف في أول سورة البقرة في قولهم شجاع يفترس الأقران بعد ما قرّر أن فيه استعارة مكنية وتخييلية أنه يجوز أيضا جعل الافتراس استعارة تصريحية بعد أن تعرف أنّ المقصود هو التنبيه على أنه أسد كي يجيء الافتراس وسائر ما للأسد اهـ، ولا شك أنه بمعنى يقتل وفاعله الشجاع والصشبه به الافتراس وفاعله الأسد فتأمّلى، ء والصعترض لم يصب لعدم وقوفه على مرادهم والمجيب أخطأ خطأ على خطا وزاد في الطنبور نغمة لفرقه بين الاستعارة والمجاز المرشل بسلامة الأمير فرحم الله امرأ نطق فغنم أو سكت فسلم، وقوله: تكذيب إشارة إلى أن أن مصدرية، وقوله: في الطبع أي في كونهم مطبوعا على قلوبهم، وقوله: مضت به سنتنا يعني أنه عادة الله في مثله. قوله: (لأنّ منهم من يؤمن الخ (أو لمنع الخلو في البعض لا الجمع، لأنّ منهم من آمن بعد ذلك وولد من آمن كأبي سفيان رضي الله عنه والمجموع تعليل واحد، ومن أفادت أن منهم من ليس كذلك لكنه ترك استئصاله لكونه لم يقدر له ذلك، فلا يرد عليه انّ هذا التعليل غير مانع من استئصال المعاندين خاصة، على أنه غفلة عن معنى الاستئصال. قوله: (ذات أبصار أو بصائر (لما كان المقام يقتضي أن الغير يراها ظاهرة بينة فكان الظاهر
مبصرة على صيغة المفعول أوّلوه بما ذكر يعني أنّ الصيغة للنسب يعني أنها ذات أبصار أو ذات بصيرة يبصرها الغير ويتبصر بها والتاء للمبالغة لا للتأنيث بتقديره موصوف مؤنث كما توهم لأنّ صيغة النسب يستوي فيها المذكر والمؤنث كما فصله الرضي وفيه بحث ذكرناه في حواشيه، وقوله أو جاعلتهم ذوي بصائر على أنه اسم فاعل من أبصره صيره ذا بصيرة وادراك فيؤمنون به والهمزة للتعدية فيفيد الجعل المذكور، وقوله: وترئ بالفتح أي بفتح الميم والصاد أي محل أبصار بجعل الحامل على الشيء بمنزلة محله كقولهم: الولد مجبنة مبخلة وهذه قراءة قتادة أو بفتح الصاد مع ضم الميم اسم مفعول على الحقيقة وبها قرئ أيضا وهي منصوبة على الحالية وقرئ بالرفع على إضمار مبتدأ، وقوله: فكفروا بها إشارة إلى أن الباء صلة لكونه بمعنى الكفر، إذ الكفر ظلم عظيم، وقوله: وظلموا الخ وجه ثان بإبقاء الظلم على ظاهره، وحذف مفعوله وجعل الباء سببية بتقديره مضاف أو هو بيان لوجه السببية ولو أتى بدل الواو بأو كان أظهر.(6/42)
قوله: (أو بغير المقترحة) يعني أن الآيات إمّا المقترحة فالتخويف بالاستئصال لإنذارها به في عادة الله أو غيرها فالتخويف بعذاب الآخرة لا عذاب الدنيا، كالاستئصال فالحصر إضافيّ فلا ينافي كون نزولها لتصديق النبي صلى الله عليه وسلم حتى يؤمنوا به. قوله: (والباء مزيدة (في المفعول أو للملابسة والمفعول محذوف أي نرسل نبيا ملتبسا بها، وقيل إنها للتعدية وإن أرسل يتعدى بنفسه وبالباء ورد بأنه لم ينقل عن أحد من الثقات، ولا حجة في قول كثير:
لقد كذب الواشون ما بحت عندهم بسز ولا أرسلتهم برسول ...
لاحتمال الزيادة فيه أيضاً مع أن الرسول فيه بمعنى الرسالة فهو مفعول مطلق والكلام في دخولها على المفعول به فتأمل. قوله: (واذكر) إشارة إلى متعلق إذ وأن القول بواسطة الوحي، وقوله: في قبضة قدرته فالناس عاتم، والإحاطة مجاز عن شمول قدرته وقبضة قدرته استعارة أو تشبيه كما سيأتي تحقيقه في سورة الملك، والمعنى أنّ له التصرّت فيهم كيفما يشاء، وهو وعيد لهم بأنه لا يعجزه شيء عما أراد وقوله أحاط بقريش فتعريف الناس للعهد والإحاطة مجاز عن الإهلاك من أحاط بهم العدوّ إذا أخذ بجوانبهم لإهلاكهم كقوله: وأحيط بثمره كما سيأتي، وقوله: فهي بشارة أي على هذا التفسير الثاني. قوله: (وتعلق به (أي بما ذكر بناء على تفسيره بما ذكر وكون الرؤيا مخصوصة بالمنام ومن قال الخ هو إشارة إلى ضعفه لأن قوله إلا فتنة للناس يرذه، ولذا قيل إن بعضهم قال له صلى الله عليه وسلم: لما قص عليهم الإسراء لعله شيء رأيته في منامك، وقوله: فسر الرؤيا بالرؤية يعني أن الرؤيا في اللغة بمعنى الرؤية مطلقا وهو معنى
حقيقيّ لها، وقيل إنها حقيقة رؤيا المنام أو رؤيا اليقظة ليلاً، وقد ذكر السهيلي أنه ورد في كلام العرب بهذا المعنى وأنه كالقربى والقربة، وقيل إنه مجاز إمّا مشاكلة لتسميتهم له رؤيا أو جار على زعمهم أو على التشبيه بها لما فيها من خرق العادة أو لوقوعها ليلا أو لسرعتها. قوله: (أو عام الحديبية (معطوف على قوله ليلة المعراج يعني أو الرؤيا التي وقعت في عام الحديبية إذ رأى صلى الله عليه وسلم فيه أنه دخل مكة وسيأتي تفصيله في سورة الفتح. قوله: (وفيه أنّ الآية مكية (وقصة الحديبية بعد الهجرة وأمّا كونها مكية وأخبر فيها عما سيراه وعبر بالماضي لتحققه فبعيد لقلة جدواه كالقول بأن الحديبية من الحرم المكي، وقوله إلا أن يقال الخ يعني أنه رأى تلك الرؤية بمكة ونزلت عليه هذه الآية ولكنه ذكرها عام الحديبية لأنه كان إذ ذاك بمكة فعلم أنه دخوله بعد خروجه منها، والفتنة واقعة حين الحكاية حين صدّه المشركون حتى قال عمر رضي الله عنه ما قال كما سيأتي، والحديبية بالتخفيف وقد يشدد بئر أو شجرة حدباء، ولا يخفى ما في هذا من التكلف أيضا. قوله: (ولعله (أي لعل المراد بما ذكر في هذه الآية أي رأى وقعة بدر بعينها في مكة ورأى من قتل بها وموضع قتله، وقوله في وقعة بدر أي في شأنها وشأن ما وقع فيها فلا يرد عليه ما مر من أنها مكية فيحتاج إلى الجواب بما مر وتكون الرؤيا على ظاهرها، والفتنة فيها أظهر، وقوله لقوله تعالى: {إِذْ يُرِيكَهُمُ اللهُ} [سورة الأنفال، الآية: 43، الخ، قيل: إنه تعليل لكونه وقع له رؤيا في وقعة بدر لا ليكون المراد بهذه الآية تلك الرؤيا بعينها إذ لا دلالة فيها على ذلك، وكذا ما روي على ما فيه، وقوله: لكأني الخ اللام في جواب قسم مقدر للتأكيد والمصارع جمع مصرع وهو محل صرع فيه القتيل ووقع، قيل: ولا دلالة في هذا على أنه كان رؤيا منام لجواز كونه بوحي وكأن لملاحظة المصرع بوصف المصرعية ولا يخفى أنه لو كان بوحي عين فيه تلك المضارع لقال: إني أعلمها ويؤيده أنه روي أنه صرّج بكونها رؤيا منام، وقوله ماءه أي ماء بدر وذكر باعتبار المكان، وما ذكره من السخرية هو المراد بالفتنة على هذا، وهذا الحديث وان لم يوجد بعينه كما قاله ابن حجر لكنه بمعناه في مسلم. قوله: (فتسامعت به قريش) أي سمعوه فالتسامع ليس على أصله، وقيل إنّ بعضهم
أسمع بعضاً وفيه نظر لأنه لا يكون على حقيقته أيضا وقوله: يرقون بالقاف أي يصعدون، وقوله: ينزون بالزاي المعجمة أي يثبون عليه، والقردة جمع قرد، وقوله وعلى هذا الخ ففيه مضاف مقدر أي جعلنا تعبير الرؤيا أو الرؤيا مجاز عنه باعتبار ما كان.(6/43)
قوله: (لما سمع المشركون ذكرها الخ) هو ما سيأتي من أنها شجرة في جهنم، والسمندل باللام طائر مشهور وهو باللام عند الأزهري وبالراء عند غيره وظاهر كلام القاموس أنهما متغايران فإنه قال السمندر والسميدر دابة، وقال في اللام: السمندل طائر بالهند لا يحترق بالنار، وفي حياة الحيوان: أنّ بعض أهل اللغة سماه سندل بغير ميم، وسماه ابن خلكان سمند بغير لام وقال القزويني: إنه حيوان كالفار ولك أن تقول أنه فارسيّ بالراء كما وقع في أشعارهم وعزب باللام وهو طائر فيهما أو دولبة فلا يغرّك ما وقع لهم فيه والحمر بالمهملة جمع حمراء. قوله: (ولعنها في القرآن لعن طاعمها (فوصفت به على أنه مجاز في الإسناد ووجه المبالغة أنه بسبب كونها شديدة اللعنة سرت اللعنة إلى غذائها هذا إن أريد باللعنة معناها المتعارف فإن أريد معناها اللغوفي وهو البعد فهو لكونها في أبعد مكان من الرحمة لكونها في أصل الجحيم أي قعرها، واللاعن الواصف باللعن والداعي به، والملعون بمعنى المؤذي لأنها تغلي في البطون كغلي الحميم وهو إفا مجاز مرسل أو استعارة، وتأويلها بمن ذكر على الاستعارة كأنهم شجر جهنم يأباه قوله: طلعها كأنه رؤوس الشياطين وما معه من الأوصاف كما سيأتي لكنه ورد في حديث مسند عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت لمروان بن الحكم: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الشجرة الملعونة أبوك وجدك فقوله طلعها الخ من جملة المشبه به. وروي أيضاً أنّ الله تبارك وتعالى
أنزل عليه صلى الله عليه وسلم بعد هذه الرؤيا: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} [سورة القدر، الآية، ا] تسلية له صلى الله عليه وسلم بأنه أعطاه بعدد ملكهم لأن مذتهم ألف شهر ولا يرد عليه أنه لم يكن له منبر كما لا يخفى وأما كون أبي جهل ومن بعده لم يلعنوا في القرآن بخصوصهم فمن فسره به لا يسلمه، وقوله بأنواع التخويف أخذه من حذف متعلقه المفيد للعموم والعتو تفسير للطغيان وتجاوز الحد تفسير لكبير وكونه من مفهوم الطغيان أو العتوّ في اللغة لا يضر لا سيما مع تفاوت مراتب التجاوز فتأمل. قوله: (فنصب بنزع الخافض (ويؤيده التصريح به في آية أخرى، وقوله ويجوز أن يكون حالا أشار بالجواز إلى أنه خلاف الظاهر لكونه جامداً ولذا أوّله بعضهم بمتأصلاً، وقوله: وهو طين إشارة إلى أن الطينة مقدمة على خلقه إنساناً مقارنة لابتداء تعلقه به كما يقال جاءني زيد وهو راكب فإنه لا يضرّه نزوله بعده، وقيل إنه لتحصيل الهيئة وقوله: أو منه أي هو حال من الموصول نفسه لا من الضمير الراجع إليه، وقوله: أي أأسجد بيان لكونه المعنيّ منه في الثاني يعني أن معنى قوله وهو طين أن أصله ذلك إذ ظاهر التركيب يقتضي السجود له في حال الطينية فلذا أول بما ذكر، وفيه نظر لأنّ المضيئ بالنظر إلى زمان الحكم فيقتضي تقدم طينته على السجود وذكر الخلق مع أنه يكفي في المقصود أن يقال لمن كان من طين أدخل في المقصود مع أنّ فيه إيماء إلى علة أخرى، وهي أنه مخلوق والسجود إنما هو للخالق، فما قيل إنه لم يقل هنا وهو طين كما في الوجه الأوّل لأنه لم يكن طينا وقت السجدة بل أصله طين وكان طينا وقت الخلق لا وجه له وكذا ما أورد عليه من أنه حينئذ يضيع قوله خلقته ولا معنى للجواب بأق الموصول اقتضاه لا محالة وأنه لو قيل لم لم يقل لمن أصله من طين لم يسمع لأنه تعيين للطريق فتدبر. قوله: (الكاف لتثيد الخطاب الخ (أي حرت خطاب على ما بين مؤكد لمعنى التاء قبله وليس تاكيداً اصطلاحيا ولذا قال لا محل له من الإعراب لأنه لو كان تابعا كان له محل كمتبوعه. قوله: (وهذا مفعول أوّل الخ (هذا بناء على أن رأى فيه علمية تتعدى إلى مفعولين كما ذهب إليه بعض النحاة لا بصرية متعدية لواحد كما ذهب إليه آخرون واختاره الرضي وقد مر تفصيله في سورة الأنعام وجعل المفعول اسم إشارة للتحقير وقوله والمفعول الثاني محذوف وهو ما تضمنه الاستفهام الذي أشار إليه بقوله لم كرمته عليئ، والمعنى أعلمت هذا مكزما عليه ومن جعله متعديا لواحد جعل الجملة الاستفهامية مستأنفة، وقوله والمعنى أخبرني بعني أنه إنشاء مجاز عن إنشاء آخر وهو ما ذكر لأن الرؤية أو العلم سبب للإخبار لازم
له، وقوله كلام مبتدأ أي مستأنف لا محل له وجوابه أي القسم. قوله: (لاستأصلتهم بالإغواء (أي لأهلكنهم أو لأعمنهم به جميعا وعلى الأوّل(6/44)
وهو الظاهر هو إهلاك معنوفي، كما أشار إليه بقوله بالإغواء وهو من حنك الجراد الأرض إذا أهلك نباتها من الحنك وهو الفم والمنقار فهو اشتقاق من اسم عين، وقوله: جرد ما عليها أي أكله وأفناه إشارة إلى وجه تسميته جراداً، وقيل المعنى لأسوقنهم وأقودنهم حيث شئت من حنك الدابة إذا جعل الرسن في حنكها، وفي كلام المصنف رحمه الله إشارة إليه بقوله: لا أقدر أن أقاوم شكيمتهم، والمعنى لا أقدر على تسخيرهم حتى ينقادوا إلي.
قوله: (وإنما علم أنّ ذلك الخ (أي كونه متيسر له اغواؤهم حتى ذكره مؤكداً قبل وقوعه، وقوله: مع التقرير أي مع تقرير الله لقول الملائكة إذ لم يرده عليهم بل قال: إني أعلم ما لا تعلمون وقوله: أو تفرسا أى علمه بالفراسة لما رأى فيه من القوى الشهوانية المقتضية لذلك كشهوة الطعام والجماع وشهوة الانتقام للغضب والوهم الذي يحسن له ما يحمله على اتباعه حتى يمنعه العقل عنه. قوله: (وهو طرد وتخلية الخ (يعني ليس المراد به حقيقته وهو الأمر بالذهاب ضد المجيء بل المراد به تخليته، وما أراد كما تقول لمن يخالفك افعل ما تريد وينبغي أن يحمل قوله طرد على أنه إهانة له، لأنه المقصود من التخلية لكن إن بقي على ظاهره فيه جمع بين الحقيقة والمجاز وهو جائز عند المصنف رحمه الله وما سوّلته له نفسه الإغواء. قوله: (ويجوز أن يكون الخطاب للتابعين (في قوله ومن تبعك على الالتفات من غيبة المظهر إلى الخطاب وهذا الوجه ذكره الزمخشري وتبعه المعربون وقال ابن هشام في تذكرته: عندي أنه فاسد لخلو الجواب أو الخبر عن الرابط لأن الضمير ليس عائدا على لفظه إنما هو مفسر بالحضور انتهى وتبعه بعض أرباب الحواشي وهذا بناء على أن ضمير الخطاب لا يكون رابطا فلا يصح زيد يقوم أبوك ولو أوّل بالغائب في الالتفات ومن لم يشعر بوجهه، قال: المعنى فإن جهنم جزاؤكم يا أتباعه حتى يحصل الربط وقد أجيب بأنه مؤوّل بتقدير فيقال لهم إن جهنم جزاؤكم ورد بأنه يخرجه من الالتفات وهو غير مسلم وفي حواشي الجاربردي يجوز أن يكون من الذهاب ضد المجيء، فمعناه كمعنى قوله اخرج منها فإنك رجيم، واعلم أن ضمير الخطاب إن سلم أنه لا يكون عائد إلا نسلم أنه إذا أريد به الغائب التفاتاً لا يربط لأنه ليس بأبعد من الربط بالاسم الظاهر، وهذا هو الذي ارتضاه الزمخشري ففيه قولان ينبغي التنبه لهما.
قوله: (من قولهم فر) كعد من وفر المتعدي ويكون لازما ومعناه كمل وكثر وقوله: بإضمار فعله أي تقديره بتجزون أو تجاوزون لأنهما بمعنى وهذا المصدر لهما فلا يقال الأظهر أن يقول المصنف تجزون وقوله: أو بما في جزاؤكم الخ يعني أنه منصوب بالمصدر لتأويله بالفعل، وفيه نظر إذ هو حال موطئة لصفتها التي هي حال في الحقيقة ولذا جاءت جامدة، كقوله: {قُرْآنًا عَرَبِيًّا} [سورة يوسف، الآية: 2] ولا حاجة لتقدير ذوي فيه حينئذ وصاحب الحال مفعول تجزون، وقيل إنه حال من الفاعل بتقدير ذوي جزاء، وقيل إنها مؤكدة لمضمون الجملة نحو هو حاتم جواداً، وقيل إنه تمييز وقوله: واستخف يقال استفزه إذا استخفه فخدعه وأصل معنى الفز القطع، ويقال: للخفيف فز أيضا ولذا سمي به ولد البقرة الوحشية ومن موصولة، وقيل إنها استفهامية وهو تكلف بعيد، وقوله: أن تستفزه بيان لمفعوله المقدر بقرينة ما قبله وعبر عن الدعاء بالصوت تحقيرا له حتى كأنه لا معنى له. قوله: (وصح) وقيل معناه اجمع والباء زائدة كما في تقرآن بالسور، والجلبة بفتحات. قوله: (بأعوانك (يتناول جند الشياطين ومن يتبعه من أهل الفساد كما في الكشاف فلو خص بالأوّل فالظاهر أن الخيل والرجل كناية عن الأعوان والأتباع من غير ملاحظة لكون بعضهم راكبا وبعضهم ماشيا وهذا غير التمثيل الآتي لأنه في المجموع كما سيأتي بيانه، وقد يقال في تفسيره بالأعوان إشارة فا إليه فتأمل. قوله: (والخيل الخيالة (أصل معنى الخيل الأفراس ولا واحد له من لفظه، وقيل إنّ واحده خائل لاختياله في مشيه وقد يطلق على فرسانها وهو مجاز في الأصل والخيالة بفتح الخاء وتشديد الياء ركبان الخيل وأصحابها، وقوله صلى الله عليه وسلم يا خيل الله اركبي من بليغ الكلام قاله صلى الله عليه وسلم في بعض غزواته،
وقد استنفر أصحابه رضي الله عنهم كما وقع في الأحاديث الصحيحة من طرق. قوله: (والرجل اسم جمع للراجل الخ (لا جمع لغلبة وزنه في المفردات والراجل خلاف الفارس، وقوله: ويجوز(6/45)
أن يكون تمثيلاً الخ الظاهر، أنه يريد أنه استعارة تمثيلية مركبة استعير فيه المجموع والهيئة للمجموع والهيئة، وهذا لا ينافي أن يكون في الوجه الأوّل تجوزا في المفردات كأن يراد بالصوت الوسوسة أو كناية لأنه ليس على طريق التمثيل المشهور، ومن قال إنه تمثيل من غير أن يلاحظ فيه شيء يشبه الصوت وآخر يشبه الخيل والرجل بخلافه على الوجه الأوّل فإنه لوحظ فيه ذلك لأنه لا تمثيل على الأول لم يصب والذي غزه كلام صاحب الكشف هنا وهو محل بحث، وقوله لتسلطه وفي نسخة لتسليطه بيان لذلك المجموع ووجهه ما ذكره من استئصالهم واهلاكهم أو غلبته وتسخيره لهم والمغوار بالكسر الكثير الغارة وهي الحرب والنهب، وقوله: فاستفزهم من أماكنهم أي أزعجهم. قوله: (وقرأ حفص ورجلك بالكسر) أي بكسر الجيم مع فتح الراء وهو صفة كحذر بمعنى راجل، وقوله: بالضم أي بضم الجيم مع فتح الراء أيضا وقد جاءت ألفاظ من الصفة المشبهة على فعل وفعل كسرا وضما كندس وهو الحاذق الفطن. قوله: (ومعناه وجمعك الرجل الخ) يريد توجيه القراءتين فإنه مفرد، والمناسب للمقام وما عطف عليه الجمعية فأشار إلى أنه مفرد أريد به الجمع أي وأجلب عليهم بجمعك الرجل أي الرجال والرجل مفعول جمعك لأنه مصدر، ومن العجيب أن بعضهم قال إنه مضاف إليه ولم يجعل الكاف في جمعك مانعا للإضافة لجعلها في حكم كلمة واحدة. قوله: (وقرئ ورجالك ورجالك (رجال في الأوّل ككفار جمع كافر والثاني بالكسر كنبال وكلاهما جمع
رجلان وراجل كما في الكشف، وفي بعض نسخ الكشاف رجال بالفتح والتشديد على أن أصله رجالة فحذفت تاؤه تخفيفآ، وقوله: بحملهم على كسبها الخ يعني أنّ المشاركة فيها مجاز عما ذكر وكذا ما بعده وتسميتهم عبد العزى وعبد الحرث بنسبتها إلى غير الله كأنه شركة فيها والاتكال على كرامة الآباء فإنه يعدهم بأنها تنفعهم، وقوله: اعتراض أي بين ما خاطب به الشيطان وان لم يكن بين كلامين متطالبين، ولذا قيل إنه اعتراض بياني. قوله: (وتعظيم الإضافة الخ (يعني أنّ الإضافة هنا للتعظيم فتدل عل تخصيص المضاف إليه بالمخلصين منهيم كما وقع التصريح به في الآية الأخرى ولقرينة كون الله وكيلاً لهم يحميهم عن شز الشيطان فإن من هو كذلك لا يكون إلا عبداً مكرما مخلصا فلا يرد عليه أنه وقع هذا أي تعظيم الإضافة للكل من غير تخصيص في قوله: {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ} [سورة الزمر، الآية: 53] مع أن الإضافة هناك قرينة على أنّ الإضافة ليست للتعظيم بل للترحم والتقييد في الآية الأخرى وإن وقع من الشيطان فهو مع أنّ الله تعالى قرره أدل دليل على ما ذكر لكون الخصم معترفاً بأن من حماه الله منه عبد مخلص، وقوله: قدرة تفسير لسلطان على أنه مصدر بمعنى التمكن من التسلط بالقدرة وعلى إغوائهم متعلق به. قوله: (يتوكلون عليه في الاستعاذة الخ (يعني المراد بالوكيل الملجأ إليه، وقوله هو الذي يجري إشارة إلى أن الذي خبره بكم لا صفته، وأن الخبر يزجي وأصل معناه يسوق والمراد به يجري هنا، وقوله: إلا متعة التي لا تكون عندكم قيده به لأنه الداعي إلى مثله من السفر غالبا وما تعسر من أسبابه هو سفر البحر. قوله: (ذهب عن خواطركم الخ (يعني اًق المراد بضلالهم غيبتهم عن الفكر لا عن النظر والحس، لأنه معلوم من قولهم ضل عنه كذا إذا نسيه ولا حاجة إلى جعله من ضمل بمعنى ضاع أو غاب وإن كان أصل معناه لغة على ما حققه في الكشف، ومن إن كانت عبارة عن المدعوّين مطلقا فالاستثناء متصل وان كانت عبارة عن آلهتهم فقط فهو منقطع بقرينة قوله فلما نجاكم إلى البر أعرضتم فإنه يدل على أنهم في السزاء كانوا يدعون آلهتهم وحدها كما اختاره في الكشف، وقوله: لكشفه أي لإزالة الضر. قوله: (أو ضل كل من تعبدونه الخ (إغاثتكم إفا بالغين
المعجمة والثاء المثلثة أو بالمهملة والنون وهو ظاهر والضلال على هذا بمعنى الغيبة أو بمعنى عدم الاهتداء إلى طريق الإغاثة والدعوة بمعنى العبادة لا بمعناها الظاهر كما في الوجه الأوّل وعلى هذا الوجه الاستثناء يحتمل الاتصال والانقطاع أيضا بناء على تقييد من واطلاقه وأما ما قيل من أنه لا داعي لجعل الاستثناء منقطعا على هذا كما في الكشاف وحققه(6/46)
بأنّ عبادتهم مخصوصة بآلهتهم فيقتضي ذلك كونه منقطعا لا محالة فسد لباب الاحتمال واختصاص العبادة ممنوع كيف وقد قالوا: ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى، فهو المعبود الحقيقي عندهم فتأمّل. قوله: (عن التوحيد (هذا على الوجهين وهو على الثاني أظهر فإنه يقتضي اختصاص ما ذكر، وقوله: اتسعتم يعني أنه من العرض مقابل الطول وهو كناية عن التوغل في التوسع في كفران النعم بقرينة ما بعده، ولما كان هذا غير مشهور ذكر بيت ذي الرمّة شاهداً عليه ومعناه أنه لتمكنه في المعالي له عطاء جم، ومكارم عريضة طويلة وهذا استعارة لأنّ الطول والعرض مخصوص بالأجسام وذكر العرض يغني عن الطول في الآية للزومه له، وقوله: كالتعليل للإعراض يعني بمعنييه لكنه على الأوّل يصح أن يكون من الكفر والكفران، وعلى الثاني من الكفران لا غير، ولم يجعله تعليلاً لإعراضهم لأنه غير مخصوص بهم وفيه لطف حيث أعرض عن خطابهم بخصوصهم وذكر أنّ جنس الإنسان مجبول على هذا فلما أعرضوا أعرض الله عنهم. قوله: (الهمزة فيه لإنكار (بمعنى أنه لا ينبغي الأمن وعطف الفاء في مثله على مقدر أحد المذهبين المشهورين فيه والمذهب الآخر أنها مقدمة من تأخير لأصالتها في الصدارة واختار المصنف رحمه الله هذا لأنه لا يظهر تسبب الإنكار للأمن على ما قبله لترتبه على النجاة منه كما أشار إليه وقوله فحملكم الخ إشارة إلى أن الفاء تفيد سببيته لما قبله كما تقول: تأهب للشتاء فقد دنا وقته فهو معطوف عليه والجملة معترضة، وقوله فإنّ الخ بيان لوجه الإنكار
وتوطئة لما بعده. قوله: (أن يقلبه (تفسير للخسف، وقوله: وأنتم عليه من قوله بكم على أنها للمصاحبة والجارّ والمجرور حال أي مصحوبا بكم، وقوله: أو يقلبه بسببكم فهي متعلقة بالفعل قيل ولا يلزم من خسفه بسببهم أن يكونوا مهلكين مخسوفا بهم، كما في الأوّل وأجيب بأنّ المعنى جانب البرّ الذي أنتم فيه فيلزم من خسفه هلاكهم ولولا هذا لم يكن في التوعد به فائدة، فقوله فيكم الخ لف ونشر مرتب كذا في الدرّ المصون وفيه جانب البرّ منصوب على الظرفية، وعليه فيجوز كون الباء للتعدية بمعنى بغيبكم فيه كما فسره به في القاموس والأربعة نرسل ونعيدكم، وفنرسل وفنغرقكم، وقوله: وفي ذكر الجانب الخ لأنّ العدول عن البر الأحصر لا بد له من نكتة، وهي ما ذكر فالمراد به طرفه مما يلي البحر وهو الساحل لا ما يشمل جميع جوانبه، وقوله: كما وصلوا أي أوّل وصولهم، وهذه الكاف تسمى كاف المفاجأة والقرآن، وقوله: وان الجوانب الخ على تعميمه وكان الظاهر أو بدل الواو أي ليس جانب من جوانبه وإن بعد عن البحر مانعاً، وعاصما مما يريده والمعقل بكسر القاف الحصن أي المانع والملجأ، وقوله: ترمي بالحصباء وهي الحجارة الصغار وهو عبارة عن شدتها وذكرها إشارة إلى أنهم خافوا إهلاك الريح في البحر فقال إن شاء أهلككم بالريح في البر أيضاً وقوله يحفظكم الخ إشارة إلى أنّ الوكيل هنا الموكل بالأمور الحافظ لها، وقوله: فيه أي بركوب الفلك وليس الضمير للفلك لأنها مؤنثة. قوله: (بخلق دواعي الخ (وهو بيان لسبب العود ولا ينافي كون العود أيضا بخلقه، وفعله كما قيل إنّ الزمخشري قصده بهذا التفسير بناء على أنّ أفعال العباد مخلوقة لهم فلذا خص الخلق بالدواعي فلا اعتراض على المصنف رحمه الله لحمله على الصلاج، وقوله: فتركبوه أتى به لقوله فيه، وقوله: لا تمز الخ كناية عن شدتها، وقوله: بسبب إشراككم يعني أن الباء سببية وما مصدرية والكفر إمّا بمعناه المعروف أو بمعنى كفران النعمة وفي نسخة وكفرانكم بالواو والأولى أظهر في التقسيم، وقوله: مطالبا ففعيل بمعنى مفاعل أو تابعا وغريما فهو بمعنى فاعل كما ذكره أهل اللغة، وقوله يتبعنا أي يطالبنا بإنجائهم لانتصاره لهم أو لصرفنا وردنا عما أردناه والثاني قبل الإغراق والأوّل بعده. قوله: (بحسن الصورة الخ (الإشارة والخط معطوفان على النطق والتهدي تفعل من الهداية بمعنى الاهتداء معطوف على
الإفهام والتسلط على ما في الأرض كتسخير الحيوانات والأسباب العلوية كالشمس والقمر والأمطار والمسببات كالسحاب والرياج والعلوية والسفلية راجع إليهما لا لف ونشر ومما يقف الحصر(6/47)
استعارة لطيفة. قوله: (ومن ذلك ما ذكره ابن عباس (رضي الله عنهما قيل عليه أنه ينتقض بالقردة فإنها كذلك فلا يكون هذا كرامة ولا خاصة للإنسان وندفعه بعد القول بأنه بالنظر للأغلب بأنه لكونه من ذوات الأربع يده في حكم الرجل فلا كرامة في أكله بها والأمر في مثله سهل على طرف الأنامل. قوله: (على الدواب والسفن (فهو من حملته على كذا إذا أعطيته ما يركبه ويحمله فالمحمول عليه مقدر بقرينة المقام كما في قولهم حملته إذا جعلت له ما يركبه، وحملا بفتح الحاء وسكون الميم أو المراد حملهم على البر والبحر بجعلهم قازين فيهما بواسطة أو دونها، كما في السباحة في الماء وأصل معنى الحمل فيهما واحد. قوله: (والمستثنى جنس الملاتكة عليهم الصلاة والسلام الخ (المراد بالاستثناء هنا معناه اللغوي وهو الإخراج بما يقتضيه مفهوم تخصيص الكثير بالذكر فإنه يقتضي أن غيرهم لم يفضل عليه وإلا لم يكن للتخصيص وجه والمراد به الملائكة هاهنا إما جنسهم أو الخواص منهم على المذهبين المذكورين في الأصول إذ لم يذهب أحد إلى أنهم الجن أو غيرهم. قوله: (ولا يلزم من عدم تفضيل الجنس الخ (جواب لسؤال واعتراض على الزمخشري، كغيره ممن قال إق ظاهر الآية يدل على تفضيل الملك على البشر وهو مخالف للمشهور من مذهب أهل السنة فدفعه بأن تفضيل جنس على جنس آخر لا يقتضي تفضيل كل فرد منه على كل فرد من الآخر، فالمراد بالجنس في كلامه الاستغراق أي اللازم من النظم عدم تفضيل جنس البشر بمعنى: كل فرد فرد منه على جنس الملك إذ بني آدم عام وليست إضافته للعهد فكذا ضميره أو على الخواص منهم فلا ينافي ذلك تفضيل بعض أفراد البشر على كل الملك أو على بعضه على المذهبين في المسألة، ثم المسألة مختلف فيها بين أهل السنة فمنهم من ذهب إلى تفضيل الملائكة عليهم الصلاة والسلام مطلقا ونقل عن ابن عباس رضي الله عنهما واختاره الزجاج ومنهم من فصل فقال الرسل من البشر أفضل مطلقا ثم الرسل من الملائكة على من سواهم من البشر والملائكة ثم عموم الملائكة على عموم البثر وعليه أكثر الحنفية والأشعرية ومنهم من عمم تفضيل الكمل من نوع الإنسان نبيا كان أو وليا ومنهم من فضل الكروبين من الملائكة مطلقاً ثم الرسل
من البشر ثم الكمل منهم ثم عموم البشر على عموم الملائكة واليه ذهب الرازي والغزالي. قوله: (والمسألة موضع نظر (مراده ما ذكره في الكشف من أنّ هذه المسألة لا تستند إلى دليل قطعي ولا يخلو دليل من أدلتها عن الطعن، ولذا لم يضلل أحد من أصحاب الأقوال فيها ولم ينسب إلى بدعة لعدم إخلاله بتعظيم الفريقين، فمن قال معنى كونها موضعنظر أنه مختلف فيها لم يأت بشيء. قوله: (وقد أوّل الكثير بالكل (كما أنّ القليل يكون بمعنى العدم وفيه تعسف لأنه لم يرد في القرآن ولا في كلام الفصحاء بهذا المعنى وعلى تسليمه لا فائدة لذكره حينئذ كذا قيل لكن المصنف تبع في هذا الزمخشري مع أنه قيل إنه فسر الاكثر في قوله تعالى: {وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَنًّا} بالجميع فكأنه أراد أنه تعسف هنا لأن من التبعيضية تنادي على خلافه وكونها بيانية خلاف الظاهر وإذا كان التفضيل في الغلبة والاستيلاء لا يكون دليلا على المذعي لأنّ التفضيل المختلف فيه كونهم أقرب منزلة عند الله وأكثر ثوابا. قوله: (نصب بإضمار الخ (على أنه مفعول به لأنه من الظروف المتصرّفة لا على الظرفية كما في الوجه الآتي بعده فهو يخالفه من وجهين ولم يجعله معمولاً ليظلمون المذكور مع أن التقدير خلاف الظاهر لأن الفاء لا يعمل ما بعدها فيما قبلها وإلا لما دل عليه يقرؤون لأنهم لا يقرؤون كتابهم حين الدعوة فلا وجه لتعلقه به ولأن نفي الظلم يومئذ أهتم من إثبات القراءة فيه إن سلم صحته، وفيه أعاريب أخر مفصلة في الدر المصون، وقوله: يدعو أي بالياء أي الله أو الملك ويدعى مجهولاً. قوله: (ويدعو على قلب الألف واوا) أي بضم الياء وفتح العين بعدها واو وهي منقولة عن الحسن رحمه الله ولما كان الظاهر حينئذ يدعون بإثبات النون التي هي علامة الرفع خرجوها على وجهين، الأوّل: ما أشار إليه المصنف رحمه الله بقوله على قلب الألف واوا الخ يعني ليست الواو ضمير الجمع حتى يرد ما ذكر بل هي منقلبة من الألف وأصله يدعي كما في القراءة الأخرى فجيء به كذا على لغة من يقلب الألف في الآخر واواً فيقول في أفعى وهي(6/48)
الحية أفعو لكن هذه تكون في الوقف وهذه في الوصل، أما إجراء له مجرى الوقف وأما لأنها لا تختص به كما نقل عن سيبويه، والثاني: ما أشار إليه بقوله أو على أن الواو الخ يعني أن الواو ليست ضميراً بل حرف أتى به علامة للجمع وليست فاعلا بل الفاعل كل أناس وحينئذ ليس حذف النون شاذا على حد قوله:
أبيت أسري وتبيتي تدلكي وجهك بالعنبر والمسك الذكي 0..
لقلة المبالاة بها كما سيأتي ولا يجوز أن يقال إنه للضرورة لوقوعه في هذه القراءة وفي الحديث لا تؤمنوا حتى تحابوا فكيف يقال إنه من ضرورة الشعر فتأمّل، ولا وجه لما أورد على
هذا من أنه إما أن يقول إنها بدل من الألف فيرجع لما قبله أو زائدة فيلزم حذت لام الفعل من غير سبب لاختيار الثاني وأنها حذفت لسبب وهو التقاء الساكنين الواو التي هي لام حذفت ضمتها للاستثقال والواو التي هي علامة الجمع، وقوله أو ضميره فهي فاعلة وكل بدل كل منه بخلافه على الأوّل. قوله: (والنون محذوفة لقلة المبالاة بها (ظاهره أنه جار على الوجهين وأن النون لما كانت علامة إعراب عوملت معاملة حركته في إظهارها تارة وتقديرها أخرى وخالف الزمخشري في جعل هذا توجيها له على كونها علامة إعراب لأن النون إنما تلزم وتكون علامة إعراب بعد ضمير الجمع لا بعد علامته فإنه لا يجب فيه ذلك ورفعه حينئذ بحركات مقدرة كما في يدعي المفرد لأنه مفرد مثله، وأما على الوجه الثاني: فحذفها مخصوص بالضرورة فلا تقل المبالاة بها هنا وقد رذه صاحب التقريب بأنها علامة رفع فيهما من غير فرق بينهما وهو الحق ومن قال إن قوله والنون محذوفة الخ على أن تكون الواو ضميراً، وإلا فعلى كونها علامة جمع لا يقال النون محذوفة إذ الكلمة مفردة ألحقت بها علامة الجمع والرفع تقديري فهو مقدر كما في يدعي والنون غير مقدرة إذ لا موجب للحذف هنا كما في البيت السابق الذي حذفت فيه النون ضرورة فقد خبط خبطا عجيبا، ومن أمثلة كونها علامة يتعاقبون فيكم ملائكة ورفعه بالنون بلا خلاف ومنه تعلم أن الإعراب بالحروف يكون ملفوظاً ومقدراً، فلا حاجة إلى تصويره بمسلميئ الجمع المضاف للياء. قوله: (من نبتي الخ (يعني المراد كل متبع عاقلا أو لا، وعلى الوجه الآخر المراد به كتاب الأعمال فقط، وقوله التي قدموها صفة أعمالهم توجيه لإطلاق الإمام عليه، وقوله تنقطع علقة الأنساب الخ يعني على هذا التفسير وما قبله لأنه لا يدعي بابن فلان وإنما ينادي يا صاحب هذا الكتاب الفلاني أو الدين الفلاني أو أتباع فلان. قوله: (بالقوي (كالعصب والعصبية فيقال: يا أصحاب العصبية والجاهلية ولأتباعهم لها جعلت إماماً ولا يخفى بعده ولذا مرضه. قوله: (وقيل بأمّهاتهم جمع أمّ الخ (ضعفه لأن المعروف في جمع أم أقهات ولما في تعليله من الدخل مع ما فيه كما ستراه، وقوله: والحكمة في ذلك أي في النداء بالأمّهات نحو يا ابن فلانة أما تعظيم المسيح صلى الله عليه وسلم للإشارة بأنه لا أب له وأنه روج الله ولو نودي الناس بآبائهم ونودي بأمه لربما يشعر ذلك بنقص وكذا تعظيم الحسن والحسين رضي
الله عنهما ببيان نسبهما من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو نسبا إلى أبيهما لم يفهم هذا لا لأن أتهما رضي الله عنها أفضل من عليّ رضي الله عنه أو سترا على خلقه حتى لا يفتضح أولاد الزنا فإنه لو نودي الناس بآبائهم ونودوا هم بأمّهاتهم علم أنهم لا نسبة لهم إلى آباء يدعون بهم وفيه تشهير لهم ولو نودوا بآباء لم يعرفوا بهم في الدنيا ولم ينسبوا لهم شرعا كان كذلك، فما قيل إنّ رعاية حق عيسى عليه الصلاة والسلام في امتيازه بالدعاء بالأم كرامة له عليه الصلاة والسلام لا غض فيه ليجبر بجعل الناس أسوة له في الانتساب إلى الأمّهات وإظهار شرت السبطين رضي الله عنهما بدون ذلك أتم، فإن أباهما خير من أمّهما رضي الله عنهما مع أنّ أهل العباء كالحلقة المفرغة، وأما أولاد الزنا فلا فضيحة إلا لأنهاتهم وهي حاصلة دير غيرهم أو لم يدع مع أنهم لا ذنب لهم يترتب عليه الافتضاح ظاهر السقوط بما قرّرناه، وقوله: كالحلقة المفرغة جواب تسليمي، أي عليئ رضي الله عنه لكونه أحد الخلفاء الأربعة الذين ظاهر كلام أهل السنة أنهم أفضل من غيرهم من الصحابة مطلقا أفضل ولو سلم فلكل منهما أفضلية وشرف من جهة، ككون فاطمة رضي الله عنها بضعة من(6/49)
أشرف الأنبياء صلى الله عليه وسلم وعليّ رضي الله عنه هو ما هو في صفات الكمال واعتبار أحد الجهتين لا ينافي اعتبار الأخرى فلا يرد عليه أنّ بين كلاميه تنافياً وكيف يتوهم أنه يريد تساوي أهل الكساء من كل وجه وفيهم النبيّ صلى الله عليه وسلم، وقوله: أدنى شيء تفسير لفتيلاً فإنه ما في شق النواة وهو حقير جذاً.
قوله: (وتعليق القراءة الخ (يعني بقوله: ما يحبس ألسنتهم عن القراءة القراءة الكاملة بالإفصاج كما في الكشاف للتصريح بقراءتهم في غير هذه الآية، وهذا يؤخذ من مفهوم الشرط، وقوله: ولذلك لم يذكرهم أي بوصف القراءة، وقوله: مشعر بذلك أي بكون قراءتهم كالعدم لأنّ الأعمى لا يقرأ وإنما جعله مشعراً لأنه من عمي البصيرة لكنه لكونه مستعارا من عمي البصر أشعر به. قوله: (والمعنى ومن كان في هذه الدنيا أعمى القلب الخ (يعني أن العمي هنا من عمي البصيرة فقوله: لا يبصر رشده بمعنى ليس له بصيرة تهديه إلى ما يرشده لفقد النظر الصواب، وقوله: لا يرى طريق النجاة يريد أنه استعارة لعدم النجاة لأنه لا طريق له إليها حتى يراء إذ طريقها الإيمان والعمل وهما لا يفيدان يوم القيامة فرأى في كلامه بصرية على الاستعارة وقيل إنها قلبية والمراد نفي النجاة إذ لا طريق لها بعده أو المراد نفي إدراك ما هو طريق النجاة لو كان في الدنيا أي الإيمان وهو المناسب لما سيأتي فتأمّل، وقوله: منه في الدنيا
يعني أنه مفضل على نفسه باعتبارين، وقوله: لزوال الاستعداد أي استعداده لعمل ما ينجيه وفقدان الآلة كأن المراد بها العمل لأنه لا يمكنه والمهلة معطوفة على الآلة وهي ظاهرة. قوله: (وقيل لأنّ الاهتداء بعد) أي بعد الدنيا لا ينفعه، يعني أق الأعمى فاقد حاسة البصر استعير في الأوّل لمن لا يهتدي إلى طريق النجاة في الدنيا لفقدان النظر أي الفكر وفي الثاني لمن لا يهتدي إلى طريق النجاة في الآخرة لعدم انتفاعه بها فيها، وهذا ما في الكشاف وقد فسره المصنف رحمه الله بأنه لا طريق له إلى النجاة كما مرّ، وقوله: والأعمى مستعار من فاقد الحاسة يعني على المسلكين إذ الخلاف إنما هو في المراد منه، فتأئل. قوله: (وقيل الثاني للتفضيل (بناء على أق العمى كما يكون للبصر يكون للبصيرة وعلى الثاني، فهو من العيوب الباطنة التي يجوز أن يصاغ منها كالأحمق والأبله فإن كان حقيقة فيهما فلا إشكال، وان كان مجازاً فيجوز إلحاقه بما وضع لذلك وقد منعه بعضهم لأن العلة فيه وهي الإلباس بالوصف موجودة فيه، وقوله ولذلك أي لكونه أفعل تفضيل غير معرف باللام ولا مضافا وهو لا يستعمل بدون من الجارّة للمفضل عليه ملفوظة، أو مقدرة وهو معها في حكم الكلمة الواحدة فتكون ألفه كأنها في وسط الكلمة كألف أعمال والألف المتوسطة لا يحسن ويكثر إمالتها، كالمتطرفة فلذا أمال بعض القراء إحداهما دون الأخرى وبهذا صرح أبو عليئ رحمه الله في الحجة، وهذا الكلام مأخوذ منه فلا يرد عليه إمالة أدنى من ذلك والكافرين وقراءة بعض القراء بإمالتها حتى يقال: إنّ من أمالهما لا يراه اسم تفضيل أو هو للمشاكلة مع أنه لا يحسم مادة السؤال فإنه إذا أميل مع من وفي الوسط الحقيقيّ لا يتأتى ما قالوه هنا، والجواب أنه لما ذكر ما يحسن إمالته مقارنا لما لا يحسن حسن عدم الإمالة للفرق بينهما فلا يرد عليه ما ذكر فتدبر، وقوله: معرضة للإمالة أي صالحة لها وقوله: من حيث إنها تصيرياء في التثنية يعني وافعل من لا يثني ولا يجمع كما تقرر في النحو والإمالة تقرب من الياء، وقوله: بين بين بالتركيب أي بين الألف والياء. قوله: (نزلت في ثقيف (اسم قبيلة معروفة. وقوله: لا ندخل في أمرك أي لا نسلم،
وقوله: لا نعشر مجهول من التعشير وهو أخذ العشر لأنّ زكاة المعشرات كانت بالمدينة كما في الكشف، وقيل: المراد لا تؤخذ صدقة أموالنا على التغليب، وقوله: نحشر مجهول أيضاً أي لا 1 فبعث ونساق إلى غزاة وجهاد ونجبي بضم النون وفتح الجيم وكسر الباء الموحدة والياء آخر الحروف من التجبية وهي وضع اليدين على الركبتين أو على. الأرض أو انكباب على الوجه فهي كناية عن الرجوع أو السجود والمراد لا نصلي لكن إن ثبت أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال لهم لا خبر في صلاة ليس فيها ركوع فالمراد الأوّل، وكذا قول المصنف رحمه الله في صلاتنا يقتضي أنّ الأخير غير مراد فمن خمسره به لم يصب، وقوله: موضوع عنا أي مرفوع عنا فلا يؤخذ منا، وقيل: معنى كل(6/50)
ربا لنا أي كمال الغنيمة وكل ربا علينا أي ما يؤخذ من الواجبات وغيره ولا وجه له، وقوله: وان تمتعنا الخ أي تترك ذلك الصنم لنا ولا تبطله، قالوا: حتى نأخذ ما يقرب لها، وواديهم واد بالطائف ويسمى وجا، وقال العراقي: هذا الحديث لم نجده في كتبه، والثعلبيّ رواه عن ابن عباس زضيا قه عنهما من غير سند وفيه زيادة في الكشاف، واستلام الحجر تقبيله وفي كونه سبباً للنزول ما جقتضمي أنه أبدى لهم لينا ليؤففهم وهذا بالوضع أشبه،. وقرله: الفارقة أي بين المخففة وغيرها كما بين في النحو، وقوله: إنّ الشأن إشارة إلى أن اسمها ضمير شأن مقدر، وقوله: قاربوا حعنى كادوا، وقوله: بمبالغتهم من أن والتأكيد باللام، وقوله: بالاستنزال إشارة إلى أنه مضمن معنى- هذا ليتعدى بجن، وقوله: غير ما أوحينا إليك مما مرّ ذكره. قوله: (بريئاً من ولايتي) يعني أنه يكون بينه وبينهم مخالة ومخالة عدوّ الله تقتضي عدم مخالفته كما قيل:
إذا صافى خليلك من تعادي فقد عاداك وانفصل الكلام ...
لا أن في النظم ما يدل على الحصر، وقوله: تثبيتنا إشارة إلى أن أق مصدرية، وقوله:
إن تميل تفسير للركون وأصل معناه الميل إلى الركن، وقوله: وهو صريح في أنه عليه الصلاة والسلام ما همّ أي قصد وعزم لا أنه همّ فمنعه نزول هذه الآية كما قيل، وقوله: ودليل على أن
العصمة أي عصمة نبينا صلى الله عليه وسلم على أنّ التعريف للعهد أو عصمة كل أحد لأنه يعلم منه بالطريق الأولى، وقوله: لو قاربت قدره لأن إذا حرف جواب وجزاء فيقدر شرط دل عليه ما قبله. قوله: (أي عذاب الدنيا (ففي الكلام مضاف مقدر وقد كان موصوفا وعذاب الآخرة يتناول عذاب القبر لأنه دهليز الآخرة وقد عدوه منها، ويعذب مجهول وغيرك نائب فاعله، وقوله: لأنّ خطأ الخ إشارة إلى وجه التضعيف والتعبير بالخطأ حسن جدا، وكونه عذاب غيره على الفرض، وفيه تنزيه واجلال لقدره فإنّ مثل الركون والهئم موضوع عنا ما لم يقارنه غيره فإذا ضوعف جزاؤه ووعيده عليه علم نزاهته عنه. قوله: (وكان أصل الكلام ايخ) والإضافة فيه على معنى في ويقدر حينئذ ضعف عذاب الحياة ولو قدر ابتداء هكذا، كان أسهل وتكون الإضافة لامية ولا داعي لهذه الاعتبارات، والقرينة على تقدير العذاب هنا قوله: أذف ك، وقوله: وقيل الضعف من أسماء العذاب هذا القائل عني أنه عبر به عنه لكثرة وصف العذاب به كقوله: عذاباً ضعفا من النار وقوله وقيل المراد الخ يعني أنهم في الآخرة لا يموتون فلهم فيها حياة مضاعفة وموتهم في القبور أضعاف موتهم قبله، وقوله: يدفع العذاب الدفع أسهل من الرفع فلا يجد من يرفعه بطريق الأولى. قوله: (أرض مكة ليخرجوك الخ (قيل عليه كاد للمقاربة لا للحصول وقد حصل الخروج كما قال تعالى: {وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِّن قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ} [سورة محمد، الآية: 13] وأجيب بأنهم إنما هفوا بإخراجه صلى الله عليه وسلم ولم يخرجوه كما في حديث دار الندوة ولكنه صلى الله عليه وسلم خرج بنفسه مهاجراً إلى ربه بأمره والإخراج المذكور في الآية مجاز عن إرادته وتسببه ولذا قال المصنف رحمه الله: ولو خرجت ولم يقل أخرجت ولو بمعنى أن فيه أو الآية نزلت قبل إخراجه وقد قرب ذلك لأنها مكية والقول بأنها مدنية غير مرضي وان ذهب إليه بعضهم كما يدل عليه إذا والسباق، وقيل الأرض أرض العرب وعليه فلا إشكال. قوله: (إلا زماناً قليلاَ) يجوز أن يكون التقدير إلا لبثا قليلاً لكنه اختاره لأنّ التوسع بإقامة الوصف مقام الموصوف بالظرف انسب والمراد بعدم لبثهم إهلاكهم سواء كان بالاستئصال أولاً وعلى تفسير
الأرض بأرض العرب المراد به الاستئصال وأشار إلى أن المراد به ذلك بقوله: وقد كان ذلك الخ وقوله: وقيل إنّ المراد بالأرض أرض المدينة، وقوله: ثم قتل الخ بيان لعدم اللبث على هذا التفسير، وقوله: بقليل يكفي في التراخي المدلول عليه بثتم أو هو تراخ في الأخبار. قوله: (وقرئ لا يلبثوا منصوبا (شرط عمل إذن النصب استقبال ما بعدها وكونها في أوّل جملة، كما ذكره النحاة فلهذا وفقوا بين القراءتين بأنها على الأولى معطوفة على قوله: يستفزونك وهو خبر كاد فتكون متوسطة في الكلام لكون الجملة الداخلة عليها خبر كاد، وعلى الثانية: هي معطوفة على جملة وان كادوا فلا يكون(6/51)
كذلك فتعمل ولا يخرجها العطف عن ذلك، وإليه أشار بقوله فإن إذا الخ، وما بعدها فاعل معتمدا لكونه معتمداً، وقوله: وهو لغة فيه أي في خلف المقابل لقدام لا مصدر خالف خلافا. قوله: (عفت الديار الخ) يصف دروس ديار الأحباب بعدهم فخلافهم فيه بمعنى بعدهم وخلفهم، وعفت بمعنى درست وخربت، وبسط بمعنى مد وفرش، والشواطب جمع شاطبة وهي التي تشطب خوص النخل وتشقه لتنسج منه حصيراً يعني أنها غير مكنوسة، والحصير ما يبسط على الأرض مما عمل من الخوص ونحوه. قوله: (نصب على المصدرا لفعل مقدر وقيل إنه منصوب على نزع الخافض أي كسنة فلا يوقف على قوله: قليلا، كما في الدر المصون فالمراد تشبيه حاله بحال من قبله لا تشبيه الفرد بفرد من ذلك النوع، والمعنى على هذا وعلى ما قبله أن هذا ليس ببدع بل سنة جرت قبلك. قوله: (فالسنة لله) يعني أنه لم يضف إلى من سنه كما هو المشهور في مثله فأضيف إلى من سن لهم إضافة اختصاصية بدليل ما بعده كما أشار إليه بقوله، ويدل عليه أي على أن السنة دلّه. قوله: الزوالها (تفسير للدلوك لغة وقدمه لأنه الأشهر وللتصريح به في الحديث المذكور الذي رواه البيهقيئ، وغيره عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه، وقوله: وقيل لغروبها إشارة إلى القول الآخر في
معنى الدلوك، وقوله: وأصل التركيب أي المادّة المركبة من دلك يدلّ على معنى الانتقال لوجوده في جميع معانيها ففي الزوال انتقال من وسط السماء إلى ما يليه، وفي الغروب انتقال مما يقابل الأرض إلى ما تحته وفي الدلك المعروف انتقال اليد من محل إلى آخر بل ما كان أوّله دال ولام بقطع النظر عن آخره يدل على ذلك كدلج بالجيم من الدلجة وهي سير الليل، والانتقال فيه من مكان إلى آخر، أو من قولهم دلج بالدلو إذا مشى بها من رأس البئر للصمث، ودلح بالحاء المهملة إذا مشى مشياً متثاقلا، ودلع بالعين المهملة إذا أخرج لسانه ويكون متعذيا ولازماً، ودلف بالفاء إذا مشى مشي المقيد أو بالقاف لإخراج المائع من مقرّه، ودله إذا ذهب عقله ففيه انتقال معنوي، وقوله: وقيل الدلوك من الدلك بمعناه المعروف فيه فهو مصدر مزيد مأخوذ من المصدر المجرد لأنه الأصل، كما قالوه في الطهارة وسموه اشتقاقا وبه صزج الزمخشري فمن قال: إن هذا يدل على أن الدلوك ليس بمصدر لم يصب، وتعليله بأن المصدر لا يشتق غفلة عن هذه القاعدة المقرّرة عندهم، وهذا على القول بأنه الزوال لكن يكون دلوك الشمس تجوزاً في نسبة الإضافة عن دلوك ناظرها بحسب الأصل، ومن قال إنه ليس بمشتق منه لأن الأوّل مصدر دلكت الشمس دلوكا بأحد معانيه والثاني مصدر دلكه دلكا إذا غمزه ووعكه لم يأت بشيء. قوله: (واللام للتأقيت الخ) أي لبيان الوقت بمعنى بعد وتكون بمعنى عند أيضاً وقيل إنها للتعليل، لأن دخول الوقت سبب لوجوب الصلاة، وقوله: ليدفع شعاعها أي ليدفع ما يلحق العين من شعاعها، وقوله لثلاث إشارة إلى أنه شاع استعمالها في التاريخ، كما بين في النحو وقوله إلى ظلمته بيان لمعنى الغسق وهو الظلمة وقال ابن شميل هو دخول أوّل الليل. قوله: (وصلاة الصبح (عطف تفسيرفي وفي نسخة، وهو صلاة الصبح وهما بمعنى، وقوله سميت قرآنا يعني أنه من تسمية الكل باسم جزئه لأنه ركنها فيدل على وجوب القراءة فيها صريحا وفي غيرها بدلالة النص والقياس، وقوله ولا دليل الخ رد على من استدلّ بها من الحنفية، كما في الكشاف على وجوب القراءة فيها بأنه يجوز أن يكون التجوّز به لوقوعه فيها على سبيل الندب كما سميت تسبيحا، وهو ليس مما يجب فيها ورد بأنّ العلاقة المذكورة علاقة الجزئية والكلية بدليل ما نظر به من الركوع والسجود فجعله ركنا كنظائره وجيه مع أن
الندبية لا تصلح علاقة معتبرة إلا بتكلف، والتسبيح ليس بمعنى قول سبحان الله بل بمعنى التنزيه البليغ الحاصل بقراءة الفاتحة بل بالتكبير الواجب بالاتفاق وبالفعل الشامل لجميع الأركان، وأورد عليه أنّ قراءة الفاتحة والتكبير ليسا بركنين عند مخالف المصنف والوجوب لا يستلزم الركنية فلا يدفع النقض والتسبيح فعلاً أمر مبهم لا بد من بيانه حتى يتكلم عليه (اقول (ما ذكره المصنف رحمه الله ليس انتصار المذهب الشافعي حتى يرد عليه بما ذكر، وكذا ما وقع في الكشاف فإنه رد(6/52)
على ابن علية والأصم القائلين بندبية القراءة والاكتفاء بما ذكر من العلاقة لا تكلف فيه لأنه من الصلاة الكاملة فهو كنظائره بلا ضرر ولا ضير، ومذهبهما في التكبير غير معلوم فدعوى الاتفاق غير مسلمة منه ولو كان كما ذكره لكان الوجوب كافياً في علاقة أخرى وهي اللزوم، وأمّا التنزيه الفعليّ في الصلاة كلها لأنها عبادة وهي عبارة عن التعظيم، والتنزيه فليس بأمر مبهم بل هو أظهر من الشمس نعم هو أمر معنوي لا يظهر عذه ركناً، ومن رذه بأن القراءة والتكبيرة من أركان الصلاة عند الشافعي رحمه الله كما في الهداية فكيف لا يدفع النقض فقد شرحه بما لا يوافق المشروح فتدبر. قوله: (نعم لو فسر الخ (يعني أنها إذا جعلت مجازاً عن الصلاة دل على وجوبها للأجمر بها لا على القراءة ووجوبها وإن كان علاقة التجوّز وقوعها فيها أما إذا أبقى على حقيقته دل على ما ذكر وهو الذي اختاره الإمام وفي أحكام الجصاص تقديره أقم قرآن الفجر وفيه دلالة على وجوب القراءة في صلاة الفجر لأن الأمر للوجوب ولا قراءة في ذلك الوقت واجبة إلا في الصلاة، فإن قيل معناه صلوا الفجر قيل له هذا غلط من وجهين، أحدهما: أنه صرف عن الحقيقة بغير دليل، والثاني: أن قوله ومن الليل فتهجد به نافلة لك يأباه فإنه لا معنى للتهجد بصلاة الفجر اهـ، وما قال إنه غلط لا وجه له لأن الدليل قائم وهو قوله: أقم لاشتهار أقم الصلاة دون أقم القراءة، وضمير به راجع إلى القرآن بمعناه الحقيقي استخداما فتدبره. قوله: (تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار (أي الكتبة والحفظة لنزول ملائكة النهار في ذلك الوقت وبعده تصعد ملائكة النهار فتلتقي الطائفتان في وقتي الصبح والعصر كما في الكشاف وغيره. قوله: (أو شواهد القدرة) أي تشهد وتحضر فيه شواهد وأدلة على قدرته تعالى، وقوله بالانتباه أي الذي هو أخو الحياة، وقوله أو من حقه لو قال إذ من حقه لكان أظهر. قوله: (والآية جامعة للصلوات الخ (بدخول الغاية تحت المغيا المبين بالسنة، وفعل الرسول ل صلى الله عليه وسلم لأنها تدل على أن فيه أوقات صلوات إجمالاً بينها الله بوحي آخر، وغسق الليل ممتدّ إلى الفجر لا أن كل وقت منه وقت صلاة إذ لا صلاة في وقت الكراهة، كما بعد
العصر فلا يقال إنّ هذا لا يجري على مذهب المصنف رحمه الله لأن بين المغرب والعشاء وقتا مهملاً على أحد قولين وليست الآية حجة عليه كما قيل، وقوله: ولصلاة الليل وحدها هذا مبنيّ على أن مبدأ النهار طلوع الشمس كما هو في العرف ومصطلح المنجمين، وأهل الشرع على أنّ مبدأه الفجر الصادق وقد ورد بهذا المعنى في حديث صلاة النهار عجماء أي سرية فإنه أدخل الفجر في الليل فليس مجرّد اصطلاج كما توهم والحاصل أنّ الظهر والعصر يخرص ن على هذا فلا يرد عليه شيء. قوله: (وقيل المراد بالصلاة (في قوله أقم الصلاة صلاة المغرب وحدها فيكون في الآية صلاتان، وقوله: بيان لمبدأ الوقت ومنتهاه، فالغاية خارجة على هذا القول الضعيف عنده لأنّ بينهما وقتا مهملاً على القول الجديد عند الشافعي وهو ما قاله بعد خروجه من بغداد فلا تنافي بين كلاميه كما توهم، وقوله: على أنّ الوقت أي وقت المغرب على هذا التفسير وعلى غيرهـ لا يمتد كما مرّ، وهو مذهب الحنفية في الامتداد. قوله: (وبعض الليل ((إشارة إلى أن من تبعيضية وأنه لا يستغرق الليل به كما في الحديث لبدنك عليك حق وقوله فاترك الهجود بيان لأن الهجود بالضم أصل معناه النوم والتفعل للسلب كتأثم بمعنى ترك الإثم ومعناه صل ليلاً ولذا فسره ابن فارس به، وقوله: والضمير للقرآن أي استخداما أو هو على ظاهره كما مرّ وقيل الهجود من الأضداد يكون بمعنى اليقظة والنوم وان تهجد يكون بمعنى صل في الليل حقيقة ومن الليل في محل نصب، والفاء عاطفة على مقدر أي قم فتهجد أو هو على نسق واياي فارهبون فهي مفسرة. قوله: (فريضه (فهي بمعناها اللغوي وهي زائدة، ولذا سميت النافلة نافلة لزيادتها على الفرض وهذا بناء على أن قيام الليل كان واجبا عليه وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم خاصة أمر بقيام الليل، وكتب عليه دون أمّته لكن صحح النووي أنه نسخ عنه فرضية التهجد ونقله أبو حامد من
الشافعية وقال إنه الصحيح، وفي مسلم ما يدل عليه أو المراد بالنافلة الفضيلة إمّا لأنه فضل على(6/53)
أمّته بوجوبها عليه ليزداد ثوابا أو هو فضيلة له لا مكفرة لذنوبه لكونه غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر كما فصل في شروح البخاري. قوله: (يحمده القائم فيه) أي الموجود في ذلك المقام وهو كل من بالمحشر وقوله: وهو أي المقام المحمود معناه المتبادر منه ما ذكر لكن المشهور أنه مقام الشفاعة مطلقا، وهو كما في شرح الكرماني مقام يحمده فيه الأوّلون والآخرون حيث لا أحد إلا وهو تحت لوائه ئ صلى الله عليه وسلم وهو مقام الشفاعة العظمى حيث اعترف الجميع بعجزهم، وقيل له اشفع تشفع فيشفع لجميع الخلائق في تخليصهم من هول الموقف وهذه هي الشفاعة العامّة، ثم يشفع بعد ذلك لعصاة أمّته والشفاعتان كلاهما في موقف الحشر فلا منافاة بين ما في الحديث من الشفاعة لأمّته صلى الله عليه وسلم في الذنوب والشفاعة لجميع أهل الموقف من الخلاص من هوله ودهشة الانتظار، فلا يرد على ما في الحديث أنّ ظاهره أنّ المراد به مقام الشفاعة الخاصة بأمّته والمشهور أنه مقام الشفاعة العامّة لأهل المحشر وبه يجمع بين الروايتين فإن كلا منهما ورد في حديث صحيح، وقوله: سابقا وكل من عرفه لدخوله في الشفاعة الأولى فلا وجه لما قيل إنّ ذلك ليس لوصول نفعه إليهم بل لاستحقاقه لذلك. قوله: (ولإشعاره بأن الناس يحمدونه الخ (وجه الإشعار أنّ مقامه محل قيامه في الأصل ثم شاع في
مطلق المحل وحمد المقام من حيث هو مقاه م يقتضي أن يكم ن ذلك القيام مقاما محموداً أيضا، ولا معنى لكونه قياماً عظيما بعد البعث إلا كونه للشفاعة إذ أيتصوّر كونه للعبادة ولا للخطابة إذ لا يكون مثله بعد البعث ومجرّد القيام لا يحمد ولذانسر- به في الأحاديث، وعبر عف بالإشعار لخفائه ودفته فلا وجه لما قيل إنه لا مانع في ظالر اللفظ من إرادة مقامه في الجنة مثلا فوجه الإشعار غير واضح إلا على مذهحب من يقول إن الحمد قد يكون في مقابلة الأنعام وليس المصنف رحمه الله منهم كما مرّ مع أنّ ما ذكره بعيد عن البعث ولا يناسب عسى فإنه محقق وان كانت عسى من الله إيجاباً لأنّ الكئريم لا يطمع فيها لا يفعل كما صرّج به المفسرون وقد حاول بعضهم دفعه بما لا طائل تحته. قتوله: (وانتصابه إلى الظرف الني) إشارة إلى دفع ما يقال إنّ النحاة ذكروا أنّ اسم المكان الذي عدلى مفعل ونحو لا ينتصب مطلقا إلا المبهم منه، وأمّا ما كان محلا للحدث المشتق كمقعد ومعكان، فلا يجوزفيه ذلك إلا إذا كان العامل فيه من لفظه نحو جلست مجلس زيد، ولا يجوز أكلت مجلس! بد إلا على خلاف القياس خلافاً للكسائي فلذا أضمر له فعلاً من لفظه، وجوّ ز أن يكون ناصمه يبعثك لتضمنه معنى فعله وهذا بناء على أن التضمين ليس بتقدير ليغاير ما قبله وقوله معط إ، أي يقيمك أو نصبه ليس على الظرفية حتى يرد ما ذكر فهو إمّا حال بتقديرر مضاف كما ذلره المصنف أو مفعول به ليبعثك لكونه مضمناً معنى يعطيك، وقوله: أو الحا ال معطوف على قوله على الظرف. قوله: (أي في القبر) حمله عليه بقرينة ذكره بعد البعث، أوقوله: مرضهيا أي مبرا مما لا يرضى عند الله من السيئات تفسير لصدق لأنه نظ! ير رجل صد- ق أي رجل ط رق بمعنى جيد مرضي والإضافة لأجل المبالغة نحو حاتم الجود أي يستحق أن يقال فيه أنه إدخال مرضيئ لا يرى فيه ما يكره لأنه في مقابلة مدخل سوء، قال الفاضل اليمبني الصدق من و! ف العقلاء فإذا وصف به غيرهم كان دالاً على أنه مرضيّ وقوله عند البعث بقنرينة ذكره عقبه اوقوله: ملقى بالكرامة أي بإكرام الله والملائكة عليهم الصلاة والسلام، وقوله ا: وقيل المراد إرخال المدينة الخ ويدل عليه قوله وان كادوا ليستفزونك الآية وهذا يدل على أنهها مكية وقوله: وقيل إدخاله مكة، وهذا يدل على أنها مدنية وفي الكشاف أنها نزلت في يوم الفمتح قال في الكشف أنه يدل على أن بعض السورة نزل بعد الهجرة وقد ذكر في قوله وإذا لا يلبثمثون وجها يدل كللى أن الأرضى أرض المدينة وهو يدل بظاهره على أنّ بعضها مدني وإن كان مررجوحاً. قوله: (وقيل إدخاله فيما حمله من أعباء
الرسالة) جمع عبء كحمل وأحمال، وزنا ومعنى وآخره مهموز وهو استعارة أو من قبيل لجين الماء، وضمير منه وحقه لما الموصولة، وقوله إدخاله في كل ما يلابسه في الكشف أنه الوجه الموافق لظاهر اللفظ المطابق لمقتضى النظم وسابقه ولاحقه لا يختص بمكان، وكفاك قوله واجعل لي من لدنك(6/54)
سلطانا نصيرا شاهد صدق على إيثاره، وقوله: وقرئ الخ هي قراءة شاذة، وقوله: فأدخل فأخرج قدر فعلا ثلاثيا ليناسب مخرجا سواء أكان مصدراً أم اسم مكان، وقيل إنه يحتمل أن يكون على حذف الزوائد على حد قوله أنبتكم من الأرض نباتاً، وفيه نظر. قوله: (ملكاً بصيئة المصدر) أي قهراً وعزاً كما في الكشاف، وقوله: فاستجاب له أي
هذه الدعوة، لأن قوله اجعل لي جملة دعائية فلا حاجة إلى جعل الفاء فصيحة بتقدير فأمره الله بالدعاء فدعا فاستجاب، ولم يذكر ما في الكشاف من قوله: والله يعصمك من الناس لعدم مناسبته للنصرة ظاهراً. قوله: ( {وَقُلْ جَاء الْحَقُّ} ) قيل إنه يحتمل أن يكون من مقول القول الأوّل لما فيه من الدلالة على الاستجابة ولا يخفى بعده وفسر الحق بالإسلام وقريب منه تفسير الحق بعبادة الله والباطل بعبادة الأصنام، وقوله: وهلك أي فني واضمحل والشرك مطلق الكفر لاستعماله بهذا المعنى أو بمعناه المشهور لكون هؤلاء كذلك، وقوله: من زهق روحه يعني أنه استعارة منه، وقوله: غير ثابت الآن وفيما بعد أو مطلقا لكونه كأن لم يكن. قوله: (عن ابن مسعود رضي الله عنه الخ) وقع في الكشاف مع زيادة فيه، وقال ابن حجر: إنه لم يجده بلفظه وذكر ما يقرب مما رواه المصنف رحمه الله عن علي رضي الله عنه ونقله عن النسائي والحاكم وقوله: دخل مكة يوم الخ في الكشاف ولما نزلت هذه الآية وقال ابن حجر أنه لم
يجده فلذا تركه المصنف رحمه الله، وقوله: ينكت بالتاء المثناة الفوقية أي يدس والمحضرة بكسر الميم والخاء المعجمة والصاد والراء المهملتين عصا ونحوها سميت بها لأنها قد توضمع تحت الخاصرة، وقوله: فينكبّ أي يسقط والضمير لواحد الأصنام، وقوله: وبقي الخ لأنه لم تصل إليه العصا لارتفاعه، وقوله: وكان من صفر في الكشاف من قوارير صفر، والصفر على ما هنا النحاس وخزاعة قبيلة معروفة، وقوله: فصعد أي عليّ رضي الله عنه ولم يقل كما في الكشاف أنه صعد على النبيّ صلى الله عليه وسلم تأدباً وفي مسند ابن حنبل عن عليّ رضي الله عنه قال: كان على الكعبة أصنام فذهبت لأحمل النبيّ صلى الله عليه وسلم فلم أستطع فحملني فجعلت أطعنها ولو شئت لنلت السماء ة وفيه معجزة له صلى الله عليه وسلم إذا وقعت مع تمكنها بمجرّد نخسه، ولذا قالوا انظروا سحر محمد. قوله: (ما هو في تقديم دينهم الخ) فالشفاء استعارة تصريحية أو تخييلية بتشبيه الكفر بالمرض وقيل إنه تشبيه لذكر الطرفين وفيه نظر ظاهر. قوله: (ومن للبيان) بناء على جواز تقدم البيان على المبين وهو ما فلا يسمع ردّ أبي حيان له وعلى هذا يكون القرآن كله شفاء. قوله: (إنه) أي من وذكره باعتبار أنه حرف، ويجوز تأنيثه باعتبار الكلمة وحمل الشفاء على معناه لا يناسب على المعنى الأول إذ كله شاف كما مرّ تقريره وفي شرح الكشاف أنه يجوز أن يكون بالمعنى الأوّل، والمراد تنزل ما هو شفاء منه أي ندرج نزوله شيئاً فشيئا وليس المراد أن منه ما هو شفاء وما ليس بشفاء والمنزل الأوّل، وإنما المعنى أن ما لم ينزل بعد ليس شفاء لعدم الاطلاع عليه وما نزل شفاء لداء خاص فانزل كله دواء كفواً لكل داء فالمراد بالشفاء ما هو شفاء بالفعل ولبعده عدل عنه المصنف رحمه الله لما ذكره. قوله: (وآيات الشفاء) هي ست، ولشف صدور قوم مؤمنين، وشفاء لما في الصدور فيه شفاء للناس، وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين، وإذا مرضحت فهو يشفين، قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء، قال السبكي: وقد جرّبت كثيرا وعن القشيريّ أنه مرض له ولد يئس من حياته فرأى الله في منامه فشكا له
ذلك فقال له: اجمع آيات الشفاء واترأها عليه أو اكتبها في إناء واسقه فيه ما محيت به ففعل فشفاه الله والأطباء معترفون بأن من الأمور والرقي ما يشفى بخاصة روحانية كما فصله الأندلسي في مفرداته، ومن ينكره لا يعبا به، وقوله لتكذيبهم وكفرهم به فيزيد الخسار بزيادة أسبابه. قوله: (لوى عطفه الخ) أصل معنى نأى بعد من النأي فمعنى بعده بجانبه أما صرفه عما يقابله لأنه يبعده عن جانب إلى آخر، أو المراد بجانبه نفسه، كما يقال: جاء من جانب فلان كذا أي منه، وهو كناية أيضاً كما يعبر بالمقام والمجلس عن صاحبه وتبعيد نفسه عن الله أو ذكره عبارة عزم نسيانه مجازا ومستبدّ بمعنى مستقل لا يحتاج إلى ربه، وقوله: ويجوز الخ، هو في الأوّل أيضاً كناية لكن عن الترك ويجوز(6/55)
أن يكون مجازاً عنه، وقوله على القلب: أي قلب العين إلى محل اللام أو هو بمعنى نهض أي أسرع بتقدير مضاف أي أسرع بصرف جانبه، ومعنى الجانب على ما مرّ أو معناه تثاقل عن أداء الشكر وفي الكشاف أنّ قوله: ونأى بجانبه تأكيد للأعراض، فاورد عليه أنه ينبغي ترك العاطف لكمال الاتصال إلا أن يراد أنه كالتأكيد أو هو تفسير كما قيل، وإذا كان بمعنى الاستكبار لا يكون تأكيدا، ولا يخفى أن قوله ونأى بجانبه لكونه تصويراً لأعراضه كما في الكشف أوفى بتأدية المراد ومثله يجوز عطفه لإيهام المغايرة بينهما وهو أبلغ من ترك العطف كما قرّره في المطول في قوله: ويذبحون أت اءكم مع أنّ ما ذكره أهل المعاني غير مسلم كما سيأتي ومعنى الاستكبار مبين في قوله تعالى: {وَاسْتَكْبَرُوا} الآية، وقوله: من روح الله بفتح الراء بمعنى رحمته وشدة يأسه، لأنه لم يعامله في الرخاء حتى يرجو فضله في الشدة. قوله: (كل أحد) إشارة إلى تقدير المضاف وأن التنوين عوض! عنه، وقوله: على طريقته تفسير للمشاكلة بطريقته أي مذهبه لأنّ أصل الشواكل الطرق المتشعبة لتشاكلها أي تشابهها في الشكل، فسميت عادة المرء بها لأنها تشاكل حاله في الهدى والضلال، وهذا أنسب مما بعده ولذا قدمه. قوله: (أو جوهر روحه وأحواله التابعة لمزاج بدنه) فالشاكلة الروج، فالمعنى حينئذ أن كل أحد يعمل على وفق روحه فإن كانت روحه ذات شقاوة عمل عمل الأشقياء وان كانت سعيدة عمل عمل السعداء أو عملاً عائدا على روحه خيرا وشرّاً، واختلف في الأرواح والنفوس الناطقة الإنسانية هل هي مختلفة الماهية واختلاف أفعالها لاختلاف ماهيتها أولاً، واختلاف الأحوال لاختلاف الأمزجة، قيل: وفي كلام المصنف رحمه الله إشارة
إلى المذهبين والأوّل هو المختار الموافق لظواهر النصوص وفيه نظر. قوله: (أسدّ طريقاً (فكثرة الهداية أو قوّتها بشدة سدادها وصوابها، والمنهج الطريق، وتفسيرها بالطبيعة لأنها من الشكال الذي يقيد به لأنّ سلطان السجية قاهر للإنسان وضابط له، ولذا قال: كل ميسر لما خلق له ولذا أطلقها على العادة والدين لعدم خروج الإنسان منهما فهو كالمقيد. قوله: (من الإبداعيات الكائنة بكن) الإبداعيات ما خلق من غير مادة، فقوله: الكائنة تفسير وتعريف لها لأنهم فرقوا بين الخلق والإبداع بما ذكر كما فصله في شرح الإشارات، وقوله: كأعضاء جسده مثال للمنفيّ وهو ما خلق من مادّة فالمراد بالأمر على هذا التفسير قول كن، ولذا قالوا لمثله عالم الأمر، والسؤال على هذا عن حقيقتها والجواب إجماليئ بأنها من المبدعات من غير مادة، ولذا قيل إنه من الأسلوب الحكيم كما في قوله: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ} إشارة إلى أن حقيقتها لا تعلم وإنما يعلم منها هذا المقدار. قوله: (أو وجد بأمره (أي بفعله وخلفه أو بقوله: {كُن فَيَكُونُ} الأمر بالمعنى السابق والفرق بتغاير المسؤول عنه، ودلالته على الحدوث على الأوّل ظاهرة وعلى الثاني لتوقف الأمر على الإرادة بنص قوله إنما أمرنا لشيء إذا أردناه أن نقول له: كن فيكون وأذا كان السؤال عن القدم والحدوث فالجواب مطابق له، وبيان لحدوثه، كما أشار إليه بقوله بتكوينه فإنّ التكوين يقتضي حدوث ما تعلق به وان قيل بأنه صفة قديمة على ما فصل في الكلام وقوله: استأثر الله بعلمه أي اختص به وفي نسخة استأثره بتعديته لتضمينه معنى خصه وقد مرّ مثله، فالأمر على هذا بمعنى الشأن واحد الأمور، ومن تبعيضية ويكون نهياً لهم عن السؤال عنها وتركا للبيان. قوله: (روي انّ اليهود قالوا لقريش الما التمسوا منهم لكونهم أهل كتاب أن يذكروا لهم أموراً يمتحنون بها النبيّ صلى الله عليه وسلم وهو مروفي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما في السير قال: بعثت قريش النضر بن الحرث وعقبة بن أبي معيط إلى أحبار يهود بالمدينة، وقالوا لهما: سلاهم عن محمد فإنهم أهل كتاب عندهم من العلم ما ليس عندنا
فخرجا حتى قدما المدينة، فسألاهم فقالوا لهما: ما ذكره المصنف إلا أنه ملخص مما فصلوه وهذا كان والنبيّ صلى الله عليه وسلم بمكة، فتكون هذه الآية مكية لا مدنية كما ذكره المصنف رحمه الله في أوّل هذه السورة، وقال ابن كثير في البداية والنهاية ثبت في الصحيحين أنّ اليهود سألوا النبيّ صلى الله عليه وسلم بالمدينة عن الروح فتلا عليهم هذه الآية ولذا كان من العلماء من قال:(6/56)
إنها نزلت مرّة ثانية بالمدينة ومنهم من قال: إنما ذكر بها جوابها وان كان نزولها متقدما ومن قال إنها نزلت بالمدينة واستثناها ففي قوله نظر، اهـ يعني أنه غير صحيح لمخالفته ما مرّ عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، ومنه يعلم ما في كلام المصنف رحمه الله فتدبر، وقوله: فإن أجاب عنها أي عن جميعها أو سكت عن جميعها فليس بنبيّ أمّا الأوّل فلأنّ بعضها وهو أمر الروح مما لم يبينه الله وأمّا الثاني فظاهر، وقوله: وهو مبهم أي غير مبين في التوراة يشير إلى أنّ عدم بيانه لا ينافي النبوّة. قوله: (وقيل الروح جبريل) عليه الصلاة والسلام فيكون السؤال عنه لذكره أنه منزل عليه فأجيبوا بأنه مخلوق من مخلوقاته وكذا في الوجه الذي بعده ولكن المصنف مرضه لقلة جدواه، فما قيل إنه لا يظهر لقوله من أمر ربي يعني على هذا لا وجه له. قوله: (تستفيدونه) أي العلم وكون النظري مستفادا من الضروري مبرهن في محله وأمّا كون الضروريات كلها مستفادة من الإحساس فأكثرقي، وهو كاف لإثبات المقصود فلا ينافي كون التجربة والحدس والوجدان قد تكون مبدأ لاكتساب بعض النظريات، وقوله: من فقد حسا الخ أي فقد العلم المستفاد منه وهو ظاهر. قوله: (ولعل كثر الآشياء لا يدركه الحس الكونه غير محسوس أو محسوساً منع مانع عن إحساسه كالغيبة ونحوها، فيكون غير المعلوم أكثر من المعلوم كما نطق به النظم، وقول: لا شيئا من أحواله المعرفة لذاته المعرفة صفة للأحوال، والتعريف شامل للجدّ والرسم والأحوال العرضيات فالمراد أنّ الحس قد لا يدرك عرضيات يرسم شيئاً بها فضلاً عن أن ينتقل منها الفكر بواسطتها إلى ذاتياته فيقف على حقيقته لتعسر الوقوف على حقائق الأشياء فلا وجه لما قيل عليه إنا لا نسلم أنّ بالحس! يحصل التمييز بين
الذاتيات والعرضيات وأنّ مقتضى ما ذكره أنّ التعريف بغير الذاتيات لا يفيد العلم أصلاً وليس كذلك، وأغرب منه تجويزه أن يكون قوله المعرفة مفعولاً مطلقا ليدرك من غير لفظه، وقوله: وهو إشارة الخ أي قوله: وما أوتيتم من العلم الخ فإنّ ذكره بعده رمز إلى أنه مما لا يعلم بكنهه بل بعوارضه ككونه مخلوقا لله، وقوله: فلذلك أي لكونه لا يمكن معرفة ذاته اقتصر في بيان السؤال عن حقيقته بناء على أنّ السؤال عنها على ما ذكر من الجواب دون شرح الماهية إذ قال: من أمر ربي على معنى أنه من إبداعياته وقوله: كن، وقوله: كما اقتصر موسى الخ إلا أنّ الفرق أنّ بيان كنه الروح ممكن بخلاف كنه الذات العلية. قوله: (فقالوا ما أعجب شأنك الخ) تفريع للإنكار على عدم الاختصاص، فإنه إذا عتم الخطاب يلزم التناقض فإنه قد حكم على أنّ كل من أوتي الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا أي علما كثيرا وقد حكم بانهم لم يعطوا عموما من العلم إلا قليلاً وسيأتي دفعه فلا وجه لما تيل إن الفاء للتعقيب دون السببية ولك أن تجعلها لها باعتبار الجزء الثاني من الجواب، وإنما أنكروه لأنهم أهمهم السؤال عن الاختصاص بالخطاب، لكن قراءة الأعمش وما أوتوا من العلم إلا قليلاً تقتضي اختصاصهم وأنّ هذه الرواية غير صحيحة، كما قاله العراقي، وقوله: ساعة متعلق بتقول والجملة تفسير لقوله ما أعجب شأنك. قوله: (وما قالوه) من ظن التناقض بين القلة والكثرة المذكورتين لأن القلة والكثرة من الأمور الإضافية فالشيء الواحد يكون قليلاً بالنسبة لما فوقه وكثيراً بالنسبة لما تحته، وقوله: ما تسعه القوّة وفي نسخة الطاقه أي لا كل معلوم ولا كلى ما يمكن أن يعلم وقوله: بل ما ينتظم به معاشه ومعاده للإضراب عن الأوّل بتفسير الجملة بتفسير أخص من الأوّل، وقوله: بالإضافة إليه كثير أي بالإضافة إلى الإنسان المعلوم من السياق أو إلى خير الدارين أو إلى ما ذكر من كونه ينال به ذلك، وقوله: النائب مناب الخ فهو يغني عن تقديره وليس جوابا لأن لدخول اللام عليه وهو ظاهر، وقوله: ذهبنا بالقرآن المراد بالقرآن هنا عين صورته سواء كانت في نقوس الكتابة أو في الصور التي في القوّة الحافظة فليس فيه عموم المجاز كما قيل، إلا أن يقال: إنّ إطلاقه على نقوش الخط حقيقة عرفية ولا حاجة إليه. قوله: (من يتوكل علينا استرداده (أي من يتعهد ويلتزم استرداده بعد رفعه كما يلتزم الوكيل ذلك فيما يتوكل عليه حال كونه متوقعا أن يكون محفوظا في السطور والصدور(6/57)
فهو مجاز عما ذكر كما أشار إليه المصنف رحمه الله. قوله: (فإنها إن نالتك فلعلها تسترذه الخ) عبر بلعل لأنّ المعنى لى* تجد وكيلاً باسترداده إلا الرحمة فإنك تجدها مستردّة ولا يلزم من وجود المستردّ الاسترداد مع أنّ إثبات خلاف حكم المستثنى منه للمستثنى غير متعين على ما فصل في الأصول، وقيل إنه أجرى على عادة الله لأنه تقدير لكلامه، ثم إنه وصاحب الكشاف جعلا الاستثناء على هذا متصلاً إذ قابلاه بالمنقطع مع أنه غير داخل فيما قبله لأنّ من يتوكل لذوي العلم فلعلهم أرادوا ما يشمل الرحمة والتعبير بمن على طريق التغليب ولو فسره بالرادّ لكان أظهر، والظاهر أنه منقطع مفسر بلكن أو بل على الوجهين فيه، وأنه على حد قوله:
ولا عيب فيهم غيرأنّ سيوفهم بهن فلول من قراع الكتائب ...
والمستدرك عليه قوله ولئن شئنا لنذهبن. قوله: (فيكون امتناناً بإبقائه) على تقدير كونه منقطعاً كما يدلّ عليه قوله تركته، وأمّ على الاتصمال فيدلّ على أنه بعد الذهاب به لعلها تستردّه فهي دالة على عدم الإبقاء، والمنة في تنزيله من قوله: وتنزل من القرآن ما هو شفاء، وقوله: كإرساله تمثيل للفضل المأخوذ من الآيات السابقة، وقوله: إبقائه في حفظه أي في حفظ الله كما قال: وانا له لحافظون وهذا من قوله ولو شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك كما تدل عليه لو الامتناعية، وقيل المراد حفظ النبيّ صلى الله عليه وسلم وخص به مع عموم المصاحف والمصدر السابق لأنه في بيان تفضله عليه وكون هذا مراداً بالفضل يستفاد من سوق الآية، وذكر إرساله وانزال الكتاب من حيث إنه يستتبعهما حفظ الوحي ولا يخفى ما فيه. قوله: (وفيهم العرب العرياء) أي الخلص من أهل اللسان النازل به، ونص على دخولهم في العموم لأنّ التحدي إنما وقع لهم، وأرباب البيان عطف تفسير، وقوله: ولولا هي أي اللام الموطئة لأنّ معها يتعين الجواب له كما فصل في النحو، وقوله: بلا جزم دفع لما يتوهم من أنه لا يصلح له لكونه مرفوعا بثبوت النون لأنّ الشرط إذا كان ماضيا قد لا يعمل في الجزاء لأنه إذا لم يؤثر في الشرط ظاهراً مع قربه جاز أن لا يؤثر في الجواب، والبيت المذكور لزهير من قصيدة في مدح هرم بن سنان ومعناه إذا أتاه خليل أي صاحب أو فقير على أنه من الخلة، وهي الحاجة ويوم مسألة أي يوما يسأل الناس فيه لقحطهم وفي رواية مسغبة أي جوع، ويقول مرفوع وهو محل الشاهد أي لا يمنعه لتعلله بعدم حضور ماله ولا يحرمه بردّه، وحرم كحذر صفة من الحرمان، وتظاهروا
بمعنى اجتمعوا وتعاونوا. قوله: (ولعله لم يذكر الملائكة لآنّ إتيانهم الخ) قيل عليه لا اشتباه في كون القرآن معجزاً للملك أيضا بدليل قوله: ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً فإنه صريح في عجز غير الله عنه وإنما لم يذكروا لأنّ التحدّي ليس معهم والتصدي لمعارضته لا يليق بشأنهم لأنهم معصومون لا يفعلون إلا ما يؤمرون، فلا يناسب أن ينسب ذلك إليهم، وأجيب عنه بأنه ليس معناه أنّ الملائكة عليهم الصلاة والسلام يقدرون على ذلك، بل مبناه على الفرض والتقدير لأنه مبعوث للثقلين فيكون التحدي معهم والأولى الاقتصار على أن التحدي كان معهم لأنه قيل بعموم رسالته صلى الله عليه وسلم للملك أيضا فيقال: لم يذكر الملك لأنّ التحدي لم يقع معهم فيكفي في كونه معجزا عجز من تحداه به، وهو مراده وما قيل إنه يلزم من هذا الفرض وهو كونه من الملك لا من الله عدم ثبوت الرسالة مدفوع بأنّ الملك لا يأتي بمعجزة لمفتر، وفيه نظر لأنه يلزم أن يكون مفتريا في قوله إنه من عند الله فتأئل، وقوله ولأنهم، كانوا وسايط فلا يلائمه قوله: لا يأتون بمثله بحسب الظاهر إذ معناه لا يأتون به من عندهم، فمن قال لا يصح قوله لا يأتون بمثله لم يصب، وجمع الوسايط مع أن الواسطة جبريل عليه الصلاة والسلام فقط لأن ما جاز أن يكون لواحد من جنس يجوز أن يكون لباقيه. قوله: (ويجوز أن تكون الآية تقريرا الخ) لأنّ عدم قدرة الثقلين على ردّه بعد إذهابه مساو لعدم قدرتهم على مثله لأنّ ردّ. بعينه غير ممكن لعدم وصولهم إلى الله فلم يبق إلا رده بمثله فصرّح بنفيه تقريراً له، فاندفع ما قيل إنه لا يصح لأنّ القدرة على(6/58)
الإتيان بمثله أصعب من القدرة على استرداد عينه ونفي الشيء إنما يقرّر بنفي ما دونه لا بنفي ما فوقه وإن ردّ بعدم تسليم الأصعبية، وأمّا القول بأنّ لفظ المثل مقحم للتأكيد وأنّ القصر الذي في كلامه ممنوع فإنه يحصل بالمساواة أيضا فليس بشيء لأنّ الإقحام خلاف الظاهر وأمّ القصر فإضافيّ، وترك ما في الكشاف من أنّ إعجاز القرآن يدل على حدوثه لأنه لا وجه له كما بينه شرّاحه. قوله: (كررنا بوجوه مختلفة) يعني أنّ أصل معنى التصريف التحويل والتغيير فالمراد به هنا تغيير الأساليب والعبارات في بعض المعاني ليزداد تقريره ورسوخه في النفوس وبيانه وما ذاك إلا ليزدادوا تدبراً وإذعانا فكان حالهم على العكس، إذ لم يزدادوا إلا كفراً كما تزيد الفواكه المريض مرضاً، وقوله: هو كالمثل في غرابته الخ يعني أنّ المثل ليس بمعناه المعروف بل هو مستعار لكل أمر عجيب حسن الموقع كأنه بكر معن سار في مثل وهو مجاز مشهور أيضا كما مرّ، وقوله: موقعها أي موقع الأمثال المفهومة من السياق ويجوز عوده على الغرابة. قوله: (وإنما جاز ذلك ولم يجز
الخ) يعني أنّ الاستثناء المفريخ مشروط بالنفي فكيف جاز هنا في الإثبات وقد منعوا مثله كما في المثال المذكور، فأجاب بأن أبي ونحوه قريب من معنى النفي فهو مؤول به إذ معناه لم يرضوا أو ما فعلوا ونحوه، وإنما امتنع لفساد المعنى إذ لا قرينة على تقدير أمر خاص ولا يصح العموم، إذ لا يمكن أن يضرب رجل كل أحد غير زيد مثلا فإن صح جاز كصليت إلا يوم كذا إذ يجوز أن يصلي كل يوم غيره، فإن قيل إنّ المعنى هنا كذلك بتقدير أبوا كل شيء فيما اقترحوه إلا جحوده صح وكان وجها آخر، ولا فرق بين كلام الله وغيره في هذا كما توهم، وقوله: تعنتاً الخ تعليل لقالوا، وقوله: بالتخفيف من باب نصر المتعدي، والتفجير إسالة الماء بانشقاق الأرض! ، والتفعيل هنا لتكثير الماء أو الينابيع والأرض أرض! مكة لقلة مياهها فالتعريف عهدي، وقوله: لا ينضب بالضاد المعجمة والباء الموحدة من باب نصر بمعنى ينقطع، وقوله: يفعول فالياء زائدة وهي صيغة مبالغة، واليعبوب الماء الكثير الجاري والفرس الشديد العدو وزخر بمعنى كثر موجه، ومنه البحر الزاخر. قوله: (أو يكون لك (أي خاصة بستان حديقة تشتمل على ذلك المذكور من الأشجار والأنهار قيل إنهم قالوا له: أرض مكة ضيقة فسير جبالها لتتسع وفجر ينابيع نزرع بها فقال: لا أقدر فقيل له إن كنت لا تستطيع الخير لنا فاستطع الشرّ وأرسل السماء كما زعمت الخ، وقوله: وهو كقطع يعني أنه بكسر الكاف وفتح السين كقطعة وقطع لفظا ومعنى أي ترمي قطعاً من جرم السماء علينا وعلى قراءة السكون مع الكسر فهو إمّا مخفف من المفتوح لأنّ السكون أخف من الحركة مطلقا فلا يرد عليه أنّ الفتحة خفيفة مع أنّ خفتها بعد الكسرة غير مسلمة أو هو فعل صفة بمعنى مفعول أي مقطوع، وأورد على قوله: فيما عدا الطور أنّ في النشر أنهم اتفقوا على إسكان السين في الطور إلا أني تتبعت كتب القرا آت فوجدت في إيضاح الأنباري أنّ ما ذكر رواية وفيه إشارة إلى أنّ فيه رواية أخرى شاذة والمصنف ثقة. قوله: (كفيلاَ بما تدّعيه ((يعني أنه من القبالة وهي الكفالة والمراد أن تشهد
لك بصحة ما قلته، وتضمن ما يترتب عليه، والدرك بفتحتين التبعة وضمان الدرك معروف في الفقه أو القبيل بمعنى مفاعل كرضيع بمعنى مراضع، وقوله: وهو حال أي على الوجهين وحال الملائكة محذوفة أي قبلاء بمعنى كفلاء وقوله:
فإني وقيار بها لغريب
الشعر لضابىء الرجمي قاله وقد حبسه عثمان بن عفان رضي الله عنه في خلافته
بالمدينة، وأوّله:
ومن يك أمسى بالمدينة رحله
وقيار اسم فرس أو جمل له والشاهد فيه أنّ قوله: لغريب خبر إن وخبر قيار محذوف
كما حذف الحال في الآية وفيه كلام آخر في كتب العربية، وقوله: أو جماعة يعني قبيلاً بمعنى جماعة كقبيلة فيكون حالاً من الملائكة لأنها جماعة أيضاً فيتطابقان، وفي الكشف جعله حالا من الملائكة لقرب اللفظ وسداد المعنى لأن المعنى تأتي بالله وجماعة من الملائكة لا تأتي بهما جماعة ليكون حالاً على الجمع إذ لا يراه المعية معه تعالى ألا ترى إلى قوله حكاية عنهم أو نرى ربنا والقرآن يفسر بعضه بعضا اهـ. قوله: (من ذهب)(6/59)
إشارة إلى أنّ أصل معناه الزينة وأطلق على الذهب لأنّ الزينة به، وقوله: في معارجها المعارج المصاعد كالسلم إشارة إلى أن فيه مضافا مقدراً، وقوله: لرقيك إمّا صلة نؤمن أو اللام لام التعليل وكلاهما جائز في كلامه، وقوله: وحده قدره لئلا يناقض ما قبله من قولهم: لن نؤمن لك إلا أن ترقى في السماء فإنه يقتضي إيمانهم للرقيّ، فلو أطلق هذا نافاه فلا وجه لما قيل إنه يدل على أنّ المصنف حملها على لام الأجل فلا يجوز الحمل على غيره عنده، أي لن نؤمن بنبوّتك لأجل رقيك وحده حتى تنزل الخ، وقوله: كتابا نقرؤه بلغتنا على أسلوب كلامنا، وقوله: وكان فيه تصديقك لأنّ نزوله كما أرادوا لا يدل على ظهور نبوّته المطلوب لهم إذ يجوز أن يكون أخذه من غيره.
قوله: (تعجباً) يعني المراد من التسبيح التعجب كما مر تحقيقه، أو المراد به تنزيه الله
عما ذكر، وقوله: من أن يأتي أي بما اقترحوه، وقوله: أو يتحكم عليه إشارة إلى أنّ مرادهم إما طلب أن يأتي بذلك بقدرة الله تعالى فيلزم التحكم عليه أو بقدرته نفسه فيلزم أن يشاركه في قدرته وكلاهما غير صحيح. قوله: (هل كنت إلا بشراً رسولاً) في الكشاف هل كنت إلا رسولاً
كسائر الرسل بشراً مثلهم قال في الكشف قدم رسولاً في التفسير ليدلّ به على أنّ الوصف معتمد الكلام وأنّ كونه بشراً توطئة لذلك رداً لما أنكروه من جواز كونه بشرا، ودلالة على أنّ الرسل عليهم الصلاة والسلام من تبل كانوا كذلك لا إنه يحتمل أن يكون حالاً انتهى، ورجح الوصفية على الحالية في بشراً من النكرة لتقدمه وقد جوّزها المعرب ولم يتعرّض! لكونهما خبرين كما ذكره بعضهم، وادّعى أنه مراد الزمخشريّ والمصنف وأنّ ما ذكر يحتمله إذ المراد بالوصف معناه اللغوفي لا النعت النحوي ولا يخفى بعده، وقوله: توطئة يأباه وليس في كلام المصنف ما يشهد له، وكونهما خبرين غير متوجه لأنه يقتضي استقلالهما وأنهم أنكروا كلا منهما حتى ردّ عليهم بذلك ولم ينكر أحد بشريته ولذا لم يذكره المعربون، وكذا الحالية ركيكة لأنه يقتضي أن له حالاً آخر غير البشرية. قوله: (على ما يلائم حال قومهم) من مجيء، كل رسول بمعجزة تناسب زمانه وأهله وهذا يعلم من قوله: كسائر الرسل عليهم الصلاة والسلام إذ هو وجه الشبه بقرينة الاقتراح لا أنه زيادة بيان من المصنف رحمه الله كما قيل ولم يكن معطوفا على لا يأتون عطفا تفسيريا أي أنهم لم يأتوا إلا بما أمرهم الله به وأظهره على أيديهم من غير تفويض إليهم فيه ولا تحكم منهم عليه في طلب آيات أخر منه، وقوله: حتى يتخيروها منصوب بإسقاط النون وهو ظاهر والتخيير طلب ما هو خبر من غيره وهو قريب من الاختيار والضمير للآيات والضمير المرفوع للرسل إن قرئ بالغيبة وللمخاطبين من قومه إن كان بالتاء الفوقية، وفي نسخة يتخيرونها بإثبات النون لأنه غير مستقبل. قوله: (إلا قولهم هذا) وفي التعبير به إشارة إلى أنه مجرّد قول تعنتا إذ هم لم ينكروا إرسال غيره، وقوله إلا إنكارهم إشارة إلى أنّ المانع لهم معنى ذلك القول وهو لا ينافي ما مرّ من النكتة، وقوله كما يمشي بنو آدم وما بعده بيان لوجه ذكره وعدم الاكتفاء بقوله في الأرض إذ ملائكة السماء قد تكون فيها كالحفظة والكتاب وهو معنى قول الزمخشريّ: لا يطيرون بأجنحتهم إلى السماء فيسمعوا من أهلها ويعلموا ما يجب علمه، وقوله: ساكنين فسره به لئلا يتوهم أنه من الاطمئنان المقابل
للانزعاج، وقوله: لنمكنهم الخ، مضارع بالنون من التمكين ويجوز أن يكون مصدراً، وفي نسخة ليمكنهم الاجتماع بدون من من الإمكان والمراد الإمكان العادي، وقوله: فعامتهم هم من عدا الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام وبعض الخاصة على ما قيل: وعماة بالضم بمعنى عمي جمع أعمى وهو مجاز أي لا يرونهم، والتلقف الأخذ هنا وعدل عما في الكشاف لابتنائه على الاعتزال كما في شرحه، وقوله: فانّ ذلك أي رؤيته والتلقي منه مشروط بما ذكر فيما جرت به عادة الله وان أمكن خلافه والتناسب والتجانس في القوى القدسية والصفات الروحانية المطهرة من دنس القوى الشهوانية كما للأنبياء صلى الله وسلم عليهم، ولذا لم ير النبي صلى الله عليه وسلم جبريل على صورته الأصلية إلا نادراً، فإن قالوا: فليأتنا الرسول من الملائكة على صورتنا ليكون التجانس، فقد بين الله ما فيه، بقوله: ولو جعلناه(6/60)
ملكاً لجعلناه رجلاَ وللبسنا عليهم ما يلبسون فتدبر. قوله: (وكذلك بشرا) أي في قوله: أبعث الله بشراً رسولاً لا في قوله هل كنت إلا بشراً رسولاً كما في الكشف، وقوله: أوفق بمعنى أكثر موافقة للمقام وأنسب، ووجهه على ما ذكره الشارح العلامة وصاحب التقريب أنه على الحالية يفيد المقصود بمنطوقه، وعلى الوصفية يفيد خلاف المقصود بمفهومه أمّا الأوّل: فلأن منطوقه أبعث الله رسولاً حال كونه بشراً لا ملكا ولنزلنا عليهم رسولاً حال كونه ملكاً لا بشراً وهو المقصود، وأمّا الثاني: فلأن التقييد بالصفة بفيد أبعث بشراً مرسلاً لا بشراً غير مرسل، ولنزلنا عليهم ملكاً مرسلا لا ملكا غير مرسل وهو خلاف المقصود، وقال في الكشف: تبعا لشيخه وجهه أنّ التقديم عن موضعه الأصليّ دلّ على أنه مصت الإنكار في الأوّل أعني قوله: أبعث الله بشراً رسولاً فيدلّ على أنّ البشرية منافية لهذا الثابت أعني الرسالة كما تقول أضربت قائماً زيداً، ولو قلت أضربت زيداً قائما أو القائم لم يفد تلك الفائدة لأنّ الأول يفيد أن المنكر ضربه قائماً لا مطلقا والثاني يفيد أنّ المنكر ضربه لاتصافه بصفة مانعة ولا يفيد أنّ أصل الضرب حسن مسلم، والجهة منكرة هذا إن جعل التقديم للحصر، فإن جعل للاهتمام دلّ على أنه مصب الإنكار وان لم يدل على ثبوت مقابله، وعلى التقديرين فائدة التقديم ظاهرة. قوله: (على أني رسول الله إليكم الخ) إشارة إلى أنهم لما استبعدوا أن يكون الرسول بشراً رد عليهم بوجوه، وهي أنّ الملك لو ادعى الرسالة لم يكن له بد من دليل بالمعجزة فما يدلّ على نبوّة الملك يدل على نبوّة البشر فلا وجه
للتخصيص واليه أشار بقوله: إذ جاءهم الهدى أي المعجز الهادي إلى التصديق وأنه لو كان أهل الأرض ملائكة، وجب أن يكون رسلهم كذلك، لأنّ الجنس إلى الجنس أميل فلما كانوا بشراً كان المناسب أن يكون رسلهم من جنسهم ولذلك امتن الله عليهم، بقوله: لقد جاءكم رسول من أنفسكم وأيضا أنه لما أظهر المعجزة على وفق دعواه كان ذلك شهادة منه كافية في صدق المدعي، وهذا الجواب الأخير هو معنى هذه الآية كما قرّره المصنف رحمه الله تبعا للإمام وهو أوفق بالسياق فلذا رجحه. قوله: (أو على أني بلغت ما أرسلت به الخ (اقتصر في الكشاف عليه وأخره المصنف لما سمعته وأمّا كونه أوفق بقوله إنه كان بعباده الخ كما قيل فلا وجه له لأنّ معناه التهديد والوعيد بأنه يعلم ظواهرهم وبواطنهم وأنهم إنما ذكروا هذه أشبه للحسد وحب الرياسة والاستنكاف عن الانقياد للحق، كما ذكره المصنف رحمه الله. قوله: (الباطنة الخ الف ونشر على الترتيب، وقوله: فيجازيهم إشارة إلى أنّ علم الله عبارة عن المجازاة كما مرّ، وقوله: وتهديد للكفار إشارة إلى ما مر، وضمير منها للأحوال، قوله: اثبتا الياء أي ياء المهتدي، وغيرهما حذفها. قوله تعالى: ( {وَمَن يَهْدِ اللهُ} الخ (قال الفاضل المحشي: الظاهر أنه ابتداء أخبار منه تعالى لا مندرج تحت قوله: قل لأن قوله ونحشرهم يأباه ويحتمل اندراجه تحته ونحشرهم حكاية لما قاله الله له أو التفات، وقوله: فلن تجدلهم من الحمل على المعنى بعد الحمل على اللفظ وحمل قوله: ومن يهد الله الخ على اللفظ إفراداً لأنّ طريق التوحيد واحدة بخلاف طرق الضلالة، فإنها متشعبة فلذا حمل فيها الجمع على المعنى، وهذا مما حمل فيه على المعنى ابتداء من غير تقدم حمل على اللفظ وهو قليل، وقال أولياء: مبالغة لأن الأولياء إذا لم تنفعهم فكيف الوليّ الواحد (قلت) تبع فيه أبا حيان ولا وجه له فإنه حمل فيه على اللفظ أولاً إذ في قوله يضلل ضممير مفرد محذوف إذ تقديره يضلله على الأصل وهو راجع إلى لفظ من فلا يقال إنه لم يتقدهه حمل على اللفظ، وأغرب منه ما قيل إنه قد يقال: إن الحمل على اللفظ قد تقدمه في قوله: من يهد الله وإن كان في جملة أخرى، وقوله: روي الخ حديث صحيح ووقع في البخاري بمعناه عن أنس رضي الله عنه، والمشي على الوجه هو الزحف منكباً ومعنى سحبهم عليها جرّ الملائكة لهم منكبين عليها، كقوله: يوم
يسحبون في النار على وجوههم ولم يذكر المصنف هذه الآية ويجعلها مفسرة لهذه لأنّ هذا في الحشر وذاك بعد دخول النار وهما وجهان متغايران بتغاير المتعلق، ومن قال: إق في كلامه ألغاز أو أنه يحتمل أن يكون وجها واحداً فقط خبط خبط عشواء(6/61)
وأطال بما لا طائل فيه. قوله: الا يبصرون الخ) يعني أنه نزل ما أبصروه وقالوه وسمعوه منزلة العدم لعدم الانتفاع به فهو مجاز، وقيل على قوله: ولا ينطقون بما يقبل منهم أنّ توله اليوم نختم على أفواههم يقتضي نفي القدرة عنهم مطلقاً، وأجيب بأنّ هذا في ابتداء الحشر وذاك بعده، وأخره مع تقدمه في النظم رعاية للواقع، وقوله: كأنهم الخ إشارة إلى أنّ جزاءهم من جنس عملهم. قوله: (ويجورّ الخ) فالحشر بمعنى جمعهم منساقين إلى النار وهو في الأوّل بمعنى جمعهم في الموقف والصفات على هذا على الحقيقة وعلى الأوّل مجاز، ومؤفي القوى صيغة جمع مضافة، وقيل إنّ ذلك عند قيامهم من قبورهم ثم تردّ لهم الحواس فيرون النار ويسمعون زفيرها، وينطقون إذا سئلوا. قوله: (سكن لهبها) وفي نسخة لهبها أي اشتعالها، وقوله: بأن الخ إشارة إلى أنّ قلة تسعرها بفناء أجسادهم لأنها وقودها، كما قال: وقودها الناس، وإنما فسره بهذا لأنه كان الظاهر أن يقال، زدناها سعيراً، وعلى ما ذكره يتجاوب النظم فتدبر، وقوله: توقداً إشارة إلى أنّ سعيراً مصدر أو مؤوّل به هنا. قوله: (بأن نبدّل جلودهم الخ) فهي كلما أكلت وفنيت بدلت بجلود أخر تتقد بها النار وتتلهب، واستشكل بأق قوله تعالى: {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا} [سورة النساء، الآية: 56] يدلّ على أنّ النار لا تتجاوز عن إنضاجهم إلى إحراقهم وافنائهم فيعارض ما ذكر وأجيب بأنه يجوز أن يحصل لجلودهم تارة النضج وتارة الإفناء أو كل منهما في حق قوم على أنه لا سدّ لباب المجاز بأن يجعل النضج عبارة عن مطلق تأثير النار إذ لا يحصل في ابتداء الدخول غير الإحراق دون النضج وأورد على الجواب الأوّل أن كلمة كلما تنافيه، وتبديل جلودهم على ما سيأتي إمّا بأن تعود لها صورة أخرى حتى لا يلزم إعادة المعدوم بعينه، أو بإزالة أثر الحريق وعود إحساسها بالعذاب، أو بخلق جلود أخر ولا محذور فيه لأنّ العذاب إنما هو للروح المتعلقة بها فلا يلزم تعذيب غير العاصي مع أنه جائز أيضا، وقوله: كأنهم الخ معنى حسن جداً والإفناء في كلامهم شامل لإفناء الحياة والبدن فلا يرد ا!
مقولهم هنا إنما هو أئذا كنا عظاما الخ، وفوله: لأنّ الإشارة أي بقوله: ذلك هنا وهو علة لقوله: واليه أشار الخ يعني أنّ لفظ ذلك إشارة إلى عذابهم المفهوم من قوله: زدناهم ومعناه إعادة جلودهم كلما فنيت وقوله: أو لم يعلموا إشارة إلى أن رأى هنا علمية لأنه المناسب. قوله: (فإنهم ليسوا الخ) يعني أنه إثبات للإعادة بطريق برهاني وهو أنّ من خلق هذه الإجرام العظيمة وأبدعها من غير مادّة قادر على خلق مثلكم بلا شبهة، ومن قدر على ذلك كيف لا يقدر على إعادتكم وهي أهون عليه، ولا حاجة إلى جعل مثل هنا كناية عنهم، كقوله: مثلك لا يبخل مع أنه صحيح أيضا ولو جعل خلق مثلهم عبارة عن الإعادة كان أحسن وكأنه مراد.. قوله: (هو الموت) قدّمه لأنه المعروف إذ هو يطلق على مدة الحياة وعلى آخرها وعلى الموت للمجاورة له، وقوله: أو القيامة فالمراد به مدة يكون فيها حشرهم وحياتهم وهو ميقات إعادتهم، وهذه الجملة معطوفة على جملة أو لم يرو الأنهار وان كانت إنشائية فهي مؤوّلة بخبرية كما في شرح الكشاف، إذ معناها قد علموا بدلالة العقل أنه قادر على البعث والإعادة وجعل لهم أي لإعادتهم أجلاً وهو يوم القيامة يعني أنهم علموا إمكانها واخبار الصادق بها وضربه لها أجلاً، فيجب التصديق به أو جعل لهم أجلاً وهو الموت والانسلاخ عن الحياة ولا يخفى على عاقل إنه لم يخلق عبثاً فلا بد أن يجزي بما عمله في هذه الدار فلا معنى للإنكار فظهر ارتباط المتعاطفين لفظا ومعنى، ولا ريب فيه ظاهر على الثاني وعلى الأوّل معناه لا ينبغي إنكاره لمن تدبر، وقيل إنها معطوفة على قوله: يخلق ورجحه بعضهم وقوله: خزائن رزقه الخ فالرحمة عبارة عن النعم مجازاً والخزائن استعارة خقيقية أو تخييلية، وقدر الفعل لأن لو أداة شرط تختص بالدخول على الأفعال. قوله: (كقول حاتم الخ) هو مثل يضرب لمن أهانه من لم يكن أهلاً لإهانته، قاله وقد أسر فلطمته جارية والسوار إنما يكون للحرائر عندهم أي لو لطمتني حرة لهان ذلك عليّ، وقصته مشهورة ورواه بعضهم لو غير ذات سوار أي لو لطمني رجل والمشهور الأوّل والتقدير لو لطمتني ذات سوار، وهنا كان تقديره لو تملكون فلما حذف الفعل انفصل الضمير.(6/62)
قوله: (وفائدة هذا الحذف الخ) أمّا الإيجاز فلأنه بعد قصد التوكيد للتقويه لو قيل: تملكون تملكون لكان أطنابا وتكرارا بحسب الظاهر، وأمّا المبالغة فقيل إنها من تكرير الإسناد، وقيل: إنها من تكرير الشرط فإنها تقتضي تكرّر ترتب الجزاء عليه فتأمل. قوله: (والدلالة على الاختصاص) تبع فيه الزمخشريّ وقد قيل عليه إنه وإن كان في صورة المبتدأ والخبر لكنه إنما يفيده لو كان معنى كذلك حتى يقدر فيه التقديم والتأخير المفيد لما ذكر
وهذا فاعل لفعل مقدر فكما لا يفيد ذلك إذا ذكر لا يفيده بعد حذفه، وأجيب بأن أنتم بعينه ضمير تملكون المؤخر، فهو في المعنى فاعل مقدم وتقديم الفاعل المعنوي يفيد الاختصاص إذا ناسب المقام، قيل: فأفاد ترتب الإمساك على تملك الخزائن منهم دون غيرهم وهو الله، وقيل عليه: أن الظاهر أنّ المعنى ترتب الإمساك على اختصاص التملك بالمخاطبين حتى لو اشترك غيرهم فيه لم يوجد منهم الإمساك لما ذكر، يعني أنه قصر إفراد لا قلب، ولا وجه له فإن ما ذكره القائل أبلغ وأنسب لأنهم إذا أمسكوا حين تفردهم بملكها فمع الاشتراك بالطريق الأولى. قوله: (لبخلتم (يعني أن الإمساك كناية عن البخل سواء كان لازما أو متعذيا حذف مفعوله أو نزل منزلة اللازم، وقال في الكشاف: إنه لا يقدر له مفعول لأنه بمعنى بخلتم فمنهم من حمله على التنزيل منزلة اللازم، ومنهم من جوّز فيه التضمين، والظاهر أنه أراد أنه مجاز فيه ومنه تعلم فائدة وهو أنّ المتعذي إذا جعل مجازا عن معنى فعل لازم يجوز أن يكون لازما مثله وهذا مما ينبغي التنبه له، وقوله: مخافة النفاد بالإنفاق إشارة إلى أن الإنفاق بمعناه المعروف وهو صرف المال وفي الكلام مقدر أي نفاده أو عاقبته أو هو مجاز عن لازمه، وقال الراغب: إن الإنفاق بمعنى الافتقار يقال: أنفق فلان إذا افتقر فهو كالإملاق في الآية الأخرى فلا يحتاج إلى تقدير، وهو قول أبي عبيدة، وقيل إنه مراد المصنف لا التقدير وهو خلاف ظاهر العبارة. قوله: (1 ذ لا أحد إلا ويختار الخ (هذا إشارة إلى توجيه معنى الآية إذ الخطاب فيها عام فيقتضي أنّ كل واحد من الناس بخيل، كما يدلّ عليه ما بعده فأشار أوّلاً إلى إجرائه على ظاهره، وأنه بالنسبة إلى الجواد الحقيقي والفياض المطلق فإنه إما ممسك أو منفق والثاني لا يكون إلا لغرض للعاقل إمّا دنيوقي، كعوض! مالي أو معنوفي، كثناء جميل أو خدمة واستمتاع كما في النفقة على الأهل، وما كان لعوض ماليّ، كان مبادلة لا مباذلة أو هو بالنظر إلى الأغلب وتنزيل غيره منزلة العدم كما قيل:
عذنا في زماننا عن حديث المكارم ...
من كفى الناس شرّه فهوفي جودحاتم ...
ولا وجه لما قيل عليه: إنّ تعليله يدل على أن مطلق الإمساك من سجية الإنسان لا على
أن الإمساك خشية الإنفاق كذلك إذ الإنفاق ضدّ الإمساك فمن كان طبعه التخلق بصفة كان يكره ضدها ويخشاه ولا معنى لما قيل في دفعه: أن المطلوب ليس إلا بترتب الإمساك خشية الإنفاق على تملكهم خزائن الله لا ما ذكره وفي دلالة هذا عليه كلام. قوله: (هي العصا الخ (القول الأوّل لابن عباس رضي الله عنهما والثاني للحسن وفي بعض التفاسير أنها كما في التوراة
العصائم الدم ثم الضفادع ثم القمل ثم موت البهائم ثم برد كنار أنزله الله مع نار مضرمة أهلكت ما مرت به من نبات وحيوان ثم جراد ثم ظلمة ثم موت عم كبار الآدميين وجميع الحيوان وأنه لم يذكر اليد فيها لأنها لا ضرر فيها عليهم فإن قلت الثلاثة الأخيرة فيما نقله المصنف أوّلاً: ليست مما أوتيه موسى عليه الصلاة والسلام بعد هلاك فرعون، وهي انفجار الماء من الحجر ونتق الطور وانفلاق البحر، وقوله: ما أنزل هؤلاء إلا رب السموات والأرض! يقتضي أن الآيات التسع المشار إليها في حياته حين تجاوزه فالرواية الصحيحة هي الثانية، فلا ينبغي تأخيرها وتمريضها كما فعله المصنف إذ لا إشكال فيها كما توهم، قلت: أجابوا عنه بأنه ليس في هذه الآية دلالة على أن الكل لفرعون، وأمّا قوله في آية أخرى في تسع آيات إلى فرعون وقومه، فيجوز أن يكون(6/63)
بعض تلك غير بعض هذه مع أنه لا يتعين أن تكون الإشارة بهؤلاء إلى كلها ومثله كثير، ولا يخفى ما فيه وقول المصنف رحمه الله يعني الآيات مناد على خلافه فتأمّل. قوله: (وعن صفوان) هو ابن عسال رضي الله عنه، وقوله: أن لا تشركوا خبر مبتدأ مقدر أي هي أن لا الخ، وقوله: ولا تمشوا المراد نهيهم عن السعاية في حق البريء من أمر إلى صاحب تسلط وقهر حتى يقتله أو يضره، والباء للتعدية أو السببية وتقبيله لعلمه بأنه رسول لموافقة ما ذكره لكتابهم، فقوله: فعلى هذا أي فعلى هذه الرواية وأنها المراد هنا لا ما وقع في الحديث أن اليهوديّ سأله صلى الله عليه وسلم عن التسع آيات المذكورة في هذه كما رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه والحاكم وأحمد واسحق وأبو يعلى والطبرانيّ كلهم من رواية عبد القه بن سلمة عن صفوان كما ذكره المخرّج فهذا هو التفسير الصحيح وسيدفع ما يرد عليه، وعلى متعلقة بالمراد
مقدمة من تأخير والأحكام خبر المراد، والعامة والثابتة بالرفع صفة لها، وقوله: سميت بذلك أي بالآيات وذكر باعتبار أنه لفظ وهو جواب عما يرد عليه من أنّ هذه ليست بآيات أي معجزات بل أحكام وليست تسعا بل عشرا فدفع الأوّل بأنها آيات بمعنى علامات على السعادة لمن امتثلها والشقاوة لغيره ودفع الثاني بأنّ الأخير ليس منها ولذا غير أسلوبه لنسخه واختصاصه بهم، فهو تذييل للكلام وتتميم له بالزيادة عما سألوه، وليس من الأسلوب الحكيم، كما قيل: وقوله: متعلقها بصيغة المفعول المراد به ما يتعلق بها من الارتكاب أو الانتهاء. قوله: (فقلنا له الخ) إشارة إلى ما ذكروه من أنّ المأمور يجوز أن يكون موسى وأن يكون نبينا عليهما الصلاة والسلام، والسؤال إما بمعنى الطلب أو بمعناه المعروف فإذا كان بمعنى الطلب والمأمور موسى عليه الصلاة والسلام يحتاج إلى تقدير أي فقلنا لموسى سلهم أي لطلب بني إسرائيل من فرعون لأنهم كانوا كالأسرى له وللقبط وإليه أشار بقوله فقلنا الخ، وقدّره ليصح العطف ويظهر الارتباط، وقوله: ليرسلهم إما بالجزم على أنها لام أمر للغائب كفل لزيد ليفعل كذا أو بالنصب على أنها لام تعليل وهو الظاهر، أو السؤال بمعناه المشهور، والقول: مقدر أيضا، والمراد سلهم عن دينهم وفي الكشاف جواز كون المسؤول عنه معاضدتهم لفرعون وتركه المصنف رحمه الله، أو المراد بالسؤال هل هم ثابتون عليه أو اتبعوا فرعون وهو يدل على هذا واليه أشار بقوله: أو سلهم من حال دينهم، وكان عليه أن يأتي بعن بدل من للفرق بين المسؤول عنه ومنه وقد وقع في بعض النسخ عن وهي أصح، وقوله: ويؤيده أي يؤيد أنّ الخطاب لموسى عليه الصلاة والسلام بوجهيه قراءة المضيئ لتعين عود ضميره لموسى والأصل توافق القراءتين وبني مفعول على الوجهين لا منصوب بنزع الخافض. قوله: (وهو لنة قريش) أي يقولون سال، كقال معتلاً عندهم إذ إبدال الهمزة المتحرّكة لا يكون في القياس، وقوله: وإذ متعلق بقلنا المقدر أو سال الماضي، كما في القراءة الشاذة لا بالأمر إذ لا يناسبه إذ جاءهم، وليس محل الالتفات والسؤال على ما مرّ. قوله: (أو فاسأل يا محمد الخ (يعني الخطاب للنبيّ صلى الله عليه وسلم والسؤال بمعناه المشهور والمسؤول عنه ما ذكر وهو معطوف على ما قبله معنى وهذه الجملة معترضة والفاء تكون للاعتراضى كالواو كما ذكره النحاة في قوله:
واعلم فعلم المرءينفعه أن سوف يأتي كل ما قدرا ...
فمن قال إنها لسببية الأخبار عما قبله لا للتعقيب لم يصب ولم يدر أنه ينافي كونه اعتراضا، وقوله: أو عن الآيات أي التسع وهو معطوف على قوله عما جرى، وقوله: ليظهر
الخ متعلق باسأل وهو إشارة إلى أنّ السؤال وإن كان حقيقة ليس المراد به استعلام ما لم يعلم لأنّ الظاهر أنه كان عالما بها وقت النزول، وقوله: للمشركين لأنّ السؤال كان بمحضر منهم أو لأنه يبلغهم، وقوله: أو لتتسلى نفسك إن كان عائداً على المعنى الأوّل على اللف والنشر المشوّس فهو ظاهر، والا فوجهه أنه تسلية لما فيه مما نزل بمن عاند الرسل عليهم الصلاة والسلام وهو أظهر، وقوله: لتعلم بالخطاب أو بالغائب المجهول ولا يلزم، كما قيل على الأوّل أن السؤال عما لم يعلمه لأنّ هذا مترتب على المسؤول عنه وليس بمسؤول عنه، وتظاهر الأدلة تقوّيها بتكرار(6/64)
ما يدل عليها. قوله: (وعلى هذا) أي كون الخطاب لمحمد صلى الله عليه وسلم لأنه يصح حينئذ تعلقه باسأل إذ ليس سؤاله في هدّا الوقت وعلى تعلقه بآتينا المعنى ظاهر وما بينهما اعتراض كما مرّ والمسؤول منهم مؤمنو بني إسرائيل في زمنه كعبد الذ بن سلام فلذا قدروه إذ جاء آباءهم كما في الكشاف، وقيل: إق المصنف رحمه الله لم يتعرض! له لأنه جعله استخداما، وليس في كلامه ما يقتضيه فلعله حمله على النوع فتدبر. قوله: (أو لإضمار يخبروك (من إضافة المصدر لمفعوله إذ المراد به لفظه وجعله الإضمار ناصبا تسمح أو هو من إضافة الصفة للموصوف أي يخبروك المضمر ولا يخفى أنّ الإخبار ليس واقعا في وقت المجيء ودفعه بأنه مفعول به لا ظرف، كما قيل فيه إن أخبر يتعدى بالباء أو عن لا بنفسه، وقوله: على أنه جواب بيان لارتباطه وجزمه وأورد عليه أنّ السؤال عن الآيات وبيانها والجواب بالإخبار عن وقت المجيء لا يلائمه اللهم إلا أن يقال: إنّ المراد يخبروك بذلك الواقع في وقت مجيئه لهم، وهو تكلف فتأمل، وقوله: أو بإضمار اذكر على أنه مفعول به لا ظرف لأن الذكر ليس في ذلك الوقت، وقيل إنه يجوز تعلقه باسأل على أنّ إذ للتعليلى أي سلهم لأنه جاء آباءهم فهم يعلمون أحواله، وكذا إذا تعلق بيخبروك يجوز فيه هذا. قوله: (فقال له فرعون) الفاء فصيحة أي فذهب إلى فرعون وأظهر آيات ومعجزات ودعاه للإيمان فقال الخ، وقوله: سحرت فهو على ظاهره وتخبط العقل اختلاله فلهذا اختل كلامه على زعمه وقيل المسحور بمعنى الساحر على النسب أو حقيقة كما مرّ في حجابا مستوراً وهو يناسب قلب العصا ثعبانا ونحوه وعلى الأوّل هو كقوله: إنّ رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون. قوله: (على إخباره عن نفسه) وهو على القراءتين ردّ لقوله: أظنك على تفسيريه والجملة المنفية معلق عنها ساذة مسد مفعوليه والمعنى أنّ علمي أو علمك بأن هذه الآيات من الله إذ لا يقدر عليها سواه يقتضي أني ل! ست بمسحور ولا ساحر وأن كلامي غير مختل لكن حب الرياسة حملك على العناد وقوله يعني الآيات أي التسع أو بعضها أو ما أظهره من المعجزات وقوله بينات أي لا سحر ولا تخيل، كما زعم فهي
جمع بصيرة بمعنى مبصرة أي بينة كما مرّ تحقيقه في قوله: وآتينا ثمود الناقة مبصرة أو المراد الحجج بجعلها كأنها بصائر العقول وتكون بمعنى عبرة كما ذكره الراغب، وقوله: نبصرك صدقي إشارة إلى علاقة التجوّز فيه. قوله: (وانتصابه على الحال) فإن قلنا ما قبل إلا يجوز علمه فيما بعده وان لم يكن مستثنى ولا تابعا له فعامله أنزل المذكور وصاحبها هؤلاء وإليه ذهب أبو البقاء والحوفي وابن عطية والا فالعامل مقدر تقديره أنزلها. قوله: (مصروفاً عن الخبر (من الثبر بمعنى الصرف مطلقاً، وقدّر متعلقه مخصوصاً بقرينة المقام وكونه مطبوعا على الشر من لوازمه وقوله: هالكا فهو من ثبر اللازم بمعنى هلك ومفعول فيه للنسب بناء على أنه يأتي له من اللازم والمتعدي، وفسره المعرب بمهلكا وهو ظاهر وفي شرح شعر هذيل في قوله:
بنعمان لم يحلف شنيقا مثبرا
إن في الحديث ما ثبر الناس أي عجل الدنيا وأخر الآخرة، وقال أبو عمر ومثبر: لا يصيب خيراً، وقيل ضعيف وبه فسرت الآية. قوله: (قاوع ظنه بظنه) أي قابله به لدفعه، كما يتقابل المتقارعان بالرماح فهو استعارة، وقوله: كذب بحت بالباء الموحدة والحاء المهملة والتاء الفوقية أي خالص لا يطابق واقعا ولا اعتقاداً ولا إمارة عليه وإنما سمي ظنا لتعبيره به أو لأنه وقع منه الظن لفساد عقله، وما ذكر بالنسبة للواقع في العقول السليمة وأخالك بمعنى أظنك بكسر الهمزة في الفصيح وقد تفتح. قوله: (أن يستخف الخ (هذا أصل معناه أي يزعجهم فكني به عن إخراجهم من أرضهم وهي مصر إن ثبت أنهم دخلوها، فإن لم يثبت فالمراد ذريثهم أو يراد بالأرض! الأرض المقدسة والتعريف للعهد أو من جميع الأرض! والتعريف للجنس ويلزمه قتلهم واستئصالهم وهو المراد به. قوله: (فعكسنا عليه مكره (أي أراد ذلك لهم دونه فكان له دونهم والتعكيس على الثاني ظاهر فإن خص به فأظهر وإلا فهو على
الأوّل لأنه أراد إخراجهم منها فأخرج هو أشدّ إخراج بالهلاك إذ الزيادة لا تضر في التعكيس بل تؤيده ولذا زاد قوله: بالإغراق. قوله: (الكرّة الخ) بيان لتقدير موصوف على الوجوه وقوله: يعني قيام القيامة على جميعها، وقوله: إياكم واياهم كان الظاهر أنتم وهم وهو منصوب بمقدر أي أعني، وقيل:(6/65)
إنه تفسير لضمير بكم مع الإشارة إلى أن فيه تغليبا للمخاطبين على الغائبين وأتى بالضمير المنصوب لأنّ المجرور في محل نصب لكن كان الظاهر تقديمه حينئذ، وقوله: واللفيف الخ فهو إما اسم جمع كالجميع ولا واحد له أو هو مصدر شامل للقليل والكثير لأنه يقال: لف لفا ولفيفا. قوله: (أي وما أنزلنا القرآن إلا ملتبسا بالحق) يشير إلى أنّ الباء للملابسة وانّ تقديم الجار والمجرور على عامله للحصر هنا والضمير للقرآن والجارّ والمجرور حال من ضمير المفعول، وفيه وجوه أخر، وغاير بين وصفي الحق إشارة إلى تغايرهما هربا من التكرار ظاهراً، وان كفى تغاير متعلقهما وهو الإنزال والنزول وبه لا يكون الثاني تأكيداً للأوّل حتى يتوهم أنّ المحل حينئذ ليس محل العطف لكمال الاتصال لأن العطف للجملتين لا للمتعلقين والحق فيهما ضد الباطل لكن المراد في الأوّل الحكمة الإلهية المقتضية لإنزاله وفي الثاني ما اشتمل عليه من العقائد والأحكام ونحوها، وقيل: الباء الأولى للسببية والثانية للملابسة وقيل: هي للسببية فيهما فتتعلق بأنزلنا. قوله: (وقيل الخ) أي قيل إنّ معنى كونه منزلاً ونازلاً بالحق ما ذكر وهو التفسير الثاني في الكشاف وفسره الشارح الطيبي بأنّ الحق فيه مقابل الباطل، وقوله: محفوظا بالرصد توضيح له وبيان لأنه منصوب على الحال يعني هو محفوظ بالرصد لا يأتيه الباطل من بين. يديه ولا من خلفه كقوله: وأحاط بما لديهم واليه أشار المصنف بقوله: ولعله الخ يعني أن هذا القائل أراد أنه ثابت على الحقية فالحق فيهما بمعنى واحد بخلافه على تفسير المصنف، وإنما عبر بلعل لأنّ الحفظ لا يلزمه ذلك إلا بالتأويل كما مرّ والرصد جمع راصد كحرس وحارس لفظاً ومعنى فقوله: من الملائكة بيان له والاعتراء بالعين والراء المهملتين بينهما مثناة فوقية وبالمد الإصابة، وأوّل الأمر وآخره منصوب على الظرفية، والمراد بالأوّل حال إنزاله وبالآخر النزول وما بعده إذ لو حمل النزول على ظاهره الملازم للإنزال لم يكن لذكره فائدة، وبه يندفع ما يتوهم من التكرار على اتحاد معنى الحق فيهما، وقوله: من تخليط الشياطين متعلق بمحفوظ الثاني لا أنهما على التنازع لأنّ احتمال التخليط إنما هو بعد النزول فمن قال إنّ قوله: ولعله الخ معنى آخر حاصله جعل أوّل الزمان للإنزال وآخره للنزول فليس فيه شبه تكرار أوارد لعل هذا القائل أو الله تعالى على هذا القول نفي اعتراء البطلان الخ، يعني
أنه تعالى لما أخبر بأنه محفوظ من التخليط زمان إنزاله من السماء الدنيا ومعلوم أنه محفوظ أيضا في زمان إنزاله من اللوح إلى السماء الدنيا، فلذا قال! المصنف رحمه الله: من السماء ولم يقل إلى السماء الدنيا ليحصل التغاير بينهما فأفادت الآية أنه محفوظ أوّلا وآخراً اهـ، فقد خبط خبط عشواء لما سمعته من بيان مراده. قوله: (للمطيع (قدره لدلالة المقام عليه وقوله: فلا عليك أي لا يجب عليك إلا هذا لا هدايتهم للإيمان فالقصر إضافي والوجوب من لفظ عليك، ويجوز أن يقدر لا بأس عليك بحذف اسم لا فإنه مسموع مقيس، وقوله: نزلناه مفرّقا منجما تفسير له على قراءة التخفيف وإشارة إلى أنه بحسب المآل بمعنى المشدد، وقوله: فرقنا فيه بيان لأنّ الضمير للظرفية للفرق بين الحق والباطل، وهو القرآن وبعد حذف الجار انتصب مجروره على أنه مفعول به على التوسع لأنّ الضمير لا ينتصب على الظرفية، وقرآنا منصوب بفرقنا على الاشتغال فالاستشهاد بالبيت من وجهين وفي نصبه أقوال أخر هذا أقربها، وقوله: ويوما الخ من بيت هو:
ويوما شهدناه سليما وعامرا مزيداً على الطعن النهال نوافله ...
وسليم وعامر اسما قبيلتين من قيس، ونوافله غنائمه فاعل مزيد، والنهال بكسر النون
جمع ناهل بمعنى عطشان والمراد بها الرماح أي لا غنائم فيه إلا الطعن وهو تمثيل ومحل الاستشهاد فيه ظاهر. قوله: (لكثرة نجومه الخ) يعني أن التفعيل فيه للتكثير في الفعل وهو التفريق وقيل: فرق بالتخفيف يدل على فصل متقارب وبالتشديد على فصل متباعد، ومنجماً مفرّقا من قولهم نجمت المال إذا وزعته كأنك فرضت أن تدفعه عند طلوع كل نجم ثم أطلق النجم على وقته ثم على ما يقع فيه فما كان في نجوم كان مفرقاً ومنجما، ولما كان قوله: على مكث دالاً على كثرة نجومه كانت القراءتان بمعنى، فلا يرد عليه أن الدلالة على التكثير أنسب بالمقام(6/66)
كما قيل، وقوله: في تضاعيف عشرين سنة أي فيها وهو من المجاز يقال: تضاعيف كذا وفي إضعافه أي في إثباته كما في الأساس، وتؤدة بضم التاء وفتح الهمزة والدال المهملة هي التأني والتمهل في الفعل وقوله: فإنه أيسر للحفظ أي التأني في القراءة، وفي قوله: على مكث احتمالات منها تعلقه بفرقناه وهو الظاهر لأنّ تعلق على الناس بتقرأه يقتضي أن لا يتعلق به، لأنّ تعلق حرفي جرّ بمعنى بمتعلق واحد خلاف الظاهر ولو بالتأويل، أو هو متعلق بمحذوف أي تفريقا على مكث أو قراءة على مكث منك بمكث تنزيله فما ذكر من كونه أيسر وأعون تعليل لتدريج النزول أو للتأني في القراءة ولا ترجيح لإحدى القراءتين كما يعلم مما قرّرناه وقوله: وقرئ بالفتح أي بفتح الميم فإنها مثلثة إلا أنّ الكسر قليلى ولم يقرأ به. قوله:
(على حسب الحوادث) وفي نسخة المصالح وهما بمعنى وفسره به ليقيد معنى قوله: فرقناه فإن الأوّل دال على تدريج نزوله ليسهل حفظه وفهمه من غير نظر إلى مقتضى لذلك وهذا أخص منه فإنه دال على تدريجه بحسب الاقتضاء فلا وجه لما قيل إنه للتنصيص على معناه ولولاه لكان مكرّرا، وقوله: آمنوا به أو لا تؤمنوا للتسوية لما ذكره المصنف رحمه الله. قوله: (تعليل له) أي لقوله: لا تؤمنوا وهو الظاهر أو لما قبله وهو داخل في حيز قل لما ذكر والتعليل صادر من الله على لسان نبيه غيب، وقوله: فقد آمن به بتقدير فلا بأس فقد الخ، وقوله: قرؤوا الخ بيان لسبب إيمانهم، وبيان لطريق إتيانهم العلم بحقيقته وهو أنهم لمعرفتهم بالوحي وامارته عرفوا أنه وحي وأنك نبيّ، وقوله: أو رأوا نعتك الخ بيان لسبب آخر لإيمانهم وهو كونه مذكوراً في كتبهم وهو معطوف على قوله عرفوا، وعلى كونه تعليلا لقل لا يكون داخلا في مقوله وحيزه. قوله: (يسقطون على وجوههم (هذا بيان لحاصل المعنى وتفسير له لأنّ معنى الخرور السقوط والسجود وهو يكون على الوجه فلا يغاير قوله: الآتي وذكر الذقن الخ، وقيل: يحتمل أنه إشارة إلى وجه آخر وهو أن اللام بمعنى على هنا كما ذكره المعرب وأن الذقن مراد به الوجه تعبيرا بالجزء عن الكل لأن حقيقته مجتمع اللحيين لا ما ينبت عليه من الشعر وان شاع فيه مجازاً قيل: وهو أولى، وقوله: تعظيما مفعول له تعليل لما قبله، وليس تفسيراً لسجدا الواقع حالاً، وقوله: أو شكراً معطوف عليه وهو أوفق بالتفسير الثاني لقوله: أوتوا العلم، وانزال القرآن بالجز عطف على إنجاز أو على بعثة محمد ع! يلى وهو أولى لقربه ولإفادته أنه موعود به أيضاً وقوله: عن خلف الموعد متعلق بسبحان بمعنى التنزه وهذا ناظر إلى التفسير الثاني، ويصح على الأوّل بأن تكون المعرفة بأمارات قبل التأمل فيما يتلى، وهذا بعده، وقوله: إنه الخ إشارة إلى أنّ أن مخففة من الثقيلة واسمها ضمير شأن وقوله: لا محالة من التأكيد بالاسمية وأن واللام. قوله: (كرّره) أي قوله يخرّون للأذقان لاختلاف الحال وهو أنّ الأوّل عند إنجاز الوعد، وهذا بعده أو الأوّل في حال التعظيم وهذا في حال البكاء والخوف
والسبب هو الشكر في الأوّل وتأثير الموعظة في الثاني. قوله: (وذكر الذقن لآنه أوّل ما يلقى الأرض الخ) كذا في الكشاف واعترض! عليه في التقريب بأنّ أوّل ما يلقى الأرض من وجه الساجد الجبهة أو الأنف، وأجاب عنه الشراح بأنه في ابتداء الخرور أقرب الأشياء من وجهه إلى الأرض هو الذقن أو أنه أريد به المبالغة في الخضوع لأنه بتعفير اللحى في التراب والأذقان عبارة عنها، أو أنه ربما خرّ على الذقن كالمغشيّ عليه ومنهم من قال: لعل سجودهم كان هكذا غير ما عرفناه (قلت (لا يخفى ما في هذه الوجوه كلها مع أن هذا الاستعمال وارد مع الخرور، ولو في غير السجود في كلام العرب قديماً قال الثاعر:
فخروا لأذقان الوجوه تنوث! هم سباع من الطير العوادي وتنتف
فالظاهر أنه غفلة عن معنى لقي قال الراغب: اللقاء مقابلة الشيء ولا شك أن أوّل مقابل الأرض من الساقط الساجد والواقع هو الذقن، وهم ظنوه بمعنى الإلصاق فتكلفوا له ما ذكر، والحاصل أنّ هذا إنما يرد لو أريد به ظاهره وحقيقته، أما إذا أريد به المبالغة كأنه لشدة تحامله ألصق ذقنه بالأرض! أو جعله كناية أو تمثيلاً فلا إشكال. قوله: (واللام فيه لاختصاص الخرور به) أي بالذتن، اعترض عليه بأنه بعد ورود ما تقدّم عليه مخالف لقوله: لأنّ أوّل ما يلقى الأرض الخ لاقتضائه أن في الوجه ما يتصف(6/67)
بالخرور وغيره، إلا أن يقال تقديره لاختصاص أوّل الخرور به أو يقال: لاختصاص هنا متعذ، والمعنى لتخصيصهم الخرور به، ويكون هذا طريق سجدتهم كما مرّ (قلت (هذا مبنيّ على أنّ الاختصاص الذي يدلّ عليه اللام بمعنى الحصر وليس كذلك وإنما هو بمعنى تعلق خاص، ولو سلم فمعنى الاختصاص به الاختصاص بجهته، ومحاذيه وهو جهة السفل ولا شك في اختصاصه به إذ هو لا يكون لغيره فمعنى يخزون للأذقان يقعون على الأرض عند التحقيق، والمراد تصوير تلك الحالة كما في قوله:
فخز صريعا لليدين وللفم
قوله: (أو قالت اليهود) بيان سبب آخر، وفي نسخة بالواو وهذه أصح لما في الثانية من
إيهام أنه من تتمة ما قبله وليس بمراد كما صرّج به، وقوله: هو التسوية بين اللفظين الاستواء
هو معنى أو التخييرية، كما في قوله: سواء عليّ أقمت أو قعدت، فهي إشارة إلى أنهما متساويان في الدلالة على ذات واحدة، وإن اختلف مفهوماهما، كما هو مشهور وبه يتم الجواب كما لا يخفى فسقط ما قيل: إن الجواب ليس إلا بأنهما يطلقان على ذات واحدة لا بالتسوية لإشعاره بأنّ إطلاقهما على ذات واحدة مفروغ عنه، مع أنّ ما ذكره من المحذور نور على نور، وقوله: ذات واحدة وقع في نسخة واحد إشارة إلى أنه انسلخ عنها معنى التأنيث لما أطلقت على الله، وعلى الثاني أي السبب الثاني للنزول: وهو قول اليهود الاستواء في حسن الإطلاق كما يفهم من توصيف الأسماء بالحسنى لأنهم فهموا أحسنية الرحمن لكثرة ذكره في كتابهم، وكأنّ حكمته أنّ موسى عليه الصلاة والسلام كان غضوبا كما دلت عليه الآثار فأكثر من ذلك، ليعامل أمّنه بذلك لأنّ الأنبياء عليهم الصلاة والسلام متخلقون بأخلاق الله. قوله: (وهو أجود) أي أكثر جودة وفي نسخة أخرى أي أنسب، وفي النسخ الصحيحة أجوب من الجواب بالجيم والباء الموحدة فاللام تعليلية أيضاً أي أشد إجابة، والمعنى أليق بالجواب لما قالوا، قال في الكشف: في غير هذا المحل وقد عبر به الزمخشري، قال الأزهريّ عن ابن عمر أن رجلا قال للنبيّ صلى الله عليه وسلم: أي الليل أجوب دعوة فقال: " جوف الليل الغابر "، قال: أي أسرع إجابة كما يقال أطوع من الطاعة والأصلى جاب يجوب مثل طاع يطوع بمعنى أنه من الثلاثي لا من المزيد لمخالفته القياس بلا حاجة ولو كان منه لصح إسماعه، ووجه الأجوبية أنه يدل على أنهم ظنوا أنه أحسن لكونه أحبّ إلى الله إذ أكثر من ذكره لا أنهم ظنوا تغايرهما كما زعم المشركون وأمّا ما أورد عليه من منع الأجوبية لأنّ تقديم الخبر في قوله فله الأسماء الحسنى يقتضي أجوبية الأوّل، إذ معناه هذه الأسماء لله لا لغيره كما زعم المشركون إلا أن يقال أو للتخيير وهو غير مسلم فيدفع بأنّ المعنى لله أسماء متفقة في الحسن لأنها لا يختلف مدلولها بالذات بخلاف غير.، فإنّ أسماءه تختلف فالقصر ناظر إلى الوصف لا الأسماء وهذا لا يتوقف على تسليم التخيير مع أنه سيأتي ما فيه، وقال في الكشف أيضاً على الوجهين التسوية بين اللفظين في الحسن والاختلاف إنما هو بأنّ الاستواء في الحسن ردّ لليهود بأنّ الإتيان بأحد الحسنين كاف أو لمن قال إنه يدعو اتها آخر بأنّ الاختلاف بين اللفظين الدالين على كماله تعالى لا بين كاملين فالأجوبية ممنوعة، ولرذه أنّ التوصيف بالحسنى أنسب بما ذكر كما قرّرناه. قوله: (والدعاء الخ) في الكشف لأنه لو حمل على الحقيقة المشهورة يلزم إما الإشراك إن تغاير مدلولا الاسمين أو عطف الشيء على نفسه إن اتحدا، وفيه بحث لأنا نختار الثاني ولا يلزم عطف الشيء على نفسه بأو وهو إنما يجوز بالواو كما في قوله:
وألقى قولها كذبا ومينا
لأنه قصد به لفظه كما تقول: بأن النبيّ محمد أو أحمد مع أنّ اختلاف مفهوميهما يكفي لصحته وقد جوّزه المعرب وغيره وسبب النزول الأول مؤيد له فتأمل، وقوله في الآية إشارة إلى أنه بهذا المعنى في الموضعين وأنه يكون بمعنى آخر في غير هذه الآية، وقوله: حذف أوّلهما وهو الضمير المقدر بتدعوه، والثاني أيا. قوله: (وأو للتخيير) قيل عليه الصواب أن يقول للإباحة لأنّ الفرق بينهما كما ذكره الرضي وغيره أنّ في الإباحة يجوز الجمع بين المتعاطفين والاقتصار على أحدهما وفي التخيير لا يجوز الجمع وهو جائز هنا (قلت) ما ذكره اصطلاح للنحاة في التخيير إذا قوبل(6/68)
بالإباحة ومراد المصنف به التسوية بينهما في الدلالة على ذات واحدة كما صرّح به أوّلاً، وسواء فيه الإفراد والجمع، قال: في التلويح وفي التخيير قد يجوز الجمع بحكم الإباحة الأصلية وهذا يسمى التخيير على سبيل الإباحة ا! ، مع أنه لو سلم أنه لا وجه لمخالفة الاصطلاح المشهور فالآية أو فيها للتخيير بمعناه المعروف، لأنّ أيا لأحد الشيئين استفهاما كانت أو شرطا فإذا قلت لأحد أي الأمرين تأخذه فخذ لم تأمره بأخذهما بل بأحدهما، وأمّا الدلالة على جواز الجمع فمن خارج النظم، ودلالة العقل لأنهما إذا لم يتنافيا جاز الجمع بينهما فتدبر. قوله: (والتنوين الخ) أي أيا اسم شرط جازم منصوب بتدعوا وجازم له فهو عامل ومعمول من جهتين والمضاف إليه محذوف يعوّض عنه التنوين، وتقديره أيّ هذين الاسمين وما حرف مزيد للتاكيد، وقيل إنها اسم شرط مؤكد به وجملة فله الأسماء الخ، جواب الشرط، وقوله: والضمير الخ أي هو عائد على المسمى المفهوم من الكلام والقرينة عقلية، وهي أنّ الأسماء تكون للمسمى لا للأسماء. قوله: (وكان أصل الكلام اياما تدعوا فهو حسن) هدّا على الوجه الثاني وهو يتضمن وجه أجوبيته كما مرّ ويعلم منه تقديره على الآخر وهو فمدلوله واحد ونحوه، وقوله: فوضع موضعه أي موضع هذا الجواب، والمبالغة بجعلها كلها حسنى وهو يدلّ على حسن كل منهما بطريق برهانيّ فأقيم فيه دليل الجواب مقامه وهو أبلغ، وقوله: لدلالتها الخ مبنيّ على أنّ الله بمعنى المعبود وصفات الجلال ما يدل على العظمة كجليل وكبير وصفات الإكرام كرحيم ورحمن، وقال الكرماني: صفات الجلال هي العدمية كلا شريك له، وصفات الإكرام الوجودية فتأمّل. قوله: (بقراءة صلانك) أي بتقدير مضاف أو
بتسمية القراءة التي هي منهابها كما تسمى ركعة وقد مرّ تفصيله، وقوله: حتى تسمع بالخطاب للنبيّ في من الأفعال والمشركين مفعوله والسب سب القرآن أو منزله أو النبيّ صلى الله عليه وسلم واللغو رفع أصواتهم وتصفيقهم حتى يخلطوا عليه القراءة كما كانوا يفعلون، وقوله: فإن ذلك تعليل للنهي، وقوله: لا تسمع بخطاب الإسماع أو بغيبة سمع، وقوله: سبيلاً وسطا تقدير للصفة أو بيان كون المراد بالسبيل ذلك، وأنه يفهم من بين والاقتصاد التوسط والاعتدال وأصله سلوك طريق مقصودة، وقوله: فإنّ الخ تعليل لابتغاء الوسط فلا حاجة لما قيل حقه، ولأنّ الاقتصاد لسبق علة النهي، وقوله: روي حديث صحيح رواه الترمذيّ وغيره وفيه أنّ النبي صلى الله عليه وسلم سألهما عن ذلك وخفت من باب ضرب بمعنى أسرّ وأخفى يقال: خفت يخفت خفتا وخفوتا وخافت مخافته بمعنى، وقوله: روي بدون عطف بيان لسبب النزول ولكونه غير مخالف لما فسره به أوّلاً لم يعطفه عليه كما في الكشاف ولم يسبق ذكر سبب آخر يعطف عليه كما توهم، وما ذكر من قوله أناجي ربي الخ حكمة السرّ والجهر. قوله: (وقيل الخ) فهو على الأوّل أمر بالاعتدال في الجهر أيضا، وعلى هذا يتغايران والحكمة فيه ما مر من سب المشركين ولغوهم فإنهم يسمعون نهارا لا ليلاً ثم استمرّ الشرع على ذلك وقوله: بالإخفات قيل عليه أنه لم يوجد في كتب اللغة أفعال من الخفت فلعله من تحريف الناسخ وهو إخفاء بالمدّ فظن المدة صورة التاء فانظره. قوله: (في الآلوهية (جعل نفي الشريك له في ملكه لسائر الموجودات كناية عن نفي الشركة في الألوهية لأنه لو كان إله آخر لتصرف فيها، فاندفع ما قيل إنه الأولى أن يقول: في الخالقية. قوله: (ولئ يواليه من أجل مذلة به) يشير إلى أن من هنا تعليلية، كما هو أحد الوجوه فيها وقوله: يواليه تفسير للوليّ بأنه من يواليه أي يجعله مولى يلتجىء إليه وفاعله ضمير الله المستتر ومفعوله ضمير الوليّ، فأمّا أولياؤه من المؤمنين فليس الولاية فيه بهذا المعنى بل بمعنى من يتولى أمره لمحبته له تفضلاً منه ورحمة، وقوله: ليدفعها أي ليمنعها عنه قبل لحوقها
أو بعده. قوله: (نفى عته أن يكون له ما يشاركه الخ) المشارك من الجنس الولد واختياره أن يكون من غير حاجة إليه والاضطرار خلافه ومن غير جنسه هو الشريك غير الولد سواء جعله شريكاً باختياره أو شاركه قسراً فاختياراً واضطراراً راجع لهما ويصح أن يكون على اللف والنشر، وما يعاونه هو الولي المحتاج إليه كما مرّ وهو عطف على قوله: شريك.(6/69)
قوله: (ورتب الحمد عليه) أي على النفي لهذه بأن جعله محموداً عليه وهو دفع لسؤال كما في الكشاف وهو أنّ الحمد يكون على الجميل الاختياري وبه وما ذكر من الصفات العدمية ليس كذلك فالمقام مقام التنزبه لا مقام الحمد، وقوله: لأنه كامل الذات الخ بيان لدفعه وحاصله أنه يدل على نفي الإمكان المقتضي للاحتياج واثبات أنه الواجب الوجود لذاته الغنيّ عما سواه المحتاج إليه ما عداه فهو الجواد المعطى لكل قابل ما يستحق فهو المستحق للحمد دون غيره، وقيل: نفي هذه الصفات التي هي ذرائع لمنع المعروف لأنّ الولد مبخلة، والشريك مانع من التصرّف كيف شاء والاحتياج إلى المعين أظهر رديف لإثبات أضمدادها على الكناية وهو وجه حسن ولو حمل الكلام على ظاهره لكان له وجه لأنّ قول القائل الحمد لله ينبئ عن أنّ الألوهية تقتضي الحمد، فإذا قلت الحمد لله المنزه عن النقائص مثلا يكون مقويا لمعنى الألوهية المفهومة من الجلالة فيكون وصفاً مؤيداً لاستحقاقه الحمد من غير نظر إلى مدخلية الوصف في الحمد اسنقلالاً وهذا معنى مكشوف لكنهم حاولوا الدلالة على مكان الفائدة الزائدة يعني أنه دال على الاستحقاق الذاتيّ، وأفاد الطيبي رحمه الله أنّ في الآية تقسيما حاصراً لأنّ المانع من الإيتاء إمّا فوقه أو دونه أو مثله فنفى الكل على الترقي، وهو معنى بديع فقول المصنف: لأنه كامل الذات معلوم من الجلالة وكونه لا ولد له ولا معين فهو تنبيه على الاستحقاق الذاتي، وقوله: المنفرد بالإيجاد المنعم على الإطلاق من كونه لا شريك له في الملك فهو الموجد له المتصرّف فيه فكل ما فيه من نعمة ومنعم عليه، فهو له وهو الفياض! المطلق بلا عوض! ولا غرض إذ لا احتياج له وهذا يفهم منه بطريق الكناية، وقد قصد معناه الحقيقي أيضا إذ هي لا تنافيه فهذا إشارة إلى الاستحقاق الثاني، وقوله: مملوك نعمة من إضافة الصفة للموصوف أي ما عداه ناقص لأنه إمّا نفس النعمة المملوكة له المسندة إليه أو منعم عليه، وقوله: ولذلك، أي لكونه كاملاً وما عداه ناقص استحق التكبير أي التعظيم فلذا عطف عليه قوله: وكبره تكبيراً. قوله: (وفيه) أي في قوله: وكبره تكبيراً أمراً له بتعظيم الله أي تعظيما مؤكداً بالمصدر المنكر من غير تعيين لما يعظمه به إشارة إلى أنه مما لا تسعه العبارة، ولا تفي به القوّة البشرية، دمان بالغ في التنزيه بما مرّ والتحميد بحمده، واجتهد في العبادة المفهومة من ذكر الصلاة قبله فلم
يبق إلا الوقوف بأقدام المذلة في حضيض القصور. قوله: (روي أنه صلى الله عليه وسلم الخ) الآية هي قوله: الحمد دلّه الخ وهذا الحديث رواه ابن أبي شيبة وعبد الرزاق وغيرهما، وقوله: أفصح أي أنطق لسانه بالكلام وفهم ما يلقى إليه، وقوله: من قرأ الخ حديث موضوع، وقوله: فرق قلبه أي حزن عليهما وتأسف، وقوله: كان له قنطار أي من الثواب، وقوله: والقنطار الخ هو من جملة الحديث، وذكره الواحديّ دون قوله: ومائتا أوقية وفيه الأوقية منها خير من الدنيا وما فيها والله أعلم، تمت السورة بحمد الله وعونه وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين.
سورة الكهف
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله: (مكية وقيل إلا قوله الخ (وفي الإتقان أنها مدنية من أوّلها إلى قوله: جرزا، وقوله: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ} [سورة الكهف، الآية: 28] الآية {وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا} إلى آخر السورة، واختار الداني أنها مكية كلها وفي عددها خلاف عند الداني فقيل مائة وعشرة وقيل إحدى عشرة ولما ختم السورة التي قبلها بما هو ظاهر في الحمد الذاتي على ما مر عن صاحب الكشف افتتح هذه بما يدلّ على الحمد واستحقاقه له الغير الذاتيئ تتميماً للاستحقاقين وفسر الكتاب بالقرآن إشارة إلى أن تعريفه للعهد. قوله: (رتب استحقاق الحمد) إشارة إلى أن اللام هنا للاستحقاق وهو أحد معانيها كما ذكره النحاة قاطبة ووجه ترتبه عليه وان كان مؤخراً في الذكر أن الوصف بشيء بعد إثبات حكم يقتضي عليته ويقتضي تقدمه في التصوّر والرتبة وقد مر مثله. قوله: (تنبيهاً على أنه أعظم نعمائه (أعظميته باعتبار ما ذكره من أنه الهادي الخ ولا شيء في معناه أعظم منه(6/70)
والكلام هنا في إرشاد العباد، وبيان طرق السداد، فاقتضى تخصيصه بالذكر ولكل مقام مقال فلا حاجة بعد ما بين المصنف رحمه الله مراده إلى أن يقال: إن المعنى أنه من أعظم نعمائه أو أنه أفضل من وجه فإنّ إرسال محمد صلى الله عليه وسلم وخلق الاهتداء كذلك والا لزم ترجيح أحد المتساويين أو ترجيح المرجوج، وما قيل إنّ المعنى أنه كذلك في نفسه لا أنه أعظم من غيره من النعم فيتعارض مع ما يترتب على الحمد سواه في السور الأخر وأنّ نعمة الإنزال تتضمن نعمة الإسلام وارسال الرسول صلى الله عليه وسلم من ضيق العطن، وفي ذكره بعنوان العبودية تنبيه على عظمة المنزل والمنزل عليه، كما يدلّ عليه الإضافة الاختصاصية، وقد سبق تحقيقه في سورة الإسراء. قوله: (شيئاً من العوج (أي عوجا ما وهو مأخوذ من وقوع النكرة في سياق النفي، والعوج هنا معنوي وهو إمّا في اللفظ أو في المعنى وعوج اللفظ اختلاله في الإعراب ومخالفة الفصاحة، والمعنى تناقضه وكونه مشتملا على ما ليس بحق أو داعيا لغير الله، وفي تعبيره بالانحراف مبالغة إذ لم ينحرف إليه فضلا عن الاشتمال عليه. قوله: (وهو (أي العوج بكسر العين وفتح الواو لأنه المذكور في النظم الذي فسره وهو مبتدأ خبره قوله: كالعوج أي
بفتحتين ولذا أظهره، وفي المعاني وفي الأعيان حالان أو قوله: في المعاني خبره يعني أنّ المكسور يكون فيما لا يدرك بالبصر بل بالبصيرة والمفتوج فيما يدرك به ولا يرد عليه قوله تعالى: {لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا} [سورة طه، الآية: 07 ا] أي في الأرض، مع أن عوجها يدرك بالبصر، ولذا ذهب ابن السكيت إلى أنّ المكسور أعم من المفتوج كما سيأتي تفصيله ثمة لأنّ عوج الأرض الواسعة لما كان يعرف بالمساحة كان مدركا بالبصيرة فلذا أطلق عليه. قوله: (مستقيماً) تفسير له بحسب اللغة، وقوله: معتدلاً لا إفراط فيه، ولا تفريط أي في الكتاب الموصوف به وفسره به ليغاير ما قبله إذ معناه لا خلل في لفظه ولا في معناه، وبعد كون معناه حقا صحيحا لا إفراط فيما اشتمل عليه من التكاليف حتى يشق على العباد ولا تفريط فيه بإهماله ما يحتاج إليه حتى يحتاج إلى كتاب آخر، كما قال: ما فرّطنا في الكتاب من شيء، ولذا كان آخر الكتب المنزل على خاتم الرسل عليه الصلاة والسلام وعدل عما في الكشاف من أنه توكيد فرب مستقيم مشهود له بالاستقامة ولا يخلو عن أدنى عوج عند السبر والتصفح لأنه مع كون التأسيس أولى أو رد عليه أنّ ما ذكره إنما يصحح ذكر النفي عقب الإثبات حتى يزيل ما يتوهم من بقاء شيء منه وأمّا على تفسيره فلا حاجة إلى ذكره دون العكس فكان عليه أن يقتصر على أنّ فائدته التوكيد، ودفع بأنّ فائدته أن لا يتوهم أن له عوجا ذاتيا لا بالجعل بأن تنفر عنه الطباع السليمة لصفة ذاتية، ورد بأنه حينئذ يكون تأسيسا لا توكيداً وقال بعض فضلاء العصر أنّ الإيراد ناشئ من عدم فهم المراد، فإن مراد العلامة أنّ نفي العوج وذكر الاستقامة والجمع بينهما وهما كالمترادفين كما يدلّ عليه كلامه عند التأمّل يفيد التاكيد لا أن أحدهما بعينه مفيد له وليس مراده أنّ نفي العوج يؤكد الاستقامة حتى يرد ما ذكر وليس بشيء لأنّ مراده أنّ نفي شيء ما من العوج هو المؤكد للاستقامة المزيل للتوهم فكان ينبغي تأخيره وانكاره مكابرة لكنه مدفوع بما ستراه إن شاء الله تعالى. قوله: (أو قيماً بمصالح العباد الخ (عطف على قوله: مستقيما وأعاد قيما ليظهر تعلق الجار والمجرور المقدر في النظم به، ولم يعده فيما بعده لظهوره، والقيام يتعدى بالباء كقولهم: فلان قيم بهذا الأمر وبعلى كما في قوله: أفمن هو قائم على كل نفس واليهما أشار المصنف في الوجهين ومعنى قيامه بمصالحهم تكفله بها وبيانها لهم لاشتماله على ما ينتظم به المعاس والمعاد فهو وصف له بأنه مكمل لهم بعد وصفه بأنه كامل في نفسه بقوله: ولم يجعل له عوجا على ما مرّ من تفسير. وقوله: أو على الكتب الخ فهو بمعنى شاهد بصحتها، والحاصل أنه ذكر لقيماً ثلاثة معان في الأوّل منها: ليس له متعلق مقدّر وعلى الأخيرين له متعلق مقدّر إمّا بالباء أو بعلى وهو على الكل تأسيس لا تأكيد كما مرّ. قوله: (ثقديره جعله قيماً) على أنه جملة مستأنفة ولم يقدره وجعله بالعطف على ما قبله كما
قيل لأنّ حذف حرف العطف مع المعطوف تكلف وقوله أو على الحال من الضمير في له هذا ما اختاره(6/71)
أبو البقاء وفيه وجوه أخر مفصلة في الدر المصون ولا يرد عليه ما في الكشف من أنه ركيك إذ المعنى حينئذ ولم يجعل له عوجاً حال كونه مستقيما بناء على ما فسره به المصنف رحمه الله، إذ محصله أنه صانه عن الخلل في اللفظ والمعنى حال كونه لا إفراط فيه ولا تفريط وقس عليه الوجهين الآخرين، نعم: ما في الكشف بناء على ما فسره الزمخشري فدفعه كما في الدر المصون أنه حال مؤكدة كما في قوله: وليتم مدبرين وتبعه بعض المتأخرين، فلا وجه لما قيل إنه لا حاجة إليه، وقد قيل عليه أيضا أن التأكيد يفيد أصل الصحة، وأمّا دفع الركاكة بالكلية فالإنصاف أنه لا يفيده إذ الذوق يشهد بأن قولك: {وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا} إسورة الكهف، الآية: ا] حالة كونه مستقيما ركيك والتأكيد لا يكسوه حسنا يليق بالبلاغة القرآنية، وفيه بحث. قوله: (على أنّ الواو في ولم يجعل للحال) يعني على تقدير كونه حالاً من الكتاب لما يلزمه من الفصل بين أبعاض المعطوف عليه بالمعطوف لأنّ الحال على هذا بمنزلة جزء منها، وقريب منه ما قيل إنه عطف على الصلة قبل تمامها وفي المغني أنّ قياس قول الفارسي في الخبر أنه لا يتعدد مختلفا بالإفراد والجملة أن يكون الحال كذلك فعلى هذا ينبغي أن الواو للاعتراض وهو غير وارد إذ ما ذكره الفارسيّ خلاف مذهب الجمهور مع أنه قياس مع الفارق، فلا يسمع وجعل الواو بعضاً منها لأنه قيد لها من متمماتها ولم يقل إبعاض! الصلة كما في الكشاف إشارة إلى عدم الاختصاص بها. قوله: (ولذلك قيل فيه تقديم وتأخير) من جعله في نية التأخير كالواحدي وابن عطية والطبريّ جعل قوله: ولم يجعل له عوجا اعتراضا لا حالاً كما يوهمه كلام المصنف رحمه الله وارتضاه في البحر، ورواه الطبرفي عن ابن عباس رضي الله عنهما، فإن قلت إذا كان هذا منقولاً عن ابن عباس وناهيك به جلالة ومعرفة بدقائق اللسان فما وجهه، قلت: ذكر السمين في غير هذه السورة أن ابن عباس حيث وقعت جملة معترضة في النظم بجعلها مقدمة من تأخير، ووجهه أنها وقعت بين لفظين مرتبطين فهي في قوّة الخروج من بينهما فلما كان قيما يفيد استقامة ذاتية أو تابعة لكونه صفة مشبهة أو صيغة مبالغة وما من شيء كذلك إلا وقد يتوهم فيه أدنى عوج ذكر قوله: ولم يجعل الخ للاحتراس وقدم للاهتمام كما في قوله:
ألا يا أسلمي يا دارميّ على البلى ولا زال منهلا بجرعائك القطر
فالدعاء لها بالسلامة من عيب الغيث أو لا أحسن من قوله:
فسقي ديارك غيرمفسدها صوب الحياء وديمة تهمي ...
كما أفاده العسكريّ من متقدّمي علماء البلاغة، فلا يرد قول الرأزي: ولم يجعل له عوجا يدل على كونه مكملاً في ذاته، وقوله: قيما يدل على كونه مكملاً لغيره فثبت بالبرهان العقلي أنّ الترتيب الصحيح كما ذكره الله تعالى، وان ما ذكروه من التقديم والتأخير فاسد يمتنع العقل
من الذهاب إليه. قوله: (وقرئ قيماً) أي بكسر القاف وفتح الياء المخففة وهي قراءة أبان بن تغلب وقد تقدم تفصيل الكلام فيها، وقوله: فحذف المفعول الأوّل اكتفاء بدلالة القرينة أي بمقابلته بالذين آمنوا، وأورد عليه أنّ مقابلته بالمؤمنين الصالحين يقتضي شموله للعصاة، لكن كون المراد من البأس الشديد العذاب الذي بلغ الغاية يقتضي تخصيصه بالكافرين وتبعه بعض المتأخرين لكنه قال: لا اقتضاء لما ذكر للتخصيص إذ كل عذاب دلّه شديد، وتعقبه بعضهم بأن المراد بالبأس الشديد العذاب البالغ إلى الغاية وهو مخصوصى جالكظ ر وهو مصادرة) وعندي) أنّ هذا من عدم الوقوف على مراده فإنه ليس في كلامه ما يدل على أنه أشد العذاب فالظاهر أن الث! يخين إنما اختارا هذا بناء على أن المهتم من نزول الكتاب هو الإنذار بعذاب الله بقطع النظر عن المنذر وأنه لتحقق عذابه وهلاكه ليس بشيء يذكر، ولذا قال: اقتصاراً دون اختصاراً وأن المراد بالقرينة التصريح بإنذار المشركين المنكرين للكتاب وانزاله كما صرّج به في الكشاف لا ما يقابلهم كما فهموه، فلا يكون تكرارا بل احتباكا بديعا، ولذا حسن عطفه فإن ذكرهم بعد الامتنان بإنزال القرآن يقتضي ذكر من آمن به ومن لم يؤمن تنصيصا وانّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات صفة مادحة لهم فتدبر. قوله:(6/72)
(صادرا من عنده (إشارة إلى أنه صفة وأن لدن بمعنى عند وان فرق بينهما، وقوله: إسكان الباء من سبع بالنصب على المصدرية أي كإسكان الباء المضمومة من سبع للتخفيف كما يسكن ما كان على فعل كذلك كعضد وهو مطرد. قوله: (مع الإشمام ليدل على أصله) أي مع إشمام الدال فقط ولذا أخره عن المثال فمن قال فيهما لم يصب، وهذا ما قرّره القراء لكن استشكله في الدر المصون وغيره بأنّ الإشمام وهو الإشارة إلى الحركة بضم الشفتين مع انفراج بينهما إنما يتحقق في الوقف على الآخر، كما قرّره النحاة وكونه في الوسط كما هنا لا يتصوّر، ولذا قيل: إنه يؤتى به هنا بعد الوقف على الهاء، ودفع الاعتراض! بأنه لا يدل حينئذ على حركة الدال بأنه متعين إذ ليس في الكلمة ما يصلح أن يشار إلى حركته غيرها ولا يخفى ما فيه والذي يحسم مادة الأشكال ما مر في سورة يوسف من أن الإشمام له معان أربعة: منها تضعيف الصوت بالحركة الفاصلة بين الحرفين فهو إخفاء لها، وقال الداني أنه هو المراد هنا، وهو الصواب وبه صرّج ابن جني في المحتسب، والعجب من المعرب أنه بعد ما نقله ثمة قال هنا ما قال، وهو مراد شراح الشاطبية كالجعبرفي وغيره، فمن قال إنها قراءة متواترة نقلها الجعبري وغيره فلا وجه لإنكارها لم يأت بشيء مع أن التحقيق أن الأداء غير متواتر وهذا مما لا مرية فيه، وبهذا علم ما في كلام المصنف رحمه الله فتدبر. قوله: (وكسر النون) بالجز معطوف على إسكان الدال وكذا ما بعده، والحاصل أنّ أبا بكر عن
عاصم قرأ بسكون الدال والإشمام كما مرّ تحقيقه، والباقون بضم الدال ويسكنون ويضمون الهاء على تواعدهم فيها فابن كثير يصلها بواو وغيره لا يصلها، ووجه قراءة أبي بكر أنه كسر النون لالتقاء شبه الساكنين. قوله: (هو الجنة) إنما فسره بها لقوله: ماكثين فيه ولوقوعه في مقابلة العذاب ولما فيها من ال! نعيم ااصقيم والثواب العظيم، ولكون ذكرها في قوّة ذكره اقتصر عليها ولذا قال النبيّ صلى الله عليه وسلم للإعرابيّ: حولها ندندن فلا- جة إلى ضمه لها كما أنه لا وجه لتفسيره به بناء على ما توهم من أنّ الإيمان يكفي في التبشير بها وقوله في الأجر أي الجنة. قوله: (خصهم بالذكر) الظاهر أن مراده أن ما ذكر عبارة عن مطلق الكفرة الذي قدر مفعولاً للأوّل بقرينة ما بعده من قوله: لعلك الخ لأنّ هؤلاء غير قائلين بالتبني، ووجه التخصيص استعظام كفر هؤلاء، وقيل المراد أنه ذكره مرّة أخرى متعلقا بالمثبتين للولد منهم لا على العموم كما في الأوّل فخصهم بالإندّار بعدما عممه للجميع استعظاماً لكفرهم لكونه تخصيصا بعد تعميم فتدبر. قوله: (أي بالولد الخ) ذكر وجوها في مرجع الضمير المجرور بالباء فالأوّل أنه راجع للولد وقدمه لظهوره ومعنى عدم علمهم به أنه محال ليس مما يعلم، والثاني أنه راجع إلى الاتخاذ الذي في ضمن الفعل كقوله: اعدلوا هو في نسخة بالواو وبدل أو فيكون مع ما قبله وجها واحدا وقوله بالقول المفهوم من قالوا أي ليس قولهم هذا ناشئا عن علم وتفكر ونظر فيما يجوز عليه تعالى وما يمتنع، وقوله: والمعنى أنهم يقولونه الخ ناظر إلى الأوّلين، وقوله: أو تقليد ناظر إلى الثالث، وفي بعض النسخ والمعنى لأنهم يقولونه الخ يعني أنّ مالهم به الخ في معنى التعليل، وعلى الأوّل هو في موضع الحال أي قالوه جاهلين بما ذكر أو باستحالته، وقوله: من غير علم بالمعنى الذي أرادوا به فإنهم كانوا يطلقون الأب والابن بمعنى المؤثر، والأثر وكان ذلك من لغتهم أو جائزاً في شرعهم، وقوله: أو بالله عطف على قوله: بالولد، وفوله: إذ لو علموا الخ تعليل للأخير أو للجميع، وقوله: لما جوّزوا الخ إشارة إلى استحالته وأنه المراد من نفي العلم لا الصورة الذهنية. قوله: (الذين تقوّلوه بمعنى التبني (أي الذين
افتروه مريدين به التبني أي اتخاذه الابن لا أوائلهم الذين عنوا المؤثر والإثر، والتقؤل في كلامه تفعل من القول ماض لا مضارع. قوله: (عظمت مقالتهم الخ (بيان لحاصل المعنى وقوله: لما الخ بيان لوجه عظمها والتشبيه لأنّ الولد يشبه أباه ماهية ونوعا والشريك لأنه لا بد من مشاركته في أكثر أمور أبيه، واحتياجه إلى الولد إعانة وخلفا ظاهر، وزاد فيه الإيهام لأنه ليس بلازم في الولد لذلك فكم من ولد لا يعين ولا يخلف، وغير ذلك كالجسمية والحدوث. قوله: (وكلمة نصب على التمييز) في الكشاف وفيه معنى التعجب كأنه تيل ما أكبرها كلمة(6/73)
والضمير في كبرت يرجع إلى قوله: {اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا} يعني كما بينه النحاة إن فعل موضوعا على الضم، كظرف أو محوّلاً إليه من فعل أو فعل يلحق بباب نعم وبئس في الأحكام كما هو مذهب الفارسيّ، وكثير من أهل العربية فيثبت له جميع أحكامه كسكون فاعله معرّفا بأل أو مضافا إلى معرف بها أو ضميراً يعود على نكرة هي تمييز وذهب الأخفش والمبرد إلى أنها ملحقة، بباب التعجب فلا يلزم ما ذكر، ويجوز أن يضمر فاعلها على وفق ما قبله فتقول زيد كرم وهند كرمت والزيدان كرما على ما فصله في الارتشاف والبحر، وعلى مذهب الأخفش والمبرد مشى الزمخشريّ كما ينادى عليه تصريحه بمعنى التعجب، وجعل الفاعل ضمير ما قبله فاعتراض الثارح العلامة عليه بأنه لا يتحقق حينثذ فيه الإيهام حتى يكون كلمة تمييزا، وجوابه بأنّ المراد بمرجع الضمير مآله وهو المخصوص بالذمّ وجواب بعض الأفاضل بعدم تسليم عدم الإبهام مستنداً باحتمال أن لا يكون كبرها من حيث إنها كلمة تخرج من أفواههم، لا وجه له لما عرفت ومن لم يتنبه لما فيه قال إنّ هذا الجواب هو الصمواب لكنه ليس من نتائج طبعه بل مأخوذ من كلام الواحدفي، ولا يجوز حمل قول المصنف رحمه الله عظمت مقالتهم على أنه يريد أن الضمير في قوله: كبرت لقولهم: اتخذ الله ولداً بتأويل المقالة ليرجع إلى ما في الكشاف فير-ت القيل والقال ويكون الفرق بين كلاميهما أن عظمها ملزوم الكفر لها عند المصنف، ومن جهة اجترائهم على إخراج تلك الكلمة من أفواههم عند الزمخشري، ومن حيث إنّ قوله تخرج الخ فائدة أو لا بد منه في تمام التمييز كما قيل لآنه لا يصح مع قوله إنه من باب نعم وبئس فإنه مذهب آخر وهو الفارق كما سمعته إلا أن يكون من جملة الممزض وهذا مبنيّ على الفرق بينهما. قوله: (صفة لها الخ (أي للكلمة مفيد استعظام اجترائهم على إخراجها من أفواههم لأنّ المعنى كبر خروجها أي عظمت بشاعته وقباحته بمجرّد التفوّه فما بالك باعتقاده ولا ضير في وصف التمييز في باب نعم وبض.
تنبيه: في الارتشاف أنّ فعل المحوّل ذهب الفارسيّ، وأكثر النحويين إلى إلحاقه بباب
نعم وبئس فقط وإجراء أحكامهما عليه وذهب الأخفش والمبرد إلى إلحاقه بباب التعجب، وحكى الأخفش الاستعمالين عن العرب ويجوز فيه ضم العين وتسكينها ونقل حركتها إلى الفاء
اهـ، وظاهره تغاير المذهبين، وفي التسهيل أنه من باب نعم وبئس وفيه معنى التعجب، وهو يقتضي أنه لا تغاير بينهما واليه يميل كلام الشيخين، وقوله: والخارج بالذات هو الهواء، قيل إنه رد على النظام في تمسكه بهذه الآية على أن الكلام جسم لوصفه بالخروج الذي هو من خواص الأجسام، وحاصله أن الخارج حقيقة هو الهواء الحامل له واسناده إلى الكلام الذي هو كيفية مجاز وفيه أن القائل بأنه جسم يقول: هو الهواء المتكيف لا الكيفية فاستدلاله بناء على أنّ الأصل هو الحقيقة والخلاف لفظيئ لا ثمرة له، وفي نسخة بعد قوله: بالرفع على الفاعلية والأوّل أبلغ وأدل فيكون أوقع في النفس يعني لما اشتمل عليه من التفسير بعد الإبهام والنفس لمثله أشوق ولما فيه من الإجمال والتفصيل يكون أبلغ دلالة وأوكد كذا قيل: وأورد بعض فضلاء العصر أنه إيضاح لا تفصيل لأنّ الكلمة عين الضمير وهو على طرف الثمام لأن الكلمة بمعنى الكلام السابق تفصيله مع أنه لا ضير في جعل التفصيل بمعنى التفسير والتعيين. قوله: (وقيل صفة محذوف هو المخصوص بالذم (المعروف حاله في النحو، والأوّل تمييز وكبرت بمعنى بئست، وإنما مرضه لأنه خلاف الظاهر وقوله: بالسكون أي سكون الباء وكون الإشمام في وسط الكلمة مرّ معناه وما فيه، وقوله: إلا كذبا أي قولاً كذبا. قيل: إنه يبطل القول بأن الكذب ما لا يطابق الاعتقاد. قوله تعالى: ( {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ} (لعل للترجي وهو الطمع في الوقوع أو الإشفاق منه وهي هنا استعارة أي وصلت إلى حالة يتوقع منك الناس ذلك لما يشاهد من تأسفك على عدم إيمانهم، وباخع فسر بقاتل واختاره لأنه التفسير المروي عن قتادة كما في شرح البخاري ومهلك نفسه غما وهو من بخع الأرض أي ضعفها بالزراعة، فأصله مضعفها حتى يهلكها وسيأتي قول المصنف في الشعراء تبعا للزمخشري أنّ معناه أن يبلغ الذبح البخاع بالباء وهو عرق مستبطن(6/74)
الفقار وقد رذه ابن الأثير في النهاية وغيره بأنه لم يوجد في شيء من كتب اللغة والشرع لكن الزمخشري ثقة واسع الاطلاع وسيأتي الكلام عليه إن شاء الله تعالى، وقوله إذا ولوا عن الإيمان فسره به لأن الأثر إنما يكون بعد التولي والذهاب لكنه هنا ذهاب معنوي لا حقيقي بجعل من لم يتبع كالغائب وليس هذا لأجل التعدية كما توهم.
قوله: (شبهه لما يداخله من الوجد (أي الحزن على فوت ما يحب يعني أن قوله: {بَاخِعٌ نَّفْسَكَ} على آثارهم فيه إشارة إلى أن فيه استعارة تمثيلية بتشبيه حاله معهم وقد تولوا وهو أسف من عدم هدايتهم بحال من فارقته أحبته فهتم بقتل نفسه أو كاد يهلك وجداً فقوله: لما يداخله الخ داخل في المشبه وليس المشبه هو فقط كما توهمه العبارة حتى ينافي التمثيل، وقيل
إن كلامه يحتمل أن يكون إشارة إلى وجه آخر غير المذكور في الكشاف وهو أن لا تكون تمثيلية بلى تشبيهاً لذكر طرفيه وهما النبيّ صلى الله عليه وسلم وباخع وتقديره كباخع نفسك بأن يشبه لشدة تهالكه على الأمر بمن يريد قتل نفسه لفوت أمر وله وجه إلا أنه خلاف الظاهر، وقوله: بمن فارقته الخ يشير إلى أن توقع البخع لعدم إيمانهم في الماضي، وقوله: بهذا القرآن قيل إنه يدل على حدوثه ولو سلم فلا بأس به لأن الألفاظ حادثة عند المصنف، وقوله: للتأسف الخ، يشير إلى أنّ نصبه إما على أنه مفعول لأجله أو حال بتأويله بمتأسفا لأن الأصل في الحال الاشتقاق وقد جوّز فيه أن ينتصب على أنه مصدر فعل مقدر أي تأسف أسفا. قوله: (والأسف فرط الحزن والغضب (قيل إنهم فرقوا بين الأسف والغضب بأنّ الأسف الحزن لفعل يخالفه مع عدم القدرة على الانتقام والغضب ممن يقدر عليه، قال ابن عطية وهو مطرد في استعمال العرب وأورد عليه أنه مخالف لقوله تعالى: {وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا} [سورة الأعراف، الآية: 50 ا] إذ جمع بينهما في شيء واحد فلا يقتضي تخالف معناهما، ودفع بأن كلا منهما بالنسبة إلى بعض من القوم، كهارون وغيره (قلت (ما ذكره المعترض! والمجيب غير مسلم أمّا الأوّل فلأنّ كتب اللغة لا تساعده، وأما الثاني فلأنه لا مجال له في قوله تعالى: {فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ} [سورة الزخرف، الآية: 55، وقد قال الإمام الراغب وهو قدوة المصنف في اللغة الأسف الحزن والغضب معاً وقد يقال لكل منهما على الانفراد، وحقيقته ثوران دم القلب شهوة الانتقام فمتى كان ذلك على من هو دونه انتشر فصار غضباً ومتى كان على من فوقه انقبض فصار حزنا ولذلك سئل ابن عباس رضي الله عنهما عن الحزن والغضب فقال مخرجهما واحد واللفظ مختلف اهـ، فقوله: والغضب بالجرّ عطف على الحزن لا مرفوعا عطفا على فرط كما توهم وليس مشتركا حتى يكون من استعمال المشترك في معنييه فلا يغرّنك ما وقع لبعضهم هنا من التطويل بغير طائل، والقراءة المشهورة بأن الشرطية والقراءة بأن المفتوحة المصدرية على تقدير الجار كما ذكره المصنف. قوله: (فلا يجوز إعمال باخع الخ (يعني أنه اسم فاعل وعمله مشروط بكونه للحال أو الاستقبال ولا يعمل وهو للمضي وإن الشرطية تقلب الماضي بواسطة لم وغيره إلى الاستقبال بخلاف أن المصدرية فإنها تدخل على الماضي الباقي على مضيه كما هو مقرّر عندهم، ورد بأنه لا يلزم من مضيئ ما كان عليه الشيء مضيه فكم من حزن مستقبل على أمر ماض سواء استمر أو لا فإذا استمر فهو أولى لأنه أشد نكاية فلا حاجة إلى حمله على حكاية الحال وأما توجيه صاحب الكشف له بأنه إذا كان علة البخع عدم الإيمان فإن كانت العلة مضت فالمعلول كذلك وإن كانت بعد فهو مثلها وفي العدول عن المضيّ إلى الحال دلالة على استحضارها واستمرارها اهـ، فغير مسلم لأنّ هذه ليست علة تامّة حقيقة حتى يلزم ما ذكر، وإنما هي منشأ وباعث فلا يضر تقدمها وكذا اذعاء أنه تفوت الفبالغة حينئذ في وجده على
توليهم لعدم كون البخع عقبه بل بعده بمدة بخلاف ما إذا كان للحكاية فإنه لا وجه له بل المبالغة في هذا أقوى لأنه إذا صدر منه لأمر مضى فكيف لو استمرّ أو تجدد فتدبر. قوله: (زينة لها ولأهلها (ليس المراد تقدير انمضاف بل بيان لأن زينة الأرض شامل لزينة أهلها ودال عليهم بقرينة ضمير لنبلوهم والأمان صلة زينة وليست ثانية تعليلية، وقوله: في تعاطيه أي تناوله وضمير لما عليها. قوله: (وهو (أي الأحسن عملا من زهد وقنع منه بزاد المسافر وبعده(6/75)
مرتبتان حسن وهو من استكثر من حلاله وصرفه في وجوهه وتبيح وهو من احتطب حلاله وحرامه وأنفقه في شهواته فلا وجه لما قيل إنّ ما ذكره يفيد الحصر ولا لما قيل إنّ الأحسن هنا بمعنى الحسن فإنه من قلة التدبر، وقوله: يزجي به أيامه أي يسوقها والمراد يقطعها به كما قيل:
درّج الأيام تندرج
قوله: (وهو تسكين لرسول الله صلى الله عليه وسلم) وفي نسخة وفيه تسكين أي تسكين لأسفه وحزنه بأنه مختبر لأعمال العباد مجازيهم عليها فكأنه قيل له صلى الله عليه وسلم لا تحزن فإنه منتقم لك لا أنه بمعنى ما عليك إلا البلاغ فإنه غير مناسب هنا. قوله: (تزهيد فيه (التزهيد في الشيء وعنه ضد الترغيب وضمير فيه لما على الأرض، وقوله: والجرز الخ، قطع النبات بإفنائه وأكله وغير ذلك، وقوله: لنعيد الإعادة ليست من منطوقه: بل هو في الواقع كذلك لأنه خلق من تراب ثم عاد إلى أصله وليس فيه مقدمة مطوية كما توهم، وقوله: مستويا بيان للمراد من قوله: جرزا هنا وأن المراد أنه إذا عاد ما عليها ترابا واقعا فيها تساوى به سطحها، وصارت كأنها من بدئها كانت صعيداً أملس لا شيء فيه يختلف ربا ووهاداً. قوله: (بل أحسبت) يشير إلى أن أم هنا منقطعة مقدرة ببل الإضرابية الانتقالية لا الإبطالية، والهمزة الاستفهامية وقد يقدر بدونها كما فصل في غير هذا المحل، وأنّ أصحاب الخ ساذ مسد مفعولي حسبت وقوله: في إبقاء حياتهم أي المراد بهذا شأنهم المذكور، وقوله: متخالفة أي متداولة ومتعاقبة باختلاف السنين والأعوام والليالي والأيام، وقصتهم الخ بيان لارتباط هذه القصة بما قبلها وهو مبتدأ خبره ليس بعجيب والواو للحال وبالإضافة متعلق بعجيب مقدم من تأخير ومن الأجناس بيان لما والأنواع معطوف عليه والفائتة صفة لهما، وعلى طبائع متعلق بخلق وكذا من مادة، وردها بالجرّ عطف على
أو لوح رصاصيّ أو حجري رقمت فيه أسماؤهم وجعلت على باب الكهف وقيل: أصحاب الرقيم قوم آخرون، كانوا ثلاثة خرجوا يرتادون لأهلهم فأخذتهم السماء فأووا إلى الكهف فانحطت صخرة وسدت بابه فقال أحدهم: اذكروا أيكم عمل حسنة لعل الله يرحمنا ببركته فقال أحدهم: استعملت أجراء ذات يوم فجاء رجل وسط النهار وعمل في بقيته مثل عملهم فأعطيته مثل أجرهم فغضب أحدهم وترك أجره فوضعته في جانب البيت، ثم مرّ بي بقر فاشتريت به فصيلا فبلغت ما شاء الله فرجع إليّ بعد حين شيخاً ضعيفا لا أعرفه، وقال إنّ لي عندك حقاً وذكره لي حتى عرفته فدفعتها إليه جميعاً اللهم إن كنت فعلت ذلك لوجهك فافرج عنا فانصدع الجبل حتى رأوا الضوء وقال آخر: كان فيّ فضل وأصابت الناس شدة فجاءتني امرأة فطلبت مني معروفاً فقلت: والله ما هو دون نفسك فأبت وعادت ثم رجعت ثلاثا ثم ذكرت لزوجها فقال: أجيبي له وأغيثي عيالك فأتت وسلصت إليئ نفسها
خلق وضميرها للأجناس والأنواع أو لما لأنها عبارة عنها وضمير إليها للماذة أي خلقها من مادّة وهي التراب ثم ردّها لأصلها، كما مرّ، وقوله: ليس بعجيب إشارة إلى أنّ الاستفهام المقدر إنكاريّ في معنى النفي، وقوله: مع أنه أي ما ذكر من خلق ما على الأرض وما بعده، وقوله: من آيات الله أي دلائك قدرته وألوهيته وهو بيان للنزر الحقير مقدم عليه للاهتمام به، والنزر بالزاي المعجمة بمعنى القليل فما ذكر قليل حقير بالنسبة للقدرة الإلهية وإن كان عظيما بالنسبة لهذه القصة فكيف يتعجب منه لأمنها ولكن الإنسان من شأنه العجب مما لم يعرفه. قوله: (والكهف النار الواسع) فالغار أعم لا مخصوص بغير الواسع كما توهم وذكر للرقيم معاني منها الكلب، ولغرابته أثبته بشعر أمية بن أبي الصلت. قوله: (أمية بن أبي الصلت) هو شاعر جاهليّ، وكان تزهد في الجاهلية وترك عبادة الأصنام، والبيت صريح في أن المراد الكلب لأنه الذي كان عند الوصيد أي باب الغار، ووصيد همو منصوب مفعول مجاورا وهو مضاف إلى ضمير الجماعة لكن ميمه ضمت ووصل بها الواو وهي لغة فيه وبها قرئ في القرآن، والمراد من القوم أهل الكهف وهجد جمع هاجد كرإقد لفظا ومعنى وفي نسخة همد بمعنى وقوع أو بمعنى موتي على التشبيه وا أصبيت يدلّ على أن قصة أهل الكهف كانت معلومة للعرب وان لم يكن ذلك على وجهها كما في الكشف وقوله: رقمت فيه أسماؤهم قيل: وأنسابهم ودينهم وهو إشارة إلى أنه عربيّ، وفعيل بمعنى مفعول، وقوله: جعلت أنث اللوح باعتبار أنه صحيفة. قوله: (وقيل أصحاب الرقيم قوم آخرون (غير أصحاب الكهف ومرضه لبعده عن السياق، والرقيم على هذا بمعنى الجبل أو محل فيه كما مرّ، وقيل إنه بمعنى الصخرة
ويكون غير مقصود بالذات هنا لكنه ذكر تلميحا إلى قصتهم واشارة إلى أنه لا يضيع عمل أحد خيراً أو شرّا وهذه القصة مذكورة في الصحيحين وأنها وقعت في زمن بني إسرائيل مع اختلاف في بعض ألفاظها، وقوله: يرتادون لأهلهم- بالراء والدال المهملتين أي يطلبون معاشهم، وقوله: فاخذتهم السماء أي أدركهم مطر شديد والكهف هنا بمعنى الغار وانحطت بمعنى وقعت، وقوله: اذكروا الخ المراد بالحسنة الأمر الحسن الذي يثاب عليه ليجازوا بإحسان من الله في مقابلته، وإجراء بالمد جمع أجير بمعنى مستأجر للعمل، وذات يوم بمعنى يوماً كما بين في اللغة والنحو، وقوله: مثل عملهم أي مقداره وغضب(6/76)
أحدهم لظنه أنه زاد في أجره وأنه لم يعمل كعملهم لمجيئه بعدهم، والفصيل في الأصل ولد الناقة الصغير سمي به لانفصاله عن أف والمراد به هنا ولد البقرة مجازاً، وقوله: فبلغت ما شاء الله أي حصل منها نتاج كثير ولم يعينه، لأنه لا يتعلق به غرض هنا، وقوله: بعد حين أي زمان طويل، وقوله: لا أعرفه لتغيره بالشيخوخة، وذكره بالتخفيف أي ذكر حقه وقيل: إنه بالتشديد فهو التفات، وقوله: لوجهك أي مخلصا لله وقوله: فأفرج، كأخرج أي فرج عنا وافتح لنا وانصدع بمعنى انفتح بتزحزح الصخرة عن مكانها، وقوله: فضل أي زيادة في الرزق والمال، والشدة هنا بمعنى القحط والمراد بالناس غيره أو ما يشمله، ومعروفا بمعنى عطاء، وما هو أي إعطاء ما طلبته دون نفسك، أي لا يكون بدون تمكينك من نفسك بالجماع، وقوله: أجيبي له من الجواب أي ساعديه على ما أراد وأغيثي من الغوث أو العون، وقوله: فتركتها أي تركت مباشرتها، وقوله: أن فعلته أي إن كنت فعلته لمضيه، وقوله: تعارفوا أي عرف بعضهم بعضاً لغلبة الضياء، وقوله: همان تثنية همّ بكسر الهاء وتشديد الميم أي مسنان، وقوله: فحبسني ذات يوم غيث أي منعني من المجيء إليهما مطر وفي نسخة الكلأ، وهو النبت أي طلبه، والمحلب بكسر الميم وعاء يحلب فيه اللبن، وقوله: أيقظهما الصبح من المجاز في الإسناد، وقوله: ففرج الله بالتخفيف والتشديد، وقوله: رفع ذلك الخ أي رواه بسند متصل إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فهو من الحديث المرفوع وهو معروف. قوله تعالى: ( {إِذْ أَوَى} الخ) إذ منتصب بعجبا أو بكانوا أو باذكر
مقدر إلا بحسبت، لأنّ حسبانه لم يكن في ذلك الوقت، وقوله: أرادهم دقيانوس هو اسم الملك، وقوله: على الشرك علقه بأراد لتضمنه معنى الحمل وقيل: إن فيه مضافاً مقدراً أي أراد إهلاكهم. قوله: (توجب لنا المغفرة والرزق (فسرها في الكشاف بنفس ما ذكر لأنه يسمى رحمة وال! صنف جعلها أمرا مقتضيا له بفضله لا بالوجوب بمعناه الظاهر منه وهو معنى قوله: من لدنك ولكل وجهة وخص الرزق لبعدهم عن أسبابه بالاعتزال عن الناس وأما ذكر الأمن فهو ظاهر. قوله: (من الأمر الذي نحن عليه الخ (تفسير للأمر واحد الأمور، وبيان لأنّ إضافته اختصاصية ومن ابتدائية أو للأجل، ومفارقة الكفار إما على ظاهرها أو مخالفتهم لهم قيل: وهو الظاهر الذي صاروا به مهتدين، وقوله: نصير بسببه راشدين السببية مستفادة من من لأنها إن كانت ابتدائية فهي منشؤه وإن كانت للأجل فهو ظاهر. قوله: (أو اجعل أمرنا كله رشداً) فمن على هذا تجريدية واختلف فيها هل هي بيانية أو ابتدائية كما مرّ تفصيله والتجريد أن ينتزع من أمر ذي صفة آخر مثله مبالغة كأنه بلغ إلى مرتبة من الكمال حتى يمكن أن يؤخذ منه آخر وهو مفصل في علم البديع، وقوله: وأصل التهيئة إحداث هيئة الشيء وهي الحالة التي يكون عليها الشيء محسوسة أو معقولة ثم استعمل في إحضار الشيء وتيسيره. قوله: (أي ضربنا عليها حجاباً يمنع السماع (فمفعوله محذوف وهو حجابا وهو مستعار استعارة تبعية لمعتى أنمناهم إنامة لا ينتبه منها بالصياج لأنّ النائم ينتبه من جهة سمعه، وهو إمّا من ضربت القفل على الباب أو ضربت الخباء على ساكنه شبه لاستغراقه في نومه حتى لا ينتبه باستماع النداء بمن كان خلف حجب مانعة من وصول الأصوات إليه، وقيل: إنه استعارة تمثيلية، وقيل إنه كناية كما في المثال، وقيل: إنه سهو لأن البناء على المرأة أثر الدخول عليها بخلاف ضرب الحجاب على الآذان فإنه ليس من أثر الأنامة أي لا تلازم بينهما فإنه يضرب الحجاب على من لم ينم وينام من لا حجاب عليه، ويدفع بأن بينهما تلازعا بواسطة وهو أنه يلزم من ضرب الحجاب عدم السماع ومنه النوم، ومن ظنه اعتراضا على عدم جعل هذا المثال منها دفعه بأن الدخول عليها بعد البناء مع أن الكناية ليس من لوازمها الانتقال من اللازم إلى الملزوم وليس بشيء، وقولهم: بنى على امرأته أصله بنى قبة أو بيتا فحذف مفعوله وجعل كناية عن الدخول ومما مر علم وجه تخصيص الآذان. قوله: (ظرفان لضربنا (ولا مانع منه خصوصاً إذا تغايرا بالمكانية والزمانية،
وقوله: ذوات عدد إشارة إلى أنه مصدر وصف به بالتأويل المعروف للمبالغة بحسب الظاهر، وقيل: إنه صفة بمعنى معدود، وقيلى: إنه مصدر(6/77)
فعل مقدر أي يعد عددا، وقوله: يحتمل التكثير والتقليل إشارة إلى ما فصله أهل اللغة كالراغب وصاحب المحكم من أنّ العدد قد يراد به التكثير لأنّ القليل لا يحتاج إلى العدد غالبا كما في قوله: لن تمسنا النار إلا أياما معدودة أي قليلة وقد يذكر للتقليل في مقابلة ما لا يحصى كثرة، كما يقال: بغير حساب ولما كانت الكثرة في أوقات السنين وأيامها ظاهرة قدمه، ولم يبينه وبين القلة بقوله: فإنّ مدة الخ يعني أن القلة بالنسبة إلى ما عند الله فلا منافاة بين كلامه وما مرّ منه في سورة البقرة ويوسف، فإن القلة والكثرة من الأمور الإضافية فتفسر في كل مقام بما يناسبه. قوله: (أيقظناهم (سيأتي تحقيق معنى البعث في سورة يس، وقوله: ليتعلق علمنا الخ دفع به ما قيل: كيف يكون علمه تعالى بما ذكر غاية لبعثهم ولم يزل عالماً به لقدم علمه، وأيضاً حدوثه يوجب جهلا سابقا تعالى الله عنه وحاصله أنّ الحادث هو تعلق علمه لحدوث متعلقه، وهو وقوع الإحصاء بالفعل وله تعلق آخر قديم، وهو بأنه سيقع قبل وقوعه فاستمرّ علمه بتعلقين على وجهين ولا يلزم منه محذور لكنه أورد عليه إن جعل التعلق الحالي غرضاً لبعثهم وأنه أمر عظيم لا وجه له، فالوجه ما في الكشاف من أنّ المقصود ليس كذلك بل ظهور أمرهم ليزدادوا إيماناً فيكون لطفا بمؤمني زمانهم، وآية بينة لكفاره وليس هذا بشيء فإنّ مراد المصنف دفع ما يتوهم من أن صيغة الفعل المستقبل تدلّ على التجذد والحدوث وعلم الله قديم وأمّا كون علمه يتعلق بكل شيء بعد حدوثه فما الفائدة في ذكره وجعله غاية لبعثهم، فاً مر مسكوت عنه والطريقة المسلوكة في ذكر علم الله بالأشياء حيث وقع في القرآن أن يجعل كناية عن بعض ذكر لوازمه المناسبة لموقعه، فقد يجعل كناية عن المجازاة كما في قوله: (وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه) أي لنجازي المتبع بالثواب والمنقلب بالعقاب، وهنا جعل كناية عن ظهور أمرهم لتطمئن بازدياد الإيمان قلوب المؤمنين وتنقطع حجة المنكرين كما بينه الزمخشري ولو صرّح به المصنف لكان أحسن ولكنه تركه اعتمادا على ما فصله في سورة البقرة ليعلم بالمقايسة عليه وكثيرا ما يفعله، وإنما علق العلم بالاختلاف في أمده لأنه ادعى لإظهاره وأتوى لانتشاره، وأمّا من لم يرتض هذا وقال: إنه محمول على التمثيل المبنيّ على جعل العلم عبارة عن الاختبار مجازاً بطريق إطلاق اسم المسبب على السبب وليس من ضرورة الاختبار صدور الفعل المختبر به عن المخبر قطعاً بل قد يكون لإظهار عجزه عنه على سنن التكاليف العجزية، كقوله: فأت بها من المغرب فالمراد هنا بعثناهم لنعاملهم معاملة مختبرهم فمع تكلفه، وقلة جدواه غير مستقيم لأن الاختبار الحقيقي لا يصدر ممن أحاط علمه بكل شيء فحيث وقع جعلوه مجازا عن العلم أو ما ترتب عليه فلزمه بالآخرة الرجوع إلى ما أنكره وما أقرب ما ينسى ما قدمت يداه في تفسير قوله: لنبلوهم، والعجب من بعض المتصلفين أنه ظنه
معنى دقيقا ومسلكاً أنيقاً ولولا خوف الإطالة لذكرناه ولكن البعرة تدل على البعير، وقوله: منهم أي من أصحاب الكهف، وقوله: أو من غيرهم إشارة إلى أنّ المختلفين هم ملوك تلك الديار وحواشيهم. قوله: (ضبط الخ (إشارة إلى أن أحصى فعل ماض! بمعنى ضبطه بالعذ، وفيه تنبيه على إعرابه الآتي وأن ما مصدرية وجعل المصدر للحين، وعلق بصيغة المعلوم فاعله ضمير ما، وقوله: حال من أي من أمدا النكرة وجاز لتقدمه وقوله: أو مفعول له فاللام للتعليل لازمة لكونه غير مصدر صريح وغير مقارن أيضا وما مصدرية غير وقتية. قوله: (وقيل الخ (مرضه لأنّ اللام لا تزاد في مثله وما موصولة بمعنى الوقت والعائد محذوف أي فيه وجوّز فيها على هذا المصدرية وهو بعيد. قوله: (وأمدا تمييز (على هذا قال الراغب: الأمد مدة لها حذ، والفرق بينه وبين الزمان أن الأمد يقال: باعتبار الغاية بخلاف الزمان يلاحظ فيه دخول الغاية لا أنه اسم للغاية حتى يكون إطلاقه على المدة مجازاً، كما أطلقت الغاية عليها في قولهم: ابتداء الغاية وانتهاؤها كما قيل: والتمييز هنا للنسبة مفسر لما في نسبة المفعول من الإبهام محؤل عن المفعول وأصله أحصى أمد الزمان الذي لبثوا فيه لأنه يشترط فيه أن يكون محوّلاً عن الفاعل(6/78)
كتسبب زيد عرقا أو عن المفعول كفجرنا الأرض عيونا أي فجرنا عيونها على ما حقق في شرح التسهيل وغيره من المعتمدات، وليس مميزاً لما إذ لو كان كذلك كان تمييز لمفرد ولم يقل أحد باشتراط التحويل فيه وأما كون التحويل عن الفاعل دائما فلم يقولوا به وما توهمه لا عبرة به، وفي كلام بعضهم هنا ما يشبه الخبط فتنبه له. قوله: (من الإحصاء بحذف الزوائد الخ (اختلف في أفعل التفضيل والتعجب هل يبنى من الأفعال أم لا فجوّزه سيبويه مطلقاً وفصل فيه ابن عصفور، ومنعه الجمهور قياساً، وحذف الزوائد ليمكن بناؤه منه، وأحصى أي أكثر جمعا له وظاهر كلام المصنف إنه مسموع وقد صزج ابن عصفور بخلافه، وأفلس من ابن المذلق بالذال معجمة ومهملة وهو رجل من بني عبد شمس لم يملك هو ولا آباؤه قوتا فضرب بهم المثل في الإفلاس يقال: أفلس من المذلق ومن ابن المذلق، وقوله: وأمدا نصب بفعل دل عليه أحصى، لا به لأنه لا ينصبه إلا على قول ضعيف استدل له بالشعر المذكور، وقد أشار المصنف رحمه الله إلى أنه مؤوّل بما ذكر لا ضرورة كما قيل: وضعفه لأنه لا حاجة إلى مخالفة المعروف في اللغة والعدول عن الفعل ثم تقديره كما أشار إليه الزمخشري، وأمّا كونه منصوبا بلبثوا فغير ظاهر وقد قال في الكشف أنه غير سديد لأنّ الضبط لمدة اللبث واً مده لا للبث في الأمد وفيه بحث، وقيل إنه منصوب على التمييز، وفيه كلام طويل الذيل في الكشف وغيره لا بأس بتركه
لعدم تعرّض! المصنف له. قوله: (وأضرب الخ (هو من شعر لعباس بن مرداس السلمي وقد أغار على بني زيد مع قومه، فتقاتلوا وهو من قصيدة وقبله:
فلم أرمثل الحيّ حيامصبحما ولامثلنا لما التقينافوارسا ...
أكرّ وأحمى للحقيقة ص! وأضرب منا بالسيوف القوانسا ...
وهو من الكلام المنصف، والقوانس جمع قونس وهو أعلى بيضة الحديد، وقيل أعلى الرأس، وقوله: بالحق أي ملتبسا به وفسره بالصدق لأنه أحد معانيه وهو المناسب هنا. قوله: (جمع فتتي كصبتي (وأصله فتوى أعل بإعلاله المعروف وهو بمعنى صغير السن كفتى أيضا ولم يجعلوه جمعاً له مع شهرته كما في شرح توضيح ابن هشام أنه جمع له كولد وولدة لكثرته في مثله: كصبيّ وصبية وخصيئ وخصية وما ذكر من أنه أنسب بالمقام دعوى من غير دليل فتأمل، وفي قوله: بربهم بعد نحن التفات وكذا في زدناهم لا ربطنا والإيمان به توحيده وهو ظاهر، وقوله: بالتثبت على الإيمان فهي زيادة في الكيفية ولو حمل على زيادة الكمية كان له وجه. قوله: (وقيناها بالصبر الخ) هو مجاز من الربط بمعنى الشد المعروف كما في الأساس أي استعارة منه، كما يقال رابط الجأش، لأن القلق والخوف ينزعج به القلب من محله كما قال تعالى: {بَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ} [سورة الأحزاب، الآية: 110 فشبه القلب المطمئن لأمر بالحيوان المربوط في محل، وعدى ربط بعلى وهو متعد بنفسه لتنزيله منزلة اللازم كقوله: تجرج في عراقيبها نصلي
ودقيانوس بكسر الدال اسم ملك، وضمير بين يديه راجع له وإذ متعلقة بربطنا. قوله:
(والله لقد (يشير إلى أن في الكلام قسماً مقدراً وتقديره لدلالة الكلام عليه، وقوله: إذا دال على شرط مقدر تقديره أن دعونا غيركم والله لقد الخ وفيه دلالة على أنهم لما قاموا بين يديه دعاهم لعبادة الأصنام ولا مهم على تركها، وقوله: قولاً ذا شطط إشارة إلى أنه صفة مصدر للفعل المذكور حذف وأقيمت مقامه والوصف بالمصدر مؤؤل بتقدير المضاف المذكور، ويجوز إبقاؤه على ظاهره للمبالغة، وقوله: ذا بعد تفسير له، لأنه من شط بمعنى بعد وقوله مفرط من الإفراط مجرور صفة لبعد وتفسير له للإشارة إلى أنه ليس ببعد حقيقي والظلم محمول على ظاهره أو بمعنى الكفر، وقوله: عطف بيان أي عطف بيان لهؤلاء المجترئة لتحقيرهم لا خبر
لعدم إفادته ولا صفة لعدم شرطها، واتخذوا إفا بمعنى عملوا أو نحتوا آلهة لهم فيفيد أنهم عبدوها ولا حاجة إلى تقديره بناء على أن مجرد العمل غير كاف في المقصود، أو بمعنى صيروا وأحد مفعوليه محذوف أو من دونه هو الثاني فتأمل. قوله: (وهو إخبار في معنى إنكار (بقرينة ما بعده ولأنّ فائدة الخبر هنا معلومة(6/79)
وقوله: هلا إشارة إلى أن لولا هنا للتحضيض على وجه الإنكار، وعليهم بتقدير مضاف أي على عبادتهم أو اتخاذهم لها آلهة، قيل: وهو أنمسب مما ذكره المصنف لأنّ إقامة الدليل على نفس العبادة غير مناسب وفيه نظر.
قوله: (وفيه دليل على أنّ ما لا دليل عليه من الديانات الخ (المراد بالديانات أما الأمور الاعتقادية المتعلقة بالدين ولا قدج في إيمان المقلد تبعا لمن قال: بعدم صحته لوجود الدليل على ما قلد فيه كما يشعر به كلامه، ويجوز أن يراد بها ما يشمل الأصول والفروع لأن قول من قلده دليل له، فتأمل. قوله: (ومن أظلم (أي لا مساوي له في الظلم والكفر وخطاب بعضهم لبعض للأمر المذكور لأنه ليس من غيرهم وإن احتمله، وقوله: عطف أي لما الموصولة آو المصدرية على مفعول اعتزل، وهو ضحمير القوم وقوله: فإنهم الخ إشارة إلى أن الاستثناء متصل لا منقطع بناء على تخصيصهم العبارة بغير الله كما يشعر به قوله: من دون الله لتأويله، وقد جوّزه في الكشات وعلى المصدرية يقدر فيه مضاف ليكون من جنس المستثنى منه، واً قا تقدير المستثنى منه أي عبادتهم لمعبوديهم ونحوه فتكلف. قوله: (وأن تكون (أي ما نافية والجملة عليه معترضة والاستثناء مفرغ، وقوله: بالتوحيد لأنهم إذا خصوه بالعبادة المستحقة للإله فقد وحدوه بالألوهية، وقيل: إنما قاله لأن تخصيص عبادتهم بالته لا تحقق اعتزالهم عن معتقدات القوم وفيه ما فيه وفي بعض النسخ على أن يكون إخباراً من الله فرفع قوله: معترض ملى أنه خبر مبتدأ محذوف، والنسخة الأخرى أصح، وقوله: معترض! بين إذ وجوابه فيه أنّ إذ بدون ما لا تقع شرطية، كإذا فهي هنا ظرفية أو تعليلية وقد وقع مثله في أواخر شرح المفتاح السيد وقد نقل في همع الهوامع أنه قول ضعيف لبعض النحاة أو هو تسمح لأنها بمعناه، وكونه لتحقيق اعتزالهم لأنّ مخالفتهم لهم والاشتغال بالعبادة تقتضيه، وقوله: يبسط تفسير لينشر،
وكذا يوسع، والرزق إشارة إلى مفعوله المقدر وقد تقدم تفسير قوله يهيئ. قوله: (ما ترتفقون به) فهو اسم آلة من الرفق من قولهم ارتفقت به بمعنى انتفعت به كما قاله أبو عبيدة، وفيه قراءتان ولغتان كما أشار إليه المصنف، واختلفوا هل هما بمعنى أو متغايران فقيل هما بمعنى وهو ما يرتفق به وليس بمصدر، وقيلى: المفتوج الميم المكسور الفاء مصدر على خلاف القياس كما بين في الصرف واختلف في مرفق الإنسان المعروف هل فيه اللغتان أم لا، والمحيض بالضاد المعجمة مصدر بمعنى الحيض، وقوله: لو رأيتهم إشارة إلى أنه فرضيئ على الوجهين، وقوله: كل أحد ممن يصلح له وهو للمبالغة في ظهوره بحيث لا يختص به راء، وقوله: لنصوع بضم النون والصاد المهملة وفي آخره عين مهملة أي خلوص من قولهم: أبيض ناصع أي لا يشوبه شيء آخر، ولم يلتفت إلى أنه بإخبار نبي في عصرهم أو أن أحدهم كان نبيا لأنه مجرّد احتمال من غير داع، وقوله: فيؤذيهم أي الشعاع وهو منصوب في جواب النفي، وقوله: جنوبيا أي في جانب الجنوب، وهو لا يقع عليه شعاع الشمس لعدم مقابلته لها، وقوله: زوّرها لهم بالتشديد أي صرفها وامالها عنهم كرامة لهم لا بسبب عادي ولهذا رجح هذا التفسير على الأوّل لأنه المناسب لقوله: ذلك من آيات الله، وقوله: فأدغمت أي تاؤها وقلبت زاء فيكون بفتح التاء وتشديد الزاء وعلى قراءة الكوفيين هو من التفاعل بحذف تاء المضارعة تخفيفا وقراءة تزوز كتحمرّ وهو إفعلال من غير العيوب والألوان كما أنّ ما بعده إفعلال من غيرهما أيضا وهو نادر ولهما أخوات والزور بمعنى الميل بفتحتين مخففة. قوله: (جهة اليمين وحقيقتها الجهة ذات اسم اليمين (يعني أنه من إضافة المسمى إلى الاسم وليست ذات مقحمة إذ المعنى يميناً وشمالاً وهو منصوب على الظرفية، قال المبرد في المقتضب: ذات اليمين وذات الشمال من الظروف المتصزفة كيمينا وشمالاً اهـ، قيل: واللام في الجهة للعهد الذهني وهو في معنى النكرة، فلا يرد أن وضع ذو للتوصل أي جعل اسم الجنس صفة للنكرة أهـ، وهو سهو منه لظنه أن ذا وذات لا يوصف به إلا النكرات وقد تبعه غيره فاقتدى به ولو تنبه له سجد للسهو والذي أوقعهم فيه قول النحاة ذو يتوصل بها للوصف باسم الجنس لأن اسم الجنس يطلق على النكرة وعلى ما يقابل الصفة المشتقة من الجوافد فأوقعهم(6/80)
الاشتراك في الوهم وتبعهم ابن حجر في شرح قول المنهاج: يحرم على ذي الجمعة، وأجاب بما أجاب به
المحشي وفيه خطأ من وجوه كما فصله الدماميني في شرح التسهيل وقال: وقع فيه بعض شرّاح الحديث وغاب عنه قوله تعالى: {ذُو الْعَرْشِ و {ذِي الطَّوْلِ} و {ذُو الْجَلَالِ} وأيضاً هذه خرجت عن وضعها وصارت ظرفا والصفة متعلقها لا هي وتأويله غير صحيح لأنّ المراد به لفظه أي سمي بهذا الاسم، وهو وهم غريب من الله عليّ بالهداية إليه فاحفظه فإنه نفيس جدّاً. قوله: (تقرضهم تقطعهم وتصرم عنهم (يعني أنه من القرض بمعنى القطع والمعنى أنها تتجاوزهم، وتصرم بالصاد والراء المهملتين بمعنى تبعد فالقطع مجازي، كتسمية الهجر قطعا وقطيعة فهو فطع الاتصال بهم لئلا تغير أبدانهم، وقول الفارسي: أنه من قرض! الدراهم، والمعنى أنها تعطيهم من تسخينها شيئا ثم يزول بسرعة، كالقرض! المسترد مردود بأنه لم يسمع له ثلاثي، وفي الروض! الأنف تقرضهم كناية عن تعدل بهم، وقيل: تتجاوزهم شيئا من القرض! وهو القطع أي تقطع ما هنالك من الأرض ا!. قوله: (وهم في متسع (تفسير الفجوة لأنها الساحة الواسعة، وقوله: منه يدل على أن اليمين والشمال يمينه وشماله كما أشار إليه بقوله: لقوله الخ ثم بين أنّ المراد وسطه لأنه أوسعه، وقوله: بحيث الخ تعليل لجعلهم في وسطه وتنالهم بمعنى ئصل إليهم، والروح بفتح الراء المهملة نسيمه ونفسه وكرب الغار بمعنى ثقله وركود هوائه لو كانوا في جانب منه أو في آخره، وحرّ الشمس لو كانوا قريبا من الباب. قوله: (وذلك لأنّ باب! هف الخ) أي ما ذكر من وقوع الشمس بجانبه لأنه وقع بحيث لا يقابل الشمس في وقتي الشروق والغروب في جميع اختلاف المطالع فتدخله ويقع شعاعها عليهم، وبنات نعش بدون ألف ولام فالأولى تركها لأنها علم لكواكب معروفة في السماء، ويقال: بنات نعش الكبرى وبنات نعش الصغرى، وأصحاب النجوم يسمون الكبرى الرب اكبر والصغرى الرب الأصغر رالكبرى سبعة كواكب أربعة منها النعش وثلاثة منها البنات، والصغرى مثلها والجدي الذي! عرف به القبلة، وما ذكره المصنف يعلم تحقيقه من مفصلات كتب الهيئة وليس هذا محله، وقوله: مداره أي مدار رأس السرطان وهذا بناء على تفسيره الأوّل الذي ارتضاه، وقوله: مائلة منه أي عن الكهف لمقابلتها لجانبه الأيمن وسمي الذي يلي المغرب يمينا لأنه عن يمين! توجه لبابه، وقوله: ويحلل عفونته أي عفونة الغار بوقوعها على جانبيه وتعديل هوائه لأنها لو بعدت عنه غلبت عليه البرودة وايذاء أجسادهم وابتلاء ثيابهم مجزها مع احتباس هوائه
ويؤذي ويبلي بالنصب في جواب النفي. قوله: (شأنهم (بيان للمشار إليه على الوجهين، وقوله: أو إيواؤهم الخ بيان له بناء على أنه سبب عادي وقوله أو إخبارك قصتهم منصوب بنزع الخافض أي بها أو عنها أو بتضمين الإخبار معنى الإعلا وهو جار على الوجهين فلو قدمه كان أولى، وقوله: أو ازورار الشمس! هذا على الوجه الثاني وهو أن تزاورها مع إمكان وقوع شعاعها عليهم لصرف الله لها عنهم تكريما ولذا أخره وقوله: من آيات الله أي من علامات قدرته الباهرة التي هي أظهر من الشمس. قوله: (بالتوفيق (أي بجعل أعماله موافقة لما يرضاه ويحبه وهذا موافق لتفسير الهداية بالدلالة الموصلة لا الدلالة على ما يوصل لأنه لا يترتب عليه الاهتداء المذكور في الآية إلا أنّ يراد أنه يضم إلى الدلالة المذكورة التوفيق حتى يصح الترتب كما توهم، وقوله: الذي أصاب الفلاج لأن كل مهتد مفلح أي فائز بخطه في الدارين وفسره به ليكون أتئم فائدة، وقوله: والمراد به أي بقوله من يهد الله الخ أما الثناء عليهم أي على أصحاب الكهف فهم المراد بمن لكونهم مهتدين، وعلى الوجه الآخر لا يختص بهم وإن دخلوا فيه. قوله: (يخذله) فسره به لوقوعه في مقابلة التوفيق ولاقتضاء قوله: لن تجد له وليا فإن الخذلان كما قاله الراغب: عدم موالاة الوليّ، ونصرته وهو تفسير جار على المذهبين لأنّ من خلق الله فيه الضلالة فهو مخذول فلا يرد عليه أنه مبني على الاعتزال بناء على أن الضلال قبيح ليس بخلق الله، وإنما المخلوق له دواعيه وهي الخذلان، ومنهم من فسر الخذلان بخلق القدرة على العصيان على قاعدة أهل الحق، وفي الآية من البديع الاحتباك. وقوله: من يليه أي يلي أمره بالنصرة والهداية فيخلصه من الضلال ويرشده.(6/81)
قوله: (وتحسبهم (أي تظنهم بكسر السين وتفتح، وأيقاظ جمع يقظ بضم القاف كأعضاد كما في الدرّ المصون أو بكسرها كإنكاد ونكد كما في الكشاف وهو ضد الراقد، وقوله: أو لكثرة تقلبهم قاله الزجاج والكثرة مأخوذة من قوله: نقلبهم بالتثقيل والمضارع الدال على الاستمرار التجددي، وأما ما قيل إنه كان في كل عام مرتين أو مرة في عاشوراء فلا يكون كثيراً فقد قال الإمام: إنه لم يصح رواية ودراية. قوله: (نيام (يشير إلى أنه جمع راقد وما قيل إنه مصدر أطلق على الفاعل واستوى فيه القليل والكثير كركوع وقعود لأن فاعلا لا يجمع على فعول مردود لأنه نص عليه النحاة كما صزج به في المفصل والتسهيل وقوله: في رقدتهم ماً خوذ من السياق. قوله: (كي لا تأكل الآرض ما يليها من أبدانهم (إنما فعل بهم ذلك جريا على العادة وإلا فلا مانع من قدرة الله تعالى على
حفظ أجسادهم من غير تقليب لها فلا وجه لتعجب الإمام منه وهو مروفي عن ابن عباس رضي الله عنهما كما أنّ ازورار الشمس كان بسببه بناء على أحد التفسيرين وتقلبهم بالنصب تخريجه ما ث كره المصنف رحمه الله، وروي رفعه بالابتداء أيضا وخبره ما بعده أو مقدر أي آية عظيمة، ووجه دلالة الحسبان عليه أنّ الظن ينشأ من رؤيتهم بحال المستيقظ، وقوله والضمير دلّه، وقيل للملك. قوله: (هو كلب مروا به فتبعهم الخ (أي لا أنهم اقتنوه للنهي عنه إلا لمقتض كالصيد وفي البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما من اقتنى كلباً ليس بكلب صيد أو ماشية نقص كل يوم من عمله قيراطان، وفي رواية قيراط وجمع بأنه باختلافه في أذاه وعدمه وتفاوته أو بأن القيراطين في المدن والقيراط في خارجها، أو أنه لمجين ذكر القيراط أولاً ثم زاد في تغليظه بعد العلم للنهي عنه وأحباء بالمد جمع حبيب كتقيّ وأتقياء، وقوله: فناموا أمر لهم، وضمير به للراعي وكذا ضمير تبعه وهذا مروي عن ابن عباس رضي الله عنهما وعليه الأكثر فهم لم يقتنوه أبدا وقراءة كالب أي صاحب كلب على النسب كتامر ولابن وهي مروية عن جعفر الصادق وروي عن الزاهد، كالئهم بهمزة مضمومة بدل الباء أي حارسهم وكأنها تفسير أو تحريف، وقيل: إنه اسم جمع للكلب كجامل، والفناء بالكسر والمذ الرحبة التي يرتفق بها عند الدار ونحوها والمراد بالباب محل العبور والعتبة ما يحاذيه من الأرض لا المتعارف حتى يرد أن الكهف لا باب له ولا عتبة مع أنه لا مانع منه قال السهيليئ: والحكمة في كونه خارجا أن الملائكة عليهم الصلاة والسلام لا تدخل بيتاً فيه كلب وقوله: أعمل اسم الفاعل لأنه لا يعمل بمعنى الماضي وأجازه الكسائيّ، واستدل بهذه الآية فأشار إلى دفعه بما ذكر. قوله: (فنظرت إليهم) تفسير له لأنّ الاطلاع الوقوف على الأمر بالحس، وقيل إنه تفريع عليه لأنّ الاطلاع مجرّد الإشرات وللنظر فيه مجال، وقوله: لهربت تفسير لوليت منهم فرارا وإذا نصب على المصدرية، فهو كجلست قعودا وإذا كان مفعولا له فالتولي بمعنى الرجوع وعلى الحالية هو كقوله: فتبسم ضاحكا، ويجوز أن يكون مصدرا لفررت محذوفا وعلى الحالية بمعنى فاز،
وفيها نوع تأكيد وخطاب اطلعت إن كان لغير معين فظاهر وان كان للنبيّ صلى الله عليه وسلم اقتضى وجودهم على هذه الحالة الآن، وقد قال السهيليّ: إنّ فيه خلافا وابن عباس رضي الله عنهما أنكره، وآخرون قالوا به، وقوله: بضم الواو أي بضم واو لو تشبيهاً لها بواو الضمير فإنها قد تضم إذا لقيها ساكن نحو رموا السهام وهي مروية عن نافع وغيره. قوله: (خوفاً يملأ صدرك (إشارة إلى أنه تمييز محوّل عن الفاعل وكون المهابة والخوف يملآن الصدر والقلب مجاز في عظمهما مشهور في كلام العرب كما يقال في الحسن: أنه يملأ العيون والباس الهيبة استعارة مكنية وتخييلية لعظم أجرامهم خلقة كما في بعض الأمم السالفة وفي نسخة أجوافهم وهو إما خلقة أو بالانتفاخ، وسكت عن قول الزمخشري: لطول شعورهم وأظفارهم قيل لأنه يرذه قوله: لبثنا يوما أو بعض يوم، وليس بشيء لأنه لا يبعد عدم تيقظهم له، والقائم من النوم قد يذهل عن كثير من أموره لا سيما إذا كان الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم إذ لا مانع من حدوثه بعد انتباههم أوّلاً، وأيضا يجوز أن لا يطلعوا عليه ابتداء حين قالوا: لبثنا يوما أو بعض يوم ثم لما تنبهوا له(6/82)
قالوا: ربكم أعلم الخ، فما قيل: من أن هذين القولين يعني، كونه لعظم أجرامهم وانفتاج عيونهم أو لوحثة المكان ليسا بشيء لأنهم لو كانوا بتلك الصفة أنكروا أحوالهم ولم يقولوا يوما أو بعض يوم ولأن المرسل للمدينة إنما أنكر معالمها لا حال نفسه ولأنهم بحالة حسنة بحيث ظنوا نياما وهم في فجو ة موصوفة بما مر فكيف يكون موحشا غير وارد لما عرفت، وأما لأن وحشة المكان لبعده وكونه بعيد الغور وتغيره بمرور الزمان فلا منافاة بينه وبين ما مر بوجه من الوجوه، وإنكار الرسول للمعالم لا ينافي إنكار الناس لحاله أو كونه على حالة منكرة لم يتنبه لها، وقوله: وعن معاوية رضي الله عنه الخ هذا يشهد لكونه بطرسوس ويضعف ما قاله أبو حيان: من أنه بأندلس لأن معاوية رضي الله عنه لم يدخلها،. وقوله: لو كثف جواب لو محذوف أي لكان حسنا ونحوه أو هي لتمني ذلك ولا ينافي كشفه بعد ذلك ومنع الله يفهم من لو الامتناعية ولا حاجة إلى القول بأنه منع من النظر إليهم نظر استقصاء، وهو الذي طلبه معاوية رضي الله عنه وإنما لم يطاوعه ظنا لتغير حالهم عما كانوا عليه أو طلبا له مهما أمكن، وقوله: فأحرقتهم في نسخة أخرجتهم، وفي أخرى أهلكتهم والمراد بالتثقيل ضم العين لثقله بالنسبة للسكون. قوله: (زكما أنمناهم الخ (أي كما أنمناهم هذه الإنامة الطويلة أيقظ! اهم
فالمشبه الإيقاظ والمشبه به الإنامة المفهومة من قوله: وهم رقود ووجه الشبه كون كل منهما آية على قدرته الباهرة كما أشار إليه المصنف رحمه الله. قوله: (فيتعرّفوا حالهم الخ (قيل تعرّف الحال لم يترتب على التساؤل كما يدل عليه الفاء بل على البعث إلى المدينة، وأجيب بأن التساؤل أدّى إلى البعث المرتب عليه فهو سبب بعيد أو سبب السبف وهو سبب يكفي لمثله، وبه تبين أنّ البعث علة للتساؤل وأنه لا حاجة إلى جعل اللام للعاقبة وفيه نظر لأن من قال إنها للعاقبة وهو الظاهر لاحظ أن الغرض من فعله تعالى إظهار كمال قدرته لا ما ذكر وقوله: ويستبصروا في أمر البعث أي يكونوا على بصيرة فيه، فإن قلت هم مؤمنون وهذا يقتضي شكهم في البعث وهو كفر، قلت: هم متيقنون له وإنما اختلفوا في كونه روحانيا أو لا وفي كيفيته كما روي عن عكرمة من طرق أنهم كانوا أولاد ملوك اعتزلوا قومهم في كهف فاختلفوا في بعث الروج والجسد فقال قائل: يبعثان وقائل: تبعث الروج فقط، وأما الجسد فتاً كله الأرض فأماتهم الله ثم أحياهم الخ كما في شرح البخاري، وما أنعم الله به عليهم إيواؤهم إلى الكهف وزيادة يقينهم وغيره مما وقع لهم. قوله: (بناء على غالب ظنهم الخ (فلا يكون كذبا بناء على أن مرجع الصدق والكذب اعتقاد المخبر فإن رجع إلى مطابقة الواقع وعدمها فلا شك في أنه كذب، كذا قيل وليس بشيء لأنه لا كذب فيه على المذهبين أما الأوّل فظاهر، وأما الثاني فلأنه مجاز عن لازمه، وهو لم يتحقق مقداره كما ذكره أهل المعاني في قول النبي صلى الله عليه وسلم لذي اليدين رضي الله عنه: كل ذلك لم يكن وهو هنا أظهر لكون أو للشك كما أشار إليه المصنف رحمه الله بقوله: فإنّ النائم لا يحصي مدة نومه الخ، وكونه بناء على ظنهم الغالب قيل معناه من غير نظر إلى القرائن الخارجية كقرب الشمس من الغروب أم لا، ثم لما نظروها بعيدة منه قالوا أو بعض يوم فلا يرد الاعتراض بأنهم إن كان نومهم في ذلك ليوم فهو بعض يوم، وأن كان في اليوم الذي قبله فهو يوم وبعض يوم فلا يتوجه ما في النظم، وهذا يقتضي أن أو فيه للإضراب، وإذا قلنا إنها للشك وإنه مجاز عن إنا لم نتحقق مقداره كما مر لم يرد عليه شيء، نعم على كلام المصنف رحمه الله معناه أن غالب الظن أنه زمن قليل، وأما ما قيل في الجواب إنهم لما ظنوا أنهم في اليوم الذي بعده أرادوا أن يقولوا يوماً وبعض يوم فلما قالوا: يوما اعترض عليهم احتمال أنهم في يومهم فقالوا: قبل أن يتموه أو بعض يوم فمع أنه مما لا وجه له لو كان كما زعمه، لقال: أو وبعض يوم بالعطف، كما لا يخفى على من له معرفة بأساليب الكلام. قوله: الآن النائم لا يحصي مدّة نومه الخ (قيل عليه إنّ النائم وإن كان لا يحصي مدة
نومه حال نومه لكنه يعلم يقينا عند انتباهه مذته استدلالاً بالشمس مثلا، كما إذا نام وقت طلوعها وانتبه وقت الزوال ونحوه، وقد مرّ إنّ معناه أنه بعد الانتباه وقبل النظر في الإمارات لا يحصيها مع أن الظاهر أن هذا كله(6/83)
تكلف وأن المعنى أنا لا ندري أن مدة ذلك هل هي مقدار مدة يوم أو مقدار مدة بعض منه لأن وقت كلامهم يجوز أن يكون ليلا وأن يكون نهاراً، وهم في جوف الغار لا ينظرون إلى الشمس أو ناموا في النهار وانتبهوا فيه، كما ذكره المصنف رحمه الله فذهلوا عن مقداره ولوثة النوم لم تذهب من بصرهم وبصيرتهم، وكم مثله فلا حاجة إلى هذه التكلفات، وقوله: ولذلك أحالوا الخ بناء على أنهم كلهم قالوا ذلك فيتحد قائل القولين، وقوله: ويجوز أن يكون ذلك أي القول الأوّل، وهذا هو القول الثاني فيكون القائل اثنين. قوله: (وقيل إنهم دخلوا الكهف الخ (غدوة علم جنس غير مصروف ولا يثبت كون ظهيرة مثله إلا بنقل فإن علم الجنس سماعي وقد سمع تنكير غدوة أيضاً كما مر، والقائل على هذا واحد أيضا إلا أن فيه زيادة تعيين زمانه، وسببه. قوله: (وظنوا أنهم في يومهم الخ (أي ترددوا في ذلك وقوله: قالوا ذلك الخ أي ترددوا في ذلك، وقوله: قالوا ذلك الخ كان الظاهر فقالوا: ذلك أو لما ظنوا الخ فكأنه جعل قوله: قالوا الخ بدل اشتمال من قوله: ظنوا، وأورد عليه ما مر من أنهم إن ظنوا أنهم في يومهم هذا يكون لبثهم بعض يوم وان ظنوا أنه في اليوم الذي قبله يكون يوما وبعض يوم بلا مرية وقد مر الجواب عنه وما فيه، وقوله: قالوا ذلك أي لبثنا يوماً أو بعض يوم وربكم أعلم بما لبثتم. قوله: (فلما نظروا إلى طول أظفارهم واشعارهم الخ (قد مر اعتراض أبي حيان عليه وجوابه، وارتضى بعض المفسرين أن الله لم يغير حالهم وهيئتهم ليكون آية بينة. قوله: (والورق الفضة الخ (هذا قول لأهل اللغة استدلالا بما وقع في حديث عرفجة من إطلاقه على غير المضروب، أو إطلاقه على غيره مجاز باعتبار ما يكون عليه أو من استعمال المقيد في المطلق، ويجوز في رائه الفتح والكسر والتسكين، والتخفيف تسكين الراء والتثقيل كسرها مع فتح الواو فيها، وقوله: وغير مدغم لم يذكره جار الله، وأمّا التثقيل وكسر الواو فلم يقرأ به. قوله: (ورد المدغم لالتقاء الساكنين على غير حدّه (وهو أن يكون في الوقف أو في الوصف وأحدهما حرف لين، والآخر مدغم كما فصل في الصرف وهي شاذة قرأها رجاء وابن محيصن، وقد رد هذا الرد بأنه وقع مثله في كلام العرب، وقرئ نعماً بسكون
العين والإدغام ووجهه الجعبري بأنه مغتفر لعروضه في الوقف، وكذا قرئ بالإدغام في قوله: في المهد صبياً، فظهر منه أنه جائز وإن ما قيل إنه لا يمكن التلفظ به سهوا لا أن يفرق بين حرف الحلق، وغيره بأنه يشبه اللين فتدبر 0 قوله: (وحملهم له (أي حمل الفتية للورق دليل على أن التزؤد أي التأهب لأمر المعاش لمن خرج من منزله بحمل الزاد والنفقة ونحوها وهو لا يمنع التوكل كما في الحديث المشهور اعقلها وتوكل، وإن قال بعض الصوفية أن توكل الخواص رفع الأشياء من البين وتوكلهم دل عليه قوله تعالى: {يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحمته ويُهَيِّئْ لَكُم مِّنْ أَمْرِكُم مِّرْفَقًا} [سورة الكهف، الآية: 16، وقيل: المراد أنّ حمل الدراهم يدل على أنّ حمل الزاد مثله لا أنّ الزاد أطلق على ثمنه لأنه سببه وان صح أيضا وطرسوس بلد إسلامية معروفة، وفي القاموس أنها كحلزون. قوله: (أيّ أهلها (يعني أنه بتقدير مضاف وهذا أحسن من جعل الضمير للمدينة مراداً بها أهلها مجازا فهو استخدام أو جعل طعاماً تمييزاً وأصله طعامها أزكى طعاماً أو جعل الضمير للأطعمة التي في الذهن، كزيد طيب أبا على أن الأب هو زيد لما فيه من التكلف. قوله: (أحل وأطيب (أصل معنى الزكاة النمو والزيادة ثم إن الزيادة قد تكون معنوية وأخروية، وقد تكون حسية ودنيوية فالحلال فيه زيادة معنوية أخرولة لما في توخيه من الثواب وحسن العاقبة، وكان في عصرهم مجوس لا تحل ذبائحهم وأمور مغصوبة لكثرة الظلم فأمروه بالاجتناب عنها، وقوله: وأطيب إن كان بمعنى أحل لأنه يطلق عليه فهما شيء واحد وإن كان بمعناه المتبادر فهو إشارة إلى المعنوية الدنيوية، وقوله: او أكثر وأرخص إشارة إلى الزيادة الحسية الدنيوية فتأمل، وقوله: وليتكلف اللطف يعني أن التفعيل هنا لإظهار أمر وتكلفه وبين وجه إظهاره بأمرين وقوله: يرزق منه إن كان الضمير للطعام فمن لابتداء الغاية أو للتبعيض وإن كان للورق فللبدل. قوله: (ولا يفعلن ما يؤذي إلى الشعور (قيل إنه من باب قولهم لا أرينك ههنا، ولذا قال: ولا يفعلق الخ(6/84)
ورد بأنه لا مانع من حمل النهي
هنا على ظاهره بخلاف ما ذكر، ولو كان النظم لا يشعر أحد من الثلاثي برفع أحد كان منه ولا يخفى أنه إن أريد به لا يخبرنّ أحدا، ما فسره به الإمام فهو على ظاهره وان لم يرد ذلك كما ذهب إليه الشيخان فالمراد على طريق الكناية لا يفعلن ما يقتضي الشعور بنا، فهو مثل المثال المذكور في إرادة لازمه وان كان بينهما فرق فلا وجه لهذا الإيراد.
قوله: (يطلعوا عليكم أو يظفروا بكم (أصل معنى ظهر صار على ظهر الأرض! ، وما كان
عليه يشاهد ويتمكن منه فلذا استعمل تارة في الاطلاع وأخرى في الظفر والغلبة وعدى بعلى كما أشار إليه المصنف، وقوله: يقتلوكم بالرجم فليس المراد به مطلق الرجم بل ما يؤذي إلى القتل، وقد كان ذلك عادتهم فيمن خالف دينهم. توله:) أو يصيروكم الخ (لما كان العود يطلق على الرجوع إلى ما كان عليه وهو يقتضي أنهم كانوا على دينهم أوّله بالصيرورة لأنه ورد بمعناها كثيراً، ثم جوّز كونه على ظاهره، وقوله: إن دخلتم إشارة إلى دفع سؤال وهو أن نفي الفلاج كيف يترتب على إعادتهم إلى الكفر إكراهاً والإكراه عليه لا يضرّ فيؤذي إلى عدم الفلاج مع اطمئنان القلب بالإيمان فلذا قدر إن دخلتم فيه أي حقيقة لا ظاهراً، ووجه ارتباطه بما قبله أن الإكراه قد يكون سببا لاستدراج الشيطان إلى استحسان ذللث والاستمرار عليه فسقط ما قيل من أن إظهار الكفر بالإكراه مع ابطان الإيمان معفوّ في جميع الأزمان فكيف رتب عليه عدم الفلاح أبدأ، ولا حاجة إلى القول بأنه كان غير جائز عندهم ولا إلى حمل يعيدوكم على يميلوكم إلى دينهم بالإكراه وغيره وأمّا حمل كلام المصنف عليه فتكلف مستغنى عنه. قوله: (وكما أنمناهم وبعثناهم) يعني أنّ الإشارة إلى الإنامة والبعث والإفراد باعتبار ما ذكر أو ما مر ونحوه، وقوله: أطلعنا عليهم قال المرزوقي في شرح الفصيح: عثر سقط لوجهه عثوراً وعثارا، وفي المثل أن الجواد ليكاد يعثر، وقولهم: من سلك الجدد أمن العثار، ومنه تعثر في فضول يثابه وفضول كلامه وعثرت بكذا إذا اعترض! لك فيما نطلبه وأعثرته عليه أطلعته فعثر عثوراً وعثراً وفي القرآن وكذلك أعثرنا عليهم ويقال: أعثر به عند السلطان أي قدج فيه اص. وقال الإمام المطرزي: لما كان كل عاثر ينظر إلى موضمع عثرته ورد العثور بمعنى الاطلاع والعرفان، وقال القوري: عثرت على الشيء إذا اطلعت على أمر كان خفيا اهـ، فهو مجاز مشهور بعلاقة السببية عند أهل اللغة، كما أشار إليه الفاضل المحشي ومن لم يقف على منشئه قال في رذه أنه ليس كذلك فإنه أمر تقريبي ومفعوله الأوّل محذوف لقصد العموم كما أشار إليه بقوله: الذين أطلعناهم على حالهم أي كائناً من كان. قوله: (بالبعث الخ (يعني أن الوعد إمّا بمعناه
المصدري ومتعلقه مقدر، وهو بالبعث أو هبر مؤوّل باسم مفعول هو ما ذكر، وقوله: لأنّ نومهم أي الطويل المخالف للمعتاد والا فكل نوم كذلك كما أشار إليه بقيده، وقوله: وأنّ القيامة تفسير للساعة لأنها في اللغة مقدار من الزمان وفي لسان الشرع عبارة عن يوم القيامة وفي عرف المعدلين عبارة عن جزء من أربعة وعشرين جزءاً من الليل والنهار، وحق بمعنى متحقق، وقوله: في إمكانها تفسير لمعناه، أو إشارة إلى تقدير مضاف في النظم والداعي إلى ذلك قوله: آتية، وقيل عليه أنه يتوجه عليه أنه بعد ذكر تحقق البعث والقيامة لا حاجة إلى ذكر إمكان البعث بعده بل حق النظم أن يقال: أوّلا لا ريب في إمكانه ثم يذكر أنه متحقق ولذا فسره بعضهم بقوله: لا ريب في وقوعها، وقيل إنّ الظاهر أن يفسر قوله: وعد الله حق بكل ما وعد. لأن من قدر على بعثهم من رقدتهم هذه في غاية القدرة فكل ما وعده متحقق، ويكون قوله بعده لا ريب في تحقق الساعة تخصيصاً بعد تعميم وهذا لا يفيد دفع ما ذكره بل هو تفسير آخر، ويدفع بأن تحقق الموعود أو الوعد إنما يقتضي الوقوع في المستقبل وهو معنى قوله: آتية فبعد ما ذكره مؤكدا مكرّراً، قال إنه مما لا ينبغي أن يرتاب الآن في إمكان وقوعه لما شاهدتم من هذه القصة وهي أنموذج له وعنوان إمكانه وإنما يلغو ذكر الإمكان بعد الوقوع لا نفي الشبهة عنه كما إذا قلت سيهب لك هذا الكريم ألوفا ولا شبهة في هذا لأحد، ألا تراك لو قلت لا شبهة في أنّ هذا سيهب لك ألوفا وذكرت بعده الجملة الأولى كان لغواً(6/85)
من الكلام فتأمّل. قوله: (فإنّ من توفى نفوسهم وأمسكها الخ (هذا لا ينافي ما مر من أنه إنامة لا موت لأنّ المراد بالتوفي هنا النوع! ايضا كما في قوله: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا} الآية. وأورد عليه أن البعث من النوم ليس كإعادة الروج إلى البدن الفاني بل بينهما بون بعيد فلا يدلّ الأوّل على الثاني، وكون نومهم الطويل وانتباههم كالموت والبعث غير مسلم إلا أن يقال إنّ الله جعل الاطلاع على الأوّل سببا للعلم بالثاني بطريق الحدس، أو الإلهام لا أنه دليل على تحققه وتيقنه لأنّ حفظ الأبدان في هذه المدة الطويلة عن التحلل من غير تفتت يحوج إلى وجود بدل عما يتحلل بأكل وشرب يدل على القدرة على ما ذكر بطريق الحدس والعادة، وفيه نظر. قوله: (قدر أن يتوفى نفوس جميع الناس الخ (المراد بالتوفي هنا معناه المشهور لا المعنى السابق والا لم يثبت المطلوب لكن فيه أن المطلوب إعادتها بعد تفزق أجزائها لا بعد طول حفظها إلا أن يقال: إنه يعلم بالطريق الأولى وهو غير مسلم، أو يقال: إنها وإن تفزقت أجزاؤها الصغار محفوظة بناء على أنها تعاد بعينها فتأمل، وقوله: أبدانهم في نسخة أبدانها أي
النفوس. قوله: (ظرف لا عثرنا) أو ليعلموا أو لحق أو لوعد على قول، وقيل إنه لم يعلقه بيعلموا لأنّ نزاعهم كان قبل العلم فإنه ارتفع به، وفيه نظر، وقوله: أمر دينهم إشارة إلى أنّ التنازع في أمر دينيّ، وهو حقيقة البعث لا في شأن الفتية كما في القول الآخر، فالضمير للمطلعين عليهم، والإضافة اختصاصية أي الأمر الواقع بينهم، وقوله: وكان بعضهم يقول الخ بيان للمتنازع فيه، وقوله: مجرّدة أي عن الأبدان وكونهما يبعثان معاً هو المذهب الحق عند المليين وقوله: ليرتفع الخلاف متعلق بأعثرنا، وقوله: ويتين أي بطريق الحدس كما مر. قوله: (أو أمر الفتية (فالضمير لهم وأمرهم بمعنى شأنهم وحالهم، وقوله: حين أماتهم الله ثانياً المراد بالإماتة سلب الإحساس أعم من أن يكون بالنوم أو بالموت فهو من عموم المجاز أو من الجمع بين الحقيقة والمجاز بناء على جوازه عند الشافعية ولذا قيل: إن الأظهر أن يقول حين توفاهم فإنّ التوفي أشهر فيه كما في الآية السابقة إذ الأولى إنامة لا إماتة، وأما القول بأنه بناء على أنها إماتة فغير صحيح لمخالفته لكلامه، ولصريح النظم وقوله: قرية أي بلدا معموراً، وليس بالباء الموحدة كما حرف بعض النساخ وكونه مسجداً يدل على جواز البناء على قبور الصلحاء ونحوهم كما أشار إليه في الكشاف وجواز الصلاة في ذلك البناء، وقوله: كما قال تعالى قيل إشارة إلى تأييد هذا الوجه والفاء في فقالوا على الوجهين الأوّلين فصيحة وعلى الآخر للتعقيب. قوله: (ربهم أعلم اعتراض (أي على كل الوجوه وعلى كونه من الله فيه التفات على أحد المذهبين وقوله: من أولئك المتنازعين بكسر الزاي والعين أي في
عهدهم، وقوله: أو من المتنازعين عطف على قوله: من الله، وقوله: للرد إلى الله أي تفويض أمرهم والعلم به إليه، وكوله: وكان عليها اسم دقيانوس أي مكة مضروبة باسمه، وقوله: نستودعك الله يقال عند الوداع وقوله: لما انتهوا أي الناس الذين مع المبحوث وقوله: مكانكم اسم فعل أي قفوا والزموا، أو هو متعلق به مقدرا، وقوله: فعمي بمعنى خفي من العمي فقد البصر، والمدخل محل الدخول وثم بالفتح بمعنى هناك وعلى هذا فوقوفهم على ما يطلع به على البعث بإخبار الفتى وقد اعتمدوا صدقه، والإعثار علمهم بذلك لإخباره، واستدلّ بهذه الآية بعض الفقهاء على جواز المناهدة. قوله: (أي الخائضون في قصتهم االخ) يعني أن الضمير لهؤلاء ومن في قوله: من أهل الكتاب تبعيضية لا بيانية على نهج بنو فلان قتلوا قتيلا إذ لا داعي له. قوله: (أي هم ثلانة رجال يربعهم كلبهم (قيل عليه أنه ينبغي أن يقول ثلاثة أشخاص لأنّ رابع اسم فاعل صيغ من العدد وهو يضاف إلى ما هو بعض منه، والمعنى أنه يجعلهم أربعة ولا تصير الثلاثة رجال بكلبهم أربعة لاختلاف الجنسين وهو الموافق لما ذكره النحاة للاستعمال الشائع فلا عبرة بما قيل له إنه لا يجب اتحاد الجنس وأمّا القول بأنه بشرف صحبتهم ألحق بالعقلاء فتخيل شعري، وقوله: قيل هو قول اليهود وقع في ئسخة وقيل بالعطف والنسخة الأولى أصح لأنّ الظاهر تركه أو إبدال الواو فاء تفصيلية. قوله:(6/86)
/ (قول السيد الخ) الصيد علم رئيس من رؤسائهم، ونجران علم موضع كان به قوم من نصارى العرب وفدوا على النبيّ صلى الله عليه وسلم، وقوله: وكان يعقوبيا النصارى ثلاث فرق يعقوبية ونسطورية وملكانية، وتفصيل مذاهبهم وما قالوه في الأقانيم مذكور في الملل والنحل. قوله: (وكان ئسطورياً الخ) في الملل والنحلل نسطور رأس هذه الفرقة كان في زمن الماً مون، وهذا مما خطأه فيه المؤرّخون بل هو قديم قبله كما في الكامل ولما سلمه صاحب الكشف ورأى ما يرد على هذا من أن نصارى نجران في هذه القصة قبل خلق الثأمون أوّله بأنّ المراد أنه كان على مذهب قديم أظهره نسطور ونصره فنسب إليه الآن فالتسمية متأخرة ومسماها متقدم، ولا حاجة إليه لما عرفت. قوله: (يرمون رمياً بالخبر) إشارة إلى أنه منصوب على المصدر بفعل
مقدّر وأنّ الرجم بمعنى الرمي وهي الحجارة وهو استعارة للتكلم بما لم يطلع عليه لخفائه عنه تشبيهاً له بالرمي بالحجارة التي لا تنفذ ولا تصيب غرضا، ومرمي كالسهام ولذا لم يقل رمياً وهو من تشبيه المفعول بالمحسوس بل المحسوس بالمحسوس والخبر الخفيّ تفسير للغيب بمعنى الغائب عنهم، ومطلع مصدر ميميّ أو اسم مكان، وجوّز في نصبه أن يكون على الحالية أو مفعولاً له أو منصوبا بيقولون لأنه بمعناه، وقوله: واتيانا به أي بالخبر معطوف على رميا تفسير للمراد به. قوله: (أو ظناً بالغيب من قولهم رجم الخ (يجوز في ظنا أن يعطف على رمياً وهو الظاهر، وهو عليه أيضاً منصوب على المصدرية لمقدر واستعارة لكنه في الأوّل للتكلم من غير علم وملاحظة، وعلى هذا للظن ويجوز عطفه على إتيانا به، بيانا لأنه مستعار لا يراد الخبر من غير علم أو للظن، وقوله: من قولهم رجم بالظن إذا ظن يعني أنه شبه ذكر أمر من غير علم يقينيّ واطمئنان قلب بقذف الحجر الذي لا فائدة في قذفه ولا يصيب مرماه ثم استعير له ثم وضع الرجم موضع الظن حتى صار حقيقة عرفية فيه كما قال زهير:
وما الحرب إلا ما علمتم وذقتمو وما هو عنها بالحديث المرجم ...
أي المقول بالظن، والظن في قوله: رجم بالظن بمعنى المظنون كما قاله الطيبي وغيره:
والباء فيه للتعدية على تشبيه الظن بالحجر المرميّ على طريق الكناية وليس بوهم بناء على أنها للسببية، كما قيل: وإن كان له وجه. قوله: (وإنما لم يذكر بالسين) أي في يقولون كما ذكرها أوّلاً لأنه بدونها يستعمل للاستقبال وما قبله قرينة على إرادته فاكتفى به، وأما عطفه على مدخول السين فتكلف. قوله: (إنما قاله المسبمون بأخبار الرسول لهم عن جبريل عليهما الصلاة والسلام الخ) أي لا رجما بالغيب كما يدل عليه التقابل والسياق والسباق كما أشار إليه المصنف رحمه الله، ومن لم يفهم مراده قال إنّ الظاهر حذف إنما، وقوله: وايماء الله الخ بالجر عطف على إخبار الرسول صلى الله عليه وسلم فيكون قولهم: بعد نزول الآية كما تدل عليه السين، وفيه بحث. قوله: (بأن اتبعه قوله قل الخ (يعني أنه خالف بين خاتمة الأقوال، فأتغ الأوّلين ما يدل على عدم حقيتهما والثالث ما يدلّ على صدقه فإنّ إثبات الأعلمية مشعر بالعالمية ولذا ذكر بعده قوله ما يعلمهم إلا قليل وقال ابن عباس رضي الله عنهما أنا من ذلك القليل، وقوله: أعلم أي أقوى وأقدم في العلم ممن علمه من المسلمين لا من الطائفتين الأوليين إذ لا علم لهم والمثبت في قوله: ما يعلمهم الخ العالمية فلا يعارض كون إلا علمية لله تعالى، وقوله: وأتبع معص! أبئ
على أتبعه والأوّلين مثنى أي الفريقين أو القائلين الأوّلين. قوله: (وبأن أثبت العلم بهم لطائفة الخ) بيان لبعض وجوه الإيماء المذكور وهو معطوف على قوله: بأن أتبعه وأعاد الباء إشارة إلى أنه وجه آخر لا يتوقف على الاتباع، وكون العلم لطائفة أي من البشر بقرينة المقام، وقوله: فإنّ عدم إيراد رابع تعليل للحصر، وقوله: في نحو هذا المحل أي محل البيان لما قيل فيهم، وقوله: دليل العدم لأنه لو وجد أورد، وليس محلا للسكوت عنه، وقوله: مع أنّ الأصل وهو أنّ العدم أصل في الأشياء حتى يثبت خلافه بدليل فيؤيد نفيه هنا، وقوله: ثم رد بصيغة الماضي معطوف على حصر، وقيل إنه مصدر مجرور معطوف على ما حصر وما مصدرية. قوله: (وبأن ادخل فيه الواو على الجملة الواقعة صفة الخ (كون الواو تدخل على الجملة إذا كانت صفة لنكرة لإفادة(6/87)
اللصوق وشدة الاتصال والارتباط كما تدخل على الجملة الحالية مما اختاره الزمخشريّ، وتبعه المصنف والكلام فيه رذاً وقبولاً وعلى ما شنع عليه من خالفه كالسكاكيّ مبسوط في المطوّلات وعلى تسليمه فيه إيماء إلى أن القول الأخير وهو المطابق للواقع للدلالة على أنّ الاتصاف أمر ثابت لأنه لا يلتصق به إلا إذا تحقق في الخارج، كما أشار إليه المصنف رحمه الله إلا أنه أورد عليه أنّ الواو من المحكي لا من الحكاية فيدل على ثبوته عند القائل لا عند الله ولا يكون من الإيماء في شيء، وأجيب بأنه تعالى لصا حكى قولهم قبل أن يقولوه هكذا لقنهم أن يقولوه إذا أخبروا عنه بهذه العبارة مع أن الثبوت عند هؤلاء القائلين: كاف لأنهم لا يقولونه رجما بالغيب ولا مانع من كونها من الحكاية، ثم إنه قيل إنّ هذه الجملة لا تتعين للوصفية لجواز كونها حالاً من النكرة لأنّ اقترانها بالواو مسوّغ، كما في المغني ويجورّ أن يكون خبراً عن المبتدأ المحذوف لأنه يجوز في مثله إيراد الواو وتركها، وإذا قيل إن إيراد الواو في مثله يدل على الاهتمام يتم الآن المرام، وقوله: تشبيها لها الخ بيان لوجه دخولها لأنّ الحال صفة لذيها معنى والصفة تكون حالا إذا تقدّمت، وقوله: لتأكيد لصوق الصفة كالواو الحالية والاعتراضية لا للعطف حتى يقال: بعطف الصفة على موصوفها، وقوله: تأكيد الخ لكونه أمراً ئابتا، وأسماؤهم المذكورة لكونها غير عربية لم ينقلوا ضبطها وقد ذكر لكتابتها خواصر لا حاجة إلى ذكرها هنا، وأفسوس بضم الهمزة محصمكون الفاء كما قاله النيسابوري: وهذا يخالف قوله: أوّلا أنها طرسوس، وفي الكشف أنّ المدينة التي كانوا فيها غير المدينة التي بعثوا إليها لشراء الطعام
أو أفسوس من أعمال طرسوس وهي ناحية أو هما قولان، وما قيل من أنهما اسمان لمدينة واحدة أحدهما قديم والآخر محدث خلاف الظاهر ومحتاج إلى النقل عن الثقات، وكون هذه الواو واو الثمانية الكلام عليه مبسوط في المغني وشروحه وشروح الكشاف، واختار السهيلي فيه أنه عطف تلقيني وأنه معنى قول ابن عباس رضي الله عنهما لما جاءت الواو انقطعت العدة وهو وجه لطيف به يتضح الإيماء المذكور (واعلم (أنّ الشارح الطيبي رحمه الله قال هنا: نكتة لا بد من إظهارها، وذلك أنّ قصة الكهف ملمحة لقصة الغار ومشابهة لها من حيث اشتمالها على حكم بديع الثأن روينا في الصحيحين أنّ أبا بكر رضي الله عنه قال: نظرت إلى أقدام المشركين ونحن في الغار وهم على رؤوسنا فقلت يا رسول الله لو أن أحدهم نظر إلى قدمي! لأبصرنا فقال: يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما يعني لست مثل كل اثنين اصطحبا لما خصصت به من شرف صحبة حبيب الله صلى الله عليه وسلم والتجأت بسببه إلى حريم كنف الله ما قال تعالى: {إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا} [سورة التوبة، الآية: 40] فالتربيع والتسديس في قصة الكهف ناظر إلى التثليث في قصة الغار لكن نظراً كلا ولا فعلى هذا يجب أن يجعل رابعهم كلبهم وسادسهم كلبهم تابعين لئلاثة وخمسة والضمائر الأربعة راجعة فيهما إليهما لا إلى المبتدأ ومن ثمة استغنى الله عنه بالحذف والا كان الظاهر أن يقال: هم ثلاثة وكلب فلما أريد اختصاصها بحكم بديع الشأن عدل إلى ما هو عليه لينبه بالنعت الدال على التفضلة والتمييز على أن أولئك الفتية ليسوا مثل كل ثلاثة أو خمسة أو سبعة اصطحبوا، ومن ثمة قرن الله في كتابه العزيز أخس الحيوان ببركة صحبتهم بزمرة المتبتلين إلى الله المعتكفين في جوار الله (أقول) أشار رحمه الله تعالى إلى دقيقة تتعلق بالمعاني من نتائج فكره وهي أنه إذا ذكرت صفة في مقام المدح والافتخار ولم يكن لها اختصاص به حتى يتأتى ما قصد من الإطراء وصدر ذلك ممن يعرف أساليب البلاغة لا بد من القصد إلى معنى فيها يجعلها مختصة به مما يلوح به المقام وينظر إليه الحال بطرف خفيّ كما هنا فإنّ كون الله ثالث اثنين ليس مخصوصاً بالنبيّ صلى الله عليه وسلم والصديق رضي الله تعالى عنه كما قال: ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ونحوه وبهذا طعنت الرافضة في عده من خصائص أبي بكر رضي الله تعالى عنه كما في التفسير الكبير فيراد بها هنا أنه تعالى معهما بالحفظ الإلهي والاتصال المعنوي الذي رفعهما مرر حضيض الغار وحجبهما بسرادق حفظ لا تصل إليه أقدام الأفكار، فما بالك بأقدام الكفار، ومثله ما نحن فيه فإق كون طائفة مع كلب ليس مما يخص(6/88)
هؤلاء
فيمدحوا به لكثرته في رعاء الشاء فيلاحظ فيه معنى وهو أنّ أخس الحيوانات تصذي لحفظهم وبذل نفسه في ملازمة أعتابهم حتى التحق بهم وعد معهم وتشرف بذكر الله له، ولذا قال خالد بن معدان: ليس في الجنة من الدواب إلا كلب أهل الكهف وناقة صالح وحمار العزير، وقال بعضهم: من أحب أهل الخير نال بركتهم ... كلب أحب أهل فضل وصحبهم فذكره الله معهم في القرآن، فالتنظير في مجرد ذكر أمر عام يلوّح إلى أمر خاص هو المقصود منه والداعي إلى ذكره وبهذا يتعين كونه صفة في الآية والحديث لأنه الأصل في الجمل المادحة فهو نظيره مع قطع النظر عن الصفتين والموصوفين، ولذا قال: كلا ولا ولم يذكر التثمين لاحتماله التلقين كما مرّ، قال: في قوانين البلاغة من محاسن الكلام نوع يقالى له التتبيع وهو أن يتجاوز عن المذكور إلى معنى آخر، كقوله:
نؤم الضحا لم تنتطق عن تفضل
أراد أنها مترفة مخدومة من بنات ذوي النعم والا فلا مدح فيه، وهذا ما أشار إليه قدّس
سره وإنما أطلنا ذيول الكلام فيه للحمية العلمية فإن بعض أهل العصر لم يفهمه فشنع عليه قائلا أنه سوء أدب يؤذي إلى الافتضاح في يوم تشخص فيه الأبصار حيث قابل جناب رب العالمين بأخس مخلوقاته وكفره بهذا ونسب إليه ما لا يصدر عن عاقل فضلا عمن كان في عصره صدر الأفاضل، وكتابه المذكور يقرأ وينسخ على صفحات الدهور. قوله: (فلا تجادل في شأن الفتية الخ) فسر المماراة بالمجادلة وقد فرق بينهما الراغب بأن المجادلة المحاجة مطلقا والممارة المحاجة فيما فيه مرية أي تردد لأنها من مريت الناقة إذا مسحت ضرعها للحلب، وقوله: من غير تجهيل لهم أي تصريح بذلك وان كان في قص ما يخالفهم ذلك، وقوله: ولا تسأل أحداً منهم عن قصتهم الخ لأنّ السؤال إما للاسترشاد أو للتعنت وكلاهما غير لائق بمقامه تخيب، كما أشار إليه، وأمّا كونه لتطييب خواطرهم أو ليظهر عدم علمهم فيرشدهم إليه كما يسأل الأستاذ تلميذه عن مسألة ثم يدّكرها له فلا مغ منه إن اقتضته الحال، والمندوحة السعة والمراد بها هنا الغني عنه، والتزييف بيان زيف الدراهم أي مغشوشها وهو هنا بمعنى الردّ استعارة منه. قوله: (نهى تأديب) أي المقصود تعليمه ذلك كما سيبينه وقوله: حين قالت الخ ظرف قوله: نهى
تأديب، وقوله: فسألوه فقال في نسخة فقال بدون فسألوه فالفاء فصيحة. قوله: (ولم يستثن) أي لم يقل إن شاء الله فإن الاستثناء يطلق على التقييد بالثرط في اللغة والاستعمال كما نص عليه السيرافيّ في شرح الكتاب، قال الراغب: الاستثناء رفع ما يوجبه عموم سابق كما في قوله: قل لا أجد فيما أوحى إليّ محرّماً على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو رفع ما يوجبه اللفظ كقوله: امرأته طالق إن شاء الله اهـ، وفي الحديث من حلف على شيء فقال: إن شاء الله فقد استثنى فما قيل إن كلمة إن شاء الله تسمى استثناء لأنه عبر عنها هنا بقوله: إلا أن يشاء الله ليس بسديد، وكذا ما قيل إنها أشبهت الاستثناء في التخصيص فأطلق عليها اسمه، وقوله: بضعة عشر يوما في السير أنه في قول ابن إسحق: خمسة عشر يوما وفي سير النعمى أنه أبطأ عنه ثلاثة أيام، وقوله: وكذبته أي شنعت في تكذيبه واستمرت عليه. قوله: (والاستثناء من النهي أي ولا تقولق لأجل شيء) يعني أن اللام لام الأجل والتعليل لا لام التبليغ، وقوله: تعزم عليه تخصيص للشيء بقرينة المقام، وقوله: فيما يستقبل إشارة إلى أن اسم الفاعل مراد به الاستقبال لأنه حقيقة فيه والى أنّ الغد ليس المراد به اليوم الذي يلي يومك بعينه بل ما استقبلك مطلقا قيل ولا مانع من إرادة ذلك، وقوله: إلا بأن يشاء الله إشارة إلى أنه استثناء مفرغ من أعم الأحوال المقدرة بعده وفيه باء ملابسة مقدرة قبل أن أي لا تقولن إني فاعل شيئا غداً ملتبساً بحال من الأحوال إلا ملتبسا بحال مشيئة الله أي بأن تذكرها فتقول إني فاعله إن شاء الله، فقوله: ملتبسا إشارة إلى أنّ الجار والمجرور حال، وقوله: قائلاً تفسير لمعنى الملابسة بينه وبين المشيئة، وقيل إنه إشارة إلى أنّ فيه مضافا مقدرا أي بذكر مشيئة الله، قال في الكشف لأن التباس القول بحقيقة المشيئة محال، ورد بأن معنى التباسه بها تعلقها على مذهب أهل الحق لا الالتباس الحسي فالصواب أن يقال: إنه لو أريد الالتباس بحقيقة المشيئة لم يبق للنهي معنى إذ كل موجود كذلك، وفيه أنّ ما ذكره ليس من التباس حقيقة المشيئة في شيء بل هو(6/89)
التباس متعلقها وفرق بينهما، مع أنه أيضا غير صحيح لما ذكره فهو تأييد له لا رد عليه فتدبر.
قوله: (أو إلا وقت أن يشاء الله أن تقوله (فهو أيضا استثناء مفرّغ من النهي والمستثنى منه
أعم الآوقات لا من أعم الآلات والأسباب كما توهم، أي لا تقل ذلك في وقت من الأوقات إلا في وقت تذكر فيه مشيئة الله فالمصدر المؤول مقدر بالزمان وفسر المشيئة على هذا الوجه بالإذن من الله لأن وقت مشيئة الله لشيء لا تعلم إلا بإعلامه به وإذنه فيه، وعلى هذا فمعنى
الآية كقوله: {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [سورة النجم، الآيتان: 3 و 4] ويكون هذا مخصوصا بالنبيّ صلى الله عليه وسلم وهو مناسب لقول المصنف: تأديب من الله لنبيه صلى الله عليه وسلم كما يدل عليه سبب النزول وعلى الأوّل هو تأديب للأمة كما أشار إليه الطيبي وعدم الاختصماص به يعلم بطريق الدلالة، وأمّا القول بأنه لا يلزم ذلك من المنع في غد لاحتمال المانع عنه فيما بعده لأنّ الزمان باتساعه قد ترتفع الموانع فيه أو تخف، فلا تتأتى الدلالة فليس بشيء لأنه مجرّد احتمال لم ينشأ من دليل والمانع عام شامل للموت واحتماله في الزمن البعيد أقوى، فمن قال إنه تضييق على الناس لم يقف على مرادهم وكذا ما قيل إنه على مذهب المعتزلة من أنّ الأمر عين الإرادة أو يستلزمها ولذا أخره المصنف رحمه الله وقدمه الزمخشريّ، وإنما أخره المصنف لأن المتبادر منه الأوّل فتدبر. قوله: (ولا يجوز تعليقه بفاعل الخ الما بين أنه مستثنى من مدخول النهي على الوجهين كما بينه أشار إلى أنه لا يجوز أن يكون مستثنى من قوله: إني فاعل أي مما في حيزه استثناء مفرغا من أعم الأحوال، أو الأوقات لفساد معناه لأنه يصير تقديره إني فاعل بكل حال أو في كلى وقت إلا في حال أو وقت مشيئة الله ومآله النهي عن أن يقول إني فاعل إن شاء الله وهذا لا يقوله أحد كما قاله ابن الحاجب رحمه الله، وأمّا ما قيل عليه أنه صحيح ومعناه النهي عن أن يذهب مذهب الاعتزال في خلق الأعمال فيضيفها لنفسه قائلا إن لم تقترن مشيئة الله بالفعل فأنا فاعله استقلالاً فإن اقترنت فلا فمع ما فيه من التعسف الذي لم يقع مثله في القرآن ولذا لم يعرج عليه أحد من المفسرين مع ما في الآية من التأويلات لأن المستثنى إما عدم ذلك الفعل أو وجوده، أمّا على الأوّل فلأنه يصير المعنى إني فاعل في كل حال إلا إذا شاء الله عدم فعلى وهذا لا يصح النهي عنه أما على مذهب أهل السنة فظاهر وأمّا على مذهب المعتزلة فلأنهم لا ينكرون أنّ مشيئة الله لعدم فعل العبد الاختباري إذا عرضت دونه بإيجاد ما يعوق عنه، كموت ونحوه منعت عنه وإن لم يكن ذلك بإيجاده واعدامه، ولذا قال في الكشف: إنّ ما ظنه صاحب الانتصاف من أنه مخالف لأصولهم كلام نشأ عن عدم التدبر، وهو مأخذ هذا القائل ولم يسلمه أحد من شراح الكشاف، وأما على الثاني فلا يصح النهي أيضا لأنّ فعل ما شاء الله وجوده لا ينهى عنه عندنا ولا عندهم فتأمل، وقيل إنه على الاستثناء من النهي منقطع والمقصود منه التأبيد أي لا تقله أبداً، كقوله: خالدين فيها إلا ما شاء الله والمعنى لا تقولن فيما يتعلق بالوحي إني أخبركم به إلا أن يشاء الله والله تعالى لا يشاء أن يقوله من عنده فهو لا يقوله أبداً فهو على حد قوله: لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى. قوله: (واستثناء اعتراضها) أي مشيئة الله دونه أي الفعل لا يناسب النهي لما عرفت من أنه معنى صحيح لا ينهى عنه وأما كونه ردّ المذهب المعتزلة فقد عرفت رذه. قوله: (مشيئة ربك وقل إن
شاء الله (يعني أنه على حذف مضاف أي مشيئة ربك لا إنه حذف منه كلمتان أي بمشيئته كما قيل: وقل إن شاء الله بيان لكيفية ذكر المشيئة وفسره بما ذكر لدلالة ما كبله عليه وذكر الحديث لدلالته على هذا التفسير، وهو ظاهر، وقوله: ثم تذكرف قيد لا بدّ منه لأنه ما دام ناسيا لا يؤمر بذكزه، وقوله: ما لم يحنث لأنّ عدم الحنث يستلزم تذكر اليمين وهو في قوّة ذكره فكأنه متصل به، وقوله: وعامة الفقهاء أي أكثرهم إذ فيه خلاف ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، ومن تابعه وهو رواية عن أحمد والشافعيّ، موافق للجمهور ولا وجه لما قيل إنه مع ابن عباس رضي الله عنهما، وقيل إنه يصح ما لم يقتم من مجلسه، وقوله: لم يتقرر إقرار ولا طلاق الخ، أي لم يثبت لأنّ للحالف أن يقول استثنيت بعد ذلك أو أستثني، وفي نسخة لم يتصؤر أي لم يتصوّر بقاؤه وتقرره والأولى أصح وأظهر.
تنبيه: فيما قاله المصنف رحمه الله تعالى بحث فإنّ الإمام(6/90)
الخيفري، قال في ى ب الخصائص أنّ من خصائصه صلى الله عليه وسلم أنه كان له أن يستثني بعد حين بخلاف غيره لما روى الطبرانيّ في الكبير بسند متصل عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: واذكر ربك إذا نسيت، قال إذا نسيت الاستثناء فاستثن إذا ذكرت وهي لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة. اهـ وهو مذهب الشافعية ومنهم المصنف فيجوز الفصل للنبيّ صلى الله عليه وسلم دون غيره وكان عليه تفصيله فإن كلامه يوهم خلافه، وليس هذا قول ابن عباس ففي المسألة ثلاثة أقوال منع الفصل مطلقاً وجوازه مطلقا والتفصيل بين النبيّ صلى الله عليه وسلم وغيره. قوله: (ولم يعلم صدق ولا كذب) في الإخبار عن الأمور المستقبلة دون الماضي والحال فإنه لا يجري فيه التعليق فإذا قال فعلت كذا إن وقع فصدق والا فهو كذب وعدم ظهور الكذب ظاهر، إذا قال افعل كذا، ولم يفعل لاحتمال تعليقه بالمشيئة بعده ولكونه غير متحقق لم يعلم صدقه أيضا ولذا لا يصدق في القضاء إذا قال: نويته فما قيل إنّ عدم العلم بالكذب ظاهر في الصدق لأنه إذا قال أحد افعل كذا وفعل علم صدقه، ليس بشيء لأنه إذا تردد في نقيض شيء لزم التردّد فيه وإلا فهو قطعي وهذا غنيئ عن البيان فلا حاجة إلى التثبت بأجوبة واهية ذكرها بعض أرباب الحواشي. قوله: (وليس في الآية والخبر الخ (جواب عما تمسك به من جوز تأخيره من الآية على تفسيره الأمر فيها بالمشيئة بعد أيام والحديث المذكور
فيه أنه قال: إن شاء الله بعد نزولها فهو دال أيضا على ذلك فدفعه بأن المشيئة المذكورة فيهما ليست مقيدة لقوله: أخبركم غداً السابق في القصة حتى يقوم دليل على ما قلتم بل هو استثناء من أمر مقدر فيه والتقدير كلما نسيت ذكر الله اذكر حين التذكر إن شاء الله، وما في الحديث تقديره لا أنسى المشيئة بعد اليوم ولا أتركها إن شاء الله أو أقول إن شاء الله إذا قلت إني فاعل أمراً فيما بعد، وقوله: ويجوز الخ جواب آخر بأن الآية لا يتعين فيها التأويل السابق الذي تشبثتم به، وقوله: مبالغة في الحث عليه أما دلالة التسبب ح عليه فلأنه يستعمل للتعجب والتعجب من تركه يقتضي أنه لا ينبغي الترك ويشعر بأنه ذنب مع أنّ الخطأ والنسيان معفوّ، واعتراك بمعنى عرض لك، وقوله: إذا نسيت الاستثناء يعني ثم تذكرته وقيل إن هذين القولين ليس فيهما شديد ارتباط بما سبق، وقوله: ليذكرك المنسيّ دليل على أن المراد نسيان شيء من الأشياء والمنسيّ اسم مفعول لنسي أصله منسوي أو من التفعيل بفتح السين والقصر وقوله وعقابه عطف تفسير للمراد بذكره أو إشارة إلى تقدير مضاف، وقوله: ما أمرك به شامل لأمر الإيجاب والندب، وقوله: وأظهر دلالة فأقرب بمعنى أظهر والرشد الدلالة، وقوله: من نبا صلة أفعل المقدرة، وقوله: إلى قيام الساعة متعلق بالنازلة أو المستقبلة أو هما تنازعا فيه وتقييده بذاك لا ينافي الإخبار عما بعدها مع أن التقييد بها لأنه الدال على نبوّته. قوله: (أو أدنى خيراً من المنستي) فأقرب بمعناه الحقيقي ورشداً بمعنى خيرا وهذا معنى آخر للآية ولما جعل اليهود بيان قصة أصحاب الكهف دليلاً على نبوّته صلى الله عليه وسلم هوّن الله أمرها بقوله: قل عسى الخ كما هوّنه في الأوّل بقوله: أم حسبت الخ. قوله: (وهو بيان لما أجمله (من مدة لبثهم أوّلاً في قوله سنين عدداً إلا أنه حينئذ يحتاج إلى بيان وجه العدول عن المتبادر وهو ثلثمائة وتسع سنين مع أنه أخصر، وأظهر فقيل للإشارة إلى أنها ثلثمائة بحساب أهل الكتاب بالأيام واعتبار السنة الشمسية وثلثمائة وتسع بحساب العرب واعتبار القمرية بياناً للتفاوت بينهما وقد نقله بعضهم عن عليّ رضي الله عنه، واعترض! عليه بأنّ دلالة اللفظ عليه غير ظاهرة مع أنه لا يوافق ما عليه الحساب والمنجمون كما قاله الإمام، ولذا قيل إنّ روايته عن عليئ كرّم الله وجهه لم تثبت وفيه بحث فإن وجه الدلالة فيه ظاهر لأنّ المعنى لبثوا ثلثمائة سنة وتسعا زائدة على حساب غيرنا والعدول عن الظاهر يشعر به والتفاوت ما ذكر كما بينوه لكنه تقريبيّ كما بين في محله، وقال الطيبي رحمه الله: وجهه أنهم لما استكملوا ثلثمائة سنة قربوا من الانتباه، ثم اتفق ما أوجب بقاءهم نائمين تسع سنين، وقيل إنهم انتبهوا قليلا ثم رذوا إلى حالتهم الأولى فلذا ذكر إلازدياد
اوفيه نظر. قوله: (وقيل إنه حكاية كلام أهل الكتاب الخ(6/91)
(فيكون من مقول سيقولون السابق وما
بينهما اعتراض، ويؤيده أنه قرئ وقالوا: ويكون ضمير وازدادوا لأهل الكتاب، وهو في الأول لأهل الكهف ويظهر فيه وجه العدول لأنّ بعضهم قال: ثلثمائة وبعضهم قال إنه أزيد بتسعة. قوله: (بالإضافة على وضع الجمع موضع الواحد (إشارة إلى أنّ الأصل في تمييز المائة أن يكون مفرداً مجروراً بالإضافة، وأمّا نصبه فشاذ كقوله:
إذا عاش الفتى مائتين عاما
وأمّا على قراءة التنوين هنا فليس تمييزاً كما سيأتى بيانه، فلذا قال إنّ الجمع فيه وضع
س ضع الواحد الذي هو الأصل، وقد تبع فيه الزمخشري، وهو مخالف لقول ابن الحاجب أنّ الأصل في التمييز مطلقاً هو الجمع لكنه يعدل عنه لغرض، ولك أن تجمع بينهما بأن الجمع أصل بحسب الوضع الأصلي والقياس والأفراد أصل بحسب الاستعمال لغلبته فيه بلا شبهة ولولا هذا الاعتبار لكان قوله: هذا مخالفا لقوله، والأصل في العدد إضافته إلى الجمع وتوله: إنّ علامة الجمع فيه جبر أي ليست متمحضة للجمعية لأنّ أصل هذا الجمع أن يكون للمذكر العاقل السالم، وهذا ليس كذلك ولكنهم قد خالفوه فيما حذف منه حرف كسنين وثبين وعضين جبرا له، فلكونها كالعوض أجرى مجرى ما لا علامة جمع فيه، وأصل سنة سنهة أو سنوة على الخلاف فيه وما قيل من أن كلامه هذا يشعر بأن الوضع المذكور صحيح في نفسه والأمران محسنان وليس كذلك، فالأولى أن يجعل ثانيهما مصححا والأوّل محسنا ليس بشيء لأنه لا شك في صحته في نفسه كما صرّح به في التسهيل. قوله: (ومن لم يضف أبدل السنين من ثلاث) أو جعله عطف بيان وهو أولى وجوّز فيه الجرّ على أنه نعت لثلثمائة ولم يجعله تمييزاً لما مرّ، وقال الزجاج: لو كان تمييزاً لزم أن يكونوا لبثوا تسعمائة سنة، قال ابن الحاجب: ووجهه أنه فهم من لغتهم أنّ مميزا لمائة واحد من مائة كما إذا قلت: مائة رجل، فإنّ كل واحد من المائة رجل، ولو كان كل واحد من الثلثمائة سنين وأقلها ثلاثة كانت تسعمائة سنة، ورد بأنّ هذا الذي ذكره مخصوص بالتمييز المفرد وأمّا إذا كان جمعا كثلاثة أثواب فلا، بل هو كتقابل الجمع بالجمع ولا وجه لتخصيص هذا الإشكال بنصب سنين تمييزاً كما في شروح الكشاف بل هو وارد على الإضافة أيضاً وقد نقله الرضي عن ابن الحاجب فقال: وهذا الذي ذكره الزجاج يرد على قراءة حمزة والكسائيّ بالإضافة، فتدبر. قوله: اله ما غاب فيها وخفي) يعني أنّ غيب مصدر بمعنى الغائب والخفي جعل عينه مبالغة فيه ومن أحوالها بيان لما، وقوله: فلا خلق أي مخلوق من الأجسام ونحوها يخفى عليه لأن من علم خفي الأحوال ومغيبها علم غيرها بالطريق الأولى ولذا أتى بالفاء التفريعية، وعلما تمييز. قوله: (للدلالة على أنّ أمره ني الإدراك الخ) قيل
يعني ليس المراد حقيقة التعجب لاستحالته عليه تعالى، فالمراد أنه أمر عظيم من شأنه أن يتعجب من أمثاله) أقول (التعجب من العجب وهو ما يعرض عنه استعظام الأشياء التي تجهل أسبابها وتقل، وصدوره من الله بلفظ العجب أو ما يدل عليه لا يجوز كما صرّج به في الكشاف في محل آخر وذكره عامة النحاة ولذا أوّلوا ما ورد في الحديث من قوله جمييه: " عجب ربكم، ونحوه وأما صدوره من الناس بأن يتعجبوا من بعض صفات الله أو أفعاله، كقولهم: ما أعظم الله، وفي الحديث ما أحملك عمن عصاك وأقربك ممن دعاك وأعطفك على من سألك وقال الشاعر:
ما أقدر الله أن يدني على شحط من داره الحزن ممن داره صول. 00
وهو كثير في كلامهم فقد ارتضى أكثر أهل العربية كالمبزد والفارسي أنه جائز، وسئل ابن
هشام عنه فكتب رسالة في جوازه وما نحن فيه من القبيل الثاني لاندراجه تحت القول، وقد جوّزوا فيه أن يكون حقيقة فما ذكروه ناشئ من عدم الفرق بين المقامين وليس هذا محل تفصيله، فإن قلت بعدما بين الله مدة لبثهم بقوله: {ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا} [سورة الكهف، الآية: 25] ما وجه ذكر: {قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا} [سورة الكهف، الآية: 26] قلت أما على الوجه الثاني وهو أنه حكاية عن تردد أهل الكتاب في أنه ثلثمائة وتسع فظاهر وأما على الأوّل فالمراد أنّ الله أعلم(6/92)
بحقيقة ذلك وكيفيته وهو بعد الإخبار عنه إشارة إلى أنه بإخبار الله وإعلامه لا من عنده وأمّا احتمال أن السنين شمسية أو قمرية والتسع سنين أو شهوراً فليس بشيء. قوله: (والهاء تعود إلى الله (أي في قوله به وهذان المذهبان في إعراب هذه مشهوران مبسوطان في العربية، وقوله: صار ذا بصر يعني أن الهمزة للصيرورة لا للتعف. يئ كأغذ البعير أي صار ذا غدة ونقله إلى صورة الأمر ليدل على أنه قصد به معنى إنشائي لتعيينه فيه بخلاف الماضي فإنه خبر في اكثر وقد يرد للإنشاء كنعم وبئس، وقوله: لياق وفي نسخة لياقة بفتح اللام بمعنى مناسبة صيغة الأمر له بحسب الظاهر لأنه ضمير غائب وفاعل الأمر أبداً ضمير مخاطب مستتر فأبرز لذلك وله محلان رفع وجر ومثله كثيراً، ولدخول الباء الزائدة عليه، وتصييره مجروراً وهو لا يستتر إذ المستتر لا يكون الأمر فرعا ولذا حذف من قوله: أسمع مع أنّ الفاعل لا يجوز حذفه
لكنه لما صار فضله أعطى حكمه كما صرّج به الرضي وغيره، وقوله: نقل إلى صيغة الأمر أي حوّل إليها فصار في صورة الأمر وليس المراد به ذلك بل إنشاء التعجب، وما قيل إنّ المراد أنه لم يشتق من الفعل كغيره من الأوامر بل سكن آخره فلا يرد عليه أن كون الأمر بمعنى الماضي غير معروف بل عكسه لا وجه له فإنه ليس أمراً بل إنشاء كبعت واشتريت، وليت شعري ما يقول في كسر صاده ومثل هذا من التعسف البارد وكون الماضي لا يرد بمعنى الأمر غير مسلم ألا ترى أن كفى به بمعنى اكتف به عند الزجاج، كما سيأتي وفي الحديث اتقى الله امرؤ فعل خيرا يثب عليه كما ذكره ابن مالك وله نظائر وان كان عكسه أشهر، وقوله: عند سيبويه أي مذهبه أنه فاعل فحذف اكتفاء بما قبله والباء مزيدة فيه ليتصوّر التلفظ به، وقال الزجاج: إن الباء في كفى به دخلت لأنه بمعنى اكتف به وهو حسن. قوله: (والنصب على المفعولية) معطوف على قوله: الرفع على الفاعلية وما عزاه إلى الأخفش كغيره عزاه الرضي إلى الفرّاء، وقوله: والفاعل ضمير المأمور وهو كل أحد لأنّ المراد أنه لظهوره يؤمر كل أحد لا على التعيين بوصفه بما ذكر ولذا لم يثن، ويؤنث ويجمع لأنه غير متصرف وثمرة الخلاف تظهر فيما اضطرّ إلى حذف الباء فعلى الأوّل يلزم رفعه وعلى هذا يلزم نصبه ويرجح كون الهمزة للتعدية كونها أكثر وكونها للصيرورة لأن الأصل عدم الزيادة. قوله: (الضمير لآهل السموات والأرض (المعلوم من ذكر السموات والأرض قبله، وقيل لأصحاب الكهف أي مالهم من يتولى أمرهم ويحفظهم غيره، وقيل: للمختلفين في شانهم أي لا يتولى أمرهم غير الله فهم لا يقدرون بغير أقداره فكيف يعلمون ذلك بغير إعلامه ولا يخفى بعده، وفسر الحكم بالقضاء لأنّ به تنفيذ ما قدره. قوله: (مثهم) أي من أهل السموات والأرض، وقوله: على نهي كل أحد لا نهي النبيّ صلى الله عليه وسلم لأنه لا يتصور منه ذلك ولو جعل له صلى الله عليه وسلم لكان تعريضا بغيره كقولي:
إياك أعني فاسمعي يا جاره
فيكون مآله إلى هذا ويحتمل أن يكون المعنى لا تسأل إحداهما لا تعرفه من قصة أهل الكهف ولبثهم واقتصر على ما يأتيك من الوحي وهذا أشدّ مناسبة لقوله: واتل الخ وهو موافق للمعنى على الغيبة. قوله: (ثم لما دلّ اشتمال القرآن على قصة الخ) على الأولى متعلقة باشتمال والثانية بدلّ، وقوله: من حيث تعليل للدلالة على إعجازه، وقوله: بالإضافة الخ
لإخراج بعض أهل الكتاب وإعجازه بذلك لا ينافي كونه معجزا ببلاغته فليس مبنيا على القول المرجوح، وقوله: أمره جواب لما فإن قلت دلالته على ما ذكر تستلزم الأمر بملازمة الدراسة في الجملة لا ما عطف عليه، قلت الظاهر أنها قضية اتفاقية مسوقة لبيان ارتباط هذه الآية بما قبلها كما تقول لما قدم زيد طلعت الشمس ولا ملازمة فيها عقلا ولا عادة فلا يرد عليه شيء حتى يدفع بأنّ المعطوف بمنزلة التفسير، لأنّ المراد من درس الوحي تلاوته على أصحابه من غير التفات لمن طلب تبديله إذ هو كاف للموحد، وهذا مبنيّ على أن اتل بمعنى اقرأ، ويحتمل أنه من التلوّ بمعنى اتبع ما أوحي إليك من ربك وألزم العمل به. قوله: (لا أحد يقدر على تبديلها الخ) دفع لما يرد على ظاهره من أنّ التبديل واقع لقوله: هاذا بدلنا آية الخ بأنّ المنفي تبديل غيره تعالى له، وأمّا هو فقدرته شاملة لكل(6/93)
شيء يمحو الله ما يشاء ويثبت، ومنهم من خص الكلمات بالخبر لأنّ المقام للإخبار عن قصة أهل الكهف وهو لا يبدل أي ينسخ وكون المنسوخ ثابتا إلى وقت النسخ لا ينافي كونه تبديلاً كما توهم، ونفي القدرة لأنه في الواقع كذلك ونفيها يستلزم نفي التبديل بالفعل. قوله: (ملجأ تعدل إليه (اللحد والإلحاد حقيقته الميل والعدول والملتجئ إلى شيء يعدل عن غيره إليه فلذا ورد بمعنى الملجأ، وقوله: إن هممت إشارة إلى أنه على الفرض والتقدير إذ هو صلى الله عليه وسلم بل خلص أمته لم يلتجؤوا لغير الله. قوله: (احبسها وثبتها) يشير إلى أنّ أصل معنى الصبر الحبس ومنه صبرت الدابة حبستها لتعلف، ثم توسع فيه فاستعمل في الثبات على الأمر وتحمله ومنه الصبر بمعناه المعروف ولم يجعله منه هنا لتعذيه ولزوم الآخر قيل وهذه الآية أبلغ من قوله في سورة الأنعام {وَلاَ تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم} [سورة الأنعام، الآية: 52] الآية وقد مرّ. قوله: (في مجامع أوقاتهم) هذه العبارة تستعمل للدوام كما يقال: {بُكْرَةً وَأَصِيلًا} وهو محتمل هنا وقد فسره به المصنف رحمه الله في سورة الأنعام فمجامع في كلامه إن كان جمع مجمع كمقعد ومنزل اسم مكان كما هو المشهور فيه، فإضافته للأوقات بتقدير مضاف أي مجامع صلوات أوقاتهم الخمس، أو مجامع أوقات صلاتهم الخمسة، كما روي عن مجاهد وغيره وان كان اسم زمان فإضافته بيانية، والمراد أوقاتهم الجامعة لهم وهي تلك الأوقات أيضاً، وان كان مصدرا فإنّ مجمعاً يكون بمعنى الجمع كما في المصباح وأريد به المجموع فهو بمعنى الدوام وأمّا كونه جمع مجموع فلا وجه له، وعلى الثاني فأخذه من النظم لأنّ هذه العبارة شائعة فيه وأمّا على الأوّل فلأنّ اجتماعهم مع النبيّ صلى الله عليه وسلم في الأكثر لذلك وعبارة المصنف لا تخلو من الركاكة، وبما قرّرناه سقط ما قيل من أنّ الأولى أن يفسر بالدوإم لأنه المعروف وليس في الآية ما يدلّ على دعائهم مجتمعين في أوقات
الصلوات، ثم الظاهر أن يفسر مجامع أوقاتهم بمحال اجتماعهم للذكر والدعاء مطلقا، وهو مما يدلّ عليه تعميمهم للدعاء لأنّ سبب النزول قول المؤلفة للنبيّ صلى الله عليه وسلم: لو جلست في صدر المجلس ونحيت هؤلاء وأرواح خيلهم جلسنا إليك وأخذنا عنك فنزلت هذه الآية فالتمسهم النبيّ صلى الله عليه وسلم في مؤخر المسجد يذكرون الله على ما روي في أسباب النزول وهو مما لا غبار عليه، وقوله: أو في طرفي النهار فهو على ظاهره وخصهما لأنهما محل الغفلة والاشتغال بأمورهم، ويحتمل أن يريد به الدوام أيضاً. قوله: (وفيه أن غدوة علم في الأكثر (يعني أنّ اكثر في استعمال العرب له أن يستعمل علم جنس ممنوعا من الصرف فلا تدخل عليه ألف ولام لأنه لا يجتمع في كلمة تعريفان وهذا هو اكثر لكن سيبويه والخليل ذكراً أن بعض العرب ينكرها فيقول: جاء زيد غدوة بالتنوين وعلى هذه اللغة خرجت هذه القراءة وقد قال الرضي أنه يجوز استعمالها، كذلك اتفاقاً فقوله على تأويل التنكير جواب عن سؤال مقدر بأنه نكر كما ينكر العلم الشخصي في قولهم: حاتم طيئ وزيد المعارك إلا أن الجواب السابق أحسن دراية ورواية لأنّ التنكير في العلم الشخصي ظاهر وأما في الجنسي ففيه خفاء لأنه شائع في أفراده قبل تنكير. فتنكيره إنما يتصوّر بترك حضوره في الذهن الفارق بينه وبين النكرة، وهو خفيّ فلذا أنكره الفناري في حواشيه على التلويح في تنكير رجب علم الشهر فتدبر. قوله: (رضا الله وطاعته) قيل إته يريد أن الوجه بمعنى الذات وفيه مضاف مقدر) أقول (الأحسن أن مراده ما قاله الإمام السهيلي في الروض من أنّ الوجه إذا أضيف إلى الله يراد به الرضا والطاعة المرضية مجازاً لأنّ من رضي على من أطاعه يقبل عليه، ومن غضب يعرض! عنه، وأمّا ما قيل من أنه يشير إلى أنّ الوجه بمعنى الذات ولو أسقط لفظ الرضا كان أبلغ فإذا أراد الرضا فقط فلا وجه له، وان أراد مع ما عطف عليه فله وجه على ما قرّره، وجملة يريدون حال من فاعل يدعون. قوله: (لا تجاوزهم نظرك الخ (إشارة إلى أن عدا حقيقة معناه تجاوز كما صرّج به الراغب ولما كان التجاوز لا يتعدّى بعن إلا إذا كان بمعنى العفو كما صرّحوا به أيضا وقد أشار إليه بقوله لا تجاوزهم الخ احتاجوا إلى التضمين فما قيل إنه بمعنى تصرف وهو يتعدى بعن(6/94)
من غير تضمين لا يسمع في مقابلة النقل الصحيح، وقوله: لا تجاوزهم بضم التاء من المفاعلة، وهو مجزوم وفاعله ضمير النبيّ صلى الله عليه وسلم، ومفعوله نظرك وعبر بالنظر لأنه المتجاوز في الحقيقة ويحتمل أن يكون إشارة إلى تقدير مضاف في النظم، وما قيل إنه يعني أنّ العين مجاز عن النظر يأباه التثنية وقوله: إنّ تجاوز أصله تتجاوز بتاءين حذفت إحداهما تخفيفا وفاعله نظرك وأنث لتأويله بالعين وهي النظر مجازاً، وهو كناية عن نهي النبيّ صلى الله عليه وسلم على حذ قوله لا أرينك ههنا، تكلف وتعسف لا داعي إليه.
قوله: (لتضميته معنى نبا (أي معنى فعل متعد بعن أي معنى فعل متعد من نبا ينبو نبوّاً
بمعنى علا وبعد المتعدي بعن وأمّا كونه بمعنى الصرف المتعذي بها دون تضمين فليس بمسلم عند الشيخين وكلام القاموس ليس بحجة عليهما، وكون اختياره لما في التضمين من إفادة معنيين فهو أبلغ لا يتأتى إلا إذا سلم أن حقيقته الصرف كما توهم، وقوله: وقرئ ولا تعد أي بضم التاء وسكون العين وكسر الدال المخففة من أعداه وهي قراءة الحسن وتعد بضم التاء وفتح العين وتشديد الدال المكسورة من عداه يعديه وهي قراءة الأعمش والهمزة والتضعيف فيهما ليسا للتعدية كما في الكشاف، بل هما مما وافق معنى الثلاثي فيجري فيه التضمين السابق والا لتعدّى بنفسه كما في البحر رذاً على الزمخشري ولذا تركه المصنف. قوله: (والمراد نهي الرسول صلى الله عليه وسلم الخ) أي على جميع القرا آت، وقوله: أن يزدري بفقراء المؤمنين أي يحقرهم وهو يتعدى بالباء كما قاله الراغب فلا حاجة إلى القول بأنّ الباء زائدة أو أنه مضمن معنى الاستخفاف، وقوله: تعلو عينه والعلوّ يتعدى بعن قال تعالى: {سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ} [سورة الإسراء، الآية: 43] وبه صرّح الراغب وعلوّ العين عنه أن لا ينظر إليه وينظر لما فوقه حساً أو معنى وهو يقتضي تجاوزها فلذا قيل إن تعد مضمن معنى تعل واليه أشار المصنف رحمه الله، ومن لم يفهمه قال إنه عدى عدا بعن لتضمينه معنى التجاوز أو عن بمعنى من الأجلية، والرثاثة بلا الثياب ونحوها، والزفي بكسر الزاي وتشديد الياء الهيئة والمراد به اللباس وطموحا بمعنى ارتفاعاً وانصرافا وهو مفعوله له أو حال والى متعلق به، وطراوة في مقابلة الرثاثة مجاز عن كونه جديداً غير بال، والأغنياء جمع غنيّ ضدّ الفقير. قوله: (حال من الكاف في المشهورة) أي في القراءة الأولى المشهورة في السبعة المتواترة وهو حال من كاف عيناك وجازت الحال منه لأنه جزء المضاف إليه، فلا غبار عليه كما توهم ولا حاجة إلى إقحام العين. وأمّا على القراءتين الأخيرتين: فهو حال من فاعله المستتر وأمّا كونه حالاً من عيناك، والقول بأن أفراد الضمير لكونهما في حكم عضو واحد أو للاكتفاء واسناد الإرادة إلى العين مجاز كما في قولهم: استلذته عيني واستملحته فهو د! ان صح عدول عن الظاهر من غير داع. قوله: (جعلنا قلبه غافلاَ (يعني أن همزته لتعدية غفل بمعنى صار ذا غفلة خلقها الله فيه عن ذكر الله لاشتغاله بحطام الدنيا عن ذكره فضلاً عن معرفته ومعرفة من تقرب إليه وما أشار إليه مرّ في
الأنعام، وحلية النفس ما تتحلى وتتزين به من المعارف الإلهية وزينة الجسد اللباس، وقوله: وأنه لو الخ معطوف على أن الداعي، وقوله: كان مثله في الغباوة أي عدم الفطنة وكان الأليق بالأدب أن يترك هذه العبارة ويتأدب بآداب الله في مقام شرف نبيه صلى الله عليه وسلم. قوله: (والمعتزلة لما غاظهم) هذا هو الصحيح من النسخ أي أوقعهم في الغيظ للحمية الجاهلية لمذهبهم في عدم نسبة الأفعال القبيحة إلى الله وانكار أنها بخلقه لظهور هذه الآية في مخالفتهم وفي نسخة غلظهم باللام المشددة أي أوقعهم في الغلظة والعصبية. قوله: (قالوا إنه مثل أجبنته إذا وجدته كذلك) أي جبانا والوجدان على أمر يقتضي أنه ليس بفعله وايجاده وكذا نسبته إليه أي وصفه كفسقته أي نسبته إلى الفسق. قوله: (أو من أغفل إبله إذا تركها) غفلاً من غير سمة وعلامة بكيّ، ونحوه ومنه إغفال الخط والكتاب لعدم إعجامه فهو استعارة لجعل ذكر الله الدال على الإيمان به كالسمة لأنه علامة لسعادة الدارين كما جعل ثبوت الإيمان في القلب بمنزلة الكتابة فمعنى تركهم غير موسومين بالإيمان تمكينهم من الكفر لا خلقه عندهم. قوله: (واحتجوا على أن المراد ليس ظاهر ما ذكر)(6/95)
من كون الإغفال فعل الله بقوله: واتبع هواه حيث أسند اتباع الهوى إلى العبد الدال على أنه فعله لا فعل الله، ولو كان فعل الله والإسناد مجازيّ لقيل: فاتغ بالفاء السببية لتفرّعه عليه. قوله: (وجوابه ما مرّ غير مرّة) أي من أنّ فعل العبد لكونه بكسبه وقدرته وخلق الله يجوز إسناده إليه بالاعتبار الأوّل والى الله بالاعتبار الثاني، والتنصيص على التفريع ليس بلازم فقد يترك لنكتة، كالقصد إلى الإخبارية استقلالاً لأنه أدخل في الذم وتفويضاً إلى السامع في فهمه، ولا حاجة إلى تقدير فقيل واتبع هواه الخ. قوله: (وقرئ أغفلنا بإسناد الفعل إلى القلب) وجعله فاعلا له هذه القراءة شاذة لابن فائد، والأسواري. وهي من أغفله إذا وجده غافلاً، والمعنى ظننا وحسبنا غافلين عن ذكرنا له ولصنيعه بالمؤاخذة بجعله ذكر الله لعلمه كناية عن مجازاته كما مرّ مراراً. قوله: (مقدّماً على الحق ونبذا له وراء ظهره) فرط بفتح الراء يكون اسما بمعنى متقدم ومصدراً بمعنى التقدم كما ذكره المعرب وغيره ولذا وقع في نسخة تقدما بالمصدر وعليه فنبذا بمعنى رميا على ظاهره على الأولى، كذلك أو بمعنى نابذا، ونبذه ورميه وراء ظهره مجاز عن تركه، وهو تفسير لقوله: مقدما على الحق، وفرس فرط أي سابق لغيره، وقوله: ومنه الفرط بسكون الراء مصدر، أي مجاوزة الحد أو بفتحتين بمعنى التضييع. قوله: (الحق ما يكون من جهة الله! تفسير لمقول القول على أن الحق مبتدأ ومن
ربكم خبره، وفيه إشارة إلى أنّ تعريف الحق للجنس وأنّ التركيب يفيد القصر، كقوله: الكرم في العرب وأن القصر فيه إضافيئ بالنسبة إلى مقتضى الهوى وأن معنى كونه من الرب كونه من جهته بوحي وتوقيف ونحوه ومن ابتدائية وهو رد على أمية فيما دعا إليه، وقوله: خبر مبتدأ محذوف أي الموحى إليك ونحوه والجار والمجرور حال مؤكدة من الحق أو خبر بعد خبر، وفيل: إنه فاعل جاء مقدّراً كما صزج به في آية أخرى. قوله: (لا أبالي لإيمان من آمن ولا كفر من كفر (يعني أنّ الأمر والتخيير ليس على حقيقته فهو مجاز عن عدم المبالاة والاعتناء به والأمر بالكفر غير مراد فهو استعارة للخذلان والتخلية بتشبيه حال من هو كذلك بحال المأمور بالمخالفة ووجه الشبه عدم المبالاة والاعتناء به فيهما وهذا كقوله:
أسيئي بنا أو أحسني لا ملومة
كما فصل في غير هذه الآية وهذا رد عليهم في دعائهم إلى طرد الفقراء المؤمنين ليجالسوه ويتبعوه فقيل لهم: إيمانكم إنما يعود نفعه عليكم فلا نبالي به حتى نطردهم لذلك بعدما تبين الحق وظهر، وبهذا ظهر ارتباطه بقوله: وقل الحق من ربكم عل! الوجوه. قوله (وهو لا يقتضي استقلال العبد بفعله الما استدل المعتزلة بهذه الآية على أن العبد مستقل في أفعاله موجد لها لأنه علق فيها تحقق الإيمان والكفر على محض مشيئته لأنّ المتبادر من الشرط أنه علة تامة للجزاء فدلّ على أنه مستقل في إيجادهما ولا فرق بين فعل وفعل فهو الموجد لكل أفعاله أشار إلى دفعه، بأن مشيئته ليست بمشيئة أخرى له د الا لدار أو تسلسل فهي بمشيئة الله لقوله: {وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ} [سورة الإنسان، الآية: 130 فلا يكون مستقلاً فيه لتوقف ارادته على إرادة الله، وأورد عليه أنه لا يلزم من توقف مشيئته على مشيئة الله لها، كون ذلك الفعل بخلق الله وايجاده فكان عليه أن يقول: فمشيئته ليست بموجدة له، وإنما الموجد مشيئة الله وقدرته، ومشيئة العبد مقارنة للفعل لا غير كما هو مذهب الأشعركما وأجيب بأنه سلك طريق المبالغة في إلزامهم يعني تنزلنا وفرضنا أن مشيئة العبد مؤثرة وموجدة للأفعال فمشيئته بمشيئة الله لما مرّ فانتفى استقلاله فيها كما فصله في التفسير الكبير، وأورد عليه أن لهم أن يقولوا: تعلق القدرة والإرادة يستقل به العبد عند حصول الدواعي وحصول الدواعي ليس بموجب للتعلق مع أن لزوم التسلسل في التعلقات لا يختص بإرادة العبد بل يعتم إرادة الله، والجواب أنّ توقف مشيئته على مشيئة الله وتمكينه ثابت بالنص بلا نزاع وإرادة إرادة اليم كإرادته بلا فرق والتوقف عليها مقرّر فلزم عدم استقلاله في الفعل وأن لإرادة الله مدخلا فيه وهو يهدم قاعدتهم، ولا حاجة إلى ذكر حديث التسلسل هنا، وأمّا قوله: يعم إرادة الله فقد قيل إنّ بينهما فرقاً ومن أراد تفصيله فليرجع إلى شرح المقاصد والمواقف وحواشيه فإن السؤال
وجوابه مسطور ثمة. قوله: (فسطاطها (الفسطاط الخيمة وقوله: شبه به(6/96)
ما يحيط بهم من النار يحتمل أنه تشبيه للنار بالسرادق في الإحاطة ويكون مما ذكر فيه الطرفان ووجه الشبه، ويحتمل أن يكون استعارة مصرّحة لتشبيهه لهب النار المنتشر منها في الجهات بالسرادق ويكون قوله: أحاط ترشيحا، ويحتمل المكنية والتخييلية، والسرادق معرب سرابرده أو سراطاق، وقوله: الحجزة بالزاي المعجمة أي ما يحجز ويمنع من الوصول إليه من خندق ونحوه، أو بالمهملة أي الحظيرة التي تجعل حوله، وإطلاقه على الدخان وما بعده الظاهر أنه مجاز على التشبيه وان كان كلام القاموس يوهم خلافه، وقوله: من العطش قدر لقرينة قوله: بعده بماء. قوله: (كالجسد المذاب) إن أراد بالجسد ما يتبادر منه وهو جسد الحيوان فالمراد أنه لغلظه كأنه لحم مذاب بالطبخ، وإن أراد به مطلق الجرم فهو بمعناه ويحتمل أن يريد به جرم المعدنيات فإن أهك الكيمياء اصطلحت على تسميته جسداً فيكون بمعنى ما وقع في نسخة أخرى، وهو كالنحاس، وفي الكاف إشارة إلى أنه لا يخصه لشموله سائر المعدنيان المذابة كما في القاموس وغيره، وهذا هو الموافق للكشاف وكتب اللغة، ودردقي الزيت عكره وما يرسب منه في قعر الإناء. قوله: (وهو على طريقة قوله فأعتبوا بالصيلم (وقولهم: عتابك السيف:
وتحية بينهم ضرب وجيع
والمقصود منه آلهتكم بجعل خلاف ما يرجى مكانه وهل هو استعارة أو تشبيه أو نوع آخر
تقدم تحقيقه في قوله تعالى: {فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} وأن هذا من قصيدة لبشر بن أبي حازم أوّلها:
لمن الديار غشيتها بالأنعم تبدو معارفها كلون الأرقم
ومنها:
غضبت حنيفة أن تقتل عامر يوم النسارفأعتبوا بالصيلم
وحنيفة وعامر قبيلتان من العرب ويوم النسار بكسر النون والسين والراء المهملتين يوم معروف وقعت فيه حرب بينهم، والصيلم كفيصل الداهية وفسره في شرح المفصليات بالسلاج، وأعتبوا بمعنى أزيل عتبهم وفي رواية أعقبوا أي جعل ذلك عاقبة أمرهم فلا شاهد فيه. قوله: (يشوي الوجوه (أي يحرقها وينضجها، وقوله: من فرط حرارته تعليل للشيئ، وقوله: صفة ثانية إشارة إلى أنّ قوله: كالمهل صفة أولى، وقوله: أو من الضمير في الكاف أي المستتر لأنها
اسم بمعنى مشابه فيستتر الضمير فيها كما يستتر فيه وهذا مما ذكره غير المصنف كالمعرب وفسروه بما ذكر ولا يخفى ما فيه من التكلف لأنه ليس صفة مشتقة حتى يستتر فيه الضمير ولم يعهد مشتق على حرف واحد وكنت توقفت في صحته كما ذكره بعضهم حتى رأيت أبا عليّ الفارسيّ قال في شرح الشواهد في شرح قوله:
رأتني كافحوص القطاة ذؤابتي
إن قلت: اجعل الكاف بمنزلة مثل فأرفع بها ذؤابتي كما رفع بمثل، قلت: ليس بالسهل،
لأنها ليست على ألفاظ الصفات اهـ، فحمدت الله تعالى على الظفر بهذه المسألة، ولو قيل في كلامه تسمح وأنّ المراد بالكاف الجاز والمجرور كان أسهل من هذا وجوّز فيه أن يكون حالاً من ماء لوصفه، وقوله: المهل بيان للمخصوص بالذم المقدر والمهل المقدر استعارة للماء الحارّ وعبر به، لأنه أقوى في الذم لبيان أنه ذم لما فيه من تلك الصفات لا من حيث كونه ماء، ولذا قدّره الزمخشري بذلك فلا وجه لما تيل: إنّ الكلام مسوق لتقبيح حال المشبه دون المشبه به فالظاهر أن يقول: بئس الشراب الماء الموصوف بما ذكر، وقوله: وساءت النار إشارة إلى أنها متصرّفة وفاعلها ضمير النار. قوله: (متكأ الخ (يعني أنه اسم مكان وقع تمييزاً، وأصله مر تفقها والمراد ذتم شرابهم واقامتهم وقيل معناه المنزل أو المراد أنه مصدر ميمي بمعنى الارتفاق والاتكاء وهو المناسب لما بعده والمرفق من اليذ معروف، وقوله: وهو لمقابلة الخ يعني أنه للمشاكلة وقد تقدم على المعنى الحقيقي المشاكل له كما في قوله:
نحرتني الأعداء إن لم تنحر
وإن كان الأكثر خلافه. قوله: (وإلا فلا ارتفاق لآهل النار (أي ارتفاق استراحة وأما وضحع
اليد تحت الخذ للتحزن والتحسر فالظاهر أن العذاب يشغلهم عنه فلا يتأتى منهم حتى يكون هذا حقيقة لا مشاكلة فلذا لم يعزجوا عليه لكنه يجوز أن يكون تهكما أو كناية عن عدم اسنراحتهم. قوله: (خبر إنّ الأولى هي الثانية الخ (ولما خلت من العائد تذره بما ذكر أو الرابط من أمّا لأنه عامّ شامل لاسم أنّ الأولى لتعريف الأعمال(6/97)
الصالحة في صلة الأول وتنكير عملا هنا وهذا بالنظر إلى الظاهر، وما بعده بحسب التحقيق، ومثله يكون رابطاً أو لأنه عينه لتساويهما كما ذكر، أو خبرها أولئك الخ هذا محصل ما ذكره المعربون ولا يرد على الأوّل أنه يقتضي أن منهم من يحسن العمل ومن لا يحسنه لأنه إنما يرد لو كانت من تبعيضية، وليس بمتعين لجواز كونها بيانية، ولو سلم فلا بأس فيه فإنّ الإحسان زيادة الإخلاص الوارد في
حديث الإحسان: أن تعبد الله كأنك تراه، وأمّا كونه مشروطا بحسن الخاتمة فلا وجه له هنا، وقوله: نعم الرجل زيد على القول بأن زيد مبتدأ، ونعم الرجل خبره، والرابط عموم الرجل وهو قول فيه. قوله: (فإنّ من أحسن عملاَ على الحقيقة الخ (لا يأباه تنكير عملا بناء على أنه للتقليل لعدم تعينه فيه إذ النكرة قد تعم في الإثبات ومقام المدح شاهد صدق، وأمّا كون التنوين للتعظيم فلا يجدي هنا مع أنه يرد على ما قبله لأنه لا يعم حينئذ إلا بتأويل وأما كون من أحسن عملا ولم يعمل الصالحات لا يعد ممن أحسن عملاً في الغرف وان صح بحسب الوضع، ولذا قال المصنف رحمه الله: لا يحسن، ولم يقل لا يصح فعلى تسليم التقليل لا وجه له. قوله: (من الأولى للابتداء الخ) هذا هو الظاهر، وقيل إنها بيانية، وقيل تبعيضية، وقيل زائدة في المفعول وعلى ما قبله المفعول محذوف أو الفعل منزل منزلة اللازم بالنظر للثاني، وفي من الثانية أيضاً وجوه أخر وقوله: عن الإحاطة به، متعلق بتعظيم لتضمينه معنى التبعيد أي كأنه أمر عظيم لا يمكن الإحاطة بمعرفته ولا يخفى مناسبة الإحاطة للسوار. قوله: (وهو جمع إسورة الخ (سوار معروت وقد قيل إنه معزب في الأصل ولما رأوا أنّ أفعالاً لا يجمع على أفاعل في القياس جعلوه جمع الجمع فقيل إنه جمع إسورة كحمائر وأحمرة وإليه أشار المصنف رحمه الله بقوله: جمع إسورة، وقيل: هو جمع إسوار، وأصله أساوير فخفف بحذف يائه، وقوله: في جمع سوار راجع إليهما. قوله: (لأنّ الخضرة الخ أليس في النظم ما يدل على حصر لباسهم فيما ذكر فيكون وجه تخصيصه ما ذكر ويحتمل الاختصاص به وإن كان فيها ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين لأنهم لا يريدون غيره، والطراوة الظاهر أن المراد بها كونه أكثر بهجة كالنبات الخضر فهو استعارة، وقوله: جمع بين النوعين أي لم يكتف بالرقيق ويقتصر على أحسنه لأنّ ما غلظ قد يراد ويشتهي لغرض! ، والمراد بالجمع الجمع في الذكر وأن عدم الاقتصار على أحد النوعين فيه إشعار بما ذكر فلا يرد ما قيل إنه إن أراد أنه يدل على حصول كل مشتهى فلا وجه له وإن أراد بعضه فيكفي في ذلك الاقتصار على أحدهما، فإن قلت: لم قال يحلون مجهولاً ويلبسون، قلت قيل إنه إشارة إلى أن التحلية تفضل من الله واللبس بحسب استحقاقهم قيل: وهو نزغة اعتزالية، وقيل: لأن اللبس لا بد منه احترازا عن الانكشاف بخلاف التحلية فتأمل. قوله: (على السرر (بضمتين جمع سرير، وقوله: كما هو هيئة المتنعمين إشارة
إلى أنّ ما ذكر كناية عن التنعم والترفه، وقوله: الجنة ونعيمها بيان للمخصوص وقال: ونعيمها، ولم يقل مع نعيمها إشارة إلى استقلالها بالمدح، وقوله: حال رجلين بيان لمضاف مقدر أو للمعنى المراد لأن المضروب به المثل حال هؤلاء وسيأتي فيه وجه آخر، وقوله: للكافر والمؤمن في نسخة للكافرين والمؤمنين يعني ضعفاء المؤمنين وصناديد الكفرة الذين طلبوا طردهم وبه ظهر ارتباط هذا بما قبله وضرب المثل تقدم تحقيقه في سورة البقرة، وقوله: رجلين الخ يحتمل الاستعارة التمثيلية والتشبيه وأن يكون المثل مستعاراً للحال الغريبة بتقدير اضرب مثلاً مثل رجلين الخ من غير تشبيه واستعارة كما قيل وكلام المصنف رحمه الله يحتمله أيضا فتدبر. قوله: (هما أخوان الخ) وقوله لصاحبه لا ينافيه كما ظنه أبو حيان نعم هو يؤيد التفسير الآخر لأنّ المراد معناه اللغوي لا المتعارف، وهذا بناء على أنهما كانا موجودين وكذا ما بعده والأوّل على فرضهما لأن التمثيل بشيء لا يقتضي وجوده ومثله كثير وقوله: فطروس بضم الفاء أو القاف، كما في شروح الكشاف وبعده طاء وراء وواو وسين مهملات ويهوذا بذال معجمة أو مهملة بعدها ألف وتشاطرا بمعنى تقاسماها شطرين اًي نصفين وبقية أمرهما مفصل في الكشاف. قوله: (من بني مخزوم) هم بطن من قريش، وعبد الأشد بالشين المعجمة وفي الاستيعاب(6/98)
ضبطه بالمهملة، وأم سلمة بفتحات أمّ المؤمنين رضي الله عنها، وقوله: من الكروم تفسير لقوله: من أعناب والكرم شجر العنب فإقا أن يكون المراد به شجره مجازا، أو يقدر فيه مضاف أي أشجار أعناب لأنه المراد وقوله: بيان التمثيل أي جملة جعلنا الخ تفسيرية فلا محل لها، أو صفة رجلين فهي في محل نصب لا جز باعتبار المضاف المقدر، ورجلين إفا مفعول اضرب إن قيل يتعدى لاثنين، أو بدل من مثلا بتقدير مضاف وهو مثل رجلين. قوله: (مؤزراً بها كرومهما (مؤزر بالهمز ووزن اسم المفعول يكون بمعنى مقوّي ومنه النصر المؤزر، وهو هنا اسم مفعول من الإزار فمعناه: ملفوف ومحفوف فالتأزير بمعنى التغطية وهو منصوب عطف
بيان لقوله: محيطة مفسر به وكرومهما بالرفع به وقد جوّز في مؤزراً كسر الزاي والرفع على أن الجملة حالية والا ظهر هو الأوّل، وقوله: أطافوا به، يقال: أطاف به إذا استدار حوله، وفي نسخة طافوا بدون همزة وكونه بالقاف من الطوق خطأ من الناسخ، وقوله: فتزيده الباء يعني أنها للتعدية إلى المفعول الثاني، كما أنّ غشي لازم يعدى بالتضعيف إلى مفعول وبالباء إلى ثان. قوله: (وسطهما (سكون السين على ما قاله الحريرفي وغيره من أهل اللغة: ظرف مكان يحل محل بين وبالفتح اسم يتعاقب عليه الإعراب وتحقيقه في محله، وقوله: ليكون كل منهما أي من الجنتين جامعاً للأقوات الحاصلة بالزروع والفواكه الحاصلة من الشجر والجامعية لأن ما بينهما منهما بطريق التبعية والتتميم، وقوله: متواصل العمارة المراد به ليس فيه مكان خال من الأشجار والزروع، وحسن الشكل والترتيب بجعل الكروم محفوفة بالأشجار وما بينهما زرع زاه حسن المنظر والمخبر. قوله: (وإفراد الضمير لإفراد كلتا (لأنه مفرد اللفظ مثنى المعنى على المشهور، وقد قيل إنه مثنى حقيقة على ما فصل في كتب النحو وعلى الأوّل يجوز مراعاة لفظه ومعناه كما قال: آتت ثم قال: خلا لهما. قوله: (شيئاً يعهد في سائر البساتين الخ (إن كان تنقص المفسر به تظلم لازما فشيئا منصموب على المصدرية أي شيئا من النقص قيل: وهو المناسب لما بعده من قوله فإن الخ، وإن كان متعذيا فهو مفعول به ويكون ما بعده نظر المال المعنى لأنها إذا نقصتها نقصت في نفسها، وتفسير تظلم بتنقص هو تفسير ابن عباس رضي الله عنهما. قوله: (ليدوم شربهما الخ) بكسر الشين ويجوز فيه الضم والفتح، وقوله فإنه الأصل أي في بقائهما وإيتائهما الثمار، ويزيد معطوف على يدوم، وبهاؤهما حسن منظرهما وفي نسخة نماؤهما. قوله: (وفجرنا بالتخفيف (وهي ظاهرة على الأصل وأما التشديد فللمبالغة في سعة التفجير والعامة على فتح هاء النهر وسكنت أيضا. قوله: (وكان له ثمر (بضم الثاء والميم وفسره ابن عباس رضي الله عنهما بجميع المال من ذهب وفضة وحيوان وغيره وقيل: هو الذهب والفضة وقرئ بفتف الثاء والميم كما روي عن حفص وهو بمعنى المضموم أيضا كما في القاموس وغيره لا حمل الشجر كما قيل لعدم مناسبته للنظم هنا والحشم بفتحتين الخدم،
وقوله: وقيل أولاداً ذكوراً ويدلّ عليه مقابلته بقوله: أقل منك مالاً وولدا ولما كان لا دليل فيه على تخصيصهم أشار إلى وجهه بقوله: لأنهم الذين ينفرون معه لمصالحه ومعاونته وهو ظاهر لا غبار عليه. قوله: (بصاحبه (أي مع أخيه كما يدل عليه السياق ومحاورته له، وقوله: وأفراد الجنة أي هنا مع أنّ له جنتين كما مرّ لنكتة وهي أن الإضافة تأتي لمعنى اللام فالمراد بها العموم والاستغراق أي كل ما هو جنة له يتمتع بها فيفيد ما أفادته التثنية مع زيادة وهي الإشارة إلى أنه لا جنة له غير هذه ولذا عبر بالموصول الدال على العموم فيما هو معهود، وزاد قوله: متع إشارة إلى أنه ليس منها إلا التمتع الفاني والملك لله الواحد القهار، وقدم هذا لخلوّ الوجهين الأخيرين عن هذه النكتة البليغة ولذا لم يذكر العلامة غيره كما نبه عليه صاحب الكشف فلا يرد عليه أنّ اللام تفيد الاختصاص لا القصر ومعنى اختصاص الجنة به أنها له لا لغيره فمن أين يفهم منه أنه لا جنة له غيرها، وقيل: المراد أن الجنة ليس المقصود بها البستان بخصوصه بل ما يعمه وغيره فلا يناسب التثنية والمدخول من أفراد ذلك العام ولا يخفى عليك أنه مدخول، فتأمّل. وقوله: تنبيها مرّ وجهه وأنه ليس من الاختصاص الإضافي كما توهم(6/99)
وقوله: أو لاتصال الخ، فيكونان كجنة واحدة وليس المقام مقام بيان العدد بل بيان ما قاله حينئذ، وقد علمت خلوه عن النكتة المقتضي لتأخيره، وقوله: في واحدة واحدة أي لا يمكن إلا الدخول في واحدة وهذا كقوله: قرأت الكتاب بابا بابا وإعرابه وتحقيقه مذكور في النحو. قوله: (ضارّ لها بعجبه وكفره (فظلمه لها إمّا بمعنى تنقيصها وضررها لتعريض نعمته للزوال ونفسه للهلاك، أو بمعنى وضع الشيء في غير موضعه لأن مقتضى ما شاهده التواضع المبكي لا العجب بها وظنها أنها لا تبيد أبدا والكفر بإنكار البعث كما يدل عليه قوله: قال الخ. قوله: (تفنى هذه الجنة (لأن باد بمعنى فنى وهلك، وقوله ة لطول أمله الخ يحتمل أن يريد أن التأبيد ليس بمعناه المتبادر بل طول المكث وأن يريد أنه على ظاهره لأنه لجهله وإنكاره قيام الساعة ظن عدم فناء نوعها، وما قيل إنه لا يظنه عاقل، ليس بشيء لأنه لا يلزم عقل هذا القائل، وتمادى غفلته استمرارها وامتداد مداها، وقوله: كائنة إشارة إلى أن القيام الذي هو من صفات الأجسام المراد به التحقق والوقوع مجازاً جرى في العرف مجرى الحقيقة، وقوله: كما زعمت إشارة إلى شكه فيه كما يدل عليه أن، وقوله مرجعا إشارة إلى أنه تمييز وهو اسم مكان
من الانقلاب بمعنى الرجوع كقوله: انقلب إلى أهله وأنّ المراد عاقبة المآل لأنّ خيريته تتحقق بذلك. قوله: (لأنها فانية وتلك باقية (نسبة للفناء إليها إن كان المراد بالأبد المكث الطويل فلا إشكال فيها وان كان المراد به ظاهره فهو بناء على اعتقاد صاحبه كما أشار إليه بقوله: كما زعمت فلا ينافيه أيضا، كما لا ينافي إنكاره للبعث أو شكه فيه. قوله: (وإنما أقسم (كما يدل عليه اللام الموطئة للقسم وهو دفع لأنّ التأكيد بالقسم يقتضي عدم تردده في البعث والمذكور خلافه بأن التأكيد لوجدانه الخير، لو وقع ما فرض لأنه مستحق له استحقاقا ذاتياً لا يتخلف عنه لو وقع وهو لا ينافي كون وقوعه غير معلوم، وقوله: وهو معه أي الاستحقاق المذكور والظاهر أن معنى قوله أينما يلقاه أينما كان يلقاه فيلقي ما يترتب عليه والضمير للاستحقاق أيضا لا لله، كما قيل. قوله: (لأنه أصل مادتك أو مادة أصلك (لأن مادته النطفة وهي من الأغذية المتكوّنة من التراب، فهو أصل لها، وكونه مادة أصله لأن أباه آدم عليه الصلاة والسلام خلق منه فعلى الأوّل إسناد الخلق إليه منه حقيقي لأنّ المخلوق من المخلوق من شيء مخلوق منه إذ لم يتعين إرادة المبدأ القريب حتى يكون مجازاً، وكونه مبنياً على صحة قياس المساواة خيال واه، وعلى الثاني مجاز من إسناد ما للسبب إلى المسبب وفي كلامه حسن تعبير كقوله: عادات السادات سادات العادات. قوله: (ثم عدّلك وكملك (أصل معنى التسوية جعل الشيء سواء مستوياً كما في تسوّى بهم الأرض! ثم إنه استعمل تارة بمعنى الخلق والإيجاد كقوله: ونفس وما سوّها فإذا قرن بالخلق ونحوه فالمراد به خلقها على أتمّ حال وأعد له مما تقتضيه الحكمة بدون إفراط ولا تفريط كما يؤخذ من كلام الراغب وغيره فلا يرد عليه قوله تعالى فسوّاك فعدلك إذ العطف يقتضي التغاير والتفسير الاتحاد. قوله: (جعل كفره بالبعث كفرا بالله (أورد عليه أمران، الأوّل: أن هذا وإن كان عليه الأكثر لكن الظاهر أنه كان مشركا كما يدل عليه قول صاحبه تعريضا به ولا أشرك بربي أحداً، وقوله: يا ليتني لم أشرك بربي أحدا وليس في قوله: إن رددت إلى ربي ما ينافيه لأنه على زعم صاحبه كما مرّ الثاني أنه لا يلزم من الشك في البعث أو إنكاره الشك في كمال القدرة الإلهية أو إنكاره لجوإز وجود كمال القدرة على ذلك ولكنه لا يفعله لأمر اقتضته حكمته أو لغير ذلك، وجوابه أن ما ذكر هو مقتضى السياق لأنه وقع رذاً لقوله ما أظن الساعة قائمة، ولذا قال في الكشاف جعله كافرا بالله جاحداً لأنعمه لشكه في البعث، كما يكون المكذب بالرسول كافرا، ثم إن كونه منكراً للبعث مقزا بربوبية الله لا ينافي كونه مشركا عابدا للصنم ونحوه كما قالوا: ما نعبدهم إلا ليقرّبونا إلى الله وأنكروا البعث أيضا وأما إن من عجز الله عن البعث سوّاه بخلقه في العجز وهو شرك فتكلف لا حاجة إليه فأما كونه
لحكمة أخرى فمخالف للواقع والنص لأنّ مقتضى الحكم إثابة المطيع وعقاب العاصي أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا، وأسقط قوله في الكشاف جاحدا لا نعمة لأنه يقتضي أو يوهم استعمال(6/100)
المشترك في معنييه ولو فسر الكفر هنا بالشرك لم يقع الاستدراك بعده في موقعه وهو ظاهر. قوله: (لأنّ منشأه الشك لأنّ عدم البعث إتا للعجز عن الإعادة وهو باطل لأنّ من قدر على البدء قدر على الإعادة بالطريق الأولى كما بين في غير هذه الآية أو لأمر آخر وهو مستلزم للبعث المنافي للحكمة وهي وان لم تناف القدرة تنافي كمالها والشك في صفة من صفاته المعلومة من الدين ضرورة كفر، وقوله: ولذلك رتب الإنكار أي ذكر ما يدل عليه من الاستفهام الانكاري بعده، وعلى متعلق برتب، وقوله: فإنّ الخ بيان لوجه الانكار وتعليل له. قوله: (أصله لكن أنا الخ) وجه النقل أنه يكون الحذف قياسا فلا يقال إنه عبث لأنها بعد نقلها تحذف للإدغام كما توهم وإذا حذفت ابتداء بدون نقل، كان الحذف على خلاف القياس، وقوله: فكان الإدغام أي وجد، وعلى الأوّل الإدغام بعد حذف الحركة، وعلى الثاني بدونه وهو ظاهر، وقوله: على الأصل أي بإثبات الألف في آخره، ولما كانت تثبت في الوقف وإثباتها في الوصل غير فصيح لكنه هنا حسن لمشابهة أنا بعد حذف همزته لضميرنا المتصل ولأن الألف جعل عوضا عن الهمزة المحذوفة فيه أو لأنه أجرى فيه الوصل مجرى الوقف وأثبت لدفع اللبس بلكن المشددة. قوله: (وهو بالجملة الواقعة خبرا الخ (أي لفظ هو مع الجملة الواقعة خبراً له وهي الله ربي والرابط ضممير المتكلم وأمّا خبر الشأن فعين المبتدأ، وقوله: والاستدراك الخ يعني استدراك عن قوله: أكفرت والهمزة فيه للتقرير على سبيل الإنكار فهو في معنى أنت كافر، وهذه الجملة في معنى أنا مؤمن موحد فهما متغايران ولكن يقع بين كلامين كذلك كما تقول: زيد غائب لكن عمرا حاضر، ومآله كما قيل إني لا أرى الفقر والغنى إلا منه والكافر لما اغتنى بدنياه وأضاف ذلك لنفسه كان كأنه أشرك فتدبر، وقوله: ولكن أنا لا إله إلا هو ربي الرابط ضمير ربي، وقيل: تقديره أقول لا إله الخ. قوله: (وهلا قلت عند دخولها (إشارة إلى أن لولا هنا توبيخية لدخولها على الماضي وأنّ إذ متعلقة بقلت مقدمة من
تأخير لتوسعهم في الظروف، وتوله: الأمر الخ يعني ما موصولة خبر مبتدأ أو مبتدأ خبره محذوف والأمر تعريفه للاستغراق، والجملة على هذا تفيد الحصر ولذا قدم هذا على غيره، وقوله: إقراراً منصوب على أنه مفعول له أو مصدر أو حال وكذا قوله: اعترافا وكونه يفيد ما ذكر على الأوّل، وأمّا على غيره فلأنّ معنى ما شاء الله كان ما لم يشأه لم يكن لأنّ ما الموصولة في معنى الشرط والشرط وما بمعناه يفيد توقف الوجود على مشيئته فيفيد عدمه عند عدمها لا سيما عند من اعتبر مفهومه، ومنهم المصنف فلا يتوهم أنه ليس فيهما ما يدل على أنّ جميع الأمور بمشيئة الله حتى يشملها وما فيها، ولا يقال إنّ المراد أنه يقدر على أنه مبتدأ ما شاء الله هو الكائن حتي يفيد ما ذكر فإنه من قلة التدبر، و " ني دها بمعنى أفناها وأهلكها، وقوله: وقلت الخ إشارة إلى أنه من مقول القول أيضا، وعلى نفسك متعلق باعترافا لكونه بمعنى الإقرار، وقوله: وعن النبي صلى الله عليه وسلم رواه القرطبيّ عن أنس رضي الله عنه وفيه لم يضرّه عين به يظهر معناه والشيء أعتم مما له أو لغيره فإذا قاله لم تصمبه عين الإعجاب، فمعنى قوله لم يضرّه أي بنظره. قوله: (يحتمل أن يكون أنا فصلاَ) أي يجوز فيه أن يكون فصلاً بين مفعولي رأى وهي علمية عنده لا بصرية لأنه يكون أقل حالاً فيتعين أن يكون تأكيدا وأقيم فيه ضمير الرفع مقام ضمير النصب لا فصلاً لأنه إنما يقع بين مبتدأ وخبر في الحال أو في الأصل وعلى قراءة عيسى بن عمر أقل بالرفع يكون أنا مبتدأ والجملة مفعول ثان أو حال ومالاً وولداً تمييز، وقوله: فعسى الخ جواب الشرط. قوله: (دليل لمن فسر النفر بالأولاد (لم يقل الذكور كما مر لأنه لا يعلم من هذا وإنما يعلم من كونهم ينفرون معه كما بينه أولا، وقوله: وهو جواب الشرط أي قائم مقامه أي فلا بأس عسى ربي الخ. قوله: (مرامي جمع حسبانة الخ (المرامي جمع مرماة وهي ما يرمى به كالسهام وكذا الصواعق ولذا فسره بها وليس المراد أنها مثل الصواعق فهو مما يفرق بينه ويئ واحده بالتاء وما ذكره المصنف رحمه الله تبع فيه الزمخشري وهو إمام في اللغة
ولا عبرة بما في القاموس من تفسيره بالصاعقة حتى يعترض! بأنه لا يليق تفسيره بالجمع وأنه إذا كان جمعأ(6/101)
بمعنى السهام، فيجعل تفسيره به على طريق التشبيه لأنه تكلف ما لا حاجة إليه وقد ورد بمعنى البلاء وغيره. قوله: (وقيل هو مصدر (كالغفران بمعنى الحساب والمراد به المحسوب، والمقدر من تخريبها وإبادتها أو ما يحاسب عليه فيجازى به ويحتمل أنه باق، على مصدريته واطلاق الحساب على تقدير الله وحكمه بتخريبها على الاستعارة أو على عذاب الله ومجازاته بسيىء أعمالهم لترتبه عليه، وهذا أشبه بكلام المصنف رحمه الله، فقوله: وقيل الخ معطوف على قوله: مرامي الخ، وعذاب معطوف على التقدير وهو ظاهر. قوله: (أرضاً ملساء (أي ليس فيها شجر ونبات كما بينه، وأصل معنى الزلق الزلل في المشي لوحل ونحوه، ولما كان ذلك فيما لا يكون فيه نبت ونحوه مما يمنع منه تجوّز به أو كنى عنه وعبر بالمصدر عن المزلقة مبالغة كما في قوله: غورا فالباء في قوله: باستئصال أي إفناء سببية لما عرفت أو للملابسة ولا تكلف في الأوّل كما توهم، وقيل: الزلق من زلق رأسه بمعنى حلقه على التشبيه وهو بعيد، وقوله: وصف به كما يقال: عدل بمعنى عادل، والمراد الوصف اللغوي وهو أعم من الوصف النحوي فيشمله كما في زلقا فإنه وصف نحوي أيضا. قوله: اللماء الغائر (يعني أن الضمير للغور بمعنى الماء الغائر، وقوله: ترددا تفسير لقوله: طلبا فإن معنى طلب الماء الغائر التردد أي التحزك والعمل في رذه أي إخراجه من غوره والمراد نفي استطاعة الوصول إليه فعبر عنه بنفي الطلب إشارة إلى أنه غير ممكن، والعاقل لا يطلب مثله. قوله: (وأهلك أمواله (قيل: المراد أمواله المعهودة التي هي جنتاه وما حوتاه لا جميع أمواله لأنه يأباه قوله: حسبما توقعه فإنّ متوقعه أن تصبح جنته صعيدا زلقا إلا أن يريد بجنته ما متع به في الدنيا كما مر والضمير للبستان استخداما، وليس هذا غفلة عما مر من تفسير ثمره بمال كثير غير جنتيه كما توهمه بعضهم نعم من قال إنه لا يعلم لهما مال غيرهما فقدوهم لأنّ التفسير المذكور لابن عباس رضي الله عنهما وهو في قوّة المرفوع. قوله: (حسبما توقعه صاحبه (من استئصال نباتها وأشجارها عاجلا أو آجلا والأوّل إنما يكون بافة سماوية والثاني بذهاب ما به نماؤها وهو الماء، وقد دلت الآية على وقوع الأوّل صريحا لقوله فأصبح بالفاء التعقيبية، وتحيره وتحسره) نما يكون لما وقع بغتة، والثاني إنما يتوقع إذا لم يتوتع الأوّل فلا وجه لما قيل إن ما توقعه من إصباحها صعيداً زلقا بإرسال الحسبان أو غور مائها ليس هنا ما يدل عليه بل كونها خاوية الخ يدل على خلافه إلا أن يقال: إنه تمثيل بحال رجلين موجودين وما ذكر معلوم من شيء آخر، ولا للجواب عنه بأن ما توقعه مطلق هلاك جنته. قوله: (وهو مأخوذ من أحاط به العدوّ الخ (
يعني أنه استعارة تمثيلية شبه إهلاك جنتيه بما فيهما بإهلاك قوم بجيش عدوّ أحاط بهم، وأوقع بهم بحيث لم ينج أحد منهم كما أن قوله: أتى عليهم بمعنى أهلكهم استعارة أيضا من إتيان عدوّ غالب مستعل عليهم بالقهر ولذا عدى بعلى، كما أشار إلى المصنف رحمه الله، ويحتمل أن تكون تبعية وليست تمثيلية تبعية إلا على رأي كما مرّ. قوله: (ظهرا لبطن تلهفاً وتحسرا (انتصاب ظهراً على أنه مفعول مطلق ليقلب أي تقليبا كتقليب النادمين فهو إشارة إلى أنّ التقليب كناية عن التلهف وهو بمعنى التحسر أي الحزن على ما فات، وليست اللام بمعنى بعد إذ المراد أنه يقلب ظهر إحداهما نحو بطن الأخرى ولجهتها فهي بمعناها الحقيقي أو بمعنى على وليس هذا من قولهم: قلبت الأمر ظهراً لبطن كما في قوله:
وضربنا الحديث ظهرألبطن وأتينا من أمرنا ما اشتهينا
كما في شروح الكشاف فإنه مجاز عن الانتقال من بعض الأحاديث إلى بعض. قوله:
(لأن تقليب الكفين كناية عن الندم (وهو يتعدى بعلى فيكون ظرفا لغوا، ومنه تعلم أنه يجوز في الكناية أن تعدّى بصلة المعنى الحقيقي كما في بني عليها وبصلة الكنائي كما في بنى بها وما هنا من الثاني، ويجوز أن يكون ظرفا مستقرّاً متعلقه خاص وهو حال أي متحسراً، والتحسر الحزن وهو أخص من الندم لأنه كما قال الراغب الغم على ما فات أو ليس هذا من التضمين في شيء كما توهم، فقوله: حال معطوف على قوله: متعلق(6/102)
وما ذكره أوّلاً من قوله: تلهفا وتحسراً تفسير معنى على الوجهين لا إعراب فلا غبار على كلامه ولا تشويش فيه كما توهم، وقوله: ساقطة بيان للمعنى المراد منه بقرينة صلته وأصل معنى خوى خلا يقال: خوى بطنه من الطعام أي جاع، والعروس جمع عرس وهو ما يصنع ليوضع عليه فإذا سقط سقط ما عليه وقوله: أو حال من ضمميره المستتر فيه بتقدير وهو يقول: لأنّ المضارع المثبت لا يقترن بالواو الحالية إلا شذوذاً كما في قولهم: قت وأصك وجهه. قوله: (كأئه تذكر موعظة أخيه (في قوله: أكفرت وأشعاره بتذكر الموعظة لتمني وقوعه قبل ذلك حين وعظه، وقوله: أتى مجهول وأصله أتاه هلاك ماله من جهة شركه وكفره، وقوله: ويحتمل أن يكون توبة من الشرك فيكون تجديداً للإيمان لأن ندمه على كفره فيما مضى يشعر بأنه آمن في الحال فكأنه قال: آمنت بالله الآن وليت ذلك كان أوّلاً، وعبر بالاحتمال إشارة إلى أن مجرد الندم على الكفر لا يكون إيماناً وان كان الندم على المعصية قد يكون توبة إذا عزم على أن لا يعود، وكان الندم عليها من حيث
كونها معصية كما هو المتبادر صرّج به في المواقف لأنّ الإيمان لا يكفي فيه ذلك مع أنّ ندمه عليه ليس من حيث هو كفر بل بسبب هلاك جنتيه، وأيضا لا بد من توبته مما كفر به، وهو إنكار البعث وخلوصه فيه وعدم نصرة الله له الآتي يقتضي خلافه وأنا قول الإمام أنه إذا تاب عن الشرك يصير مؤمنا فكيف قال الزمخشري: بعده إنه لم ينصره لصارف وجوابه أنّ توبته لما كانت لطلب الدنيا أو عند مشاهدة البأس لم تكن مقبولة فقد قيل عليه: إن كونه لم ينصره فيما مضى لصارف قبل التوبة لا ينافي قبولها إذا صدرت منه وكون الإيمان بعد مشاهدة هلاك ماله إذ أنذر به إيمان بأس غير مقبول غير مسلم لبقاء الاختيار الذي هو مناط التكليف، فتأمل. قوله: (وقرأ حمزة والكسائتي بالياء (أي في يكن لنقدم الفعل عليه ولو تأخر وكان عاملا في ضمير الغيبة لزم تأنيثه، وقوله: يقدرون على نصره أوّل النصر بالقدرة عليه لأنه لو أبقي على ظاهره اقتضى نصر الله وليس بمراد لأنه إذا قيل لا ينصر زيداً أحد دون بكر قهم منه نصر بكر له في العرف وأمّا على ما ذكر فالمعنى لا يقدر على نصره إلا الله القدير فاستعمل النصر مجازا في لازم، وهو القدر عليه وقوله: وحده يؤخذ من نفيه عن غيره، وقوله: ممتنعا إشارة إلى أنّ النصرة عما حل به من الله بمعنى امتناعه وحفظه منه وهو ظاهر، وقوله: أو رد المهلك بفتح اللام أي ردّه بعينه إن قيل بجواز إعادة المعدوم بعينه أو بمثله إن لم نقل به، وإنما حصره في الثلاثة لأن نصر من أريد أخذ ماله إما بدفع الأخذ قبل وقوعه أو برده بعينه بعده أو برد مثله كليه فلا وجه لما قيل أنّ الإتيان بالمثل ليس من النصر في شيء. قوله: (في ذلك المقام وتلك الحال) حاصله أنّ الإشارة إفا إلى ذلك المقام وتلك الحال التي وقع فيها الإهلاك أو إلى الدار الآخرة، وعلى التقدير الأوّل الولاية إفا مطلقة أو مقيدة والولاية المطلقة، إمّا بمعنى النصرة أو السلطنة، والمقيدة إمّا بالنسبة إلى غير المضطرين أو إليهم وسترى بيانه وجوّز في هنالك تعلقه بمنتصرا وكونه ظرفا مستقرا خبرا أو فضلة وهو الظاهر وعليه مشى المصنف رحمه الله وقرئت الولاية بالفتح والكسر وعلى الأول ما ذكر هنا فقوله: النصرة له وحده إشارة إلى أنه بالفتح بمعنى النصرة وأنه مبتدأ ولله خبره وأنّ الجملة تدل على الحصر لتعريف المسند إليه واقتران الخبر بلام الاختصاص كما مر تقريره في قوله: الحمد دته رب العالمين وأن النصرة بمعنى القدرة عليها كما مر لأنه لم ينصره فيكون مؤكدا ومقرراً لقوله ة ولم تكن له فيئة ينصرونه الخ
لما عرفت أنها بمعناها. قوله: (أو ينصر فيها أولياءه المؤمنين على الكفرة (ضمير فيها لتلك الحالة، وهذا وجه ثان فيه الولاية بمعنى النصرة أيضا لكنها مطلقة في الأوّل أو مقيدة بالمضطز ومن وقع به الهلاك، وفي هذا مقيدة بغير المضطرّ، وفيما فعل متعلق بنصر وبالكافر متعلق بفعل وأخاه مفعول نصر، ونصرته عليه إذ خرب جنته وحقق ظنه فيه، وعبر بالاسمية أوّلاً ثم بالفعلية لأن القدرة على النصر أمر ثابت ونصرة المؤمنين متجذدة، وقوله: ويعضده أي يعضد أن المراد نصرة المؤمنين لأنها هي التي تكون خيراً، وهو ظاهر كما أشار إليه بقوله لأولياثه فإن تمام الآية(6/103)
حالى الأولياء فالمناسب في ابتدائها ذلك، وقوله: ومعناها، أي معنى الولاية بالكسر، وفي نسخة معناه باعتبار اللفظ، والسلطان هنا مصدر بمعنى التسلط بالملك وقيل: هما بمعنى، وقوله: هنالك أي في تلك الحالة وهي حالة وقوع الهلاك، وقوله: لا يغلب الغ بيان للسلطان بمعنى الملك والتسلط، ولا يعبد إفا على ظاهره أو بمعنى يدعي تفسيره ما بعده. قوله: (فيكون تنبيهاً الخ (يعني أن إثبات القهر والتسلط لله يقتضي عجز غيره واضطراره وأنه إنما قال: ما ذكر اضطرارا وجزعا لا توبة وندما، وقوله: مما دهاه بالدال المهملة بمعنى أصابه أمر عظيم، ومنه الداهية وايمان المضطز كالمكر 8 لا ينفعه في الآخرة والظاهر أن هذا هو المراد بإيمان اليأس السابق في كلام الإمام فلا يرد عليه ما مر، فتدبر. قوله: (وقيل هنالك إشارة إلى الآخرة (ويناسبه قوله: خير ثوابا وخير عقبا ويكون كقوله: لمن الملك اليوم لله الواحد القهار، وقوله: وقرىء بالنصب على المصدر المؤكد بكسر الكاف أي المصدر المؤكد لمضمون الجملة المنصوب بعامل مقدر كما تقول: هذا عبد الله حقا أي الحق لا الباطل، وهذه قراءة يعقوب وقراءة غيره بالرفع صفة الولاية وبالجز صفة الجلالة، وقوله: يالسكون أي سكون القاف والباقون بضمها وهما بمعنى كالعشر والعشر، وقوله: وقرىء عقبى، كبشرى مصدر والمعنى على الكل عافية. قوله: (اذكر لهم (إشارة إلى أحد القولين في ضرب المثل وهو أنه متعد لواحد بمعنى اذكر، وأن المثل بمعناه المعروف وهو الكلام المشبه به والمشبه على هذا هو الحياة الدنيا وحالها في زهرتها أي نضارتها وبهجتها وسرعة زوالها وفنائها، وليس هذا من المجاز كما توهم لأنه حقيقة عرفية فيه، وقوله: صفتها الغريبة إشارة إلى أن الضرب بمعنى الذكر أيضا لكن المثل فيه بمعنى اأصفة الغريبة، وهو يستعمل بهذا المعنى كما فصله المصنف رحمه الله في سورة البقرة كما في قوله: {مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ} . قوله: (هو كماء (
أي المثل بمعنى المشبه به أو الوصف الغريب جملة قوله: كماء الخ وهو إشارة إلى أنه خبر مبتدأ مقدر ولم يقل هي لأن الحياة وحدها ليست مشبهة كما أشار إليه قبله ومن قدر هي تسمح فيه، فما قيل إن الظاهر أن يقول هي لأن المشبه هو الحياة كما ذكره فقد غفل عن مراده. قوله: (ويجوز أن يكون مفعولاً ثانياً لا ضرب على أنه بمعنى صير (وهذا هو القول الثاني فيه للنحاة وهو أنه ينصب مفعولين أصلهما المبتدأ والخبر وهل يشترط أن يكون أحدهما لفظ المثل أو لا فيه خلاف مذكور مع أدلته في مفصلات العربية وليس هذا مجازاً بعلاقة اللزوم كما قيل، وما توهم من أنّ الكاف تنبو عنه إلا أن تكون مقحمة مما لا وجه له لأن المعنى صير المثل هذا اللفظ فالمثل بمعنى الكلام الواقع به التمثيل، وقد تبع فيه من قال إنّ المعنى على هذا ما يشبه الحياة الدنيا كماء الخ وليس بمنتظم ثم ذكر كلاما مختلا جوابه السكوت عنه. قوله: (فالتف بسببه وخالط بعضه بعضا) يعني أنّ النبات لكثرته بسبب كثرة سقيه التف بعضه ببعض ففاعل التف ضمير النبات، وتكاثفه بمعنى غلظه وكثرة أوراقه، ونجع بمعنى دخل كما وقع في نسخة أخرى من النجعة وهي الارتحال والحركة كما قال:
سمعت الناس ينتجعون غيثا
فمن فسره هنا بمعنى نفع من قولهم: نجع فيه الدواء إذا نفعه لم يصب واذ دخل فيه فقد خالط أجزاءه حقيقة، وقيل: إنّ لفظ الاختلاط مجاز من ذكر السبب وإرادة المسبب وفيه نظر وروي كرضي أي تمّ شربه، ورف بمعنى تحزك بلطف لرطوبته ونضرته كما قال:
وهل رفت عليك قرون ليلى رفيف الأقحوانة في نداها
قوله: (وعلى هذا كان حقه الما كان الاختلاط اجتماع شيئين متداخلين سواء كانا مائعين
أو لا فإن كانا مائعين سمي مزجا وصدق بحسب الوضع على كل منهما أنه مختلط ومختلط به لكن في عرف اللغة والاستعمال تدخل الباء على الكثير الغير الطارىء فلذا جعل هذا من القلب ولما كان القلب مقبولاً إذا كان فيه نكتة أشار إلى نكتته بعدما بين المصحح له وهو أن كلا منهما مختلط ومختلط به، وهي المبالغة في كثرة الماء حتى كأنه الأصل الكثير، وقوله: موصوفا بصفة صاحبه أي بصفته الخاصة به الراجعة إلى مقامه وهي كونه مختلطاً أو مختلطا به لا بجميع صفاته لظهور وعدم صحته وإرادته هنا، والمراد(6/104)
بالعكس في كلامه القلب لأنه يستعمل بمعناه، وقد عرفت أنّ قوله: لما الخ بيان للمصحح، وقوله: للمبالغة بيان للمرجح فلا وجه لما قيل إنه لا فائدة في الجمع بينهما وهو ظاهر غنيّ عن البيان.
قوله: (مهشوماً) أي هو فعيل بمعنى مفعول لا جمع هشيمة كما في الكشات، وقوله:
تفرقه بيان للمراد منه والشائع أنه بمعنى تفريق الحب من قشره، وأذرى وذرى وذزي متقاربة، وقوله: والمشبه به الخ، دفع لما يتوهم من دخول الكاف عليه وليس مشبها به، ولا حالاً من أحواله مذكوراً في الجملة أولا حتى يتوهم فيه تقدير مضاف أي كحال ماء لأنه تشبيه تمثيليئ وحاله معروف في المعاني، وقوله: المنبت من أنبته إنباتا ونباتا وقوله: رافا أي مهتزاً لطراوته، وفي نسخة وارفا وهو بمعناه، وقوله: ثم هشيما عبر بئم إشارة إلى تراخي تفتته وتهشمه عن ريه بالماء، وإنما وقع بالفاء في النظم لاتصال أوّله بآخر ما قبله، والنكتة فيه الإشعار بسرعة زواله كما أشار إليه بقوله: كأن لم يكن فلا يرد عليه أنّ المناسب للنظم فتكون لتحصل الدلالة على سرعة الزوال المقصودة بالإفاد في هذا المقام، وقيل: الفاء فصيحة والتقدير فزها ومكث فأصبح الخ، وقوله: كأن لم يكن بالتخفيف أصله كأنه لم يكن، وقوله: من الإنشاء والإفناء قدره لمناسبة المقام ولو أبقاه على عمومه صح، وقوله: قادراً لو قال: كامل القدرة كما تدل عليه الصيغة لكان أظهر. قوله: (وتفنى عنه (أي تزول عن الإنسان بزواله، أو بزوالها بسرعة وعن بمعنى بعد وما زائدة لتأكيد قربه وشدة سرعته، وهذا كقوله عما قيل ليصبحن نادمين، وما ذكر من فناء الدنيا وسرعة زوالها من البين المعلوم والزينة مصدر بمعنى ما يتزين به ولذا أخبر به عنهما والقصد للمبالغة والإضافة اختصاصية لأن زينتها مخصوصة بالدنيا إليه يشير كلامه وليس مراده أنّ إضافته على معنى في وإن جاز. قوله: (وأعمال الخيرات الخ (يعني أنها صفة لأعمال مقدرة واسناد الباقيات مجاز أي الباقي ثمرتها وثوابها بقرينة ما بعده فهي صفة جرت على غير من هي له بحسب الأصل أو فيه مضاف مقدر واستتر الضمير المجرور وارتفع بعد حذفه، وقوله: تبقى له أي للإنسان، وقوله: ويندرج الخ إشارة إلى أن ما وقع من السلف من تفسيرها بما ذكر على طريق التمثيل، وقوله: عائدة أي ما يعود عليه من النفع فسر الثواب به على أنه مجاز وهو ما يجازى به على فعله من الأجر وإن كان في الأصل مطلق الجزاء كما في الغريبين ليكون معنى مشتركا بين زينة الدنيا والعمل الصالح يتأتى به تفضيل أحدهما على الآخر حقيقة، وقوله: ينال به ذكر ضمير الباقيات الصالحات المؤنثة لتأويلها بما ذكر أو بالخبر ونحوه أو للنظر للخبر ويأمل بالتخفيف من باب ينصر يؤقل بخلاف أمور الدنيا فإنّ الأمل يخيب فيها كثيراً وكون ثوابها أبد الآباد لا ينافي كونها بعشرة أمثالها ولا يدفعه قوله: والله يضاعف لمن
يشاء لأنّ أضعاف المتناهي متناهية، لأنّ المراد أنها أمثال لها في القدر والحسن وهو لا ينافي الدوام هكذا في بعض الحواشي، وفيه بحث. قوله: (واذكر يوم نقلعها ونسيرها في الجوّ (يعني ليس المراد نسيرها في الأرض أو بالأرض بلى قلعها منها وتسييرها في الهواء وفيه إشارة إلى أن يوم منصوب باذكر مقدراً قبله، وسيأتي في عامله وجه آخر. قوله: (أو نذهب بها فنجعلها هباء) أي كالهباء، ومنبثا بمعنى متفرّقا وهو بالثاء المثلثة وهذا تأويل بجعل تسييرها بمعنى إذهابها وأفنائها بذكر السبب وارادة المسبب فيكون كقوله: وبست الجبال بسا فكانت هباء منبثاً. قوله: (ويجوز الخ) فيكون متعلقاً بخير، وأشار بقوله: ويوم القيامة، إلى أنه المراد بيوم نسير الجبال، لأنه يوم تضمحل فيه أمور الدنيا لأنه إذا زال ما ظاهره الثبات فغيره أولى، وعلى الوجه الأوّل المراد به ظاهره. قوله: (بادية) أي ظاهرة ولا يخفى حسن ما فيه من الإبهام، ولذا فسره بقوله: برزت الخ، يعني أنها لزوال الجبال ظهرت كلها لزوال ما يسترها، ثم أشار بقوله: ليس عليها ما يسترها إلى أنه ليس المراد من بروزها زوال الجبال فقط، بل زوال ما عليها من الجبال والعمران والأشجار والبحار، وإنما ذكر الأوّل لاقتضاء ما قبله له فليس بيانا لما قبله لأنّ البروز الظهور بعد الخفاء كما قيل: وترى على بناء المجهول نائب فاعله الأرض، وقوله: وجمعناهم إلى الموقف بيان لمعناه وأنه يتعدى بإلى(6/105)
لا بمعنى السوق كما تيل. قوله: (لتحقق الحشر) الدال عليه التعبير بالماضي مجازا وإذا كان للدلالة على أنّ الحشر قبل التسيير والرؤية فهو حقيقة لأنّ المضيّ والاستقبال بالنظر إلى الحكم المقارن له لا بالنسبة لزمان التكلم، وقوله: ليعاينوا الخ علة لتقدمه، والوعد في كلامه بمعنى الوعيد أو هو على ظاهره. توله: (وعلى هذا تكون الواو للحال (وصاحبها على القراءتين فاعل نسير الملفوظ أو القائم مقام المحذوف والرابط الواو فقط حينئذ، قيل إنما جعلت للحال على هذا لأنها لو كانت عاطفة لم يكن مضيّ الحشر بالنسبة إلى التسيير والبروز بل إلى زمان التكلم فيحتاج إلى التأويل الأوّل وتحقيقه أنّ صيغ الأفعال موضوعة لأزمنة التكلم إذا كانت مطلقة فإذا جعلت قيوداً لما يدلّ على زمان كان مضيها وغيره بالنسبة إلى زمانه فما في الكشف وغيره من أنّ هذا الغرض حاصل سواء كان الجملة حالية أو معطوفة ليس بشيء، ثم تعليله بقوله: لأنّ السؤال عن فائدة العدول مع إمكان التوافق لا يستلزم ما علله اهـ ولا يخفى أنه وقع في الكشاف ذكر هذه النكتة من غير تعرّض! للحالية والعطف، ففهم المصنف رحمه الله
أنه مطلق في محل التقييد، وفهم شرّاحه أنه جار عليهما فوجهوه بما ذكر وما ذكره هذا القائل غير مسلم فإن الجمل المتعاطفة يجوز فيها التوافق والتخالف في الزمان، فاذا كان في الواقع كذلك فلا خفاء فيه وان لم يكن فلا بد للعدول من وجه فإن كان أحدهما فيداً للآخر وهو ماض بالنسبة إليه فهو حقيقة ووجهه ما ذكر ولا تكون معطوفة حينئذ فان عطفت وجعل المضيّ بالنسب لأحد المتعاطفين فلا مانع منه ونظيره كما في شروح الكشاف {إِن يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاء وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُم بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ} وهل هو حقيقة أو مجاز محل تردد فسقط ما أورده بلا شبهة) ومن العجب هنا (قول بعض المؤلفين المتصلفين: أنه إذا كان مضيّ الحشر بالنسبة إلى زمان التكلم يلزم تقدّمه على التسيير والبروز أيضاً إذ هما متأخران عن زمان التكلم والمتقدم على المتقدم متقدم على ذلك الشيء لكن تقدم الحشر على زمان التكلم إذعائيّ لا حقيقي، فلا يلزم تقدمه عليهما حقيقة وهو المقصود. قوله: (يقال فادره وأغدره (بهمزة التعدية والغدير نهر صغير سمي به لأنه بقي من السيل فكأنه تركه فهو فعيل بمعنى مفاعل أو مفعل أو فاعل والقراءة بالياء التحتية على أنّ الضمير لله على طريق الالتفات، وقرىء بالفوقانية أيضا والضمير للأرض، وعبارة المصنف رحمه الله تحتمله. توله: (تشبيه حالهم بحال الجند الخ (الظاهر أنه استعارة تمثيلية شبهت حالهم في حشرهم بحال جند عرضوا على مالكهم ولا عرض بمعناه المعروف ولا اصطفاف، وقيل إنها ثبعية بتشبيه حشرهم بعرض هؤلاء، وقوله: ليعرفهم مضارع عرف منصوب أو مصدر من التعرّف مبم ور بيان لأن العرض! قد يكون لتعرّف السلطان جنده، وقد يكون لتنفيذ أمره والمقصمود التشبيه بالاعتبار الثاني، وقوله: على ربك إشارة إلى غضب الله عليهم، وطردهم عن ديوان القبول لعدم جريهم على مقتضى معرفتهم بربوبيته. قوله: (مصطفين لا يحجب أحد احدا) إن كانت الاستعارة تمثيلية وهذا داخل فيها فهو ظاهر ولا يلزم أن يكون المشبه صفا واحداً وكذا إذا كان ترشيحا، كما في شروح الكشاف وان قيل إنه ليس بشيء يعني أنه لتصوّر معناه في الطرفين ليس بصالح للترشيح والتجريد، ولا يخفى أنه على كل حال أعرق في المشبه به وهو كاف في جعله ترشيحا وحينئذ يلزم أن يكونوا صفا واحداً إذ لا تعرّض للوحدة في المشبه حتى يرد عليه ما قيل إنه مفرد مراد به الجمع لكونه مصدراً أي صفوفاً لما ورد في الحديث الصحيح أنه يجمع الأوّلون والآخرون في صعيد واحد صفوفا، ولا حاج إلى
أخرجه الحاكم 4 / 573، والطبراني كما في المجمع 0 1 / 377 وابن أبي عاصم في السنة 789 عن أبي حذيفة. وأخرجه موتوفاً الطيالسى 414 وذكر الهيثمي عن حذيفة موقوفاً ئم تال: رواه البزار ورجاله رجال الصحيح.
وقال الألباني في تخربج السنة: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين وهو وان كان موتوفاً=
تكلف أنهم يعرضون ثلاث عرضات فلعلهم يعرضون تارة صفا وتارة صفوفا لأنه لا مدخل للرأي فيه مع أنّ هذا كله غفلة عن تفسير الشيخين لمصطفين بأنّ مجموعهم يرى جملة وتفصيلاً إذ لا يحجب شيء عن رؤيته، وأمّا القول بأن أصله صفا صفا فبعيد مع أن ما يدلّ على التعدد بالتكرار كصفا صفاً وبابابابا لا يجوز حذفه كما سيأتي، وقوله: مصطفين إشارة إلى أنه حال. قوله: (على إضمار القول على وجه يكون حالاً) بتقدير قائلين أو نقول إن كان حالاً(6/106)
من فاعل حشرنا أو قائلا أو يقول: إن كان من ربك أو مقولاً لهم إن كان حالا من ضمير عرضوا أو يقدر فعل، كقلنا أو نقول لا محل لجملته ويوم متعلق به لا بمقدر كما مر، وإنما لم يعمل في الظرف على تقدير كونه حالاً لأنه يصير كغلام زيد ضاربا على أنّ ضاربا حال من زيد ناصبا لغلام ومثله تعقيد غير جائز لأنّ ذلك قبل الحشر وهذا بعده، ولا لأنّ معمول الحال لا يتقدم عليها كما توهم فتدبر، وأمّا ما أورد على الثاني من أنه يلزم منه أنّ هذا القول هو المقصود أصالة فتخيل غنيّ عن الرد إذ لا محذور فيه. قوله: (عراة لا شيء معكم الخ) جوّز في قوله: كما خلقناكم أن يكون حالا أي كائنين كما خلقناكم والتشبيه فيما ذكر من كونهم عراة الخ وأن يكون صفة مصدر أي مجيئا كما كنتم، وقدم هذا الوجه إما لمناسبته لما قبله من زوال الدينا وفنائها أو لأنّ الثاني مرتبط بما بعده فأخره ليتبين ارتباطه به كما أشار إليه بقوله: لقوله فالمتقدم متعلق بما تقدم والمتأخر متعلق بما تاخر فالوضع على وفق الطبع. قوله: (أو أحياء كخلقتكم الأولى (هذا يحتمل الوجهين السابقين في إعرابه، وإنما يخالفه في وجه التشبيه، وقوله: وقتا إشارة إلى أنّ موعداً اسم زمان، وجعل هنا متعدية لواحد أو لاثنين وأن مخففة من الثقيلة، وقوله: وأن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام كذبوكم به، الظاهر أنه معطوف على إنجاز بتقدير مضاف أي وابطال الخ وكذب مخفف والباء للسببية أو بمعئى في، وقوله: وبل للخروج الخ أي الإضراب فيها انتقاليّ لا إبطاليّ، والمراد بالقصة الأولى جملة لقد جئتمونا الخ. قوله: (صحائف الآعمال في الأيمان (بفتح الهمزة جمع يمين بمعنى اليد كالشمائل جمع شمال، وهو بيان وفيه إشارة إلى أن تعريف الكتاب للجنس كما في الكشاف، والمراد بالجنس فيه الاستغراق كما في شرحه، وقوله: وقيل هو كناية عن وضع الحساب أي إبراز محاسبتهم وسؤالهم كما أنه إذا أريد محاسبة العمال جيء بالدفاتر ووضعت-يئ
أيديهم فأريد به لازمه كناية، وقوله: خائفين لأن حقيقة الإشفاف الخوف من وقوع المكروه، وضمير فيه للكتاب ومن الذنوب بيان لما. قوله: (ينادون هلكتهم) بفتحات مصدر بمعنى الهلاك والهلكات جمعها، وقوله: هلكوها الضمير للمصدر، وفي نسخة هلكوا بها والأولى أصح ونداؤها على تشبيهها بشخص يطلب إقباله كأنه قيل: يا هلاك أقبل فهذا أوانك، ففيه استعارة مكنية تخييلية وفيه تقريع لهم وإشارة إلى أنه لا صاحب لهم غير الهلاك أو طلبوا هلاكهم لئلا يروا ما هم فيه، وأمّا تقدير المنادي أي يا من بحضرتنا وملتنا ففيه حذف وتقدير لما تفوت به تلك النكتة، والويل والويلة الهلاك. قوله: (تعجباً من شأنه (يعني أنّ ما استفهامية والاستفهام مجاز عن التعجب، وقال البقاعي: إق لام الجرّ رسمت مفصولة يعني في الرسم العثماني إشارة إلى أنهم لشدة الكرب يقفون على بعض الكلمة، وفي لطائف الإشارات وقف على ما أبو عمرو والكسائيئ ويعقوب والباقون على اللام، والأصح الوقف على ما لأنها كلمة مستقلة وأكثرهم لم يذكر فيها شيئا (قلت (اتباع الرسم يأبى ما قاله البقاقي، وهذا مما أشكل علينا القراءة وان كان مشايخنا قرؤوا به، وقوله: هنة بفتح الهاء والنون الخصلة السيئة، وقوله: عذها لأن الإحصاء منحصر في العد وان كان أصله العد بالحصى وقوله: وأحاط بها تفسير لعدها، واشارة إلى أن عذها مجاز عن الإحاطة بها كما يحيط الكتاب، ولا تجوّز في إسناده كما قيل وإنما جعل كناية عن الإحاطة، كما يقال: ما أعطاني قليلاً ولا كثيراً لأنه لو حمل على ظاهره لكان ذكر عدم ترك الكبيرة كالمستدرك، وترك ما في الكشاف من أن المراد ما كان عندهم صغائر وكبائر وقيل: لم يجتنبوا الكبائر فكتبت عليهم الصغائر وهي المناقشة، وعن ابن عباس رضي الله عنهما: الصغيرة التبسم والكبيرة القهقهة لما فيه من النزغة الاعتزالية فإن قلت ما معنى هذا الأثر المنقول عن ابن عباس رضي الله عنهما، فإن بعض الفضلاء استشكل كون التبسم صغيرة والقهقهة كبيرة ولم يبينه شرّاحه قلت: المرد التبسم والضحك استهزاء بالناس وهو يؤذيهم وكل أذية حرام كما بينه الإمام الغزالي في الإحياء وذكر أنّ لفظ ابن عباس في تفسير هذه الآية الصغيرة التبسم استهزاء بالمؤمن، والكبيرة القهقهة بذلك وهو إشارة إلى أن الضحك على الناس من الذنوب والآثام، وعن عبد الله بن زمعة رضي الله عنه(6/107)
أنه سمع النبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخطب ويعظهم في ضحكهم من الضرطة، وقال علام يضحك أحدكم مما يفعل فإن قلت الترقي في الإثبات يكون من الأدنى إلى الأعلى وفي النفي عكسه لأنه لا يلزم من فعل الأدنى فعل الأعلى بخلاف النفي، قلت: هذا إذا كان على ظاهره فإن كان كناية عن العموم كما هنا جاز كما فصله في المثل السائر فاحفظه فإنه من المهمات. قوله: (فيكتب عليه ما لم يفعل) أي يعذبه بما لم يعمله أو يزيد في جزائه، قيل: وهذا يلائم مذهب
الاعتزال وأمّا عن مذهب أهل السنة فلا ينسب إليه تعالى الظلم بتعذيبه بلا ذنب فإنه مالك الملك يتصرف في ملكه كيف يشاء، وأجيب بأنه تعالى أراد بقوله: {وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} [سورة الكهف، الآية: 49] أنه لا يفعل بأحد ما يكون ظلما لو صدر عن العباد إذ العمل بدون الأجر أو على النقصان فيه ظلم لو صدر عنا فظهر أق ما ذكر على طريق التمثيل لا الحصر، وهذا السؤال والجواب لم يصادفا محزهما أما الأوّل فلأنه تعالى وعد بإثابة المطيع والزيادة في ثوابه وتعذيب العاصي بمقدار جرمه من غير زيادة وأنه قد يغفر له ما سوى الكفر وذكر أنه لا يخلف الميعاد واتفق المعتزلة وأهل السنة على عدم وقوع الخلف وإنما الخلاف في امتناعه عقلا فذهب إليه المعتزلة بناء على القبح، والحسن العقليين وخالفهم فيه غيرهم فقالوا إنه ممتنع سمعا لا عقلاً وما ذكره المصنف موافق لكلامهم، وأما الثاني فلأن تسمية خلاف ما وعد به وجرت عليه السنة الإلهية ظلما الظاهر أنه حقيقة لا تمثيل لأنّ حقيقتة، كما قاله الراغب وغيره: وضع الشيء في غير موضعه بزيادة أو نقص، فلذا أطلق على تجاوز الحد والحق فهو حقيقة في مثل قوله: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ} أي لا يتجاوز الحد الذي حذه لهم في الثواب والعقاب وإن لم يجب ذلك عليه عقلاً فالحصر على ظاهره بلا تمثيل، نعم هذه كلمة حق أريد بها باطل فافهم. قوله: (كرّره في مواضع الخ (أي كرّر هذا المذكور من قصه إبليس بحسب الظاهر وليس مكرّرة في الحقيقة لأنها تتضمن أغراضا فذكرت في كل محل لغرض وفائدة تناسب ذلك المقام، وقوله: لكونه مقدمة بكسر الدال المشدّدة ومعناها لغة معروف واصطلاحا تطلق على أمور كمقدمة العلم، ومقدمة الكتاب ومقدمة الدليل، وهي قضية جعلت جزءاً منه أو تتوقف صحته عليها، والمراد بها هنا ما له تعلق بالأمر المقصود بيانه لا ما يتوقف عليه صحة الدليل كما قيل، وقوله: في تلك المحال أي محال تكرير القصة، وقوله: لما شنع أي ذكر شناعة أمرهم ووخامة عاقبتهم والمراد بالمفتخرين من ذكر في قوله: {وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا} الخ ويجوز أن يراد المفتخر بجنته وزينة دنياه المشار إليه بالمثل المضروب، وقوله: قرّر ذلك أي التشنيع أي أكده وبينه، وقوله: بأنه أي الافتخار. قوله: (أو لما بين حال المغرور الخ) وجه آخر لذكر القصة هنا والمغرور والمعرض إما صاحب الجنتين وأخوه، أو ما تضمنه قوله: {وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} وزهدهم جواب لما والتزهيد ضد الترغيب، وعرضة الزوال بضم العين وسكون الراء والضاد المعجمة معناه معرضة ومتهيئة له، والمراد بأنفسها أكثرها نفاسة، وأعلاها أشرفها والمراد به الحال والبنون والمذهب المراد به طريقته المعروفة فيه. قوله: (حال بإضمار قد (أي حال من المستثنى والرابط
الضمير وعلى الاستئناف فهو استئناف بياني ويفهم منه التعليل، كما قرره. قوله: (فخرج عن أمره بترك السجود (جواب عما يتوهم من أنّ الفسق ترك الطاعة بالعصيان فكيف عدى بعن كما في قوله:
فواسقا عن قصدها جوائزأ
ثم خص بالخروج عن طاعة الله، وجوّز فيه أن تكون عن للسببية كما في قوله:
ينهون عن أكل وشرب
والمراد بالأمر في كلام المصنف قوله: اسجدوا وخروجه عنه مخالفته وفي الكشاف أنه بمعنى المأمور به وهو السجود وعدم اتصافه بالسجود الذي عم الملائكة خروج عنه، قيل: وهو أنسب باستثناء إبليس من حكم السجود، وقيل: مسلك المصنف أولى لإبقائه على حقيقته ولكل وجهة والأمر فيه سهل. قوله: (والفاء للتسبب البيان تسبب فسقه عن كونه من الجن إذ شأنهم التمزد وإن كان منهم من أطاع وآمن كما سيأتي في سورة الجن أو عن سجود غيره وتخلفه عن السجود فهي عاطفة إما على سجد الملائكة إلا إبليس، أو على كان من الجن كما في الأعراف، وقيل إنها(6/108)
هنا غير عاطفة إذ لا يصح تعليل ترك سجوده بفسقه عن أمر ربه، قال الرضي: والفاء التي لغير العطف وهي التي تسمى فاء السببية لا تخلو أيضا من معنى الترتيب وتختص بالجمل وتدخل على ما هو جزاء مع تقدم كلمة الشرط وبدونها وليس بشيء لأنه يكفي صحة ترتيب الثاني بسببية، كما في قوله: فوكزه موسى فقضى عليه أو بدونها كما في ذهب زيد فجاء عمرو كما صرح به في التسهيل، وقوله: وفي دليل الخ لأنه رتب فسقه على كونه من الجن وكونه ملكا أو لأمر تحقيقه في البقرة. قوله: (أعقيب الخ (تبع فيه الكشاف وقد قيل: عليه إنّ اتخاذهم هذا ليس عقيب ما وجد منه بل بعده بمدة طويلة فالأظهر أن الفاء هنا لمجرّد الاستبعاد فإن اتخاذهم أولياء بعد ما وجد منه ما وجد مستبعد وكذا أن المعنى أعقيب علمكم بتلك القبائح تتخذونه الخ، وقيل ما ذكر من الاستبعاد معنى الهمزة كالإنكار والتعجب، فإن كان مراده أنّ الفاء لمجرّد البعد فهو مما لم يثبت، وما أورده مدفوع بأن مراده أعقيب إعلامي بذلك الخ تعجباً من بقاء من اتخذه على ذلك ومن اتخاذ من اتخذه بعد ما عرفه انتهى، وما ذكره من التأويل ليس في الكلام ما يدل عليه، وكون الفاء لمجرد الترتب والبعدية مع مهلة من مسائل المتون كما في التسهيل ولا يخفى أنه على مذهب الجمهور الفاء تفيد تعقيب الإنكار لا الاتخاذ فتأمل، وكون الهمزة للإنكار والتعجب معاً مر تحقيقه. قوله: (أولاده أو أتباعه (وقع
في نسخة بالواو فالمراد بكونه مجازاً أنه تغليب وفي نسخة أو فالمجاز حينئذ استعارة بتشبيه الاتباع بالأولاد وهذا مما لا خفاء فيه وقد تعسف هنا بعضهم فجعل اتباعه على النسخة الأولى عطف تفسير وأطال آخر بلا طائل وزعم أنه من الجمع بين الحقيقة والمجاز ثم خرجه على أن الولد بمعنى المربي. قوله: (وتستبدلونهم بي فتطيعونهم بدل طاعتي (الاستبدال من قوله: من دوني فانّ معناه المجاوزة وهي تكون بالترك أو مجرّد المجاوزة فحمله على الأوّل لأنه أبلغ في الذمّ ولدلالة قوله: بدلاً بعده على أنه المراد فلا يرد عليه أنه لا يستلزمه، ثم لما كان الواقع منهم ليس استبدال الثياطين بل ترك طاعة الله لا طاعتهم فيما سوّلوه عطف قوله: فتطيعونهم الخ عليه عطفا تفسيريا فالبدلية ليست على حقيقتها، وقوله: ست الله بيان لمتعلق بدلاً، وقوله: إبليس وذزيته بيان للمخصوص بالذمّ المقدر، وفاعل بئس مستتر يفسره التمييز وهو بدلا، فقوله: إحضار تفسير للإشهاد وقوله: واحضار بعضهم خلق بعض تفسير لقوله: ولا خلق أنفسهم كما مر تحقيقه في قوله: فاقتلوا أنفسكم وقوله: في ذلك أي في خلق ما ذكره، وقوله: كما صرّح به أي بنفي الاعتضاد، وقوله: أعوانا إشارة إلى أن العضد وهو ما بين المرفق إلى الكتف مستعار للمعين كاليد وأفرد لعمومه في سياق النفي فلذا فسره بالجمع. قوله: (رداً لالخاذهم أولياء الخ) علة لقوله: نفي الخ بعد ما علل نفي إحضارهم أو تقديمه بقوله ليدل الخ وأولياء مفعول أول للاتخاذ وشركاه مفعوله الثاني وفي العبادة متعلق به. قوله: (فإن استحقاق العبادة الخ) بيان لوجه الرد يعني أنهم عبدوا هؤلاء والعبادة غاية التواضع لا تليق بغير الخالق فمن عبد غيره كأنه أقرّ له بالخلق وإذا أقرّ له بالخلق لزمه توحيده واتخاذه بدلاً لأنّ الإله الخالق لا يمكن تعدده فلذا جعلهم بدلاً باعتبار ما لزم من فعلهم وشركاء باعتبار ظاهر حالهم وزعمهم، وأما جعل إبليس وذزيته معبودين فلأنهم الحاملون على عبادة غير الله فكأنهم مبدوهم كما قال ىسمر لابن الزبعري بل هم عبدوا الشياطين التي أمرتهم كما سيأتي في سورة الأنبياء فسقط ما قيل إنّ قوله شركاء لا يلائم قوله تعالى: {بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ} [سورة الكهف، الآية: 50] بدلاً ولا تفسيره السابق لقوله: من دوني فالأولى أن يقول المصنف رحمه الله: رذأ
لاتخاذهم أولياء لله بأبلغ وجه فإنهم إذا لم يصلحوا الشركة العبادة لا يصلحون للبدلية بالطريق الأولى وكأنه لم يتنبه لأنه عين ما في النظم وأنه هو المحتاج للتأويل، وحاول بعضهم الرد بما هو غنيّ عن الردّ، وقوله: موضع الضمير أي متخذهم، ووجه الاستبعاد أنه لا وجه للاعتضاد أي الاستعانة بالمضل. قوله: (وقيل الضمير) أي ضمير أشهدتهم وأنفسهم، وهو على الأوّل لإبليس وذزيته، والمشركون هم الذين مرّوا في قوله: ولا تطع من أغفلنا الخ، وقوله: والمعنى أي على هذا(6/109)
الوجه، وقيل: عليه أنّ انفهام تخصيصهم بعلوم لا يفهم من نفي إشهادهم خلقها والاعتضاد بهم قطعاً وهو ظاهر، وأما كونه إشارة إلى أنّ الشرف واستحقاق المتبوعية إنما يتحقق بالعلم فلا يجدي هنا، ويدفع بأنّ إحضار أحد عند مباشرة أمر عظيم والاستعانة به فيه إنما يكون لمن له من العلم والقدرة ما ليس لغيره والا فلا وجه لإحضاره دون غير فنفيه يقتضي نفي ذلك وهو ظاهر، وحتى لو آمنوا غاية لما قبله من الأمرين، والناس ما عدا المشركين، وضمير قولهيم للمشركين، وطمعا تعليل للالتفات المنهيّ عنه، وقوله: لا ينبغي تفسير لقوله: ما كنت فإن معنى ما كان لك كذا لا ينبغي وهو إشارة لتفسيره وارتباطه على هذا الوجه والمراد منه حينئذ أنه لا يحتاج في نصرة الدين إلى أحد، فسواء اتباعهم وعدمه، وقوله: لديني متعلق بأعتضد، فلا وجه لما قيل إنّ الاعتضاد إنما هو بإيمانهم بعد زوال ضلالهم فلا وجه لنفي الانبغاء فالأولى أن يقال: لا حاجة إلى إيمانهم لأني أعتضد لديني بغيره. قوله: (ويعضده قراءة من قرأ الخ) والمعنى لا ينبغي لك ذلك فهو نهي له معنى، ووجه التأييد ظاهر، وقوله: على الأصل أي من أعمال اسم الفاعل وتنوينه، والتخفيف التسكين والاتباع بضم العين لاتباع الضاد وبفتحتين، وقوله: جمع عاضد من عضده بمعنى قوا. وأعانه فلا يكون استعارة.
قوله: (وإضافة الشركاء الخ) أي على هذ الوجه وهو الظاهر فإضافة مبتدأ وعلى زعمهم
خبره وللتوبيخ تعليل لانتساب الخبر للمبتدأ، وهدّا بناء على ما في بعض النسخ من أو شفعاءكم وفي بعضها بالواو بدل أو وعليه فإذا جعل هذا كلاما عاماً للوجهين فإعرابه كذلك على هذا الوجه وأمّا على الوجه الأوّل فقوله: للتوبيخ خبر وعلى زعمهم قيد للمبتدأ لعدم الحاجة إلى إفادة أنّ الإضافة على زعمهم للتصريح به في النظم حينئذ، كذا قيل: ولا يخفى ما
فيه من الخلل وأنّ الظاهر أنه بيان للوجه الثاني، وأنه يجوز فيه أن يكون على زعمهم خبرا، وقوله: للتوبيخ قيد له، ويجوز أن يكون على زعمهم قيداً للمبتدأ وللتوبيخ خبره، ولو جعل راجعا لهما جاز فيه ذلك أيضا وإذا جعل خبراً فالإفادة فيه باعتبار قيده لأنه محط الفائدة فلا وجه لما ذكر. قوله: (والمراد) أي بالشركاء ما عبد من دون الله وعلى هذا يعم المسيح وعزيرا والملائكة عليهم الصلاة والسلام فيحتاج إلى إخراجهم ص قوله: وجعلنا بينهم موبقا أو تأويله بأنّ الموبق حائل بينهم وإن لم يكونوا فيه جميعا وسيأتي ما يلائم هذا فلا يرد عليه أن التفسير الثاني أولى لاستغنائه عما ذكر فكان ينبغي تقديمه، وقوله: للإعانة بالنون ويجوز كونه بالمثلثة. قوله: (مهلكاً يشتركون فيه) مهلكا بفتح الميم ويجوز كسر اللام وفتحها لأنّ فعله كضرب وعلم ومنع شذوذاً اسم مكان من الهلاك على أن وبق بمعنى هلك، وقال الثعالبي في فقه اللغة: إنه بمعنى البرزخ البعيد فوبق بمعنى هلك أيضا إذ المعنى جعلنا أمداً بعيداً يهلك فيه بالأشواط لفرط بعده، وعلى هذا فيجوز شموله للملائكة وعيسى وعزير عليهم الصلاة والسلام لأنهم في أعلى الجنان وأولئك في قعر جهنم، كما في الشكاف وقيل: معناه محبس وموعد وبين ظرف، وقوله: يشتركون فيه إشارة إلى أنّ معنى كونه بينهم أنهم مشتركون في الحلول فيه كما يقال: جعلت المال بين زيد وعمرو فكأنه ضمن معنى قسمت، وقوله: وهو النار أي جهنم لأنها تطلق على مكانها إطلاقاً شائعا وقيل إنه واد فيها. قوله: (أو عداوة) بالنصب عطف على مهلكا فالموبق مصدر أطلق على سبب الهلاك مجازا وهو العداوة، كما أطلق التلف على البغض المؤدّي إليه لا على البغض مطلقاً حتى يتوهم أنه ليس بمجازاً لا معنى لقولك لا يكن بغضك بغضا والكلف مصدر كلف به إذا أولع به والمعنى لا يكن حبك حبا مفرطا يؤدّي إلى الولع والهيام، وبغضك بغضا مفرطا يجر إلى التلف، وقوله: اسم مكان أو مصدر لف ونشر مرتب ويجوز جعل الفوبق بمعنى الهلاك ومعنى كونه بينهم شموله لهم. قوله: (من وبق يوبق) في ال! قاموس وبق كوعد ووجل وورث وبوقا ومويقا هلك، ومنه تعلم وجه ثبوت الواو في مضارعه، وقوله: وقيل الخ قائله الفراء والسيرافي والبين على هذا اسم بمعنى الوصلى كما يكون بمعنى الفراق لأنه من الأضداد وعلى هذا فهو مفعول أوّل لجعلنا(6/110)
وموبقا مصدر بمعنى هلاك مفعول ثان له، وعلى الأوّل هو ظرف مفعول ثان لجعل إن كان بمعنى التصيير وان كان بمعنى الخلق، فهو ظرف متعلق بجعلنا أو صفة لمفعوله قدم عليه لرعاية الفاصلة، فتحوّل حالاً، ومعنى كونه هلاكا أنه مؤذ إليه. قوله: (فأيقنوا) جعل الظن مجازاً عن اليقين لداسل
قوله: ولم يجدوا عنها مصرفا، وقيل: إنه على ظاهره لعدم يأسهم من رحمة الله قبل دخولها، وقيل: باعتبار أنهم ظنوا أنهم تخطفهم في الحال لأنّ اسم الفاعل موضوع له (قلت) إنما اقتصر عليه لأنه مأثور عن قتادة كما أسنده في الدر المنثور وقوله: رأى قرينة ظاهرة، وقوله: مخالطوها مأخوذ من مفاعلة اأس قوع لأنها تقتضيه، وقوله: واقعون فيها بيان للمراد منه، وقوله: مصرفا الخ إشارة إلى أنه يجوز فيه أن يكون مصدراً واسم مكان وقيل إنه يجوز فيه أن يكون اسم زمان وما ذكره المصنف رحمه الله تبع فيه أبا البقاء وفي الدر المصون أنه سهو فانه جعل مفعلا بكسر العين مصدرا من صحيح مضارعه يفعل بالكسر وقد نصوا على أنّ مصدره مفتوج العين لا غير واسم زمانه ومكانه مكسورها نحو المصرف والمضرب، وقرأ زيد مصرفا بفتح الراء فليته ذكر هذه القراءة ووجهها بما ذكر. قوله: (من كل جنس يحثاجون إليه) يعني أن المثل إما بمعناه المشهور أو بمعنى الصفة الغريبة ولم يصرح به لأنه مر تفصحيله ومن إما زائدة على رأي أو تقديره مثلا من كل مثل ولما كان ظاهره أنه ذكر فيه جميع الأمثال أشار إلى تأويله بأنّ المراد منه أنه نوع ضرب الأمثال وذكر الصفات العجيبة لهم فذكر من كل جنس محتاج إليه مثلا لا أنه ذكرت لهم جميع أفرادها فليس المراد أنّ المثل بمعنى الجنس هنا كما يتوهم ولا أن تنوين جنس عوض عن المضاف إليه، ومفعول صرفنا موصوف الجار والمجرور أي مثلاً من كل مثل وقيل: مضمون من كل مثل أي بعض كل جنس مثل والبعض بمعنى الجزئي منه. قوله: (يتأتى منه الجدل الما كان الجدل إنما صدر من الإنسان دون غيره من ذوي العلم، كالملك والجن والتفضيل يقتضي الاشتراك فسر المجادل بمن يتأتى منه ذلك ليشمل هؤلاء ويجري التفضيل على ظاهره. قوله: (خصومة بالباطل) قيده به لأنه الأكثر في الاستعمال والأليق بالمقام وإلا فالجدل مطلق المنازعة بمفاوضة القول كما ذكره الراغب وغيره من أهل اللغة ولا دلالة لقوله: ويجادل الذين كفروا بالباطل ولا لقوله: {وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} على تخصيصه بأحد الشقين حتى يتجوّز في الآخر أو يدعي التجريد، وقوله: من الإيمان إشارة إلى أن أن مصدرية مقدر قبلها الجار، وقوله: وهو الرسول صلى الله عليه وسلم فأطلق عليه الهدى مبالغة لأنه هاد ولا يحمل على ظاهره لأنه لو كان كذلك آمنوا وعطفه بالواو ولمجيئهما لهم أو هي بمعنى أو والاستغفار من الذنوب بالتوبة عنها وهي شاملة للكفر وعممه ليفيد ذكره بعد الإيمان، ولا يضره كونه يجب ما قبله فتأمّل. قوله: (إلا طلب أو انتظار أو تقدير (أي تقدير الله لوقوع ذلك
لهم وقدر المضاف المذكور قبل إتيان سنة الأوّلين واتيان العذاب كما في الكشاف، لأنه لو كان المانع من إيمانهم واستغفارهم نفس الهلاك: كانوا معذورين ولأنّ عذاب الاخرة منتظر قطعاً، وقيل: لأنّ زمان إتيان العذاب متأخر عن الزمان الذي اعتبر لإيمانهم واستغفارهم فلا يتأتى ما يغيثهم منه، فإن قلت طلبهم سنة الأوّلين لعدم إيمانهم وهو لمنعهم عن الإيمان فلو كان منعهم للطلب لزوم الدور، قلت: دفع هذا بأنّ المراد بالطلب سببه وهو تعنتهم وعنادهم الذي جعلهم طالبين للعذاب بأمثال قولهم: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء الخ، وقيل: الطلب بمعنى الاستحقاق والاستعداد وكونهم معاندين مما لا شبهة فيه وان كان فيهم من ينكر حقية الإسلام فلا وجه لما قيل: إن طلبهم ليس إلا لعدم اعتقادهم حقية الإسلام، ثم قال: الحق أنّ الآية على تقدير الطلب من قولك: لمن يعصيك أنت تريد ضربي أي بتنزيل استحقاقه منزلة طلبه كما مرّ، فإن قلت عدم الإيمان متقدم على الطلب مستمرّ فلا يكون الطلب مانعا قلت المتقدّم على الطلب هو عدمه السابق وليس بمانع منه والمانع ما وجد بعد الطلب لكن لا يظهر وجه كون الطلب مانعا منه كما قيل، ووجهه ظاهر لأنه إنما(6/111)
يكون ناشئاً عن اعتقاد عدم حقية أو عناد فتأمل. وعذاب الآخرة هو المعد للكفار. قوله: (عياناً (هذا معناه على القراءة المشهورة بكسر القاف وفتح الباء، وقوله: بمعنى أنواع أي القبيل النوع والقبل الأنواع وأصله من المقابل فلذا دل على المعاينة وإذا كان حالاً من الضمير المفعول فمعناه معاينين له بكسر الياء أو بفتحها أي معاينين للناس ليفتضحوا وإذا كان من العذاب فمعناه معاينا لهم أو للناس. قوله: (للمؤمنين والكافرين (يحتمل اللف والنشر بناء على الأصل وعودهما لكل منهما وهذا أعمّ من تقدير للمطيعين والعاصين وأنسب بالمقام أو هما بمعنى، وقوله: بالباطل خصه لعموم الجدل كما مرّ بياناً للمذموم ولقوله: بعده ليدحضوا به الحق، وقيل: لأنهم قد يجادلون بالحق في الأمور الدنيوية. قوله: (باقتراح الآيات بعد ظهور المعجزات (فالمراد بالجدال معناه اللغوي وهو المنازعة لا ترتيب المقدمات وان كان مما صدق عليه، وليس معنى اصطلاحيا كما توهم، وتسمية السؤال عن قصة أهل الكهف جدلاً لأنه تعنت لإظهار تكذيبهم له صلى الله عليه وسلم فالسؤال بالجرّ معطوف على اقتراج وتعنتا تعليل له أوله مع ما قبله، وقوله: ليزيلوا إشارة إلى أنه مجاز من زلل القدم المحسوس لإزالة الحق المعقول،
وقوله: ويبطلوه تفسير ليدحضوا ولك أن تقول فيه تشبيه كلامهم بالوحل المستكره كم قلت: أتانا بوحل لإنكاره ليزلق أقادم هدى الحبم
وقوله: (وذلك قولهم للرسل ما أنتم إلا بثر مثلنا) قيل عليه أنه مخالف لقوله باقتراج الآيات والسؤال عن أصحاب الكهف وانّ المراد بالجدل في هذا معناه المصطلح وهو ترتيب المقدمات الفاسدة للإلزام، وقيل: إنّ هذا القائل ظن أنّ ذلك إشارة للجدل وليس كذلك بل هو إشارة للإدحاض الدال عليه ليدحضوا، والمعنى يجادلون بالاقتراح والسؤال ليعجزوا الرسل ويكون ذلك سببا لإدحاض الحق أي الرسالة بقولهم: {مَا أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا} الخ فتأمّل. وقوله: عن مقرّة أي تحققه وثباته، وقوله: وإنذارهم الخ أي ما مصدر أو موصولة والعائد مقدر. قوله: (استهزاء) أي هو مصدر وصف به مبالغة وهو ما يستهزأ به، وظاهره أنه يكون صفة وقيل: عليه إنه لم يوجد في كتب اللغة إلا مصدرا وهو بعد التسليم قد يقال: إن مراده أنه مصدر مؤوّل بما ذكر، وقوله: ومن أظلم استفهام إنكارفي في قوّة النفي وهو يدل على نفي المساواة كما مرّ، وقوله: فلم يتدبرها أي يتأمّلها، ويتذكر بمعنى يتعظ والباء صلته أو سببية والمراد أنّ الإعراض مراد منه ما ذكر بطريق الكناية، وقوله: فلم يتفكر في عاقبتهما أي هذا هو المراد منه كناية. قوله: (تعليل لإعراضهم الخ) إفادته التعليل لأنه جواب عن السؤال عن العلة فيفيد ما ذكر، ومطبوع بمعنى مختوم عليها، وقوله: كراهة الخ يعني أنه مفعول له بتقدير مضاف كما عرف في أمثاله، وقوله: وتذكير الضمير أي الراجع للآيات نظرا لمعناه وتأوّلاً له به وهو أنه وحي وقرآن كما أشار إليه أولا، وقوله: حق استماعه وهو التدبر والإذعان إشارة إلى أنه ليس وقراً حقيقياً، وقوله: تحقيقا وفي نسخة لا تحقيقا واكتفى بانفهام النفي مما قبله، وما بعده ولا يفقهون ناظر للتحقيق ولا يسمعون للتقليد فهو لف ونشر. قوله: (وإذا كما عرف جزاء وجواب الخ) كذا في عامّة كتب النحو، وللنحاة فيه كلام فقال الفارسيّ إن المراد أنها تارة تكون كذا وتارة كذا فالأوّل نحو أن يقال آتيك غدا فتقول إذن أظنك صادقا إذ لا جزاء فيها هنا والثاني نحو آتيك غدا فتقول إذن أكرمك، وقال الدمامينيّ في شرح التسهيل: الصواب أن يقال: كونها جواباً لا ينفك عنها بخلاف الجزائية فإنها قد تنفك، ومعنى كونها جوابا أنها لا تقع إلا في كلام مجاب به كلام آخر إما محقق أو مقدر، ومعنى كونها جزاء أنه يجازي بها أمر وقع وليس المراد بالجواب والجزاء معناهما الاصطلاحي حتى يكونا بمعنى واحد فيرد عليه ما
أورده ابن هشام كما فصله الدماميني في شرح التسهيل، ولذا قال المصنف: كما عرفت إشارة إلى ما ذكره النحاة وأشار إلى أنها جواب لكلام مقدر وأن الجواب هو مجموع الشرط وجوابه، وفي الكشاف وإذا جزاء وجواب فدلّ على انتفاء اهتدائهم(6/112)
لدعوة الرسول بمعنى أنهم جعلوا ما يجب أن يكون سبب وجود الاهتداء سبباً في انتفائه، وعلى أنه جواب للرسول على تقدير قوله: ما لي لا أدعوهم حرصا على إسلامهم فقيل: {وَإِن تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَن يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا} [سورة الكهف، الآية: 57] انتهى وللشراح فيه كلام واقف في أعراف الرد والقبول، والذي سلكه المدقق في الكشف أنّ دلالة النظم على ما ذكر صريحة لأن تخلل إذا يدل على ذلك لأنّ المعنى إذن لا دعوت وهو من التعكيس بلا تعسف وأما أنه جواب على الوجه المذكور فمعناه أنه نزل منزلة السائل مبالغة في عدم الاهتداء المرتب على كونهم مطبوعا على قلوبهم فلا ينافي ما أقرّوه من أنه على تقدير سؤال لم لم يهتدوا فإنّ السؤال على هذا الوجه أوقع اهـ، وإذا تأمّلته انكشف الغطاء، وقد طلع الصباج ولم يحتج إلى ما قيل من أنّ وجهه أنه جعل الفاء في فلن يهتدوا استعارة كاللام في قوله تعالى: {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ} الخ وان كان من تصرّفاته البديعة، ومن لم يعرف ما ذكر خبط خبط عشواء فقال: المراد أنها جزاء الشرط الذي هو مدلول إذا لا الشرط المذكور وأمّا كونه جواب سؤال مقدر فليس بمعروف فالأولى أن لا يذكر قوله كما عرفت كما تركه جار الله، وصرفه لقوله: جزاء فقط لا يخلو عن بشاعة. قوله: (على تقدير قوله ما لي لا أدعوهم) قيل تقدير هذا يقتضي أنه منع من دعوتهم فكأنه أخذ من مثل قوله تعالى: {فَأَعْرِضْ عَن مَّن تَوَلَّى عَن ذِكْرِنَا} [سورة النجم، الآية: 29] فقيل بل هو مفهوم من قوله: إن تدعهم الخ وما ذكر بعيد جدّاً، كحمل المقدر على أنه لم لا أدعوهم مع قوله: إن يهتدوا إذا أبدا، وقيل: إنّ الصواب أنه مأخوذ من قوله: على قلوبهم أكنة وأنت بعدما أوضحناه لك في غنية عنه فتأمّل. قوله: (فانّ حرصه صلى الله عليه وسلم على إسلامهم يدل عليه) أي على ذلك التقدير وان ذكر له أن قلوبهم في أكنة رجاء أن تكشف تلك اكنة وتمزق بيد الدعوة فينكشف الغطاء فليس سؤاله المقدر دالاً على المنع عن مطلق الدعوة كما مرّ فإنه من قلة التدبر. قوله: (البليغ المنفرة) كما يدل عليه صيغته وقال الإمام: إنما ذكر لفظ المبالغة في المغفرة دون الرحمة لأنّ المغفرة ترك الإضرار والرحمة إيصال النفع وقدرة الله تعالى تتعلق بالأوّل لأنه ترك مضار لا نهاية لها، ولا تتعلق بالثاني لأنّ فعل ما لا نهاية له محال وقد قال النيسابوري: هذا فرق دقيق لو ساعده النقل، على أنّ قوله: ذو الرحمة لا يخلو عن مبالغة وفي القرآن غفور رحيم بالمبالغة في الجانبين كثيراً، وفي تعلق القدرة بترك غير المتناهي دون فعله نظر لأنّ مقدور أنه تعالى غير متناهية لا فرق بين المتروك وغيره، وقيل عليه أنهم فسروا الغفار بمريد إزالة العقوبة عن مستحقها والرحيم بمريد الأنعام على الخلق وقصد المبالغة من جهة في مقام لا ينافي تركها في
آخر لعدم اقتضائه لها وقد صرحوا بأن مقدوراته تعالى غير متناهية وما دخل منها في الوجود متناه ببرهان التطبيق، وهذا كلام حسن اندفع به ما أورد على الإمام إلا أنه كان عليه أن يبين النكتة هنا وهي ظاهرة لأن المذكور بعده عدم مؤاخذتهم بما كسبوه من الجرم العظيم، وهو مغفرة عظيمة وترك التعجيل رحمة منه سابقة على غضبه لكنه تعالى لم يرد إتمام رحمته عليهم وبلوغها الغاية إذ لو أراد ذلك لهداهم وسلمهم من العذاب رأسا وقوله: الموصوف بالرحمة إشارة إلى أنّ معنى كونه صاحبها اتصافه بها، وقيل إنه إشارة إلى كونه في حكم المعرف في إفادة الحصر فإن قلت ما ذكره الإمام يقتضي عدم تناهي المتعلقات في كل ما نسب إليه تعالى بصيغ المبالغة، وليس بلازم إذ يمكن أن تعتبر المبالغة في المتناهى بزيادة الكمية وقوّة الكيفية ولو سلم ما ذكر لزم عدم صحة صيغ المبالغة في الأمور الثبوتية كرحيم ورحمن ولا وجه له، قلت: هذه نكتة لوقوع التفرقة بينهما هنا بأنه اعتبرت المبالغة في جانب الترك دون مقابله لأن الترك عدميّ يجوز فيه عدم التناهي بخلاف الآخر ألا ترى أنّ ترك عذابهم دال على ترك جميع أنواع العقوبات في العاجل وان كانت غير متناهية فتدبر. قوله: (استشهاد على ذلك (أي على كونه غفور إذا رحمة والمراد بالاستشهاد هنا ذكر شاهد من أفعاله تعالى يثبت به ما ذكر، وقوله: وهو يوم بدر إشارة إلى أن موعداً اسم مكان وقيل إنه جهنم، وقوله: من دونه أي من دون الله أو العذاب والثاني أولى وأبلغ لدلالته(6/113)
على أنهم لا ملجأ ولا منجا لهم فإن من يكون ملجؤه العذاب كيف يرى وجه الخلاص والنجاة، وقوله: منجا لم يقلى وملجأ لأنهما بمعنى والفرق إنما هو في التعدية بإلى وعدمه، وقيل إنه عائد على الموعد والمبالغة المذكورة باقية أيضا. قوله: (يعني قرى عاد وثمود وأضرابهم) أي أشباههم في الهلاك والإشارة لتنزيلهم لعلمه بهم منزلة المحسوس، وقوله: خبره أهلكناهم أو القرى، والجملة حالية كما في البحر والقرى صفة والوصف بالجامد في باب الإشارة مشهور، والوصف جار على الإعرابين، وفوله: مفعول مضمر بالإضافة أي مقدر، وقوله: في أحدهما أي قبل تلك أو القرى ولا ركاكة في الثاني كما قيل: لأنّ تلك يشار بها للمؤنث من العقلاء وغيرهم ويجوز أن تكون القرى عبارة عن أهلها مجازاً، وقوله: كقريش ذكر أنهم نظيرهم في الظلم إشارة إلى أنّ ما ذكر إنذار وتهديد لهم والمراء الجدال وذكره لسبقه. قوله: الإهلاكهم وقتاً معلوماً الما جاز في كل من المهلك على القرا آت والموعد هنا أن يكون زمانا ومصدراً لكن إذا كان أحدهما زمانا لا بد من جعل الآخر
مصدراً لئلا يكون للزمان زمان أشار إلى أنّ الأوّل مصدر، والثاني اسم زمان ولم يعكسه لركاكته، وقال: وقتا معلوما لأنّ الموعد لا يكون إلا كذلك والا فاسم الزمان مبهم، وقوله: ولا يستقدمون لم يذكره في الكشاف وذكره أولى وتفسيره الأوّل على ضم الميم وفتح اللام، وقوله: حملاً على ما شذ الظاهر أن يقول: لأنه ورد شاذاً إذ الشاذ لا يحمل عليه والقراءة ليست بالقياس، إذ هي منقولة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم ولو شذوذا والشاذ هو مجيء المصدر الميميّ مكسوراً فيما عين مضارعه مكسورة وفي دعوى الشذوذ نظرا لما في القاموس من أنّ هلك جاء من باب ضرب ومنع وعلم والمحيض بالضاد المعجمة مصحدر بمعنى الحيض وذكره إشارة إلى أنّ الشذوذ لا يختص بالصحيح. قوله ة) {وَإِذْ قَالَ مُوسَى} ) هو موسى بن عمران عليه الصلاة والسلام على الصحيح وقال: أهل الكتاب وتبعهم بعض المحدثين والمؤرّخين أنه هنا موسى بن ميشا بالمعجمة بن يوسف بن يعقوب وهو موسى الأوّل وإنما أنكره أهل الكتاب لإنكارهم ئعلم النبيّ من غيره، وقال: الكرمانيّ لا غضاضة في تعلم نبيّ من نبيّ آخر واذ على تقدير اذكر مفعول لا ظرف لأنّ ذكره للوقت لا في الوقت ومعناه قل لا تذكر، وقوله فإنه كان يخدمه ويتبعه قدمه لأنه الأصح ولذا أضافه إليه والعرب تسمى الخادم فتى لأنّ الغالب استخدام من هو في سن الفتوة. قوله: (وقيل لعبده) فالإضافة للملك وأطلق عليه فنى لما ورد في الحديث الصحيح ليقل أحدكم فتاي وفتاتي ولا يقل عبدي وأمتي وهو من آداب الشريعة وليس إطلاق زلك بمكروه لكنه خلاف الأولى ولم يرتض هذا القول المصنف رحمه الله كما في الكشاف لأنه مخالف للمشهور. قوله: الا أزال) فهي ناقصة من أخوات كان وحذف الخبر فيها قليل كما ذكره الرضي خلافا لأبي حيان وغيره ممن زعم أنه ضرورة والخبر المحذوف هنا ثقديره أسير ونحوه لدلالة الحال والغاية عليه إذ لا بد لها من مغيي، والمناسب له هنا السير والسفر ومما ول ل على هذا المقدر قوله: فلما بلغا مجمع بينهما فلا وجه لما قيل إنه لا دلالة في النظم مليه، وقوله: من حيث للتعليل إن قيد الحيثية قد يذكر للتعليل وقد يذكر للتقييد وقد يذكر للاطلاق كما مرّ، وفي نسخة من حيث إنها والضمير لحتى من حيث إنها كلمة أو غاية وهو مان لوجه الدلالة وضميران لذلك القول، وقوله: وعليه متعلق بدلالة والضمير راجع إلى الخبر " نّ الوصول إلى المكان لا يكون إلا بعد السير. قوله: (ويجورّ أن يكون أصله لا يبرح
مسيري (فحتى مع مجرورها خبر والخبر في الحقيقة، متعلقه فحذف منه المضاف إليه وهو مسير بمعنى السير فانقلب الضمير من البروز والجرّ إلى الرفع والاستتار وانقلب الفعل من الغيبة إلى التكلم وكذا الفعل الواقع في الخبر وهو أبلغ كان أصله يبلغ ليحصل الربط، واعترض عليه بأنه حينئذ يحلو الخبر من الرابط إلا أن يقدر حتى أبلغ به أو يقال: إن الضمير المستتر في كائن يكفي للربط أو أنّ وجود الربط بعد التغيير صورة يكفي فيه وإن كان المقدر في قوّة المذكور. قوله: (وأن يكون لا أبرج بمعنى لا أرّول) فهي تامّة لا تحتاج إلى خبر لكن لا بد من تقدير متعلق له ليتم المعنى كما أشار إليه بقوله: عما أنا عليه الخ ومضارع(6/114)
هذه يزول وتلك يزال، كما أشار إليه المصنف رحمه الله. قوله: (ملتقى بحري فارس والروم الخ) قيل إنهما لا يلتقيان إلا في البحر الميحط فلعل المراد به مكان يقرب فيه التقاؤهما وأمّا كون فارس محرفا فمن فاس وهي بلدة معروفة بالغرب فلا وجه له إذ لم يذهب إليه أحد وسيأتي كلام- نجي هذا في سورة الرحمن. قوله: (وقيل البحران موسى وخضر الخ) عده في الكشاف من بدع التفاسير فيكون البحر
عليه بمعنى الكثير العلم على الاستعارة والمراد بمجمعهما مكان يتفق اجتماعهما فيه ولا يخفى نبوّ السياق عنه وقوله: حتى أبلغ ولذا مرضه إذ الظاهر عليه أن يقال: حتى يجتمع البحران مثلاً، وقوله: على الشذوذ أي قراءة وقياسا وهي قراءة ابن يسار وقياس اسم الزمان والمكان من فعل يفعل بفتح العين فيهما الفتح كمذهب فقوله: من يفعل بفتح العين، وقوله: كالمشرق والمطلع نظير له في شذوذ الكسر وان اختلف فعلهما وفعله كما لا يخفى. قوله: (أسير) هو معنى أمضى من مضى بمعنى تعدى وسار وزمانا طويلا معنى حقبا كما سيأتي، ومضيّ الحقب خلوها وليس مصدر مضى والمراد مضيها بدون بلوغ المجمع بقرينة التقابل وأو على هذا عاطفة لأحد الشيئين وقوله: إلا أن أمضى زماناً أي في مسيري فأو بمعنى إلا والفعل منصوب بعدها بأن مقدرة، والاستثناء مفرع من أعمّ الأحوال ولم يجعلها بمعنى إلى أن لأنه يقتضي جزمه ببلوغ المجمع بعد سيره حقبا وليس بمراد، وقوله: والحقب الدهر الخ وهو اسم مفرد كحقبة وجمعه حقب وأحقاب. قوله: (روي أنّ موسى عليه الصلاة والسلام إلى قوله ودخوله مصربم
قال ابن عطية: لم يعرف أنّ موسى عليه الصلاة والسلام أنزل قومه مصر ولا أراه يصح وفيه نظر، وقوله: فأعجب بها على بناء الفاعل من قولهم: أعجبني كذا إذ راقني أو على بناء المجهول، وقوله: فقال لا أي لا أعلم أحدا أعلم مني والمراد أنا أعلم لأنه رسول ذلك الزمان فلا مخالفة فيه لما في الكشاف ولا لما سيأتي، كما توهم وقوله: الخضر بفتح الخاء وكسر الضاد وتسكن وتكسر خاؤه أيضا ودخول أل عليه للمح الوصفية أو لتأويله بالمسمى به، وقوله: في أيام افريدون بكسر الهمزة وهو ملك مشهور قيل إنه ذو القرنين اكبر كما في شرح البخاريّ، وفيه أنّ موسى عليه الصلاة والسلام أدرك زمنه ومقدمة بفتح الدال وكسرها مقدمة الجيش وهي معروفة وتفصيله في تاريخ ابن الأثير وذو القرنين الأكبر هو ابن سام بن نوح قيل إنه كان في زمن إبراهيم عليه الصلاة والسلام، وهو الذي طاف الدنيا وبنى سد يأجوج ومأجوج والخضر عليه الصلاة والسلام كان أميرا على مقدمة جيشه والأصغر من اليونان، وهو الذي قتل دارا وأخذ ملكه وطلب عين الحياة فلم يجدها وقوله: وبقي إلى أيام موسى معطوف على كان وهو ردّ على من قال: إنه مات قبله وخلفه الخضر على مقدمة جيشه فانظر تفصيله وتصحيحه من كتب التواريخ، وقوله: الذي يذكرني يجوز أن يكون واحدا وجماعة، وقوله: الذي يبتغي ضحمنه معنى يضم أو تجوّز به عنه فلذا عداه بإلى، وقوله: عسى ترج على لسانه، وقوله: عن ردى الردى الهلاك والمراد عما يوقعه في الهلاك، وقوله: كيف لي به أي كيف السبيل لي بلقائه أو كيف يتيسر لي الظفر به، والحوت قيل إنه كان مملحا وقيل: مشويا وهل هو نصف أو كامل قولان، والمكتل بكسر الميم وفتح التاء الفتوقانية الزنبيل كما في شرح البخاري، وليس المراد به كيلا كما قيل، وقوله: فحيث فقدته أي الحوت. قوله: (أي مجمع البحرين (أي الضمير لهما ومجمع بينهما مجمعهما، وقوله: أضيف إليه على الاتساع في الظرف وهو إخراجه عن نصبه على الظرفية بنصبه على المفعولية أو جرّه بالإضافة كما هنا أو رفعه، ومجمع اسم مكان والإضافة بيانية أو لامية وجوّز فيه المصدرية والمجمع إمّا مكان الاجتماع حقيقه أو ما يقرب منه كما مرّ، وقيل: المراد مجمع في وسط البحرين فيكون كالتفصيل لمجمع البحرين وهذا يناسب تفسير المجمع بطنجة أو إفريقية إذ يراد بالمجمع متشعبا بحري فارس والروم من
المحيط وهو هناك. قوله: (أو بمعنى الوصل الما مرّ أنه يكون اسما بمعنى الوص! والافتراق وهو من الأضداد وأخره المصنف، ولم يذكره الزمخشري لما فيه من الركاكة إذ لا حسن في قولك مجمع وصلهما كما قيل، وقيل إنّ فيه مزيد تأكيد كقولهم: جد جده(6/115)
وجوّز فيه أن يكون بمعنى الافتراق أي موضع اجتماع البحرين المفترقين، وعليه يحتمل عود الضمير لموسى والخضر عليهما الصلاة والسلام أي وصلا إلى موضع وعد اجتماع شملهما فيه وكذ إذا كان بمعنى الوصل. قوله: (نسي موسى عليه الصلاة والسلام أن يطلبه ويتعرف حاله) أي يطلب من يوشع الحوت ليتعزف حاله لأنه جعل أمارة للظفر، وفيه إشارة إلى أن في النظم مضافا مقدرا لأنهما لم ينسيا الحوت وإنما نسيا حاله لكن الحال التي نسيها موسى عليه الصلاة والسلام كونه باقيا في المكتل أو مفقوداً، والحال التي نسيها يوشع ما رأى من حياته ووقوعه في البحر، واعترض! عليه بأنّ نسيان يوشع كان قبل وقوعه في البحر كما يدل عليه قوله: فاتخذ سبيله في البحر سربا حيث عقبه بالفاء، فلا يصح إدخال الوقوع المذكور في الحال المنسية، وأجيب بأن فاء فاتخذ فصيحة كما ذكره المعترض! ولا يلزم أن يكون المعطوف عليه الذي تفصح عنه الفاء معطوفا على نسيا بالفاء التعقيبية حتى يلزم المحذور المذكور، وان كان المعروف فيها ذلك كما قدروا في قوله: فانفجرت فضرب فانفجرت بل يقدر بالواو هكذا وجيء بالحوت فسقط في البحر فاتخذ الخ وهذا مع تكلفه ومخالفته للمألوف في الفاء الفصيحة مخالف للنظم ولما سيأتي تفصيله في قوله: وما إنسانيه إلا الشيطان، ؤهو غير وارد لأنّ سلوكه ومشيه في طريق أمر ممتذ بعد الوقوع في الماء مغاير له مترتب عليه ولا تعلق للنسيان به في النظم نفيا واثباتا بل لا يصح ما ذكره لأنّ السقوط الذي قدره عين الوقوع فقد وقع فيما فرّ منه فتأمّل. قوله: (معجزة (المراد الأمر الخارق للعادة الذي يظهر مثله على يد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لا المعنى المشهور لأنه مشروط بالتحدي ولا تحذي هنا، وقوله: وقيل نسياً الخ أي المراد أنهما نسيا ترصد حال الحوت في ذلك الوقت وان ينتظرا منه ما يكون علامة على المطلوب وهو ملاقاة الخضر عليه الصلاة والسلام قيل إنه لم يرتض هذا لأنّ الأوّل أنسب بالمقام وفيه بحث لأن الفرق بين هذا وبين ما ارتضاه أولاً يسير جدا لأنه ذكر في الأوّل أن موسى عليه الصلاة نسي تعزف حاله وهو عين نسيان تفقده هنا ويوشع إذ نسي مامرّ فهو لم يتفقده أيضاً وكذا ما قيل إن المراد أنّ موسى عليه الصلاة والسلام نسي تفقده لأمره، وبوشع نسي ما يكون أمارة أي ذهل عن الاستدلال
بهذه الحالة المخصوصة على الظفر بالمطلوب فتأمّل. قوله: (مسلكاً) أي كالمسلك وقوله: من قوله وسارب بالنهار قيل: السرب أصله ما يسلك فيه كالحجر فأريد به هنا المسلك أي الطريق كما ذكره إلا أنّ الآية المذكورة بمعزل عنه فإنّ السارب فيها بمعنى الظاهر بدليل مقابلته بقوله مستخف بالليل وقد فسره المصنف به هناك من غير ذكر معنى آخر له فكلامه هنا مخالف له ولا يخفى أنّ الذهاب في الأرض يلزمه البروز والظهور فجعل ثمة كناية عنه بقرينة المقابل فالتنظير به هنا باعتبار معناه الحقيقي، وما ذكره بيان للمراد منه فلا مخالف بينهما وما قيل في دفعه أن ما ذكره هنا على بعض التفاسير وإلا فالمصنف رحمه الله فسره ببارز في سورة الرعد مع مخالفته للظاهر لا حاجة إليه ويشهد لما مر قول الأزهرقي: العرب تقول سربت الإبل إذا مضت في الأرض ظاهرة فإنه جمع بينهما. قوله: (وقيل أمسك الله جرية الماء) بكسر الجيم فصار أي الماء كالطاق وليس المراد بالطاق الكوّة بل البناء المقوس كالقنطرة فالسرب كالنفق لا مقابله كما قيل، وقوله: ونصبه على المفعول الثاني، وقيل: في البحر مفعوله وسربا حال، وقوله: مجمع البحرين إشارة إلى مفعوله المقدر، وقوله: لم ينصب بفتح الصاد أي يعي ويتعب لأنه قبله لرجاء الظفر في نشاط الإبل، وقوله: في سفر بالتنوين وجز غيره لأنه صفته، ووجه دلالة اسم الإشارة على ما ذكر من التخصيص النحوي والتخصيص بالذكر لا لأنه أشير به إلى السفر من كل وجه فإنه لا وجه له. قوله: (ما دهاتي إذ أوينا) دهاني بالدال المهملة بمعنى أصابني إصابة شقت عليّ كالداهية قال: ناظر الجيش في شرح التسهيل جاءت أرأيت ليس بعدها منصوب ولا استفهام بل جملة مصدرة بالفاء كما في هذه الآية فزعم أبو الحسن أنها أخرجت عن بابها وضمنت معنى أمّا أو تنبه أي أمّا إذا أوينا أو تنبه فالفاء جوابها لا جواب إذ لأنها لا تجازي إلا مقرونة بما(6/116)
وقال أبو حيان: يمكن أن يكون مما حذف منه المفعولان اختصاراً أو التقدير أرأيت أمرنا إذ أوينا ما عاقبته وما ذكره المصنف تبعاً للزمخشري حسن غير أنه لم يتعرّض! لذكر المفعول الأوّل، وإنما ذكر الجملة الاستفهامية التي هي موضع المفعول الثاني بناء على أن ما استفهامية فيه، ويجوز أن تكون موصولة أيضا، أو يكون جعل رأي فيه بصرية دخلت عليها همزة الاستفهام والمعنى 11 بصرت حالنا إذ أوينا الخ، فحذف لدلالة الكلام عليه وأرأيت بمعنى أخبرني وقد مر تحقيقه، ونهر الزيت اسم نهر معين سمي به لكثرة ما حوله من شجر الزيتون كما في شرح الكشاف وكون الصخرة دونه بمعنى عنده قريبة منه ومدانية له.
قوله: (فقدته أو نسيت ذكره) يعني أنّ النسيان إمّا مجاز عن الفقد بعلاقة السببية أو على حقيقته بتقدير مضاف فيه، وقوله: بما رأيت منه الباء للملابسة وهو حال من الضمير المضاف إليه. قوله: (لأن أن أذكره) وفي نسخة فإنّ وهما بمعنى وهو تعليل لأنه المراد إذ البدل هو المقصود بالنسبة وهو بدل اشتمال وأن أذكر له من التذكير وهو بدل أيضاً وقوله: وهو اعتذار رأي على القراءتين وقوله: لما ضرى بالضد المعجمة والراء المهملة معتل الآخر معناه هنا اعتاد وهذا بيان لأنّ مثله من الأمور الخارقة إذا شوهدت لا تذهب عن الخاطر. قوله: (ولعله ئسي ذلك لاستغراقه في الاستبصار الخ) أي أنّ شدة توجهه إلى الله أذهلته عما ذكر وان كان مثله لا ينسى وشراشره بمعنى نفسه أو جملته فإنه من جملة معانيه، وعراه بمعنى غشيه وعرض له. قوله: (وإنما نسبه إلى الشيطان الخ (قيل عليه أنه يلزمه على كلا الوجهين الكذب وهو لا يناسب يوشع ولا ضرورة إلى التكلف بإثبات التجوز ولو كان كما ذكره المصنف كان المناسب أن يقال: بدله لم أستطع تذكره فإن فيه هضم نفسه مع الاختصار ولا يخفى أنّ ما ذكره توجيه له على ما اختاره بقوله: ولعله فإنه إذا كان ذهوله لانجذابه لحضرة القدس كان أمره فيه رحمانيا لا شيطانياً فإسناد إلا نساء إليه وفاعله الحقيقي هو الله والمجازي هو الجذبات المذكورة هضما لنفسه بجعل تلك الجذبات لشغلها عن التيقظ للموعد الذي ضربه الله بمنزلة الوساوس، ففيه تجوّز باستعارة الشيطان لمطلق الشاغل، وهذا كحديث أنه ليغان على قلبي فأستغفر الله في اليوم سبعين مرّة أو هو مجاز عن النقصان لكونه سببه ونقصانه بترك المجاهدات والتصفية حتى لا تشغله تلك الجذبات عن الأمور الخارجية فأفي كذب في هذا يتطرّق إليه القيل والقال وهذا مما بنبهك على حسن سلوك المصنف: ومن الناس من لم يقف على مراده فأورد ما ذكر من عنده وقال: إنه كذب إلا أن يكون مجازاً عن إني مقصر في أموري أو كأنني إنساني الشيطان لعدم كمالي وكذا ما قيل في دفعه أنه كناية أو مجاز عن عدم الاغترار، والافتحار. قوله: (سبيلاَ عجباً) قيل إنه يتعين التقدير الآخر وأمّا هذا ففيه أنّ أكثر العجب ليس بحال السبيل وأيضاً لو كان المعنى هذا القيل واتخذ في البحر سبيلاً عجباً، ورد بأنه لم يذع ما ذكر أحد وأنّ كون حال السبيل عجبا يكفي لصحته وانّ أداء المعنى باللفظ المذكور في النظم أو في لحق البلاغة لأن في ذكر السبيل ثم إضافته إلى ضمير الحوت ثم جعل في البحر حالاً من المضاف
تنبيها إجمالياً على أنّ المفعول الثاني من جنس الأمور الغريبة، وفيه تشويق للمفعول الثاني وتكرير للتأكيد المناسب للمقام، وقيل: عليه أن مراد المعترض أنه يلزم حينئذ أن لا يتعرض كثرها لا عدم صحة الكلام، وقوله: وهو أي العجب، وقوله: كالسرب إشارة إلى أنّ جعله سرباً على التشبيه، وهذا من العجب فإنّ ما ذكره وارد على الثاني أيضا فإنّ أعظم العجب في الحوت لا في الاتخاذ. قوله: (أو اتخاذا عجباً (فهو صفة مصدر محذوف وكان على الوجه الآخر مفعولاً ثانيا والأوّل سبيله وعلى هذا التقدير قيل إنما كان عجبا لخروجه من المكتل وحياته بعد الشيّ وأكل بعضه وامساك الجرية عليه، وقيل عليه أنّ ما سوى الأخير ليس من حال اتخاذ السبيل لكونه قبله، وكونه من لوازمه وان سبقه ليس في الكلام ما يدل عليه، وقوله: والمفعول الثاني هو الظرف أي على هذا الوجه، وقوله: مصدر فعله أي فعل التعجب المضمر فيكون مفعولاً مطلقا له والمفعول الثاني لاتخذ عليه أيضاً قوله: في البحر أي عجبت عجبا(6/117)
وقوله: أي قال: يعني يوشع في آخر كلامه فالتقدير وعجبت عجبا، وهي جملة مستأنفة، وقوله: أو موسى معطوف على فاعل قال: المستتر لوجود الفصل أو قبله فعل مقدر وهو بعيد، إذ لو كان تقديره أو قال موسى: عجبا لقيل وقال ذلك ما كنا نبغ الخ بالعطف على المقدر، وو! وأمّا كونه لو كان من كلامه لتأخر عن قوله: قال ففيه نظر وقوله تعجبا راجع لهما أي قول يوشع أو موسى عجبا لأجل التعجب من تلك الحال. قوله: (وقيل الفعل (أي اتخذ لموسى عليه الصلاة والسلام أي مسندا له، والاتخاذ فيه صادر عنه وهو على ما قبله كان للحوت وعجبا حينئذ مفعول ثان ولا ركاكة في تأخير قال عنه حينئذ لأنه استئناف لبيان ما صدر منه بعده، وقوله: أمارة المطلوب أي لقاء الخضر عليه الصلاة والسلام فليس معنى قوله: نبغ أنه كأ! مطلوب بالذات كما يتبادر منه، وقوله: فرجعا هو معنى ارتدا والذي جا افيه يعلم منه كونه على أثر الأوّل. قوله: (يقصان قصصاً) يعني أنه من قص أثره إذا تبعه أو من قص الخبر إذا أعلمه
والظاهر الأوّل، وهو مفعول مطلق لفعل مقدر من لفظه أو حال مؤوّل باسم أي مقتصين بصيغة المثنى وقوله: حتى أتيا الصخرة إن كان من كلامه بيانا لغاية كونهما مقتصين فظاهر وإن كان تقديرا له النظم فهو إشارة إلى أن الفاء في قوله: فوجدا فصيحة. قوله: (واسمه بليا بن ملكان (وقيل: ارميا وقال: السدي رحمه الله الياس أخوه، وبليا بباء موحدة مفتوحة ولام ساكنة وياء! ؤ مثناة تحتية وفي آخره ألف وروي ابليا بزيادة همزة كما في شرح البخاري، وهو من نسل لوق
عليه الصلاة والسلام وكان أبوه من الملوك ولقب به لأنه إذا جلس أو صلى على أرض اخضرت، وقيل لإشراقه وحسنه. قوله: (هي الوحي والنبوّة) لأن الرحمة أطلقت عليهما في مواضع من القرآن، والأكثرون على نبوّته عتحلى وقيل إنه وليّ، وقيل إنه ملك والاختلاف في حياته الآن معروف، وقوله: مما يختص الاختصاص يفهم من فحوى كونه من عنده أو من تقديم من لدنا على علما، وقوله: بتوفيقنا بتقديم الفاء على القاف وعكسه والثاني أنسب بالغيب، وقوله: على شرط أن تعلمني بناء على أنّ على تأني للشرطية وتعليق ما بعدها على ما قبلها نحو آتيك على أن تأتيني كما ذكر في أصول الفقه وذكر السرخسي أنه معنى حقيقي لها لكن النحاة لم يتعرضوا له، وقد تردّد السبكيّ في وروده في كلام العرب، وهذه الآية تؤيد أنه استعما أط صحيح لكن الظاهر أنه مجاز بتشبيه لزوم الشرط بالاستعلاء الحسيّ، كما يقال: وجب عليه كذا وتحقيقه في الأصول وكونه حالاً لأنه في معنى باذلاً تعليمي. قوله: (علماً ذ رشد (يعني أنّ نصمبه على أن صفة للمفعول قائما مقامه ووصف به مبالغة، فقوله: وهو مفعول أي بعد أن كان صفة، وقوله: العائد أي الضمير العائد على ما الموصولة إذ لا بد منه، وجوّز فيه أن يكون مما علمت مفعوله ورشداً بدل منه والظاهر الأوّل وقوله: وكلاهما أي تعلمني وعلمت منقولان أي مأخوذان منه ومنقولان إلى التفعيل ليتعديا إلى اثنين ولذا جعل علم متعذيا لواحد وهو أحد استعماليه ليكون للنقل فائدة فيه. قوله: (ويجورّ أن يكون) أي رشداً علة لاتبعك فيكون مفعولاً له لوجود شرطه فيه ومفعول تعلمني مما علمت لتأويله ببعض ما علمت أو علما مما علمته، وقوله: أو مصدراً بإضمار فعله أي أرشد رشداً، والجملة استئنافية. قوله: (ولا ينافي الخ) جواب عما قيل إنه رسول من أولي العزم فكيف يتعلم من غيره والرسول لا بد أن يكون أعلم أهل زمانه ولذا ذهب بعضهم إلى أنّ موسى هذا ليس هو ابن عمران لأنّ اللازم فيه أن يكون أعلم في العقائد وما يتعلق بشريعته لا مطلقا ولذا قال نبينا صلى الله عليه وسلم أنتم أعلم بأمور دنياكم فقوله: من غيره أعمّ من النبيّ وغيره، وقوله: ممن أرسل إليه إشارة إلى جواب آخر
وهو أنّ اللازم كونه أعلم من أمّته والخضر عليه الصلاة والسلام نبيّ لم يرسل إليه فلا ينكر تفزده
!! بما لم يعلمه غيره، وقوله: لا مطلقاً ناظر إليه، وقوله: صاحب شريعة إشارة إلى أنّ النبي المتبع لرسول آخر كيوشع يتعلم منه مطلقا من غير إنكار، وقوله: ما لم يكن شرطاً ما موصولة مفعول
يتعلم لا دوامية. قوله: (وقد راعى في ذلك الخ) استجهال نفسه لطلبه التعلم وإنما يكون فيما لم يعلمه، وقوله: نفى عنه(6/118)
استطاعة الصبر، وجوه التأكيد أن والنفي بلن فإنّ نفيها آكد من نفي غيرها وعدوله عن قوله: لن تصبرا لي لن تستطيع كما أشار إليه بقوله: كأنها الخ فإنّ المراد من نفي
الاستطاعة نفي الصبر لأن الثاني لازم الأوّل فهو إثبات له بطريق برهانيّ على طريق الكناية، كما يدل عليه قوله: وكيف تصبر وتنكير وصبرا في سياق النفي أي شيئا ما من الصبر، فلا وجه لما
قيل إنّ التأكيد هنا بأن ولن فأطلق الجمع على اثنين أو يقال: اسمية الجمل التي خبرها جملة من
وجوه التأكيد، وأمّا قوله: إن فيه دليلاً على أن الاستطاعة مع الفعل فغير ظاهر لأن الاستطاعة مما
يتوقف عليه الفعل فيلزم من نفيه نفيه سواء تقدّمت عليه أو تأخرت فمن غفل عن هذا قال ليس المراد هنا أنه ثعالى أراد بنفي استطاعة الصبر نفي الصبر ولا يدلّ عليه قوله: وكيف الخ وليس في
كلامه ولا في الآية دليل على أنّ الاستطاعة مع الفعل بل بنى كلامه عليه وإنما قلنا ليس في الآية
ذلك مع أنّ نفي الاستطاعة إذا كانت قبل الفعل كما قاله المعتزلة: لا يصح، لأن صبره معه ليس
بمحال لأن لهم أن يقولوا: أراد الخضر عليه الصلاة والسلام بنفيها نفي الصبر فكأنه لا يصح ويحتمل أنه مراد جار الله والمصنف تبعه فيه. قوله: (على ما أتولى (أي أباشره ومناكير أي منكرات بحسب الظاهر وقوله: لم يحط بها خبرك إشارة إلى أن التمييز محوّل عن الفعل ولذا
عقبه ببيان نصبه وإذا كان مصدراً فناصبه تحط لأنه يلاقيه في المعنى لأن الإحاطة تطلق إطلاقا
شائعا، وتخبره بضم الباء من خبر الثلاثي من باب نصر وخلم ومعناه عرف، وقوله: لم تحط به أي بما أتولى وفي نسخة بها وهي ظاهرة، وعلى متعلقة بتصبر. قوله: (عطف على صابراً (لأن
الفعل يعطف على المفرد المشتق كما في قوله: صافات ويقبضن بتاً ويل أحدهما بالآخر كما أشار
إليه بقوله: وغير عاص فجملته في محل نصب وإذا عطف على ستجدني فهي أيضا في محل
نصب على أنها مقول القول ومفعول له أيضاً وما وقع في الكشاف من أنها لا محل لها حينئذ مشكل ولذا تركه المصنف رحمه الله تعالى، والظاهر أنه لأنّ مقوله هو المجموع فلا يكون
لأجزائه محلا باعتبار الأصل وقيل: مراده أنه ليس مؤوّلاً بمفرد كما في الأوّل وهو بعيد، وقيل: مراده بيان حال العطف في القول المحكيّ عن موسى عليه الصلاة والسلام لأنه الذي يهمه هنا إذ التقييد بالمشيئة في الحكاية، وقيل: إنه مبني على أنّ مقول القول محذوف وهذه الجملة مفسرة له وغير عاص بالعطف ظاهر، وفي بعض النسخ تركه إشارة إلى أنه كالقيد والتفسير لما قبله. قوله: (للتيمن (أي للتبرّك لا للتعليق وإن كان كل يفعل بمشيئة الله فلا يقال إنه لا حاجة إلى التصريح به وفيه نظر، وقوله: فلا خلف يعني إذا أريد التعليق فهو متفرع على الوجه الثاني، وقوله: وفيه دليل الخ ردّ على المعتزلة، ووجهه أنه إذا صدر بعض الأفعال بمشيئته لزم صدور الكل بها إذ لا تائل بالفرق وهو متفرع أيضاً على الوجه الثاني لأنه إذا كان للتيمن لا يدل على ما ذكر وبه أجاب المعتزلة ولك أن تقول إنه جار عليهما لأنه لا وجه للتيمن بما لا حقيقة له فتأمل. قوله: (فإن مشاهدة الفساد) أي الأمور الفاسدة شرعا بحسب الظاهر كقتل الغلام، والصبر على خلاف المعتاد كإقامة الجدار لمن لم يقم بإطعامه، وأرود عليه أن هذا التعليل إنما يستقيم أن لو كان هذا الاستثناء بعدما رأى من الخضر عليه الصلاة والسلام ما رأى وليس كذلك فكأنه فهم من كلامه أنه ستصدر عنه أمور منكرة إجمالاً ولا يخفى أنّ معنى قوله: {لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا} [سورة الكهف، الآيات: 73- 76، أنك لن تصبر على ما يصدر مني وعدم صبره عليه وإقراره على ما يفعله لبس إلا لمخالفته بقضية شريعته وهو ظاهر ولعله صرح له بذلك لكنه أجمل في النظم لتفصيله بعده. قوله: (فلا خلف (أي في وعده له بالصبر حتى يلزم الكذب في كلامه، وهو غير لائق بمقام النبوّة وفي نسخ وخلفه ناسياً لا يقدح في عصمته وهو جواب عما مر، وأورد عليه أن النسيان في المرة الأولى، كما يفهم من سياق النظم ولذا ورد في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كانت المرّة الأولى من موسى عليه الصلاة والسلام نسياناً وبهذا تعين أنّ النسخة الأولى هي الصحيحة، وأنّ المصنف رجع عن الثانية، ولا يخفى أن السؤال إنما يرد لو كان خلف الوعد كذبا وهو كخلف الوعيد ليس بكذب عند المحققين كما بين في الأصول إتا لأنه إنشاء(6/119)
لا يحتمل الصدق والكذب، أو لأنه مقيد بقيد يعلم بقرينة المقام كان أردت أو إن لم يمنع مانع شرقي أو غيره وهذا على تسليم الخبرية وعدم إرادة القيد، وأمّا ما قيل إن ما صدر من موسى عليه الصلاة والسلام في المرّتين الأخيرتين نسيان أيضاً وانّ ما في الحديث الآخر لا يخالفه فإثا لا نقول بالمفهوم فباطل فإنه هكذا في البخاري وشرحه لابن حجر، وكانت الأولى نسيانا والثانية شرطاً
والثالثة عمداً وفي رواية والثانية عمدا والثالثة فراقا ولك أن تقول إنه لما وقع الخلف بالأولى لم تكن الأخيرتان خلفا ليبين بعض ما وعده به لكن الأولى معفوّة لكونها لم تقع عن عمد فتأمل. قوله: (فلا تفاتحني (أي تبتدئني به وهو بيان للمعنى المراد منه، كما يدل عليه ما بعده لا
تقييد للنهي، وقوله: حتى أبتدئك ببيانه بيان للمراد أيضاً لأنه معنى أحدث والغاية مضروبة لما يفهم من الكلام كأنه قيل: لا تنكر عليئ ما أفعل حتى أبينه لك أو هي للتأبيد فإنه لا ينبغي السؤال بعد البيان بالطريق الأولى وقد ذكر مثله الكرماني رحمه الله في حديث: إنّ الله لا يمل حتى تملوا أي لا يتصؤر منه الملال أبدا وليست للتعليل، وقيل: فائدة الغاية إعلامه أنه سيبينه له بعد ذلك وفيه نظر. قوله: (أخذ الخضر فأسا الخ (كذا في صحيح البخاري إلا أنّ فيه فنزع لوحا وفيه أنه وتده أي جعل فيه وتداً مكانه، وقوله: فإن خرقها سبب لدخول الماء فيها يشير إلى أن إسناد التفريق إليه مجازي ودل على أنه حمل اللام فيه على لام العاقبة دون التعليل لحسن ظنه به ولو حملت على التعليل كان أنسب بمقام الإنكار وليس فيه سوء أدب كما توهم، وقوله: للتكثير كما في بعض النسخ المراد به تكثير المفعول. قوله: (أتيت أمرا عظيما (مأخوذ من أمر بمعنى عظم، وقيل: أصل معناه كثر فأريد به عظم واشتد، قال ابن جني في سز الصناعة: العرب تصف الدواهي بالكثرة والعموم وقال الكسائيّ: معنى أمرا داهيا منكر من أمر بمعنى كثر قيل ولم يقل أمرا أمراً مع ما فيه من التجنيس لأنه تكلف لا يلتفت إلى مثله في الكلام البليغ وأمر بوزن علم، وذكره بالتخفيف. قوله: (بالذي ئسيته أو بشيء نسيته (يعني ما يجوز فيها أن تكون موصولة وموصوفة أو مصدرية، وقوله: يعني وصيته تفسير لما على الوجهين والباء صلة لأنه يتعدى بها لا للسببية وهو إمّا سبب للنهي عن المؤاخذة أولها بتقدير مضات أي ترك ما نسيته من عدم العمل بالوصية أو هو على ظاهره لأنه لولا النسيان لم يكن الترك فهو سبب بعيد، وقوله: بأن لا يعترض تفسير لعدم المؤاخذة، وقوله: أو بنسياني إياها فما مصدرية وفصله لأن المؤاخذ به المنسي لا النسيان وعلى هذا فالباء للسببية كما مر أو للملابسة وقيل: الثاني متعين فتأمل. قوله: (وهو اعتذار بالنسيان (إن كان راجعا لجميع ما تقدم
فهو لذكره صريحا في الثاني ولتعبيره عن الوصية بالمنسيّ في الأوّل وإن رجع للثاني كما هو المتبادر من فصله عنه فلأنّ النسيان لا يؤاخذ به لأنه ليس بمقدور له بالذات دمان كان يؤاخذ بالمنسي لا من حيث إنه منسيئ فيكون المراد به أنا غير مؤاخذ، ولكنه أبرزه في صورة النهي والمراد التماس عدم المؤاخذة لقيام المانع فتدبر، أو المرإد الترك لأنه يكون مجازاً عنه كما في الأساس ومرضه وما بعده لمخالفته للمشهور ولما في صحيح البخاري عنه صلى الله عليه وسلم أنّ المرة الأولى كانت نسياناً كما مرّ، وقوله: أوّل مرة قيد لما مر، ولأنه الذي يصح النهي عنه وبهذا علمت ما في قوله أوّلاً وخلفه ناسياً لا يقدج في عصمته فتدبر. قوله: (وقيل إنه من معاريض الكلام والمراد شيء آخر نسيه (المعاريض جمع معراض وهو الناحية والتعريض والمراد به هنا التورية وإيهام خلاف المراد لأنه أبرزه في صورة النهي وليس بمراد، قال في الكشف: فعلى الأوّل كان موسى عليه الصلاة والسلام قد نسي وصيته حقيقة وكلى هذا نهاه عن مؤاخذته بالنسيان موهما أنّ ما صدر منه عن نسيان ولم يكن وإنما صار إليه لأن المؤاخذة به لا تصدر عن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، فلا يحتاج إلى النهي وعلى الأوّل وجهه أنه نهى عن مؤاخذته بقلة التحفظ حتى ينسى قيل: والتعريض وإن حصل بقوله: نسيت إلا أنه أبرزه في صورة النهي تفادياً عن الكذب فالمراد بما نسيه شيء آخر غير الوصية لكنه أوهم أنها المنسية. قوله ة (ولا تفشني (بالغين المعجمة من غشيه كذا إذا عرض له(6/120)
وهو تفسير للإرهاق، وقوله: بعدما خرجا بيان للمعنى المراد أو إشارة إلى أن الفاء فيه فصيحة. قوله: (فتل عنقه) من القتل بالفاء والتاء الفوقية وهو الليّ والإدارة ورد ذلك كله في الآثار وقد جمع بينها بأنه ضرب رأسه بالحائط، ثم أضجعه وذبحه ثم فتل عنقه وقلعه، وقوله: ضرب برأسه الحائط إفا من القلب أو تجوز أي رمى برأسه إلى جانب الحائط. قوله: (والفاء للدلالة على أنه كما لقيه تتله (الكاف كاف القران وتسمى كاف المفاجأة أيضا وقد مرّ تحقيقها يعني أن قتله وقع عقب لقائه فلذا قرن بالفاء التعقيبية بخلاف خرق السفينة فإنه لم يتعقب الركوب كما في الكشاف، وهذه نكتة لتغيير اننظم أيضا كما سيأتي لكنه أورد عليه أنّ الجزاء يتعقب الشرط أيضا كما يتعقب ما بعد الفاء فكيف يصح وقوع خرقها جزاء حينئذ، وليس هذا بوارد وان ظن بعضهم أنه وارد غير مندفع لأنّ دلالة الفاء على صريح التعقيب وضعا مما لا شبهة فيه ووقوعه عقب الملاقاة كما يدل عليه النظم وبينه
المصنف كذلك، وأمّا جزاء الشرط فاللازم فيه تسببه عن مضمون الجملة، ووقوعه بعده لا تعقيبه به وان صح ألا تراك تقول إذا خرج زيد على السلطان قتله، وإذا أعطيت السلطان قصيدة أعطاك جائزة ولا يلزم قتله عقب خروجه ولا تعقب إلا عطاء الثاني للأوّل، ولا حاجة إلى ما قيل: إن للركوب وقت حدوث ووقت بقاء وثبات والخرق متعقب لحدوثه ومتحقق وقت بقائه وذلك كاف في اعتقاد الشرطية، فإن قلت إذا ظرفية دالة على وقوع الشرط والجزاء في زمان واحد مستقبل فإن لم يتحد ألزم تعقب أحدهما للآخر، قلت: هذا غير مسلم عند أهل العربية فإنه يصح إذا جئتني اليوم أكرمك غداً لأنها لما صا إت شرطية صارت دالة على مجرّد السببية، وقد صرّج به ابن الحاجب في قوله: أئذا ما مت لسوف أخرج حياً ومن التزمه كالرضى جعل الزمان المدلول عليه بإذا ممتدا وقدر في مثل الآية إذا مت وصرت رميما وعليه أيضاً لا يلزم تعقيب الجزاء على ما وقع شرطا صحيحا بل تسببه عنه ولزومه له، وعلى هذا انبنى الخلاف في عامل إذا الشرطية هل هو الشرط أو الجزاء وستسمع قريبا تتمة لهذا فتدبر، وما قيل: من أنه لو قيل حتى إذا ركبا في السفينة ثم خرقها قال الخ، ولقيا غلاما فقتله حصل المقصود ليس بشيء لأنه لا يتغير الطريق وهذه نكتة بعد الوقوع، والتروّي التأني والتمهل. قوله: (ولذلك الخ (أي لكون القتل بلا مهلة ونظر في حالة قال: الخ إذ لو مضى زمان بين الملاقاة والقتل أمكن اطلاع الخضر فيه من حاله على ما لم يطلع عليه موسى عليه الصلاة والسلام، فلا يعترض! عليه فاندفع ما قيل إن مبني اعتراضه على عدم ظهور سبب القتل سواء تأخر عن اللقاء أم لا لأن موسى عليه الصلاة والسلام جازم بعدم استحقاقه للقتل لوصفه النفس بأنها زكية مقتولة من غير سبب فلو تأخر القتل أمكن ظهور سبب للخضر دونه كما قيل وجزمه بعدم الاستحقاق بحسب الظاهر فلا ينافي أنه يعلم أن الخضر لا يصدر عنه مثله ولو لم يرده تناقض كلامه، وتعليق اطلاع الخضرعلى مضيّ الزمان بناء على المعتاد فلا يتوهم أنّ اطلاعه بالغيب وهو لا يتوقف على ذلك فإنه من ضيق العطن، أو قلة الفطن. قوله: (والأوّل أبلغ (لأنه صف مشبهة دالة على الثبوت وفعيل من صيغ المبالغة أيضا، وفرق أبي عمرو بين زاكية وزكية غير ظاهر لأنّ أصل معنى الزكاة النموّ والزيادة فلذا وردت للزيادة المعنوية وأطلقت على الطهارة من الآثام ولو بحسب الخلقة والابتداء كما في قوله: لأهب لك غلاماً زكيا فمن أين جاءت هذه الدلالة فكأنها لكون زاكية من زكي اللازم وهو يقتضي أنه ليس بفعل آخر وأنه ثابت له في نفسه وزكية بمعنى مزكاة، فإن فعيلا قد يكون من غير الثلاثي كرضيع بمعنى مرضمع وتطهير غيره له من ذنوبه إنما يكون بالمغفرة وقد فهمه من كلام العرب فإنه إمام العربي واللغة فتكون بهذا الاعتبار زاكية أبلغ وأنسب بالمقام لأنه صغير لم يبلغ عنده ولذا اختار القراءة به وان كان كل منهما متواتراً منقولاً عنه صلى الله عليه وسلم وهذا لا ينافي كون زكية أبلغ لأنها تدل على الرفع وهو أقوى من الدفع ومن لم يدر هذا قال: كان يجب على أبي عمرو القراءة بالزكية على مقتضى فرقه المذكور بينها وبين زاكية
بالألف فيكون المعنى أنه اختار الأوّل(6/121)
مع عدم تجويزه القراءة بالثاني انتهى. قوله: (فإنها كانت صغيرة لم تبلغ الخ (الحلم بضم اللام وسكونها والمعنى لم تبلغ زمان الحلم أي الادراك بالسن لما وقع في الحديث إنه كان صغيراً لم يبلغ الحنث، وقيل: إنه كان بالغا بدليل قوله بغير نفس أي بغير حق قصاص إذ الصبي لا قصاص عليه وأجاب عنه الكرماني في شرح البخاري بأن المراد التنبيه على أنه قتله بغير حق أو أق شرعهم كان إيجاب القصاص على الصبيّ انتهى. وقد نقل المحذثون كالبيهقي أنه كان في شرعنا، كذلك قبل الهجرة، وقال السبكيّ: قبل أحد ثم نسخ وعلى هذا بنى المصنف رحمه الله قوله: فتقاد بها كما سيأتي. قوله: (أو أنه (وفي نسخة وأنه معطوف على قوله: فإنه الخ يعني أنها إمّا صغيرة غير مكلفة أو كبيرة بالغة وعلم إنها لم تذنب قط، وهو وما قبله تعليل لاختيار أبي عمرو وهو الظاهر، وجوّز فيه أن لا يكون تعليلا له بل بيان لطهارتها من الذنوب، وقوله: فتقاد الخ مبنيّ على أنها كبيرة لم تذنب، وعلى الوجهين فيوجه بما سرّ ومن قصره على أحدهما فقد قصر، وقوله: نبه أي موسى صلى الله عليه وسلم، وكلا معطوف على القتل وكونه منتف بناء على ظاهر الحال عنده. قوله: (ولعل تغيير النظم) في قصة خرق السفينة وقتل الغلام بأن جعل الخرق جزاء لإذا الشرطية، ولذا لم يقرنه بالفاء لأنه ماض غير مقترن بقد، واعتراض موسى عليه الصلاة والسلام، قوله: قال أخرقتها الخ وقتله من جملة الشرط في الثانية لكونه معطوفا بالفاء عليه ولا يصح كونه جزاء لكونه ماضيا وتقدير قد فيه لا حاجة إليه، وقوله: لأنّ القتل أقبح لكونه إهلاكا بالمباشرة لنفس زكية لم تبلغ وخرق السفينة ليس كذلك مع أن تداركه ممكن وقد وقع، وأما كون القتل لنفس واحدة وذلك إهلاك ج! اعة فلا لأن قتل طفل أقبح ومن يقتلها فكأنما قتل الناس جميعا وقوله والاعتراض! عليه أدخل أي أحق، وقوله: فكان أي الاعتراض لا القتل لأن العمدة جزاؤه لا جزؤه، فإن قلت الاعتراض بالقتل كما وقع جزاء هنا وقع جزاء ثمة، وكما وقعت النفس هنا موصوفة علل الفعل ثمة، قلت ليس العمدية بوقوعه جزاء فقط بل بها على سبيل الاعتراض! فتأمّل، وقيل: إن النكتة جعل ما صدر عن الخضر من الشرط وابراز ما صدر عن موسى عليه الصلاة والسلام في معرض الجزاء المقصود مع أنّ الحقيق بذلك ما صدر عن الخضر من الخوارق لاستشراف النفس إلى ورود ما حيرها لقلة وقوعه وندرته في الذهن ولذلك روعيت هذه النكتة في الشرطية الأولى لما أنّ الخوارق لوقوعها أوّل مرة خرجت مخرج العادة فانصرفت النفس عن ترقبه إلى
ترقب أحوال موسى عليه الصلاة والسلام هل يعترض أو يصبر، وأمّا ما ذكره المصنف رحمه الله فلا يدفع الشبهة بل يؤيدها لأن كون القتل أقبح لقلة صدوره عن المؤمن وندرة سماعه، وهذا يستدعي جعله مقصوداً وكون الاعتراض! أدخل من موجبات صدوره عن كل عاقل وذلك مما لا يقتضي جعله كذلك، وليس بشيء أمّا ما ذكره من النكتة فعلى تسليمه لا يضرّنا، وأمّا اعتراضه فقوله: يستدعي جعل القتل مقصوداً إن أراد أنه مقصود في نفسه فليس بصحيح وان أراد أنه مقصود بأن يعترض عليه ويمتنع منه فهذا يقتضي جعل الاعتراض جزاء كما ذكره المصنف رحمه الله وأمّا كونه من موجبات صدوره عن كل عاقل فمقتض الاهتمام بالاعتراض! عليه، ثم إنه قيل على المصنف أيضا إنّ مبني كلامه على أن الحكم في الكلام الشرطي هو الجزاء والشرط قيد له كما فصل في محله وليس بمسلم فإنا وإن قلنا الكلام هو المجموع فهو عمدة أيضا كأحد المسندين مع أنه لا محذور فيه فإنه مذهب المحققين وان خالفهم الشريف في حواشي المطوّل، وأورد على تعقيب القتل دون الخرق أنه ورد في الحديث الصحيح، فلما ركبا في السفينة لم يفجأ إلا والخضر عليه الصلاة والسلام قد قلع لوحا الخ، وهو يدل على ئعقيب الخرق للركوب وأيضا جعل غاية انطلاقهما مضمون الجملة الشرطية يقتضي ذلك إذ لو كان الخرق متراخيا عن الركوب لم تكن غاية الانطلاق مضمون الجملة لعدم انتهائه به، وأمّا ما ذكره من الحديث فقد روى القرطبي في تفسيره ما يخالفه لكن القول ما قالت حذام إلا أنه يمكن أن يؤوّل للجمع بين كلامهم(6/122)
بأن المبادرة المذكورة فيه عرفية بمعنى أنه لم تمض أيام ونحوه، فيكون فيه تراخ بالنسبة للقتل، وأمّا كونه مانعا من كون حتى غائية فليس بشيء لأنه لا مانع من يرن الغاية أمراً ممتداً ويكون انتهاء المغمرو بابتدائه كقولك: ملك فلان حتى كانت سنة كذا، ثم إن بعضهم ذكر هنا نكتة أخرى وهي أن لقاء الغلام سبب للرفق والشفقة لا للقتل، فلذا لم يحسن جعله جزاء وعطف على الشرط وركوب السفينة قد يؤذي لخرقها فلذا جعل جزاء. قوله: (ولذلك فصله الخ) أي أوقع آخر الفاصلة هنا نكرا تصريحا بأنه منكر لقباحته، وقال في الفاصلة الأولى أمرا لأنه يمكن تلافيه بالسذ وان كان الأمر بمعنى الداهية العظيمة لأن هذا صريح في كونه منكراً ولذا فسر بأمراً نكراً كما مرّ، وقيل إنه تنزل وإنه دون الأمر بدليل قصة الجدار، ورده في الكشف بأنه لا يترقى فيه، ولا تنزل وإنما هو مرتب على حسب ما وقع. قوله: (زاد فيه لك مكافحة) المكافحة المكالمة شفاها أي زيادة في مكافحة العقاب على رفض الوصية مرة بعد مرّة والوسم بعدم الصبر وهذا كما لو أتى إنسان بما نهيته عنه فلمته
وعنفته، ثم أتى به مرة أخرى فإنك تزيد في تعنيفه وكذا هنا فإنه قيل: أوّلاً ألم أقل إنك ثم قيل ثانيأ: ألم أقل لك إنك، قال في المثل السائر: وهذا موضع تدق عن العثور عليه مبادرة النظر، وقوله: ووسما أي وصفا له بما يؤثر فيه، كالسمسة، والاشمئزاز الاستنكاف والاستكراه، ويرعو بمعنى يرتدع وينته، وقوله: حتى زاد أي قوله لك. قوله: (وإن سألت صحبتك (أي فلا تتابعني على ذلك وإن وصلية، قال بعض الشراح: هو تصحيح لمعنى المصاحبة ببيان حصول الصحبة من الجانبين وقيل إنما اعتبر هذا لأن عدم الصحبة في لا تصاحبني لا يصلح أن يكون جزاء للشرط زجرا له عن اعتراضه إلا بعد كونها مسؤولة منه ومراد له وفيه بحث، وقوله: تصحبني بفتح التاء من صحبه يصحبه، وأورد عليه أن قوله: لا تجعلني لا يناسب قراءة يعقوب بل قراءة غيره بضم التاء من الأفعال، كما وقع في الكشاف إلا أن يكون ذلك رواية عن يعقوب فيكون بضم التاء في كلامه وليس بشيء لأنّ كل متعد فيه معنى الجعل، فقولك قتلت زيداً بمعنى جعلته قتيلا ولا غبار عليه حتى يحتاج لما تكلفه. قوله: (وجدت عذرا من قبلي (إشارة إلى أنّ البلوغ بمعنى الوجود لا المشارفة فإنه يرد بهذا المعنى، كما في قوله: بلغن أجلهن، وقوله: من قبلي تفسير لقوله: مني والثلاث هي المدة المضروبة لابلاء الأعذار ولذا لو قال: الخصم لي بينة يمهل ثلاثة فقط كما في شرح الهداية، وقوله: لما بالفتح والتشديد أو الكسر والتخفيف والحديث المذكور صحيح، وقوله: لو لبث الخ أي لو لم يقل ذلك ومكث مع الخضر عليهما الصلاة والسلام، وقوله: والاكتفاء بها عن نون الدعامة أي حذف نون الوقاية، وأبقى النون الأصلية المكسورة، وقيل إنه يحتمل أن تكون لد فإنها لغة في لدن والمذكور نون الوقاية ولا حذف أصلا وقد قال المعرب: إنه لا يصح لوجهين أحدهما أق نون الوقاية إنما هي في المبنيّ على السكون لتقيه الكسر ولد بدون نون مضمومة لا سكون فيها، والثاني أنّ سيبويه رحمه الله منع أن يقال لدني بالتخفيف وفيه نظر لأنّ القراءة حجة عليه كما ذكره هو ولا مانع أن يقال: إنها وقيته من زوال الضم. قوله: (قدئي من نصر الخبيبين قدي) الشاهد في قوله: قدي فإنّ أصله قدني فحذف منه نون الوقاية وقد بمعنى.
حسب مبنية على السكون، ولذا لحقتها النون حال الإضافة وفيها تفصيل في كتب النحو، وتمامه ليس الإمام بالشحيح الملحد وهو من شعر لحميد بن الأرقط في عبد الملك بن مروان وتباعده عن نصرة ابن الزبير وأصحابه رضي الله عنهم، وخبيب بخاء معجمة، وياءين موحدتين مصغر أحد أبناء عبد الله بن الزبير والخبيبين مثنى خبيب وأبيه على التغليب، ويروى بكسر الباء على صيغة الجمع على تغليبه على أبيه وقومه والشحيح البخيل والملحد المائل عن الحق، وقوله: إسكان الضاد الخ أي شبه به وزنا فخفف تخفيفه وان لم تكن النون من الكلمة. قوله: (قرية أنطاكية الخ) قال ابن حجر في شرح البخاري: الخلاف هنا كالخلاف في مجمع البحرين ولا يوثق بشيء منه، وأنطاكية بتخفيف الياء معروفة، وأبله بالهمز والباء الموحدة واللام المشددة أحد منتزهات الدنيا معروفة وفي بعض نسخ الكشاف ايكة بالكاف دون ذكر البصرة(6/123)
وأرمينية بلاد أرمن، وياؤها مخففة أيضا، وبأجر وان بباء موحدة مفتوحة وألف وجيم مفتوحة وراء مهملة ساكنة، وواو وألف ونون من أعمال أرمينية ذكرها في معجم البلدان، وكذا ضبطها ابن خلكان، وقال: هي بلدة من أعمال الرقة واسم مدينة بنواحي أرمينية من أعمال شروان، قيل بها: عين الحياة التي وجدها الخضر وأبو عبيدة منها، وقيل: هي القرية التي استطعم موسى عليه الصلاة والسلام أهلها اهـ، والمصنف أضافها لأرمينية لتعددها، كما عرفته فهو كقوله:
على زيدنا يوم النقا رأس زيدكم وجروان بدون با بلدة بمصر معروفة
قوله: (وقرىء يضيفوهما (أي بضم الياء والتخفيف من الإضافة وهي أخص! من الإطعام
لأنها إطعام في المنزل على وجه الإكرام، وقوله: من إضافة يقال: ضافه إذا نزل به فالضيافة من الضيف لا بمعنى الإضافة كما يستعمله الناس لكنها وردت بمعناه أيضا إفا حقيقة أو مجازاً فلا خطأ فيه كما يتوهم، وأنزله تفسير لضيفه وأصل معناه الميل لميل الضيف نحو جانب المضيف. قوله تعالى: {اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا} في إعادة لفظ الأهل هنا سؤال مشهور وقد نظمه بعض الأدباء سائلاً عنه الإمام السبكي رحمه الله تعالى في قصيدة منها:
رأيت كتاب الله أعظم معجز لا فضل من يهدي به الثقلان ...
ومن جملة الإعجاز كون اختصاره بإيجاز ألفاظ وبسط معان ...
ولكنني في الكهف أبصرت آية بها الفكر في طول الزمان عثاني ...
وما هي إلا استطعما أهلهافقد نرى استطعماهم مثله ببيان ...
يعني أنه عدل عن الظاهر بإعادة لفظ أهل ولم يقل استطعماها لأنه صف القرية، أو استطعماهم لأنه صف أهل فلا بد له من وجه، وقد أجابوا عنه بأجوبة مطؤلة نظما ونثراً،
والذي تحرّر فيه أنه ذكر الأهل أوّلاً ولم يحذف إيجازا سواء قدر أو تجوّز في القرية، كقوله: واسأل القرية لأنّ الإتيان ينسب للمكان نحو أتيت عرفات، ولمن فيه نحو أتيت أهل بغداد فلو لم يذكر كان فيه التباس مخل فليس ما هنا نظير تلك الآية لامتناع سؤال نفس القرية فلا يستعمل استعمالها، وأمّا الأهل الثاني فأعيد لأنه غير الأوّل وليست كل معرفة أعيدت عيناً كما بينوه لأن المراد به بعضهم إذ سؤالهم فرداً فرداً مستبعد فلو لم يذكر فهم غير المراد، أمّا لو قيل استطعماهم فظاهر وأما لو قيل: استطعماها فلأنّ النسبة إلى المحل تفيد الاستيعاب كما أثبتوه في محله، وأمّا إتيان جميع القرية فهو حقيقة في الوصول إلى بعض منها كما يقال: زيد في البلد أو في الدار، وقيل إنّ الأهل أعيد للتأكيد كقوله:
ليت الغراب غداة ينعب بيننا كان الغراب مقطع الأوداج
أو لكراهة اجتماع ضميرين متصلين لبشاعته واستطالته كذا قال النيسابوري: ثم نقل عن
أبي حيان نحوا مما ذكرناه وذكر أنه مروي عن الشافعيّ رحمه الله، لكنه مخالف لما في الأصولي من أنه إذا أعيد المذكور أوّلاً معرفة كان الثاني عين الأوّل وليس بشيء لما مر، وقد قيل إن المراد توصيف القرية بالجملة، وهو يقتضي كون التركيب هكذا والا خلت الصفة عن ضمير الموصوف وفيه أنه لو ترك ذكر الأهل حصل المقصود فما الداعي لذكره هناك وقد ذكرنا فيما مر ما يعلم منه وجهه بقي هنا كلام طويل من غيرطائل في كون الجملة صفة أو جوابا تركناه لقلة جدواه. قوله: (تدانى أن يسقط (أي قرب من السقوط وهو بيان لحاصل معناه، وقوله: فاستعيرت الإرادة للمشارفة أي قربه من الوقوع، والاستعارة إما لغوية فهو مجاز مرسل بعلاقة تسبب الإرادة لقرب الوقوع أو اصطلاحية بأن يشبه قرب السقوط بالإرادة لما فيهما من الميل أو مكنية وتخييلية وهكذا استعارة الهمّ بمعنى القصد والعزم، وهذا ردّ على من أنكر المجاز في القرآن وقال: إن الضمير للخضر عليه الصلاة والسلام أو الله تعالى خلق في الجدار حياة هارادة فإنه تكلف وتعسف تفسد به بلاغة الكلام. قوله: (يريد الرمح (أي يقرب من طعن صدره، وأبى براء بفتح الباء اسم رجل، ويعدل بمعنى يصد وينثني(6/124)
وفي رواية ويرغب وهي أنسب، وبني عقيل بفتح العين قبيلة معروفة، والشاهد في قوله: يريد الرمح وفيه الوجوه السابقة، وأما حمله على الإسناد المجازي إلى الآلة فهو يفوت به الاستشهاد، ولم يجنحوا إليه لأن الأوّل أبلغ وألطف فلا وجه لما قيل إن هذا أولى، وقوله: إن دهراً الخ من قصيد لحسان رضي الله عنه ويلئم بمعنى يجمع وفي نسخة يلف، والشمل من الأضداد بمعنى الاجتماع والافتراق، وجمل بضم الجيم وسكون الميم اسم محبوبته، وفي نسخة بسعدي، وقوله: يهم
بالإحسان أى يقصد.، وهو محل الشاهد والمراد أن زماناً فعل م! ل هذا يلوح عليه أمارات الإحسان فيقا غداه فاندفع ما قيل إنّ حمل الهمّ فيه على المشارفة مجازاً فيه بعد، فإنّ جمع شمله بمحبوبته عين الإحسان.
قوله: (وانقمق انفعل من قضضته إذا كسرته) يعني أن انفعل بزيادة النون من قضضته
بمعنى كسرته، ولما كان المنكسر يتساقط قيل لسقوط الطير والكوكب انقضاض فلذا قال المصنف رحمه الله: ومنه لأنه ماخوذ منه وليس مرادفاً له والهوى بضم الهاء وتشديد الياء السقوط، وقوله: وكزىء الخ هي قراءة عليّ وعكرفة، وهو انفعال أيضاً والصاد المهملة مخففة فيهما والأوّل ثلاثيّ مجرّد مشهور ومعناه. ما ذكره المصنف رحمه الله وقوله: أو اقعل فحطوف على قوله: انفعل وهو بتشديد اللام فالنون فيه أصلية لأنه من النقض فهو من باب احمرّ، وهذا ما ذكره أبو عليّ في الإيضاح لكن قال السهيليّ في الروض إنه غلط، وليس هذا محل البحث فيه، وقوله: بعمارته أي ترميمه وإصلاحه. قوله: (وقيل مسحه بيده ققام) وهي معج! زة أو كرامة قيل: إنه غير ملائم لقوله: لو شئت لتخذت عليه أجرا إذ لا يستحق بمثله الأجر، ولذا مرّضه المصنف رحمه الله وردّ بأنه قول سعيد بن جبير، وقد قال القرطبيّ: إنه هو الصحيح وهو أشبه بأحوال الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وعدم استحقاق الأجر مع حصول الغرض غير مسلم ولا يضرّه سهولته على الفاعل. قوله: (وقيل نقضه وبناه) مرّضه لأنه لا يساعده قوله أقامه مع أنه مخالف لما في رواية البخاريّ الصحيحة ولا عبرة بما وقع في العرائس مما يخالفه. قوله: (تحريضاً) بالضاد المعجمة أي هذا الكلام وقع من موسى عليه الصلاة والسلام لتحريض الخضر عليه الصلاة والسلام أي حثه وتحريكه على أخذ الجعل والأجر على فعله ليحصل لهما به الانتعاش أي التقوى بالمعاش فهو سؤال له لم لم تأخذه واعتراض على تركه وهذا لأنّ المراد منه لازم فائدة الخبر إذ لا فائدة في الإخبار بفعله، وقوله: أو تعريضا بأنه فضول أي فعل لما لم يطلب منه تبرّعا من غير فائدة واستحقاق لمن فعل له مع كمال الاحتياج إلى خلافه، والفرق بينه وبين الأوّل أنه ليس فيه حث على أخذ الأجر، وقوله: لما في لو من النفي تضمنها النفي ظاهر وهو راجع إلى الوجهين أي أنها تدل على عدم أخذ الأجر فلذا حث عليه أو عرّض له بأنه عبث، وقيل: إنه راجع للثاني، فقط والأوّل أولى. قوله: (كأنه لما رأى الحرمان الخ (كأن هنا للظن وعبر به تأذبا وتعظيما لمقام موسى صلى الله عليه وسلم، ومساس! عطوف على الحرمان أو مفعول معه، وقوله: لم يتمالك بالغيبة ونصب نفسه ويجوز رفعه وهو جواب لما،
والجملة خبر كان أو هي خبر وهو بيان لسبب اعتراض موسى صلى الله عليه وسلم بعد النهي. قوله: (واتخذ افتعل) يعني أنّ فيه اختلافا بين أهل اللغة والتصريف فقيل إنّ التاء الأولى أصلية والثانية تاء الافتعال أدغصت فيها الأولى ومادّته تخذلاً أخذ وإن كان بمعناه لأنّ فاء الكلمة لا تبدل تاء إذا كانت همزة أو ياء مبدلة منها، ولذا قالوا: إن اتزر خطأ أو شاذ وهذا سائغ في فصيح الكلام وأيضا إبدالها في الافتعال لو سلم لم يكن لقولهم تخذ وجه ومن خالفهم فيه لا يسلمه ويقول: المدة العارضة تبدل تاء أيضاً ولكثرة استعماله هنا أجروه مجرى الأصلي، وقالوا: تخذ ثلاثيا جريا عليه، وتخذ كعلم وليست تاؤه بدلاً من واو على مختار المصنف رحمه الله فمن ذكره هنا فقدمها. قوله: (بيني وبينك (أعاد بين وان كانت لا تضاف إلا لمتعدد لأنه لا يعطف على الضمير المجرور بدون إعادة الجار، وليس لمحض التأكيد كما قيل، وقوله: الإشارة إلى الفراق الموعود يعني أنه إشارة لما فهم من مفارقته المدلول عليها بقوله: فلا تصماحبني قبله فلتصوّرها وحضورها(6/125)
في الذهن نزلت منزلة المحسوس المشاهد كما يقول المصنفون: هذا كتاب قبل تأليفه، وهذا أخوك لتصوّره وحضوره في ذهنه، وأورد عليه في شرح الكشاف أنه فرق بين ما ذكر وما في الآية بأنّ المشار إليه ثمة مفهوم الكتاب وذات الأخ فيفيد الإخبار بمفهوم الأخ، ومفهوم الكتاب المخصوص، وما في الآية ليس كذلك فلا يفيد الإخبار عنه بالفراق، والجواب عنه أنّ المخبر عنه الفراق باعتبار كونه في الذهن والخبر باعتبار أنه في الخارج فيتغايران ويفيد الحمل، ولذا قال المعترض: ويمكن أن يجاب عنه وظنه بعضهم غير مندفع، ومن أراد تحقيق هذا فلينظر ما كتب في حواشي شرح التهذيب. قوله: (أو إلى الاعتراض الثالث (قيل: وجه التخصيص أنه حرّم عليه الصحبة بعده لأنّ نهيه وهو صاحب شريعة للتحريم، وقيل: عليه الظاهر أنه للترخيص وهو الظاهر في حال موسى معه، ولا يوافقه تول المصنف في آخر القصة: وأن ينبه المجرم على جرمه ويعفو عنه حتى يتحقق إصراره ثم يهاجر عنه، وقد روي عن ابن عباس في وجهه، أنّ قول موسى عليه الصلاة والسلام في السفينة: والغلام لله وفي هذا لنفسه لطلب الدنيا فكان سبب الفراق (قلت) الظاهر أنه للتحريم وأنّ المراد به معناه، وهو الجزم بالترك والمفارقة كما كان كذلك في الواقع وصرّح به في الحديث السابق وهو رحم الله أخي موسى الخ، وأمّا ما ذكره في آخر القصة فلا علاقة له به
لأنّ العفو عن الجرم لا ينافي المفارقة، وأما ما روي عن ابن عباس فقد رذه في الكشف وطعن في روايته بأنه لا يليق بجلالة موسى والخضر، وقيل في وجهه: إنه آخر جزء يتتم به السبب ولا وجه له فإن قوله في النظم: إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني صريح في أن السؤال الأخير هو سبب المفارقة لا ما كان قبله، وقال الشارح العلامة: إنه سبب الفراق دون الأوّلين لأنّ ظاهرهما منكر فكان معذوراً بخلاف هذا فإنه لا ينكر الإحسان للمسيء بل يحمد، وهذه زهرة لا تحتمل هذا الفرك، وقوله: وقته إشارة إلى أنه على هذا لا بد من تقدير مضاف في الخبر ليصح الحمل، وقوله: على الاتساع كما في مكر الليل بجعل البين كأنه مفارق، وابن الحاجب يجعل الإضافة في مثله على معنى في وقوله: على الأصل أي بتنوين فراق ونصب على الظرفية. قوله: (بالخبر الباطن (إشارة إلى أن معنى التأويل إظهار ما كان باطنا ببيان وجهه وحكمته، وهو راجع إلى معناه اللغوقي، وهو ما يؤول إليه الشيء، وقوله: الصبر عليه إشارة إلى أن صبراً مفعول بتستطع وعليه متعلق به قدم عليه رعاية للفاصلة. وقوله: لمحاويج جمع لمحتاج على خلاف القياس. قوله: (وفيه دليل على أنّ المسكين يطلق الخ) الخلاف في الفرق بين الفقير والمسكين لغة مفصل في كتاب الزكاة وما ذكره مذهب الشافعيّ رضي الله عنه وهو ردّ على من قال المسكين من لا شيء له أصلاً، والفقير من له أدنى شيء وقد أجيب عنه بأنها لم تكن ملكا لهم بل كانوا أجراء فيها أو كانت معهم عارية أو قيل لهم: مساكين ترحماً واللام للاختصاص لا للملك، وقوله: وقيل سموا مساكين الخ فيكون المسكين بمعنى الذليل العاجز لأمر في نفسه أو بدنه بقطع النظر عن المال وعدمه، وهو معنى آخر غير ما اختلف فيه الفقهاء، وإليه يشير قولهم إنه ذكر ترحما، وقوله: أو لزمانتهم وجه آخر لكونهم مساكين بالمعنى الثاني فاو فيه ليست بمعنى الواو وفي نسخة بالواو وهي بمعنى أو واطلاقه عليهم تغليب لأنّ بعضهم مساكين ولأنهم جميعا لم يعملوا أي عاجزين وهم الزمنى، وقوله: كانت لعشرة صريح في الشركة فلا وجه للتردّد فيها. قوله: (قدّامهم أو خلفهم الأن وراء يطلق عليهما لأنه من الأضداد وكل ما توارى عنك ورجح الأوّل وإن كان الثاني هو المشهور في معنى وراء لأنه المروي كما في البخاري، ويؤيده أن ابن عباس رضي الله عنهما قرأ أمامهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة، وقوله: وكان رجوعهم عليه راجع للثاني لدفع توهم أنه إذا كان خلفهم سلموا منه، ولك أن تقول بل الظاهر أنّ المراد على الثاني، وهو مدرك لهم مارّ بهم، وقوله: اسمه أيمما الملك
وجلندي بضم الجيم وفتح اللام وسكون النون وفتح الدال المهملة، ثم ألف مقصورة، وقيل: هو منولة بن الجلند بن سعيد الأزدي وكان بجزيرة الأندلى، وقيل: فيه وفي اسمه غير ذلك والأزد قبيلة معروفة. قوله: (وكان حق النظم)(6/126)
أي الترتيب أو لفظ النظم القرآني وإنما كان حقه ذلك لأنّ سبب تعييبها غصب الملك للسفن السليمة وهم فقراء لا معاس لهم بغيرها، وبتعييبها من غير إغراق يسلمون من ذلك فدفعه بأنه قدم للعناية أي للاعتناء والاهتمام به لأنه الذي حصل به رد اعتراضه بأن خرقها مفسدة مؤذية للإغراق إذ معناه ما أردت إلا جعلها معيبة لا إغراق من بها، وهذا على تسليم أن السبب ما بعده وأنه قدم عليه لما ذكر وقوله: أو لأنّ السبب لما كان مجموع الأمرين مبنيّ على منعه وأنّ السبب ليس ما بعده فقط بل مجموعهما ولكن قدم أحد الجزأين لكونه أقوى وأدعى أي أكثر دعوة له وحملا على فعله، ووسط المسبب بينهما توسط زيد ظني مقيم، وهذا بعينه ما في الكشاف، وقوله: على سبيل التقييد المراد تقييد مسكنتهم بمقارنة غصب الملك لأنها لا تكون وحدها سبباً والتتميم بذكر الجزء الأخير من السبب لتتم سببيته لكن هذا لا يتمّ به وجه تغيير النظم من كل وجه، ولهذا لم يرتضه صاحب الانتصاف والطيبي وجعل كونها للمساكين هو السبب لأنّ ترتيب إرادة التعييب على كونها القوم مساكين عجزة يشعر بأن ذلك الفعل إعانة لهم على ما يخافونه ويعجزون عن دفعه، ولما كان ذلك خفياً عقبه ببيانه بعد تمام ذكر السبب والمسبب ولولاه لم تكن الفاء في محلها، وهو وجه حسن مع غموضه، ومما يرفع برقع الخفاء عن هذا الوجه الحسن أن قوله: كان يدل على أنّ هذا كان دأبه وأنه مشهور عنه فكأنه غنيّ عن الذكر كما ذكره المحدثون في كان عبم يفعل كذا بأنه يدل على أنه هجيراه وعادته فتأمل. وقوله: والمعنى عليها أي على هذه القراءة وان لم يقرأ بها وأنّ المراد بالسفينة الصالحة إذ لو أبقى على عمومه لم يكن للتعييب فائدة، وقوله: أن يغشيهما بالغين المعجمة من الأفعال أو التفعيل أي يعرض لهما منه ذلك. قوله: (لنعمتهما بعقوقة) فالمراد بالكفر كفران النعمة التي له منهما بتربيته وكونهما سبب وجوده، والباء سببية متعلقة بكفرا وقوله: فيلحقهما شزاً من الإلحاق أي لعقوقه يلحقهما شرّ وأمر قبيح، وهو تفريع أو تفسير لقوله: أن يغشيهما، وقوله: أو يقرن بفتح الياء عطف على يغشيهما وتفسير آخر له، وطغيانه وكفره مفعوله، وقوله: فيجتمع تفسير لغشيانه وبيان لمضرّته،
وقوله: أو يعديهما من أعداه بمرضه، وعلته كفره ومرض قلبه وقوله: بعلته متعلق بيعدي والممالأة بالهمز، وقد تبدل الفا مفاعلة بمعنى المعاونة ومنه قول عليّ رضي الله عنه: ما مالأت قتله عثمان رضي الله عنه وأصل معناه صرت في ملئه كشايعته صرت من شيعته وهو معطوف على قوله: بإضلاله وعطفه على قوله: بعلته فيما بعد، وحباً تعليل له، وقوله: أعلمه أي بوقوع ما ذكر إن لم يقتل. قوله: (وعن ابن عباس الخ (الحروري من الحرورية وهم قوم من الخوارج خرجوا على عليئ رضي الله عنه نسبة إلى حروراء بفتح الحاء وهي قرية بالكوفة، قال الإمام السبكيّ رحمه الله: " ما فعله الخضر عليه الصلاة والسلام من قتل الغلام لكونه طبع كافرا مخصوص به لأنه أوحي إليه أن يعمل بالباطن وخلاف الظاهر الموافق للحكمة فلا إشكال فيه وان علم من الشريعة أنه لا يجوز قتل صغير لا سيما بين أبوين مؤمنين ولو فرضنا أنّ الله أطلع بعض أوليائه كما أطلع الخضر عليه الصلاة والسلام لم يجز له ذلك، وما ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما فإنما قصد به المحاجة والإحالة على ما لم يمكن قطعا لطمعه في الاحتجاج بقصة الخضر عليه الصلاة والسلام وليس مقصوده أنه إن حصل ذلك يجوز لأنه لا تقتضيه الشريعة وكيف يقتل بسبب لم يحصل والمولود لا يوصف بكفر حقيقيّ ولا إيمان حقيقيّ وقصة الخضر تحمل على أنه كان شرعا مستقلا به وهو نبي وليس في شريعة موسى أيضا ولذا أنكره اهـ، وبهذا ارتفع الإشكال الوارد على قصة الخضر عليه الصلاة والسلام من مخالفتها لظاهر الشرع فإنّ أعظم ما يشكل فيها قتل الغلام، أمّا إقامة الجدار فلا إشكل فيه لأنها إحسان للمسيء، وهو من مكارم الأخلاق، وكذا نقض لوح السفينة لتسلم من غصب الظالم ثم يعاد من غير ضرورة، كما في رواية مسلم أنه جاء الذي يسخرها فوجدها منخرقة ثم جاوزها فأصلحها كما في شرح البخاريّ، وقوله: الولدان دون ولد مع أنه الواقع في القصة ليعمه وغيره ممن يكون مثله، وقوله: إن تقتل أي يقع منك القتل، مطلقا لولد(6/127)
أو لولدين. قوله: (كراهة من خاف سوء عاقبة) أي ككراهته إشارة إلى أنه استعارة إذ الخوف لا يليق بجنابه تعالى، وقيل إنّ الخوف مجاز مرسل عن لازمه وهو الكراهة، وقوله: ويجوز أن يكون قوله: فخشينا الخ، عطف على ما قبله بحسب المعنى كأنه قيل ة وقوله خشينا من كلايم الخضر عليه السلام أي محكيّ عنه ويجوز أن يكون الخ، وإنما أخره عن قوله: وقرىء لأن الخشية فيه
بمعنى الكراهة مجازاً كما مر ولما مرّ، ويكون التقدير أما الغلام فكان أبواه مؤمنين فقال الله: {خَشِينَا} الخ والفاء من الحكاية ولا يخفى بعده مع أنه لا يلائمه قوله: {فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا} إلا أن يجعل التفاتا. قوله: (خيراً منه (قيل أفعل فيه ليس للتفضيل لأنه لا زكاة فيه ولا رحمة ورد لأنه زكيا طاهرا من الذنوب إن كان صغيراً وبحسب الظاهر إن كان بالغا فلذا قال موسى صلى الله عليه وسلم: نفسا زكية وهذا في مقابلته فخير منه زكاة من هو زكيّ في الحال والمآل بحسب الظاهر والباطن، ولو سلم فالاشتراك التقديرفي يكفي في صحة التفضيل، وقوله: لا رحمة قول بلا دليل ولا يخفى أن الجواب الصحيح هنا أن يكتفي بالاشتراك التقديري لأنه كان عالماً بالباطن فهو يعلم أنه لا زكاة فيه ولا رحمة، فقوله: إنه لا دليل عليه لا وجه له إلا أن ما ذكره من كون خيرا ليس للتفضيل لا يتأتى في قوله أقرب. قوله: (رحماً بالتثقيل) أي بالتحريك بالضم في الحاء، وفي نسخة بالتخفيف ولا وجه له وكثيراً ما يطلق التثقيل على التحريك والتخفيف على التسكين وهو ظاهر وإنما بيناه لأنّ بعض الجهلة ظنه في قوله في سورة تبارك: {سُحْقًا} [سورة تبارك، الآية: اا] بالتثقيل أنه بتشديد القاف حتى قرأ به فقال فيه العلامة ابن الحنبلي الحلبي رحمه الله تعالى:
وجاهل زاد جهلاً وظل يظهر حمقا
فقال لي اقرأسحقاً سحقاً له ثم سحقا
وقوله: والعامل اسم التفضيل لأنه ينصب التمييز دون المفعول به كما نص عليه النحاة
ومثله زكاة وأصرم وصريم مصغراً بالصاد المهملة، وجيسور بجيم مفتوحة، وروي بحاء مهملة ثم ياء مثناة تحتية ثم سين مهملة مضمومة وواو ثم واء مهملة، وروي بنون، وقوله: مرفوعا أي في حديث مرفوع إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم. قوله: (والذم على كنزهما الخ (أي الذهب والفضة وهذا
جواب ما يتوهم من أنّ الظاهر أنّ الكانز له أبوهما لقوله: لهما فإنه لا يكون لهما إلا إذا كان ارثاً أو كانا قد استخرجاه والثاني منتف فتعين الأوّل، وقد وصف بالصلاج، فهو معارض لذم الكانز في تلك الآية فدفعه بأنّ المذموم هناك ليس مجرد الكنز لقوله: ولا ينفقونها في سبيل الله كما بينه المصنف رحمه الله فلا يرد عليه ما قيل لا دلالة في النظم على أنه كان للأب الصالح حتى يعتذر عنه بما ذكر ولا وجه لما قيل في جوابه بأن قصد المصنف رحمه الله بيان حال الكنز في الحل والحرمة بمناسبة ذكره هنا، وفيه أيضاً إشارة إلى ردّ ما أورده الإمام أنّ الكنز كان علماً لا مالاً لمنافاته الصلاح، والحقوق كأداء الدين ونحوه، وقوله: من كتب العلم معطوف على قوله من ذهب وفضة وقوله كان لوح وقع في النسخ مرفوعاً وكان الظاهر نصبه فأما أن تكرن كان زائدة ولوج خبر مبتدأ مقدر أو هو اسمها والخبر مقدّر، أي فيه أو هي تامة، ويحزن بالحاء المهملة من الحزن، وما وقع في بعضها يخزن بالخاء المعجمة الظاهر أنه تحريف، وتقلبها بالنصب معطوف مع الدنيا أو مفعول معه، وقوله: " لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابته لعلم الأمم السالفة بأنه سيكون رسولاً، وسعيه أي الخضر عليه الصلاة والسلام وذلك بدل منه وبينهما أي الولدين. قوله: (حفظا فيه (أي حفاظا لأجله ففي سببية كما في حديث أنّ امرأة دخلت النار في هزة وقوله: الحلم وكمال الرأي تفسير الأشد وهل هو مفرد أو جمع ومفرده ماذا مفصل في كتب اللغة والنحو، وقيل: الأولى الاقتصار على كمال الرأي لأنّ أهل اللغة فسروه بقوّته من ثمان عشرة سنة إلى ثلاثين فهو بعد الحلم وليس ما ذكره مسلماً كما يعرفه من تتبع اللغة وذكروا في قصة الجدار أنّ اليتيمين كانا غير عالمين بالكنز ولهما وصيّ يعرفه لكنه غائب فلو سقط الجدار بما ضاع الكنز وتوله مرحومين إشارة إلى أنه حال من ضمير الفاعل فيؤؤل باسم المفعول لأنّ الأصل في الحال أن يكون صفة وإذا كان علة فهو مفعول له لقوله أراد ربك لا من فاعل(6/128)
يستخرجا لكون فاعلهما مختلفا فأما جعله منه على القول بجوازه أو هو مصدر من المبين للمفعول فلا حاجة إليه والظاهر في مقام الضمير، وأورد عليه أنه إذا كان مصدر أراد ربك بمعنى رحم كانت الرحمة من الرب لا محالة فأي فائدة في ذكر قوله: من ربك وكذا إذا كان مفعولاً له فإمّا على تقدير فعلت ما فعلت فهو منصوب بنزع الخافض أي برحمة ربك، أو هو مفعول له بتقدير إرادة أو رجاء رحمة ربك لما مر أو المراد بالرحمة الوحي. قوله: (ولعل إسناد الإرادة الخ (هذا مما اتتدى فيه بالإمام في بيان نكتة تغاير
الأسلوب فأسنده أوّلاً لنفسه لأنّ خرق السفينة وتعييبها بفعله، وثانياً إلى الله تعالى والى نفسه لأنّ ضمير أردنا لهما لأنّ إهلاك الغلام فعله وتبديل غيره موقوف عليه وهو بمحض فعل الله وقدرته، فلما تضمن الفعلين أتى بضمير مشترك بينهما وهو ظاهر إلا أنه اعترض عليه بأن اجتماع المخلوق مع الله في ضمير واحد لا سيما ضمير المتكلم فيه ترك أدب منهيئ عنه شرعاً، ولذا قال صلى الله عليه وسلم لخطيب قال في خطبته بعد ذكر الله ورسوله ومن يعصهما فقد غوى بئس خطيب القوم أنت، كما هو مقرر في كتب الحديث فالوجه أنه تفنن في التعبير والمراد هو فأفرد أوّلاً لأنّ مرتبة الإفراد مقدمة على غيرها، ثم أتى بضمير العظمة إشارة إلى علو مرتبته في معرفة الحكم إذ لا يقدم على ذلك القتل إلا من هو كذلك بخلاف التعييب، والأحسن ما في الانتصاف من أنه من باب قول خوأص الملك أمرنا بكذا يعنون أمر الملك العظيم، وأسند الإبدال إلى الله إشارة إلى استقلاله بالفعل وأنّ الحاصل للعبد مجرّد مقارنة إرادة الفعل دون تأثير فيه كما هو المذهب الحق، وقيل: في وجه اختلافه في إضافة الفعل إلى نفسه قصور في الأدب لا يرتكب إلا لعلة وهي موجودة في الأوّل مفقودة في الثاني لكون العيب لا يسند إليه تعالى تأذبا فأسنده إلى نفسه بخلاف ما بعده ولا مجال للإضافة إلى نفسه في الثالث، وأورد عليه أنه على تقدير تسليم ما ذكره من المقصود في مراعاة الأدب ففي جمع نفسه مع رب العزة في ضمير خلاف أدب أشد مما ذكره كما مر وما فيل إنّ ما ذكر ليس من قبيل ما وقع في الحديث فإنّ التسوية ليست في مجرّد الجمع في الضمير كما لا يخفى فليس بشيء لما سنذكره (أدول (أصل هذا أنّ ثابت بن قيس بن شماس وكان خطيب النبيّ صلى الله عليه وسلم لأنه كان يخطب في مجلسه صلى الله عليه وسلم إذا وردت وفود العرب وهذه الخطبة خطبها عنده لما قدم وفد تميم وقام خطيبهم فذكر مفاخرهم ومآثرهم فلما أتم خطته قام ثابت وخطب خطبة قال فيها: إ من يطع الله عز وجل ورسوله! فقد رشد ومن يعصهما فقد غوى " فقال له النبيّ صلى الله عليه وسلم: بض خطيب القوم أنت قم، قال الخطابي كرهءشسلا منه ما فيه من التسوية أي في الضمير مع تسوية العطف فالكراهة تنزيهية لا تحريمية على الصحيح وأن أفهم كلام الغزالي خلافه وذهب غيره إلى إنه لا كراهة فيه أصلا وإنما كره صلى الله عليه وسلم منه أنه! وقف على قوله: يعصهما وهذا ضعفه صاحب الشفاء فقد وقع في الأحاديث والآيات ما يخالفه كما في حديث الإيمان أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وقد اختلف المفسرون في قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} هل
ضمير يصلون لله والملائكة أم لا فأجازه قوم ومنعه آخرون لعلة التشريك المذكورة والظاهر على أنّ الكراهة تنزيهية أنها غير مطردة فقد تكره في مقام دون مقام فلما كان ذلك مقام خطابة وأطناب وهو بحضرة قوم مشركين والإسلام غض طرقي كره فيه، وأما مثل هذا المقام الذي القائل فيه والمخاطب من عرفت وقصد فيه نكتة وهو عدم استقلاله فلا كراهة فيه خصوصا، وقد قال بعض من ذهب إلى الكراهة: " إنه مخصوص بغير النبي صلى الله عليه وسلم فإذا جاز للنبي صلى الله عليه وسلم فهو في كلام الله وما حكاه بالطريق الأولى فالحق أنه لا كراهة فيه في كلام الله ورسوله صلى الله عليه وسلم كما أشير إليه في شروح البخاري وأما في حق البشر فقيل لا كراهة فيه أصلاً وقيل: فيه كراهة تنزيه مطلقا أو في بعض المواضع وبهذا عرفت ما في كلامهم هنا وإنما أطلت الكلام في هذه المسألة لأني لم أر من حققها ولعلنا نحتاج إليها في محل آخر. قوله: (الأوّل في نفسه شر) فلا يليق إسناده إلى الله وأن كان هو(6/129)
الفاعل، والثالث خير فأفرد إسناده إلى الله، والثاني ممتزج خيره وهو تبديله بخير منه وشره وهو القتل فأسنده إلى الله والى نفسه نظرا لهما، وقوله: أو لاختلات حال العارف أي بالله فإنه في ابتداء أمره يرى نفسه مؤثرة فلذا أسند الإرادة أولا إلى نفسه ثم تنبه إلى أنه لا يستقل بالفعل بدون الله فلذا أسنده لهما ثم يرى أنه لا دخل له وأن المؤثر والمريد إنما هو الله قلذا أسنده إليه فقط وهو مقام الفناء ومقام كأن الله ولا شيء معه وهو الآن كما كان.
قوله: (عن رأيي) يعني أن الأمر هنا واحد الأمور والمراد به الرأي لا أنه بمعنى الرأي وظاهر كلام الراغب أنّ الأمر يطلق على الرأي وما يخطر بالبال كان نفسه تأمره به ولذا تسمى أمارة كما في قوله: سوّلت لكم أنفسكم أمرا وهو أنسب بمقابلته بأمر الله. قوله: (ومبني ذلك (أي ما فعله الخضر على ما عرفت من تفصيله، وقوله: الشرائع في تفاصيله مختلفة إشارة إلى أنّ بعضا من جزئيات هذه قد يجوز في شريعة دون أخرى، كقتل الغلام فإنه في شريعة الخضر عليه الصلاة والسلام لما مرّ دون شريعتنا وشريعة موسى عليه الصلاة والسلام لأنه من علم الباطن المأمور به هو دون غيره ونظيره أنه يجوز قطع عضو متآكل إذا تحقق سريانه إلى النفس وهذه قاعدة قرّرها الفقهاء وعليها مبني قصة الحديبية. قوله: (فحذف التاء تخفيفاً (أصله تستطع فحذفت تاء الاستفعال، وقيل: المحذوف الطاء الأصلية ثم أبدلت التاء طاء لوقوعها بعد السين وهو تكلف وقيل السين عوض قلب الواو ألفا والأصل أطاع وإنما خص هذا بالتخفيف لأنه لما تكرّر في القصة ناسب تخفيف الأخير منه وأما كونه للإشارة إلى أنه خف على موسى صلى الله عليه وسلم ما لقيه ببيان سببه فيبعده أنه في الحكاية لا المحكي. قوله: (ومن فوائد هذه القصة الخ (عدم
عجب المرء بعلمه يعلم من أن سبب ما جرى له قوله ليسى في الأرض أعلم مني لا أنه بادر إلى الإنكار فظهر خلافه كما قيل، وعدم المبادرة إلى الإنكار هي سؤاله في الأمور الثلاثة والسر المذكور ما ذكره في الجواب، وأدبه في المقال قوله: تعلمني مما علمت رشدا وتنبيه المجرم على جرمه بقوله: (لن تستطيع معي صبرا) وعفوه عنه عدم مبالاته بإنكاره كما يدل عليه قوله: سأنبئك الخ وتحقق إصراره بقاؤه على إنكار ما خالف ظاهر الشريعة، والمهاجرة قوله: (هذا فراق بيني وبينك (والتذلل قوله: (لا تؤاخذني!. قوله: (يعني اسكندر الرومي (لصحة ذلك عند المؤرخين ووروده في بعض الأحاديث وهو المختلف في نبوّته على الصحيح لا اليوناني كما ذكره الإمام حتى يعترض عليه أنه تلميذ أرسطو ومذهبه ليس بحق فيحتاج إلى الجواب بأنه لا يلزم من تلمذته موافقته في جميع مقالاته كمحمد وأبيب حنيفة رحمهم الله ومثله لا يحتمل البحث. قوله: (ولذلك سمي ذا القرنين) أي لملكه المشرق والمغرب اللذين هما قرنا الدنيا أي جانباها والقرن من الناس أهل عصر وقد اختلف في مقدار مذته والضفيرة تسمى قرنا حقيقة، وقرنا التاج ما ارتفع من أعلاه على التشبيه وتوله: كما يقال الكبش للشجاع فإنه شائع في كلامهم على طريق الاستعارة والتشبيه وقوله: كأنه ينطح أقرانه أي بتشبيه طعن الأقران وضربها بالنطح وهو إشارة إلى وجه الشبه بينهما والعلاقة. قوله: (والهاء لذي القرنين وقيل لله (تعالى إذا كان الضمير لذي القرنين فالمعنى من أخباره وقصصه ومن تبعيضية والجار والمجرور صفة ذكراً قدم عليه فصار حالاً، وإذا كان دلّه فمن ابتدائية ورجوعه إلى الله بقرينة قوله: بعده إنا مكنا له الخ، ومحكن تقدم تحقيقه فإنه يتعدى بنفسه واللام كنصحت وشكرت وحذف المفعول لقصد التعميم، وقوله: من التصرف بيان لأمره أي أعطيناه التصرف فيها. فوله:) وآتيناه من كل شيء سبباً) قيل: المراد من أسباب كل شيء والداعي لتقديره أن الظاهران من بيانية والمبين قوله سببا، وقوله: أراده وتوجه إليه صفة شيء مخصصة له لأنه لم يؤت أسباب كل شيء وليس فيه منافاة لتقدير المضاف المذكور كما قيل إنه يأباه لأنّ من جملة أسباب مراده تعلق إرادة الله
وفدرته مثلاً وليس مما أعطيه ولا يبعد أن تكون من تعليلية والشيء وأن تأخر حصولاً مقدم تصوّراً لأن المراد بالأسباب الأسباب العادية فلا يدخل فيها ما ذكر وهي معلومة من كون المعطي هو الله إذ إيتاؤه يقتضي تقديره وارادته وما اختاره تكلف لا حاجة(6/130)
إليه وما قيل إنه المعوّل عليه وانه يلزم على ذلك التقدير أن يكون لكل شيء أسباب لا سبب وسببان ليس بشيء لتأمل. قوله: (فأراد بلوغ المنرب) إشارة إلى أنّ الفاء فصيحة وإنما قدره لقوله حتى إذا بلغ مغرب الشمس، وقرأ نافع وابن كثير فاتبع وثم اتبع في المواضع الثلاثة بهمزة الوصل وتشديد التاء والباقون بقطع الهمزة وسكون التاء فقيل: هما بمعنى ويتعديان لمفعول واحد وقيل: أتبع بالقطع يتعدى لاثنين والتقدير فأتبع سببا سببا آخر أو فاتبع أمره سبباً كقوله: وأتبعناهم في هذه الدنيا لعنة، وقال أبو عبيدة: أتبع بالوصل في السير وأتبع بالقطيم معناه اللحاق، كقوله: فأتبعه شهاب ثاقب، وقال يونس: أتبع بالقطع للجدّ الحثيث في الطلب وبالوصل مجرد الانتقال قاله المعرب. قوله: (ذات حمأة) المراد بالعين عين الماء والحمأ، بالهمزة بمعنى الطين والوحل الرايسب في الماء، وحامية بالياء من الحمى وهو الحرارة فمعناها حازة ولما قرئ بهما مع اختلاف معناهما أشار إلى أنه لا تعارض بينهما لأنه يجوز في العين أن تكون ذات وحل وماؤها حارّ أو أنّ القراءة بالياء أصلها من المهموز قلبت همزته ياء لانكسار ما قبلها وان كان ذلك إنما! طرد إذا كانت الهمزة ساكنة، فقوله: أو حمئة معطوف على قوله: حارّة وأورد عليه أنه يأبى هذا التوفيق ما جرى بين ابن عباس ومعاوية رضي الله عنهم، وتحكيم كعب الخ كما سيأتي فإنه على هذا التوفيق لا يتمشى الخلاف فقيل تجهيل لمثلهم ورد بأنه بعد تسليم صحة ما ذكر عدم تمشي الخلاف ممنوع فإنّ مبناه السماع ولا يندفع ذلك بإمكان التوفيق لترجيح إحدى القراءتين ورجوع معاوية رضي الله عنه لموافقة قراءته لما في التوراة من غير تأويل فلا يلزم ما ذكر شمامل. قوله: (ولعله بلغ ساحل المحيط فرآها الخ (إشارة إلى دفع ما يقال من أنّ الشمس في الفلك المحيط بالأرض وجرمها أكبر من الأرض بمرات، كما مر في أوّل سورة الإسراء فكيف
يمكن دخولها في عين ماء بالأرض فأوّله بأنه لما بلغ ساحل المحيط من جهة المغرب وهو قوي السخونة كثير الحمأة وجد الشمس، كأنها تغيب في ذلك البحر كما أن راكب البحر يرى الشمس كأنها تطلع من البحر وتغيب فيه إذا لم ير الشط وهي في الحقيقة تطلع وتغرب وراء البحر، وعلى هذ التأويل كما قيد ووجد عندها قوما أي عند العين الحمئة وهو مأخوذ من كلام الإمام، وما قيل من أن الوجدان يدل على الوجود ولو كان المراد ما ذكر لقال: رآها ليكون من غلط الحس، مع أن إطلاق العين على البحر المحيط خلاف الظاهر مدفوع بأن وجد يكون بمعنى رأى كما ذكره الراغب فهي مساوية لها يجري فيها ما يجري فيها، وأما كونه لموافقة قوله: وجد عندها قوما فلا يجدي لأنه مؤوّل أيضاً كما عرفت وتسمية البحر المحيط عينا لا محذور فيه خصوصا وهو بالنسبة لعظمة الله كقطرة وإن عظم عندنا، وما ذكره من قصة ابن عباس رضي الله عنهما، أورده القرطبيّ وفيه أنه رجع بعد ذلك عن قراءته وما وقع في التوراة مؤوّل بما مرّ. قوله: (إما أن تعذب الخ) قدمه وخصهم بذاك لكفرهم، وقوله: حسناً أي أمر أو عبر بالمصدر للمبالغة، وقوله: بالإرشاد الخ الداعي لصرفه عن ظاهره الشامل للعفو أنه يبعد جعله مطابقا للتقسيم في الجواب، وكون الأسر حسنا في مقابلة القتل ظاهر، والإرشاد الدعوة للإيمان، وتعليم الشرائع لمن آمن منهم. قوله: (ويؤيد الأول قوله لخ) الظاهر أن وجه التأييد أنه بين أن الحسنى لمن آمن وهو نص فيما ذكر فهو كالتفسير له، وقيل: إنه ظاهر في اختيار الدعوة فلا بد أن يكون أحد شقي التخيير ليحصل الارتباط بين الجواب والسؤال الناشئ مما سبق المقدر وهو أيهما يختار وعلى الثاني يحتاج الارتباط إلى تكلف أنّ محصل الجواب عدم اختيار واحد من الشقين إيثار الحق الله على حق نفسه فدعاهم إلى الإيمان، وقال: أما من ظلم ولا يخفى أنه لا داعي لتقدير السؤال هنا بل إنه لما قال الله له ما ذكر قال هذا وبين ما سيفعله أو يقدر السؤال هكذا فما قال الخ، والمراد بالظل في النظم الكفر قال الشارح العلامة ولا يستراب في أنّ هذا التخيير إنما يكون على تقدير بقائهم على الكفر ولهذا قدم الدعوة وحكم على من أصر على كفره بالتعذيب والمراد بهذا التعذيب أحد الأمرين على الوجه الثاني بخلافه في قوله إما أن تعذب فإنه القتل خاصة وهذا خلاف الظاهر، واعترض! عليه بأن هذ التخيير فيمن(6/131)
وجد منهم الكفر حال توجه القتل والأسر، ولا يقتضي ذلك تقديم الدعوة ولا يلائم أن المراد بهذا التعذيب أحد الأمرين بل المراد به القتل فإنه لما كان مخيرا بين القتل والأسر اختار الأوّل في حق من استمرّ على كفره اهـ. (قلت (أمّا قوله: لا يقتضي ذلك تقديم الدعوة فغير صحيح لأنها إذا لم تكن أحد شقي الكلام اقتضى أنها مقدرة ولا بد من ذلك، وأما ادعاؤه التعميم في التعذيب على هذا فلا وجه له كما ذكره المعترض، إلا أن يريد أنه يجوز في هذأ
الوجه دون الأوّل فتأمّل، وقوله: فاختار الدعوة أي الشق الثاني وفصل ما أجمل فيه. قوله: (فنعذبه أنا ومن معي) حمله على ظاهره المتبادر منه، وقيل: إنه للمتكلم المعظم نفسه واسناده إليه لأنه السبب الآمر لأنّ صدور القتل منه بالذات بعيد، وقيل: إنه أسنده إلى الله وإلى نفسه باعتبار الخلق والكسب، وعليه فالمعنى أني أنا والله أعذبه في الدنيا ثم الله يعذبه وحده في الآخرة فلا ينبو عنه ما بعده كما قيل: لكنه بعيد مع ما فيه من تشريك الله مع غيره في الضمير، وقد أنكره هذا القائل في فوله: أردنا سابقاً. قوله: (في الدنيا بالقتل) وفي الكشاف وعن قتادة كان يطبخ من كفر بالله في القدور وهو العذاب النكر، وهذا إنما يتأتى إذا كان عذابا نكراً مصدر الأوّل، أو تنازع فيه الفعلان، والمصنف رحمه الله جعله مصدر الثاني بناء على تبادره ولذا لم ينقله وقوله: لم يعهد مثله تفسير لمنكراً، وقوله: فعلته الحسنى بالجرّ وفتح الفاء ويجوز كسرها للنوع وهو إشارة إلى وجه تأنيث الحسنى بتقدير موصوف مؤنث ولذا لو قدر خلاله كان أظهر وأولى، وعلى تنوين جزاء ونصبه الحسنى مبتدأ وله خبر مقدم وهو حال من الضمير المستتر فيه أو من المجرور بمعنى مجزي بها أو مجزيا بها، وحالاً حال من الضمير في المقدر، والتمييز معطوف على الحال، وقوله: منصوبا غير منوّن جار فيه الوجوه وعلى كونه مبتدأ سوغه تقدم الخبر. قوله: (ويجوز أن يكون إما وإفا للتقسيم دون التخيير (يعني في قوله: إمّا أن تعذب وامّا الخ ما مر بناء على أنّ التخيير هو المختار، والفرق بينهما أنه على الأوّل يكون خيره بين القتل ابتداء والدعوة ثم بعدها يقتل المصرّ ويحسن لغيره أو خيره بين القتل والأسر لمن لم يؤمن بعد الدعوة أو بين قتل الجميع وغيره، وعلى التقسيم بين له أيهم مقتول ابتداء ومدعوّ أو مقتول ومأمور قيل: ويأبى هذا إفا فإنها لتفصيل ما أجمل، وأجيب بأنه لا يلزم أن يكون المجمل في الكلام السابق بل قد يكون في الذهن أو لمقدر في كلام ذي القرنين فتأمل. قوله: (فبإلهام) قيل عليه إزهاق النفس لا يجوز بالإلهام، ومثله لا يكون إلا بالوحي ولو بالواسطة ولا وجه لنقضه بقصة إبراهيم في ذبح ابنه عليهما الصلاة والسلام بالرؤيا وهي دون الإلهام لأن رؤيا
الأنبياء عليهم الصلاة والسلام والهاماتهم وحي أيضا كما بين في محله والكلام هنا على تقدير عدم نبوّته عليه الصلاة والسلام ولا احتمال للتوزيع كما توهم، وقوله يسرا صفه مصدر محذوف أي قولاً بتأويله بصفة أو بتقدير مضاف، وقوله: يوصله إلى المشرق القرينة على إرادة هذا قوله: بلغ مطلع الشمس. قوله: (يعني الموضع) أي على قراءة الكسر اسم مكان وعلى قراءة الفتح مصدر ميمي لكنه بتقدير مضاف لتتفق القراءتان، ولأنّ البلوغ للمكان ولم يلتفت إلى ما ذكره أهل الصرف من أنه اسم مكان إفا لأنه لم يرد في كلام الفصحاء بالفتح إلا مصدرا فلا حاجة إلى تخريج القرآن على الشاذ لأنه يخل بالفصاحة أو لأنه لا دليل لهم عليه لأنّ ما ورد منه بمعنى المكان بتقدير المضاف كما هنا، فلا وجه لما قيل إنّ الجوهرفي قال إنه اسم مكان أيضا فلا حاجة إلى تقدير المضاف. قوله: (تطلع الشمس عليه أولاً من معمورة الأرض (قيل عليه إنه بيان للواقع والا فلا فائدة في ذكره وليس بشيء لأنّ السماء كرية وكل أفق مطلع للشمس ولكل أرض مطلع فلو لم يفسره بما ذكره لم يدلّ على أنه بلغ غاية الأرض المعمورة وهو المراد. قوله: (من اللباس) فالمراد به المتعارف، أو البناء فالمراد به مطلق الساتر، وكونها لا تمسك الأبنية لرخاوتها، فإن قيل إذا كانت كذلك كيف يكون فيها الإسراب جمع سرب بفتحتين وهو الحجر والحفيرة، قلت: لا مانع منه كما توهم فرب أرض لا تحمل البناء لثقله ويحفر فيها حفر تمكث زمانا كما نثاهده في مواضع كثيرة، وقيل: إنه لا جبال فيها فهي كثيرة(6/132)
الزلازل لا يستقرّ بناؤها. قوله: (أو أنهم) وفي نسخة أو لأنهم الخ يعني أن عدم البناء لما مر أو لما ذكر واتخاذ الإسراب لا ينافي نفي الستر على العموم لأنّ المراد منه المتعارف من اللباس أو البناء، وهذا لا ينافي العموم وقد وقعت هذه المسألة في أصول الشافعية فإنهم اختلفوا في أنّ ألفاظ العموم هل يلزم تناولها للصور النادرة أم لا، وفرّعوا على ذلك مسائل فقهية، ولم يحضرني الآن ذكرها في أصولنا فجزم الفاضل المحشيئ بما ذكره هنا بناء على أحد القولين فتنبه له. قوله: (أي أمر ذي القرنين كما وصفناه (يشير إلى ما في كذلك من وجوه الإعراب فأحدها أنه خبر مبتدأ محذوف، أي أمر ذي القرنين كذلك والمشار ما وصفه به قبله من بلوغ المغرب والمشرق وما فعله وفائدته تعظيمه وتعظيم أمره كما أشار إليه المصنف رحمه الله بقوله: في رفعة المكان الخ، والتعظيم مستفاد من ذلك لدلالة البعد على الرفعة، وقوله: وقد أحطنا بما لديه خبرا تكميلى لذلك كاً نه لعظمته لا يحيط البشر بما لديه. قوله: (أو أمره فيهم كأمره في أهل المغرب الخ) فهو خبر مبتدأ مقدر بأمره في أهل المشرق والكاف للتشبيه والمشار إليه أمر
أهل المغرب، والفرق بينه وبين الأوّل من وجهين وليست الكاف زائدة في الأوّل كما توهم. قوله: (ويجوز أن يكون صفة مصدر محذوف لوجد (أي وجدها تطلع وجدانا كوجدانها تغرب في عين حمئة فقوله: وقد أحطنا الخ لبيان أنه كذلك في رأي العين، وحقيقته لا يحيط بعلمها غير الله وجوّز فيه أيضاً أن يكون معمول بلغ أي بلغ مغربها كما بلغ مطلعها ولا يحيط بما قاساه غير الله. قوله: (أو نجعل) أي صفة مصدر جعل أي لم نجعل لهم ستراً جعلا كائنا كالجعل الذي لكم فيما تفضلنا به عليكم من الألبسة الفاخرة والأبنية العالية، وفيه بعد وعليه فقوله: وقد أحطنا الخ تذييل للقصة أو القصتين فلا يأباه كما توهم، وجوّز فيه جار الله أن يكون صفة سترا أيضاً وهو بمعنى ما قبله وإذا كان صفة قوم كالجملة التي قبله فوجه التشبيه ما ذكره، وقوله: من الجنود الخ جار على الوجوه لكنه أنسب بالأوّل وفسر السبب هنا وفيما قبله بالطريق مجازا لأنه موصل لما أراده، وقوله: آخذاً من الجنوب إلى الشمال يفهم من قوله: حتى إذا بلغ بين السدين لأنّ ما بينهما في أقاصي جهة الشمال فالظاهر أنه سار من الجنوب إلى الشمال حتى انتهى لأقصاه. قوله: (بين الجبلين المبنئ بينهما سدّه (أي سد ذي القرنين ف! طلاق السذ على الجبل لأنه سدّ في الجملة، وفي القاموس والسد الجبل والحاجز، أو لكونه ملاصقا للسد فهو مجاز بعلاقة المجاورة وأرمينية ضبطه أهل اللغة بتخفيف الياء الثانية وهي بلاد معروفة، والقول الثاني هو المناسب لما قبله، ومنيفان بمعنى مرتفعين، وقوله: وهما لغتان أي الفتح والضم لغتان بمحنى واحد ويشهد له القراءة بهما فإن الأصل توافق القرا آت. قوله: (وقيل المضموم لما خلقه الله الخ الأنه بالضم اسم بمعنى مفعول وبالفتح مصدر سده سداً ولكونه في الأوّل بمعنى مفعول لم يذكر فاعله فيه دلالة على تعيينه وعدم ذهاب الوهم إلى غيره فيقتضي أنه هو الله كما مرّ نحوه في يوم مشهود، وأمّا دلالة المفتوح على أنه من عمل العباد فلمناسبته للحدوث وتصويره بأنه ها هوذا يفعل ويشاهد، وهذا يناسب ما للعباد مدخل فيه على أنّ فوات ذلك التفخيم يكفي للتقريب، كذا حقق في شروح الكشاف وعليه ينزل كلام المصنف رحمه الله فالفرق ليس من موضوع اللفظ، ولذا قيل: إن المصدر معناه الحدث وهو يناسب الحدوث والصفة للثبات والدوام فناسب ما لله ولا يخفى ضعف هذا كله وأنّ هذه النكتة إنما تظهر لو
تقابلا وأسند أحدهما لله والآخر لغيره، أمّا إذا قرئ بهما على الانفراد فالظاهر توافقهما وكيف يوجه الأوّل بعدم ذكر الفاعل مع أنّ المصدر لم يذكر فاعله أيضا والحدوث مشترك بينهما، فلا يظهر للفرق وجه إلا بتكلف ولذا ذهب بعضهم إلى العكس بناء على أنّ المصدر لم يذكر فاعله والمضموم بمعنى مفعول، والمتبادر منه أنه ما فعله الناس كما يقال: مصنوع وضعفه ظاهر، ألا ترى قوله: وكان أمر الله مفعولاً وأنه يقال مصنوعات الله، وحذف الفاعل له وجوه أخر. قوله: (وبين ههنا مفعول به) على الاتساع وقيل: إنه ظرف والمفعول به محذوف وهو ما أراده أو غرضه. قوله: (لغرابة لغتهم)(6/133)
وبعدها عن لغات غيرهم، وعدم مناسبتها لها إذ لو تقاربت فهموها وأفهموا غيرهم فهو تفسير له بلازم معناه كما وقع التفسير به في الأثر واختاره إشارة إلى أن مآل القراءتين واحد ومن لم يقف على مراده قال إنه يناسب القراءة الآتية، إلا أن يقال: أراد لغتهم التي يعرفونها سواء كان لسانهم أو لا، وتكلف ما نحن في غنية عنه، وقولاً عامّ لما عدا أقوالهم ولغاتهم أو أراد به قول اتباع ذي القرنين والقول على ظاهره والزمخشريّ جعله مجازاً عن الفهم مطلقا أو عما من شأنه أن يقال: ليشمل الإشارة ونحوها ففسره بقوله: لا يكادون يفقهونه إلا بجهد ومشقة من إشارة ونحوها لئلا يخالف ما بعده، وفيه نظر لما سياتي من تفسيره، وقوله: وقلة فطنتهم حتى يفهمون ما يراد من القول بالقرائن وحتى يتعلمون لغتنا فإنهم مع عدم المخالطة لا يمكن تعلمها في زمن قليل للفطن والترجمة من آخر ناشئة من قلة الفهم فلا يرد عليه أنّ المترجم كاف في ذلك، وقوله: لتلعثمهم تفعل من اللعثمة بالثاء المثلثة ومعناها التوقف في الكلام وقراءة حمزة من الأفعال كالإفهام أي لا يفهمون ويفصحون بجواهر الحروف فالقول على ظاهره لا مدلوله فإنهم لتلعثمهم لا تتبين حروفهم كما نشاهده في بعض الألسنة. قوله: (قال مترجمهم) الترجمة تفسير لغة بلغة أخرى، وتطلق على التبليغ مطلقا كما في قوله:
إنّ الثمانين وبلغتها قدأحوجت سمعي إلى ترجمان ...
وانما قدره كذلك أو جعل الإسناد فيه مجازيا بجعل قول الترجمان بمنزلة قولهم: لقيامه مقامهم واتحادهما في المقصود ليوافق ما قبله من أنهم لا يفهمون ولا يفهمون، وقوله: الذين من دونهم أي القوم الذي تقرب بلادهم من بلادهم فإنهم يعرفون لغتهم ولغة غيرهم لوقوع بلادهم بين بلاد الفريقين فهم واسطة مترجمون بينهم، وهذا يدل على هذا التأوبل ويرجحه على التأويل الآخر، ولذا اقتصر عليه وقد وقعت المخالفة أيضاً بأنّ الله تعالى علّم ذا القرنين
لغتهم ولغة غيرهم، كما علّم سليمان عليه الصلاة والسلام منطق الطير، والجيل بكسر الجيم قوم معروفون ولا يبعد أن يقال: قائله قوم غير الذين لا يفهمون قولاً وهم لقربهم يتضرّرون بقربهم، ويؤيده ما في مصحف ابن مسعود رضي الله عنه وهو الذي أراده المصنف رحمه الله بإيراده فهو في الحقيقية جواب آخر لكنه لقربه مما قبله لم يصرح بجعله جوابا مستقلا، والذي اختاره الزمخشري: أنّ فيه تقديراً أي لا يكادون يفقهون قولاً إلا بجهد. قوله: (وهما اسمان أعجميان (يعني أنه لا يخلو من كونه أعجمياً أو عربيا فعلى الأوّل منع صرفه للعلمية والعجمية وغلى الثاني للعلمية والتأنيث باعتبار القبيلة فلا يرد عليه، كما توهم أنه يجوز أن يكون للعلمية والتأنيث، وهو مهموز من أج بمعنى أسرع ووزنهما يفعول، كيعفور ومفعول وهو وإن كان لازما فبناء مفعول منه إن كان مرتجلا فظاهر دهان كان منقولاً فلتعديه بحرف الجرّ، والظليم ذكر النعام وفي تذكره أبي علي إن كانا عربيين فيأجوج المهموز يفعول من أج كيربوع وليس من تاجج كما ذكره سيبويه وإن كان في العربية فعلول ومن لم يهمز خفف الهمزة كرأس فهو أيضاً يفعول، ويحتمل أن يكون فاعول من ي ج ج، ومن همزهما جعلهما كالعالم ومنع صرفها للعلمية والتأنيث للقبيلة، كمجوس ومأجوج إذا همز من أج كما أق يأجوج منقول منه فالكلمتان من أصل واحد في الاشتقاق وعلى العجمة لا يتأتى تصريفه ولا يعتبر وزنه إلا بتقدير كونه عربيا اهـ. قوله: (أي في أرضنا (يشير إلى أنّ تعريفه للعهد والقتل والتخريب تفسير للفساد كالذي بعده ولم يقل أو إتلاف الزروع لعده مع ما قبله وجها واحداً لأنّ المراد بإتلافها قطعها وإحراقها وهو من التخريب، والمحكي بقيل وجه آخر ولا تخريب فيه، ولكن ضرره بأخذ أقواتهم وأكلها حتى يضيقوا عليهم، وقوله: إلا أكلوه استثناء مفرّع وهو من قصر الموصوف على الصفة على حد قوله:
ولا عيب فيهم غيرأنّ سيوفهم بهن فلول من قراع الكتائب ...
فهو إثبات لعدم الترك بدليل، وهل هو استثناء متصل أو منقطع فيه كلام فلا وجه لما قيل
إنّ الاستثناء(6/134)
فيه مشكل فإن صفة كونه مأكولاً لم يثبت له قبل الأكل فلم يدخل فيما قبله حتى يستثني إلا أن يكتفي بدخولها تصوّراً وفرضا.
قوله: (جعلا) أي أجرا تصرفه عليه واختلف فيهما فقيل: هما بمعنى واحد وهو ما ذكره، وقيل: بينهما فرق كما ذكره، وقيل: الخرج في مقابلة الدخل، وقوله: يحجز أي يمنع إشارة إلى أنّ السذ هنا بمعنى الحاجز، وقوله: ما جعلني فيه مكيناً أي متمكنا قادراً، وقوله: من المال بيان وقوله: ولا حاجة بي إليه يعلم من مكنته، وقوله: على الأصل أي عدم الإدغام فإنه الأصل فيه. قوله: (بقؤة فعله) جمع فاعل، ككاتب وكتبة وهو من يفعل فعلا ما ويختص في الاستعمال بمن يعمل بأجرة أو نحوها في البناء يعني أنّ القوّة بمعنى ما يتقوّى به على المقصود من الناس أو الآلات أو الأعئم منهما وقوله: رد ما أصل معناه كما قاله الراغب: سذ الثلمة بالحجارة ونحوها وكونه أكبر من السد لأنه يفيد ملأها فيكون أعرض من السذ، ولذا أطلق على الرقاع لسدها خرق الثوب، والرقاع جمع رقعة وهي معروفة وقوله: وهو لا ينافي الخ أي طلبه إيتاء الزبر لا ينافي أنه لم يقبل منهم شيئا لأنه إنما ينافيه لو كان الإيتاء بمعنى إعطاء ما هو لهم وليس بمراد بل المراد به مجرّد المناولة والإيصال وان كان ما آتوه له فهو معونة مطلوبة، وعلى قراءة أبي بكر فهو من أتاه بكذا إذا جاء به له فعلى هذه القراءة زبراً منصوب بنزع الخافض وقوله ولأنّ إعطاء الآلة يعني بعد تسليم كون الإيتاء بمعنى الإعطاء لا المناولة فإعطاء الآلة للعمل لا يلزمه ت! ملكها، ولو تملكها لا يعد ذلك جعلا، فإنه إعطاء المال لا إعطاء مثل هذا فلا وجه لما قيل إنه ضعيف لمنافاته للتمليك. قوله تعالى:) {حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ} ) أي ساوى السذ الفضاء الذي بينهما فيفهم منه مساواة السد في العلو للجبلين، فالمراد بجانبي الجبل في كلام المصنف جميعهما لا رأسهما كما قيل: وإن وقع ذلك في الأساس إذ لا حاجة إليه، وقوله: بتنضيدها أي بوضع الزبر بعضها على بعض وقوله: منعزل أي مائل منحرف عنه، وهو أصل معنى التصادف ولذا استعمل في الملاقاة، والأكوار جمع كور
بالضم آلة للحدادين معروفة، وقوله: كالنار إشارة إلى أنه تشبيه بليغ. قوله: (لآضمر مفعول أفرغ (لأنه إذا أعمل الأوّل ذكر ضميره في الثاني وان جاز حذفه لكونه فضلة لكنه يقع فيه إلباس حينئذ إذ لا يدري أنه مفعول أيهما والمتبادر أنه مفعول الثاني لقربه ووجه الاستدلال أنه أعمل الثاني ولو لم يكن أرجح لزم ورود كلامه تعالى على غير الأفصح بلا ضرورة ونكتة ووصل الهمزة على أنه بمعنى جيؤوا به كما مرّ تحقيقه. قوله: (بحذف التاء حذرا من تلاقي متقاربين (في المخرج وهما الطاء والتاء وهذا مجوّز لا موجب له لأنه لا مانع من الإتيان به على الأصل والإدغام إدغام التاء في الطاء لقرب مخرجهما وفيه ما ذكره لأن الحد فيه أن يكون أحدهما حرف لين والآخر مدغما فيه وهنا ليس كذلك وقد تقدم أنه جائز واقع مثله في القرآن كما مرّ في أوّل السورة، وقلب السين صاد المجاورة الطاء. توله:) أن يعلوه بالصعود (فمعنى ظهره صار على ظهره فعلاه، وقيل: إنه من ظهر عليه فحذف الجار وأوصل الفعل بنفسه، والانملاس انفعال من الملامسة وهو تساوي السطح، وقوله: لثخنه أي غلظه وامتداد عرضه، وبلوغ الماء أي بلوغ خروجه بحيث لا يمنع من البناء لسدّه بما يطرج عليه والمراد قرب من بلوغه، وجعله أي الأساس، والبنيان بالنصب عطف على ضمير جعله، ووضع الحطب والفحم بين زبر البنيان لتوقد فتذوب الزبر فتلتحم بما تحتها لا أن الفحم يبقى في البناء كما يوهمه ظاهر العبارة، وقوله: ساوى أعلى الجبلين أي بلغه كما مرّ بيانه، وقوله: بينهما أي الزبر وفي نسخة بينهما أي بين الأساس والبنيان، وقوله: ثم وضع المنافخ في نسخة المنافيخ، وقوله: حتى صارت أي زبر الحديد كالنار لحمرتها، وفعلى ذلك إما بآلات من بعد أو أنه كرامة لذي القرنين حيث أطاقوا القرب منها وصلدا بمعنى أملس صلب، وقوله: في تجاويفها أي في تجاويف وخروق جعلت في الصخور أو في الصخور والكلاليب. قوله: (على عباده (كون السد رحمة
على العباد ظاهر، وأمّا الأقدر عليه فهو سبب للرحمة عليهم، وقوله: وقت وعده أي بتقدير مضاف لأنّ الآتي وقته لا هو لتقدمه أو هو إشارة إلى أنّ إسناد(6/135)
المجيء إلى الوعد وهو لوقته مجاز في النسبة، ويجوز أن يكون الوعد بمعنى الموعود وهو وقته أو وقوعه فلا تقدير فيه فيكون مجازاً في الطرف، وفي الكلام مقدر أي وهو يستمرّ إلى آخر الزمان فإذا جاء الخ وقوله: بخروج متعلق بوعد ووقت مجيء الوعد بخروجهم ممتد لمكان وقت جعله دكاً، فلا وجه لما قيل: إنّ وقت خروجهم ليس وقت عين الدك بل متصل به فلا بد من اعتبار المشارفة فيه كما إذا أريد بالموعود قيام الساعة، وقوله: بأن شارف متعلق بجاء، وقوله: أرضا مستوية إشارة إلى أنه على قراءة دكاء بألف التأنيث الممدودة لا بد أن يقدر له موصوف مؤنث وهو إذا كان بمعنى مدكوكاً مدقوقاً فهو مؤوّل بالمفعول أو وصف به مبالغة، وفي الحجة المذ مروي عن حفص عن عاصم على حذف مضاف أي مثل دكاء وهي ناقة لا سنام لها، ولا بد من هذا التقدير لأنّ الجبل مذكر لا يوصف بمؤنث ا!. قوله: (وجعلنا بعض يأجوج) فالترك بمعنى الجعل كما صرّح به النحاة وأهل اللغة فهو من الأضداد، وقوله: مزدحمين إشارة إلى أن التموّج مجاز عن الازدحام، وحين يخرجون إشارة إلى أنّ يوم بمعنى مطلق الوقت وأن التنوين عوض عن جملة معلومة مما قبله وأصله يوم إذ جاء وعدهم ونحوه، كما قدره المصنف رحمه الله وانّ الضمير ليأجوج ومأجوج وامّا عوده على الناس وأنّ المراد أنهم لفزعهم منهم يفرّون مزدحمين أو أنهم بعد إتمام السد ماج بعضهم في بعض للنظر إليه والتعجب منه فبعيد. قوله: (أو الخلق) بالجرّ عطف على يأجوج ومأجوج، فالضمير للخلق وهو حينئذ منقطع عن القصة قبله، وقوله: إنسهم وجنهم بدل من الضمير أو مبتدأ خبره حيارى وهو على الوجه الثاني تفسير الوعد، والتأييد ظاهر إذا كانت الجملة حالية بتقدير قد، وأمّا على العطف فلا وان كانت الواو لا تفيد ترتيبا، وأمّا ما قيل إنه ينافيه فلا وجه له، وقوله: لقيام الساعة شامل للنفخة الأولى والثانية التي لا حياء من في القبور لكن ما بعده يناسب الثاني. قوله: (عن آياتي التي ينظر إليها فأذكر بالتوحيد والتعظيم) دفع لما يتوهم من أنّ المناسب للذكر أن يقال الذين كانت أسماعهم صماً عن ذكرى بأنّ الذكر مجاز عما يشاهد من الآيات على توحيده المسبب لذكره وتعظيمه بذكر المسبب وارادة السبب، وقيل: إنّ المراد بالأعين البصائر القلبية كما في قوله: ولكن تعمى القلوب التي في الصدور، ويجوز على هذا أن يكون الذكر بمعنى القرآن، وقوله: فأذكر بصيغة المجهول ويجوز رفعه ونصبه. قوله: (استماعاً لذكري وكلامي) إشارة إلى أن المراد
بالسمع معناه المصدري لا الجارحة، وعطف كلامي على ذكري للتفسير، فالظاهر أنّ المراد به القرآن لا مطلق الوحي والشرائع الإلهية وإن صح، كما يشير إليه قوله: بعده صممهم عن الحق وليس هذا تقديراً لما ذكر بقرينة الذكر المذكور قبله لأنه مجاز عما مرّ بل بقرينة قوله: سمعا وأنّ الكفرة هذا حالهم، فما قيل: إنه يوهم أنّ الذكر قرينة على أنّ المفعول المحذوف هو الذكر المذكور مع أن المذكور أوّلاً بمعنى وهذا بمعنى آخر لا يتوجه، وقد قال ابن هشام: في المغني إن الدليل اللفظي لا بد من مطابقته للمحذوف معنى فلا يصح زيد ضارب وعمرو أي ضارب على أن الأوّل بمعناه المعروف والثاني بمعنى مسافر ولا حاجة إلى ما تعسف به في توجيهه من أنّ الذكر المحذوف هنا بمعنى الآيات مجاز التحقق الآيات في ضمن الكلام المعجز أو المراد بالآيات الكلام المعجز مجازاً بعد مجاز، ولك أن تقول والله أعلم أن الذكر إذا لم يناسب ما قبله إلا بالتجوّز فما الداعي لذكره وقد كان الظاهر أن يقال: لا يستطيعون سمعا لذكري ابتداء فلا بد له من وجه يليق ببيان التنزيل، فأقول الظاهر ما وقع في النظم عند التأمّل. لأنه لما أفاد قوله: لا يستطيعون سمعاً أنهم كفاقدي حاسة السمع، ومن هو كذلك إنما يعرف الذكر بإشارة أو كتابة أو نحوهما مما يدرك بالنظر ذكر أن أعينهم محجوبة عن النظر فيما يدلّ عليه أيضاً فهم لا سبيل لهم إلى معرفة ذكره أصلاً، وهذا من البلاغة بمكان فتدبره 0 قوله: (فإنّ الأصئم الخ (أي جنس الأصم أو الأصمّ الغير المفرط الصمم، وكلمة قد لا تنافيه، وأصمتت بصيغة المجهول أي جعلت مصمتة لا تجويف لها وبالكلية صفة لمصدره أي إصماتاً بالكلية. قوله: (أفظنوا (مفرّع على ما قبله أي ألم ينظروا(6/136)
لآياتي ويسمعوها فظنوا، والإنكار بمعنى أنه ظن فاسد لا أنه لبم يكن، واتخاذهم بيان لأن أن مصدرية والملائكة والمسيح تفسير لعبادي، وهذا على طريق التمثيل فيشمل عزير إبل الأصنام تغليباً، ودون هنا إفا نقيض فوق أو بمعنى غير أي أظنوا من هو في حضيض العبودية معبوداً، كالعليّ الأعلى أو أظنوا غير الله معبودا معه أو دونه فتأمل. وقوله: معبودين تفسير للوليّ هنا بمعنى المعبود، وقوله: نافعهم هو المفعول الثاني لحسب والأوّل اتخاذهم، وقوله: أو لا أعذبهم به أي باتخاذهم هذا هو المفعول الثاني وهو صحيح لأنه يكون جملة، والمعنى أظنوا اتخاذهم سببا لرفع العذاب عنهم فهو وعيد وتهديد لهم، وبهذا تغاير الوجهان، وهذا بناء على تجويز حذف أحد لمفعولين في باب علم كما جوّزه بعض النحاة وقد منعه آخرون، وقوله: كما يحذف الخبر دليله لأنه خبر في الأصل فكما يجوز حذف الخبر يجوز حذفه. قوله: (أو سدّ أن يتخذوا الخ (هذا على القور الآخر فالمعنى أحسبوا أنفسهم متخذي أولياء غيري أي لا ينبغي مثل هذا، قيل: وعلى هذا
يجوز أن يكون أولياء بمعنى أنصارا ولا وجه للتخصيص به. قوله: (وقر! الخ) هي قراءة عليئ رضي الله عنه بسكون السين والرفع وهو اسم بمعنى محسب أي كافي وهو مبتدأ وما بعده فاعل سد مسذ خبره أو خبر. قوله: (إذا اعتمد على الهمزة ساوى الفعل في العمل) اعترض! عليه أبو حيان بأنه مخصوص بالوصف الصريح كاسم الفاعل واسم المفعول ثم أشار إلى جوابه بأنه وقع في كلام سيبويه رحمه الله ما يقتضي أنّ المؤوّل به يعمل عمله ويعطي حكمه كما فصله في الدر المصون وكونه خبرا ظاهر، وقد ذكر في الكشاف وشروحه وجه حسن هذه القراءة وما فيها من المبالغة في ذفهم. قوله: (وفيه تهكم) أي في نزلا استعارة تهكمية إذ جعل ما يعذبون به في جهنم، كالزقوم والغسلين ضيافة لهم ولما كان الضيف لا يستقر في منزل الضيافة وينتقل إلى ما هو أهنأ له في دار إقامته كان فيه تنبيه على أنّ هذا ما لهم في ابتداء أمرهم، وسيذوقون ما هو أشدّ منه في جهنم أيضا، فذكر المحل في قوله: جزاؤهم جهنم شامل لكل ما فيها من النزل وما بعده، فما قيل إنّ أصل إكرام الضيف يكون أعلى حالا بمراتب من نزله، وهو عذاب الحجاب إلا أنّ قوله: ذلك جزاؤهم يأباه فإنّ المصدر المضاف من صيغ العموم مما لا وجه له. قوله: الآنه من اسماء الفاعلين أو لتنؤع أعمالهم) يعني أن أعمالاً تتميز والأصل فيه الإفراد، وأيضا هو مصدر، والمصدر شامل للقليل والكثير، فلذا كان حقه أن لا يجمع كما صرح به النحاة فلذا قالوا: إنّ جمعه على خلاف القياس إلا أن يقصد الأنواع فيجمع ليصزج بشموله لها فجمعه هنا إمّا لتنوّع أعمالهم وقصد شمول الخسران لأنواعه أو لأنّ ما ذكره النحاة إنما هو إذا كان باقيا على مصدريته أمّا إذا كان مؤوّلاً باسم فاعل، فإنه يعامل معاملته فيطرد وهنا عمل بمعنى عامل، والصفة تقع تمييزاً نحو لله درّه فإرسالاً أن أعمالاً جمع عامل فإن جمع فاعل على أفعال نادر، وقد أنكره بعض النحاة في غير ألفاظ مخصوصة كإشهاد جمع شاهد ولا جمع عمل ككتف بمعنى ذي عمل كما في القاموس وفي الدر المصون أعمالاً تمييز للأخسرين وجمع لاختلاف الأنواع وهو مراد المصنف رحمه الله، وقيل: إنه أشار بقوله لأنه من أسماء الفاعلين إلى أنّ الأخسرين بمعنى الخاسرين ولا وجه له لأنّ ضمير لأنه ليس للأخسرين بل لأعمالاً فما ذكره سهو منه، وأجيب عنه بأن مراده أنّ الضمير راجع لقوله: أعمالاً ولما كانت الأعمال أعمال هؤلاء الخاسرين حصلت منه الإشارة المذكورة وهذا لا محصل له وإنما زاد في الطنبور نغمة لا تطرب ولا تضحك، ورب عذر أقبح من الذنب فتدبر. قوله: (ضاع (يعني أنّ
الضلال هنا بمعنى الضياع ومنه الضالة فإسناده حقيقي، وقوله: كالرهابنة جمع رهبان وهو يكون واحداً وجمعا كما قاله الراغب: فمن جعله مفردا جمعه على رهابين ورهابنة، وفي الكشاف وعن عليّ رضي الله عنه أنّ ابن الكواء سأله عن الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا فقال: منهم أهل حروراء يعني الخوارج تعريضاً له لأنه منهم، واستشكل بأنّ قوله بعده أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه يأباه لأنهم لا ينكرون البعث، وهم غير كفرة، وأجيب بأن من اتصالية فلا يلزم أن يكونوا متصلين بهم(6/137)
من كل الوجوه بل يكفي كونهم على الضلال مع أنه يجوز أن يكون معتقدا لكفرهم والأحسن أنه تعريض بهم على سبيل التغليظ لا تفسير للآية ومراد المصنف رحمه الله الرهابتة الرهبان من الكفرة ويجوز في الذين الجر نعتا، أو بدلاً أو بيانا والنصب على الذم والرفع على أنه خبر مبتدأ مقدر، كما في الدر وأشار إليه المصنف بقوله: ومحله الرفع الخ فالجز على البدلية أو الوصفية والنصب بتقدير أذم أو أعني وقوله: فإنه جواب السؤال وهو من هم، وقوله: بالقرآن يجوز أن يراد أيضا مطلق الدلائل السمعية والعقلية فيشملهما. قوله: (بالبعث على ما هو عليه الخ) يعني أنّ لقاء الله كناية عن ألبعث والحشر لتوقفه عليه لا مجاز عنه لأنّ اللقاء الوصول، وهو غير متصوّر، وإنما أوّله الزمخشري لإنكاره الرؤية، وقوله: على ما هو عليه ليشمل أهل الكتاب والقائلين بالمعاد الروحاني، وقوله: أو لقاء عذبه إشارة إلى أنه يجوز أن يكون على تقدير مضاف. قوله: (بكفرهم) أي بسببه كما تدلّ عليه الفاء، وقوله: فلا يثابون بيان لمعنى الحبوط من حبط العمل بكسر الموحدة وقرئ بفتحها شاذاً. قوله: (فنزدري بهم (أي نحتقرم وندّلهم فإنّ الوزن يكون عبارة عن الحسن والاعتبار كما مرّ تحقيقه في كل شيء موزون ويكون عبارة عن ضده، وليس هذا مبنيا على أن الأعمال لا توزن فإنه مخالف لما هو الحق من مذهب الجمهور، فلو أراد التفسير على المذهبين على أق ما بعده إشارة إلى المذهب الآخر كان المناسب تأخيره بل إنما أراد به ما ذكر وقدمه، لأنه بعد حبوطها وجعلها هباء منثورا لا يحتاج لنفي وزنها إلا على وجه التأكيد كما أشار إليه المصنف رحمه الله بقوله: لإحباطها والتأسيس خير منه، لا يقال حقه على الأوّل أن يعطف بالواو عطف أحد المتفزعين على الآخر لأن منشأ ازدرائهم الكفر لا الحبوط لأتا نقول لم يعطفه لأنهم لو لم تحبط أعمالهم لم يستحقوا الاحتقار. قوله: (الآمر ذلك (أي شأنهم ما مضى فذلك خبر مبتدأ محذوف وذلك إشارة إلى جميع ما قبله من كفرهم، وكون جهنم معدة لهم، وقوله: جزاؤهم جهنم الخ جملة مفسرة له فلا محل لها من الإعراب، وليس المراد بالأمر الجزاء، وبذلك
جهنم كما توهم. قوله: (والعائد محذوف الخ (فالإشارة إلى كفرهم وأعمالهم الباطلة، وذكر باعتبار ما ذكر، وهو تكلف لأن العائد المجرور إنما يكثر حذفه إذا جز بتبعيض أو ظرفية أو جز عائد قبله بمثل ما جز به المحذوف كقوله:
أصخ فالذي تدعي به أنت مفلح
أي به ولذا أخره المصنف رحمه الله. قوله: (أو جزاؤهم بدله (أي بدل اشتمال أو بدل
كل من كل إن كانت الإشارة إلى الجزاء الذي في الذهن بقرينة السياق والتذكير وإن كان الخبر مؤنثا لأن المشار إليه الجزاء، ولأن الخبر في الحقيقة للبدل وقوله: أو جزاؤهم خبره فالإشارة إلى جهنم الحاضرة في الذهن والتذكير نظر للخبر. قوله: (فيما سبق من حكم الله (متعلق بكانت بيان لأن المضيّ باعتبار ما ذكر، ويجوز أن يكون لتحققه تزل منزلة الماضي وكون الفردوس معناه ما ذكروا رد في الآثار فلا ينافي كونه في اللغة البستان، كما توهم وفي قوله: أعلى درجات الجنة نظر إذ ليس كلهم في الأعلى لتفاوت مراتبهم ويدفع بأنه من إضافة العام للخاص وسيأتي له تتمة فتدبر. قوله: (حال مقدّرة (قيل لا حاجة إلى التقدير مع تفسيره كانت لهم بقوله: في حكم الله ووعده إذ الخلود حاصل لهم أيضا في حكمه ووعده لأن المقارنة وعدمها إنما تعتبر بالنظر إلى العامل إذ زمانه هو المعتبر لا زمان التكلم فلا يعد فيه مقارناً كما توهم، وأمّا ما قيل إن مراد المصنف رحمه الله أنه حال مقدرة حيث وقع في القرآن لا هنا فقط لأن الخلود الذي هو عدم الخروج أصلاً لا يتحقق بالفعل، ولو كان ذلك بعد الدخول بل هو أمر مقدر في نفوسهم أو في علم الله يعني أن الخلود لما كان زمانه غير منقطع لم يتأت مقارنة جميعه للعامل فلا بد من كونها مقدرة حيثما وردت والمقارنة تعتبر في الخارج لا في الحكم، والعلم وهو غير صحيح لما عرفت مع أنه يجوز استمرار ذي الحال أيضا كما في قوله: وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها فإن سعادة الجنة غير منقطعة ولأنه بصدد تفسير هذه الآية لا بيان الحال مطلقاً ولأنه يكفي لعدم التقدير مقارنة الحال بجزء ما وان استمرت بعده(6/138)
ألا تراك تقول: لقيت زيداً راكباً وان استمرّ ركوبه بعد الملاقاة ولا يعد مثله حالاً مقدرة، كما لو قلت: جاءني والشم! س طالعة) أقول (هذا كلام غير صحيح لأن المعتبر زمان الحكم وهو كونهم في الجنة وهم بعد حصولهم فيها ملابسون الخلود فهم مقارنون له إذ لا آخر له فاعرفه فإنه دقيق جذاً. قوله: (تحؤلاً (يعني هو مصدر كعوداً وعوجاً، وقال الزجاج: معناه الحيلة في الانتقال، وقال ابن عطية: إنه اسم جمع لحوالة وهو بعيد، وقوله: إذ لا يجدون أطيب منها أي لا
يجدون أطيب منها بجميعها في الواقع ولا في الوجدان والتصوّر لشمول الوجود للخارجيّ، والذهنيّ فلا يتوهم أنه لو قال: لا يتصوّرون كان أبلغ وبكون المراد بالجنة جميعها اندفع ما قيل: إنّ أهل الجنة بلا شك متفاوتو الدرجات كما ورد في الأحاديث الصحيحة لكن أحدهم لا يبغي غير مرتبته لما خلق الله فيهم من محبة كل لمنزلته حتى لا يطلب منزلة غيره كالأنبياء عليهم الصلاة والسلام فوجدان الأطيب لا يستلزم طلبه وعدم التحوّل لا يدل على أنه لا مزيد عليه فالظاهر أن قوله: لا يبغون عنها حولاً كناية عن كونها أعلى المنازل وأطيب وكلام الكشاف لا يأباه، ومن قال: إن الإشكال مبنيئ على أن الفردوس أعلى الجنة فالظاهر أن المراد به مطلق الجنة لم يطبق المفصل ولم يصب المحز، وقوله: تنازعهم إليه أنفسهم بمعنى تطالبهم وتجاذبهم كما ترى في أحوال الدنيا. قوله: (ويجوز أن يراد به تأكيد الخلود (عدم ابتغاء التحوّل على ما قبله عبارة عن كونها أطيب المنازل وأعلاها، وهو معنى آخر غير الخلود ولا يستلزمه حتى يؤكده كما قيل، وعلى هذا هو عبارة عن نفي التحوّل والانتقال فإنّ عدم طلب الانتقال مستلزم للبقاء فيؤكده، ويجوز أن يكون على حد قوله:
ولا ترى الضبّ بها ينحجر
أي لا يتحوّل عنها حتى يبغوه ولما كان طول المكث يورث الملل ذكره لإفادة أنها مع الخلود لا تمل فلذا عطف عليه مع كونه مؤكدا، وقيل في وجه التأكيد إنهم إذا لم يريدوا الانتقال لا ينقلون لعدم الإكراه فيها وعدم إرادة النقلة عنها لم يبق إلا الخلود إذ لا واسطة بينهما كما تيل. قوله: (وهو اسم ما يمدّ به الشيء (لأن فعالاً وضعه لما يفع!! به كالآلة والحبر بالكسر المداد الذي يكتب به والسليط بالإهمال الزيت ودهن كل حب كالسمسم، وقوله: ما يمد به الشيء هذا أصل معناه ثم اختص في عرف اللغة بما ذكر بل بالحبر وحده، وقوله: لكلمات ربي أي معدّا لكتابتها، وقوله: لكلمات علمه وحكمته أي للكلمات التي يعبر بها عن معلوماته وحكمته فالإضافة لامية لا بيانية. قوله: (لنفسد جنس البحر بأسره (يعني أن تعريفه للجنس الاستغراقيّ أي جميع البحار لا بحر واحد، وقوله: لأنّ كل جسم متناه تعليل لنفاده لأنّ كل متناه منفد كما قيل:
جبال الكحل تفنيها المراود
والتقدير وكتب بذلك المداد لنفد الخ. قوله: (فإنا غير متناهية الخ (إشارة إلى دفع ما يتوهم كما أورده بعض شراح الكشاف من أن مضمون الآية أنه على تقدير أن يكون البحر مدادا لها تنفد لأنه أثبت نفاد البحر قبل نفادها على ذلك التقدير فإذا ثبت نفاد البحر قبل نفاد الكلمات ثبت نفادها بعد نفاد ضرورة استلزام القبلية للبعدية لتقابلهما وتضايفهما لكن قوله
تعالى: {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ} [سورة لقمان، الآية: 27] يقتضي دم ثبوت النفاد فيتناقضان وأجاب بأنّ ما هنا أبلغ في الدلالة على عدم النفاد لكونه كناية أو مجازاً عنه كما هو المتعارف في المحاورات كما يقال: لا تتناهى أشواقي حتى يتناها الزمان وما في تلك الآية صريح فيه ثم ذكر كلاما طويلاَ لا حاجة إلى إيراده وأصل الكلام وهي باقية لكنه عدل عنه للمشاكلة، وتلك الآية أبلغ من وجه آخر على ما حققه في الكشف، وقوله: كعلمه إشارة إلى دليله يعني أنه كما لا تنفد معلوماته لا ينفد ما دل عليها. قوله: (زيادة ومعونة) تفسير للمدد وهو مفعول له، وبمثله متعلق بجئنا، وقوله: مجموع ما يدخل الخ يعني سواء كان مجتمعاً أو غير مجتمع لأنه إذا ثبت في المجتمع التناهي ثبت في غيره بالطريق الأولى فسقط ما قيل إن ما ذكره يختص بالاجتماع فلو قال: جميع ما يدخل في الوجود على التعاقب أو الاجتماع متناه ببرهان التطبيق كان أولى وأشمل مع أنّ الإبعاد شامل للمتصلة والمنفصلة فتأمّل، وفي قوله: قبل أن ينفد غير المتناهي(6/139)
ما مرّ، والإبعاد جمع بعد وهو الطول والعرض والعمق.
قوله: (وسبب نزولها أنّ اليهود الخ (وقائله منهم حيي بن أخطب كما رواه الترمذي عن
ابن عباس رضي الله تعالى عنهما يعنون الاعتراض بأنه وقع في كتابكم تناقض بناء على أنّ الحكمة هي العلم وأنّ الخير الكثير هو عين الحكمة لا آثارها وما يترتب عليها لأنّ الشيء الواحد لا يكون قليلا وكثيرا في حالة واحدة وجوابه ما مرّ من أنّ القلة والكثرة من الأمور الإضافية فيجوز أن يكون كثيراً في نفسه وهو قليل بالنسبة إلى شيء آخر كمعلوماته تعالى فنزلت الآية جوابا لهم لأنّ البحر مع عظمته وكثرته خصوصا إذا ضمّ إليه أمثاله قليل بالنسبة إلى معلوماته وهو صريح فيما ذكر، وقوله: الإحاطة على كلماته ضمنه معنى الوقوف فعداه بعلى والا فهو لا يتعدى بها، وقوله: وإنما تميزت عنكم بذلك أي بالوحي وحاصله أنه أورد على الآية أن المراد أنّ كلماته لا تنفد وغيرها ينفد ولو كان مداده البحار فكيف قوله قبل أن تنفد، ودفع بأن القبلية والبعدية لا تقتضي وجود ما أضيف إليه قبل وبعد فجاء زيد قبل عمرو أو بعده لا يقتضي مجيء عمرو، إلا أنه خلاف ما وضع له ولذا قيل: إنه يكفي فرضه، وتوضيحه إنه إنما يقتضيه لو كان قبل وبعد على حقيقته وهو مجاز بمعنى دون وغير أي تحقق نفاد غير
كلمات الله واليه أشار في الكشاف بقوله: والكلمات غير نافدة. قوله: (يؤفل حسن لقائه) وفي نسخة يأمل حسن الخ وسقط كله من بعضها أي يؤمّل أن يلقاه بعد البعث وهو راض عنه، ولذا قدر فيه المصنف رحمه الله مضافا لأنه هو المرجوّ لا اللقاء إذ هو محقق، ويجوز أن يجعل اللقاء هو المرجو والمعنى من رجا ذلك يعمل صالحاً فكيف من يتحققه وفسر الرجاء في الكشاف بالخوف لأنه من الأضداد كما ذكره أهل اللغة أي من كان يخاف سوء لقائه وإنما المفتوحة وان كفت بما في تأويل المصدر القائم مقام الفاعل واقتصر على ما ذكر لأنه ملاك الأمر، وعن معاوية رضي الله عنه أنّ قوله: {فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ} الخ، آخر آية نزلت وفيه كلام. قوله: (بأن يرائيه أو يطلب منه أجرا) ضمير يرائيه لأحد أي يعمل رياء للناس أو يأخذ على عمله أجراً كما تراه الآن وهو يقتضي المنع منه والزجر عليه، وقوله: فإذا اطلع بصيغة المجهول وتشديد الطاء أي اطلع عليه أحد، وقوله: إنّ الله لا يقبل ما شورك فيه جعل سرور العامل باطلاع أحد على عمله إشراكا له بالله وان كان في ابتداء عمله أخلص نيته وهو مشكل لأنّ السرور بالاطلاع عليه بعد الفراغ منه لا يقتضي الحبوط وحمله على ما إذا عمل عملاً مقرونا بالسرور المذكور كما قيل: ينافيه قوله في أوّل الحديث: إني لأعمل العمل لله وإنما يجاب بما أشار إليه في الإحياء من أنّ العمل لا يخلو إذا عمل من أن ينعقد من أوّله إلى آخره على الإخلاص من غير شائبة رياء وهو الذهب المصفى أو ينعقد من أوّله إلى آخره على الرياء وهو شرك محبط أو ينعقد من أوّل أمره على الإخلاص ثم يطرأ عليه الرياء وحينئذ لا يخلو طروّه عليه من أن يكون بعد تمامه أو قبله والأوّل غير محبط لا سيما إذا لم يتكلف إظهاره ولم يتمنه إلا أنه إذا ظهرت له رغبة وسرور تام بظهوره يخشى عليه لكن الظاهر أنه مثاب عليه، والثاني وهو المراد هنا فإن كان باعثا له على العمل ومؤثراً فيه أفسد ما فارنه وأحبطه ثم سرى إلى ما قبله، وهو ظاهر فلا إشكال فيه، فإن قلت هذا الحديث يعارض ما رواه الترمذي وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلا قال يا رسول الله: إني أعمل العمل
فيطلع عليه فيعجبني، قال: لك أجران أجر السرّ وأجر العلانية قلت هو ما إذا كان ظهور عمله لأحد باعثاً له على عمل مثله والاقتداء به فيه ونحو ذلك، فإعجابه ليس بعمله ولا بظهوره بل بما يترتب عليه من الخير ومثله دفع سوء الظن، ولذا قيل: ينبغي لمن يقتدى به أن يظهر أعماله الحسنة، فمثل هذا له أجران بل أجور فالنبي صلى الله عليه وسلم أجاب كل أحد على حسب حاله، وتسمية الرياء شركا أصغر صح عنه عتيد، وقوله: والإخلاص في الطاعة بناء على ما فسرها به. قوله: (من قرأها في مضجعه الخ) أي في محل نومه، ويتلألأ بالهمز بمعنى يثرق، وقوله: حشو ذلك أي هو مملوء بالملائكة عليهم الصلاة والسلام يدعون له، والبيت المعمور في السماء معروف وقد ذكر العراقي لهذا الحديث سنداً، وقوله: من قرأ سورة الكهف من آخرها قوله: من آخرها يحتمل معنيين أن يكون(6/140)
المراد به إلى آخرها، ويحتمل أن يكون المراد من قرأ أواخرها لأنه ورد في حديث آخر من قرأ في ليلته من كان ب! جو لقاء ربه الآية كان له نور من عدن أبين إلى مكة، والحديث المذكور قال العراقي رحمه الله: له سند إلا أنه ضعيف ومثله لا يضرّ في فضائل الأعمال) تمت السورة) اللهمّ ببركة كلامك العظيم نوّر بصائرنا وأبصارنا بنور الهداية والتوفيق لما يرضيك، وصل وسلم على أشرف مخلوقاتك سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه صلاة وسلاما دائمين إلى يوم القيامة يا أرحم الراحمين.
سورة مريم
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله: (إلا آية السجدة) والا آية وان منكم إلا واردها كما في الإتقان، وقوله: أمال أبو عمرو الهاء أي لفظ ها ولفظ يا، وقوله: لأنّ ألفات أسماء التهجمي يا آت الخ، أي منقلبة عن الياء والألف تمال لأسباب منها كونها منقلبة عن ياء فتمال تقريباً لها من أصلها، وقدم وجه الإمالة المذكورة لتعينه في لفظ ها بخلاف يا فإن إمالته تحتمل أن تكون لأجل مناسبة الياء المجاورة لها، كما يمال سيال وإن لم تكن ألفه منقلبة وكأنه إيماء إلى أنه أصلها للتصريح بها في كثير منها كميم وجيم وعين وغين وهذا أمر تقديرفي لأنها لا اشتقاق لها لكن هذا مخالف لما ذهب إليه ابن جني في المحتسب وقال: إنه مذهب الخليل والجمهور وهو: أنّ الإمالة وضدها ويسمى تفخيماً وضماً أيضاً وهو من اصطلاحاً تهم هنا وقد عبر به الزمخشري هنا تبعا لهم على عادته هما ضربان من التصرّف، وهذه كالجوامد لا يعرف لها اشتقاق على الصحيح لكنها لما جعلت أسماء متمكنة قويت على التصرّف فحملت الإمالة والتفخيم فمن فخمها على الأصل ومن أمالها قصد بيان أنها تمكنت وقصدت بالتصرّف، وإلا فألفها وإن كانت مجهولة لعدم اشتقاقها لكنها تقدر منقلبة عن واو لأنه الأكثر، قال: وهذا قول جامع فأعرفه وأغن به، ثم إن قراءة أبي عمرو وجهت بعد صحتها نقلاً عن النبي صلى الله عليه وسلم بأنه خص ها لئلا تلتبس بها التي للتنبيه في مثل هؤلاء، ولم يمل يا لأنّ الكسرة مستثقلة على الياء فكذا ما يعرب منها، واعترض! بأنه مع كونه لا يصلح وجها للتخصيص منتقض بإمالتهم نحو السيال، وليس بشيء لأن التخصيص إضافي ورب شيء يخف وحده ويثقلى إذا ضم إليه مثله، وهو ظاهر مع أن اطراد مثله ليس بلازم. قوله: (وابن عامر وحمزة الياء (تنبيها على ما مر أو لمجاورة الألف للياء أو للفرق بينها وبين ما في النداء ولم يلتفت إليه أبو عمرو للفرار من جمع إمالتين، ولأن حرف النداء لا احتمال له هنا لدخوله على ما يبعد نداؤه، فتأمّل. قوله: (خبر ما قبله (من قوله: كهيعص إن جعل اسما للسورة أو القرآن كما مر، وقوله: فإنه أي ما قبله أو كل واحد مما ذكر من السورة أو القرآن، وقوله: مشتمل عليه أي على الذكر فيسند إليه تجوزاً أو بتقدير مضاف
أي ذو ذكر رحمة أو بتأويل مذكور فيه رحمة ربك لا بتأويل ذاكر كما قيل، فإنه مجاز أيضا وكذا إذا كان مبتدأ. قوله: (وقرئ ذكر وحمة على الماضي (هذه تحتمل قراءة الحسن ذكر فعلا ماضيا مشدداً ورحمة بالنصب على أنها مفعول ثان مقدم على الأوّل، وهو عبده والفاعل إفا ضمير القرآن، أو ضمير الله لعلمه من السياق ويجوز أن يكون رحمة ربك مفعولاً أوّل على المجاز أي جعل الرحمة ذاكرة له وقيل: أصله برحمة فانتصب على نزع الخافض هذا ما في الكشف، وقرأ الكلبي: ذكر ماضياً مخففاً ونصب رحمة ورفع عبده على الفاعلية وكلام المصنف يحتمله. قوله: (وذكر على الأمر) والتشديد وهما مفعولان كما مرّ ولا يلزم ارتباطه بما قبله لجواز كونه حروفا على نمط التعديد كما مرّ فلا محل لها من الإعراب، ولا يلزم في وجوه القرا آت اتحاد معناها وإنما اللازم عدم تخالفها فإن كان اسما للسورة أو القرآن يقدر له مبتدأ أو خبر وتكون هذه جملة مستأنفة وفاعل ذكر هو النبيّ صلى الله عليه وسلم ورحمة الظاهر أنه منصوب على نزع الخافض وعبده مفعوله أي ذكر الناس برحمة ربك لعبده زكريا(6/141)
فلا وجه لما قيل إنه على هذا غير متصل بما قبله، فالوجه حمل القراآت الأخر عليه ليتوافق ولا داعي للتكلف في دفعه بأنه إن أراد الاتصال المعنوي فهو موجود لجواز كون ضمير ذكر لكهيعص! كما في الماضي وان أريد في الإعراب فليس بلازم مع أنه يجوز جعله خبراً له بالتأويل المشهور في الإنشاء إذا وقع خبراً وكله تعسف مستغنى عته. قوله: (مفعول الرحمة (على أنها مصدر مضاف لفاعله والمصدر وضع هكذا بالتاء لا أنها للوحدة حتى يمنع من العمل لأنّ صيغة الوحدة ليست الصيغة التي اشتق منها الفعل فلا تعمل عمله كما نص عليه النحاة، وقوله: على الاتساع أي التجوّز في النسبة وقوله: بدل أي بدل كل من كل والفرق بينه وبين عطف البيان ظاهر. قوله: الأنّ الإخفاء والجهر عند الله سيان (أصل النداء رفع الصوت وظهوره، وقد يقال لمجرّد الصوت بل لكل ما يدل على شيء وان لم يكن صوتا كما حققه الراغب فلا يرد عليه إنّ النداء يستلزم الرفع والظهور فيلزم الخفاء سواء كان بمعنى المخافتة والسرّ المقابل للجهر كما يشير إليه كلام المصنف أو بمعنى الخفاء على الناس وان كان جهراً في مكان خال عنهم كما يشير إليه قوله: لئلا يلزم الخ قيل: ولدفع هذا الإيراد فسره الحسن بنداء لا رياء فيه فجعل الخفاء مجازاً عن الإخلاص وعدم الرياء والوجه أنه كناية مع أن قوله: وظهوره قد يجعل عطفا تفسيريا للرفع ويكفي في الظهور اطلاع من ناداه عليه وهو يعلم السرّ وأخفى ولذا قيل:
يا من ينادي بالضمير في! سمع
وأشير إلى كونه خفيا ليس فيه رفع بحذف حرف النداء في قوله: قال رب والإخبات بالخاء المعجمة والباء الموحدة والمثناة الفوقية الخشوع وابان الكبر بكسر الهمزة وتشديد الموحدة وفته وقد مر في آل عمران إنّ سنه كان تسعا وتسعين وسن امرأته ثمانياً وتسعين فهو قول آخر، وقوله: تفسير للنداء أي بيان لكيفيته، فالجملة لا محل لها من الإعراب. قوله: (وتخصيص العظم) أي بالوصف بالضعف دون بقية البدن مع أنه المراد لأنه يدل على ضعف غيره بطريق الكناية، وهي أبلغ من التصريح والدعامة بكسر الدال العمود الذي يوضمع عليه البناء والخباء فهو استعارة تصريحية، أو مكنية والمراد بما وراءه غيره. قوله: (وتوحيده (أي إفراده دون جمعه، قال في الكشاف: ووحده لأن الواحد هو الدال على معنى الجنسية وقصده إلى أنّ هذا الجنس الذي هو العمود والقوام وأشد ما تركب منه الجسد قد أصابه الوهن ولو جمع لكان قصداً إلى معنى آخر وهو أنه لم يهن منه بعض عظامه، ولكن كلها وقال السكاكيّ: إنه ترك جمع العظم إلى افراد لطلب شمول الوهن العظام فرداً فرداً لا حصول وهن المجموع دون كل فرد يعني يصح إسناد الوهن إلى صيغة الجمع نحو وهنت العظام عند حصول الوهن لبعض منها دون كل فرد، ولا يصح ذلك في المفرد، واختلف علماء المعاني في أنه هل بين مسلكيهما فرق أم لا وفي أيهما أرجح على ما فصل في شرح التلخيص والمفتاح وتبعهم شراح الكشاف هنا فذهب السعد إلى الفرق بينهما والى أنّ الحق مسلك الزمخشري تبعا للمدقق في الكشف ولم يرتض ما ذهب إليه الشارح العلامة ومن تبعه فقال الوجه: ما في الكشاف وهو أنّ الواحد هو الدال على معنى الجنسية وقصده إلى أن الجنس الذي هو العمود والقوام وأشد ما تركب منه الجسد قد أصابه الوهن ولو جمع لكان قصدا إلى معنى آخر وهو أنه لم يهن منه بعض عظامه ولكن كلها يعني لو قيل: وهنت العظام كان المعنى أنّ الذي أصابه الوهن ليس هو بعض العظام بل كلها حتى، كأنه وقع من سامع شك في الشمول والإحاطة لأنّ القيد في الكلام ناظر إلى نفي ما يقابله وهذا غير مناسب للمقام فهذا الكلام صريح في أن وهنت العظام يفيد شمول الوهن لكل من العظام بحيث لا يخرج منه البعض وكلام المفتاح صريح في أنه يصح وهنت العظام باعتبار وهن بعض العظام دون كل فرد فالتنافي بين الكلامين واضح، وتوهم أنه لا منافاة بينهما بناء على أنّ مراد الكشاف أنه لو جمع لكان قصداً إلى أنّ بعض عظامه مما يصيبه الوهن والوهن إنما أصاب الكل من حيث هو هو والبعض بقي في سوء الفهم وقلة التدبر، وهذا الخلاف مبنيّ على أنّ الجمع المعرّف شامل عمومه لكل فرد فرد، وهو الحق عندهم على ما مرّ تفصيله في سورة البقرة والتعريف هنا محمول على الاستغراق بقرينة الحال فلا يتوهم أنه
! حتمل العهد. (وههنا فائدة (وهي(6/142)
أن في قوله: وهن العظم مني كناية عن وهن الجسد كله وهي مبنية على تشبيه مضفر وهو تشبيه العظم بعمود وأساس ففيه تخييل كما ذكره شراح الاكشاف ومنه تعلم الفرق بين التشبيه المكنى والاستعارة المكنية فإنّ الثانية لا تحسن بدون تخييلية بخلاف الأولى فاحفظه وتدبر في الفرق بينهما فإنه من دقائق هذا الكتاب، وقوله: ودرئ الخ يعني عين فعله مثلثة مثل كمل والفتح للسبعة وغيره شاذ، وقال: العظم، مني ولم يقل عظمي مع أنه أخصر لما فيه من التفصيل بعد الإجمال ولأنه أصرج في الدلالة على الجنسية لمقصودة هنا. قوله: (شبه الشيب في بياضه الخ) الظاهر أنّ شبه وأخرج مجهول ويجوز خلافه والشواظ اللهب الذي لا دخان فيه والفشوّ بضم الفاء والشين المعجمة وتشديد الواو الانتشار أيضا وانتشاره معطوف على الشيب وظاهر كلام الشيخين أن فيه استعارتين مبنيتين ىلى تشبيهين أولاهما تصريحية تبعية في اشتعل بتشبيه انتشار المبيض في غيره باشتعال النار كلوله:
واشتعل المبيض في مسوذه مثل اشتعال النارفي جزل الغضى ...
والثانية مكنية بتشبيه الشيب في بياضه وإنارته باللهب، وهذا بناء على أن المكنية تنفك
عن التخييلية كما مرّ، وعليه المحققون من أهل المعاني، وقيل: إنّ الاستعارة هنا تمثيلية فشبه حال الشيب بحال النار في بياضه وانتثاره، وتوحيده ضمير أخرج يؤيده وليس بشيء والداعي إلى هذا التكلف ما لزمه من انفكاك المكنية عن التخييلية ولا محذور فيه مع أنه قيل إن من فسر ااخييلية بإثبات شيء لشيء يجوز له أن يقول: إنها موجودة هنا وإن كان الاشتعال استعارة لأن إثباته للرأس أو الشيب وإن كان مجازاً فيه تخييل أيضا وهو بعيد. قوله: (وأسند الاشتعال إلى الرأس الخ (إشارة إلى أن شيبا تمييز للنسبة محوّل عن الفاعل وأصله اشتعل شيب الرأس وأنّ داندة التحويل المبالغة وافادة الشمول لجميع ما فيها، إذ جعل الرأس نفسها شابت والشائب إنما هر ما فيها من الشعر فإنّ إسناد معنى إلى ظرف ما اتصف به زمانيا أو مكانيا يفيد عموم معناه لثل ما فيه في عرف التخاطب فقولك: اشتعل بيتي ناراً يفيد احترق لجميع ما فيه دون اشتعل ناد بيتي ومنه تعلم أن شربت الكأس على الإسناد المجازي أبلغ منه على التجوّز في الطرف وأنّ ذكر الطرفين في المجاز العقلي ليس بمحذور كما في الاستعارة. قوله: (واكتفى باللام عن الإضافة (أي لم يقل رأسي لأن تعريف العهد المقصود. هنا يفيد ما تفيده كما إذا قلت لمن في الدار أغلق الباب إذا لم يكن فيها غير باب واحد ولما كان تعريف العظم السابق للجنس، كما مر لم يكتف به وزاد قوله مني. قوله: (كلما دعوتك استجبت لي (إشارة إلى أنّ المراد بالشقاء
هنا الخيبة وأن قوله: لم أكن تفيد العموم فيما مضى، والمدعو له أي لأجله طلب الولد في الكبر فنبه من يسمعه على سبب طلب غير المعتاد لئلا يلومه فيه، والتوسل بما سلف من عادته يتضمن مبالغة في كرمه كما روي عن معن بن زائدة والكريم أدرى بطرق الكرم أنّ محتاجاً سأله وقال: أنا الذي أحسنت إليّ في وقت كذا فقال: مرحبا بمن توسل بنا إلينا وقضى حاجته. قوله: (بني عمه الأنه أحد معانيه، وكونهم أشراراً المراد به الشر الديني كما أشار إليه لا لؤم النسب فإنّ كل نبيّ يبعث من خير قومه حسبا كما في صحيح البخاري من حديث هرقل وهو بيان لأنّ طلبه عقبا وولدا ليس لأمر دنيوي، وقوله: بعد موتي إشارة إلى أن وراء بمعنى بعد مجازا، والمراد بعد موته كما في حديث أنهم غيروا بعدك، وأصل معناها خلف أو قدام كما مز. قوله: (وعن ابن كثير بالمذّ والقصر) يعني أنه عنه روايتان المد على الأصل وموافقة الجمهور والقصر للتخفيف، ولا عبرة بقول البصريين إنّ قصر الممدود لا يجوز في السبعة، وقد مرّ فيه كلام وقوله: بفتح الياء أي في قراءته فإنه لولاه اجتمع ساكنان. قوله: (أي خفت فعل الموالي الخ الف ونشر فالمقدر الذي تعلق به المضاف المقدر، وهو لفظ فعل أو هو متعلق بالموالي لكونه بمعنى الذين يلون ومن ولي أي بمعناه السابق وحينئذ لا يصح تعلقه بخفت لأنّ الخوف ثابت له الآن لا بعد موته، ولذا قال: في الكشاف لا يتعلق بخفت- لفساد المعنى، وأمّا كونه يكفي لصحة الظرفية كون المفعول فيه لا يشترط(6/143)
كونه ظرفاً للفعل نحو رميت الصيد في الحرم إذا كان الصيد فيه دون رميك فيجوز تعلقه بخفت عليه ولا فساد فيه كما مرّ في سورة الإنعام فلك أن تقول إنّ المراد امتناعه وفساده بناء على الظاهر المتباد منه وأنه إذا كان ظرفا للمفعول هنا آل معناه إلى تعلقه به ضرورة فلا يكون متعلقا بالفعل حينئذ فتدبر، ويجوز أن يكون حالاً مقدرة من الموالي، وقوله: الذين يلون الأمر أي يتولونه ويقومون به بيان لمعنى الولاية فيه الذي تعلق به الظرف باعتباره، فإنه يكفي فيه وجود معنى الفعل في الجملة بل رائحته ولا يشترط فيه أن يكون دالاً على الحدوث كاسم الفاعل والمفعول حتى يتكلف له، ويقال: إنّ اللام على هذا موصولة والظرف متعلق بصلته، كما ذكره المصنف وأن مولى مخفف مولى، كما قالوا نظيره في لفظ معنى فإنه تعسف لا حاجة إليه. قوله: (وقرئ خفت (
بتشديد الفاء من الخفة ضدّ الثقل وهي قراءة عثمان وعليّ بن الحسين، وقوله: قلوا وعجزوا إشارة إلى خفة المؤن بقلتهم فهو مجاز عن لازم معناه بواسطة أو بدونها وأنّ من ورائي على هذا بمعنى من بعدي أيضاً، وقوله: ودرجوا بمعنى مضوا وذهبوا فهو من الخفوف بمعنى السير مجازاً، وورائي عليه بمعنى قدامي وقبلي أي أنه محتاج إلى العقب إما لعجز قومه بعده عن إقامة الدين أو لأنهم ماتوا قبله فبقي محتاجاً لمن يعتضد به في أمره، وقوله: فعلى هذا أي على القراءة المذكورة وتفسيرها بما ذكره على الوجهين كما في بعض الحواشي، أو على التفسير الثاني لهذه القراءة لأنّ عجزهم وقلتهم إن لوحظ أنه سيقع بعده لا أنه واقع وقت دعائه صح تعلقه بالفعل فيهما فإن لم يكن كذلك تعلق بالموالي على التأويل السابق كما في الكشاف وشروحه وعبارة المصنف رحمه الله محتملة لهما فتأمل. قوله: (فإنّ مثله لا يرجى إلا من فضلك (بيان لفائدة ذكر قوله: من لدنك مع أن طلب الهبة إنما هو مما عنده لأنّ معناه أن ما طلبه إنما يكون بفضله وقدرته، وترك قوله في الكشاف إنه تأكيد لكونه ولياً مرضياً بكونه مضافاً إليه تعالى وصادراً من عنده والا فهب لي وليا يرثني كاف لا لأنه نزغة اعتزالية في أنّ القبيح لا يضاف إليه تعالى أصلا ولو ذكره المصنف رحمه الله لكان له وجه لأن القبيح عندنا أيضا لا يضاف إليه تأدّبا وان أوجده لكنه فر من مواضع التهم بل لأنه لا حاجة إليه مع قوله: رضيا والتأكيد المقدم خلاف الظاهر، وقوله: من صلبي بيان لأن المراد بالوليّ هنا الولد. قوله:
إ صفتان له) أي لولياً لأنه المتبادر من الجمل الواقعة بعد النكرات، واختار السكاكيّ أنها مستأنفة استئنافاً بيانيا لأنه يلزم على ما ذكره المصنف رحمه الله تبعاً للكشاف أن لا يكون قد وهب من وصف لهلاك يحيى قبل زكريا عليهما الصلاة والسلام ودفع بأنّ الروايات متعارضة والأكثر على أنه قتل بعده، كما ارتضاه في تفسير قوله: لتفسدنّ في الأرض! مزتين، وأمّا الجواب بأنه لا غضاضة في أنه يستجاب للنبيّ صلى الله عليه وسلم بعض سؤله دون بعض كما وقع لنبينا صلى الله عليه وسلم وسيأتي تفصيله في سورة النور فردّ بأنه ليس المحذور هذا لمانما المحذور تخلف إخبار الله في قوله: فاستجبنا له في آية أخرى فإنها تدل على أنه-لمجرو أعطى جميع ما سأله لا بعضه، ثم إنّ ظاهر هذه الآية يدل على ضعف الرواية الأخرى وأمّا ما أورده على السكاكي من أنّ ما أورده وارد عليه لأنه وصل معنوفي فليس بشيء لأنه وان اتصل به معنى لكنه علة للمسؤول ولا يلزم أن يكون علة المسؤول مسؤولة، وأما الجواب بأن الإرث هنا إرث العلم والحبورة وقتله في حياته لا يضر لحصول الغرض وهو تلقي ما ذكر عته وافاضة الإفادة على غيره بحيث تبقى آثاره بعد زكريا زمانا طويلا فبعيد لأنّ المعروف بقاء ذات الوارث بعد الموروث عنه. قوله: (على
أنهما جواب الدعاء) أي في جواب الأمر الذي قصد به الدعاء وعبر به تأدباً أو لأنه كذلك في الواقع، وإذا جزم مثله فهو على تقدير شرط أي أن تهب لي ولياً يرثني، والمراد أنه كذلك في ظني ورجائي فلا يلزم الكذب على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وكون الأنبياء لا يورثون ثابت بحديث إنا معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة ولا يورثون مخفف مجهول أو مشدد معلوم، والحبورة مصدر حبر كقضو إذا صار حبرا، وقوله: أو عمران عطف على زكريا. قوله: (يرثني وارث) بوزن فاعل وأو يرث تصغيره وأصله وويرث بواوين الأولى فاء الكلمة(6/144)
الأصلية والثانية بدل ألف فاعك لأنها تقلب واوا في التصغير كضويرب، ولما وقعت الواو مضمومة في أوّله قلبت همزة كما تقرر في التصريف، وفوله: لصغره يعني التصغير لأن المراد به أنه غلام صغير على ما فسره الجحدري الذي قرأ بها فهو مأثور فلا يرد على المصنف ما قيل: إنه لا يناسب المقام مع أنه لا وجه له لأنه لما طلبه في كبره علم أنه يرثه في صغر سنه ولو حدسا فصغره لذلك، والتجريد في البديع معلوم فعلم البيان أراد به البديع أو ما يشمل الفنون الثلاثة، والتقدير يرثني وارث منه أو به والوارث هو الوليّ فجرده منه وتحقيقه مرّ في آل عمران، وقوله: ترضاه إشارة إلى أن رضيا فعيل بمعنى مفعول ولو جعل بمعنى فاعل صح ولكن هذا أن! سب.
قوله: (ووعد بإجابة دعائه) الوعد يفهم من البشارة به دون أن يقال: أعطينا أو نحوه وما
في الوعد من التراخي لا ينافي التعقيب في قوله: في آية أخرى فاستجبنا له لأنه تعقيب عرفيئ، كتزوّج فولد له ولأنّ المراد بالاستجابة الوعد أيضا لأنّ وعد الكريم نقد، وقوله: التسمية بالأسامي الغريبة أي المستغربة النادرة لأنها أقوى في التعيين والشهرة ولأنّ صاحبها لا يحتاج إلى لقب يميزه وهذا أحد الوجوه في تسمية العرب أولادها بمثل كلب وفهد وحجر، وقال: بعض الشعوبية لبعض العرب لم تسمون أولادكم بشر الأسماء، ككلب وحرب وعبيد عليكم بخيرها، كسعد وسعيد فقال: لأنا نلد لأعدائنا ونسترق لأنفسنا، وقيل: لأنهم كانوا إذا ولد لأحدهم خرج من منزله، فأوّل ما يقع بصره عليه يجعله علما فإن رأى كلبا سماه به وتأوّل بالوفاء فهذه ثلاثة أقوال فيه فمن قال: إنّ المراد بالأسماء الغريبة ما لم يكن مستهجنا بقرينة المقام، لم يحم حول المرام ألا ترى استشهاد الزمخشريّ بقوله:
سنع الأسامي مسبلي أزر
نعم الواقع هنا كذلك والتنويه الرفعة بالشهرة. قوله: (وقيل سميا شبيهاً (هو على الأوّل المشابه في الاسم وعلى هذا بمعنى المشابه مطلقاً، وقيل: إن العلاقة فيه السببية وتشاركهما في الاسم أي في اسم جنس جامع لهما كنظير فهو مثل الاشتراك في العلم وإن كان في أحدهما تعدد الوضحع دون الآخر، وظاهره أنه على هذا المراد به المشابه فيما يطلق عليه من الأسماء العامة وليس بمراد لأن تشابههما في ذلك لا يقتضي تشابههما في المعاني أيضا وهو الفرق بين الوجهين فتدبر، وقوله: هل تعلم له سميا أي مثلاً لأن ترتيب قوله: فاعبده عليه يقتضي عدم النظير لا عدم الشريك في الاسم، وقوله: حيى به رحم أمه إن أريد بالرحم مقر الولد فحياته سلامته من العقر وان أريد القرابة فحياتها اتصال النسب وعلى العربية والعجمة يختلف الوزن والتصغير كما بين في محله. قوله تعالى: ( {بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا} (مر في آل عمران بلغني الكبر قال الإمام: وهما بمعنى لأن ما بلغك فقد بلغته يعني إذا كان المبلوغ من المعاني كما هنا، أما إذا كان من الأعيان فبينهما فرق لأنّ البلوغ يسند إلى اللاحق بمن سبقه فيقال إن كان المتأخر زيد بلغ زيد عمراً دون العكس وما ذكره الإمام رحمه الله مبنيئ على أن من ابتدائية وعتيا مفعول، وفيه وجوه أخر وقد جعلت تجريدية وتعليلية وعليه يختلف معناهما من حيث المبالغة في أحدهما دون الآخر إن كان الأصل المعنى متحدا فيحتاج إلى بيان نكتة في اختيار أحدهما في كل مقام فتأمل. قوله: (جساوة (بالجيم والسين المهملة بمعنى يبساً وكذا القحول بالقاف والحاء المهملة يقال: جسا وعتا وعسا بمعنى يبس يبسا شديداً، وظاهر كلامه في الأساس أنه مخصوص بمفاصل الحيوان وإعلاله ظاهر، ومثله عصيا. قوله: (وإنما استعجب الولد) أي عده عجيبا وتعجب منه بقوله: إني لمخالفة العادة لما ذكر لا لإنكاره قدرة الله عليه فإنه كفر وهذا ما اختاره الزمخشري في سورة آل عمران، وقال هنا إن السؤال وإن كان صورته صورة تعجب واستبعاد ولكن الاستبعاد ليس بالنسبة إلى المتكلم بل بالنسبة إلى غيره من المبطلين ليزيل استبعادهم ويردعهم عنه ومثله لا بأس به وقوله: اعترافا علة لقوله: استعجب لأن معناه عذه عجيبا لعدم سببه الظاهر وعدم الأسباب يدل على كمال القدرة، كما لا يخفى وليس بمعنى استبعد كما في عبارة الكشاف حتى يصرف إلى غيره من المبطلين ويرد عليه أن
نداءه كان خفيا عنهم كما مرّ فمن المبطلون وهذا إن كان الإخفاء لئلا يسمع فيلام(6/145)
أما إن كان لكبره ونحوه مما لا ينافي في سماع غيره فلا يرد فإن كان كذلك فقد حمل على أنه جهر به بعد ذلك إظهار النعمة الله عليه وردعا لمن ذكر. قوله: (ولذلك قال (في قال هنا نوع من البديع يسمى التجاذب أي لكون الاستعجاب اعترافا بأنّ المؤثر فيه كمال القدرة الإلهية دون الوسايط والأسباب العادية لا إنكارا أتى بعده بما يفيد تصديقه في الخبر الذي تضمنه كلامه الاستفهامي التعجبي، إذ قال: الأمر كذلك أي كما اعتقدته وقصدته ولو كان الأمر إنكارا ما استحق التصديق، والجملتان أي الأمر كذلك وقال ربك الخ، مقولا القول بدون عطف لأن الثانية كانت مستأنفة فحكيت على صورتها وأتى بقال ثانيا تحقيقا للحكاية ولو تركت صح وأفاد المقصود. قوله: (أي الله تعالى) إن كان القول بلا واسطة أو الملك إن كان بها، ولا ينافي الأوّل قوله: فنادته الملائكة الخ، لجواز وقوع القول مرّتين بواسطة وبدونها، ويرجح الثاني قوله: قال ربك لسلامته حينئذ عن تفكيك النظم. قوله: (ويجوز أن تكون الكاف منصوبة بقال في قال ربك وذلك إشارة إلى مبهم يفسره هو علتي هين) أي القول الأوّل مقوله قال ربك هو عليّ هين وكذلك منصوب بالقول الثاني في موقع مصدر له هو صفته، أي قال لزكريا قال ربك هو عليّ هين قولاً مثل ذلك ولفظ ذلك فيه حينئذ إشارة إلى أمر مبهم مفسر بما يعده وكان فيما قبله إشارة إلى قول وعده زكريا تصديقا له، قال في الكشف: الوجه الثاني المجعول فيه اسم الإشارة مبهما يفسره ما بعده يقدر فيه نصب الكاف بقال الثاني لا الأول والا لكان قال ثانيا تأكيداً لفظيا لئلا يقع الفصل بين المفسر والمفسر باجنبيّ وهو ممتنع إذ لا ينتظم أن يقال: قال رب زكريا قال ربك ويكون الخطاب لزكريا والمخاطب غيره كيف وهذا النوع من الكلام يقع فيه التشبيه متقدّما لا سيما في التنزيل من نحو وكذلك جعلناكم أمة كذلك يفعل الله ما يشاء والتقدير، قال رب زكريا قال ربك قولا مثل ذلك القول الغريب وهو عليّ هين على أن قال الثاني مع ما في صلته مقول القول الأوّل إقحام القول الثاني لما سلف، وقد حقق أن الكاف في مثله مقحمة للتأكيد لا تغفل اهـ، (قلت (هذا من دقائق الكشاف وشروحه التي لا توجد في غيره وقد مرّ فيه كلام في سورة البقرة وقد فصله في الكشاف، وشروحه هنا فقال إن الإشارة إلى مبهم مفسر بما بعده كما في قوله: وقضينا إليه ذلك الأمر أن دابر هؤلاء مقطوع والتشبيه يقع فيه مقدماً وإنه المطرد في التنزيل، وقد حققه الوزير المغربي في شرح قول زهير:
كذلك خيمهم ولكل قوم إذامستهم الضراءخيم ...
فقال: قال الجرجاني هي تثبيت للمتأخر وهي نقيض كلا فإنها للنفي، والحاصل أنها متعلقة بما بعدها كضمير الشأن وتستعمل في الأمر العجيب الغريب لتثبيته والظاهر أنه كناية لأن
ماله مثل يكون ثابتا محققا لكنه قطع النظر فيها عن التشبيه فلذا قالوا: إنّ الكاف فيه مقحمة فإن نظر إلى أصله كان فيه تشبيه فلذا قيل: إنه من تشبيه الشيء بنفسه، فتدبر. قوله: (وبؤيد الأول قراءة من قرأ وهو علئ هين) وهي قراءة الحسن وإنما كانت مؤيدة لأنّ الواو تمنع من التفسير إذ هي لا تعرض! في مثله ولا يجعل مقول القول المحذوت مفسراً لأن الحذف ينافي التفسير وجعلها مؤيدة لا دالة معينة لأنّ توافق القراءتين ليس بلازم وإنما اللازم عدم تعارضهما وتنافيهما. قوله: (أي الأمر كما قلت) بصيغة الخطاب لزكريا عليه الصلاة والسلام وما قاله هو العقر والكبر فإن كان بصيغة المتكلم أي كما قلت لك في البشارة فالقول المذكور هو المشار إليه بذلك، أو كما وعدت بالبناء للمجهول مع ضمير الخطاب، ويجوز بناؤه للمعلوم مع ضمير المتكلم إذ ما وعده الله هو ما وعده زكريا عليه الصلاة والسلام فلا يتعين الأوّل، كما قيل لكن الداعي لذلك تفسيره بما بعده وستسمع ما فيه وهذا التفسير على الوجه الأوّل والقراءة الثانية، وقوله: وهو على ذلك يهون عليّ فسره بالفعل بناء على أنه مجهول مسند لضمير المخاطب فيكون النظر فيه إلى تنجيز الوعد وهو بالفعل أنسب بخلاف قوله: أو كما وعدت فإنه معلوم مسند لضمير المتكلم وهو الله فلا(6/146)
يناسب التجذد والحدوث فروعيت المناسبة في الجانبين، وقد أوضحه بعض أهل العصر فقال: كما وعدت على بناء المجهول مسند إلى ضمير الخطاب فحيث كان النظر إلى جانب زكريا عليه الصلاة والسلام قال وهو على ذلك يهون عليّ كأنه قيل الأمر كما وعدت وقد بلغت من الكبر عتياً وكانت امرأتك عاقراً ومع ذلك هو يهون عليّ وان صعب في نظرك، وقوله: أو كما وعدت على صيغة المتكلم المعلوم ولما كان النظر حينئذ إلى جانبه عز وجل قال: وهو عليّ هين أي لا صعوبة فيه بالنسبة إلى قدرتي فإني لا أحتاج فيما أريد أن أفعل أي أمر كان إلى جنس الأسباب بل إنما أمري إذا أردت شيئا أن أقول له: كن فيكون وهذا من جملة ما أريد أن أفعله فلا احتياج لي فيه إلى شيء من الأشياء حتى يتوهم كون العقر والكبر قادحاً فيه هكذا ينبغي أن يلاحظ هذا الكلام، وفي كلام الفاضل المحشي هنا نوع خلل وقصور يعرف بأدنى التفات فإن شئت فراجعه) قلت (قد راجعناه فقل: هذه بضاعتنا ردّت إلينا إذ لا فرق بينه وبين ما ذكر إلا بالأطناب وقيل إن قوله على ذلك معناه أن حصول الولد مع ما ذكر من الكبر والعقر يهون عليّ لكنه يرد عليه أنّ ما ذكر بعده لا يخلو من التكرار، ولذا لم يذكره في الكشاف ودفعه بأن المراد أنه على تقدير أن يكون المعنى إن كان الأمر كما وعدت يمكن أن يفسر قوله: وهو عليئ هين بالتفسير الأول وبالتفسير الثاني أيضا، وأمّا إذا كان المعنى كما قلت يكون معنى قوله تعالى: {هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ} [سورة مريم، الآية: 9] بالمعنى الأوّل ولا محصل له والأوّل أظهر مع أنه لا يخلو من شائبة كدر، فتأمل. قوله: (ومفعول قال الثاني محذوف) أي على قراءة الواو وتقديره قال ربك هو كذلك لا هو عليّ هين وما بعده
يفسره وقوله: وهو عليّ هين معطوف على مقول القول المقدّر، والزمخشريّ جعل القول نفسه محذوفا على وجه النصب، وقوله: وفيه دليل الخ، هو مذهب أهل السنة والكلام عليه مفصل في الكلام، والزمخشريّ أشار إلى الجواب بأن المنفيّ شيء خاص وهو العندية كما في قوله: إذا رأى غير شيء ظنه رجلا
وتوله: سوفي الخلق أي تام الخلقة وهو حال من فاعل تكلم. قوله: (ما بك من خرس
ولا بكم) قالوا: إنّ الآية هي تعذر الكلام عليه لأن مجرّد السكوت مع القدرة على الكلام لا يكون معجزة، ثم اختلفوا في أنه أعتقل لسانه أو امتنع عليه الكلام مع القدرة على ذكر الله وهذا هو المختار لأنّ اعتقال اللسان قد يكون لمرض فلا يكون آية أمّا إذا امتنع عليه كلام الناس مع القدرة على ذكر الله تحققت الآية وهو الظاهر من قوله: ألا تكلم الناس واليه أشار المصنف وحمه الله بقوله: استمرّ الخ فتأمل. قوله: (وإنما ذكر الليالي هنا الخ (يعني أنّ القصة واحدة وقد ذكر فيها مرّة الليالي ومرّة الأيام، فدل ذلك على أنّ المراد الأيام بلياليها لأن العرب تتجوّز أو تكتفي بأحدهما عن الآخر كما ذكره السيرافي والنكتة في الاكتفاء بالليالي هنا وبالأيام ثمة أن هذه السورة مكية سابقة النزول وتلك مدنية والليالي عندهم سابقة على الأيام لأن شهورهم وسنيهم قمرية إنما تعرف بالأهلة ولذلك اعتبروها في التاريخ كما ذكره النحاة فأعطى السى7 بهق للسابق، والمصلى محل الصلاة، والغرفة المحل المرتفع والمحراب يطلق على كل منهما لغة، وأمّا المحراب المعروف الآن فهو محدث كما ذكره السيوطي، وقوله: فأومأ أي أشار وهو مهموز من الإيماء لكنه ورد في كلامهم منقوصا أيضاً وعليه استعمال المصنف رحمه الله كقوله:
أومي إلى الكوفة هذا طارق
وقوله لقوله الأرمز فإنّ القصر الإضافي فيه بالنسبة إلى التكلم لا إلى الكتابة فينافية دونها
ولأنّ قوله: ألا تكلم الناس يقتضي تعيين تفسيره بما ذكر، والكتابة على الأرض بالخط في التراب وهي تسمى وحيا كما في قوله:
لفيه وحيّ في بطون الصحائف
قوله: (صلوا) لأنّ ألتسبيح يطلق على الصلاة مجازا لاشتمالها عليه وهذا قول الجمهور
ولذا قدمه. قوله: (ولعله كان مأمورا الخ) إنما ذكره لما يرد عليه بحسب الظاهر من أنه منع من كلام الناس أو اعتقل لسانه عن غير الشكر والذكر وتخصيص البكرة والعشيّ فهمه من الإشارة بعيد فإما أن يقال لا بعد فيه أو يقال كان مأموراً بهذا والمنع إنما هو من الكلام العادي الذي لم يؤمر به قيل: والأمر بالتسبيح لأنه يكون للتعجب، وما ذكر من الولد ونحوه(6/147)
مما يتعجب منه، وهو لا يناسب تفسيره السابق إلا بتكلف. قوله: (تحتمل أن تكون مصدرية) فتقدر قبلها الباء الجارّة، وقوله: على تقدير القول وكلام آخر تقديره فلما ولد وبلغ سنا يؤمر مثله فيه، قلنا: الخ، وقوله: واستظهار أي حفظ يقال: استظهر الكتاب إذا حفظه، وقوله: وقيل النبوّة هو مرويّ عن ابن عباس رضي الله عنهما والحكمة وردت بمعناها كثيراً، وقوله: واستنباه بالهمزة والألف أي جعله نبياً وان كان أكثر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لم ينبأ قبل الأربعين. قوله: (ورحمة منا عليه) أي إيتاؤه ما ذكر بفضل الله ورحمته وعلى تفسيره بالتعطف والشفقة فائدة قوله: من لدنا الإشارة إلى أق ذلك كان مرضيا لله فإنّ منه ما هو غير مقبول، كالذي يؤذي إلى ترك شيء من حقوق الله، كالحدود مثلاً أو هو إشارة إلى أنها زائدة على ما في جبلة غيره لأن ما يهبه العظيم عظيم ولا يرد عليه أنه إفراط وهو مذموم كالتفريط وخير الأمور أوسطها لأن مقام المدح يأباه، ورب إفراط يحمد من شخص ويذمّ من آخر فإنّ السلطان يهب الأمور فيمدح ولو وهبها غيره كان إسرافا مذموما، ومن الحنان قيل لله: حنان بمعنى رحيم خلافاً لبعض أهل اللغة إذ منع لطلاقه على الله وهل هو مجاز بمرتبة أو مرتبتين قولان. قوله: (أو صدقة أي تصدّق الله به على أبويه) وهو معطوف على صبياً الحال والمعنى حال كونه متصدّقا به عليهما، وقيل: معنى إيتائه الصدقة كونه صدقة عليهما فهو معطوف على المفعول، ومعنى مكئه أعطاه قدرة وسعة، وعصيا أصله عصويا فهو فعول للمبالغة، وقوله: من أن يناله فاللام بمعنى السلامة والأمان بما ذكر، وقيل: إنه بمعنى التحية والتشريف بها لكونها من الله في حال كمال عجزه، وما ينال به بني آدم هو مسه له حين يصيح كما مرّ تفصيله في سورة آل عمران، واذكر في النظم معطوف على اذكر مقدراً أي اذكر هذا واذكر الخ، وقوله: قصتها فهو بتقدير مضاف أو
هو مفهوم من السياق وذكر مريم كما سيذكره المصنف، وانتبذ افتعال من النبذ وأصل معناه الطرح ثم أريد به الاعتزال لقربه منه. قوله: (بدل من مريم يدل الاشتمال (وفيه تفخيم لقصتها العجيبة وإنما جعل بدلاً لأنه لا يصح أن يكون ظرفا لا ذكر وأمّا قوله أبي البقاء: إن انزمان إذا لم يقع حالاً من الجثة ولا خبراً عنها ولا صفة لها لم يكن بدلاً منها فرده المعرب بأنه لا يلزم من عدم صحة ما ذكر عدم صحة البدلية ألا ترى سلب زيد ثوبه فالبدل فيه لا يصح فيه ما ذكر مع صحته بلا شبهة وإنما امتنع هناك لتغايرهما والوصف والخبر والحال لا بد من تصادقهما، فالفرق ظاهر، وقوله: لأنّ الأحيان الخ فالثاني هو المشتمل كسلب زيد ثوبه، وقد يعكس كأعجبني زيد علمه، وقوله: لأنّ المراد بمريم قصتها لأنه ليس المراد بذكر مريم إلا ذكر قصتها، وقوله: وبالظرف لا يخفى بعده، والمضاف المقدّر قصة ونحوه، وكون إذ مصدرية ذكره أبو البقاء وهو قول ضعيف للنحاة، وقوله: لا أكرمتك إذ لم تكرمني أي لعدم إكرامك لي والظاهر أنها ظرفية أو تعليلية إن قلنا به، وقوله: فتكون أي إذا انتبذت على هذا القول وهو بدل اشتمال أيضاً، وكون مشرق الشمس قبلة النصارى مرّ الكلام عليه. قوله تعالى:) {فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا} ) مشتق من المثال أي تصوّر وأصله أن يتكلف أن يكون مثالاً لشيء، وبشرا جوّز في إعرابه وجوه الحالية المقدرة والتمييز والمفعولية بتضمينه معنى اتخذ ولهم كلام في كيفية التمثيل هل ما زاد من أجزائه يفنى أو يذهب ثم يعود أو يتداخل ويتصاغر أو يخفيه الله عن النظر والظاهر أنها احتمالات عقلية والأولى التوقف في مثله والمشرقة مثلثة الراء محل شروق الشمس والقعود فيه شتاء. قوله: (متمثلاَ بصورة شابئ أمرد الخ) اعترض عليه بأنّ فيه هجنة ينبغي أن تنزه مريم عنها وأنه مناف لمقتضى المقام وهو إظهار آثار القدرة الخارقة للعادة كما قال: كادم خلقه من تراب الآية ويكذبه قوله: قالت إني أعوذ الخ دمانما وجهه أنها رأته بهيئة صغير السن مأنوس لئلا تنفر عنه ولا تسمع كلامه وقد أريد إعلامها وليظهر للناس عفتها وزهدها إذ لم ترغب في مثله ولأنّ الملك كلما تمثل تمثل بصور بشر جميل كما كان يأتي النبيّ صلى الله عليه وسلم في صورة دحية رضي ألله عنه فأمّا كونه خارقا للعادة فلا يرد عليه لأنه ليس من أب
ويكفي مثله والولد لا يحصل(6/148)
من نطفة واحدة، وأمّا الهجنة فقبيحة ولو تركها كان أولى وكأنه أراد أنه وقع كذلك ليكون مظنة لما ذكر ثم يظهر خلافه فيكون أقوى في نزاهتها فتأمّل. قوله: (بالرحمن) قيل: خصته تذكيرا له بالجزاء لينزجر فإنه يقال يا رحمن الآخرة وليس بشيء لأنه ورد رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما كما مر بل طلبت تذكيره بالرحمة ليرحم ضعفها وعجزها عن دفعه، وتحتفل بمعنى تبالي، والمقصود مما ذكر زجره، وقوله: فتتعظ الظاهر إسقاط الفاء حتى لا يحتاج إلى جعله مرفوعاً بتقدير مبتدأ لأنّ المضارع لا يقترن بالفاء. قوله: (ويجورّ أن تكون للمبالغة الخ (وجه المبالغة أنها إذا استعاذت به في حال تقواه فقد بالغت في الاستعاذة كما لا يخفى والظاهر أنها على هذا إن الوصلية وفي مجيئها بدون الواو كلام وهي جملة حالية المقصود بها الالتجاء إلى الله من شرّه لا حثه على الانزجار وما قيل إنه مقتضى المقام غير مسلم لأنه لا يناسب التقوى، ولو كانت مفروضة والذي استعذت به بكسر تاء الخطاب صفة ربك، وقوله: في الدرع أي القميص إشارة إلى ردّ ما قيل إن النفخ في الفرج فإنه غير صحيح ولا مناسب. قوله: (ويجوز أن يكون حكاية لقوله تعالى) يعني أن الهبة إمّا مجاز عن النفخ الذي هو سببها أو حقيقة بتقدير القول أي الذي قال: أرسلت هذا الملك لأهب لك وجعل قراءة الياء مؤيدة لا دليلاً لأنه لا يلزم توافق القراءتين كما مرّ، وأمّا أنّ أصل ليهب لاهب فقلبت الهمزة ياء لانكسار ما قبلها فتعسف من غير داع له، ويعقوب عطف على أبي عمرو لا على نافع إذ لا اختلاف في الرواية عنه، وقوله: طاهر الخ يعني أن الزكاء شامل للزيادة المعنوية كالطهارة والحسية. قوله: (فإق هذه الكنايات إنما تطلق فيه (أي في النكاج الحلال فإنه محل التأدب وفاعله يأنف من التصريح به ومرتكب الزنا لا أدب له ولا حشمة فلا يأنف من مثله، وليس مقامه مقام الكناية بل تطهير اللسان عنه أو التقريع به، وقد راعى المصنف رحمه الله هذا الأدب إذ قال: لم يباشرني دون يجامعني أو ينكحني فهو أحسن مما في الكشاف من النكاج وجمع الكناية، وان كان الواقع هنا واحدة منها إشارة إلى أن لها أخوات كلامستم النساء ودخلتم بهن وبنى بها إلى غير ذلك، وخبث بضم الباء بمعنى عمل ما يكره وهو صريح، وفجر فعلى الفجور مثله وإن كان في الأصل كناية لأنه من الفجر لكنه شاع في الزنا حتى صار صريحآ
وحقيقة فيه، ولا يرد عليه ما في سورة آل عمران من قوله: {وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ} [سورة آل عمران، الآية: 147 إذ جعل كناية عنهما فإنه لم يجعل كناية عن الزنا وحده بل عنهما على سبيل التغليب وهو لا يحسن هنا على أنه قيل إنه استوعب الأقسام هنا لأنه مقام البسط واقتصر على نفي النكاج ثمة لعدم التهمة لعلمها أنهم ملائكة لا تتخيل منهم تهمة بخلاف هذه الحالة لمجيء جبريل عليه الصلاة والسلام في صورة غلام أمرد، ولذا تعوّذت منه ولم يسكن روعها حتى صرّح بأنه رسول من الله على أنه قيل إن ما في آل عمران من الاكتفاء وترك الاكتفاء هنا لأنها تقدم نزولها فهي محل التفصيل بخلاف تلك لسبق العلم، وبقي هنا كلام مفصل في شروح الكشاف. قوله: (ويعضده عطف قوله ولم أك بغيا عليه (أي يعضد أن المراد بما قبله الكناية عن مباشرة الحلال عطف ما ذكر عليه لأن الأصل في العطف المغايرة وأما جعله من التخصيص بعد التعميم على طريق التغليب لزيادة الاعتناء بتبرئة ساحتها عن الفحشاء كما ذهب إليه بعضهم، فخلات الظاهر ولهذا الاحتمال لم يقل يدل عليه. قوله: (وهو (أي لفظ بغيئ فعول وأصله بغوي فأعل الإعلال المشهور وأمّا قول ابن جني: لو كان فعولاً لقيل بغوّ كما قيل نهوّ عن المنكر فمردود بأنه شاذ كما صرّح به ابن جني أيضا لمخالفته القاعدة الصرفية، ولذا لم تلحقه التاء لأن فعولاً يستوي فيه المذكر والمؤنث، وان كان بمعنى فاعل كصبور، وأما فعيل بمعنى فاعل فليس كذلك فلذا وجهه المصنف رحمه الله بأنه للمبالغة التي فيه حمل على فعول، كما قيل ملحفة جديد، وإن قيل فيه إنه بمعنى مفعول أي مجدود ومقطوع لأن الثياب الجديدة تقطع، وأورد عليه العلامة في شرح الكشاف أن نفي الأبلغ لا يستلزم نفي أصل الفعل فلا يناسب المقام وأجيب بأن المراد نفي القيد والمقيد وهو دقيق ولا يخفى أنه لا دقة فيه فإنه مع شهرته المتداول خلافه(6/149)
وإن السؤال وارد على تخريج الجم! ، ر فالأوجه أن يقال: إنها لشدة طهارتها ونزاهة بيتها عدته عظيماً من مثلها وان قل ولذا سمي الزنا فحشا مع تفسيره بما عظم قبحه، فإن قلت البغي أصل معناه تجاوز الحد فهو في الزنا كناية فينافي ما مر، قلت: هو كذلك بحسب أصل اللغة لكن البغيّ شاعت في الزانية فصارت حقيقة صريحة.
قوله: (أو للئسب) ومثله يستوي فيه المذكر والمؤنث، وقيل: ترك تأنيثه لاختصاصه في الاستعمال بالمؤنث وتفصيله في المفصل وشروحه. قوله: (ونفعل ذلك لنجعله الخ الما كان العطف هنا مخالفا للظاهر، لأن العلة لا تعطف على المعلل وقد ورد مثله في أماكن خزج على وجهين أحدهما تقدير معلل معطوف على ما قبله وقدره المصنف مقدما على الأصل والزمخشري قدره مؤخراً لأن ذكره دون متعلقه يقتضي الاعتناء به، فهو بالتقديم التقديري أليق وتركه المصنف رحمه الله لإيهامه الحصر وهو غير مقصود، والآخر أن يكون معطوفا على علة
محذوف والضمير عائد على الغلام، وفي الكشف حذف المعلل هنا أولى إذ لو فرض علة أخرى لم يكن بد من معلل محذوف أيضاً إذ ليس قبلها ما يصلح لأن يكون معللا فهو تطويل للمسافة، وهذه الجملة أي العلة ومعلولها معطوفة على قوله: هو عليّ هين وفي إيثار الاسمية في الأولى دلالة على لزوم الهون وازالة الاستبعاد والفعلية في الثاني للدلالة على أنه انتشى ليكون آية متجذدة، فتأمّل. قوله: (وقيل عطف على ليهب على طريقة الالتفات (الالتفات فيه على هذه من الغيبة إلى التكلم فهو مخصوص بها، ويحتمل أن يعم القراءتين لكن الالتفات على قراءة لأهب بمعنى آخر مذكور في المطول، فتأمّل. قوله: (وبرهاناً) إشارة إلى أنّ المراد بالعلامة البرهان، لأنه يدل على وجود المبرهن عليه كدلالة العلامة على ما هي أمارة له، وقوله: حقيقا بأن يقضي لما كان الولد لم يعط في ذلك الزمان أوّله بمقدر ومسطر في اللوح أو بأنّ المراد به أنه من الأمور التي لا بد من تحققها لكونه آية ورحمة فعبر عنه بلفظ المفعول تنبيهاً على تحققه، وعليهما فقوله: وكان أمراً مقضيا تذييل لما قبله قيل والأوّل أنسب بمذهبنا، والثاني بمذهب المعتزلة في رعاية الأصلح لكن مراد المصنف رحمه الله أنه حقيق بمقتضى الحكمة والتفضل لا وجوبا على الله فلا يرد عليه شيء، وقوله أنسب إشارة إلى ذلك، وقوله: لكونه آية ورحمة إشارة إلى أنه تذييل لما قبله على الوجه الثاني وعلى ما قبله وهو تذييل لمجموع الكلام. قوله: (ولم يعش مولود وضع لثمانية غيره (فهو من خواص عيسى عليه الصلاة والسلام عندهم وقد صرّح به أهل التنجيم ونقل النيسابوري له وجهاً يخالف ما ذكره كويشار في دخله ولس هذا محله. قوله: (كما حملته نبذته) أي وضعته وولدته عقيب الحمل من غير مضيّ مدة طويلة وهذه الكاف تسمى كاف المفاجأة وكاف القرآن، وقد نقلها النحاة كصاحب المغني ووقعت في كلام العرب والفقهاء نحو سلم كما تدخل وصل كما يدخل الوقت وهي كاف التشبيه في الأصل كأنه شبه وقت أحد الحدثين المتجاورين بوقت الآخر أو أحدهما بالآخر لوقوعهما في زمن واحد ولكونه خلاف المعروف فيها قال في المغني إنه معنى غريب جذاً. قوله: (وهو في بطنها) يعني أنّ الباء للملابسة والمصاحبة لا للتعدية والجار والمجرور
وظرف مستقر وقع حالاً أي مصاحبة وحاملة له كما في الباء الواقعة في البيت المذكور وهو من قصيدة للمتنبي وقبله:
كأنّ خيولناكانت قديما تسقي في قحوفهم الحليبا ...
فمرّت غير نافرة عليهم تدوس بنا الجماجم والتريبا ...
والقحوف جمع قحف وهو العظم الذي فوق الدماغ، والمراد بالجماجم الرؤوس، والتريب عظم الصدر يقول: كأنّ خيولنا كانت قديما تسقى في قحوف الأعداء اللبن وكانت عادتهم سقيه لكرام خيلهم يعني أنها لاعتيادها لذلك لم تنفر من القتلى وداست رؤوسهم وصدورهم ونحن على ظهورها والدوس الوطء بالرجل ولم يجعلها للتعدية هنا وان صح لأنّ قوله: فأجأها المخاض يقتضي أنها منتبذة بنفسها لا نابذة له. قوله: (وهو في الأصل منقول من جاء الخ (تبع فيه الزمخشري حيث قال: أجاء منقول من جاء إلا(6/150)
أن استعماله قد تغير بعد النقل إلى معنى الإلجاء ألا ترى أنك تقول جئت المكان وأجاءنيه زيد كما تقول: بلغته وأبلغنيه، ونظيره آتى حيث لم يستعمل إلا في الإعطاء ولم تقل أتيت المكان وآتانيه فلان. اهـ. وقد رذه في البحر، وقال: إنّ قوله أنّ الاستعمال غيره لم يقله أهل اللغة والإجاءة تشمل المجيء بالاختيار وبالقسر والإلجاء، وقوله: ألا ترى الخ يرذه أن من يرى التعدية بالهمزة قياسية لا يسلمه ومن رآها سماعية قال: إن ما أنكره مسموع من العرب كما في الصحاح وتنظيره بأتى غير صحيح فإنه بناء على أن همزته للتعدية وأصله أتى وليس كذلك بل هو مما بنى على أفعل وليس منقولاً من أتى بمعنى جاء المتعدي لواحد، ولو كان كذلك لكان مفعوله مفعولاً ثانيا وفاعله مفعولاً أوّل على قاعدتهم في مثله وعلى ما ذكره يكون بالعكس إلى آخر ما ذكره وأطال فيه (قلت) ما ذكره غير وارد على الشيخين أمّا قوله: إنه لم يقله أهل اللغة فغير صحيح لأنه قال في مختصر العين وتاج المصادر أجأت الرجل إلى كذا ألجأته إليه ونقله الجوهري عن الفراء فالحق ما قاله السفاقسي: إن الإجاءة مما نقل بالهمزة إلى الإلجاء كما نقل الإيتاء إلى الإعطاء وان احتمل أن يكون مما بني على أفعل لكن الأوّل يرجحه أنّ الأصل اتحاد الماذة والثاني يرجحه أن اختلاف المعنى دليل على اختلافهما، وما ذكره في التعدية إنما يرد على عدم النقل وأمّا عليه فلا لكنه يرد عليه كما في شروح الكشاف وتبعهم الفاضل المحشي أنه يقال: أجأته إذا جئت به كما يقال: بمعنى ألجأته كما في الصحاح وغيره، ويقال: أتاه بمعنى أتى به كما يقال: بمعنى أعطاه ومنه قوله تعالى: {آتِنَا غَدَاءنَا} [سورة الكهف، الآية: 63] أي ائتنا به كما مرّ فكيف ينكر أيضا ما اعترف به أوّلاً، وأمّا كون أجاء لا يتعدى بإلى كما ذكره السفاقسي فغير صحيح، وقال الراغب: يقال جاءه بكذا وأجاءه قال تعالى: {فَأَجَاءهَا الْمَخَاضُ} [سورة مريم، الآية: 22] وقيل معناه ألجأها، وإنما هو معدّى عن جاء اه. والظاهر عدم وروده أيضا لأنهما لم يريدا بنقله نقله إلى معنى تغايره بالكلية بل أنهما خصا بأحد فرديهما فإنك إذا ألجأته إلى شيء جعلته جائيا إليه حقيقة أو حكماً كما يشهد له تفسيره بجئت به، وكذا أتيت به فإنه بمعنى ناولته والمناولة نوع من الإعطاء ألا ترى أن مآل أجاءها المخاض إلى جذع النخلة نقلها من مكانها إليه ولا فرق بينه وبين الإلجاء فلا مخالفة فيه ولا تناقض فتدبره. قوله: (مصدر مخضت) أي بفتح الخاء وكسرها وأصل المخض تحريك سقاء اللبن وهزه ليجتمع زبده وسمنه فاستعمل لطلق الولادة كما ذكره ثم صار حقيقة عرفية فيه، وقوله: وتعتمد عليه حتى تتكي منتصبة والمراد بالعرق أصلها والغصن رأسها ولا خضرة عطف تفسير لقوله: لا رأس لها وهو معه تفسير لقوله: يابسة وإلا فكل نخلة يابسة، وقوله: وكان الوقت شتاء يعني والنخل لا تثمر فيه ولا تتحمل ثمرتها برده فتترك عليه. قوله: (والتعريف إما للجنس) فالمراد واحدة من النخل لا على التعيين أو للعهد فالمراد نخلة مدينة معينة ويكفي لتعينها تعينها في نفسها وان لم يعلمها المخاطب بالقرآن، وهو النبي صلى الله عليه وسلم كما إذا قلت أكل السلطان ما أتى به الطباخ أي طباخه فإنه المعهود، أو يقال إنها معينة له أيضاً بان يكون الله أراها له ليلة المعراج فإن فيه أن جبريل عليه الصلاة والسلام أنزله ببيت لحم وهو محل ولادة عيسى عليه الصلاة والسلام، فلا يرد عليه ما قيل إنه لا مساغ للعهد هنا فإنه لا بد فيه من علمه للمخاطب وهو مفقود هنا، وقول المصنف رحمه الله: إذ لم يكن ثم عيرها صريح في الجواب الأوّل وما ذكره في العهد غير مسلم مع أنه ليس أبا عذرته والمتعالم بفتح اللام تفاعل من العلم، والخرسة بخاء معجمة مضمومة وراء مهملة ساكنة وسين مهملة ما تأكله النفساء وهو مخصوص بها كالعقيقة لما يذبح عن المولود والوليمة للعرس. قوله: (ولعله الخ) من آياته أي مما خالف العادة فيها وهو إثمارها بدون رأس وفي إثمارها في وقت الشتاء الذي لم يعهد فيه ذلك، وكونها واحدة ليس معها غيرها يلقح طلعها كما هو المعتاد فهو دليل لها على عدم استغراب
الولادة منها بلا زوج وسبب وأن القادر على إيجاد رطب جنيّ من خشبة يابسة في غير زمانه قادر على هذا، وخصت النخلة بذلك لشبهها بالإنسان كما ذكروه وفيه إشارة أيضا إلى أن ولدها نافع كالثمرة الحلوة، وأنه عليه الصلاة والسلام سيحيي الأموات كما أحيا الله بسببه الموات وفيه من اللطف أيضاً ما أشار إليه المصنف رحمه الله وهي أنّ النفساء عقب النفاس تطعم طعاماً(6/151)
حلواً لأن كل حلو حارّ فبحرارته يسيل الدم فيخرج بقية دم النفاس التي لو بقيت ضرّت وهو معنى قوله: الموافقة لها، وقيل: إنه لذلك جرت العادة بإطعام ذات النفاس تمراً وتحنيك الطفل به وهو ينفع من عسرت ولادتها. قوله: (وقرأ أبو عمرو وابن كثير وابن عامر وأبو بكر مت بضم الميم من مات يموت) كقلت وكسرها من مات يمات كخاف يخاف أو من مات يميت، ووافقهم على الضم يعقوب وهذا الاختلاف جار فيه، حيث وقع في القرآن وكان ينبغي تقديم قراءة الضم لأنها الأشهر وعليها أكثر كما هو عادته وقوله: ما من شأنه أن ينسى فقوله: منسيا تأسيس لا تأكيد حتى يرد عليه أنه مجاز حينئذ والتأكيد ينافيه مع أنه ذكر في الكشاف أن العرب استعملته بهذا المعنى فصار حقيقة عرفية، وقوله ة منسيّ الذكر فسره به ليكون تأسيساً أبلغ مما قبله، وقوله: ينسؤه أهله بالهمزة أو يخلطوه بالماء، وقيل: معناه يدفعه وليس من النسيان، وقوله: على الاتباع أي اتباع الميم للين. توله: (وقيل جبريل عليه الصلاة والسلام الخ) مرّضه لأنه محل اللوث ونظر العورة وكلاهما لا يليق بالملك وكأنه لهذا فسر التحتية بما بعده وتوله: يقبل أي يباشر إخراج الولد كالمقابلة، وروح بفتح الراء علم لأحد القراء، وقوله: على أنّ في نادى ضمير أحدهما أي عيسى أو جبريل عليهما الصلاة والسلام وعلى تلك القراءة من الموصولة فاعل وقوله: الضمير للنخلة، وفي التفسير السابق لمريم، وقوله: أي لا تحزني فأن تفسيرية أو مصدرية مقدر قبلها حرف الجرّ، والجدول النهر الصغير، والسري بهذا المعنى يائيّ لأنه من سرى يسري، وبمعنى السيد واوفي من السرو وهو الرفعة كما أشار إليه المصنف رحمه الله وأما السرو اسم شجر فليس بمراد هنا وقوله: وهو أي السري المراد به على هذا عيسى عليه الصلاة والسلام. قوله: (وأميليه إليك الخ) يعني أن الهمز مضمن معنى الإمالة ولذا عداه بالى أو أنه جعل مجازا عنه أو اعتبر في تعديته معنى الميل لأنه جزء معناه لأنه تحريك بجذب ودفع أو تحريك يمينا وشمالاً سواء كان بعنف أو لا فلا مغايرة فيه لقول الراغب: إنه التحريك الشديد كما توهم فيتضمن معنى الإمالة، ولما كان متعديا بنفسه وجه ذكر الباء بأنها مزيدة للتأكيد، أو
أنه منزل منزلة اللازم لأنه بمعنى افعلي الهز فالباء للآلة كما في كتبت بالقلم أو مفعوله محذوف وهو على تقدير مضاف أي هزي الثمرة بهزه، ونحوه ما نقل عن المبرد أن مفعوله رطبا على أنه تنازع هو وتساقط فيه لكنه ضعفه في الكشاف لتخلل جواب الأمر بينه وبين معموله وأما قوله: في الكشف إق الهز يقع على الثمرة تبعا للجذع فجعل الأصل تبعا بإدخال باء الاستعانه عليه غير مناسب فرذه بعض شزاح الكشاف بأن الهز دمان وقع بالأصالة على الجذع لكن المقصود منه الثمرة فلهذا النكتة المناسبة جعلت أصلا لأن هز الثمرة ثمرة الهز، وقد تطفل عليه بعضهم فأجاب به من عنده وفيه نظر لأن المفيد لتلك قوله: تساقط عليك رطبا، وهز الثمرة لا يخلو من ركاكة فالوجه ما ذكره في الكشف، وقوله: في القاموص يقال: هزه وهزيه مما لا يلتفت إليه وفي تساقط قرا آت تسع وهي ظاهرة، وقوله: وحذفها أي الثانية. قوله: (فالتاء للنخلة) فيه تسمح أي التأنيث الذي دلت عليه التاء باعتبار النخلة والتذكير باعتبار الجذع وجعل التأنيث باعتباره أيضا لاكتسابه التأنيث من المضاف إليه، كما في قوله: يلتقطه بعض السيارة خلاف الظاهر، دمان صح ولذا لم يلتفتوا إليه وكون رطبا تمييزا أو مفعولا أو حالا موطئة بحسب معنى القراآت. قوله: (رطبا جنيا) قال ابن السيد في شرح أدب الكاتب كان يجب أن يقول جنية إلا أنه أخرج بعض الكلام على التذكير وبعضه على التأنيث، وجاء في القرآن ما هو أغرب من هذا وهو قوله تعالى: {وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هود أو نصارى} [سورة البقرة، الآية: 111] ، فأفرد اسم كان حملا على لفظ من وجمع خبرها حملا على معناه كقولك: لا يدخل الدار إلا من كان عقلاء وهذه مسألة أنكرها كثير من النحويين. قوله: (روي الخ (هذا توطئة لما بعده والخوص بضم الخاء المعجمة والصاد المهملة ورق النخل خاصة، وقوله: وتسليتها الخ إشارة إلى سؤال في الكشات، وهو أن حزنها لم يكن لفقد الطعام والشراب حتى تتسلى بالسري والرطب وجوابه(6/152)
بأن تسليتها بهما ليست من هذه الحيثية بل من حيث اشتمالهما على أمور خارقة للعادة دالة على براءة ساحتها، وقدرة الله الباهرة التي يهون عندها كل شيء حتى لا ينكر أمرها فقوله: بذلك أي بقوله: قد جعل ربك تحتك سريا الخ، وقوله: لما فيه من المعجزات قيل إن نسب ذلك لمريم فهو كرامة لا معجزة، ولو قيل بنبؤتها لأن المعجزة الأمر الخارق للعادة الواقع للتحذي ولا تحذي هنا، وإن نسب لعيسى صلى الله عليه وسلم فما وقع للنبي صلى الله عليه وسلم منه قبل ظهور نبؤته كتظليل الغمام للنبيء صلى الله عليه وسلم فهو إرهاص لا معجزة، وأقرب ما قيل فيه أن المراد
بالمعجزة معناها الغوي وهي الأمر المعجز للبشر لكونه خارقا للعادة مطلقا فيصدق على الكرامة والإرهاص أو هي مجاز عرفيي لذلك، وقوله: فجعل الله له ذكر الضمير باعتبار أنها جذع لأنها إنما تكون نخلة إذا كانت تامة هالا فهي جذع من الخشب اليابس والمنبهة معطوفة على الدالة، وعليه حال من مفعول رآها والضمير للشأن، وعلى أن الخ متعلق بالمنبهة وقوله: وأنه أي الحبل من غير فحل، وقوله: مع ما فيه أي فيما ذكر من تهيئة شرابها وطعامها حتى لا تتألم بفقدهما أيضا لكن ذلك ليس مقصودا بالذات. قوله: (ولذلك رتب عليه الأمرين (الإشارة تحتمل أن تكون لما فيه أي لما في الأمر الذي سلاها به من ذكر الطعام والشراب رتب عليه الأمرين يعني المأكول والمشروب يعني بالفاء، ويحتمل أن الإشارة لجميع ما تقدم / أي ولأنه سلاها تسلية أزالت حزنها أمرها بالأكل والشرب لأن الحزين لا يتفرغ لمثله كما نبه عليه بقوله: وقزى عينا، وقدم الماء أولا وأخر الشرب هنا لأن الماء الجاري أظهر في إزالة الحزن، وأصل في النفع عام نفعه للتنظيف ونحوه وحيث ذكره للشرب أخره لأنه إنما يكون بعده ولذا قدم الأكل على الشرب حيث وقع ويحتمل أنه قدم الأكل ليجاور ما يشاكله، وهو الرطب، وقوله: أو من الرطب وعصيره قيل: هو إذا أريد بالسرفي عيسى عليه الصلاة والسلام وليس بمتعين. قوله: (وطيبي نفسك (طيب النفس عبارة عن الاطمئنان وعدم القلق والحزن، فقوله: وارفضي أي اتركي تفسير له يعني أن قزة العين كناية عن السرور ودفع الحزن وهو إفا من القرار والسكون أو من القز بمعنى البرد، ويشهد للأول قوله:
تدور أعينهم من الحزن
وللثاني قولهم: قرة العين وسخنتها وذكروا في وجه برودة دمعة السرور وسخونة غيرها
أن سبب البكاء ارتفاع أبخرة ينعصر بها ما في الدماغ من الرطوبات حتى تسيل وتلك الأبخرة تكون حرارتها في حالة الحزن أشد لعدم انتشارها كما في السرور الظاهر على البشرة، وقوله: وهو لغة نجد أي فإنهم يقولونه بفتح عين الماضي وكسر عين المضارع وغيرهم يكسر عين الماضي ويفتح عين المضارع من القز بمعنى السكون أو البرد، وقوله: لبأت بالحج أصله لبيت من التلبية وهي قولك: لبيك اللهتم لبيك فأبدلت الياء همزة والمؤاخاة بين الهمزة وحرت للين
لأنه يبدل منها ولم يقل والياء لأنه لا يختص بها. قوله: (صمتا (فالمراد به الإمساك مطلقا وهو أصل معناه أو هو مجاز عنه والقرينة قوله: فلن أكلم اليوم الخ وعليه يظهر التفريع، وقوله: وكانوا لا يتكلمون في صيامهم وكان ذلك قى بة في دينهم فيصح نذره، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عنه فهو منسوخ في شرعنا كما ذكره الجصاص في كتاب الأحكام وقد ورد في الحديث كما رواه أبو داود لا يتم بعد احتلام ولا صمت يوم إلى الليل، وفي شرح البخاري لابن حجر عن ابن قدامة أنه ليس من شريعة الإسلام، وظاهر الإخبار تحريمه فإن نذره لا يلزمه الوفاء به ولا خلاف فيه بين الشافعية والحنفية لما فيه من التضييق، وليس من شرعنا لهان كان قربة في شرع من قبلنا وعليه أيضا فالتفريع ظاهر. قوله: (بعد أن أخبرتكم بنذري (لدفع ما يتوهم من أنها إذا أنذرت عدم الكلام يكون قولها هذا مبطلا له، وحاصله أنها نذرت أن لا تكلم أحدا بغير هذا الإخبار فلا يكون مبطلا له لأنه ليس بمنذور، وقولها: إني نذرت ليس بإنشاء للنذر بل إخبار عن نذر وقع منها ولم تعين زمانه وزمانه كان بعد التكلم بهذا، ويحتمل أن قوله: فلن أكلم اليوم انسيا تفسير للنذر بذكر صيغته فلا وجه لما قيل إن الظاهر أن هذا الكلام إنشاء للنذر، فما ذكره المصنف لكونه في صورة الخبر أو لتضمنه له وكذا ما قيل إنه من تتمة النذر أو هو مستثنى منه عقلا لأنه ضرورفي، وقوله: أكلم الملائكة من مفهوم(6/153)
قوله: إنسيا دون أحدا، وقوله: مع ولدها إشارة إلى أن الباء للمصاحبة ولو جعلت للتعدية صح أيضا وقوله: حاملة إياه إشارة إلى أن الجملة حال من ضمير مريم أو عيسى، ولذا فصل الضمير ليتحقق تنكيره بخلاف ما لو قال حاملته. قوله: (بديعأ منكرا من فرى الجلد (يعني أن أصل حقيقة الفرى قطع الأديم والجلد مطلقا، ثم فرق بين قطع الإفساد والإصلاح ثم استعير لفعل ما لم يسبق له، ولذا فسره المصنف بقوله: بديعا وأما كونه منكرا فظيعا فمما فعل، واختار الثلاثي لأن فعيلا إنما يصاغ قياسا منه، ومن لم يحققه قال الأولى أن يقول: من أفرى لما في الصحاح من أن أفراه معناه قطعه على جهة الإفساد وفراه قطعه على جهة الصلاح ثم أجاب تارة بأن فرى يرد للإفساد
أيضا، كما في القاموس وأخرى بأن القطع الصالح قد يكون محل تعجب لقلة النظر الصحيح وغلبة الهوى. قوله: (وكانت من أعقاب من كان معه الخ (يعني أنها وصفت بالأخوة لكونها وصف أصلها أو هرون يطلق على نسله كهاشم وتميم، والمراد بالأخت أنها واحدة منهم كما يقال أخا العرب، وقوله: وقيل هو رجل صالح أو طالح فليس المراد هرون موسى بل رجل آخر سمي باسمه، وقوله: شبهوها به لأن الأخ والأخت يستعمل بمعنى المشابه كثيرا والتهكم على أنه صالح والشتم على أنه طالح، وقوله: إن كلموه ليجيبكم يعني أشارت إليه إشارة يفهم منها هذا بدليل قوله: قالوا كيف. قوله: (وكان زائدة الخ (الداعي لما ذكره أنه لو أبقى النظم على ظاهره لم يبق خارقا للعادة ومحلا للتعجب والإنكار فإن كل من يكلمه الناس كان في المهد صبيا قبل زمان تكليمه، فإقا أن تجعل زائدة لمجرد التأكيد من غير دلالة على زمان والمعنى كيف نكلم من هو في المهد الآن حالة كونه صبيا، فصبيا حال مؤكدة لأن كان الزائدة لا عمل لها، ولو لم تكن زائدة كان خبرا وأما على قول من قال: إن كان الزائدة لا تدل على حدث لكنها تدل على زمان ماض مقيد به ما زيدت فيه كالسيرافي فالزيادة لا تدفع السؤال كما في شرح المفصل لابن يعيش، وما وقع هنا في تفسير النيسابوري من أن زيادتها نظرا إلى أصل المعنى وإن كانت تفيد زيادة ارتباط مع رعاية الفاصلة بناء على أنها عاملة في الاسم والخبر كما ذهب إليه الجوهرفي ونقله عنه في شرح التسهيل للدمامينيئ فلا يرد عليه ما قيل إنها غير عاملة فلا دخل لها في انتصاب صبيا في الفاصلة كما قيل نعم المشهور خلافه وهو سهل. قوله: (أو تاقة (بمعنى وجد وصبيا حال مؤكدة أيضا وهي وإن دلت على المضيئ أيضا إلا أن معنى المضيئ هنا تقدمه على زمان التكلم في الجملة، وبقاؤه عليه بحكم الاستصحاب وفيه نظر فإنه على هذا ما الفرق بين التافة والناقصة فتأمل. قوله: (أو دائمة كقوله تعالى: {وكان الله عليما حكيما} ) يعني أنها تدل على الدوام والاستمرار بقطع النظر عن المضيئ، وغيره فهي
بمعنى لم يزل ولا يزال، قال في الغرر: والدرر الرضوية وهو فصيح كثير في كلام العرب وهو مجاز ثم بين وجه التجوز فيه، والدوام هنا يكون بمعنى ثبوت الخبر في الماضي من غير انقطاع له كما ذكره ابن الحاجب، ويصح أن يراد به هذا أيضا فيكون أحد الوجهين المذكورين في الكشاف ولا يرد عليه شيء كما توهم دماذا كان بمعنى صار فالمضيئ بالنسبة لما صار منه وهو يدل على البقاء فيما صار إليه كما هو شأن صار، وفي الكشاف إن كان لإيقاع مضمون الجملة في زمان ماض مبهم يصلح لقريبه وبعيده وهي هنا لقريبه خاصة بقرينة السياق والتعجب والغرض استمراره على حاله وهو أوكد ممن هو في المهد لأن السابق كالشاهد عليه، ووجه آخر أن يكون نكلم حكاية حال ماضية أي كيف عهد قبل عيسى أن يكلم الناس صبيا في المهد وقال الزجاج: الأجود أن تكون من شرطية لا موصولة أو موصوفة كما قيل أي من كان في المهد فكيف نكلمه وهذا كما يقال: كيف أعط من لا يعمل بموعظتي والماضي بمعنى المستقبل في باب الجزاء فلا إشكال فيه. قوله: الأنه أول المقامات (أي مقامات السالكين أولها الاعتراف بالعبودية وذلك بتفويض أموره كلها لسيده الذي لا يسئل عما يقعل ومراتب هذا المقام متفاوتة، ووجه الرد أنه لو كان ربا لم يكن عبدا بل مالكا متصرفا فلا وجه لما قيل إن الظاهر أن يقول على من زعم أنه ابنه وتفسير الكتاب بالإنجيل لأن تعريفه للعهد.(6/154)
قوله: (نفاعا (أي كثير النفع لإبرائه الأبرص والأكمه، وتعليمه الخير بإرشاده، وإن ضل
به أقوام لسوء اختيارهم، وقوله: كالواقع أي في الماضي ولو قال: كالذي وقع كان أظهر لأن المتبادر من اسم الفاعل الحال، وقوله: وقيل الخ فهو على ظاهره من غير تأويل. قوله: (زكاة المال إن ملكته (في شرح الشفاء عن ابن عطاء الله أنه لا زكاة على الأنبياء عليهم انصلاة والسلام، لأن الله تعالى نزههم عن الدنيا فما في أيديهم لنه ولذا لا يورثون أو لأن الزكاة تطهير وكسبهم طاهر، وفي قوله إن ملكته وما بعده إشارة إليه، وقيل إنه أمر له بإيجاب الزكاة على أقته فتأمل، وقوله: وصف به أي مبالغة كرجل عدل، أو بتقدير مضاف أي ذا بز، وهو معطوف على قوله: مباركا، وقوله: بفعل دل عليه أوصاني أي ألزمني أو كلفني لدلالة الوضية عليه، ويجوز عطفه على محل قوله: بالصلاة كما قيل في قراءة وأرجلكم بالنصب مع أن أوصى قد يتعدى للمفعول الثاني بنفسه كما وقع في البخاري أوصيناك دينا واحدا فتأمل وقوله: ويؤيده الخ فإن هذه القراءة تدل على أنه موصى به ففي قراءة النصب ينبغي توافقهما معنى فينصب بما دل عليه الوصية لتعلقها به. قوله: (عند الله من فرط تكبره (عند هنا إن كانت هي الظرفية
فالمراد أنه لم يقض له بالشقاوة في علمه الأزليئ وعند الله قد يراد به في علمه وقد يراد به في حكمه كما صرحوا به، فالمراد إق عدم جباريته وشقاوته لا تختص بالماضي كما يفهم من ظاهر النظم بل هي مما لا تتغير لأنها مما قضى وقدر، فلا وجه لما قيل إن الأولى عدم التقييد، ولا لما قيل إق هذا القائل حزف العبارة ولم يقف على مراده يعني أق عند هنا بفتحتين ماض من العناد فإنه خلاف المتبادر من غير ضرورة. قوله: (كما هو على يحى (يعني فيما مر إشارة إلى تفسيره وتوطئة لما بعده من قوله: والتعريف للعهد أي المراد به السلام السابق كما تقول جاءني رجل فأكرمت الرجل أي الذي جاء وجعله غير الأظهر لا لأن المعهود سلام يحيى وعينه لا يكون سلام عيسى عليه الصلاة والسلام لجواز كونه من قبيل هذا الذي رزقنا من قبل أي مثله بل لأن هذا الكلام منقطع عن ذلك وجودا وسردا فيكون معهودا غير سابق لفظا ومعنى مع أن المقام يقتضي التعريض وهو يفوت على ذلك التقدير لأنه إنما نشأ من اختصاص جميع السلام أو جنسه به كذا في الكشف. قوله: (والأظهر أنه للجنس (لما مر من أن العهد غير ظاهر، ولم يقل والصحيح كما في الكشاف لجواز أن يكتفي في العهد به بذكره في الحكاية، والمراد بالجنس ظاهره أو الاستغراق لأنه يحمل عليه إذا تعذر العهد، والتعريض باللعن أي البعد والطرد عن رحمة الله وكرامته لأن السلام دعاء بالسلامة عما يكره واختصاص الجنس به المستلزم لاختصاص جميع الأفراد يفهم منه ذلك بطريق التعريض وأعداؤه اليهود، وكأن القرينة على هذا قوله: بعده ذلك قول الحق الذي فيه يمترون، فيندفع به ما قيل عليه إنا لا نسلم ذلك، وليس في النظم ما يدل عليه لأن أول مقام شاهدوه ولادة عيسى عليه الصلاة والسلام من غير أب فلا يدل على مناكرة وعناد وليس فيه دليل على أن الخطاب لليهود، فتأمل. وقوله: فإنه أي عيسى عليه الصلاة والسلام أو الضمير للشأن، وقوله: على نفسه أي أصالة وعلى من اتبعه بالتبعية. قوله: (أي الذي تقدم نعته هو عيسى ابن مريم الخ (يعني أق ذلك إشارة إلى الذات الموصوفة بما تقدم من الصفات وأن التركيب يفيد الحصر أي قصر المبتدأ إفا بناء على ما ذكره الكرماني في شرح البخاري من أن تعريف الطرفين مطلقا يفيد الحصر وإن خصه أهل المعاني بتعريف المسند بالألف واللام أو بإضافته إلى ما فيه الألف واللام نحو تلك آيات الكتاب على ما في بعض شروح الكشاف وأما بناء على أن عيسى ابن مريم مؤؤل به لأنه في تأويل المسمى به، أو أن الحصر مستفاد من فحوى الكلام حيث كان الوصف إشارة إلى نفي ما اذعوه فيه بطريق برهانيئ لأنه إذا تحقق وصفه بالعبودية لخالقه لزم أن لا يكون إلها وابنا دته ونحوه وهذا هو الحق لأن كل علم مؤؤل بما ذكر، وما ذكره الكرماني محل بحث فتأمل.
قوله: (فيما يصفونه (أي في وصفهم فما مصدرية، ويجوز أن تكون موصولة، وقوله:(6/155)
والطريق البرهاني بيان لما أراده فلا حاجة إلى تكلف الحصر فيه كما قيل، وقوله: ثم عكس الحكم إن كان المراد بالحكم النسبة التاقة، والقضية الخبرية فالمراد أنهم حكموا بأن ابن الله أو الإله عيسى عليه الصلاة والسلام فأتى بما يدل على خلافه من أنه عبد مخلوق له ب! نفخ روح منه، وإن كان المراد به المحكوم به والخبر فالمراد أنه كان الظاهر أن يقال: عيسى عبد الله ومخلوقه لأنه المتنازع فيه والمقصود بالإفادة فعكس لاذعاء أن ذلك الوصف معلوم مسلم ليكون أبلغ في الرد عليهم، وهو الظاهر كما يدل عليه قوله: حيث جعله الموصوف لأن الأصل أن يجعل ما يدل على الذات موضوعآ، وما يدل على الصفات محمولا، وقوله: والإضافة أي إضافة قول إلى الحق للبيان وليست من إضافة الموصوف إلى الصفة أي القول الحق والمراد بالضمير هو المقدر، والكلام السابق قوله: قال إني عبد الفه الخ، أو قوله: ذلك عيسى ابن مريم لأن الإشارة إلى ما قبله، وقوله: أو لتمام القصة أي لقصة عيسى عليه الصلاة والسلام بتمامها، وقيل: المراد بتمام القصة آخرها وهو قوله ذلك عيسى ابن مريم، دياذا كان صفة أو بدلا فالمراد بالحق الله وعلى ما قبله بمعنى الصدق، وكلمة الله أطلقت على عيسى عليه الصلاة والسلام بمعنى أنه خلق بقول: كن من غير أب، وقوله: على أنه مصدر مؤكد أي لمضمون الجملة منصوب بأحق محذوفا وجوبا وشممى مؤكدا لغيره عند النحاة، وقال: وقول بالفتح والضم كما في الكشاف مصدر بمعنى واحد، ويصح نصبه على المدح. قوله: (يشكون (على أنه من المرية وهي الشك أو يتنازعون على أنه من المراء، وهو الجدال والتبكيت إلزام الخصم بالحجة، وبهتوه بمعنى افتروا عليه وعاندوا فيه، ومعنى إيجاده بكن أن إرادته للشيء يتبعها كونه لا محالة من غير توقف فشبه ذلك بأمر الآمر المطاع إذا ورد على المأمور الممتثل على طريق التمثيل كما مر تحقيقه، والنصب على الجواب مر تحقيقه في سورة النحل، وقوله: وإن الله
ربي وربكم في قراءة الكسر بتقدير قل يا محمد إن الله ربي وربكم الخ، وعلى تقديره ولأن فهو متعلق باعبدوه دماذا عطف على الصلاة فهو من مقول عيسى عليه الصلاة والسلام. قوله: (اليهود والنصارى أو فرق النصارى (الأحزاب الفرق مطلقآ، واختلف المفسرون في المراد بهم هنا فقيل: اليهود والنصارى بادعاء بعضهم له البنوة ونحوها وبعضهم أنه ساحر كذاب، وقيل: المراد فرق النصارى فإنهم اختلفوا بعد رفعه فيه فقال: نسطور هو ابن الله أظهره ثم رفعه، وقال يعقوب: هو الله هبط ثم صعد وقال ملكاء وهو عظيمهم الذي استولى على الروم هو عبد الله ونبيه فنسبت كل فرقه إلى من اعتقدوا معتقده، وقيل: المراد مطلق الكفار فيشمل اليهود والنصارى، والمشركين الذين كانوا في زمن نبينا صلى الله عليه وسلم ورجحه الإمام بأنه لا مخصص للكفار ومشهد يوم الجزاء عاتم لهم ولم يذكره المصنف لأن ذكر الاختلاف عقيب قصة عيسى عليه الصلاة والسلام يقتضي تخصيصهم بأهل الكتاب لأنهم المختلفون فيه، وما ذكر من مذاهب الفرق الثلاثة ذكره بعض أهل التفسير هنا وحذا حذوهم المصنف رحمه الله وشراح الكشاف وما نقله في الملل والنحل يخالفه، وهو أن الملكانية قالوا: إن الكلمة يعني أقنوم العلم اتحدت بالمسيح عليه الصلاة والسلام وتدرعت بنا سوته والروح عندهم روح القدس وأقنوم الحياة ولا يسمون العلم قبل تدرعه ابنا بل الابن المسيح بعد التدرع، وقال بعضهم إن الكلمة مازجت عيسى عليه الصلاة والسلام كما يمازج الماء اللبن، ثم قالت الملكانية: الجوهر موصوف وهو غير الأقانيم لأنها بمنزلة الصفة له وصرحوا بالتثليث كما نطق به القرآن، وقالت الملكانية أيضا المسيح ناسوت كليئ لا جزئيئ وهو قديم، وقد ولدت مريم إلها قديما أزليا والصلب والقتل وقع على الناسوت واللاهوت معا وأثبتوا الأبؤة والبنوة وهذا مخالف لما ذكره المصنف رحمه الله وغيره هنا بل ما ذكره المصنف هنا مخالف لما قدمه في سورة المائدة وملكاء بالمذ علم غير عربي والنسبة إليه ملكائية بهمزة بعد الألف الممدودة والجاري على الألسنة وفي نسخ القاضي ملكانية نسبة إلى ملكاء على غير القياس كصنعاني نسبة إلى صنعاء وكل هذا محتاج إلى تصحيح النقل فيه فانظره. قوله: (من شهود يوم عظيم (حاصله أن فيه(6/156)
ستة أوجه لأنه إما مصدر ميميئ أو اسم زمان أو مكان على كل حال فهو إما من الشهود أي الحضور أو من الشهادة، وإذا فسر بشهود يوم فالإضافة إفا بمعنى في أو على الاتساع وكذلك الشهادة، وقوله: وهو أن يشهد الخ تفسير لهذا الوجه وفيه إشارة إلى أن نسبة الشهادة إلى اليوم مجازية كنهاره صائم وتذكير الضمير باعتبار الخبر دماذا جعل زمانا فالإضافة بمعنى من أو للملابسة، وقوله: هوله وحسابه
إشارة إلى أن إسناد العظمة إلى اليوم مجازية أو بتقدير مضاف فتجري الصفة على غير من هي له، وقوله: أو من وقت الشهود وهو بعض ذلك اليوم فلا يلزم أن يكون للزمان زمان مع أنه لا استحالة فيه بناء على أنه متجذد يقدر به متجذد آخر كما بين في محله، وآرابهم أعضاؤهم جمع أرب كعضو وهو القطعة من الشيء وقوله: ما شهدوا به في عيسى عليه الصلاة والسلام وأفه فعظمه لعظم ما فيه أيضا، كقوله: كبرت كلمة تخرج من أفواههم. قوله: (معناه (أي معنى التعجب المراد منه، أن أسماعهم جمع سمع بمعنى المصدر أو القؤة السامعة وأبصارهم جمع بصر بالمعنيين، وجدير أي حقيق ولائق خبر أن وإنما أول التعجب بما ذكر وأنه مصروف للعباد الذين يصدر منهم التعجب لأن صدوره من الله محال إذ هو كيفية نفسانية تنشأ عن استعظام ما لا يدري سببه، ولذا قيل إذا ظهر السبب بطل العجب، والمعنى تعجبوا من سمعهم وأبصارهم حيث لا ينفعهم ذلك كما يشير إليه قوله اليوم في ضلال مبين لإهمالهم النظر والاستماع فهي كقوله تعالى: {فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد} [سورة ق، الآية: 22،. قوله: (أو التهديد بما سيسمعون ويبصرون يومئذ (فهو على الأول ذكر فيه اللازم وأريد الملزوم وليس بكناية لامتناع إرادة الملزوم والفعلان منزلان منزلة اللازم إذ ليس المراد أنهما متعلقان بالمفعول والتعجب منه بل المراد نفس الأسماع والأبصار، وعلى هذا المراد تعلقهما بالمفعول وهو ما يسوءهم ويصدع قلوبهم وهو على هذا أيضا مجاز عن أن أسماعهم وأبصارهم جدير أن يتعجب منها لكن لا مطلقا بل متعلقين بالمفعول المذكور، وفيه معنى التهديد لكنه أخره كما مرضه في الكشاف لأن قوله لكن الظالمون الخ أنسب بالأول فهو معطوف على قوله: إن أسماعهم لأنه للتعجب فيهما وأما عطفه على قوله: تعجب فبعيد ينبو عنه اللفظ وإن صح أيضا والمعنى أن الأول تعجب مصروف إلى العباد وهذا تعجب مقصود به التهديد والفرق بينهما ما مر، وقيل: إنه على الأول تعجب راجع إلى العباد وعلى الثاني هو كناية عن مجرد التهديد فيكون معطوفا على قوله: تعجب وفيه نظر، وعلى التعجب المراد أسمع بهم وأبصر بهم. قوله: (وقيل أمر (أي النبي صلى الله عليه وسلم بأن يسمعهم الخ فهو أمر حقيقي غير منقول للتعجب والمأمور هو النبي صلى الله عليه وسلم والمعنى أسمع الناس وأبصرهم بهم وحذثهم بما يحل بهم من العذاب، وهو منقول عن أبي العالية كما ذكره المعرب فيتعلق الاستدراك بقوله: فويل للذين كفروا، وقوله: والجار والمجرور على الأول في موضع الرفع يعني على أنه للتعجب سواء أريد به التهديد أو لا، وهذا بناء على القول بأن المجرور في باب التعجب فاعل والباء فيه زائدة على ما فصل في كتب النحو واختاره المصنف، وعلى الثاني أي قول أبي العالية يكون في محل
نصب لأنه أمر حقيقي فاعله مستتر وجوبا وهو ضمير النبي صلى الله عليه وسلم وقيل في التعجب أيضا أنه في محل نصب وفاعله ضمير المصدر، وليس مراد المصنف رحمه الله الإشارة إلى هذا القول كما توهم ثم إنه لا يلزمه حذف الفاعل من وأبصر لأن ابن مالك رحمه الله ذهب إلى أن الجاز حذف من وأبصر ثم استتر الضمير في الفعل لدلالة الأول عليه فلا حذف للفاعل، نعم قال سيبويه: إنه لملازمته الجز وكون الفعل قبله في صورة ما فاعله مضمر والجاز والمجرور بعده مفعوله أشبه الفضلة فجاز حذفه اكتفاء بما تقدمه، واحترز بقيد الملازمة عن نحو كفى بالته شهيدا، وما جاءني من رجل فلا يجوز حذفه لعدم الملازمة فيه، ومن لا يقول إنه فاعل فهو ظاهر عنده. قوله: (أوقع الظالمين موقع الضمير (إذ مقتضى الظاهر لكنهم وكون الظلم لأنفسهم مأخوذ من السياق لأن الإغفال إنما يعود ضرره عليهم وقال في الكشاف: أوقع الظاهر أعني الظالمين موقع الضمير إشعارا بأنه لا ظلم أشد من ظلمهم حيث أغفلوا(6/157)
الاستماع والنظر حين يجدي عيهم وش! عدهم والمحراد بالضلال المبين إغفال النظر والاستماع اهـ. قيل: ولم يتعرض له المصنف رحمه الله لعدم ظهور وجه الإشعار المذكور إلا أن يقال: إطلاق الظالمين المحلى باللام الاستغراقية على الذين كفروا من الأحزاب من بينهم يدل على كمالهم في الظلم وهو ضعيف لا لأن أل هنا موصولة لدخولها على اسم الفاعل إلا على مذهب المازني لأن الموصولة تفيد ما تفيده أل المعزفة كما ذكره النحاة ولا ينافيه العهد الذي في الصلة بل لأن ما ذكره ليس مراده إذ مراده أن الظلم بمعنى الإغفال نوع من الكفر الموصوفين به أولا فأفراده بالذكر، كعطف جبريل على الملائكة، والتسجيل به على ضلالهم دون غيره يقتضي أنه أشدها وأقواها، وفي كلام المصنف رحمه الله إشارة إليه فتدبر. قوله: (حيث أغفلوا (أي تركوه وصاروا غافلين عنه، وقوله: بأنه ضلال مبين وقع في نسخة بين وهما بمعنى، وقوله: يوم تتحسر الناس إشارة إلى أن إضافته إليها لوقوعها فيه، وقوله: فرغ من الحساب إشارة إلى أن تعريف الأمر للعهد وأنه واحد لأمور، وتصادر الفريقان أي صدر كل من موقف الحساب إلى مقزه، فإقا إلى الجنة هافا إلى النار، وقوله: وما بينهما اعتراض أي جملة معترضة لا محل لها من الإعراب والواو اعتراضية. قوله: (أو بأنذرهم (معطوف على قوله: بقوله في ضلال مبين، وقوله: غافلين غير مؤمنين إشارة إلى أنه حال من المفعول، وقوله: فيكون حالا متضمنة للتعليل أي أنذرهم لأنهم في حالة يحتاجون فيها للإنذار وهي الغفلة والكفر فاندفع به ما قيل
على هذا الوجه من أنه غير ملائم لقوله: إنما أنت منذر من يخشاها لأن قوله: وهم لا يؤمنون نفي عنهم الإيمان في جميع الأزمنة على سبيل التأكيد والمبالغة لأن لكل مقام مقالا فهنا المقام مقام احتياجهم للإنذار وذاك مقام بيان من ينفعه الإنذار بتنزيل من لا ينفعه منزلة العدم، وهو لا يقتضي منعه من إنذار غيره إذ ما على الرسول إلا البلاغ فهذه الآية كقوله: لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم فهم كافلون، ودلالة قوله: وهم لا يؤمنون على الدوام والاستمرار غير مسلمة. قوله: الا يبقى لأحد غيرنا عليها وعليهم ملك ولا ملك (بالكسر والضم ومعنى الأول اختصاص عين المملوك بالمالك بحيث له التصزت فيه والاستقلال بمنافعه، ومعنى الثاني التصزف في المملكة بالأمر والنهي ومنه الملك بكسر اللام فإرث الأرض ومن عليها معناه استقلاله بتملكها ظاهرا وباطنا دون من سواه وانتقال ذلك إليه انتقال ملك الموروث من المورث إلى الوارث ومعناه حينئذ كمعنى قوله تعالى: {لمن الملك اليوم لله الواحد القهار} [سورة غافر، الآية: 16] ، وقوله: أو نتوفى الأرض أي نستوفيها ونأخذها، ونقبضها بتشبيه الإفناء بأخذ العين وقبضها وقبض الوارث لما قبضه من مورثه وهو استعارة فيهما، وفي الكشاف يحتمل أنه يميتهم ويخزب ديارهم وأنه يفني أجسادهم ويفني الأرض ويذهب بها يعني أن الآية تحتمل معنيين أحدهما أن يكون المراد بإرث الأرض تخريبها وبإرث من عليها إماتتهم، والثاني أن يكون المراد بإرث من على الأرض إفناء أجسادهم وبإرث الأرض إذهابها، وفي الوجه الأول على الأرض الأحياء والأرض ديارهم لأن الإماتة إنما تكون للأحياء والتخريب للديار العامرة فتعريف الأرض للعهد، وفي الثاني من على الأرض شامل للأحياء والأموات والأرض العامرة والخربة جميعا، وقال الفاضل اليمني: إن معناه أنه يحتمل أن يراد بالوراثة الخاصة، وأن يراد بها العامة والتعريف في الأرض للعهد ولذا قال: يخزب ديارهم وعلى الثاني للجنس والذي قال: يفني الأرض أو يذهب بها والثاني أولى لأن الكلام في شأن القيامة ولأنه في معنى قوله تعالى:) لمن الملك، الخ وعليهما ينزل كلام المصنف رحمه الله، وقوله: يرذون للجزاء بيان لمآل إرجاعهم إليه. قوله: (واذكر في الكتاب الآية (قال في الكشاف: والمراد بذكر الرسول إياه وقصته في الكتاب أن يتلو ذلك على الناس ويبلغه إياهم كقوله: واتل عليهم نبأ إبراهيم وإلا فالئه عز وجل هر ذاكره ومورده في تنزيله، وهذا دقيق جدا فتأمله. قوله: (ملازما للصدق (يعني أن صديقا مبالغة كضحيك ونطيق، والمبالغة إفا في الكيف أو في الكم والصيغة إما من الصدق وإما من التصديق، وقال(6/158)
لراغب الصديق من كثر منه الصدق أو من لا يكذب قط، وقيل: من لا يتأتى منه الكذب لتعؤده الصدق وقيل: بل من صدق بقوله: واعتقاده وحقق صدقه بفعله والصذيقين في قوله: مع النبيين والصديقين قوم دون الأنبياء عليهم الصلاة
والسلام، وفي الكشاف الصديق من أبنية المبالغة ونظيره الضحيك والنطيق، والمراد فرط صدقه وكثرة ما صدق به من غيوب الله وآياته وكتبه ورسله وكان الرجحان والغلبة في هذا التصديق للكتب والرسل أي كان مصدقا بجميع الأنبياء وكتبهم وكان نبيا في نفسه، كقوله تعالى: {بل جاء بالحق وصدق المرسلين} [سورة الصافات، الآية: 37] ، أو كان بليغا في الصدق لأن ملاك أمر النبؤة الصدق ومصدق الله بآياته ومعجزاته حرفي أن يكون كذلك، وفي الكشف المبالغة فيه تشمل المبالغة كما وكيفا فحمله أولا على الأول بقوله ت والمراد فرط صدقه وكثرة ما صدق به والعطف تفسيرفي لأن من صدق كثيرا يكون كثير الصدق في تصديقه، وثانيا على الثاني بقوله: أو كان بليغا في الصدق ولك أن تجعله جامعا للقسمين لكونه في مقام المدح والمبالغة وقد ألئم به الراغب والأول أعني كونه صذيقا تمهيد للثاني وإثبات له بدليله وترق ولا تكميل على الأول ولا تتميم على الثاني لا سيما وقد قدر ذلك، في صديقا وهو تقدم وأما جعله في الأول راجعا إلى المفعول كما في قطعت الحبال على ما في بعض الحواشي فمن الإغلاط. قوله: (أو كثير! في نسخة وكثير التصديق بالواو بدل أو وفي أخرى كثير التصديق بدون عاطف والأولى ظاهرة لظهور مقابلها باعتبارين لأن الأول من الثلاثي والثاني من المزيد، والأول مبالغة في الكيفية والآخر في الكمية وقد عرفت أن صاحب الكشف لم يرتض التكثير باعتبار المفعول، وأما الثانية فوجهها أيضا ما مر من أنه يجوز قصد المبالغة في الكئم والكيف معا بمقتضى مقام المدح لا لأنه يكون مأخوذا من الثلاثي والمزيد معا لعدم صحته بل لأن أحدهما مدلوله والآخر لازمه لأن من كثر تصديقه كان كثير الصدق في تصديقه ويكون العطف تفسيريا، وذكر الأول تمهيدا للثاني، كما مر أيضا والثالثة مثلها في المعنى وأما كون الواو بمعنى أو فخلاف الظاهر وخص ما ذكر بقوله: من غيوب الله الخ لأنه التصديق المعتبر الذي يمدح به الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فهو الحرفي بالذكر والمصرح به في تلك الآية، وقوله: بدل أي بدل اشتمال كما مز. قوله: (وما بينهما اعتراض (أي جملة أنه كان وقول صاحب الفرائد أق الاعتراض بين المبدل منه، والبدل بدون الواو بعيد عن الطبع لا وجه له وليس الرد والقبول بالتشهي، وقوله: أو بصذيقا نبيا ظاهره أنه معمول لهما معا وتوارد عاملين على معمول واحد غير جائز عند النحاة، وقوله: في الكشاف أي كان جامعا لخصائص الصديقين والأنبياء حين خاطب أباه تلك المخاطبات كأنه لجعلهما بتأويل اسم واحد كتأويل حلو حامض بمن ليسلم مما ذكر أو ليكون العامل معناهما ولا يخلو من الكدر، ولو أراد أنه معمول لصديقا لم يكن لذكر نبيأ وجه مع أن الوصف يمنع من العمل عند البصريين، وكذا لو تعلق بنبيا مع أنه يقتضي أنه نبي في وقت هذه
المقالة، وأما ما قيل: إن مراده أنه متعلق بصديقا الموصوف بنبيا أو أنه متعلق بصديقا ونبيا على البدل فلا يخفى ما فيه من الخلل، وقوله: لا يقال يا أبتي لما فيه من الجمع بين العوض والمعؤض وهو لا يجوز إلا شذوذا كقوله:
يا أبتي أزقني القذان
ولما ورد عليه شبهة الجمع في يا أبتا وهو جائز دفعه بأنه جمع بين عوضين كما يجمع صاحب الجبيرة بين المسح والتيمم وهما عوضان عن الغسل، وقيل: المجموع فيه عوض وقيل: الألف للإشباع في مثله وهي علل نحوية بعد الوقوع، وقوله: إنما يذكر للاستعطاف أي لطلب العطف والشفقة لا لمحض النداء، وقوله: فيعرف بالنصب في جواب النفي، وشيئا في النظم يحتمل النصب على المصدر أو المفعولية وعبارة المصنف في تفسيره تحتملهما، وقيل إنها ظاهرة في الأول. قوله: (دعاه إلى الهدى وبين ضلاله الخ (جعله دعوة لأن إنكار عبادة ما لا ينفع في قؤة الأمر بعبادة غيره، وهو إن لم يكن صريحا فهو أخوه وتبيين الضلالة بعبادة ما لا يسمع ولا يبصر، والاحتجاج عليه إذ العبادة لا تصح لمثل هذه الجمادات وأرشقه بالشين المعجمة والقاف بمعنى ألطفه، وقوله: حيث الخ تعليل لما قبله من الأبلغية والألطفية، وطلب العلة بقوله: لم واستخفاف العقل لعدم إدراكه، وفائدته والركون الميل، وقوله: ولا تحق الخ بيان للواقع لا أنه(6/159)
من النظم وكذا ما بعده، وقوله: ونبه أي بسؤاله المذكور، وقوله: ئم دعاه شروع في تفسير الآية الآتية.
قوله: (ولم يسم أباه (من الوسم وهو العلامة والمراد لم يصفه وهو مجاز مشهور بهذا المعنى، وإنما لم يصفه مع أنه كذلك تأذبا ورفقا ولم يذع العلم الفائق تواضعا ولأنه أقرب إلى الإجابة وذلك بقوله: جاءني من العلم أي بعضه، وقوله: بل جعل نفسه كرفيق الخ، يشير إلى
أن في النظم تشبيها تمثيليا، وقوله: ثم ثبطه الخ توطئة لتفسير ما بعده، وقوله: المولى للنعم كلها مأخوذ من قوله للرحمن، والمطاوع للعاصي عاص يعني إذا طاوعه في المعاصي، وقوله: حقيق الخ بيان لمناسبة ذكر الرحمن هنا فإنه قد يتوهم أن المناسب ما يدل على غضب ونحوه، وقوله: وما يجر إليه الضمير المستتر لسوء العاقبة والمجرور للموصول وفي نسخة ما يجره والبارز المنصوب لأبيه أي الذي يجر سوء العاقبة أباه إليه ويجوز عود الضمير المستتر لما والمنصوب لسوء العاقبة وعكسه والمجرور لأبيه. قوله: (قرينا (تفسير لقوله: وليا إشارة إلى أن المفهوم من الآية ترتب الولاية على ص العذاب والأمر بالعكس فأشار إلى دفعه بأن فسر الولاية بالمقارنة فيما ذكر أو بالثبات المذكور وقيل إنه من إطلاق السبب هارادة المسبب، وقوله: تليه ويليك إشارة إلى وجه دلالته على ذلك لأنه من الولي وهو القرب وكل من المتقاربين قريب من صاحبه فلا تجوز فيه، وقوله: أو ثابتا في موالاته الثبوت يفهم من المضارع الدال على الاستمرار التجذدي ومن صيغة الصفة المشبهة ولأنه كان وليا له قبل ذلك وهو إشارة إلى تفسير آخر له على أنه من الموالاة وهي المتابعة والمصادقة، فإن قلت كيف يتأتى تفسيره بالثبات على موالاته مع أن قوله تعالى: {الإخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين} [سورة الزخرت، الآية: 67] ، قلت قيل إن أريد بالعذاب عذاب الدنيا فلا إشكال وإن أريد عذاب الآخرة فالمراد الثبات على حكم تلك الموالاة وبقاء آثارها من سخط الله فلا منافاة كما توهم والجواب هو الثاني كما يدل عليه قوله في الكشاف دخوله في جملة أشياعه وأوليائه لأن الأول لا مساس له بما نحن فيه ولا يلائم بقية كلام المصنف كما ستعرفه. قوله: (كما أن رضوان الله أكبر من الثواب (وان عظم في نفسه لقوله تعالى: {وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ومساكن طيبة في جنات عدن ورضوان من الله أكبر} [سورة التوبة، الآية: 172] فلزم بطريق التعكيس أن يكون سخط الله أكبر من العذاب لأنه منشأ عذابه كما أن الرضوان منشأ الفوز بضده، ولذا رتب عليه وبهذا تعلم أن المراد بموالاته ودخوله في أوليائه كونه مغضوبا عليه غير مرضيئ وأن هذا مبني على التفسير الثاني لا على أي معنى كان للولاية كما قيل. قوله: (وذكر الخوف والمس الخ (أما الأول فلأن الخوف
كما قاله الراغب: توقع المكروه عن أمارة مظنونة أو معلومة فهو غير مقطوع فيه بما يخاف فلم يذكر له أنه جازم بمس العذاب له مجاملة له أي معاملة جميلة في ملاقاته لأن ذلك أجمل من القطع بعذابه أو لإظهار أن عاقبة أمره وخيمة فيجوز أن يعذب وأن لا يعذب وأما الثاني: وهو ذكر المس المشعر بالتقليل فأجمل من ذكر كثرة عذابه ولأن عاقبة أمره منكشفة له فاقتصر منها على الأقل لأنه المتيقن فيه فإنه إذا وقع عذاب فإما أن يعذب عذابا قليلا أو كثيرا وعلى الثاني فهو متضمن له تضمن جمل الأعداد للآحاد، وكذا تنكير العذاب إذا كان للتقليل، فسقط ما قيك إن خفاء العاقبة لا يصح أن يكون علة لذكر المس وتنكير العذاب، وأما ما قيل من أن قصد التقليل من عبارة المس لا يناسب المقام ولا يساعده الكلام لأن المقام مقام تخويف فلا يناسبه التخفيف ولأن المس مما يقصد به المبالغة في الإصابة كما في قوله: وقد مسني الكبر لأن المس اتصال الشيء بالبشرة بحيث تتأثر به الحاسة مع أنه مر ما يخالفه في قوله: لن تمسنا النار في سورة البقرة، فرد بأن المقام مقام إظهار الشفقة ورعاية الأدب وحسن المعاملة فيناسب التقليل والمس منبىء عن قلة الإصابة كما صرح به الأئمة الكثير والإصابة ولا ينافيه قوله: لمسكم فيما أفضتم فيه عذاب عظيم فإن عظم العذاب لا يستلزم شدة الإصابة كما قيل، وقوله: وقد مسني الكبر مع الخطا في التلاوة إذ هي على أن مسني الكبر لا ينافيه إذ الكلام فيما إذا لم يوجد في المقام قرينة حالية أو مقالية تدل على أن المراد به مطلق الإصابة وفي الآية الأولى(6/160)
وصفه بالعظم قرينة مقالية، وفي الثانية كونه في سن الشيخوخة قرينة حالية، ثم إن الاتصال بالبشرة المذكورة لا يقتضي المبالغة في الإصابة لأن القؤة اللامسة تتأثر بأدنى إصابة فليس فيه نسيان لما قدمه في آية البقرة لأن دعوى اليهود ثتم قلة الإصابة كما وكيفا، والحاصل أن هنا مقامين يمكن اعتبار كل منهما مقام التخويف ومقام إظهار مزيد الشفقة وأدب المعاملة ومقتضى الأول حمل التنكير على التعظيم والمس على مطلق الإصابة ومقتضى الثاني خلافه ولذا قال في المطؤل مما يحتمل التعظيم والتقليل قوله: إني أخاف أن يمسك عذاب الخ أي عذاب هائل أو أفي شيء منه ولا دلالة للفظ المس وإضافة العذاب إلى الرحمن على ترجيح الثاني كما ذكره بعضهم لقوله تعالى: {لمسكم فيما أفضتم فيه عذاب عظيم} [سورة النور، الآية: 14] ، ولأن العقوبة من الكريم الحليم أشد انتهى، واعترف في بحث الشرط أن لفظ المس ينبئ عن قلة الإصابة وترجيح المصنف اعتبار المقام الثاني لكون بناء الكلام هنا على مراعاته فتدبر) أقول (كون المس بل الإصابة مشعرة بالقلة مما لا شبهة فيه لكنها لكونها مقدمة لما بعدها متقدمة عليه تقدم الذوق على الأكل وتقدم مس النار على إحراقها واذابتيا هافنائها لما تحرقه تكون غير مقصودة بالذات والمقصود ما بعدها فدل على وقوع أمر عظيم بعدها ودلالتها على الكثرة والعظمة باعتبار ما يلزمها ويتبعها لا بالنظر إليها في نفسها فيصح وصفها بكل منهما بل بهما باعتبارين كما أشاروا إليه فلا منافاة بين الآيات ولا دلالة في قوله على أن مسني الكبر على
أحدهما بل إبقاؤها على ظاهرها أولى لما فيه من التجلد وعدم التضجر وكون المقام مقام التخفيف لا التخويف مع تصديره بقوله: أخاف غير مسلم بل هو مما روعي فيه مقتضى المقامين وهذا هو المناسب لما مر في تفسير قوله: فتكون للشيطان وليآ، ثم إن المدقق في الكشف ذكر أن الحمل على التفخيم في عذاب كما جوزه في المفتاح يأباه ظاهر المقام لأنه مقام حسن أدبه معه أو أنه مما قيل من الرحمن لقوله: أولا، كان للرحمن عصيا وللدلالة على أنه ليس على وجه الانتقام بل ذلك أيضا رحمة من الله على عباده وتنبيه على سبق الرحمة على الغضب وأن الرحمانية لا تنافي العقاب بل الرحيمية على ما عليه الصوفية رضي الله عنهم، وقيل: إن ذكره الرحمن للتحسر وأنه على حذ قول المتنبي:
وما ينفع الحرمان من كف حازم كما ينفع الحرمان من عند رازق ...
قوله: (ولعل اقتصاره (في النظم على عصيان الشيطان في قوله: إن الشيطان كان للرحمن عصيآ، وقوله: من جناياته وفي نسخة جنايتيه بالتثنية والجناية الأخرى معاداته لآدم عليه الصلاة والسلام، وذريته وهو تلميح إلى ما في الآيات الأخر ومن تبعيضة أي وهو بعض جناياته هأنما جمع على ما في النسخة المشهورة مع أن جنايته المذكورة عصيان الرحمن بالاستكبار وعدم امتثال الأمر والمتروكة المعاداة كما صرح به في الكشاف لاشتمال كل منهما على أنواع من القبائح والمعاصي والوساوس التي لا تتناهى، وقوله: لارتقاء همته في الربانية أي لعلو همته في أمور الألوهية حيث لم ينزل لذكر غيرها ولم يعذها جناية معها فلا جرم عنده أعظم من عصيان الله بل لا جرم غيره، وقوله: أو لأنه أي العصيان نتيجة معاداته لآدم عليه الصلاة والسلام أي لأنه لما عاداه لعدم المناسبة الترابية استكبر عن السجود له فكان عاصيا دثه كافرا فاقتصر على ما ذكره من النتيجة لأنها الأهم ولأنها تنبه على سببها ومقدماتها فتعرف منها مع أن المعاداة إنما عذت جناية لما فيها من معصية الله والحمل عليها فهي مندرجة أو كالمندرجة فيه فتدبر. قوله: (قمابل اسثعطافه ولطفه في الإرشاد (كما مر تفصيله، والفظاظة سوء الخلق وكراهته، وغلظة العناد أي الغلظة الناشئة من العناد أو العناد الغليظ، وجعل مناداته باسمه دليلا على ذلك وهو ظاهر، ويا بنيئ بالتصغير، وأخره أي أخر اللفظ الدال عليه وهو أنت لعدم الاعتناء به والالتفات إليه بعدما تلطف به غاية التلطف وهذا مما يدل على فظاظته وغلظته والقول بأنه لو قدم لكان أشنع وأوقع في الدلالة على ذلك مكابرة. قوله: (وقدم الخبر على المبتدأ الخ (خالف أبا البقاء وابن مالك ممن جعل أنت فاعل الصفة لاعتمادها على حرف الاستفهام وذلك لئلا يلزم الفصل بين راغب ومعموله وهو عت آلهتني بأجنبي وهو(6/161)
المبتدأ لأنه
غير معمول له أو يحتاج إلى تقدير عامل آخر له وهو خلاف الأصل لأنه قيل عليه أن المبتدأ ليس أجنبيا من كل وجه لا سيما والمفصول ظرف متوسع فيه والمقدم في نية التأخير والبليغ يلتفت لفت المعنى بعد أن كان لما يرتكبه وجه مساغ، وهذا الأسلوب قريب من ترجيح الاستحسان على القياس لقؤة أثره، د! ان زيادة الإنكار إنما تنشأ من تقديم الخبر كأنه قيل: أراغب أنت عنها لا طالب لها راغب فيها منبها له على الخطأ في ذلك، ولو قيل: أترغب لم يكن من هذا الباب في شيء، فتدبر. قوله: (بلسائي يعني (بالرجم الشتم على طريق الاستعارة، أو المراد الرمي بالحجارة فهو حقيقة، وقوله: حتى تموت الخ بيان للمقصود من الرجم، وقوله: عطف الخ يعني أنه لا يصح أو لا يحسن عطفه على ما قبله لتخالفهما خبرا وإنشاء وجواب القسم غير الاستعطافي لا يكون إنشاء، وقوله: لأرجمنك تهديد وتقريع فيدل على الأمر بالحذر وليست الفاء في قوله:
فاحذرني عاطفة حتى يعود المحذور
قوله: (زمانا طويلا (فهذا معناه من الملوين الليل والنهار من الملاوة بتثليث الميم الدهر
فهو منصوب على الظرفية كقول مهلهل:
فبكت عليه المرسلات مليأ
وهذا أحد الوجوه فيه، وقوله: أو مليا بالذهاب عني يعني أنه مجاز من قولهم: مليئ أي
غنيئ، والمراد سالما أو مطيقا قادرا على الهجر والبعد، وهذا تفسير ابن عباس وعداه بالباء لأنه من تمي بكذا إذ تمتع به كما ذكره الراغب وهو على هذا حال من فاعل اهجرني، وقيل: المعنى هجرا مليا أي طويلا فهو منصوب على المصدرية. قوله: (توديع ومتاركة (السلام أصل معناه السلامة من الآفات ويكون للدعاء بذلك عند الملاقاة وهو ظاهر، وعند المفارقة كما في قوله:
طرقتك صائدة القلوب وليس ذا وقت الزيارة فارجعي بسلام ...
ومقابلة السيئة وهي الشقاق والتهديد بالحسنة وهي توديعة له ومتاركته لأن ترك اساءة
للمسيء إحسان، وقوله: أو لا أصيبك بمكروه أي بأمر تكرهه لكفه عن لومه بالتعريض له
بالجهل وغيره مما يؤذيه وعلى كل من الوجهين فهو من السلامة ولا يختص بالثاني، كما قيل:
ولما كان ذلك ليأسه منه وكان حينئذ مشعرا بعدم الدعاء له استدرك ذلك بقوله: ولكن. قوله:
) فإن حقيقة الاستغفار للكافر الخ (جواب عن أنه كيف جاز له أن يستغفر للكافر أو يعده ذلك، بأنه ليس استغفارا له مطلقا حتى يرد ما ذكر بل هو مشروط بإيمانه وتوبته عن كفره على حذ كون الكفار مأمورين بالفروع الشرعية وإنما فعله لأنه وعده أن يؤمن لقوله: إلا عن موعدة وعدها إياه ولم يرتض هذا في الكشاف وتبعه بعضهم بناء على أنه لا مانع عقلا من الاستغفار للكفار وإنما منع سمعا فما فعله قبل ورود السمع وهو متعين لقوله: إلا قول إبراهيم لأبيه لأستمغفرن لك إذ لو كان شارطا للإيمان لم يكن مستنكرا ومستثنى عما وجبت فيه الأسوة وأما الوعد المذكور فليس من أبيه بل منه، ورد بأن الآية دلت على المنع من التأسي لا أن ذلك كان منصبه فجاز أن يكون من خواصه قيل: وليس بشيء لأنه لم يذهب إلى أن صا ارتكبه إبراهيم عليه الصلاة والسلام كان منكرا بل أنه منكر علينا لورود السمع وفي التقريب إن نفي اللازم ممنوع لأن الاستثناء عما وجبت فيه الأسوة لقوله: قد كانت لكم الآية ولا دلالة فيها على الوجوب، وأجيب بأن جعله مستنكرا مستثنى يدل على أنه منكر لأن الاستثناء عما وجبت فيه فقط، إنما أتى الاستنكار لأنه مستثنى عن الأسوة الحسنة فلو ائتسى به لكان قبيحا أما الدلالة على الوجوب فمبينة من قوله: آخرا لقد كان لكم فيهم أسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر كما تقرر في الأصول والحاصل أن فعل إبراهيم عليه الصلاة والسلام يدل على أنه ليس منكرا في نفسه وقوله: ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا الخ يدل على أنه الآن منكر سمعا وأنه كان مستنكرا في زمن إبراهيم عليه الصلاة والسلام أيضا بعد ما كان غير منكر ولذا تبرا وأمسك عن الاستغفار، وهو ظاهر إلا أن الزمخشري جعل مدرك الجواز قبل النهي العقل على مذهبه، وهو عندنا السمع لدخوله تحت بز الوالدين والشفقة على أمة الدعوة وتبعه فيما ذكر الفاضل المحشي ثم قال: إن ما ذكره المصنف هنا مخالف لما قاله: هناك فراجعه إن شئت(6/162)
وما ذكره ثمة في تفسير قوله تعالى: " قد كانت لكم أسوة حسنة في) براهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم انا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله، إلى أن قال إلا قول إبراهيم لأبيه فإق استغفاره لأبيه ليس مما ينبغي أن يأتسوا به فإنه كان قبل النهي أو لموعدة وعدها إياه وكتب عليه فيه بحث لأن المذكور في النظم هو الوعد بالاستغفار لا الاستغفار نفسه إلا أن يقاد: مقصوده الإشارة إلى أنه كناية عن الاستغفار لأن عدة الكريم خصوصا مثل إبراهيم عليه الصلاة والسلام وخصوصا إذا كانت بالقسم يلازمها الإنجاز وقوله: فإنه كان الخ مندفع بما قررناه آنفا، وبما عسى أن يقال: المذكور في حيز الاستثناء هو العدة نفسها فكيف يستقيم التعليل) أقول (هذا كله من ضيق العطن فإنه لا تعارض بين هذه الأجوبة فإق محصلها أن استغفاره ىلمجح! إن كان قبل النهي عنه فلا إشكال دمان كان بعده فالنهي والمنع عنه ليس مطلقا بل يجوز أن يستغفر له بشرط إيمانه لأنه كان في حياته إذ لا مغ من أن يقاك: اللهم اغفر لهذا الكافر إن آمن وقد قال الفاضل اليمني: إن الإجماع منعقد على جواز الاستغفار للكافر شرط التوبة من الكفر وكذا استغفاره له
إذا وعده الإيمان فإنه في الحقيقة طلب لإيمانه بطريق الاقتضاء إلا أن الاستثناء يخالف الشق الثاني وقد عرفته، وأما كون المذكور في النظم الوعد أو الاستغفار فلا وجه له لأنه إذا امتنع استغفاره امتنع وعده إذ النبي المعصوم لا يعد بما لا يجوز ولذا قال في الكشاف كيف جاز أن يستغفر للكافر أو يعده فلا حاجة إلى ما تكلفه من حديث الكناية، فتأمل. قوله: (بليغا في البر والألطاف (المبالغة من صيغة فعيل والبر من مادته، يقال: حفي به إذا اعتنى بإكرامه كما قاله الراغب والألطاف بفتح الهمزة جمع لطف بمعنى الرأفة أو بكسرها مصدر لطف به إذا بره، وقوله: بالمهاجرة بديني الباء فيه تحتمل التعدية والسببية والمباعدة بالبدن أو بالقلب والاعتقاد والظاهر الأول، وقوله: وإعبده وحده الوحدة تفهم من اجتناب غيره من المعبودات وفسر الدعاء بالعبادة لقوله: وما تعبدون من دون الله ويجوز أن يراد به الدعاء مطلقا أو ما حكاه في سورة الشعراء، وهو قوله: رب هب لي حكما وألحقني بالصالحين وقوله: مثلكم في دعاء آلهتكم إشارة إلى أن فيه تعريضا بشقاوتهم وهو النكتة في التعبير به، وقوله: وأن ملاك الأمر خاتمته من السعادة والشقاوة وهي غير معلومة وان كان الأنبياء عليهم الصلاة والسلام مأموني العاقبة، وغيب بمعنى غائب أو مغيب، وقوله: منه أي من إسحق، والشجرة بمعنى الأصل هنا وقوله: أو لأنه أراد أن يذكر إسماعيل الخ، والنكتة لا يلم اطرادها فلا يرد عليه أنهما خصصا حيث لم يذكر إسماعيل في العنكبوت كما قيل، وقوله: منهما أي من إسحاق ويعقوب، أو منهم هما لرابراهيم عليهم الصلاة والسلام وفسر الرحمة بما ذكر لأنه المأثور عن ابن عباس رضي الله عنهما والكلبيئ. قوله: (يفتخر بهم الناس ويثنون عليهم (يعني المراد باللسان كلام
الافتخار والثناء الحسن فأطلق اللسان على ما يوجد به من الكلمات والحروف كما تطلق اليد على العطية بعلاقة السببية، وأحقاء جمع حقيق كأصدقاء وصديق وهو راجع إلى إضافته لأنه لا يكون حقيقا بذلك إلا إذا كان صادقا كما أن ما بعده راجع إلى توصيفه بالعلو على طريق اللف والنشر وإن احتمل رجوعه للأول لأن ما كان صادقا يثيع ويثبت بخلاف الباطل فإنه مضمحل منسيئ، وقوله: لا تخفى الخ إشارة إلى أن العلو مستعار لما ذكر لأن ما ارتفع مكانه ظهر كأنه نار على علم، وقوله: أخلص عبادته إشارة إلى مفعوله المقدر بقرينة ما قبله ليفيد معنى التوحيد وكذا في الوجه الآخر وهو مغاير له معنى لتغاير مفعوليهما، ومعنى كون الله أخلصه أنه خلقه خالصا عما مز. قوله: (أرسله الله تعالى (إشارة إلى أن الرسول بمعنى المرسل، وقوله: فأنبأهم أي أخبرهم إشارة إلى أن النبي بمعنى المنبىء عن الله بالتوحيد والشرائع وأن أصله الهمز فأبدلت في النبي والنبؤة، ولو قيل هنا إنه من النبوة بدليل قوله: مكانا عليا والمعنى رفيع القدر على غيره من الرسل عليهم الصلاة والسلام ليكون بمعنى آخر أخص هنا كان أظهر كما نقله الطيبي عن بعض العلماء، وقوله: ولذلك أي لكونه بمعنى المنبئ عن الله قدم الخ على وفق ما في الواقع وإن كان الرسول أخص منه إذ كل نبي رسول ولا عكس ولذا كان أعلى لاستلزام الرسالة(6/163)
النبؤة وذكر العام بعد الخاص لا يفيد ولذا يقال: عالم نحرير دون العكس، ويحتمل أن يريد أن المراد بالرسول والنبي هنا معناهما اللغوي، وهو المرسل من الله والمنبى عن الله وليس كل مرسل ينبئ لأنه قد يرسل بعطية ومكتوب فلذا قدم وإن كان في موضع آخر يراد به معنى أخص من هذا فينبغي تأخيره فلا يرد عليه أن كونه أخص مقتض لتأخيره أو أنه غير تاثم في التعليل فتأمل. قوله: (من ناحيته اليمنى من اليمين الخ (إشارة إلى أنه إذا كان المراد من اليمين المقابل لليسار فالمراد به يمين موسى عليه الصلاة والسلام إذ الجبل لا ميمنة له ولا ميسرة وأما إذا كان من اليمن وهو البركة فظاهر، وهو صفة الجانب وجوز فيه الزمخشري على الثاني أن يكون صفة الجانب أو الطور، وتركه المصنف رحمه الله ليتوافق الوجهان. قوله: (بأن تمثل له الكلام من تلك الجهة (أي جهة اليمين أو الجهة الميمونة فهو راجع إلى الوجهين وقال: تمثل إشارة إلى أن الكلام اللفظي مثال للكلام النفسي فلا يلزم من حدوث المثال حدوث الممثل كما لا يلزم من تمثيل جبريل عليه الصلاة والسلام بصورة دحية رضي الله عنه حدوئه وقت التمثيل، ومن أهل الحق من ذهب إلى أن الذي سمعه موسى عليه الصلاة والسلام كان الكلام القديم بلا حرف ولا صوت ولا جهة كما قيل:
إذا ما بدت ليلى فكلي أعين دمان حذثوا عنها فكلي مسامع ...
ولذلك خص باسم الكليم وعليه بنى المصنف رحمه الله كلامه الآتي في سورة طه حيث
قال إنه لما نودي قال من المتكلم قال إنني أنا الله فوسوس إليه إبليس لعنه الله لعلك تسمع كلام شيطان فقال: أنا عرفت أنه كلام الله بأني أسمعه من جميع الجهات وبجميع الأعضاء فلا يرد عليه أن هذا يعين أق كلامه تعالى لا يختص بجهة كما قيل. قوله: (شبهه بمن قربه الملك لمناجاته (يعني أنه شبه قرب موسى عليه الصلاة والسلام في مناجاته ربه بقرب من قرب لمناجاة عظيم من العظماء، ووجه الشبه كونه كلم بغير واسطة قال بعض شراح الكشاف: وهذا لا ينافي أن يكون مقربا حقيقة، ولهذا قال أبو العالية: قربه حتى سمع صرير الأقلام أو صريف الأقلام بالفاء كما وقع في رواية وهو صوتها في الكتابة، وقوله: مناجيا إشارة إلى أن فعيلا بمعنى مفاعل كجليس لمجالس ونديم لمنادم ورضيع لمراضع، والمناجاة المسارة بالكلام قال الراغب وأصله أن يخلو في نجوة من الأرض ثم استعمل مطلقا، والنجو الارتفاع والنجوة المكان المرتفع وقوله: حتى سمع صرير القلم أي الذي كتبت به التوراة، كما في الكشاف يعني الكتابة الثانية والا فقد وقع في الحديث أنها كتبت قبل خلقه بأربعين سنة. قوله: (من أجل رحمتنا أو بعض رحمتنا (يعني من يحتمل أن تكون تعليلية وأن تكون تبعيضية، وقوله: معاضدة أخيه وموازرته، يعني على تقدير مضاف فليس معنى وهبناه أوجدناه لأنه كان أكبر منه سنا فوجوده سابق على وجوده ولكن معناه وهبنا له معاضدته أي معاونته بأن جعلناه وزيرا له كما صرح به في رواية أخرى، وإجابة تعليل لقوله وهبنا، وقوله: وهو أي أخاه مفعول لوهبنا إن كانت من تعليلية أو بدل بعض من كل أو كل من كل أو اشتمال وهذا إذا كانت تبعيضية بمعنى بعض وهي مفعول وهبنا ولا يخفى ما فيه لأن كون من اسما لكونها بمعنى بعض خلاف الظاهر، وابدال الاسم من الحرف لا نظير له، ولذا قال في البحر الظاهر أن أخاه مفعول وهبنا ولا يرادف من بعضا حتى يبدل منها، وقيل: التقدير وهبنا له شيئا من رحمتنا فأخاه بدل من شيئا المقدر، إلا أن يقال إنها اسم وليس موجودا في كلامهم، وهرون عطف بيان وجوز فيه البدلية. قوله: (ذكره بذلك (أي وصفه بذلك دهان كان موجودا في كيره من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فجعله كاللقب له تشريفا وإكراما ولشهرته بذلك ألا تراه وعد أباه الصبر على الذبح
فصدق وعده ووفى به، وهذا أعظم ما يتصؤر فيه وناهيك بمعنى يكفيك في صدقه هذا فكيف ومعه أمور أخر. قوله: (يدل على أق الرسول لا يلزم أن يكون صاحب شريعة (أي مستقلة مأمورا بتبليغها لما ذكر وقد اشتهر خلافه بل اشترط بعضهم فيه أن يكون صاحب كتاب أيضا فهو مبنيئ على الأغلب فيه(6/164)
لا أنه أمر لام، وما قيل إن المراد بكونه صاحب شريعة أن يكون له شريعة بالنسبة إلى المبعوث إليهم وإسماعيل صلى الله عليه وسلم، كذلك لأنه بعث إلى جرهم بثريعة أبيه ولم يبعث إبراهيم عليه الصلاة والسلام إليهم لا يخفى أنه لا يتم به الجواب إلا بضميمة أخرى فتأمل. قوله: (اشتغالا بالأهئم (يعني ذكر الأهل ليس للتخصيص بل لأنه الأهم، وقوله: على نفسه أدرجه في الأهل لاستلزام إصلاح الغير لإصلاح النفس أو المراد بالأهل أفة الإجابة لكون النبي بمنزلة الأب لأتته فلا ينافي هذا قوله أنه ليس من أهلك بل يؤيده، والسبط ولد الولد وأخنوخ بضم الهمزة وفتحها. قوله: (واشتقاق إدرش! من الدرس يرذه الخ (لأنه لو كان مشتقا كان عربيا وهو أعجمي لمنع صرفه بالاتفاق وجريان الاشتقاق في غير العربي مما لم يقل به أحد، وقوله: قريبا من ذلك أي من ذلك المعنى لا من إدرشى المشتق من الدراسة، وقوله: يعني شرف النبؤة فالعلؤ معنوفي قيل: والثاني أقرب لأن الرفعة المقترنة بالمكان لا تكون معنوية، وفيه نظر لأنه ورد مثله بل ما هو أظهر منه كقوله:
وكن في مكان إذا ما سقطت تقوم ورجلك في عافيه ...
والرفع إلى الجنة بجسده بناء على أنه حيئ الآن فيها، وما ذكره من الاختلاف في السماء لاختلاف الرواية في حديث المعراج ورؤية الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لكن كونه في الرابعة في الصحيحين. قوله: (بيان للموصول (وهو الذين أنعم الله عليهم لأن جميع الأنبياء عليهم
الصلاة والسلام منعم عليهم فلو جعلت تبعيضية لزم أن يكون المنعم عليهم بعض الأنبياء وأن لا يكون البعض الآخر منهم منعما عليه، فإن قلت المشار إليه بأولئك الأنبياء المذكورون سابقا عليهم الصلاة والسلام وهم بعض النبيين فالذين أنعم عليهم بعضهم فصح جعل من للتبعيض، قلت هذا إذا كان تعريف الذين للعهد والوجه أنه للجنس والعموم على أن المعنى أولئك بعض المنعم عليهم فلا بد من كونها للبيان لئلا يلزم الفساد كذا قيل، وفيه بحث فإن الظاهر أن يقال: الذين أنعم الله عليهم إن أريد به النعم المعهودة المذكورة هنا فالمحمول والموضوع مخصوص بهؤلاء فهم بعض النبيين فتكون من تبعيضية بدون تقدير كما ذهب إليه البعض ولا يرد عليه أنه تقرر في الميزان أن المحمول يراد به المفهوم ولا شك في عمومه كما قيل لأن عموم المفهوم في نفسه ومن حيث هو في الذهن لا ينافي أن يقصد به أمر خاص في الخارج، صمالا لزم أن لا يصح وقوع المعرف بأل العهدية خبرا كما إذا قلت جاءني رجل فأكرمته وزيد الجائي فهذا غلط أو مغالطة ولا يكون الخبر مساويا نحو الزوج الذي ينقسم بمتساويين وأن لا يقع الجزئي الحقيقي خبرا نحو هذا زيد والجمهور على جوازه والمانعون لا يقولون إنه لا يقع في كلام البلغاء بل العقلاء بل يؤؤلونه بأمر يعم في التصؤر دون الخارج، ثم إن شراح الكشاف قالوا: إن المشار إليه بأولئك الأنبياء المذكورون لا الكل فوجب أن يحمل التعريف في الخبر على الجنس للمبالغة، كقوله: ذلك الكتاب أو يقدر مضاف أي بعض الذين أنعم الخ ورد الأول بأنه يلزمه جعل غيرهم ومن جملتهم نبينا صلى الله عليه وسلم كأنهم لم ينعم عليهم وليسوا بأنبياء وهو باطل، وأورد عليه أن القصر فيه إضافيئ بالنسبة إلى الدولة الدنيوية لا حقيقي فلا محذور فيه وهو مع ما فيه مناف لتفسير المصنف رحمه الله ولكون من بيانية لأن النعم الدنيوية لا تختص بهم مع أن المبتدأ والخبر إذا تعزفا يتحدان في الما صدف وفي إفادته للحصر كلام في المعاني فيتعين أحد التأويلين فالحق في الجواب أن يقال على إطلاق النعم: إن الحصر بالنسبة إلى غير الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لأنهم معروفون بكونهم منعما عليهم فتنزل النعم على غير الأنبياء منزلة العدم ولا يتوهم ما ذكر كما لا يتوهم في ذلك الكتاب عدم كمال غيره من الكتب السماوية أو يقدر بعض، ومن على هذا بيانية فلكل وجهة فتدبر. قوله: (بدل منه بإعادة الجار (يعني ذرية آدم بدل من النبيين بدل بعض من كل لأن المراد ذزيته الأنبياء وهي غير شاملة لآدم عليه الصلاة والسلام ومن بيانية أيضا ولو جعل الجار والمجرور بدلا من الجار والمجرور لم يكن فيه إعادة، وقوله: من فيه للتبعيض(6/165)
أي في من ذرية آدم لأن المنعم عليه أعتم من الأنبياء فالمبين بعض المقدر وأخص من الذرية إذ بينهما عموم وخصوص من وجه لشمول المنعم عليه لآدم
والملك ومؤمني الجت، وشمول ذرية آدم إذا أريد به ظاهره غير من أنعم عليه فيجوز الحمل على الإبدال والتبعيض باعتبار الوجهين فتأمل. قوله: (من عدا إدريس (عليه الصلاة والسلام لأنه سبط شيث كما مر، وقوله: فإن إبراهيم عليه الصلاة والسلام الخ هذا متفق عليه فذكر من حملنا تذكيرا لهذه النعمة، وقوله: وفيه دليل الخ لدخول عيسى عليه الصلاة والسلام ولا أب له وجعل إطلاق الذرية، عليه بطريق التغليب خلاف الظاهر. قوله: (ومن جملة من هديناه إلى الحق (إشارة إلى أن من تبعيضية وأنه معطوف على قوله: من ذرية آدم وأما جعله معطوفا على قوله من النبيين أي ممن جمعنا له بين النبؤة والهداية والاجتباء لعدم التغاير فخلاف الظاهر وإن جوزوه، وقوله: لبيان الخ متعلق بالاستئناف، والإخبات الخشوع والتواضع وقوله: وعن النبي صلى الله عليه وسلم رواه البزار وغيره وقوله: جمع باك وقياسه بكاة كقاض وقضاة لكنه لم يسمع كما قاله المعرب، وهو مخالف لما في القاموس وغيره أو هو مصدر كالقعود والكسر اتباع عليهما، وقوله: لأن التأنيث غير حقيقي ولوجود الفاصل أيضا. قوله: (وجاء بعدهم (تفسير لعقبهم وأصله من وطى عقبهم، والفرق بين خلف بالفتح والسكون باستعمال الأول في الحسن والذرية الصالحة والثاني في ضده هو المشهور في اللغة وقال أبو حاتم الخلف بسكون اللام الأولاد الواحد والجمع فيه سواء، والخلف البدل ولدا كان أو غريبا، وقال ابن الأعرابي: الخلف بالفتح الصالح وبالسكون الطالح، وقال النضر بن شميل الخلف بتحريك اللام دماسكانها في القرن السوء أما الطالح فبالتحريك لا غير، وقال ابن جرير: أكثر ما جاء في المدح بفتح اللام
وفي الذتم بتسكينها وقد يعكس!. قوله: (تركوها (بناء على أن المراد الكفار لأنه من شأنهم أو على أنه عام وما بعده على أنه في المسلمين وأخره لما سيأتي واستحلال نكاح الأخت من الأب ذهب إليه اليهود، ومن بني بالموصول والماضي والمشيد العالي، وفي نسخة الشديد أي المحكم، والمنظور هو المركوب الحسن من فرس أو بغل لم يعد للجهاد بل للتكبر لأنه لحسنه ينظر الناس إليه كما قيل:
لا يجمع الطرف المحاسن كلها حتى يكون الطرف من أسرائه ...
والمشهور من الثياب الفاخر الزاهي لونه وتسمى الثياب مشتهرة. قوله: (شزا (فسره به
لأنه المناسب ولما كان المعروف فيه أنه بمعنى الضلال أثبته بالبيت المذكور والاستدلال به ظاهر لوقوعه فيه مقابلا للخير وقال الفاضل اليمني: يحتمل أن يكون التقابل فيه معنويا كقول المتنبي:
لمن تطلب الدنيا إذا لم ترد بها سرور محب أوإساءة مجرم ...
والبيت لمرقش الأصغر من قصيدة وقبله:
تألي جناب حلفة فأطعته فنفسك ول اللوم إن كنت لائما ...
قالوا: والمراد بالغي الشز وبالخير المال، ومن يغو أي يفتقر ولا مانع من حمله على ظاهره، وقوله: كقوله تعالى: {يلق أثاما} [سورة الفرقان، الآية: 68] ، أي شرا وعقابا فأطلق عليه كما أطلق الغي على مجازاته المسببة عنه مجازآ، وقوله: أو غيا عن طريق الجنة أي ضلالا فهو بمعناه المشهور واستعاذة الأودية منه عبارة عن كونه فظيعا بالنسبة إليها. قوله: (يدل على أن الآية في الكفرة (وهو قول عليئ رضي الله عنه وقتادة لأن من آمن لا يقال إلا لمن كان كافرا إلا بحسب التغليظ كقوله: لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن لكنه استشكل وجه الدلالة بأنه يجوز أن يكون المعنى إلا من جمع التوبة مع الإيمان فلو قال: يؤيده كما في الكشات كان أولى وهو سهل لأنه لم يرد بالدلالة الدلالة القطعية بل إنها تدل على ذلك بحسب الظاهر وهو
كثير إما يريد به ذلك وقال بعض الفضلاء إنما تدل على عمومها لهم لا على خصوصها فيهم مع أنه قد يراد بالإيمان الإيمان الكامل ثم إنه لا دلالة في الآية لمذهب المعتزلة من أن العمل شرط دخول الجنة فإنه بحسب التفضل(6/166)
مع أنه إنما شرط ظاهر العدم نقص شيء من ثواب أعمالهم أو لدخولهم جنة عدن لا مطلق الجنة فتأئل. قوله: (ولا ينقصون شيئا من جزاء اعمالهم (لأنه في الأصل عند بعض أهل اللغة تنقيص الحق من نقصت الأرض إذا حفرتها ثم أريد به التجاوز مطلقآ، وقوله: ولا ينقص أجورهم لأنها إنما تحبط بالكفر وقوله: لاشتمالها عليها أي اشتمال الكل على الجزء فليس في عبارته إيهام أنه بدل إشتمال، وقوله: على أنه خبر الخ أو مبتدأ خبره محذوف. قوله: (وعدن علم لأنه المضاف إليه في العلم الخ (أقول يريد أنه لما شاع في الاستعمال جنة عدن احتمل ثلاثة وجوه، كون عدن وحده علمآ، وكون جنة عدن علما كعبد الله وكونه نكرة، وعلى الأول يلزم إضافة الأعثم مطلقا إلى الأخص وهو لغو قبيح كإنسان زيد بناء على أن المتبادر من الجنة المكان المعروف لا الأشجار والبستان والسعد رحمه الله يرى أن هذه الإضافة تكون قبيحة كما في المثال المذكور، وحسنة كشجر الآراك ومدينة بغداد إذ لا فارق بينهما إلا الذوق كما ذكره الفاضل الليثي، والمصنف رحمه الله ذهب إلى أنه حينئذ علم للإقامة فيكونان متغايرين كما ذكره النحاة في نحو بزة علم للمبزة بمعنى الإحسان علم جنس لأن الذوق غير مضبوط فاندفع المحذور بلا نزاع، ولم يحتج إلى الثالث وإن جوزوه لأمر ما وأنا كون مجموعه علما فلا إشكال فيه لأنه قطع النظر فيه عن المعنى الإضافي فارتفعت مؤنة التوجيه فإن قيل إن العلم هو جنات عدن فلا غبار عليه ديان قيل جنة عدن بالإفراد احتجنا إلى القول بأنه حذف فيه المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه بدليل تعرف المضاف إليه وتوصيفه بالمعرفة التي هي الموصول إنما حسن إقامته مقامه لأن المعتبر علميته في المنقول الإضافي هو الجزء الثاني حتى كأنه نقل وحده بدليل منعه من الصرف في بنات أو بر وابن داية وامتناعهم من إدخال اللام عليه في نحو أبي تراب إلا أن يقارن الوضع أو يكون للمح الصفة وهذه الفاعدة مقررة في النحو مفصلة في شروح المفصل وقد بينها في الكشف في شهر رمضان فقال: إذا كانت التسمية بالمضاف والمضاف إليه جعلوا المضاف إليه في نحوه مقدر العلمية لأن المعهود في كلامهم في هذا الباب الإضافة إلى الإعلام والكنى فإذ أضافوا إلى غيرها أجروه مجراها كأبي تراب ألا ترى أنهم لا يجوزون إدخال اللام في نحو ابن داية وأبى تراب ويوجبونه في نحو امرئ القيس وماء السماء كل ذلك نظرا إلى أنه لا يغير عن حاله كالعلم، وان كان لقائل أن يقول إق التغيير لا يوجب تغيير المجموع ولا نزاع في أنه علم إلا
9
أنه لولا العلمية لم امتنعوا من إدخال اللام فإنهم نظروا إلى المعنى لا إلى التعبير بدليل الحسن وحسن وامتناع ذلك في نحو عمرو اهـ وما فهمه بعضهم من قول المصنف رحمه الله لأنه المضاف إليه في العلم من أن المنقول الإضافي يلزم كون المضاف إليه فيه علما قبل النقل فلما ورد عليه عبد شمس علما اعتذر بأنه كليئ انحصر في فرد في الخارج فأشبه العلم مما لا وجه له وليت شعري بماذا يعتذر عن أبي تراب وأمثاله، وهو ناشئ من قلة التدبر لأن المراد بالعلمية العلمية التقديرية الاعتبارية بعد النقل كما صرحوا به، وهذا مراد القائل أن جنة عدن علم لإحدى الجنان الثمان دون عدن وإلا كانت إضافة جنة إليه ك! ضافة إنسان زيد لكنه قد يحذف المضاف فيقال: عدن كرمضان الخ يعني وجنات بمعنى بساتين لئلا يقع فيما فز منه إلا أنه يفهم من ظاهره أق جزء اأحلم لما قام مقامه أعطى حكمه بخلاف عبد شمس فإنه ليس كذلك وهو تعسف لمخالفته لكلام القوم كما عرفت، وقد جنح بعضهم إلى أن جنات عدن علم لأجنة عدم حتى يذعي الحذف من غير داع له، فلو قيل من أول الأمر جنات عدن علم كبنات أو بر لم يحتج إلى ما تكلفوه، هذا غاية ما يقال هنا فدع عنك القيل والقال.
تنبيه: واعلم أن بعض فضلاء العصر قال: إن جنات الجمع المضاف علم لإحدى الجنات الثمان كعلمية بنات أو بر والمضاف فيها يقدر علما فإنهم لما أجروه بعد العلمية مجرى المضاف قدروا الثاني علما على قياس المعارف إذ لا يضاف معرفة إلى نكرة ولذا مغ صرف قزة في ابن قزة، وامتنع في طبق من بنت طبق ونحوه إذ لم يقع على انفراده علما كما في شروح المفصل وغيرها والفاضل المحشي لغفلته تعسف في الكلام(6/167)
كما رأيت فقال: جنة عدن علم لإحدى الجنان دون عدن دمالا كان كإنسان زيد كما قيل لكنه قد يحذف المضاف ويقام المجموع فيستعمل استعمال الإعلام كما في رمضان وكذا عدن والمعنى جنات جنة عدن فلا يتوجه النقض بمثل عبد شمس، ولا يحتاج إلى الجواب بأق الشمس لانحصارها في فرد بمنزلة العلم اص. ولا يخفى أنه على ما ذكرنا الكلام على ظاهره وليس إضافة جنة إلى عدن كإضافة إنسان زيد ولا نقض بمثل عبد شمس لأن لفظ شمس فيه يقدر علما دران لم يستعمل على انفراده علما، ولا حاجة إلى الجواب بما ذكر فتأمل وتدبر. قوله: (أو علم للعدن بمعنى الإقامة (يعني أنه علم جنس للمعاني مفرد وفيما قبله هو علم شخص للذات ومركب وهذا ما اختاره في الكشاف من أنه علم لمعنى العدن بسكون الدال بمعنى الإقامة كسحر وأمس وفينة وكأنه لما رأى المضاف فيه يجمع ويفرد ويوصف ذهب إلى هذا والمصنف لما رأى الإضافة فيها نوع ركاكة خالفه! ان ما ذكر يقتضي بناءه كما بين في النحو كما مر، وقوله: للعدن يعني أن المجرد من اللام علم للمعزف بها، كسحر علم للسحر وأ!! للأمس وبرة بفتح الباء رمنع الصرف علم للبز والإحسان، وقوله: رلذلك الخ دليل لعلمية عدن لكنه بناء على الظاهر لعدم تعينه إذ لا نسلم العلمية بل نقول هو بدل ولم يذكر ما
في الكشاف من الاستدلال على العلمية ب! بداله من الجنة فإن النكرة لا تبدل من المعرفة فإنه غير متفق عليه فقد جوزه كثير من النحاة مطلقا، وبعضهم إذا كان في إبداله فائدة لا تستفاد من المبدل منه مع أنه لا تتعين البدلية لجواز نصبه على المدح كما ذكروه، واعلم أن العلم المنقول من المضاف والمضاف إليه كأبي هريرة تعتبر علميته وأحكامها كمنع الصرف في الجزء الثاني، كما في شروح المفصل والكتاب كما فصلناه في شرح الشفاء وقد غفل عنه بعض علماء المغرب. قوله: (أي وعدها إياهم الخ (يشير إلى أن عائد الموصوف محذوف وأن الباء إفا للملابسة والجار والمجرور إتا حال من العائد بمعنى غائبة أو من عباده بمعنى غائبين عنها، أو للسببية متعلقة بوعد أي وعدها بسبب تصديق الغيب والإيمان به والغيب على هذا بمعنى الغائب، وقوله: إنه أي الله ويجوز أن يكون ضمير الشان. قوله: (كان وعده الذي هو الجنة (فالوعد بمعنى الموعود أو أطلق عليها مبالغة وفسره بها لأن ما قبله يقتضيه، ولأن الإخبار عنه بمأتيا ظاهر لأن الجنة تؤتى كما تؤتى الأمكنة والمساكن، وقوله: لا محالة مأخوذ من التأكيد ومن التعبير عن المستقبل بالماضي المقتضي لتحقق وقوعه ولا دخل لاسم المفعول فيه. قوله: (وقيل هو من أتى إليه إحسانا (أي فعل به ما يعد إحسانا، وجميلا فمعناه على هذا مفعولا كما ذكره بقوله: أي مفعولا، والوعد بالمعنى المصدري وكون الوعد المصدري مفعولا لا طائل تحته إذ كل وعد بل كل فعل كذلك فلذا أشار إلى أن المراد من كونه مفعولا أنه منجز لأن فعل الوعد بعد صدوره أي إيجاده، إنما هو تنجيزه فمنجزا عطف بيان لمفعولا مفسر له. قوله: (ولكن يسمعون قولا يسلمون فيه من العيب والنقيصة (أشار بلكن إلى أنه استثناء منقطع كما في الوجه الثاني، والسلام بمعنى الكلام السالم من العيب والنقص فهو مصدر بمعنى السلامة أريد به ما ذكر إما مبالغة أو بالتأويل المعروف فيه، وعلى ما بعده المراد به معناه المعروف وهو إتا من الملائكة عليهم الصلاة والسلام أو من بعضهم على بعض والاستثناء عليه منقطع أيضا لأن السلام لا يعد لغوا إلا على الوجه الأخير ولكونه خلاف الظاهر استحق التأويل والتأخير. قوله: (أو على معنى إق التسليم الخ (فهو من تأكيد المدح بما يشبه الذم المذكور في البديع وهو يفيد نفي اللغوية بالطريق البرهاني الأقوى إلا أن ظاهر سياقه كالكشاف أن الاستثناء على هذا الوجه متصل، وقد قال المعرب: إنه بعيد وقد صرح بعض النحاة بأنه من قبيل المنفصل لكن ما ذهب إليه الشيخان من الاتصال إنما هو على
طريق الفرض والتقدير ولولا ذلك لم يقع موقعه من الحسن والمبالغة، والبيت المذكور للنابغة من قصيدته المعروفة وأولها:
كليني لهئم يا أميمة ناصب وليل أقسيه بطيء الكواكب ...(6/168)
والفلول مصدر أو جمع فل وهو ما ينثلم به حذ السيف والقراع الضرب. قوله: (أو على
أن معناه الدعاء بالسلامة الخ (يعني أن السلام المعروف دعاء بالسلامة من الآفات ولا آفة في الجنة فالدعاء بالسلامة منها لا فائدة فيه فيكون لغوا بحسب الظاهر ويصح فيه الاتصال من هذا الوجه،! انما قال ظاهرا لأن هذا! ان كان معناه بحسب وضعه لكن المقصود منه الإكرام داظهار التحالت حتى لو ترك عد إهانة فلذا كان لائقا بأهل الجنة. قوله: (على عادة المتثعمين الخ (بيان لوجه تخصيص البكرة والعشية بأنه الوسط المحمود في التنعم فإن المرة الواحدة في اليوم والليلة تسمى الوجبة وأكلها يوجب زهادة وما عداها رغبة في كثرة الأكل أو كناية عن الدوام بذكر الطرفين والدرور الدوام ومنه رزق داز أي لا ينقطع. قويه) نبقيها عليهم من ثمرة تقواهم كما يبقى على الوارث مال مورثه (أشار بقوله: كما إلى أن فيه استعارة تبعية استعير الإيراث للإبقاء ويحتمل التمثيل، وقوله: والوراثة أقوى لفظ أي أقوى الألفاظ إشارة إلى اختيارها على غيرها مما يدل على بقائها كالبيع والهبة ونحوهما لأنها أقوى في الدلالة على المراد وقؤتها بما ذكر كما هو معروف في الكتب الفقهية، وقوله: أقوى لفظ من وصف الدال بصفة مدلوله لأن القؤة صفة معنى الوراثة كما يدل عليه قوله: من حيث الخ وإنما اختاره لأنه لا وراثة هنا وإنما المذكور لفظها المستعار لمعنى آخر فتأئل. قوله: (وقيل يورث المتقون الخ (وهو استعارة أيضا دمانما مزضه لأنه يدل على أن بعض الجنة موروث والنظم يدل على أنها كلها كذلك ولأن الإيراث ينبني على ملك سابق لا على فرضه مع أنه لا داعي للفرض هنا. قوله: (حكاية تول جبريل عليه الصلاة والسلام الخ (وهذا من عطف القصة على القصة فلا يقال إن العطف فيه حزازة لعدم التناسب، والمناسبة بين القصتين ما قيل إنه لما فرغ من قصص الأنبياء عليهم الصلاة والسلام مثبتا له وعقبه بما أحدثه الخلف وذكر جزاءهم عقبه بحكاية نزول جبريل
عليه الصلاة والسلام بعدما قاله المشركون تسلية له لمجيرو وأن الأمر ليس على ما زعم هؤلاء الخلف وأدمج ما يناسب حديث التقوى من كون الملائكة عليهم الصلاة والسلام مأمورين مطيعين ولذا قال: فاعبده وعطف عليه مقالة الكفار لتباين المقامين، وأما ما قيل إن التقدير هذا وقال جبريل: وما نتنزل الخ وبه يظهر حسن العطف ووجهه فلا محصل له وفي الآية وجوه أخر تركناها لعدم الحاجة إليها، والحديث المذكور رواه أبو نعيم في الدلائل وغيره وفيه تخالف، وسبب الإبطاء عنهءلمجيه أنه وعدهم بأن يخبرهم لانتظاره الوحي ولم يقل إن شاء الله وقد مر، وقوله: ودعه ربه إلى آخره كما سيأتي في سورة والضحى فإن هذا سبب نزولها أيضا، وقوله: ثم نزل أي جبريل عليه الصلاة والسلام معطوف على أبطأ وبيانه مر في النحل والكهف. قوله: (والتنزل النزول على مهل (بفتح الهاء وتسكن أي وقتا بعد وقت والتنزل مطاوع نزل يقال نزلته فتنزل، ونزل يكون بمعنى أنزل الدال على عدم التدريج ويكون بمعنى التدريج فمطاوعه كذلك أو التضعيف للتكثير وهو المناسب هنا وقد تقدم الكلام على نزل وأنزل في أول الكتاب، وقوله: مطلقا أي من غير نظر إلى تدريج وعدمه، وكونه بمعنى أنزل أي دال على عدم التدريج، وقوله: وقتا غب وقت بيان للتدريج وغب بمعنى بعد ومنه قولهم غست السلام وغمت ذا ذكره في المصباح وأهمله في القاموس. قوله: (والضمير للوحي (بقرينة الحال وسبب النزول، وقيل: إنه لجبريل عليه الصلاة والسلام، وقوله: ما بين أيدينا بإضمار قائلا ولا بد منه على الوجهين كما في الدر المصون والقائل جبريل عليه الصلاة والسلام بدليل ما بعده، وهو ما نحن فيه أي من الزمان وهو الحال وهو تفسير لما بين ذلك على أنه من عموم المجاز شامل للزمان والمكان فما بين أيديهم المستقبل وما خلفهم الماضي وأما في المكان فظاهر والأحايين جمع أحيان جمع حين فهو جمع الجمع، وقوله: من الأماكن الخ بيان للماآت كلها، ويحتمل أن يكون بيانا لما فيما نحن فيه وجمعه باعتبار تعدده وتبذله ويعلم منه بيان لما قبله وفيه تفاسير أخر كما في الكشاف وغيره، وقوله: لا تنتقل الخ يريد أنه كناية عما
ذكر(6/169)
لأنه إذا أحاط ملكه وعلمه بكل شيء لا يمكن إقدامهم على ما لم يكن بأمره مما يوافق حكمه وحكمته.
قوله: (تاركا الخ (يحتمل أن يبقى النسيان على ظاهره بمعنى أنه تعالى لإحاطة علمه وملكه لا يطرأ عليه الغفلة والنسيان حتى يغفل عنك وعن الإيحاء إليك، وأن يكون مجازا عن الترك واختاره المصنف رحمه الله لأن الأول لا يجوز عليه تعالى فلا حاجة إلى نفيه عنه ولأنه هو الموافق لسبب النزول كما أشار إليه ولذا خالف الزمخشري رحمه الله في ترجيح الأول، وذلك إشارة إلى عدم النزول. قوله: (وقيل أول الآية حكاية قول المتقين الخ (القائل له اختاره ليناسب ما قبله ويظهر عطفه عليه، والتنزل هنا من النزول في المكان أي ما نحلها ونتخذها منازل كما أشار إليه بقوله: تنزل الجنة لكنه خلاف الظاهر، وأيضا مقتضاه بأمر ربنا لأن خطاب النبي صلى الله عليه وسلم كما في الوجه الأول غير ظاهر إلا أن يكون حكاه الله على المعنى لأن ربهم وربه واحد ولو حكاه على لفظهم لقال ربنا وإنما حكى كذلك ليجعل تمهيدا لما بعده وكذا وما كان ربك نسيا إذ لم يقل ربهم ومرضه لأنه لا يوافق سبب النزول، وأما كون الخطاب من جماعة المتقين لواحد منهم فبعيد، وقوله: ولطفه إشارة إلى أن الأمر هنا أمر تكريم ولطف، كقولك: للمسافر انزل هنا. قوله: (وما كان ربك ناسيا لأعمال العاملين (إشارة إلى أن المنفي أصل النسيان لا زيادته حتى يقتضي ثبوت أصله وإنما المبالغة باعتبار كثرة من فرض تعلقه به كما في وما ربك بظلام للعبيد في أحد الوجوه، وقوله: بيان لامتناع النسيان لأن رلث هذه المخلوقات العظيمة المدبر لأمرها والممسك لها في كل حال لا يمكن أن يجري عليه الغفلة والنسيان على ما مر في قوله: {لا تأخذه سنة ولا نوم له ما في السموات وما في الأرض} [سورة البقرة، الآية: 255] . قوله: (وهو خبر محذوف أو بدل من ربك (في قوله: وما كان ربك نسيا وفي الكشاف بدل من ربك ويجوز أن يكون خبر مبتدأ محذوف أي هو رلث السموات والأرض) فاعبده (كقوله:
وقائله خولان فانكح فتاتهم
وعلى هذا الوجه يجوز أن يكون وما كان ربك نسيا من كلام المتقين وما بعده من كلام
رب العزة انتهى وإنما لم يجز على البدل أن يكون من كلامهم لأنه لا يظهر إذ ذاك ترتب قوله:
فاعبده الخ عليه لأنه من كلام الله لنبيه صلى الله عليه وسلم في الدنيا بلا شك وجعله جواب شرط محذوف على تقدير إذا عرفت أحوال أهل الجنة وأقوالهم فأقبل على العمل لا يلائم فصاحة التنزيل للعدول عن السبب الظاهر إلى الخفيئ كذا في الكشف ولم يذكره المصنف لما فيه من التكلف بل جعله من كلام الله لنبيه صلى الله عليه وسلم كما مر. قوله: (خطاب للرسول الخ (الترتب مأخوذ من الفاء، وقوله: لما الخ إشارة إلى وجه الترتب، وقوله: أو إعمال بالنصب عطف على مفعول ينساك إشارة إلى تفسيره على كونه حكاية قول المتقين، وقوله: فأقبل لم يقل فاستمر لأن الإقبال كان حاصلا قبل لئلا يتكزر مع ما بعده لأن معناه الثبات والاستمرار فلا يتوهم ما ذكر كما قيل. قوله: (وإنما محدى باللام الخ (أي والمعروف تعديته بعلى لما فيه من معنى الثبوت المتعذي بها كأنه فيل اصبر ثابتا على طريق التضمين المعروفة وجعل العبادة بمنزلة القرن إشارة إلى قوله: رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد اكبر، وقيل إنه استعارة تبعية ملوحة إلى مكنية بجعل العبادة بمنزلة القرن والصبر والمداومة عليها بمنزلة الثبات له ولو كان تضمينا لم يحتج إلى أن العبادة بمنزلة القرن، رفيه نظر. قوله: (مثلا يستحق أن يسمى إلها الخ (يعني أن أصل السميئ المشارك في الاسم وذلك يقتضي المماثلة خصوصا في أسماء الأجناس فأريد بنفي السمي نفي المثل على طريق الكناية ونفي السمي حينئذ يجوز أن يراد به نفي المشاركة فما يطلق عليه مطلقا كإله لأن الكفرة وان سموا أصنامهم آلهة لكنها تسمية باطلة لا اعتداد بها وأن يراد به نفي المشاركة فيما يختص به، كالته والرحمن كما نقل عن ابن عباس رضي الله عنهما وأشار إليه المصنف رحمه الله بقوله: أو أحدا يسمى الله، وقوله: فإن المشركين الخ تعليل للأول أولهما لأن الله أصله الإله كما مر فتأمل، وقوله: لظهور أحديته الذاتية المقتضية للتفرد بأسمائه العلية وتعالى بكسر اللام اسم مصدر مضاف، وقوله: وهو تقرير للأمر أي كونه لا يفعل إلا بإذنه وأمره، وقوله:(6/170)
ولا يستحق العبادة التي هي غاية الخضوع أي لا تليق بغيره المتعددة الأمثال وهذا يعلم من ذكره بعد الأمر بعبادته فلا يرد أن التفزد بالتسمية لا يدل على التفزد بالعبادة. قوله: (المراد به الجنس بأسره الخ (لما كان هذا القول لم يصدر إلا من الكفار المنكرين للبعث اختلف في
تفسيره فقيل أل فيه للعهد والمراد شخص معين وهو أبيئ بن خلف لعنه الله أو جماعة معينون وهم هؤلاء الكفرة وقيل إنها للجنس وهو حينئذ مجازا ما في الطرف بأن أطلق جنس الإنسان وأريد بعض أفراده كما يطلق الكل على أجزائه أو في الإسناد بأن يسند إلى الكل ما صدر عن البعض، كما يقال بنو فلان قتلوا قتيلا والقاتل واحد منهم ولا تجوز في الطرف على هذا ولا منافاة بين كون التعريف للجنس المفيد للعموم دهارادة البعض كما توهم، دمانما الكلام في أنه هل يشترط في مثله لصحته أو لحسنه رضا الباقين به أو مطاوعتهم ومساعدتهم حتى يعد كأنه صدر منهم أم لا فإن قلنا بالأول ورد عليه الاعتراض بأن بقية الناس من المؤمنين لم يرضوه وأيضا صرح المصنف رحمه الله باشتراطه في سورة السجدة فإن لم يقل به هنا تناقض كلامه لمان وفق بينهما بعض أهل العصر بما لا طائل تحته فيحتاج إلى تكلف ما قيل إن الاستغراب مركوز في طبائع الكل قبل النظر في الدليل فالرضا حاصل بالنظر إلى الطبع والجبلة لكن كلام المصنف لا يساعده كما ستراه والحق عدم اشتراط ذلك،! انما يشترط لحسنه نكتة يقتضيها مقام الكلام حتى يعد كأنه صدر عن الجميع فقد تكون الرضا وقد تكون المظاهرة وقد تكون عدم الغوث والمدد ولذا أوجب الشرع القسامة والدية وقد تكون غير ذلك فذكر المصنف رحمه الله وجها في محل لا يقتضي تعينه فكأق النكتة هنا أنه لما وقع بينهم إعلان قول لا ينبغي أن يقال مثله، هاذا قيل لا ينبغي أن يترك قائله بدون منع أو قتل جعل ذلك بمنزلة الرضا حثا لهم على إنكاره قولا وفعلا فتأمل، واعلم أن ما ذكر لا يختصى بالنسبة الإسنادية بل يجري في الإضافة كقوله:
فسيف بني عبس وقد ضربوا به
كما في الكشاف، وقوله: على الخبر المراد به ما يقابل الإنشاء الذي منه الاستفهام ولبعض الناس هنا كلام مختل لا حاجة إلى إيراده، وقيل إن المراد بكونه على الخبر بحسب الظاهر! الا فالهمزة مقدرة فيه وليس بمتعين كما ذكره المعرب، وقوله: من الأرض فالخروج حقيقي أو من حال الموت فهو مجاز عن الانتقال من حال إلى أخرى. قوله: الأن المنكر كون ما بعد الموت وتت الحياة الخ (يعني أن تقديم الظرف لأن الإخراج إلى الحياة ليس بمنكر مطلقا وإنما المنكر كونه بعد الموت فقدم الظرف لأنه محل الإنكار والأصل في المنكر أن يلي الهمزة ويحتمل أنه أريد إنكار وقته بعينه مبالغة لأنه يفيد إنكاره بطريق برهاني كما ذكره الطيبي ولما كان وقت إخراجه وخروج الروح ليس وقت إخراجه حيا بل بعده بزمان طويل قال الرضي: إن فيه معطوفا محذوفا لقيام القرينة عليه والمعنى أئذا ما مت وصرت رميما أبعث أي مع اجتماع الأمرين كقوله: أئذا متنا وكنا عظاما ما ورفاتا نبعث خلقا جديدا فمن قال إنه لا حاجة إليه لم يصب، اللهم إلا أن يراد بحال الموت زمان ممتذ إلى أول زهوق الروح كما هو
المتبادر منه وربما يكون في كلام المصنف رحمه الله إشارة إليه، أو يقال: إنهم إذا أحالوه في تلك الحال علم إحالته إذا كانوا رفاتا بالطريق الأولى، وفي ثلام الفاضل المحشي هنا شيء فتأمل. قوله: (وانتصابه بفعل دل عليه أخرج (سواء كان من لفظه أو معناه كأبعث ونحوه وعد المانع اللام وحدها دون سوف لأنها لا تمنع على الصحيح خلافا لابن عطية، قيل: إن الرضي ذكر أن كلمة الشرط تدل على لزوم الجزاء والشرط ولتحصيل هذا الغرض عمل في إذا جزاؤه مع كونه بعد حرف لا يعمل ما بعده فيما قبله كالفاء في فسبح دمان في قولك إذا جئتني فإني مكرم ولام الابتداء في قوله: أئذا ما مت لسوف أخرج حيا انتهى، فإن قلت هذا مبناه على أن العامل الجواب، والجمهور على أنه الشرط كما في المغني قلت: ذاك في إذ الشرطية وهذه ظرفية انتهى، ولا يخفى أن كلام الرضي ليس بمتفق عليه كما في كتب العربية، وأما ما ذكره من السؤال والجواب فإنه لا يصح أن يكون على كلام الرضي فإنه مخالف لصريح(6/171)
كلامه من جعلها شرطية، ولا من قبل المصنف رحمه الله فإنه لا يعارض كلام الرضي فلا حاجة لإيراده برقته وسياقه يأباه فتدبر. قوله: (وهي ههنا مخلصة الخ (هذا بناء على أن اللام إذا دخلت على المضارع خلصته للحال، وهو قول للنحاة: ومن قال! إنها لا تخلصه يحتج بمثل هذه الآية ولا يحتاج إلى دعوى تجريدها للتوكيد، وقوله: كما خلصت بصيغة المجهول، وهذا أيضا بناء على أن أصله الإله وأل فيه للتعريف والتعويض عن الهمزة المحذوفة فإذا اجتمعت مع حرف النداء جعلت لمحض التعويض لئلا يجتمع تعريفان وهذا أحد الأقوال المشهورة فيه أيضا ولذا قطعت همزته، وقوله: فساغ الخ تعليل لما نحن فيه. قوله: (مع أن الأصل أن تتقدمهما الخ (تبع في هذا الزمخشري حيث قال: ووسطت همزة الإنكار بين المعطوف عليه وحرف العطف يعني أيقول ذاك ولا يتذكر حال النشأة الأولى حتى لا ينكر الأخرى، فإن تلك أعجب وأغرب الخ، وهو مخالف للمذهبين في مثله بحسب ألظاهر من أنها مقدمة من تأخير فأصله وألا يذكر الخ أو داخلة على مقدر، وأصله أيقول كذا ولا الخ وأما كونها مؤخرة من تقديم فلم يقله أحد مع أنه قيل عليه إن الهمزة ليست من المعطوف لتقدمها عليه ولا من المعطوف عليه لتأخرها عنه، وكيف يدخل الإنكار على يقول مع تأخر الهمزة عنه وفيه إبطال صدارتها فالأولى أن يقال لا يذكر معطوف على يقرل مقدرا بعد الهمزة لدلالة الأول عليه فيرتفع الإشكال، وقيل: لا يخلو إما أن يعطف لا يذكر على يقول المذكور أو على المقدر، فعلى الأول لا يستقيم تقديره المعنى بقوله: أيقول ذاك ولا يذكر لأن التقدير حينئذ وألا يذكر وعلى الثاني لا يصح قوله:
ووسطت همزة الإنكار بين المعطوف عليه وحرف العطف، قيل ويمكن أن يجاب باختيار الأول وقوله: أيقول ذاك ولا يذكر بيان لمحصل المعنى لا لتقدير اللفظ وذلك لأن الهمزة أفادت إنكار الجمع لدخولها على الواو المفيدة له وكأنه قيل: الجمع بين القول وعدم التذكر منكر فصح قوله: أيقول ذاك ولا يذكر وأما السؤال ببطلان صدارة الهمزة فلا وجه له لما ثبت من التوسع فيها خاصة اهـ) أقول (في هذا كله تكلف ما لا حاجة إليه مع خروجه كله عن القانون النحوي، أما الأول فلأن كلامهم غير محتاج لما ذكروه كما ستسمعه عن كتب، وأما الثاني فلمخالفته لما ذهب إليه النحاة من المذهبين لأنه لم يقل أحد أنها مؤخرة من تقديم وأيضا صدارتها إنما هي بالنسبة إلى جملتها بالاتفاق وتقدمها على الواو أتنم فيها كما صرح به في المغني فلا حاجة إلى التوسع المذكور كما أنه لا حاجة إلى ما قيل إن وجوب التصدير إنما هو إذا بقيت على معناها الأصليئ الاستفهامي أما إذا تولد منها معنى آخر كالإنكار والتوبيخ فلا يبقى وجوب التصدير، ولذا قال المصنف رحمه الله تعالى: مع أن الأصل الخ إذا عرفت هذا فمعنى كلام الشيخين هنا وهو بيان لمعنى النظم مبنيئ على القول بعدم التقدير د! انه لم أدخل حرف الإنكار على العاطف فتوسط في الكلام مع أن القول المذكور منكر كعدم التذكر فأجابوا بأنه لمان كان أصل المعنى المراد منه هذا ومقتضاه أن يقال أيقول: أئذا الخ إلا أنه عدل عنه للدلالة على أن المنكر بالذات عدم التذكر، والقول إنما نشأ منه، فلا وجه لما قاله المحشي فإنه لو تأمل لم يقله. قوله: (بل كان عدما صرفا الخ (بناء على أن الشيء يختص بالموجود وقد تقدم تفصيله، وقوله: فإنه أي الخلق المفهوم من خلقنا لمانما كان أعجب لأنه لم يسبق له مثال يحذي حذوه ولم تجمع له مادة قبل حتى يعاد على أحد المذهبين المعروفين في المعاد كما أشار إليه المصنف رحمه الله، وقوله: على الأصل أي بدون إدغام فإنه خلافه، والتفخيم لشأنه صلى الله عليه وسلم من الإضافة فإنها للتعظيم كبيت الله، وقوله: لما روي الخ تأييد للمعية للتصريح بها في الحديث، وقوله: مخصوصا بهم أي بالكفرة، وقوله: ساغ بالغين المعجمة أي جاز ونسبته
إلى الجنس بأسره نسبة مجازية كما مر، وقوله: فإنهم بيان لوجه التجوز فيه، وقوله: فقد حشروا جميعا معهم فجاز نسبته مجازا لهم، وقوله: ليرى بيان لحكمة حشرهم معهم، والغبطة هنا حسن الحال والمسرة وقوله: وشماتتهم عليهم كان الظاهر أن يقول بهم فكأنه علقه بمقدر أي مغتاظين عليهم، وقوله: يدهمهم(6/172)
بالدال المهملة أي يفجؤهم وهذا بناء على العموم في الإنسان فالمؤمن يجثو إذا قرب منها والكفار مستمرون على الجثيئ لعدم استطاعة القيام فلا ينافي جمع ضمير نحشرهم أن يراد بالإنسان واحد كما تقدم والعذة بضم العين المهملة ما يعد لما بعده. قوله: (أو لأنه من توابع التواقف (أي من لرازمه والتواقف تفاعل من الوقوف، والتقاول تفاعل من القول، والمفاعلة فيه حفيقة بخلاف أخواته فإنها فيها للمشاكلة يعني أن الجثيئ وهو جلوس المستوفز على ركبه شأن من يجيء لمجلس لغو في حساب أمر، وقوله: قبل التواصل الخ أي قبل الوصول إلى جزاء ما حوسب به، وهذا عام لجميع أهل الموقف كما في الآية المذكورة على أحد تفسيريها لا خاص كما قيل، وإنما الفرق أن المؤمنين يقومون بعد تلك الحالة والكفار يجثون على هيآتهم الأولى فليس في تقريره سوء ترتيب، وقوله: على المعتاد أي في الحساب حال من ضمير جاثون أو متعلق به، وقوله: وإن كان الظاهر الفاء لأنه لف ونشر، وقوله: فلعلهم عبر به لأنه من المغيبات وقوله يتجاثرن أي للهول كما مز. قوله: أعلى أن جثيا حال مقدرة (بخلافه على ما قبله لأن قوله لنحضرنهم حول جهنم جثيا يقتضي أن يكونوا في الإحضار وهو أمر ممتذ كذلك من أوله إلى آخره وهو إنما يصح في الأشقياء لأنهم يسحبون كذلك، فإن أريد العموم لا يكون كذلك لأن منهم السعداء وهم يمشون على أقدامهم فإذا وصلوا إلى شاطىء النار تجاثوا، فإن قلت جثيا حال مقدرة بالنسبة إلى السعداء وغير مقدرة بالنسبة إلى الأشقياء فكيف يصح التقدير وعدمه في حالة واحدة قلت إذا أريد بالجثيئ الجثيئ حول جهنم فهي مقدرة بالنسبة إلى الكل، ويمكن أن يكون من إسناد ما للبعض إلى الكل كما مر، وكل منهما مجاز فتأئل، والقراءة بكسر الجيم للاتباع قرأ حمزة والكسائيئ وحفص جثيا بكسر الجيم اتباعا والباقون بالضم ووقع في النسخ هنا تحريف. قوله: (من كل أمة شايعت دينا (أي تبعت دينا من الأديان وفي نسخة رئيسا فيكون تفسيرا للأشد عتيا مقدما عليه كما سيأتي والأولى هي المشهورة، وهذا بناء على إبقاء الشيعة على معناها المتبادر منها وهي الفرقة
والفئة مطلقا فتشمل المؤمنين كما أشار إليه بقوله: ولو خص الخ وبقوله تنبيه، ولم يفسره بما في الكشاف بطائفة تبعت غاويا من الغواة لأن المقام يقتضي التخصيص وإن كان عافا للاتباع بحسب الوضع لكنه أورد عليه أن قوله: أشد عتيا يقتضي اشتراكهم في المعنى بل في أشديته وهو لا يناسب المؤمنين، وأجيب عنه بأنه يكتفي بالتقدير أو يجعل من نسبة ما للبعض إلى الكل وهذا أظهر ولا بعد فيه من جهة العربية لأن التفضيل على طائفة لا يقتضي مشاركة كل فرد فرد كما إذا قلت هو أشجع العرب لا يلزمه وجود الشجاعة في جميع أفرادهم وقوله أعصى إشارة إلى أن العتؤ على هذا بمعنى العصيان لأنه كما فسره الراغب النبؤ عن الطاعة، وبه يهون ما مر ووجه التنبيه على هذا أنه خص العذاب بالأشد معصية ففيه إيماء إلى التجاوز عن كثير منهم فلا وجه لما قيل إنه لا دلالة له عليه، وقوله: ويطرحهم أو يدخل فيه إشارة إلى أق في النظم حذفا دمايجازا وكثيرا منصوب على نزع الخافض وهو عن لا اللام، وقوله: طبقاتها وفي نسخة طبقتها أي النار. قوله: (وأيهم مبنتي على الضم عند سيبويه (أي المشددة تكون موصولة واستفهامية وشرطية واختلف فيها وفي إعرابها هنا فذهب سيبويه إلى أنها موصولة وكان حقها أن تبنى كسائر الموصولات لشبهها بالحرف بافتقارها لما بعدها من الصلة لكنها لما لزمت الإضافة إلى المفرد لفظا نحو أيهم أو تقديرا نحو أيا وهي من خواص الأسماء بعد الشبه فرجعت إلى الأصل في الأسماء وهو الإعراب ولأنها إذا أضيفت إلى نكرة كانت بمعنى كل نحو أفي رجل وإذا أضيفت إلى معرفة كانت بمعنى بعض نحو أفي الرجلين كما ذكره النحاة فحملت في الإعراب على ما هي بمعناه كما ذكره المصنف رحمه الله لكنها إذا حذف صدر صلتها عنده ازداد نقصها المعنوي وهو الإبهام والافتقار للصلة بنقص الصلة التي هي كجزئها فقوي مشابهتها للحرف فعادت إلى ما هو حق الموصول وهو البناء فهي على هذا منصوبة محلا والجملة بعدها المحذوفة المبتدأ لا محل لها من الإعراب والقراءة بالنصب عن طلحة بن مصرف تقتضي أنها مفعول ننزعن، وقد خطئ في هذا بأنه لم يسمع(6/173)
مثله وبأنه يقول بإعرابها إذا أفردت عن الإضافة فكيف إذا أضيفت كما في المغني وهو مفصل في محله ومرفوع معطوف على قوله: منصوب المحل. قوله: (والجملة محكية (أي بالقول الذي هو صلة الموصول المحذوف الذي هو مفعول لننزعن، وأفي استفهامية لا موصولة كما بينه وهذا قول الخليل رحمه الله ولما كان لا معنى لجعل النزع لمن يسأل عنه بهذا الاستفهام أوله بعضهم بأنه مجاز عن تقارب أحوالهم وتشابهها في العتو حتى يستحق أن يسأل عنها أو المراد الذين يجاب بهم عن هذا السؤال وهو مع تكلفه فيه حذف الموصول مع بعض الصلة وهو تكلف على تكلف
ومثله لا ينقاس، وقوله: أو معلق عنها فالجملة في محل نصب والمعنى لننزعن جواب من يسثل عنه بهذا، ولما كان التعليق عند الجمهور يختص بأفعال القلوب أجاب عنه بأن نزع شيء عن شيء يقتضي إفرازه وتمييزه عنه وهو سبب للعلم به فهو لتضمنه معنى يلزمه العلم عومل معاملته، والأولى أن يقال: إنه مستلزم لعلم من يراهم بذلك ومن لا يرى التعليق مختصا بأفعال القلوب كيونس لا يحتاج إلى التأويل. قوله: (أو مستأئفة) أي استئنافا نحويا أو بيانيا إن كانت أي موصولة كأنه قيل من المنزوعون فقيل: هم الذين هم أشد، وأما إذا كانت استفهامية فالظاهر الأول، ويجوز الثاني على التأويل السابق، وجعل من زائدة على مذهب الأخفش الذي يجوز زيادتها في الإثبات وكونها مفعولا لتأويلها باسم وهو بعض قيل: وهو على تقدير تخصيصه بالكفرة وفيه نظر. قوله: (وأما بشيعة (معطوف على قوله: بالابتداء وهذا منقول عن المبرد في الإعراب، فمن قال إنه لم يقله غير المصنف لم يصب قال أبو البقاء: يعني أن أيهم فاعل لما تضمنه شيعة من معنى الفعل والتقدير لننزعن من كل فريق يشيع أيهم أشد وأفي موصولة بمعنى الذي فتأمل وقيل: أفي هنا شرطية. قوله: (وعلى للبيان الخ (يعني أن الجار والمجرور متعلق بفعل محذوف أو بمصدر مبين لأن المعنى على من والصليئ بماذا كما في سقيا له ورعيا له كأنه قيل على من عتوا فقال: عتوا على الرحمن وبماذا يصلون فقيل: يصلون بالنار لا بالمصدر المذكور لأن معمول المصدر لا يتقدم عليه، فمن جوزه مطلقا أو في الجار والمجرور للتوسع فيه جوزه هنا، وكذا من قال: إن عتيا وصليا جمع عات وصال وهو منصوب على الحالية. قوله: النحن أعلم بالذين أولى بالصلتي الخ (قيل: هذا على كون صليا تمييزا عن النسبة بين أولى والمجرور ما بعده على أنه تمييز عن النسبة التي بين المبتدأ والخبر، وقيل: إن الأول على تقدير كونه للبيان، وما بعده على تعلقه بأفعل فتأمل وقوله: وقرأ حمزة الخ وقع في بعض النسخ وقد قرؤوا به في جثيا كما مر، وهو اتباع وكذا في عتيا فالأولى ذكره أيضا، وقوله: ويجوز كان المراد أولا الفرق بأجمعها. قوله: (التفات (أي من الغيبة للحضور
وهو جار على التفسيرين في الإنسان بالعموم والخصوص وعلى الثاني الورود بين ويجوز أن يكون خطابأ للناس دون التفات لما مر كما في الكشاف، وقوله: إلا وأصلها الخ يعني أن المراد بالورود إنا دخولهم في حقيقتها لكنها لا تحرقهم بل تصير عليهم بردا وسلاما كنار إبراهيم عليه الصلاة والسلام كما ورد في الحديث وعليه كثير من سلف المفسرين وأهل السنة أو المراد به الجواز على الصراط أو القرب منها أو الجثو حولها ورجحه الشيخان كغيرهم لأنه يلائم قوله: ثم ننجي الذين الخ لأن الظاهر منه أنه تفصيل وتفريق بعدما اشتركوا فيه ويقدر فيه مضاف أيضا أي ونذر الظالمين فيما حولها بقرينة قوله: لنحضرنهم حول جهنم والمراد المرور على الصراط بعده، وأما على التفسير الأول فيحتاج إلى تأويله فتأمله وقوله: خامدة بالخاء المعجمة والجيم والأول أولى أي ساكنة، وتنهار أي تسقط وتقع والمراد أنها تحرقهم وتشعل كما يقال: وقع في البلد حريق وقوله: واجبا أي كالواجب في تحتم وقوعه والمقصود المبالغة إذ لا يجب على الله شيء عند أهل السنة هاليه أشار بقوله: وقضى الخ وهو تفسير مقضيا كما أن ما قبله تفسير حتما. قوله: (وقيل أقسم عليه (أي معنى كان حتما مقضيا كان قسما لازما والمقصود منه إنشاء القسم وقد يقال: إن على ربك لمقصود منه اليمين كما تقول لئه عليئ كذا إذ لا معنى له إلا تأكد اللزوم والقسم لا يذكر إلا لمثله وعلى ورد في كلامهم كثيرا للقسم كقوله:
عليئ إذا ما جئت ليلى أزورها زيارة بيت الله رجلان حافيا ...(6/174)
فإن صيغة النذر قد يراد بها اليمين كما صرحوا به، أو المراد بهذه الجملة القسم كقولهم: عزمت عليك إلا فعلت كذا، وورد في الحديث لا يموت لأحدكم ثلاثة من الولد فتمسه النار إلا تحلة القسم فقال أبو عبيد وتبعه جماعة من المفسرين: إن المراد بالقسم في الحديث قوله: (وإن منكم إلا واردها، الآية واعترضه الأزهرفي في التهذيب بأنه لا قسم فيها فكيف يكون له تحلة، وقيل: إن أصل معناه ولكن لما كان ما يتحلل به يكون أمرا قليلا إن أريد به إيقاع شيء من المحلوف عليه كتر قسمه أو ذكر ما يمنعه من الحنث وهو قوله: إن شاء
الله فعبر به عن القلة، كقول كعب:
وقعهق الأرض تحليل
قال ابن هشام في شرح بانت سعاد اللهم إلا أن يقال إن قوله تعالى: {وإن منكم إلا واردها} [سورة مريم، الآية: 171] معطوف على ما أجيب به القسم في قوله: فوربك لنحشرنهم الخ وهذا مراد من قال: إن الواو للقسم وفيه بعد وقال السبكيئ: هذا عجيب فإن القسم مقدر في قوله: دمان منكم، ويدل عليه شيآن أحدهما قوله: كان على ربك حتما مقضيا قال الحسن وقتادة قسما واجبا، وروي عن ابن مسعود رضي الله عنه، والثاني أن النبي صلى الله عليه وسلم فهم منه القسم كما مر في الحديث، ولك أن تقول إنه لا تقدير فيه والمعنى ما قررناه كما مر، أو يقال: الجملة معطوفة على جواب القسم أو حال، وحديث البعد غير مسموع لعدم تخلل الفاصل. قوله: (وهو دليل على أن المراد بالورود الجثو الخ (وجه الدلالة أنه لما ذكر أن الجميع واردون لها ثم قسمهم إلى ناج هالى متروك على حالة في الجثي علم أن مقابله جاث لكنه غير متروك على جثيه فجاء ما ذكر، وهو ظاهر والدليل هو قوله: ونذر الظالمين الخ، وقد بين أيضا بأن المؤمنين يفارقون الكفرة إلى الجنة بعد نجاتهم وتبقى الكفرة في مكانهم جاثين، والتركيب يدل على إنجاء المتقين من الورطة التي يبقى الظالمون فيها للتقابل بينهما فدل على أن تلك الورطة هي الجثؤ حولها وأنهما يشتركان فيها وقد كانا اشتركا في الورود فدل هذا على أن المراد بالورود هو الجثيئ وهذا إنما يتأتى بتقدير مضاف في قوله: فيها أي في حواليها بقرينة الجثؤ كما أشار إليه المصنف رحمه الله فمن قال: إنه لا يجري في كلام المصنف رحمه الله لم يصب لكنه قيل عليه إن الجثو إنما يصلح قرينة إن ثبت أنه لا جثؤ في النار وهو غير مسلم وأيد بأن الظالمين لا يتركون حولها بل يدخلون النار، ورد بأق الجثو حول جهنم علم من الآية السابقة فرد هذا إليها والتفصيل بالمعلوم أولى، وليس المراد بالدلالة الدلالة القطعية حتى يخل بها الاحتمال، وقوله: لا يتركون الخ لا دليل فيه، ولا يخفى أن ما اذعاه من الأولوية الظاهر خلافه لأن جثيا نكرة أعيدت فالظاهر أنها غير الأولى لا سيما وقد وقعت فاصلة، وهي كالقافية لا يحسن تكرارها مع ما فيها من التقدير المخالف للظاهر فتأمل. قوله: (أو ببيان الرسول الخ (أو هنا لمنع الجمع لأن ما هو بين اللفظ والمعنى بنفسه لا يكون مبنيا ببيان الرسول صلى الله عليه وسلم، كالمجمل ونحوه لا سيما ومبينة على الأول بمعنى متبينة بصيغة اسم الفاعل وهذا بمعنى مبينة بصيغة اسم المفعولى فلا حاجة إلى القول بأنها لمنع الخلو حتى يقال: إن فيه تغليبا إذا أريد بالآيات جميعها ليخرج المتشابهات، وقوله: واضحات الإعجاز فهو من بأن بمعنى ظهر،
كالأول فلو قدمه كان أظهر وعلى هذا فالإسناد لها مجاز أو بتقدير مضات، وقوله: لأجلهم فاللام للتعليل وقوله أو معهم فاللام صلة القول كقلت له كذا إذا خاطبته به وما وقع في بعض النسخ منهم تحريف. قوله: (موضع قيام أو مكانا) كان الظاهر أي مكانا لأن أصل معناه الأول ثم استعمل لمطلق المكان كما في الكشاف وما قيل إن أو للتخيير في التعبير والتفسير لا يجدي لأنهما ليسا مترادفين فالظاهر أنه أراد أن المقام محل القيام فإن كان القيام بمعنى المعاش كما ذكره الراغب في قوله: قياما للناس فهو على ظاهره، وإن كان مقابل القعود فهو خاص أريد به عام ففيه زيادة على ما في الكشاف وهو على الأول بمعنى المنزل فتتوافق القراءتان ولا يتكزر مع قوله نديا، ولذا قدمه والندي كالنادي مجتمع لندوة القوم ومحادثتهم، ومنزل إن كان بضم الميم بمعنى النزول فهو عطف على إقامة وإن كان بفتحها فهو عطف على موضع وكان الظاهر نصبه حينئذ. قوله: (والمعنى الخ (ناظر إلى ما مر(6/175)
في تفسير بينات، وعلمهم معطوف على الحال، وبظاهر متعلق به لا بقصور حتى يكون الظاهر إبدال الباء بعلى كما قيل، وقوله: أيضا أي كما رد عليهم إنكار الحشر بقوله: أو لا يذكر الخ والتهديد بما فيه من الإشارة لإهلاكهم والنقض هنا لما استدلوا به من حسن حالهم في الدنيا على حسن حالهم في الآخرة لتخلفه فيمن قبلهم من القرون وهو نقض إجماليئ كما فصل وبين في آداب البحث، أو هو بمعناه اللغوي وهو الإبطال وكم خبرية أو استفهامية، وهي على كل حال لها الصدر فلذا قدمت، والقرن أهل كل عصر وقد اختلف في مذته وهو من قرن الحيوان سمي به لتقدمه كما أشار إليه، ومنه قرن الشمس لأول ما يطلع منها. قوله: (وهم أحسن صفة لكم (بناء على أنه يجوز وصفها كما ذكره الزمخشري وتبعه أبو البقاء ورذه أبو حيان بأن النحاة صرحوا بأن كم سواء كانت خبرية أو استفهامية لا توصف ولا يوصف بها، كالضمير وجعله صفة قرن ولا يرد عليه كم من رجل قام وكم من قرية هلكت بناء على أن الجاز والمجرور يتعين تعلقه بمحذوف هو صفة لكم كما ادعى بعضهم أن الرضي أشار إليه لأنه يجوز في الجاز والمجرور أن يكون خبرا لمبتدأ محذوف والجملة مفسرة لا محل لها، فما ادعاه غير مسلم عندهم، والخرثي بضم الخاء المعجمة وسكون الراء المهملة وثاء مثلثة ومثناة تحتية مارت أي قدم وبلي، وقيل: ما لبس،
وقيل: أردأ المتاع. قوله: (والزي المنظر فعل من الرؤية الخ (يعني أنه على هذا فعل بمعنى مفعول، وأما على القراءة الأخرى فيحتمل أنه منه أيضا لكن أبدلت همزته ياء وأدغمت، ويحتمل أنه لا إبدال فيه وأنه من روي بالماء يروى ريا ضد عطش ولما كان الرقي به النضارة والحسن استعمل فيه كما يقال: هو ريان من النعيم كما قلت:
ريان من ماء النعب! م يلفه ورق الشباب
وقوله: أو على أنه من الرقي إن كان بفتح الراء فهو ظاهر لأن الري اسم مأخوذ من ذلك المصدر وإن كان بالكسر كما ضبط بالقلم في أكثرها فهو مصدر، والنعمة بفتح النون ويجوز كسرها التنعم والترفه، فأتى بمن الابتدائية المقتضية لتغايرهما كما في الكشاف مع اتحادهما لفظا ومعنى لأن مدخول من معناه الحقيقي هو الترفه والمراد به على طريق المجاز أو الكناية المنظر الجميل والهيئة الحسنة فما قيل إنه نظر إلى المغايرة باعتبار كونه مذكورا في النظم ومنقولا عن أهل اللغة أو إلى أن الثاني مصدر وما في النظم اسم فإنه كذلك في القاموس وهذا أولى تكلف بارد، وقوله: على القلب أي القلب المكاني بتقديم اللام على العين فوزنه فلع كما يقال: في رأي راء. قوله: (كالطحن (بكسر الطاء وسكون الحاء المهملتين ونون الحب المطحون، والخبر بكسر الخاء المعجمة وسكون الباء الموحدة وراء مهملة من خبر الأرض إذا زرعها وهو مصدر بمعنى المزارعة وبمعنى ما يزارع عليه أو اسم كالطحن كما ذكره ابن السيد في مثلثاته. قوله: (وقرئ ريا بحذت الهمزة (والقصر وهي قراءة ابن عباس رضي الله عنهما، وقد قرئ أيضا بالمذ ومعناها مرا آة بعضهم بعضا كما في الدر المصون، وأما هذه القراءة فقد خرجت على وجهين أحدهما أن يكون أصلها ريا بتشديد الياء فخففت بحذف إحدى الياءين وهي الثانية لأنها التي حصل بها الثقل ولأن الآخر محل التغيير، والثاني أن يكون أصلها ريئا بياء ساكنة بعدها همزة فنقلت حركة الهمزة إلى الياء ثم حذفت على القاعدة المعروفة. قوله: (وزيا من الزي الخ (الزفي الثاني بالفتح مصدر زواه بمعنى جمعه لأن الزي بمعنى الهيئة ويكون بمعنى الأثاث أيضا كما ذكره المبرد في قول الثقفي:
أشاقتك الظعائن يوم بانوا بذي الزفي الجميل من الأثاث ...
وهو واوي لا يائي، كما في القاموس وقوله: فإنه أي الزفي بالكسر. توله:) ثم بين الخ (
أي بين بعد النقض والجواب عما تمسكوا به، وإنما العيار هو من قولهم: عايرت بين المكيال والميزان إذا امتحنته، وعذاه بعلى لتضمنه معنى الدلالة، والفضل هنا بمعنى الزيادة ولذا قابله
بالنقص. قوله: (فيمده يمهله بطول العمر (إشارة إلى أن معنى المد وهو تطويل الحبل ونحوه أريد به تطويل العمر، وقوله: دمانما أخرجه الخ إشارة إلى أن صيغة الأمر مستعارة للخبر كما يستعار الخبر للأمر وقد أشار إليه بقوله: أولا فيمده لأنه لكونه كائنا لا محالة كالمأمور به الممتئل لتنقطع أعذارهم وتقوم عليهم الحجة، كما في الآيتين المذكورتين أو هو(6/176)
دعاء بامهالهم وتنفيس مدة حياتهم كما في الكشاف. قوله: (فاية المذ (فيه تسمح لأن الغاية إما مجموع الشرط وجوابه إن قلنا إن المجموع هو الكلام أو مفهوم الجواب إن قلنا إنه هو الكلام والشرط قيد له، وعلى القول الثاني فما بينهما اعتراض، ومرضه لبعده وصاحب الكشاف اختار هذا وقدمه. قوله: (تفصيل للموعود (التفصيل مستفاد من أما كما ذكره النحاة ولا كلام فيه دىانما الكلام في قوله: يوم القيامة، فإن قيل إن المذ والقول ينقطعان حين الموت وعند معاينة العذاب ولذلك يؤمن عنده كل كافر فالمراد بالساعة ما يشمله، ومن مات فقد قاصت قيامته، ولا يخفى أن ما ذكره من التأويل لتتصل الغاية بالمغيي لا يناسب ما في النظم لأن الساعة لا تطلق عليه كيوم القيامة وأمر الفاصل سهل لأن أمور هذه الدار لزوالها لا تعد فاصلة لتقضيها، ألا ترى قوله تعالى: إ أفرقوا فأدخلوا نارا، والمناسب وعيدهم بما يشاهدونه في الدارين لأنه الدال على الخزي. قوله: (والجملة محكية بعد حتى (فهي مستأنفة وحتى ليست جارة ولا عاطفة وهكذا هي حيث دخلت على إذا الشرطية عند الجمهور وهي منصوبة بالشرط أو الجزاء على الخلاف المشهور، وذهب ابن مالك إلى أنها جازة كما في المغني، وقوله: محكية إشارة إلى أنها غاية للقول بأحد القولين، فهو جار عليهما فليس هذا على أنه غاية للمد نعم ما بعده صريح فيه. قوله: (أي فئة وأنصارا الخ (وجه التقابل فيه ظاهر فالمراد بالندفي من فيه كما يقال: المجلس العالي للتعظيم فلذا عبر به وبالمقام ثمة، وعبر هنا بالمكان والجند إشارة إلى أن الأول فيه مسرة وحبور بخلاف هذا فإنه مكان شر ومحاربة فتأمل. قوله: (عطف على الشرطية المحكية بعد القول الخ (في هذه الجملة وجوه فقيل إنها مستأنفة لا محل لها، وقيل إنها
معطوفة على جواب من وهو قوله: فليمدد الخ، واختاره في الكشاف واعترض بأنه غير مناسب معنى إذ لا يتجه أن يقال: من كان في الضلالة يزيد الله الذين اهتدوا هدى ولا إعرابا سواء كان دعاء أو خبرا في صورة الأمر لأنه في موضع الخبر إن كانت موصولة وفي موضع الجزاء إن كانت شرطية فهو في حكم الجزاء وعلى كلا التقديرين فهي خالية من ضمير يربط الخبر بالمبتدأ والجواب بالشرط، وأجيب بأن المعنى من كان في الضلالة زيد في ضلالته وزيد في هداية أعدائه لأنه مما يغبطه، ومن شرطية لا موصولة واشتراط ضمير يعود من الجزاء على اسم الشرط غير الظرفيئ ممنوع فإنه غير متفق عليه عند النحاة كما في الدر المصون مع أنه مقدر كما سمعته، وفي كلام المصنف إشارة إليه لكنه لما كان لا يخلو من تكلف لم يختره، والثالث ما اختاره المصنف وهو أنه عطف! لى مجموع الجملة الشرطية ليتم التقابل فإنه! أمر أن يجيبهم فليؤت بذكر القسمين أصالة كما في الأول وهذا أولى كما في الكشف. قوله: (أراد أن يبين الخ (إرادة الخير والتعويض من قوله: والباقيات الصالحات الخ فهذا بدل عن قصور حظوظه الدنيوية التي كانت لغيره للاستدراج وقطع المعاذير، وقوله: وقيل قد علمت وجه تمريضه وقوله: كأنه قيل الخ فلا يلزم عطف الخبر على الإنشاء ولا عدم الربط المعنوي واللفظي كما مر، وأنه وضع فيه الظاهر موضع الضمير. قوله: (الطاعات التي تبقى عائدتها (أي فائدتها فبقاؤها ببقاء ثوابها وقوله ويدخل إشارة إلى أن المراد بها ما ذكر وأن ما وتع في بعض التفاسير المأثورة من تفسيرها بما ذكر على سبيل التمئيل لا التخصيص والحصر. قوله: (المخدجة (أي الناقصة وقوله: سيما بحذف لا كما أجازه الرضيئ وقال أبو حيان: إنه لم يسمع في كلام العرب، وقوله: كما أشار إليه الخ لأن المرد بمعنى ما يرد إليه والمراد به العاقبة وهي بمعنى المآل وقيل إنها بمعنى النفعة من قولهم: ليس لهذا الأمر مرد وهو قريب منه. قوله: (والخير ههنا إما لمجرد الزيادة الخ (جواب عما قيل كيف فضلوا عليهم في خيرية الثواب والعاقبة والتفضيل يقتضي المشاركة فيهما وهم لا ثواب لهم وعاقبتهم لا خير فيها وهو ظاهر، وقوله: هاهنا أي في هذه الآية في المحلين كما صرح به بعض أرباب الحواشي لا في قوله: خير مردا فقط لأنه لما فسر الثواب بالعائدة الشاملة للعائدة الدنيوية لا بالثواب المتعارف لم يحتج إلى تأويل الخيرية فيه كما قيل: وتأويلها سترى تفصيله فأجاب أولا بأن المقصود مجرد(6/177)
الزيادة بقطع النظر عن مفضل عليه مخصوص يشاركه في ذلك وتحقيقه كما ذكره بعض علماء العربية أن لا فعل أربع حالات، إحداها وهي الأصل أن يدل على ثلاثة أمور اتصاف من هوله بالحدث الذي اشتق منه وبهذا كان وصفا ومشاركة مصحوبة في تلك الصفة ومزية موصوفة على مصحوبه فيها وبالأخيرين فارق غيره من الصفات، والثانية: أن يخلع عنه ما امتاز به عن الصفات ويتجزد للمعنى الوصفي، والثالثة: أن تبقى عليه معانيه، الثلاثة: ولكن يخلع عنه المعنى الثاني ويخلقه قيد آخر فإن الاشتراك مقيد بتلك الصفة التي هي المعنى الأول فيصير مقيدا بالثالث وهو الزيادة لكن لا في المشتق منه كقولهم: العسل أحلى من الخل فإن للعسل زيادة في حلاوته وهي أكثر من زيادة الخل في حموضته، قال ابن هشام في شرح التسهيل وهو بديع جدا، والرابعة: أن يخلع عنه المعنى الثاني وهو المشاركة وقيد المعنى الثالث وهو كون الزيادة على مصاحبه فيكون للدلالة على الاتصاف بالحدث وعلى الزيادة مطلقا لا مقيدة، وذلك نحو يوسف أحسن إخوته اهـ. وهذا الأخير هو الذي أراده المصنف رحمه الله بجوابه الأول فالمعنى أن ثوابهم ومرذهم متصف بالزيادة في الخيرية على من اتصف بها بقطع النظر عن هؤلاء المفتخرين بدنياهم فلا يلزم مشاركتهم في الخيرية حتى يرد السؤال. قوله: (أو على طريقة قولهم الصيف أحر من الشتاء أي أبلغ في حزه منه في برده (ثم اختصر وعبر عنه بذلك على طريقة إيجاز الحذف كما في التبيان، وقد أتى في الكشاف هنا بسؤالين جعلهما المصنف شيئا واحدا، وذلك أنه قال إنه لا ثواب لمفاخرتهم حتى يجعل ثواب الصالحات خيرا منه وأجاب بأنه جعل النار ثوابا تهكما كقوله:
تحية بينهم ضرب وجيع
ثم بني عليه خير ثوابا وهو أغيظ للمتهذد من أن يقال له عقابك النار، ثم سأل عن وجه التفضيل وأجاب بأنه من وجيز كلامهم كالصيف أحز من الشتاء، وحاصله كما قاله الفاضل اليمني إنه سأل عن الاشتراك في الثواب وأجاب بأنه من التهكم فتبين به وجهه، ثم سأل عن وجه التفضيل وأجاب بوجه غير ما لزم من كلامه أولا أي ثواب المؤمنين أبلغ في بابه من عقابهم فلا تكرار ولا استدراك، وفي الفرائد هذا بعيد عن الطبع والاستعمال وليس في كلامهم ما يشهد له وإنما المراد أن خيرية الأعمال في الآخرة خير لهم مما حصل لهم بزعمهم في الدنيا، وفي التقريب الاعتراض بأن كون ثوابهم في بابه أبلغ من عقابهم في بابه غير محقق ولا مناسب للتهديد فالأولى حمله على التهكم، ورد إنكاره له بأن الزجاج ذكره في غير هذه الآية وأن له نظائر وهو محقق وإن لم يقصد التهكم وهو مناسب للتهديد لاستلزامه لثبوت العقاب وزيادة ثواب أعدائهم فإنه مما يغيظهم ففيه تهديد من جهتين، وقيل الذي يقتضيه النظم أن قوله: والباقيات الصالحات خير الخ تتميم لقوله: ويزيد الله الذين اهتدوا هدي المشتمل على تسلية المؤمنين عما افتخروا به، كما أن قوله: من هو شر مكانا وأضعف جندا تتميم لوعيد
الكفار وكلاهما تتمة لقوله: فليمدد الخ الواقع جوابا عن قولهم: أفي الفريقين خير، وتحقيقه أن الكفار لما ذكروا الخيرية على زعمهم أتى بها في الجواب مشاكلة مع ما فيه من الوعيد والتهكم بهم فتحصل منه أن التفضيل إما للزيادة المطلقة أو لزيادة الثواب في بابه على العقاب في بابه أو يعد العقاب خيرا تهكما بهم أو الخيرية في المفضل عليه خيرية مالهم في الدنيا في نظرهم القاصر أو هو للمشاكلة فتنبه له واحفظه لتسلم من الخلط والخبط. قوله: إ نزلت في العاص بن وائل الخ (هذا هو الصحيح في كتب الحديث، وقيل: إنها نزلت في الوليد بن المغيرة وخباب بخاء معجمة وباءين موحدتين كشداد صحابيئ معروف ابن الأرت والأرت أفعل من الرتة براء مهملة وتاء مثناة فوقية وهي ثقل في اللسان علم والعاص بن وائل هو أبو عمرو بن العاص وكان من عظماء قريش ولم يوفق للإسلام، وقوله: ولا حين بعثت بفتح التاء خطابا للعاص أي لا أكفر أبدأ لا في حال حياتي ولا في حال مماتي ولا في حال بعثك أيها الكافر وأنت معذب يعني أنه مؤمن بثوابه بعد الموت وعقاب الكفرة بعد البعث ولذا ذكر الموت والبعث وفي نسخة حين تبعث بضم التاء الفوقية. قوله: (ولما كانت الرؤية أقوى إلى آخره (يعني أن رأى هنا بصرية لا علمية كما ذهب إليه بعض النحاة(6/178)
وتجوز بها عن المسبب وهو الإخبار فهو مجاز مرسل والاستفهام مجاز عن الأمر به لأن المقصود من نحو قولك: ما فعلت أخبرني فهو إنشاء تجوز به عن إنشاء آخر، كما حققه النحاة وقد مر تفصيله وأنه قد يراد به التعجب ومن لم يقف على هذا قال: إرادة معنى الأمر من هذا لا تخلو عن بعد فلو جعل لإنشاء التعجب لكان أظهر فإنه شائع فيه وأما عطف الإنشاء على الخبر فجائز لأنه من عطف القصة على القصة وقوله: على أصلها أي للتعقيب كما بينه وقوله: بقصة إشارة إلى ما مز. قوله: (ولذا (بضم الواو وسكون اللام ورد في كلام العرب مفردا وجمعا كما ذكره المصنف رحمه الله وكلاهما صحيح هنا، وقرىء بكسر الواو وسكون اللام أيضا وهو بمعناه. قوله: (أقد بلغ من عظمة الخ (في قوله أقد إشارة إلى أنه بفتح الهمزة الاستفهامية وأصله اطلع فحذفت همزة الوصل تخفيفا واطلع متعد بنفسه تقول اطلع الجبل قال المعرب وليس متعديا بعلى كما توهمه بعضهم حتى يكون من الحذف والإيصال لكن في القاموس اطلع عليه فكأنه يتعدى ولا يتعدى، وعظمة الشأن تستفاد من الطلوع لأنه الظهور على وجه العلو والتملك ولذا اختير هذا التعبير كما في الكشاف،
وقوله: وتألي أي أتى بألية وهي القسم وهو مستفاد من قوله: لأوتيت لأن اللام واقعة في جواب قسم مقدر وهو يفيد جزمه به، وتحققه ليس من الآلاء بمعنى النعم والمعنى ادعى أنه ينعم عليه كما قيل. قوله: (أو اتخذ من عالم الغيب الخ (أي كأن الله أعطاه عهدا موثوتا على أن يعطيه ذلك، والعلم بوقوع أمر مغيب له إما بعلم الغيب أو بقول الله له إنه كائن لا محالة ولا يرد عليه أنه يجوز أن يكون بواسطة إخبار ملك أو نبي مرسل لأنه لتعظمه وكفره لا يزعمه فلا يرد على الحصر شيء، وإطلاق العهد على ما بعده بينه المصنف رحمه الله والمعنى عليه أعلم الغيب أم عمل عملا يرجو ذلك في مقابلته، وقوله: رح الخ هو مذهب الجمهور وهو أنها حرف ردع وزجر عن أمر ذكر تبل فيفيد ما ذكره من التنبيه. قوله: (سنظهر له أنا كتبنا قوله الخ (لما كانت كتابة الأعمال والأقوال لا تتأخر عن وجودها تأخرا يقتضي أن يقرن بالسين أو سوف كما بينه أوله بأن الفعل أطلق وأريد به ظهوره والعلم به اللازم له إما مجازا أو كناية كما في البيت المذكور فإن لم تلدني جواب إذا وهو مستقبل وعدم الولادة ماض لوقوعه قبل انتسابه أي إذا انتسبنا علمت يا فلانة وتبين أني لست بابن لئيمة، فقوله: لم تلدني عبارة عن تبين عدم ولادتها له لشهرة نسبه فهو نظير ما نحن فيه كما في شروح الكشاف لا أنه مقدر فيه تبين أني حتى يعترض عليه بأنه ليس مما نحن فيه مع أنه لو سلم فهو نظير له في أنه محتاج للتأويل مثله والتأويل إما بالتجوز أو بالتقدير وتمام البيت المذكور:
ولم تجدي من أن تقزي به بذآ
وإنما ذكر الأئم دون الأب لأنه يعلم بالطريق الأولى لأنهم كانوا لا يزؤجون غير الإكفاء
أو خصه لمكان التعريض بلؤم المخاطبة. قوله: (أو سننتقم منه الخ (ظاهره أنه مجاز واستعارة للوعيد بالانتقام قيل: ولو قيل إن السين للتأكيد والمراد نكتب في الحال كما في المغني كان فيه غنية عن هذا التطويل وفيه نظر لأن الذي في المغني منقولا عن الزمخشري أنها لتأكيد الوعد والوعيد هافادة أنه كائن لا محالة يعني في المستقبل إذ لا تؤكد علامة الاستقبال ما يراد به الحال فتأمل. قوله: (فإن نفس الكتبة الخ (الكتبة بكسر الكاف الكتابة وبما قررناه سابقا علم أنه لا يرد عليه أن ما ذكره هنا يعارض ما سيذكره في سورة ق من حديث أن كاتب الحسنات أمين
على كاتب السيئات فإذا عمل سيئة قال صاحب اليمين لصاحب الشمال دعه سبع ساعات لعله يسبح أو يستغفر لأن ما ذكر لقربه في حكم الحال فلا يقال بكلمة السين مع أنه في حق المؤمنين رحمة بهم وما ذكر في الكفرة وسيأتي ثمة بيانه. قوله: القوله تعالى الخ (قيل عليه إنه قال في تفسير هذه الآية ولعله يكتب عليه ما فيه ثواب أو عقاب فالتردد فيه ينافي الجزم به هنا فالأولى أن يستشهد بقوله تعالى: {ورسلنا لديهم يكتبون} [سورة الزخرف، الآية: 180] وليس بوارد لأنه ليس بتردد في أصل الكتابة بل في تخصيصها بما فيه ثواب أو عقاب مع أن قوله: ما يلفظ عائم. قوله: (ونطؤل له من العذاب ما يستأهله الخ (يعني أن المراد بالمذ تطويل مدة عذابه فالمذ بمعنى الزيادة لا التطويل، وقيل(6/179)
عليه أنه مخالف لما مر في البقرة في تفسير قوله تعالى: {ونمدهم في طغيانهم يعمهون} [سورة البقرة، الآية: 15] ، أنه من مد الجيش وأمده إذا زاده وليس من المذ في العمر، وهو الإملاء والإمهال لأنه يتعدى بنفسه لا باللام كاملي له ورذه في الكشف بأنه لا يخالفه لأن المدعي هناك أن الذي بمعنى الإمهال لا يستعمل إلا باللام لا إن الذي من المدد لا يجوز أن يستعمل باللام ومعناه يفعل المذ ليكون أبلغ من نمده، وأما كون المذعي غير مسلم لأن في القاموس ما يخالفه فلا يدفع السؤال ولا يصح مقابلا لما قاله.
قوله: (ونرثه (أي نسلبه ما ذكر ونأخذه أخذ الوارث أو نزويه ونمنعه، وله معان أخر ستأتي وفي الكشاف فيه وجوه أربعة أحدها: أن معناه نزوي ونحجب عنه ما زعم أنه يناله في الآخرة من المال والولد ونعطيه من يستحقه وما يقول: بدل من الضمير أو مفعول والمراد مسماه ومدلوله الثاني أنه تمني مالا وولدا في الدنيا بأشعبيته وتألي على الله فقال تعالى: هب أنه أعطيه، أما نرثه ونأخذه منه في العاقبة ويأتينا فردا مجردا عنه فما فائدة تمنيه وتأليه، وثالثها: أن هذا القول يقوله ما دام حيا فإذا قبضناه حلنا بينه وبين أن يقوله ويأتينا فردا أي رافضا تاركا لمقاله ورابعها: أنا لا ننسى ما يقول ولا نلغيه بل نثبته في صحيفته لنضرب به وجهه، ونعيره فيأتي على فقره ومسكنته فردا من ماله وولده لم يؤت منه غير تبعته وفردا على الأول حال مقدرة هذا محصله وإنما كانت مقدرة على الأول وهو أن يراد مسمى القول من المال والولد في الآخرة دون غيره كما في الشروح لأن المراد بالانفراد الانقطاع عنهما في العاقبة بالكلية بعد البعث لا في حال الإتيان والبعث لأنه لا يختص به لقوله: ولقد جئتمونا فرادى والآية وردت لتهديده ووعيده بأنه ينفرد عما ذكر حيث يجتمع المؤمنون بأهليهم في النعيم المقيم، وقيل: لا حاجة إلى جعل الحال مقدرة في كلام المصنف فإن محل إرضاء الخصوم وأداء الحقوق إنما هو الموقف فإذا أتاه منفردا عن المال والولد تم المقصود، وإنما
جعلها الزمخشري مقدرة في الأول فقط لأنه على تفسيره بالزوي عنه والصرف لمستحقه الانفراد عليه يقتضي التفاوت بين الضال والمهتدي، وهو إنما يكون بعد الموقف بخلاف الوجوه الباقية لعدم اقتضائها التفاوت بينهما وكفاية فردية الموقف في صحتها وان كانت مشتركة، وبهذا ظهر اندفاع ما ذكره العلامة في شرحه (أقول) يعني اعتراضه بأن المراد بالفردية في الوجوه المذكورة إما الانفراد عن المال والولد وهو في الوجهين الأولين والرابع، أو الانفراد عن القول وهو الوجه الثالث وأياما كان يجب أن يراد به دوام الانفراد أما على الأول فلما مر وأما على الثاني، فلأن الحيلولة بينه وبين القول لا تتحقق إلا بنفي القول دائما والآخرة زمان يأس الكافر وانكشاف السرائر فامتنع طلب المال والولد فالحال مقدرة على جميع الوجوه ولا وجه للتخصيص بالأول اهـ وفيه بحث لأن المصنف لم يفسر الوراثة بالزوي ولا بالأخذ وكلامه الأول محتمل لوجوه ثلاثة فلا قرينة على ما عينه وأما اندفاع كلام العلامة فقد سبقه إليه الشراح فتأمل. قوله: (ليتعززوا) أي يتقؤوا وينتصروا بهم، وقوله: حيث يكونون الخ للتعليل أي لأنهم يكونون وصلة أي مقربا بزعمهم، كقوله: ما نعبدهم إلا ليقزبونا إلى الله، وقوله: رح أي زجر لهم عما زعموه من التعزز المذكور كما مر تقريره. قوله: (ستجحد الآلهة الخ (جوز فيه أن يكون الضمير الأول للآلهة والثاني للكفرة وعكسه والمعنى على الأول أن الآلهة تنكر عبادتهم وتتبرا منهم فالكفر هنا بمعناه اللغوي وهو الجحد والمراد بالآلهة من عبد من ذوي العلم لإطلاق ضمير العقلاء عليهم ونطقهم أو الأصنام بأن يخلق الله فيهم قؤة النطق فيطلق عليهم ما يطلق على العقلاء أو الأعم منها والمراد بإنكارهم على هذا عدم رضاهم به وإلا فهم قد عبدوهم فيكون كقوله: أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله أو هو على ظاهره كقوله: وإذا رأى الذين أشركوا شركاءهم قالوا ربنا هؤلاء شركاؤنا الذين كنا ندعوا من دونك فألقوا إليهم القول إنكم لكاذبون، وعلى الثاني هو على ظاهره قيل: ومواطن القيامة متعددة فهذا في موطن وقولهم: هؤلاء شركاؤنا في موطن آخر فلا تنافي بينهما، وقوله: لم تكن فتنتهم أي عاقبة فتنتهم، وتفسيرها معلوم في محله. قوله: (يؤيد الأول الخ (أي هذا يؤيد التفسير الأول(6/180)
الذي جعل فيه الضمير الأول للآلهة والثاني للكفرة لأنه في هذه الاية كذلك بحسب الظاهر المتبادر فينبغي أن يجعل على نسق ليتسق المعنى والنظم، وإنما كان هذا هو المتبادر لأنه في مقابلة الكائنين عزا وهم الآلهة فكذا الضد فالتأييد لفظي ومعنوفي، ولذا قال: إلا إذا
فسر الضد بضد العز يعني إذا كان ضدا بمعناه المتبادر والضد لوقوعه في مقابلة العز للآلهة فإذا كانوا هم الضد يكون الجحد المراد من الكفر صفة لهم، فالضمير عبارة عنهم أما إذا كان الضد بمعنى ضد العز وهو الذل أو ضد ما أملوه منهم وهو النفع والتقزب بهم إلى الله لتضررهم وتعذيبهم كما سيأتي بيانه فلا يكون مؤيدا ولو قيل: إق الكفار ينكرون عباك! ة ألهتهم لكونها ذلا أو ضررا لهم انتظم الكلام أحسن انتظام فمن جعل التأييد لاتساق الضمائر فقد قصر ووقع في ابعض النسخ إن فسر الضد الخ والصحيح هو النسخة الأولى. قوله: (أو جعل الواو للكفرة الخ (أن في قوله: يكونون وهذا معطوف على قوله: فسر ووجهه أنه لو لم يحمل على الأول كان تأكيدا وتكريرا والتأسيس خير منه، وقوله: على معنى أنها تكون معونة إشارة إلى أن الضد قبله ضد العز وهو الذل وعلى هذا بمعنى العون فانه يطلق عليه لأنه يضاذهم وينافيهم وعبر به على التهكم، وقوله: أي يكونون كافرين فسره به لأن كونهم ذلا لآلهتهم أو عونا في عذابهم لا يصح في حقهم فتأمل. قوله: (وتوحيده لوحدة المعنى الخ (يعني أنه وحد وحقه أن يجمع لأنه إما عبارة عن الآلهة أو الكفار وهم أضداد لا ضد واحد فإنهم لاتحاد معنى الضدية فيهم كأنهم شيء واحد، وفي القاموس أن الضد يكون واحدا وجمعا وفيه نظر، وقيل: إنه إنما يحتاج إلى التأويل إذا لم يكن بمعنى الذذ فإنه مصدر، وقوله: وهم يد على من سواهم من حديث صحيح رواه النسائي، وأوله المؤمنون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم وهم يد على من سواهم أي متفقون في دفع من سواهم وأيديهم كاليد الواحدة وإطلاق اليد على الدافع مجاز اما مرسل أو استعارة وبقية شرحه في كتب الحديث وشروحها وفي الآية مقابلة العز بالذل واللام بعلى. قوله: (وقرئ كلا بالتنوين) هي قراءة شاذة لأبي نهيك ووجهت بوجوه منها أنها حرف وأبدلت ألفها تنوينا لأنه نوى الوقف فصارت الألف كألف الإطلاق وهي الألف التي تزاد في أواخر القوافي والفواصل المحركة وتسمى تلك القافية مطلقة وضدها مفيدة ولم يجعلها ألف) طلاق بل شبهها بها لأنها مخصوصة بالشعر ولم يمثل له بقوله: قواريرا كما في الكشاف لأنه صرف للتناسب فتنوينه تنوين صرف وهذا يسمى التنوين الغالي وهو يلحق الحروف وغيرها ويجتمع مع الألف واللام كقوله:
أقلي اللوم عاذل والعتابن وقولي إن أصبت لقد أصابن ...
قوله: (أو على معنى كل هذا الرأي كلا (فيكون اسما مصدرا منونا بمعنى التعب وهو
مجاز عن ضعفه منصوب على المصدرية، وفيل: إنه مفعول به بتقدير حملوا كلأ، وقوله: وكلأ أي وقرئ كلأ بضم الكاف وتشديد اللام وهي منصوبة بفعل يقدر متعذيأ على حذ زيدأ مررت به أي جاوزته فهو من باب الاشتغال كما أشار إليه المصنف بقوله: سيجحدون كلأ أي عبادة كل من الآلهة ففيه مضاف مقدر، وقد لا يقدر. قوله: (بأن سلطناهم (فسره به على التجوز أو التضمين لتعديته بعلى والتسليط بأغوائهم والوسوسة لهم، وقوله: أو قيضنا لهم قرناء أي سخرنا وهيأنا لهم قرناء من الشياطين مسلطين عليهم غالبين عليهم، وقوله: نهزهم وتغريهم تفسير للأز والهز والأز والاستفزاز متقاربة المعاني، وقوله: والمراد تعجيب رسول الله صلى الله عليه وسلم الخ يعني أن في النظم المذكور من قوله: ويقول الإنسان أئذا ما مت إلى هنا ذكر أمور عجيبة تقتضي تعجبه منها وهذا كالتذييل لما قبله كما بينه شراح الكشاف وأشار إليه المصنف رحمه الله، وقوله: بأن يهلكوا أي بطلب هلاكهم، وفي قوله: وتطهر الأرض مت فسادهم مكنية وتخييلية والأجل في قوله أيام آجالهم بمعنى العمر لأنه يطلق عليه كما يطلق على نهايته وقوله: إلا أيام محصورة وأنفاس معدودة، يعني أن العد كناية عن القلة كما مر تحقيقه في قوله: دراهم(6/181)
معدودة، وقلته لتقضيه وفنائه كما قال المأمون: ما كان ذا عدد ... ليس له مدد ... فما أسرع ما نفسد ولا ينافي هذا ما مر من أنه يمد لمن كان في الضلالة أي يطول لأنه بالنسبة لظاهر الحال عندهم وهو قليل باعتبار عاقبته وعند الله، ولله در القائل:
إن الحبيب من الأحباب مختلس لايمنع الموت بؤاب ولا حرس ...
وكيف يفرح بالدنيا ولذتها فتى يعد عليه اللفظ والنفس ...
قوله: (ولعله (أي اختيار اسم الرحمن وتكرار التعبير به في هذه السورة الكريمة كما تراه
أي لأنه ذكر فيها نعم جسام والرحمن بمعنى المنعم فكأنه قيل: نحشر المتقين إلى ربهم الذي شملهم رحمته ورأفته قال الطيبي: وفي التقابل بين الوفد والرحمن وبين الورد وجهنم إعلام بتبجيل الوافد وظفره بجلائل النعم وأعظم بوافد على رب رحمن كريم وإشعار بإهانة الوارد وتهكم كما في عتابه السيف وكفى بعطش يكون ورده أعظم النيران، وقوله: وافدين إشارة إلى أنه حال، وأصل الوفود القدوم على العظماء للعطايا والاسترفاد ففيه إشارة إلى تبجيلهم وتعظيمهم المزور والزائر، وقوله: كما تساق البهائم ففيه إشارة إلى تحقيرهم وإهانتهم، وقوله: عطاشا فالورد مجاز عنه لأنه لازمه، كما بينه وعلى ما بعده فالمراد مجرد سوقهم بقطع النظر عن العطش فهو تشبيه والورد الذهاب إلى الماء، ويطلق على الذاهبين إليه، وقوله: المدلول عليها وفي نسخة عليه والتذكير لتأويله بالذي دل عليه وهو سهل، والقسمان هم المتقون والمجرمون المقسم إليهما فجعل عبارة عن جميعهم بقرينة الحشر ويوم القيامة، فإنه يشمل الجميع ولذا قال: وهو الناصب الخ قيل: ولم يجعل الضمير للمتقين والمجرمين المذكورين لأن المجرم لا يشفع ولا يشفع له عند المعتزلة ولا للمتقين لتفكيك النظم ففي كلام المصنف شيء يمكن دفعه. قوله: (الا من تحلى (أي اتصف وقوله: من الإيمان الخ بيان لما ووعد الله هر ما نطقت به الآيات والأحاديث الناطقة بأنه أكرم صلحاء المؤمنين بإذنه لهم في الشفاعة لغيرهم فالمراد بالعهد الإيمان والعمل الصالح تشبيها له به، وقوله: على ما وعد الله حال أي جاربا على مقتضى وعده وقيل: متعلق بيستعذ، وقوله: إلا من اتخذ الخ فالمراد بالعهد الإذن والأمر، قيل: وفي لفظ الاتخاذ إباء عنه لأن المأمور لا يقال له اتخذ الأمر وإن أول بأنه بمعنى قبل وفيه نظر لأن الأمر إذن وكما يقال: أخذت الإذن في كذا يقال: اتخذته فلا محذور فيه. قوله: (ومحله (أي من الموصول الخ قال المعرب: الضميران عاد على المتقين أو العباد أو الفريقين فالاستثناء متصل ومحله إفا رفع ... أو نصب على وجهي الاستثناء، دمان عاد على المجرمين فقط كان منقطعا لازم النصب عند الحجازيين جائزا نصبه وإبداله عند تميم، فإن كان مستثنى ممن الشفاعة بتقدير مضاف وهو شفاعة فهو متصل جاز فيه اللغتان أيضا وقيل: المستئنى منه محذوف والتقدير لا يملكون الشفاعة لأحد إلا لمن اتخذ الخ وقال ابن عطية: الاستثناء متصل دران كان الضمير للمجرمين لشمولهم للكفرة والعصاة، ولا يرد عليه شيء كما قيل والمصنف رحمه الله بعد اختيار عموم الضمير جوز فيه لأنه متصل الرفع على البدلية والنصب
على الاستثناء إذا استثنى من الضمير وجوز فيه الاستثناء من الشفاعة وهو حينئذ متعين النصب فذكر ثلاثة وجوه وترك الباقي، وقوله: على تقدير مضاف أي دياقامة المضاف إليه مقامه، وعلى الاستثناء معطوف عليه. قوله: (أي الا شفاعة الخ (والمصدر مضاف لفاعله أو مفعوله أي لا يملك العباد الشفاعة لغيرهم إلا شفاعة من اتخذ الخ ولا تجوز في إسناد ما يصدر من البعض للكل هنا ويحتمل أن المراد شفاعة كيرهم لهم على أنه مصدر المبنيئ للمفعول أي ليس لهم مشفوعية من غيرهم إلا مشفوعية من اتخذ لخ. قوله: (وقيل الضمير للمجرمين الخ (هذا أحد الوجوه السابقة والمراد بالمجرمين ما يشمل العصاة من المؤمنين كما مر والشفاعة شفاعة غيرهم فيهم، وقوله: يحتمل الوجهين أي العود على العباد أو المجرمين، وقوله: لأن الخ تعليل لكونه للعباد إذ الثاني لا يحتاج لتوجيه وفي الوجه الأول أنه لا نكتة في نسبة ما صدر من الكفار إلى الجميع مع أنهم لم يرضوه فتأئله، والالتفات من الغيبة للخطاب، والتسجيل بذكره في مقابلة من لا ينكر والجراءة في نسبة الولد إليه، والمفتوح(6/182)
والمكسور بمعنى وقيل: المفتوح مصدر والمكسور اسم. قوله: (يتشققن مرة بعد أخرى (لأنه من الفطر وهو الشق، وقال الراغب: الشق طولا، والتفعل يدل على التكثير في الفعل أو في الفاعل أو المفعول، وقوله: مرة بعد أخرى إشارة إلى أن التكثير في المفعول، لأنها لكونها طبقات يتصؤر وقوع الانفطارات مرتبا ترتبا حقيقيا أو رتبيا كما في غلقت الأبواب يقع في الذهن غلق البراني قبل الجؤاني! ان كان ذلك قد يقع دفعة واحدة فلا يرد ما قيل إن المناسب لعظم هذه الكلمة أن يقال: يتشققن شقوقآكثيرة بمزة واحدة من هولها، ثم توافق القرا آت يقتضي الحمل على تكثير المفعول لا الفعل ولذا اختير الانفعال في تنشق الأرض إذ لا كثرة في المفعول ولذا أول ومن الأرض مثلهت بالأقاليم ونحوه كما سيأتي، وقوله: فعل أي المشدد العين وهو دال على المبالغة أي والمطاوع أثره فيكون فيه مبالغة أيضا، وقوله: مطاوع فعل أي المخفف العين، وقوله: ولأن أصل التفعل للتكلف كتحلم وهو يقتضي التعمل والمبالغة فيما يتكلفه لأنه على خلاف مقتضى الطبع فمجرد للمبالغة ولذا وصف الله تعالى بالمتوحد والمتفرد كما حققوه. قوله: (تهذ هذا (
الهد الهدم وأشار بهذا إلى أنه مفعول مطلق لتهذ مقدرا أو لتخز لأنه بمعناه، وقوله: أو مهدودة إشارة إلى أنه حال مؤؤل باسم المفعول من هذ المتعذي، وقوله: أو لأنها الخ إشارة إلى أنه مفعول له من هذ الحائط اللازم بمعنى انهدم لأنه يرد لازما أيضا وهو هذ يهذ بالكسر بمعنى سقط أثبته المعرب تبعا لشيخه أبي حيان وهو إمام اللغة والنحو فلا عبرة بمن أنكره وهو بمعنى المجهول فلذا فسره به لأن كسر العود بمعنى انكسر أي هو إشارة إلى أنه إذا هذ حصل له الهذ فصح أن يكون مفعولأله أو هو مصدر مجهول فيكون فعل الفاعل الفعل المعلل كما في بعض شروح الكشاف، وتهذ في قوله: تهذ هذا مجهول هذ المتعذي أو معلوم اللازم والمشهور الأول وقول المصنف رحمه الله: مهدودة دون هاذة لأنه الأكثر، وقوله: أو مهدودة إشارة إلى الحالية كما مر بتأويله بالوصف، ويصح فيه بتقدير المضاف أي ذات هذ، وقوله: أو لأنها الخ تقدم بيانه وأما إسناده إلى الجبال على معنى أنها تهذ نفسها من هول هذه الكلمة فتكلف دمان ادعى أنه أنسب بالمقام، وقوله: وهو تقرير الخ أي قوله: تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأرض الخ لكونه دالا على أنه منكر عجيب صدوره منهم إلا أنه لكونه أبلغ عطف عليه لاذعاء التغاير. قوله: (والمعنى أن هول هذه الكلمة الخ (ذكر الزمخشري في تفسيره وجهين كما ذكره المصنف أيضا أحدهما أن المعنى كدت أن أفعل هذا غضبا على من تفؤه بهذه الكلمة لولا حلمي كقوله: إن الله يمسك السموات والأرض أن تزولا ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده أنه كان حليما غفورا، والثاني أنه استعظام لهذه الكلمة وتهويل لفظاعتها وتصوير لأثر! في الدين وهدمها لأركانه وقواعده وإن مثل ذلك لو أصاب هذه الإجرام العظيمة التي هي قوام العالم تهذمت وخربت فعلى الأول ليس خراب العالم المجرد هذه الكلمة بل هو كناية عن غضب الله على قائلها، وأنه لولا حلمه لوقع ذلك وهلك القائل وغيره، كما في قوله: {واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة} [سورة الأنفال، الآية: 125] فلا يرد عليه آية {ولا تزر وازرة وزر أخرى} ، [سورة الأنعام، الآية: 164] ، كما قيل، وعلى الثاني هو تمثيل لفظاعة هذه الكلمة بأخذ الزبدة والنظر إلى المجموع كقوله: والأرض جميعا قبضته كما قرر في محله وهو من المبالغة المقبولة، كقوله: يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار، وقيل إنما خلقت هذه الإجرام والموجودات لتدل على وجود ذاته وصفاته وعلى تنزهه عن الضد والنذ والتوالد فمن اعتقد خلافه أبطل دلالته فكأنه أبطل وجودها واستجاز عدمها بهذها وتخريبها لنفي دلالتها كما قيل:
وفي كل شيء له آية تدل على أنه الواحد ...
فهو استعارة واعترض عليه بأن الموجودات إنما تدل على خالق قادر عالم حكيم لدلالة
الأثر على المؤثر والقدرة على المقدور واتقان العمل يدل على العلم والحكمة وأما دلالتها على الوحدانية فلا وجه له ولا يثبت مثله بالشعر والجواب عنه أنها دلت على عظم شأنه وأنه لا يشابهه ولا يدانيه شيء فلزم أن لا يكون له شريك ولا ولد لأنه لو كان كذلك لكان نظيرا له ولذا عبر عن هذه الدلالة بالتسبيح والتنزيه فتأمل.(6/183)
قوله: (يحتمل النصب على العلة لتكاد الخ (لأنه علة للسقوط والخرور فيكون علة لقربه أيضا وقد جوز فيه أن يكون علة لفوله: تخز وهذا فيكون قد علل الخرور بالهذ والهذ بدعاء الولد، وقد قيل: عليه إنه قد علل الخرور للهذ بدعاء الولد قبل بقوله: منه لأن من للتعليل فيفيد أن الانفطار والخرور للهذ من أجل هذه الكلمة وهي قولهم: اتخذ الرحمن ولدا فلا وجه للتعليل به ثانيا، والفاضل المحشي ذكر هذا من عنده فاصطاد من المقلاة، ولا يخفى أن المصنف لم يذع أنه جار على الوجهين، وهو على الأول غير مكزر لأن سببيته لانهدامها ثقله كما في المحسوسات والإجرام الثقيلة التي لا يتحملها البناء القوي والسببية هنا بوجه آخر كإهلاكهم والغضب عليهم بسببه مع أق التمثيل يدفع التكرار فتأئل، ثم إنه قيل عليه إن شرط النصب مففود هنا، وهو اتحاد الفاعل والمفعولط له ورد بأنه على إسقاط الجاز وهو مطرد مع أن وأن ولذا قال المصنف رحمه الله على حذف اللام الخ، والنصب بعد حذف الجار من مثله مذهب سيبويه رحمه الله، وقوله: والجز الخ معطوف على النصب وهو مذهب الخليل والكسائيئ وأيد الأول بأن حرف الجز ضعيف لا يعمل محذوفا ومثله شاذ كقوله:
أشارت كليب باكف الأصابع
وتفصيله في كتب العربية. قوله: (أو بالإبدال من الهاء الخ (قيل هو ضعيف للفصل بينهما، وقوله: والرفع الخ أورد عليه التكرار الماز وقد عرفت جوابه، وقوله: أو فاعل هذا أي هذها إشارة إلى أنه يقدر مصدرا مبنيا للفاعل لا مبنيا للمفعول كما مر فإنه لا فاعل له ولا تسامح في كلامه كما قيل والمصدر يعمل إن لم يكن أمرا كضربا زيدا أو بعد استفهام نحو أضربا زيدا إذا لم يكن مؤكدا كقوله:
وقوفا بها صحبي عليئ مطيهم
! ان كان نادرا فلا وجه للاعتراض عليه. قوله: (وهو من دعا بمعنى سمي (وهو يتعدى لمفعولين بنفسه وقد يتعدى للثاني بالباء، كسمي فحذف المفعول الأول للدلالة على العموم
والإحاطة، أو هو متعد لواحد من دعا بعني نسب ومنه الدقي وادعى في النسب بمعنى انتسب. قوله: (ولا يليق به أثخاذ الولد الخ (ينبغي مضارع أنبقى مطاوع بغي بمعنى طلب ولذا فسره المصنف رحمه الله بقوله: ولا ينطلب الخ وأن يتخذ فاعله وعد ابن مالك رحمه الله ينبغي في الأفعال التي لا تتصزف ورد بأنه سمع فيه الماضي قالوا: انبغي ودفع بأن مراده أنه لا يتصزف تصرفا تاما كغيره، وقوله: ولا ينطلب انفعال من الطلب أي لا يحصل، وقوله: لو طلب قيل إنه مجهول وسيأتي ما فيه، وقوله: لأنه مستحيل الضمير لاتخاذ الولد وهو مستحيل في حقه تعالى أما الولادة فظاهر، وأما التبني فلأنه لا يجانسه شيء وأورد عليه بعدما فسر ينبغي بيتأتي أن المحال قد يستلزم المحال فيجوز أن يتطلب على تقدير تحقق الطلب المحال فبالتعليل المذكور لا يتم التقرير ورد بأنه ظن لفظ طلب معلوما إذ المحال طلب نفسه لا طلب غيره كما أثبته الكفرة ولو سلم فإيراده مع لا يضر لأن فيه تسليم المطلوب وهو استحالة الولد واستحالة طلبه وهو تطويل بلا طائل. قوله: (ولعل ترتيب الحكم الخ (الحكم هو عدم الانبغاء المعلق بالمشتق المقتضي لأن مبدأ اشتقاقه علة له، فهو مترتب عليه كما مر تقريره وهذا مبني على اختصاص هذا الاسم به كما صرح به في الكشاف، وقوله: صرح به أي بما ذكر وهو أن ما عداه كذلك لكونه عبدا منعما عليه، وقوله: ما منهم أي أق أن نافية، ومن هنا موصولة أو موصوفة دمان قصره على الثانية في الكشاف، وقوله: على الأصل أي بالتنوين ونصب المفعول وفيه دليل على أن الوالد لا يملك ولده، وأنه يعتق عليه إذا ملكه وقوله: يأوي الخ إشارة إلى أن الإتيان معنوفي يراد به الذهاب بالانقياد والتسليم، وحوزة بمعنى الحيازة والجمع وقبضة تدرته تخييلية ومكنية. قوله: (منفردا عن الإثباع والأنصار (يعني أنه حال من فاعل آتيه المستتر فيه أي ينفرد العابدون عن الآلهة التي زعموا أنها أنصار أو شفعاء والمعبودون عن الاتباع الذين عبدوهم والتفرقة تقتضي عدم النفع ومن لا ي! نفع لا يفيد فكيف يشابه من بيده الضر والنفع ففي هذا إشارة إلى الاستدلال به على ما قبله كما أشار إليه المصنف رحمه الله. قوله: (وعن النبئ
يك! الخ (حديث متفق عليه رواه أبو هريرة رضي الله عنه وهو مؤيد لتفسيره المذكور(6/184)
والمقت البغض! ، وقوله: إذا دجا الإسلام أي قوي وكثر وهو بعد الهجرة وهو من قولهم: ثوب داج أي سابغ مغط للجسد كله فأسلم أكثر الكفرة والمنافقين وألف الله بين قلرب المؤمنين، وفي نسخة إذا جاء الإسلام وهو تحريف من الناسخ، وقيل: إنه بدال وحاء مهملتين بمعنى بسط أو هو في يوم القيامة أو في الجنة إذ يكونون إخوانا على سرر متقابلين والكفار يلعن بعضهم بعضا كما صرح به في غير هذه الآية، وقوله: بلغتك فاللسان بمعنى اللغة وهو مجاز مشهور ونزل كذلك ليتيسر له ولقومه فهمه وحفظه وتبليغه، وقوله: أو على أصله يعني للإلصاق وضمنه معنى أنزل مبينا ميسرا على أحد الطريقين فيه لأنه يتعدى بالباء، وقوله: الصائرين إلى التقوي فهو من مجاز الأول ولو أبقاه على ظاهره صح ولذا جمع ألذ كأحمر وحمر وهو الشديد الخصومة كما بينه المصنف رحمه الله، وقوله: آخذين الخ إشارة إلى أنه من اللديد وهو الجانب ومنه اللدود وهو دواء يجعل في أحد جانبي الفم، وقوله: فبشر الخ معلوم من فحوى الكلام لأنه إذا أنزله الله لذلك فقد أمره به، ووجه التجسير أنهم مهلكون بالفتح لا مهلكون بالكسر. قوله: (وأصل التركيب هو الخفاء (يعني معانيه كلها تدور عليه ولو قلبت حروفه وهذا دأب أهل اللغة في مثله قيل وإنما خص الصوت الخفي لأنه الأصل الأكثر ولأن الأثر الخفيئ إذا زال فزوال غيره بطريق الأولى، وقيل: المعنى لا تسمع لهم ركز الغاية ضعفهم فضلا عن الجهر. قوله: (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (هو موضوع ووجه التكثير وتعديد حسناته بمن ذكر من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لذكرهم في هذه السورة كما أشار إليه وذكر الدعاء لوقوعه فيها ولوقوعه في مقابلة من
دعا غير الله، تمت السورة بحمد الله وعونه والصلاة والسلام على أفضل المرسلين، وآله وصحبه أجمعين.
سووة طه
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله: (سورة طه (قيل اتفاق أشمصاحن! على ذكر سورة هنا يمنع احتمال كون طه اسم السورة لأنه يكون كإنسان زيد، وقد حكموا بقبحه وليس كذلك لأنه قد يكون حسنا وقد يكون قبيحا قال الليثي: ولا فارق إلا الذوق وقد قلنا بالفرق إذ هي تحسن حيث يكون في ذكر العام فائدة ولو الإيضاح، ومنه مدينة بغداد وما نحن فيه ويقبح في خلافه لأنه لغو ولا يقصد به التأكيد لأن الإضافة مبنية على التغاير فتغاير مقام التأكيد كما لا يخفى ألا ترى أنه وقع في القرآن بهيمة الأن! ام لأن الأنعام قد يخص، لإبل بذكر بهيمة يفيد أنها عامة هنا، فاحفظه فإنه فرق لطيف، وقرله: مكية في الإتقان إلا آيتين منها وهما فاصبر على ما يقولون الخ، ولا تمذدق عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم فما ذكره باعتبار اكثر منها. قوله: (وهي مائة الخ (قال الداني رحمه الله: هب مائة وثلاثون واثنان في البصرى وأربع مدنيئ ومكيئ وخمس كوفيئ وأربعون شاميئ. قوله: (فحمها تالون وابن كثير الخ (التفخيم ضد الإمالة هنا ويكون مقابل الترقيق أيضا وليس بمراد هنا وفي نسخة فتحها والفتح يراد به عدم الإمالة أيضا في اصطلاح القراء، وما ذكر عن قالون هو الرواية المشهورة وعنه فتح الطاء وامالة الهاء بين بين وقد سقط ذكر قالون في بعض النسخ كما سقط منها ورش وله وجهان فيها، أحدهما المذكور والآخر فتح الطاء دىامالة الهاء بين بين والاستعلاء يمنع الإمالة لأنها تسفل، ومن أمال قصد التجانس وحروف الاستعلاء الصادر والطاء والخاء والقاف والغين والضاد والظاء، والباقون من القراء السبعة حمزة والكسائيئ وأبو بكر. وقل:) وفخم الطاء وحده (يعلم منه أن قوله: فحمها قبله بمعنى فحم الكلمة ومجموع الحرفين فلا وجه لما قيل صوابه فحمهما كما في الكشاف. قوله: (وقيل معناه يا رجل على لنة عك (بفتح العين وتشديد الكاف وهو ابن عدنان أخو معد سمي باسمه أولاده وقبيلته وهم سكنوا اليمن، وقيل: إنها لغة عكل وهي قبيلة معروفة، وقيل: معناه يا محمد بالحبشية وقيا! : لغة قريش، وقيل: هي نبطية وهو مروفي عن السلف كما في شرح البخاري، وقوله: بالقلب أي قلب(6/185)
الباء طاء والاختصار حذف ذا، والبيت الذي استشهدوا به غير معلوم قائله ولذا شكك في صحة 11 لغة مع احتماله التأويل المذكور، والسفاهة كالسفه
الحقد والخلائق جمع خليقة وهي الطبيعة ولا قدس الله جملة دعائية أي لا طهرها ولا زكاها، والملاعين جمع ملعون وقد رد أبو حيان ما خزجه عليه بأنه لا نظير له ولم يقل به أحد من النحاة. قوله: (والاستشهاد اللخ (أي أن السفاهة يا هؤلاء في طبائعكم لا يطهرها الله فإنكم ملاعين وفي الكشاف أنه مصنوع لا شاهد فيه مع بعده، واحتماله لغير ما ذكر. قوله: إ أن يكون قسما (أي بالحروت المقطعة أو اسم السورة على أنه شعر إسلاي "، كقوله: حم لا ينصرون وهو حديث رواه النسائيئ عن النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة الأحزاب أنه قال إذا بيتكم العدو فليكن شعاركم حم لا ينصرون أي إذا هجم عليكم العدو ليلا وخفتم أن لا يعرف بعضكم بعضا فيقتله، فليكن التلفظ بهذا اللفظ علامة فيما بينكم يعرف بها المسلم دون غيره، وهذا معروف الآن في العساكر إذ يجعل لكل طائفة لفظة ينادون بها، إذا ضلوا ونحوه، والتشبيه به في القسمية على وجه فيه، وليس في سياق الحديث دليل عليه، وقيل: إنه منصوب بفعل مضمر أي قولوا حم وقوله: لا ينصرون مستأنف في جواب ماذا يكون، وهذا أنسب بأوله ويشهد له قوله:
يذكرني حاميم والرمح شاجر فهلا تلا حاميم عند التقدم ...
قوله: (وقرئ طه (أي بفتح الطاء وسكون الهاء كبل وهي قراءة عكرمة وورش والحسن وكونه أمرا سيأتي بيانه، وقيل: هو بمعنى يا رجل أيضا، وقوله: فإنه كان يقوم في تهجده على إحدى رجليه الخ هذا مروي عن ابن عباس رضي الله عنهما!! اذكره البزار وغيره في سبب نزول هذه الآية وفي ألفاظهم اختلاف فروي أنه لما نزل {يا أيها المزمل قم الليل} [سورة المزمل، الآية: 2] ، كان يقوم حتى توزمت قدماه فكان يبذل الاعتماد على إحدى رجليه، وقيل: كان يقوم على صدور قدميه، وقيل: إنه قام على رجل واحدة فنزلت، وقوله: فقلبت همزته هاء كما قالوا: في أرقت ولأنك هرقت ولهنك ونحوه، وقوله: أو قلبت أي الهمزة في فعله الماضي والمضارع ألفا كما قالوا في سأل سال وفي هناك هناك فحذفت في الأمر لكونه معتل الآخر كارم وق، وقوله: بني عليه الأمر أي بني على المضارع وأجرى مجراه بجعل آخره ألفا لأنه مأخوذ منه على المشهور فالهاء أصلية. قوله: الا هناك المرتع (هو دعاء عليه أي لا هناك الله بمحل أنت ترتع فيه، وأصله مهموز فأبدلت همزته ألفا وهو مطرد في الساكنة ويكون
لازما، وغير لازم ونادر في المتحزكة ولذا أتى بدليله، وهو من شعر للفرزدق يهجو به عمرو ابن هبيرة الفزاري وقد ولى العواق بدل عبد الملك بن بثر بن مروان وكان على البصرة وعمرو ابن محمد بن الوليد بن عقبة وكان على الكوفة، وأوله:
نزع ابن بشر وابن عمرو قبله وأخو هراة! لها يتو! ح ...
راحت بمسلمة البغال عشية فارعى فزارة لا هناك المرتع ...
وأخو هراة أي صاحبها وحاكمها وهو سعد بن عمرو بن الحرث بن الحكم بن أبي العاص، ومسلمة هو ابن عبد الملك وكان على المغرب وهؤلاء ممدوحو الفرزدق بذلوا وعزلوا، وفزارة منادى حذف منه حرف النداء أي يا فزارة وهم حيئ من غطفان وليس خطاب أرعى لناقته أي اقصدي بني فزارة ومرعاها كما قيل وضتم هاء السكت للأمر إذا كان على حرف واحد خطأ ووقفا لازم ولا تثبت لفظا في الوصل لكنه أجرى هنا مجرى الوقف كما ذكره المعرب. قوله: (وعلى هذا يحتمل أن يكون أصل طه (أي على تقدير ما روي وتسليمه من أنه أمر للرسول صلى الله عليه وسلم بأن يط الأرض بقدميه فالقراءة المشهورة يحتمل أن أصلها ما ذكروها حينئذ ضمير مؤنث عائد على الأرض، وهو معنى قوله: كناية الأرض لأن الضمير تسميه النحاة كناية كما فصله الرضي، واعترض عليه بأنه لو كان كذلك لم تسقط منه الألفان وكتابته في الرسم على خلافه، ورسم المصحف وإن كان لا ينقاس لكن الأصل فيه موافقته(6/186)