وان أشير به إلى الإنجاء فنعمة وإن أشير به إلى مجموع ما ذكر فالبلاء شامل لمعنييه، وكذا قوله في تفسير من ربكم إشارة إلى هذه الوجوه الثلاثة ووجه التنبيه المذكور ظاهر والمختبرين بفتح الباء. قوله: (فلقناه الخ) في باء بكم أوجه أوّلها الاستعانة والتشبيه بالآلة فتكون استعارة تبعية في معنى باء الاستعانة واليه أشار المصنف رحمه الله بقوله حتى حصلت فيه مسالك بسلوككم فيه وهو تكلف والثاني السببية الباعثة بمنزلة اللام وإليه أشار بقوله أو بسبب إنجائكم، والثالث المصاحبة فيكون ظرفاً مستقرّاً واليه أشار بقوله أو علتبسا بكم كما في البيت المذكور وهو لأبي الطيب المتنبي من قصيدة وقبله:
! أنّ خيولناكانت قديما تسقي في قحوفهم الحليبا
فرّت غيرف ط فرة عليهم تدوس بنا الجماجم والتريبا
يصف خيله بأنها ألفت الحروب فلا تنفر من القتلى وأنها كرام كانت تسقي الحليب لأنّ العرب كانت تسقيه الجياد منها خاصة والتريب عظام الصدور واحدتها تريبة وقوله فرّقنا على بناه التكثير فيه نظر يعلم مما مرّ في نزلنا. قوله:) أراد به فرعون وقومه (يعني أنه كنى بآل فرعون عن فرعون وآله كما يقال: بني هاشم وقال تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} [سورة الإسراء، الآية: 70] بمعنى هذا الجنس الشامل لآدم، وقوله: واقتصر الخ هذا وجه آخر لأنهم إذا عذبوا بالإغراق كان مبدأ العناد ورأس الضلال أولى بذلك فالظاهر عطفه بأو وقوله: وقيل
الخ يعني أن آل هنا بمعنى شخص وهو ثابت في اللغة ولكنه ركيك إذ لا حاجة إليه. قوله:) ذلك أو غرقهم الخ) الإشارة بذلك إلى جميع ما مرّ، والطرق اليابسة بيان للواقع إذ لا دلالة للنظم عليه ثم إنه بين الوجه الأخير بما روي والبحر المذكور هو القلزم وقيل النيل، وكوى بكسر الكاف وضمها جمع كوّة. قوله:) واعلأ أنّ هذه الواقعة الخ) يشير إلى أنّ قوم موسى عليه الصلاة والسلام مع ما ظهر لهم من الآيات المحسوسة صدر منهم ما صدر وقوله فهم في معزل في الفطنة الظاهر عن الفطنة وحسن الاتباع مبتدأ خبره مع أن الخ، وهو إثبات لفضل هذه الأمة عليهم إلا أنّ معجزاته عليه الصلاة والسلام ليست كلها نظرية بل منها محسوسات كثيرة كنبع الماء وتكثير الطعام وشق القمر إلى غير ذلك فلعل المصنف رحمه الله لا يسلم تواترها، وإنما كان إخباره بهذا معجزاً لأنه من الغيب إذ هو لم يقرأ الكتب فيطلع عليها، وفي قوله: {وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ} وتجوّز أي وآباؤكم ينظرون فجعل نظر آبائهم لتيقنه كالمحسوس. قوله: الما عادوا إلى مصر الخ (تبع في هذا الكشاف، وعود موسى عليه الصلاة والسلام وبني إسرائيل لم يذكره أحد قال بهاء الدين بن عقيل في تفسيره: لم يصرّج أحد من المفسرين والمؤرّخين بأنهم،. خلوا مصر بعد خروجهم منها وإنما كانوا بالشأم ولم يأت موسى عليه الصلاة والسلام للميعاد إلا بطور سينا وهو من أرض الشام لا مصر وقال ابن جرير: إنّ الله أورثهم أرضهم ولم يردّهم اليها وإنما جعل مسكنهم الشأم. قوله: (وعد الله موسى عليه الصلاة والسلام أن يعطيه التوراة الخ (ضرب بمعنى عين والفرق بين الميقات والوقت الميقات ما قدر ليعمل فيه عمل والوقت
أعمّ كذا أنّ في مجمع البيان أمره بأن يصوم ذا القعدة وعشر ذي الحجة ويجيء على الطور فذهب واستخلف هارون عليه الصلاة والسلام على بني إسرائيل ومكث في الطور أربعين ليلة وأنزلت عليه التوراة في ألواح من زبرجد وكانت المواعدة ثلاثين ليلة ثم تمت بعشر كما في سورة الأعرأف وهو بحسب الآخرة أربعين وقوله: لأنها غرر المشهور علة لتخصيص الليلة بالذكر. قوله: (لآنه تعالى وعده الوحي ووعده موسى عليه الصلاة والسلام المجيء الخ الما كانت المواعدة مفاعلة من الجانبين بينها بأنّ الله تعالى وعده الوحي وموسى عليه الصلاة والسلام المجيء للميقات وكثيراً ما يسلك الزمخشرقي هذه الطريقة أعني جعل المفاعلة بالنسبة إلى كل من المتشاركين شيئاً آخر وعلى تقديره فأربعين ظرف وحينئذ هل المناجاة كانت فيها كلها أو في أوّلها أو في العشر الأخير منها أو بعد انقضائها على ما في الأعراف، واستشكل بأن أربعين إما مفعول فيه، اً وبه لا سبيل إلى الأوّل لأن المواعدة لم تقع فيها ولا الثاني لأنه بدون تقدير لا معنى لمواعدة(2/159)
نفس الزمان.
وعلى تقدير مضاف فإمّا أن يقدر الأمران ولا نظير لتقدير مضافين في العربية لشيء واحد
مثل أخذت زيداً أي ثوبه وفرسه أو واحد منهما ولا يصح لأن المواعدة لم تتعلق به فقط لأن الوحي موعود من الله لا من موسى عليه الصلاة والسلام والمجيء بالعكس، وإنما يصح في قراءة وعدنا أي وحي أربعين الخ وأجيب بوجهين: أحدهما أنه على حذف مضاف يكون مت الجانبين وينحل إلى الأمرين أي ملاقاة أربعين والملاقاة من الله للوحي ومن موسى عليه الصلاة والسلام للاستماع، وثانيهما: أنه. على اعتبار التفكيك في وعدنا إلى فعلين متعلق كل منهما بشيء أي وعدنا وحي أربعين ووعدنا موسى مجيئها نحو بايع الزيدان عمراً أي باع زيد من عمرو متاعه وباع صاحبه منه متاعه وان لم يكن هناك مفاعلة واعترض بأنّ الملاقاة لا تصمح من الجانبين ولو سلم فيعود الكلام إلى تعلقهما بأربعين ويبطل ما ذكره من كون الموعود هو الوحي والمجيء واستماعه وما أورده نظيراً للتفكيك لا يصح فإنه إنما ينفك إلى بايع زيد عمراً وبايع رجل آخر عمرا، كما تقول ضرب الزيدان عمراً، والكلام في أن يتعلق فاعل بفاعله ومفعوله على أن يكون الصادر من كل منهما شيئاً آخر مثل بايع زيد عمراً بأي يبيع زيد شيئا وعمرو شيئا وليس كذلك بل معناه أن يصدر عنهما دفعة مقاولة ومشاركة في البيع والشراء بأن يبيع واحد ويشتري آخر، وأجيب بأن المراد الملاقاة بين موسى وملائكة الوحي عليهم الصلاة والسلام أو بيته وبين ما يشاهده من الآثار واستماع الكلام ونحوه وتعليقها بأربعين بأن تقع في جزء منها أو ما هو بمنزلة الجزء كما بعده من غير تراخ وما ذكر من كون الموعود الوحي والمجيء والاستماع حاصل المعنى لا بيان الإعراب والمناقشة واهية نعم التفكيك وتنظيره ليس بشيء
وقد يجاب بأن أربعين مفعولاً فيه تحقيقا أو توسعا والمفعول به متروك، أي جرى بينه وبين موسى عليه الصلاة والسلام مواعدة متعلقة بالأربعين بأن تقع في جزء منها تحقيقا أو تقديراً وهو لا ينافي أن يكون الموعود من كل جانب شيئا آخر، وذلك أن المواعدة لا تقتضي إلا أمرا واحداً مشتركاً بين الفاعل والمفعول الأول مثل واعدت زيداً القتال أو أمرين لكل واحد منهما تعلق بالطرفين مثل واعدته الإكرام وواعدني القبول ولا يصح الاقتصار على واعدته الإكرام لأنّ المواعدة تقتضي التعدد من الوعد، وللمفاعلة استعمال آخر شائع وهو أن يكون من أحد الطرفين فعل ومن الآخر مقابله مثل بايعت زيداً على أن منك البيع ومنه الشراء فيصح واعدنا موسى عليه الصلاة والسلام الوحي وواعد موسى عليه الصلاة والسلامء المجيء وهو تفكيك بلا تقدير ولا إشكال فيه وفيه نظر لأنّ المواعدة لم تقع في الأربعين تحقيقا ولا تقديراً بل قبلها ولأنّ الإشكال في أنه كيف يصح واعدته الإكرام وواعدني القبول من غير أن يكون في الأول منه وعد، وفي الثاني منك قبول وهو مقتضى المفاعلة، فالظاهر وعدته ووعدني ففاعل بمعنى فعل والكلام في أنه على أصله واختلافه من الطرفين يضره مثل جاذبته الثوب والعنان فإن أربد أن المعنى عليه من غير تقدير مفعول فهو المعنى الأوّل ولعل أربعين مفعول به باعتبار ما يليق من الأحوال الصالحة لتعليق الوعد به فيكون من الطرفين وعد إلا أنه من الله الوحي وتنزيل التوراة ومن موسى عليه الصلاة والسلام المجيء والاستماع وكذا الكلام في أمثاله واما أن يذكر المفعول الثاني مثل جاذبته الثوب ونازعته الحديث ويراد تعليق الفعل في كل من الطرفين بشيء آخر أو يطلق فاعل ويراد من طرف أصل الفعل ومن طرف مقابله فأنا بريء من عهدته هذا زبدة ما ذكره الشارح المحقق ولا عطر بعد عطر عروس إلا أنّ إنكاره المفاعلة بأن تكون من طرف فعل ومن آخر قبوله الذي ارتضاه كثير ومثلوه بعالجت المريض وغيره بتنزيل القبول منزلة الفعل حتى كأنه وتع من الطرفين لا يسمع منه مع وروده في كلام العرب وتصريح الأئمة به وتخريجه على أحسن وجوه القبول وفي شواهد امرئ القيس:
فلما تنازعنا الحديث واسمحت هصرت بغصن ذي شماريخ ميال
مع أنّ ما ارتضاه ليس ببعيد منه فتأمل، وفي الدر المصون قال الكسائيّ واعدنا موسى
عليه(2/160)
الصلاة والسلام إنما هو من باب الموافاة وليس من الوعد في شيء وإنما هو من قولك موعدك يوم كدّا وموضع كذا، وقال الزجاج: واعدنا بالألف جيد لأنّ الطاعة في القبول بمنزلة المواعدة فمن الله وعد ومن موسى عليه الصلاة والسلام قبول واتباع فجرى مجرى المواعدة وكذا قال مكيّ رحمه الله. قوله: (من بعد موسى عليه الصلاة والسلام أو مضيه (وفي نسخة أي مضيه يعني أنّ الضمير راجع لموسى عليه الصلاة والسلام من غير تقدير مضاف اكتفاء بقرينة الاستعمال فإن الشخص إذا مات يقال: بعد فلان من غير تقدير أو يقدر والمعنى واحد، وقيل:
عليه إنّ اتخاذ العجل إلها من بعد موسى عليه الصلاة والسلام يقتضي أن يكون موسى عليه الصلاة والسلام متخذاً إلها قبل ذلك كما لا يخفى على العارف بسياق الكلام فلذا اقتصر في الكشاف على التوجيه الثاني انتهى. ولا يخفى أن بعد ومن بعد إذا تعلق يفعل ونحوه فقد يراد البعدية في اعتلبس به ولا يقدر فيه مضاف لأنه مفهوم من فحوى الكلام كما إذا قلت: جاء زيد بعد عمرو والمقصود تعاقبهما في المجيء، وكقوله تعالى: {ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِ رُسُلاً} ، وقد لا يراد ذلك ولا يصح نحو سافرت إلى المدينة بعد مكة وقد لا يقصد وان صح لكون المقام لا يقتضيه لصرف القرينة عنه فهو اتخذوا المحاريب بعد النبيّ عليه الصلاة والسلام فالمراد بعد وقوع ما أضيف إليه فانظر إلى ما يليق بكل مقام، ولا تلتفت إلى خرافات الأوهام وقيل: معناه إنّ الضمير إما أن يرجع إلى موسى عليه الصلاة والسلام وحينئذ يقدر مضاف أو إلى مضيّ موسى عليه الصلاة والسلام المفهوم من فحو! الكلام والها مفعول اتخذ المحذوف لقيام القرينة إذ لا يذم على مجردة وقوله بإشراككم تفسير للظلم إذ قد يراد به الشرك والعفو المحو وأصل معناه اندراس آثار الديار بالبلى. قوله: (لكي تشركوا الخ) عدل من قول الزمخشري إرادة أن تشكروا لأنه مبنيّ على الاعتزال وجواز تخلف إرادة الله إذ الشكر لم يقع منهم فإن وقع التفسير بنحوه من أهل السنة فالمراد بالإرادة مطلق الطلب ولا نزاع في أنّ الله تعالى قد يطلب من العباد ما لا يقع. قوله: (يعني التوراة الجامع الخ) إذا كان الكتاب والفرقان واحداً وهو التوراة فالعطف لأن تغاير الصفات كتغاير الذات يصح فيه العطف كما مر في قوله:
إلى الملك القرم وابن الهمام وليث الكتيبة في المزدحم
وإن فسر بما يغايره كالمعجزات فهو ظاهر وان فسر بالنصر الفارق بين المتقابلين وهو هنا بانفراق البحر فلا كلام أيضاً. قوله: (باتخاذكم العجل الخ) فإن قلت اتخذ مما أبدل فيه الهمزة تاء كما في ائتمن وهي لغة رديئة كما سيأتي، قلت قال ابن النحاس: إن اتخذ مما أبدل فيه الواو تاء لأنّ فيه لغة يقال: وخذ بالواو فجاء على هذه اللغة، وقال الفارسيّ رحمه الله: إنّ التاء الأولى أصلية لأن العرب قالوا اتخذ بكسر الخاء بمعنى أخذ قال تعالى: {لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا}
اسورة الكهف، الآية: 77] وتخذ يتعدى لواحد وقد يتعدى الاثنين. قوله: (فاعزموا على التوية الرجوع الخ) توية بني إسرائيل إما أن تكون الرجوع والقتل مغاير لها فالعطف بالفاء ظاهر واما أن تكون الرجوع والقتل متمم لها وحينئذ لا إشكال أيضا إلا أنه قيل: إنه مجاز لإطلاق التوبة على جزئها، كما أنها في الأوّل مجاز وإما أن تكون جعلت لهم عين القتل فيؤوّل تويوا ئاعزموا ليصح التفريع ومنهم من جعله تفسيراً، وهو قد يعطف بالفاء. قوله: (بريئاً من التفاوت) يشير إلى أنّ الباركأ أخص من الخالق كما في هو الله الخالق البارى المصوّر وفي الكشاف البارى هو الذي خلق الخلق بريئا من التفاوت {مَّا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ} [سورة الملك، الآية: 13 ومتميزا بعضه من بعض بالإشكال المختلفة والصور المتباينة فكان فيه تقريع بما كان منهم من ترك عبادة العالم الحكيم الذي برأهم بلطف حكمته على الإشكال المختلفة أبرياء من التفاوت والتنافر إلى عبادة البقر التي هي مثل في الغباوة والبلادة في أمثال العرب أبلد من ثور حتى عرضوا أنفسهم لسخط إلله ونزول أمره بأن يفك ما ركبه من خلقهم وينثر ما نظم من صورهم وأشكالهم حين لم يشكروا النعمة، وقال الطيبي: معنى التفاوت عدم التناسب فكان بعضه يفوت بعضاً ولا يلائمه ومعنى التمييز التفريق فاليد متميزة عن الرجل لكن ملائمة لها من حيث الصغر والكبر والغلظ والدقة كقوله: {أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ} [سورة طه، الآية: 50] انتهى. فالتمييز بين الأعضاء بعضها من بعض فمن قال إنّ قوله(2/161)
مميزاً بعضها في أكثر النسخ ولا؟ خفى ما فيه والأولى ما في بعض النسخ بعضكم لم يات بشيء وإنما قال لقومه مع قوله يا قوم لدفع احتمال أن يكون ناداهم بذلك استعطافاً لهم وان كانوا أجانب وظلمهم أنفسهم بتنقيص مالهم عند الله وضررهم وأصل التركيب للخلوص ويلزمه التمييز المذكور، وقوله: أو فتوبوا الخ إشارة إلى الوجه الآخر، وقوله: بالبخع بالموحدة التحتية والخاء المعجمة والعين المهملة، وهو قتل الإنسان نفسه وفي الأساس بخع الشاة بلغ بذبحها القفا ومن المجاز بخعه الوجد إذا للغ منه المجهود وعلى هذا فالقتل حقيقة والمراد أن يقتل كل أحد نفسه وقتل الإنسان نفسه وان كان ليس جائزاً في شرعنا لنهينا عنه فإذا كان يأمره الآخرين لا مانع منه وعلى الأخير بعضهم لقتل بعضاً وعلى ما بعده مجاز وهو ظاهر لكن قال بعضهم: إنه تفسير لبعض أرباب الخواطر ولا يجوز أن يفسر به هنا لأنّ المراد هنا القتل الحقيقي بالاتفاق والعبدة كالكتبة جمع عابد. قوله: (روي أنّ الرجل الخ) المراد ببعضه ولده وولد ولده لأنه كالجزء منه وقريبه بالباء الموحدة طاهر وفي نسخة قرينه بالنون أي صديقه وقوله: فلم يقدر المضيّ أي عليه والضبابة شبه
السحابة ولا يتباصرون من البصر بمعنى الرؤية ونزلت التوبة أي أوحى إليه بقبولها. قوله: (للتسبيب الخ) في الكشاف الفاء الأولى للتسبيب لا غير قال الطيبي: يعني الفاء للتسبيب لا للعطف التعقيبي كقولهم الذي يطير الذباب فيغضب عمرو وقال: العلامة منهم من تخيل من قوله لا غير أنها ليست للعطف وليس كذلك بل هي لهما معاً والمعطوف عليه أنكم ظلمتم الخ وكان المصنف تركه لهذا، وقيل: إن المانع من العطف لزوم عطف الإنشاء على الخبر وكون الثانية للتعقيب مر وجهه. قوله: (فتاب عليكم متعلق بمحذوف الخ) يعني أنّ الفاء هنا فصيحة وهي إما جواب شرط مقدر أو عاطفة على مقدر وسميت فصيحة لإفصاحها عن المحذوف أو لكون قائلها فصيحاً وعلى تقدير كونه من كلام موسى عليه الصلاة والسلام لا التفات فيه وقدر قد في جواب الشرط كما هو القاعدة فيه إذا اقترن بالفاء وإن جعلت دعائية لا حاجة إلى تقديرها. قوله: (وعطف على محذوف الخ) إنما كان التفاتا للتعبير عنهم بالقوم في كلام موسى صلى الله عليه وسلم وهو من قبيل الغيبة وإنما ذكر لفظ البارئ في التقدير الثاني دون الأوّل للإشارة إلى أنّ الضمير راجع إليه بخصوصه لدخله في التوبيخ وكان الظاهر إليّ ولا كذلك في الشرط لأنه عائد إليه إذ هو من كلام موسى عليه الصلاة والسلام ولما لم يكن المعطوف عليه مذكوراً جعل الالتفات في المعطوف لظهوره فلا يرد عليه أنّ الالتفات ليس فيه بل في المعطوف كما يقتضيه قواعد المعاني مع أنه قال بعيده إن الالتفات في المقدر لا وجه له وهذا مع وضوحه خفيّ على من قال إنّ المراد الالتفات من التكلم إلى الغيبة في فتاب حيث لم يقل فتبنا وفد قيل: على الأوّل إن حذف الجواب وفعل الشرط، وحده مع لا وارد في كلام العرب وأما حذف الأداة والشرط وابقاء الجواب فلا ويردّه أنّ أبا عليّ الفارسيّ رحمه الله ذكر. في الحجة في تفسير قوله تعالى: {فَيُقْسِمَانِ بِاللهِ} [سورة المائدة، الآية: 106] والزمخشريّ ثقة فلا عبرة بمن أنكره، وقوله: وذكاص البارئ الخ هو محصل ما مر عن الكشاف وقوله مثل في الغباوة لأنّ من أمثال العرب أبلد من ثور وفك التركيب يعني البنية الإنسانية بالقتل عوقبوا بذلك لجهلهم بما فيها من
حكمة بارئها فامروا بذبح أنفسهم كما تذبح البقر. قوله: (الذي يكثر توفيق التوبة الخ) أصل معنى التوّاب الرجاع فهو في العبد الرجوع عن الذنب وفي الله الرجوع بلطفه إلى العبد وتوقيقه لذلك والإحسان بقبوله والكثرة مأخوذة من المبالغة ويبالغ في الإنعام الخ هو معنى الرحيم وقوله: توفيق التوبة الإضافة لامية أو هو من قبيل مكر الليل. قوله: (لأجل قولك أو لم نقر لك الما كان الإيمان يتعدى بنفسه أو بالباء كما مر لا باللام وجهه بأنّ اللام ليست للتعدية بل تعليلية أو صلة له بتضمينه معنى الإقرار لأنه يتعدى للمقر به بالباء وللمقر له باللام فلا يرد عليه ما قيل الأولى أن يقول لن نذعن لك إذ المتعدي باللام هو الإذعان وأما الإقرار فتعديته بالباء فلا بد من تأويله بالإذعان. قوله: (وهي في الآصل مصدر قولك جهرت الخ) ظاهره أنه حقيقة في رفع الصوت(2/162)
تجوز به عن المعاينة بجامع الظهور فيهما، وقال الراغب رحمه الله: أنه يقال لظهور الشيء بإفراط حاسة البصر أو حاسة السمع إما للبصر فنحو رأيته جهارا وأرنا الله جهرة واما للسمع فكقوله سواء منكم من أسرّ القول ومن جهر به وإذا كان حالاً من الفاعل فمعناه معاينين وإذا كان من المفعول فمعناه ظاهر. قوله: (وقرئ جهرة بالفتح) أي بفتح الهاء قال ابن جني: في المحتسب قرأ سهل بن شعيب السهمي جهرة وزهرة في كل موضحع محركاً ومذهب أصحابنا في كل حرف حلق ساكن بعد فتح لا يحرك إلا على أنه لغة فيه كالنهر والنهر والشعر والشعر، ومذهب الكوفيين أنه يجوز تحريك الثاني لكونه حرفا حلقياً قياسا مطرداً كالبحر والبحر وما أرى الحق إلا معهم وكذا سمعته من عقيل وسمعت الشجريّ يقول: إتا محموم بفتح الحاء وقالوا اللحم يريدون اللحم وقالوا: سار نحوه بفتح الحاء ولو كانت الفتحة أصلية ما صحت اللام أصلا انتهى. وظاهر كلام المصنف رحمه الله على الأول فإنه يقتضي أنه لغة فيه لا قياس وقوله: فتكون حالاً أي من الفاعل. قوله: (والقائلون هم السبعون الخ) وفيه قولان ذكرهما الإمام. الأوّل أنّ هذا كان بعد أن كلف عبدة العجل بالقتل بعد رجوع موسى عليه الصلاة والسلام من الطور وتحريق عجلهم وقد اختار منهم سبعين خرجوا معه إلى الطور، والثاني أنه كان بعد القتل وتوبة بني إسرائيل وقد أمره الله أن يأتي بسبعين رجلا معه فلما ذهبوا معه قالوا له ذلك وما في شرح المقاصد من أنّ القائلين ليسوا مؤمنين لم يقل به أحد من أئمة المفسرين لكن قوله لن نؤمن صريح فيه خصوصا على التفسير الثاني فتأمل واختلفوا في سبب اختيارهم ووقته فقيل: كان حين خرج إلى الميقات ليشاهدوا ما هو عليه ويخبروا به وهذا هو
الميقات الأوّل، وقيل: إنه اختارهم بعد الأوّل ليعتذروا من ذلك وكلام المصنف رحمه الله مجمل فيه. قوله: (لفرط العناد والتعنت الخ) التعنت سؤال ما لا يليق وجعل الرؤية مستحيلة لا لأنها في ذاتها كذلك بل لأنهم طلبوها من جهة على ما اعتادوا بإحاطة البصر وهو مستحيل وهو رد للمعتزلة في استدلالهم بهذه الآية على استحالة الرؤية مطلقا ويدل على ذلك عقابهم وقولهم الإتيان بلن لتقوية النفي وتأكيد ولو جعل معنى وأنتم تنظرون بمعنى تنظرون إلى الجهات لتروة لربي هذا تربية تامة. قوله: (فإنهم ظنوا أن الله الخ) هذا رد على المعتزلة إذ استدلوا بها على استحالة الرؤية للتكفير بطلبها لأنّ التكفير ليس لهذا بل لما في طلبها من الإشعار بالتجسيم وتعليقهم الإيمان بما لا يكون وكون الرؤية واقعة في الدنيا لبعض الأنبياء عليهم الصلاة والسلام كما في المعراج مذهب كثير من السلف، والخلاف في الوقوع والإمكان مبسوط في الكلام وقد مر تفسير الصاعقة وأنها قصفة شديدة وتطلق على النار التي معها وأما إطلاقها على جنود الملائكة عليهم السلام فجازوا الحسيس صوت من يمر بقربك ولا تراه وقوله: ما أصابكم تقدير للمفعول، وما أصابهم هو الصاعقة فعلى المعنى الأوّل هي مرئية وعلى غيره المرئي أثرها من مقدمات الهلاك وبسبب الصاعقة متعلق بموتكم والبعث كما يطلق على الإحياء يطلق على إيقاظ النائم وارسال الشخص فلذلك قيدها. قوله: (نعمة البعث الخ) يعني المراد بالنعمة الإحياء أو نعمة الإيمان التي كفروها بقولهم لن نؤمن الخ وما معطوف على نعمة أو البعث وقوله: لما الخ إشارة إلى أنه على الثاني تعليل لأخذ الصاعقة ويصح تعلقه بالأوّل بالتأويل. قوله: (في التيه الخ (لأنهم لما أمروا بقتال الجبارين وامتنعوا وتالوا اذهب أنت وربك فقاتلا ابتلاهم الله بالتيه أربعين سنة كما سيأتي ولكن لطف الله بهم بإظلال الغمام والمن والسلوى والترنجبين بالتاء الفوقية المثناة والراء المهملة والجيم والباء الموحدة والياء والنون لفظ يونانيّ استعمله الأطباء وفسرو. بطل يقع على بعض النبات وفي الدر المصون أنه
يقال: طرنجبين بالطاء، والسماني بضم السين وتخفيف الميم والنون والقصر واحده سماناة أو يستوي فيه الواحد والجمع طائر معروف وقيل: السلوى ضرب من العسل وقال ابن عطية: أنه غلط وخطئ فيه لأنه ورد في شهر العرب ونص عليه أئمة اللغة، وقوله: إلى الطلوع أي طلوع الشمس. قوله: (على إرادة القول الخ) أي قلنا لهم كلوا الخ ووجه الاختصار أنه لما قصر معنى الظلم على(2/163)
مفعول مخصوص اقتضى ثبوته على وجه آخر فقدر ليكون معطوفا عليه وأريحاء كزليخاء قرية قريب بيت المقدس، وقوله: بعد التيه أورد عليه أنه تبع فيه الزمخشريّ وقوله تعالى في سورة المائدة: {يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللهُ لَكُمْ} [سورة المائدة، الآية: 21] إلى قوله: {فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً} [سورة المائدة، الآية: 26] الخ صريح في أن الأمر بدخول القرية كما قبل التيه والقصة واحدة بالاتفاق، وما قيل: إنهم أمروا بالدخول مرة أخرى قبل التيه دل على ذلك ما في المائدة من ترتيب التيه على عدم امتثالهم لهذا الأمر فمع عدم نقله أورد عليه أنه يفهم منه أنهم امتثلوا الأمر المذكور في سورة البقرة، وقوله: فبدل الذين ظلموا الخ يأباه. قوله: (أي باب القرية الخ) اختلف المفسرون في أنهم هل دخلوا القدس في حياة موسى عليه الصلاة والسلام أم لا فإن قيل: بدخولهم فلا يحمل الباب على لاب القبة المعلل بما ذكر، وان اختير أنهم لم يدخلوا فان حمل تبديل الأمر على عدم امتثاله لا منع من حمل القرية على بيت المقدس أيضا لأنّ المعنى أنهم أمروا بالدخول فلم يدخلوا ولا حاجة إلى حمل الأمر على الأمر على لسان يوشع كما قيل: وأما قوله في المائدة: {ادْخُلُواْ عَلَيْهِمُ الْبَابَ} أسورة المائدة، الآية: 23] فالمراد باب قريتهم كما صرحوا به وأيضا قد ذهب المصنف رحمه الله إلى أن الأمر بالدخول كان بعد التيه، ومعنى سجداً ساجدين شكراً على إخراجهم من التيه يخون الأمر بالدخول سجداً بعد موت موسى عليه الصلاة والسلام فلا يصح صرف الباب عن باب بيت المقدس إلى باب القبة بالتعليل المذكور وقيل: إن كونهم لم يدخلوا بيت المقدس الخ لا ينفي إلا كون الباب باب بيت المقدس لا باب أريحاء لتيقن كونه باب القبة وقيل: يدفع هذا بأنه اكتفى بذكر بيت المقدص عن ذكر أريحاء لكونها قرية قريبة منه فتأمل. وقوله: متطامنين إشارة إلى أنه بمعناه اللغوي وما بعده إشارة إلى أنه بمعناه الشرعي والقبة قبة كانت لموسى وهارون عليهما الصلاة والسلام يتعبدان فيها وجعلت قبلة وفي وصفها أمرر غريبة
في القصص لا يعلمها إلا الله فلذلك تركناها، وقيل: إنه يتعين كون الباب باب القبة إن كان الأمر منزلاً على موسى عليه الصلاة والسلام وهو للفور ولا يكون الأمر في التيه بالدخول بعد الخروج منه. قوله: (أي مسألتنا حطة الخ) أي أنه خبر مبتدأ محذوف يدل عليه الحال، وأمرك أي شأنك يا ربنا أن تحط عنا ذنوبنا، وقوله: أي قولوا هذه الكلمة إشارة إلى قول أهل اللغة إنّ مفعول القول يكون جملة أو مفرد أريد به لفظه كما في يقال له إبراهيم ولا عبرة بقول أبي حيان رحمه الله أنه يشترط فيه أن يكون مفردا يؤدي معنى جملة نحو قلت شعرا، فمن قال: الأوجه أن يقدر له ناصب ليكون مقول القول جملة لم يصب، وفعلة ممنوع من الصرف للعلمية الجنسية والتأنيث، ويصح صرفه لمشاكلة موزونه ومنه يعلم أنّ المشاكلة ليست مجازاً، وقوله وقيل: معناه الخ أي شأننا هذا وضعفه لأنّ ترتب المغفرة عليه غير ظاهر وان قيل: معناه أن نحط فيها رحالنا ممتثلين لأمرك مع أنّ تنزيل هذا القول حينثذ يحتاج إلى تكلف، وقرئت في السبعة بالتاء والياء مع البناء للمجهول فيهما وقوله وابن عامر بالتاء هكذا في النسخ الصحيحة وفي نسخة بهاء وهي تحريف من النساخ والباقون بالنون وبتاء المعلوم. قوله: (وخطايا أصله الخ) فيه أقوال: الأوّل قول الخليل: إنّ أصلها خطائي بياء بعد ألف ثم همزة لأنها جمع خطيئة كصحيفة وصحائف فلو تركت على حالها لوجب قلب الياء للهمزة كما تقرر في التصريف فقدمت لئلا يجتمع همزتان فقلب فصار خطائي فاستثقلوا كسرة بعدها ياء فقلبوها فتحة والياء ألفا فصارت خطاآ بهمزة بين ألفين فقلبت الهمزة ياء لئلا يجتمع أمثال لأنها من جنس الألف فوزنه فعالى وفيه أربعة أعمال والثاني أن أصله خطائي بهمزتين منقلبة أصلية فأخروا الأولى لتصير المكسورة طرفاً فتنقلب ياء فتصير فعالى ثم فتحوا الأولى فانقلبت الياء بعدها ألفا وأبدلت ياء لوقوعها بين ألفين كما مر ففيه خمس تغييرات والأوّل أقوى، والثالث قول الفراء أنه جمع لخطبة كهدية وهدايا وعليه يتنزل كلام المصنف رحمه الله وخضائع بالضاد المعجمة جمع خضيعة وهو صوت بطن الدابة أتى به لمجرد بيان الوزن. قوله: (جعل الامتثال الخ (أي قولهم حطة لامتثال الأمر وكونه توبة(2/164)
يؤخذ من قولوا وقوله وسبب زيادة الثواب أي كان الظاهر عطفه على جواب الأمر، واخراجه عن الجواب لوجود السين المانعة منه ولذا لم يجزم وأوثر هذا الطريق ليدلّ على أنه يفعل ذلك البتة وأنه يستحقه وأن لم يمتثل فكيف إذا امتثل. قوله:
(بدنوا بما أمروا به الخ الما كان هذا محتاجا إلى التأويل إذ الذم إنما يتوجه عليهم إذا بدلوا القول الذي قيل لهم لا إذا بدلوا قولاً غيره أشار المصنف رحمه الله إلى أنّ فيه تقديراً ومعناه بدل الذين ظلموا بالذي قيل: لهم قولاً غيره فبدل يتعدى لمفعولين أحدهما بنفسه والآخر بالباء وتدخل على المتروك، وقالط أبو البقاء: يجوز أن يكون بدل محمولأ على المعنى تقديره فقال: الذين ظلموا قولاً غير الذي قيل: لهم وغير نعت لقولا، وقيل: تقديره فبدل الذين ظلموا قولاً بغير الذي قيل لهم فحذف الحرف وانتصب بنزعه، ومعنى التبديل التغيير كأنه قيل: فغيروا قولاً بغيره لأنهم قالوا بدل حطة حنطة أو غيره استهزاء والإبدال والتبديل والاستبدال جعل الشيء مكان آخر، وقد يقال: التبديل التغيير وإن لم يأت ببدله وقد فرق بين بدل وأبدل بان بدل بمعنى غير من غير إزالة المعين وأبدل يقتضي إزالة العين إلا أنه قيل: إنه قرئ عسى ربنا أن يبدلنا بالتشديد والتخفيف وهو يقتضي اتحادهما، وقوله: طلب ما يشتهون كالحنطة. قوله: (كرره الخ) يعني كرر ظلمهم ورتب الحكم على ما هو كالمشتق إشعار بعليته وقوله أو على أنفسهم عدى الظلم بعلى لتضمنه معنى التعدي، وهو عطف على مقدر أي لظلمهم مطلقاً أو على أنفسهم، وقوله: عذابا مقدرا يعني أن من السماء متعلق بلفظ مقدراً صفة رجزاً لا متعلق بأنزل وجوزه المعرب وهو صاعقة ونحوها، وقوله: بسبب فسقهم إشارة إلى أنّ ما مصدرية، والرجز كالرجس المستقذر المكروه وورد في الحديث: " الطاعون رجز) وبه ة سر هنا لأن أول وقوع الطاعون فيهم كما قيل. قوله: (لما عطشوا في التيه الخ الما هنا بمعنى حين لا جواب لها واختلف في الحجر على ثلاثة أتوال فقيل: لم يكن معينا وقيل: كان معيناً وقيل: كان غير معين ابتداء ثم تعين بعد الدخول إلى أرض لا حجر
فيها وقوله: طوريا منسوب إلى الطور لأنه أخذ منه، والمكعب كالمربع لفظاً ومعنى ومنه الكعبة والمراد بكل وجه جوانبه الأربع دون الأسفل والأعلى والا لزم زيادة العيون، وقصة الحجر وفراره بثوبه معروفة مذكورة في حديث الأصول إلا قوله فأشار إليه جبريل عليه السلام بحمله لأنّ فيه شأنا ومعجزة له، والأدرة بضم الهمزة وسكون الدال المهملة والراء انتفاخ الخصية وكبرها ورجل آدر بالمد وقوله: كيف بنا يعني كيف حالنا النازلة بنا وأفضينا أي وصلنا، والمخلاة بكسر الميم الكيس الواسعة تعلق في رأس الفرس ليأكل ما فيها من حب أو حشيش أو تبن وأصلها ما يوضع فيه الخلي وهو الحشيش اليابس وقوله كلمه أي الحجر وفي نسخة كلمها التأويل بالصخرة والرخام بخاء معجمة حجر معروف، وقوله: ذراعا في ذراع أي مضروباً فيه فيكون مربعاً كما يعلم من المساحة والعصا عشرة أذرع الخ. غير قول الكشاف في الحجر كان ذراعاً في ذراع وقيل: كان من أس الجنة الخ فقيل: إنه سهو لأنه صفة العصا لا الحجر وقيل: إنّ العبارة أس من الأساس وما بعده لا يلائمه فما ذكره المصنف رحمه الله هو الصحيح وكونه من آس بالمد رواية، وقيل من العوسج. قوله: (متعلق بمحذوف الخ) هذه هي الفاء الفصيحة التي في قوله:
قالوا خراسان أقصى ما يراد بنا ثم القفول فقد جئنا خراسانا
وهل هي جواب شرط مقدر أو عطف على محذوف أو هما جائزان طرق لهم وعلى
الأخير أكثرون قال المحقق: ووجه فصاحتها أنباؤها عن ذلك المحذوف بحيث لو ذكر لم يكن بذلك الحسن مع حسن موقع ذوقي لا يمكن التعبير عنه لكن في حذف قد بعض نقصان، وأتا ما يقال: في وجه فصاحتها من الدلالة على أنّ المأمور قد امتئل من غير توقف وظهر أثره وعلى أنّ المقصود بالأمر هو ذلك الأثر لا الضرب نفسه والإيماء إلى أنّ السبب هو أمره لا فعل موسى عليه الصلاة والسلام فإنما هو في مثل هذه الصورة خاصة اهـ. فالوجه العام أن يقال: إنه لتعينه وافصاح الكلام عنه كأنه مذكور وتسميتها فصيحة لإفصاحها عن ائمقدر ودلالتها عليه أو لفصاحة المتكلم أو الكلام الذي هي فيه فالإسناد مجازي(2/165)
وردّ أبو حيان تقدير الشرط بأنّ حذف أداته وفعله لم يسمع وأنه لا بد من إظهار قد في الجواب الماضي وإذا كان ماضيا فليس هو الجواب بل دليله نحو إن جئتني فقد أحسنت إليك أي لم تشكر وهذه كلها تعسفات مع أنّ معناه غير صحيح، ورد بأنّ المراد تفسير المعنى لا الإعراب، وفي المغني أنّ هذا التقدير يقتضي تقدم الانفجار على الضرب إلا أن يقال: المراد فقد حكمنا بترتب الانفجار على ضربك فتأمّل وقوله: فضرب فانفجرت الفاء الأولى سببية والثانية فصيحة وقيل: إنه حذف من المعطوف عليه الفعل ومن ااصعطوف الفاء والمذكور هي الفاء الأولى وهو تكلف لا داعي له، وفي عشرة ثلاث لغات كسر الشين وفتحها وسكونها.
قوله: (كك أناص كل سبط) السبط في بني إسرائيل كالقبيلة وما مر من شذوذ إثبات همزة
أناس إنما هو مع الألف واللام كالأناس إلا بالياء وأمّا بدونها فشائع فصيح والمشرب أمّا اسم مكان أي محك الشرب أو مصدر ميمي بمعنى الشرب، وظاهر كلام المصنف رحمه الله الأول وكلوا مقول قول مقدر أي قلنا لهم كلوا وحذف القول شائع سائغ وفي قوله التي يشربون منها إشارة إلى أنّ الجملة صفة عيناً والعائد مقدر. قوله: (يريد به الخ) جعلى الرزق بمعنى المرزوق وفصله إلى الطعام نظرا إلى كلوا والى الماء نظراً إلى اشربوا ولا قرينة على الأول إلا أن يلاحظ ما سبق من إنزال المن والسلوى ولعدم التعرض له في هذه القصة فسر بعضهم الرزق بالماء وجعله مما يؤكل بالنظر إلى ما ينبت منه ومثروبا بحسب نفسه ولم يرتضوه لأنه لم يكن أكلهم في التيه من زرع ذلك الماء وثماره، ولأنه جمع بين الحقيقة والمجاز ولا يندفع بكون من للابتداء لأنّ ابتداء اكل ليس من الماء بل مما ينبت منه بل الجواب أنّ من لا يتعلق بالفعلين جميعا وإنما هو على الحذف أي كلوا من رزق الله واشربوا من رزق الله فلا جمع وعائد ما
رزقهم محذوف أي منه أو به كذا قال المحقق وقيل: عليه أنه مما يقضي منه العجب لأنه إنما يكون جمعاً بين الحقيقة والمجاز لو قيل: كلوا واشربوا من الماء وأريد به الماء وما ينبت منه أما إذا قيل: رزق الله وأريد به فردان أحدهما الماء والآخر ما ينبت منه فأين هذا من الجمع بين الحقيقة والمجاز وهذا وهم منه فإنّ من فسر رزق الله بالماء وجعل الإضافة للعهد لا يكون عنده شاملاً لهما بل مخصوص بأحد فردين ولو كان عبارة عنهما لزم الجمع أيضا إذ لا يصح تعلقه بكلوا إلا بملاحظة شموله للشرب فيعود المحذور وليس هذا من التنازع على تقدير متعلق الآخر كما توهم لأنّ المقدر ليس هو عين المذكور فتأمّل. قوله: (لا ثعتدوا حال إفسادكم الخ) قال الراغب: العثى والعيث يتقاربان نحو جبذ وجذب إلا أن العيث أكثر ما يقال: في الفساد الذي يدرك حسا والعثى فيما يدرك حكماً ونقل عن بعض المحققين إنّ العثو إنما هو الاعتداء وقد يكون منه ما ليس بفساد فالحال غير مؤكدة، والزمخشريّ لما فسر العثو بأشد الفساد حمل النهي على النهي عن التمادي في الفساد ولما كانوا على التمادي في الفساد نهوا عما كانوا عليه كقوله تعالى: {لاَ تَأْكُلُواْ الرِّبَا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً} [سورة آل عمران، الآية: 130] فالحال مؤكدة، وفيل: المعنى أطلب منكم أن لا تتمادوا في حال إفسادكم فليست الحال مؤكدة كما توهم وقيل: عليه إنّ التمادي في الفساد لا يكون إلا في حال الفساد فليست إلا مؤكدة إلا أن يقال مراده جعل مفسدين بمعنى متمادين في الفساد لا تعثوا بمعنى تتمادوا وأما قوله: وإنما قيده الخ فقال الطيبي رحمه الله: إنّ المقام ناب عنه لأنّ الآية واردة في قوم مخصوصين، وفيه نظر. قوله: (لما أمكن أن يكون من الأحجار الخ) أراد بما يحلق الشعر النورة وفي كتاب الأحجار أنه حجر خفيف يحلق الشعر وينتفه وبما ينفر من الخل وفي نسخة عن وهو الحجر الباعض الذي يعدل عنه لمعنى فيه بالخاصية وبما يجذب الحديد المغناطيس، وقوله: لم يمتنع أن يخلق الله حجرا الخ مبنيّ على كون الحجر معينا وإلا ينبغي أن يقول أن يخلق الله في طبيعة أيّ حجر كان وجذبه لما تحت الأرض لا ينافيه انفصاله عنها كما توهم وأورد عليه أن اختلاف حاله بحسب الأوقات وتوقفه على الضرب ونحوه يقتضي خلاف هذا وان فتح هذا الباب لتوجيه الخوارق سد لباب المعجزات. قوله: (وبوحدته أنه لا يختلف) أي يريد بوحدته ذلك لأنه
متعدد فإما أن يراد أنه لا يختلف أو يراد به(2/166)
الوحدة النوعية وقيل إنهم كانوا يطبخونهما معاً فيصيران طعاما واحداً وقيل: إنه كان قبل نزول السلوى وأجموا بالميم بمعنى كرهوا وفلاحة بتشديد اللام بمعنى حراثين من فلح الأرض شقها، والعكر بكسر العين وسكون الكاف والراء المهملة الأصل وقيل: العادة ونزعوا بمعنى اشتاقوا يقال: نزع إلى أهله إذا اشتاقهم، وقوله: سله الخ بيان للمعنى لأنه طلب مخصوص، وفسر يخرج بيظهر ولما كان الإظهار يكون من الخفاء والعدم عطف يوجد عليه تفسيراً له وقوله: ربك أضافوه إليه لمزيد اختصاصه به لالقرب والمناجاة، ولفظ الرلت هنا أصاب محزه وقوله: واقامة القابل وهو الأرض لأنها قابلة ل! ثبات بالبذر فلا يقال: الأولى إقامة المحل مقام الفاعل مع عدم صحته لأنّ المنبت هو الله لا البذر أيضاً. قوله: (تفسير وبيان وقع موقع الحال الخ) جعل من الأولى تبعيضية والمفعول مقدر أي شيئا وأما إذا جعل بدلاً فلا بد من اتحاد معنى من فيهما كما ذكره أبو حيان والكلام فيه ظاهر، ووجه ترتيب النظم أنه ذكر أو لا ما يؤكل من غير علاج نار وذكر بعده ما يعالج لها مع ما ينبغي له ويقبله فانتظم على أتم انتظام في الوجود وقراءة قشاء بالضم أقيس لأنه المعهود في مثله كرمان وتفاج وفوّموا بمعنى اخبزوا. قوله: (أتستبدلون الذي هو أدنى الخ) أدنى إن كان معتلا من الدنو أو مقلوب من الدون فعلى الثاني ظاهر، وعلى الأوّل مجاز استعير فيه الدنو بمعنى القرب المكاني للخسة كما استعير البعد للشرف فقيل: بعيد المحل وبعيد الهمة أو هو مهموز من الدناءة وأبدلت فيه الهمزة ألفا كما قرئ به في الشواذ فإن قلت مقتضى كونهم لا يصبرون على طعام واحد أنهم طلبوا ضم ذلك إليه لا استبداله به قلت تيل ة إنهم طلبوا ذلك وخطأهم فيما يستبدلون إشارة إلى أنه تعالى إذا أعطاهم ما سألوا مفع عنهم المن والسلوى فلا يجتمعان، وقيل: عدم الاكتفاء بهما يحتمل وجهين أن لا يريدوأ
أكلهما في كل يوم بل يأكلونهما في بعض الأيام وغيرهما في آخر وحينئذ يتحقق الاستبدال في الأيام الأخر، وأن يريدوا أكلهما مع غيرهما وحينئذ الاستبدال متحقق لأنه كان أولاً المن والسلوى وثانياهما مع غيرهما والكل يغاير الجزء وهو تكلف. قوله: (انحدروا إليه الخ) يشير إلى أنّ الهبوط لا يختص بالنزول من المكان العالي إلى الأسفل بل قد يستعمل في الخروج من أرضى إلى أرض مطلقا، وقوله: قرئ بالضم أي بضم الهمزة والباء من باب نصر ثم بين أصل معنى المصر إن كان عربيا بمعنى الحد ومنه اشترى الدار بمصورها أي حدودها ثم سميت به البلد العظيمة لاشتمالها على ذلك فإن كان نكرة فالمراد هبطوا من التيه إلى العمران لأنّ ما طلبوه فيه وان أريد به بلدة معينة فأما مصر فرعون التي خرجوا منها، وفي التيسير الأظهر أنهم لم يؤمروا بهبوط مصر فرعون فإنه تعالى قال: {يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللهُ لَكُمْ وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ} [سورة المائدة، الآية: 21] يعني لا ترجعوا إلى مصر فلم يرجعوا إليها وان ملكوها بل المراد مصر من أمصار الأرض المقدسة وقد أشرنا إلى ما يؤيده سابقا. قوله: (وإنما صرفه الخ) يعني أن فيه العلمية والتأنيث فإما أن يصرف لسكون وسطه كما تقرر في النحو أو لتأويله بالمكان ونحوه مما هو معروف في أعلام الأماكن، وقوله: يؤيده أنه الخ أي مكتوب بغير الألف فلا يرد أنّ الشكل حدث بعد العصر الأوّل، فإن قلت في شرح المفصل أنهم متفقون على وجوب منع الصرف في ماء وجور فلو كانت العجمة لا أثر لها في الساكن الوسط لكان حكم ماء وجورحكم هند في منع الصرف وجوازه فلما تخالفا دل على اعتبار العجمة في الساكن الوسط. قلت قال الشارح: المحقق إنه لم يعتدّ بالعجمة لوجود التعريب والتصرف فيه وفيه نظر ومصرائيم ابن نوح وهو أول من اختطها فسميت باسمه. قوله: (أحيطت بهم الخ) في الكشاف علت الذلة محيطة بهم مشتملة عليهم اص. والإحاطة الأخذ بجوانب الشيء واشتماله عليه وفعله حاط وأحاط ويكون لازماً وهو المعروف فيه قال تعالى: {وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ} ويكون متعديا أيضاً وقد غفل عنه كثير فوقعوا فيما وقعوا وفي نهج البلاغة أحاط بكم الإحصاء، وفسره الشارح بجعله محيطاً، وفي لسان العرب حطت قومي وأحطت الحائط وحوّط حائطا عمله وحوّط كرمه تحويطاً أي بني حوله حائطاً فهو كرم محوط اهـ.(2/167)
وفي شعر بعض الفصحاء:
والبحر قد حاطه بحران دجلته بحر وكفك بحريقذف الدررا
وحاطه بمعنى حفظه متعد وتعدى المجاز مما يستأنس به وقال المحشي: هكذا وقعت العبارة في النسخ وفي شرح المفتاح كان الظاهر أحاطت بدل أحيطت لأنّ الذلة محيطة بهم لا
محاطة، وغاية ما يمكن أن يقال: إنه قصد أمرين زائدين على الكشاف. الأوّل القلب فمعنى احيطت بهم أحيطوا بها لكن قلب لمطابقة المفسر والتنبيه على الاستعارة. الثاني المبالغة في إثباتهما بحيث يكونان محيطين بهم من وجه ويكونون محيطين من آخر وأحيطت من الحذف والإيصال والباء في بهم للسببية لا للتعدية، واحاطة مصدر المجهول بمعنى المحاطة فإن نحو القبة إذا ضربت على شيء تكون مقتصرة عليه لا تتجاوزه فهي محيطة ومحاطة فاستعير الضرب المعدى بعلى للتسبب بجامع كمال الاختصاص وعدم التجاوز والقرينة الإسناد إلى الذلة والمسكنة واستعيرت القبة ونحوها للذلة والمسكنة بجامع الجهتين المذكورتين ودل على الاستعارة ذكر لازم المستعار منه وهو الضرب المعدى بعلى لكن المقصود هذه الاستعارة والأولى تابعة لها كما اختاره في الكشف كما في ينقضون عهد الله فالمعنى جعلت الذلة محاطة بهم كإحاطة القبة بمن فيها فإنها محاطة بهم ومحيطة صورة فكذا الذلة فاقتصر المصنف رحمه الله على ذكر المحاطية لأنها خفية محتاجة للبيان والأخرى منفهمة من القبة (أقول) الإحاطة متعدية كما مر وتكون من أحطت الحائط ولا مخالفة بينه وبين ما في الكشاف ولا حاجة إلى ما ذكره هذا القائل من التعسفات التي لا طائل تحتها، والظاهر أنه حقيقة أو بتضمين الجعل فيتعدى إلى الذلة بنفسه وألى المحاط بهم بالباء فيفيد التركيب أنها محيطة لا محاطة. كما سيأتي في آل عمران ثم إنّ الظاهر أنّ هنا مسلكين أحدهما أنه شبه تثبيت الذلة عليهم بضرب القبة الثابتة على المضروب عليه، ووجه الشبه الإحاطة والشمول وهذا ما في المفتاح حيث قال: المستعار منه ضرب الخيمة وما شاكلها وأنه أمر حسي والمستعار له التئبيت وأنه أمر عقليّ والثاني أنه شبه عموم الذلة لهم بإحاطة القبة ووجه الشبه الإحاطة الداخلة في مفهوميهما أو اللزوم وهذا ما ارتضاه غيره والتصرف يصح أن يكون في الضرب وحده فتكون تبعية تصريحية ويصح أن يكون في الذلة فتكون مكنية وتخييلية أو مكنية والضرب بمعنى الإحاطة على حد ينقضون عهد الله، ويصح أن تكون تمثيلية أيضاً وقال الشارح المحقق: إن في الذلة استعارة بالكناية حيث شبهت بالقبة أو بالطين يعني أنه إما من ضرب الخيمة أقامها أو من ضرب الطين بالحائط فضربت استعارة تبعية تحقيقية لمعنى الإحاطة والشمول لهم أو اللزوم واللصوق بهم لا تخييلية وهذا كما مر في نقض العهد وعلى الوجهين فالكلام كناية عن كونهم إذ لا متصاغرين فما يقال: المراد إنّ الاستعارة إمّا في الذلة تشبيهاً بالقبة فهي مكنية واثبات الضرب تخييل وإمّا في الفعل أعني ضربت تشبيهاً لإلصاق الذلة ولزومها بضرب الطين على الحائط فتكون تصريحية تبعية مما لا يرتضيه علماء البيان، وقيل: عليه أنه منه عجيب فإنه رذه هنا وارتضاه في آل عمران وشرح التلخيص وأنه هو الموافق لكلام الجمهور من أهل المعاني وما ذكره من كون قرينة المكنية استعارة تحقيقية لم يصرحوا به كما مر) أقول) : إنه بعدما قال هنا هذا قال في آل عمران أنه على تشبيه المسكنة بالقبة استعارة بالكناية ثم إثبات الضرب لها عليها تخييلا أو تشبيه
إحاطتها بهم واشتمالها عليهم بضرب القبة استعارة تبعية وأمّا اعتبار كونه كناية كما في:
في قبة ضربت على ابن الحشرج
فوهم فاسد اهـ فوقع بين كلاميه تناقض من وجهين وهو في المحلين ردّ على العلامة في حواشيه (وقد جال في خلدي) أنه ليس بغافل عما اعترضوا به وأنه ليس برذ لذلك لأنه لا يصلح في النظم بل إن عبارة الكشاف لا تحتمله لأنه قال هنا جعلت الذلة محيطة بهم مشتملة عليهم فهم كما يكون في القبة من ضربت عليه أو ألصقت بهم حتى لزمتهم ضربة لازب كما يضرب الطين على الحائط فيلزمه اهـ. فصرح بأنّ التصرف في ضرب يستلزم(2/168)
أن يكون مجازاً تبعياً ويصح أن يجعل ما بعده مكنية على حد ينقضون عهد الله وليس من التخييل المعروف فإنه لا يرتضي أهل المعاني فيه التجوّز وإنما هذا ضرب آخر، والقطب أرجعه إلى المعروف ويلزم من الإحاطة أو اللصوق الاتصاف فيكون كناية. وقال العلامة في آل عمران: ضربت عليهم الذلة أينما ثقفوا كما يضرب البيت على أهله فهم ساكنون في المسكنة فاستعمل الضرب في معناه الحقيقي إذ جعل المسكنة مسكنهم فثصح حمل عبارته على التخييل والكناية المعروفين وحينئذ يدل المعنى المجازي على ذلتهم صراحة فلا حاجة إلى جعله كناية فاعرف هذا فإنه خفيّ على الناظرين فيه، وقوله: إحاطة القبة مصدر لبيان النوع ووقع في نسخة مثل إحاطة القبة فاعترض! عليه بأنّ الصواب إسقاط لفظ مثل وفيه نظر فتأمّل، وقوله: مجازاة علة لقوله ضربت. قوله: (رجعوا به الخ الم يذكره صاحب الكشاف ورجحه القرطبي وغيره قالوا: باؤوا انقلبوا ورجعوا به أي لزمهم ذلك ومنه أبوء بنعمتك عليّ أي أقرّ بها وألزمها نفسي، وأصله في اللغة الرجوع يقال باء بكذا أي رجع به، وقال أبو عبيدة والزجاج: باؤوا بغضب احتملوه، وقيل: استحقوه وقيل: أقروا به، وقيل: لازموه وهو الأوجه، يقال: بوأته منزلاً فتبوّأه أي ألزمته فلزمه وقوله: أو صاروا أحقاء عدل عن قولهم استحقوه لما فيه من المبالغة ولأنه يظهر تعديته بالباء، وقوله: وأصل البواء بالمد بالفتح والضم ويصح فيه بوء كضرب كما في النسخ، ومن الراغب أخذه قال أصل البواء مساواة الأجزاء خلاف النبوء الذي هو منافاة الأجزاء يقال: مكان بواء إذ لم يكن نابيا ثم استعمل في كل مساواة فيقال! : هو بواء فلان أي كفؤه ومنه بوء نعل كليب و " فليتبوّأ مقعده من النار " وليس المضروب عليهم الذلة الخ، اليهود الذين كانوا في زمن موسى عليه الصلاة والسلام ولا الدّين كانوا في زمن نبينا صلى الله عليه وسلم بل المطلق لأنّ قتل النبيين عليهم الصلاة والسلام وقع من بعضهم لكنه أسند إلى الجميع كما مر، وقوله: ذلك إشارة الخ يعني أنه وان كان مفرداً
أشير به لجميع ما مر بتاويله بالسابق والمذكور ونحوه. قوله: (بأنهم كانوا يكفرون الخ) قال بسبب كفرهم إشارة إلى أن الباء سببية داخلة على المصدر المؤوّل ولم يعبر به مع أنه أخصر تنبيهاً على أنهم جمعوا بين الثبات على أصل الكفر والدوام عليه وما تجدد منه والآيات أمّ المعجزات مطلقاً أو آيات الكتب المتلوة كما ذكره المصنف رحمه الله وقصة آية الرجم وانكار اليهود لها معروفة وستأني. وقوله: وقتلهم الأنبياء الخ ذكر في مطاعن القرآن السؤال بالتناقض بين هذه الآية وشبهها. وقوله: {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا} [سورة غافر، الآية: 51] وأجيب بأنّ المقتولين من الأنبياء والموعود بنصرهم الرسل عليهم الصلاة والسلام ولو سلم أنهم رسل كما وقع في آية أخرى ائنصرة بغلبة الحجة اً والأخدّ بثارهم كما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنّ الله تعالى قدر أن يقتل بكل نبيّ سبعين ألفا وبكل خليفة خمسا وثلاثين ألفا فتأمّل. (، دول) : ذهب في التأويلات إلى أنّ المقتول أنبياء لا رسل وردّ بقوله: {أَفَكُلَّمَا جَاءكُمْ رَسُولٌ} [سورة البقرة، الآية: 87] إلى قوله: {فَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ} وأجيب عنه باجوبة أحسنها عندي أنّ المراد به الرسل المأمورون بالقتال لأنّ أمرهم بالقتال وعدم عصمتهم لا تليق بالعزيز الحكيم فلا يعارض هذا قوله: {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي} [سورة المجادلة، الأية: 21] وشعيا بشين مفتوحة وعين مهملة ساكنة وياء تحتية وألف مقصورة، وهو نبيّ قتل قبل عيسى صلى الله عليه وسلم بشر به وبنبينا صلى الله عليه وسلم فنشره قومه بالمنشار، وفي بعض النسخ شعيبا وهو من تحريف النساخ فإنّ شعيباً عليه الصلاة والسلام لم يقتل بل لحق بمكة بعد هلاك قومه ومات بها، فإن قيل: إنه جمع النبيّ على نبيين وهو فعيل بمعنى مفعول وقد صرحوا بأنه لا يجمع جمع مذكر سالم وأنه همز في القراءة المتواترة، وقد روي أن رجلاً قال للنبيّ يت! رو: " يا نبيء الله بالهمزة فقال لست بنيء الله " يعني مهموزاً ولكن نبيّ الله بغير همزة فأنكر عليه ذلك وقد منع بعضهم من إطلاقه عليه صلى الله عليه وسلم تمسكا بهذا (قلت) أمّا الأوّل فليس بمتفق عليه إذ قيل إنه بمعنى فاعل ولو سلم فقد خرج عن معناه الأصلي ولم يلاحظ فيه هدّا إذ يطلقه عليه من لا يعرف ذلك فصح جمعه باعتبار المعنى الغالب عليه، وأمّا القراءة في السبعة مهموزاً(2/169)
مع النهي المذكور فأجيب عنه بأنّ أبا زيد حكى نبأت من الأرض إذا خرجت منها فمنع لوهم أنّ معناه يا طريد الله فنهاه عن ذلك لإيهامه ولا يلزم من صحة استعمال الله له في حق نبيه صلى الله عليه وسلم الذي برأه من كل نقص
جوازه من البشر فتأمّل. قوله: (بنير الحق عندهم الخ) إشارة إلى جواب ما قيل: إنّ قتلهم لا يمكن أن يكون بحق فما الفائدة فيه فقيل: إنه ليس للاحتراز بل لازم نحو دعوت الله سميعاً وذكر تشنيعاً عليهم والذي ذكره المصنف رحمه الله تبع فيه الزمخشريّ، وهو لا يخلو من شبهة لأنّ القفال قال: إنهم كانوا يقولون إنهم كاذبون وانّ معجزاتهم تمويهات ويقتلونهم بهذا السبب وبأنهم يريدون إبطال ما هم عليه من الحق وارتضاه بعضهم، ولذلك زاد في الكشاف فلو سئلوا وأنصفوا من أنفسهم لم يذكروا وجهاً يستحقون به القتل عندهم، والحق وقع معرّفا هنا ومنكرا في آية أخرى فالتعريف إمّا للجنس أي بغير حق أصلاَ أو للعهد أي بغير الحق الدّي عندهم وفي معتقدهم، وكلام المصنف رحمه الله يحتملهما، وفي الكشف التنكير في آل عمرآن للتعميم والتعريض بأنهم حول نبينا صلى الله عليه وسلم بالقتل ولهذا لم يقل وكانوا يقتلون، فالمناسب أن يقال بغير حق من الحقوق لئلا يوهم أنه لو كان حقاً عندهم لما استحقوا زيادة الذمّ، وقيل: إنه للمتقين. قوله: (أي جرّهم العصيان والتمادي الخ) يعني أنّ ذلك إشارة إلى السبب المذكور والباء سببية لبيان سبب السبب أيضاً حالاً لاستحقاقهم ذلك وإنما أكد الأوّل لأنه فظنة الاستبعاد بخلاف مطلق العصيان، والاعتداء أصل معناه تجاوز الحد في المعاصي كالتمادي لكن عرف في ظلم الغير كما ذكره القرطبي رحمه الله ومراد المصغف وحمه الله تعالى معناه الأصلي، وفي قول الزمخشريّ بسبب عصيانهم واعتدائهم لأنهم انهمكوا فيهما وغلبوا بالمعنى العرفي فلا يقال إنّ الانهماك والغلو في العصيان عين الاعتداء ولذلك غير المصنف رحمه الله تعالى عباوته كما توهم وكونها صغاراً بالنسبة لما قبلها وهو ظاهر أو هي في نفسها صغيرة لإطلاق مطلق المعصية عليها إذ المعتاد في الجرم العظيم أن يعين فتأمل والإشارة بذلك لتقصيه أو لأنه مما ايبعده العقل خصوصا من أهل الكتاب. قوله: (وقيل كرر الإشارة الخ) هذه الإشارة على تفسيره راجعة إلى الكفر بالآيات وما بعده فلا تكرار وعلى هذا راجعة إلى ضرب الذلة وما معه فهي مكرّرة، والمقصود بيان سبب آخر وإنما لم يرتضه لأنه خلاف الظاهر ولأنّ مقتضى الظاهر حينئذ العطف لاتحاد الموضوع وتناسب المحمولين. قوله: (وقيل الإشارة إلى الكفر والقتل الخ) الفرق بين هذا وبين الوجه الأول ليس إلا اختلاف معنى الباء فيهما فهي على الأوّل سببية وعلى هذا للمعية، ولذا قيل: ينبغي أن يقدم هذا على قوله وقيل: كرر الخ.
ويكتفي بقوله وقيل: الباء للمعية والمعنى أنّ ذلك الكفر والقتل كائن مع العصيان والإعتداء، وقد كان كافيا في السببية فكيف وقد انضم إليه غيره وضعفه لما فيه من عدم الإرتباط أيضا. قوله: (وإنما جوّزت الإمارة الخ) الأصل في اسم الإشارة والضمير إذا كانا مفردين أن يرجعا لما هو مطابق لهما لكنهما قد يعبر بهما عن متعدد بتأويل المذكور ونحوه مما هو مفرد لفظاً مجموع معنى وهو في اسم الإشارة كثير وقد يجري ذلك في الضمير حملاَ عليه، ولذا قال: ونظيره واسم الإشارة هنا لمتعدد في سائر الوجوه فهذا توجيه لها كلها لا للأخير فقط والشعر المذكور لرؤبة قال المصنف رحمه الله تعالى: إنه في صفة بقرة وحشية، وقال ابن دريد: إنما هو في صفة أتان وهو من قصيدة له مشهورة أوّلها:
وقاتم الأعماق خاوي المخترق مشتبه الأعلام لماع الخفق
وقبله:
قود ثمان مثل أمراس الأبق فيها خطوط من سواد وبلق
كأنه في الجلد توليع البهق
روي أنّ أبا عبيدة رحمه الله قال لرؤبة إن أردت الخطوط فقل كأنها أو السواد والبلق فقيل كأنهما فقال: أردت كأنّ ذلك ويلك وأصل البلق سواد وبياض وأراد به البياض فقط أو هو معطوف على خطوط والتوليع استطالة البلق والتلوين وسيأتي في قوله تعالى: {عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ} وقوله: والذي حسن ذلك(2/170)
لا يخفى حسن موقع ذلك هنا يعني أن تثنية أسماء الإشارة والموصولات والضمائر وجمعها وتأنيثها ليس على قانون أسماء الأجناس والا لقيل في ذا ذو إن مثلاً بل هي بوضمع صيغ أخر فجوزوا فيها ما لم يجوزوا في غيرها ولهذا جاء التعبير بالذي عن الجمع من غير تأويل عند بعض النحاة وبعضهم يؤوّله بنحو ما هنا. قوله: (يريد به المتدينين الخ) المؤمن إذا أطلق يتبادر منه من أخلص الإيمان: والمصنف رحمه الله جعله أعم من أن يكون بمواطأة القلب أولاً ليصح قوله من أمن منهم وسن ظن أنه إنما يصح على تخصيصه بالمنافقين كما فعل الزمخشريّ فقدسها: وقوله وقيل: الخ نقل هذا عن سفيان قال المراد المنافقون ولذلك قرنهم باليهود والنصارى ثم بين حكم من أخلص الإيمان منهم واختاره
الزمخشريّ وسيأتي وجه تضعيفه. قوله: (تهوّدوا) أي دخلوا في دين اليهود وهو إن كان عربيا في الأصل من هاد لأنّ الاشتقاق المذكور من الاسم بعد النقل كتنصر وهاد بمعنى تاب أو بمعنى سكن ومنه الهوادة وان كان معرّبا فهو معرّب يهوذا بذال معجمة وألف مقصورة فعرّب وغير، والنصارى إن كان جمع نصران بمعنى نصرانيّ فهو على القياس كندمان ونشوان وندامى ونشاوى والياء حينئذ للمبالغة كما يقال للأحمر أحمريّ إشارة إلى أنه عريق في وصفه، وقيل: إنها للفرق بين الواحد والجمع كزنج وزنجيّ وروم وروميّ ونصران بمعنى نصرانيّ وارد في كلام العرب وان أنكره بعضهم كقوله:
تراه إذا دار العشيّ محققا ونصحي لديه وهو نصران شاس!
وكذا ورد نصرانة في مؤنثه أيضا كقوله:
كما سجدت نصرانة لم تحنف
وقيل النصارى جمع نصريّ كمهريّ ومهارى، وألفه للتأنيث ولذا لم ينوّن ونصران بمعنى ناصر سمي له لأنهم نصروا الصي! يح أو لنصر بعضهم لبعض فلا يرد عليه أنّ فاعلاَ لا يجمع على فعالى كما توهم، وقيل: إن عيسى عليه الصلاة والسلام ولد في بيت لحم بالمقدس ثم سارت به أمّه إلى مصر ولما بلغ اثنتي عشرة سنة عادت به إلى الثام وأقامت بقرية يقال لها ناصرة وقيل: نصرايا وقيل: نصرا، وقيل: نصرانة، وقيل: نصران، فسمي من معه باسمها إن كان نصران أو نح! مرانة أو أخذلهم اسم من اسمها إن لم يكن كذلك وقال السيرافي النصارى: جمع نصريّ كمهريّ ومهارى حذفت إحدى ياءيه وقلبت الكسرة فتحة للتخفيف فقلبت الياء ألفاً هذا عند الخليا! وعند سيبوبه رحمه الله أنه جمع نصران لأنه جاء في المؤنث نصرانة قال: فكلتاهما خرّت وأسجد رأسها كما سجدت نصرانة لم تحنف
واذا كان المؤنث نصرانة فالمذكر نصران أص. ثم إنّ قوله ضربت عليهم الذلة الخ استطراد
بعد ذكر النعم التي يجب شكرها وهو مما ينبههم للشكر لو خامة عاقبة الكفران، وفي كتب الفروع اختلف في تفسير الصأبئة فعندهما هم عبدة الأوثان وأنهم يعبدون النجوم وعند أبي حنيفة
رحمه الله ليسوا بعبدة أوثان وإنما يعظمون النجوم كما تعظم الكعبة، وعليه بني الاختلاف في النكاح، ثم اختلف في لفظه فقيل: غير عربيّ، وقيل: عربيّ من صبأ بالهمز إذا خرج أو من صبا معتلاً بمعنى مال لخروجهم عن الدين الحق وميلهم إلى الباطل فقراءة الصابين بالياء إمّا على الأصل أو الإبدال للتخفيف وكونهم بين النصارى والمجوس وقع في غيره بين اليهود والمجوس، وفي آخر بين اليهود والنصارى، والمراد أنّ ما يدينون به مشابه لهؤلاء الفريقين أو أنّ ديئهم وقع بين زماني الدينين وهو الظاهر واختلف في قبلتهم فقيل: الكعبة وقيل: مهب الجنوب، وقيل: إنهم موحدون يعتقدون تاثير النجوم ويقرّون ببعض الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وقيل هم من المانوية. قوله: (من كان منهم في دينه قبل أن ينسخ الخ) وجه التخصيص قوله وعمل صالحا فإنّ من لم يكن على دين صحيح لا يكون له عمل صالح وإنما لم يلتفت الزمخشريّ إلى هذا الوجه لأنه رأى أنّ الصابئين ليسوا من أهل الكتاب فلم يصح أن يقال: من كان منهم في دينه قبل أن ينسخ، والمصنف رحمه الله تعالى لما نقل كونهم على دين أمكن له هذا التفسير وظاهره أنّ المراد من كان نهم من هؤلاء الفرق على دين صحيح لم ينسخ، وقيل: المراد بالدين في قوله الدين الذي(2/171)
ينتسب إليه مخلصا كان أولاً فيتناول المنافق والمخلص من المسلمين وغيرهم، والمراد نسخ ذلك الدين كله أو بعضه كما في شريعتنا أو معنى قبل أن ينسخ أنه قبل النسخ وفيه نظر، وجعل الإيمان بالله كناية عن الإيمان بالمبدأ وما يتعلق به واليوم الآخر كناية عن المعاد.
قوله: (عاملاَ بمقتضى شرعه) هو معنى قوله وعمل صالحا أي عاملاً به قبل النسخ، واختاره المصنف رحمه الله تعالى لأنه الموافق لسبب النزول، وهو أنّ سلمان رضي الله تعالى عنه ذكر للنبيّ صلى الله عليه وسلم حسن حال الرهبان الذين صحبهم فقال صلى الله عليه وسلم ماتوا وهم في النار فأنزل الله هذه الآية فقال صلى الله عليه وسلم: " من مات على دين عيسى عليه الصلاة والسلام قبل أن يسمع بي فهو على خير ومن سمع بي ولم يؤمن بي فقد هلك " وذكره الراغب رحمه الله وقوله وقيل: هو مختار صاحب الكشاف وضعفه بعدم المطابقة لسبب النزول ولأنّ التخصيص خلاف الظاهر وفيه نظر، وعلى هذا فالمراد من أخلص إيمانه في زمانه اللائق به فله أجر الخ. وقوله: فلهم عائد على من باعتبار معناه بعدما عاد عليه باعتبار لفظه ولا خلاف في هذا إنما الخلاف في عكسه والصحيح جوأزه كما مرّ وقوله الذي وعد الله الخ فيه إشارة إلى أنهم إنما يستحقون ذلك بمحض كرمه
تعالى ولكن تسميته أجر العدم تخلفه. قوله: (حين يخاف الكفار الخ) هذا يؤخذ من تخصيصه بنفي الخوف عنهم وتقديم الضمير وخصه بالآخرة لأنه حينئذ يتبين فيه ذلك، وأمّا في الدنيا فلا يخلو اً حد عنه، ولما كان الخوف أشد من الحزن خصه بالكفار فلا يقال: لم خص الخوف بالكفار والحزن بالمقصرين ولا وجه للتذصيص بهؤلاء فتأمّل. وقوله: عند ربهم إشارة إلى أنه لا يضيع لأنه عند حفيظ أمين. قوله: (ومن مبتدأ الخ) جوّزوا من أن تكون شرطية وخبرها فيه خلاف هل هو الشرط أو الجزاء أو هما وأن تكون موصولة مبتدأ وفلهم الخ خبره أو بدل من اسم إنّ وقوله فلهم أجرهم الخ خبران، ويجوز دخول الفاء في خبر الموصول والموصوف بفعل أو ظرف لتضمته معنى الشرط لكن إذا دخلت عليه أنّ اختلف في جواز دخولها فجوّزه بعضهم ومنعه آخرون لأنّ أن لا تدخل على أسماء الشرط لأنّ لها صدر الكلام ونحو:
إن من يدخل الكنيسة يوماً يلق فيها جآذرا وظباء
ضرورة أو مؤوّل ورد بأنه ورد في قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ} [سورة البروج،
الآية: 0 ا] الآية وأنه لا يلزم من امتناعه في اأصثمرط الحقيقي امتناعه في المشبه به وأجيب بأنّ الفاء زائدة ورذ بأن من لا يقول بزيادة الفاء في مثله وبأنّ الخبر مقدر وهذا معطوف عليه لا يسلمه وقال أبو حيان رحمه الله: الذي نختاره أنها بدل من المعاطيف التي بعد اسم إنّ فيصح إذ ذاك المعنى وكأنه قيل: إنّ الذين آمنوا من غير الأصناف الثلاثة ومن آمن من الأصناف الثلاثة فلهم أجرهم وقال الشارح المحقق: ما ذكر من كون من مبتدأ خبره فلهم يشعر بأنه جعلها موصولة إذ الشرطية خبرها الشرط مع الجزاء لا الجزاء وحده اص. وفيه نظر وقوله من كان منهم إشارة إلى تقدير العائد وليس دخول الفاء في خبر أن لتضمن من معنى الشرط بل لتضمن الموصول الأوّل حتى يقال: إنّ النحاة لم يقولوا إنّ من مصحح دخول الفاء في الخبر تضمن المبدل منه معنى الشرط وان قال به جار الله مع أنهم صرحوا به في الموصوف نحو: {إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ} [سورة الجمعة، الآية: 8] ولا فرق بينه وبين البدل بل هو أولى منه لأنه المقصود بالنسبة وهو بدل بعض لأنهم بعض هؤلاء الذوات ولا يلزم اتحادهم في الصفات. قوله: ( {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ} الخ الم يقل مواثيقكم لأنه كان عهداً واحداً واختلف في هذا الميثاق هل كان قبل رخ الطور بالانقياد لموسى عليه الصلاة والسلام وتبول ما يأتي به ثم لما نقضوه رفع فوقهم الطور لقوله تعالى: {وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ} أو كان معه،
والطور كل جبل أو جبل منبت وهو سرياني معرب وقوله: كبرت عليهم أي شقت وظلله بمعنى جعله فوقهم مرتفعا منفصلاً عن الأرض كالظلة قيل: فكانه حصل لهم بعد هذا القسر والإلحاء قبول واذعان اختياري أو كان يكفي في الأمم السابقة مثل هذا الإيمان ا!. ويرد. ما في التيسير عن القفال أنه ليس جبرا على الإسلام لأنّ الجبر ما سلب الاختيار ولا يصح معه الإسلام بل كان إكراها وهو جائز ولا يسلب الاختيار(2/172)
كالمحاربة مع الكفار وأمّا قوله تعالى: {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} [سورة البقرة، الآية: 256] وقوله تعالى: {أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ} [سورة يونس، الآية: 99] فقد كان قبل الأمر بالقتال ثم نسخ به، وقوله: على إرادة القول أي قلنا خذ أو قائلين خذوا وقوله: بجدّ وعزيمة أي على تحمل مشاقه وهو حال. قوله:) ادرسوه الخ) يشير إلى أنه يحتمل الذكر اللساني والقلبي والأعم منهما وما يكون كاللازم لهما والمقصود منهما أعني العمل وفي نسخة وتفكروا وفي أخرى أو تفكروا. قوله: (لكي تتقوا الخ) قد مر تفصيله والمراد هنا أنّ لعلكم تتقون إن كان تعليلا لقوله خذوا أو اذكروا كان على حقيقته لأنه راجع إليهم ويجوز منهم الترجي وان كان تعليلاً لقلنا المقدر يكون تعليلاَ لفعل الله وهو وان جوّز بالحكم كما مرّ لكن تأويله بالإرادة بناء على مذهب المعتزلة في جواز تخلفها عن المراد كما مرّ، ويجوز أن يتعلق به على تأويله بالطلب فالتخصيص ليس بذاك وبجوز أن يتعلق إذا أوّل بالإرادة بخذوا أيضا على أن يكون قيداً للطلب لا للمطلوب فتأمّل. قوله:) ثم توليتم الخ) يفهم منه أنهم امتثلوا الأمر ثم تركوه وأصل الإعراض الإدبار المحسوس ثم استعمل في المعنوي كعدم القبول والخبر عن أحوالهم انتهى، عند قوله بعد ذلك كما قاله الإمام رحمه الله والفضل الزيادة في الخير والأفضال الإحسان فتفضل الله هنا إن كان على من سبق منهم فهو بقبول التوبة وان كان على من خلفهم من المخاطبين بنعمة الإسلام والقرآن وارسال محمد صلى الله عليه وسلم، واليه أشار بقوله أو بمحمد صلى الله عليه وسلم وقوله: يدعوكم الخ راجع إلى الفضل والرحمة وقيل: إنه لف ونشر ولا دليل عليه والخسران ذهاب رأس المال أو نقصه واليه أشار بتفسيره بالمغبونين والمراد هلاكهم بالانهماك في المعاصي، وهو ناظر إلى تفسير الفضل بالتوفيق للتوبة، وقوله: أو بالخبط الخ ناظرا إلى قوله أو بمحمد صلى الله عليه وسلم الخ. قوله: (ولو في الأصل الخ) اختلف في لولا
هل هي مركبة من لو الامتناعية ولا النافية فتكون نفى نفي يقتضي الإثبات أو كلمة بسيطة وضعت لامتناع شيء لوجود آخر وأنّ الاسم الصريح أو المؤوّل الواقع بعدها مبتدأ يجب حذف خبره مطلقاً أو إذا كان كوناً عاما أو فاعل فعل مقدر كوجد وثبت والكلام عليه مبسوط في النحو، وما ذكر. المصنف رحمه الله هو مذهب البصريين والخبر عندهم واجب الحذف على المختار ولكنتم جوابها ويكثر دخول اللام عليه إذا كان موجبا وقيل: إنه لازم إلا في الضرورة وقوله: لدلالة الكلام بيان لمصحح حذفه، ولسد الخ بيان لموجبه. قوله: (اللام موطئة للقسم الخ) قيل: إنه سهو والصواب واللام لتقدير القسم أي والله لقد علمتم، إذ اللام الموطئة ما تدخل على شرط نازعه القسم في جزائه ليجعله جواباً للقسم نحو والله لئن أكرمتني لقد أكرمتك ولك أن تقول إنّ هذا اصطلاج للنحاة والمصنف رحمه الله تجوّز بها عن اللام الواقعة في جواب قسم مقدر لأنه لولاها لم يعلم أنّ في الكلام قسما مقدراً فقد مهدت له الجواب ولذا تسمى ممهدة ومؤذنة وسيأتي في كلام الزمخشريّ نحوه وقيل: إنها لام ابتدائية وعلمتم هنا بمعنى عرفتم يتعدى لواحد أي عرفتم أصحاب السبت وما أحللن بهم من النكال فلو شئنا لفعلنا بكم مثله. قوله: (والسبت مصدر سبتت اليهود الخ) تعظيمهم له بترك العادة والاشتغال بالعبادة بالانقطاع إلى الله فالمعنى على ما قال القرطبي في يوم السبت، ويحتمل أن يريد في حكم السبت فالمعنى في تعظيم يوم السبت قيل: والأوّل قول الحسن والثاني هو الأحسن لأنّ الاعتداء والتجاوز ما ذكر لم يقع في يوم السبت بل وقع في حكمه إلا أن يقال: إنهم فعلوا ذلك زمانا فلم ينزذ عليهم عقوبة فاستبشروا وقالوا قد أحل لنا العمل في السبت فاصطادوا فيه كما روي فيصح جعل يوم السبت ظرفا للاعتداء وقوله: وأصله القطع لقطع الأعمال فيه، وقيل: إنه من السبوت وهو الراحة والدعة قيل: وفي قوله مصدر سبتت اليهود نظر فإنّ هذا اللفظ واشتقاقه موجود قبل فعل اليهود اللهم إلا أن يريد هذا السبت الخاص المذكور في الآية ولا وجه له فإنه كان في زمن موسى عليه السلام وتسمية العرب لها بهذه الأسماء حدث بعد عيسى عليه السلام وأسماؤهم قبل ذلك غير هذا وهي التي في قوله:
أؤمل أن أعيش وأنّ يومي بأوّل وبأهون أو جبار(2/173)
أو التالي دبار فإن أفيه فمؤتس! أو عروبة أوشيار
قوله: (أمروا أن يجرّدوه للعبادة الخ) قيل: إن موسى عليه الصلاة والسلام أراد أن يجعل
يوماً خالصا للطاعة وهو يوم الجمعة فخالفوه وقالوا نجعله يوم السبت لأنّ الله تعالى لم يخلق
فيه شيئا فلما اختاروه لترك سائر الأعمال نهوا فيه عن الاصطياد والعمل وأيلة قرية واسم بيت المقدس إيليا، والخرطوم كزنبور ما ضم عليه الحنكان. قوله: (وشرعوا فيها الجداول) وفي نسخة إليها قال المحقق قيل: معنى شرعوا لظهورها من شرع من الدين كذا بين ولا يخفى بعده، وقيل: جعل الجدول كالشارع المنتهى إليه وليس من اللغة والأحسن أشرعوا من شرع الباب إلى الطريق وأشرعته وشرع المنزل إذا كان بابه على الطريق النافذ اهـ. (أقول) في مفردات الراغب أشرعت الرمح قبله وقيل: شرعته فهو مشروع اهـ. فالصواب أنه منه ومعنى شرعوا الجداول جمع جدول وهو القناة جعلوها متصلة بها ومواجهة لها من غير تغيير ولا تكلف وقيل: من قولهم شرع بابا إلى الطريق أي فتحه كما نقل عن الخليل رحمه الله (قلت) : وفي هذه الآية دليل على تحريم الحيل في الأمور التي لم تشرع كالربا وبها احتج مالك رحمه الله تعالى على ذلك إذ لا تجوز عنده، قال الكواشي: وجوّزها أكثرهم ما لم يكن فيها إبطال حق أو إحقاق باطل وأجابوا عن تمسكهم بأنها ليست حيلة وإنما هي عين المنهيّ عنه لأنهم إنما نهوا عن أخذها وفيه نظر وفي الكشاف فذلك الحبس في الحياض هو اعتداؤهم قيل: ذكره لتصحيح الظرفية في السبت للاعتداء، وتركه المصنف رحمه الله لأنه مستغني عنه إذ المعنى في حكم السبت فتأمل. قوله: (جا معين بين صورة القردة والخسوء الخ) إشارة إلى أنهما خبران إذ لو كان الخبر الأوّل والثاني صفة لقردة القيل خاسئة، وأما جعله كما في ساجدين على تشبيههم بالعقلاء أو باعتبار أنهم كانوا عقلاء فلا حاجة إليه ولأنّ القردة خاسئة ذليلة فلا حاجة لتوصيفها به فيكون المراد أذلاء عند الله، إذ قد يتوهم أنّ المسخ يكفي في عقوبتهم وقردة جمع قرد كفيلة وديكة وبفتح القاف وكسر الراء مثله، والخسوء الصغار أي الذلة والطرد، وبكون متعديا ولازما ومنه قولهم للكلب أخسأ وقيل: الخسوء كما في نسخة مصدر خسأ الكلب بعد، وأما ذكر الطرد فلاستيفاء معنى الخسوء لا لبيان المراد والا لكان الخاسئ بمعنى الطارد، وفي القاموس الخاسئ من الكلاب والخنازير المبعد لا يترك أن يدنو من الناس. قوله: (قال مجاهد الخ (فيكون المقصود منه تشبيههم بالقردة والخنازبر كقوله:
إذا أنت لم تعشق ولم تدر ما الهوى فكن حجراً من يابس الصخر جلمدا
كما يقال: أنت لا تقبل التعلم فكن حماراً أي اذهب وكن شبيه حمار والأمر مجاز عن
التخلية والترك والخذلان كما في قوله عليه الصلاة والسلام: " اصنع ما شئت " وقد قرّره العلامة في تفسير قوله تعالى: {لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُوا} [سورة العنكبوت، الآية: 66] ولكن قال ابن جرير وغيره إن قول مجاهد رحمه الله تعالى خلاف الصحيح المشهور عن المفسرين من أنه مسخ حقيقيّ وكانوا إذا سبوا اليهود قالوا لهم يا إخوة الخنازير وليس تحويل الصورة بأعظم من إنشائها. قوله: (كونوا ليس بأمر إذ لا قدرة عليه الخ) هذا بناء على أنه مسخ حقيقي ولم يبينه لشهرته وظهوره من النظم والأمر عليه ليس تكليفياً بل تكوينيا كما في قوله تعالى: {كُنْ فَيَكُونُ} [سورة يى، الآية: 82] وهو مجاز أيضا أي لما أردنا ذلك صار من غير امتناع ولا لبث وفيه إظهار عظمته ونفاذ أمره ومشيثته وقوله: بغير همز يحتمل إبدالها ياء وحذفها. قوله: (فجعلناها أي المسخة) المفهومة من السياق وجوّز رجوعه لكينونتهم وصيرورتهم قردة والنكال واحد الإنكال وهي القيود ونكل به فعل به ما يعتبر به غيره فيمتنع عن مثله قاله الراغب. قوله: (لما بين يديها وما خلفها لما قبلها الخ) يعني أنّ المراد بما بين يديها من يأتي بعدها كما يقال: فلان بين يديك أي يأتيك وبما خلفها من يتقدمها فكأنه قال نكالاً للآتين والماضين فظرفا المكان استعيرا للزمان وما أقيمت مقام من إما تحقيرا لهم في مقام العظمة والكبرياء أو لاعتبار الوصف فإن ما يعبر بها عن العقلاء إذا أريد الوصف، ومعنى قوله في زبر الأوّلين أي ذكر في كتبهم أنه(2/174)
تكون تلك المسخة فاعتبروا بها وصحت الفاء لأنّ جعلها نكالاً للفريقين جميعا إنما يتحقق بعد القول والمسخ. قوله: (أو لمعاصريهم الخ) وهذا ظاهر، والتوجيه للظرفية وما جار فيه أيضاً لأنّ اللفظ ينبئ عن القرب وكون الجهة مداننة لجهة من أضيف إليه اليد وقد رجحوا هذا التفسير، وقالوا: إنه هو المنقول عن السلف كابن عباس رضي الله عنهما. قوله: (أو لما بحضرتها) هذا هو الصحيح من النسخ ووقع في بعضها بحضورها ويحضرها وكأنه من النساخ، وهذا أيضا منقول عن ابن عباس رضي الله عنهما والظرفية مكانية حينئذ والظاهر أن المراد من القرى أهلها وأنّ ما بمعنى من أيضا وقيل: إنها على هذا الوجه
عام للعقلاء وغيرهم وأبلغ من الأوّل لما انضم إليه من الآثار وغيرها ولا فرق بين هذا والذي بعده إلا بالأتربية والأبعدية. قوله: (أو لآجل ما تقدّم عليها من ذنوبهم الخ) فتكون اللام للتعليل وهي في الوجوه السابقة صلة لنكالاً قيل: النكال على هذا بمعنى العقوبة لا العبرة أي جعلنا المسخة عقوبة لأجل ذنوبهم المتقدمة على المسخة والمتأخرة عنها يعني السيئات الباقية آثارها والا فلا ذنب منهم بعد المسخ والحاصل أنّ المراد ما يكون بعد المسخة بحسث الثبات والبقاء لا الصدور والحدوث ولا يخفى أن قوله تعالى: {وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ} [سورة البقرة، الآية: 66] لا يلائم هذا المعنى فلذا لم يرتضه اهـ. وقيل: عليه أن ضمير عليها في قول المصنف ما تقدّم عليها للمعصية المعهودة وما تأخر عنها لها إذ لا معنى لرجوع الضميرين للعقوبة فإنهم ما بقوا مكلفين إلا على قول مجاهد رحمه الله ويوافقه ما في التيسير قيل ما بين يديها ما تقدم من سائر الذنوب قبل أخذ السمك وما خلفها ما بعدها، وقيل: هو عبارة عن كثرة الذنوب المحيطة بهم أوّلاً وآخرا. وقال أبو العالية رحمه الله: فجعلناها عقوبة لما مضى من ذنوبهم وعبرة لمن بعدهم فمراد المصنف وغيره بما تأخر منها ما تأخر من العقوبة على ذنوب غيرهم ويعضده ترك التخصيص بتأخير البيان بقوله من ذنوبهم واللام في للمتقين للتعليل أيضا فما اعترض به غير واحد وما وجه به وجه بارد، وأورد على المصنف رحمه الله أنّ مبني هذا التفسير على أن النكال بمعنى العقوبة كما أشار إليه في الكشاف فكأنّ المصنف رحمه الله غافل عنه أو نقول يلغي القيد المذكور في قوله تنكل فيه لكن يأباه تفسيره بتمنعه اص. ولا يخفى ما فيه من التكلف وتفكيك الضمائر فالحق ما ارتضاه الفاضل تبعا لصاحب الكشف. قوله: (أول هذه القصة الخ (هذا ملخص ما في الكشاف لكنه هذبه لما فيه من الاختلاف الباعث إلى القيل والقال، وحاصله أنّ القصة لم تقتص على ترتيبها المتبادر إذ كان الظاهر أن يقال قال موسى عليه الصلاة والسلام إذ قتل قتيل تتوزع في قاتله إن الله يأمر بذبح بقرة هي كذا وكذا وأن يضرب ببعضها ذلك القتيل فيحيا ويخبر بقاتله فيكون كيت وكيت وأجاب المصنف رحمه الله بأنه فك بعضها وقدم لاستقلاله بنوع من مساويهم التي قصد نعيها عليهم وقد وقع في النظم من فك التركيب والترتيب ما يضاهيه في بعض القصص وهو من المقلوب المقبول لتضمنه نكتاً وفوائد، وقيل: إنه يجوز أن يكون ترتيب نزولها على موسى عليه الصلاة والسلام على حسب تلاوتها بأن يأمرهم الله بذبح البقرة ثم يقع القتل فيؤمروا بضرب بعضها لكن المشهور خلافه (أقول) : الحق أنّ قصة البقرة لما كانت متضمنة لأمور عجيبة وآيات باهرة ولذا سميت السورة بها أراد تعالى ذكرها مرّتين على وجه يتضمن كل من الذكرين فوائد ومقاصد يخرجها عن التكرار، وزاد ذلك
بأن حذف من كل ذكر وطوى فيه ما يدل عليه الآخر على طريقة الاحتباك حتى يتأسس الكلام ويرتبط النظام، ويأخذ بعضه بحجز بعض فطوى من الأولى بعضها إذ تقديره قال موسى عليه الصلاة والسلام وقد قتل قتيل وقع فيه التنازع إنّ الله يأمرهم أن تذبحوا بقرة تضربوه ببعضها فيحيا ويخبر بقاتله قالوا أتتخذنا هزوا الخ إذ مجرّد الأمر بذبح بقرة وتقريب قربان لا استهزاء فيه فذكر الاسنهزاء ناشر لما طوى وأضمر في قوله فقلنا اضربوه ببعضها حين ثنيت القصة فقلنا اذبحوا بقرة موصوفة بما عرفتم فاضربوه ببعضها يحي الخ. وهذا معنى قول الكشاف كل ما قص من قصص بني إسرائيل إنما قص تعديداً لما وجد منهم من الجنايات وتقريعاً لهم عليها ولما جدد فيهم من(2/175)
الآيات العظام وهاتان قصتان كل واحدة منهما مستقلة بنوع من التقريع وان كانتا متصلتين متحدتين فالأولى لتقريعهم على الاستهزاء وترك المسارعة إلى الامتثال وما يتغ ذلك، والثانية للتقريع على قتل النفس المحرمة وما يتبعه من الآية العظيمة وإنما قدّمت قصة الأمر بذبح البقرة على ذكر القتيل لأنه لو عمل على عكسه لكانت قصة واحدة ولذهب الغرض! في تثنية التقريع وقد روعيت نكتة بعد ما استؤنفت الثانية استئناف قصة برأسها أن وصلت بالأولى دلالة على اتحادهما بضمير البقرة لا باسمها الصريح في قوله: اضربوه ببعضها حتى تبين أنهما قصتان فيما يرجع إلى التقريع وتثنيته بإخراج الثانية مخرج الاستئناف مع تأخيرها وأنها قصة واحدة بالضمير الراجع إلى البقرة وتحقيق مراده على هذا المنوال مما لا مرية فيه وان لم يهتد إليه كثير من الفحول حتى قيل: لولا الفك والتقديم لم يحصل الفرض فإن قتل النفس بغير نفس والاختصام فيها من قبيل ما سبق من الاعتداء في السبت فإنّ في كل منهما ارتكاب المنهيّ بخلاف الاستهزاء بأمر الله وروادفه، وما فعله المصنف رحمه الله أدق مما ذكره الزمخشريّ وبالقبول أحق، ويمكن أن يناقش فيما ذكره بمنع توقف تثنية التقريع على فك الترتيب فإنه يحصل بتكرير التذكير وموقع ما في القصة من الجنايات فتأمل. قوله: (وهو الاستهزاء بالأمر الخ الما سيأتي من قوله استخفافا به فلا يرد عليه أنّ المنقول عنهم في قوله أتتخذنا هزواً حمل الأمر على الاستهزاء لا الاستهزاء بالأمر وفرق بينهما. قوله: (وقصته الخ) في الكشاف كان في بني إسرائيل شيخ موسر فقتله بنو أخيه ليرثوه وطرحوه على باب مدينة ثم جاؤوا يطالبون بديته الخ. وقيل عليه الصواب بنو عمه كما في التفاسير وكما قال بعد ذلك قتلني فلان وفلان لابني عمه ومنهم من غير العبرة إلى فقتل ابنه بنو أخيه ليرثوه أي الشيخ ويدفعه ما في آخر القصة ولم يورّث قاتلي بعد ذلك لأنهم لم يقتلوا المورّث أي الشيخ فقيل: ضمير يرثوه للابن ويكون قتل الابن بعد موت الثيخ، ورد بأنه لا معنى لذكر الشيخ حينئذ إذ صارت القصة أنه كان رجل موسر فقتله بنو عمه ليرثه واعتذر له بأنّ الشيخ كان مشهوراً بينهم
بالغنى وهو يقتضي غنى ابنه الموجب للطمع وقيل: المعنى قتل ابن الشيخ بنو أخي الشيخ ليرثوا الشيخ إذا مات ويدفعه قضية لم يورث قاتل بعد ذلك وأنهم جاؤوا يطالبون بديته والمصنف رحمه الله قصد إصلاحه فغيره لما ذكر وقوله: بدمه ظاهر في أنه بعد موت الشيخ وفاء فقتل فصيحة أي فمات فقتل ابنه والمراد بالميراث ميراث الشيخ لعدم تصرّف ابنه يخيه وذكر الشيخ لبيان سيب قتل ابن عمهم فتأمل والبقرة الأنثى والذكر الثور من بقر الأرض شقها بالحراثة وقيل: عامّ للذكر والأنثى، واستدل بالآية على أنّ الذبح فيها أحسن من النحر بخلاف الإبل. قوله: (أتتخذنا هزؤا الخ) الاتخاذ كالتصيير والجعل يتعدّى إلى مفعولين أصلهما المبتدأ والخبر وقرئ بالتاء خطابا لموسى عليه الصلاة والسلام وبالياء فالضمير لله أي أنخبرك أنّ رجلا قتل فتأمرنا بذبح بقرة إن لم يكن ذكر الإحياء بضربها أو أيمكن ذلك فأنت تستهزئ بنا ولما كان لإفراده وكونه اسم معنى لا يقع مفعولاً ثانيا لضمير الجمع بدون تأويل أشار إلى تأويله بقوله مكان هزؤ الخ فهو إمّا بتقدير مضاف أي مكان أو أهل أو بجعل الهزؤ بمعنى المهزوء به تسمية للمفعول به بالمصدر أو بجعل الذات نفس المعنى مبالغة نحو رجل عدل، ويرجع مكان هزؤ إلى المبالغة فيه بطريق الكناية وقوله: استبعاداً لما قاله واستخفافا به تعليل لقالوا أتتخذنا والاستبعاد والاستخفاف مأخوذان من الاستفهام أي أتسخر بنا فإنّ جوابك لا يطابق سؤالنا ولا يليق، ولا يخفى أنه يشعر بالاستخفاف فلا يتوهم أنه يأباه انقيادهم له فإنه بعد العلم بأنه جذ وعزيمة وقرئ بالضم على الأصل والتسكين للتخفيف وإبدال الهمزة المضموم ما قبلها واواً على القياس كما قرئ كفوا وكلها من السبعة. قوله: (لأنّ الهزؤ في مثل ذلك الخ) أي مقام التبليغ والإرشاد والجواب عما رفع إليه من القضية بخلاف مقام الاحتقار والتهكم مثل: {فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} والهزؤ ليس هو المزح والفرق بينهما ظاهر فلا ينافي وقوعه من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وتوله: جهل وسفه عطف تفسير لأنّ الجهل كما قال الراغب: له معان عدم العلم واعتقاد(2/176)
الشيء بخلاف ما هو عليه وفعل الشيء بخلاف ما حقه أن يفعل سواء اعتقد فيه اعتقادا صحيحا أو فاسداً وهو المراد هنا. قوله:) نفى عن نفسه ما رمى به على طريقة البرهان الخ) يعني طريقة الكناية حيث نفى عن نفسه أن يكون داخلا في زمرة الجاهلين وواحداً منهم لأن أن أكون من الجاهلين أبلغ من أن أكون جاهلاً لأنّ معناه كائن من زمرة معروفة بذلك الوصف وأن أكون جاهلا أبلغ من أن أجهل فبين أنّ الهزؤ في هذا المقام جهل وأنا لا أجهل فكيف أهزؤ ولذا صدره بالاستعاذة لاستفظاعه وعده فظيعا شنيعا يستعاذ منه بالله كما هو المعروف من إيراده في أثناء الكلام، وقوله: أح الخ أي سله لأجلنا يبين لنا، فيبين مجزوم في
جواب الأمر أي يظهر لنا ما هي. قوله: (أي ما حالها وصفتها وكان حقه الخ) قال المحقق ما تكون سؤالاً عن مدلول الاسم أو حقيقة المسمى أو وصفه مثل ما زيد وجوابه الفاضل أو الكريم أو نحو ذلك كما صرّح به الزمخشريّ والسكاكيّ، والأوّلان معلومان فتعين الثالث لأنهم سمعوا لها صفة من إحياء الميت ليست من جنسها فتعجبوا وسألوا عن حالها وصفتها فإن كانت معينة كما هو رأي البعض فظاهر لأنه استفسار لبيان المجمل والا فلمكان التعجب وتوهم أنّ مثلها لا يكون إلا معينا، وقد تقرّر في بعض الأذهان أنّ كلمة ما إنما تكون سؤالاً عن الاسم والحقيقة وأنّ السؤال عن الصفة إنما يكون بكيف أو أني فزعموا أنّ ما ههنا أقيمت مقام كيف أو أني إيماء إلى أنها كأنها نوع أو فرد مخصوص لها أوصاف خارجة عما عليه جنس البقر اص. ملخصاً. وقول المصنف رحمه الله ما حالها إشارة إلى أنه قد يسئل بها عن الوصف، ولذا قال: غالباً لكن بين نكتة العدول عن الغالب فقوله: كان حقه أن يقولوا أيّ بقرة لأنّ أيا يسئل بها عما يميز أحد المتشاركين في أمر يعمهما، وكيف للسؤال عن الحال لكنهم لما رأوا ما أمروا بذبحه لإحياء الميت بضربه ببعضه لم يوجد بها أي بتلك الحال شيء من جنسه سألوا عن الحال بما يسئل به عن الحقيقة في الغالب لعدم مثله وزاد قوله إنه يقول إشارة إلى أنه من الله لا من عند نفسه، ولا فارض! ولا بكر صفة بقرة واعترض لا بين الصفة والموصوف نحو مررت برجل لا طويل ولا قصير، وأخبر مبتدأ محذوف أي هي وكرّرت لوجوب تكريرها مع الخبر والنعت والحال، ولا يجوز عدم التكرار إلا في ضرورة خلافا للمبزد وابن كيسان كقوله: قهرت العد إلا مستعينا بعصبة ولكن بأنواع الخدائع والمكر
والفارض المسنة الهرمة من فرض بمعنى قطع إفا لأنها فرضت سنها أو لقطعها الأرض بالعمل أو لأنها من فريضة البقر في الزكاة يخهو إسلاميئ، والبكر ما لم تحمل أو ما ولدت بطناً واحدأ أو ما لم يطرقها فحل وأصل الماذة يدل على الأوّلنة كما ذكره المصنف رحمه الله وهو ظاهر والفتية الحديثة السن كالفتاة في النساء وفرضت بفتح الراء وضمها. قوله:) نصف الخ (النصف بفتحتين المرأة المتوسطة الست فهو من قبيل المشفر والعوان قال الجوهرقي: النصف في سنها من كل شيء وإنما ذكره لدفع توهم أنها جنين أو جفرة وقوله نواعم الخ هو من شعر للطرماج وهو: ظعائن كنت أعهدهن قدما وهق لدى الإقامة غير خون
حسان مواضع النقب الأعالي غراث الوشح صامتة البرين
طوال مثل أعناق الهوادي نواعم بين أبكار وعون
والهوادي الظباء وبقر الوحش، والنواعم اللينة الملمس وذلك وإن كان مفرداً أشير به لمتعدّد مؤوّل بما ذكر كما مرّ ولذا صح إضافة بين إليه لأنه لا يضاف إلا لمتعدّد. قوله: (وعود هذه الكنايات الخ) قيل: لا خلاف في أنّ ظاهر اللفظ في أوّل الأمر بقرة مطلقة ولا في أنّ الامتثال في الآخر إنما وقع بمعينة وإنما هو في أنّ المأمور به في أوّل الأمر معينة وأخر البيان عن وقت الخطاب أو مبهمة لحقها التغيير إلى المعينة بسبب كثرة سؤالهم ذهب بعضهم إلى الأوّل تمسكاً بأنّ الضمائر في أنها بقرة كذا وكذا للمعينة فكذا في السؤال. قيل: ورجحه المصنف خلافاً للزمخشريّ، ولذا قدمه وذكر متمسك قائله وعبر فيه(2/177)
بالدلالة وفي الآخر بالزعم ولم يذكر له متمسكاً، وأجيب عما ذكره بأنهم لما تعجبوا من بقرة ميتة يضرب ببعضها ميت فيحيا ظنوها معينة خارجة عما عليه صفة الجنس فسألوا عن حالها وصفتها فوقعت الضمائر لمعينة بزعمهم فعينها الله تشديداً عليهم وان لم تكن من أوّل الأمر معينة، ولا يخفى أنه خلاف الظاهر المتبادر.
قوله: (ومن أنكر ذلك رّعم أنّ المراد بها بقرة من شق البقر الخ) شق بالكسر أي من جانبها ونوعها من غير تعيين، وفي الأساس خذ من شق الباب أي عرضه ولا تختر أي أنّ المأمور به غير معينة بحيث يحصل الامتثال بذبح أيّ بقرة كانت تمسكاً بظاهر اللفظ لقوله عليه الصلاة والسلام: " لو اعترضوا أدنى بقرة فذبحوها لكفتهم " وهو مروفي عن ابن عباس رضي الله عنهما لكن لفظ المروي: " لو ذبحوا أيّ بقرة أرادوا لأجزأتهم ولكن شدّدوا على أنفسهم فشدّد الثه عليهم " أخرجه سعيد بن منصور بسند صحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما موقوفاً، وبه يشعر قوله فافعلوا ما تؤمرون قبل بيان اللون، وقوله: ثم انقلبت الخ. جواب عن تمسك القائلين بالتعيين بأنه دل عليه السياق، ووقع الاتفاق على أنه لم يرد أمر متجدّد غير الأوّل يكون به امتثالهم وإنما الامتثال بالأمر الأوّل فلزم أن لا يكون منسوخا وأن يكون أمراً بذبح المعينة لظهور أنّ الامتثال لم يقع إلا بالمعينة، وتقريره إنا لا نجعل نسخ الأمر الأوّل وانتقال الحكم إلى المخصوصة مبنياً على ارتفاع حكمه بالكلية حتى يحتاج إيجاب المخصوصة إلى أمر متجدد
بل على أنه كان متناولاً لها ولغيرها بمعنى حصول الامتثال بأقي فرد كان فارتفع حكمه في حق ما عداها وبقي الامتثال بذبحها خاصة فكان ذبحها امتثالاً للأمر الأول ولم يكن هذا منافيا لنسخ الأمر الأوّل في الجملة ولا موجبا لكون المراد به أوّلاً ذبح المعينة ويلزمه النسخ حيث ارتفع الإجزاء بأيّ فرد كان والتخصيص في عبارته بمعنى التقييد لا القصر ولا الاصطلاحيّ لأنه مطلق لا عامّ، وقوله والحق جوازهما أي جواز تأخير البيان عن الخطاب فإنّ الممتنع تأخيره عن وقت الحاجة على الصحيح وليس هذا منه فإنه لا دليل على أنّ الأمر هنا للفور حتى يتوهم ذلك وكذلك النسخ قبل الفعل جائز بل واقع كما في حديث: " فرض الصلاة خمسين في المعراج ". وقد نص عليه السهيليّ في الروض! ، وإنما الممتنع النسخ قبل التمكن من الاعتقاد بالاتفاق، وقبل التمكن من الفعل عند المعتزلة وفيه نظر وأيده بتقريعهم بالتمادي وزجرهم عن المراجعة قبل بيان اللون وكونها مسلمة غير مذللة وقوله: {وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ} وقيل: إنه دليل على أنه اختار القول الثاني ولم يجعل الحديث دليلا لأنه خبر واحد لا يعارض الكتاب وان كان صريحا فيه. قوله: (فافعلوا ما تؤمرون أي ما تؤمرونه بمعنى ما توّمرون به الخ) تأكيد للأمر وتنبيه على ترك التعنت وقوله: ما تؤمرونه إشارة إلى أنّ ما موصولة والعائد محذوف قال المحقق قد يتوهم أنه مثل لا تجزي نفس عن نفس شيئا في حذف الجارّ والمجرور دفعة، أو تدريجاً أو أنه من قبيل التدريج حيث حذف الباء أوّلاً ثم الضمير، والظاهر من العبارة أنه من قبيل حذف المنصوب من أوّل الأمر لأنّ حذف الجارّ قد شاع في هذا الفعل وكثر استعمال أمرته كذا حتى لحق بالأفعال المتعدية إلى مفعولين وصار ما تؤمرون في تقدير ما تؤمرونه، ولذا جعل ما تؤمرون به هو المعنى دون التقدير وأمّا جعل ما مصمدرية والمصدر بمعنى المفعول أي المأمور بمعنى المامور به فقليل جداً وإنما كثر في صيغة المصدر اهـ. وهذا الأخير هو معنى قول المصنف رحمه الله أو أمركم الخ ولما فيه أخره وهو يخالف قول الطيبيّ رحمه الله أنّ الأمر لا يستعمل إلا بالباء وقوله:
أمرتك الخير فافعل ما أمرت به فقد تركتك ذا مط ل وذا نشب
قيل: قائله عباس بن مرداس وقيل: خفاف بن ندبة، وقال الآمديّ رحمه الله: أرى من
الشعراء شاعرا يقال له الأعثى غير الأعشى المشهور وهو من بني فهم حلفاء بني سليم وهو القائل:
يا دارأسماء بين السفح فالرحب أقوت وعفى عليها ذاهب الحقب
إني حويت على الأقوام مكرمة قدماً وحذرني ما تتقون أبي(2/178)
وقال لي قول ذي علم وتجربة بسالفات أمور الدهر والحقب
أمرتك الرشد فافعل ما أمرت به فقد تركتك ذا مال وذا نشب
أي أمرتك بالخير بدليل ما أمرت به وذا مال أي ذا إبل وماشية لأنه يخص بها في كلام العرب والنشب المال الأصيل وهو اسم يجمع الصامت والناطق والنشب بشين معجمة وموحدة بعد النون، وروي بسين مهملة. قوله: (الفقوع نصوع الصفرة (أي خلوصها وأصل معناه شدة البياض يقال: أبيض ناصع وأريد به هنا مطلق الخلوص، والحلكة شدة السواد وليس المراد بالتأكيد هنا ا! كيد الاصطلاحيّ بل النعت المؤكد كلمس الدابر، وقوله: في إسناده إلى اللون الخ يعني أنه صفة سببية ولونها فاعل لا مبتدأ كما يتبادر إلى الوهم، كذا قيل: ولا مانع منه وقد جوّز أبو البقاء رحمه الله وتكون الجملة صفة نعم لا يصح جعله فاعل صفراء لتأنيثها واكتسابه التأنيث من المضاف إليه خلاف الظاهر وتسرّ صفة صفراء وجوّز كونه صفة لونها وهو بعيد لفظا ومعنى، وإنما أوثر ذلك على صفراء فاقعة لما فيه من المبالغة لأنه من قبيل جد جدّه وحن حنوته حيث أثبت للون صفرة وهو ظاهر. قوله ة (وعن الحسن رحمه الله سوداء شديدة السواد الخ الا يخفى أنه خلاف الظاهر والصفرة وإن استعملتها العرب بهذا المعنى نادرا كما أطلقوا الأسود على الأخضر لكنه في الإبل خاصة كقوله: {جِمَالَتٌ صُفْرٌ} [سورة المرسلات، الآية: 33] لأنّ سواد الإبل تشوبه صفرة وتأكيده بالفقوع ينافيه لأنهم قالوا أسود حالك وأحمر قان وأبيض ناصع وأخضر ناضر وأصفر فاقع ففرقوا بينها بالأوصاف، وهذا هو المشهور في اللغة إلا أنه قال في كتاب اللمع يقال: أصفر فاقع وأحمر فاقع وبقال في الألوان كلها فاقع وناصع إذا خلصت اهـ. فعليه لا يرد ما ذكر وكون الأصفر بمعنى الأسود قاله أبو عبيد رحمه الله في غريبه وابن قتيبة واستشهد له بما ذكر. وقال البصريّ في كتاب التنبيهات: فيه غلطان، أحدهما: أنّ الإبل لا توصف بالسواد وإنما يقال حمر النعم وصفر النعم والسود منها مذمومة، والثاني أنّ الزبيب أسود وأصفر والذي ذكره الأعشى الثاني وقال أبو يوسف رحمه الله: الأصفران الورس والزبيب ولكته سمع قول الأصمعيّ الألوان عند العرب لونان أبيض وه، سواه أسود فلم يفهم لأنّ عنده الألوان كلها ترجع لما ذكر اهـ. وقال أبو رياس: هو غلط وأين هما
عن قول ذي الرمة:
وجيد ولبات نواصع وضح إذا لم يكن من نصح حارثة صفرا
قوله: (قال الأعشى الخ) هو من قصيدة يمدح بها قيس بن معد يكرب وضمير منه يعود
له هو مذكور في قوله فبله:
إنّ فيساً قيس الفعال أبا الأف حث أمست أصداؤه لشعوب
وتلك مبتدأ وخيلي خبره ومنه حال أي حاصله من الممدوح، والركاب التي تركب واحدتها راحلة ولا واحد لها من لفظها والتشبيه بالزبيب علم في الوصف بالسواد وكون البعض من الزبيب أصفر وأحمر لا يدفع ذلك وحمل الصفر في البيت على الظاهر وجعل كالزبيب خبراً عن الأولاد يعني أنها صفر أولادها سود احتمال بعيد لا يحسن إلا بالعاطف أي وأولادها كذا قيل: ردّا على ما في الكشف وفيه نظر لأنه إذا جعل الجملة صفة لصفر سببية لا يتأتى فيه الواو، ولا مانع منه نعم ردّه الأوّل مسموع وكذا ما قاله من أنه على هذا القول استعيرت الصفرة للسواد وكذا فاقع لشديد السواد وهو ترشيح ويجعل سواده من جهة البريق واللمعان ولا يخفى ما فيه من التكلف، وقوله: لأنها من مقدماته إذ أكثر في النبات والثمار أنها تسودّ بعد اصفرارها فيكون إطلاق الأصفر على الأسود باعتبار ما كان عليه فمن قال في تفسير قوله من مقدماته أنه صار بالآخرة إليه فيكون مجازاً باعتبار ما يؤول إليه فقد سها فتأمّل. وقوله تعلوه صفرة قيل: فهو من ذكر المحل وارادة الحال، والسرور الفرح بحصول النفع ونحوه كدفع الضرر وتوقعهما واستعماله بمعنى الإعجاب للزومه له غالبا مجاز، وأخذ. من السرّ لأنه انشراح في الصدر أو لذة في القلب(2/179)
فمبدؤه كالسرّ ومن قرأ السرور بالفتح مصدر سرّ والسرّ بالضم فقد تعسف وأتى بما لا فائدة فيه، وما هي ما استفهام عن الحال كما مرّ خبر أو مبتدأ أو الجملة في محل نصب يبين لأنه معلق عنها وجاز فيه ذلك لشبهه بأفعال القلوب والمعنى يبين لنا جواب هذا السؤال وكونه تكريراً بحسب الظاهر وهو معنى أنه كرّر عبارته لأنه سؤال عن الموصوف بالأوصاف السابقة طلبا لزيادة البيان وقوله اعتذار عنه أي عن تكرير السؤال، قيل: وقيد السؤال بالأوّل تنبيهاً على أنّ السؤال الثاني يخالف الأوّل لأنه عن اللون والأوّل مطلق وجعله مكرّرا كما في الكشاف لأنّ اللون من جملة الصفة وداخل فيها ومنه يعلم وجه تقييده بالأوّل لأنه مثله في الإطلاق فلا يرد ما قيل: إنه لا وجه له، واستكشاف زائد على التوصيف وجعله مضافا إليه على معنى أمر زائد خلاف الظاهر. قوله: (إنّ البقر الخ) قال الواحديّ رحمه الله: البقر جمع
بقرة أي اسم جنس جمعيّ يفرق بينه وبين واحده بالتاء ومثله يجوز تذكيره وتأنيثه نحو نخل منقعر والنخل باسقات وقالى القرطبيّ رحمه الله: التشابه مشهور في البقر وفي الحديث: " فتن كوجوه البقر) أي يشبه بعضها بعضا، والباقر اسم جمع كالحامل والسامر ويجمع أئضاً على باقور وبواقر كأنه جمع باقرة وأباقر جمع على خلاف اللفظ. قوله: (ويتشابه بالياء والتاء الخ) في الدرّ المصون تتشابه بتاءين على الأصل وتشبه بتشديد الشين والباء من غير ألف، والأصل تتشابه وتشابهت ومتشابهة ومتشابه ومتشبه على اسم الفاعل من تشابه وتشبه وقرئ تشبه ماضميا وفي مصحف أبيّ رضي إلله عنه تشابهت بتشديد الشين قال أبو حاتم هو غلط لأنّ التاء لا تدغم إلا في المضارع وهو معذور في ذلك، وقرئ تشابه كذلك إلا أنه بطرح تاء التأنيث ووجهها على أشكالها أن يكون الأصل أنّ البقرة تشابهت فالتاء الأولى من البقرة والثانية من الفعل فلما اجتمع مثلان أدغم نحو الشجرة تمايلت مع أنّ جعل التشابه في بقرة ركيك إلا أنه يشكل أيضا في تشابه من غير تأنيث لأنه كان يجب ثبوت علامة التأنيث إلا أن يقال إنه على حد قوله:
ولا أرض أبقل أبقالها
وابن كيسان يجوّزه في السعة. قوله: (إلى المراد ذبحها أو إلى القاتل) بيان لمتعلقه المحذوف وقوله وفي الحديث: " لو لم يستثنوا لم بينت لهم آخر الأبد " قال العراقي: لم أقف عليه، وقال السيوطي: أخرجه بهذا اللفظ ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعا معضلاً، وأخرجه بنحوه سعيد بن منصور عن عكرمة مرفوعا مرسلاَ وابن أبي حاتم عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا موصولاً، قال المحقق: " لو لم يستثنوا لما بينت " أي البقرة يدل كون المعنى إنا لمهتدون إلى البقرة وكلمة: {إِن شَاء اللَّهُ} تسمى استثناء لصرفها الكلام عن الجغ م وعن الثبوت في الحال من حيث التعليق على ما لا يعلمه إلا الله وآخر الأبد كناية عن المبالغة في التأبيد والمعنى إلا الأبد الذي هو آخر الأوقات اص. وليس إطلاق الاستثناء على إن
حأشية الشهاب / ج 2 / م 19
شاء الله والشرط اصطلاح الفقهاء لأنه يسقط لزوم ما يعتقده الحالف فصار بمنزلة الاستثناء الذي يسقط ما يوجبه اللفمل قبله كما قيل: لأنه ورد في " الحديث " وفي القرآن في قوله تعالى: {إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ وَلَا يَسْتَثْنُونَ} [سورة القلم، الآية: 17] قال في الكشاف: ولا يقولون {إِن شَاء اللَّهُ} فإن قلت لم سمى استثناء وإنما هو شرط، قلت لاً نه يؤدي مؤدي الاستثناء من حيث إنّ معنى قولك لأخرجت إن شاء الله ولا أخرج إلا أن يشاء الله واحد فتأمّل. قوله: (واحتج به أصحابنا الخ) وجهه أنّ الاهتداء علق بمشيئة الله فلا يقع بدونها وانّ الله قصه مقرراً له ووقع في الحديث ما يؤيده وليس ذلك إلا لحدوثه فيستوي في ذلك جميع الحوادث إذ لا قائل بالفرق فلا يرد أنه من كلام اليهود فكيف يكون حجة وأن كون الهداية بالإرادة لا يقتضي أنّ جميع ما عداها كذلك، وفيه نظر لأنه إن أراد أنه لا قائل بالفصل من أهل السنة فلا يجدي. وإن أراد مطلقاً فممنوع لأنّ المعتزلة لا يقولون بوقوع القبيح بإرادته والهداية أمر حسن فتأمّل، ثم إنه مبنيّ على ترادف المشيئة والإرادة وفيه خلاف أيضاً. قوله: (وإق الأمر قد ينفك الخ) ردّ على من قال من المعتزلة إنّ الأمر هو الإرادة ووجهه أنه أمرهم بذبحها ثم ارتضى تعليق الاهتداء لذبحها على إرادته فلو كانت عيته لم يرتض تعليقه بعد وقوعه، وفيه نظر لأنه(2/180)
إنما يتم أن لو أريد بالاهتداء الاهتداء إلى المراد بالأمر وقد فسر بغيره أيضاً مع أنّ اللازم من الغرض! المذكور أن يكون المأمور به وهو ذبح البقرة مراداً ولا يلزمه الاهتداء إذ يجوز أن يكون لتلك الإرادة حكمة أخرى وقوله: للشرط أراد به التعليق وهو يطلق عليه وعلى أداته وعلى الجملة الأولى. قوله: (والمعتزلة والكرامية الخ) عطف على فاعل احتج وتقدم ضبط الكرامية فراجعه، ووجهه أنّ دخول كلمة أنّ عليها يقتضي الحدوث لأنه علق حصول الاهتداء على حصول مشيئته وهو حادث فكذلك مشيثته محدثة والا يلزم التخلف، وحاصل الجواب أنّ اللازم حدوث التعلق ولا يلزمه حدوث نفس الصفة وتفصيله في الكلام. قوله: (أي لم تذلل للكراب الخ) الكراب بالكى إثارة الأرض للحرث وتذلل بمعنى تستعمل له ولا ذلول صفة بقرة ولا بمعنى غير قيل: فكأنها اسم على ما صرح به السخاوي لكن لكونها في صورة الحرف ظهر إعرابها فيما بعدها، ويحتمل أن تكون حرفاً كما تجعل إلا بمعنى غير في مثل: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ} [سورة الأنبياء، الآية: 22] مع أنه لا قائل باسميتها وأما الثانية فحرف زيد لتأكيد النفي وهو لا ينافي الزيادة مع أنه يفيد التصريح بعموم النفي إذ بدونها يحتمل نفي الاجتماع ولذا تسمى المذكرة، وصرح بأنّ الفعلين صفتا ذلول إشارة إلى أنّ تثير منفيّ لكونه صفة للمنفيّ فيصح في
العطف عليه لا المزيدة لتأكيد النفي وفيه دفع لما ذهب إليه البعض كالكواشي من كون تثير حالاً اهـ. وفيه أنّ قوله إنّ إلا بمعنى غير لم يقلى أحد باسميتها ليس كما ذكر فقد صرحوا بخلافه وكون لا زائدة قيل: إنه ليس بشيء لأنه يلزم منه صحة الوصف بغير تكرير لا مع أنه مخصوص بالشعر والتصريح بعموم النفي لا يقتضيه، ثم إنّ الحالية جوزاها غير الكواشي من بقرة لأنه نكرة موصوفة أو من الضمير في ذلول والاعتراض على الزيادة غير وارد لأنها زبادة لازمة كما صرح به الرضيّ مع أن ابن كيسان وغيره أجاز ما منعه كما مر، ثم إنّ وصف ذلول بناء على ما ارتضاه بعض النحاة من أن الصفة يجوز وصفها كما صرح به السمين فلا يرد ما قيل: إن ذلولاً من صيغ الصفة فيمتنع أن تقع موصوفا، والإثارة قلب الأرض! للزراعة من أثرته إذا هيجته والحرث الأرض! المهيأة للزرع قاله الواحدي. قوله: (وقرئ لا ذلول بالفتح الخ) في الكشاف وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي التابعي لا ذلول بمعنى لا ذلول هناك أي حيث هي وهو نفي لذلها ولأنها توصف به فيقال: هي ذلول، ونحوه قولك مررت بقوم لا بخيل ولا جبان أي فيهم أو حيث هم يعني أنه قرئ بفتح اللام على أن لا لنفي الجنس والخبر محذوف والجملة صفة ذلول كناية عن نفي الذل عنها كما يقال: الذليل من حيث هو كناية عن إثبات الذل له، ولاذل بالكسر ضد الصعوبة وهو اللين والانقياد وبالضم ضد العز وقيل: إن تثير خبرها والجملة معترضة بين الصفة والموصوف وما اختاره المصنف أبلغ، وأما ما قيل: من أنه بعيد من حيث المعنى والأولى أن يقال: إنه بنى نظر الصورة لا لأنّ الرضي نقل أنه يبني مع لا الزائدة فهذه أولى ونحو مررت برجل لا بخيل ليس من قبيل الآية فليس بشيء، وقوله: وتسقي من أسقى أي قرئ تسقي بضم حرف المضارعة من أسقى بمعنى سقي وبعض أهل اللغة فرق بينهما بأن سقى لنفسه وأسقى لغيره كماشيته وأرضه. قوله: (سلمها الله سبحانه وتعالى من العيوب الخ (أي أنه من السلامة من العيوب أو من الكد في العمل أو أنّ لونها خالص لا يخالط صفرته لون آخر فيكون قوله لا شية فيها توكيداً له وأهلها عطف على فاعل سل! عا، وأخلص مبني للمجهول أي جعله الله خالصاً ولو قرئ على المعلوم صح وعطف خلص بأو هو الظاهر ووقع في بعض النسخ بالواو وكأنه تحريف من الناسخ. قوله: الا لون فيها الخ (شية مصدر وشيت الثوب أشيه وشيا فحذف فاؤه كعدة وزنة ومنه الواشي للنمام قيل ولا يقال له واس حتى يغير كلامه ويزينه ويقال ثور أشيه وفرس أبلق وكبش أخرج وتيس أبرق وغراب أبقع كل ذلك بمعنى البلقة وشية اسم لا وفيها خبرها وقال أبو حيان: ثور أشيه للذي فيه بلقة ليس مأخوذاً من الوشي لاختلاف
المادتين. قوله: (لآن جئت بالحق أي بحقيقة وصف البقرة الخ) الآن عند المحققين من أهل اللغة والنحو لازم البناء على الفتح ولا يجوز تجريده من الألف واللام واستعماله على خلافه لحن قال الحلبيّ: وهي تقتضي الحال وتخلص المضارع له وقال بعضهم: هو الغالب وقد جاء(2/181)
حيث لا يمكن أن يكون للط ل نحو: {فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ} [سورة البقرة، الآية: 187] إذ الأمر نص في الاستقبال وادعى بضهم إعرابه لقوله:
كأنهما يلأيئ لم يتغيرا
يريد من الآن فجره وهر يحتمل البناء على الكسر وهو معرفة لتضمنه معنى أل التعريفية كسحر ولذا بني وأمّا المذكورة فهي زائدة وفيه قول آخر والكلام مبسوط فيه في العربية، وقوله: أي بحقيقة وصف البقرة أي أنّ الحق هنا بمعنى الحقيقة وهي إما حقيقة الوصف والبيان التام الذي تحققنا به البقرة لا المقابل للباطل حتى يتضمن أنّ ما جاء به تجل كان باطلاً أو حقيقة البقرة نفسها لبيان مشخصاتها، وقال أبو حيان رحمه الله: جئت بمعنى نطقت بالحق الذي لا إشكال فيه وقيل الحق بمعنى الأمر المقضي أو اللازم وقراءة مد الآن بالاستفهام التقريري إشارة إلى استبطائه وانتظارهم له، وهذه مع إثبات واو قالوا وحذفها كما في البحر. قوله: (فيه اختصار الخ) قيل: إنها فاء فصيحة عاطفة على محذوف مثل فضرب فانفجرت، ورد بأنّ الاختصار لظهور المراد لا لإنباء الفاء عنه ولذا قيل: فيه اختصار، ولم يقل يتعلق بمحذوف إشارة إلى أنه ليس من قبيل الفاء الفصيحة لأنّ شرطها أن يكون المحذوف سببا للمذكور والتحصيل ليس سببأ للذبح بل الأمر به وليس بشيء لأنه متوقف عليه ومثله يعد من الأسباب ولا ينافيه كون الأمر سبباً آخر وهو ظاهر. قوله: (لتطويلهم وكثرة مراجعاتهم الخ (إشارة إلى نكتة التعبير بكاد هنا، والع! سجلة بكسر العين وسكون الجيم الفتية من البقر والغيضة بالغين والضاد المعجمتين مرعى واسع فيه أشجار، وقوله: اليتيم وأمه هو الصحيح ووقع في بحضها تحريفات تكلف بعضهم لتوجيهها ما لا حاجة إليه وملء جلدها وقع في نسخة مسكها بفتح فسكون وهو بمعناه، ويكبر! فتح الباء في السن، وشبت صارت شابة. قوله: (وكاد من أفعال المقاربة الخ) كاد موضوعة! قاربة ائخبر على سبيل حصول القرب لا على رجاث وهو حنر محض بقرب خبرها وخبرها لا يكون إلا مضارعا إلا على الحال لتأكيد القرب واختلف فيها
فقيل: هي في الإثبات نفي وفي النفي إثبات وأنه إذا قيل: كاد زيد يخرج فمعناه ما خرج وهو فاسد لأن معناها مقاربة الخروج وهو مثبت وأما عدمه فأمر عقليّ خارج عن مدلوله، ولو صح ما قاله لكان قارب ونحوه كذلك ولم يقل به أحد وقيل: هي في الإثبات إثبات وفي النفي الماضي إثبات وفي المستقبل على قياس الأفعال تمسكا بهذه الآية، ورد بأن المعنى وما قاربوا الفعل قبل أن يفعلوا وفعلهم بعد ذلك مستفاد من قوله فذبحوها فالصحيح أنها في الإثبات والنفي كغيرها من الأفعال، وللشيخ عبد القاهر هنا كلام لطيف سيأتي تفصيله في سورة النور. فوله: (ولا ينافي قوله وما كادوا يفعلون الخ) قيل: فيه إشكال لأنّ الظاهر أنّ قوله وما كادوا يفعلون حال من فاعل فذبحوها فتجب مقارنة مضمونة لمضمون العامل فلا يصح القول باختلاف وقتيهما، والجواب أنهم صرحوا بأنه قد يقيد بالماضي فإن كان مثبتاً قرن بقد لتقرّبه منه وإن كان منفيا لم يقرن بها لأن الأصل استمرار النفي فيفيد المقارنة، وهذا لا يدفع السؤال لأنّ عدم مقاربة الفعل لا يتصوّر مقارنته للفعل هنا فلا محصل لما ذكره سوى التطويل بلا طائل فالذي ينبغي أن يعول عليه أنّ قولهم لم يكد يفعل كذا كناية عن تعسره وثقله عليهم وتبرّمهم به كما يدل عليه كثرة سؤالهم ومراجعتهم وهو مستمر باق قال ابن مالك رحمه الله في شرح التسهيل: قد يقول القائل لم يكد زيد يفعل ومراده أنه فعل بعسر لا بسهولة وهو خلاف الظاهر الذي وضمع له اللفظ وفي التسهيل، وتأتي كاد إعلاما بوقوع الفعل عسيراً ولبعضهم هنا كلام محتل طويل الذيل. قوله: (خطاب الجمع لوقوع القتل فيهم الخ) وإذ قتلتم نفسا معطوف على إذ قال موسى ونفساً بمعنى شخصاً حقيقة، وقيل: إنه مجازاً وبتقدير ذا نفس واسم المقتول عاميل بن شراحيل وقوله: لوجود القتل فيهم إشارة إلى أنه مجاز حيث أسند إلى الكل ما صدر من البعض كما صرح به الزمخشرقي في سورة مريم في قوله تعالى: {وَيَقُولُ الْإِنسَانُ أَئِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا} [سورة مريم، الآية: 66] قال لما كانت هذه المقالة موجودة فيمن هو من جنسهم صح إسنادها إلى جميعهم كما يقولون بنو فلان قتلوا فلاناً وإنما القاتل رجل منهم لكن قال بعضهم: لا يحسن إسناد فعل أو قول صدر عن البعض إلى الكل(2/182)
إلا إذا صدر عنه بمظاهرتهم أو رضا منهم وليس كما قال: فإن ما ذكرناه من الآيتين ليس كذلك وقد ناقض هذا القائل نفسه في مواضع كثيرة نعم لا بد لإسناده إلى الكل من نكتة وهي إمّا كون الصادر عنه أكثرهم أو كونه برضاهم أو غير ذلك فتأمّل. قوله: (اختصمتم في شأنها إذ المتخاصمان الخ) أصل ادارأتم تدارأتم تفاعل من الدرء وهو الدفع فاجتمعت التاء مع الدال مع تقارب مخرجهما
وأريد الإدغام فقلبت التاء دالاً وسكنت للإدغام فاجتلبت همزة الوصل للتوصل إلى الابتداء بها فبقي ادارأتم وهذا مطرد في كل فعل على تفاعل أو تفعل فاؤه دال نحو ادّاين وادّين أو طاء أو ظاء أو صاد أو ضاد نحو: أطاير وأظاهر وأصاهر وأضارّ، يعت ي أنه مجاز عن الاختلاف والاختصام أو كناية عنه لكون معناه الحقيقي وهو التدافع من الدرء وهو الدفع من روادف الاختصام ولوازمه أو هو في معنا. الحقيقي أعني تدافعتم، وفيه وجوه الأوّل أنّ البعض منكم يطرح قتلها أي النفس على البعض فكل من الفريقين طارج ومطروح عليه فكل منهما من حيث إنه مطروح عليه يدفع الآخر من حيث إنه طارح، الثاني أنّ طرج القتل في نفسه دفع له وكل من الطارحين دافع فتطارحهما تدافع من غير احتياج إلى أن يعتبر بعد التطارح دفع المطروح عليه الطارح وفيه نظر لأنّ هذا لا يكون تدافعأ لأنّ معناه دفع كل منهما الآخر لا دفع كل منهما القتل مثلا وإنما يصح مثل هذا في المتعدي مثل طارحنا الكلام وتطارحناه الثالث أنّ كلا من الفريقين يدفع الآخر عن البراءة إلى التهمة فكل منهما دافع ومدفوع وهو معنى التدافع، وكذا قال الشارح المحقق وكلام المصنف رحمه الله يحتملهما إلا أنه قيل: إنه ترك الأخير ولم يعرّج عليه لبعده، وقد قيل: فيما نظر به أنه ليس بشيء لأنّ المعتبر في تفاعل مجرّد الاشتراك والاجتماع في أصل الفعل وبه يفارق فعل فإنّ فيه خصوصية الإسناد إلى أحدهما والإيقاع على الآخر والعجب من هذا القائل أنه اعترف به فيما مر في قوله تعالى: {وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً} [سورة البقرة، الآية: 51] (أقول) هو رذ على العلامة حيث قال: أو نقول: طرح القتل هذا على ذاك وطرح ذاك على هذا والطرح في نفسه دفع فيكون الدفع بينهما ومحصل نظره أنّ التفاعل لازم وما ذكره مأخذ القتل فيه لا يصح إلا إذا كان متعديا فالردّ لم يصادق محله فإئا أن يلتزم أنه متعد أو يقال: إنّ في الكلام تقديراً أي طرج بعضكم على بعض القتل فادّارأتم لأنّ الدرء بعد الطرج له أو جعل كناية عنه فلا يلزم ما ذكره فتأمّل. وقوله: إذ المتخاصمان أي إذ الفريقان المتخاصمان فلا يقال: الصواب بعضهما أو ترك التثنية كما في الكشاف، وفيها متعلق به على تفسيره بالتخاصم وإذا كان حقيقة ففي سببية وقيل: الدفع من دفع عليه أي طرح أو من دفع عنه وعلى الأوّل إمّا أن يوجد الدفع من أحدهما بأن يطرح عليه غيره فيدفعه المطروح عليه فالثاني دافع والأوّل طارح لا دافع إذ الدفع إنما يكون بعد الطرح وهو على طريقة دناهم كما دانوا فتأمّل. قوله: (مظهره لا محالة) أخذه من التعبير بالاسمية وبناء اسم الفاعل على المبتدأ المفيد لتقوي الحكم وفسره بالإظهار لوقوعه في مقابلة الكتم وقوله: واعمل مخرج الخ أي مع أنه ماض الآن وهو لا يعمل قيل: لأنه كما جاء حكاية الحال الماضية جاء حكاية الحال المستقبلة وان كان الأوّل أشهر وفيه نظر لأنه لا داعي هنا إلى اعتبار الحكاية والاستقبال والحال لا يراعي فيه حال التكلم بل حال الحكم الذي قبله وهو التدارؤ وهو بالنسبة إليه مستقبل فانظر وجهه،
وقوله: والضمير للنفس يعني وهي مؤنثة فذكر للتأويل المذكور، والجملة معترضة للتقريع وقيل: حالية أي والحال أنكم تعلمون ذلك. قوله: (أكط بعض كان) هذا هو الظاهر إذ لا فائدة في تعيينه ولم يرد به نقل صحيح، والأصغر أن القلب واللسان، والعجب بالفتح والضم ثم السكون أصل الذنب وهو أوّل ما يخلق وآخر ما يبلي كما ورد في الحديث. قوله: (يدل على ما حذف الخ) قال المحقق: يعني أنّ حذف ضربوه المعطوف على قلنا شائع مقرّر في الفاء الفصيحة في فحيي وههنا قد حذف الفاء الفصيحة مع المعطوف عليه والمعطوف وإنما كانت فصيحة بدلالة قوله تعالى: {كَذَلِكَ يُحْيِي اللهُ الْمَوْتَى} [سورة البقرة، الآية: 73] مع الإشارة إلى أنّ حياة القتيل(2/183)
كانت بمحض خلق الله من غير تأثير للضرب وقيل: عليه إنه غفلة عن أنّ ذلك إنما يكون على تقدير أن يكون مذكورا وما قبله محذوفا، وأمّا إذا حذفا معا كالذي نحن فيه فالفاء سببية محضة وهذا يتراءى في بادئ النظر لأنها إنما سميت فصيحة لإفصاحها عن المحذوف وهو ينافي حذفها وعند التأمّل ليس بشيء لأنه إمّا أن يريد أنها لو ذكرت كانت فصيحة أو أنها في قوة المذكورة هنا فيصح تسميتها فصيحة لأنّ كذلك إشارة إلى مدخولها أي مثل هذه الحياة الحاصلة بالضرب والإشارة إلى المذكور بل المحسوس فلولا تنزيلها منزلته لم يصح ذلك فتأمّل. ومثل هذه الاعتبارات لا حجر فيها.
قوله: (والخطاب مع من حضر حياة القتيل الخ) قيل: يعني يكون الكلام خطاباً معهم وضحمير يريكم ولعلكم لهم لا حرف الخطاب في كذلك فإنه خطاب لمن يتلقى الكلام فالأنسب ذكره بعد تعقلون. (أقول) : هذا بناء على أنّ الخطاب المتصل بالإشارة يقع لمن يجري معه معنى الكلام وإنما أفرد مع كونهم جماعة اكتفاء بخطاب واحد منهم كما نقله في شرح التسهيل عن ابن الباذس أو بتأويل فريق ونحوه وعلى هذا يجري فيه الالتفات، وقيل: إنه خطاب لمن
يلقي إليه الكلام فلا يجري فيه الالتفات وقد وقع من العلامة إجراؤه فيه تارة ومنعه أخرى بناء على المسلكين ومن غفل عن هذا قال: كان حقه أن يؤخر هذا عن قوله لعلكم تعقلون لئلا يتوهم أنّ المراد الخطاب في كذلك فإنه لا يصح خطابا لمن حضر حياة القتيل لأنهم معدومون وقت الخطاب بل هو خطاب لمن يتلقى الكلام ثم إنه على هذا التقدير لا بد من تقدير القول قبل كذلك أي وقلنا لهم أو قلنا بدون واو استئنافا بخلاف الوجه الثاني فإنه ينتظم بدونه بل يخرج معه عن الانتظام، فتأمّل والخطاب على الثاني مع كل من يقف عليه. قوله: (لكي يكمل عقلكم الخ) أوّله لأنّ كونهم يعقلون أمر محقق لا في صورة المرجوّ لكن جعلوا لعدم الجري على موجب العقل كأنهم لا يعقلون ولو قدر له مفعول ولم ينزل منزلة اللازم لم يحتج إلى هذا التأويل فالمراد إمّا العقل الكامل أو أثره الذي هو العلم ولك أن تجعل قوله أو تعلمون الخ إشارة إلى تقدير المفعول لكن تأخير قوله أو تعملون يأباه، والتقزب بالذبح، وأداء الواجب بامتثال الأمر واليتيم هو صاحب البقرة والتوكل من أبيه كما مرّ وكذا الشفقة، والطالب القوم الطالبون لمعرفة القاتل وقصة عمر رضي الله عنه مذكورة في سنن أبي داود والنجيبة الجيدة من الإبل ويقال لراكبها نجاب، وكون المؤثر هو الله لأنّ مس عضو ميت بآخر مثله كيف يكون سبباً لحياة بين موتين، وقوله: ومن أراد في نسخة وأنّ من أراد وهذا مما يشير إليه باطن النص مع ملاحظة المعنى لا أنه تفسير مستقل كما أشار إليه فيما مضى والعدوّ النفس وشبه القوّة الشهوية بالبقرة لكثرة أكلها وعدم إدراكها لما فيه نفع وشرّة الصبا بكسر الشين وتشديد الراء خيانته وحمله على ما لا يليق، ويجوز فتح الشين والراء المخففة بمعنى الحرص والأوّل أولى وهذا مع ما بعده مأخوذ من قوله لا فارض ولا بكر، وكونها معجبة رائقة من قوله تسرّ الناظرين، وقوله: لا سمة بها أي علامة معنى لاشية لأنّ اللون المخالف يكون علامة لما فيه وليس معنى آخر كما توهم، وقوله فتحيا الخ من حياة القتيل وتكلمه وحمل التدارئ على ما بين العقل والوهم لأنه ينازعه دائما وهو ظاهر. قوله: (لقساوة الخ) أي القسوة معناها الحقيقيّ الييس والكثافة والصلابة ثم تجوّز بها عن عدم قبول الحق والاعتبار فالاستعارة في قست تبعية
تصريحية وان شئت قلت تمثيلية كما مرّ قيل شبهت حال القلوب في عدم الاعتبار والاتعاظ بالقسوة ولاعتبار هذه الاستعارة حسن التفريع بقوله فهي الخ، بخلاف ما إذا جعل القلوب استعارة بالكناية والقسوة قرينة فإنه لا يحسن بل لا يستقيم قولك ينقضون عهد الله فهو كالحبل وأوثق وذلك لأنّ استعارة الحبل أصل والنقمق تبع على ما هو الواجب في الاستعارة بالكناية وفيما نحن فيه الأمر بالعكس كما في تقري الرياح الرياض وبالجملة فالاستعارة وقعت في الحال والتعقيب صريح التشبيه في الذات فلا وجه لما يقال: إنّ ظاهر الكلام كون التشبيه فرع الاستعارة والأمر بالعكس(2/184)
فالتشبيه مترتب على عرفان حالها وأنه حامل على التشبيه المؤذي إلى الاستعارة (أقول) : فيه بحث فإنه إنما يتوجه ما ذكره إذا شبهت القلوب بالحجارة كما في الممثل به فإن العهد شاع استعارة الحبل له كما مرّ أما لو أريد تشبيهها بالأجرام الصلبة الاملة للمعادن وغيرها فتتوجه صحة التفريع بلا تكلف إذ المعنى أنها صارت كالصلب فهي كأصلب ما يكون منه ولا يرد عليه شيء وبه يندفع أيضا الشبهة الواردة في التشبيه. قوله: (وثم لاستبعاد القسوة الخ) قال العلامة: ثم موضوعة للتراخي في الزمان ولا تراخي ههنا إذ قسوة قلوبهم في الحال لا بعد زمان فهي محمولة على الاستبعاد مجازا إذ يبعد من العاقل القسوة بعد تلك الآيات كقولك لصاحبك: قد وجدت مثل تلك الفرصة ثم لم تنتهزها، ومن الناظرين في الكتاب من حمل هذا على التباعد في الرتبة وليس بذاك فإنّ معناه أنّ مدخول ثم أعلى كما في قوله: ثم استوى والمراد ههنا أنّ مدخولها بعيد عن الوقه ع، وقوله: من بعد ذلك مؤكد للاستبعاد أشد تأكيد ثم إنّ منهم من جعل الاستبعاد مأخوذاً من الكلام لا مدلول ثم والأمر فيه سهل وما ذكر من الفرق بين التفاوت في الرتبة والاستبعاد ليس بشيء لأنه بعد رتبيّ أيضا إلا أنه لم يعتبر في الثاني العلو وهذا لا طائل تحته وهو يشبه النزاع اللفظي ولذا لم يلتفت إليه الشارح المحقق ثم إنه قيل: إنها للتراخي في الزمان لأنهم قست قلوبهم بعد مدة حتى قالوا: إنّ الميت كذب عليهم أو أنه عبارة عن قسوة عقبهم، وقوله: فإنها مما توجب الخ إشارة إلى وجه الاستبعاد كما مرّ. قوله: (والمعنى أنها في القساوة الخ) عبر بمثل إشارة إلى أن الكاف هنا اسم معطوف عليه أشد بمعنى أزيد أو التقدير مثلى ما هو أشد فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه وأيده بقراءته مجرورا بالفتحة لعدم صرفه ولذا وقع في نسخة بالجر وفي أخرى بالفتح وقسوة قال أبو حيان تمييز محوّل عن المبتدأ أي فقسوتها وأشد معطوف على قوله كالحجارة
عطف مفرد على مفرد كما تقول زيد على سفر أو مقيم ولا حاجة إلى تقدير الزمخشريّ أو هي أشدّ. قوله: (وإنما لم يقل أقسى الخ) يعني أن فعل القسوة مما يصاغ منه أفعل وهو أخصر وقد ورد كقوله:
كل خمصانة أرق من الخص ص بقلب أقسى من الجلمود
وهو وان كان من العيوب لكنها باطنة لا ظاهرة فلا يمتنع صوغه منه كما توهم فلا حاجة
إلى التوصل إليه بأشد فأجاب بأنّ أشدّ أبلغ من أقسى لدلالته على الزيادة بالمادة والهيئة فيدل على اشتداد القسوتين في المفضل والمفضل عليه، أو أنّ المراد بأشدّ ليس التوصل بل التفضيل في الشدّة وقدم الأوّل لأنه الأنسب المتبادر ويمكن أن يقال: إنه لظهوره الحق بالعيوب الظاهرة وهو حسن، وأمّا الاعتراض بأن أشد محمول على القلوب لا على القسوة فليس بشيء لأن أصله قسوتهم أشدّ فحوّل. قوله: (وأو للتخيير الخ
لما كانت أو تستعمل للشك وهو عليه تعالى محال دفعه بأنه للتخيير وهو يكون في التشبيه كما يكون بعد الأمر كما مرّ أو للترديد يعني أنّ الشك ليس راجعاً إلى الله بل إلى من يعرف حالهم فإنه يمكته أن يشبههم بالحجارة أو أشدّ منها فالشك بالنسبة إلى المخاطبين لا بالنسبة إلى المتكلم. قال العلامة: وهذا يؤدّي إلى تجويز أن تكون معاني الحروف بالقياس إلى السامع حتى تستعمل إذا تحقق المخاطب وهذا إخراج للألفاظ عن أوضاعها فإنها إنما وضعت ليعبر بها المتكلم عما في ضميره ولو جعلت بمعنى بل لكان أحسن وقيل: إنها للتنويع أي بعضهم كالحجارة وبعضهم أشدّ، وقيل: معنى الترديد تخويز الأمرين مع قطع النظر عن الغير. قوله: (تعليل للتفضيل الخ) عدل عن جعله بيانا للتفضيل كما في الكشاف لأنه يقتضي الفصل ومراد. أنها جملة حالية مشعرة بالتعليل ومثله كثير، وأمّا قول الثارح المحقق يريد أنه بيان وتقدير من جهة المعنى وأمّا بحسب اللفظ فعطف على جملة هي {كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ} فلا يظهر وجهه وقوله تعالى: {وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ} الخ وارد على نه! التعميم دون الترقي كـ {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} إذ لو أريد الترقي لقيل: وإنّ منها لما يشقق فيخرج منه الماء وإن منها لما يتفجر منه الأنهار وفائدته استيعاب جميع الانفعالات التي على خلاف طبيعته وهو أبلغ من الترقي، وكأنّ المصنف رحمه الله غافل عن هذا حيث جمع بينهما في البيان(2/185)
وقذم الثاني، فقال: فإن منها ما يتشقق فينغ منه الماء ويتفجر منه الأنهار
وهذه نكتة جليلة في الترقي والتعميم ينبغي التنبه لها. قوله: (والخشية مجارّ عن الانقياد الخ) إطلاقا لاسم الملزوم على اللازم وحينئذ فالظاهر تعلق {مِنْ خَشْيَةِ اللهِ} بالأفعال السابقة ولم يحملها على الحقيقة باعتبار خلق العقل والحياة في الحجارة أمّا عند القائل بأن اعتدال المزاج والبنية شرط الحياة فظاهر وأما من لا يقول به فلأنّ الهبوط والخشية على تقدير خلق العقل والحياة لا يصلح بياناً لكون الحجارة في نفسها أقل قسوة ثم مبني كلامه على عدم التغاير أو التفارق بين الأمر والإرادة، وقيل: قلوبهم إنما تمتنع عن الانقياد لأمر التكليف بطريق القصد والاختيار ولا تمتنع عما يراد بها على طريق القسر والإلجاء كما في الحجارة وعلى هذا لا يتمّ ما ذكره فالأولى حمل الكلام على الحقيقة اهـ. ما قاله الشارح المحقق ومنه تعلم أنّ متابعة المصنف رحمه الله له فيما بناه على مذهب الاعتزال لا ينبغي وفيه بحث. قوله: (وعبد على ذلك الخ) أي على ما مرّ من قسوة القلب ونحوها وقوله: وقرأ ابن كثير الخ قال الجعبري: قرأ ابن كثير بالياء المثناة التحتية والباقون بالفوقية ووجه الغيبة مناسبة {فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ} وهم يعلمون ووجه الخطاب مناسبة {وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا} وتكتمون {وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [سورة البقرة، الآية: 73] {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم} لا أفتطعمون لأنه للمؤمنين اهـ. وكذا في التيسير وغيره، ولذا قيل: إنّ المصنف رحمه الله أخطأ في النقل إلا أن الطيبيّ قال: قرأ ابن كثير ونافع ويعقوب وأبو بكر بالتاء الفوقانية والباقون بالياء فكانت المخالفة في خلف فقول المصنف رحمه الله ضما إلى ما بعده لأنّ المخاطب غيرهم فهو في حكم الغيبة، وقيل: ضما إلى ما بعده يعني قوله أن يؤمنوا وما بعده من الضمائر العائدة لليهود والباقون بالتاء ضمما إلى ما قبله لا إلى قوله أفتطمعون لأنه خطاب للمؤمنين وما بعده إخبار عن اليهود فمن قال ضما إلى ما بعده يعني أفتطمعون فقد أخطأ وعكس الترتيب. قوله: (الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم) وقيل: هو للرسول والجمع للتعظيم وفيه نظر وقوله: أن يصدقوكم وفي نسخ أي فسره بالتصديق فاللام زائدة ومثله يندر مع الفعل، ولذا! سره الزمخشريّ بيحدثوا لكم الإيمان، والوجه الثاني جعلها للتعليل بتقدير مضاف أي دعوتكم لأنّ الإيمان لله لا لهم، وقوله: يعني اليهود قيل هو في قوم مخصوصين منهم علم الله عدم إيمانهم فأيسه منه فلو عين كان أولى وقيل: المراد جنس اليهود ونافي الإيمان عن الجنس يكفي فيه تحققه في بعضه وإنما فسر به ليصلح جعل السالفين فريقاً منهم وإن كان إحداث الإيمان لا يتصوّر إلا من المعاصرين وردّ بأنه أخطأ لأنه ظن أنه على تقدير بيان يؤمنوا بقوم مخصوصين لا يصح جعل السالفين فريقا منهم
وكأنه لم ينظر إلى تفسير قوله منهم بطائفة من أسلافهم. قوله: (طائفة من أسلافهم) قال العلامة في شرح الكشاف: اعلم أنّ المراد بقوله أن يؤمنوا لكم اليهود الذين كانوا في زمنه صلى الله عليه وسلم لأنهم الذين فيهم الطمع، وأمّا فريق منهم فاختلف فيه فبعضهم قال المراد من كان في عهد موسى عليه الصلاة والسلام لأنه تعالى وصفهم بأنهم يسمعون كلام الله لأنهم أهل الميقات فكلام الله حينئذكلامه في الطور وقد حرّفوا فيه ما لا يتعلق بأمر محمد عتملا ما نقل عن السبعين، وبعضهم قال الفريق من كان في زمن النبيّ لمجرو وكلام الله هو التوراة وسماعه كما يقال: لأخذنا إنه يسمع كلام الله إذا قرئ عليه القرآن وتحريفها تحريف صفة النبيّء! يم وآية الرجم هذا محصل كلام الإمام فليت شعري لما فسر المصنف رحمه الله كلام الله بالتوراة وتحريفها بما مر لم ذهب إلى أنّ الفريق من أسلافهم والظاهر أن ضمير منهم يرجع إلى ما يرجع إليه ضمير يؤمنوا، فإن قلت فعلى هذا المعاندون بعضهم وعناد البعض لا ينافي إقرار الباقين قلت: إنما لم يناف لو لم يكن الباقون مقلدين لهم اهـ. وردّ بأنه ظن أنّ تفسير الفريق بمن سلف منهم لضرورة وقوع التحريف منهم وليس كذلك كما ترى، وقوله يعني التوراة إشارة إلى أنّ السماع ليس بالذات كما مرّ في أحد القولين، وقوله كنعت محمد صلى الله عليه وسلم فإنه روي أنّ من صفاته فيها أنه(2/186)
أبيض ربعة فغيروه بأسمر طويل، وغيروا آية الرجم بالتسخيم وتسويد الوجه كما في البخاريّ وأصل التحريف من الانحراف والميل ومنه قلم محرّف لميل أحد شقيه أي يميلونه من حال إلى حال أخرى بتبديله أو تأويله، وقوله: أو تأويله عطف على المعنى كأنه قال يغيرون كلامه أو تأويله، وقيل: يسمعون بمعنى يقبلون والا فلا فائدة له وفيه نظر. قوله: (وقيل هؤلاء من السبعين الخ) هذا ما رواه الكلبيّ رحمه الله من أنهم سألوا موشى عليه الصلاة والسلام أن يسمعهم كلامه تعالى فقال لهم اغتسلوا والبسوا الثياب النظيفة ففعلوا فأسمعهم الله كلامه لكن الصحيح أنهم لم يسمعوا بغير واسطة وأنه مخصوص بموسى صلوات الله وسلامه عليه، ولذا مرّضه المصنف رحمه الله وعلى هذا التحريف زيادة ما ليس فيه وإنما قال من السبعين لأنهم كلهم لم يفعلوا ذلك قيل وما ذكروه شاهد على فساده حيث علقوا الأمر بالاستطاعة والنهي بالمشيئة وهما لا يتقابلان وكأنهم أرادوا بالأمر غير الموجب على معنى افعلوا إن شئتم وان شئتم فلا تفعلوا ولا يذهب عليك أنّ ما ذكره مناقشة في ترجمة كلامهم لا يجدي نفعا، وقوله: ولم يبق لهم فيه ريبة أخذه من التعبير بالعقل وقوله: أنهم مفترون مبطلون إشارة إلى تقدير
المفعول وأنّ ذلك لم يكن منهم عن نسيان أو جهل بل عناد صرف لا يطمع في ضدّ!. قوله: (ومعنى الآية الخ) مقدميهم بفتح الدال جمع مقدم أشار به إلى أنّ المراد بالسلف المقدّم بالذات لا بالزمان، ولذا قابله بالسفلة والجهال وقوله: فما ظنك هو الصحيح وفي نسخة فما طمعك وقيل إنّ هذا مبنيّ على التأويل الأوّل، وقوله: وأنهم كفروا الخ على الثاني. قوله: (يعني منافقيهم) في الكشاف وإذا لقوا يعني اليهود الذين آمنوا قالوا آمنا قال منافقوهم آمنا بأنكم على الحق وأنّ محمدا صلى الله عليه وسلم هو الرسول المبشر به وإذا خلا بعضهم الذين لم ينافقوا إلى بعض إلى الذين نافقوا الخ قال المحقق: جعل ضمير لقوا لجنس اليهود كما في أن يؤمنوا وخص ضمير قالوا بالمنافقه ق منهم أو اعتبر حذف المضاف لقيام القرينة ولم يجعل الشرطية عطفاً على يسمعون لأنّ هذه الملاقاة والمداولة والتحزب إلى المنافق، وغير المنافق لم تكن تخص الفريق السامعين المحرفين فلم يصح جعل الضمير لهم، ولا يخفى أنّ ضمير قالوا للبعض الذين لم ينافقوا فلذا كان حمل البعض الذي هو فاعل خلاً على غير المنافقين أحسن وأوفق بمراعاة النظم حيث وقع فاعل الشرط والجزاء شيئاً واحداً ثم جوّز أن يكون ضحمير قالوا للبعض الذين نافقوا وهم رؤساء اليهود يقولون ذلك لأتباعهم وبقاياهم الذين لم ينافقوا قصداً لإظهار التصلب في اليهودية نفاقا مع اليهود، والاستفهام في أتحدثونهم على الأوّل للعتاب والإنكار على ما كان يصدر عن المنافقين من التحدّث بمعنى ما كان ينبغي أن يقع ذلك، وعلى الثاني لإنكار أن يصدر عن الأعقاب تحديث فيما يستقبل من الزمان بمعنى لا ينبغي أن يقع وضمير أتحدثونهم الأوّل للأعقاب والثاني للمؤمنين اهـ. والمصنف رحمه الله لم يرتض ما فيه وجعل ضمير لقوا للمنافقين من أهل الكتاب آمنوا بلسانهم خوفا من القتل والسبي وهم يضمرون الكفر وقد قالوا لخلص المؤمنين من الأصحاب وكان حق المصنف رحمه الله أن يذكر قوله يعني الخ. قبل قوله الذين لئلا يتوهم أنه تفسير له بأن يكون إيمانهم بمجرّد اللسان وهو فاسد لكن القرينة قائمة على دفعه وما في الكشاف صرف عن الظاهر كما مرّ ولذا لم يرتضه المصنف قيل: وهو أدق، وبالقبول أحق وأمّا القرينة على تخصيصهم بالمنافقين فلما حكي عنهم كما مرّ مثله عن المنافقين في وصفهم فتأمّل وقوله بأنكم على الحق الخ بيان للمتعلق الذي قدروه فإن كان مقدّرا في المحكي فلم ينطقوا به لعدم مساعدة قلوبهم ألسنتهم وقوله أي الذين لم ينافقوا الخ
وكذا المراد بالبعض لينتظم الشرط والجزاء، وقوله: أو الذين نافقوا عطف على الذين لم ينافقوا وحمل الأوّل على التقريع والثاني على الإنكار ظاهر ومعنى فتح بين وعلم وعرّف وهو منقول عن ابن عباس رضي الله عنهما ومنه الفتح على القاري وقيل فيه وجوه أخر وقوله: فينافقون الفريقين أي المسلمين واليهود فإن منعهم بعدما أبدوا كتم لإبدائهم وإظهار أنهم لم يبدوا وهو محض نفاق معهم أيضا. قوله: (ليحتجوا عليكم الخ) إشارة إلى أن المفاعلة غير مرادة، وقوله: بما أنزل ربكم(2/187)
معنى به وفي كتابه معنى عند ربكم وقد أوضحه بقوله جعلوا لأنّ معنى عند الله في حكمه كما يقال: عند أبي حنيفة، ومبنى الوجوه غير الأخير على أنه في الدنيا وقيل: عليه إنه لا وجه حينئذ للجمع بين به وعند ربكم إلا أن يجعل الثاني بدلاً أو ظرفا مستقراً بمعنى ليحاجوكم بما قلتم حال كونه في كتابكم فكان ينبغي التعرّض له ومن فسره بيوم القيامة فرّ من هذا. قوله: (وفيه نظرا لأنهم يعلمون أنهم يوم القيامة محجوجون حدثوا أو لم يحدثوا، وقيل: في جوابه إنّ العالم بذلك علماؤهم لا جميعهم ولأنّ محجوجيتهم يوم القيامة من الله لا تنافي احترازهم عن كونهم محجوجين من الخصم ولا يخفى ما فيه والإخفاء بمعنى إخفاء ما فتح الله، ولا يدفعها أي المحاجة. وقال بعض المتأخرين: إنه يتوجه عليه أنه إن أراد أنّ الإخفاء لا يدفعها في نفس الأمر فمسلم ولكن لا نفع به لجواز أن يعتقد ذلك اليهودي دفعها بالإخفاء وان أراد أنه لا يدفعها عنده فممنوع لجواز أن يدفع محاجتهم يوم القيامة وظهور الأسرار والخفيات يوم القيامة لا يقتضي محاجتهم فتدبر، وقوله: أفلا تعقلون إن كان من كلام اللائمين فمفعوله ما ذكر أولاً مفعول له وهو أبلغ، وان كان خطابا للمؤمنين فعدم الطمع في إيمانهم باعتبار بعضهم أو للجنس كما مرّ فتأمّل، أولاً يعلمون قرئ بالياء والتاء. قوله: (من جملتها أسرارهم الكفر الخ) يعني أنه عام وما مرّ داخل فيه دخولاً أوّلياً فلا حاجة إلى تخصيصه كما وقع في بعض التفاسير وقوله: تجهلة الخ هذا التفسير له باعتبار المراد منه والا فالأمّي هو الذي لم يتعلم الكتابة قيل: وان كتب نادراً وتفسيره الأوّل ناظر إلى الكتاب بمعناه اللغوي وهو الكتابة، والثاني إلى أنه بالمعنى العرفي وأنه المعهود بينهم وهو التوراة والأمي إمّا منسوب إلى الأمّ لأنه كما خرج من بطنها أو إلى أمة العرب أو إلى أمّ القرى لأنهم لا يكتبون غالباً، وقوله:
م! بطنها أو إلى أمة العرب أو إلى أمّ القرى لأنهم لا يكتبون غالبا، وقوله: فيطالعوا لأنّ من لم يكتب لا يقرأ في المتعارف فلا يرد عليه أنّ من لا يكتب يجوز أن يقرأ فيحتاج إلى التكلف في توجيهه. قوله:) استثناء منقطع والأماني الخ) كونه منقطعا على هذه الاحتمالات ظاهر لصحة وضع لكن موضع إلا، يقال منى الماني أي قدر والتمني تقدير الشيء في النفس ويكون عن تخمين وظن وروية ولما كان أكثره لا يصح أطلق على الكذب ولأنه يقدر أيضا في النفس، وكذا القراءة لأن القارئ يتصوّر ما يتلوه وللأماني تفاسير منها الأكاذيب. وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما ومجاهد هنا ومنها الشهوات وهو المراد بقوله أو مواعيد الخ. ومنها القراءة قال حسان رضي الله تعالى عنه، يرثي عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه ويذكر قصته في الدار:
تمنى كتاب الله أوّل ليله تمنى داود الزبور على رسل
ورسل بكسر فسكون بمعنى تؤدة رهينة، وليلة قيل مضاف إلى ضمير الغائب لا بتاء التأنيث للوحدة على ما في بعض النسخ يعرف ذلك بالتأمل ويؤيده أنّ ابن الأنباري وغيره أنشد تمامه:
وآخره لاقى حمام المقادر
ولم يرو آخرها والمقادر كان أصله المقادير وفي الأساس المقادير الأمور تجري بقدر الله ومقدوره وتقديره وأقداره وتقاديره، والمواعيد الفارغة الكاذبة استعارة حسنة. قوله: (وقيل إلا ما يقرؤون الخ (إشارة إلى ما مرّ، وقوله: وهو لا يناسب بناء على المشهور من أنّ الأميئ هو الذي لا يقرأ ولا يكتب واعترض! عليه بأنه فسر الأمي بالذي لا يعرف الكتابة والزمخشريّ بالذي لا يجسن الكتابة وهذا لا يقتضي أنه لا يقرأ لجواز أن يتلقى من الأفواه ما يقرؤه كما نشاهده في كثير ولا يصح الجواب بأنه يراد به ما يقابل القارئ مطلقا عليه استعمال الفقهاء لأنه هنا بالمعنى اللغوي ولو سلم أنه لغوفي فلا يطابق تفسيره وما قيل إق الأمي ربما يقدر على كتابة كما روي في البخاريّ ومسلم أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم صلح الحديبية " أخذ الكتاب وليس يحسن
الكتاب فكتب هذا ما قاضي عليه محمد بن عبد الله " الخ وهذا القدر لا يضر في التسمية بالأمي ولذا فسره الزمخشرقي بما مز غير مسلم فإنهم أوّلوا الحديث المذكور بأن كتب بمعنى أمر بالكتابة وأنّ كون النبيئ ع! يي! لم يكتب متفق عليه وان ذهب بعضهم إلى هذا ولابن حجر فيه كلام طويل ليس هذا محله، ثم إنّ التمني على(2/188)
هذا بمعنى القراءة المطلقة وهو المراد في البيت، وأما إفادة كونها عارية عن المعنى فمن مجموع الكلام لأنك إذا قلت فلان لا يعلم من الكتاب إلا قراءته دل على أنه لا يفهم معناه، فما قيل: إنه من قرينة المقام غير مسلم وأمّا تضمن البيت لهذا المعنى فمحل كلام لأنّ القارئ الإمام عثمان رضي الله عنه فكيف تعرى قراءته عن معرفة المعنى اللهم إلا أن يراد بيان أن يجيء لمجرّد القراءة وهذا من قلة التدبر ولعل المصنف رحمه الله إنما قال: لا يناسب دون لا يصح لما مز ولا شبهة في عدم مناسبته. قوله: (ما هم إلا قوم الخ (أي أنه استثناء مفرغ والمستثنى محذوف أقيمت صفته مقامه، وقوله وقد يطلق الظن الخ كأن جواب أن فيهم جازمين فقال: إنه يطلق على ما يقابل العلم اليقيني عن دليل قاطع سواء قطع بغير دليل أو بدليل غير صحيح أو لم يقطع. قوله: (أي تحسر وهلك ومن قال الخ) قال ابن عباس رضي الله عنهما: الويل العذاب وقيل: شديدة وقيل: هو للتقبيح وقيل: كلمة تحسر وتفجع وقيل: الهلاك أو الفضيحة أو حدوث الشر، وعلى كل حال فهو مصدر للدعاء عليهم ولا فعل له وأما وال فمصشوع كما قال أبو حيان: وأما أنه واد في جهنم أو جبل فيها " فرويا عن النبي " من طرق صححهما السيوطي فلا ينبغي أن يقال ومن قال الخ. والمصنف أوّله على تقدير وروده عنده بأنّ معنى الويل واد في جهنم أنه واد يستحق أن يقال لمن فيه ويل له: ومنعى قوله يتبوّأ أي يتبوّأ الويل من جعل له في جهنم ذلك المكان فجعل الويل متبوّأ على حد قوله تبوؤوا الدار والإيمان
مجازا وضمير فيها لجهنم فإنها مؤنثة ومن لم يفهمه قال كذأ في أكثر النسخ والصواب فهي كما في بعضها، ووجه التجوّز أنه سماه بصفة من فيه فالعلاقة الحالية والمحلية ولما كان ميتدأ وهو نكرة غير موصوفة بين المسوّغ له وهو أن المقصود به الدعاء وقد حول عن المصدر المنصوب ومثله يجوز فيه ذلك لاً نه معنى غير مخبر عنه كما بين في النحو وأما إذا كان علم واد ولو مجازاً فظاهر. قوله: (ولمله أراد به الخ) إنما حمله عليه لأنه لو كان التوراة ولو محرّفة لم يحتاجوا إلى قولهم هذا من عند الله إذ التحريف بعد وقرعه غير معين فهم لا يحتاجون إلى أن يقال لهم ذلك، وقوله تأكيد الخ مثل قاله بفيه ونظر بعينه لنفي المجاز، ويقول الزمخشرقي فيه في بعض المواضع لتصوير الحال، وهو ناظر إلى قوله من عند الله لأنّ التوراة أنزلت مكتوبة من السماء والاشتراء بمعنى الاستبدال ودخول الباء على غير الثمن مر الكلام فيه. قوله: (عرضاً من أعراض الدنيا الخ (عرض بالعين المهملة ما لإثبات له قال تعالى: {تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [سورة النساء، الآية: 94، ومنه استعار المتكلمون العرض لما يقابل الجوهر قاله الراغب، وقوله: إلى ما استوجبوه الخ. قيل: كان الظاهر اعتبار قلته بالنسبة إلى ما فات عنهم من حظوظ الآخرة كما مز قلت بل الظاهر ما ذكره لأنه الأنسب بتفريع فويل الخ ولأنه أسلم من التكرار فتأمل. وما فيما كتبت وما يكسبون تحتمل الموصولية والمصدرية والثانية أرجح لفظاً ومعنى لعدم تقدير العائد ولأنّ مكسوب العبد حقيقة فعله الذي يعاقب ويثاب عليه قاله الشارح المحقق، وقيل عليه سببية الفعلين فهمت من توله فويل للذين يكتبون الكتاب لأن ترتيب الحكم على الشيء يدل على سببيته له فلو حمل على هذا لزم التكرار، والتحقيق أنّ العبد كما يعاقب على نفس فعله يعاقب على أثر فعله لافضائه إلى حرام آخر وهو هنا يفضي إلى إضلال الغير وأكل الحرام فلما بين أوّلاً استحقاقهم العقاب بنفس الفعل بين استحقاقهم له بأثره ورتبه عليه بالفاء (قلت (الأمر في مثله سهل استعظمه لأنه إنما يكون تكرارأ لو كان الأوّل صريحا مع أنه لما اعتبر المكتوب والمكسوب احتاج إلى أن يريد منه الأثر وهو تطويل للمسافة وكأنه لو أريد ذلك من المصدر لأنه قد يراد به الحاصل به صح مع أنه لا يتوجه ما قاله إلا إذا ذكر الكتب أما إذا ذكر معه الكسب للتعميم فلا. قوله: (المس انصال الشيء بالشرة الخ) قال الراغب: المس كاللمس لكن اللمس قد يقال لطلب الشيء وان لم يوجد قال الشاعر:
وألمسه فلا أجده
واللمس يقال: فيما يكون معه إدراك مجاسة السمع وكنى به عن النكاج والجنون، المس يقال: فيما ينال الإنسان من الأذى اهـ. ومنه أخذ المصنف رحمه(2/189)
الله كما هو عادته، والمراد يتأثر الحاسة بلوغ أثره إلى القوّة الحاسة بسماع صوت أو إدراك ملاسة أوخشونة ونحو ذلك وكأنه لذلك أطلق على الأذى لتأثيره فيمن يصيبه، وأما ما قيل: إنه يلزم من كلام المصنف رحمه الله أن يكون المس أبلغ من الإصابة وقد صرحوا بأنه أدنى درجات الإصابة حتى قالوا في قوله تعالى: {إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُواْ بِهَا} [سورة آل عمران، الآية: 120] إنّ لمس ينبىء عن أدنى مراتب الإصابة ويدل على أنّ أدنى إصابة خير تسوءهم وأما الشر والسيئة فإنما تسرّهم الإصابة منه والوصول التام بحيث يعتد به لا يقال: لو دلّ المس على ما ذكر لما جمع بينه وبين الوصف بالعظيم في قوله تعالى: {لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [سورة الأنفال، الآية: 68] لأنا نقول لا منع في ذلك الجمع للدلالة المذكورة بل هو مقوّ لما قصد من المبالغة في تعظيم العذاب وتفظيع شأنه كأنه يقول: إنّ فظاعته بلغت إلى درجة لم يبق فرق بين مسه واصابته فيفعل أدنى درجاته فعل أوّلها إلا أنّ في قوله: {رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ} [سورة الأنبياء، الآية: 83] دلالة على أنّ في المس شدّة تأثير وأنه أبلغ من الإصابة والمس اللمس، كما في الجوهريّ وأما لمسه فلم يجده فمجاز على معنى استعمل آلة اللمس فلا دلالة فيه على ما ذكره اص. فليس بشيء لأنّ ما ذكره المصنف رحمه الله تعالى كلام الراغب إمام أهل اللغة الذي أخذها من مجاريها كما سمعت وما نقله من الفرق بين المس والإصابة والذي ذكروه بين اللمس والمس وشتان بينهما وأما الفرق بين المس والإصابة فهو أنّ المس اتصال أحد شيئين بآخر على وجه الإحساس والإصابة كما قال الراغب: أصلها من إصابة السهم ثم اختصت بالنائبة كما قال تعالى: {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} [سررة الشررى، الآية: 30] وأصاب جاء في الخير والشر قال تعالى: {إِن تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ} [سورة التربة، الآية: 50] وقال بعضهم الإصابة في الخير اعتباراً بالصوب أي المطر وفي الشر اعتباراً بإصابة السهم وكلاهما يرجعان إلى أصل اص. ومنه يعلم أنّ الإصابة أبلغ من المس لأنه وان اعتبر فيه التأثير لكن تأثير هذا لما كان كالمطر أو السهم كان أقوى وأشذ، وأما ذكر أيوب عليه الصلاة والسلام المس في مقام الإصابة فلشدة صبره حتى استهان بما أصابه، ثم إن الإصابة إذا كانت فعل المصيبة فذكرها مع السيئة أقوى وأنسب وان كانت بمعنى النزول به مطلقا فتستعمل لكل منهما فلكل مقام مقال فافهم وقوله: ألمسه فلا أجده مصراع من مجز والوافر والظاهر أنّ المصنف لم يقصد الشعر والا لقال وألمسه أو ألمسه أو أشار إليه ووكله إلى التتبع.
قوله: (محصورة قليلة) يعني أن التوصيف به مؤوّل بالقلة والا لم يفد ذكره، فإن قلت
هذا يخالف قوله في الكهف في تفسير سنين عدداً إن وصف السنين به يحتمل التكثير والتقليل. قلت: لا مخالفة بينهما وتحقيقه ما في محكم ابن سيده إنّ عددا فيها جعله الزجاج مصدر أو قال: المعنى تعد عددا قال: ويتجوز أن تكون نعتا لسنين والمعنى ذوات عدد والفائدة في قولك عددا في الأشياء المعدودة أنك تريد توكيد كثرة الشيء لأنه إذا قل: فهم مقداره ومقدار عدده فلم يحتج إلى أن يعد وإذا كثر احتاج إلى العد فالعدد في قولك صمت أياماً عددأ تريد به الكثرة ويجوز أن يؤكد عددا معنى الجماعة في أنها خرجت عن معنى الواحد هذا قول الزجاج. والأيام المعدودات أيام التشريق وهي ثلاثة أيام وإنما قلنا بمعدودة لأنها نقيض قولك لا تحصى كثرة ومنه: {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ} اص. ومنه نعلم أنه عدد كنائيّ قد يكنى به عن القلة كما هنا وقد يكنى به عن الكثرة وقد يحتملهما، فما قيل: إن عدداً ذكر هنا لمناسبة رؤوس الآي غفلة عما حققناه، ومعدودة صفة الجمع وهو مؤنث ولا كلام فيه إنما الكلام في معدودات وسيأتي. قوله: (روي أنّ بعضهم قالوا الخ) قالوا هذا حين دخل النبيّ صلى الله عليه وسلم المدينة وسمعه المسلمون فنزلت هذه الآية وعدد عبادة العجل لأنّ آباءهم عبدوه فجعل الله ذلك مدة لعقاب اليهود ولو على غير ذلك من الذنوب وهذا بزعمهم الفاسد في إنكارهم الخلود. قوله: (خبرا ووعدا الخ) همزة اتخذتم للاستفهام التوبيخي مقطوعة وهمزة الوصل سقطت للدرج كقوله أصطفي البنات ومعنى العهد قد مز والمراد هنا على ما قال في التأويلات الخبر أي هل عندكم خبر عن الله تعالى أنكم لا تعذبون أبدا لكن أياما معدودة فإن كان لكم هذا فهو لا يخلف عهده، وفسر قتادة رحمه الله هنا(2/190)
العهد بالوعد مستشهداً بقوله تعالى: {وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللهَ} [سورة التوبة، الآية: 75، إلى قوله: {بِمَا أَخْلَفُواْ} الله ما وعدوه، والمصنف رحمه الله جمع بينهما تنبيها على أنّ من فسره بالخبر أراد الخبر الموعود كما صرح به في آخر كلامه، ووقع في نسخة أو يدل الواو إشارة إلى أنهما معنيان وتفسيران للسلف وان تقاربا فلا وجه لما قيل إنّ الصحيح الأوّل ولا لما قيل إنه لا وجه لتخصيص العهد بالوعد مع عمومه، والقراءة بالإظهار على الأصل وبإبدالها تاء وإدغامها فيها وهو ظاهر. قوله:) جواب شرط مقدر الخ)
والفاء فصيحة وقدر بعضهم الشرط بأن كنتم اتخذتم بناء على أنه ماض! وحرف الشرط لا يغير معنى كان وفيه خلاف معروف. قال المحقق: أي إن كنتم اتخذتم إذ ليس المعنى على الاستقبال فإن قلت فلا يصح جعل فلن يحلف الله جزاء لامتناع السببية والترتب لكون لن لمحض الاستقبال قلت ذلك ليس بلازم في الفاء الفصيحة كقوله:
فقد جئنا خراسانا
ولو سلم فقد ترتب على اتخاذ العهد الحكم بأنه لا يخلف الرلهد فيما يستقبل من الزمان
فقط كما في قوله تعالى: {وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ} [سورة النحل، الآية: 153 قيل: عليه الأظهر أنه دليل الجزاء وضع موضعه أي إن كنتم اتخذتم عند الله عهداً فقد نجوتم لأنه لن يخلف عهده وامّا ما ذكره من أنه لا يلزم في الفاء الفصيحة إنما يتم لو لم يجعل جزاء شرط، إذ لا فرق بينه وبين غير. من الأجزية، وما ذكر من ترتب الحكم فيه إنّ اتخاذ العهد في الماضي والحكم حين النزول فكيف يتم الترتب وأيضاً لا وجه للتعليل بكون لن لمحض الاستقبال فإن السببية بين الشرط والجزاء بحسب الوجود مفقودة سواء كان عدم الخلف في المستقبل أو الماضي بل إذا كان ذلك بحسب الماضي يكون الجزاء أبعد ارتباطاً من الشرط كما لا يخفى ثم إنه لا وف لتفريع السؤال على تقدير كان، ثم إنّ المعتبر بين الشرط والجزاء اللزوم لا السببية والترتب فكان حقه أن يقرّر السؤال هكذا هذا لا يصلح جزاء لعدم شرط صحته وهو أن يكون مرتبا على الشرط أو لازماً له ومخالفة الفاء الفصيحة في ذلك لم نجد. ولعل وجه ما ذكره في الاستقبال ما سيصرّح به في قوله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللهِ} [سورة البقرة، الآية: 114] من أنّ الباعث والعلة لا يترتب عليه أمر مستقبل منفصل عنه يعني عرفا والشرط كذلك سبب للجزاء وعلة له فتأمل. وهذا أحد مذهبين في الفاء التي في جواب الاستفهام فتذكر. قوله: (وفيه دليل الخ) قيل عليه العهد ظاهر في الوعد بل حقيقة عرفية فيه وهو المراد هنا فلا دليل على نفي الخلف في الوعيد وهو مذهب أكثر الأشاعرة وأما أنه مصادرة وأنه ينبغي تبديل محال بغير واقع فلا يرد ما ذكره. قوله: (أما معادلة لهمزة الاستفهام الخ) إشارة إلى ما في أم من الوجهين كونها متصلة للمعادلة بين شيثين بمعنى أيّ هذين واقع وأخرجه مخرح المتردّد فيه وان كان قد علم وقوع أحدهما وهو قوله على الله ما لا تعلمون ولذا وقع في نسخة آخرهما، والتقرير أي الحمل على الإقرار به أو تثبيته لتعيته ولها شروط مفصلة في النحو ويجوز أن تكون منقطعة غير عاطفة بمعنى بل والهمزة التقدير بل أتقولون والاستفهام للإنكار لوقوعه منهم واليه أشار المصنف رحمه الله، وقيل: إنما تقدر ببل وحدها بدون الهمزة فتعطف ما بعدها على ما قبلها واستدل بقولهم أنّ لنا إبلا أم شاء بنصبهما ونحوه ولو قدرت الهمزة لرفع على أنه خبر
مبتدأ محذوف ولا يصح فيها الاتصاف في المثا لعدم تقدّم الاستفهام فتأمل، والتقريع التوبيخ والتقرير هنا بمعنى التثبيت. قوله: (بلى إثبات الخ) بلى حرف جواب كجير ونعم إلا أنها تقع جواباً لنفي متقدم سواء دخله استفهام أم لا فيكون إيجابا له نحو ما قام فتقول بلى أي قد قام وقوله: {أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى} [سورة الأعراف، الآية: 172] ولذا قال ابن عباس رضيب الله تعالى عنهما: لو قالوا نعم كفروا، وأمّا قوله:
أليس الليل يجمع أم عمرو وإيانا فذاك بخا تداني
نعم وترى الهلال كما أراه ويعلوها النهار كما علاني
فقيل: ضرورة وقيل: نظراً إلى المعنى لأنّ الاستفهام إذا دخل على النفي قرر. فما قاله
ابن عباس رضي الله عنهما نظرا إلى الظاهر وبلى هنا ردّ لقولهم: {لَن تَمَسَّنَا النَّارُ} أي بلى تمسكهم أبدا بدليل قوله: {هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}(2/191)
قاله الزمخشرفي. وقوله أبداً في مقابلة قوله أياما معدودة وهو تقدير حسن ولا 0 فرق بينه وبين كلام المصنف رحمه الله خلافا لمن توهمه وهي بسيطة، وقيل: أصلها بل فزيدت عليها الألف، وقوله على وجه أعم يعني أنه لكل مكتسب لما ذكر من اليهود وغيرهم ليكون كالبرهان على الثبوت فيحقهم وأيضا هم أثبتوا تعذيب أيام وهو أثبت الخلود الأعمّ منها فلا يتوهم أنّ المعنى بل تمسكم أياما معدودة فانه فاسد لفظا ومعنى. قوله: (سيئة قبيحة الخ (هو فيعلة كسيدة أعل إعلاله وهي فيما يقصد بخلاف الخطيئة لكونها من الخطأ، والكسب جلب النفع فهو هنا استعارة تهكمية، وقيل: إنه عبر بالكسب لأخذهم الرشا المتقدم أو أنه حقيقة على زعمهم أنه نافع لهم ولكل وجهة وقد في قوله قد يقال: للتكثير اً وللتحقيق فلا يقال الصواب إسقاطها. قوله: (أي استولت عليه وشملت الخ (مرّ وجه الاستعارة، ومعنى استولت غلبت عليه وعمت ظاهره وباطنه وقلبه، وهذا لا يتصوّر في غير الكافر والسلف كمجاهد وغيره فسروا الخطيئة بالشرك، وهذا رذ على الزمخشرقي إذ فسرها بالكبيرة بناء على مذهب المعتزلة في أن صاحبها مخلد، وزاد قوله وإقرار لسانه رعاية للمذهب
المختار في الإيمان المنجي كما مر. قوله: (وتحقيق ذلك الخ) ومنه يعلم وجه ذكر كسب السيئة وتقديمها ومن لم يتنبه له قال كان يكفي من أحاطت خطيئته عنه وقوله: مستحسنا بصيغة الفاعل، ومنه يعلم وجه آخر على طريق الإدماج لإطلاق الكسب عليها كما مر، وقوله: وتأخذ بمجامع الخ كان الظاهر أخذت أو فتأخذ بالفاء، وقراءة الجمع وقلب الهمزة ياء وادغامها ظاهر لكنهم استحسنوا قراءة الجمع لأن الإحاطة لا تكون بشيء واحد. قيل: ولذلك فسرها المصنف رحمه الله تعالى بقوله: استولت وشملت مع أنّ الخطيئة وإن كانت مفردة نكنها لإضافتها متعدّدة كقوله: {وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللهِ} [سورة النحل، الآية: 18] مع أنّ الشيء الواحد قد يحيط كالحلقة فتأمّل. قوله: (ملارّموها الخ (الصحبة وان شملت القليل والكثير لكنها في العرف تختص بالكثرة والملازمة، ولذا قالوا لو حلف من لاقى زبدا أنه لم يصحبه لم يحنث، والخلود لما كان معناه لغة مطلق اللبث الطويل بل سواء الخلود المعروف وغيره، فإن كانت الخطيئة بمعنى الكبيرة فالخلود بالمعنى الأوّل، وإن كانت الشرك فالثاني فلا دلالة لها ولا لما قبلها من قوله فويل الخ على ما ذكر لاحتمالها لهذا، وقيل: لأن تحريف كلام الله وأخذ ما ذكر كفر لا كبيرة، وقيل: المراد بما قبلها {بَلَى مَن كَسَبَ} الخ فإنّ المعنى بلى تمسكم أبدا وهو خطأ لأنهما آية واحدة، وقيل: إنه لا معنى له ولعله محرّف عن تليها أي تقع بعدها، وهذا عذر أقبح من الذنب ومجرد الويل لا يدل على الخلود، وهذا لا ينافي ما سبق في تفسير قوله: {أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} من الدلالة على أنّ عذاب النار دائم لأنه بواسطة ما يشهد له من الآيات والآثار في معنى الخلود وهذا بناء على مجرد مدلول لغة أو جواب جدليّ فافهم. قوله: (جرت عادته سبحانه الخ) قال الطيبي رحمه الله: نجي دخول الفاء في الأوّل دون هذا قال السخاوندي: تقول من دخل داري فأكرمه عدم دخول الفاء يقتضي إكرام من دخل لكن على خطر أن لا يكرم، والذي دخل مع الفاء يكرم حقيقة الخ وهو كلام مختل لا محصل له وقيل الذكر الفاء فيما سبق وتركها هنا لأن ثمة موضع التأكيد لأن الوعيد مظنة الخلف دون
الوعد، وقيل: إنه إشارة إلى سبق الرحمة فإنّ النحاة قالوا من دخل داري فأكرمه يقتضي إكرام كل داخل لكن على خطر أن لا يكرم وبدونها يقتضي إكرامه البتة فتأمل. وقيل إنه إشارة إلى ما تسبب العذاب عنه بخلاف دخول الجنة فإنّ الأعمال لا تفي بسببه، وقوله يدلّ الخ لأنّ الأصل في العطف المغايرة ولا داعي إلى التأويل، والإقرار مسكوت عنه وهو يقتضي دخوله فيه. قوله: " خبار في معنى النهي الخ لا يضار برفع الراء المشددة والمقصود النهي كما فيما نحن فيه، وبين وجه أبلغيته بأنّ المنهيّ أو المأمور كأنه سارع إلى ذلك فوقع منه حتى أخبر عنه بالحال أو الماضي أي ينبغي أن يكون كذلك فلا يرد عليه أنه لا يناسب المقام لأنّ حال المخبر عنه على خلاف ذلك فالصواب أن يقال: لما فيه من الاعتناء بثأن المنهيّ عنه وتأكد طلبه حتى كأنه امتثل وأخبر عنه، ووجه التجوّز فيه سيأتي ويؤيده قراءة(2/192)
لا تعبدوا بالجزم وعطف الأمر لأنّ الإنشاء يعطف على مثله، وغير عبارة الزمخشريّ لما فيها وإنما أول بالنهي لأنه لو كان خبراً لزم تخلف إخباره لأنهم وقع منهم عبادة غير الله، وتقدير القول أي قائلين أو قلنا وأما تقدير أن فضعيف لأنها لا تحذف قياساً إلا في مواضع ليس هذا منها وبعد حذفها جوّزوا في الفعل الرفع النصب وبهما روي بيت طرفة في معلقته وهو:
ألا أيهذا الزإجري أحضر الوغى وأن أشهد اللذات هل أنت مخلدي
وعلى هذه القراءة فهو مصدر مؤوّل بدل من الميثاق أو مفعول به بحذف حرف الجرّ أي
بأن لا، أو على أن لا، وقيل: إنه جواب قسم دل عليه الكلام أو جواب الميثاق نفسه لإنّ له حكم القسم وعلى قراءة التاء ففي الآية التفاتان في لفظ الجلالة وتعبدون، وغيبت بتشديد الياء جمع غائب ويصح تخفيفها بفتحتين لأنه جمعه أيضاً وجوّز فيه أن يكون حالاً وجعل أن تفسيرية وتقدير تحسنون بناء على أنه خبر وأحسنوا بناء على أنه إنشاء والجملة معطوفة على تعبدون، ويصح تعلقه بإحسانا أيضاً لأنه يتعدى بالباء والى يقال: أحسنت به واليه، وقيل عليه
أنه حينئذ مصدر مؤكد وحذف عامله ممنوع وفيه نظر. ومنهم من قدر استوصوا واحسانا مفعول له والوالدان تثنية والدلالة يطلق على الأب والأمّ أو تغليب وقال الحلبيّ: أنه لا يقال في الأمّ والد فيستعين التغليب، واليتامى وزنه فعالى ككسارى وألفه للتأنيث وهو جمع يتيم كنديم وندامى ولا ينقاس واليتم أصل معناه الانفراد ومنه الدرّة اليتيمة، وقيل: الإبطاء لإبطاء البر عنه وهو في الآدميين من قبل الآباء وفي البهائم من قبل الأمهات وفي الطيور من جهتهما، ووجهه ظاهر وقيل: إنه يقال في الآدميين لمن فقدت أمّه أيضا. قوله: (ومسكين مفعيل الخ) إشارة إلى أنّ الميم زائدة وهو أصح القولين لأنه من السكون كأن الفقر أسكنه أي جعله ساكنا والفرق بينه وبين الفقير معروف وسيأتي. قوله: (أي قولاً حسناً الخ) أي فيه قرا آت حسناً بضم فسكون مصدر وصف به مبالغة وحسنا بفتحتين صفة، وقيل: هو مصدر أيضا كحزن وحزن وحسن بضمتين وضم السين لاتباع الحاء وحسني واختلف في وجهه فقيل: هو مصدر كرجعي قال أبو حيان: هو غير مقيس ولم يسمع فيه فقيل: هو صفة كحبلى وقيل: مؤنث إفعل، واستعمل منكرا بدون من على خلاف القياس مثل كبرى وصغرى قال:
وان دعيت إلى حسني مكرمة
وقوله: تخلق وارشاد أي ما فيه دلالة عليس حسن الخلق والمعاملة أو إرشاد إلى السداد. قوله: (على طريقة الالتفات أو لعل الخطاب الخ لأنّ ذكر بني إسرائيل إنما وقع بطريق الغيبة والخطابات إنما هي في حيز القول وفائدة الالتفات التعنيف والتوبيخ كأنه استحضرهم ووبخهم وتم للاستبعاد كما مر، وقال السمين: هذا إنما يجيء على قراءة لا يعبدون بالغيبة، وأما على قراءة الخطاب فلا التفات، ويجوز أن يكون أراد بالالتفات الخروج من خطاب بني إسرائيل القدماء إلى خطاب الحاضرين في زمنه عليه الصلاة والسلام، وقد قيل ذلك فيكون التفاتا على القراءتين (أقول) كون الالتفات بين خطابين لاختلافهما لم يقل به أهل المعاني لكنه وقع مثله في كلام بعض الأدباء، وهذا غير الالتفات المصطلح عليه فجعل الأوّل في حكم الغيبة لأنه محكيّ وهذا ابتداء كلام أقرب منه مع أنه خلاف الظاهر، وأمّا على التغليب فلا التفات فيه وفيه نظر. قوله: (1 لا قليلاَ منكم) المشهور فيه النصب لأنه موجب، وروي عن أبي عمرو وغيره
الرفع فقيل: إلا صفة بمعنى غير وهي يوصف بها المعارف والنكرات بخلاف غير وقيل: لا يوصف بها إلا النكرة أو المعرف بلام الجنس لأنه في قوّة النكرة، وقال المبرد: شرطه صلاحية البدل في موضعه، وقيل إنه عطف بيان وفيه نظر وقيل: إنه مبتدأ خبره محذوف أي لم يقولوا وقيل: إنه توكيد للضمير المرفوع أو بدل منه وجاز لأنه في معنى النفي، ورد بأنه ما من إثبات إلا ويمكن تأويله بمنفيّ وفيه نظر ومنكم صفة قليلاً والمراد بهم الأشخاص، وقال ابن عطية: يحتمل القلة في الإيمان أي لم يبق إلا إيمان قليل وهو بعيد جداً، والمراد على التغليب أنه ليس ببدع منكم لأنه ديدن آبائكم. قوله: (قوم عادثكم الأعراض الخ) يؤخذ كونه عادتهم من الاسمية الدالة على الثبوت، وهل هذه(2/193)
الجملة معترضة أو حالية مبنية أو مؤكدة والمؤكدة هل يجوز اقترانها بالواو أو لا وكلها أقوال، وقال الطيبيّ رحمه الله: قوله وأنتم قوم عادتكم الإعراض يشير إلى أنه من الاعتراض والتذييل كما سيجيء في قوله: {ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِن بَعْدِهِ وَأَنتُمْ ظَالِمُونَ} وقيل: لا يجوز أن تكون الواو للحال لأنّ التولي والإعراض واحد يعني والحال المؤكدة لا تفصل بالواو وهذا يرد على إطلاقهم في الاسمية كما مر وروي صاحب التحبير عن أبي علي رحمه الله الحال مؤكدة في قوله تعالى: {ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ} لأنّ في وليتم دلالة على أنهم مدبرون، وقال الراغب: وأنتم معرضون حال مؤكدة إذا جعلا شيئا واحداً، وقيل: إنّ التولي والإعراض مثل مأخوذ من سلوك الطريق، وإذا اعتبرنا حال سالك الطريق المنهج في ترك سلوكه فله حالتان إحداهما أن يرجع عوده على بدئه، وذلك هو التولي والثانية أن يترك المنهج ويأخذ في عرض الطريق، والمتولي أقرب أمراً من المعرض لأنّ من ندم على رجوعه سهل عليه العود إلى سلوك المنهج والمعرض حيث ترك المنهج والأخذ في عرض الطريق يحتاج إلى طلب منهجه فيعسر عليه العود إليه وهذا غاية الذمّ لأنهم جمعوا بين العود عن السلوك والإعراض، وقيل: إنّ التولي قد يكون لحاجة تدعوا إلى الانصراف مع ثبوت العقد، والإعراض هو الانصراف عن الشيء بالقلب اهـ. وهو تحقيق بديع وفي كلام المصنف رحمه الله لمحة منه، وكذا في قوله ورفضتموه عطفاً عل!! أعرضتم عن الميثاق على أنه تفسير له إشارة إلى اعتبار الانصراف بالقلب في مفهوم الإعراض! فتدبر، والعرض في كلامه خلاف الطول وقوله ومن أسلم منهم أي من اليهود مطلقاً سواء قام على اليهودية قبل النسخ أولاً فتأمل. قوله: (على نحو ما سبق) أي من توجبه الخطاب والتأويلات في لا تعبدون لأنّ أخذ الميثاق بإنزال التوراة وقبولهم أحكامها المشترك بين السلف والخلف، وقوله: بعضاً منصوب بنزع الخافض أي لبعض والإجلاء الإخراج من الديار والمساكن. قوله: (وإنما جعل
قتل الرجل غيره الخ) قال المحقق: جعل غير الرجل نفسه أمّا في لا تخرجون أنفسكم فصريحاً وأمّ في لا تسفكون فدلالة والقول بأنّ قتل الغير بمنزلة قتل النفس لترتب القصاص يمكن اعتبار مثله في الإخراج لما يلحقه من العار والصغار اص. وقيل: لأنه يؤذي إلى أن يفعل به مثل ذلك وهو بعيد، فالتجوّز في محلين وبوجهين إمّا أنّ المتصل به دينا ونحوه أطلقت عليه النفس بعلاقة الملابسة والاتصال أو جعل قتل الغير قتلا لنفسه لتسبيبه له بالقصاص، وقيل: إنه مراد المصنف رحمه الله تعالى ولم يتعرّضر له لظهوره وانفهام وجهه مما ذكر وقيل: إنّ المصنف رحمه الله تعالى خص صورة القتل بالتوجيه ظناً منه أنّ الإخراج لا يحتاج إليه رذا على الكشاف نظراً إلى أنّ قتل الإنسان نفسه لا يكون في العادة فلا حاجة إلى أخذ الميثاق عليه بخلاف الإخراج عن دياره فإنه معروف فلا داعي لصرفه عن ظاهره فظهر أنّ جعل غير الرجل نفسه إنما هو في تسفكون لا في تخرجون ومن زعم أن ذلك في الثاني صريح دون الأوّل فقد عكس الأمر الظاهر اهـ. وهذا تخيل فاسد لأن الإخراج بمعنى الإجلاء والنفي لا يتصوّر بين الإنسان ونفسه بل الإخراج إذ يقال خرج زيد ولا يقال أخرح نفسه وبعد تقرّره وأن التجوز في النفس وهي مصرّح بها في الثاني دون الأوّل لا تبقى شبهة فيما ذكره الشارح المحقق نعم وجه التصريح في الثاني بالنفس دون الأوّل لازم ونكتتة أنه لو ترك لكان تخرجونكم وهو ممنوع في العربية، وقيل على الشارح أيضاً إنّ قتل الغير يفضي إلى قتل نفسه فيصح عذة قتلاً لنفسه، واخراج الغير لا يفضي إلى إخراج النفس فكيف يصمح عذه إخراجا لها وليس بوارد لأنّ إخراج جنسهم عار عليهم يفضي إلى ل! ضوق ذلك العار بمن أخرح أيضا فيجعل اللازم مفضياً إلى لازم آخر، وهو ظاهر. قوله: (وقيل معناه الخ) وهو على هذا مجاز أيضاً على منوال البطون القرآنية، وأما قوله في الحقيقة فليس المراد به مقابل المجاز بل معناه العرفي وهو إلا خلق وليس المراد بالحقيقة مصطلح الصوفية كما قيل: ويردي بمعنى يهلك، وقوله: يصرفكم عن الحياة الأبدية يعني عن لذاتها لأنهم مخلدون في النار أيضاً أو أنّ حياتهم كلا حياة، وقوله: فانه الجلاء الحقيقي(2/194)
يعني أنّ غيره ليس جلاء بالنسبة إليه وفي الفصول للقصار ليس النفي جلاء الأوطان بل البعد عن رياض! الجنان. قوله: (ثم أقررتم بالميثاق واعترفتم بلزومه) أي خلفا بعد سلف يعني أخذ منكم الميثاق والتزمتموه فالإقرار ضد الجحد ويتعدّى بالباء ويحتمل أنه بمعنى إبقاء الأمر على حاله أي أقررتم بهذا الميثاق ملتزما والمصنف رحمه الله تعالى غافل عن هذا، ولذا عداه بالباء كذا قبل: وليس بشيء لأنّ إبقاء الشيء على حاله من غير اعتراف به لا يلائمه
ترله وأنتم تشهدون، وأتا بمعنى الإثبات سواء كان باللسان أو بالقلب وضده الإنكار فيتعدى بالباء أيضاً كما ذكره الراغب ووجه كونه تأكيدأ أنّ المعنى أقررتم إقرارا ملزما كما تلزم البينة، وهذا مما يقوّيه ويؤكده ويدفع احتمال أن يكون الإقرار ذكر أمر آخر لكنه يقتضيه فهو احتراس دافع أط! حتمال وهو لا ينافي التأكيد كما توهم وإذا كان الإقرار إقرار السلف واسناده لهؤلاء مجازيّ بأن أسند إليهم ما وقع من آبائهم فليس فيه تغليب كما توهم أنه من قبيل {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ} فإنه وجه آخر، وانشهادة من الخلف فهو على هذا من عطف جملة على أخرى وعلى الأوّل حال على سبيل التتميم. قوله: (استبعاد لما ارتكبوه بعد الميثاق (مرّ تقرير الاستبعاد وما بينه وبين الترإخي الرتبي، وقوله: وأنتم مبتدأ الخ في الكشاف ثم أنتم بعد ذلك هؤلاء المشاهدون يعني أنكم قوم آخرون غير أولئك المقرّين تنزيلاً لتغير الصفة منزلة تغير الذات كما تقول: رجعت بغير الوجه الذي خرجت به وقوله: تقتلون بيان الخ، ولما كان الإخبار باسم الإشارة لا يقتضي المغايرة وحمل الظاهر على الضمائر لا يقتضي ذلك كما إذا قلت ها أناذا قائما وأنا زيد أو ضارب فلا عدول فيه عن مقتضى الظاهر اعترض عليه أبو حيان بأن المشار إليه بقوله: أنتم هؤلاء المخاطبون أوّلأ فليسوا قوما آخرين ألا ترى أنّ التقدير الذي قدره الزمششريّ من تقدير تنزيل تغير الصفة منزلة تغير الذات لا يتأتى في نحوها أنا ذا قائماً ولا في أنتم هؤلاء بل المخاطب هو المشار إليه من غير تغير، وقال الحلبي: لم يتضح لي صحة الإيراد عليه وما أبعده عنه لأنه لم يفهم مراده، فالحق أنه اعتراض قوفي وكلامه لا يخلو عن خفاء، وقد أشار إليه شراحه وحاولوا توجيهه فقيل: كان من حق الظاهر ثم أنتم بعد ذلك التوكيد في الميثاق نقضتم العهد فتقتلون أنفسكم وتخرجون فريقا منكم من ديارهم أي صفتكم الآن غير الصفة التي كنتم عليها فأدخل هؤلاء وأوقع خبرا لأنتم، وجعل قوله تقتلون أنفسكم جملة مبينة مستقلة ليفيد أنّ الذي تغير هو الذات بعينها نعيا عليهم بشدة وكأنه أخذ الميثاق ثم تساهلهم فيه وقله المبالاة به، وقوله: رجعت بغير الوجه الذي خرجت به يعني ما أنت بالذي كنت من قبل وكأنك ذهب بك وجيء بغيرك وفي الحديث: " دخل بوجه غادر وخرج بوجه كافر " اص. والمصنف رحمه الله تعالى لم يمثل بما مثلى به في الكشاف لكن لا فرق بينهما كما توهم لأن قوله أنت ذلك الرجل الذي فعل كذا مع أنّ الظاهر أن يقول أنت فعلت كذا كأنه قدر في نفسه أنه صار شخصآ آخر، ثم إنّ قوله وأنتم تشهدون على الوجه الثاني خطاب لمن أدرك
زمن النبيّ صلى الله عليه وسلم من اليهود وأنتم هؤلاء كذلك فادّعاء المغايرة في المحمول بحسب الذات لا يخلو عن كدر وان كان خطابا للكل وأنتم كذلك فالمغايرة حقيقية والحمل محتاج إلى التأويل، وقوله باعتبار ما أسند إليهم يعني أنتم المعبر به عن المأخوذ عليهم الميثاق وباعتبار ما سيحكي يعني هؤلاء، وقيل: أراد بالأوّل إسناد الإقرار والشهادة لأنهما يوجبان القرب وبالثاني قتل أنفسهم الخ لأنّ المعاصي توجب البعد. قوله: (إمّا حال والعامل فيها معنى الإشارة) وشممى عاملاً معنويا لكونه في معنى الفعل وهذا كقولهم ها أنا ذا قائما قال أبو حيان رحمه الله تعالى: والمقصود من حيث المعنى الإخبار بالحال، وأما على البيان فكأنه لما قيل: ها أنتم هؤلاء قيل: ما شأننا فقيل: تقتلون الخ والجملة لا محل لها من الإعراب وأمّا أنه تأكيد فهو على أن يجعل بدلاً مما قبله، أو عطف بيان والمراد با اضأكيد معناه اللغوي وهو مطلق التقوية بالتكرير وأمّا جعله موصولاً فهو مذهب البصريين في جميع أسماء الإشارة فإنها تكون عندهم أسماء موصولة، كما قال الجمهور في ماذا صنعت أنه بمعنى ما الذي صنعت والصحيح خلافه ولأنه يصير أيضاً(2/195)
من قبيل:
أنا الذي سمتني أمي حيدره
وهو ضعيف، وفي الآية وجوه آخر مبسوطة في الدر المصون وروى محيي السنة عن السدي أنّ الله تعالى أخذ العهد على بني إسرائيل في التوراة أن لا يقتل بعضهم بعضاً ولا يخرج بعضهم بعضاً من ديارهم وأيما عبد أو أمة وجدتموه من بني إسرائيل فاشتروه بما قام من ثمنه وأعتقوه. قوله: (حال من فاعل تخرجون الخ) الإثم الذنب والعدوان التعدي بالظلم، ووجه القراءة بالحذف أنه اجتمع تا آن فحذفت إحداهما للتخفيف وهي إمّا الأولى وامّا الثانية على اختلاف أو قلبت ظاء وأدغمت وهو ظاهر ومعنى المظاهرة المعاونة مأخوذ من الظهر للاستناد إليه. قوله: (روي الخ) قال الطيبي رحمه الله: العرب النازلون بيثرب فريقان يهود وهم بنو قريظة مصغرأ والنضير كأمير ومشركون وهم قبيلتان الأوس والخزرج وكانت بين الأوس والخزرج محاربات فاستحلف الأوس قريظة والخزرج النضير ليكون معهم في حروبهم ولم يكن بين فريقي اليهود محالفة ولا قتال وإنما كانوا يقاتلون مع حلفائهم فكانوا إذا أسر من اليهود
احد جمع كل من الفريقين ما يفيد به من المشركين فإذا كانوا مع الحلفاء قتل اليهود بعضهم بعضا وأخرجوهم من ديارهم وخرّبوها فإذا وضعت الحرب أوزارها أعطوا فداء من أسر منهم فإذا قيل: لهم في ذلك قالوا إنّ القتل والإخرإج لأجل حلفائنا وهو مخالف لما عهد في التوراة، ولذلك نفاديهم لأنا أمرنا به كما مر فأحلوا بعضا وحرّموا بعضاً، ومعنى إتيانهم حال كونهم أسارى إمّا حقيقة وامّا إتيان خبرهم ونحوه وقوله: وقيل الخ هذا خلاف الظاهر وهو من التأويل. قوله: (أسرى وهو جمع أسير الخ) قرئ أسر! وأسارى بفتح الهمزة وضمها، أمّا أسارى فلأنهم حملوا أسيرآ على كسلان فجمعوه جمعهم كسالى كما حملوا كسلان عليه فقالوا كسلى كذا قال سيبوبه: ووجه الشبه أنّ الأسر والكسل كل منهما أمر غير اختياري، وقيل: إنه مجموع كذا ابتداه من غير حمل كما قالوا في قديم قدامى والأصل فيه الفتح والضم ليزداد قوّة وقيل: أسارى جمع أسرى جمع أسير فهو جمع الجمع والفتح لغة عالية ولا فرق بين أسرى وأسارى، وقيل: من كان في الوثاق فهم أسارى وغيره أسرى وهو مأخوذ من الأسار وهو الرباط الذي يشد به، وفاداه وفداه بمعنى وقيل: فداه بالمال وفاداه أعطى فيه أسيرا مثله واللغة تخالفه وقيل: فداه بالصلح وفاداه بدونه والفدا بالكسر يمد ويقصر والأكثر مع اللام قصره نحو فدى لك، وبالفتح مقصور لا غير وهو يتعذى لمفعولين الأوّل بنفسه والثاني بالباء0
قوله: (متعلق الخ (إشارة إلى ردّ ما قيل: إنه متعلق بجميع ما تقدم لأنه محتاج إلى تكلف والمراد أنه حال منه، وخص الإخراج ببيان حرمته قيل: لما فيه من الجلاء والنفي الذي لا ينقطع شره إلا بالموت والظاهر أنه لظهور منافاته لمفاداتهم فيناسب تفريع قوله أفتؤمنون الخ. وقوله: وما بينهما اعتراض قيل عليه الجملة المعترضة لا محل لها من اعراب وقد جعل قوله تظاهرون عليهم حالاً وبينهما منافاة ولا وجه له لأنّ المراد بالمعترضة جملة {وَإِن يَأتُوكُمْ أُسَارَى} [سورة البقرة، الآية: 85] وأما جملة تظاهرون على الحالية فهي قيد للخروج ص ذ كور بذكره وهو ظاهر. قوله: (والضمير الخ (فيه وجوه من الإعراب أحدها أنه ضمير شان والجملة بعده خبره ولا يحتاج إلى رابط وقيل: خبره محرّم وإخراجهم نائب فاعله وهو مذهب الكوفيين وإنما ارتكبوه لأنّ الخبر المتحمل ضميراً مرفوعاً لا يجوز تقديمه على المبتدأ فلا يقال قائم زيد، وهو عند البصريين جائز وما ذكروه ممتنع لأنّ ضمير الشأن لا يفسر بمفرد والثاني أنه
ضمر مبهم يفسره بدله وهو إخراجهم وهذا بناء على جواز إبدال الظاهر من الضمير والثالث أنه راجع إلى الإخراج المفهوم من تخرجون واخراجهم بدل منه أو عطف بيان له وضعف بأنه بعد عوده إلى الإخراح لا وجه لإبداله مته. قوله: (أفتؤمنون الخ) الاستفهام للإنكار والتوبيخ على التفريق بين أحكام الله والعهد كان بثلاثة أشياء: ترك القتل، وترك ألإخراج، ومفاداة الأسارى، فقتلوا وأخرجوا على خلاف العهد وفدوا بمقتضاه وقيل: المواثيق أربعة فزيد ترك المظاهرة، وما في الكشاف من أنه قيل لهم: كيف تقاتلونهم ثم تفدونهم فقالوا أمرنا بالفداء وحرم علينا القتال ولكنا نستحي من حلفائنا يدل(2/196)
على أنهم لا ينكرون حرمة القتال فإطلاق الكفر عليه على فعل ما حرم إمّا لأنه كان في شرعهم كفراً أو أنه للتغليظ كما أطلق على ترك الصلاة ونحوه ذلك في شرعنا. قوله: (الأخرى قي الحيوة الدنيا الخ) قال الراغب: خزى الرجل لحقه انكسار من نفسه أو غيره، فالذي من نفسه الحياء المفرط ومصدره الخزاية والذي من غيره كالذل والهوان مصدره الخزي أي ليس جزاء فاعله منكم لا ممن خالفتموهم في الدنيا إلا الفضيحة وفي الآخرة إلا العقاب والجزاء يطلق في الخير والشر وقيل: عليه أنّ القتل ليس خزيا على تفسيره إلا أن يكون خزيا لذراريهم وذويهم أو أنّ ما ذكره أصل معناه ثم عم واجلاء النضير إلى أريحاء وأذرعات، وقوله عمى غيرهم قيل عليه إنه صريح في أنهم غير منحصرين في قريظة والنضير وما ذكره سابقا وكذا ما نقل عن الطيبي يخالفه فالصواب ما في المغازي أنهم كانوا فريقين بني ينقاع بفتح القاف وتثليث النون وهما حلفاء الخزرج والاخر النضير وقريظة وهم حلفاء الأوس فتأمّل. وقوله: وأصل الخزي أي أصل هذه المادّة بقطع النظر عن خصوص المصدر وقيل: عليه أنّ الخزي لا يستعمل في الاستحياء، وإنما المستعمل فيه الخزاية كما مر عن الراغب وذكر مثله المرزوقيّ وغيره والدنيا مأخوذ من دنا يدنو وياؤه منقلبة عن واو فرقا بين الأسماء والصفات وإنما كان عصيانهم أشد لأنه كفر بكتاب الله بعدما علموا خلافه، ووجه القراءة بالخطاب والغيبة ظاهر والقراءة المنسوبة إلى عاصم شاذة والردّ إن كان بمعنى التصيير فظاهر وان كان بمعنى الرجوع فلأنهم معذبون في الدنيا وفي القبور، وقوله بالآخرة أي
بحظوظها ومن قال بحياتها أراد الحياة المقيدة بها إشارة إلى المجاز في اشتروا، والباء داخلة على المتروك. قوله: (بنقض الجزية الخ) أقول عدم تخفيف عذاب الكفار وقع في سور ثلاث البقرة وآل عمران والنحل وقد صرح فيها بأنّ العذاب الذي لا يخفف عنهم عذابهم بعد دخول جهنم المخلد لاقتضاء الحكمة والعدل الرحماتي عدم الاستواء فيه وأن يجعل على مقدار كفرهم فلا يكون عذاب من لم يؤذه ولم يبارزه بالعداوة بل أعتقد رسالته وأحبه وإنما كفر بالجحد اللساني لحمية الجاهلية كأبي طالب كعذاب غيره على مراتبهم في الكفر والإيذاء، فجعل عذاب الأوّل خفيفاً بالنسبة لمن عداه أو تخفيفه في البرزخ قبل سجن سجين لا ينافي عدم تخفيفه بعد دخول دار الخلود كما قال تعالى: {أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ خَالِدِينَ فِيهَا لاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ} [سورة البقرة، الآية: 121] فلا ينافي القضاء بتخفيفه أوّلاً الذي سيذكره المصنف رحمه الله في الزلة كما يتراءى في أوّل نظرة ومنهم من فسر التخفيف بتخفيف العذاب الدنيوي والأخروي الشامل للخزي والنصر بدفع الجزية ولم يتعرض لدفع العذاب لأنه يفهم من نفي تخفيفه بالأولى وقوله أي التوراة لم يقل جملة واحدة كما في الكشاف لأنه لا دلالة للنظم عليه وما فيه بيان للواقع. قوله: (وقفينا الخ) قالوا كان بين موسى وعيسى عليهما الصلاة والسلام أربعة آلاف نبيّ، وقيل سبعون ألفاً كانوا على شريعة موسى صلى الله عليه وسلم ومعنى تترى متتايعين واحداً بعد واحد وأصله وترى واتبعه الأول في كلام المصنف من الافتعال والثاني من الأفعال، قيل: يقال قفاه يقفوه قفوا أي اتبعه وقفاه غيره تقفية أي اتبعه من القفا ولما كان عدم بيان إرداف موسى عليه الصلاة والسلام بجمع من ارسل معا مراداً لم يقل وقفيناه بالرسل فإنّ المراد منه تقفية كل منهم لموسى عليه الصلاة والسلام بالذات، وليس كذلك بل قثل: قفينا من بعده بالرسل على تضمين قفينا معنى جئنا من بعده بالرسل مقتفين أثره ومتبعين شريعته فمن قال أصل الكلام قفينا موسى صلى الله عليه وسلم بالرسل فترك المفعول به وأقيم من بعده مقامه لم يصب وكذا تفسير المصنف رحمه الله التقفية بالإرسال تبعاً للزمخشري غير صواب، وهذا تخيل لا وجه له لأن التقفية إما محسوسة، كأن يمشي على أثره أو معقولة كاتباع شريعته وكل من ذلك لا دلالة له على المعية كما يقال: للأمم اتبعوا نبيهم وتفسيره بأرسلنا بعده مما وقع لغير المصنف بيانا لأنّ المراد أنّ إرسالهم بعده لا في حياته فالإقدام على تخطئة هؤلاء الفحول من غير داع وارتكاب التضمبت من فضول الكلام(2/197)
وقوله: أتبعه به في نسخة أتبعه إياه كما في الكشاف وهو الظاهر، وفي الأولى إشارة إلى أنه لا يتعدى لمغعولين وقوله: ذنبه من الذنب بفتحتين كذنبت الرطبة. قوله: (المعجزات الخ) تفسير البينات
بالإنجيل بدون الآيات خلاف الظاهر ولذا أخره وقوله: بالعبرية في الكشاف بالسريانية، وغيره المصنف رحمه الله وأجاد وفي القاموس عيسى عليه الصلاة والسلام اسم عبرانيّ أو سريانيّ وجمعه عيسون بفتح السين وقد تضم وعيسين بفتحها وقد تكسر والنسبة إليه عيسى وعيسويّ، وقوله: وعيسى بالعبرية يثوع بكسر الهمزة والمعجمة فعرّب ومعنا. السيد وقيل: المبارك وأفرد عيسى عليه الصلاة والسلام لتميزه عنهم لكونه من أولي العزم وصاحب كتاب، وقيل: لأنه ليس متبعا لشريعة موسى عليه الصلاة والسلام، وأضافه إليها رداً على اليهود إذ زعموا أنّ له أبا. قوله: (ومريم بمعنى الخادم الخ) لأنّ أمها نذرتها لخدمة بيت المقدس، والزير بالكسر من الرجال من يكثر محادثة النساء ومجالستهن فمن يكثر من النساء من مخالطة الرجال كذلك فسمي به من يخدم من النساء لأنّ شأنه ذلك فلا مغايرة بين كونها بمعنى الخادم وكونها زير النساء ولا حاجة إلى ما قيل: إنها سميت بذلك تمليحاً كما يسمي الأسود كافوراً فإنه غفلة عن معنى كلامه وسيأتي ما يحققه، وقال الأزهريّ: المريم المرأة التي لا تحب مجالسة الرجال وكأنه قيل لها ذلك تشبيهاً لها بمريم البتول والشعر المذكور لرؤبة من أرجوزة مدح بي السفاح وبعده:
ضليل أهواء الصبا تندمه هل يعرف الربع المخيل أرسمه
عفت عوافيه وطال قدمه
وضليل كشرّيت مبالغة ضال صفة زير والتندم الندم فاعل ضليل على الإسناد المجازي كنهاره صائم. قوله: (ووزنه مفعل إذ لم يثبت فعيل) هو إمّا غير عربي عرّبته العرب بعدما كان بمعنى الخادم أو العابدة ونقل لمعنى يناسبه كما مر أو مشترك بين اللسانين ومعناه بالعبرية غير معناه بالعربية فهو حينئذ مفعل لا فعيل لأنّ فعيل بالفتح لم يثبت في الأبنية أو نادر ان قلنا به كما اختاره الصاغاني في الذيل وقال: إنه مما فات سيبويه، ومنه صهيد للصلب واسم موضمع وهو بالصاد المهملة والضاد المعجمة ومدين على القول بأصالة ميمه، وضهيا بالقصر وهي المرأة التي لا تحيض أو لا ثدي لها، وقال ابن جني: صهيد وعثير مصنوعان فلا دلالة فيهما وإذا كان مفعل فهو أيضا على خلاف القياس إذ القياس إعلاله بنقل حركة الياء إلى الراء وقلبها ألفا نحو مباع ولكته شذ كما شذ مدين ومزيد وإذا كان من رأم يريم المخصوص بالنفي فالقياس كسر يائه أيضا، والأيد القوّة ومنه أخذ أيد على فعل وآيد على أفعل. قوله: (بالروح المقدّسة كقولك حاتم الجود) يعني أنّ الأصل ذلك لكن أضيف الروح إلى القدس تنبيها على زيادة
الاختصاص به لأنّ من شأن الصفة النسبة إلى الموصوف فإذا أضيف إليها يكون الموصوف منسوبا إلى الصفة فيزيد معنى الاختصاص كحاتم الجود بإضافة الموصوف إلى مبدأ صفته مبالغة في ثبوته له أو اختصاصه به واشتهاره والإضافة معنوية بعد تنكير العلم وبدونها عند الرض وليس المعنى أنّ الجود بمعنى الجواد مبالغة والموصوف مضافا إلى صفته كما توهم والقدس التقدي! ومعناه التطهير وروح القدس جبريل عليه الصلاة والسلام، قال تعالى: {قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ} [سورة النحل، الآية: 02 ا] لنزوله بالقرآن والوحي الذي تطهر به النفوس من دنس الهيولى، والروح إذا أطلق على جبريل عليه الصلاة والسلام لا يؤنث وبمعناه المعروف يذكر ويؤنث وحظيرة القدس الجنة وقيل الشريعة، وقوله: روح عيسى عليه الصلاة والسلام الخ أتا طهارته من مس الشيطان فسيأتي تحقيقه في آل عمران وأمّ كرامته على الله وتعظيمه باضافته إليه فظاهر، والمراد بالأصلاب أصلاب الرجال والطوامث النساء التي تحيض ومريم لم تحض تط كما رواه الثقات واطلاق الروح على الإنجيل لأنه أطلق على الوحي الذي به الحياة الأبدية واطلاقه على الاسم الأعظم لأنه كالروج في إحياء الموتى والاسم الأعظم فيه كلام لعل النوبة تفضي إليه، والقدس بضم الدال وتسكن وبهما قرئ. قوله: (هوي بالكسر هوي إذا أحب الخ)(2/198)
فهو من المحبة كعلم يعلم ومصدره هوى بالقصر ومن السقوط من باب ضرب ومصدره الهويّ بالضم وأصله فعول فأعل هذا هو المشهور، وقال المرزوقي في شرح أشعار هذيل: معنى هوى أنقض انقضاض النجم والطائر وكان الأصمعي يقول هوت العقاب إذا انقضت لغير الصيد وأهوت إذا انقضت للصيد وحكى بعضهم أنه يقال: هوى يهوي هوياً بفتح الهاء إذا كان القصد من أعلى إلى أسفل قال:
هويّ الدلو أسلمها الرشاة
وهوى يهوي هوياً بضم الهاء إذا كانت من أسفل إلى أعلى قال أبو بكر:
واذا رميت به الفجاج رأيته يهوي مخارمها هويّ الأجدل
اص والهوى المحبوب ويكون في الحق وغيره وإذا أضيف إلى النفس فالمراد به الثاني في الأكثر. قوله: (ووسطت الهمزة بين الفاء وما تعلقت به الخ) قال ابن هشام رحمه الله: في المعنى الهمزة لكونها أصل أدوات الاستفهام لها تمام الصدر فإذا كانت في جملة معطوفة بالواو
أو الفاء أو ثم قدمت على العاطف تبيهاً على أصالتها في التصدير وأخواتها تتأخر عنه كما هو القياس نحو فهل يهلك هذا مذهب سيبويه والجمهور وخالفهم جماعة منهم الزمخشريّ فزعموا أنّ الهمزة في محلها الأصلي وأنّ العطف على جملة مقدرة بينها وبين العاطف، وردّ بأنه تقدير ما لا حاجة إليه وأنه لا يتأتى في كل موضع وان كان الزمخشريّ خالفه في مواضع كثيرة ومن عرف معنى كلام الزمخشري عرف أنه قول من لم يصل إلى العنقود قال الشارح المحقق اختلف كلامهم في الواو والفاء وثم الواقعة بعد همزة الاستفهام فقيل: عطف على مذكور قبلها لا مقدّر بعدها بدليل أنه لا يقع في أوّل الكلام، وقيل: بالعكس لأنّ للاستفهام صدر الكلام والمصنف يحملها في بعض المواضع على هذا وفي البعض على ذاك بحسب مقتض المقام ومساق الكلام، ولا يلزم بطلان صدارة الهمزة إذ لم يتقدمها شيء من الكلام الذي دخلت هي عليه وتعلق معناها بمضمونه غاية الأمر أنها توسطت بين كلامين متعاطفين لإفادة إنكار جمع الثاني مع الأوّل أو لوقوعه بعده متراخياً أو غير متراخ وهذا مراد من قال إنها مقحمة مزيدة لتقرير معنى الإنكار أو التقرير أي مقحمة على المعطوف مزيدة بعد اعتبار عطفه ولم يرد أنها صلة اكل هـ ومعنى كلام المصنف رحمه الله أنّ قوله تعالى: {كُلَّمَا جَاءكُمْ} تسبب عن قوله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ} [سورة هود، الآبة: 10 ا] ولهذا دخلت الفاء عليه والتقدير نحن أنعمنا عليكم ببعثة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وانزال الكتب لتشكروا تلك النعم بالتلقي فعكستم بأن كذبتم فريقاً الخ كقوله تعالى: {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ} [سورة الوأقعة، الآية: 82] ثم أدخل بين السبب والمسبب همزة التوبيخ والتعجيب لتعكيسهم فيما يجب عليهم وأن لم تعطف على ما قبلها بل على مقدر فهي مستأنفة والتقدير أفعلتم ما فعلتم فكلما الخ وما فعلتم إمّا عبارة عما ذكر بعد الفاء فيكون العطف للتفسير وأمّا غيره مثل أكفرتم بالنعمة واتبعتم الهوى فتكون دحقيقة التعقيب. قوله: (والفاء للسببية أو للتفصيل الخ) لأنّ ما ذكر نشأ من استكبارهم عن اتباعهم وان أريد باستكبر أظهر التكبر بفعل ما لا يليق فهو تفصيل له، والأول أولى، ولذا قدّم وتقتلون بمعنى قتل آباؤكم فأسند إليهم للرضا به وللحوق مذمّته بهم وعبر بالمضارع حكاية للحال الماضية واستحضاراً لصورتها لفظا عنها واستعظامها، وأمّا كونه لرعاية الفواصل ولذا قدم مفعوله فوجهه أنه من قبيل المشاكلة للأفعال المضارعة فيما قبله فلا يقال إنّ التعبير عن الماضي بالمضارع لرعاية الفواصل مما لا يوجد في كتب العربية لكنه لا يبعد عن الاعتبار. قوله: (أو للدلالة على أنكم بعد الخ (أي بعدما مضى والمراد الآن قيل: وقوله تقتلون تغليب لدخول محمد صلى الله عليه وسلم في هذا الفريق وليس مخصوصاً وقوله: لولا أني أعصمه يدل على أنه أراد
بالقتل أعم من القتل بالفعل والعزم عليه، وهو تكلف لا حاجة إليه لأنه عليه الصلاة والسلام قتل بالسم حقيقة. ويصح استقبال تقتلون بالنظر إلى ما قبله من التكذيب وفيه أنّ قتل النبيّ صلى الله عليه وسلم بالسم لنيل مرتبة الشهادة (11 لم يكف وقت نزول الآية فلا يفيد الحمل عليه دفع التكلف، وقصة السحر وسم اليهود له شاة وأكله منها مذكورة في الصحيحين وستأتي الأولى(2/199)
في المعوّذتين. قوله: (منشاة بأغطية خلقية) فهو جمع أغلف وسكونه على الأصل كأحمر وحمر وهو ذو الغلفة الذي لم يختن ويقال قلفة وقلفة أيضاً والمعنى أنّ قلوبنا لا يصل إليها ما تقول فتفهمه لأنها منعت منه لما خلقت عليه، وهذا كقوله: {وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ} [سورة فصلت، الآية: 55] أو أصله غلف بضم اللام جمع غلاف ككتاب وكتب فسكن للتخفيف، وقرئ على الأصل في الشواذ والمراد أنها أوعية العلم المملوءة به وحينئذ فلا تعي ما تقول لأنه ليس من المعلوم أو أنه منها ولكنها لا حاجة لها فيه إذ عندها ما يكفيها فالتفاسير ثلاثة، وقوله: بل لعنهم الله الخ ردّ له، وبينه المصنف رحمه الله على التفاسير الثلاثة واللعن الطرد عن رحمة الله ومعنى خذلان الله لهم بكفرهم أنه تعالى جعلهم كفاراً غير مستعدّين لقبول الحق وأنه بفعله تعالى واحداثه فيهم، وقد غير عبارة الزمخشريّ المبنية على مذهبه وبقية كلامه ظاهر. قوله: (فإيماناً قليلاَ الخ) وما مزيدة لتأكيد معنى القلة لا نافية لأنّ ما في حيزها لا يتقذمها ولأنه وان كان بمعنى لا يؤمنون قليلا فضلا عن الكثير لكن ربما يوهم لا سيما مع التقديم أنهم لا يؤمنون قليلا بل كثيراً وأمّا المصدرية فلا مجال لها وإنما لم يجعل قليلاً من صفة الأحيان كما في قليلاَ ما يشكرون لأنهم لم يؤمنوا قط نعم إذا كانت القلة بمعنى العدم فهو محتمل كذا قيل: وقد جوّز في قليلاً أن يكون حالاً أي يؤمنون حال كونهم جميعا قليلاً أي المؤمن منهم قليل، وقد
نقل عن ابن عباس وقتادة وجوّز كون ما نافية أيضاً بناء على جواز تقدم ما في حيزها عليها وهو مذهب الكوفيين وأمّا منع المصدرية على أنّ المصدر فاعل قليلاً أي قليلاً إيمانهم فلأنه لا ناصب لقليلا بخلافه في قوله تعالى: {كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ} [سورة الذاريات، الآية: 17] ولو قدر كانوا لصح لكنه خلاف الظاهر وأمّا كونه منعه للزمان فجوّزه السمين وقال إنه صفة لزمان محذوف أي فزمانا قليلاً ما يؤمنون وهو كقوله: ولمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره} [سورة آل عمران، الآية: 72] وأما قوله أنه محتمل على تقدير أنّ القلة بمعنى العدم فركيك لأنه يصير المعنى يؤمنون زمانا معدوماً ولا محل له. قوله: (وقيل: أراد بالقلة العدم) ضعفه لأنه خلاف الظاهر وقال أبو حيان أن القلة بمعنى النفي وان صحت لكن في- غير هذا التركيب لأنّ قليلا انتصب بالفعل المثبت فصار نظير وقت قليلا أي قياما قليلاَ ولا يذهب ذاهب إلى أنك إذا أتيت بفعل مثبت وجعلت قليلا صفة لمصدره يكون المعنى في المثبت الواقع على صفة أو هيئة انتفاء ذلك المثبت رأساً وعدم وقوعه بالكلية وإنما الذي نقل النحويون أنه قد يراد بالقلة النفي المحض في قولهم أقل وجل يقول ذلك وقلما يقوم زيد فحملها على ذلك ليس بصحيح، وردّ بأنه قال به الواقديّ قبل الزمخشرفي فانه قال: أي لا قليلاً ولا كثيراً كما تقول قلما يفعل كذا أي ما يفعله أصلا (قلت) ما ذكره أبو حيان قويّ من حيث الدليل فإنه لا معنى لتأكيد الفعل بمصدر منفيّ ولا نظير له. قوله: (مصدق لما معهم من كتابهم الخ الم يجعل ما معهم مصذقا للكتاب وان كان يتبادر أنه أقوى لإلزامهم لأنّ القرآن معجز دال بإعجازه على أنه من عند الله فإذا طابق ما قبله دل على أنه صدق وعلى الحالية فذو الحال نكرة لكنها تخصصت بالوصف ولا يضرّ احتمال أنّ الظرف لغو متعلق بجاء ولو جعل حالاً من الضمير المستقز في الظرف لكان أقرب، وأمّا ما قيل: إن تقييد المجيء بالحال أنسب فلا وجه له وجعل جواب لما محذوفا وهو مختار الزجاج وتقديره كفروا أو كذبوا به واستهانوا بمجيئه وذهب الفرّاء أنّ لما الثانية مع جوابها جواب للأولى وضعف بأنّ الفاء لا تقع في جوا! لما ولو جوّز وقوعها زائدة فلما لا تجاب بمثلها لا يقال لما جاء زيد لما قعد أكرمتك وذهب المبرّد إلى أنّ كفروا جواب لما الأولى، والثانية مكررة لطول الكلام وقيل إن الفاء مانعة منه وفيه نظر وقيل أنه جواب لهما وأمّا جعل فلعنة الله جوابها وما بينهما اعتراض فبعيد. قوله: (يستفتحون على الذين كفروا أي يستنصرون الخ) أصل الفتح إزالة الإغلاق المحسوسة كفتح الباب ويستعمل في غيره بفتح المشكلات وفتح القضية لفصلها، ولذا قيل: فتاج بمعنى حاكم والفتح الظفر المزيل للموانع واقفالها عما ظفر به والاستفتاح طلب الفتح والنصر وأصله في المدن ونحوها ثم عمّ فيستفتحون بمعنى يستنصرون(2/200)
على المشركين بالنبيّ صلى الله عليه وسلم أي يطلبون من
الله أن ينصرهم به. قال تعالى: {إِن تَسْتَفْتِحُواْ فَقَدْ جَاءكُمُ الْفَتْحُ} [سورة الأنفال، الآية: 9 ا] روى السديّ رحمه الله أنهم كانوا إذا اشتد الحرب بينهم وبين المشركين أخرجوا التوراة ووضعوا أيديهم على موضمع ذكر النبيّ صلى الله عليه وسلم، وقالوا: اللهمّ إنا نسألك بحق نبيك الذي وعدتنا أن تبعثه في آخر الزمان أن تنصرنا اليوم على عدوّنا فينصرون فالسين للطلب أو هو بمعنى يفتحون أي يعرفون من الفتح في العلوم والسين زائدة للمبالغة كأنهم فتحوا بعد طلبه من أنفسهم والشيء بعد الطلب أبلغ وهو من باب التجريد جرّدوا من أنفسهم أشخاصا وسألوهم الفتح كقولهم استعجل كأنه طلب العجلة من نفسه، وقيل يستفتحون بمعنى يستخبرون عنه هل ولد مولود صفته كذا وكذا نقله الراغب وغيره وما قيل: إنه لا يتعدى بعلى لا يسمع بمجرّد التشهي وما عرفوا كناية عن الكتاب المتقدّم وكفروا به أي جحدوه مع علمهم به وهذا أبلغ في ذنهم كقوله تعالى: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ} [سورة النمل، الآية: 14] وكفرهم بما جاء من عند الله كفر بمن جاء به أيضاً، فلذا لعنوا وطردوا وجملة وكانوا من قبل يستفتحون حال بتقدير قد. قوله: (فتكون اللام للعهد ويجورّ الخ) أي المراد بالكافر اليهود والتعريف للعهد لتقدّم ذكرهم أو المطلق فالتعريف جنسيّ ويدخل فيه اليهود أوّل داخل لأنهم المقصودون بالسياق وهو كناية إيمائية لأنّ اللعنة إذا شملت الكافرين كلهم لزم كون اليهود ملعونين لأنّ كفرهم أشدّ من كفر غيرهم كذا قال الطيبيّ رحمه الله: وأطال فيه، وفيه تأمّل لأنّ المكنى عنه من إفراد المعنى الحقيقيّ والجواب أنّ المراد هم بخصوصهم وليس للعامّ دلالة على بعض أفراده بخصوصه فادّعى أنهم متى ذكر الكفرخطروا بالبال كما يقال لمن يذمّ لم أر قبيحاً إلا تذكرتك ونحوه قوله:
إذا الله لم يستي إلا الكرام فسقي وجوه بني حنبل
وهو دقيق والتعبير بالمظهر للدلالة على أنّ وجه لعنهم كفرهم وقيل: لأنّ من أهل الكتاب من أسلم وفيه نظر. قوله: (ما نكرة بمعنى شيء الخ (وفاعل بئس المستتر عائد إليها
واشترى من الأضداد فهو هنا بمعنى باع لأنّ أنفسهم مبذولة في الباطل كالمبيع وهو الظاهر، ولذا اقتصر عليه الزمخشريّ وقدّمه المصنف رحمه الله، وهو استعارة كما مرّ أو هو بمعناه المشهور بناء على ظنهم أو دعواهم وقيل: إنه الصواب لأنه كيف يدعي أنهم ظنوا ذلك مع قوله تعالى: {فَلَمَّا جَاءهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ فَلَمَّا جَاءهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ} ، فإذا علموا مخالفة الحق كيف يظنون نجاتهم بما فعلوا ولا يصح أن يراد بالعقاب الدنيوي كترك الرياسة لأنه لا يشتري به الأنفس ولعدم صحته تركه في الكشاف وصرّح به أبو حيان أو ظنوا أنهم خلصوا أنفسهم فكأنهم اشتروها والاشتراء استعارة كما مرّ،،! قيل: إنه مجاز عن التخليص وللنحاة في بثسما ونعما كلام طويل فذهب الفرّاء إلى أنّ ما وبئس شيء واحد كحبذا فلا محل لما وذهب الأخفش إلى أنها في محل نصب على التمييز وهي نكرة، وجملة اشتروا صفتها وفاعل بئس ضمير يعود لما كما مرّ والمخصوص أن يكفر والتأوبل بالمصدر والتقدير بئس هو شيئاً اشتروا به كفرهم ويجوز على هذا حذف المخصوص بالذمّ وجعل اشتروا صفته وان يكفروا بدل من المحذوف أو خبر مبتدأ محذوف أي هو أن يكفروا وذهب الكسائيّ أنّ ما تمييز وبعدها ما أخرى موصولة مقدرة اشتروا صلتها وهي المخصوص بالذمّ، والتقدير بئس شيئاً الذي اشتروا الخ وأن يكفروا خبر مبتدأ مقدر وذهب سيبويه رحمه الله إلى أنّ ما في محل رفع وهي فاعل بئس وهي معرفة تامّة والمخصوص محذوف أي شيء اشتروا، وذهب بعضهم إلى أن ما موصولة بمعنى الذي فاعله وان يكفروا هو المخصوص وقيل: ما مصدرية والتقدير بئس إشتراؤهم وهو المخصوص بالذم وفاعلها مضمر والتمييز محذوف وقيل: هو فاعل ورذ ومنه علم جملة وجوه الإعراب فيها. قوله: (هو المخصوص بالذمّ) قيل: هذا إنما يصح لو قال كفروا بلفظ الماضي لظهور أنّ ما باعوا أنفسهم واستبدلوها به ليس كفرهم في المستقبل وقيل: إنه مما يقضي منه العجب لأنه إنما يتوجه لو لم يتعين أن يكون المخصموص بالذمّ المناط فيه هو العاقبة فما باعوا به أنفسهم أو شروها باعتقادهم هو كفرهم الذي يكون لهم في الخاتمة. قوله: (طلباً لما ليس لهم(2/201)
الخ) فيه بيان وجه التعبير عن الحسد لالبغي الذي هو في الأصل بمعنى الطلب، ويجوز أن يكون البغي بمعنى الظلم كدّا قاله المحقق لكنه قدم ما أخره الزمخشريّ ولكل وجه، وأورد عليه أنّ بغي بمعنى حسد مصدره البغي وبمعنى طلب مصدره البغاء بالضم، وبمعنى فجر مصدره البغاء بالكسر، فالمصنف والزمخشريّ لم يصيبا في الجمع بين البغاء والبغي هنا والمصنف رحمه الله زاد فقدّم الطلب على الحسد بحيث لم يبق احتمال لجعله تفسيراً له.
(أقول) كون البغي بمعنى الطلب مطلقاً أو تجاوز الحد في جميع معانيه مما أشار إليه
أهل اللغة كالراغب وغيره لكن أنواعه تختلف ففي طلب زوال النعم هو الحسد وفي طلب
التجاوز على الغير ظلم وفي طلب الزنا فجه- ر، وأشير باختلاف المصدر إلى اختلاف أنواعه ومثله كثير يعرفه من تتغ اللغة والذي غرّه في ذلك ظاهر كلام التيسير من غير إمعان للنظر فيه. قوله: (علة يكفروا دون اشثروا للفصل) رذ لما في الكشاف من جعله علة لاشتروا بأنه يلزم عليه الفصل بينه وبين المعلل بأجنبيّ وهو المخصوص بالذمّ لأنه مبتدأ وهو أجنبيّ من متعلقات الخبر كما صرّح به النحاة، وردّه صاحب الكشف بأن المعنى على ذمّ الكفر الذي أوثر على الإيمان بغيا لا على ذمّ الكفر المعلل بالبغي وأما الفصل فليس بأمر أجنبيّ، ورذ بأنّ المخصوص بالذمّ وإن لم يكن أجنبيا بالنسبة إلى فعل الذمّ وفاعله لكن لإخفاء في أنه أجنبيّ بالنسبة إلى الفعل الذي وصف به تمييز الفاعل، والقول بأنّ المعنى على ذم ما باعوا به أنفسهم حسداً وهو الكفر لا على ذم ما باعوا به أنفسهم وهو الكفر حسداً تحكم اهـ. وأما الجواب بأنّ المميز والمميز والصفة والموصوف كالشيء الواحد فلا فصل بأجنبيّ، وأنّ إيثار الكفر بغيا وعنادا أدخل في الذم من إيثار الكفر الناشئ من البغي إذ لا يتعين حينئذ كون الإيثار عنادا لاحتمال أن يكون لوجه يخف به استحقاق الذم فالفرق واضح، وحديث التحكم مضمحل لاحتماله أنّ كفرهم ليس حسدا بل لأمر آخر كاعتقاد أنّ دينهم لم ينسخ فمخالف للمعقول والمنقول لكن إنما يلزم الفصل بأجنبيّ إذا كان المخصوص مبتدأ بئسما خبره أما لو كان خبره مبتدأ محذوف والجملة معترضة على أحد الوجهين فيه فلا وأما القول بأنه علة لاشتروا مقدراً فكلام آ-ض لا يصلح للجواب كما توهم، ومنهم من أعرب بغيا حالاً ومفعولاً مطلقاً لفعل مقدّر، وأن ينزل جوّز فيه أن يكون مفعولاً من أجله للبغي وأن يكون على إسقاط الخافض المتعلق ببغيا أي على أن، وأشار المصمنف رحمه الله تعالى إلى تعلقه به بقوله حسدوه، ومن في من فضله للابتداء صفة لموعموف محذوف أي شيئا كائناً من فضله وهو الوحي. قوله: ( {وَبَآؤُوا بِغَضَبٍ} الخ) في الكشاف فصاروا أحقاء بغضب مترادف لأنهم كفروا بنبيّ الحق صلى الله عليه وسلم وبغوا عليه وقيل: كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم بعد عيسى عليه الصلاة والسلام، قيل: بعد قولهم عزير ابن الله وقيل: دلّ على الاستحقاق العطف بالفاء على اشتروا إلى ساقته، وفيه دلالة على تضاعف الجريمة على قوله بغيا فصح استحقاق ترادف الغضب ولهذا اختار الوجه الأوّل في جهة استحقاق ترادف الغضب وقوله بغضب حال أي رجعوا ملتبسين بغضب وعلى غضب له، وهذا بناء على تغاير الغضبين كما بينوه وقيل: هما واحد، وقيل: عليه أنه غفلة عن اعتبار الاستحقاق في مفهوم ياء لأنّ معناه صاروا أحقاء كما مر فدلالة الفاء على سببية الاشتراء للاستحقاق لا على الاستحقاق والفرق واضح وأيضا أنه يقتضي دخول باؤوا في صلة ما أوصفتة وفيه مع التمحل في المعنى عدم العائد إلى ما فالظاهر أنّ الفاء فصيحة والمعنى فإذا كفروا
حسدا على ما ذكر باؤوا أي صاروا أحقاء بغضب أو رجعوا ملتبسين بغضب كما سبق في تفسير {وَبَآؤُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللهِ} [سورة آل عمران، الآية: 112] فلا ينبغي أن يجزم بالحالية، وهذا كله على طرف التمام أمّا الأول فلأنّ باء معناه رجع لا أستحق والاستحقاق إنما فهم فيما مر من السياق وهنا من الفاء فالغفلة من المعترض، وأما الثاني فلأنّ المعقب بالفاء لا يحتاج إلى رابط فيهما بل يكفي في أحدهما كما ذكروه في الذي يطير الذباب فيغضب زيد ولا تمحل في المعنى لأنهم ذموا على ما استحقوا به الغضب المترادف، وقوله: للكفر والحسد بيان للغضبين المأخوذين مما قبله لترتبه على جميع ما مر ومن غفل عن هذا قال إنه ملائم لما اختاره من كون بغياً علة يكفروا دون(2/202)
اشتروا، والعجب من الزمخشري أ " نه بعد جعله علة اشتروا قال: هنا لأنهم كفروا بنبيّ الحق صلى الله عليه وسلم وبغوا عليه وهو برهان قاطع على قوّة ما اختاره المصنف رحمه الله تعالى وضعف ما وجه به والعجب من ابن أمّه فإنّ هذأ لا علاقة له بما مر فإنه تفريع على ما قبله فيما يفيد غضبين من غير ملاحظة للغلبة السابقة مع أنّ المشتري عين الكفر فإنّ المخصوص دال فيه والاختلاف السابق ليس إلا لأمر لفظيّ كما مر. قوله: (مهين يراد به الخ) مهين اسم فاعل أصله مهون فاعل، وقوله: يراد به إشارة إلى أنه إسناد مجازفي للسبب ولام لهم وتقديم الخبر على النكرة الموصوفة المقتضي للاختصاص يقتضي أنّ إهانة العذاب للكفار لا للعصاة لأنه لتطهيرهم ولذا لم يوصف به عذابهم في القرآن، وأما قوله: {مَن تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ} [سورة آل عمران، الآية: 192]- فالمراد به الفضيحة بالدخول وهو غير هذا. قوله: (يعتم الكثب المنزلة بأسرها الخ) فيه دلالة على أنّ ما بمعنى الذي تفيد العموم لأنه تعالى أمرهم أن يؤمنوا بما أنزل الله فلما آمنوا بالبعض دون البعض ذمّهم على ذلك فلولا العموم لما حسن هذا الذمّ وفيه نظر. قوله: (حال من الضمير) إما بتقدير وهم يكفرون أو بناء على جواز دخول الواو على المضارع وهو مذهب الزمخشريّ كما مر ولم يجعله معطوفاً على ما قبله والتعبير بالمضارع لحكاية الحال ولا استئنافا كما قيل: لأنّ الحال أدخل في ردّ مقالتهم أي قالوا ذلك مع مقارنته لما يشهد ببطلانه. قوله: (ووراء في الأصل مصدر الخ) في الموازنة للأمديّ رحمه الله وراء ليست من الأضداد إنما هو من المواراة والاستتار فما أسنتر عنك فهو وراء خلفا كان أو قد أما إذا لم تره ولم تشاهده فأما إذا رأيته فلا يكون وراءك وإنما قال لبيد:
أليس ورائي إن تراخت منيتي لزوم العصا تحني عليها الأصابع
بمعنى أليس أمامي لأنه قاله قبل أن يشاهده وكذلك قوله تعالى: {وَكَانَ وَرَاءهُم مَّلِكٌ
يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا} [سورة الكهف، الآية: 79] الآية قالوا إنه كان أمامهم وصح ذلك لأنهم لم يعاينوه ولم يشاهدوه اهـ. وهذا لا ينافي قول المصنف رحمه الله تعالى ولذلك عدّ من الأضداد لأنّ معناه أنه لما أطلق وقدام وهما ضدان عذ ضدا تسمحاً على عادة أهل اللغة وإن كان موضوعا لمعنى شامل لهما لأنه مصدر بمعنى الستر فيهما لكنه قد يستعمل بمعنى الساتر وقد يستعمل بمعنى المستور، ولذا قال في القاموس: هو من الأضداد أوّلاً، وقيل: إنه مضاف إلى الفاعل مطلقاً لأنّ الرجل يواري ما خلفه عل ما هو قدّامه وما قدّامه على من هو خلفه. قوله: (وهو الحق الضمير لما وراءه الخ) في الدرّ المصون وهو الحق مبتدأ وخبر والجملة في محل نصب على الحال والعامل فيها قوله يكفرون وصاحبها فاعل يكفرون، وأجاز أبو البقاء أن يكون العامل الاستقرار في قوله بما وراءه أي بالذي استقرّ وراءه وهو الحق اص. وتابعه بعض المتأخرين فقال الحق المعروف بالحقية الحقيق بأن يخص باسم الحق على الإطلاق حال من فاعل يكفرون، واعترض بأنّ صاحبها ما الموصولة لا فاعل يكفرون فهذا غفلة منهما، ومن الناس من أجاب عنه بأنّ الجملة الحالية المقترنة بالواو لا يلزم أن يعود منها ضمير إلى ذي الحال نحو جاء زيد والشمس طالعة أي مقارنا لطلوعها وهذا هنا صحيح أيضا إذ التقدير يكفرون بغيره مقارنين لحقيته ومعترفين بها والمعترض بعدم الضمير غافل أيضاً لأنّ مصدّقاً من هذه وهي من جملتها ومعهم فيها ضمير لهم أيضاً ولكن لتأخره وتقدّم ضمير منها يتبادر عدم ارتباط الحال بهم ولا يخفى أنه على تقدير صحته تكلف في النظم من غير داع فلا بدّ للعدول عن الظاهر من مقتض، ولك أن تقول أنه إذا كان حالاً من الواو يكون المعنى وهم مقارنون لحقيته أي عالمون بها كقوله: {مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ} [سورة البقرة، الآية: 09 ا] وهو أبلغ في الذمّ من كفرهم بما هو حق في نفسه مع أنّ قوله بعد ذلك في تقرير المعنى يكفرون بالقرآن والحال أنه حق ممدّق لما آمنوا به ينافيه وقوله: والمراد به القرآن قيل: الظاهر أن يقول القرآن والإنجيل كما قال الواحدي: ولعل تخصيصه لاقتضاء المقام إذ هو الذي علم لنا تصديقه له، وقال الشارح المحقق: وهوا لحق حال مما وراءه وتعريف الخبر لزيادة التوبيخ والتجهيل بمعنى أنه خاصة هو الحق الذي يقارن تصديق كتابهم ولولا الحال أعني مصدقا لم يستقم الحصر لأنه في(2/203)
مقابلة كتابهم وهو حق أيضا، وقيل: الأحسن أن يقال لا حصر، بل اللام للإشعار بأنه مسلم الاتصاف بالحقية معروف بها كقوله:
ووالدك العبد
كما مرّ بل لا يصح الحصر هنا لتخصيصه بالقرآن لأنّ الإنجيل حق مصدق للتوراة، دانما
ذكر الحصر في شروح الكشاف لأنه لم يخصه بالقرآن. قوله: (حال مؤكدة الخ) لأنّ كتب الله
تعالى يصدق بعضها بعضا فالتصديق لازم لا ينتقل، وموافقته للتوراة نزوله على حسب ما فيها فإنكاره إنكار لما فيها فلا يرد عليه أنّ الكفر بالقرآن إنما يستلزم الكفر بما يصدقه أن لو كفروا به وقالوا: إنه كذب كله وأمّا إذا كفروا بأنه كلام الله وأعتقدوا بأنّ فيه الصادق والكاذب فلا. قوله: (فلم تقتلون أنبياء الله الخ) الفاء جواب شرط مقدر أي إن كنتم آمنتم فلم الخ وما استفهامية حذف ألفها وحذف من الأوّل الشرط ومن الثاني الجواب على طريق الاحتباك وقيل: إنه جواب الش ط المذكور بناء على جواز تقديمه، وأما كون إن نافية فخلاف الظاهر وتقتلون مستقبل بمعنى الماضي قال القرطبيّ رحمه الله لما ارتفع الإشكال بقوله: من قبل جاز أن يؤتى بالمستقبل بمعنى الماضي وكذا عكسه كقول الحطيئة:
شهدالحطيئة يوم يلقى ربه أن الوليد أحق بالعذر
فشهد بمعنى يشهد، وهذا أصوب مما قيل: فإن قيل المدعون هم اليهود المعاصرون والقاتلون للأنبياء عليهم الصلاة والسلام من قبل هم الماضون على أنّ تقييد المضارع بقوله من قبل لا يستقيم قلنا هو حكاية للحال المضاية كأنه قيل: فلم كنتم تقتلون، ومعنى نؤمن بما أنزل علينا جنس اليهود من المعاصرين والماضين فإيمانهم إيمانهم وفعلهم فعلهم، والاعتراض عليهم اعتراض عليهم، وقد يجاب بأنّ المعنى فلم ترضون بقتلهم الآن وفي تعلق من قبل يتقتلون بعض نبوة عنه لما فيه من أنّ حكاية الحال مع قوله من قبل لا تتسق وأما النبوة التي ذكرت فغير مسلمة لتعلقه بالقتل لا بالرضا، ومن الناس من جوّز حمل كلام المصنف رحمه الله على هذا وفيه نظر، وحينئذ ففي الكلام تغليبان تغليب المعاصر على آبائهم في الخطاب وتغليب آبائهم عليهم في إسناد القتل فتأمله، وفي قوله عازمون عليه ما مرّ من الجمع بين الحقيقة والمجاكأ فتذكره. قوله: (الآيات التسع) في التيسير هي الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم والعصا واليد البيضاء وفلق البحر وتفجير الماء من الحجر، وقاله المصنف رحمه الله في الإسراء أيضا وقيل: الأظهر أن يراد بالبينات الدلائل ايدالة على الوحدانية. قوله: (ثم اتخذتم العجل) قيل لفظ ثم أبلغ من الواو في التقريع لأنها تدل على أنهم فعلوا ذلك بعد مهملة من النظر في الآيات وذلك أعظم ذنباً وقوله: إلها يعني أن نصب العجل باتخذتم والمفعول الثاني محذوف وقد يتعدى أتخذ لواحد نحو: {اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا} [سورة
الفرتان، الآية: 27] . قوله: (بعد مجيء موسى علبه الصلاة والسلام الخ) قد مرّ ما فيه ثم إنه أورد عليه أنه كان الظاهر أن يكون المراد مجيئه بالبينات إلا أنه مشكل من حيث إنّ تفجر الماء منه وهو لم يكن قبل اتخاذهم العجل وكأنّ هذا منشأ لحمله على المجيء من الطور، والقول بأنّ قوله إلى الطور متعلق بالمصدرين على سبيل التنازع لا بالثاني وحده لا يخفى ما فيه من الكلف بل عدم الصحة، ولا فرق بين المجيء إلى الطور والذهاب إليه وإنما الفرق بين المجيء منه والذهاب إليه، وأمّا الإشكال المذكور فامره صعب (أقول) إذا حمل مجيئه على مجيئه بالبينات لا يلزم أن يكون المراد جميعها بل بجنس ما وقع منها مع أنه لو تعين فكيف ارتضى إدخاله فيها على ما نقل عن التيسير. قوله: (حال بمعنى أتخذتم العجل ظالمين الخ) قيل: المراد بالاعتراض التذييل لأنّ المعترضة هي التي اعترضت بين كلام أو بين كلامين متصلين معنى والتذييل ما يؤكد به تمام الكلام، ومنهم من جوّز الاعتراض في آخر الكلام فلا يرد عليه والفرق بين أن يكون حالاً وبين أن يكون اعتراضاً أنّ الحال لبيان هيئة المعمول والاعتراض لتأكد الجملة بتمامها، ومن ثمة قال في الحال: وأنتم واضعون العبادة غير موضعها، وفي الاعترا ضوأنتم قوم عادتكم الظلم أي استمررتم عليه، وعبادة العجل نوع مته، وأيضاً الجملة الحالية مقيدة للمطلق(2/204)
فتكون لتخصيص العام، والمعترضة ما اعترضت فيه، واليه الإشارة بقوله: وأنتم قوم عادتكم الظلم وفي الكشف التحقيق أنّ الاعتراض أولى وان كان ميل أكثر المفسرين إلى الأوّل لأنه يكون تكراراً محضاً فإنّ عبادة العجل لا تكون إلا ظلما بخلاف الثاني فإنه يكون بياناً لرذيلة لهم تقتضي ذلك ثم قال نعم يمكن أن يحمل على بيان شمول الظلم أوّل حالهم وآخرها فلا يلزم التكرار (قلت) دلالته على هذا الشمول غير بينة، اللهم إلا أن يؤخذ من معنى الاستمرار الذي تدل عليه الجملة الاسمية ومع ذلك لا يعارض فائدة الاعتراض، فالوجه أن يقال: إن حمل الاتخاذ على الحقيقة نحو اتخذت خاتماً فظاهر أنّ الحال أولى لأنّ الاتخاذ لا يتعين كونه ظلما إلا إذا قيد بعبادته، وان حمل على أنه بمعنى العبادة كما يشعر به ظاهر لفظ المصنف رحمه الله فقوله وأنتم ظالمون جار مجرى القرينة الدالة على التجوّز وفيه تعريض بأنهم صرفوا العبادة عن موضعها الأصليّ إلى غير موضعها وايهام مبالغة من حيث إنّ إطلاق الظلم يشعر بأنّ عبادة العجل كل الظلم وأنّ من ارتكبها لم يترك شيثاً من الظلم حيث لم يقل ظالمون فيه فهذا ينصر قول الأكثر، وقد ظهر أنّ التذييل عند المصنف رحمه الله من أقسام الاعتراض! اهـ وقول المصنف اتخذتم العجل ظالمين بعبادته من غير ذكر إلها يحتمل أنه إشارة إلى أنه على الحالية يكون محمولاً على معناه الحقيقيّ لما مرّ، وقوله: أي إلهاً فيما مضى بيان لوجه آخر أو لمحصل المعنى فمن قال: لو جعل اتخذتم من قبيل اتخذ خاتماً بمعنى صنعه وعمله لكانت فائدة الحال ظاهرة فإنّ الاتخاذ بهذا المعنى لا يكون ظلماً إلا حال كونه مقرونا بالعبادة، وان جعل بمعنى عبدتم العجل على ما اختاره المصنف رحمه الله
وهو المناسب للمقام ففائدته زيادة التوبيخ، ومن بين وجه كونه حالاً على جعل اتخذتم متعدياً إلى واحد فقدسها وغفل عن قول المصنف أي إلها فإنه صريح في القطع بأن اتخذتم هنا متعدّ إلى مفعولين ولم يأت بشيء، ثم إنه على الحالية أيضا لو فسر بأنكم من عادتكم الظلم ووضع الشيء في غير موضعه لكان أبلغ ولا أدري لم عدلوا عنه، وأما تخيل أنه يلزم كون الحال مبينة للهيئة فلا، فتأمل. قوله: (ومساق الآية الخ) أي كما أنّ مساق ما قبلها كذلك فإنه مما يخالف دعوى الإيمان، وقوله والتنبيه الخ لأنهم كما كفروا بمحمد ومعجزاته كفرت أسلافهم بمعجزات موسى عليه الصلاة والسلام فليس هذا ببدع منهم وكذا رفع الطور إشارة إلى أنهم لا يؤمنون اختيارا كآبائهم وكأنه لم يرتض ما في الكشاف من وكرّر رفع الطور لما نيط به من زيادة ليست مع الأول يعني وأشربوا في قلوبهم الخ. قوله: ( {خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُواْ} الخ) إشارة إلى مطابقة الجواب فإنّ الظ، هر فيه سمعنا فقط أو لا نسمع قال في الكشاف فإن قلت كيف طابق قوله جوابهم قلت طابقه من حيث إنه قال لهم اسمعوا ليكن سماعهم سماع تقبل وطاعة فقالوا سمعنا ولكن لا سماع طاعة يعني المأمور به ليس مطلق السماع بل سماع مراد به القبول كقوله سمع الله لمن حمده وقال:
دعوت الله حتى خفت أن لا يكون الله يسمع ما أقول
فأجابوا بنفي ذلك القيد، وهذا بناء على أنهم أجابوا بهذا اللفظ كما يتبادر من النظم وقال
أبو منصور أن قولهم عصينا ليس على أثر قولهم سمعنا بل بعد زمان كما في قوله: {ثُمَّ تَوَلَّيْتُم} فلا حاجة إلى دفعه بما ذكر. قوله: (تداخلهم حبه الخ الما كان المعنى أنّ حبه والميل إليه تمكن منهم عبر عنه بالإشراب وهو من شرب الثوب الصبغ وأشربه به فيقال: هو مشرب بحمرة لأنّ الصبغ يؤثر في ظاهره وباطنه حتى كأنه شربه أو من أشربت البعير شددته بحبل في عنقه قال:
فأشربتها الأقران حتى وقعنها بقرح وقد ألقين كل جنين
كأنه شد في قلوبهم لشغفهم به أو من الشراب أي أشرب حبه في قلوبهم لأنّ من عادتهم
أنهم إذا عبروا عن مخامرة حب أو بغض استعاروا له اسم الشراب إذ هو أبلغ نجاع في البدن، ولذلك قالت الأطباء: الماء مطية الأغذية والأدوية ومركبها الذي تسافر به إلى أقطار البدن،
قال:(2/205)
تغلغل حيث لم يبلغ شراب ولا حزن ولم يبلغ سرور
وفي المثل أشربتني ما لم أشرب أي ادّعيت عليّ ما لم أفعل، وقيل: سمعنا جواب اسمعوا وعصينا جواب خذوا وفيه تثويش، وقوله حبه إشارة إلى تقدير مضاف وأما إنّ المراد انتقاس صورته في قلوبهم فيأباه اشربوا، وقيل: أيضاً أنه لا حاجة إلى التقدير، إذ جعل العجل نفسه مشرباً أبلغ، وقيل: الإشراب حقيقة لأنّ موسى عليه الصلاة والسلام برد العجل بمبرد وجعل باردته في ماء وأمرهم بشربه فمن كان يحب العجل ظهرت برادته على شفتيه وهذا وان نقل عن السدي رحمه الله بعيد. قوله: (بيان لمكان الإشراب الخ) دفع لما يتوهم على تقدير المضاف أنه لا حاجة إلى ذكر القلوب إذ الحب لا يكون إلا فيها بأنه لما أسند إلى الجميع أشير إلى بيان محله وذكر المحل المتعين يفيد مبالغة في الإثبات لا أنّ القلوب هي المشربة كما أنّ البطون ليست هي الآكلة. قوله: (مجسمة وحلولية) وفي نسخة أو حلولية وقيل: إنه سهو لأنّ القول بالتجسيم لا يكفي بدون القول بالحلول، وفيه نظر لأنهم إذا كانوا مجسمة يجوّزون أن يكون جسم من الأجسام إلها وكذا إذا كانوا حلولية يجوّزون حلوله فيه تعالى عن ذلك علوّاً كبيراً وفي بعض التفاسيريبعد من جم غفير من العقلاء أن يعتقدوا عجلا صنعوه على هيئة البهائم إلها مع أنهم رأوا ما رأوا وشاهدوا ما شاهدوا من موسى عليه الصلاة والسلام فلعل السامريّ ألقى إليهم أنّ موسى عليه الصلاة والسلام له طلسمات يفعل بها ما يفعل فروّج عليهم ذلك وأطمعهم في أن يصيروا مثله وهذا ليس بشيء مع ما نرى من عبدة الأصنام، وقوله بئس ما الخ قد مرّ ما يبينه. قوله: " يمانكم) في الكشاف وإضافة الأمر إلى إيمانهم تهكم يعني إسناده إليه تهكم، وكذلك إضافة الإيمان إليهم أما الثاني فظاهر كما في قوله أنّ رسولكم الذي أرسل إليكم تحقيرا واسترذالاً ودلالة على أنّ مثل هذا لا يليق أن يسمى إيمانا إلا بالإضافة إليكم وليس المراد أنه استعارة تهكمية فليتأمل كذا قيل: يعني ليس المقصود تسمية كفرهم بما في التوراة إيماناً على طريقة التهكم المعروفة بل سبق على مدعاهم وأسند إليه الأمر والإيمان إنما يأمر ويدعو إلى عبادة من هو غاية في العلم والحكمة، فالإخبار بأنّ إيمانهم يأمر بعبادة ما هو في غاية البلادة غاية التهكم والاستهزاء سواء جعل يأمر به بمعنى يدعو إليه أولاً وسواء قصد السبب الباعث مجازاً كما يتوهم أولاً كما هو الحق. قوله: (تقرير للقاخ الخ) يعني ليس الشك من المتكلم إس لعدم مطابقته للواقع إن اعتبر حال القائل أو لاستحالتة عليه تعالى إن اعتبر حال
الآمر، وأنّ المعنى قل لهم عني فليس يوهم كما توهم إذ هو للتشكيك إن قيل: بأنه قد يراعي في الألفاظ حال المخاطب بها كما مرّ أو أنه من إرخاء العنان والغرض لقيام الحجة وترتيب القياس كقوله: {إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ} [سورة المائدة، الآية: 116] والتقدير إن كنتم مؤمنين بها فبض ما أمركم به إيمانكم أي فقد أمركم إيمانكم بالباطل لكن الإيمان لا يأمر بالباطل فإذا لستم مؤمنين أي لكن اللازم باطل فالملزوم مثله، وقوله: فبئسما إشارة إلى أنّ الجواب مقدر بدلالة ما قبله لا أنّ المقدم جواب وإن قيل: بجواز تقدمه لأنه إن كان جامداً لا بد له من الفاء وادّعاء حذفها تعسف. قوله: (إن كانت لكم الدار الآخرة الخ) الدار الآخرة هنا الجنة قال الراغب: الخالص كالصافي إلا أنّ الخالص هو ما زال عنه شوبه بعد أن كان فيه والصافي لا يعتبر فيه ذلك، وقد يقال: لما لا شوب فيه ثم إنّ الخلوص ولام الاختصاص يقتضي انفرادهم بها، وقد فسره الراغب بالإفراد أيضاً فقوله: خاصة بمعنى خالصة لكم ومن دون الناس مؤكد له لما قال أبو حيان: أنه متعلق بخالصة ودون تستعمل للاختصاص وقطع الشركة يقال: هذا لي دونك أو من دونك أي لا حق لك فيه وقد تأتي في غير هذا للانتقاص في المنزلة أو المكان أو المقدار فمن اعترض على المصنف رحمه الله بأنّ كلامه يقتضي أنّ الاختصاص مستفاد من خالصة وهو إنما استفيد من دون لم يصب وقوله خاصة أي ذات اختصاص فالصيغة للنسبة والا فالظاهر مخصوصة والذي نجي اللغة الخاصة خلاف العامة. قوله: (على الحال من الدار) والخبر لكم بناء على مجيء الحال من اسم كان وهو الأصح، ومن لم يجوّز الحال من اسم(2/206)
كان بناء على أنه ليس بفاعل جعلها حالاً من الضمير المستكن في لكم والكلام فيه مبسوط في شروح الكشاف، ولما كانوا من الناس فسره بسائرهم أي باقيهم ممن عداهم فأطلق الجنس وأريد بعضهم أو اللام للعهد والمراد المسلمون أو من عداهم. قوله: (لأنّ من أيقن الخ) قيل: عليه أنّ كل واحد منهم غير موقن بدخول الجنة فإنّ المتيقن لهم أنه لا يدخلها غير اليهود ولا يلزم منه ذلك كما أ: لا نتيقن أنّ المسلمين دون الكفار يدخلون الجنة ولا يتيقن كل مسلم أنه يدخلها قبل العذاب، فالظاهر أن يقال: المراد بقوله: إن كنتم صادقين الصدق في دعوى أنهم أبناء الله وأحباؤه فإضا من اعتقد ذلك يأمن العذاب وهذا أيضا غير متجه إذ لم يجر لما ذكره ذكر ولم تقم عليه قرينة هنا فينبغي أن تفسر خالصة بأنها خالصة من الكدر والعقاب، وأشتاق يتعدّى بنفسه
ولذا قال: اشتاقها وقد يتعدى بإلى، وقيل: يتضمن النزاع وقوله: وأحب التخلص قال الراغب: المحبة داعية إلى الشوق والشوق داع إلى محبة لقاء المحبوب ومحبة لقائه داعية لسلوك السبيل إليه ولا طريق له سوى الموت فيتمنى لذلك. قوله: (كما قال علئ رضي الله عنه لا أبالي سقطت على الموت أو سقط الموت علئ) أخرجه ابن عساكر في تاريخه كما نقله السيوطيّ وفي الكشاف أنّ علياً رضي الله عنه طاف بين الصفين في غلالة فقال له ابنه الحسن: ما هذا بزيّ المحاربين فقال: يا بنيّ لا يبالي أبوك على الموت سقط أم عليه سقط الموت لكنه قال: في ربغ الأبرار خفق عليّ رض! ي الله عنه نعاساً ليلة حرب الجمل فقال له مسلم بن عقيل ابن أبي طالب: أتخفق نعاساً في مثل هذا الوقت يا أمير المؤمنين فقال: اسكت يا ابن أخي فإنّ عمك لا يبالي أوقع على الموت أم،. قع الموت عليه وانّ لعمك يوما لا يعدوه " وقد أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم) . وهذه قصة أخرى فلا يقال إنه حينئذ لا يناسب المقام لأنّ عدم مبالاته رضي الله عنه ليس لاشتياقه إلى الجنة بل لعلمه رضي الله عنه أنه لا يموت في ذلك الوقت وسقوطه على الموت مباشرته لأسبابه المفضية إليه مع علم بها وسقوط الموت عليه مفاجأته له. قوله: (وقال عمار رضي الله عنه بصفين الخ) صفين بصاد مهملة مكسورة وفاء مكسورة مشددة موضع قرب الرقة على شاطى الفرات وكانت وقعة صفين سنة سبع وثلاثين في غرّة صفر بين عليّ كرّم الله وجهه ومعاوية رضي الله عنه وفيها استشهد عمار بن ياسر الصحابي رضي الله عنه وكان النبيّ صلى الله عليه وسلم قال لعمار رضي الله عنه: " تقتلك الفئة الباغية " فقال ذلك في وقت الحرب لأنه علم أنه يستشهد وتلاقي روحه في حظيرة القدس النبيّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم فاشتاق لذلك ونادى به فرحا. وقال حذيفة بن اليمان الغساتي وهو محتضر يشاهد الموت: جاء حبيب أي الموت، وقيل: أراد لقاء الله، على فاقة أي احتياجي إليه ثم قال: لا أفلح من قد ندم يريد أني تمنيته فلما جاء ما ندمت فعمم وقال لا أفلح الخ. وهذا يحتمل الدعاء أيضاً قال أبو الحسن: تقول العرب لا أفلح من ندم يريدون من ندم فلا أفلح وهذا أخرجه ابن سعد في طبقاته وصححه، وقوله سيما متعلق بقوله اشتاقها وحذف لام! سيما ولو
لم يسمع من العرب وتقدّم ما فيه، وقوله: لا يشاركه فيها غيره يعني من المسلمين فلا يرد أنّ اليهود لا يدعون أنّ غيرهم لا يدخل الجنة كيف وهم معترفون بأنّ آدم ونوحا وغيرهما ممن لم تنسخ شريعتهم يدخلون الجنة. قوله: (ولن يتمنوه أبدا الخ) أبداً هنا للاستغراق ولا حاجة إلى القول بأنّ لن للتأبيد وان قيل به، والمراد الاستغراق لمدّة أعمارهم في الدنيا خلافاً لمن قال إنه مخصوص بعهد الرسول صلى الله عليه وسلم ولا ينافي ذلك تمنيهم له في النار إذ {نَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ} [سورة الزخرف، الآية: 77] ويقولون: {يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ} [سورة الحاقة، الآية: 27] . قوله: (ولما كانت اليد العاملة الخ) اختصاص اليد بالإنسان المراد به أنها على وجه مخصوص من القدرة على العمل بها من غير ابتذالها بالوطء عليها فلا يرد عليه أنّ للبهائم يدا وللقرد يداً كيد الإنسان في ا! ل وأليه أشار بقوله عامة صنائعه، فلا يرد على ما فسر به: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} [سورة الإسراء، الآية: 70] من اكل باليد أنه يوجد في القرد، ثم إنّ اليد الجارحة المخصوصة وتستعمل في النعمة لتسبيها عنها وفي القدرة لذلك وان أطلقت على قدرة الله مع تنزهه عن الجارحة كقوله: {خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [سورة ص، الآية: 75](2/207)
وتطلق على الذات أيضا كقوله: {وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [سورة البقرة، الآية: 195] أي أنفسكم وفي كونه من إطلاق الجزء على الكل كلام سيأتي، وقد يكنى بالعمل باليد عن جميع الأعمال واليد في معناها الحقيقي وهو المراد هنا. قال الواحديّ: بما قدمت أيديهم أي بما قدموه وعملوه فأضاف ذلك إلى اليد لأنّ أكثر جنايات الإنسان تكون بيد. فيضاف إلى اليد كل جناية وان لم يكن لليد فيها مدخل، وظاهر كلام المصنف رحمه الله يخالفه ولذلك اعترض عليه وما موصولة عائدها مقدر أو مصدرية وأيديهم فاعل مقدر رفعه.
قوله: (إخبار بالغيب الخ) قيل: وفيها أيضا دليل على اعترافهم بنبوته صلى الله عليه وسلم لأنهم لو لم يتيقنوا ذلك ما امتنعوا من التمني. قوله: (فإن التمني ليس من عمل القلب الخ) دفع لما يرد من أنه كيف يكون معجزة مع أنه لا يمكن أن يعلم أنه لم يتمن أحد إذ هو أمر قلبيّ لا يطلع عليه بأنه ليس أمراً قلبيا بل هو أن يقول: ليت ونحوه مما يؤدّي مودّاه ولو سلم أنه أمر قلبيّ فهذا مذكور على طريق الحاجة واظهار المعجزة فلا يدفع إلا بالإظهار والتلفظ كما إذا قال رجل لامرأته أنت طالق إن شئت أو أحببت فإنه يعلق بالإخبار لا بالإضمار وهذا معنى قوله ولو كان بالقلب، وهذا على التسليم فلا يرد عليه أنّ التمني محبة حصول الشيء كما صرّح به المحققون، ولا أنه يعارض قوله في تفسير: {إِلاَّ أَمَانِيَّ} [سورة البقرة، الآية: 78] الأمنية ما يقدر في النفس كما مر. قوله: (وعن النبئ صلى الله عليه وسلم) أخرجه البيهقي رحمه الله تعالى في الدلائل عن
الكلبيّ عن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعا بلفظ " لا يقولها رجل منهم إلا غص بريقه " وأخرجه الترمذي والبخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعا ولفظه:! لو أنّ اليهود تمنوا الموت لماتوا " وهذا يدلّ على عمومه لجميع اليهود في جميع الأعصار وهو المشهور الموافق لظاهر النظم، وأخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما موقوفا لو تمنوه يوم قال لهم ذلك ما بقي على وجه الأرض يهوديّ إلا مات وهذا يدل على تخصيصه بعصره صلى الله عليه وسلم ومن فيه ولذلك اختلف فيه المفسرون، وقوله لغص بريقه كناية عن الموت لأنّ الغصة والشرق وقوف الطعام والشراب في الحلق بحيث لا يجري وعند الموت لا يجري للإنسان ريق فجعل عبارة عنه فإن قيل: لا وجه لأصل السؤال لأنه تعالى أخبر بأنهم لن يتمنوه ولا شك في خبره قلنا القصد إلى إثبات أنه إخبار عن الغيب ليثبت كونه معجزا حتى يثبت أنه كلامه تعالى فلو أثبت صدقه بكونه كلامه تعالى لكان مصادرة، فإن قيل: عدم نقل تمنيهم الموت إلى الآن لا يدل على عدم تمنيهم أبدا قيل: الخطاب مع المعاصرين وقد انقرضوا ولم يتمنوا وفيه نظر ووجه التهديد إقامة الظالمين مقام ضميرهم، ودعوى ما ليس لهم هو قولهم: {لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً} [سورة البقرة، الآية: 11 ا] . قوله: (من وجد بعقله الخ) لأنّ الوجدان يكون بالإحسان وبتعدى لواحد وبالعقل والعلم فيتعدّى لواحد كعرف ولاثنين كعلم، فقوله الجاري صفة مقيدة وتنكير الحياة لأنه أريد بها فرد أي فرد نوعي وهو حياة الدنيا وقيل: التنكير للتحقير أي الحياة الدنيا وهو المطابق لقراءة أبيّ رضي الله عنه بالتعريف لأنه للمعهود المعروف منها، وقال أبو حيان أنه على تقدير مضاف أو صفة أي طول حياة أو حياة طويلة ولو لم يقدر لصح المعنى بأن يكونوا أحرص على أيّ مقدار منها ولو قليلاً فكيف بغيره، وقوله: ومفعولاه هم وأحرص أي لفظ هم وهو الضمير المتصل ولفظ أحرص وفي نسخة هم أحرص بدون واو على الحكاية بنصب أحرص ورفعه وهم. قوله: (محمول على المعنى الخ) يعني لما كان لا فعل حالات منها الإضافة ومنها جر المفضل عليه ممن عطف الحالة الثانية على الأولى لتوهم أنه وارد عليها، وقيل: على قوله أحرص من الناس الأولى أحرص من باقي الناس فإنه
بعض من المضاف إليه بخلاف مجرور من فإنه غيره ألا ترى إلى صحة قولنا زيد أفضل من الجن ولا يقال أفضل الجن اص. وأجيب بأنّ مدخول من التفضيلية يجوز أن يكون كلاكما قال صاحب الإقليد تقول زيد أفضل من القوم ثم تحذف من وتضيفه والمعنى على إثبات من وفيه نظر. قوله: (وإفرادهم بالذكر الخ) يعني أنهم داخلون في الناس فتخصيصهم بالذكر إمّا لشدّة حرصهم أو لتوبيخ(2/208)
اليهود بأنّ حرصهم هذا يدل على خلاف مدّعاهم. قوله: (ويجوز أن يراد وأحرص من الذين الخ) يعني حذف أفعل المعطوف على الأوّل ودل عليه بذكر متعلقه، والوجه الثالث أن يكون الجارّ والمجرور خبراً مقدما لمبتدأ محذوف وجملة يودّ صفته الموصوف إذا كان بعض اسم مجرور بمن أوفى مقدم عليه حذف نحو منا ظعن ومنا أقام أي فريق ظعن وفريق أقام وعلى الأوّل المراد بالذين أشركوا المشركون المعروفون غير اليهود وقيل: هم المجوس، وعلى الثالث اليهود لأنهم مشركون لقولهم عزير ابن الله وإنما فسره به ليرتبط الكلام بعضه ببعض والجملة على هذا في محل رفع صفة المبتدأوعلى ما قبله مستأنفة لا محل لها من الإعراب وأما القول بأنّ من الذين مبتدأ لتأويله ببعض الذين فقد علم حاله مما مر. قوله: (حكاية لودا تهم ولو بمعنى ليت) أي حكاية لها بيود لأنه وان لم يكن قولاً ولا في معناه لكنه فعل قلبيّ يصدر عنه الأقوال فعومل معاملتها وكان الظاهر أن يعمر وهذا بناء على أنّ لو التي للتمني ليست مصدرية، وأمّا على القول بأنها مصدرية فلا يحتاج إلى اعتبار الحكاية وكونها للتمني مذهب ذهب إليه الزمخشريّ، وقيل: هي لو الشرطية أشربت معنى التمني وقال ابن مالك رحمه الله هي المصدرية، وقال: قول الزمخشريّ قد تجيء في معنى التمني نحو لو تأتيني فتحدّثني بالنصب إن أراد أنّ الأصل وددت لو تأتيني الخ. فحذف فعل التمني لدلالة لو عليه فأشبهت ليت في الأشعار بمعنى التمني فصحيح وان أراد أنها حرف وضع للتمني كليت فممنوع، وقوله: لقوله يودّ أي هو لمشاكلة ذلك ومنه تعلم أنّ التجوّز في المشاكلة قد يكون في الهيئة فقط وقد مر نظيره. قوله: (كقولك حلف بالله ليفعلق) كان الأصل لأفعلن لكن لما كان حلف ماضياً جاء ما بعده على نهجه قال! في البديع: اعلم أنك إذا أخبرت عن يمين حلف بها فلك فيه ثلاثة أوجه، أحدها أن يكون بلفظ الغائب كأنك تخبر عن شيء كأن تقول استحلفته
ليقومن والثاني أن تأني بلفظ الحاضر تريد اللفظ الذي قيل له: استحلفته لتقومن كأنك قلت له لتقومق، والثالث أن تأتي بلفظ المتكلم فتقول استحلفته لأقومن ومنه قوله تعالى: {قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ} بالنون والتاء والياء ولو كان تقاسموا أمرا لم يجز فيه الياء لأنه ليس بغائب اص. قوله: (الضمير لأحدهم الخ) يعني ضمير هو راجع لأحدهم وبمزحزحه خبره في محل نصب إن كانت ما حجازية وفي محل رفع إن كانت تميمية والباء زائدة في الخبر وأن يعمر فاعل اسم الفاعل أو راجع للتعمير المفهوم من يعمر وأن يعمر بدل منه وفيه ضعف للفصل بين. البدل والمبدل وللإبدال من غير حاجة إليه، وهذا معنى قوله أو لما الخ أو يكون ضمير التعمير وهو عائد على أن يعمر البدل وفي مثله يعود الضمير على المتأخير لفظا ورتبة، وهو معنى قوله أو مبهم الخ والفرق بين هذا الوجه والذي قبله أنّ ذاك مفسره شيء متقدم مفهوم من الفعل وهذا مفسر بالبدل وفيه خلاف تقدم وقد جوّز فيه أن يكون ضمير فصل قدم مع الخبر وأن يكون ضمير الثأن وأن يعمر مبتدأ و {بِمُزَحْزِحِهِ} خبره وفي زيادة الباء في مثله كلام أو فاعل بناء على جواز تفسير ضمير الشأن بمفرد وهو مذهب الكوفيين قال السيرافي في شرح الكتاب: كان الفراء يجيز أبذاهب الزيدان وأهل البصرة لا يجيزونه ودخول الباء على كل خبر منفيّ مطرد ومن أصحابنا من لا يجيز ألبتة ما هو بذاهب زيد إذا جعل ضمير الأمر لأنه إنما يفسر بجملة ولا يكون في ابتدائها الباء فاحتج عليه بقوله تعالى: {وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَن يُعَمَّرَ} [صورة البقرة، الآية: 96] وأن يعمر بدل منه أو هو ضمير التعمير الذي تقدّم عليه الفعل اهـ. قوله: (وأصل سنة سنوة الخ الام سنة محذوفة فقيل: أصلها هاء وقيل: واو لأنه سمع في جمعه سنهات وسنوات وسنيهة وسنية وسانيت وسانهت وقوله: والزحزحة التبعيد فهو متعد، وقال السمين: استعملته العرب لازما ومتعديا. قوله: (فيجازيهم) يعني أنّ معنى إبصاره تعالى مجازاتهم بالتعذيب ما تقول لمن يعصي قد رأيت ما صنعت لتهديده وتخويفه. قوله: (نزل في عبد الله بن صوريا الخ) قال العراقي: لم أقف على سند وأورده الثعلبيّ والبغوي والواحديّ في أسباب النزول بلا سند، وعبد الله بن صوريا كيوريا من أحبار اليهود قيل إنه أسلم ثم كفر(2/209)
وبختنصر بضم الباء وتسكين الخاء والمثناة الفوقية المفتوحة للتركيب
المزجي وأصله بوخت بمعنى ابن ونصر كبقم مشدد اسم صنم وجد عنده فنسب إليه وهو الذي خرب بيت المقدس وقتل بني إسرائيل وئبله بمائة وثمان وثلاثين سنة بختنصر آخر مؤرخ به في الكتب القديمة وهو من ملوك الكلدانيين ذكره في شرح المحيط،، - قوله: فبم تقتلونه أي فبأيّ سبب يحل لكم قتله. قوله: (وقيل دخل عمر رضي الله عنه مدارس اليهود الخ) أخرجه ابن أبي شيبة في مسنده وابن جرير وابن أبي حاتم من طرق عن الشعبيّ وله طرق أخرى فهو أقوى من الأول، والمدأرس بيت أليهود الذي يدرسون فيه كتبهم جمع مدراس كما وقع في بعض نسخ الكشاف وفي النهاية المدراس صاحب كتب اليهود ومفعل ومفعال من أبنية المبالغة والمدراس أيضا البيت الذي يدرسون فيه ومفعال غريب في المكان اهـ. وقد قدمنا أنه يكون مصدراً أيضاً فله ثلاث استعمالات أشهرها الوصفية والخصب بالكسر معروف والسلام مصدر بمعنى السلامة والنجاة، وقوله: كما تقولون أي من الملائكة المقرّبين وإنما قال عمر رضي الله عنه: لئن لما في كلامهم من إثبات الجهة فإنهم مجسمة كما مر وهو تسليمي إذ لا شك منه رضي الله عنه. قوله: (ولأفتم كفر من الحمير) قال الميداني: قولهم هو أكفر من حمار هو رجل من عاد يقال له حمارين مويلع وقال الشرقي: هو حمار بن مالك بن نصر الأزديّ كان مسلماً وكان له واد طوله مسيرة يوم في عرض أربعة فراسخ ولم يكن ببلاد العرب أخصب منه فيه من كل الثمار فخرج بنوه يتصيدون فيه فأصابتهم صاعقة فهلكوا فكفر وقال لا أعبد من فعل هذا ببنيّ ودعا قومه إلى الكفر فمن عصاه قتله فأهلكه الله وأخرب واديه فضرب به المثل في الكفر قال:
ألم تر أن حارثة بن بدر يصلي وهوأكفرمن حمار
والحمار مثل في البلادة وتعرّف النعم يحتاج إلى فطنة وقيل: لأنه صاحبه يعلفه ثم يرمحه، وفي المثل أيضا أخرب من جوف حمار لأنه إذا صيد لم يلق في جوفه ما ينتفع به وقيل: المراد كل جاهل لأنّ الكفر من الجهل والبلادة ولا شيء أبلد من الحمار قيل: وهذا
أنسب لعدم الطباق بين الجمع في الكتاب والإفرأد في المثل، وقيل: قول عمر وضي الله عنه محمول على هذا العادي واضرابه من العتاة وجمعه نظراً إلى الأصل وقولهم جوف العير من تبديل لفظ بآخر للخفة فقد يبدلون في الأعلام لأغراض كقول أمية بن خلف لعنه الله لأبي بكر رضي الله عنه يا أبا فصيل والأمثال يحتمل فيها ضروب من التخفيف وفيه أنه مخالف لكلام القوم فإنهم صرحوا بأنّ الأمثال لا تغير كما مر، وقوله: سبقه بالوحي أل فيه للعهد أي بوحي مطابق لما قاله ولعمر رضي الله عنه آراء نزل الوحي موافقاً لها وقد ذكرها المؤرخون والمحدثون منها ما هنا. قوله: (وفي جبريل ثمان لنات الخ) هذا علم ملك ممنوع من الصرف العلمية والعجمة والتركيب المزجي على قول، وقد تصرفت فيه العرب على عادتهم في الأسماء الأعجمية على ثلاث عشرة لغة أشهرها وأفصحها جبريل كقنديل وهي قراءة أبي عمرو ونافع وابن عامر وحفص عن عاصم وهي لغة الحجاز الثانية كذلك إلا أنها بفتح الجيم وهي قراءة ابن كثير والحسن وتضعيف الفراء لها بأنه ليس في كلامهم فعليل ليس بشيء لأنّ الأعجمي، إذا عرّب قد يلحقونه بأوزانهم وقد لا يلحقونه مع أنه سمع سمويل لطائر الثالثة جبرائيل كسلسبيل وبها قرأ حمزة والكسائيّ وهي لغة قيس وتميم، الرابعة كذلك إلا أنها بدون ياء بعد الهمزة وتروى عن عاصم، الخامسة كذلك إلا أنّ اللام مشددة وتروى عن عاصم أيضاً وقيل إنه اسم الله في لغتهم السادسة جبرائل بألف وهمزة بعدها مكسورة بدون ياء وبها قرأ عكرمة، السابعة مثلها مع زيادة ياء بعد الهمزة، الثامنة جبراييل بياءين بعد الألف وبها قرأ الأعمش التاسعة جبرال العاشرة جبريل بالياء والقصر وهي قراءة طلحة بن مصرف، الحادية عشرة جبرين بفتح الجيم والنون، الثانية عشرة كذلك إلا أنها بكسر الجيم، الثالثة عشرة جبراين وفي الكشاف جبراييل بوزن جبراعيل، قال الشارح العلامة: من عادة المصنف رحمه الله تعالى بل أهل العربية قاطبة أنهم إذا أراوا أن يبينوا وزن كلمة يبدلون همزتها بالعين كما في المفصل في لغات كأين كائن بوزن كاعن الخ فاعرفه ومعنى جبرائيل(2/210)
قيل: عبد الفه وجبر عبدوايل اسمه تعالى كما أنّ إسرائيل صفوة الله. قوله: (الباررّ الآوّل الخ) في الكشاف الضمير في نزله للقرآن ونحو هذا الإضمار أعني إضمار ما لم يسبق ذكره فيه فحامة لثأن صاحبه حيث يجعل لفرط شهرته كأنه يدل على نفسه ويكتفي عن اسمه الصريح بذكر شيء من صفاته وهو التنزيل في قوله نزله وفسر
في الكشاف نزله بحفظه وفهمه فقال: معنى التنزيل المسند إلى جبريل هو التحفيظ والتفهيم كأنه جعله نازلاً بالقلب حالاً فيه والا فالمنزل حقيقة هو الله فهو مجاز لأنه انتقال من اللازم إلى الملزوم وكلام المصنف ليس بصريح فيه فيجوز أن يكون نزل بمعناه الحقيقي لكن كان مقتضى الظاهر عليك فزاد القلب لأنه القابل الأوّل، ومحل الفهم والحفظ بناء على أنّ الإدراك به والمدرك فيه على ما ورد في لسان ااصثمريعة وأهلها لا يقولون بإثبات الحواس الباطنة فلا يرد عليه أنهم قالوا حافظ الصور الجزئية الخيال وحافظ المعاني الجزئية قوّة في مؤخر الدماغ تسمى الحافظة وحافظ المعاني الكلية العقل المفاض على النفس بأمر الله تعالى، وكان الظاهر أن يقول على قلبي لأنّ القائل رسول الله صلى الله عليه وسلم لكنه حكى ما قال الله له وجعل القائل كأنه الله لأنه سفير محض والحكاية إمّا بمعنى أنه روعي حال الأمر بالقول فحكي لفظه كما تقول قل لقومك لا يهينوك قال الفرزدق:
ألم تر اني يوم جو سويقة دعوت فنادتني هنيدة ماليا
وقيل ثمة قول آخر مضمر، والتقدير قال: يا محمد قال الله لي من كان وقيل: الضمير
في نزله للقرآن فإن جبريل عليه الصلاة والسلام نزل القرآن على قلبك والحفظ والفهم معاً إنما أفادهما حرف الاستعلاء لدلالته على أنّ المنزل ياخذ بمجامع قلبه وهو مرتب بقوله بئسما اشتروا به أنفسهم وما وقع بينهما غير أجنبيّ لأنه كله مقرّ! لكفرهم وانكارهم المنزل على نبينا صلى الله عليه وسلم وان ذلك لشدة شكيمتهم وفرط عنادهم ولا يخفى ما فيه وان تابعه في بعض الطيبيّ وقوله بأمره الخ أصل معنى الإذن في الشيء الإعلام بإجازته والرخصة فيه وإذا أسند إلى الله قد يراد أمره وارادته لقوله تعالى إلا ليطاع بإذن الله وليس بضارّهم شيئاً إلا بإذن الله وكذا تيسيره، وقيل: إنّ إذن الله يكون بمعنى علمه أيضا وكلها معان مجازية والعلاقة فيها ظاهرة، وأما ما قيل: إنّ قوله بأمره إن أريد بالتنزيل معناه لظاهر، وقوله: بتيسيره إن أريد به التحفيظ والتفهيم فلا وجه له، وقوله من فاعل نزله والضمير المستتر فيه لجبريل عليه الصلاة والسلام، وقيل: إنه لله والمفعول ضمير جبريل والحال منه، أي مأذونا له أو معه إذن الله. قوله: (والظاهر أن جواب الشرط فإن نزله الخ) يعني أنّ من حق الشرط أن يكون سبباً للجزاء وهنا عداوة جبريل عليه الصلاة والسلام ليست سبباً لتنزيل القرآن فوجه بأنه ليس بجواب في الحقيقة بل هو سبب الجواب أقيم مقامه ومعناه من كان عدوّاً لجبريل عليه الصلاة والسلام فلا وجه لعداوته لأنه نزل بالقرآن على قلبك مصدقاً لما بين يديه الخ فلو أنصفوا أحبوه فتنزيل القرآن سبب لعدم توجه
عداوته أو معناه من كان عدوّاً لجبريل عليه الصلاة والسلام فلعداوته وجه لأنه نزل عليك بالقرآن وهم كارهون له فنزوله سبب لتوجه عداوتهم كما يقال إن عاداك فلان فقد آذيته أي فهو محق في عداوته لتأذيه وتحقيقه أن تقدير الكلام إن عادوه فالعاقل المنصف يقول لا وجه لمعاداته أو لها وجه فالسببية في الحقيقة لذلك القول المقدر فيكون سببا للإخبار بمضمون الجزاء كما في قوله تعالى: {وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ} [سورة النحل، الآية: 53] وقيل التقدير من كان عدوّا لجبريل عليه الصلاة والسلام فليمت غيظاً فإنه نزل على قلبك أي من عاداه هلك بعداوته لأنها دائماً متزايدة لنزوله على قلبك، وقول المصنف رحمه الله تعالى في هذا الوجه محذوف إشارة إلى أنه لا حذف في الأوّل بل تجوز بعلاقة السببية أو أنّ المحذوف فيه في قوّة المذكور لوجود ما يقوم مقامه لقوله قبله فحذف الخ فالمذكور كأنه جواب وفي هذا غير نائب عنه بل علة له واعلم أنّ كون على قلبك حكاية كلام الله إنما هو على التوجيهين الأوّلين دون هذا فتنبه ومنه يعلم نكتة للحكاية دقيقة، وأما كون من استفهاماً للاستبعاد والتهديد وما بعده تعليل له فخلاف الظاهر. قوله: (أراد(2/211)
بعداوة الله مخالفته الخ الما كان معنى العداوة المعروف المقصود به الإضرار لا يتصوّر هنا جعله مجازاً عن المخالفة عناداً، وهذا ظاهر في لله ورسله، وأما في الملائكة فبمخالفة ما جاؤوأ به وفيه نظر وقريب منه تفسير المحبة بإرادة الطاعة أو المراد معناه الحقيقي بالنسبة للرسل والملائكة وذكر الله للتفخيم والتهويل لعداوتهم لأنّ من عاداهم فقد عادى الله وسيأتي تحقيقه في محله وعداوة الله عقابه أشد العقاب كما في الكشاف. قوله: (وأفرد المكان بالذكر الخ) أي ليدل على فضلهما حتى كأنهما ليسا من جنس الملائكة لاختصاصهما بمزايا وفضائل ولأنّ التغاير في الوصف بمنزلة التغاير في الذات كقوله:
فإن تفق الأنام وأنت منهم فإنّ المسك بعض دم الغزال
وقوله: والتنبيه الخ لأنّ الإفراد بالذكر يقتضي ذلك كما إذا قلت من أهان القوم وزيدا وعمرا أهنته اقتضى ترتب الجزاء على إهانة أفرادهم لا على المجموع فقط، وقوله: إذ
الموجب الخ أي في نفس الأمر وهذه وجوه ونكت مستقلة، ولذلك قال ولأنّ الحاجة الخ بالواو ل! نه أعاد اللام للبعد فلا يقال الظاهر أن يقال أو للتنبيه ولا ينافيه ما سبق من تول اليهود إنّ ميكائيل محبوب لأنّ الخصب والرخاء منه وجبريل عليه الصلاة والسلام عدوّ لأن الخسف والعذاب منه فتأمّل ولا إنّ الواو بمعنى أو لأن ما ذكر لا يدل على أشرفيتهما، وقوله ووضع الظاهر الخ مبني هذا في الكلام التعليق بالمشتق وأنّ الجزاء مرتبط بمعاداة كل واحد مما ذكر في الشرط لا بالمجموع وقوله كميكاعل قد مر إبدال الهمزة عيناً في الوزن وقرئ ميكئل كميكعل وميكئيل كميكعيل وميكال بدون همزة وياء. قوله: (أي المتمرّدين من الكفرة والفسق الخ الما كان الفسق يطلق على المعاصي والكفر أشدها وكان في النظم مخالفة للظاهر حينئذ دفعها بأنّ المراد المتمرّدون في الكفر لما روي عن الحسن رحمه الله إنّ الفسق إذا استعمل في نوع من المعاصي كفراً أو غيره وقع على أعظمه لأنه في الأصل الخروج عن المعتاد فيه، وقد استعمل هنا في الكفر فيفيد ما ذكر واليه أشار بقوله: كأنه متجاوز الخ وما ذكر في سبب النزول يدل على أنّ المراد بهم اليهود لا ابن صوريا وحده كما قيل: لأنّ صيغة الجمع تأباه فالتعريف للعهد أو المراد الجنس وهم داخلون فيه دخولاً أوّلياً فينتظم السياق والسباق، وحديث ابن صوريا مرويّ عن ابن عباس رضي الله عنهما. قوله: (الهمزة للإثكار الخ) قيل: جعله عطفا على محذوف إذ لا مجال للعطف على الكلام السابق وتوسيط الهمزة لغرض يتعلق بالمعطوف خاصة، ولم يحمل قراءة إسكان الواو على أنها أسكنت إسكان الهاء في وهو لأنه لم يثبت مثل ذلك في الواو والعاطفة بل حملت على أنها أو العاطفة للفعل بعدها أعني نبذه المقيد بالظرف وهو كلما على صلة الموصول الذي هو اللام في الفاسقون ميلاً إلى جانب المعنى وإن كان فيه مسخ اللام الموصولة كأنه قيل: إلا الذين فسقوا وإن لم يصح ابتداء وقوع صريح الفعل بعد اللام لا سيما مع تقدم معمول. (أقول) : قوله لا مجال للعطف برد عليه أنه إذا قرئ بالسكون فهي عاطفة على ما قبلها فما الفرق بينهما، وقوله: إنه ميل مع المعنى يقتضي أنّ العربية لا تساعد عليه وليس كذلك فإنّ أل تدخل على الفعل ابتداء في الضرورة كقوله:
عص ت الحمار ليجاع وبالتبعية في السعة كثيراً كقوله تعالى: {إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا} [سورة الحديد، الآية: 18] لاغتفارهم في الثواني ط لا! ختفر في الأوائل وسيأتي تحقيقه فهذا غفلة عن هذا وقيل: أو هنا بمعنى بل الإضرابية وانتصاب عهداً إمّا على أنه مصدر غير جار على فعله والأصل معاهدة ويؤيده قراءة عهدوا أو على أنه رفعول به بتضمين عاهدوا معنى اعطوا. قوله: (نقضه الخ) النبذ نقض العهد وأصله طرح ما لا جتدّ به كالنعل البالية، وقوله: فيما ينسى أي ما من شأنه ذلك لعدم الاعتداد به والا فهذا القيد لم يذكره أهل اللغة وقيد عدم الاعتداد صرح به الراغب رحمه الله وقد فسر ظهريا بمنسياً فلعله منشأ الوهم، وقوله تعالى: {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ} أسورة البقرة، الآية: 00 ا] جشسمل عطف المفرد بجعل لا يؤمنون حالاً من أكثر أو من الضمير المضاف إليه بمعنى ينبذون العهد عملا واعتقاداً. قوله: (رد لما يتوهم من أنّ الخ) يعني أنّ الفريق يطلق على الكثير والقليل والثاني هو المتبادر منه(2/212)
فلذا أضرب عنه فهو إما انتقاليّ أو إبطاليّ وعلى الثاني المراد بالأكثر ما يشمل غير النابذين، وقوله: كالقرآن يشمل الإنجيل وفي نسخة وهو القرآن خص بالذكر لمناسبة الواقع في هذا المقام والنسخة الأولى أولى وجعل نبذ بعض التوراة نبذاً لها وهو ظاهر، وإذا فسر كتاب الله بالقرآن ورد أنّ النبذ يقتضي تقدم الأخذ وهم لم يأخذوه أصلاً فأشار إلى دفعه في الكشاف بقوله: كتاب الله القرآن نبذوه بعدما لزمهم تلقيه بالقبول يعني أنّ النبذ وراء الظهر! تضي سابقة الأخذ في الجملة وهذا في حق التوراة ظاهر وإنما الخفاء في الترك، وفي حق الفرآن بالعكس أي تركه ظاهر وإنما الخفاء في أخذه فجعل أخذ. هو لزوم التلقي بالقبول وترك التوراة هو الكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم قيل: والمصنف رحمه الله أشار إلى دفعه بقوله: مثل لإعراضهم الخ يعنيان النبذ ليس حقيقة بل هو اسنعارة تمثيلية أربد به الإعراض فلا حاجة إلى أن يقال جعله لزوم التلقي الخ بل لا وجه ل وليس بشيء لأنه حينئذ تجوز بالنبذ عن عدم القبول اللازم له وهو ظاهر وأمّا التمثيل فلم ينص المصنف رحمه الله على أنه بالنبذ بل في قوله وراء ظهورهم وقد قال الزمخشريّ في تفسيره أيضاً وراء ظهورهم: مثل لتركهم واعراضهم عنه مثل بما يرمى به وراء الظهر استغناء عنه وقلة
التفات إليه اص. فهذا غافل عن معنى كلامهم فتأمّل، نعم لو جعل الجميع تمثيلا لكان له وجه، وقال الطيبيّ رحمه الله: شبه تركهم كتاب الله واعراضهم عنه بحالة شيء يرمي به وراء الظهر والجامع عدم الالتفات وقلة المبالاة ثم استعمل هنا ما كان مستعملا هناك وهو النبذ وراء الظهر فاذا حمل كتاب الله على التوراة كان كناية عن قلة مبالاتهم فقط لأنّ النبذ الحقيقي لم يكن منهم ولهذا قال بين أيديهم يقرؤونه الخ والحمل على القرآن لا ينافي حقيقة النبذ فهو كطويل النجاد. قوله: (أنه تعالى دل بالآيتين الخ) جل اليهود بمعنى معظمهم فإن أريد باليهود من كان منهم سواء ثبت على ذلك أو لا فهم أربع فرق كما قال المصنف رحمه الله وان أريد من لم يرجع عنها فهم ثلاث فرق كما قال الراغب فلا مخالفة بيته وبين المصنف رحمه الله كما توهم، وبقي منهم من لم ينبذها ولم يؤمن كالمعترفين بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم إلا أنهم خصوها بالعرب أو بغير بني إسرائيل وفرقة آمنوا بموسى صلى الله عليه وسلم وماتوا قبل نزول التورإة إذ لا يصدق عليهم ما ذكر وق! على ذلك. قوله: (عطف على نبذ الخ) هذا مما قاله بعض المعربين كأبي البقاء وليس بظاهر لأنه يقتضي كونها جواب أحا واتباعهم هدّا ليس مترتبا على مجيء الرسول صلى الله عليه وسلم بل كان قبله فالأولى أن تكون معطوفة على جملة لما وقيل: إن مراده ولكن لما كانت الجملة هي الجواب والشرط قيد لها عبر به تسمحا، وقيل: إنها معطوفة على مجمويم ما قبلها عطف القصة وقيل: على اشربوا وما موصولة وعائدها محذوف أي تتلوه وقيل: نافية، وقال ابن العربيّ إنه غلط فاحش وتتلو بمعنى تلت الحكاية الحال الماضية وهو إمّا على من تلاه بمعنى قرأه أو تبعه واليهما أشاو المصنف وهو ظاهر وجوّز في الشياطين وجوهاً، وقوله قيل: الخ يؤيد الأوّل. قوله: (أي عهده الخ) في الكشاف أي على عهد ملكه وفي زمانه، يعني أنّ على بمعنى في وفي الكلام مضاف مقدر وفي الفرائد إنّ تتلوف ق معنى الإملاء فعدى بعلى، وقيل: ضمن معنى الإقراء والتسخير جعل الشيء مسخراً أي منقاداً ويراد به الاستعمال بغير أجر. قوله: (وعبر عن السحر بالكفر الخ) يعني أنّ كفر بمعنى سحر مجازا للزومه له وأمّ كونه كفراً فلظاهر الآية والأحاديث
كقوله عليه الصلاة والسلام: " من أتى كاهناً أو عرّافاً أو ساحراً فصدقه بما يقول فقد كفر " قال الجصاص رحمه الله اتفق السلف على وجوب قتل الساحر ونص بعضهم على كفره واختلف الفقهاء في حكمه فعن أبي حنيفة رحمه الله أنه يقتل ولا يستتاب والمرأة تحبس حتى تتركه فجعل حكمه حكم المرتد ولم يجعله الشافعيّ رضي الله عنه كافراً قال في الروضة يحرم فعل السحر بالإجماع وأمّا تعلمه وتعليمه ففيه ثلاثة أوجه، الصحيح الذي قطع به الجمهور أنهما حرامان، والثاني مكروهان، والثالث مباحان، ومن أراد تفصيل الكلام فيه فليراجع أحكام القرآن فكلام المصنف محل تأمّل وقد حمل على من أعتقد تأثيره فإنه كفر بلا خلاف وسقط ما قيل إنا لم نر خلافاً في كون العمل به(2/213)
كفراً وعده من الكبائر لا ينافيه لأن الشرك منها وإن كان أعظمها، وبما ذكرناه يعلم أنه غير مسلم وعصمة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام منه تعلم من " تبرئة سليمان عليه الصلاة والسلام منه " مع عدم الفارق ولكن إذا شذدت أعملت وإذا خففت ألغيت على ما تقرر في النحو.
قوله: (إغواء وإضلالاً (هذا مأخوذ من إسناده إليهم وذمهم وأما تعليمه ليعرف فيجتنب
فلا يقتضي الكفر كما قال أبو نواس: عرفت الشر لا للشر لكن لتوقيه، ومن لا يعرف الشر من الناس يقع فيه، وقوله: والجملة حال الخ هذا أحد أقوال فيها وقيل إنها حال من الشياطين ورده أبو البقاء رحمه الله بأن لكن لا تعمل في الحال وفي الدر المصون أنه ليس بشيء لأنّ لكن فيها رائحة الفعل فتأمل. وضمير يعلمون عائد إليهم وأما إذا رجع إلى الذين اتبعوا فهي حال من فاعل الذين اتبعوا أو استئنافية والمراد بالتقرّب إلى الشيطان العزائم والرقي التي يقولون إنها تسخرها لهم وقوله: لا يستتمث أي يتم كما مر يعني لا يوجد إلا من النفوس الخاسرة الخبيثة فلا لبس بين السحر والمعجزة والكرامة كما استدل به من قال إنه لا
حقيقة له والصحيح خلافه وأمّا الحيل فكثيرة معلومة ومن أرادها فعليه بكتاب عيون الحقائق ولا تسمى سحراً حقيقة بل تجوزا لمشابهتها له لأنّ أصل معنى السحر في اللغة ما لطف وخفي سببه ولذا سمي الغذاء سحراً بالفتح لخفائه ولطف مجاريه ومنه سحور رمضان قال لبيد:
ونسحر بالطعام وبالشراب
وأمّا قوله: إنه غير مذموم فرذ بأنّ النووفي وغيره نصوا على تحريمه وما يقال: إنه غير مذموم مطلقا بل إذا فعل لأمر لا وجه له. قوله: (عطف على السحر الخ) إن كانا شيئاً واحداً فتغايره باعتبار من تلقى منه وان كان الثاني أتوى فإفراده بالذكر لقوته، وقوله: منه متعلق بأقوى أي أقوى من ذلك النوع الآخر وقيل: إنه صفة نوع لا متعلق بأقوى لفساد المعنى وليس بشيء، وإنما أنزل الملكان لكثرة السحر في ذلك الزمان حتى ظن الجهلة أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام معجزاتهم من هذا القبيل فأنزلا لإبطال ذلك. قوله:) وما روي الخ (رواه سنيد بن داود عن الفرج بن فضالة عن معاوية بن صالح عن نافع قال سافرت مع ابن عمر رضي الله عنهما فلما كان آخر الليل قال: يا نافع انظر هل طلعت الحمراء قلت لا مرتين أو ثلاثا ئم قلت طلعت قال لأمر حبابها ولا أهلاً، قلت سبحان الله نجم سامع مطيع، قال ما قلت إلا ما سمعت من رسول الله-كي! ، أو قال: قال رسول الله ئلمج! ز: " إنّ الملائكة قالت يا رب كيف صبرت على بني آدم في الخطايا والذنوب؟ قال: إني ابتليتهم وعانيتهم قالوا: لو كنا مكانهم ما عصيناك قال: فاختاروا ملكين منكم فلم يألوا جهدأ أن يختاروا فاختاروا هاروت وماروت فنزلا فألقى الله عليهما الثبق، قلث: وما الشبق؟ قال: الشهوة، فجاءت امرأة يقال لها الزهرة فوقعت في قلوبهما فجعل كل واحد منهما يخفي عن صاحبه ما في نفسه، ثم قال أحدهما للآخر: هل وقع ني نفسك ما وقع في قلبي؟ قال: نعم، فطلباها لأنفسهما، فقالت: لا أمكنكما حتى تعلماني الاسم الذي تعرجان به إلى السماء وتهبطان فأبيا ثم سألاها أيضا، فأبث ففعلا فلما استطيرت طمسها الله كوكبا وقطع أجنحتها ثم سألا التوبة من ربهما فخيرهما وقال: إن شئتما عذبتكما قي الدنبا فإذا كان يوم القيامة رددتكما إلى ما كنتما عليه، فقال أحدهما لصاحبه أنّ عذاب الدنيا ينقطع ويزول فاختارا عذاب الدنيا على عذاب الآخرة فأوحى الله إليهما أن ائتيا بإبل فخسف بهما فهما منكوسان بين السماء
والأرض يعذبان إلى يوم القيامة " قال المحدثون وجميع رجاله غير موثوق بهم لكن قال خاتمة الحفاظ الشهاب ابن حجر أخرجه أحمد في مسنده وابن حبان في صحيحه وانّ له طرقاً كثيرة جمعتها في جزء مفرد يكاد الواقف عليها يقطع بصحتها لكثرتها وقوّة مخارجها وقال بعضهم: بلغت طرقه نيفا وعشرين لكن أهل الكلام اتفقوا على عصمة الملائكة عليهم الصلاة والسلام وطعنوا في هذه القصة وعدوها من المحالات لمسخ الإنسان كوكباً كما بينوه في كتبهم والمصنف رحمه الله حاول التوفيق بأنها تمثيلات كقصة يسأل وسلامان وحرير مقطان وغيره ذلك مما وضعه المتقذمون إشارة إلى أنّ القوى لو ركبت في تلك لعصت وأسماء الله ومفاجأته تلحق(2/214)
السفلي بالعلوي ونحوه، وقيل: أراد بهما النفس والبدن تعرضاً لامراً ة وهي الروح فحملاها على المعاصي ئم تنبهت بمصاحبتها لما هو خير فصعدت السماء، وزهرة بضم الزاي وفتح الهاء كتؤدة، قال: وأيقظيني لطلوع الزهر
كذا في أدب الكاتب وتسكينها إما لحن أو ضرورة وهو نجم معروف وعلى القول بأنهما رجلان لا إشكال ولم يجىء مصدر لفعل يفعل على فعل بالكسر إلا سحر وفعل وكسر اللام قراءة ابن عباس رضي الله عنهما وأبي الأسود والحسن والجمهور على خلافها. قوله: (وقيل ما أنزل نفي الخ) وهاروت وماروت بدل من الشياطين على قراءة التشديد والنصب وأمّا على قراءة الرفع فهو منصوب على الذم وهو بدل بعض، ومن فسرهما بقبيلتين من الجن يكون عنده لل كل، وقيل: إنه بدل من الناس أي يعلمان الناس خصوصا هاروت وماروت وأمّا ما يعلمان على جعلها نافية ففي التفسير الكبير أن قوله: حتى يقولا كقولك ما أمرت فلانآ بكذا حتى قلت له إن فعلت كذا ضربتك أي ما أمرته به بل حذرته عنه وهذا مع ما ترى يدفعه قوله فيتعلمون
منهما، وقيل: إنّ هاروت وماروت مع تعلمهما السحر وحذاقتهما فيه كانا على الصلاح وإنما غرضهما من التعليم يوقيه فلا يعلمان أحدا حتى ينصحاه ويحذراه وهذا هو مراد من قال إنهما ملكان، والباء في ببابل بمعنى في وهو علم أرض ممنوع من الصرف هاروت وماروت بدل من الملكين أو عطف بيان وقيل: بدل من الناس بدل بعض أوكل لإطلاقه على ما فوق الواحد، وعلى قراءة الرفع فهما خبر مبتدأ محذوف أو بدل من الثياطين وعدم صرفهما للعلمية والعجمة ولو كان من الهرت والمرت ومعناهما في اللغة الكسر لانصرفا ودعوى أنهما معدولان عن هارت ومارت والعدل لا يختص بأوزان لا وجه لها وقوله: أبدلهما الخ وعلى هذا القول فهما ليسا بملكين وتركه لظهوره وإنما لم يبدلهما من الملكين كما قيل: لأنّ ما بعده يأباه ومن لم يتنبه لمراده اعترض عليه بما لا وجه له. قوله: (فمعناه على الآوّل الخ) المراد بالأوّل أنهما ملكان والثاني أنهما رجلان ويتغ ذلك وجوه الإعراب كونه كفراً علم مما مر فيه. قوله: (وفيه دليل على أن ثعلم السحر الخ اللفرق بين العلم المجرّد والعمل ولو مع اعتقاد التأثير، وفيه إشارة إلى أنّ الاجتناب واجب احتياطاً وكما لا يحرم تعلم الفلسفة للمنصوب للذب عن الدين بردّ الشبه وان كان أغلب أحواله التحريم كذلك تعلم السحر إن فرض فشوّه في صقع وأريد تبيين فساده لهم ليرجعوا إلى الحق وهو لا ينافي إطلاق القول بالتحريم فاعرفه وقوله: الضمير لما دل! عليه من أحد، من الناس وليس أحد ههنا في معنى الجماعة ليصح عود ضمير الجمع إليه كما سيجيء لقوله فلا تكفر بالإفراد وأمّا عود ضمير الجمع إلى النكرة الواقعة في سياق النفي فليس بقوي. قوله: (وقرئ بضازي الخ) ما ذكره المصنف رحمه الله بعينه كلام ابن جني في المحتسب ونصه بعدما قال إنّ من أقبح الشاذ حذف النون هنا وأمثل ما يقال فيه: أن يكون أراد ما هم بضارّي أحد ثم فصل بين المضاف إليه والمضاف بحرف الجر، وفيه شيء آخر هو أنّ هناك أيضاً من في من أحد غير أنه أجرى الجار مجرى جزء من المجرور فكأنه قال: وما هم بضارّي به أحد وفيه ما ذكرنا اهـ. وقال التفتازاني رحمه الله نعم قال ابن جني هذا من أبعد
الشواذ، وذلك أنه فصل بين المضاف والمضاف إليه بالظرف الذي هو به ثم جعل المضاف إليه هو الجار والمجرور جميعا ولا يصح أن تكون من مقحمة لتأكيد معنى الإضافة، كاللام في لا أباً له لأنّ هذه إضافة لفظية ليست بمعنى من ا!. وأيضا من هذه لاستغراق النفي وليست هي المقدّرة في الإضافة فالأولى تخريجها على أنّ نون الجمع تسقط في غير الإضافة كما في قوله: الحافظ وعورة العشيرة
كما ذكره ابن مالك في التسهيل وأمّا اعتراض! الطيبي رحمه الله بأنه إنما يجوز في المعرف بأل فابن مالك غير قائل به لأنه ورد بدونه كقوله:
ولسنا إذا تأتون سلماً بمد! ي لكم غيرأنا إن نسالم نسالم
أي بمدعيكم قاله أبو حيان: وهذا أقرب مما تكلفوه إذ جعل الجارّ جزءاً والإضافة إلى
الجار والمجرور مما لم يعهد مثله وأقرب من هذا كله أن يقال: إنّ فيه مضافا مقدرا لفظا ولذا ترك تنوينه لذكره بعده كقوله:(2/215)
يا تيم تيم عديّ: في أحد الوجوه وفي الدر المصون كلام هنا تركه أولى وكذا ما قاله الشارح المحقق أيضا فتدبر. قوله: (أي استبدل الخ) إشارة إلى أن اشترى استعارة كما مر وقوله: والأظهر الخ سواء أكانت علم متعدّية لمفعول أو مفعولين قيل: قد خفي الاحتمال الآخر الظاهر، ولا يبعد أن يقال: إنه إشارة إلى جواز حذف مفعولي العلم بقرينة ما سبق أي علموا أنه يضرهم ولا ينفعهم وحينئذ لمن اشتراه جواب قسم محذوف ولم يدر أنه إشارة إلى قول الفراء في هذه الآية الذي ذكره أبو البقاء إنّ هذه اللام موطئة للقسم ومن شرطية في محل رفع بالابتداء وماله في الآخرة من خلاق جواب القسم قال الحلبي فاشترى على القول الأوّل صلة وعلى هذا خبر اسم الشرط وجواب الشرط محذوف لأنه إذا اجتمع شرط وقسم ولم يتقدمهما ذو خبر أجيب سابقهما غالباً، وقد يجاب الشرط مطلقاً ولم يرتضه الزجاج وأمّا الاعتراض عليه بأنه مخالف لكلام الجمهور وإنما الموطئة لقد علموا فنا شيء من قلة التدبر. قوله: (نصيب) قال الزجاج: الخلاف النصيب وكثر استعماله في الخير ويكون للشر على قلة والخلاف يكون بمعنى القدر والمرتبة كما في قوله:
فمالك بيت لدى الشامخات ومالك في غالب من خلاق
وليس هنا مانع من إرادته وقوله: يحتمل المعنيين أي كونه بمعناه الظاهر وكونه بمعنى باعوا. قوله: (يتفكرون فيه الخ) جواب عن إثبات العلم في قوله ولقد علموا ونفيه بقوله. لو كانوا يعلمون لما بينهما من التنافي بأنه أريد بالمثبت علمهم ما لمستبد له والمنفيّ تفكرهم فيه أو علمهم بقبحه يقيناً أو علمهم بعاقبته ولما كان ما مستبد له من عدم النصيب في الآخرة يستلزم علمهم بما نفي أوّله بأنّ المثبت علم بالقوّة أو إجماليّ أو من غير جزم ولا يخفى ما فيه
من التكلف فما ذهب إليه الزمخشريّ أقرب. قوله: (وقيل الخ) هذا ما ارتضاه الزمخشريّ وهو أوجه فالمراد بلو كانوا يعلمون يعملون بعلمهم تنزيلاَ لعلمهم منزلة العدم على نهج {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ} [سورة الأنفال، الآية: 7 ا] قال المحقق: فإن قيل: إنما يتوجه السؤال لو كان متعلق العلم في موضع الإثبات والنفي واحداً وليس كذلك فإنّ المثبت هو العلم بأنّ من استبدل كتب السحر وآثرها على كتاب الله تعالى فإنه لا نصيب له في الآخرة والمنفيّ هو العلم بسوء ما فعلوه من استبدال كتب السحر وإيثارها على أنفسهم قلنا مآل الأمرين واحد، وتقرير الجواب أنّ المنفيّ ليس هو العلم بما ذكر بل العمل بموجب العلم كأنه قيل: لو كانوا يعملون بموجب علمهم ويجرون على مقتضاه، وجواب لو محذوف أي لارتدعوا عن تعلم السحر وايثار كتبه أو لكان خيرا لهم. قوله: (جواب لو وأصله لأثيبوا مثوبة الخ الما أورد هنا أنّ الاسمية لا تصلح جواب لو أما لفظاً فلا طباق النحاة على أنه لا يكون إلا فعلية ماضوية، وأمّا معنى فلأن خيرية المثوبة لا تتقيد بإيمانهم واتقائهم ولا تنتفي بانتفائهما فالأولى أنّ ااجواب محذوف أي لأثيبوا، وأورد على قوله لتدل على ثبات المثوبة أنّ الاسمية إنما تدل على ثبوت مدلولها وهو كون المثوبة خير إلا على ثبات المثوبة وما ذكر إنما يتم لو قيل المثوبة لهم وأجيب بأنها ماضوية تقديرا إذ الأصل لأثابهم الله مثوبة فعدل إلى المثوبة لهم للدلالة على ثبات المثوبة لهم وهو استقرارها على تقدير الإيمان والتقوي ثم إلى المثوبة من عند الله خير لهم تحسرأ لهم على حرمانهم الخير وترغيباً لمن سواهم في الإيمان والتقوى أو أنّ ثبوت الخيرية للمثوبة يقتضي ثبوتها كذا قال المحقق. وقيل: عليه أنه لم يرد في كلام العرب جواب لو جملة اسمية فالحق أنها لام ابتدائية والجملة مستأنفة وجواب لو محذوف أو هي للتمني لا جواب لها وما ذكره تكلف تأباه العربية، وقوله: والجزم بخيريتها وجه بأنه لما عدل عن الفعلية المعلفة بالشرط تعليقاً ينافي الجزم حصل الجزم بها وفيه بحث لأنه كيف يجزم به وقد جعل جوابا للشرط الامتناعي الدال على عدمه فكيف الجزم فإن قيل: إنه ليس بجواب حقيقة بل قائم مقامه فهذا تطويل للمسافة بلا طائل فالحق ما تقدم، وقوله: وحذف المفضل الخ هذه نكتة لطيفة لكن قال أبو حيان: الحق أنّ خير هنا صفة لا اسم تفضيل وهو أقرب، ثم إنّ التمني على الله محال فجعله المعتزلة(2/216)
بمعنى الإرادة المتخلفة عن المراد وغيرهم أوّله بأنه شبه بحال يتمنى العارف بها
اتقاءهم ولا يخفى موقع التنكير هنا لأنه يفيد أن شيئاً ما من المثوبة خير مما هم عليه. قوله:) وقرئ لمثوية الخ) اختلف في وزن مثوبة فقيل: مفعولة وأصلها مثوبة فنقلت ضمة الواو إلى ما قبلها وحذفت لالتقاء الساكنين وهي من المصادر التي جاءت على مفعولة كمصدوقة نقله الواحدفي، وقيل: مفعلة بضم العين نقلت الضمة إيى ما قبلها فهي مصدر ميمي ويقال: مثوبة بسكون الثاء وفتح الواو وكان من حقها أن تعل فيقال مثابة كمقامة إلا أنهم صححوها كما قالوا ير الأعلام مكوزة، وقرأ بها أبو السمال وقتادة كمشورة ومعنى مثوبة ثواب وجزاء من الله وقيل: رجعة إلى الله والمصنف رحمه الله أشار إلى أنّ المعنى الأوّل راجع إلى الثاني لرجوع المحسن إلى الله أي إلى جزائه واحسانه وقوله: إنّ ثواب الله الخ إشارة إلى تقدير مفعوله وأنه لم ينزل منزلة القاصر، وقوله: لترك التدبر بناء على تأويله يعلمون قبله بيتفكرون وقوله: أو العمل إشارة إلى ما حكاه بقيل. قوله: (الوعي حفظ النير لمصلحتة الخ (سواء كان الغير عاقلاً اولاً وقوله: وكان المسلمون الخ هذا أخرجه أبو نعيم في الدلائل عن ابن عباس رضي الله عنهما وقوله تلقننا من التلقين وقوله: فافترصوه أي عدوه فرصة " س يدين نسبته إلى رعي الغنم اي أنت راع لا نبيّ وهم حينئذ يبقون الياء أو يختلسونها للتلبيس، أو سبه معطوف على نسبته لأن هذه الكلمة في لغتهم كلمة سب ونهى المؤمنين عنها يعلم منه أنه لا يجوز أن يطلق عليه! ما يوهم نقصا ولو على وجه بعيد وفي لغة أخرى وانظرنا قرئ بالوصل والقطع من الثلاثيّ والمزيد فإن كان من نظر البصر تعدى بإلى على الحذف والإيصال وإن كان من نظره بمعنى انتظره فهو متعد بنفسه والأنظار التأني والإمهال وراعونا بضمير الجميع للتعظيم بناء على ما أثبته الفارسيّ فيه وان قال الرضي: أنه لا يكون إلا في المتكلم نحو فعلنا وراعنا بالتنوين من الرعونة وهي الهوح بوزن الضرب أي الحق الناشئ عنه أفعال وأقوال تدل على السفه والصيغة للنسبة أي ذا رعونه كلابن وتامر وقوله: لما شابه الخ متعلق بقوله: نهوا أي نهوا عن ذلك لمشابهته فول اليهود الذي هو سب في لغتهم أو لقصدهم الرعونة أو التحقير بأنه راع وقيل: إنه متعلق بقوله: ذا رعن أي إنما نسب ذلك القول إلى الحماقة لما شابه الخ ولا وجه له. قوله: حاضة الشمال! / - 2 / ء23
(وأحسنوا الاستماع الخ) إنما أوّلوه لأنه لا فائدة في طلب السمع من السميع فالمراد إمّا أحسنوه حتى لا يحتاج إلى قولكم له ذلك ونحوه أو المراد اقبلوا قولي هذا وغيره والسمع يكون بمعنى القبول كما في سمع الله لمز، حمده أو اسمعوا ما أمرتم به هنا وهو قوله انظرنا والجد بكسر الجيم الاجتهاد والمراد بالكافرين اليهود الذين سبوه بهذه الكلمة ولم يحمل على العموم ودخولهم فيه أولى لأنّ الكلام مع المؤمنين فلا يصلح قوله وللكافرين الخ أن يكون تذييلاَ فالتعريف للعهد وفيه تحريض للمؤمنين على ترك ما ذكر وزاد قوله موذة المؤمنين وان لم يكن في النظم لأنّ من ودّ لهم الخير فقد أحبهم. قوله: (والود محبة الشيء مع تمنيه الخ) قال الراغب: الودّ محبة الشيء وتمني كونه وشمتعمل في كل واحد من المعنيين على أنّ التمني يتضمن معنى الود لأنّ التمني هو منتهى حصول ما توده اص. فأشار إلى أنه يكون مجموعهما ويستعمل لكل منهما على الانفراد ثم إنه هنا إمّا أن يراد به المحبة فقط كما أشار إليه بقوله بعد! وما يحبون ويصح أن يراد به المجموع ونفيه مستلزم نفيهما معاً إذ لا محبة بدون الود كما قاله " الراغب ويلزم أيضا من محبة الشيء جواز تمنيه فمن قال معترضا على المصنف رحمه الله أنه لو كان كذلك لكان المناسب أن يقول ما يحب لأنّ نفي الود لا يستلزم نفي المحبة مع أنّ ما ذكره ليس في كتب اللغة فقد غفل وقوله: ومن للتبيين كما في قوله تعالى: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ} [سورة البينة، الآية: ا] ولا زائدة لتأكيد النفي وفيه إشارة إلى تضعيف ما قيل: إنها للتبعيض. قوله: (ومن الأولى مزيدة الخ) وهي وان لم يلها نفي فالنفي\ الأول منسحب عليها فيكفي مسوّغا ولا حاجة إلى ما قيل إنّ التقدير يود أن لا ينزل خير وخير نائب الفاعل وقوله: يحسدونكم به أي بسببه وبالعلم وبالنصرة معطوف(2/217)
على بالوحي وقوله:! يحسدونكم بيان للواقع أيضا لا تفسير للنظم لأنّ عدم مودتهم ناشئ عن الحسد وقوله: للاستغراق أي لتأكيد الاستغراق فإنّ النكرة في سياق النفي عامّة. قوله: (يستنبئه ويعلمه الخ) ! ايستنبته ناظر إلى تفسير الخير بالوحي ويعلمه الحكمة ناظر إلى قوله بالعلم وينصره ناظرا إلى قوله بالنصرة وفيه إشارة إلى أنّ المراد بالخير والرحمة واحد فهو من وضع الظاهر موضع
المضمر وكذا أقيم الله مقام ضمير ربكئم لأنّ تخصيص من يشاء بالرحمة يناسب الألوهية كما أنّ إنزال الخير يناسب الربوبية وعدم الوجوب مستفاد من قوله من يشاء وهذا رد على الحكماء في قولهم إنّ النبوّة بتصفية الباطن، وعلى المعتزلة في قولهم بوجوب الأصلح على الله لأنّ الواجب إمّا عبارة عما يستحق تاركه الذمّ كما قال بعض المعتزلة أو عما تركه يخل بالحكمة كما قاله بعض آخر أو ما قدر الله تعالى على نفسه أن يفعله ولا يتركه وان كان تركه جائزاً كما اختاره بعض الصوفية والمتكلمين كما يشير به ظواهر الآيات والأحاديث مثل قوله تعالى: {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ} [سورة الغاشية، الآية: 26] والأوّل باطل لأنه تعالى مالك على الإطلاق والمتصرف في ملكه كيف يشاء فلا يتوجه إليه الذم أصلاً على فعل من الأفعال بل هو المحمود في كل أفعاله وكذا الثاني لأنا نعلم إجمالاً أنّ جميع أفعاله تتضمن الحكم والمصالح ولا يحيط علمنا بحكمته والمصلحة فيه على أنّ التزام رعاية الحكمة والمصلحة لا يجب عليه تعالى: {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [سورة الأنبياء، الآية: 23] وكذا الثالث لأنه إن قيل: بامتناع صدور خلافه عنه تعالى فهو ينافي ما صرح به في تعريفه من جواز الترك وان لم يقل به فات معنى الوجوب إذ حينئذ يكون محصله أنه تعالى لا يتركه على طريق جري العادة وليس ذلك من الوجوب في شيء بل يكون إطلاق الوجوب عليه مجرّد اصطلاح. قوله: (نزلت الخ) وانتظامها مع ما قبلها لأنّ النسخ بخير منها من الفضل العظيم، ولأنّ ما نسخ بخير من الخير. توله: (والنسخ في اللغة إزالة الصورة الخ (قال الراغب: النسخ إزالة شيء بشيء يعقبه كنسخ الشمس الظل والظل الشمس والشيب الشباب فتارة يفهم منه الإزالة وتارة يفهم منه الإثبات وتارة يفهم منه الأمران ونسخ الكتاب إزالة الحكم بحكم يعقبه قال تعالى: {مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ} الخ قيل: معناه ما نزيل العمل بها أو نحرّفها عن قلوب العباد وقيل: معناه ما نوجدها وننزلها من نسخت الكتاب، وننسأها أي نؤخرها ولم ننزلها ونسخ الكتاب نقل صورته المجرّدة إلى كتاب آخر وذلك لا يقتضي إزالة الصورة بل يقتضي إثبات مثله في مادة أخرى كإيجاد نقش الخاتم في شموع كثيرة اهـ. فأشار إلى معنى الإزالة والإثبات معا أوّلاً، ومثله بنسخ الظل للشمس فإنّ صورة الضوء زالت عنه إلى غيره والراغب جعله مثالاً للإزالة فقط وهو أظهر وليس من الإضافة إلى المفعول كما توهم، والظاهر أنّ الصورة فيهما واحدة، فما قيل: إنّ الصورة المثبتة أعم من الصورة الأولى وغيرها خلاف الظاهر وقوله: والنقل أي نقل الكتاب
باستنساخه أو نقل الشيء من مكان إلى آخر وهو أخص من الزوال فإنه إعدام صفة وهي التحيز وإحداث أخرى، أمّا عطف على إثباتها أو على نسخ الظل فعلى الأول عطفه عليه لأنه داخل فيه كما ذكره الراغب وأنما خصه لما يتوهم فيه من الإزالة كما أشار إليه وعلى الثاني ففيه إثبات محقق للصورة الأولى في الثانية ولانتقالها كأنها زالت عنه، والأول أولى وعلى كل فضمير منهما للإزالة والإثبات لأنّ هذا ليس معنى مستقلاً له كما عرفت ولخفائه قيل: المتبادر منه أنّ ضمير منهما للإزالة والنقل وليس كذلك كما يدل عليه ما بعده، والتناسخ من النقل لأنه عندهم انتقال الروح من بدن إلى آخر وليس المراد به مناسخة المواريث كما قيل: وفصله بقوله ومنه لأنه ليس فيه إزالة صورة واثباتها والنقل وقع في بعض النسخ دون بعض وهي أولى لأنه لا يناسبه ما بعده إذ نسخ الريح مثالأ للإزالة ونسخ الكتاب مثال للإثبات فتأمّل. وعلى كل حال فإنّ كلامه لا يخلو من الكدر. قوله: (ونسخ الآية بيان انتهاء التعبد الخ) إشارة إلى ما ارتضاه بعض الأصوليين مع أنه بيان انتهائه بما ذكره لا رفعه، وقال شمس الأئمة: إنّ النسخ بالنسبة إليه تعالى بيان لمدة الحكم الأوّل لا رفع وتبديل وبالنسبة إلينا تبديل، وأشار إلى أقسامه الثلاثة من منسوخ الحكم والتلاوة ومنسوخ أحدهما(2/218)
وتفصيله في الأصول، وقوله: وانساؤها إذهابها عن القلوب بأن لا تبقى في حفظهم وقد وقع هذا فإنّ بعض الصحابة أراد قراءة بعض ما حفظه فلم يجده في صدره فسأل النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: " نسخ البارحة من الصدور ". قوله: (وما شرطية الخ) هذا هو القول الأصح من أنّ العامل فيها الشرط باعتبار أنها مفعول به لا مطلق كما جوّزه بعضهم وهي عاملة فيه الجزم باعتبار تضمن معنى الشرط فتكون عاملة ومعمولة من جهتين ومثله جائز، وناب جوابها عن الخبر ومن بيانية وقراءة ننسخ بالفتح ظاهرة وبالضم من الانساخ والهمزة إقا للتعدية أي ما ننسخك من آية أو ننسخ جبريل عليه الصلاة والسلام، والمعنى نأمره بالإعلام بنسخها لآنه لا يقدر أن ينسخ شيئا أو أن الهمزة لمعنى الوجدان على صفة نحو أحمدته أي وجدته محمودا ومعنى نجدها منسوخة أنا ننسخها على ما سبق به علمنا بذلك فهي في المآل موافقة للقراءة الأخرى وهذا رذ على من قال أنسخ لم يوجد في اللغة كأبي عليّ وأبي حاتم ولم يأت أنسخ بمعنى نسخ ولا يصح فيه التعدية ووجهوه بوجهين بناء على جواز التعدية وعدمها، وخرج ابن عطية التعدية على أنها من نسخ الكتاب والمعنى ما يكتب وينزل من اللوح المحفوظ أو ما نؤخر
فيه ونتركه فلا ننزله أي ذلك فعلنا فإنما تأتي بخير من المؤخر المتروك أو بمثله ورده أبو حيان رحمه الله والعجب من المفسرين والشراح أنهم لم يوردوا ما يصحح هذه اللغة ولعلنا نظفر به. قوله: (ننسأها الخ) قراءة أبي عمرو وابن كثير بفتح النون الأولى وسكون الثانية وفتح السين وبالهمزة الساكنة للجزم بالعطف على فعل الشرط وقرأ غيرهما بالألف في هذه ولم يحذفها للجازم لأنّ أصلها الهمزة من نسأ بمعنى أخر والمعنى نؤخرها في اللوح المحفوظ فلا ننزلها وقيل: نؤخرها عن النسخ إلى وقت معلوم، وقرئت بالتشديد من النسيان معلومة ومجهولة مع ذكر المفعول لو تركه وقوله في النفع والثواب شامل للأخف والأثقل والمساوي، وزاد النفع على الكشاف ليشمل التبديل إلى الإباحة والقول بأنّ فيه ثواب الاعتقاد خلاف الظاهر، وقوله: أو مثلها في الثواب لم يذكر معه النفع لأنه لو كان لخلا النسخ من الفائدة، وأمّا كونه مقتضى الزمان وان تساويا فيهما فهو نفع أيضا ولم يعكس، لأنّ المقصود هو النفع فيلزم كون المنسوخ أنفع وقوله أي ننس أحداً إياها الظاهر ننسها أحدا 4 وقوله: بقلب الهمزة أي من ننسأها. قوله:) والآية دلت على جوارّ النسخ الخ الذكره صريحا فيها ولولا أنه جائز لم يكن لذكره وجه وأدوات الشرط من أن وما تضمن معناها في أصل وضعها تدل على احتمال ما دخلت عليه وجوازه فلا يرد اًن الشرطية لا تتوقف على صدق الطرفين كما في قوله تعالى: {قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ} [سورة الزخرف، الآية: 81] وجواز التأخير تأخير إنزال القرآن ناسخا أو منسوخا المدلوك عليه بقراءة أو ننسأها على أحد الوجوه والقراآت وقوله: وذلك إشارة إلى الجواز أي وجه ذلك أن الوحي للمصالح وهي تختلف باختلاف الأزمنة كما نرى من احتياج الصيف إلى غير لباس الشتاء وغير ذلك. قوله: (واحتج به) وفي نسخة بها على معنى النظم أو الآية لأنه نص على أنّ لها مثلأ أو خيرا فلا تكون أثقل ولا من غير الكتاب لأنه لا يماثله شيء ولا دليل فيه لأنّ المراد بالخيرية والمثلية في الثواب أو النفع لا في الأخفية ولا في النظم وهو ظاهر وقوله: والنسخ
قد يعرف بغيره أي بقول المضارع هذه منسوخة مثلاَ وهو جواب عما يقال: إذا لم تنزل آية أخرى كيف يعلم نسخ الأولى وتفصيل هذا في أصول الفقه. قوله: (والمعتزلة على حدوث القرآن الخ) فإنّ تغير. بالنسخ وتفاوته في الخيرية وتأخير الناسخ عن المنسوخ كل ذلك ما يستلزم الحدوث فأجاب بأنه في تعلقاته وهي حادثة لا فيه نفسه وقوله: من لوازمه كان الظاهر من ملزومات الحدوث لأنه استدلال بالتغير على الحدوث والاستدلال يكون من الملزوم على اللازم لا العكس إذ يلزم من وجود الملزوم وجود لازمه بدون العكس فقيل: المراد أنّ التغيير والتفاوت من لوازم القرآن وهما مستلزمان للحدوث ففيه طيّ، أو يقال: المراد من اللازم ما لا يتحقق بدون ذلك كما يقال فلان لزم بيته أي لم يخرج منه وقد مر هذا في البسملة كما ذكره الشريف قدس سره وحاصله أنه لا تغير في المعنى القائم بذاته إنما هو في تعلقه بأفعال المكلفين وقيل: لا نسلم أنّ التفاوت(2/219)
مستلزم للحدوث لم لا يجوز أن يكون أمور قديمة متفاوتة فإنّ صض ته تعالى قديمة مع أنها متفاوتة في الأحكام لا يقال المعتزلة لم يقولوا بالصفات القديمة لأنا نقول عدم قولهم بذلك لا يضرنا مع أنهم يقولون بالمعنى بالصفات القديمة وأن نفوها بحسب الظاهر كما حقق في الكلام (بقي أنه لا حاجة إلى هذا) فإنهم يدّعون حدوث الألفاظ ونحن لا نخالفهم فيه ولا يثبتون الكلام النفسي فهذا إنما يحتاج إليه الحنابلة فتأمل.
قوله: (الخطاب للنبئ صلى الله عليه وسلم والمراد الخ) في الكشاف فهو يملك أموركم ويدبرها ويجريها حسبما يصلحكم وهو أعلم بما يتعبدكم به من ناسخ ومنسوخ وهو لا يتضح حق الاتضاح إلا بعد بيان أنّ الخطاب للنبيّ صلى الله عليه وسلم وهو في الحقيقة له ولأمته بدليل قوله: {وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ} [سورة البقرة، الآية: 07 ا] فلذلك قدمه عليه كذا قيل، وفيه أنّ الخطاب عند صاحب الكشاف ليس للنبيّ صلى الله عليه وسلم وحده بل لكل واقف عليه على حد قوله: " بشر المشاثين " كما بينه شراحه ففي كلامه هذا إشارة إليه ولا حاجة إلى تقديم ما ذكر وسيأتي ما يرجحه والاستفهام حينئذ للتقرير وقوله ابن هثام في المغني: الأول أن يحمل على الإنكار التوبيخي أو
الإبطالي أي ألم تعلم أيها المنكر للنسخ مبنيّ على أنّ الخطاب لمنكري النسخ لا للنبيّ صلى الله عليه وسلم ولا للعموم فهو لم يصادف محزه، وقوله: يفعل ما يشاء أي من النسخ وغيره وإنما قال كالدليل لأن المالك للشيء يقدر على التصرّف فيه والدليل مبين للمدلول والمبين لا يعطف على المبين وكون هذا إنشاء وما ننسخ خبر مانع آخر أيضاً لعدم العطف، وأما كون أنّ الله على كل شيء قد يرد ليلاً أيضا فلا يضرّ في المقصود. قوله: (وإنما هو الذي يملك أموركم الخ) الحصر يستفاد من قوله دون الله لأنه بمعنى سوى الله، وقوله يملك الخ إشارة إلى أنّ الوليّ هنا بمعنى المالك والحاكم وما بعده تفسير للنصر وهو الناصر المعين إذ بالنصرة صلاج الأمور وانتظامها وأصل معنى الولاية الاتصال من غير تخلل شيء آخر أجنيّ بينهما ثم يستعار للقرب في المكان أو في النسب أو في الدين أو الصمداقة والنصرة كما حققه الراغب، وقوله: والفرق الخ يعني الوليّ بمعنى الوالي والمالك والنصير المعين، والمالك قد لا يقدر على النصرة أو قد يقدر ولا يفعل والمعين قد يكون مالكاً وقد لا يكون بل أجنبياً عنهم فالعموم والخصوص الوجهي ظاهر وبعض الناس توهم من قوله أجنبيا أنه فسر الوليّ بالقريب فاعترض عليه بأنه لا يليق هنا إذ لا يقال ليس فيهم قريب غير الله. توله: (أم معادلة للهمزة الخ) قد جوّزوا فيها الاتصال والانقطاع لكنهم رجحوا الثاني حتى قيل: ينبغي القطع بالقطع، فعلى الاتصال والمعادلة التي تكون بمعنى أيّ الأمرين المعنى ألم تعلموا أنه المالك المطلق الفاعل لما يريد أم تعلمون وتسألون رسوله عما لا ينبغي السؤال عنه كما سألوا موسى صلى الله عليه وسلم فقوله: أم تريدون الخ مؤوّل بأم تعلمون لأنه لا يقترح المقترحات الشاقة إلا بعد العلم بأنّ له ربا قادرا على إجابة سؤاله ولا يخفى ما في هذا من التكلف، وقد أورد عليه أنها كيف تكون معادلة للهمزة مع أنّ الذي دخل على تفسيره في فاعل تعلم غير داخل في فاعل أم تريدون ومثله لا يجري في المتعادلين ولو سلم صحته فلا يخفى بعده وكذا جعلهما متحدين لأنّ خطاب النبيّ صلى الله عليه وسلم فيما لا يخصه خطاب لأمته في الحقيقة، ووجه في الكشف الاتصال بأنّ ألم تعلم محمول على الثقة وأم تريدون الخ الدال على الاقتراح المنافي للثقة معادل له، كأنه قال: أتثقون بعد العلم بما
يوجب الوثوق أم لا تثقون وتقترحون كما اقترحت أسلاف اليهود وهو حمل على الثقة على سبيل المبالغة كما في قوله تعالى: {فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ} [سورة المائدة، الآية: 91] وهذا كما تلخص للمسترشد طريقي الخير والشر وما فيهما من المصالح والمفاسد ثم تقول له أهذا تختار أم ذاك اهـ وهو كلام لطيف ومن هنا تبين أنّ عموم الخطاب لغير النبيّ صلى الله عليه وسلم الذي أشار إليه الزمخشريّ أولى فإن قلت على المعادلة لا يخلو إما أن تكون معادلة للهمزتين أو للثانية فقط والأوّل خلاف الظاهر والثاني أقرب لكن قول المصنف قادر على الأشياء يأباه، قلت المراد الثاني ونما كان الثاني دليلا للأوّل كما مرّ كان معناه ملاحظا فيه فتامّل قيل: وفي عبارة المصنف، رحمه الله إشارة إلى أنّ ما مصدرية في موقع المفعول المطلق كما في تفسير(2/220)
الكواشي وقال النحرير: الأنسب أنها موصولة في موضعالمفعول به لتسألوا أي كالأشياء التي سئلها موسى عليه الصلاة والسلام وذلك لأنّ الإنكار عليهم إنما هو لفساد المقترحات وكونها في العاقبة وبالاً عليهم وفيه نظر لأنّ المشبه أن تسألوا وهو مصدر فالظاهر أنّ المشبه به كذلك وقبح السؤال إنما هو لقبح المسؤول عنه مع أنه لا يحتاج إلى تقدير رابط فهو أولى، وفي قوله تريدون مبالغة كأنهم نهوا عن إرادة السؤال فضلاً عنه ولم يقل كما سأل أمة موسى عليه الصلاة والسلام أو اليهود للإشارة إلى أنّ من سأل ذلك يستحق أن يصان اللسان عن ذكره. قوله: (أو منقطعة والمراد الخ) مر أنها بمعنى بل والهمزة أو بل فقط وإنما فسرها بما ذكر ليرتبط بما قبله وينتظم معه لأنه لما بين لهم بقوله ما ننسخ إلى قوله قد ير أنه مالك أمورهم العالم بما هو أصلح لهم وكيت وكيت وحملهم على الإقرار بقوله: ألم تعلم الجاري مجرى التعليل لقدرته وصاهم بالثقة به فيما هو أصلح لهم حتى لا يقترحوا عليه على أبلغ وجه وقد عرفت أنّ الزمخشريّ لاحظ معنى الثقة في الأوّل أيضاً فتذكر، وقوله: نزلت في أهل الكتاب فالخطاب حينئذ في ألم تعلم وتريدون لهم لأنهم هم المنكرون للنسخ فالاستفهام حينئذ للتوبيخ ويظهر ارتباطه بما قبله وهو أقرب مما بعده لخفاء ارتباطه بما قبله ولأنّ قوله كما سئل موسى لا يناسبه إذ لا علم لهم باقتراج قومه عليه وفيه نظر ولذا أخره، وهذا مرويّ عن مجاهد وما قبله عن ابن عباس رضي الله عنهما، وقوله: لن نؤمن لرقيك أي لن تصدّق بارتقائك في السماء. قوله: (ومن ثرك الثقة بالآيات الخ) فسره بترك الثقة إلى الاقتراح ليرتبط بما قبله لأنه تذييل له على سبيل التهديد والتذييل ما يؤتى به في آخر الكلام بما يشتمل على المعنى السابق توكيداً له،
وقوله: الطريق المستقيم تفسير لسواء السبيل وفسره بوسطه أيضاً ولا يضل عن ذلك إلا الأعمى، وقوله: ومعنى الآية الخ إشارة إلى أنه خبر المقصود به النهي والبعد عن المقصد مأخوذ من ضلال الطريق. قوله: (وذ كثير من أهل الكتاب يصني أحبارهم الخ) إنما خصه بالأحبار لقوله من بعد ما تبين لأنّ العارفين لذلك إنما هم الأحبار فلا يقال: إنه لا دلالة على هذا التخصيص والودادة من عامّتهم لئلا يبطل دينهم فالمراد جميعهم وعبر بالكثير لإخراج من آمن منهم، وفي الكشاف روي أنّ فخاص بن عازورا وزبد بن قيس ونفراً من اليهود قالوا لحذيفة بن اليمان وعمار بن ياسر بعد وقعة أحد: ألم تروا ما أصابكم فلو كنتم على الحق ما هزمتم فارجعوا إلى ديتا فهو خير لكم وأفضل ونحن أهدى منكم سبيلالم\ (فقال عمار رضي الله عنه: كيف نقض العهد فيكم قالوا: شديد قال: فإني قد عاهدت الله أن لا أكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم ما عشت فقالت اليهود أمّا هذا فقد صبأ، وقال حذيفة رضي الله عنه: وأمّا أنا فقد رضيت بالله ربا وبمحمد! كتبرو نبيا وبالإسلام ديناً وبالقرآن إماما وبالكعبة قبلة وبالمؤمنين إخواناً ثم أتيا رسول الله -! رو فأخبراه فقال: أصبتما خيراً فنزلت الآية، ولعل المصنف إنما تركه لأنه كما قال الحافظ ابن حجر: لم يوجد في شيء من كتب الحديث. وقوله: فإنّ لو الخ أي تكون بمعناها في المصدرية لكنها لا تنصب وهذا قول للنحاة. قوله: (كفارا مرقدين وهو حال الخ) وجوّز فيه أن يكون حالأ من فاعل ودّ وارتضى بعضهم أنه مفعول يردّ بمعنى يصير لأنها تنصب مفعولين إذ منهم من لم يكفر حتى يردّ إليه فيحتاج إلى التغليب كما في لتعودن في ملتنا. قوله:) يجوز أن يتعلق بوذ الخ) جوّز فيه وجهين تعلقه بودّ على معنى تمنيهم ذلك من قبل أنفسهم وما تهواه لا من التدين، وأن يتعلق بحسداً أي حسداً منبعثاً من أنفسهم وتصوّر معنى الظرفية في عند ومن ثمة قال من قبل فهو ظرف لغو فيهما وهو منقول عن مكيّ، وردّه ابن الشجري في أماليه بأنه
لم يعرف تعدي حسد وودّ بمن فهو مستقرّ أي حسدا وودّاً كائنا من عند أنفسهم وقيل: إنه مرادهم هنا والتعلق معنوفي وهو معمول معموله فكأنه معموله وكثيرا ما يريدون ذلك، وقيل: إنه على الأوّل لغو ومن ابتدائية وعلى الثاني مستقرّ وكلام المصنف رحمه الله ظاهر فيه، وقوله: بالغاً مستفاد من كونه من عند أنفسهم إذ هو ذاتيّ لهم راسخ كالطبيعي، وما قيل: إنه مستفاد من كونه داعيا لأهل الكتاب إلى محبة كفرهم أو من التنكير بعيد غير ظاهر وبتفسير(2/221)
العفو بترك العقوبة والصفح بترك التثريب بالمثلثة أي اللوم والتعيير وأصل معناه الإعراض! بجانبه تبين حسن الترتيب قال الراغب: في مفرداته الصفح ترك التثريب وهو أبلغ من العفو إذ قد يعفو الإنسان ولا يصفح فمن قال ليس هذا معناه لغة وأنما حمله عليه بمقتضى المقام لم يصب. قوله: (وفيه نظر) يعني أنّ {فَاعْفُواْ وَاصْفَحُواْ} [سورة البقرة، الآية: 109] مقيدان بقوله حتى يأتي الله بأمره قال الإمام كيف يكون منسوخا وهو مغياً بغاية كقوله: {أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ} [سورة القرة، الآية: 187] فإذا لم يكن ورود الليل ناسخا لم يكن إتيان الأمر ناسخا وأجاب بأنّ الغاية التي يتعلق بها الأمر إذا كانت لا تعلم إلا شرعاً لم يخرج ذلك الوارد من أن يكون ناسخا فيحل محل اعفوا واصفحوا حتى أنسخه لكم، قال الطيبي: ويؤيده حكم التوراة والإنجيل أنه ذكر فيهما انتهاء مدة حكمهما بإرسال النبيّ الأميّ صلى الله عليه وسلم قال تعالى: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ} [سررة الأعراف، الآية: 157] مع أنّ ظهوره يكتيرو نسخ لهما والحاصل أنّ هذا القدر من التقييا- لا ينافي النسخ وإنما ينافيه التقييد بمعنى تعيين وقت الحكم الأول كما في آية الصوم وأجيب أيضاً بأنّ ابن عباس رضي الله عنهما لعله يحمل الإتيان بالأمر على إماتتهم أو على إقامة الساعة كقوله تعالى: {أَتَى أَمْرُ اللهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ} [سورة النحل، الآية: ا] واعترض على الطيبي بأنه غفل عما تقرّر في الأصول حيث أنكر بعضهم النسخ وقال الشريعة المتقدّمة مؤقتة إلى وقت ورود الشريعة المتأخرة إذ ثبت في القرآن أنّ موسى وعيسى عليهما الصلاة والسلام بشرا بشرع محمد صلى الله عليه وسلم وأوجبا الرجوع إليه عند ظهوره، وإذا كان الأوّل مؤقتاً لا يسمى الثاني نسخاً فأجابوا عنه بأنا لا نسلم أنّ بثارة موسى وعيسى عليهما الصلاة والسلام بشرع النبيّ صلى الله عليه وسلم وايجابهما الرجوع إليه يقتضيان توقيت أحكام التوراة والإنجيل لاحتمال أن يكون الرجوع إليه لأنه مفسر أو مقرّر فمن أين يلزم التوقيت بل
هي مطلقة كما يفهم من التأبيد الواقع فيها فيجوز أن يكون نسخا ولم يقولوا إن هذا القدر من التقييد ينافي النسخ اهـ. وهذا غير وارد لأنّ الجواب الأوّل بمنع التقييد وهذا تسليمي لا ينافيه أي ولو سلم أنه مقيد فالقيد الذي لا يعلم زمانه تعيينه نسخ لأنّ معنى النسخ كما مرّ بيان انتهاء الحكم وآية السيف قاتلوا الذين لا يؤمنون، وتفسيره القدرة بالقدرة على الانتقام مع عمومها ليرتبط بما قبله ارتباطاً تامّا واللجأ مقصور مهموز بمعنى الالتجاء ويكون بمعنى الملجأ، والمخالفة بالخاء المعجمة والقاف مفاعلة من الخلق الحسن وهو مستفاد من العفو والصفح والالتجاء بالعبادة لأنها تدفع عنهم ما يكرهون كما مرّ، وقراءة تقدموا من قدم من السفر وأقدمه غيره أي جعله قادما فهي قريب من الأولى لا من الإقدام ضد الإحجام وفسر عند الله بوجود ثوابه عند. وقيل: الظاهر أنّ المراد أنه ثابت في علمه لا يضيع لأن عند الله بمعنى في علمه كثير في القرآن بجعل ما في علمه بمنزلة الموجود المحسوس لتحققه ولذا أردفه بقوله: إنّ الله بما تعملون بصير فعبر عن علمه بالإبصار مع أن من أعمالهم ما لا يبصر، وهذا هو الداعي لتفسير البصير بالعالم في الكشاف وان قال النحرير إنه إشارة إلى نفي الصفات وأنه ليس معنى السمع والبصر في حقه إلا تعلق الذات بمعلومات خاصة وعلى قراءة التاء فضمير تعملون للكفرة فهو وعيد وتهديد لهم، وأمّا على القراءة الأخرى فهو وعيد للمؤمنين. قوله: (عطف على ودّ الخ) وما بينهما اعتراض بالفاء لأنّ الجملة تقترن بالواو والفاء كما في التلويح، وقوله: والضمير لأهل الكتاب لم يجعله للكثير مع أنه المتبادر كما قيل ليوافق ما بعده من قالت اليهود وقالت النصارى: ولأنّ الحكم ليس مخصوصا ببعضهم فيجعل الجميع كأنهم قالوه ويدل عليه الآية الأخرى، وقالوا: كونوا هوداً أو نصارى وقوله: لف الخ هذا نوع من اللف والنشر لطيف المسلك يسمى اللف والنشر الإجمالي قال المحقق ولقائل أن يقول لما كان اللف بطريق الجمع كان المناسب أن يكون النشر كذلك لأن ردّ السامع بقول كل فريق إلى صاحبه فيما إذا كان الأمران مقولين وكلمة أو لا تفيد إلا مقولته أحد الأمرين والجواب أنّ مقول المجموع لم يكن دخول الفريقين بل دخول أ- إهما لكن بعضهم هذا بالتعيين وبعضهم ذاك(2/222)
بالتعيين اص. ورد بأن مقول المجموع دخول الفريقين لا دخول ذلك الفريق لا غير فالجواب أن وجه إيثار أو على الواو لدفع توهم أنّ شرط الدخول كون الشخص جامعا لوصفي اليهودية والنصرانية وهذا لا محصل له فالصواب ما في مغني اللبيب أنّ أو هنا للتفصيل والتقسيم وهو كما يكون بأو يكون بالواو أيضا فهي تدل على اجتماعهما في المقسم ولا تنافي اللف والنشر، وقوله: بين قولي الفريقين وفي بعض كتب المعاني بين الفريقين والمآ! واحد والثقة بفهم السامع لأن اليهود لا تقول لا يدخل الجنة إلا النصارى ولا عكسه. قوله: (وهود جمع هائد الخ) العوذ بالذال
المعجمة الحديثات النتاج من الظباء والإبل والخيل واحده عائذ وقيل: إنه مصدر يستوي فيه الواحد وغير. وقيل: إنه مخفف يهود بمحذف الياء وهو ضعيف وإذا كان جمعا فاسم كان مفرد عائد على من باعتبار لفظها والخبر بالجمع باكأجار معناها وهو كثير، ولما كان تلك راجعاً إلى قوله لن يدخل الخ وهي أمنية واحدة أجاب عنه بأن المشار إليه متعدد وهو ما ذكره أو في الكلام مضاف مقدر في الأوّل أو في الثاني أي كل أمانيهم باطلة كهذه وقيل: لا حاجة إلى هذا لأنّ هذه محتوية على أمان أن لا يدخل الجنة إلا اليهود وأن لا يدخل الجنة إلا النصارى وحرمان المسلمين منها وأيضاً فقائله متعدد وهو باعتبار كل قائل أمنية وباعتبار الجميع أمان كثيرة وهذا توجيه آخر لا يرد على المصنف رحمه الله كما توهم، ومن فوائد الانتصاف أن أمنيتهم لتأكدها وتكرّرها منهم عبر عنها بالجمع لأنه قد يعبر به لقصد ذلك كما قالوا معي جياع لأنّ الجمع يفيد زيادة الآحاد فيستعمل لمطلق الزيادة وهذا من بديع المجاز ومن نفائس البيان، وأمنية أصلها أمنوية كأعجوبة فأعلت وهو ظاهر، وجملة تلك أمانيهم معترضة والمراد بالأمنية الكذب كما مرّ فلا يقال: إن البرهان يكون على الدعوى لا على التمني الإنشائي حتى يتكلف بأنه أطلق التمني على دعوى ما لا يكون لشبهه به والبرهان الحجة القاطعة وما لا حجة فيه كالعدم كما قيل:
من ادّعى شيئابلاشاهد لا بد أن تبطل دعواه
وليس في الآية دليل على منع التقليد فإنّ دليل المقلد دليل اا! قلد. قوله: (بلى إثبات لما
نفوه الخ الما كانت بلى إيجابا لما نفي والاستثناء من النفي إيجاب أشار إلى أنه يشتمل على إيجاب وهو دخولهم الجنة ونفي وهو أنه لا يدخل الجنة غيرهم فبلى إثبات لما نفو. فكأنهم قالوا لا يدخل الجنة غيرنا فقيل: بلى يدخلها غيركم فهو ردّ لما قالوه والوجه الجارحة المخصوصة لأنّ التوجه والاستقبال به ويطلق على مبدأ كل شيء نحو وجه النهار لأوّله ويقال للذات وللقصد والمقصد أيضا كما قاله الراغب والمصنف رحمه الله أشار إلى أنه هنا أيضاً يصح أن يكون بمعنى الذات من إطلاق الجزء الأشرف على الجميع والقصد والإسلام الانقياد لما قضى الله وقدر وهو الإخلاص فلذا فسره المصنف به هنا لتعديه باللام. قوله: (وهو محسن
في عمله الخ أليس هذا بناء على الاعتزال كما توهم أبو حيان رحمه الله فإنه ليس فيه أنّ من لا يعمل لا يدخلها وقوله: الذي وعد له إشارة إلى أنه تفضل من الله والجواب تمّ عند بلى والوقف عليه وان قدر يدخك تكون هذه الجملة من الجواب لبيانها له وان كان بلى أيضاً على هذا جواباً مستقلاً فلا يرد ما قاله النحرير ثم إنّ بلي لما كانت ردّاً للنفي على الأوّل أتى بقوله من أسلم الخ ردّاً للإثبات فتفطن له وقدر نفي الحزن والخوف في الآخرة لأنّ المؤمن في الدنيا بين الرجاء والخوف حتى يكشف له الغطاء. قوله: (أي على أمر يصح الخ) في الكشاف وهذه مبالغة عظيمة لأنّ المحال والمعدوم يقع عليهما اسم الشيء فاذا نفى إطلاق اسم الشيء عليه فقد بولغ في ترك الاعتداد به إلى ما ليس بعده وهذا كقولهم أقل من لا شيء، قال النحرير: إطلاق الشيء على المحال مبنيّ على تفسيره بما يصح أن يعلم ويخبر عنه وهو المنقول عن سيبويه رحمه الله وقد سبق وأمّا قولهم: إنّ المعدوم الممكن شيء بخلاف المستحيل فبحث آخر وهذا ردّ على صاحب الانتصاف إذ قال: إن ما ذكره الزمخشري لا يوافق قول أهل السنة والمعتزلة، والوفد بالفاء والدال المهملة القوم الوافدون أي القادمون ونجران كعطشان موضع فيه قوم من العرب نصارى سمي نجران بن زبد بن سبأ(2/223)
وهذه القصة ذكرها ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما. قوله: (الواو للحال الخ) أي قالوا ذلك وهم من أهل العلم والكتاب ولما كان الحال عن الفريقين وكل فريق فاعل لفعل آخر ولا يعمل فعلان في حال جعل الفعل المسند إلى الفريقين واحداً ليصح عمله في الحال والمقصود من الحال توبيخهم. قوله: (كذلك مثل ذلك الخ) قيل: يعني أنّ كذلك مفعول قال: ومثل قولهم مفعول مطلق والمقصود تشبيه المقول بالقول في المؤدّي والمحصول وتشبيه القول بالقول في الصدور عن مجرّد التشهي
والهوى والعصبية فظهر الفرق بين التشبيهين ودفع توهم اللغوية في أحدهما، وفي الكشف وجه آخر وهو أن مثل صفة مصدر مقدر وكذلك حال أي قالوا قولاً مثل قولهم جاريا على ذلك المنهاج الصادر عن مجرّد الهوى، وهذا مطرد في غير القول تقول كذلك فعل مثل فعله وهو في الفارسية أيضا، وتحقيقه أنّ كذلك اطرد في تأكيد الأمر وتحقيقه حتى كأنه سلب عنه معنى التشبيه فقوله: مثل قولهم يدل على تماثل القولين في المؤذي وكذلك يدل على توافقهما في الصفات والغايات وما يترتب عليها من الذمّ وهو دقيق وسيأتي تحقيقه في قوله: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [سورة البقرة، الآية: 43 ا] والمعطلة بكسر الطاء المشدّدة طائفة نفوا الصانع وجعل قولهم مشبهاً به أقوى لأنه أقبح إذ الباطل من العالم أقبح منه من الجاهل، وفي إعرابه وجوه مفصلة في الدر المصون، وقوله: فإن قيل: الخ ظاهر أو يقال: إنه يريد أنّ دينه الآن حق وليس كذلك فوبخوا عليه. قوله: (بين الفريقين الخ) فان قلت لم خصهما بالذكر دون الذين لا يعلمون مع ذكرهم قبله قلت المراد توبيخ اليهود والنصحارى حيث نظموا أنفسهم في سلك من لا علم له فالواجب تقدير هؤلاء خاصة، وأيضا أنه لا يعتد بالقول من غير مستند، وقوله: بما يقسم الخ قيل: إنه للإشارة إلى أنّ حكم يستدعي التعدي بفي والباء كما يقال حكم الحاكم في هذه الدعوى بكذا فالأوّل محكوم فيه والثاني محكوم به، وهو محذوف تقديره ما ذكر، وفيه أيضاً إشارة إلى أنّ الحكم بين فريقين يقتضي أن يحكم لأحدهما بحق ولا حق لأحدهما فجعله بمعنى أنه يعين لكل عقابا أو يكذب كلاً منهما فهو مجاز عما ذكر. قوله: (عامّ لكل من خرّب الخ) وجه ارتباطه بما قبله أنّ النصارى عطلوا بيت المقدس أو مشركو العرب عطلوا المسجد الحرام لكنه عامّ في كل من عطل المعابد والمدارس كما في زماننا إذ خصوص السبب لا يمنع العموم فإن قيل: أليس المشرك أظلم ممن مغ مساجد الله، أجيب بأنّ المانع من ذكر الله الساعي في خراب المساجد لا يكون إلا كافراً متبالغا في الكفر لا أظلم منه في الناس أو المراد من المانعين الكفرة لأنّ الكلام فيهم لكن يحمل على عموم الكافر المانع ولا يخص بالمانعين الذين فيهم نزلت الآية كما صرح بعموم المساجد مع نزول الآية في مسجد خاص، وقوله: مرشح للصلاة أي معذلها والحديبية اسم بئر وسمي بها مكانها وهي مخففة كدويهية على الأفصح ويجوز تشديدها. قوله: (ثاني مفعولي منع الخ) منع يتعدّى لمفعولين
بنفسه تقول منعته كذا وقد يتعدى للثاني بمن أو عن فمن ثمة اختلف في إعراب أن يذكر فقيل: هو مفعوله الثاني واختاره المصنف رحمه الله والثاني أنه بدل اشتمال من مساجد، والثالث أنه على إسقاط الجار أي من أو عن والرابع أنه مفعول لأجله وهو متعد لاثنين ثانيهما مقدّر أي عمارتها أو العبادة فيها ونحوه أو لواحد وهو ظاهر، وقيل المقدّر الأوّل أي منع الناس مساجد الله وقدروه بكراهة أن الخ قال النحرير: وليس التقدير من جهة أن يكون فعلاً لفاعل الفعل المعلل مقارنا فيصح حذف اللام لأنه جائز مع أنّ وإن بدون ذلك بل من جهة أنّ المفعول له إمّا غاية يقصد بالفعل حصولها أو باعث يكون علة للإقدام على الفعل والذكر في المستقبل ليس واحداً منهما وإنما الباعث كراهة الذكر وقد يقال: إنّ ذكر الإرادة أو الكراهة في أمثال هذه المواضع بيان للمعنى لا تحقيق أنها على حذف المضاف (أقول) : قال في الكشف التحقيق أنه لا حاجة إلى الإضمار فإنّ الغرض هو الذي يسوق إلى الفعل ذهناً ويترتب عليه وجوداً فيكون حاصلا بعده سواء كان تحصيل ما ليس بحاصل أو إزالة ما هو حاصل كقولك ضربته لتأديبه وضربته لجهله فلو قيل: في الأوّل إرادة أن يتأدب، وفي الثاني كراهة أن يبقى في الجهل كان إظهاراً(2/224)
للمعنى وكذلك إذا قلت منعته دخول الحانة لأن يرشد دل على أنّ المنع لإرادته ولو قلت منعته دخولها لا أن يفسق دل على أنّ المنع لكراهته، ومثله قوله تعالى: {يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ} [سورة النساء، الآية: 176] أي يبين لأجل ضلالكم الحاصل وازدياده فيما بعد بالاستمرار فلا ي! د أنّ أن الناصبة للاستقبال فكيف يصح من دون إضمار، نعم قد يحوح إلى الإضمار لكنه غير لازم والمعنى لا أظلم ممن منع مساجد الله من العمارة لأنّ داخلها سيذكر اسم الله على معنى لا باعث له على المنع غير ترقب أتصاف الداخل بالذكر وفيه مبالغة وذمّ عظيم حيث جعل ترقبه مانعاً لأنّ أن للاستقبال ولم يذكر ثاني مفعولي منع لشيوعه في الدخول والعمارة ونحوهما وهذا أصل ممهد لك فاحفظه اهـ. والشارح المحقق أشار إلى ما فيه إيماء لأنه جار على مقتضى العقل والقياس لكن كلام في قبول أهل العربية له وجريه على سنن كلامهم فإن مثل هذه التدقيقات وإن كانت بديعة كما هو دأبه إلا أنه لا بدّ من مساعدة الاستعمال له والبلاغة العربية زهرة لا تحتمل الفرك فتأمل وقوله: بالهدم ناظر إلى تخريب بيت المقدس وما بعده لما بعده وجعل التعطيل تخريبا استعارة حسنة، ومن الإشارات قول القشيري ومن أظلم ممن خرب بالشهوات أوطان العبادات وهي نفوس العابدين، أو خرّب بالاشتغال بالغير أوطان المشاهدات. قوله: (ما كان ينبنى لهم أن يدخلوها الخ) دفع لما يتوهم من أنّ الله أخبر بأنهم لا يدخلونها إلا خائفين وقد دخلوها آمنين وقد بقي في أيديهم أكثر من مائة سنة لا
يدخله مسلم إلا خائفاً حتى استخلصه السلطان صلاح الدين بأنّ معنى ما كان لهم الخ ما كان ينبغي لهم دخوله إلا بخوف وخشية من الله أو أنه كان الواجب والحق هذا لكنهم تركوه لكفرهم، أو ما كان ذلك لهم في حكم الله وقضائه والمقصود وعد المؤمنين باستخلاصه منهم أو أنه خبر أريد به النهي عن تمكينهم من الدخول فيها إما وجوبا إن كان النهي تحريما أو لا إن لم يكن على اختلاف في المسألة نقلوه، وقيل: إنّ في كلام المصنف رحمه الله ردّاً على الزمخشريّ حيث جعل الوجه الثاني معنى للأوّل فقال: أي ما كان ينبغي لهم أن يدخلوا مساجد الله إلا خائفين والمعنى ما كان الحق والواجب إلا ذلك لولا ظلم الكفرة وعتوّهم وحاصل الثالث أنّ معنى ما كان لهم ما كان في حكم الله وقضائه يعني أنّ حكم الله أنهم يصيرون بحيث لا يدخلون إلا خائفين ولو بعد حين، وقد وقع في النسخ التي رأيناها في علم الله بدل في حكم الله وهو سهو من الناسخ لاقتضائه وقوع خلاف علمه تعالى وقيل: على الأخير لا يخفى أنّ العبارة إنما تفيد نهيهم عن الدخول كما في قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا} [سورة الأحزاب، الآية: 53] لا نهي المؤمنين عن التمكين والتخلية وهو حاصل الوجه الأوّلط وهو كله غير وارد، أمّا الأول فلأنّ ما ينبغي يستعمل بمعنى ما يليق وبمعنى ما يجوز وبمعنى ما يكون والذي في كلام الكشاف غير الذي في كلام المصنف رحمه الله فالذي غرّه اشتراك اللفظ وأما قوله: إنّ ما وقع فيه علم الله سهو فليس كما قال فانّ معنى حكم الله بذلك قضاؤه بوقوعه وهو لا يتخلف أيضاً ولذا قال الإمام يكفي تحققه في وقت ما ولا دلالة فيه على التكرّر ولا الدوام وهذا بعينه جار في علم الله أيضا وقال السيوطي: إنه تفسير مأثور عن قتادة فكيف بصح ما قاله وكذا ما أورده النحرير فإنه مقتضى للفظ بحسب وضعه لا بحسب ما كني به عنه قال الطيبي: نهى المؤمنون عن تمكينهم من الدخول وهو أبلغ من صريح النهي لأنّ الكناية أبلغ فإنك إذا قلت لصاحبك لا ينبغي لعبدك أن يفعل كذا على إرادة النهي للسيد كان أبلغ من النهي له، وقال الجصاص: إنّ قوله إلا خائفين يدل على أنّ المسلمين يلزمهم منعهم منها والا لما خافوا. قوله: (واختلف الأئمة فيه الخ) قال الشافعي: لا يدخل المشرك المسجد الحرام والحرم وقال مالك رحمه الله: لا يدخله ولا غيره إلا لحاجة، وقال الحنفية: يجوز له دخول سائر المساجد لدخولهم على النبيّ! كتيرو في مسجده وما ذكر محمول على النهي التنزيهي أو الدخول للحرم بقصد ال! في. قوله: (قتل وسبي أو ذلة الخ) عطفه بأو لأنهما لا يجتمعان إذ القتل والسبي للحربي والذلة بالجزية للذمي وهذا مع ظهوره خفي على من قال الظاهر وذلة وقوله بكفرهم
وظلمهم مأخوذ من ترتبه على قوله ومن أظلم الدال على الكفر كما مرّ وجعل المشرق والمغرب كناية عن جميع الأرض ومثله كثير، وقوله:(2/225)
فإن منعتم الخ بيان لارتباط الآية بما قبلها وأورد عليه أنه يقتضي أنها من تتمة الكلام فيمن منع المساجد وهو قول ضعيف والذي وردت به الأحاديث أنها نزلت مستقلة بسبب آخر اختلفت فيه الروايات على خمسة أوجه ذكرت في أسباب النزول، وفيه نظر لأنها وان كان لنزولها سبب آخر لا يمنع ذكر مناسبتها لما قبلها وفرق بين المناسبة وسبب النزول.
قوله: (فقد جعلت لكم الأرض مسجدا) هكذا في الحديث الصحيح: " جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا) . قال القاضي عياض رحمه الله هذا من خصائص هذه الأمّة لأنّ من قبلنا كانوا لا يصلون إلا في موضع يتيقنون طهارته ونحن خصحصنا بجواز الصلاة في جميع الأرض إلا ما تيقنا نجاسته، وقال القرطبي رحمه الله. هذا مما خص الله به نبيهء! فه وكانت الأنبياء عليهم الصلاة والسلام قبل إنما أبيحت لهم الصلاة في مواضع مخصوصة كالبيع والكنائس وقال الزركشيّ رحمه الله في كتاب المساجد الظاهر من نظمهما في قرن ما قال بعض شراح البخاري إن المخصوص به المجموع وهو باختصاص أحد جزأيه وهو كون الأرض طهورا وأما كونها مسجداً فلم يأت في أثر أنه منع منه غيره وقد كان عيسى عليه الصلاة والسلام يسيح في الأرض! ويصلي حيث أدركته الصلاة فكأنه عليه الصلاة والسلام قال جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً وجعلت لغيري مسجداً إلا طهوراً، ولك أن تقول إنّ غيره عليه الصلاة والسلام لم يبح له الصلاة في غير البيع والكنائس من غير ضرورة فلا يرد صلاة عيسى عليه الصلاة والسلام في أسفاره، وقوله: إن تصلوا في المسجد الحرام أو الأقصى ذكر الأقصى على سبيل الفرض وقد وقع بعده صلى الله عليه وسلم فهو من الإخبار بالمغيبات وقيل الأولى الاقتصار على المسجد الحرام ولا وجه لذكر الأقصى. قوله: (ففي أيّ مكان الخ) يعني أنّ أينما ظرف لازم الظرفية وليس مفعول تولوا فيكون بمعنى أفي جهة تولوا حتى يكون منافياً لوجوب التوجه للقبلة فيحمل
على صلاة المسافر على الراحلة أو على من اشتبهت عليه القبلة وأنّ تولوا منزل منزلة اللازم فلا يحتاج إلى حذف مفعوليه وتقدير فأينما تولوا وجوهكم شطر المسجد الحرام، والتولية الصرف من جهة إلى أخرى وثم مبنيّ على الفتح اسم إشارة للمكان كهناك، ووجه الله إمّا بمعنى جهته التي ارتضاها للتوجه إليها وأمر بها وهي القبلة أو بمعنى ذاته كما مرّ أي فهو حاضر مطلع على عبادتكم وإنما أوّل بذلك لتنزهه عن المكان والجهة وقوله: فإحاطته بالأشياء أي بقدرته أو برحمته فإسناد السعة إليه مجاز بمعنى الإحاطة المذكورة وقوله في الأماكن كلها الربطة بما قبله. قوله: (وعن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أنها نزلت في صلاة المسافر على الراحلة) وأينما ظرف كما في الوجه الذي قبله والمعنى في أيّ مكان فعلتم أيّ تولية لأنّ حذف المفعول به يفيد العموم لا أنّ المعنى إلى أيّ جهة تولوا وأينما مفعول به على ما شاع في الاستعمال كما توهم فإنه لم يقل به أحد من أهل العربية كما صرّح به النحرير وكذا في القول الآخر في أنها في حق من اشتبهت عليه القبلة فيصلي إلى أيّ جهة أدّى إليها اجتهاده والمسألة مع لزوم الإعادة وعدمها مفصلة في الفروع، والمراد بالتدارك الإعادة وكونها توطئة لنسخ القبلة ظاهر لاً نه إذا كان محيطا بكل جهة فله أن يرتضي ما شاء منها وتبديل التوجيه إليه يدلّ على أنه ليس في جهة إذ لو كان لوجب التوجه لها، وقيل: هذا أصح الأقوال لأنه روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنها نزلت لما قال اليهود: " ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها " وفيه نظر. قوله: (نزلت لما قال اليهود لخ) في بعض الحواشي فالضمير راجع إلى الثلاثة لسبق ذكرهم ولا تقل لم يسبق ذكر المشركين كما قال الذين لا يعلمون، وقرأ الجمهور بالواو وقرأ ابن عامر بتركها على الاستئناف واستحسنوا عطفها على الجملة التي قبلها لبعد الوجوه المذكورة هنا، وإنما قال على مفهوم قوله: ومن أظلم لأنها استفهامية إنشائية اسمية وهذه خبرية فأشار إلى أنها مؤوّلة بفعلية خبرية أي ظلم الذين منعوا ظلما عظيما وقالوا أيضاً اتخذ الله ولداً فإنّ الاستفهام ليس مقصوداً حقيقته ومنه علم وجه عطف تلك الجملة على ما قبلها أيضاً ولذا حسن ترك الواو ولو جعله من عطف القصة لم يحتج إلى تأويل كما مرّ والاستئناف بياني كأنه قيل: بعدما عدّد من
تبائحهم هل انقطع خيط إسهابهم في الافتراء على الله(2/226)
أم امتد فقيل: بل امتدّ فإنهم قالوا ما هو أشنع من ذلك. قوله: (تنزيه له عن ذلك فإنه يقتضي التشبيه الخ) إذ الولد حيوان يتولد من نطفة حيوان آخر والنطفة جسم يتولد من جسم فيلزم تشبيهه بالأجسام أو لأنّ الولد يشارك الأب في الماهية ويشابهه ولذا قالوا، ومن يشابه أباه فما ظلم، وهذا أقرب ويعينه قول المصنف بعده وأمّا الحاجة فلأنه يقتضي التجسيم والتركيب المحتاج إلى المادّة وقيل: لأنّ الابن إنما يطلب للحاجة إليه في أن يعاونه ويخلفه، وسرعة الفناء لأنه لازم للتركيب وكل محقق قريب سريع وقوله ألا ترى الخ هذا يشعر بأنّ لها إدراكا ونفوساً فلكية كما هو مذهب الحكماء والأولى ترك هذا كله وتنزيه التنزيل عن أمثاله، والمصنف رحمه الله يرتكب مثله أحيانا وهو من إصابة الكمال وكون سبحان للتنزيه ظاهر كما مرّ. قوله: (رذ لما قالوه الخ) إشارة إلى أنّ بل ل! ضراب الإبطالي، قال الجصاص في أحكام القرآن: في هذه الآية دلالة على أنّ ملك الإنسان لا يبقى على ولده لأنه نفي الولد بإثبات الملك بقوله بل له ما في السموات الخ وهو نظير قوله: {وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَدًا إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا} [سورة مريم، الآية: 93] فاقتضى ذلك عتق ولده عليه إذا ملكه وقد " حكم النبيّ صلى الله عليه وسلم بمثل ذلك في الوالد إذا ملكه ولده " وسيصرّح به المصنف رحمه الله وقوله: واستدلال الخ يحتمله لكن قوله والمعنى الخ يقتضي أنّ وجهه أنه خالق لكل موجود فلا حاجة له إلى الولد إذ هو يوجد ما يشاء منزها عن الاحتياج إلى التوالد واللام في له للملك وقيل إنها كالتي في قولك لزيد ضرب تفيد نسبة الأثر إلى المؤثر وقوله: منقادون إشارة إلى معنى القنوت قال الراغب رحمه الله: القنوت لزوم الطاعة مع الخضوع وفسر بكل واحد منهما في قوله تعالى: {كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ} قيل: خاضعون وقيل طائعون، واختار المصنف الثاني لأنه أنسب بالمقام، وقوله: لم
يجانس مكوّنة لأنه قاهر وهذا مقهور وقوله: فلا يكون له ولد بيان لارتباطه بما قبله. قوله: (وإنما جاء بما الذي الخ) في الكشاف فإن قلت كيف جاء بما التي لغير أولي العلم مع قوله قانتون قلت هو كقوله: سب! خان ما سخر! كن لنا، وكأنه جاء بما دونا من تحقيراً لهم وتصغيراً لثأنهم قال النحريريعني كيف غلب غير العقلاء فأتى بلفظ ما مع تغليب العقلاء فيه حيث جمع بالواو والنون فأجاب بأنه وقع في الخبر تغليب العقلاء على الأصل وفي المبتدأ عكسه لنكتة التحقير وهذا كما يقال: إن {لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} إشارة إلى مقام الألوهية والعقلاء فيه بمنزلة الجمادات و {كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ} إلى مقام العبودية والجمادات فيه بمنزلة العقلاء، وأمّا كون ما يعم العقلاء وغيرهم فإنما هو في موضع الإبهام فإذا وقع التمييز فرق بما ومن قدّر المضاف إليه في كل ما فيها لا كل واحد للإخبار عنه بالجمع وقوله: كل من جعلوه إلها وكذا كل من جعلوه ولدا لدلالة اتخذ الله ولداً عليه ووجه الإلزام أنّ من زعمتموه ولداً خاضمع له مقرّ بعبوديته، والوجوه الثلاثة في قوله سبحانه الذي نزهه عما يشابهه ونحوه المقتضى لعدم الولد وكون ما في الوجود ملكاً له لا ولدا وكونهم كلهم أو من اتخذ ولداً خاضعا مقرّاً بعبوديته، وقوله: واحتج الخ مرّ بيانه. قوله: (مبدعهما ونظيره السميع في قوله الخ) فعيل يكون بمعنى فاعل كعليم وبمعنى مفعول كقتيل وهو يكون من المزيد بمعنى اسم الفاعل كبديع بمعنى مباع ذكره بعض أهل اللغة واستشهدوا عليه بالبيت المذكور لأن سميعا فيه بمعنى مسمع إذ الداعي مسمع لا سامع، وفي لسان العرب، ط ن الأصمعي ينكر فعيلاً بمعنى مفعل ويبطله قول ابن الأعرابي سليم بمعنى مسلم، وقال ابن بري: قد جاء كثيراً نحو مسخن وسخين ومقعد وقعيد ومنقع ونقيع ومحب وحبيب ومطرد وطريد ومقض وقضيّ ومهدي وهديّ وموص ووصيّ ومبرم وبريم ومحكم وحكيم ومبدع وبديع ومفرد وفريد ومسمع وسميع ومونق وأنيق ومؤلم وأليم في أخوات له اص. فقد علصت أنّ فيه قولين لأئمة اللغة ارتضى كلا طائفة وعلى الثاني ابن دريد في الجمهرة، والزمخشريّ لما رأى سميعاً صفة مشبهة أو من صيغ المبالغة الملحقة باسم الفاعل وعليه ابن مالك في التسهيل قال: وربما بني فعيل من أفعل وكذا فعيل بالفتح بمعنى مفعل أيصاً فيه الخلاف وأخذها من المزيد المتعدّي على خلاف القياس لم يرتضه وقال: إن السميع على معنا. الظاهر(2/227)
والإسناد مجازيّ لأنّ داعي الشوق لما دعاه صار عمرو سميعا لدعوته فقد نسب لكونه سميعا فأسند إليه السماع كما أسند الردّ إلى العافي في قوله:
إذا رذعا في القدر من يستعيرها
على أنه إن ثبت شاذ لا يقاس عليه والمصنف رحمه الله لما صح عنده النقل فيه لم يلتفت إلى ما تكلفه مع أنه على ما ذهب إليه يكون من إضافة الصفة إلى فاعلها، وقد تقرّر في النحو أنها إذا أضيفت إليه يكون فيها ضمير يعود إلى الموصوف فلا تصح الإضافة إلا بما صح اتصاف الموصوف بها نحو حسن الوجه حيث يصح اتصاف الرجل بالحسن لحسن وجهه بخلاف حسن الجارية وإنما صح زيد كثير الإخوإن لاتصافه بأنه متقوّ بهم فعلى هذا لا يصح بديع السموات لامتناع اتصافه بذلك إلا إذا أريد أنه مبدع لها وهذا يقتضي أن يكون على ظاهره وأمّا ما قيل: إنّ من يقول إنّ البديع بمعنى المباع لا يدّعي أنه كذلك بل إنه من قبيل المبالغة من باب جد جده وقد اعترف به صاحب الكشاف في قوله: {وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} فقال: يقال ألم فهو أليم كوجع فهو وجيع ووصف العذاب به كقوله:
تحية بينهم ضرب وجيع
وهذا على طريقة قولهم جد جد. والألم في الحقيقة للمؤلم كما أنّ الجد للجاد، فغير صحيح لأنّ قول المصنف في الوجه الآخر من أباع ينادي بأنّ الأوّل من المزيد وأمّا ما ذكره في أليم فليس مما نحن فيه في شيء فإنه من الثلاثي لكن فيه إسناد مجازيّ فهو سهو آخر. قوله: (أمن ريحانة الداص السميع) تمامه
يؤرّفني وأصحابي هجوع
وهو مطلع قصيدة لعمرو بن معد يكرب يتشوّق أختاً له اسمها ريحانة أسرها بنو دريد بن الصمة ومنها:
إذالم تستطع شيئافدعه وجاوزه إلى ما تستطيع
والمراد بالداعي الشوق ويؤزقني بمعنى يوقظني من الأرق وهو السهر وهجوع بمعنى نيام وجملة وأصحابي هجوع حال، وقوله: أو بديع الخ ظاهر وهو مختار الزمخشري وهو حجة رابعة على نفي الولد لأنه أصله ومنشؤه الحاصل بالانفعال المنزه عنه ذو الجلال. قوله: (والإبداع اختراع الشيء الخ) فرق في شرح الإشارات بين الصنع والإبداع والإيجاد والتكوين والإحداث بأنّ الصنع الإيجاد بعد العدم فهو والإيجاد عامان والإبداع إيجاد من غير مادّة ولا
زمان فهو أعلى مرتبة من التكوين والإحداث لأنّ التكوبن إيجاد عن مادّة والإحداث أن يكون مع الشيء وجود زمانيّ وكل واحد منهما يقابل الإبداع من وجه والإبداع أقدم منهما لأنّ المادّة لا يمكن أن تحصل بالتكوين والزمان لا يمكن أن يحصل بالأحداث لامتناع كونهما مسبوقين بمادّة أخرى وزمان آخر انتهى وكلام المصنف رحمه الله يقتضي فرقا آخر وهو أنّ الإبداع الإيجاد الدفعي من غير ماذة لأنه معنى الاختراع والصنع الإيجاد عن مادّة وهي العنصر الذي فيه صورته كالسرير والخشب والتكوين إيجاد من مادّة خلعت عنها صورتها الأولى التي هي صورة أخرى في زمان كالإحداث لكن أورد عليه أنه كيف يكون إيجاد السموات لاعن مادّة وقد كانت دخانا كما صرّح به في الآيات وكيف يكون دفعيا وقد خلقت في ستة أيام فكأنه حمل ذلك على التمثيل لمناسبة ما بعده فتأمّل. قوله: (أي أراد شيئاً وأصل القضاء الخ) القضاء فصل الحكم في الشيء قولاً وهو ظاهر أو فعلاً وهو إيجاده ولما كان ذلك يستلزم الإرادة أطلق عليها فعلم أنه يستعمل بمعنى الإيجاد ويقابله القدر بمعنى التقدير وقد يعكس ذلك قال ابن السيد: قدّره الله وقدره قضاؤه ومنهم من يفرق بين قدر الله وقضائه فيجعل القا. ر تقديره الأمور قبل أن تقع والقضاء إنفاذ ذلك القدر وخروجه من العدم إلى حد الفعل وهذا هو الصحيح لأنه قد جاء في الحديث أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم مرّ بكهف مائل للسقوط فأسرع المشي حتى جاوزه فقيل له أتفرّ من قضاء الله فقال أفرّ من قضائه تعالى إلى قدره ففرق صلى الله عليه وسلم بين القضاء والقدر وبين أنّ الإنسان يجيب أن يتوقى انتهى. قوله: (ومن كان التامّة الخ) وهي تدل على معنى الناقصة لأنّ الوجود المطلق أعمّ من وجوده في نفسه أو في غيره مع أنها الأصل فلا يقال: إنّ الله كما يفيض الوجود في نفسه للأشياء يفيض الوجود لغيره وهو إنما يكون بأن يقول للشيء كن كذا، ووجه التمثيل فيه أنه شبهت الحالة التي تتصوّر من تعلق إرادته تعالى بشيء من(2/228)
المكوّنات الدال علبها قوله:
قضى كما مرّ وسرعة إيجاد. إياه من غير امتناع ولا توقف بحالة أمر الآمر النافذ تصرفه في المأمور المطيع الذي لا يتوقف في الامتثال فأطلق على هذه الحالة ما كان يستعمل في ذلك من غير أن يكون هنا قول وأمر فهو استعارة تمثيلية، وذهب لعضهم إلى أنها استعارة تحقيقية تصريحية ورده النحرير وسيأتي ما فيه، وقوم إلى أنه حقيقة وأنّ السنة الإلهية جرت بأنه تعالى يكوّن الأشياء بكلمة كن ويكون المأمور هو الحاضر في العلم والمأمور به الدخول في الوجود وكأنّ مراده أنّ اللفظ موجود حقيقة والا فهذا الأمر تسخيريّ وهو مجاز أيضاً ووجه تقريره للإبداع أنّ هذه السرعة تقتضي عدم التوقف على المادّة، وكون الولد يقتضي ما ذكر مما جرت به العادة وقوله: بفتح النون يعني به النصب والفتح يستعمل في البناء وإذا أضيف إلى الحرف دون الكلمة يراد ذلك أيضا للفرق بين فتح الكلمة وفتح الحرف وقراءة النصب قراءة ابن عامر رحمه الله وقد أشكلت على النحاة حتى تجرأ بعضهم عليه وقال إنها خطأ وهو سوء أدب والرفع على الاستئناف أي فهو يكون وهو مذهب سيبويه رحمه الله، وذهب الزجاج إلى عطفه على يقول وأمّ النصب فقيل: إنه روعي فيه ظاهر اللفظ لصورة الأمر فنصب في جوابه ولو نظر إلى المعنى لم يصح لأنّ الأمر ليس حقيقيا فلا ينصب جوابه، ولأنّ من شرطه أن ينعقد منهما شرط وجزاء نحو ائتني فأكرمك إذ تقديره إن تأتني أكرمتك وهنا لا يصح هذا إذ يصير التقدير إن يكن يكن فيتحد فعلاً الشرط والجزاء معنى وفاعلاً ولا بد من تغايرهما لئلا يلزم كون الشيء سبباً لنفسه لكن المعاملة اللفظية على التوهم واقعة في كلامهم، وقال ابن مالك رحمه الله: إن أن الناصية قد تضمر بعد إنما لإفادتها النفي وقد قالت العرب إنما هي ضربة من الأسد فتحطم ظهره بنصب تحطم ولك أن تقول إنها منصوبة في جواب الأمر والاتحاد فيه المذكور مردود لأنّ المراد أن يكن في علم الله وإرادته يكن في الخارج كقوله ع! يي! : " فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله " أي من كانت هجرته عملاً ونية فهجرته ثوابا وقبولاً، وكون الأمر غير الحقيقي لا ينصب في جوابه ممنوع فإن كان بلفظ كما ذهب إليه كثير من المفسرين فظاهر ولكنه مجاز عن سرعة التكوين كما مرّ في {كُونُواْ قِرَدَةً} وان لم يعتبر ذلك فهو مجاز عن إرادة سرعة التكوين فيكون استعارة تبعية يترتب عليها وجوده سريعا فالتقدير أن يرد سرعة وجود شيء يوجد في الحال فالتغاير ظاهر ومنه تعلم أنّ عدم الذهاب إلى التمثيل له وجه خلافا لمن ردّه ثم بين السبب في غلط الكفرة في نسبة الولد بأنه في لسانهم الأب مشترك بين المبدكأ الموجد ومعناه المعروف وهذا ملخص من كلام الإمام رحمه الله. قوله: (أي جهلة المشركين
الخ) فنفي العلم عنهم على حقيقته وعلى الثاني لتجاهلهم أو لعدم عملهم بمقتضاه والتفسير الأول منقول عن قتادة والسديّ والثاني عن ابن عباس رضي الله عنهما ولذا لم يقل المصنف رحمه الله جهلة المشركين وأهل الكتاب ومتجاهليهم لغلبة الجهل في أهل الشرك والتجاهل في أهل الكتاب فافهم وقوله هلا إشارة إلى أنّ لولا هنا للتحضيض وقد تكون حرف استفتاح نحو ولولا فضل الله، والكلام معهم إمّا بالذات أو بإنزال الوحي وهو استكبار منهم بعدهم أنفسهم كالملائكة والأنبياء عليهم الصلاة والسلام وما بعده إنكار وجحود وهو ظاهر، وقوله: والثاني جحود أنّ الخ في نسخة لأنّ، وقوله: كذلك الخ تقدم الكلام في توجيه الجمع بين كلمتي التشبيه، وأرنا لله نظير لولا يكلمنا الله وهل يستطيع نظير طلب الآية والحجة وقراءة التشديد شاذة وهي قراءة أبي حيوة وابن أبي إسحق قال الداني رحمه الله: وذلك غير جائز لأنه فعل ماض والتاءين المزيدتين إنما يجيآن في المضارع فيدغم أمّا الماضي فلا، وقال الراغب: إنه حمله على المضارع فزادهما وبهذا القدر لا يندفع الإشكال ولذا قال السفاقسي قراءة تشابهت لإدغام التاء فيها وليس في الماضي تاآن تبقى إحداهما وتدغم الأخرى ووجهت على أنّ الأصل أشابهت وأصله تشابهت فأدغم التاء في الشين وأجتلبت همزة الوصل فحين أدرج القارئ القراءة ظن السامع أنّ تاء البقرة هي تاء الفعل، فتوهم أنه قرأ تشابهت ولا يظن بابن أبي إسحق أنّ التاء من الفعل على الإدغام(2/229)
لأنه رأس في علم النحو أخذه عن أصحاب الدؤلي انتهى. (قلت) : مآله إلى تخطئة الراوي دون القارئ. قوله: (أي يطلبون اليقين أو يوقنون الحقائق الخ) في الكشاف لقوم ينصفون فيوقنون أنها آيات يجب الاعتراف بها والإذعان لها والاكتفاء بها عن غيرها، قال النحرير: أنه يعني لقوم يوقنون إيقانا صادراً عن الإنصاف ليكون إذعاناً وقبولاً فيكون إيمانا لأنّ مجرّد الإيقان بدون إذعان وقبول بل مع إباه واستكبار ليس بإيمان بل كأنه ليس بإيقان، والظاهر أنه ليس مرادهم من هذا التأويل بل أنّ الموقن لا يحتاج إلى التبيين ولذا أوّله المصنف رحمه الله بأنّ المراد الطالبون لليقين أو الواقفون على الحقائق في غيرها وقيل: إنه فسره بالإيقان المستفاد من الإنصاف لأنّ القوم كانوا معاندين وكانوا موقنين لاعن إنصماف فعلى هذا الإيقان حقيقيّ وعلى الأوّل من وجهي المصنف مجاز، والإشارة المذكورة تؤخذ من الكناية
والتعريض، وقوله: ملتبساً إشارة إلى أنّ الظرف مستقرّ ويجوز تعلقه بأرسلنا وبشيراً ونذيراً حال من الكاف وجوّز كونه من الحق، ونذير بمعنى منذر بلا كلام وهذا مما يؤبد كون بديع بمعنى مباع لكنه هنا قد يقال سوّغه المشاكلة فتأمّل. قوله: (ما لهأ لم يؤمنوا الخ) هذا كله تسلية للنبيّ صلى الله عليه وسلم وأمّا القراءة بالنهي ففيها عطف الإنشاء على الخبر فأمّ لأنه خبر معنى إذ المراد لست مكلفاً بجبرهم الآن إذ هو قبل الأمر بالقتال ونحوه أو عطف على مقدر أي فبشر وأنذر وأمّا قوله نهي لرسول الله صلى الله عليه وسلم فتبع فيه قول الكشاف روي أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: " ليت شعري ما فعل أبواي " فنهى عن السؤال، قال الطيبي: أي ما فعل بهما وفي الحديث: " يا أبا عمير ما فعل النغير " أي إلى أيّ شيء انتهى عاقبة أمره فلو قيل ما فعلت بالنغير لم يكف في الاهتمام بذلك، وقال العراقيّ رحمه الله: لم أقف عليه في حديث، قيل: ونعما فعل فإنه لم يرد في ذلك إلا أثر ضعيف الإسناد فلا يعوّل عليه والذي نقطع به أنّ الآية في كفار أهل الكتاب كالآيات السابقة عليها والتالية لها وقد ورد في الأثر وان كان ضعيفاً " أن الله أحياهما حتى آمنا به "، ولتعارض الأحاديث في ذلك وضعفها، قال السخاوي رحمه الله الذي ندين الله به الكف عنهما، وعن الخوض في أحوالهما وقد التزم بعض الجهلة في هذا الزمان من الوعاظ البحث عنهما وللسيوطي فيه تأليف مستقل فمن أراده فليراجعه. قوله: (أو تعظيم لعقوية الكفار الخ) يشير إلى أنّ النهي عن السؤال قد يكون لتهويل الأمر المسؤول عنه حتى كان السائل لا يقدر على استماع حاله والمسؤول لا يمكنه ذكره كما يكون لتعغليمه أيضاً كما قال:
وعن الملوك فلا تسل والمتأجج بمعنى المشتعل
ويخبر مبنيّ للمجهول. قوله: (ولعلهم قالوا مثل ذلك الخ) يعني أنّ قوله لن ترضى حكاية لمعنى كلامهم ليطابق قوله قل إنّ هدي الله الخ فإنه جواب لهم لأنهم ما قالوا ذلك إلا لزعمهم أنّ دينهم حق وغيره باطل فأجيبوا بالقص! ر القلبي أي دين الله هو الحق ودينكم هو الباطل وهدى الله الذي هو الإسلام هو الهدى وما يدعون إلى اتباعه ليس بهدي بل هو على أبلغ وجه لإضافة الهدي إليه تعالى وتأكيده بأن واعادة الهدي في الخبر على حدّ شعري شعري
وجعله نفس الهدي المصدري وتوسيط ضمير الفصل وتعريف الخبر، وفسر الأهواء بالزائغة أي المنحرفة عن الحق والمراد الباطلة. قوله: (والمقة ما شرعه الله الض) في الكشف الملة والطريقة سواء وهي في الأصل اسم من أمللت الكتاب بمعنى أمليته، كما قاله الراغب: ومنه طريق مملوك مسلوك معلوم كما نقله الأزهري ثم نقل إلى أصول الشرائع باعتبار أنها يمليها النبيّ صلى الله عليه وسلم ولا يختلف الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فيها وقد تطلق على الباطل كالكفر ملة واحدة ولا تضاف إلى الله فلا يقال ملة الله ولا إلى آحاد الأمّة، والدين يرادفها صدقاً لكنه باعتبار قبول المأمورين لأنه في الأصل الطاعة والانقياد ولاتحاد ما صدقهما قال تعالى: {دِينًا قِيَمًا مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ} [سورة الأنعام، الآية: 161] وقد يطلق الدين على الفروع تجوّزا ويضاف إلى الله والى الآحاد والى طوائف مخصوصة نظراً للأصل، على أنّ تغاير الاعتبار كاف في صحة الإضافة ويقع على الباطل أيضا، وأمّا الشريعة فهي المورد في الأصل وهي اسم(2/230)
للأحكام الجزئية المتعلقة بالمعاس والمعاد سواء كانت منصوصة من الشارع أو لا لكنها راجعة إليه، والنسخ والتبديل يقع فيها وتطلق على الأصول الكلية تجوّزا. قوله: (أي الوحي أو الدين الخ) الوحي بمعنى الموحى به وهو إشارة إلى أن العلم بمعنى المعلوم فإنه شاع فيه حتى صار حقيقة عرفية والمعلوم يتصف بالمجيء دون العلم نفسه إلا أن يكون مجازاً كما أشار إليه النحرير، وأمّا القول بأنّ مجيء المعلوم يستلزم مجيء العلم فضعفه ظاهر وكذا القول بأنّ الوحي بالمعنى المصدري وهو وأن كان إعلاماً لا علما فهما متحدان بالذات كالتعليم والتعلم وكله من التكلفات الباردة. قوده: (مالك من الله من ولئ ولا نصير) هذه الا، م هي الموطئة للقسم وهي تقع قبل أدوات الشرط وتكثر مع أن وقد تأتي مع غيرها نحو لما آتيتكم من كتاب ولسبقها يجاب القسم معها دون الشرط ولو أجبت الشرط هنا لوجبت الفاء فهذه الجملة جواب القسم فقوله وهو جواب لئن يخالفه، اللهمّ إلا أن يقال مراده أنه جواب القسم المدلول عليه به فأقامه مقامه لكنه تسمح في التعبير وقيل: إنه إشارة إلى أنه جواب الشرط وذلك إنما يجوز إذا قدر القسم بعد الشرط وقدر مالك جملة فعلية ماضوية أي ما استقرّ والا تعين كونه جواب القسم لوجوب الفاء، وهو تعسف إذ لم يقل أحد من النحاة بتقديره مؤخراً مع اللام الموطئة وتقديرها فعلية لا دليل عليه. قوله: (يريد به مؤمني أهل الكتاب الخ) خصه بهم لأنهم الذين أوتوه ويتلونه، لؤمنون به وفسر حق التلاوة وهو منصوب على المصدرية لإضافته له بصون لفظه عن التحريف وتدبر معانيه والعمل به وجعله حالاً مقدرة لأنهم لم يكونوا وقت الإيتاء كذلك بل
بعده وهذه الحال مخصصة لأنه ليس كل من أوتيه يتلوه فالمراد بالذين المقيد بالحال مؤمنو أهل الكتاب بحسب المنطوق وأولئك يؤمنون به خبر بلا تكلف، وأمّا إذا جعل يتلونه خبراً وأولئك يؤمنون به جملة مستأنفة فلا بدّ من تخصيص الموصول بالمؤمنين استعمالاً للعامّ في الخاص وهذا معنى قوله على أنّ المراد الخ أي على أنه مراد منه بقرينة عقلية ليصح الإخبار عن العامّ بما هو لبعض أفراده، وأمّا قوله: يريد أولاً فمعناه يريد من هذا اللفظ بخسب الدلالة، وقيل: معناه أعمّ من الإرادة بالتقييد اللفظي ومن الإرادة بالاستعمال فلا يرد عليه أنّ قوله على أنّ المراد بالموصول مستغنى عنه ولا حاجة إلى تكلف أنّ المراد بمؤمني أهل الكتاب الذين آمنوا بكتابيهم وهما التوراة والإنجيل، وقوله المراد مؤمنو أهل الكتاب ثانياً المراد به من آمن بنبينا صلى الله عليه وسلم فإنه تعسف وعذر أشدّ من الذنب فإنه ليس إلا تكرار لفظ لا حاجة إليه يوهم أنه يجوز أن يراد غيره وقوله: دون المحرفين يشير إلى أنّ هذا يفيد القصر كما في الله يستهزئ بهم كما ذهب إليه الزمخشريّ وفسر الكفر بكتابهم بتحريفه لأنه كفر به كما مرّ، وقوله: حيث اشتروا الكفر بالإيمان أي استبدلوه إشارة إلى أنّ فيه استعارة مكنية وأنه إيماء إلى ما مرّ منهم وقوله: لما صدر قصتهم الخ بيان لفائدة ذكر ما فيها مع أنه تقدم. قوله: (كلفه بأوامر ونواه) قال الراغب: بلي الثوب بلا خلق وبلونه اختبرته كأني أخلقته من كثرة اختباري له وسمي التكليف بلاء لأنه شاق ولأنه اختيار من الله لعباده، وابتلى يتضمن أمرين أحدهما تعرّف حاله والوقوف على سا يجهل من أمره، والثاني ظهور جودته ورداءته وربما قصد به الأمران وربما يقصد به أحدهما فإذا قيل: ابتلاه الله فالمراد أظهر جودته ورداءته لا التعرّف لأنه لا يخفى عليه خافية وفي الكشاف اختبره بأوإمر ونواه واختبار الله عبده مجاز عن تمكيته من اختيار أحد الأمرين ما يريد الله وما يشتهيه العبد كأنه يمتحنه ما يكون منه حتى يجازيه على حسب ذلك قال العلامة اختبار الله عبده لا يكون بطريق الحقيقة لأنّ الاختبار حقيقة إنما يصح فيمن خفي عليه العواقب بل هو مجاز على طريق التمثيل شبه حال الله والعبد في تمكينه من الأمرين الطاعة والمعصية
وإرادة الطاعة منه بحال المختبر مع المختبر ثم عبر عنها بالاختبار، وما في قوله ما يكون استفهامية وفي الامتحان معنى العلم أي بتمحنه ليعلم أيّ شيء يفعل انتهى. وحاصله أنّ مراده التكليف أيضا لكنه بطريق الاستعارة التمثيلية وكلام الراغب يشعر بأنه مجاز باعتبار إطلاقه على ما هو الغاية منه، وأشار إلى أن يعلم ويبتلى بمعنى لترتبه(2/231)
على الاختبار فلهذا يعلق كما سيأتي في سورة تبارك، والمصنف رحمه الله تعالى خالفهم وذهب إلى أنّ حقيقته التكليف ولكن تكليف العباد لما استلزم الاختبار ظنوا أنهما مترادفان، وهذا لا وجه له لأنّ أهل اللغة صرّحوا قاطبة بأنّ معناه الاختبار، والاستعمال يشهد له شهادة بينة ولم يقل أحد بترادفهما إذ الاختبار أعمّ منه أو مباين له، وأمّا قوله فيما سيأتي عامله معاملة المختبر فسيأتي الكلام فيه وقوله أحد التقذمين يعني، إمّ في اللفظ حقيقة أو حكما نحو اعدلوا هو أو في الرتبة كالفاعل المؤخر وهو ظاهر، وقول الزمخشريّ وما يشتهيه العبد اعتزال خفيّ ولذا تركه المصنف رحمه الله.
قوله: (والكلمات قد تطلق على المعاتي فلذلك فسرت الخ) أصل معنى الكلمة اللفظ المفرد وتستعمل في الجمل المفيدة أيضا وتطلق على معاني ذلك لما بين اللفظ والمعنى من العلاقة وقد فسر به قوله تعالى: {قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي} [سورة الكهف، الآية: 09 ا] كما سيأتي. قوله: (فسرت بالخصاب الثلاثين الخ) هذه الثلاثين جعلها في الكشاف عشراً منها في سورة براءة وعشراً في سورة الأحزاب، وعشراً في سورتي المؤمنون و {سَأَلَ سَائِلٌ} وآية براءة: {التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللهِ} [سورة التوبة، الآية: 112] وآية الصؤمنون: { {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ} [سورة المزمنون، الآيات: ا- 9] وآية الأحزاب: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ} [سورة الأحزأب، الآية: 35] وآية سأل سائل: {إِلَّا الْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ وَالَّذِينَ هُم مِّنْ عَذَابِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء
ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ وَالَّذِينَ هُم بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ
} [سورة المعارج، الآيات: 22- 34] والمذكور في السور الثلاث ست وثلاثون وهي التوبة والعبادة والحمد والسياحة والركوع والسجود والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وحفظ حدود الله، والصلاة والخشوع وترك اللغو والزكاة وحفظ الفرج وحفظ الأمانة وحفظ العهد والمحافظة على الصلاة والإسلام والإيمان والقنوت والصدق والصبر والخشوع والصدقة والصوم وحفظ الفرح وكثرة ذكر الله ومداومة الصلاة واعطاء السائل والمحروم والتصديق بيوم الدين والإشفاق من العذاب وحفظ الفرج وحفظ العهد وحفظ الأمانة والقيام بالشهادة والمحافظة على الصلوات وأنت إذا أسقطت المكرّر حصل منه ثلاثون كما في الكشاف والمصنف رحمه الله ما نذر إلى المكرّر وكأنه لاحظ فيه مغايرات اعتبارية بقيود خارجية فأسقط السورة الثالثة وخالف ما صنعه الزمخشري ولا يخفى أنه إن كان هذا ماً ثورا في أحدهما فلا وجه للآخر وان لم يكن كذلك فالأولى ترك هذه التكلفات. قوله: (وبالعشر التي هي الخ) هي خمس في الرأس تفريق شعر الرأس في الجانبين، وتص ا! شارب، والسواك والمضمضة والاستنشاق وخمس في غيرها، الختان، وحلق العانة، وتقليم الأظفار، ونتف الإبط، والاستنجاء وفي التيسير أنها كانت فرضاً عليه، وقوله: وبمناسك الحج أي فسرت الكلمات بمناسك الحج وقوله: وبالكوكب متعلق بفسرت مقدر أيضا، وهجرته عليه الصلاة والسلام كانت من العراق إلى الشأم وقوله: على أنه تعالى عامله هو على الوجه الأخير لأنه لم يكلف به ووجه التجوّز فيه ما مرّ وما بعدها الإمامة وتطهير البيت وما معهما ولا وجه لما قيل: إق الأولى تأخير قوله: على أنه تعالى عامله عن هذه لأن هذه تكاليف، وأذا رفع إبراهيم فالمراد بالابتلاء الاختبار مجازا لأنه وان صح من جانبه لا يصح من الجانب الآخر فعبر به عن الدعاء والطلب لأنّ الاختبار لا يخلو عن الطلب غالباً، وفسر الإتمام بتكميل(2/232)
الحقوق وأستشهد له بقوله الذي وفى لأنّ التوفية أداء الحقوق وإذا رفع إبراهيم وكان الابتلاء بمعنى الطلب فضمير أتمهن لله بمعنى أجابه ويصح رجوعه زبراهيم عليه الصلاة والسلام بمعنى أنه أتئم ما دعا به وأدّاه على أتمّ الوجوه والأوّل أولى. قوله: (استئناف إن أضمرت ناصب إذ الخ) إضمار ناصبها هو تقدير أذكر ونحوه ككان كذا وكذا على أنها مفعول به أو المراد اذكر الحادث إذ قال وحي! عذ فالقول بأنها معمول اذكر تجوّز، وعلى هذا فجملة قال مستأنفة استثنافاً بيانيا وأمّا: إذا تعلق
بقال فجملته حينئذ معطوفة على مجموع ما قبلها عطف القصة على القصة وجوّز أن يكون معطوفا على نعمتي وجعله بيانا على تقدير تعلقه بمقدر وهو أحسن مما في الكشاف إذ جعله بيانا على تقدير تعلقه بقال وان تكلف له بأنه يجوز في قولك أعطاه حين اكرمه أن يكون إعطاؤه بيانا لإكرامه فكذا قوله: إني جاعلك حين ابتلاه وفي صحته نظر وجاعل قد يتعدى لواحد وقد يتعدى لاثنين الأوّل الكاف والثاني إماما. قوله: (والإمام اسم لمن يؤتم به الخ) قيل: إنه اسم شبيه بالصفة كالقارورة وفي الكشاف أنه على زنة الآلة كالإزار لما يؤتزر به، قال النحرير هو اسم للآلة فإن فعالاً من صيغ الآلة كالإزار والرداء وقيل: عليه في جعله آلة نظر لأنّ الإمام ما يؤتمّ به والإزار ما يؤتزر به فهما مفعولان ومفعول الفعل ليس با-لة لأن الآلة هي الواسطة بين الفاعل والمفعول في وصول أثره إليه ولو كان المفعول آلة لكان الفاعل آلة وليس فليس وفي المقتبس اسم الآلة ما يعمل به وما اشتق من فعل لما يستعان به في ذلك الفعل وصيغته المطردة مفعل ومفعال وما ألحق به الهاء سماعي كما في الزمان والمكان وما جاء مضموم الميبم والعين نحو مسعط لم يذهبوا به مذهب الفعل ولكنها جعلت أسماء لهذه الأوعية، ومنهم من يجعل فعالاً بالكسر كالعماد والنقاب وأمثالها منه اص. وقوله: وامامته عامّة الخ كانّ الداعي له أنه حمل تعريف الناس على الاستغراق لكن كون جميع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بعده مأمورين باتباعه فيه نظر لنسخ ما بعده من الثرائع لما قبلها كشريعة نبينا صلى الله عليه وسلم وشريعة موسى عليه الصلاة والسلام فلو حمل على الجنس لم يرد هذا فكان مراده أنهم مأمورون باتباعه في العقائد وما يضاهيها كما قيل: لنبينا صلى الله عليه وسلم اتبع ملة إبراهيم. قوله: (عطف على الكاف الخ) قيل: فيه إنّ الجارّ والمجرور لا يصلح مضافاً إليه فكيف يعطف عليه وإنّ العطف على الضمير كيف يصح بدون إعادة الجارّ وأنه كيف يكون المعطوف مقول قائل آخر ودفع الأوّلين بأنّ الإضافة اللفظية في تقدير إلانفصال ومن ذريتي في معنى بعض ذريتي وكأنه قال واجعل بعض ذريتي وهو صحيح والثالث بأنه عطف تلقيني كما يقال: سأكرمك فتقول وزيداً أي وتكرم زيداً وتريد تلقينه ذلك، ولم يجعله بتقدير أمر أي واجعل بعض ذرّيتي احترازاً عن صورة الأمر ودلالتة على أنه كأنه واقع البتة وهذا أكثره وقع في كلام أبي حيان رحمه الله إذ قال: إنه لا يصح بمقتض العربية والذي يقتضيه المعنى أن يكون من ذزيتي متعلقاً بمحذوف أي اجعل من ذريتي إماما لأنه فهم من إني جاعلك الاختصاص به، وقيل: إن التلقيني يقتضي أن يقال: ومن ذرّيتك إذ لو ضم مع قوله إني جاعلك لم يقل ومن ذريتي وفي الكشف أصله واجعل بعض ذريتي لكته عدل
عنه لا وجه من المبالغة جعله من تتمة كلام المتكلم كأنه متحقق مثل المعطوف عليه، وجعل نفسه كالنائب عن المتكلم فيه مع ما في العدول عن لفظ الأمر من المبالغة في الثبوت ومن مراعاة الأدب في التفادي عن صورة الأمر وفيه من الاختصار الواقع موقعه ما يروق كل ناظر وفي الحواشي عن المصنف رحمه الله إنه كعطف التلقين وعنه في قوله ومن كفر فأمتعه أنه عطف تلقين، وقال راعيت الأدب في الأوّل تفاديا عن جعله تعالى شأنه ملقناً، وحاصله أنه في الحديقة معمول لمقدر والتقدير اجعلني إماماً واجعل من ذرّيتي أئمة فحذف ذلك وأوهم أنه معطوف على ما قبله لما ذكر من النكت فلا يرد عليه حينئذ شيء من الشبه السابقة، وقد ذكر هذه المسألة الأسنوي وغيره في أصوله فقالوا هل يتركب الكلام من كلمات متكلمين أجازه بعضهم ومنعه الجمهور وإلا لزم أنّ من قال امرأتي فقال آخر طالق يقع به الطلاق(2/233)
ولا قائل به وأوّلوا كلام من قال بصحته بأنّ كلا منهما يضمر في كلامه ما ذكره الآخر بقرينة المقام فهما كلامان ولكن يعدا كلاما واحداً على التسمح ثم إنهم ذكروا أن النلقين ورد بالواو وغيرها من الحروف وأنه وقع في الاستثناء كما في الحديث: " إن الله حرّم شجر الحرم " قالوا: إلا الأذخر يا رسول الله ذكره الكرماني في شرح البخاري وقال إنه استثناء تلقيني فإن قلت تقدّم أنّ كونه إماما عامّ لجميع الناس فيقتضي أنّ جميع ذريته كذلك إذا عطف عليه وليس كذلك قلت يكفي في العطف الاشتراك في أصل المعنى وقيل: يكفي حصوله في حق نبينا صلى الله عليه وسلم فتأمّل. قال الجصاص: ويحتمل أن يريد بقوله ومن ذربتي مساءلته تعريفه هل يكون من ذريته أم لا فقال تعالى في جوابه لا ينال الخ فحوى ذلك معنيين أنه سيجعل ذلك إمّا على وجه تعريفه ما سأله أن يعرفه إياه وأمّا على وجه إجابته إلى ما سأل لذرّيته اهـ. قوله: (والذرية نسل الرجل الخ) أصلها الأولاد الصغار ثم عمت الكبار والصغار الواحد وغيره وقيل: إنها تشمل الآباء لقوله تعالى: {أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ} [سورة يس، الآية: 41] يعني نوحا وأبناءه والصحيح خلافه وفيها ثلاث لغات ضم الذال وكسرها وفتحها وبها قرى، وفي اشتقاقها أقوال فقيل: من ذروت وقيل: من ذريت وقيل من ذرأ وقيل: من الدّرّ فإن كانت من ذروت فأصلها ذروة فعولة بواوين زائدة ولام الكلمة قلبت الثانية ياء تخفيفا فقلبت الأولى ياء بالإعلال المعروف وكسر ما قبلها، وقيل: فعيلة وأصلها ذروة فأعلت بما مرّ وان ك نت من ذريت فوزنها
إمّا فعولة وأصلها ذروية فأعلت أو فعيلة فأصلها ذريية فأدغمت وان كانت مهموزة فوزنها فعليثة قلبت الهمة ياء وأدغمت، وان كانت من الذرّ بالتشديد فأصلها فعلية والياء للنسبة وضئم أوّله كما قالوا دهريّ أو لغير النسب كقمرية أو فعيلة وأصلها ذرّيرة قلبت الراء الثالثة ياء هربا من ثقل التكرير كما قالوا في تظننت تظنيت وفي تقضضت تقضيت أو فعولة وأصلها ذرّورة فقلبت الراء الثالثة وأعلت كما مرّ وقس عليه حال الفتح والكسر. فوله: " جابة إلى ملتمسة الخ) هذا يقتضي تقديرا جعل في الكلام والا فليس فيه ما يدل على الطلب وقوله: وأنهم لا ينالون الإمامة والإمامة شاملة للنبوّة والخلافة والقضاء والإمامة المعروفة وهي كلها مرادة على ما قال الجصاص وأدخل فيها الإفتاء والشهادة ورواية الحديث والتدرش! لأنهم غير مؤتمنين على الأحكام قال ومن نصب نفسه في هذا المنصب وهو فاسق لم يلزم الناس إتباعه ولإطاعته وهو يدل على أنّ الفاسق لا يكون حاكماً وأنّ أحكامه لا تنفذ إذا ولي وأنه لا يقدم للصلاة لكن لو قدم واقتدى به صح ولا فرق عند أبي حنيفة بين القاضي والخليفة في أنّ شرط كل واحد منهما العدالة وأنّ الفاسق لا يكون خليفة ولا حاكما ومذهبه فيه معروف وما نقل عنه من خلافه كذب عليه وقد أطال في تفصيله، وقيل: اتفق الجمهور من الفقهاء والمتكلمين على أن الفاسق لا يصلح للإمامة ابتداء وان اختلف في أنه لا يصلح لها بقاء بحيث لا ينعزل بطريان الفسق، وقال النحرير: وجه دلالة الآية على أن الظالم لا يصلح للإمامة والخلافة ابتداء ظاهر وأمّا أنه لا يصلح لذلك بحيث ينعزل بالظلم فلا، قال: وفيه إشكال من وجهين أمّا أولاً فلأنّ وجه دلالتها إمّا أن تستفاد من منطوق النص أو دلالته أو القياس لا سبيل إلى الأوّل لما عرفت أنّ المراد بالإمامة النبوّة فلا يتناول بمنطوقه الخلافة ولا إلى الثاني لأنّ أقل مرتبتها المساواة وهي مفقودة هنا إذ لا يلزم من عصمة النبيّ غ! يه إلا على عصمة الأدنى منه، ولا إلى الثالث إذ لا جامع بينهما وأمّ ثانيا فلأن وجه دلالة الآية على أنّ الظالم لا يصلح ل! مامة والخلافة ابتداء وان كان ظاهراً في ذلك ينبغي أن يكون ظاهراً أيضاً في الانعزال بطريان الفسق إذ لا وجه له في الظاهر للمنافاة بين وصفي الإمامة والظلم فالجمع بينهما محال ابتداء وبقاء ويجاب عن الثاني بأنّ المنافاة في الابتداء لا تقتضي المنافاة في البقاء لأنّ الدفع أسهل من الرفع ويشهد له أنّ رجلا لو قال لامرأة مجهولة النسب يولد مثلها لمثله هذه بنتي لم يجز له نكاحها، ولو قال لزوجته الموصوفة بذلك لم يرتفع النكاج لكن إن أعحرّ عليه يفرّق القاضي بينهما. (أقول (: ما ذكره النحرير مسطور عن السلف كما مر والظاهر(2/234)
أنه من المنطوق لأنه قال إما ما ولم يقل نبياً ونحوه ليشمل كل من يقتدي به فكلام النحرير لا غبار عليه برمته. قوله: (وفيه دليل على عصمة الأنبياء عليهم والصلاة والسلام من الكبائر) وجه الدلالة أنّ المعنى لا يصل عهدي إلى الظالمين فهو حال الوصول إليه لم يكن ظالماً وكونه كذلك مانع منه فلا فرق بينه وبين ما قبله والظلم إذا
أطلق ينصرف إلى الكبائر فلا يقال إنه إنما يدل عليه إذا كان الفسق نوعا من الظلم ولم يكن المعنى أنه لا ينال عهدي الظالمين ما داموا ظالمين إذ لو كان كذلك فالظالم إذا تاب لم يبق طالماً كيف وقد نال الإمامة أبو بكر وعمر وعثمان مع سبق الكفر فتامّل، وقوله: وأنّ الفاسق الخ أي ابتداء على ما مرّ، وقوله: والمعنى واحد ظاهر لكن مقتضى تفسيره بالأخذ في بعض كتب اللغة أن يسند إلى العقلاء فيكون غيره مغلوبا. قوله: (غلب عليها الخ) جعله علما بالغلبة فتلزمه اللام أو الإضافة ولو جعل التعريف للعهد لصح. قوله: (مرجعا يثوب الخ) يعني أنّ الزائرين يثوبون إليه بأعيانهم أي أنفسهم أو بأمثالهم وأشباههم ومن يقوم مقام أنفسهم لظهور أنّ الزائر ربما لا يثوب بل قلما يثوب لكن صح إسناده إلى الكل لاتحادهم في القصد، والناس للجنس ولا دلالة له على أنّ كل فرد يزور فضلاً عن الثوب وما يقال: إنّ المراد بالأعيان الأشراف حملا للناس على الكاملين، أو أنّ المراد بالثوب القصد على ما هو مقتضى الديانة متعسف، ولك أن تقول إنه مثل قولهم فلان مرجع الناس يعني أنه يحق أن يرجع ويلجأ إليه ولا سكلف فيه وان كان من الثواب فلا إشكال وقرأ الأعمش وطلحة مثابات بالجميع بتنزيل تعدد الزجوع منزلة تعدد محله أو أنّ كل جزء منه مثابة وهدّا أوضح، وقيل: إنه باعتبار تعدد الإضافات ث هو يقتضي أن يصح التعبير عن غلام جماعة بالمملوكين لا يعرف وفيه نظر، وقد مر عن الانتصاف أنّ صيغة الجمع تدل على زيادة المعنى والوصف دون الإفراد كقولم معى جياع وتاؤه لتأنيث البقعة أو المبالغة وهو اسم مكان وجوّز فيه المصدرية وسمع مثاب بمعنى مثابة. قوله: (وموضع أمن الخ) قال النحريز: فإن قيل: هذا القدر كاف فيما قصد من كون آمنا لمعنى موضع أمن فلم ضم إليه ويتخطف الخ قلنا هو بيان لوجه كونه آمناً كأنه قال لأنّ أهله يسكنون فيه فلا يتخطفون ولأنّ الجاني ياوي إليه فلا يتعرّض له (قلت) الأظهر أن ما حوله مما هو أقرب الأماكن مخوف فأمنه موهبة وحماية الهية لا لعدم البغاة وعلى مذهب أبي حنيفة رضي الله عنه وجهه ظاهر ووصفه بآمن اسم فاعل مجاز لأن الآمن هو الساكن والملتجئ وكذا ما في الآية إذا جعل بمعناه أو جعل كانه نفس الأمن أمّا إذا حمل على حذف المضاف أي موضع أمن فلا مجاز وقوله: يجبّ ما قبله أي يزيله ويمحو. غير حقوق العباد والحقوق المالية كالكفارة. قوله: (على إرادة القول الخ) أي وقلنا: اتخذوا وهو معطوف على جعلنا أو هو معطوف على اذكر المقدر عاملاً في إذ، وقوله: أو اعتراض معطوف على مضمر تقديره ثوبوا
بالثاء المثلثة أي ارجعوا وهو مأخوذ من قوله مثابة واعترض عليه بأنه لا حاجة إلى تقدير المعطوف عليه لأنّ الواو تكون اعتراضية كما في قوله:
إنّ الثمانين وبلغتها قدأحوجت سمعي إلى ترجمان
ووجهه بأنه قدره ليناسب ما قبله ويلتئم معه لأنّ الجملة المعترضة تقوي ما اعترضت فيه وتؤكده وبه يظهر ذلك وأيضا اتخاذ المقام مصلى إنما يكون بعد الرجوع، وفيه تأمل. وعلى قراءة الأمر فالخطاب لهذه الأمة لا لغيرهم بدليل سبب النزول الآتي وليس مبنياً على الاعتراض حتى يرد الاعتراض على تخصيصه، قيل: ولا يخفى إق عطف قوله وعهدنا على جعلنا البيت يستدعي جعل واتخذوا معترضة ويدفع كونها معطوفة على ناصب إذ، وكون الأمر استحبابياً مجمع عليه. قوله: (ومقام إبواهيم الخ) المقام بالفتح موضمع القيام وهو الحجر الذي قام عليه في الحقيقة وكان إذا وطئه يلين ويصير كالطين معجزة له ويطلق على المحل الذي فيه الحجر توسعاً وهو موضعه الذي هو فيه الآن وكان قيامه عليه وقت دعائه ووقت رفعه بناء البيت فقوله: أو الموضع بيان لوجه تسميتة مقاما أو رفع بصيغة الماضي معطوف على(2/235)
قام وصححه في بعض النسخ رفع بصيغة المصدر وعطف على الحج قيل، كأنه لاحظ أنه لم يكن لإبراهيم عليه الصلاة والسلام موضع معين وليس هذا وجهه بل وجهه أنه لو عطف ماضياً على قام اقتض أنه قام عليه في موضعه الآن لرفع البناء مع أنه بعيد عن حائط الكعبة كما يرى بالمشاهدة فيحتاج إلى أن يجعل قوله أو الموضع لبيان المعنى الثاني الذي يطلق عليه المقام وتعلق حين يأثر فتأمل. وقوله: روي الخ رواه ابن مردويه عن ابن عمر رضي الله عنهما، وقوله: لما روى جابر رضي الله عنه أخرجه مسلم
وهي إحدى موافقاته الوحي المشهورة، وقوله: في وجوبهما أي ركعتي الطواف وقوله: واتخاذها مصلى الخ فهو مأخوذ من الصلاة بمعنى الدعاء، وقوله: مقامه الموسوم به أي المعروف به فالمقام مجاز عن المحل المنسوب إليه وكذا المصلى بمعنى القبلة مجاز عن المحل الذي يتوجه إليه في الصلاة بعلاقة القرب والمجاورة. قوله: (أمرناهما الخ) العهد يكون بمعنى الوصية ويتجوّز به عن الأمر فلا يقال: إنه لا ينبغي حينئذ أن يعدى بإلى ولا حاجة إلى التضمين وجعله بمعنى الوحي، وقوله بأن طهرا إشارة إلى أنّ الجارّ محذوف على القياس المعروف أو هي مفسرة لتقدّم ما تضمن معنى القول دون حروفه وهو العهد إذ هو شرطها وأمّا دخولها على الأمر ففيه خلاف مشهور ومنهم من قدر بأن قلنا لتكون داخلة على الخبر تقديرا والطهارة أعم من الحسية والمعنوية. قوله: (يريد البلد أو المكان الخ (يعني أن الإشارة إن كانت إلى ما هو بلد حال الإشارة فالمسؤول الأمن وذكر البلد توطئة له وان كانت إلى المكان فيكون المسؤول بلديته وأمنه وأوّل أمنا بوجهين أن يكون بمعنى النسبة أي صاحب أمن لمن فيه أو أنه إسناد مجازيّ والأصل آمنا أهله فأسند ما للحال للمحل لأنّ الأمن والخوف من صفات العقلاء. قوله: (عطف على من آمن الخ) قال النحرير: هو عطف تلقين كأنه قال قل وارزق من كفر أيضا فإنه محله وما ذكر من أنّ المعنى وأرزق بلفظ المتكلم تقرير للمعنى لا تقرير للفظ والذي يقتضيه النظر الصائب أن يكون هذا عطفاً على محذوف أي أرزق من آمن ومن كفر بلفظ الخبر واجعلني إماما وبعض ذريتي بلفظ الأمر فيحصل التناسب، ويكون المعطوف والمعطوف عليه مقول واحد اص. وهذا يخالف ما أسلفه في قوله: إني جاعلك لكن الأوّل تقرير لكلام المصنف رحمه الله وهذا بيان لمختاره فهو لا يقول بالعطف التلقيني وقد مر تحقيقه على أحسن الوجوه، وقوله: قاس إبراهيم عليه الصلاة والسلام الرزق الخ تبع فيه صاحب الكشاف والأحسن أن يقال إنه تعالى لما قال لا ينال عهدي الظالمين احترز إبراهيم عليه الصلاة والسلام من الدعاء لمن ليس مرضيا عنده فأرشده الله تعالى إلى كرمه الشامل. قوله: (أو مبتدأ متضن معنى الشرط الخ) هذا يحتمل أن يريد أنه موصول تضمن معنى الشرط فدخلت الفاء في خبره وهو جملة أمتعه أو اسم شرط لأنها أيضاً
تتضمن معنى حروف الشرط كان، وجملة فأمتعه جواب الشرط وأمّا تقدير أنا فيه فلا حاجة إليه لأن ابن الحاجب نص على أنّ المضارع في الجزاء يصح اقترانه بالفاء إلا أن يكون استحسانا فقول النحرير قدره لتصح الفاء غير سديد، ولما كانت الفاء تفيد السببية والكفر لا يصلح لسببية التمتع أشار إلى توجيهه بأنه هنا ليس سببا للتمتع بل لقلته أو للتمتع الذي هو منتج للعذاب والى هذا أشار في الكشاف بقوله: يجوز أن يكون مبتدأ متضمناً معنى الشرط وقوله: فأمتعه جوابه أي ومن كفر فأنا أمتعه فأضطره فلا يرد ما قيل هو في التنزيل ثم اضطرّه والاعتذار بأنه ذكره بالفاء إيماء إلى أنه من مواقع الفاء ولكن أتى بئم للتراخي الرتبي غير وارد وضمن مقصورا معنى مخصوصا فعداه بالباء. قوله: (أي ألزه إليه لز المضطر) كذا في الكشاف وقال الطيبي: إنه استعارة شبه حال الكافر الذي أدر الله عليه النعمة التي استدناه بها قليلاً قليلا إلى ما يهلكه بحال من لا يملك الامتناع مما اضطرّ إليه فاستعمل في المشبه ما استعمل في المشبه به، وقيل: إنه قال في الأساس لز هذا بهذا قرن به وألصق، ومن المجاز لزه إلى كذا اضطره إليه وبهذا يظهر أنّ ما في الكتاب تكلف لا حاجة إليه وفيه نظر لأن الكافر لش مضطراً إلى العذاب إذ يمكنه الإسلام فهو مجاز عن كون العذاب واقعا به وقوعا(2/236)
محققاً حتى كأنه مربوط به، وما في الأساس شيء آخر، وقليلاً صفة مصدر مقدر أي تمتعا قليلا أو المراد زمانا قليلا فهو ظرف. قوله: (وقرئ بلفظ الأمر (من الامتاع واضمطرّه أمر بفتح الراء كما هو في نحو شذه وهذه القراءة منقولة عن ابن عباس رضي الله عنهما، وكونه على هذه القراءة من دعاء إبراهيم صلى الله عليه وسلم مروي عن السلف كما أخرجه ابن أبي حاتم وقال ابن جني حسن إعادة قال لطول الكلام وللانتقال من دعاء قوم إلى دعاء آخرين ويحتمل أن يكون ضمير قال لله أي فأمتعه يا قادر يا رازق خطابا لنفسه على طريق التجريد ولم يلتفت إليه المصنف رحمه الله لبعده. قوله: (بإدغام الضاد وهو ضعيف (هذا مما تغ فيه الزمخشري وليس بصواب فإنّ هذه الحروف أدغمت في غيرها فأدغم أبو عمرو الراء في اللام في نغفر لكم والضاد في الشين في لبعض شأنهم والشين في السين في العرس سبيلاً، وأدغم الكسائي الفاء في الباء في نخسف بهم، والذي قاله سيبويه إنه هو الأكثر وأصل اضطرّ اضشر فأبدلت التاء طاء كما بين في الصرف وضم مبني للمجهول وشفر بمعنى منبت الأهداب
وقوله المخصوص بالذم محذوف والجملة للتذييل معترضة في الآخر لئلا يلزم عطف الإنشاء على الخبر. قوله: (حكاية حال ماضية الخ) لأنّ الرفع مضى وانقضى، قال أبو حيان رحمه الله: وفيه نظر لأن إذ تخلص الفعل للمضيّ ولا وجه لجعله مانعاً من الحكاية فتأمّل والقاعدة جرت مجرى الجوامد ولذا لم تجر على موصوف بمعنى الثابتة مجاز من القعود ضدّ القيام كما قاله الراغب: ومنه قعدك الله في الدعاء لأنه بمعنى أدامك الله وثبتك وهو دعاء استعملته العرب في القسم وهو مصدر منصوب على أنه مفعول مطلق لا مفعول به وان ذهب إليه بعض النحاة وقول الزمخشري: سألت الله أن يقعدك يشعر به لكنه صرح بخلافه في المفصل وهو بفتح القاف، وروي كسرها عن المازني وأنكره الأزهري ويقال قعيدك الله وهما مثل عمرك الله بنصب الله والجلالة بعدهما واجبة النصب إمّا على المفعولية أو البدلية وذلك لأنهما مصدران كالحس والحسيس ومعناهما المراقبة، فالتقدير أقسم بمراقبتك الله فالله مفعول أو هما وصفان كالخل والخليل ومعناهما الرقيب والحفيظ وهما منصوبان بنزع الخافض أي أقسم بقعدك والله بدل منه لكي قال الدماميني أنه لم يرد في الشرع إطلاقهما على الله وفي التهذيب قال أبو عبيد يقال قعدك الله بمعنى الله معك وأنشد:
قعيد كما الله الذي أنتما له
قوله: (ورفعها البناء الخ) دفع لما يتوهم من أنّ الأساس لا يمكن رفعه فأوّل بأنّ رفعه مجاز عن رفع ما عليه من البناء فجعل رفع ما عليها رفعاً لها لا نهاية تعلم وتدرك وأنت ضمير الأساس باعتبار القاعدة لكن في عبارته تسامح فإنها لا تنتقل إلى الارتفاع وإنما المرتفع ما عليها فالأولى تركه، والسافات بالسين المهملة والفاء جمع سافية وهي الصف من اللبن والطين وكل ساف قاعدة لما فوف فالمراد برفعها على هذا بناؤها نفسها ووجه الجمع على هذا ظاهر وعلى الأوّل لأنها مربعة ولكل حائط أساس وقيل: الرفع بمعنى الرفعة والشرف وقواعده بمعناه الحقيقي السابق فهو استعارة تمثيلية ولبعده مرّضه. قوله:) وفي إبهام القواعد (يعني كان الظاهر تواعد البيت لكن التبيين بعد الإبهام أبلغ فلذا عدل على الأخصر ومن هنا ابتدائية متعلقة بيرفع أو تبعيضية أو ابتدائية حال من القواعد ولكن في ذكر الكل بيان للجزء في ضمنه وهو مراد
المصنف رحمه الله لا أنها من البيانية ولا أنها صفة القواعد، وقوله: وأسمعيل عليه الصلاة والسلام كان يناوله الخ قيل: وفي تأخيره إشارة إلى ذلك، وقوله والجملة حال، وقيل: إنها خبر إسماعيل بتقدير القول فإبراهيم عليه الصلاة والسلام بان وإسماعيل عليه الصلاة والسلام داع وروي ذلك عن عليّ رضي ألله عنه وقوله: بدعائنا ولنياتنا أي بقرينة المقام وقيل: الأولى فتسمع دعاءنا وتعلم نياتنا. قوله:) مخلصين لك الخ) أسلم يكون بمعنى أخلص وانقاد ولما كانا مخلصين منقادين أوّلها بأن المراد الزيادة في ذلك أو الثبات واستدلّ بهذا على الموافاة، وفيه نظر والإذعان في اللغة بمعنى الانقياد وأمّا استعماله بمعنى الفهم فمن كلام المولدين وإذا أريد به ذلك فهل هو حقيقة أو مجاز فيه كلام مرّ تحقيقه في إهدنا الصراط في الفاتحة وهاجر زوجة إبراهيم عليه الصلاة(2/237)
والسلام والخلاف في الجمع مشهور.
قوله: (واجعل بعض ذزيتنا الخ) قيل: إنه إشارة إلى أن من للتبعيض وأنها في موضع المفعول الأوّل الذي هو مبتدأ في الأصل وجعل الحرف مفعولاً تعسف كما مرّ مع أنّ مجيء إنّ من ذزيتي أمّة يدفعه الآيات يفسر بعضها بعضا، والحمقى جمع أحمق وحمقاء أيضاً كما صرحوا به. قوله:) ويجوز أن تكون من للتبيين الخ) قال النحرير: لما كان الأنسب في مثل هذا الدعاء أن لا يقتصر على البعض من الذرية جوّز كون من للتبيين ولم يقطع به لأنّ من البيانية مع المجرور تكون أبداً من تتمة المبين بمنزلة صفة أو حال ولم يعهد كونها خبراً عنه مثل الرجس من الأوثان بمعنى هي الأوثان ولا محيص عنه سوى أن يقال المعنى أمة مسلمة هي ذرّيتنا على التعدي إلى مفعول واحد أو على أن يكون أمة مسلمة مفعولي جعل ولذا لم يجعله المصنف رحمه الله مفعولاً ثانيا وارتكب تقديمه على المبين والفصل بين حرف العطف ومعطوفه بالظرف مع ما في ذلك من الخلاف لأهل العربية فالجارّ والمجرور كان صفة للنكرة فلما قدم انتصب على الحال. قوله: (من رأى بمعنى أبصر أو عرف) فيتعدى بالهمزة إلى مفعولين بعد تعديه لواحد، وفي الإيضاج لابن الحاجب رحمه الله إنه لم يثبت رأيت الشيء
بمعنى عرفته وإنما هي بمعنى علم أو أبصر وتبعه أبو حيان رحمه الله لكن الزمخشريّ ذكره في المفصل والراغب في مفرداته وهما- ش الثقات فلا عبرة بإنكارهما، والنسك بضمتين وتسكن العبادة والذبح للتقرّب ولذا تسمى الذبيحة نسيكة والمذابح مناسك قيل: وقيد الغاية في كلام المصنف رحمه الله ليس في اللغة وليس كذلك فإنه ذكره الرأغب رحمه الله. قوله: (وفيه إجحاف) بتقديم الجيم أي زبادة تغيير وتبع فيها الزمخشرفي وليس كما ينبغي لأنها من القرا آت المتواترة وقد شبه فيه المنفصل بالمتصل فعومل معاملة فخذ في جواز إسكانه للتخفيف ولما كان النقل هو المستعمل والأصل مرفوضاً شبه بالأصلي وقد استعملته العرب كذلك قال:
أرنا إداوة عبد الله نملؤوها من ماء زمزم أنّ القوم قد ظمؤوا
والاختلاس تخفيف الحركة حتى تخفى. قوله: (استتابة لذرّيتهما الما كانت التوبة تقتضي الذنب وهم معصومون على الأصح قبلها وبعدها أوّله بما ذكر فهو بتقدير مضاف أو من إطلاق اسم الأب على الذرّية كما يقال تميم للقبيلة وبقية الوجوه ظاهرة، وقوله: لمن تاب متعلق بالرحيم ولو قال فترحم من تاب كان أولى. قوله: (ولم يبعث من زيتهما الخ) أي من ذرّيتهما معا بأن يكون ابن إسماعيل بن إبراهيم عليهما الصلاة والسلام لا من ذرّية ك!! منهما فإنّ في أولاد إسحق أنبياء ورسلاً " وقال دعوة أبي إبرأهيم " في الحديث اقتصارا على الأعظم والا فهو دعوة إسماعيل عليهما الصلاة والسلانم أيضاً ويصح أن يراد من ذرية كل منهما المدعو بها في ذلك المقام أما دعوة إسماعيل عليه الصلاة والسلام فظاهرة وأما دعوة إبراهيم عليه الصلاة والسلام فلأنّ إسحق لم يكن معه فلعله قصد به عامّة من كان من عقبه بواسطة إسماعيل وهو تكلف، تيل: ويحتمل أن يكون مرا! كل منهما ذرّيته فيكون سائر الأنبياء دعوة إبراهيم عليه الصلاة والسلام ومحمد صلى الله عليه وسلم إجابة دعوتهما، وقوله صلى الله عليه وسلم: " أنا دعوة أبي إبراهيم " من غير ذكر إسماعيل يدل على أنّ المجاب من الدعوتين كان دعوة إبراهيم عليه ا! صلاة والسلام وفيه نظر وقوله صلى الله عليه وسلم: " أنا دعوة أبي إبراهيم " جعله نفس الدعوة مبالغة أو في الكلام مضاف مقدر أي أثر دعوته وهذا
الحديث رواه الإمام أحمد بن حنبل وشارح السنة عن العرباض عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " ساخبركم بأوّل أمري أنا دعوة أبي إبراهيا وبشارة عيسى ورزيا أمّي التي رأت حين وضعتني " فدعوة إبراهيم عليه الصلاة والسلام في هذه الآية وبشارة عيسى عليه الصلاة والسلام في قوله: {وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} أسورة الصف، الآية: 6] ورؤيا أمّه، كما رواه الدارمي هي التي " رأت حين وضعته وقد خرج لها نور أضاءت له قصور الشام وأمّه آمنة بنت وهب بن عبد مناف من بني زهرة، وفي الاستدلال برؤياها ما يرشح إسلامها، وقوله: يقرأ عليهم إشارة إلى أنّ المراد بالآيات آيات القرآن(2/238)
وما بعده إشارة إلى أنّ المراد الحجج الإلهية لثلا يتكرّر به ولو أريد ما يشملهما صح فيكون ما بعده ذكرا للخاص بعد العامّ. قوله: (والحكمة الخ اللمفسرين في تفسيرها أقوال متقاربة يجمعها الكتاب والسنة فقيل: هي السنة، وقيل: القرآن وقيل: الفقه في الدين وقيل: العلم والعمل، وقيل: كل صواب من القول أورث صحيحاً من العمل والتزكية التطهير وذيلت بالعزيز وهو الذي لا يقهر والحكيم بمعنى المحكم بناء على أنّ فعيلا يجيء بمعنى مفعل كما مرّ لإعزازه تعالى أنبياءه عليهم الصلاة والسلام وارسالهم بالحكمة وضمير له لما يريد، وقوله: استبعاد إشارة إلى أنّ الاستفهام ليس حقيقياً بل هو للإنكار والاستبعاد وهو أي الاستبعاد عد الشيء بعيداً وهو عين الإنكار هنا فلا يرد ما قيل: الاستبعاد معنى مجازي كالإنكار ولا يصح الاستعمال في معنيين مجازيين إلا أن يقال معناه الإنكار المبنيّ على الاستبعاد لا على الامتناع لا أنهما قصدا معاً. قوله: " لا من استمهنها وأذلها الخ) استمهنها أي عدها مهنة ذليلة فعطف وأذلها تفسيري إشارة إلى أنه متعد وهو القول الأصح وأمّا اللازم فسفه بالضم بمعنى صار ذا سفه وهو حقيقة، وقيل ضمن معنى جهل أي جهل نفسه لخفة عقله ولم يعرفها بالتفكر لأنّ من جهل نفسه لا يعلم شيئاً، وقيل: أهلك واستشهدوا له بوقوعه في
الحديث متعدياً من غير احتمال آخر وقوله: فيه إن تسفه الحق أي تجهله وتغمض بالغبن والضاد المعجمتين وكسر الميم وفتحها بمعنى تحتقر ومن جعله لازما قال إنه منصوب على التمييز وهو يجيء معرفة بالألف واللام والإضافة لكنه نادر نحو غبن رأيه بالنصب، وغبن مجهول من الغبن ورأيه منصوب على التمييز المحوّل عن نائب الفاعل وكذا ألم رأسه كعلم. قوله: (وقول جرير الخ) كذا في النسخ وهو سهو فإنّ الشعر للنابغة الذبياني بالاتفاق وكذا رأيناه في ديوانه وهو في مدح النعمان بن المنذر وقد مرض وأبو قابوس لقبه والشعر:
فإن يهلك أبو قابوس يهلك ربيع الناس والبلد الحرام
ونأخذ بعده بذناب عيش أجب الظهرليس له سنام
ويروى والشهر الحرام وأراد بالربيع طيب العيش وبالبلد والشهر الحرام الأمن، والأجب المقطوع السظ م وهو لا يستقرّ عليه فالمراد إمّا ذهاب عزهم لأنّ السنام يكنى به عنه أو كثرة اضطرابهم بعده وذناب الشيء بالكسر عقبه أي نبقي بعده آيسين من الأمن والخير والظهر منصوب على التمييز لكن جعله في المفصل من المشبه بالمفعول به لأن أجب صفة مشبهة فلا ينهض شاهدا عليه، وقيل: إنه أيضاً حقه التنكير كالتمييز وقوله: على المختار إشارة إلى قول آخر أنه في محل نصب ونفسه تأكيد له واختلف فيمن هل هي موصولة أو موصوفة وجهان. قوله: (حجة وبيان لذلك الخ) قيل: كأنه يشير إلى أنّ الجملة حالية لكن الظاهر أنها جواب قسم محذوف فتكون الواو اعتراضية لا عاطفة والمقصود ما ذكر وجعلها حالية لا ينافيه جعلها جواب قسم لأنّ الحال هو القسم وجوابه واللام لا تعين القسمية لكن لام الابتداء تقتضي استئناف ما بعدها، واذ قال ظرف لاصطفينا كأنه أريد أنه مذ ميز وعقل لم يزل! مصطفى إلى أن فارق الدنيا، وقيل: إنه منصوب بقال أي قال أسلمت إذ قال له ربه أسلم وأوّل الخطاب بالإسلام بالأخطارلم التمكين من النظر إذ لو أجرى على ظاهر. كان وحياً مسبوقا باستنبائه
واسلام النبيّ يكترو سابق عليه لعصمتهم عن الكفر قبل النبوّة وإنما جرى ذلك في أوائل تمييزه وعلى القول الآخر يجعله في معنى أطع والأمر على ظاهره. قوله: (مشهودا له بالاسنقامة والصلاح يوم القيامة) الاستقامة الاستمرار على الصلاج فهو إمّا مأخوذ من الصلاح أو من الجملة الاسمية المؤكدة. قوله: (ظرف لاصطفيناه) تقدم بيانه والظروف تفيد التعليل كما مرّ وفسر الإسلام بالإذعان لأنّ معناه الحقيقي لا يصح هنا، وأمّا قوله روي أنها نزلت أي آية ومن يرغب فإنه دعاهما إلى الإسلام وقال لهما قد علمنا أنّ الله تعالى قال في التوراة إني باعث من ولد إسماعيل نبيا اسمه أحمد من آمن به فقد اهتدى ورشد ومن لم يؤمن به فهو ملعون فنزلت الآية تصديقا له، فقال السيوطيّ رحمه(2/239)
الله: إنه لم يجد هذا في شيء من كتب الحديث. قوله: (التوصية الخ) قال الراغب رحمه الله: التوصية التقدم إلى الغير بما يعمل به مقترنا بوعظ من قولهم أرض واصية أي متصلة النبات فأصل معناه الوصل فهو ضدّ فصاه تفصية إذا فصله، ومنه التفصي عن الأمر ومنهم من جعله من باب ضرب وضمير بها إما للملة أو لقوله: أسلمت باعتبار أنه كلمة أو جملة وهذا باعتبار الحكاية إن كان معنى قال أسلمت نظر أو عرف أو باعتبار المحكيّ فلا حاجة إلى ما تكلفه بعض أرباب الحواشي ثم ذكر الخلاف بين البصريين والكوفيين في أنه هل يشترط فيه خصوص القول أو يصح في كل ما يؤدّي معناه وقوله: بالكسر أي كسر همزة إن ليكون محكياً بأخبرانا، ورجلان تثنية رجل سكنت جيمه لضرورة الشعر وضبة اسم قبيلة معروفة والأسماء المذكورة منها ما هو معروف كبنيامين بوزن إسرافيل وروبين بضم الراء وكسر الباء وياء ونون وقال البيساني الصحيح فيه روبيل باللام، ومنها ما هو غير معروف لأنها ليست بعربية فلم يقدم على ضبطها من غير نقل والمراد بدين الإسلام الذي به الإخلاص لله
والانقياد له وبه يعلم أنّ الإسلام يطلق على غير ديننا لكن العرف خصصه به، والصفوة مثلثة الصاد. قوله: (ظاهره النهي عن الموت الخ الما كان المطلوب من الشخص والمنهي عنه ما هو مقدور له وهنا ليس كذلك قال والمقصود الخ وهو تحقيق وتصريح بما هو مدلول اللفظ من حيث كون النهي راجعاً إلى القيد الذي هو الحال حيث أوقعه خبر كان الذي هو المقصود بالإفادة وفي الكشاف فلا يكن موتكم إلا على حال كونكم ثابتين على الإسلام الخ، قال النحرير: ولا خفاء في أنّ معنى لا تجيء إلا راكبا لا يكن مجيئك إلا على حال الركوب واحد لا يتفاوت إلا بتصريح وتوضيح، كما يقال في لا تأكل معناه لا يكن منك أكل ثم ليس المقصود النهي عن الموت في غير حال الإسلام لأنه ليس بمقدور مع أنه كائن البتة والقبد وهو الكون على حال الإسلام مقدور فعاد الكلام إلى النهي عن الاتصاف بالقيد والثبات عليه عند حدوث المقيد الضروري وهو الموت لما بين المعنيين من الاتصال والارتباط والجمهور على أنه كناية وان احتمل المجاز وتقرير الكناية بأنّ طلب امتناع النفس عن فعل الموت في غير حال يراد منه يلزمه طلب الامتناع عن كونها على غير تلك الحال عند الفعل ليس على ما ينبغي لأنّ امر الكناية بالعكس وكذا تقريرها بأن ههنا كناية بنفي الذات عن نفي الحال كما أنّ قوله تعالى: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ} [سورة البقرة، الآية: 28] كناية بنفي الحال عن نفي الذات وذلك لأنّ نفي الفعل المقيد بالحال! س نفياً للذات بل ربما يدعي كونه نفياً للحال اص. (وفيه بحث) أمّا الأوّل لإنه مبنيّ على أنّ الكناية هل هي الانتقال من الملزوم إلا اللازم أو عكسه وفيه الخلاف المعروف وأما الثاني فلأنه لم يرد بالذات إلا المقيد لا معناها المتبادر والقرينة عليه ظاهرة فإن تيل: إذا كان النفي في الكلام المقيد راجعاً إلى القيد كان مدلول الكلام هو النهي عن كونهم على غير حال الإسلام عند الموت ولا حاجة إلى ما ذكر، قيل: إذا كان الفعل مقدوراً مثل لا تجيء إلا راكباً والمنهيّ هو الفعل في غير حال الركوب حتى يمتثل ترك الفعل رأسا وبالإتيان
راكبا والفعل هنا ليس بمنهيّ عنه البتة لعدم المكنة وإنما المنهيّ هو الكون على خلاف تلك الحالة فلا امتثال إلا بالكون عليها لكته جعل الفعل شبيهاً بالمنهيّ الذي حقه أن لا يقع فإن وقع كان كالعدم كما أنه في مت وأنت شهيد بمنزلة المأمور الذي من حقه أن يقع. (وفيه بحث) : لأنّ كون المقيد غير مقدور كما هنا أو القيد غير مقدور كما في لا تصم وأنت مريض أو كونهما مقدورين كما في لا تجيء إلا راكباً لا يضرّ فيتوجه النفي إلى القيد أو عدمه بل يؤكده فما الداير إلى هذه التكلفات، ومن هنا علمت تفصيلا آخر في توجه النفي إلى القيد فليكن على ذكر منك واتضح لك معنى كلام المصنف رحمه الله وفوله: وروي الخ، قال السيوطي رحمه الله: لم أقف عليه وفاعل فنزلت أم كنتم شهداء الخ. قوله: (أم منقطعة الخ (اختلف في أم هذه هل هي متصلة أم منقطعة وهل الخطاب لليهود أم للمؤمنين وإذا كانت منقطعة وهي بمعنى بل الإضرابية فهل الإضراب هنا للانتقال أم للإبطال وهل ما بعدها خبر أم مقدر بالاستفهام على القولين للنحاة فيها أو استفهامية مستقلة فعلى(2/240)
الانقطاع وتقدير الهمزة، فالمعنى بل أكنتم شهداء فإذا كان الخطاب لليهود بدلالة سبب النزول ولذا قدمه المصنف رحمه الله فهو للإنكار عليهم في دعواهم وصاحب الكشاف ردّ هذا الوجه بأنهم لو شهدوه وسمعوا ما قاله لبنيه وما قالوه لظهر لهم حرصه على ملة الإسلام ولما ادعوا عليه اليهودية فالآية منافية لقولهم فكيف يقال لهم أم كنتم شهداء يعني ردّاً عليهم وانكاراً لمقاتلتهم بل ينبغي أن يقال أكنتم حاضرين حين رضي باليهودية وبما يحقق دعواكم كما تقول لمن يرمي زيداً لفسق أكنت حاضرا حين زنى وشرب ونحو ولا تقول حين صلى وزكى وأجابوا عنه بوجهين أحدهما أنّ الاستفهام حينئذ للتقرير أي أكانت أوائلكم حاضرين حين وصى بنيه بملة الإسلام والتوحيد وأنتم عالمون بذلك فما لكم تدعون عليهم اليهودية، وثانيهما أنه يتم الإنكار عند قوله: ما تعبدون من بعدي ويكون قوله قالوا: الخ بيان فساد ادعائهم لا داخلاَ في حيز الإنكار كان سائلاً سأل فما قالوا له فأجابه بما ذكر ولا تعلق له بما قبله لاختلال النظم وانحلال الربط والمصنف رحمه الله اختار هذا الجواب فلم يبال بما أورد عليه ولهذا اقتصر على قوله: وقال ولم يذكر ما قالوه فالاستفهام إنكاريّ بمعنى ما كنتم حاضرين ذلك فكيف تدعونه، وقيل: وجه الردّ عليه أنّ المعنى ما كنتم حاضرين حين موته ولا تعرفون ما وصى به حيث وصى بخلاف ما تدعون فلم تدعون له من غير علم ما يخالف ما ظهر منه، وهذا في غاية الوضوح وان خفي على صاحب الكشاف وشراحه ولا يخفى أنه لا ينزع عرق الشبهة، ولو قيل: إنّ قوله إذ قال لبنيه لا تعلق له بالأوّل ولذا أعاد إذ بدون عطف لكان أظهر ولكن كلام المصنف رحمه الله يخالفه، قيل: ولو ذهب إلى أنّ أم إضرابية داخلة على الخبر بدون الاستفهام لإبطال ما ادّعوه بذكر خلافه لم يحتج إلى
توجيه والإضراب عليهما انتقالي وجوّز على الانقطاع المذكور أن يكون الخطاب للمؤمنين للتحريض على اتباع نبينا صلى الله عليه وسلم بإثبات بعض معجزاته وهو الإخبار عن حال الأنيجاء السابقين عليهم الصلاة والسلام من غير سماع من أحد ولا قراءة كتاب والإنكار بمعنى أنه لم يكن أي ما كنتم حاضرين ذلك ولا شاهدتموه ولا سمعتموه فإنما حصل بطس يق الوحي فلا يصح قصد الخبر به حينئذ وعلى الأوّل يصح كون الإضراب لإبطال ما ادّعوه المأخوذ من سبب النزول لا لما قبله. قوله: (أو متصلة بمحذوف تقديره كنتم غائبين الخ) هذا على كون الخطاب لليهود والمقصود الردّ عليهم فيما ادّعوه من تهوّد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وقدره بما ذكر والمراد اق حالكم لا يخلو من الغيبة أو الحضور فعلى الأوّل كيف تجزمون بما لم تروه وتدركوه وعلى الثاني فليس الأمر كما قلتم بل الثابت خلافه، والزمخشرّ قال تقديره أتدعون على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام اليهودية أم تعلمون كونهم على الإسلام لاعترافكم بحضور آبائكم وصية يعقوب عليه الصلاة والسلام وإعلامهم بذلك قرنا بعد قرن، قال النحرير: وليس الاستفهام على حقيقته حتى يعتزض بأنّ كلا الأمرين معلوم التحقق بل على سبيل الفرض والتقدير والتفويض إلى إخبارهم واقرارهم قصداً إلى تبكيتهم وإلزامهم لقطعهم بالثاني أعني حضور أسلافهم وفيه نفي لدعواهم يهودية أنبيائهم عليهم الصلاة والسلام فإن قيل لا معنى للإسلام فإن قيل لا معنى ل! سلام الذي عليه يعقوب عليه الصلاة والسلام وبنوه سوى الإذعان والقبول للأحكام والإخلاص له تعالى لا التصديق بنبينا صك! يرو وهو لا ينافي اليهودية التي ادّعوها حتى يلزم من) ثباته نفيها، قيل: لا توحيد لهم لقولهم عزير ابن الله ولا إسلام لعنادهم واستكبارهم وترفعهم عن قبول كثير من الأحكام لا سيما نبوة محمد صلى الله عليه وسلم (وفيه بحث) فإنّ الإسلام بهذا المعنى قطعا وهم يدعون أنّ اليهودية من هذا الإسلام وأنهم عليها وليس في هذا المقام ما ينفيه فتأمّل. توله: (وقيل الخطأب للمؤمنين الخ) هذا على الانقطاع وقد تقدّم تقريره، وقيل: هذا مختار الزمخشريّ ولم يرتضه المصنف رحمه الله فإنّ الخطاب هنا مع اليهود بقرينة سبب النزول لا يستقيم أن يخاطب به المؤمنرن وقد علمت ما في سبب النزول من الضعف، وقد اعترض أبو حيان رحمه الله على ا! لوجه الأوّل بأنه لا يعلم أحداً من النحاة أجاز حذف الجملة المعطوف عليها في أم المتصلة لمانما سمع حذف أم مع المعطوف(2/241)
لأنّ الثواني تحتمل ما لا تحتمل الأوائل كقوله:
فوالله ما أدري أرشد طلابها
أي أم غيّ لكن سبق الزمخشريّ إليه الواحديّ وقدره أبلغكم ما تنسبون إلى يعقوب عليه
الصلاة والسلام من إيصائه بنيه باليهودية أم كنتم شهداء وذكر ابن هثام في المغني ولم يتعقبه، وقال ابن عطية رحمه الله: أنّ أم بمعنى الهمزة للاستفهام التوبيخي وهي لغة يمانية ولا تكون إلا في صدر الكلام وحكى الطبريّ رحمه الله أنها تكون في وسطه وشهداء جمع شهيد أو شاهد بمعنى حاضر وحضر يحضر كقعد يقعد وفي لغة حضر بكسر الضاد في الماضي وضمها في المضارع وهي شاذة، وقيل: إنها على التداخل وإنما جعل إذ الثانية بدلاً من الأولى بدل اشتمال لأنها لو تعلقت بقالوا لم ينتظم الكلام. قوله: (أراد به تقريرهم الخ) أي تثبيتهم على ذلك فليس استفهاماً حقيقيا وما عامّ يصح إطلاقه على ذي العلم وغيره عند الإبهام سواء كان استفهاميا أو لا وإذا علم أنّ الشيء من ذوي العقل والعلم فرق فحص من بذوي العلم وما بغيره وبهذا الاعتبار يقال: إنّ ما لغير العقلاء واستدلّ على إطلاق ما على ذوي العقول بإطباق أهل العربية على قولهم من لما يعقل من غير تجوّز في ذلك حتى لو قيل: من لمن يعقل، كان لغوا بمنزلة أن يقال لذي عقل عاقل، فإن قيل: ههنا يجب أن يفرق بمن وما لأنّ ما يعقل معلوم أنه من ذوي العلم قلنا لكن بعد اعتبار الصلة أعني يعقل وأمّا الموصول فيجب أن يعتبر مبهما مرادا به شيء ما ليصح في موقع التفسير بالنسبة إلى من لا يعلم مدلول من وليقع وصفه بيعقل مفيدا غير لغو وقد تقرّر أنّ ما يقع سؤالاً عن مفهوم الاسم وماهية الشيء، وعن الوصف والوصف في نفسه لا يعقل فإذا كان هو المراد أطلقت ما على العقلاء وما في الآية يجوز أن يحمل على هذا والمعنى ما معبودكم. قوله: (المتقق على وجوده) أخذ الاتفاق من جعله إلها لهم ولآبائهم وعدّ إسماعيل أبا ليعقوب مع أنه من نسل أخيه إسحق بطريق التغليب وهو ظاهر وأما الجد وهو إبراهيم عليه الصلاة والسلام فداخل في الآباء لأنه أب حقيقة فلذا لم يذكره المصنف في المغلب عليه، والمشهور في علاقة التغليب أنها الجزئية والكلية فقوله: أو لأنه كالأب وجه آخر المراد به أنّ العمّ يطلق عليه أب بدون تغليب لمشابهته للأب في كونهما من أصل واحد وقيامه مقامه في أكثر الأمور وكثر ذلك فيه فصح جمع أب وأب وأب بمعنى أب وجد وعمّ على آباء كما يقال عيون للعين الباصرة والجارية والذهب مثلاَ فلا يرد عليه أنّ المقابلة غير صحيحة لأنّ المشابهة طريق للتغليب كالمصاحبة ويعتذر بأنه اعتبر التغليب أوّلاً بعلاقة المصاحبة وثانيا بعلاقة
المشابهة، وعنم الرجل صنو أبيه حديث صحيح أخرجه الشيخان والصنو بالكسر واحد صنوأن وهما نخلتان من عرق واحد. قوله: (هذا بقية آبائي) أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه وغيره بلفظ: احفظوني في العباس فإنه بقية آبائي قال النحرير أي الذي بقي من جملة آبائي يقال بقية القوم لواحد بقي منهم ولا يقال بقية الأب للأخ والحاصل أنّ بقية الشيء من جنسه. قوله: (وقرئ إله أبيك الخ) في شرح التسهيل قالوا أبون وهو يحتمل وجهين أن يكون أصله أبوين ضموا الباء لمناسبة الواو ثم حذفت كسرة الواو للتخفيف وهي لالتقاء الساكنين وأن يكونوا استعملوه ناقصاً كما كان حالة إفراده وهو أسهل، والشعر المذكور لزياد بن واصل السلمي وهو: غزتنا نساء بني عامر فسمن الرجال هوأنامبينا
بضرب كولع ذكور الذباب تسمع للهام فيه رنينا
ورمى على كل عرّافة تردّالشمال وتعطي اليمينا
فلما تبين أصواتنا بكين وفديننابالأبينا
ويروي فلما تبين أشباحنا والنون في الأفعال للنسوة اللاني أسرن وفديننا بتشديد الدال أي
قلن جعل الله آباءنا فداءكم وألف الأبينا للإطلاق والرواية فلما بالفاء لا بالواو أو أبيك على هذه القراءة مفرد وابراهيم بدل منه أو عطف بيان! اسمعيل معطوف على أبيك ولم يرتض كونه عمّ لالإضافة فأبدلا منه. قوله: (بدل من إله الخ) والنكرة تبدل من المعرفة بشرط أن توصف واليه اشار المصنف رحمه الله بقوله: كقولك الخ(2/242)
والبصريون لا يشترطون ذلك فيها وأشار إلى فائدة الإبدال بأنها دفع توهم التعذد الناشئ من ذكر الإله مرّتين وبين وجه تكراره بأنه أعيد لأنه لا بعطف على الضمير المجرور بدون إعادة الجاز، وقوله: أو نصب على الاختصماص، قال أبو حيان: النحويون ن! ص على أنّ المنصوب على الاختصاص لا يكون نكرة ولا مبهماً وجعله منصوباً على الحال الموطئة ونحن له مسلمون حال من الفاعل أو المفعول أو منهما لوجود صميريهما أو اعتراضية في آخر الكلام بلا كلام. قوله: (والأمة في الأصل المقصود الخ الأنها
من أمّ بمعنى قصد قال الراغب: الأمّة كل جماعة يجمعهم أمر مّا إما دين واحد أو زمان واحد أو مكان لأنهم يؤم بعضهم بعضا أي يقصده. قوله: (لكل أجر عمله الخ) وقع في نسخة لكل أجير وهي أظهر أي لكل أجير جزاء عمله وأمّا على هذه فالظاهر لكل عمل أجره ولا داير للعدول عنه وقيل: فيه إشارة إلى أنّ المراد بمالها أجر مالها وإن ههنا قصر المسند على المسند إليه أي لها أجر كبتها لا أجر كسب غيرها ولكم أجر كسبكم لا أجر ك! سب غيركم وسيأتي ما فيه، وقوله: والمعنى الخ بيان لانتظام الكلام معنى مع ما قبله وهو مأخوذ من ذكر الكسب دون النسب بطريق التعريض وأمّا لفظاً فلأنه صفة أو حال أو استئناف. قوله: (والمعنى الخ) في الكشاف والمعنى أنّ أحداً لا ينفعه كسب غيره متقدّما كان أو متأخراً فكما أن أولئك لا ينفعهم إلا ما اكتسبوا فكذلك أنتم لا ينفعكم إلا ما اكتسبتم، قيل: هذا يشعر بأنّ لها ما كسبت الخ من قصر المسند على المسند إليه أي لها سسبها لا كسب غيرها ولكم كسبكم لا كسب غيركم وهذا كما قيل: في لكم دينكم ولي دين أي لا ديني ولا دينكم اهـ. وتحقيقه أنّ تقديم المسند على المسند إليه مذهب السكاير والخطيب أنه يفيد قصر المسند إليه على المسند فمعنى عليك التكلان لا على غيرك وصرح به الزمخشريّ في مواضمع والسكاكيّ في أحوال المسند وقال في القصر إنه من قصر الموصوف على الصفة وعند الطيبي ومن تابعه أنه من قصر المسند على المسند إليه وهو عنده من قصر الموصوف على الصفة ذكره في التبيان وذكر صاحب الفلك الدائر أنه لا يفيد قصراً أصلا وذهب بعض المتأخرين أنه يرد لكل منهما وقال: إنّ قول عليّ رضي الله عنه:
لئا علم وللأعداء مال
ظاهر فيه لكن العكس صحيح وهل هو مستفاد من التقديم أو من معونة المقام والتقديم
قرينة عليه، قال الظاهر الثاني فيصرف إلى ما يقتضيه المقام وفيه نظر والمشهور كلام السكافي لكته قيل عليه إنّ المسند في لا فيها غول هو الظرف والمسند إليه ليس مقصوراً عليه بل على جزئه وهو الضمير الراجع إلى خمور الجنة، وأجيب بأنّ المراد أنّ عدم الغول مقصور على الاتصاف بفي خمور الجنة والحصول فيها لا يتجاوزه إلى الاتصاف بفي خمور الدنيا وكذا لكم دينكم كما في شروح المفتاح فالموصوف الدين والغول أو عدمه ولا يشترط فيه أن يكون ذاتا وضعية الحصول فيها مثلاً فهذه مغالطة نشأت من عدم فهم مراده وأيضا أنه إذا قصمر المبتدأ على المجرور كان من قصر الصفة وهو الدين على الموصوف وهم المخاطبون وقد ذهب إلى توجه هذا كثيرون وقالوا: إنّ الأمثلة لا تساعده منهم العلامة في شرح المفتاح وهو محل تامّل مبسوط في شرح التلخيص وحواشيه فما قاله النحرير هنا إن حمل على ظاهره يفيد أنّ التقديم يكون لكل من القصرين لكن كلامه في المطوّل وغيره ينافيه ولك أن تقول إنه بيان لمحصل المعنى ومآل الجملتين، وتحقيقه أنها إذا كانت لقصر المسند إليه على المسند يكون المعنى
ليس ما كسبت إلا لها وليس ما كسبتم إلا لكم ومآله أنه ليس لكل إلا ما كسب، ألا تراك لو قلت ليس العلم إلا لزيد وليس المال إلا لعمرو ردّ المعتقد التثريك أو العكس لزم منه أنه ليس لزيد إلا العلم وليس لعمرو إلا المال لأنّ كل جملة مستلزمة لعكس الأخرى كما مرّ في البيت المنسوب لعليّ كرم الله وجهه ولهذا قال: يشعر ولم يقل يدل أو يصرح ويكون صدر هذه الآية كقوله تعالى: {وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} [سورة النجم، الآية: 39] وآخرها كقوله تعالى: {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [سورة فاطر، الآية: 18] وعكس هنا لمناسبة افتخارهم بآبائهم فإن قلت قد وقع في الآيات والأحاديث الانتفاع والتضرو بفعل الغير كقوله تعالى: {مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا} [صورة المائدة، الآية: 32] " ومن سن سنة سيئة فعليه ورّرها ووزر(2/243)
من يعمل بها " (1 " قلت) قيل إنه منسوخ بقوله تعالى: {وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} [سورة النجم، الآية: 39] ونقل عن ابن عباس رضي الله عنهما، وقيل: إنه من طريق لعدل وأمّا من طريق الفضل فقد يثاب كما يؤاخذ بالسبب وقال المصنف رحمه الله: في غير هذا الموضعكما لا يؤاخذ بذنب الغير لا يثاب بفعله وما في الأخبار إنّ الصدقة والحج ينفعان الميت فلكون الناوي كالنائب عنه وكلامه هنا يشير إليه وسيأتي تحقيقه في محله. قوله: (لا يأتيني الناس بأعمالهم الخ) ، قال العراقيّ رحمه الله: لم أقف عليه، وقال السيوطيّ: خرجه ابن أبي حاتم من مرسل الحكم بن مينا أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " يا معشر قريش إنّ أولى الناس بالنبئ صلى الله عليه وسلم المتقون فكونوا أمماً بسبيل من ذلك فانظروا أن لا يلقاني الناس يحملون الآعمال وتلقوني بالدنيا تحملونها فأصد عنكم بوجهي " وهذا بمعناه قال النحرير رواه الجمهور ياتيني بالتخفيف فهو خبر في معنى النهي كما تقول النهي كما تقول تذهب إلى فلان تقول له كذا وتأتوني منصوب على أنّ الواو للصرف والنون للوقاية وقد حذفت نون الإعراب أي لا يكن من الناس الإتيان بالأعمال ومنكم بالأنساب وأمّا على رواية التشديد فهو صريح نهي، وقوله: الضمير الغائب هو بمعنى ضمير الغائب ومرّ ما في الآية من اللف والنشر وقوله: نكون الخ وقيل: إنه منصوب على الإغراء أي الزموا مفة إبراهيم وقيل: منصوب بنزع
الخافض أي يقتدي بملة إبراهيم. قوله: (ولا تسألون عما كانوا يعملون الخ) إن أجرى السؤال على ظاهره فالجملة حالية مقرّرة لمضمون ما قبلها وان أريد به سببه أعني الجزاء فهو تذييل لتتميم ما قبله والجملة مستأنفة أو معترضة والمراد تخييب المخاطبين وقطع أطماعهم من الانتفاع بحسنات من مضى منهم وإنما أطلق العمل لإثبات الحكم بالطريق البرهاني في ضمن قضية كلية، وقيل: إنّ ما ذكره لا يليق بشأن التنزيل يكف لا وهم منزهون عن كسب السيئات فمن أين يتصوّر تحميلها على غيرهم حتى يتصدى لبيان انتفاعه وقد علم مما مر سقوطه فإنّ المقصود سوقها بطريق كليّ برهانيّ فكيف يتوهم ما ذكره. قوله: (مائلاَ عن الباطل إلى الحق الخ) أصل معنى الحنف الميل في الرجل وأطلق على الدين الحق المائل عن الباطل وهو حال إن كان من ملة فتذكيره لتأوبلها بالدين أو لكون فعيل يستوي فيه المذكر والمؤنث وهذا إذا كان المقدّر نتبع ظاهر وأما إذا كان المقدر نكون ففي مجيء الحال من خبرها وخبر المبتدأ تردّد وأمّ إذا جعل حالاً من المضاف إليه فيجوز بناء على ما ارتضوه من أنه دجوز في ثلاث صور إذا كان المضاف مشتقاً عاملاً أو جزءاً أو بمنزلة الجزء في صحة حذفه كما هنا فإنه يصح اتبعوا إبراهيم بمعنى اتبعوا ملته فيتحد عامل الحال وذوها حقيقة أو حكماً ولذا مثله بقوله ما في صدورهم لأنّ الصدور بعض وهذا مشبه به، وقوله: وما كان من المشركين اعتراض أو معطوف على الحال للتعريض المذكور وحينئذ فهي حال من المضاف إليه إلا أن يقدّر وما كان دين المشركين وهو تكلف. قوله:) الخطاب للمؤمنين الخ) ردّ على الزمخشريّ، إذ جوّز أن يكون للكافرين فإنّ قوله فإن آمنوا الخ يقتضي خلافه فيحتاج إلى تأوبله بأنه داخل في مقول قل أي وقل لهم قولوا ويكون قوله وما أنزل إلينا وارداً على عبارة الآمر دون المأمور كأنهم أمروا بأن يقولوا هذا
المعنى على وجه يليق بهم وهو أن يقولوا وما أنزل إليكم أيها المؤمنون أو إشارة إلى أنهم من أمّة الدعوة وقد أنزل الكتاب إليهم أيضاً لكان المناسب أن يقدر فيما مر كونوا ملة إبراهيم وكله تكلف، وقوله: لأنه أوّل بالإضافة إلينا أي لم يصل إلى المؤمنين عمله وخبره إلا بعد وصول القرآن، أو لأنّ الإيمان بالقرآن سبب للإيمان به والسبب مرتبته التقدم ثم أوّل نزول صحف إبراهيم عليه الصلاة والسلام عليهم باتباعهم كما في نزول القرآن على أمّة محمد صلى الله عليه وسلم، والأسباط جمع سبط كأحمال وحمل وهو في بني إسرائيل كالقبائل فينا وهو من السبوطة وهي الاسترسال وقيل: إنه مقلوب من البسط، قال الحلبي: وقيل للحسنين سبطا رسول الله صلى الله عليه وسلم لا صشار ذرّيتهما ثم قيل: لكل ابن بنت سبط وكذا قيل: له حفيد أيضاً والحفدة والحفد جمع الحافد والحفيد ولد الولد وبه فسر أوّلاً وثانياً بالأولاد وذريتهم، وذراري يجوز فيه تشديد الياء وتخفيفها كأثافي وأثافيّ(2/244)
وأواقي وأواقيّ وكذا كل جمع في آخره ياء مشدّدة ذكر الكرماني في شرح البخاري، وقوله: وهي وان الخ قد أسلفنا لك تصحيح هذا التركيب فلا تلتفت إلى ما قيل: إنه تركيب مختل لخلو هي المبتدأ عن الخبر ولما عن الجواب فلو حذف وإن وقوله فهي لكان هو الصواب ولما هنا ظرف بمعنى حين فتذكر. قوله: (أفردهما بحكم أبلغ الخ) المراد أنه أفرد موسى وعيسى عليهما الصلاة والسلام مع دخولهما في الأسباط بالحكم الأبلغ وهو الإيتاء وهو أبلغ من الإنزال لأنك تقول أنزلت الدلو في البئر ولا تقول آتيتها إياه لدلالة الإيتاء على الإعطاء الذي فيه شبه التمليك والتفويض ووجه مغايرته لما سبق من وجوه عديدة ككونهما كتابين عظيمين لم ينزل مثلهما وككثرة ما اشتملا عليه من الأحكام وغيرها وكوقوع التبشير بنبينا صلى الله عليه وسلم فيهما، فإن قلت كيف يكون الحكم المنفردان به هو الإيتاء وقد قيل: بعده وما أوتي النبيون، قلت المنفردان به هو إسناد الإيتاء إليهما على التعيين وقوله: جملة المذكورين في نسخة جملة بالتنوين والمذكورون بالرفع والمعنى واحد وقوله: منزلاً عليهم من ربهم يحتمل أنه بيان لتعلقه بأوتي لأنه بمعنى أنزل أو أنه حال متعلقه ما ذكر، وقيل: إنه خبر ما وقوله: فنؤمن بالنصب في جواب النفي. قوله: (وأحد لوقوعه في سياق النفي عامّ الخ) الذي في الكشاف أنّ أحدا في معنى الجماعة لأنه اسم يصلح لمن يخاطب يستوي فيه المفرد والمثنى والمجموع والمذكر والمؤنث ويثترط أن يكون استعماله مع كلمة كل أو في كلام غير موجب نص على ذلك أبو عليّ وغيره من أئمة العربية وهذا غير الأحد الذي هو بمعنى أوّل في مثل:
{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} فإنّ همزته من واو من الوحدة فلا يمكن أن يشمل الكثير لمنافاته لوضعه وهمزة هذا أصلية وليس من الوحدة لإطلاقه على غير الواحد حقيقة واعتبار وحدة نوعية وغيرها ينافي كونهم صرحوا بأنه معنى حقيقيّ له وليس كونه في معنى الجماعة من جهة كونه نكرة في سياق النفي على ما سبق لبعض الأوهام، ألا ترى أنه لا يستقيم لا نفرّق بين رسول من الرسل إلا بتقدير عطف أي رسول ورسول ولستن كأحد من النساء ليس في معنى كامرأة كذا قال النحرير معترضاً على المصنف ومن تابعه وعليه جملة أرباب الحواشي وبه اتضح وجه القول بأنّ الهمزة في هذا أصلية وفي الآخر بدل من الواو فإنه خفي على كثيرين وكان المصنف رحمه الله لذلك جعله بمعنى واحد فلا ة مكن تعدده إلا باعتبار عه ومه في النفي، قال القرافيّ في الدر المنظوم: قال النحاة إذا قلت خذ أحد هذين فألفه منقلبة عن واو ويستعمل في الإثبات، وإذا قلت ما جاءني أحد فالفه ليست منقلبة عن واو ولا يجوز استعماله في الإثبات يعني إلا مع كل ويشكل بأن اللفظ صورتهما واحدة ولفظ الوحدة تتناولهما والواو فيها أصلية فيلزم قطعاً انقلاب الألف عنها وأن يكوّنا مشتقين من الوحدة وأمّا جعل أحدهما مشتقا منها دون الآخرة فترجيح من غير مرجح وقد أشكل هذا على كثير من الفضلاء حتى أطلعني الله على جوابه وهو أنّ أحدا الذي لا يستعمل إلا في النفي معناه إنسان بإجماع أهل اللغة واحدا الذي يستعمل في الإثبات معناه الفرد من العدد وإذا كان مسمى أحد اللفظين غير مسمى الآخر في اللغة وضابط الاشتقاق أن تجد بين اللفظين مناسبة في اللفظ والمعنى ولا يكفي أحدهما تغايراً في الاشتقاق وبهذا يعلم ما هو أحد الذي لا يستعمل إلا في النفي وما هو أحد الذي يصلح للنفي والثبوت بأن تنظر إن وجدت المقصود به إنسان فهو الذي لا يستعمل إلا في النفي وألفه ليست منقلبة عن واو وإن وجدت المقصود به نصف الاثنين من العدد فهو الصالح للإثبات والنفي وألفه منقلبة عن واو اص. إلا أنّ المصنف جعلهما واحداً وجعل التعدّد من عموم النكرة المنفية، وقول النحرير لا يستقيم لا نفرّق بين رسول بدون عطف غير مسلم عنده أيضا، قال قي الانتصاف النكرة الواقعة في سياق النفي تفيد العموم لفظاً عموما شمولياً حتى ينزل المفرد فيها منزلة الجمع في تناوله الآحاد مطابقة لا كما ظنه بعض الأصوليين من أنّ مدلولها بطريق المطابقة في النفي كمدلولها في الإثبات وذلك الدلالة على الماهية وإنما لزم فيها العموم من حيث إن سلب الماهية يستوجب سلب الإفراد لما بين الأعم والأخص من التلازم في جانب النفي إذ سلب الأعم أخص من سلب الأخص فيستلزمه فلو كان لفظها لا إشعار له بالتعدد والعموم وضعا(2/245)
لما جاز دخول بين عليها وقد ساق هذا على أنه معنى كلام الكشاف وتبعه العلامة في شرحه والمصنف وقد حققنا المقام، بما فيه شفاء الغليل فليكن في خزانة فكرك عدة تدفع بها الأوهام. قوله: (من باب التعجيز والتبكيت الخ) ظاهر الآية أنهم إن آمنوا بدين مثل دين آمنتم به فقد اهتدوا لكن الدين الذي آمنتم به وهو دين الإسلام والتوحيد ليس له مثل
فكيف يؤمنون بمثله، فأجاب بأنه من باب التبكيت أي إلزام الخصم فقد فرض أنهم إن حصلوا ديناً مثل دين الإسلام في الصحة فقد اهتدوا لكن من المحال تحصيل مثله فاستحال الاهتداء بغير دين الإسلام فبنى الكلام على الإضافة ليكون أبعث لهم على الاتباع حيث لم يطلب منهم الإيمان بما آمنوا به بل الإيمان بما هو حق وعلى ما ينبغي أيامّاً كان فاذا هجم بهم الفكر على أن ذلك الحق منحصر فيما آمنوا به لم يكن لهم محيص عن الإيمان وعلى هذا يكون آمنوا متعدياً بالباء أو يجري آمنوا مجرى اللازم والباء للاسنعانة والآلة أي إن دخلوا في الإيمان باستعانة شيء دخلتم في الإيمان باستعانته وهو كلمة الشهادة فقد اهتدوا أو مثل زائد كقوله تعالى: {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ} [سورة الأحقاف، الآية: 10] أي عليه، وقراءة ابن عباس وأبيّ رضي الله عنهم تدل عليه وقوله كقوله تعالى: {فَأْتُواْ بِسورة مِّن مِّثْلِهِ} [سورة البقرة، الآية: 23] إشارة إلى أنّ ذكر المثل فيها أيضاً للتعجيز وسلوك الطريق المنصف ومنه يعلم سقوط ما ذكر فيها سابقاً فتذكر. قوله: (وقيل الباء للالة الخ) أي ليست صلة بل هي للاستعانة وآمنوا بمعنى أوجدوا الإيمان الشرعي ودخلوا فيه من غير احتياج إلى تقدير صلة أي فإن دخلوا في الإيمان بواسطة شهادة مثل شهادتكم قولاً واعتقاداً وذلك طريق للإيمان ولا مانع من تعذده كما قيل: الطرق إلى الله تعالى بعدد أنفاس الخلائق وعلى الوجهين ما موصولة عبارة عن الدين أو الشهادة. قوله: (أو مزيدة الخ) أي الباء زائدة وما مصدرية وضمير به دلّه واليه أشار المصنف رحمه الله بقوله: إيمانكم وجوّز أن يكون لقوله آمنا بالله الخ بتأويل المذكور أو للقرآن أو لمحمد صلى الله عليه وسلم، أو مثل مقحمة كما في الآية المذكورة وقراءة بما آمنتم به بدون مثل قراءة ابن عباس رضي الله عنهما وقراءة بالذي آمنتم به قراءة أبيّ رضي الله عنه. قوله: (أي إن أعرضوا الإيمان الخ) فسر التولي بالإعراض! وقد مرّ الفرق بينهما لكن الفرق لا يحتاج إليه وكان بعض مشايخنا رحمه الله يقول الألفاظ المتقاربة المعاني إذا اجتمعت افترقت وإذا افترقت اجتمعت وهو منزع لطيف والشقاق والمناواة المخالفة والمعاداة، واختلف في اشتقاق الشقاق فقيل: من الشق بالكسر أي الجانب لأنّ كلاً منهما في جانب غير الذي فيه الآخر واليه أشار المصنف رحمه الله وقيل: إنه من المشقة وقيل: ماخوذ من قولهم شق العصا إذا أظهر العداوة. قوله: (تسلية الخ) وجه التسلية فيه ظاهر، وقوله: وتسكين أي تسكين لروعهم ومثبت لهم، وقوله:
إمّا من تمام الوعد الخ وإذا كان من تمامه يفيد أنّ ذلك كائن لا محالة لعلمه بما هم عليه وسماعه لما يقولون المقتض له وأخذ تحقق وقوعه من هذا التأكيد مخالفاً للزمخشريّ من أخذه من السين في {فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللهُ} حيث قال معنى السين إنّ ذلك كائن لا محالة ولو بعد حين لأنّ السين حرف تنفيس لا دلالة له على التأكيد وقول الشراح في توجيهه أنّ دلالتها على التأكيد من جهة كونها في مقابلة لن الدالة على تأكيد النفي قال سيبويه لن أفعل نفي سأفعل فيه تأمّل. والضميران مفعولان تقول كفاه مؤنته وأو في قوله أو وعيد للتنويع لا للترديد فلا يمتنع حمل الكلام على الوعيد والوعد معاً. قوله: (أي صبننا الله صبنتة الخ) الصبغة كالجلسة مصدر صبغ الثوب ونحوه وهو معروف ولما كان في الصبغ تزيين للمصبوغ ودخول فيه وظهور أثره عليه جاز أن يستعار للفطرة والطبيعة التي خلقهم الله عليها لأنهم يتزينون بها كما يتزين الثوب بصبغه أو للهداية التي هداهم الله بها لذلك أو للإيمان الذي أظهره الله عليهم كما يظهر أثر الصبغ على المصبوغ ويؤيده أنّ العرب سمت الديانات والاتصاف بها صبغة كما قال الشاعر:
وكل أناس لهم صبغة وصبغة همدان خيرالصبغ
قالوا: وعلى هذه الأقوال هو من الاستعارة التصريحية التحقيقية والقرينة الإضافة إلى الله والجامع(2/246)
التأثر والظهور والتزين قالوا وهذا أنسب من المشاكلة لأنّ الكلام عام في اليهود والنصارى وتخصيصه بالنصارى لا وجه له، وأجيب بأنّ اختصاص الغمس في المعمودية بالنصارى لا ينافي صحة اعتبار المشاكلة لأنّ ذلك الفعل كائن فيما بينهم في الجملة وهذا يصححه ولكنه لا يقتضي حسته ويدفع التكلف عنه وهو مراد المعترض. قوله: (أو للمشاكلة فإنّ النصارى الخ) هذا راجع إلى الوجه الأخير وهو معنى التطهير لا للوجوه كلها كما قيل فعبر عن التطهير عن درن الشرك بالصبغ مشاكلة فإنّ النصارى كانوا يصبغون أولادهم بماء أصفر يعتقدون أنه تطهير للمولود كالختان (11 لغيرهم فأطلق الصمبغ على التطهير بالإيمان للمشاكلة فإنّ المشاكلة كما تجري بين القولين تجري بين قول وفعل أيضا كما تقول إذا رأيت شخصاً يغرس
أشجاراً أغرس غرس فلان تعني كن كريماً تصطنع الناس تريد حثه على الكرم والخير وان لم يجر ذكر الغرس لأنه مشغول به وعليه اقتصر الزمخشريّ، وقال المعنى تطهيراً لله لأنّ الإيمان يطهر النفوس والأصل فيه أنّ النصارى كانوا يغمسون أولادهم في ماء أصفر يسمونه المعمودية ويقولون هو تطهير لهم وإذا فعل الواحد منهم بولده ذلك قال الآن صار نصرانياً حقا فأمر المسلمون بأن يقولوا لهم قولوا آمنا بالله وصبغنا الله بالإيمان صبغة لا مثل صبغتنا وطهرنا به تطهير الأمثل تطهيرنا أو يقول المسلمون صبغنا الله بالإيمان صبغته ولم نصبغ صبغتكم وإنما جيء بلفظ الصبغة على طريق المشاكلة الخ وقوله: فأمر المسلمون بناء على أن الخطاب للكافرين في قوله: قولوا آمنا، وقوله: أو يقول المسلمون بناء على الوجه الأوّل وهو أنّ الخطاب للمؤمنين والمصنف رحمه الله لم يذكر هذا الترديد لأنه لم يجوّز كونه للكافرين كما مرّ، والمعمودية بفتح الميم وسكون العين المهملة وضم الميم الثانية وكسر الدال المهملة وبالياء المثناة التحتية المخففة مر معناه وقال الصولي في شرح ديوان أبي نواس: أنه معرّب مغموذيا بالذال المعجمة ومعناه الطهارة ويراد بها ماء يقدس بما يتلى عليه من الإنجيل ثم تغسل بها الحاملات ا!. قوله: (ونصبها الخ) أي هو مصدر مؤكد لنفسه محذوف عامله وجوبا وليس ناصبه آمناً كما قيل، وقيل: إنه على الإغراء بتقدير الزموا أو عليكم وقيل: بدل من ملة إبراهيم على النصب وإليه ذهب الزجاج والكسائيّ وغيرهما وردّه الزمخشريّ وسيأتي جوابه، وقوله: لا صبغة أحسن من صبغته إشارة إلى أنّ الاستفهام إنكارقي في معنى النفي. قوله: (تعريض بهم الخ) التعريض مستفاد من تقديم نحن المفيد للحصر، وقوله: وهو عطف الخ يعني هذه الجملة معطوفة على جملة آمنا وهو بحسب الظاهر يقتضي كون صيغة الله داخلاً فيها أيضاً لا إغراء ولا بدلاً من ملة إبراهيم لما فيه من تفكيك النظم لتخلل الأجنبيّ على الإغراء بينهما وتوسط ما هو بدل مما قبلها بين أجزائهما، ولذا ردّه الزمخشريّ والمصنف رحمه الله أجاب عنه بقوله: ولمن قال الخ أي من قال به من أئمة العربية يحمل قولهم على أنهم قدّروا في هذه الجملة وقولوا نحن له عابدون بقرينة السياق فإنّ ما قبله مقول المؤمنين وتقدير القول سائغ شائع فلا يرد عليه أنه تكلف من غير دليل وهذه الجملة معطوفة على الزموا في صورة الإغراء والتقدير الزموا(2/247)
صبغة الله، وقولوا: نحن الخ أو على اتبعوا ملة إبراهيم وقولوا آمنا بدل من عامل ملة إبراهيم
المقدر أي الزموا أو اتبعوا وصبغة الله بدل من ملة والبدلى من الجملة ليس بأجنبيّ من بدل بعض أجزائها وقال الطيبي رحمه الله مراد القاضي أنّ العطف مانع من جعل صيغة الله نصبا على الإغراء فيقدر الزموا صبغة الله وقولوا نحن له عابدون، والحق أنّ كلا من قوله ونحن له مسلمون ونحن له عابدون ونحن له مخلصون اعتراض وتذييل للكلام الذي عقب به مقول على ألسنة العباد بتعليم الله تعالى لا عطف، وتحريره أن قوله: ونحن له مسلمون مناسب لآمنا أي نؤمن بالله وبما أنزل على الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم ونستسلم له وننقاد لأوامره ونواهيه، وقوله: ونحن له عابدون ملائم لقوله صبغة الله لأنها دين الله فالمصدر كالفذلكة لما سبق، وقوله: ونحن له مخلصون موافق لقوله: {لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ} [صورة القصص، الآية: 55] وهو ترتيب أنيق قال النحرير: فإن قيل نحن لا نجعله عطفا على آمنا بل على فعل الإغراء بتقدير القول أي الزموا صبغة الله وقولوا نحن له عابدون ولو سلم ففيما ذكرتم أيضاً فصل بين المعطوف والمعطوف عليه وكذا بين المؤكد والتأكيد بالأجنبيّ لأنّ قوله فإن آمنوا وقوله: فسيكفيكم الله لا يدخل شيء منهما في حيز قولوا: قلنا لا وجه لارتكاب الإضمار بلا دليل مع ظهور الوجه الصحيح وما ذكر من الفصل وان لم يتعلق بقولوا لفظاً فقد تعلق به معنى فلا فك للنظم وهو الحق الذي لا محيد عنه قيل: وفي عدم فك النظم بالفصل بين المفعول وبدله يبدل الفعل العامل تأمّل. قوله: (في شأنه واصطفائه نبياً من العرب الخ) قيده لدلالة قوله: ما أنزل إلينا سابقاً، وقوله: ومن أظلم ممن كتم الخ لاحقاً وقوله: على كل مذهب يعني من مذهب أهل الحق في أنّ النبوّة بفضل من الله يختص به من يشاء، ومذهب الحكماء من أنها تدرك بالمجاهدة وتصفية الباطن والقاهر من كدر العقائد والأخلاق والذي يشعر بالأوّل قوله ربنا وربكم والذي يشير إلى الثاني الأعمالى وينتحونه بالمهملة بمعنى يقصدونه، وقوله: روي الخ قال السيوطي لم أقف عليه في كتب الحديث. قوله: (أم منقطعة الخ) يعني إن قركأ أم يقولون بياء الغيبة لا تكون أم إلا منقطعة للإضراب عن الخطاب في أتحاجوننا أي بل أتقولون
الخ وهو للإنكار بمعنى ما؟ ط ن ينبغي ذلك وان قرئ بالخطاب فيجوز الإضراب والمعنى ما ذكر، ويجوز الاتصال والمراد أيهما يكون بمعنى أنه لا ينبغي ذلك وإلا فالعلم حاصل بثبوت الأمرين، وما ذكروه من الانقطاع على الغيبة ومنع الاتصال حكي عن بعض النحاة جوازه لأنك إذا قلت أتقوم يا زيد أم يقوم عمرو صح الاتصال وقال أبو البقاء: وهو جيد وقيل: إنه إذا لم تكن الغيبة من باب الالتفات كما يقتضيه التوفيق بين القراءتين فإن كان فالقراءتان سواء في الاتصال والانقطاع والحاجة إليه لما سمعته، وقوله: وقد نفى الخ يعني أنّ الله نفى عن إبراهيم عليه الصلاة والسلام ما ادعيتموه وما ذكر بعده من إسماعيل واسحق ويعقوب والأسباط أتباعه وعلى ديته فكيف يكونون هوداً أو نصارى. قوله: (يعني شهادة الله تعالى لإبراهيم عليه الصلاة والسلام الخ) يريد أنّ الظرفين كلاهما صفة شهادة أي كائنة من الله كائنة عند من كتم بمعنى متحققة له معلوه ت أنها شهادة الله والمعنى لا أظلم من أهل الكتاب لأنهم كتموا الشهادة على التحقيق أولاً أظلم من المسلمين لو كتموها على سبيل الفرض! فالفعل الماضي في الأوّل على أصله وفي الثاني للتعريض بمن تحقق منه الكتمان كما في قوله: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ} الأولى حمله على الأعم منهما لكن الأوّل قالوا إنه اتفق عليه أهل التفسير وهو المرويّ عن مجاهد وقتادة لكن اختلفوا في المكتوم وهل هو نبوّة محمد صلى الله عليه وسلم أو حنيفية إبراهيم عليه الصلاة والسلام وأمّا الثاني فلا يعرف، قال أبو حيان رحمه الله: ولا يناسب المقام وإنما حمله المصنف رحمه الله على التعريض لأنه ليس في الكلام تعرض له وقوله من للابتداء ظاهر وجوّز في من الله أن يتعلق بكتم أي كتمها من عباد الله وفيه نظر، وقوله: وقرئ بالياء قيل: إنه لم يوجد في شيء من كتب التفسير والقرا آت وليس كذلك فإنه قرأ بها السلمي وأبو رجاء وابن محيصن كما في اللوامح وهي شاذة خارجة عن الأربعة عشر. قوله: (تكرير الخ) قد مضى هذا النظم بعينه وبيان ما فيه لكنه أشار إلى حكمة تكريره أو أنّ شخص كل بمعنى ليكون تأسيساً والظاهر الأول ولذا قدمه إذ لا قرينة على الثاني. قوله: (الذي خفت أحلامهم الخ) السفه في الأصل مطلق
الخفة ويطلق على خفة العقل وهو المراد هنا والأحلام جمع حلم وهو العقل، واستمهنوها بمعنى استذلوها والمراد بهم المنكرون لتغيير القبلة عن بيت المقدس إلى الكعبة أمّا حرصاً على الطعن أو إنكاراً للنسخ، وخبره به قبل وقوعه كما يدل عليه قوله سيقول ليوطن نفسه ويعدّ الجواب له كما في المثل قبل الرمي يراس السهم ونحوه ولأنّ المكروه إذا وقع بعد العلم به لا يكون هائلا كما إذا وقع فجأة وبغتة فإنه أصعب وقيل إنها نزلت بعد تحويل القبلة وقوله: والقبلة الخ، قال الراغب: القبلة في الأصل اسم للحالة التي كان عليها المقابل نحو الجلسة والقعدة، وفي المتعارف اسم للمكان المقابل المتوجه إليه للصلاة والمراد بالمتعارف والعرف عرف اللغة لا عرف الناس حتى يتوهم أنه ليس بلغويّ مع وروده في كلام العرب كقوله:(2/248)
أليس أوّل من صلى لقبلتكم
كما مرّ والمتوجه بفتح الجيم قيل: وأطلق ذلك عليها إشارة إلى أنّ المكان ليس بمقصود بالذات بل الحالة الحاصلة من التوجه إليه وقوله: لا يختص! به مكان الخ إشارة إلى أنّ المشرق والمغرب عبارة عن جميع الأمكنة، والارتسام بمعنى الامتثال. قوله: (وهو ما ترتضيه الحكمة وتقتضيه المصلحة من التوجه الخ) عدل عن قول الكشاف توجيه لأنه مبنيّ على الاعتزال، وبدل قوله من التوجيه إلى التوجه لاحتياجه إلى التوجيه على ما بين في شروحه فالمراد بالصراط المستقيم ما أراده الله وهو التوجه إلى بيت المقدس ثم التوجه إلى الكعبة شرفها الله تعالى. قوله: (وكذلك إشارة إلى مفهوم الآية المتقدّمه الخ) فالمشبه به كونهم مهديين إلى الصراط المستقيم أو جعل قبلتهم أفضل القبل والمشبه جعلهم خيارا قيل: وفي فهم أفضلية قبلتنا من الآية المتقدمة تأمّل إذ مثلية الحكم الناسخ جائزة، ولا يخفى أنه مفهوم من التشبيه لأنّ معناه جعلناكم خياراً مفضلين كقبلتكم وهو يقتضي ذلك بالفحوى فتأمّل. ثم إنه خالف الزمخشريّ في قوله وكذلك ومثل ذلك الجعل العجيب {جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} قيل: لما فيه من
التكلف وارتكاب إقحام بلا فائدة وفوات الارتباط بما قبله بخلاف ما اختاره وهو من قلة التدبر كما سترى، قال النحرير: يرد أنّ ذلك إشارة إلى مصدر الفعل المذكور بعده لا إلى جعل آخر يقصد تشبيه هذا الجعل به كما يتوهم من أنّ المعنى ومثل جعل الكعبة قبلة {جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} وإذا تحققته فالكاف مفحم إقحاما كاللازم لا يكادون يتركونه في لغة العرب وغيرهم هكذا ينبغي أن يفهم هذا المقام وتبع فيه العلامة حيث قال: يريد أنّ الكاف منصوب المحل على المصدر وهو إشارة إلى جعل القبلة أي كما جعلنا قبلتكم أفضل قبلة جعلناكم أمّة وسطا، وكنا نقول وقت سماع هذا الكتاب ذلك إشارة إلى التحويل، فقال الأستاذ رحمه الله: لا بل هو إشارة إلى الجعل الذي اشتمل عليه قوله: جعلناكم أمّة أي جعلناكم أمّة وسطا مثل هذا الجعل العجيب ويرد عليه أنه تشبيه الشيء بنفسه لكنا نقول بالفاوسية همجنين كرديم وهمجنين ميكنيم واين اشارتست باين فعل وكأنه لا يتسنه وسيرد عليك أمثال هذا وفي الكشف يريد أنه لم يشر به إلى سابق بل إلى الجعل المدلول عليه بجعلناكم وجيء بما يدل على البعد تفخيما وأصله جعلناكم أمّة وسطا مثل هذا الجعل أي جعلاَ عجيباً كما تشاهدونه والكاف مقحم للمبالغة وهذا إقحام مطرد في كلام العرب والعجم لا تكاد تسمع غيره وهو في القرآن كثير وهذا هو الوجه، وقال الطيبي في قوله: كذلك قال الذين من قبلهم أي جرت عادة الناس على ما شوهد من هؤلاء وقد كنت مع تحقق أنّ هذا هو الحق ومقتضى البلاغة برهة ألتمس ما يميط عنه لثام الشبهة إلا أني مع كثرة ما أرفرف عليه لم أجد ما يفصح عنه ويبرد غلة الصدر فيه حتى انكشف لي الغطاء عقلا ونقلا وتقريره أنّ الشريف قدس سرّه، قال في شرح المفتاح: ليس المقصود من التشبيهات هي المعاني الوضعية فقط إذ تشبيهات البلغاء قلما تخلو من مجازات وكنايات فنقول: إنا رأيناهم يستعملون كذا وكذا للاستمرار تارة نحو عدل عمر في قضية فلان كذا وهكذا أي عدل مستمرّ قال الحماسيّ:
هكذايذهب الزمان ويفنى الى صلم فيه ويدرس الأثر
ونص عليه التبريزي في شرح الحماسة وله شواهد كثيرة وقال في شرح قول أبي تمام:
كذا فليجل الخطب وليفدح الأمر
إنه للتهويل والتعظيم وهو في صدر القصيدة لم يسبق له ما يشبه به والإشارة كالضمير ترجع إلى المتأخر فتفيد التعظيم للتفسير بعد الإبهام فتجعل كناية عن ذلك وأن أمر عظيم مقرّر فالمراد في هذا ونحوه إنا جعلناكم جعلاً عجيباً بديعا هكذا وليست الكاف فيه زائدة كما يوهمه كلامهم لكنه قطع النظر فيه عن التشبيه واستعمل في لازم معناه فإن أريد بالإقحام هذا فمسلم ثم رأيت الوفلر عاصم بن أيوب قال في شرح قول زهير:
كذلك خيمهم ولكل قوم إذا مستهم الضراء خيم
قال: قال الجرجاني: تفسير لفظة كذلك أنها تشبيه إمّا لخبر مقدّم وامّا لخبر متأخر وهي نقيض كلا لأنّ كلا(2/249)
تنفي وكذلك تثبت ومثله قوله تعالى: {كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ} [سورة الحجر، الآية: 2 ا] فمعنى البيت أنّ هرماً وآباءه ثبت لهم حسن الخلق في دفع الملمات إذا نزلت بقومهم وإن كانت الأخلاق تتغير عند نزول الشدائد وحلول العظائم اهـ. فعليك بالعض على هذا بالنواجذ فإنه من بدائع هذا الكتاب وروائعه، والحمد لله الموفق للصواب، وقد ذكر مثله عن ابن الأنباري رحمه الله ومما يدل عليه دلالة ظاهرة قوله تعالى: {كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّثْلَ قَوْلِهِمْ} [سورة البقرة، الآية: 18 ا] فلو كان كذلك للتشبيه لم يصرّح بعده بمثل، ولا حاجة لما ذكر في توجيهه.
قوله: (أي خبارا الخ) الخيار جمع خير وهم خلاف الأشرار وقد يكون الخيار اسما من الاختي ار وأمّا الخيار لنوع من القثاء فمولد وظاهره كالكشاف أنّ الوسط يكون بمعنى الخير مطلقاً كما قالوا خير الأمور الوسط والتحقيق ما قاله السهيليّ في الروض أنّ الوسط وصف مدح في مقامين في النسب لأنّ أوسط القبيلة أعرقها وصميمها فهو أجدر أن لا تضاف إليه الدعوة وفي الشهادة كما هنا وهو غاية العدالة كأنه ميزان لا يميل مع أحد وظن قوم أنّ الأوسط الأفضل على الإطلاق، وفسروا الصلاة الوسطى بالفضلى وليس كذلك بل هو لا مدح ولا ذمّ كما يقتضيه لفظ التوسط غير أنهم قالوا أثقل من مغن وسط على الذمّ لأنه كما قال الجاحظ يختم على القلب ويأخذ بالأنفاس لأنه ليس بجيد فيطرب ولا برديء فيضحك وقالوا أخو الدون الوسط وقوله أوعد ولا قد عرفت وجه إطلاقه عليه أنه لا يميل إلى طرف، ومزكين بفتح الكاف المشذدة جمع مزكى كمصطفين، وقوله: بالعلم لأنه الخصال المحمودة وهما أساسها وهو في الأصل المكان الذي تستوي المساحة من جوانبه وهي قياس الأرض، ثم استعير للخصال المحمودة لأنها على ما ذكر في الأخلاق لكل مضها طرفان مذمومان بالإفراط والتفريط وما بينهما هو المحمود كما ذكره ثم أطلق الحال على المحل واستوى فيه الواحد وغيره لأنه بحسب الأصل جامد لا تعتبر مطابقته، وقد يراعي فيه ذلك والتهوّر الوقوع في الشيء بقلة مبالاة من إنها بمعنى وقع. قوله: (واستدلّ به على أنّ الإجماع الخ (لأنّ الله تعالى شهد بعدالتهم وقبول شهادتهم ولا يمكن أن يكون ذلك بالنسبة إلى كل فرد فبقي ذلك في اجتماعهم لقوله ع! يرو: " لا تجتمع أقتي على الضلالة " والكلام عليه في الأصول، وانثلصت بمعنى اختلت من الثلم. قوله: (علة للجعل (أدرج فيه العلم لأنّ الشهادة لا تكون إلا عن علم إمّا بالمشاهدة أو بالسماع والاستفاضة وعمومها للمعاصرين وغيرهم
لعموم الناس. قوله: (روي الخ) هذا الحديث رواه البخاريّ والترمذيّ، وقوله وهذه الشهادة الخ جواب عما يقال إنّ التعدّي بعلى للمضرّة وشهادتهم على الناس ظاهرة وأمّا شهادة الرسول يكتون فهي لهم لأنها تزكية نافعة فأجاب بأنه ضمن معنى الرقيب المهيمن لأنّ المزكي مراقب لأحوالهم مقيد بمعرفتها، ويصح أن يكون لمشاكلة ما قبله. قوله: (وقدّمت الصلة الخ) يعني عليكم لأنّ المراد بالشهادة الثانية التزكية وهو صلى الله عليه وسلم إنما يزكي أمّته فقدم ليفيد الحصر وهو من قصر الفاعل على المفعول. قوله: (أي الجهة التي الخ) اختلفوا في الجهة التي كان صلى الله عليه وسلم يتوجه إليها بمكة فقال ابن عباس وضي الله عنهما وجماعة كان يصلي إلى بيت المقدس لكنه لا يستدبر الكعبة بل يجعلها بينه وبين بيت المقدس وأطلق آخرون اً نه صلى الله عليه وسلم: كان يصلي إلى بيت المقدس وقال آخرون كان يصلي إلى الكعبة فلما تحوّل إلى المدينة استقبل بيت المقدس وضعف هذا لما
فيه من النسخ مرّتين والأصح الأول وقوله: أي الجهة التي كنت عليها ليس تفسيراً للقبلة بل للإشارة إلى أنّ جعل متعدّ لمفعولين الأوّل القبلة والثاني التي الخ بمعنى الجهة التي وليس الموصول صفة القبلة وهذا مختار الزمخشريّ، وعكس أبو حيان رحمه الله فقال التي مفعول أوّل والقبلة مفعول ثان وقال إنّ المعنى عليه، وقيل: التي صفة القبلة والمفعول الثاني محذوف أي ما جعلنا القبلة التي كنت عليها قبلة، وقيل: لنعلم هو الثاني بتقدير مضاف أي ما جعلنا صرف القبلة إلا للعلم المذكور وعلى التفسير الأوّل التي عبارة عن جهة الكعبة وعليه النسخ وقع مرّتين وعلى الثاني الصخرة، وضمير بينه الأوّل للنبيّ(2/250)
صلى الله عليه وسلم والثاني لبيت المقدس، وقوله والمعنى الخ بيان للثاني ويقابله قوله الآتي وعلى الأوّل معناه. قوله: (1 لا لنمتحن به الناس الخ) أي لنعاملهم معاملة الممتحن المختبر لتظهر حقيقة الحال ونعلم وتعلم يصح فيه النون والتاء وهو على التمثيل أي فعلنا ذلك فعل من يختبر ومنه يؤخذ جواب آخر عن السؤأل الآتي وعلى هذا اقتصر الزمخشريّ في قوله تعالى: {وَلِيَعْلَمَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُواْ} [سورة آل عمران، الآية: 1140 في سورة آل عمران فتصير الأجوبة عن مثل هذا التركيب أربعة وهذا مبنيّ على الثاني أيضاً، والمراد بمن يرتد أهل مكة وقبلة آبائه إبراهيم واسمعيل عليهما الصلاة والسلام وهي الكعبة، وقوله أو لنعلم الآن أي حين حوّلت القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة والمراد بمن لا يتبعه أهل المدينة ومن يحذو حذوهم والمراد بالعارضى موأفقة قبلتهم والنكوص الإحجام عن الشيء. قوله:) فإن قيل الخ) يعني أنّ قوله لنعلم يشعر بحدوث العلم في المستقبل وعلمه تعالى أزليئ أجاب بوجوه ثلاثة تقدم رابعها أنه على التجوّز في الإسناد بأن أسند إليه تعالى ما هو مسند إلى خواصه المقزبين وليس على حذف مضاف، أو العلم قديم ومتعلقه حادث في الحال فعبر عنه بذلك باعتبار المتعلق لأنه الذي يتعلق به الجزاء إذ العلم قبله لا يتعلق به جزاء وإنما يكون بعد وجوده وطاعته أو عصيانه فالله تعالى وان كان عالماً به دائماً إلا أن العلم الذي يتعلق به مجازاته إنما يحصل بعد وجوده، وحاصله تخصيص العلم أو هو من إطلاق السبب وهو العلم على المسبب وهو التميز في الوجود
الخاوجي عند المخلوقين ويؤيده تعديه بمن كالتمييز، وبه فسره ابن عباس رضي الله عنهما وقوله: ويشهد الخ لأن معناها ليعلم الناس ذلك ويتميز عندهم، وقيل: إنما يصلح شاهداً لما قبله وفيه نظر لأنه لم يعين فيها العالم إذ ظاهره العموم، وأفا ما قيل: إن نعلم للمتكلم مع الغير فالمراد ليشترك العلم بيني وبين الرسول فغير مناسب لتشريك الله مع غنره في ضمير واحد كما سيأتي. ووجه خامس أنه أريد بالعلم الجزاء أي لنجازي الطائع والعاصي وكثيراً ما يقع التهديد في القرآن بالعلم. قوله:) والعلم إما بمعنى المعرفة الخ) فيتعدّى لمفعول واحد وهو من الموصولة وممن متعلق به كما مز أو بمقدر أو بيان لمن، ويجوز أن يكون على أصله متعديا لاثنين قامت الجملة المعلق عنها مقامهما، وممن ينقلب حال من فاعل يتبع أي متميزاً عنه وبهذا اندفع قول أبي البقاء رحمه الله أنه لا يجوز أن تكون من استفهامية لأنه لا يبقى لقوله ممن ينقلب متعلقاً لأنّ ما قبل الاستفهام لا يعمل فيما بعده ولا معنى لتعلقه بيتبع، والكلام دال على هذا التقدير فلا يرد أنه لا قرينة عليه فإن قيل كيف يكون بمعنى المعرفة كذلك إذ المراد به الإدراك الذي لا يتعذى إلى مفعولين، وفيه نظر لأنه وقع في نهج البلاغة إطلاق العارف على الله تعالى وذكره ابن أبي الحديد في شرعته وأما السبق بالعدم فلا نسلم أنه من لفظ المعرفة بل ناشئ من معناها لأنها كذلك في اللغة وهو لا يضرّ لأنّ العلم أريد به هنا تعلقه ولذا عبر عنه بالمضارع وتعلقه مسبوق بالعدم فتأقل. وقوله: متميزاً يصح دعوه إلى الوجهين كما مرّ. قوله: (إن هي المخففة الخ) الخلاف في مثله معروف وهذه اللام تسمى الفارتة أو الفاصلة لفصلها بين النافية والمخففة وعلى قراءة الرفع كان زائدة، وقيل: إنها خبر مبتدأ محذوف أي فهي كبيرة والجملة خبر كان، وقوله: الثابتين الثبوت مأخوذ من مقابلة قوله ممن ينقلب على عقبيه والا فهي فعلية لا تفيد الثبوت. قوله: (أي ثباثكم على الإيمان) هذا أيضا مأخوذ من مقابلته لمن ينقلب وإلا فإضاعة أصل الإيمان وعدمها لا مانع من اعتبارها هنا. أو المراد به تصديق مخصوص بقرينة المقام. قوله:) أو صلاتكم (يعني الإيمان بمعنى الصلاة بقرينة المقام وهو مجاز من إطلاق اللازم على ملزومه وتد وقع تفسيره به في البخاري، وقوله:! كيف بمن ماتأ أي كيف يصنع به وهذا
حديث صحيح أخرجه الشيخان والترمذفي والحاكم وأحمد عن البراء بن عازب رضي الله عنه. قوله: (فلا يضيع الخ) يعني إن المراد بالرحمة رحمة يترتب عليها ما ذكر ليتم الارتباط، وقوله: وهو أبلغ هو بناء على تفسير الرأفة بأشد الرحمة وحينئذ المناسب رحيم رؤوف وفيه نظر من وجهين الأوّل أنّ فواصل القرآن لا يلاحظ فيها الحرف(2/251)
الأخير كالسجع كما هنا في رحيم وتعملون فذلك حال على كل حاصل. الثاني أنّ الرأفة حيث وردت في القرآن قذمت ولو في غير الفواصل كما في قوله تعالى: {رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا} [سررة الحديد، الآية: 27] في وسط الآية والذي غزه كلام الجوهريّ، وهو عندي لن! بصواب ف! ق الرأفة معناها الشفقة واللطف والرحمة الإنعام ورتبتها التقديم كما قيل: الإيناس قبل الإبساس، وعليه استعمال العرب قال قيس الرقيات:
ملكه ملك رأفة ليس فيه جبروت منه ولا كبرياء
فانظره كيف أوضح معناها بالتقابل ومثله كثير في كلام العرب وقد فصلناه في سورة النور وقوله: ربما إشارة إلى أن قد هنا للتقليل وتحتمل التكثير كما في ربما وهما منصرفان إلى التقلب، والروع بالضم القلب، والتولي إما من الولاية أو من ولي جهته. قوله: (تحبها وتتشوّق إليها) جعل الرضا بمعنى المحبة والتشوّق لأنه لم يكن ساخطاً لتلك وإنما كان ألهم تغييرها فكان يتشوّق إلى مراد الله ويؤثره على مراده، وهذه مرتبة فوق التوكل وقوله: لمقاصد دينية إشارة إلى أنّ ميله لم يكن لهوى نفسه وإجابته لم تكن إلا لموافقة حكمة. قوله: (اصرف وجهك الخ) أي اصرفه عن غيره وأقبل به عليه لأن الإقبال بالوجه على شيء يقتضي صرفه عن غيره وإنما ذكره لاً نه تحوّل عن الجهة الأولى قال الراغب ولي إذا عدى بنفسه اقتضى معنى الولاية وحصوله في أقرب المواضع يقال: وليت سمعي كذا أقبلت به عليه قال تعالى: {فَوَلِّ وَجْهَكَ} الخ وإذا عدى بعن لفظاً أو تقديراً اقتضى معنى الإعراض اهـ. فهو هنا متعدّ إلى مفعولين كما سمعت وعرفت معناه، فمن قال لا يخفى أنه ليس من التولية بشيء من المعنيين بل هو من قبيل ما ولاهم لم يصب، والزمخشريّ قال شطر المسجد نصب على الظرف أي
اجعل تولية الوجه تلقاء المسجد أي في جهته وسمته، وقيل: إنه يشير إلى أنه قد ترك أحد مفعولي ولي وشطر ظرف بمعنى اجعل وجهك في جهة المسجد ولو كان مفعولاً به كما في لنولينك قبلة لما ذكر شطر بل اقتصر على المسجد وفيه نظر لأنّ وجه ذكر. أنه هو المتيقن كما صيأتي. والقطر بضم فسكون بمعنى الجانب وقوله: أن يتعرضوه أصله يتعرضوا له على الحذف والإيصال أو منع أن تدخله الكفرة. قوله: (نحوه الخ) هذا هو الصحيح في معنى الشطر، قال المبرد في الكامل: للشطر وجهان في كلام العرب أحدهما النصف والآخر القصد يقال: خذ شطر زيد أي قصده ونحوه وذكر الآية. قوله: (والبعيد يكفيه مراعاة الخ الا خلاف في أن حاضر الكعبة إنما يتوجه إلى عينها وإنما الخلاف في البعيد هل يلزمه التوجه إلى عينها أو يكفي التوجه إلى جهتها وهو المختار للفتوى وأدلة كلى من الفريقين مبسوطة في الفروع، والمصنف ر حمه الله اختار الثاني واستدل عليه بذكر المسجد دون الكعبة وكذا الشطر، وقوله: " روي الخ " اخرجه الشيخان، وقوله: ثم وجه الخ أخرجه أبو داود في الناسخ والمنسوخ عن سعيد بن المسيب مرسلاً وليس فيه قبل الزوال لكن يؤخذ من الحديث الآتي وسلمة بكسر اللام قال الجوهريّ: وليس في العرب سلمة بالكسر غيره. قوله: (وقد صلى عليه الصلاة والسلام بأصحابه في مسجد بني سلمة الخ) قال السيوطي: هذا تحريف للحديث فإنّ قصة بني سلمة لم لكن فيها النبيّ صلى الله عليه وسلم إماماً ولا هو الذي تحوّل في الصلاة أخرج النسائي عن أبي سعيد بن المعلى فال: كنا نعدو إلى المسجد فمررنا يوما ورسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد على المنبر فقلت: لقد حدث أمر لجلست فقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء} الآية فقلت لصاحبي تعال نركع ركعتين قبل أن ينزل رسول الله ىلجح! ر فنكون أوّل من صلى فتوارينا فصليناهما ثم نزل رسولط الله صلى الله عليه وسلم فصلى الناس الظهر يومئذ، وأخرج أبو داود في الناسخ عن أنس رضي الله عنه: " أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا يصلون نحو بيت المقدس، فلما نزلت هذه الآية مرّ رجل ببني سلمة فناداهم وهم ركوع في صلاة الفجر نحو بيت المقدس، إلا أنّ القبلة قد
حولت إلى الكعبة فمالوا كما هم ركوعا إلى الكعبة " وأخرج الشيخان عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: بينما الناس بقباء في صلاة الصبح إذ جاءهم آت فقال: " إن النبي(2/252)
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد أنزل عليه الليلة قرآن وقد أمر أن يستقبل الكعبة فاستقبلوها وكانت وجوههم إلى الثأم فاستداروا إلى الكعبة " اهـ فقد علمت أن ما ذكره المصنف رحمه الله ليس موافقا للروايات الصحيحة فإنّ النبيّ ع! ي! لم يتحوّل في صلاته وأنّ التحوّل كان في صلاة الفجر. قوله:) وتبادل الرجال والنساء صفوفهم الخ) قيل: أراد أن الرجال تاموا في مكان النساء والنساء في مكان الرجال قيل: والطاهر أن مراده أنّ بعض الرجال قاموا مكان بعض النساء وبعض النساء قاموا مكان بعض الرجال مثلا إذا قام الإمام وصف خلفه صفين صفاً رجالاً وصفا نساء فإذا دار إلى جانب اليمين تحوّل ما في يمين الإمام من الرجال إلى خلف لاتباع الإمام وتسوية الصفوف فإذا كانوا قريبين من النساء يبعدوهن من أمكنتهن حتى يقوموا مكانهن، وكذا تحرّك من في يسار الإمام إلى قدام والنساء اللاتي خلف هؤلاء الرجال ليقف من وقفن مكان الرجال حتى تستوين مع النساء اللاني في جانب يمين الإمام كما يشهد به التخيل الصحيح، وقوله: واستقبل الميزاب أي كانت جهتهم مقابلة لميزاب الكعبة وهو معروف وقوله: خص الرسول ع! ت يعني في توله فولّ وجهك ثم عئم في هذه الآية لما ذكر. قوله: (جملة الخ (أي إجمالاً لمقابلته بقوله تفصيلاً، وقوله: لعلمهم الخ قيل: عليه هذه القبلة كانت لإبراهيم عليه الصلاة والسلام كما مرّ فلا تخص شريعتنا فالأولى لعلمهم بأن محمداً عش! لا يأمر بباطل إذ هو النبيّ المبشر به في كتبهم، ولك أن تقول إنها نسخت فلم تكن قبلة فحين عاد التوجه إليها عن بيت المقدس صارت كأنها قبلة أخرى ولا يخفى ما فيه من التكلف، فالأحسن أن المراد أنه يغير قبلة من كان قبله إلى أخرى فلا يضره ما ذكر وقوله: للفريقين أي أهل الكتاب والمسلمين، وقوله: والمعنى ما تركوا الخ
لأنّ عدم الاتباع بمعنى الترك وما قبله يدلّ على أنه كان عناداً، وقوله: وقبلتهم وان تعدّدت أي قبلة أهل الكتاب اليهود والنصارى لكنها لجمع البطلان لها كالشيء الواحد كما مرّ في قوله لن تصبر على طعام واحد، وقوله: لتصلب الخ في الأساس تصلب فلأن في الأمر إذا اشتد فيه، ثم إنّ كون قبلة النصارى مطلع الشمس صرحوا به لكن وقع في بعض كتب القصص أنّ قبلة عيسى عليه الصلاة والسلام كانت بيت المقدس وبعد رفعه ظهر بولس ودسق في دينهم دسائس منها أنه قال: إني لقيت عيسى عليه الصلاة والسلام فقال لي: إن الشمس كوكب أحبه يبلغ سلامي في كل يوم فمر قومي ليتوجهوا إليها في صلاتهم ففعلوا ذلك) بقي (الكلام في أن المطالع مختلفة فأيّ مطلع يعتبر عندهم لم أر من صرح به، وفي بدائع الفوائد لابن القيم قبلة أهل الكتاب ليست بوحي وتوقيف من الله بل بمشورة واجتهاد منهم أمّا النصارى فلا ريب أن الله تعالى لم يأمرهم في الإنجيل ولا في غيره باستقبال الشرق وهم مقرون بأن قبلة المسيح عليه الصلاة والسلام قبلة بني إسرائيل وهي الصخرة وإنما وضع لهم أشياخهم هذه القبلة وهم يتعذرون عنهم بأن المسيح عليه الصلاة والسلام فوّض إليهم التحليل والتحريم وشرع الأحكام وأن ما حللوه وحرّموه فقد حلله هو وحرّمه في السماء فهم مع اليهود متفقون على أنّ الله لم يشرع استقبال بيت المقدس على رسوله أبدأ والمسلمون شاهدون عليهم بذلك، وأما تبلة اليهود فليس في التوراة الأمر باستقبال الصخرة البتة وإنما كانوا ينصبون التابوت ويصلون إليه من حيث خرجوا فإذا قدموا نصبوه على الصخرة وصلوا إليه فلما رفع صلوا إلى موضعه وهو الصخرة، وأما السامرة فإنهم يصلون إلى طورهم بالثأم يعظمونه ويحجون إليه وهو في بلدة نابلس وهي قبيلة باطلة مبتدعة اهـ. قوله:) أي ولئن اتبعتهم مثلا (قال النحرير: معنى قوله مثلاً أنّ هذه الشرطية مبنية على الفرض! والتقدير وإلا فلا معنى لاستعمال أن الموضوعة للمعاني المحتملة بعد تحقيق الانتفاء بقوله: وما أنت بتابع قبلتهم يعني أن كونه من الظالمين لا يخص متابعته بل كل من يتبع كذلك وإنما أسند إليه ليعلم غيره بالطريق الأولى أو أنه ليس المقصود التخصيص بل متابعة الهوى مطلقآ كذلك. قوله:) وكد تهديده وبالغ فيه من سبعة أوجه الخ (وفي نسخة عشرة أوجه وكذا ذكرها الشارح النحرير وهي القسم واللام الموطئة له وان الفرضية
وان(2/253)
التحقيقية واللام في حيزها وتعريف الظالمين والجملة الاسمية وإذا الجزائية وإيثار من الظالمين على ظالم أو الظالم لإفادته أنه مقرر محقق وأنه معدود في زمرتهم عريق فيه وايقاع الاتباع على ما سماه هواء أي لا يعضده برهان، ولا نزل في شأنه بيان، وقيل: وعده واحداً منهم مجهولاً بعد تعينه بالحق وفيه نظر لا! هذا التركيب يقتضي المبالغة لا المجهولية ولولا مخالفته الاستعمال لكان حسنا وعلى هذه النسخة كأنه أسقط منها مبالغة إن والتعريف والأهواء وهو ظاهر ونقل في الكشف عبارة المصنف من عشرة أوجه، وقال: هي القسم واللام الموطئة والتعليق بأن لدلالته على أن أي شيء مفروض من الاتباع وقع كفي في كونه من الظلم والإجمال والتفصيل في قوله ما جاءك من العلم وجعل الجائي نفس العلم وحرف التحقيق واللام في حيزها وتعريف الظالمين الداذ على المعرقين فيه، وكون الجملة اسمية بخبريتها الدالّ على الاستمرار التام والثبات وما في إذا من المبالغة لكونها للجواب والجزاء ودلالتها على زيادة الربط ونيف على العشرة ما في قوله من الظالمين للدلالة على أنه إذ ذاك من الموسومين منهم وتسمية ما ذهبوا إليه أهواء لما فيه من المنع عن الاتباع المؤكد للوعيد. قوله: (الضمير لرسول الله ع! ير الخ (، كذا في الكشاف واعترض عليه أبو حيان رحمه الله بأن الخطاب في الآيات السابقة إلى هنا للرسول كحت فكيف يقال إنه لم يجر له ذكر، وقال النحرير: إنه ليس بشيء ولم يذكر وجهه وفي الكشف فإن قيل: هو التفات لإضمار دون سبق الذكر تفخيما أجيب بأن الأمرين جائزان ولكن المقام لما ذكره ادعى إذ لا يحسن الالتفات إلا إذا كان مقصودأ لذاته مبنياً ما سيق له الكلام عليه ومع ذلك يكون له حسن موقع خصوصا اهـ. وهو معنى بديع يقيد به إطلاقهم تعريف الالتفات بأن يكون التعبير الأؤل مقصوداً فيه مسوقا له الكلام، وهذا نظير قولهم شرط الاستعارة أن يذكر المشبه بطريق القصد ليدخل فيه:
قد زز أزراره على القمر
فاحفظه فإنه من خصاثص هذا المقام والمراد بالعلم ما سبق في قوله: {مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ} [سورة الرعد، الآية: 37، وهو الوحي وهذه كلها مذكورة قبله وقوله: يشهد للأول أي لرجوع الضمير للنبيّ ع! ي! لأنه يتحد جنس المعروف فيهما ويؤيده ما رواه أيضا والمراد أنهم
يعرفون نبوّته لا شخصه صلى الله عليه وسلم كما في الكشاف! ان كان مراده هذا، فإن قلت: ما ذكره " عن ابن سلام رضي الله عنه يقتضي أنّ معرفة الابن دون " (11 لما فيها من الاحتمال والمشبه به أقوى في وجه الشبه، قلت: هذا ليس بشرط بل يكفي كونه أشهر كما هنا فإن معرفة الأبناء أشهر من غيرها أو أنّ معرفة ذات الابن وشخصه أقوى في نفسها والاحتمال في كونه حاصلا منه في الواقع لا ينافي ذلك واليه أشار المصنف رحمه الله بقوله: لا يلتبسون الخ وهو الداعي لذكر التشخيص في الكشاف. قوله: (تخصيص لمن عاند الخ) في الكشاف أنه استثناء لمن آمن منهم أو لجهالهم وليس المراد بالاستثناء المصطلح بل الإخراج مطلقاً قال النحرير: أي إخراح عن حكم الكتمان لمن أظهر ما علم من الحق وآمن به أو لمن لم يعلمه فلا يتصوّر منه الكتمان لاقتضائه سابقة العلم فاختص الكتمان بفريق منهم دون الفريقين الآخرين وأوفى قوله أو لجهالهم لمنع الخلو والاعتراض بأنّ الجهال لا يدخلون في الذين يعرفونه فكيف يصح إخراجهم مدفوع با! اختصاص حكم المعرفة بالبعض لا ينافي عموم {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ} وتناوله بحسب اللفظ للعارفين منهم والجاهلين، وقريب منه ما قيل: إنّ معنى يعرفونه يوجد فيهم العرفان إسناداً لفعل المحعض إلى الكل لاختلاطهم وارتباطهم وكأن المصنف رحمه الله لم يرتض هذا فلذا تركه إلى ما هو الظاهر المتبادر من النظم. قوله:) كلام مستأنف الخ) على قراءة الرفع هو مبتدأ خبره الجار والمجرور بعده واللام إما للعهد إشارة إلى الحق الذي جاء به النبيئ لمجييه أو الحق الذي كتمه هؤلاء أو للجنس وهو يفيد الحصر حينئذ كما أشار إليه بقوله: لا ما لم يثبت كما في قوله الحمد دته والكرم في العرب والنسب إلى الآباء لوقوع المحكوم عليه لفس الجنس من غير قرينة البعضية أو هو خبر مبتدأ محذوف أي هو الحق والجار والمجرور خبر بعد خبر أوّل وسكت عن بيان التعريف فيه فكأنه محتمل للوجهين(2/254)
السابقين لكن قيل: إنه على هذا التقدير اللام للجنس، كما في ذلك الكتاب ومعناه إنّ ما جاءك من العلم أو ما لكتمونه هو الحق لا ما يدعون ويزعمون وجعل جنسأ على الاذعاء ولا معنى حينئذ للعهد لأن المبتدأ متحد منطوقه ومفهومه فيحتاج إلى تكلف وقراءة النصب منسوبة إلى يمليئ كزم الله وجهه ل! ن كان مفعول يعلمون فهو من إقامة الظاهر مقام المضمر للتعظيم دمان كان بدلاً فوجهه أن " وله من ربك حال منه جصل بهما مغايرته للأوّل، وان اتحد لفظهما وجوّز فيه النصب بفعل
مقدر كالزم. قوله: (الثاكين في أنه من ربك الخ) فسر المرية بالشك، وقال الراغب: إنها أخص وفسرها بالتردّد في أمر وبين متعلقه بقرينة المقام، وقوله: وليس المراد الخع لأن النهي عن شيء يقتضي وقوعه أو ترقبه من المنهيّ عنه وهو لا يتصوّر هنا لأن الكون والوجود ليس مقدورا له حتى ينهي عنه حقيقة كما سيأتي تحقيقه في قوله: {فَلاَ يَكُن فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ} [سورة الأعراف، الآية: 2] وهو معنى قوله لأنه ليس بقصد واختيار فإذا جعل كناية وعبر به عما يصح النهي عنه فالنبيّ صلى الله عليه وسلم لا يصدر منه ذلك فإمّا أن يكون الخطاب لغير معين كما في قوله صلى الله عليه وسلم: " بشر المشائين " الخ. وفيه من المبالغة أن المعنى لا ينبغي لكل من عرفه أن يشك فيه كائنآ من كان أو الأمر له والمقصود أمته كما في قوله: {إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء} [سورة الطلاق، الآية: ا] والمقصود النهي عما يوقع في الريب والأمر باكتساب المعارف المزيحة للشك وهو راجع إلى الوجهين لما عرفت وهذا معنى ما نقل عن الزمخشرقي أنه نهى عن الأشياء المثيرة للشك لأنه ليس بالاختيار، وقال في الكشف: الأشبه أنه إظهار لكونه ليس مظنة للشك حتى كان الشك لا يعتري في مثله إلا لمن أغمض عيناً عن الحق وقوله على الوجه الأبلغ لأنّ النهي عن الكون على صفة أبلغ من النهي عن نفس الصفة فلذلك جاء التنزيل عليه إذ النهي عن الكون على صفة يدلّ على عموم الأكوان المستقبلة، والمعنى لا تمتر في كل فرد فرد من أكوانك فلا تمتر في وقت يوجد فيه الامتراء بخلاف قولك لا تمتر فإنه لا يفيد ذلك. قوله: (ولكل أمة قبلة الخ) أي المراد بكل إمّا كل أمة إذ لكل منها قبلة تخصها أو المراد لكل قوم من المسلمين كأهل المشرق والمغرب جهة وجانب يتوجهون إليه. قوله:) أحد المفعولين محذوف الخ (تقدم أن ولي بمعنى جعله مستقبلا يتعدى لمفعولين فضمير هو إما أن يرجع للرب أو لكل وضميرها مفعوله الأوّل وهو عائد إلى الجهة وعلى الأوّل تقديره وجهه لأنه يقال وليته الجهة ولا يقال وليت الجهة إياه، وعلى الثاني إياه. قوله:) وقرئ ولكل وجهة الخ (وضمير هو على هذه القراءة لله قطعا كما أنه على قراءة مولاها لكل من غير احتمال آخر وهذه قراءة ابن عامر وقد
صعب توجيهها حتى تجرأ بعضهم على ردّها وهو خطأ عظيم، ووجهها المصنف رحمه الله تبعا للزمخشريّ على أنّ اللام زائدة في المفعول المقدم للتأكيد والتقوية فإنّ العامل إذا تأخر ضعف فتزاد اللام في مفعوله كما تزاد في معمول الصفة ورذه أبو حيان تبعا لابن مالك بأن لام التقوية لا تزاد في أحد مفعولي المتعذي لاثنين قالوا: لأنها إنا أن تزاد فيهما ولا نظير له أو في أحدهما فيلزم الترجيح من غير مرجح، ورذه السفاقسي وقال إن طلاق النحاة يقتضي جوازه والترجيح من غير مرجح مدفوع هنا بأنه ترجح بتقديمه، وقوله: أي تد وليها أي صار في الجهة التي تليها. قوله: ( {فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ} الخ (هو منصوب بنزع الخافض أي إلى الخيرات قيل: ومدلول استبق ليس إلا طلب التسابق قيما بينهم ودلالته على سبق غيرهم من جهة أنهم لما أمروا بسبق بعضهم بعضا فسبق غيرهم أولى وهذا بناء منه على أنّ ضمير استبقوا للمسلمين ولو كان لكل لم يحتج إلى تأويل، وعلى الأوّل فالنكتة في التعبير به إشارة إلى أن ميدان الخيرات هم السابقون فيه لا غير وقوله: أو الفاضلات يريد به الأفضل وهو التوجه إلى عين الكعبة وسمتها أقوى ما يمكن ومعنى الإتيان بهم جميعاً أنّ صلاتهم مع اختلاف جهاتها في حكم جهة واحدة كأنها كلها مسامتة لعين الكعبة. قوله: (أينما تكونوا الخ) أين ظرف مكان واليه أشار بقوله: في أفي موضع وتكون للاستفهام وللشرط كما هنا وما زائدة ويأت جوابها والمراد بالموافق والمخالف ما وافق مقرهم وما خالفه والقصد التعميم للأمكنة والمحال وفيما بعده الشمول لجميع أجزائهم مجتمعة ومتفرّقة، والمحشر بفتح الشين(2/255)
وكسرها والإتيان بهم لجزائهم بأعمالهم، والإتيان يكون في الآخرة أو المراد ما يشمل الجبال والوهاد والعمران والخراب والإتيان بمعنى قبض الأرواج، والوجه الآخر مبنيّ على الأخير في تفسير الاستئناف كما مرّ وقوله: فيقدر الخ على الوجهين الأوّلين.
قوله: (ومن حيث خرجت الخ (حيث ظرف مكان لازمة الإضافة للجمل وإضافتها للمفرد نادرة، والظاهر أنه يريد من أفي مكان خرجت منه فول فمن حيث متعلق بول والفاء زائدة كما في {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} [سورة المدثر، الآية: 3] وقيل: إنه يشعر بأنه من حيث متعلق
بخرجت فيلزم عدم إضافته إلا أن يتكلف تقدير حيث يكون خرجت ولا يخفى بعده، وقيل: إنه متعلق بولّ وما بعد الفاء يعمل فيما قبلها كما بين في محله إلا أنه لا وجه لا 0 جتماع الواو والفاء، فالوجه أن يكون المدير أفعل ما أمرت به من حيث خرجت فول فيكون قوله فول معطوفا على المقدر ويجوز أن يجعل من حيث خرجت بمعنى أينما كنت وتوجهت فيكون فول جزاء له يعني أنها شرطية العامل فيها الشرط على نحو ما ذكره المصنف رحمه الله ولا يخفى أنّ حيث بدون ما لا تكون شرطية وكذا إذ إلا في قول ضعيف للفراء وقالوا: إنه لم يسمع في كلام العرب وقوله: وانّ هذا الأمر، أي الشأن والحال الدال عليه قوله وقيل: إق المراد به التولية وأوّله ليصح تذكير ضميره وكذا فسره في الكشاف بهذا المأمور به ولو قصد بالأمر ظاهره صح أيضا. قوله: (كرّر هذا الحكم الخ (يعني أنه ذكر {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} في ثلاث مواضع فإمّا أن يكون كزره اعتناء بشأنه لأنه من مظان الطعن وكثرة المخالفين فيه لعدم الفرق بين النسخ والبداء أو لأنه ذكر في كل محل على وجه قصد به غير ما قصد في الآخر معنى وان تراءى من اللفظ تكرره ففي الأوّل ذكر بعد قوله فلنولينك قبلة ترضاها لتعظيم النبيّ صلى الله عليه وسلم بابتغاء مرضاته وثانياً بعد قوله ولكل وجهة لجري العادة الإلهية الخ وهنا بعد قوله وأنه للحق الخ لدفع حجج المخالفين وقد بين بوجوه أخر متقاربة ولكل وجهة هو موليها. قوله: (وأنّ محمدآ صلى الله عليه وسلم يجحد ديننا ويتبعنا الخ (قيل: هذا إنما يجدي لو لم يكن حكم من أحكام ديننا موافقاً لهم وليس كذلك كما في الرجم وليس بشيء لأنّ إنكارهم هذا لا ينافي إنكار غيره أو خص هذا لظهوره في كل يوم وكونه في أركان الدين والعبادة مع أنهم منكرون للرجم. قوله: (استثناء من الناس الخ (يعني أنه بدل مما قبله وإن جاز فيه النصب على الاستثناء لأنه المختار في الاستثناء من كلام غير موجب واليه أشار بقوله: إلا للمعاندين وقوله لأحد من الناس إشارة
إلى أن تعريف الناص للجنس الاستغراق والزمخشري جعلها للعهد حيث تال: لأحد من اليهود، وقوله: أو بدا له أي تغير رأيه ولما كانت الحجة الدليل المثبت للمقصود ولا حجة لهم أجاب بأنّ الحجة ما يقصد به الاستدلال سواء كان صحيحا في نفسه أو في زعم قائله فإن كان حقيقة لغة فهو ظاهر والاستثناء متصل وأن لم يكن حقيقة فهو تغليب فلا يرد أن المذكور في صدر الكلام إن تناول هذه لزم الجمع بين الحقيقة والمجاز وإلا لم يصح الاستثناء لا! الحكم حينئذ ينفي الحجة الحقيقية ولا محيص سوى أن يراد بالحجة المتمسك حقا كان أو باطلأ مع أن قوله لم يصح الاستثناء غير مسلم لأن غايته أن لا يكون متصلاً وقد قيل: بانقطاعه في الآية. قوله: (وقيل: الحجة بمعنى إلاحتجاج الخ) الاحتجاج المنازعة والمعارضة مطلقا والحجة تستعمل بمعناه كما في قوله تعالى: {لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ} [سورة الشورى، الآية: 15] اي لا احتجاج ومجادلة قاله الراغب فما قيل: إنه لا فائدة في جعل الحجة بمعنى الاحتجاج لأن مآله إلى الوجه الأوّل ولا يندفع به السؤال إلا إذا فسر بالتمسك لا وجه له. قوله: (وقيل: الاستثناء للميالغة في نفي الحجة الخ (وهو استثناء منقطع أيضا لكنه من تأكيد الشيء بضده وائباته بنفيه، قال الزجاج: تقول ما لك عليّ حجة إلا الظلم أي ما لك عليّ، حجة البتة ولكنك تظلمني ومعناه إن تكن لهم حجة فهي الظلم والظلم لا يمكن أن يكون حجة فحجتهم غير ممكنة فهو إثبات بطريق البرهان وقوله: ولا عيب الخ هو من قصيدة للنابغة الذبياني أوّلها: كليني لهم يا أميمة ناصب وليل أقاسيه بطيء الكواكب
والفلول مصدر كالقعود بمعنى الانثلام والكسر وقيل: إنه جمع فل بالفتح بمعناه أيضاً، والقراع الضراب(2/256)
والكتائب جمع كتيبة بالمثناة وهي الجيش المجتمع ويسمى هذا النوع في البديع تأكيد المدح بما يشبه الذم. قوله:) وقرئ ألا الخ (بالفتح والتخفيف وهي حرف يستفتح به الكلام لينبه السامع إلى الإصغاء والذين مبتدأ والفاء زائدة في خبره على الأصح، وقوله: فإن مطاعنهم الخ أخذه وما بعده من التعقيب والتفريع. قوله: (علة محذوف الخ (وهو أمرت وقدره مقدماً والزمخشريّ قدره مؤخراً قصداً للاختصاص ولأن الحذف يدذ على الاهتمام بالمذكور
المقتضي لتقديمه لكنه لم يبين عطفه على ماذا، وقوله: وارادتي بيان لمعنى لعل لاستحالة حقيقة الترجي عليه وقد أسلفنا ما فيه، وقوله: أو لئلا يكون معطوف على علة أي أو عطف على لئلا يكون وأخره إشارة لمرجوحيته لبعد المناسبة ولا! إرادة الاهتداء إنما تصلح علة للأمر بالتولية لا لفعل المأمور على ما هو الظاهر في لئلا يكون وإيراد الأثر المذكور لترجيح المقدر وأبو حيان رحمه الله تعالى قال إن العطف على لئلا هو الراجح قال: ولا يضر الفصل بما ذكر لأنه من متعلقات العلة الأولى، قوله ير! الحديث أخرجه البخاريّ في الأدب والترمذيإ وكذا ما بعده. قوله:) متصل بما قبله الخ (اختلف في هذه الكاف فقيل: للتعليل وقيل: للتشبيه وهو الظاهر ولذا اقتصر عليه المصنف رحمه الله ووجهه ظاهر وأوّله بالإتمام المذكور ليتم الانتظام، وقوله: أو بما بعده والتقدير اذكروني ذكرا مثل ذكري لكم بالإرسال فحذف منه، قال أبو البقاء: والفاء غير مانعة من عمل ما بعدها فيما قبلها وفيه كلام في النحو، وقوله: بإرسال إشارة إلى أن ما مصدرية وذكر الإرسال وارادة الإتمام من إقامة السبب مقام المسبب والمناسبة بين القبلة التي هي قبلة آبائهم وارسال رسول منهم تمام على تمام. قوله.) يحملكم على ما تصيرون الخ (المراد بالتزكية التطهير من النقائص ولما كانت التزكية علة غائية لتعليم الكتاب وإلحكمة وهي مقدمة في القصد والتصوّر مؤخرة في الوجود والعمل قدمت هنا وأخرت هناك رعاية لكل منهما وأما تقديم الايات وبيانها فإنّ المقصود بها ما يحصل الإيمان وهي تخلية مقدمة عليهما، وقيل: المراد بالتزكية هنا التطهير من الكفر وكذلك فسروه وهناك المراد بها الشهادة بأنهم أخيار أزكياء، وذكر متأخراً عن تعلم الشرائع والعمل بها وهو أحسن، وقوله: بالفكر والنظر قيد للمنفي منفيئ مثله، والمراد به ما يستفاد من النبيّ ع! ي! غير القرآن فهو جن! آخر فلذا أعيد فعله، وقوله: بالطاعة إشارة إلى أنه ليس المراد به الذكر اللساني وقوله: ما أنعمت إشارة إلى أنّ شكر يتعدى لواحد بحرف جر ولآخر بنفسه وما أحسن قول الثاعر: ولوكان يستغني عن الثكرمنعم لر! مة شأن أوعلومكان
لما أمر الله العباد بشكره فقال اشكروني أيها الثقلان
وقوله: بجحد النعم إشارة إلى أنه من الكفران لمقابلته بالشكر. قوله: ( {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} الخ الما أمرهم بالذكر والشكر وكان ذلك ربما يقصر فيه بين لهم ما يعينهم وخصهما بالذكر لا! الصبر يشمل كل ترك والصلاة مشتملة على كل عبادة، وقوله: ومناجاة رلث العالمين عطف على المعراج تفسيري لأنه المقصود من العروج، وقوله: إن الله مع الصابرين تذييل لما قبله وخص الصبر كما قدمه حثا عليه وإذا كان معهم فهوبحينهم عليه وعلى غيره، وقوله: هم أموات إشارة إلى أنه خبر مبتدأ محذوف وكذا أحياء إلا أنّ جملته لا محل لها من الإعراب لأنها جملة مستأنفة وبل إضرابية، وقيل: تقديره بل قولوا هم أحياء فيكون في محل نصسب أيضا. قوله: (ما حالهم وهو تنبيه الخ (حياة الشهداء ثابتة في الآيات والأحاديث وقد اختلفوا فيها فذهب كثير من السلف إلى أنها حياة حقيقية بالروح والجسد ولكنا لا ندركها ولا نعلم حقيقتها لأنها من أحوال البرزخ التي لا يطلع عليها، وفي الحديث الصحيح " أنّ أرواحهم في حواصل طير خضر تسرح في الجنة حيث شاءت ثم تأوي إلى قناديل تحت العريش وأنهم يعرض! عليهم رزقهم غدوة وغشية لما وذهب غيرهم وعليه الزمخشرقي والمصنف رحمه الله تعالى إلى أنها ليست بالجسد بل روحانية وجميع الأموات وان كانوا كذلك لكن تخصيصهم لمزيد كرامتهم وقرب درجتهم فكان(2/257)
حياة غيرهم ليست معتداً بها والروح بفتح الراء الراحة والسرور. قوله: (والآية نزلت في شهداء بدر الخ) كذا أخرجه ابن منده، وقوله: " أربعة عشر وقيل: سبعة عشر أو ستة عشر! وأسماؤهم مسطورة في السير. قوله: (وفيها دلالة الخ) وجه الدلالة أنه أثبت لهم الحياة وهي ليست بالجسد فتعين كونها بالروح وحياة الروح بدون الجسد
مستلزمة قيامها بنفسها وهو المذهب الحق خلافاً لمن ذهب إلى أنها أعراض والخلاف فيها معروف. قوله: (ولنصيبنكم الخ الما كان أصل الابتلاء الاختبار وهو على الله غير جائز جعله استعارة تمثيلية شبه إصابتهم بالبلاء الذي يظهر به صبرهم ورضاهم بما قدر الله بفعل المختبر الذي يكلف من اختبره أمراً شاقا ليعلم إطاعته. قوله: (أي بقليل الخ (القلة تؤخذ من لفظ شيء وتنكيره لأنه استعمل في ذلك ولهذا عيب على المتنبي قوله في الفلك:
فعوقه شيء من الدوران
ثم بين أنّ قلته نسبية بالنسبة لما حفظهم عنه مما لم يقع بهم، وقوله: وإنما أخبرهم به
الخ هذا على مقتضى النظم ظاهر إذ عبر عنه بالمستقبل وأئا بالنظر إلى ما فسره به فمشكل لأنّ خوفه تعالى لم تزل قلوب المؤمنين مشحونة به وكذا ما بعده فإنها كلها سابقة على نزول الآية، وأما إنّ الزكاة والصدقة لا يناسب التعبير عنها بالنقص لأنها عبر عنها بالزكاة وهي النمو والزيادة فقد دفع بأنها نقص في الحس والظاهر وان كانت زيادة باعتبار ما يؤول، وأجيب بأنّ الخوف يتجدد بتجدد الإنذار فصح الابتلاء به وإن كان منه ما هو حاصل عند نزول الآية وكذلك الكلام في المرض! وموت الولد وهذه نزلت قبل إيجاب الزكاة وصوم رمضان ومعنى الابتلاء بخوف الله الابتلاء بما يخشى عقاب الله عليه وعطفه على شيء أولى لتوافقهما في التنكير ولذا قدمه والحديث المذكور أخرجه الترمذفي واطلاق الثمرة على الولد مجاز مشهور لأن الثمرة كل ما يستفاد وبحصل كما يقال ثمرة العلم العمل، وإضافتها إلى القلب كناية عن شدّة تعلقه به
ومحبته له، ومعنى أسترجع قال إنا لله وإنا إليه راجعون وقوله: وبشر الخ معطوف على ما قبله عطف القصة على القصة أو على مقدر أي أنذر الجازعين وبشر الصابرين، وقوله:) كل شيء يؤذي الخ حتى الشوكة يشاكها والبعوضة تلسعة " وهو حديث ورد من طرق عديدة. قوله:) وليس الصبر بالاسترجاع الخ (ما خلق لأجله هو معرفة الله وتكميل نفسه حتى يستعذ للبقاء السرمدي ومفعول بشر مقدر أي برحمة عظيمة وإحسان جزيل بدليل ما بعده. قوله.) في الأصل الدعاء (إشارة إلى ما قال الراغب: إن أكثر أهل اللغة إنّ معنى الصلاة هو الدعاء والتمجيد يقال: صليت عليه أي دعوت وزكيت وصلاة الله للمسلمين هي في التحقيق تزكيته، والمراد بالتزكية محو السيئات وتطهيرها وجمعها للتكثير كما أن التثنية يراد بها ذلك كلبيك وسعديك وان كان جمع قلة فإن جمع القلة يستعار للكثرة ونكتة التعبير به أنها مع كثرتها قليلة في جنب عظمته. قوله: (والمراد بالرحمة اللطف والإحسان الخ (قد مز معنى اللطف والإحسان الإنعام، وقوله من " استرجع الخ " قال الطيبيئ رحمه الله- ما وجدته في كتب الحديث وتعقب بأنه أخرجه ابن أبي حاتم والطبراني والبيهقيّ في شعب الإيمان عن ابن عباس رضي الله عنهما! قوله: (للحق والصواب حيث الخ الما كرّر أولئك لشدة الاعتناء بهم وتمييزهم وأتى بضمير الفصل المفيد للحصر والاهتداء ليس مخصوصاً بأولئك أشار إلى أن المخصوص بهم ليى مطلق الاهتداء بل اهتداء مخصوص وهو الاهتداء للتسليم وقت صدمة المصيبة فافهم. قوله:) علما جبلين الغ (لما ذكر الصبر عقبه بالحج لما فيه من الأمور المحتاجة إليه، وكونهما بالغلبة لأنّ أصل معناهما نوع من الحجارة مطلقا فتلزمهما اللام، والشعائر جمع شعيرة أو شعارة
بمعنى علامة يطلق على ما يعلص به موطنه(2/258)
كما هنا وعلى نفس أعماله واضافتهما إلى الله لأنه جعلهما علامة مع ما فيه من التعظيم وتغليب الحج والعمرة بمعنى اشتهارهما في نوع مخصوص منهما، كالدابة لا أنهما علمان. قوله: (كان إساف على الصفا الخ) إساف بكسر الهمزة وخفة السين المهملة وألف بعدها فاء ونائلة بنون وألف يليهما همزة مكسورة ولام الأوّل اسم رجل سمي به صنم على الصفا والثاني اسم امرأة سمي به صنم على المروة قيل: " ولذا أنث وكانا زنيا في الكعبة فمسخا حجرين ووضعا ثمة ليكونا عبرة فلما تقادم العهد عبدوهما وكانوا يتمسحون بهما إذا سعوا ولما كان السعي واجبا أو ركناً عند الأكثر وكان قوله لا جناج يقتضي عدم الوجوب كما ذهب إليه بعض الصحابة والمجتهدين أجابوا عنه بما ذكر، وفي جامع الترمذيّ عن سفيان قال سمعت الزهري يحذث عن عروة: قال: " قلت لعائشة رضي الله عنها ما أرى على أحد لم يطف بين الصفا والمروة شيئا وما أبالي أن لا أطوف بينهما فقالت بئس ما قلت يا ابن أختي طاف رسول الله-لمجي! عليه وطاف المسلمون وإنما كان من أهل المناة الطاغية التي بالمشلل لا يطوفون بين الصفا والمروة فأنزل الله تعالى: {فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ} الآية ولو كان كما تقول لكانت فلا جناج عليه أن لا يطوف بهما، قال الزهري رحمه الله: فذكرت ذلك لأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحرث بن هشام فأعجبه ذلك وقال: إنّ هذا هو العلم ولقد سمعت رجلا من أهل العلم يقول: " إنما كان من لا يطوف بين الصفا والمروة من العرب يقولون إن طوافنا بين هذين الحجرين من أمر الجاهلية! وقال آخرون من الأنصار: " إنما أمرنا بالطواف بالبيت ولم نؤمر بالسعي بين الصفا والمروة " فأنزل الله تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللهِ} قال أبو بكر بن عبد الرحمن فأراها نزلت في هؤلاء هذا حديث حسن صحيح
انتهىإ. قال الكرمانيّ: فان تلت الآية لا تدل على الوجوب فلم جزمت به عائشة رضي الله عنها قلت: أما أنها استفادت الوجوب من فعله صلى الله عليه وسلم مع انضمام 9 خذوا عني مناسككم " إليه أو فهصت بالقرائن إنّ فعله للوجوب كما قيل به، والسعي ركن عند مالك والشافعيّ وأحمد رحمهم الله وقال أبو حنيفة رحمه الله واجب فلو تركه صح حجه ويجبر بالدم وقال النووي رحمه الله هذا من دقيق علمها لأن الآية دلت على رفع الجناح عن الطائف فقط فأخبرته عائشة رضي الله عنها بأنه لا دلالة فيها لا على الوجوب ولا على عدمه وبينت السبب في نزولها والحكمة في نظمها وقد يكون الفعل واجبا ويعتقد الإنسان منع إيقاعه على صفة مخصوصة وذلك كمن عليه صلاة الظهر وظن أنه لا يجوز فعلها عند الغروب فسأل عن ذلك فقال له مجيب لا جناج عليك إن صليتها في هذا الوقت فيكون جوابا صحيحاً ولا يقتضي نفي وجوب صلاة الظهر اهـ. وما نقله عن أحمد ينافي في نقل المصنف رحمه الله، وضمير أنه للطواف بهما واستدلال ابن عباس رضي الله عنهما بهذه الآية لأنّ لا جناج بحسب الظاهر يقتضيه ولم يذكر الاستدلال بقوله: ومن تطوّع خيراً فهو خير له لأنّ تفسير تلك الآية لا يلائمه كما في شروحه ولم يجعل قراءة ابن مسعود رضي الله عنه أن لا يطوف ناصراً له لأنها شاذة لا عمل بها مع ما يعارضها ولاحتمال أن لا زائدة فيها كما يقتضيه السياق. قوله: (وهو ضعيف الخ) يعني رفع الجناج وإن تبادر إلى الفهم منه عرفا التخيير وان كان مفهومه بحسب العقل مجرّد عدم الحرمة أو الكراهة فيعم الواجب والمندوب لكنه لا ينافي الوجوب وقوله من شعائر الله قرينة على إرادته منه، وأمّا التطوّع ففي اللغة التبرع وقد يقال: لفعل الطاعة متنفلاً فهو بهذا الاعتبار يستدل به لكن تعديته بنفسه تشعر بأنّ المراد به الإتيان بالفعل طوعا وهو لا ينافي الوجوب أيضاً وقوله غتيرو: " اسعوا " أمر بالسعي مع التعليل والتأكيد بأنّ الله كتب عليكم يفيد غاية الوجوب بحيث يفوت الجواز بفواته وهو معنى الركنية وهو حديث صحيح أخرجه أحمد والطبراني عن ابن مسعود رضي الله عنه والجواب عما ذكره أنه لا يقتضي إلا الوجوب المؤكد ولا دلالة على الركنية، قال الجصاص: وفي حديث الشعبي عن عروة بن مضرس الطائي أنه قال أتيت النبيّ! وو بالمزدلفة فقلت: يا رسول الله جئت من جبل طيّ ما تركت جبلا إلا وقفت(2/259)
عليه فهل لي من حج فقال: " من صلى معنا هذه الصلاة ووقف معنا هذا الموقف وقد أدرك عرفة قبل ذلك
ليلاَ أو نهارا فقد تتم حجه وقضى ثفتهإ فهذا ينفي كون السعي فرضأ من وجهين إخباره بتمام حجه وليس السعي بينهما ولو كان من فروضه لبينه للسائل لعلمه لمجب بجهله بالحكم. قوله: (أي قعل طاعة فرضاً الخ) يعني أنّ التطوّع فعل الطاعة مطلقا فلا يدل على سنيته أو المراد أتى بما زاد على الفرض بأن حج أو اعتمر مرة أخرى وعلى القول بسنتيه فهو ظاهر وخيراً صفة مصدر محذوف أي تطوّعا خيراً أو منصوب بنزع الخافض أي تطوّع بخير ويؤيده أنه قرئ به ولذا رجحه بعضهم أو مفعول لتعذيه بتضمينه معنى أتى أو فعل وقراءة تطوّع بالمضارع والإدغام ظاهرة وقوله: مثيب الخ، قال الراغب: إذا وصف الله بالشكر فإنما يعني به إنعامه على عباده وجزاؤه لهم، وقوله: لا يخفى عليه تفسير لعليم. قوله: ( {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ} الخ) يعني أنزلنا في التوراة من العلامات الدالة على أمر محمد كت ثم شرحنا فيها العلامات الدالة على صحته ثم هديناهم فيها إلى طريق متابعته بوصفه بأنه الذي يصلي إلى القبلتين كما مر وهم يكتمون ذلك ويلبسون على الناس فيه وفسر الهدي والبينات والكتاب بما ذكر لأنه الذي يكتمونه ومن بعد إمّا متعلق بيكتمون أو أنزلنا، وقوله: كأحبار اليهود هو كقوله في الكشاف من أحبار اليهود بدليل تقييده الكتاب بالتوراة، وقيل: إنه عدل عنه ليشمل النصارى وليس بشيء، وقوله: لخصناه معناه شرحناه وبيناه لا اختصرناه فإنّ المذكور في اللغة الأوّل وهو المناسب للمقام. قوله:) أولئك يلعنهم الله الخ (لم يأتي بالفاء في هذه الجملة التي هي خبر الموصول قيل: لئلا يتوهم أن لعنهم إنما هو بهذا السبب أذله أسباب جمة، ومعنى لعن الله لهم تبعيدهم عن رحمته ولعن اللاعنين دعاؤهم! لميهم وقوله الذين يتأتى إشارة إلى التعميم فيه، وقال الزجاج: اللاعنون هم المؤمنون من الجن والإن! والملائكة، وعن ابن عباس رضي الله عنهما كل شيء
في الأرض والمراد أنهم مستحقون لذلك، وقيل إنه للإشارة إلى أنه ليس على عمومه والمراد من قوله يلعنهم لعنهم في الحياة الدنيا، وقوله: {عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللهِ} [سورة البقرة، الآية: 61 ا] فيما بعد الممات لأن أمر الدنيا على التجدد والحدوث وأمر الآخرة على الدوام والثبات فلا تكرار وان لم يغاير بينهما فالأوّل بيان لحدوث اللعنة والثاني لبيان استقرارها وثباتها. قوله: (وبينوا ما بيته الله الخ (يعني أنّ المراد بالتبيين تبيين ما في كتابهم من وصف النبيئ كي! وغيره مما كتموه فإن بذلك توبتهم تتم وعلى ما بعده المراد به إظهار توبتهم ليمحو عنهم سمة الكفر أي علامتها فيقتدي بهم أشياعهم من الكفرة وإنما ضعفه لأنّ مجرّد التوبة والرجوع عما كانوا عليه يكفي في خلع ربقة الكفر ونزع طوق اللعنة ولا يشترط إظهار ذلك لغيرهم من أضرابهم وقوله بالقبول الخ قد مرّ أنّ معنى توبة الله قبوله توبة العباد، وقوله: المبالغ في قبول التوبة معنى التوّاب، وما بعده معنى الرحيم. قوله: (أي ومن لم يتب من الكاتمين حتى مات) قال الإمام: إنّ الذين كفروا عامّ فلا وجه لتخصيصه، وقال غيره: يجب حمله على من تقدم ذكره لأنّ الكاتمين إمّا أن يتوبوا فهو قوله: إلا الذين تابوا أو يموتوا من غير توبة فهو قوله: إن الذين كفروا فإن الكاتمين ملعونون في الحياة والممات، وأجاب / الإمام بأن هذا إنما يصح إذا لم يدخل الذين يموتون تحت قوله: أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون ولما دخلوا استغنى عن ذكرهم فيجب حمل الكلام على أمر مستأنف، وقال الطيبي رحمه الله: أنه أحسن لأنّ الآية حينئذ من باب التذييل فيدخل هؤلاء فيها دخولاً أوّلياً فالتعريف في قوله الذين كفروا على هذا للجنس وعلى الأوّل للعهد وقوله: استقرّ الخ مرّ بيانه. قوله: (وقرئ والملافكة الخ (أي بالرفع هذه القراءة خرّجت على وجوه، منها عطفه على لعنة بتقدير لعنة الله ولعنة الملائكة فحذف المضاف من الثاني وأقيم المضاف إليه مقامه ومنها رفعه بفعل مقدر كما ذكره المصنف رحمه الله، ومنها جعله مبتدأ محذوف الخبر أي والناس والملائكة يلعنونهم، ومنها أنّ لعنة مصدر مضاف إلى فاعله وهذا معطوف على محله، وقيل: عليه أنه ليس بجائز لأنّ شرط العطف على الموضع أن يكون ثمة طالب ومحرز للموضع لا يتغير وأيضا لعنة وان سلم مصدريته فهو إنما
يعمل إذا انحل لأن والفعل وهنا المقصود(2/260)
الثبوت فلا يصح انحلاله لهما وسلمه له غيره، وقالوا: إنه مذهب سيبويه رحمه الله لأنه يوجب في نحو ضرب زيد وعمرو بالرفع تقدير ويضرب عمرو لكن قال الحلبيّ إن له طالبا وهو المصدر لأنه إذا نوّن يرفع الفاعل فيقال. ضرب زيد وفيه خلاف فالبصريون يجيزونه والفرّاء يمنعه، لكن قيل: إنه هو الصحيح لعدم السماع وإنما قاسه البصرئون وقد اتبعت العرب فاعل المصدر على محله رفعاً كقوله:
مشى الهلوك عليها الخيعل الفضل
وهو صفة للهلوك على الموضع وإذا ثبت في النعت جاز في العطف إذ لا فارق بينهما
وأثا قوله: إنه لا يؤوّل فممنوع وفيه نظر وقوله: وإضمارها قبل الذكر أي بدون الذكر لكنه تسمح ووجه تفخيمها وتهويلها إنه لشدة الخوف منها لا تغيب عن الأذهان. قوله: (لا يمهلون الخ (يعني أنه إمّا من الأنظار بمعنى الإمهال أو من نظره بمعنى انتظره أي انتظره ليعتذر أو انتظر عذره أو من نظره بمعنى رآه وهو يتعدّى بنفسه أيضا كما في الأساس فيصاغ منه المجهول وأمّا قوله لا ينظر إليهم فبيان للمعنى لا إشارة إلى حذف حرف الجرّ. قوله: (خطاب عامّ (ويدخل فيه الكاتمون فينتظم الكلام فلا حاجة إلى جعل الخطاب لهم ووحدته فسرها بعدم الشريك فهو فرد في ألوهيته لا يصح أن يعبد غيره أو يسمي إلها وان لم يعبد، قال النحرير: ولا يخفى أنّ في قولنا سيدكم سيد واحد من تقرير السيادة وتسليمها ما ليس في سيدكم واحد فلذا أعيدا له ولم يقل واحد ولا إله إلا هو نفي لكل إله سواه وبحسب الاستثناء إثبات له ولألوهيته لأنّ الاستثناء من النفي إثبات سيما إذا كان بدلاً فإنه يكون هو المقصود بالنسبة ولهذا كان البدل الذي هو المختار في كل كلام تام غير موجب بمنزلة الواجب في هذه الكلمة حتى لا يكاد تستعمل لا إله إلا الله بالنصب أو لا إله إلا إياه فإن قيل: كيف يصح أنّ البدل هو المقصود بالنسبة والنسبة إلى المبدل منه سلبية قيل: إنما وقعت النسبة إلى البدل بعد النقض بإلا فالبدل هو المقصود بالنفي المعتبر في المبدل منه لكن بعد نقضه ونقض النفي إثبات وهذا كله بناء على أنه بدل من اسم لا على المحل وقد جعله أبو حيان رحمه الله استثناء من الضمير المستتر في الخبر والكلام فيه يحتاج إلى تفصيل سيأتي في محله. قوله: (كالحجة عليها (أي الوحدانية لم يقل حجة لأنه لم يقصد به ذلك لما سيأتي من أن الدليل ما بعدها إذ لا شيء سوا. بهذه
الصفة لأنّ ما سواه إمّا نعمة أو منعم عليه فيفيد الحصر فيه ولا يتوقف ذلك على تقدير هو فإن قيل: الكفر والمعاصي وسائر القبائح ليس بنعمة ولا منعم عليه قيل: هي كلها من حيث القابلية والفاعلية وما يرجع إلى الوجود والتنبيه نعم ومرجع الشر والقبح إلى العدم ولهذا بيان في علم آخر، وقوله: خبران آخران أي كص أنّ إله وجملة لا إله إلا هو خبران أيضاً أو المبتدأ محذوف اًي هو أو بدلان، وفاعل نزلت: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ} الخ على التأويل فيه وما ذكره أخرجه البيهقي في الشعب. قوله:) إنما جمع السموات الخ) هذا ما عليه الحكماء وأما المحذثون فالأرض عندهم طبقات بين كل منها والأخرى مسافة عظيمة، وفيها مخلوقات على ما وردت به الأحاديث فالنكتة كما قال أبو حيان رحمه الله أنّ جمعها ثقيل وهو مخالف للقياس كأرضون ولذا لما أراد الله تعالى ذلك قال: {وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ} [سورة الطلاق، الآية: 12] ولم يجمعها ورب مفرد لم يقع في القرآن جمعه لثقله وخفة المفرد وجمع لم يقع مفرده كالألباب وفي المثل السائر نحوه، وقوله: متفاصلة بالصاد المهملة أي بعضها منفصل عن بعض، ولو قرئ بالمعجمة أي متفاوتة لصح ولكن الرواية والدراية مع الأوّل. قوله: (واختلاف الليل والنهار تعاقبهما الخ (الخلفة بكسر فسكون أن يخلف كل واحد الآخر ويسذ مسده وقيل: أمرهم خلفة أي يأتي بعضهم خلف بعض. قوله: (أي بنفعهم أو بالذي الخ (إشارة إلى أنّ ما إمّا مصدرية وضمير ينفع حينئذ إمّا للجري أو للبحر لا للفلك لأنه هنا جمع بدليل وصفه بالتي، وقوله: والقصد به الخ يمكن أن يقال ترك ذكر البحر لدلالة الأرض! عليه والمقصود هنا بيان جري السفن لما فيه من المنافع وكون البحر منشأ للسحاب أحد الأقوال كما مرّ، وقوله: لأنه بمعنى السفينة هذا تركه أولى من ذكره لأنه جمع هنا، وهو من الألفاظ التي استعملت مفرداً وجمعا وقدر بينهما تغاير اعتبارقي دماليه(2/261)
أشار بقولي وضمة الخ، قال الراغب رحمه الله: الفلك يستعمل للواحد والجمع وتقديراهما مختلفان فإن الفلك إذا كان واحداً كان كبناء قفل وإذا كان جمعاً كان كبناء حمر والقراءة بضم اللام قيل: إنها لم توجد في شيء من الكتب المعتمدة، وقوله: على الأصل يعني أنه ليس مغيراً عن السكون لاتباع الفاء كما قالوا في عسر عسر بضمتين فهي لغة واردة على الأصل مبينة لأنه أصل الجمع وحينئذ يتحقق تغاير بين الجمع والمفرد. قوله: (من الأولى للابتداء الخ الما كان من قواعدهم أنه لا يتعلق حرفا جرّ بمتعلق واحد جعل الأولى ابتدائية لأن ابتداء نزوله من جهة السماء، والثانية لبيان ما الموصولة فتغاير
معناهما بل ومتعلقاهما لأن من البيانية لا تكون إلا مستقرّا وجوّز) ي الثانية أن تكون تبعيضية وأن تكون بيانية بدلاً من الأولى وقوله: بالنبات وفي نسخة بالنباتات واحياء الأرض بالنبات مجاز معروف.
قوله:) عطف على أنزل الخ) قد خفي أمر العطف هنا معنى ولفظا أفا معنى فلأنّ الماء المنزل من السماء والدواب المبثوثة لا جامع بينهما حتى يعطفا وتقابل السماء والأرض غير كاف والعطف على ما بعد الفاء يقتضي تسببه عن الإنزال وهو غير ظاهر، وأمّا لفظا فلأنه على الأوّل في حيز الصلة ولا عائد فيه وتقدير به لا يجوز لأنّ المجرور إنما يحذف إذا جرّ الموصول بمثله وهو مفقود هنا مع ما في الأوّل من الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه حتى اختار أبو حيان رحمه الله أنه على حذف الموصول أي وما بث لقيام القرينة عليه ولأنه يصير آية مستقلة، قال وحذف الموصول! جائز في كلام العرب حتى قاسه الكوفيون وأجيب بأن أحى من تتمة الأوّل، أو المعنى وما أنزل لإحيائها فيظهر الجامع وعدم الفصل لاحتياج الدواب إلى الماء والنبات ولا خفاء في التسبب لأن الماء سبب حياة المواشي والدواب من أوجه وسبب بثها لأنّ الحركة فرع الحياة وهي بذلك، وجعل عطفه على أنزل أظهر لسبقه ولدلالته على الاستقلال وضمير فيها للأرض! وإن كان سيأتي في {حم عسق} أن في السماء دواب أيضا لأنها غير مشاهدة لهم حتى تكون آية وإذا عطف على أحى فلا حاجة إلى تقدير الضمير لأنّ الفاء السببية تكفي في الربط وما ذكره من شرط حذف المجرور أكثرفي لا كليّ، والحيا بالقصر والمد المطر والخصب ومهابها جمع مهب وهو جهة هبوبها، وأحوالها من اللين والشدة والبرد والحرارة ولا يتقشع من التفعل أو الانفعال بمعنى يزول وقوله: مع انّ الطبع الخ يعني يقتضي صعوده إن كان لطيفا وهبوطه إن كان كثيفآ ومسخر اسم مفعول ضميره أو تقلبه نائب فاعله والضمير للسحاب وسمي سحاباً لانسحابه في الجوّ أو لسحب بعضه بعضا أو لجرّ الرياج له. قوله:) يتفكرون فيها الخ (يعني المراد بالعقل هنا بقرينة المقام التفكر في هذه الآيات وتدبرها وعيون العقول استعارة مكنية وقوله: ويل الخ قال العراقي لم أقف عليه لكن رواه ابن مردويه وابن أبي الدنيا عن عائشة رضي الله عنها بغير هذا اللفظ وهو أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية ثم قال: " ويل من
قرأها ولم يتفكر فيها "، وقال الأوزاعي: التفكر فيها أن يقرأها ويعقلها وقوله: مج بها من مج الريق من فيه، والباء لما فيه من معنى الرمي ووجه الدلالة على التفكر أن من تفكر فيها فكأنه حفظها ولم يلقها من فيه. قوله:) والكلام المجمل الخ (محتملة بفتح الميم وأنحاء بالمذ تجمع نحو بمعنى جهة أي وجهات مختلفة والمنطقة دائرة عظيمة متساوية البعد عن القطب فلا تمرّ به والقطب رأس القطر من الجانبين والأوج أبعد بعد من المركز والحضيض يقابله ولا بذ منهما فوجودها على هذا النمط البديع يدل على أنّ لها موجداً قادراً حكيما لا يدانيه شيء ولا يعارضه غيره وما ذكره كله مبنيّ على مذعي أهل الهيئة، وأهل الشرع والظاهر ما بين منكر له وساكت عنه. قوله: (إذ لو كان معه إله يقدر الخ (هذا برهان التمانع المذكور في الكلام وسيأتي تقريره في قوله تعالى لو كان فيهما آلهة إلا الله والتطارد بمعنى التمانع، وأصله طرد أحدهما الآخر. قوله: (من الأصنام الخ (فسر الأنداد هنا بالأمثال دون الأضداد إذ لم يقصد التهكم هنا وقيل: أنه لا مانع منه لكن ما بعده لا يناسبه فتأمل وهي إمّا الأصنام أو الرؤساء الذين اتبعوهم وفسر المحبة(2/262)
بالتعظيم والطاعة لتلازمهما كما قيل:
تعصي الإله وأنت تظهرحبه هذالعمري في القياس بديع
قوله: (أي يسوّون الخ) هذا مفهوم بقرينة قوله أشد حبا والا فالتشبيه لا يقتضي المساواة
بل زيادة المشبه به وحب الله مصدر مبنيّ للفاعل مضاف إلى المفعول أو مبنيّ للمفعول،
وقوله: من الحب بالفتح كحب الحنطة ونحوها وواحده حبة، وحبة القلب وسطه مستعار له، فقوله: أستعير لحبة أي استعير الحب لها ثم اشتق منه المحبة لأنها أثرت في صميم القلب ورسخت فيه كما يقال: رأسه إذا أصاب رأسه وهذا كله مأخوذ من كلام الراغب. قوله: (ومحبة العبد دلّه الخ (قال بعض المتكلمين ة المحبة نوع من الإرادة فتتعلق بالجائزات فلا يمكن تعلقها بذاته تعالى وصفاته، وقالت الصوفية: العبد يحب الله لذاته وأمّا حب خدمته وثوابه فمرتبة نازلة، وقال الإمام رحمه الله: من حمل محبة الله على محبة طاعته أو محبة ثوابه فقد عرف أن اللذة محبوبة لذاتها ولم يعرف أن الكمال محبوب لذاته، وأما نحن فنحب الأنبياء عليهم الصلاة والسلام والأولياء بمجرّد اتصافهم بصحفات الكمال فالله تعالى المتصف بكل كمال لا يزانيه كمال أولى بالمحبة مما سواه، ومن أراد تفصيله فلينظر في الإحياء، والمصنف رحمه الله لم يعدل عن هذا إلا لأن ذلك من خواص الخواص والكلام هنا على العموم وأما محبة الله للعبد فهي بمعنى إرادة الخير له إذ هو منزه عن الميل المذكور. قوله: الأنه لا تنقطع محبتهم الله الخ) إشارة إلى أنّ أشد بمعنى أدوم وأرسخ لا أكثر قال النحرير: آثر أشد حباً على أحب لأنه شاع في الأشد محبوبية يعني فعدل عنه احترازاً عن اللبس وهذه نكتة لطيفة في العدول عن أفعل القياسي، وأيضاً أحب أكثر من حب فلو صيغ منه لتوهم أنه من المزيد وفي الحديث: " من أحبك لشيء ملك عند انقطاعه " وقوله: ولذلك كانوا الخ كما قال تعالى: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ} [سورة العنكبوت، الآية: 65] الآية ومن اللطائف هنا أنّ باهلة كانت لهم أصنام من حي! أي تمر مخلوط بأقط وسمن فجاعوا في قحط أصابهم فأكلوها فقيل إنه لم ينتفع مشرك بآلهته كانتفاعهم بها فإنهم ذاقوا حلاوة الكفر. قوله: (ولو يعلم هؤلاء الذين ظلموا الخ (يعني إن رأى هنا بمعنى علم والذين ظلموا من وضع الظاهر موضح المضمر للدلالة على أنّ اتخاذ الأنداد ظلم عظيم، وقوله: إذا عاينوه إشارة إلى أنّ إذ بمعنى إذا والمضارع بمعنى الماضي ورأى بصرية ولا يخفى أنه إذا كانت إذ بمعنى إذا فالرؤية في المستقبل، فتأويله
بالماضمي ثم جعل الماضي عبارة عن المستقبل لتحقق الوقوع تكلف لا داعي له إلا المناسبة اللفظية بين إذا والماضي فتأمّل. قوله:) ساذ مسذ مفعولي ير! الخ) مما يدل على أنها من الجواب أنه قرئ بكسران وقوله: لا ينفع الخ مأخوذ من قوله جميعا وبه يرتبط النظم. قوله:) على أنه خطاب للنبتي صلى الله عليه وسلم الخ (في الكشاف وقرئ ولو ترى بالتاء على خطاب الرسول أو كل مخاطب أي! ن تصح منه الرؤية والمصنف رحمه الله تعالى ترك الثاني مع أنه من الفصاحة بمكان وهو متعدّ إلى مفعول واحد وهو الذين ظلموا، قال النحرير: وبنبغي أن يكون إذ يرون بدلاً منه، وكذا إذ تبرأ إذا لم يعهد الإبدال من البدل وأنّ القوّة في موقع بدل الاشتمال من العذاب وفي جعله بمنزلة المبصر المشاهد مبالغة، وقيل: هو في معرض التعليل للجواب المحذوف أي لرأيت أمراً عظيما لأنّ القؤة لله الخ وفيه فصل بالجواب ومتعلقه بين البدل الذي هو إذ تبرأ والمبدل منه، وأورد عليه أنه يقتضي جواز تعذد البدل بلا شبهة وإنما التردد في جواز البدل من البدل مع أنه لم يرد تعذد البدل في شيء من كتب النحو ولا ضرورة في هذه القراءة إلى جعل إذ بدلاً من المفعول إذ يصح إبقاؤه على الظرفية مع أنّ إن على هذه القراءة لا يتعين فتحها إذ قرئت بالكسر أيضاً وهو يؤيد ما زيفه من التعليل فتأمّل. واضمار القول تقديره لقلت إنّ القوة الخ على أنه جواب. قوله: (والواو للحال الخ) رجح الحالية على العطف لتأذيه إلى إبدال رأوا العذاب من إذ يرون العذاب وليس فيه كبير فائدة ولأنّ الحيق بالاستعظام والاستفظاع هو تبرؤوهم في حال رؤية العذاب لا هو نفسه، وقيل عليه إنّ البدل! الوقت المضاف إلى الأمرين والمبدل(2/263)
منه الوقت المضاف إلى واحد ولبس بينه وبين إبدال الوقت المضاف إلى التبري مقيداً برؤية العذاب كبير فرق وقوله: والأوّل أظهر لاستقلاله في الاستفظاع، والحالية إمّا من فاعل تبرأ أو رأوا فتكون متداخلة وباء بهم للسببية بتقدير مضاف أي بكفرهم أو الحالية أي
ملتبسة وقيل: إنها للتعدية واستبعدت الحالية بأنّ تقطعها ليس في حال تلبسهم بها وفيه نظر. قوله: (وأصل السبب الخ) قال الراغب في مفرداته: السبب الحبل الذي يصعد به النخل ومثل هذه القيود بناء على الأكثر فيها فلا يرد ما قيل: إن هذا القيد غير مذكور في كتب اللغة، والوصل بضم الواو وفتح الصاد المهملة جمع وصلة بسكونها. قوله: (لو أنّ لنا كرّة الخ) المراد من الكرّة الرجوع إلى الدنيا أي ليت لنا كرّة إلى الدنيا، قال النحرير: هذا بيان للمعنى وأمّا بحسب اللفظ فأنّ لنا كرّة في موضع رفع أي لو ثبت أنّ الخ ونتبرأ مع أن المضمرة عطف عليه وإنما تمنوا ذلك لأنّ التبري منهم في الآخرة لا يضرهم لأنهم في شغل شاغل، وأمّا على قراءة مجاهد ففيه إشكال لأنّ الاتباع إذا تبرؤوا في الآخرة لم يكن لهذا التمني معنى بل ينبغي أن يكون هذا من المتبوعين على ما قيل إنّ حقه أن يقرأ وقال الذين اتبعوا على البناء للمفعول، واعترضى بأنّ هذا يكون تمنيا لذل الدنيا بعد ذل الآخرة وفيه نظر ووجه النظر أنّ ذل الآخرة مشترك بينهما وأنهم بعد ما اتضح الحال لو رجعوا إلى الدنيا لم يتبعوهم حتى يتبرأ الرؤساء منهم فلا يليق مثله في النظم وهو ظاهر. قوله: (مثل ذلك الآراء الخ) الأراء مصدر أراء أراءة وأراء كما سمع إقاما واقامة والمعروف في مثله التاء لأنها عوض عن العين المحذوفة لكن حكى هذا سيبويه قيل: واختار. مع أنه خلاف المشهور ليوافق تذكير ذلك وإن كان تأنيث المصدر غير معتبر أو لأنّ الإراءة عرفت في معنى الرياء وهو غير صحيح هنا وجعل المشار إليه مصدر الفعل المذكور بعده لا ما قبله كما مرّ تحقيقه في قوله {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} . قوله:) يريهم الله أعمالهم الخ) الرؤية هنا يحتمل أن تكون بصرية فتتعدى لاثنين أوّلهما الضمير والثاني أعمالهم وعلى هذا حسرات حال من أعمالهم، وأن تكون قلبية فتتعذى لثلاثة مفاعيل ثالثها حسرات وعليهم إمّا متعلق بحسرات بتقدير مضاف أي على تفريطهم لأنّ حسر يتعدى بعلى أو صفة لحسرات والحسرة الندم أو شذته. قوله:) أصله وما يخرجون الخ) يعني أنّ التركيب مثل وما أنت علينا بعزيز والمعروف فيه قصد اختصاص المسند إليه بالنفي وثبوت الفعل لغيره لكنه لم يقصد هنا الحصر وان كان صحيحاً لأنّ أرباب الكبائر يخرجون من النار وإنما القصد إلى التقوى وقد تبع فيه المصنف رحمه الله الزمخشرفي حيث قال: هم بمنزلته في قوله:
هم يفرشون اللبد كل طمرّة
في دلالته على قوّة أمرهم فيما أسند إليهم لا على الاختصاص واعترض عليه في عروس
الأفراج وقالط هي دقيقة اعتزالية لأنه لو جعله للاختصاص لزمه تخصيص عدم الخروج بالكفار فيلزم خروج أصحاب الكبائر كما هو مذهب أهل السنة والزمخشري أكثر الناس أخذ بالاختصاص في مثله فإذا عارضه الاعتزال فزع منه اهـ، فكان على المصنف رحمه الله أن لا يتبع هواه فيه وان كنا نقول من جانبه أنه اعتمد على ما يدل على خلافه من النصوص وسيأتي مثله في سورة المائدة في قوله وما هم بخارجين منها. قوله: (نزلت في قوم حرّموا الخ (قيل إنه ليس كذلك إنما نزلت في المذكورين آية المائدة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ} [سورة المائدة، الآية: 87] وأمّا هذه فنزلت في الكفار الذين حرموا البحائر والسوائب والوصائل كما ذكره ابن جرير وغيره بدليل قوله: {بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا} [سورة البقرة، الآية: 170] كما ذكر في قصة البحائر وخطاب المؤمنين بعده بقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ} كما خوطبوا في تلك الآية لأنهم مؤمنون فعلوا ذلك زهداً وهو وارد غير مندفع. قوله:) وحلالآ مفعول كلوا الخ) في هذه الآية وجوه من الإعراب الأوّل أن حلالاً مفعول كلوا ومن لابتداء الغاية متعلقة بكلوا قيل: لا للتبعيض لأنّ من التبعيضية في موقع المفعول أي كلوا بعض ما في الأرض فإن قيل: لم لا يجوز أن تكون حالاً قدم عليه لتنكيره، قيل: لأن كون من التبعيضية ظرفا مستقرّاً أو كون اللغو حالاً مما لا يقول به النحاة (أقول) أما كون الثاني(2/264)
مما لا يقول به النحاة فظاهر وأمّا الأول فليس كما قال فإنهم صزحوا بأنّ من التبعيضية تكون مستقرّاً ولغواً وسكت عن كونها بيانية كأنه ظن أنها لا تتقدم على المبين والصحيح خلافه.
قوله: (أو صفة مصدر محذوف أو حال الخ (ومن يجوز فيها الابتداء أو التبعيض، وقوله: إذ لا يؤكل كل ما في الأرض ظاهره أنه على سائر الوجوه السابقة فليتأمّل. قوله: (يستطيبه الشرع أو الشهوة) قيل: المراد على الأوّل ما لا شبهة فيه وهو ظاهر، وأتا على الثاني فيرده أنّ ما ليس كذلك إمّا حلال بلا شبهة فلا منع منه أو لا فخارج بقيد الحلال ولا يتأتى الجواب بأنه صفة مؤكدة لا! قوله: إذ الحلال الخ يأباه وهو غير وارد إذ المراد بالحلال ما نص الشارع على حله وبهذا ما لم يرد فيه نصى ولكنه مما يستلذ ويشتهيه الطبع المستقيم ولم يكن في الشرع ما يدل على حرمته كإسكار وضرر. قوله: الا تقتدوا به الخ) يعني أن اتباع الخطوات استعارة للاتباع كما يقال: هو على أثره على قدمه. قوله: (وقرأ الخ (يعني أنه قرئ بضم الخاء والطاء وبضم الخاء وسكون الطاء وبفتح الخاء والطاء وبفتح الخاء وسكون الطاء وبضمهما والهمزة ووجهها أنّ فعلة الساكن
العين السالمها إذا كان اسما جاز في جمعه بالألف والتاء ثلاثة أوجه السكون وهو الأصل والاتباع وفتح العين تخفيفا، وأفا قراءة الهمزة ففيها وجهان قيل: إنها أصلية من الخطا بمعنى الخطيئة وقيل: إن الواو وقلبت همزة لأنّ الواو المضمومة تقلب لها نحو أجوه وهذه لما جاورت الضمة جعلت كأنها عليها، والفرق بين الخطوة بالفتح والضم أنّ الأوّل مصدر للمرّة كالضربة والثاني اسم للمتخطي أي ما بين القدمين كالغرفة للمغروف. قوله: (ظاهر العداوة) يعني أنه من أبان بمعنى بان وظهر وتسميته وليا باعتبار ما يظهره ويحتمل أنه من باب تحيتهم السيف. قوله:) بيان لعداوته الخ (يعني أنّ هذه الجملة مستأنفة لبيان ما قبله ولذا ترك عطفه، ووجوب التحرّز لأنّ ما يأمر به ويزينه قبيح فلا يرد ما قيل: إنّ التحرّز إنما هو من كونه عدوّاً مبينا، وقوله: واستعير الخ لدفع ما يتراءى من معارضته لقوله: إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إذ الأمر يقتضي العلوّ التسلط ووجه الدفع أنّ الأمر استعير لتزيينه القبائح ووسواسه، ودفع أيضاً بأنّ الأمر للاستعلاء لا للعلوّ وبأنّ المأمورين من اتبع خطواته وهم الغاوون والمذكور في الآية الأخرى غيرهم وعلى الأوّل فهو استعارة تبعية ويتبعها الرمز إلى أنهم بمنزلة المأمورين لما بين الأمرين من الملازمة، وقال الإمام: أمر الشيطان عبارة عن الخواطر التي نجدها في أنفسنا وفاعلها هو الله تعالى كما هو أصلنا لكن بواسطة إلقاء الشيطان إن كانت داعية إلى الشر بواسطة الملك إن دعت إلى الخير وبعض الصوفية والفلاسفة يفسر الملك الداعي للخير بالقوّة العقلية والشيطان بالقوّة الشهوانية والغضبية، ثم إنهما إن كنا شيئا واحداً فالعطف لتنزيل تغاير الوصفين منزلة تغاير الحقيقتين والا فالأمر ظاهر. قوله: (وفيه دليل على المنع من اتباع الظن رأساً (أي ابتداء من غير نظر ومأخذ يقتضيه الدليل وهذا توطئة لما بعده من قوله وأمّا اتباع المجتهد الخ وحاصله دفع سؤال وهو أنّ المجتهد يعمل بمقتضى ظنه الحاصل عنده من النصوص فضلا عن المقلد ف! صيف يمنع من القول بغير علم، والجواب أنّ الشارع جعل ظنه مناطا للأحكام وعلة لها كما جعل ألفاظ العقود علامة عليها فمتى تحقق ظنه بالوجدان علم
قطعا ثبوت ما نيط به إجماعاً بل ضرورة من الدين فقد أفضى به ظنه إلى العلم بالأحكام أنفسها ووجب عليه العمل بمقتضى ظنه لذلك، فالطريق ظتي والمقصد علم محقق أو علمه بوجوب أنّ اتباع الحكم المظنون يوصله إلى العلم بثبوته من الله تعالى في حقه مع مقلديه بأن يقول هذا حكم يجب عليّ اتباعه وما ليس حكما ثابتا من الله تعالى لا يجب عليّ اتباعه والمقدمتان قطعيتان فكذا النتيجة أعني كوته ثابتاً من الله تعالى في حقه وإن أردت تحقيق هذا فانظر حواشي العضد والمدرك بالفتح بزنة اسم المكان ما يؤخذ منه الحكم وهو من ألفاظ الأصوليين المولدة. قوله:) الضمير للناس وعدل عن الخطاب الخ (هذا غفلة عما قاله هناك فإنه فسر الناس بالمتزهدين وهو لا يصح هنا بل هم اليهود أو المشركون والضمير للناس على طريقة الالتفات، ولو كانوا غير الأوّلين لم يكن هناك التفات، وألفى بمعنى(2/265)
وجد كما صرح به في الآية الأخرى وألفه منقلبة عن ياء. قوله: (الواو للحال أو العطف الو وأن الوصلية في مثل هذا تقترن بالواو وقال أبو حيان رحمه الله إنها لازمة لا يجوز إسقاطها واختلف فيها فقيل: عاطفة على حال مقدرة وقيل: حالية وقيل: القولان بمعنى لأنّ المعطوت عليه حال فهي عاطفة وحالية وهذا هو الصحيح وبعينه قول العرب:
قد قيل: ما قيل أصدقا وان كذبا
ونحوه والضابط فيها أن تقدر بالأبعد ليفيد الأقرب دلالة وفي الكشف إن الشرط نقل لمجرّد التسوية وهذا الشرط لا يقتضي جوابا على الصحيح لأنه خرج عن معنى الشرطية وإنما يقدرونه توضيحا للمعنى وتصويراً له وأمّا دلالتها على المنع من التقليد فلزمهم على اتباع آبائهم
ولو كانوا لا يهتدون فإمّا من تيقن أنه مهتد محقق فلا يدخل فيه وهو ظاهر. قوله: (على حذف مضاف الخ) اختلف في هذا التشبيه هل هو مفرّق على أنه تشبيه أشياء بأشياء أو تشبيه مركب بمركب وانّ تقدير المضاف هل هو مبني على التفريق أم لا فقيل: لا بد من تقدير المضاف وان كان مركبا على ما ينبئ عنه لفظ المثل لأنّ المناسبة تقتضي إضافة المثل أي الحال والقصة في الطرفين إلى المتناسبين الواقع أحدهما موقع الآخر وان لم يكن القصد الأصلي تشبيهه به كقوله تعالى: {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً} [سورة البقرة، الآية: 17] و {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا} [سررة الجمعة، الآية: 5] ولا يحسن كمثل الأسفار وبهذا يندفع ما يقال لم لا يجوز أن يكون التشبيه مركباً غير مفرّق فلا يحتاج إلى تقدير وأورد عليه أنهم قد صرحوا في قوله تعالى: {إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاء} [سورة يونمى، الآية: 24] أنه لا تقدير فيه على التركيب وتابعهم هذا القائل في قوله تعالى. {أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ السَّمَاء} [سورة البقرة، الآية: 9 ا] وفيه بحث ليس هذا محله، وإذا قلنا بالتقدير سواء كان لازما في الوجهين أو في أحدهما فإما أن يقدر في الأوّل مثل داعي الذين كفروا أو في الثاني أي كمثل بهائم الذي ينعق وعلى التفريق فالداعي بمنزلة الراعي والكفرة بمنزلة الغنم المنعوق بها ودعاؤه الكفرة بمنزلة صياج الناعق وعلى التركيب شبه حال هذا الداعي مع من دعاه في أنهم يسمعون قوله ولا يفهمونه بمنزلة الراعي الصائح بغنمه وكلام المصنف رحمه الله محتمل لهذا وإليه أشار بقولة والمعنى الخ، ومغزاه بالعين والزاي المعجمتين أصله محل الغزو والقتال وتجوّز به عن المقصود منه يقال: هو لا يعرف مغزى كذا أي ما يقصد منه وهذان وجهان من ثمانية أوجه في الآية وهما الأرجح وجوّز فيه الزمخشري أن يراد بما لا يسمع البهائم كما هو الظاهر من كلمة ما، والنعيق التتابع في تصويت البهائم وأن يراد الأصم الأصلح وتركه المصنف رحمه الله لأنه خلاف الظاهر من وجوه والداعي هنا الداعي إلى الإيمان. قوله: (وقيل هو تمثيلهم الخ (في الكشاف، وقيل: معناه ومثلهم في اتباعهم آباءهم وتقليدهم لهم كمثل البهائم التي لا تسمع إلا ظاهر الصوت ولا تفهم ما تحته فكذلك هؤلاء يتبعونهم على ظاهر حالهم ولا يفقهون أهم على حق أم باطل فشبه حالهم في اتباع آبائهم بحال البهائم كما أنها لا تتبع إلا ظاهر النداء كذلك هؤلاء لا يتبعون إلا ظاهر حال الآباء وهذا أشذ مناسبة لما قبله وفيه احتمال التركيب والتفريق والأوّل أولى ولا تقدير على هذا التقدير. قوله: (أو تمثيلهم في دعائهم
الآصنام الخ (يعني أنّ هذا الوجه فيه احتمالان أحدهما أن يكون تشبيها مفرقاً والآخر أن يكون تمثيلا والاحتمال الأوّل مردود لفقدان التقابل بين المشبه والمشبه به وعدم صحة قوله الادعاء ونداء لأنهم لا يسمعون شيئاً، والثاني مقبول لعدم ورود ذلك وأورد عليه أنه على التمثيل لا يندفع ذلك لأنّ المراد أنّ داعي الأصنام لا يرجع من دعائها إلى شيء وأنها أدون حالاً من البهائم لأنها تسمع دعاء ونداء وهي لا تسمع شيئا قط قال تعالى: {إِن تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ} فإذا لم يوجد في الممثل ما للممثل به يناسبه تفوت هذه الدقيقة لأنّ الواجب في التمثيل أن يقدر للممثل له ما للممثل به من الحال المتوهمة المنتزعة من أمور ولو اختل منها شيء اختل التمثيل اللهم إلا أن يجعل التشبيه مركباً عقلياً أي مثل دعائهم الأصنام فيما لا جدوى فيه كمثل الناعق بما لا يسمع الادعاء ونداء وردّ بأن ما يذكر في الطرفين لا بد أن يكون له دخل في انتزاع الهيئة والفرق بين المركب الوهمي والمركب العقلي في ذلك بتخصيص المدخلية وهم وهذه جملة معطوفة على(2/266)
الجملة الشرطية تقرّر ما ذمهم به من التقليد وعدم رفعهم رأسا إلى اتباع الممد من عند الله بالتأييد وعطفه على خبر كان آباؤهم بجعل الذين كفروا مظهراً قائما مقام الضمير عدول عن الظاهر، وقوله: رفع على الذم أي خبره مبتدأ محذوف تقديره هم فإن قلت المرفوع على الذم أو المدح وكذا المنصوب نعت مقطوع وهذا نكرة لا يصح أن يكون نعتاً للذين حتى يقطع، قلت: سيأتي أنّ النعت إذا قطع لا يشترط فيه ما يشترط إذا أجرى كما صرحوا به. قوله:) أي مما يعقل الخ (وقع في النسخ هنا اختلاف فعلى هذه المراد التعميم أي لا يعقلون شيئا مما يعقل ويعقل مجهول وفي نسخة بالفعل وفي نسخة بالعقل والمراد به العقل المكتسب لا ما هو بحسب الفطرة والاستعداد. قوله: (لما وسع الأمر الخ) هذا لا ينافي قوله في {يَا أَيُّهَا النَّاسُ} إنها نزلت الخ لأن خصوص السبب لا ينافي عموم اللفظ كما بين في الأصول وقوله: سوى ما حرم مأخوذ من قوله حلالاً، فإن قلت: قوله أن ينحروا طيبات الخ أي يقصدوا يقتضي أنه لم يسبق مع أنه قال أوّلاً حلالاً طيبا قلت على تفسير الطيب الأوّل هناك لا يرد وعلى الثاني فالمخصوص بهذا المقام التحري مه! القيام بالحقوق لا هو فقط. قوله:) فإنّ عبادته لا تتم إلا بالشكر الخ (في نسخة فالمعلق بفعل العبادة
هو الأمر بالشكر لإتمامه وهو عدم عند عدمه يعني أنه علق العبادة بالشكر بل علق حصرها فيه وتوحيده بها به وهو يقتضي أن لا ينفك أحدهما عن الآخر فأجاب بأنّ المراد تمامها وهو إنما يكون بالشكر ولو قبل: أن الشكر لا يوجد بدون العبادة لأنه نوع منها بل هي عين الشكر إذ هو أعم من اللسان والجنان والأركان لصح لكن المصنف رحمه الله بناه على المتبادر وهو أن المراد بالعبادة ما يكون طاعة معروفة وبالشكر الحمد اللساني فتأمّل وقوله: وعن النبيّ صلى الله عليه وسلم الخ أخرجه الطبراني في السنن والديلميئ والبيهقيّ: " ويعبد ويشكر " مجهولان. قوله: (أكلها والانتفاع بها الخ الما سيأتي من أن الحرمة تتعلق بأفعال المكلفين فإذا علقت بالعين فالمراد تحريم التصرف والانتفاع مطلقا إلا ما خصه الشرع كالانتفاع بالجلد المدبوغ وألحق بالميتة ما أبين أي فصل من حيّ وهو بعض أعضائه وأمّا السمك والجراد فميتتاهما غير حرام إمّا لأن الميتة في العرف ما يذكي إذ لم يذكيا أو أنه خص بحديث: أحلت لنا ميتتان ودمان السمك والجراد والكبد والطحال. قوله: " نما خص اللحم الخ) قال ابن عطية خص اللحم ليدل على تحريم عينه ذكي أو لم يذك وفيه نظر. قوله:) اي رفع به الصوت الخ) هذا أصله ثم جعل عبارة عما ذبح لغير الله، وكون الإهلال أصله رؤية الهلال كما ذكره المصنف رحمه الله هو ما ذهب إليه كثير من أهل اللغة وارتضى في الكشف أن هذه المادة وضعت للأولية فيقولون الهلل لأول المطر والهلال لأوّل ما يبدو القمر، ثم قيل: أهل الصبيّ إذا رفع صوته حين الولادة لأنه أوّل ظهوره وسماع صوته ثم استعمل في رفع الصوت مطلقاً وقوله: بالاستئثار أي طلب أن يؤثر نفسه على ذلك المضطرّ الآخر بأن ينفرد بتناوله فيهلك الآخر. قوله: (سدّ الرمق الخ (أصل معنى عدا تجاوز ومنه العدوان لتجاوز الحد كما أنّ بغي بمعنى طلب ومنه البغي لطلب
الفساد والخروج على الإمام وقد فسرا هنا بهذين المعنيين فاختار المصنف رحمه الله تفسير البغي بالبغي على الغير بأخذ نصيبه والعادي بالمتجاوز ما يسدّ الرمق والجوع، وعلى القول الآخر هو من البغي والعدوان لكن خلاف القول الصحيح عند الأئمة الأربعة إلا في قول للشافعيّ وأحمد قالا بمثله في قصر الصلاة. قوله:) المراد قصر الحرمة الخ) يعني أنه ردّ على المشركين في تحريمهم ما أحل الله من السائبة وأخواتها وتحليلهم ما حرّمه الله من هذه المذكورات كأنهم قالوا تلك حرمت علينا لكن هذه أحلت فقيل: لهم ما حرم عليكم إلا هذه فهو قصر قلب هذا معنى الوجه الأوّل وهو مبنيّ على أنه للكفار فإن عاد على المؤمنين في تحريمهم لذيذ الأطعمة ورفيع الملاب! فهو قصر إفراد، وقوله: فمن اضطرّ الخ لتفصيل الحكم وبيانه بأنه محرّم في حال الاختيار وقوله: أو قصر حرمته على حال الاختيار أي أنه يعلم من التفريع المذكور أنّ الحكم الأوّل مقيد بحالة الاختيار والحصر بالنسبة إليه حقيقيّ لكنه مخالف للظاهر إذ الحصر في وصف غير مذكور في الكلام بعيد، ولذا قال الطيبي رحمه الله: إنه ضعيف، وقوله عوضاً فسر الثمن به لدخول الباء على ما يقابله وقد مضى(2/267)
الكلام فيه. قوله.) إمّا قي الحال الخ (المأكول هنا هو الرشا التي أخذوها في مقابلة ما بذلوه وأكلها مجاز عن أخذها والنار مجاز عنها من إطلاق المسبب على السبب عكس ما في البيت فالمراد بالتلبس ملابسة السببية لا أنه إسناد مجازفي. قوله: (كلت دماً الخ) هو لأعرابي تزوّج امرأة فلم توافقه فقيل له: إنّ حمى دمشق تهلك النساء سريعا فحملها إليها وقال:
دمشق خذيها واعلمي أن ليلة تمزبعودي نعشها ليلة القدر
أما لك عمر إنما أنت حية إذا هي لم تقتل تعش آخرالدهر
ثلاثين حولاً لا أرى منك راحة لهنك في الدنيا لباقية العمر
أكلت دما إن لم أرعك بضرّة بعيدة مهوى القرط طيبة النشر
قال التبريزي: أجود الوجوه في معناه أنه يدعو على نفسه بأن يقتل له قتيل فيأخذ ديته،
ويجوز أن يكون المراد بأصابني جدب وحاجة لأنهم كانوا يأكلون الدم في القحط أو يعني بالدم دم الحية وهو سمّ فلا شاهد فيه وأرعك بمعنى أخوّفك والمراد أسوءك وبعيدة مهوى القرط وهو الحلقة في الأذن كناية عن طول العنق، وقيل الأحسن طول القامة وقوله أو في المآل معطوف على في الحال وأكل النار عبارة عن إحراب باطنهم والا فهي لا تؤكل حقيقة. قوله: (ومعنى في بطونهم الخ الا يخفى أن البطن ليست ظرفاً للأكل بل للمأكول لأنّ الأكل المضغ أو التغذي لكن يذكر معه للذلالة على أنه ملؤوه وإذا قيل في بعض بطنه فالظاهر ما دون الملء ففي كلام المصنف رحمه الله تأمّل. وقيل: إنه بيان لحاصل المعنى وأمّا التحقيق فهو أنه جعل البطن بتمامه محل الأكل بمنزلة ما لو قيل: جعل الأكل في البطن فهو ظرف متعلق بيأكل لا حال مقدرة على ما في تفسير الكواشي) أقول) قال أبو البقاء: الأجود أن تكون حالاً مقدّرة لأنها وقت الأكل ليست في بطونهم وإنما يؤول إلى ذلك والتقدير ثابتة في بطونهم لكن فيه تقدم الحال على الاستثناء وهو ضعيف. قوله:) كلوا في بعض بطنكمو تعفوا) تمامه:
فإن زمانكم زمن خميص
أي تعفوا عن السؤال. قوله: (عبارة عن غضبه الخ الما كان الله يسألهم حمل الكلام
على الكلام بما يسرهم فيكون مخصوصا بقرينة المقام ولم يرتضه المصنف رحمه الله وجعله عبارة عن غضبه على طريق الكناية، وكذا قوله وتعريض بحرمانهم لأنّ التعريض نوع من أنواع الكناية وهو مبنيئ على أن سؤال القيامة لهم من الله وقيل: إنه ليس كذلك بل بواسطة الملائكة عليهم الصلاة والسلام وحمل التزكية على الثناء لأنها لازم معناه، وقوله: أليم بمعنى مؤلم مرّ ما فيه ومعنى اشتراء الهدى بالضلال استبداله، وقوله: بكتمان متعلق بهما. قوله: (تعجب من حالهم الخ) اختلف في ما أفعل في التعجب فذهب الجمهور إلى أنّ ما نكرة تامّة ومعناها التعجب فمعنى ما أحسن زيداً شيء صير زيداً حسناً وذهب الفرّاء إلى أنّ ما استفهامية ضمنت
معنى التعجب نحو كيف تكفرون بالله وذهب الأخفش إلى أنها موصولة وفي قول له إنها نكرة موصوفة وعلى هذه الأقوال هي في محل رفع على الابتداء والجملة خبرها أو خبرها محذوف إن كانت صفة أو صلة، وبقية الكلام فيه مبسوط في النحو ثم إنّ التعجب هنا راجع إلى العباد وأنّ حالهم حقيق بأن يتعجب منها لأنّ التعجب منشأه الجهل بالسبب وهو في نفسه انفعال فلا يجوز عليه تعالى من وجهين، ثم إنّ الصبر هنا مجاز عن الجراءة على أسباب العقوبة وهو من بليغ الكلام، قال الراغب: قال أبو عبيد إنّ ذلك لغة بمعنى الجراءة واحتج بقول أعرابيّ قال لخصمه ما أصبرك على الله وهذا تصوّر مجاز بصورة حقيقة لأنّ ذاك معناه ما أصبرك على عذاب الله في تقديرك إذا اجترأت على ارتكاب ذلك والى ذلك يعود قول من قال ما أبقاهم على النار وقول من قال ما أعلمهم بعمل أهل النار، ويصح أن يكون استعارة تمثيلية وقوله: كتخصيص! قولهم الخ يعني قصد التعجب لأنه من المخصصات كالاستفهام أو لأنه موصوف تقديراً وان كانت موصولة أو موصوفة فهو ظاهر وبقية الأقوال واضحة وكلها بناء على التعجب، وجوّز فيه وجه آخر وهو(2/268)
أن تكون ما استفهامية قصد بها التوبيخ وأصبر فعل ماض بمعنى صيره صابراً لكنه لم يوجد في اللغة أصبر بهذا المعنى، ولذا تركه المصنف رحمه الله. قوله: (أي ذلك العذاب بسبب الخ (يعني ذلك إشارة إلى العذاب والكتاب للجنس والمختلفون هم اليهود القائلون بأنّ البعض من هذا الجنس حق كالتوراة والبعض باطل كالقرآن وجوّز أن يكون إشارة إلى كفر اليهود والكتاب للمعهود أعني القرآن والمختلفون هم المشركون حيث افترقوا في شأنه فرقا وهو ظاهر وأمّا على الأوّل فالاختلاف عائد إلى جنس الكتاب حيث جعلوه قسمين ووصف القوم به تجوّز ثم لما كان إنزال الكتاب ليس نسبباً للعذاب قدر قوله فرفضوه الخ للقرينة القائمة عليه لتتضح السببية وقيل: السببية راجعة إلى الحال الذي هو القيد أي وان الذين الخ فليتدبر. قوله: (وإنّ الذين اختلفوا في الكتاب الخ) تقدم الإشارة إلى أنّ الجملة حالية وأنّ اختلافهم بمعنى اختلاف الكتب عندهم وأن الإسناد مجازيّ وأمّا إذا أريد التوراة فالذين واقع على اليهود وهم لم يختلفوا فيها فالمراد باختلفوا تخلفوا عن سلوك طريق الحق فيها وتأخروا عنه أو جعلوا ما بدلوه خلفا عما فيها، قال الراغب: يقال تخلف فلان فلانا إذا تأخر عنه وإذا جاء خلف آخر وإذا قام مقامه ومصدره الخلافة اهـ. ومن لم يقف عليه قال حمل الاختلاف على الخلف أو التخلف مما لم نجده في كتب اللغة والتقوّل تفعل من القول
بمعنى الكذب والشقاق بمعنى المخالفة كما مرّ، وقوله: بعيد عن الحق بيان لتقدير متعلقه. قوله: (البر كل فعل مرضني) وفي الكشاف الخطاب ولأهل الكتاب لأنّ اليهود تصلي قبل المغرب إلى بيت المقدس والنصارى قبل المشرق، وفي الكشف إنّ هذا بحسب أفق مكة وهو يقتضي أنّ التوجه لهما للقدس وأما كونه مشرقا ومغربا بحسب الأفق لا مطلقا فانظره وذكر القبلة هنا استطراد حسن الموقع لأنه لما ذكر اختلافهم في الأصول تممه باختلافهم في الفروع ولولا هذا لم يرتبط بما قبله، وقوله ليس البر ما أنتم عليه عبارة الكشاف فيما أنتم إشارة إلى أنه لم يقصد الحصر والمصنف رحمه الله أشار إلى أنه حصر إضافيّ لا مانع منه. قوله:) وقيل عام لهم وللمسلمين الخ (فيكون عودا على بدء فإنّ الكلام في أمر القبلة وطعنهم في النبيّ صلى الله عليه وسلم بذلك كان أساس الكلام إلى هذا القطع فجعل خاتمة كلية أجمل فيها ما فصل وإنما قال ليس البر العظيم لأنّ ما يكثر الخوض فيه يكون لا محالة عظيم الشأن ولأنه في نفسه بر وكذلك الجدال فيه بالحق فبقي كونه براً بالنسبة إلى هذه الأنواع التي هي أصول وذلك من توابعها كذا في الكشف، وقال النحرير: على الأول حمل البرّ على إطلاقه والخبر أعني أن تولوا على تقدير في لأنهم لم يزعموا أنّ جنس البر ذلك بل فيه فنفى وعلى الثاني حمل البرّ على الكامل الذي كأنه البر كله والخبر على تقدير مضاف أي أمر البرّ أن توتوا والبحث عن ذلك والنزاع فيه وحينئذ لا يصح نفي البرّ بالكلية فتعين الحمل على الكامل اهـ. ومنه يعلم إقحام المصنف رحمه الله لفظ أمر وتوصيفه البر بالعظيم لكن في قوله مقصوراً بأمر القبلة قصور بحسب الظاهر إذ كانت حقه أن يقول على أمر القبلة وكأنه لاحظ أنه مقصور على البرّ بأمر الفبلة. قوله: (ولكن البرّ الذي ينبغي أن يهتنم به الخ) إشارة إلى الوجوه الثلاث الجارية في مثله من التقدير في الأوّل أو الثاني أو جعله عين البر مبالغة على حد:
فإنما هي إقبال وادبار
وإليه أشار بقوله ولكن البار لكنه إشارة إلى أنّ التجوّز في الظرف لا في الإسناد وقوله:
أوفق أي لقوله ليس البرّ وأحسن إذ سابقية القرينة أولى من لاحقيتها، ولأنه تقدير في وقت الحاجة لا قبلها ولأنّ المقصود بيان البرّ لا ذية ومراده أنه أحسن من التقدير الثاني لأنّ الأخير
أبلغ وقوله: والمراد بالكتاب الخ هذا دليل على ما يراد به في قوله اختلفوا في الكتاب ليتلاءم أجزاء الكلام وأمّا احتمال أن يراد به التوراة لأنّ الإيمان به يوجب الإيمان بغيره فبعيد. قوله:) أي على حبّ المال الخ) أي في الاحتياج إليه أو في صحته لأنه بالمرض يزهد فيه، ويؤيده الحديث المذكور وهو حديث رواه الشيخان وتمامه: " وتأمل الغني ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت لفلان كذا ولفلان " كذا لكن لفظه: أن تصذّق بدل أن تؤتيه وعلى في الوجه الأخير للتعليل والمراد مخلصاً وقوله المحاويج يعني الفقراء جمع(2/269)
محتاج على خلاف القياس، وقوله: اثنتان أي حسنتان وقوله: " صدقتك على المسكين ") 2! أخرجه الترمذي والنسائيّ وابن جرير من حديث سلمان بن عامر 0 قوله: (الذي أسكشه الخلة الخ) الخلة بفتح الخاء الحاجة أي جعلته ساكناً لا يقدر على الحركة لضعفه أو ساكنا ملتجئا إلى غيره وأشار به إلى أن الميم زائدة وأمّا تمسكن فلجعلها بمنزلة الأصلية والفرق بينه وبين الفقير معروف ولكن المراد هنا الفقير مطلقا ومفعيل من صيغ المبالغة ووجه المبالغة فيه ظاهر وابن السبيل المسافر، والقاطع يعني به قاطع الطريق وقوله يرعف به أي يأتي منها بغتة على غير انتظار وأصل معنى رعف سبق وبادر، ومنه الرعاف. قوله: (الذين ألجأهم الحاجة الخ) وقيل؟ السائل المستطعم فقيراً كان أو غنياً وعلى ما ذكره المصنف المراد به المحتاج الذي يعرف حاجته بسؤاله والمساكين السابق ذكرهم الذين لا يسألون وتعرف حاجتهم بحالهم وان كان ظاهرهم الغنى وهو معنى قوله: " وإن جاء
على فرسه " وهذا الحديث أخرجه أحمد وقال عيسى صلى الله عليه وسلم: إن للسائل حقا وان أتاك على فرس مطوّق بالذهب، وقوله: وفي تخليصها إمّا إشارة إلى تقدير مضاف أو إلى ما يفهم من السياق والرقبة مجاز عن الشخص، وقوله: أو ابتياع الرقاب أي اشترائها وتملكها وحمل الصلاة على المفروضة لنظمها مع الفرائض. قوله: (يحتمل الخ) يعني لا يكون القصد إلى أداء الزكاة ليكون قوله: وآتى الزكاة تكرارا بل إلى بيان مصارفها التي هي أهم وأكثر ثوابا على أن يكون السائلين إشارة إلى الفقراء ويشترط في ذوي القربى واليتامى الفقر والا فقد ترك ذكر البعض وذكر ما ليس من المصارف ولمن أوجب حقا سوى الزكاة أن يتمسك بهذه الآية وبقوله تعالى: {وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} وبالأحاديث الواردة في ذلك وبالإجماع على وجوب دفع حاجة المضطرّين وأن يجيب عن نسخ الزكاة وجوب كل صدقة با! المراد الواجبات المقدرة وحديث: " نسخت " الخ أخرجه ابن شاهين في الناسخ والمنسوخ من حديث علي كرّم الله وجهه مرفوعا: " نسخ الأضحى كل ذبح ورمضان كل صوم وغسل الجنابة كل غسل والزكاة كل صدقة ". وقال هذا حديث غريب أخرجه الدارقطني البيهقي فإن قلت هذا لا يناسب ما تقدم من تقييد ذوي القربى واليتامى بالمحاويج لأنّ ذوي القربى إذا كانوا كذلك يلزم النفقة عليهم، قلت: هو على هذا التفسير لا يقيده به إذ لا يلزم من كونهم كذلك أن لا يكون لهم غيره ممن يجب عليه نفقتهم. قوله:) والموفون الخ (لم يقل وأوفى كما قبله إشارة إلى أنه أمر مقصود بالذات والتقييد بقوله إذا عاهدوا للتأكيد والمبالغة أو للتتميم. قوله:) نصبه على المدح الخ (قال ابن الشجري: في أماليه ومن المدح في التنزيل قوله: والصابرين في البأساء بعد قوله: والموفون بعهدهم أراد عين الصابرين ومثله والمقيمين الصلاة بعد قوله والمؤتون الزكاة ا!. ذهب إلى أن المقيمين منصوب على المدح وهو أصح ما قيل فيه، وفي
الدرّ المصون في رفع الموفون عطفه على فاعل آمن أو على من آمن أو جعله خبر مبتدأ محذوف أي وهم الموفون ونصب الصابرين على المدح وهو في المعنى عطف على من آمن قال الفارسيّ: وهو أبلغ ووقع نصبه على المدح في الكتاب أيضا فما قيل. معناه تقدير ما يدل على المدح مثل وأخص الصابرين أو أمدح الصابرين وحينئذ يكون من عطف الجملة على جملة {وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ} وحذف هذا المقدّر واجب والمشهور بالرفع أو النصب على المدح هي الصفات المقطوعة ولم نجد ذلك مبينا في المعطوف وإنما أخذناه من هذا الموضع اهـ. من قلة الاطلاع وضيق العطن وهذه المسألة مسطورة في متن المفصل في باب الاختصاص قال وقد جاء نكرة في قول الهذلي:
وبأوى إلى نسوة عطل وشعثامراضحيع مثل السعالى
وهذا الذي يقال: فيه نصب على المدح والذم والترحم اص. وذكر القطع في البد! أيضا
قال في المقتبس: وأفاد القطع في العطف الاختصاص لأن الإعراض عن العطف السلس المنقاد أوهم أن الثاني ليس من جنس الأوّل وهذا معنى الاختصاص اهـ. وقوله: لفضل الصبر على سائر الأعمال أي بقيتها غير ما مر من الإيمان وأخواته فلا يرد عليه ما قيل. إن الإيمان أفضل منه، والبأس كثر استعماله في بأس العدوّ.(2/270)
قوله: (أولئك الذين صدقوا الخ (جع! الصدق في هذه الأمور بقرينة ما سبق وكما يدل عليه أولئك كما مر وعمم التقوى ليصح الحصر حقيقة وتهذيب النفس عن الرذائل بفعل الطاعات وترك المنهيات ووجه الإشارة فيما ذكر صريحا ظاهر، وضمنا لما لم يذكر من أنواعها لا! هذه أمهاتها تدل على باقيها، وقوله: ولذلك وصف الخ فهو لف ونشر مرتب وقوله: {مِّنْ عَمَلِ} الخ أخرجه ابن المنذر في تفسيره عن أبي ميسرة. قوله: (كان في الجاهلية بين حيين الخ (قا اط العراقي لم أقف عليه وقال السيوطي: أخرجه ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير مرسلاً والطول بفتح فسكون الفضل والمراد هنا شرف
العشيرة، وقوله: أن يتباوؤوا قال في الفائق هو أن يتقاصوا في قتالهم على التساوي فيقتل الحرّ بالحرّ والعبد بالعبد يقال باء فلان بفلان إذا كان كفؤاً له يقتل به بوأ وبواء ثم يقال: هم بواء أي أكفاء في القصاص والمعنى ذو بواء وكثر حتى قيل: هم في هذا الأمر بواء أي سواء وفي النهاية عن أبي عبيدة يتباووا كيتعاووا، والصواب يتباوؤوا بوزن يتقابلوا مهموزا من البواء بمعنى المساواة وقال غيره يتباووا صحيح أيضا بأن حذفوا الهمزة للتخفيف ورسم الخط يحتملهما هنا. قوله:) ولا تدل الخ) ردّ لمن استدل بهذه الآية على ذلك ثم إثبات لمدعاه بطريق آخر قال النحرير لأنها بيان وتفسير لقوله: كتب عليكم القصاص في القتلى فدل على اعتبار الموافقة ذكورة وحرية في القصاص لا أنها مفهومها يدل على أنّ غير الأنثى لا يقتل بالأنثى وفيه نظر أمّا أولاً فلأن القول بالمفهوم إنما هو على تقدير أن لا يظهر للتقييد فائدة وهنا الفائدة أنّ الآية إنما نزلت لذلك واليه أشار المصنف بقوله: وقد بينا ما كان الفرض يعني سبب النزول وأمّا ثانيا فلأنه لو اعتبر ذلك لزم أن لا تقتل الأنثى بالذكر نظراً إلى مفهوم بالأنثى واليه أشار المصنف بقوله: كما لا تدل على عكسه ودفع بأنه يعلم بطريق الأولى، وأمّا ثالثا فلأنه لا عبرة بالمفهوم في مقابلة المنطوق الدال على قتل النفس كيفما كانت لا يقال تلك حكاية عما في التوراة لا بيان الحكم في شريعتنا لأنا نقول شرائع من قبلنا لا سيما إذا ذكرت في كتابنا حجة وكم مثلها في أدلة أحكامنا حتى يظهر الناسخ وما ذكر ههنا يصلح مفسراً فلا يجعل ناسخا، ودليل آخر على عدم النسخ أنّ تلك أعني النفس بالنفس حكاية عما في التوراة وهذه أعني الحرّ بالحرّ خطاب لنا وحكم علينا فلا ترفعها وما ذكرنا من كونه مفسراً إنما يتم لو كان قولنا النفس بالنفس مبهما ولا إبهام بل هو عام والتنصيص على بعض أفراد لا يدفع العموم سيما والخصم يدعي تأخر العام حيث يجعله ناسخا لكن يرد عليه أنه ليس فيه رفع شيء من الحكم السابق بل إثبات زيادة حكم آخر اللهمّ إلا أن يقال إنّ في قوله الحرّ بالحرّ الخ دلالة على وجوب اعتبار المساواة في الحرّية والذكورة دون الرق والأنوثة ومنه يعلم ما في قوله أنه حكاية ما في التوراة فلا ينسخ ما في القرآن. قوله: (وإنما منع مالك والشافعئ الخ) هذا ردّ لما في الكشاف أنه جعل مذهبهما أنه لا يقتل الحرّ بالعبد والذكر بالأنثى فإنه وهم محض إذ لا خلاف لهما في قتل الذكر بالأنثى فلذا قال وإنما، وقوله: ولم يقده أي لم يقتله قوداً ثم أثبته " بالحديث " واجماع الصحابة ثم قاممه على الأطراف إذ لا قصاص فيها بين الحز والعبد بالاتفاق. قوله: (واحتجت الحنفية به
على أنّ مقتضى العمد الخ) اختلف الفقهاء في موجب القتل العمد فقال أبو حنيفة وأصحابه ومالك وغيرهم ليس للوليّ إلا القصاص ولا يأخذ الدية إلا برضا القاتل لظاهر هذه الآية لأنه هو المفروض! ، وقال الأوزافي والليث والشافعيّ في أحد قوليه وهو مختار المصنف رحمه الله وإن قيل: إن المفتي به في مذهبهم خلافه أنّ الولي بالخيار بين أخذ القصاص أو الدية وان لم يرض القاتل قال الجصاص: ظاهر الآيات إيجاب القصاص دون المال وغير جائز إيجاب المال على وجه التخيير إلا بمثل ما يجوز به نسخة لأنّ الزيادة في بعض القرآن توجب نسخه والتخيير بعد التعيين زيادة كعكسه وهما من قبيل النسخ كما صرّح به الجصحاص وأهل الأصول فقوله ولذلك قيل الخ مخالف للراجح في الأصول وهو قول عند الشافعية ارتضا. المصنف رحمه الله فلا اعتراض عليه كما قيل وقوله وكذا كل فعل جاء في القرآن أي فعل لله ورد فيه فإنه مبنيّ للمجهول وللفاعل لتقذم ذكره حقيقة أو حكماً ويحتمل أنه أراد(2/271)
كتب حيث ورد وهو الظاهر. قوله: (شيء من العفو الخ) من إمّا شرطية أو موصولة، وقوله: من العفو إشارة إلى أنّ شيء القائم مقام الفاعل المراد به المصدر وهو مصدر نوقي فيقوم مقامه أو المراد شيء قليل أو قصاص وهو عفو مخصوص وعفا غير متعد والمراد بالأخ المقتول أو وليّ الدم سماه أخا استعطافاً بتذكير أخوة البشرية والدين ونحوهما وعفا يتعدى إلى الجاني والى الجناية بعن يقال عفوت عن زيد وعن ذنبه فإذا ذكرا تعدى إلى الجاني باللام والى الجناية بعن فتقول عفوت لزيد عن ذنبه كما في هذه الآية وإنما قام شيئاً مقام الفاعل لما ذكره من أنّ بعض العفو كالتامّ في إسقاطه سواء عفا بعض الورثة أو عفا الوارث عن بعض القصماص فإنه لا يتجزأ. قوله: (وقيل عفى بمعنى ترك وشيء مفعول به) فهو متعذ أقيم مفعوله مقام فاعله، وقد ورد متعديا في كلام العرب بمعنى ترك ذكره السرقسطي وغيره من أئمة اللغة لكن ضعفه الزمخشريّ وتبعه المصنف رحمه الله بأنه ليس يثبت وإنما المتعدي أعفاه فإن ورد فخلاف اللغة المعروفة فلا ينبغي تخريج القرآن عليها وجعل مثله جراءة على كلامه تعالى، ورد بأنه إذا ورد بمعنى ترك ومحى ونقله أهل اللغة وان لم يشتهر فإسناده إلى المفعول الذي هو الأصل في المبني للمجهول يرجحه على
إسناده للمصدر الذي هو مجازع على خلاف الأصل ولا حاجة إلى القول بأنه تضمين لأنه لا ينقاس وقوله: عن جنايته تقدير لمتعلقه الآخر، وتوله: من جهة أخيه إشارة إلى أن من ابتدائية. قوله: (أي فليكن اتباع الخ (يعني أنه مرفوع على الفاعلية ومنهم من قدره فعليه اتباع أو فالواجب اتباع وقوله وفيه دليل الخ تقدم الكلام فيه وجوابه مبسوط في أحكام الجصاص. قوله: (ذلك أي الحكم الخ (كون الواجب على اليهود القصاص وحده كذا في الكشاف هنا أيضاً لكنه ذكر في الأعراف أنهم منعوا من الدية فقط وكان لهم القصاص أو العفو مجاناً وسيأتي تفصيله في محله. قوله: (لا أعافي أحدا قتل بعد أخذه الدية (أخرجه أبو داود وفي رواية لا أعفي وظاهره أنه لا يقبل من ولي القتيل الثاني عفوه عن القصاص مطلقا وفيه تأمّل. قوله: (كلام في غاية الفصاحة الخ الأنهم كانوا يقولون القتل أنفى للقتلى ويعدونه أبلغ كلام في معناه وهذا التركيب أبلغ منه وأفصح بوءجوه كثيرة كما في شروح المفتاح وقد أشير إلى طرف منها هنا كقوله حيث جعل الشيء محل ضده إذ جعل القصاص وهو فناء وموت مكانا لضده الذي هو الحياة، وقد رد هذا صاحب الانتصاف وقال هذا إما وهم أو تسامح لأنّ شرط تضاذ الحياة والموت اجتماعهما في محل وأحد ولا تضاد بين حياة غير المقتص وموت المقتص وليس كما زعم فإنّ فيها حمل الشيء على ضده ولم يكتف بهذا القدر بل صرح بالظرفية بأن جعل القصاص مدخول في وفائدته أنّ المظروف إذا حواه الظرف صانه عن التفرق فالقصاص يحمي
الحياة من الآفات، ومعناه أنّ الحياة الحاصلة بالارتداع أو الحياة العظيمة إنما تحصل بشرعية القصاص لا غير فالظرفية مجازية تفيد بحسب الوضع اجتماعهما وهما ضدان فيقصد بها هذا المعنى البديع في نفسه الغريب في مأخذه فلا يرد عليه شيء. قوله: (وعرف القصاص الخ (يعني أنّ التعريف للجنس والتنوين للتنويع والتعظيم لأنه يردع القاتل عن القتل فيكون سبباً لحياة نفسين أو يمنع أن يقتل غير القاتل كما كان في الجاهلية فتحيا به نفوس، فعلى الأوّل فيه إضمار أي شرع القصاص أو علم القصاص وعلى الثاني فيه تخصيص الحياة بحياة غير المقتص منه والنوعية أنسب بالأوّل والتعظيم بالثاني ولذا خصه في الكشاف والمصنف رحمه الله لم يعينه لصلاحيته لكل منهما. قوله: (يحتمل أن يكونا خبرين الخ) وقوله: صلة له أي متعلقا بمتعلقه أو به نفسه لنيابته عن المتعلق أو حالاً وقراءة القصص جوّز فيها أيضا أن يكون القصص مصدراً بمعنى القصاص وخص! الخطاب بأولي الألباب لما ذكره، وقيل: لأنّ الحكم مخصوص بالبالغين دون الصبيان، وقوله: في المحافظة إشارة إلى أنه من التقوى بالمعنى الشرعي وقوله: أو عن القصاص فيكون بالمعنى اللغوي. قوله: (كتب الخ (ترك العطف في هذا ونظائره لأنه قصد استقلالها وأن كلاً منها مقصود بالذات وان أمن فيها العطف وملاحظة مناسبة بينها، وقوله حضر(2/272)
أسبابه إشارة إلى تقدير مضاف لأن الموت لا يحضر وقيل: إق المراد به الحضور العلمي وفسر الخير بالمال الكثير ويطلق على المال قليلاً أو كثيرا. قوله: (مرفوع بكتب الخ) وترك
تأنيثه وان كان غير حقيقي لا بد له من مرجح وقيل: الأحسن أنّ نائب الفاعل الجار والمجرور وهو عليكم والوصية خبر مبتدأ كأنه قيل: ما المكتوب فقيل: هو الوصية، وكتب بمعنى قدر وقضى أو جعل وليس تقديره ولا جعله في وقت حضور الموت بل قبله لكن الغرض الذي في ضمنه يكون في ذلك الوقت فلذا قال مدلول كتب ولم يجعله نفس الفعل كما قاله غيره وقريب منه ما قيل: إنّ معنى كتب أوجب والظرف قيد الوجوب لا الإيجاب من حيث الحدوث والوقوع على ما هو مدلول الفعل وما ذكره من أنّ معمول المصدر لا يتقدّم عليه هو المشهور لكن ذصب بعض المحققين إلى جواز تقدم الظرف فحينئذ يتعلق به وهو أنسب معنى. قوله: (وقيل: مبتدأ الخ) ردّه بأنّ حذف الفاء من جواب الشرط لا يجوز ما ذكره من الشعر لا ينهض حجة أمّ أوّلاً فلأنّ الرواية ليست هكذا بل هي:
من يفعل الخير فالرحمن يشكره
كما قاله المبرد وقال: إنه لم يسمع في الشعر أيضاً وهذا معنى قوله: إن صح ولو سلم
فهو ضرورة كما ذكره سيبويه رحمه الله فلا يصح تخريج الآية عليه والبيت لعبد الرحمن بن حسان بن ثابت، وقيل لكعب بن مالك وقد اختلفت رواية صدره كما ذكرناه وروي أيضا:
من يحفظ الصالحات الله يحفظه
وعجزه:
والشرّ بالشر عند الله سيان
وروي مثلان. قوله: (وكان هذا الحكم في بدء الإسلام الخ) هذا مرويّ عن ابن عباس رضي الله عنهما ذكره أبو داود وناسخه وابن أبي شيبة وابن جرير عن ابن عمر رضي الله عنهما وقوله: " إنّ الله أعطى " الخ أخرجه الترمذيّ وحسنه والنسائي وابن ماجه، وظاهره أنّ الآية والحديث نسخا آية الوصية لكن قال الطيبيّ رحمه الله الحق أنّ آية المواريث هي الناسخة والحديث مبين لكونها ناسخة لأنّ الحديث لا ينسخ الكتاب. قوله:) وفيه نظر لأنّ آية المواريث
لا تعارضه الخ) وجه عدم المعارضة أنه قال في آية المواريث {مِّن بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [سورة النساء، الآية: 12] فقرر فيها الوصية ونص على تقدمها مطلقاً فكيف تكون معارضة لها حتى تنسخها وأجاب عما قاله المصنف بوجهين: الأوّل أنّ المشهور الذي تلقته الأمة بالقبول له حكم المتواتر عند الحنفية كما عرف، والثاني: أنّ الحديث ليس ناسخا بنفسه بل مبين أنّ آية المواريث نسخت وجوب الوصية للوالدين وأنّ المراد بالوصية فيها ليس المطلق وذلك لأنّ ناسخية آية المواريث كان فيها خفاء واحتياج إلى بيان فبينها الحديث ولا يلزم من عدم صحة ناسخية خبر الواحد صحة بيانه للنسخ المراد بالآية كما لا يلزم من عدم صحة إثباته للفرضية عدم صحة بيان إجمال الآية التي ثبتت بها الفرضية وهو بحث مشهور على أن قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ} متروك الظاهر بالإجماع فلم لا يجوز أن ينسخ مثله بخبر الواحد فتأمّل. قوله: (ولعله احترز عنه من فسر الخ) عبر بلعل إشارة إلى ضعفه لأنّ الوصية المتبادر منها ما يتعلق بغير أنصباء الورثة وقوله: فلا يفضل الغنيّ مبنيّ على القول بأنه قبل فرض المواريث وقوله: ولا يتجاوز الثلث مبنيّ على القول بأنها لا تعارض آية المواريث. قوله:) مصدر مؤكد الخ) قال أبو حيان: هذا تأباه القواعد النحوية لأنّ على المتقين متعلق بحقا أو صفة له فلا يكون مؤكداً والمصدر المؤكد لا يعمل وهذا وارد اللهمّ إلا أن يجعل معمولأ لمقدر غير صفة ومنهم من جعله صفة مصدر مقدر أي إيماء حقا، وقيل: إنه حال. قوله: (فمن بدله الخ (لما عمم من للأوصياء والشهود فسر السماع بالتحقق والوصول ليشمل الأوصياء وقوله حاف من الحيف وهو الظلم وفي نسخة خان من الخيانة، وكونه وعيداً لأنه يستعمل للتهديد بأن يعاقبه على ما علمه منه. قوله: (أي توقع وعلم الخ) أصل الخوف توقع مكروه عن إمارة مظنونة أو معلومة كما أنّ الرجاء توقع محبوب كذلك ولما كان هنا لا معنى للخوف من الميل والإثم سيما بعد الوقوع ذهبوا إلى أنه مستعمل
فيما يلزمه من التوقع والظن الغالب أو العلم فإن التوقع وان لم يستلزم الجزم لا ينافيه فجاز الجمع بينهما نعم استعمال التوقع فيما لا جزم فيه أكثر وأظهر كما في أخاف أن ترسل أي أتوقعه، وفسر الجنف بالميل خطأ والإثم بتعمد(2/273)
الجنف أي الجور ليظهر التقابل وأصل الجنف الميل في الحكم مطلقا كما قاله الراغب، وقوله: فأصلح أي فعل الصلاح، وقوله: في هذا التبديل أي تبديل جور الموصى لهم بالعدل ولو فسر فلا إثم عليه بأعم منه لم يكن النفي واقعا موقعه لأنه يقتضي أنه مظنة لذلك فتأمل.
قوله: (وعد للمصلح الخ) يعني أنه بعد نفي الإثم لا يبقى للوعد بالمغفرة فائدة وإنما أتى
به لمناسبة ذكر الإثم ولكون ما فعله يتوهم فيه الإثم ولو حمل على أنه وعد له بمغفرة ماله من الآثام لما أحسن فيه لكان أظهر وقوله: من جنس ما يؤثم من الأفعال بمعنى ما يوقع في الإثم يقال آثمة إذا أوقعه في إثم، وأما أثمه بالتشديد فمعناه نسبة إلى الإثم. قوله: (يعني الأنبياء عليهم الصلاة والسلام الخ (ووجه التوكيد يعلم من كونه فرضاً على جميعهم فهو مما يهتم به وقوله: وتطييب على النفس أي تسهيل عليها، وفي نسخة للنفبس وقيل: إنه إشارة إلى أنّ المشقة إذا عمت طابت وقوله: تنازع إليه النفس أي تميل وتشتاق. قوله: (كما قال عليه الصلاة والسلام الخ) حديث صحيح في البخاري ومسلم عن عبد الله رضي الله عنه: " قال لنا رسول الله كي! يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء " والباءة النكاج، ولو جاء نوع من الخصباء وهو أن ترض! عروق الأنثيين وتترك الخصيتان كما هنا أي يقطع شهوة الجماع كما يقطعها الخصاء وهو بكسر الخاء والمد وجوّز بعضهم فتحا مع القصر والإخلال معطوف على المعاصي وفيما ذكره المصنف رحمه الله إشارة إلى أن النكاج للقادر سنة، وقيل: إنه عبادة وقوله: فعليه بالصوم، قال! المأزرقي: إنه إغراء للغائب وهو شاذ كقوله عليه رجلا ليس وفي شرح التقريب أنه ليس منه للخطاب بقوله: من استطاع منكم، وفيه بحث يعلم من شروح الكتاب. قوله: (معدودات الخ) أي إفا أن تراد حقيقته أي معينات بالعدد أو يجعل عبارة عن القلة كما مرّ تحقيقه لأنّ القليل
يسهل عده فيعد والكثير يؤخذ جزافا ويهال من قولهم هلت الدقيق في الجراب أي صببته من غير كيل. قوله: (ونصبها ليس بالصيام (أي نصب أياما ليس بالمصدر لما يلزم من الفصل بين المصدر ومعموله لكن الرضي جوّزه لأنه يتوسع في الظرف ما لا يتوسع في غيره. قوله: (أو ما وجب صومه الخ) اختلف السلف هل وجب صوم قبل رمضان فالمشهور وهو أحد قولي الشافعيّ أنه لم يجب صوم قبله وفي آخر وهو قول أبي حنيفة رحمه الله أوّل ما فرض! صوم عاشوراء فلما فرض رمضان نسخ، وقيل: نسخ صومه بصوم أيام البيض ثم نسخت برمضان كذا في شرح البخاريّ لكنه قيل: إنه كنا قبل نزول هذه الآية وإنه نسخ بها، وقوله: أو ثلاثة الخ هي أيام البيض قال النحرير: فإن قيل: كيف يكون الناسخ متصلا قلنا الاتصال في التلاوة لا يدلّ على الاتصال في النزول وبناء السؤال على أن النسخ قبل العمل لا يجوز والأصح جوازه إلا أن يقال بناؤه على نسخ ما عمل به مدة مديدة كيف يكون متصلاً ويجاب بأنه نسخ بوحي غير متلو ثم قرر ذلك بهذا. قوله:) أو بكما كتب الخ) هذا وما بعده منقول عن الفراء وذكره أبو البقاء، قال أبو حيان رحمه الله: وهو خطأ أمّا النصب على الظرف فانه محل للفعل والكتابة ليست واقعة في أيام لكن متعلقها هو الواقع في أيام وأما النصب على المفعولية اتساعا ف! نه مبنيّ على كونه ظرفا للكتب وهو خطأ وليس بشيء لأنه يكفي للظرفية ظرفية المتعلق كما في {يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [سورة العنكبوت، الآية: 52] . قوله: (وقيل: الخ) كونه في الحر شاقاً ظاهر وأمّا في البرد مع قصر النهار وعدم غلبة الحرارة فيه فلعل مشقته لأمر آخر كعسرة تدارك مؤنته ونحوه وقوله: لموتان الموتان بوزن البطلان الموت الكثير الوقوع والموتان بفتح الواو الجماد ضد الحيوان وفي الحديث موتان الأرض! لله ورسوله يعني مواتها وفي الأساس وقع في الناس موتان وموتان بالفتح والضم مع سكون الواو ومن المجاز اشتر الموتان ولا تشتر الحيوان، قال الراغب: قيل: كان قد وجب على من قبلنا صوم رمضان فغيروا فزادوا ونقصوا وهذا قول عهدته على قائله. قوله: (مرضاً يضره الصوم الخ (هذا هو الصحيح، وفي قرل للشافعية أنه يجوز وان لم يتضرر به، وقوله: أو راكب إشارة إلى أنّ كلمة على استعارة
تبعية شبه تلبسه بالسفر باستعلاء(2/274)
الراكب واستيلائه على المركوب يتصرّف فيه كيف يشاء، وقوله: وفيه إيماء إلى أنّ من سافر أثناء اليوم وفي نسخة يوم وفيه خفاء ولذا جعله إيماء وقيل: وجهه أنه لما عدل عن الظاهر وهو أو مسافراً أو في سفر إلى على المقتضية للتمكن التامّ وكان لتمام إنما هو بسفر اليوم كله كان فيه إشارة إليه وقوله: أخر يومىء إلى ذلك أيضا فتأمل. والإفطار في السفر رخصة وقال أبو هريرة رضي الله عنه: أنه لو صام في السفر لم يصح ولزمه القضاء في الإقامة تمسكا بظاهر الآية. قوله: (نصف صاع من بر الخ (في الصحيحين عن سلمة رضي الله عنه لما نزلت: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ} " كان من أراد أن يفطر افتدى حتى نزلت الآية التي بعدها فنسختها " لأنه في أوّل الأمر شق عليهم فرخص لهم ثم نسخ بقوله: {وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ} لكن يعارضه ما في صحيح البخاري أيضا أنّ ابن عباس رضي الله عنهما تلاها وقال:! ليست منسوخة وهي للشيخ الكبير والمرأة الكبيرة لا يستطيعان أن يصوما فيطعمان مكان كل يوم مسكينا " وجمع بأنها كانت في حق الجميع ثم خصت بالعاجز وأورد عليه أنّ هذا ليس من الجمع في شيء فإن منطوق اللفظ لا يساعده لتباين مفهوم من يطيق ومن لا يطيق واعتذر له بأنّ الآية كانت مفيدة للرخصة للمطيقين منطوقا ولغيرهم مفهوما ثم نسخت بالنسبة إلى المنطوق دون المفهوم وفيه بحث وفي شرح تحرير ابن الهمام ومشى ابن الهمام رحمه الله على تقديم ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما لأنه مما لا يقال بالرأي إذ هو مخالف لظاهر القرآن لأنه مثبت فجعله بتقدير حرف النفي لا يقدم عليه إلا بسماع ولأنّ قوله وأن تصوموا خير لكم ليس نصا في نسخه، وأورد عليه أن في هذه الآية خمس قراآت وللكل معنيان أحدهما يقدرون عليه لا مع جهد وعسر وبه فسره النسفي رحمه الله وثانيهما في المجهول يكلفونه على جهد منهم ومشقة وفي المعلوم يتكلفونه على هذا الوجه أيضاً فالآية على المعنى الأوّل منسوخة قطعاً من غير احتياج إلى تقدير لا مع أنه لم ينقل تقديرها عن ابن عباس رضي الله عنهما لكن في قراءة حفصة وعلى الذين لا يطيقونه فيحمل على هذا المعنى على القول بالنسخ وعلى الناتئ ثابتة الحكم عند الجمهور خلافا لمالك وعليه يحمل القول بنفي النسخ على أنه لو كان
محل توارد قولي النسخ، ونفيه في القراءة المشهور تقدير لا وعدمه لكان قول النسخ مقدماً. قوله: (وقرئ يطوقونه الخ) كل هذه اللغات تخريجها ظاهر وإنما الكلام في يطيقونه هل هو تفعل أو تفيعل قال النحرير هو تفيعل إذ لو كان تفعلا لكان بالواو دون الياء كما أن تديرا لو كان تفعلا كما وقع في المفصل لكان تدوراً لأنه واوي ولهذا لما أورده زين المشايخ عليه إذ! ن له وقالط أغواني عبد القاهر: وكذا ديار فيعال ولو كان فعالاً لقيل دوار وذكر المرزوقي أنه تفعل وجاء بالياء نظراً إلى الديار وأنا أظن أنّ ما نقل عن الزمخشريّ لا أصل له فإنّ هذه قاعدة مقررة أن قلب الواو ياء إذا كثر في كلامهم عاملوها معاملة الأصلية وقد كرر هذه القاعدة ابن جني رحمه الله في كثير من كتبه من غير تردد قال في إعراب الحماسة في قول الشاعر:
أن لا يخاف حد وجنا قذف النوى قبل الفساد إقامة وتديرا
التدير تفعل من الدار وقياسها تدوّر لأنّ عينها واو بدلالة قولهم دور غير أنهم لما كثر استعمالهم فيها ديار وديرة أنسوا الياء ووجدوا لفظها أوطأ حساً وألين مساً فاجترؤوا عليها فقالوا: تديرنا داراً وقال حاتم: تديره منها الصهرباد وحاضر انتهى. وقال أيضاً في قول الراجز: إن ديموا جاد وان جادوا وبل
هكذا روا. أبو زيد ورواه أيضاً دوّموا فإمّا أن يكون لما غلبت الياء في الديمة والديم جاؤوا بها على صورة الياء البتة انتهى، فرواية دوموا تقتضي أنه فعلوا لا فيعلوا وذكر له نظائر كإرياح ورياح وهذا مما لا شبهة فيه. قوله: (وعلى هذه القراآت الخ) أي في هذه القرا آت غير المشهورة وهي منقولة عن ابن عباس رضي الله عنهما وفيها وجهان أحد الوجهين أنّ المعنى أنهم يكلفونه لأنّ الصوم في نفسه تكليف والمطيق مكلف به إذ لا يكلف فوق الطاقة وهو بمعنى المشورة والثاني أن ينظر فيه إلى بلوغ الجهد والطاقة ويلاحظ معنى الكلفة بالفعل ويكون المراد به الشيوخ والعجائز ولا يكون منسوخا(2/275)
ثم ذكر المصنف أنّ المعنى الأخير جار في المشهورة من أطاق الفعل بلغ نهاية طوقه فيه، وجاز أن تكون الهمزة للسلب كأنه سلب طاقته بأنه كلف نفسه المجهود فسلب طاقته عند تمام بذله ويكون مبالغة في بذل المجهود لأنه مثارف زواله إذ ذاك ولا حاجة إلى تقدير لا كما ذهب إليه بعضهم فقوله فيكون ثابتا أي غير منسوخ، وقوله يصومونه جهدهم وطاقتهم أي يجهد ومشقة تضعفهم وتتعبهم. قوله: (فمن تطوّع خيرا) قال النحرير قوله فمن تطوّع خيراً مصدر خرت الرجل فأنت خائر وفي قوله فهو خير له اسم تفضيل بمعنى أزيد خيراً وضمير فهو للتطوّع أو لخير المصدرية، وحمل التطوّع
على الزيادة على الفدية لأنّ التطوّع كما مّر يستعمل غير الواجب، وقوله: أيها المطيقون على القراءة والمطوقون على الأخرى وجهدتم بمعنى وقد جهدتم طاقتكم وكذا قوله من الفدية ناظر إلى الوجوه السابقة في صدر الآية وقوله: إن كنتم من أهل العلم فينزل منزلة اللازم ولا يقدر له متعلق كالذي قبله. قوله: (مبتدأ خبره ما بعده الم يبينه وهو يحتمل وجهين أحدهما أنه الذي أنزل الخ، والثاني أنه قوله فمن شهد الخ والفاء زائدة في الخبر والربط بالاسم الظاهر والأوّل أولى لسلامته من التكلف أو خبر مبتدأ تقديره ذلك أو المكتوب وعلى الأوّل فاسم الإشارة لتقضي المشار إليه أو لتعظيمه بجعل بعد الرتبة بمنزلة البعد المحسوس. قوله: (أو بدل الخ (هو ما ذكره المصنف بدل كل من كل ومنهم من لم يقدر وجعله بدل اشتمال لكن المعهود فيه إبدال المصدر من الظرف نحو: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ} [سورة البقرة، الآية: 217] وهذا عكسه فما ذكره المصنف أولى. قوله: (وقرئ بالنصب على إضمار صوموا الخ) الوجه الأوّل ظاهر وأما الثاني فأورد عليه أنه يلزم الفصل بين أجزاء الصلة بأجنبيّ منها وهو الخبر والإخبار عن الموصول قبل تمام صلته وكلاهما ممنوعان ولذا وقع في بعض النسخ وفيه ضعف والبدل يبعده بعد المبدل منه والفصل بينهما وجوّز فيه أن يكون مفعول تعلمون بتقدير مضاف أي شرف شهر رمضان ونحوه. قوله: (ورمضان مصدر رمض إذا احترق الخ (قال أبو حيان: يحتاج في تحقيق أنه مصدر إلى صحة نقل فإن فعلانا ليس مصدر فعل اللازم فإن جاء شيء منه كان شاذاً، فقوله: وجعل علما يعني مجموع شهر رمضان علماً لا رمضان وحده قال النحرير: والا لم يحسن إضافة شهر إليه كما لا يحسن إنسان زيد ولهذا لم يسمع شهر رجب وشهر شعبان وبالجملة فقد أطبقوا على أنّ العلم في ثلاثة أشهر مجموع المضاف والمضاف إليه شهر رمضان وشهر ربيع الأوّل وشهر ربيع الثاني وفي البواقي لا يضاف شهر إليه ثم في الإضافة لا تغيير في أسباب مغ الصرف وامتناع اللام ووجوبها على المضاف إليه فيمتنع مثل شهر رمضان وابن داية من الصرف ودخول اللام وينصحرف مثل شهر ربيع الأول وابن عباس
وتجب اللام في مثل امرئ القيس، وتجوز في مثل ابن عباس وعلى هذا فنحو من صام رمضان من حذف جزء العلم لعدم الإلباس كذا قالوا برمتهم) وفيه بحث (من وجوه الأوّل أنّ قوله لا يحسن إضافة العامّ إلى الخاص ينافيه أنهم جوّزوه من غير قبح كما ذكره هذا القائل في علم المعاني ونحوه كمدينة بغداد وشجر الأراك، وأجيب بأنه إذا اشتهر المضاف وعلم أنه من أفراد المضاف إليه ولم يكن في ذكره فائدة فهو قبيح كإنسان زيد والأحسن فهو يختلف باختلاف المقام ولا يقبح مطلقا ولذا تراه إذا قبحه مثل بإنسان زيد وإذا جوّزه بشجر الأراك والمرجع فيه إلى الذوق الثاني أنّ قوله لم يسمع شهر رجب مما شاع بين المتأخرين وكنت أتردد فيه حتى راجعت الكتب القديمة والكتاب وشروحه فوجدته لا أصل له لأنّ كلام سيبويه وغيره من النحاة يخالفه، قال في شرح التسهيل مقتضى كلام المصنف رحمه الله جواز إضافة شهر إلى جميع أسماء الشهور وهو قول أكثر النحويين وقيل: يختص بما أوّله راء غير رجب فادعاؤه إطباقهم عليه غير صحيح وإن اشتهر ذلك الثالث، أنّ النحاة تبعا لسيبويه فرقوا بين ذكر الشهر وعدمه فحيث ذكر لم يفد العموم نحو: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} حيث حذف إفادة نحو من صام رمضان، قال السهيلي: وعلى هذا استعمال رجب ووجهه مذكور في المفصلات وعليه يكون لإضافة العاتم إلى الخاص فائدة فلا يقبح ولا يكون مثل إنسان زيد، وقال أبو حيان: ما ذكره الزمخشرقي(2/276)
من أنّ علم الشهر مجموع اللفظين غير معروف والعلم رمضان علم جنس، الرابع: أنّ قوله ثم في الإضافة الخ تبع فيه صاحب الكشف وهو أخذه من إيضاج ابن الحاجب قال فيه: المضات إليه في هذه الإعلام كلها مقدر علميته فيعاملوه معاملته في مغ الصرف إن كان فيه علة أخرى ومنع اللام إلا أن يكون سمي به وفيه اللام كأنهم لما أجروه بعد العلمية مجرى المضاف والمضاف إليه في الإعراب وهو معرفة قدروا الثاني علما ليكون على قياس المعارف في الأصل الذي أجر مجراه إذ لا تضاف معرفة إلى نكرة فلذلك مغ صرف قترة في ابن قترة وامتنعت اللام في بنت طبق وان لم يقع على انفراده علما انتهى لكن النحاة صرحوا بخلافه فإنّ ابن داية سمع منعه وصرفه كقوله:
فلما رأيت النسر عز ابن داية وعشش في وكريه جاس له صدري
قالوا ولكل وجهة، أما عدم الصرف فلصيرورة الكلمتين بالتركيب كلمة بالتسمية فكان كطلحة مفرداً وهو غير منصرف، وأما الصرف فلأنّ المضاف إليه في أصله اسم جنس والمضاف كذلك وكل منهما بانفراده ليس بعلم وإنما العلم مجموعهما فلا يؤثر التعريف فيه ولا يكون لمنع الصرف مدخل فيه ومنه يعلم أنّ ما ذكره المصنف رحمه الله فيه نظر من وجوه، فتدبر. واعلم انّ ما ذكره المتأخرون لا أصل له لأنّ سيبويه وشراحه كلهم أثبتوا أسماء الشهور وجوّزوا إضافة شهر إليها بأسرها وفرق سيبويه بين ذكرها وعدمه وما ذكروه من إضافتها إلى ما أوله راء غير رجب لا صحة له ومنشأ غلطهم ما في شرح أدب الكاتب من أنه اصطلاح الكتاب
قال: لأنهم لما وضعوا التاريخ في زمن عمر رضي الله عنه وجعلوا أوّل السنة المحرّم فكانوا لا يكتبون في تواريخهم شهرا إلا مع رمضان والربيعين انتهى فهو أمر اصطلاحيّ لا وضعي لغويّ ووجهه في رمضان موافقه القرآن وفي ربيع لئلا يلتبس بفصل الربيع فاحفظه فإنك لا تجده في غير كتابنا هذا، وقوله: لارتماضهم أي التهابهم، وقوله: لارتماض الذنوب كذا وقع في حديث مرفوع. قوله: (من صام رمضان) " تمامه إيمانا واحتسابا غفر له ما تقذم من ذنبه وما تأخر " وأورد في الكشاف حديث من أدرك رمضان فلم يغفر له قال النحرير لا يوجد له تمام فيما اشتهر من الكتب ويحتمل أن تكون من استفهامية والمعنى ما أدركه أحد فلم يغفر له بمعنى أنّ كل من أدركه غفر له فيكون كلاما تاما انتهى، وليس كما قال والحديث بتمامه معروف أخرجه البزار من حديث عبد القه بن الحرث الزبيدي مرفوعا: " أتاتي جبريل عليه الصلاة والسلام، فقال: من أدرك رمضان فلم يغفر له فأبعده الله ثم أبعده قل آمين، وقد ذكر الحديث بتمامه الحافظ ابن حجر أماليه فقال روي عن أبي هريرة رضي الئه عنه: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رقي المنبر فقال: آمين ثلاث مرّات، فقالوا يا رسول الله ما كنت تصنع بهذا فقال أتاني جبريل عليه الصلاة والسلام فقال رغم أنف رجل دخل عليه رمضان فلم ينفر له فقلت آمين ثم قال رغم أنف رجل أدرك أبويه أو أحدهما فلم يغفر له فقلت آمين ثم قال: رغم أنف رجل ذكرت عنده فلتم يصل علئ فقلت آمين " وروي من غير طريق عن الدارقطني والبزار والبيهقيّ، ومن فيه موصولة فقول المحقق إنها استفهامية وأنه لم يوجد له تمام عجيب منه. قوله: (حينما نقلوا) أي في الوقت الذي نقلوه عن أسمائها القديمة أي غيروا الأسماء القديمة وهي مؤتمر وناجر الخ ووجه تسمية هذه مذكور في كتب الآداب مشهور. قوله: (أي ابتدئ فيه إنزاله الخ الما فهم من النظم أنّ القرآن نزل في رمضان وليس كذلك بينه بأنّ المراد أن ابتداء نزوله وقع فيه أو أنه نزل جملة فيه إلى سماء الدنيا ثم نجم أو المراد أنزل! في شأنه، " والحديث المذكور أخرجه أحمد
والطبراني ". قوله: (والفاء لوصف الخ) قال السمين: الفاء زائدة على رأي الأخفش وليست هذه الفاء التي تزاد في الخبر لتشبيه المبتدأ بالشرط وإن كان بعضهم زعم أنها مثل قوله تعالى: {قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ} [سورة الجمعة، الآية: 18 وليس كذلك لأن قوله الموت الذي تفرّون منه يتوهم فيه عموم بخلاف شهر رمضان وفيه نظر، وقوله: إشعاو بأن الإنزال أي ابتداء الإنزال أو الإنزال جملة إلى السماء الدنيا والا فمطلق الإنزال مشترك بينه وبين غيره. قوله: (حالان من القرآن الخ) أي هدى وبينات وأما ما بعده(2/277)
فهو متعلق به، ثم إنه أشار إلى تغيرهما بأنه هدى للمنكرين وغيرهم بإعجازه وأنها واضحة الهداية إلى الحق من غير ذلك وفارقة بين لاحق والباطل فالهدى ليس مكررا هنا لتغاير متعلقه والزمخشريّ دفعه بأنه تدرج في وصفه بالهداية فجعله أوّلاً هدى ثم واضحات هدى. قوله: (قمن حضر في الشهر الخ) يعني ليس الشهر مفعولاً به كما في قولك شهدت يوم الجمعة بمعنى أدركته إذ ليس معناه كنت مقيما غير مسافر فيه وإنما لم يكن مفعولاً به لأنّ المقيم والمسافر كلاهما شاهدان للشهر أي مدركان له مع أنّ المسافر لا يجب عليه الصوم على الوجه الذي يجب على المقيم أي من غير رخصة في الإفطار، وإذا جعل الشهر ظرفاً والشاهد بمعنى الحاضر له لم يتناول المسافر فلم يحتج إلى تخصيصه كما احتيج إلى تخصيص المريض المقيم في الشهر ولا خفاء في أنّ تقليل التخصيص! أولى ولا حاجة إلى تقدير المفعول أي شهد البلد وأما ضمير فليصمه فظرف على الاتساع كما في قوله: ويوم شهدناه وفيه نظر فإن ما بعده مخصص له فلا حاجة إلى سلوك غير المتبادر وتقليل الاختصاص أمر سهل، وقوله للتعظيم أي المفهوم من التكرار وان لم يكن معنى اللفظ مما يشعر بالتعظيم. قوله:) وقيل فمن شهد منكم هلال الشهر الخ) الشهر زمن معروف في
الأشهر وقال الزجاج: أنه اسم للهلال نفسه، قال ذو الرمة:
يرى الشهر قبل الناس وهو نحيل
ثم أطلق على الزمان لطلوعه فيه فعلى هذا الشهر مفعول وشهده بمعنى المشاهدة ونحوها والمصنف رحمه الله حمل المشاهدة على هذا المعنى فاحتاج إلى تقدير الهلال لأنّ الشهر نفسه لا يشاهد ولو كان بمعنى الإدراك لم يحتج إلى تقدير أيضا كما يقال شهدت عهد الخليفة أي أدركته وأما ضمير يصمه فعلى التوسع على كل حال لأنّ صام غير متعد ومثل بشهدت الجمعة للتقدير لقيام القرينة وهو ظاهر، وقوله: فيكون الخ أي مخصصاً للمجموع أو للمسافر والا فهو مخصص للمريض على كل حال وأما ذكره مسابقا فلما لم يصرح فيه برمضان لم يكن مخصصاً فتأمل. وبين وجه تكريره أو أن ما مرّ من قوله: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ} الخ إذ كان منسوخا على أحد الوجهين كما مرر بما توهم نسخه لذكره فأعاده لتقريره. قوله:) يريد أن ييسر عليكم ولا يعسر الخ) يشير إلى أن قوله: {يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ} قرينة على أنّ المراد بقوله: {فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} الترخيص في الإفطار لا إيجابه على ما زعم بعض الناس والمعنى فعليه عذة من أيام أخر لو اختار الرخصة وما ذكر من أنه يريد أن لا يعسر مدلول يريد الله بكم اليسر لا مدلول ولا يريد بكم العسر لأن عدم إرادة العسر لا يستلزم إرادة عدم العسر إلا إذا ثبت لزوم تعلق الإرادة بأحد النقيضين كذا قيل: ورذ بأنه مسلم بالنظر إليها في نفسها وأما بملاحظة قوله: {يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ} فيستلزمه، وقيل: إنّ قوله ولا يعسر مرفوع معطوف على ما يريد لا منصوب معطوف على ييسر ونبه به على أنّ عدم إرادته العسر مستلزم لعدم العسر إذ لا يكون شيء بدون إرادته ومنه ظهر ضعف ما قاله النحرير وفيه نظر واباحة الفطر للسفر والمرض يسر دون عسر لجواز الفطر وعدم إيجابه. قوله: (علل لفعل محذوف الخ الما لم يكن في النظم ظاهراً ما يعطف عليه هذا التعليل اختلف فيه على وجوه سيأتي بيانها وعندي أنه ميل مع المعنى والتوهم لأنّ ما قبله علة للترخيص فكأنه قيل: رخص لكم في ذلك لإرادته بكم اليسر دون
العسر ولتكملوا الخ والمصنف ذهب إلى أنها علل لمقدر معطوف على ما قبله بقرينة ما قبله شرع لكم ما ذكر لتكملوا أما ذكر الأمر بالصوم وبمراعاة العدة فظاهر، وأما الترخيص فقيل بقوله: {يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ} وقيل: بقوله: {فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} وقيل: عليه أنه ذكر في تفصيل العلل أمر الشاهد بالصوم دون تعليم كيفية القضاء، وفي تطبيق العلل ورذ كل منها إلى معلل بالعكس ولم يقع بإزاء صوم الشهر علة وبإزاء لتكبروا معلل، وأجيب بأن أمر الشاهد بصوم الشهر توطثة وتمهيد وفي الأمر بمراعاة العذة تعليم لكيفية القضاء لا! معناه فليراع عذة ما أفطر ليصومها من شهر فيخرج عن العهدة ولما في هذا اللف من الخفاء قال الزمخشرقي: إنه لطيف المسلك. قوله: (أو لأفعال كل الخ (عطف على قوله لفعل وعلى الأوّل يقدر فعل مجمل شامل لها وعلى هذا يقدر على التفصيل كأمركم بصومه ورخص لكم فيه لسفر ومرض الخ وأخره لما فيه من كثرة التقدير(2/278)
وكذا حذف المعطوف عليه خلاف الظاهر أيضا. قوله: (ويجوز أن يعطف على اليسر) قال العلامة في سورة الصف: وكا! هذه اللام زيدت مع فعل الإرادة تأكيداً لما فيها من معنى الإرادة في قولك جئتك لإكرامك وشبهه بلا أبالك في أنها زيدت لتأكيد معنى الإضمافة قيل: ولعل الأشبه أن يجعل من قبيل وأمرنا لنسلم أي يريدون الإطفاء لا لشيء غيره وفيه مبالغة وتنبيه على أنهم لم يقصدوا بالإطفاء غرضاً كما يقصده العقلاء في أفعالهم انتهى وهذه ملاحظة دقيقة في تعليل الشيء بنفسه كأنه لا علة له سواه وبلاغته ظاهرة لكنه يأباه عطف المفعول له على المفعول به إلا أن يريد أنها زائدة في المفعول به ولكن وجه زيادتها إيهام ما ذكر ولا يخفى بعده فتأمل. قوله: (والمعئئي بالتكبير الخ (أي عدى به باعتبار ما قصد منه وهو الثناء لأنه يقال: أثنى عليه خيرا أو لتضمينه ذلك كما في الكشاف وهذا يدذ على ضعف ما ذكر بعده ولذا قدمه عليه مع أنه خلاف الظاهر إذ لا قرينة لتخصيصه، وقوله: والخبر أي الموصولية لأنّ صلتها جملة خبرية والعائد مقدر واليه أشار بقوله إليه. قوله: (فقل لهم إني قريب (قدر القول بقرينة سبب النزول ليرتبط الجزاء بالشرط والقرب حقيقة في القرب المكاني المنزه عنه الله تعالى فهو استعارة لعلمه بحالهم واجابة سؤالهم، وقوله: روي الخ أخرجه ابن أبي حاتم وابن جرير
وابن مردويه ونناجيه يجوز فيه النصب في جواب الاستفهام والأولى الرفع أي إن كان قريبا فنحن نناجيه ومقتضى الحكاية أن يقول فإنه قريب لكن عدل للدلالة على شدّة القرب حتى كأنهم يسمعون كلامه بالذات، وقوله: أمر بالثبات الخ فسر به ليأخذ الكلام بعضه بعضا وليكون ذكره بعد ليستجيبوا على ما فسر به غير مستغنى عنه وقوله: راجين تقدم توجيهه وما له وعليه. قوله: (واعلم الخ) وجه الحث أن ما شرع لأجله يكون مهما يعتني به، وقوله: تأكيداً له وحثا ليس هذا التأكيد في الكلام صريحا منطوقا أو مفهوما وإنما هو بطريق الإيماء والتلويح ومثله يحسن فيه العطف إشارة إلى أنه مقصود بالذكر لا مذكور بالتبعية فلا يرد عليه أن التأكيد يقتضي ترك العطف حتى يحتاج إلى عطفه على مقدر وهو إذا لم يسألوني فإني غنيئ عنهم وإذا سالك الخ. قوله:) روي أن المسلمين الخ (أخرجه أحمد من حديث كعب بن مالك وأبو داود من حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه مخصصآ بما بعد النوم وأخرجه ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما وفيه: 9 إذا صلوا العشاء " كما قال المصنف رحمه الله وهذا أحد موافقات عمر رضي الله عنه، وقوله: وليلة الصيام الخ لأن الليل سابق على النهار على الأصح إلا في ليلة عرفة فإنها بعده كما صرحوا به. قوله: (والرفث كناية عن الجماع الخ (الرفث كلام متضمن لما يستقبح ذكره من ذكر الجماع ودواعيه وهو هنا كناية عن الجماع ولم يجعل مجاز العدم المانع من الحقيقة وعدى بإلى لتضمن معنى الإفضاء يقال رفث وأرفث بمعنى صار ذا رفث
ووجه دلالته على معنى القبح من جهة أنه الإفصاج بما يجب أن يكنى عنه فذكر لتقبيح ما فعلوه ولذا سماه خيانة في قوله: {كُنتُمْ تَخْتانُونَ} بعده فلم يقل أفضيتم أو باشرتم أو نحوه كما في أمثاله فإن قيل: لم لا يجعل من أوّل الأمر كناية عن الإفضاء كما في الأساس قيل: لأن المقصود هو الجماع والإفضاء أيضاً كناية عنه. قوله: (استئناف يبين سبب الإحلال (جعله في الكشاف كالبيان للسبب، قيل: والتمثيل ببيت النابغة الجعدي وان كان لتشبيهه باللباس لكن يفيد أن وجه الشبه هو الاشتمال لا ما قيل: إنّ كلاً منهما يستر الآخر عن الفجور والضجيع المضاجع وثنى عطفها أمال شقها وتثنت مالت وفيه أيضاً أنّ اللباس استعارة وليس على حذف أداة التشبيه كما هو رأي الأكثرين وذلك لأنّ الظاهر أن عليه متعلق به كما في أسد عليّ انتهى وقيل إنه اعتراض! على قول المصنف رحمه الله أو لأنّ الخ بأنه خلاف قصد العرب وهو غير وارد لأنّ قصد العرب لهذا لا يمنع من تشبيه الله تعالى بوجه آخر أنسب بالحل ولذا أخره عنه كما جعل التقوى لباسا وقد استفاض هذا التشبيه وتصرفوا فيه على أبحاث شتى وتظرف بعض المتأخرين فقال: لبسنا ثياب العناق مزررة بالقبل وأما قوله: وليس على حذف أداة التشبيه فالمرضى خلافه وقد مر جوابه. قوله: (علم الله الخ (جملة معترضة(2/279)
مبينة أن الله عالم بهم متضمنة لو عدهم بمتابعة أوامره ووعيدهم على مخالفته، والخيانة ضد الأمانة ولما كانت خيانة النفس غير متصورة جعلها مجازاً عن الظلم وتنقيص الثوأب، وقال الراغب: الاختيان مراودة الخيانة ولم يقل تخونوا أنفسكم لأنه لم يكن منهم الخيانة بل الاختيان فإنّ الاختيان تحزك شهوة الإنسان لتحرّي الخيانة وذلك هو المشار إليه بقوله: {إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ} [سورة يوسف، الآية: 53] وفسر عفا عنكم بمحا أثره أي أحله بعدما حرم لأنه أنسب والتحريم الأوّل كان بالحديبية وهذه الآية نسخته والإلزاق والإلصاق بمعنى وهو المماسة.
قوله: (فالآن باشروهن لما نسخ الخ (أشار به إلى أنه متفزع على أحل لكم الخ، وأنّ
الأمر للإباحة لأنه بعد التحريم وهو توطئة لما بعده، وقوله: من الولد إشارة إلى أن المقصود من الجماع التناسل لإقضاء الوطر والنهي عن العزل بالنسبة إلى الحرائر وعلى الوجه الأخير
472 سورة البقرة / الآية: 87 1 بالقرآن والمباشرة إلزاق البشرة بالبشرة كنى به عن الجماع {وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللهُ لَكُمْ} واطلبوا ما قدره لكم وأثبته في اللوج المحفوظ من الولد والمعنى انّ المباشر ينبغي أن يكون غرضه الولد فإنه الحكمة من خلق الشهوة وشرع النكاح لإقضاء الوطر وقيل النهي عن العزل وقيل عن غير المأتي والتقدير وابتغوا المحل الذي كتب الله لكم {وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} شبه أوّل ما يبدو من الفجر المعترض! في الأفق
باعتباره عن المحل وهو ظاهر. قوله:) شبه أوّل ما يبدو من الفجر) في الكشاف فإن قلت: أهذا من باب الاستعارة أم من باب التشبيه، قلت قوله من الفجر أخرجه من باب الاستعارة كما أن قولك رأيت أسداً مجاز فإذا زدت من فلان رجع تشبيها، وأورد عليه بعض فضلاء العصر تبعا لابن القاري وغيره اعتراضأ فقال لو كان الفجر بيانا للمراد من الخيط الأبيض لكان مستعملا في غير ما وضع له وهو ينحصر في المجاز والكناية وليس كناية ولا مجازا مرسلاً لأنه المراد به التشبيه فتعين أن يكون استعارة إلا أن يكون بياناً لمقدر أي حتى يتبين لكم شبه الخيط الأبيض لكم نظم الآية لا يحتاج إلى تقدير وارتكاب حذف لا سيما والمجاز أبلغ وأطال فيه واذعى أنه تحقيق دقيق وهذا غفلة منهم عن كونه بيانا غير حقيقيّ على سبيل التجريد كما مرّ نعم البيان اللفظ إذا كان بغير معناه الحقيقيّ ولم يقصد به التجريد لزم أن يكون استعارة ولذا قال العلامة في سورة النحل في تفسير قوله تعالى: {يُنَزِّلُ الْمَلآئِكَةَ بِالْرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ} [سورة النحل، الآية: 2] الروج استعارة للوحي الذي هو سبب الهداية الأبدية ومن أمره بيان له وفي بعض شروحه شبه الروح بالوحي لإحيائه ميت الجهل ثم أقيم المشبه به مقامه فصار استعارة تحقيقية مصرحة والقرينة الصارفة عن إرادة الحقيقة إبدال أن أنذروا من الروج، وقيل: من أمره يخرج الاستعارة إلى التشبيه كما في هذه الآية (قلت) بينهما بون بعيد لأنّ نفس الفجر عين المشبه الذي شبه بالخيطين وليس مطلق الأمر ههنا شبيها بالروج حتى يكون بيانا له لأنه أمر عام بمعنى الشأن والحال ولهذا يصح أن يفسر الروج الحيواني. به كقوله تعالى: {قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي} [سورة الإسراء، الآية: 85] أي من شأنه ومما استأثر بعلمه وأن يفسر به الروح المراد منه الوحي أي من شأنه ومما أنزله على أنبيائه عليهم الصلاة والسلام، نعم هو مجاز أيضاً لأنّ الأمر العام إذا أطلق علي فرد من أفراده كان مجازآ انتهى والى هذا أشار في الكشف بقوله: ليس وزان من أمره وزان من الفجر فمن ظن أن البيان مطلقا ينافي الاستعارة كما توهمه عبارة المطوّل فقد وهم وأما قول المرزوقي في شرح الفصيح الخيط واحد الخيوط استعمل فيما هو كالسطر الممتد مجازاً تشبيهأ بامتداد الخيط في قوله تعالى الخيط الأبيض فمن تسمح أهل اللغة في استعمال المجاز في أمثاله، وقوله: المعترض! احتراز عن المستطيل وهو الفجر الكاذب فإنه ليس منتهى الليل، والغبش بالتحريك بقية الليل ويقال ظلمة آخر الليل والجمع أغباش. قوله: (واكتفى ببيان الخيط الأبيض الخ (يريد أن بيانه وهو الغبش كأنه ذكر معه فيخرج إلى التشبيه كالخيط الأبيض وهذا مختار السكاكي ومنهم من جعل الخيط الأسود استعارة لأنه لم يبين لا
يقال ففي كلا ستعارة دلالة على حذف المشبه لأنا نقول لا بل فيها دلالة على أن المراد هو المشبه وفرق بين هذا وبين الدلالة على أنّ في الكلام محذوفا ومقدراً هو اسم المشبه سواء كان جزءاً من الكلام يتوقف صحة التركيب عليه أولاً، وقوله: وبذلك خرجا الخ لأنه من باب التجريد وهو من التشبيه البليغ كما مرّ. قوله: (ويجوز أن تكون من للتبعيض الخ) في الكشاف من الفجر بيان للخيط الأبيض واكتفى به عن بيان الخيط الأسود لأنّ بيان أحدهما بيان للثاني، ويجوز أن تكون من للتبعيض لأنه بعض الفجر وأوّله وفي الكشف لما مرّ من أنّ الخيط الأسود ما يمتد معه من الغبش فقد حصل بيان الثاني تبعا لأنّ الغبش لا ينفك عنه، ويجوز أن تكون من للتبعيض لأنه بعض الفجر وأوله لأنّ ما يبدو أولاً الخيط الأبيض(2/280)
والمعنى لا يختلف وكفاك دليلا قوله: أول ما يبدو من الفجر المعترض في تفسير الخيط الأبيض، وقول بعضهم الصحيح الأوّل مردود لفظاً ومعنى وجوز أن يرجع إلى الغبش على أنّ الفجر عبارة عن النور والظلمة بعضه أي جزؤه لا جزء منه وهو خلاف الظاهر لقوله: وأوّله وحينئذ يكون وزانه وزان من في قولك جاءتي العالم من القوم، والاعتراض! بأنه إذ ذاك من تتمة الأبيض فوجب أن لا يفصل بينهما بالخيط الأسود غير قادج لأنه في المعنى بيان له أيضاً لأنّ محله النصب على الحالية تبينا كان أو تبعيضا فحقه التأخير عما هو في صلة التبيين، ولو قيل إن الفجر عبارة عن مجموع الخيطين لقول الطائي:
وأزرق الفجر يبدو قبل أبيضه
فيكون بيانا لهما على وزان قولك حتى يتميز العالم من الجاهل ويكون وقت التبيين عبارة
عن الفجر الصادق على أنّ الخيط إشارة إليه لكان وجهاً، ثم إنهم سكتوا في وجه التبعيض عن الحقيقة والمجاز والظاهر من كلام الكشاف أنه حقيقة وفيه تأمّل، وقوله: فإن ما يبدو بعض الفجر إذ هو مجموع البياض والسواد وعلى الأوّل هو البياض فقط أو مجموعهما وجعله بيانا لأنّ بيان الجزء بيان الكل أو إنّ فيه تقديراً أي من بعض الفجر والظاهر الأوّل لأنه لو سلم الثاني كان بياناً لهما من غير تقدير كما في الكشف ولم يكن فرق بين البيان والتبعيض. قوله: (وما روي أنها نزلت الخ) هذا صحيح مذكور في البخاري فلا ينبغي أن يقولي إن صح ولما كان تأخير البيان على القول به لا يجوز عن وقت الحاجة على الصحيح أوّله بأن نزوله كان قبل رمضان وهو غير دافع لأنهم محتاجون إليه في صوم التنفل فالأولى الاقتصار على ما بعده، قال
سعد.
الكرمانيّ: كان استعمال الخيطين فيهما شائعا غير محتاج إلى البيان فاشتبه على بعضهم فحملوه على العقالين، وقال النووي: فعله من لم يكن مخالطا لرسول الله! ي! من الأعراب ومن لا فقه عنده أو لم يكن في لغته استعماله فيهما ورجح هذا بعضهم وقال إنه كان معروفا في لغة قريش ومن جاورهم قال أبو داود:
فلما أضاءت لنا سدفة ولاج من الصبح خيط أنارا
وقال آخر:
قد كان يبدو وبدت تباشره وسدف الخيط البهيم ساتره
وعدي بن حاتم لم يكن ذلك من لغته. قوله:) وفي تجويز المباشرة إلى الصبح الخ (لأنه
لما أباح المباشرة إلى تبين الفجر تبين أنّ الغسل فيما بعده وأما دلالته على جواز النية بالنهار فلا ولدا لم يذكره كما في الكشاف لأنه ثابت بدليل آخر. قوله: (بيان آخر وقته الخ (ونفى صوم الوصال وفي نسخة فينتفي صرم الوصال وهي أولى وهو أن يصوم يومين فأكثر من غير أن يفطر الليل قيل إنّ النبيّ لمجيئ استنبط هدّا منها كما أخرجه أحمد ووجهه أنه جعل الليل غاية للصوم وغاية الشيء منقطعه ومنتهاه وما بعد الغاية مخالف ما قبله وإنما يكون كذلك إذا لم يبق بعده صوم، وأما احتمال كون الغاية للوجوب فمع أنه خلاف الظاهر لا ينفي احتماله مع بيان المراد بالحديث الصحيح. قوله: (والاعتكاف الخ) أصل معنى العكوف في اللغة الملازمة على سبيل التعظيم ثم نقل في الشرع إلى الاحتباس في المسجد على سبيل القربة وأما دلالته على ما ذكر فلأنه معنى الاعتكاف شرعا كما قدمه، وأما كونه لا يخص مسجداً فظاهر فلا يرد
أنه ربما يذعي دلالته على أنّ الاعتكاف يكون في غير المسجد دمالا لما كان للتقييد فائدة وقوله: وأنّ الوطء يحرم فيه راجع للاعتكاف بقرينة قوله: ويفسده، وأما المجامعة في المسجد مطلقا فلا تدل الآية على حرمتها، وقال ابن الهمام رحمه الله: التحريم يحتمل أن يكون للاعتكاف وأن يكون للمسجد فتكون ظنية الدلالة وبمثلها تثبت كراهة التحريم لا التحريم فهي مكروهة كراهة تحريم على الأصح كما في شرح الكنز. قوله: (أي الأحكام التي ذكرت الخ) أي الأحكام المذكورة من باشروا وابتغوا وكلوا واشربوا للإباحة وأتموا الصيام للإيجاب ولا تباشروهت لتحريم حدود الله، والنهي عن الإتيان والقربان في الحرام ظاهر وأما في الواجب(2/281)
والمندوب والمباج فمشكل، وعن التعذي بالعكس لأن النهي عن التعذي في الجواب والمندوب والمباح ظاهر لأنه بمعنى ينبغي أن يكون هذا عملكم، وفي الحرام مشكل لأنّ التعدي عن الحرام واجب وما ذكر في الكشاف من كون منع القربان مبالغة في منع التعدي وكون التعدي عبارة عن ترك الطاعة والعمل بالشرائع وتجاوز حيز الحق إلى حيز الباطل يدفع الإشكالين بتأويل في اللفظ وهو أنّ تلك الأحكام ذوات حدود فلا تقربوها كيلا يؤذي إلى تجاوزها والوقوع في حيز الباطل وهو معنى قوله نهى أن يقرب الحد الحاجز الخ، وقوله: فضلا عن أن يتخلى جواب عما قيل: كيف قيل: فلا تقربوها مع قوله: {فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ} [سورة البقرة، الآية: 229] ومنع تعذي الحد ومنع قربانه متدافعان لأنّ منع التعدي يشعر بجواز القربان فإن منع القربان يفيد مغ التعذي بطريق الأولى فهو أبلغ منه، وقوله لكل " ملك حمى " حديث صحيح وهو من جوامع الكلم وشبه المحارم بالحمى الذي يحميه السلطان عن الرعاة وغيرهم فلا يدخله أحد ثم نهى عما يقرب منه من المشتبهات فإنه يوقع في المحرمات كمن قرب من المرعى المحمى فإنه يخشى عليه من دخوله، ويوشك بمعنى يقرب وهو شاهد للمنع من القرب وان كان المذكور فيه المحارم فقط. قوله: (ويجوز أن يريذ بحدود الله الخ) فيستقيم منع اأمربان من غير تأويل إلا أنه لم يسبق إلا نهي واحد وهو قوله لا تباشروهق فقيل: التعدد باعتبار أن الأوامر السابقة نهى عن أضدادها، وقيل: إنه في أمر الإباحة مشكل فالأوجه أن يراد هذا وأمثاله. قوله: (مثل ذلك التبيين (يحتمل أنّ الإشارة إلى التبيين
السابق أو إلى ما بعده كما مرّ، وقوله: مخالفة الأوامر والنواهي على التفسير الأوّل ظاهر وعلى الثاني تتميم. قوله: (أي لا يكل بعضكم الخ) يعني أنّ هذا ليس من مقابلة الجمع بالجمع كما في اركبوا دوابكم بل المراد نهي كل عن أكل مال الآخرة فقوله بالباطل متعلق بتأكلوا وبينكم أيضا كذلك أو ظرف مستقر حال من الأموال والأدلاء الإلقاء أي إلقاء الأموال إلى الحكام، وفي الأساس أدليت دلوي في البئر أرسلتها ودلوتها نزعتها ومن المجارّ دلوت حاجتي طلبتها ودلوت به إلى فلان تشفعت به إليه وأدلى بحجته أظهرها وأدلى بمال فلان إلى الحكام رفعه وعلى نصبه بإضمار أن معناه لا يكن منكم أكل الأموال والإدلاء ومثله وإن كان للنهي عن الجمع لا ينافي كون كل من الأمرين منهيا، وبها الباء للتعدية متعلق بتدلوا أي ترسلوا بها إلى الحكام أو للسببية وضمير بها للأموال وبالإثم متعلق بتأكلوا والباء للسببية أو للمصاحبة والجار والمجرور حال من فاعل تأكلوا أي ملتبسين بالإثم وكذلك جملة وأنتم تعلمون حالية ومفعوله محذوف كما أشار إليه المصنف رحمه الله. قوله:) روي أن الخ (هذا الحديث أخرجه ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير مرسلاً وامرؤ القيس هذا صحابيئ رضي الله عنه وليس هو الشاعر المشهور لأنه جاهليّ وعبدان بوزن عطشان علم. قوله: (وهو دليل على أن حكم القاضي الخ) هذه المسألة مما اختلف فيه هل حكم الحاكم بحسب ظاهر الشرع إذا لم يكن كذلك في نفس الأمر ينفذ ظاهراً وباطنا أو ظاهراً فقط حتى لا يحل له ما حكم له به وليس الخلاف فيمن ادّعى حقا في يدي رجل وأقام بينة تقتضي أنه له فإنه غير جائز له أخذه وحكم الحاكم لا يبيح له ما كان قبل ذلك محظورا عليه وإنما الخلاف في حكم الحاكم بعقد أو فسخ عقد بشهادة شهود إذا
علم المحكوم له أنهم شهود زور فقال أبو حنيفة رحمه الله: إذا حكم الحاكم ببينة بعقد أو فسخ عقد مما يصح أن يبتدأ فهو نافذ ظاهرا وباطنا ويكون كعقد عقداه بينهما وإن كان الشهود شهود زور كما روي: أنّ رجلا خطب امرأة هو دونها فأبت فاذعى عند عليّ كرّم الله وجهه أنه تزوجها وأقام شاهدين فقالت المرأة إني لم أتزوّجه وطلبت عقد النكاح فقال عليّ رضي الله عنه: قد زوّجك الشاهدان وقال أبو يوسف ومحمد والشافعيّ: لا ينفذ وحكم الحاكم في الظاهر كهو في الباطن والمسألة معروفة في الفروع والأصول ولها تفصيل في أدب القاضي والآية تدلّ على القول الثاني بحسب الظاهر. قوله:) ويؤيده الخ (الحديث المذكور أخرجه الشيخان وألحن أفعل تفضيل من اللحن وهو صرف الكلام عن سننه الجاري إما بلحن أو بجعله تعريضا وقيل: للفطن لحن وكذا القوي على التكلم ومنه ما في الحديث ودلالته لما ذكر ظاهرة ولكنه ليس محل الخلات كما مرّ ومطابقة سبب النزول للآية باعتبار أكل المال(2/282)
بغير حق مطلقا. قوله:) سأله معاذ بن جبل رضي الله عنه الخ (قال العراقي: لم أقف له على إسناد وتعقب بأنه أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق من طريق السدي عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما وله طرق أخرى وغنم بغين معجمة ونون بوزن قفل وكما بدا يصح فيه الهمزة والألف أي كما كان أوّلاً. قوله: (أي إنهم سألوا عن الحكمة الخ (ذهب أهل المعاني إلى أن هذا من الأسلوب الحكيم ويسمى القول بالموجب وهو تلقي السائل بغير ما يطلب بتنزيل سؤاله منزلة غيره تنبيهاً على أنه الأولى بحاله وأنهم سألوا عن السبب في اختلاف القمر وزيادة النور ونقصانه فقالوا: ما باله يبدو دقيقا ثم يتزايد قليلاً قليلآ حتى يمتلئ ثم يعود إلى حاله الأوّل فأجيبوا ببيان الغرض من هذا الاختلاف من بيان مواقيت العبادات والمعاملات تنبيهآ على أن الأولى بحالهم أن يسألوا عن الغرض لا عن السبب لأنهم ليسوا ممن يطلع على دقائق
الرياضات ولا يتعلق لهم غرض بها فإن كان المصنف رحمه الله أراد هذا فالظاهر أن يقول: سألوا عن السبب والعلة، وإن أراد أنّ السؤال إنما هو عن غايته وفائدته فالمذكور في سبب النزول لا يساعده كما قيل: وليس بشيء لأن عبارة السؤال لا تنافيه ولذا قال النحرير: أنا لا أزيد على التعجب سوى أن أقول أي دلالة لقولهم ما بال الهلال الخ على أنه سؤال عن السبب والفاعل دو) ، الغاية والحكمة فحمله المصنف على ذلك لأنه اللائق إذ مثلهم لا يستبعد منه السؤال عن ذلك فيكون محصله لم جعله الله كذلك بخلقه على حالة تقتضيه ولم يدم على حالة واحدة كالشمس فأجيبوا بأنه للمواقيت ونحوها فإن كان السؤال عن السبب وعدل عنه إلى ما ذكر لما مرّ وسيذكره المصنف رحمه الله أيضا فوجه العدول أنه أمر لا يتعلق بمنصب النبوّة إذ العلوم قسمان قسم يعلم من الشرع كالعلوم الدينية وقسم يعلم من غيره إذ لا تعلق له بمعرفة الله وأمور الدين كمثل هذا أو لأنهم ليسوا ممن يقف على مثل هذه الدقائق الموقوفة على الإرصاد والأدلة الفلسفية وليس هذا مما نقص! من قدرهم كما توهمه بعض الناس مع أنّ كثيرأ من أدلتهم مطعون فيها عندهم أيضا والحكم المسكوت عنها لا تحصى وقوله: ومعالم يعني أن الميقات ما يوقت به الشيء كما أنّ المقدار ما يقدر به، وقوله: وخصوصا الحج إشارة إلى أنه من ذكر الخاص بعد العام لمزيد اختصاص الميقات به حيث روعي فيه أداء وقضاء وقيل: إنه توبيخ لأصحاب النسيء وتوطئة لما بعده. قوله: (والمواقيت الخ) هذا الفرق مأخوذ من الراغب وعليه يعوّل في أمثاله وقوله: إن المذة احترز عما إذا قيدت كمدة كذا، وقوله: المفروض لأمر أي المقدر لأنّ أصل معنى الفرض! التقدير. قوله:) كانت الأنصار الخ) الفسطاط بضم الفاء وكسرها بيت الشعر والنقب خرق الحائط وهو راجع إلى الدار والفرجة راجعة إلى الفسطاط. قوله: (ووجه اتصاله الخ) أي وجه جمعه مع ما قبله بالعطف وعدم فصله وذكر له أربعة أوجه، وقوله: أنهم سألوا عن الأمرين أمر فرضيّ فلا يضره منافاة بعض الوجوه الآخر وأصل معنى الاستطراد في الصائد إذا قصد صيداً بعينه فعرض! له صيد آخر فمضى في أثره وطرده لا عن
قصد والفرق بيته وبين الاعتراض أنّ الاعتراض! مؤكد لما سيق له الكلام منزلة منزلة الجزء منه حتى صح توسطه بين أجزائه ولا يعد فصلا وهذا يتصل به باعتبار مناسبة مّا فلا يتصل كالاعتراض لكن يشبه به من حيث إنهما غير مقصودين فلهذا يساق مساقة إلحاقا للاتصال الضعيف بالقوي توسعا ويكون بواو وبدونها هكذا فرق بينهما صاحب الكشف ويفرق بوجه آخر وهو أنّ الاستطراد قد يتعلق بما معه بحسب الإعراب والسكاكي لم يفرق بينهما وقوله: أو أنهم لما سألوا الخ يعني لما سألوا ما لا يهمهم لكونه ليس من العلوم الدينية أجيبوا وذكر لهم هذا إشارة إلى أنه اللائق بأن يسأل عنه ويعنونه بمعنى يقصدونه والمراد أنه ليس من شأنه أن يقصد لهم وقوله: أو أنّ المراد به الخ محصله أنه ذكر ضمربا للممثل لهم بأنهم في سؤالهم عما لا يهم وترك المهم كمن يترك باب الدار وياً ني من غير الطريق، وقوله: برّ إشارة إلى ما مر في مثله، وقوله إذ ليس الخ مبنيّ على الوجوه الأول، وقوله: فباشروا على الأخير. قوله: (في تنيير أحكامه) يعني إتيان البيوت(2/283)
من غير بابها والاعترا ضعلى أفعاله وهو السؤال عن الأهلة والسؤال السابق وإن لم يكن للاعتراض! لكنه لما كان لا يسئل عما يفعل ولا يفعل إلا لحكمة كان السؤال في غير محله والسؤال في غير محله منزل منزلة الاعتراض وإنما حمله على ذلك لأنه مقتض الأمر بالتقوى وتفسير الفلاح بالهدى أي الهداية إلى الحكم الإلهية في أفعاله والبرّ في ترك ما فعلوه بقرينة المقام، وقوله: جاهدوا الخ فسره به لأن من لم يقصد ذلك لم يكن مجاهداً وهو مأخوذ من قوله في سبيل الله لأنّ لك هو الطريق الموصل إليه. قوله: (قيل: كان ذلك الخ الما لم يكن لقوله قاتلوا الذين يقاتلونكم فائدة في الظاهر إذ المقاتلة تكون من الجانبين فسر الذين يقاتلونكم بالذين يناجزون القتال ويبارزون فيه أي لا تقاتلوا المحاجزين الممانعين أو بالذين يناصبون الحرب ويكون لهم قوة ذلك لا الشيوخ والصبيان وإضرابهم أو بالذين يعادونكم ويقصدون قتالكم أي جميع الكفرة لتظهر الفائدة وعلى الأوّل يكون منسوخا
في حكم مفهومه أي لا تقاتلوا المحاجزين لقوله: {وَقَاتِلُواْ الْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً} [سررة التوبة، الآية: 36] مناجزين كانوا أو محاجزين. قوله: (ويؤبد الآول الخ (جعله مؤيداً للأوّل وبعضهم جعله في كلام الكشاف وجها رابعا وهو أن المراد بالذين يقاتلونكم من يتصدى من المشركين للقتال في الحرم وفي الشهر الحرام، وقوله: فنزلت متفرع عليه والضمير لهذه الآية والمناصبة العداوة ومنه الناصبي، والرهابنة وفي نسخة الرهبان وكلاهما جمع راهب، وعمرة القضاء معروفة في الحديث، وقوله بابتداء القتال راجع إلى الوجوه السابقة في تفسير يقاتلونكم وقوله: لا يريد بهم الخير لأن محبة الله إرادة الخير إذ الميل النفساني محال في حقه تعالى كما مر. قوله:) وأصل الثقف الخ (هذا أصله ولكنه يستعمل في مطلق الإدراك أو الغلبة كما هنا، ومعنى البيت إن تدركوني أيها الأعداء وقدرتم على قتلي فاقتلوني فإن من أدركته منكم أقتله فكنى بقوله: فليس إلى خلود أي صائراً إلى خلود أي بقاء عن قتله والبيت من قصيدة لعمرو الملقب بذي الكلب، وقوله: وأخرجوهم أي اقتلوا بعضهم وأخرجوا بعضا آخر والا فالإخراج لا يجامع القتل. قوله: (أي المحنة التي يفتتن الخ) وقيل: لبعض الحكماء ما أشد من الموت فقال الذي يتمنى فيها الموت ومنه أخذ المتنبي قوله:
وحسب المنايا أن يكن أمانيا
وجعل الإخراج من الوطن من الفتن التي يتمنى عندها الموت كما قال الشاعر:
لقتل بحذالسيف أهون موقعا على النفس من قتل بحدفراق
وقوله: شركهم في الحرم الخ أي أشذ قبحاً فلا تبالوا بقتلهم بعد أن لم يبالوا بالشرك في
الحرم وصدهم إياكم عنه وقتلهم إياهم لا قبح فيه لكنه بحسب ما يتوهم لكونه في الحرم. قوله: (لا تفاتحوهم بالقتال الخ) هتك الحرمة إزالتها، وقوله: لا تفاتحوهم معنى تمام النظم لا معنى تقاتلوهم إذ لا يستقيم لا تفاتحوهم بالقتال، وقوله: حتى يقتلوا بعضكم الخ يعني أنه جعل الفعل الواقع على البعض وكذا الصادر عن البعض بمنزلة ما يكون من الجميع وبينه في جانب المفعول لعلم الآخر بالمقايسة عليه كقولهم قتلنا بنو فلان والفاتل بعضهم كما مر، وهذا التأويل على القراء بالمفاعلة لا حاجة إليه ولذا ذكره المصنف رحمه الله مع القراءة الثانية وقوله: قتلتنا بنو أسد مؤنث في النسخ وهو صحيح كما صرحوا به وان كان لا يجوز قامت الزيدون وهو مخصوص بجمع ابن لأنه لما تغير مفرده أشبه جمع التكسير وهو يجوز في التأنيث والتذكير، وقوله: عن القتال والكفر أي عنهما معا لأنه الذي يترتب عليه الممغفرة وتفسير الفتنة هنا بالشرك مأثور عن قتادة والسدي، وقوله: ليس للشيطان فيه نصيب قال الطيبي هذا الاختصاص من لام لله ولهذأ فسرت الفتنة بالشرك للمقابلة والذي يقتضيه حسن النظم وايقاع النكرة في سياق النفي أن تعم لكل ما يسمى فتنة فيطابق ويكون الدين كله لله لأنّ الفتنة حملت أوّلاً على الشرك فلو كانت عينها لأضمرت أو عرفت، وقيل: إنما فسرت الفتنة بالشرك ليصح العموم بالنفي وينتظم عطف ويكون الدين لله وفسر الانتهاء عن الشرك بقرينة المقام وضيم إليه القتال في الأوّل دون الثاني وكأنه مراد في الثاني اهـ، وقد علمت أنه تفسير السلف وأما إن اله حل محل إضمار(2/284)
أو تعريف فلا لأن الفتنة على المرضيّ لم تفسر بالشرك كما مر وأمّا تعليق الانتهاء بهما أولاً فلأن تفريعه على القتال قبله يقتضي تعلقه بالقتال وذكر المغفرة بعده يقتضي الكفر فلذا عمم في الأوّل وأمّا هنا فلأنه متفرع على اختصاص الدين بالله وهو يقتضي الانتهاء عن الشرك ولا حاجة إلى ذكر القتال لاستلزامه له وتقدم ذكر الانتهاء عنه فتأمّل. قوله: (فلا تعتدوا على المتتهين الخ) قال النحرير: الظرف في موقع الخبر أي لا عدوان ثابت على قوم إلا على الظالمين ولما كان في ترتب الجزاء على الشرط نوع خفاء إذ الظاهر فلا عدوان عليهم ذكر له ثلاثة معان الأوّل أنه كناية عن النهي عن العدوان على المنتهين أي العدوان مختص بالظالمين
حأضبة الشهاب / ج 2 / م ا 3
والمنتهون ليسوا بظالمين فلا تعتدوا عليهم، الثاني أنه مشاكلة بتسمية جزاء العدوان عدوانا أي لا تظلموا إلا الظالمين دون المنتهين يعني لا تفعلوا ما هو في صورة الظلم مجازاة له بمثله إلا مع الظالمين ففي الوجهين القصد إلى النهي مجازا أو كناية لكن النهي في الأوّل عن قتال المنتهين لكونه ظلما حقيقة وفي الثاني عن مجازاة غير الظالمين بما هو في صورة الظلم بالنسبة إلى الظالمين، الثالث أنّ المذكور سبب للجزاء أي إن انتهوا فلا تتعرّضوا لهم لئلا تكونوا ظالمين فيسلط الله عليكم من يعدو عليكم لأنّ العدوان لا يكون إلا على الظالمين أو المراد أنه كناية على معنى إن انتهوا يسلط الله عليكم من يعدو عليكم على تقدير تعرّضكم لهم بصيرورتكم ظالمين بذلك، وقيل: في المشاكلة إنه سمي جزاء الظلم ظلما وان كان عدلاً من المجازي لكونه ظلما في حق الظالم من عند نفسه لأنه ظلم نفسه بالنسبة لإلحاق الجزاء به. قوله: (قاتلهم المشركون عام الحديبية (فيه نظر لأن عام الحديبية لم يكن فيه قتال بل صد كما في الصحيحين وجمع بين الروايتين بأنه لم يكن فيه قتال شديد بل ترام بسهام وحجارة كما روي عن ابن عباس في سورة الفتح وفيه نظر، وقوله وقيل: لهم هذا الشهر بذاك أي إنّ الله أحل لكم جزاء على ما كان منهم. قوله: (يجري فيها القصاص (إشارة إلى أنّ في الكلام مقدراً أي ذوات قصاص، وقوله: هو فذلكة أي إجمال لما فصل متفرع عليه تفرع النتيجة وهو عدول عن قول الزمخشرفي أنه تأكيد لأنّ التأكيد لا يعطف بالفاء إلا أن تجعلها اعتراضية فإنّ الاعتراض! يفيد التأكيد ويكون بالفاء كما مر، وقوله: فيحرسهم يشير إلى أن المعية استعارة وتمثيل والعنوة القهر ويقابلها الصلح. قوله: (ولا تمسكوا كل الإمساك الخ (فسره به ليقابل الإسراف ولما كان قوله ولا تلقوا بأيديكم الخ يحتمل تعلقه بقوله قاتلوا أو بقوله أنفقوا أو بهما والثاني أقرب ولذا قدمه والمعنى حينئذ النهي عن ترك الإنفاق أو عن الإسراف فهو تذييل قيل:
وإنما احتملت الآية الضدين لأنّ اليد تستعمل في الإعطاء والمنع قبضاً وبسطا قال تعالى: {وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ} [سورة الإسراء، الآية: 29] فالآية تحتمل النهي عن حاشيتي السخاء، وقوله أو بالكف إشارة إلى تعلقه بهما معا وقوله: ويؤيده ما روي الخ رواه الترمذفي وأبو داود عن أسلم بن عمران مع اختلاف في ألفاظه وقوله: أو بالإمساك الخ يعني التهلكة هنا البخل لأنه يسمى هلاكا وأصل معنى الهلاك لغة تناهي الفساد كقوله: {وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ} [سورة البقرة، الآية: 205] أي يفسدهما ومنه الاستهلاك. قوله:) والإلقاء طرح الشيء وعد! بإلى لتضمن معنى الانتهاء) أو الإفضاء وهذا أولى لأنه لا تكون الباء فيه مزيدة إذ زيادتها في المفعول شاذة والأيدي مجاز عن الأنفس، وكون التهلكة بالضم مصدرا كالتضرة بالضاد المعجمة بمعنى الضرر والتسرّة بمعنى السرور منقول عن سيبويه وهو الصحيح لكنه من النوادر ومثله في ألأسماء تنضبة لشجرة وتتفلة للثعلب وجوّز الزمخشري أن يكون أصلها كسر اللام فضمت قبل ويؤيده أنه قرئ به، وردّه أبو حيان بأنّ مصدر فعلي لا يكون تفعلة، وبأنه دعوى بلا دليل وكونها بمعنى الهلاك هو المشهور وقيل: التهلكة ما أمكن التحرّز عنه والهلاك ما لا يمكن وقيل: هي نفس الشيء المهلك. قوله: (وقيل: معئاه لا تجعلوها آخذة بأيديكم) هذا الوجه قدمه الزمخشرقي وهو على زيادة الباء قال الباء في بأيديكم مزيدة مثلها في أعطى بيده للمنقاد والمعنى ولا تقبضوا التهلكة أيديكم أي لا تجعلوها آخذة بأيديكم مالكة لكم يعني لا توقعوا أنفسكم فيما تتحققون الهلاك به من قولهم أعطى بيده من انقاد كما يقال: في ضدّه نزع يده عن الطاعة(2/285)
وقوله: ولا تقبضوا بالتشديد بيان لطريق المجاز أي لا تجعلوا التهلكة مسلطة عليكم فتأخذكم كما يأخذ المالك القاهر يد مملوكه فسبيل هذا المجاز سبيل الاستعارة المكنية، ولما فيه من الخفاء ضعفه المصنف ولكونه المعنى المشهور المتبادر منه إذ معناه لا تستسلموا وتنقادوا للهلاك قذمه الزمخشرفي لجزالته وعلى الوجه الأخير هو متعد حذف مفعوله ومعناه لا تقتل نفسك بيدك كقولهم لا تفعل كذا برأيك.
قوله: (أي ائتوا بهما تامين مستجمعي المناسك الخ) ذهب أبو حنيفة إلى انّ العمرة ليست بواجبة والشافعي قال إنها واجبة كالحج، واستدل بعضهم بهذه الآية لأنّ معنى أتموا ائتوا بهما تامين والأمر للوجوب ويؤيده القراءة الأخرى وما ورد في الحديث والأحاديث الدالة على عدم الوجوب يعارضها أحاديث أخر لا يعلم المتأخر منها حتى يكون ناسخا لكن ظاهر النظم
أمر بالإتمام وهو لا يدل على الوجوب لأنّ التطوّع بعد الشروع فيه واجب عند الحنفية لكن وجوب الإتمام فرع وجوب الأصل عند الشافعية فهو عندهم يدل على الوجوب على كل تقدير وإنما أوّله المصنف رحمه الله إرخاء للعنان معهم وجعل الزمخشري الأمر بإتمامهما أمرا بأدائهما وهو بعيد، وكذا ما قيل: الأمر بالإتمام مطلقاً أمر بالقضاء لأنه موقوف على الشروع. قوله: (وما روى جابر رضي الله عنه الخ) ردّ على من استدل به للحنفية وأورد عليه أنّ قول الصحابيّ لا يعارض! الحديث المرفوع وهو غير وارد لأنّ قوله سنة نبيك إن لم يكن رفعا فهو في حكمه وأمّا ما قيل: إنّ حديث جابر رضي الله عنه إنما يكون صارفا لو ثبت أنه كان سابقاً على القرآن ليدل على عدم قصد الوجوب أمّا لو كان متأخراً والآية دالة على الوجوب كما هو الأصل رفع حكم الآية بخبر الواحد وهو لا يجوز فغير وارد لأنّ الآية تحتمل الوجوب وعدمه بيان أحد المحتملين بخبر الواحد جائز وليس بنسخ عند الحنفية كما مز. قوله: (ولا يقال إئه فسر وجدانهما الخ) رذ لقول الزمخشري وأفا حديث عمر رضي الله عنه فقد فسر الرجل كونهما مكتوبين عليه بقوله أهللت بهما وإذا أهل بالعمرة وجبت عليه كما إذا كبر بالتطوّع من الصلاة، يعني قوله أهللت بهما استئناف لبيان الموجب والمعنى وجدتهما مكتوبين لأني أهللت بهما جميعاً للشروع لا للأمر، ولا يخفى أنه لا ينهض دليلاً عليهم وهم لا يقولون بأنّ الشروع ملزم فكيف يلزمهم بما لم يسلموه، وأمّا قول المصنف رحمه الله أنه رتب الإهلال الخ فإنما يتم لو كان فأهللت بالفاء واذعاء تقديرها خلاف الظاهر مع أنه قيل: إنّ قول عمر رضي الله عنه أصبت سنة نبيك يحتمل أنه رذ لقوله مكتوبين بأنها سنة. قوله: (وقيل إتمامهما أن تحرم الخ) دويرة تصغير دار للتلطف لا للتحقير وهذا إنما يصح إذا أمكن المسير من الدار في أشهر الحج
لقوله تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ} وأمّا إذا لم يمكن ذلك فلا كما بين في الفروع ولذا ضعف هذا القول وقوله: وأن تجرده أي السفر، وقال الإمام: الاحتياط القول بوجوب العمرة. قوله: (يقال حصره العدوّ وأحصره الخ) الأكثر في استعمال الإحصار في منع يكون من مثل الخوف والمرض والحصر فيما يكون من جهة العدوّ وان كانا في الأصل لمطلق المنع، فاعتبر أبو حنيفة رحمه الله في حق الحكم مطلق المنع على ما هو الوضع والشافعي رحمه الله المنع من جهة العدوّ لقيام الدليل، وهو أن رئيس المفسرين وهو أعرف بمواقع التنزيل قد فسر الحصر بحصر العدوّ وقول الصحابي وان لم يكن حجة عنده والتقييد خلاف الظاهر لكن لم يقم دليل على خلافه وروده في حصر العدوّ لا يصلح دليلاً إذ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب لكن وقوعه في مقابله قوله فإذا أمنتم يقويه، وتفسيره بأمنتم الإحصار خلاف الظاهر إذ المتبادر من الأمن من العدوّ. قوله: (من كسر أو عرج) الحديث أخرجه أبو داود والترمذي والنسائيّ وابن ماجه والحاكم من حديث الحجاج بن عمرو وكسر مبنيّ للمجهول أي كسر منه عضو منعه من الحركة وعرج بفتح الراء أصابه عرج عارض! وأمّا الخلقي فبكسر الراء وقابل اسم فاعل بمعنى آت مطلقاً لكنه خص في الاستعمال بالعام الذي بعد عامك وهو دليل لأبي حنيفة في التحلل بالمرض، وقوله: ضعيف غير مسلم لأنه روي من طرق مختلفة في السنن فلذا احتاج إلى تأويله بالاشتراط ومعنى الاشتراط كما فسره(2/286)
النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أن ينوي الحج على أنه إن منعه مانع أحل عند عروضه له وهو بناء على القول بأنه يجوز لكلى محرم أن يشترط الخروج من الإحرام بعد زمن يعترضه وهو قول أحمد وأحد قولي الثافعيّ وغيرهما مخالف فيه والحديث حجة عليهم وهو حديث صحيح رواه البخارفي ومسلم والنسائيئ والترمذفي وأبو داود وضباعة بنت الزبير بضم الضاد وتخفيف الباء. قوله: (فعليكم الخ) يعني ما الموصولة في محل نصب على أنها مفعول اسم فعل مقدر وهو عليكم بمعنى خذوا أو الزموا إن قلنا
بجواز عمله محذوفا فإن قلنا بعدمه لضعفه فهو خبر مبتدأ محذوف أي الواجب أو مبتدأ خبره محذوف تقديره عليكم أي واجب عليكم أو مفعول فعل مقدر تقديره اهدوا، وقوله: تيسر عليه وفي نسخة يسر عليه إشارة إلى أنّ السين ليست للطلب وأنه بمعنى تيسر، وقوله: وهي من الحل فيه خلاف أيضا فإنها عند أبي حنيفة من الحرم والمحدثون صححوا الأوّل ولكنه لا يضر أبا حنيفة لأنها متصلة به وهي اسم بئر فما جاورها من الحرم يعد من فنائها، وبه يجمع بين القولين قال الواحديّ الحديبية طرف الحرم على تسعة أميال من مكة وقوله: يوم أما ربا لإضافة وفتح الهمزة من الأمارة بمعنى العلامة وفي الفائق عن ابن مسعود رضي الله عنه لدغ رجلى وهو محرم بالعمرة فقال بعثوا بالهدي واجعلوا بينكم وبينه يوم أما رأي يوماً تعرفونه فإذا ذبح حل فأوثرت هذه العبارة لورودها في الأئر. قوله: (لا تحلوا حتى تعلموا الخ (ظاهر كلام المصنف رحمه الله أنه لبيان صكم المحصر فقط وبه صرح الزمخشرقي وقيل: إنه عام راجع إلى قوله أتموا الحج، وقوله: وحمل الأوّلون إشارة إلى أنّ ظاهر النظم مع أبي حنيفة رحمه الله فالمراد بمحله المحل الذي عينه الثارع وهو محل الإحصار مطلقا والجدي كالهدي بجيم ودال مهملة ما يحشى ليوضع تحت دفة السرج أو الرحل، وقوله: واقتصاره الخ لا يقول به أبو حنيفة لمعارضته الروايات الصحيحة واقتضاء القياس على الصوم والصلاة له، والمطي والمطية ما يمتطي أي يركب من الإبل. قوله: (والمحل الخ) في الكشف والتحقيق أنّ محل الدين وقت حلوله وانقضاء أجله والوجوب يلزمه من خارج وأمّا محل الهدي فهو مكان يحل فيه نحره أي يسوغ أو يجب وقد نقله الأزهرقي عن الزجاج وغيره بهذا المعنى، ومن حيث حبس عند الشافعيّ. قوله: (مرضا يحوجه إلى الحلق) قيده بهذا ليلا ثم ما ترتب عليه وهو قوله ولا تحلقوا رؤوسكم والمعطوف وهو أو به أذى من رأسه وإلا فالحكم عامّ في كل مرض! يحوج
إلى شيء من محظورات الإحرام وقمل كدمل معروف. قوله: (فقد روي الخ) في البخارفي عن عبد الله بن مغفل قال قعدت إلى كعب بن عجرة رضي الله عنه في هذا المسجد يعني مسجد الكوفة فسألته عن قوله ففدية من صيام فقال: حملت إلى النبيّ - صلى الله عليه وسلم - والقمل يتناثر على وجهي فقال: " ما كنت أرى أن الجهد بلغ بك هذا أما تجد شاة قلت: لا قال: فصم ثلاثة أيام أو أطعم ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع من طعام واحلق رأسك فنزلت فئ خاصة وهي لكم عامة " وعجرة بضم العين المهملة وسكون الجيم وفتح الراء المهملة، وهو أتك جمع هامّة بتشديد الميم وهي صغار الدوالث غير ذوات السمّ منهئم بمعنى دث وفي الحديث: " أعوذ بكلمات الله التامة من كل شيطان وهافة " والفرق بفتح الفاء والراء وتسكن والقاف مكيال يسع ثلاثة آصع، وانسك بمعنى اذبح وآصع جمع صاع وهو مكيال معروف، وقوله: أمنتم الإحصار يحتمل أنه بناء على مذهب أبي حنيفة وما بعده على مذهبه والمراد بالسعة عدم مضايقة العدوّ وأنه جعل أولاً مفعول الأمن محذوفا وهو الإحصار على طبق مذهب الشافعيّ أنّ المعتبر الإحصار والأمن منه لا من المرض والعدوّ وثانيا جعل أمنتم منزلاً منزلة اللازم أي كنتم في أمن وسعة موافقا لمذهب أبي حنيفة. قوله: (فمن استمتع وانتفع الخ) التمتع هو أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج ويأتي بمناسكها ثم يحرم بالحج من جوف مكة ويأتي بأعماله ويقابله القرآن وهو أن يحرم بهما معاً ويأتي بمناسك الحج فيدخل فيها مناسك العمرة والإفراد هو أن يحرم بالحج وبعد الفراغ منه بالعمرة. قوله: (وقيل الخ) فالمعنى على الأوّل من انتفع بالشروع في العمرة ممتد أو منتهيا إلى الانتفاع بالحج وعلى الثاني(2/287)
من انتفع بالفراغ منها ممتدا إلى الشروع في الحج فالباء إما صلة أو سببية. قوله: (فعليه دم استيسره الخ) الدم مجاز عما يذبح، وجبران بضم الجيم والموحدة مصدر كالجبر وهو ما يتلافى به التفريط ويجبر ما فاته من تأخير
الإحرام للحج من الميقات ولذا لم يجب على المكي ومن في حكمه، وقوله: يذبحه إذا أحرم أي يجوز له ذلك وأمّا عند أبي حنيفة رحمه الله فدم نسك أي تقرب كالأضحية فيأكل منه ولا يذبح إلا يوم النحر. قوله: (في أيام الاشتنال الخ الما كان قوله في الحج يحتمل اًن يراد به في عمدته وهو عرفة لأنّ الحج عرفة كما في الحديث أو في أفعال الحج أو في أشهر الحج والأوّل غير ممكن إذ لا يمكن صوم ثلاثة أيام في عرفة فبقي الاحتمالان الأخيران فذهب إلى الأوّل الشافعيّ والى الثاني أبو حنيفة لكن قوله بين الإحرامين أي إحرامي الحج والعمرة ظاهرة يشعر بأنه يجب عند أبي حنيفة أن يكون قبل إحرام الحج وليس كذلك بل يجوز بعده بالاتفاق وأشهره جمع شهر مضاف لضمير الحج وقوله: والأحب لا يصلحه ووقع في نسخة بعد الإحرامين وهو من تحريف النساخ وتقدير بعد أحد الإحرامين لا قرينة عليه، ولك أن تقول إنه اقتصر على محل الخلاف وقوله: لا يجوز الخ الأولى ترك يوم النحر فإنه لا خلاف في عدم جوازه وقراءة سبعة بالنصب عطف على محل مفعول المصدر ومن لم يجوّزه قدر وصوموا وعليه أبو حيان رحمه الله. قوله: (فذلكة الحساب الخ) تقدم أن فذلكة من قول الحساب إذا جمعوا ما فرقوه فذلك يكون كذا، ثم بين فائدته بأنه ربما يتوهم أنه مخير بين ثلاثة في الحج أو سبعة بعده أو لئلا يتوهم من السبعة مجرّد الكثرة فإنها تستعمل بهذين المعنيين وأيضاً فإنّ الإجمال بعد التفصيل آكد، فإن قلت ما الحكمة في كونها كذلك حتى يحتاج إلى تفريقها المستدعي لما ذكر قلت لما كانت بدلاً من الهدي والبدل يكون في محل المبدل منه غالباً جعل الثلاثة بدلاً عنه في زمن الحج وزيد عليها السبعة علاوة لتعادله من غير نقص! في الثواب لأن الفدية مبنية على التيسير، وهذا معنى قوله كاملة فلا يكون تأكيداً كما سياً تي ولم تجعل السبعة فيه لمشقة الصوم في الحج ولأنّ فيها أياما منهيا عن صومها. قوله: (أن لا يتوهم متوهم أن الواو بمعنى أو الخ) في المغني ذكر الزمخشري أنّ الواو تأتي للإباحة نحو جالس الحسن وابن
سيرين كما في قوله تعالى {فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ} الآية وتبعه صاحب الإيضاح البياني ولا نعرف هذه المقالة لنحويّ وردّ بأنّ السيرافي نص عليه في شرح الكتاب وتبعه في حواشيه على التسهيل فقال: الصواب أنّ الواو كأو في الإباحة لأن الإباحة إنما استفيدت من الأمر والواو جمعت بين الشيئين في الإباحة) قلت الك أن تحمل عليه كلامه كما ينادي عليه آخره بأنه إنما خطأ الزمخشرفي في جعلها للإباحة في الخبر لأنها إن استفيدت إنما تستفاد من الأمر ولا أمر هنا وكونها تجري في الأمر الصريح لا يقتضي جريانه فيما هو خبر أريد به الأمر كما هنا لأن المعنى فصوموا تأمّل. قوله: (صفة مؤكدة تفيد الخ) أمّا كونها مؤكدة فظاهر وكونها مبنية على الوجه المذكور لا يناسب المقام والوجه الأخير مرّ تقريره، وهو الأولى عندي. قوله: (ذلك إشارة إلى الحكم المذكور الخ) يعني الفدية إذا تمتع لا تجب على أهل الحرم إن تمتعوا وقال أبو حنيفة: إنه إشارة إلى التمتع وأنه لا تمتع على أهله فإن تمتع فعليه دم جناية لا يأكل منه، قال الجصاص: وظاهر الآية يقتضي ما قال الحنفية لأنه لو كان المراد الهدي لقال ذلك على من لم يكن الخ وكون اللام واقعة موقع على خلاف الظاهر. قوله: (وهو من كان من الحرم الخ) أي من لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام من كان من الحرم على مسافة القصر فإن من كان على أقل فإنه مقيم الحرم إن كان فيه أو في حكمه إن كان في غيره والمراد به غير المكي عند مالك وقيل: من كان من أهل الحل أو من كان مسكنه في الحل، وقوله: وخصوصا في الحج إشارة إلى دخوله فيه دخولاً أوّلياً يتم به الانتظام، وقوله كي يصدكم الخ يعني ليس المراد بمجرّد العلم بل علم يمنع عن المعصية ويقتضي التقوى. قوله: (أي وقته الخ) إنما قدر الوقت ليصح الحمل لأنّ الحج فعل من الأفعال والأشهر زمان يغايره فيقدر ما
ذكر أو ذو أشهر أو حج أو يجعل عين الزمان مبالغة، وقوله: وبناء الخلاف الخ وثمرة(2/288)
الخلاف أنه لا يجوز الإحرام يوم النحر، وعند أبي حنيفة رحمه الله يجوز بلا كراهة، وقوله: أو ما لا يحسن الخ هو مذهب مالك رحمه الله وفي الكشاف، فإن قلت ما فائدة توقيت الحج بهذه الأشهر قلت فائدته أنّ شيئا من أفعال الحج لا يصح إلا فيها والإحرام بالحج لا ينعقد أيضاً عند الشافعي في غيرها وعند أبي حنيفة ينعقد إلا أنه مكروه، واستشكل بالرمي والحلق وطواف الركن مما يصح بعد فجر النحر وأجيب بأنه بيان على مذهب أبي حنيفة رحمه الله وفيه بحث، وقوله: فإنّ مالكاً كره العمرة في بقية ذي الحجة في الانتصاف أنه يقول لا تنعقد العمرة في أيام منى خاصة لمن حج ما لم يتم الرمي ويحل بالإفاضة فتنعقد وجميع السنة غير ما ذكر ميقات للعمرة ولا تظهر ثمرته إلا في إسقاط الدم عن مؤخر طواف الإفاضة إلى آخر ذي الحجة لا غير. قوله: (وإنما سمي شهرين وبعض شهر الخ) كذا في الكشاف وفيه بحث فإنه لا يخلو إمّ أن يطلق الجمع على الاثنين فما فوقهما أو يخص بالثلاثة فما فوقها وعلى كل حال فهذا ليس منها لأنه إطلاق على اثنين وبعض ثالث لا على ائنين ولا على ثلاثة فان كان أحد الشهور استعمل في بعضه والباقي في تمامه لزم الجمع بين الحقيقة والمجاز، ولا مخلص عنه إلا بأن يقال المراد به اثنان والزائد في حكم العدم أو ثلاثة وأسماء الظروف تطلق على بعضها حقيقة لأنها على معنى في ولذا مثل له الزمخشريّ برأيتك في سنة كذا وإنما رآه في ساعة منها وهذا هو الحق لأنّ الأوّل يقتضي أنّ وقت الحج شهران فقط ولا قائل به فتأمّل. قوله: (اوجبه على نفسه الخ) الذي ذهب إليه الشافعيّ هو أنه لا إحرام في غيرها ووجه دلالته على وجوب الإتمام فرضيته بالشروع، وقوله: فلا جماع أو فلا فحش وهو على الأوّل كناية، وعلى الثاني حقيقة كما مر، وأمّا حمل الفسوق وهو مصدر كالدخول لا جمع فسق كما يتوهم من تفسيره على السباب فكما في قوله: {وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ} [سورة الحجرات، الآية: 11] والمراد بكسر الميم والمد المخاصمة ونحوها، وقوله: في أيامه بتء على المشهور وعلى ما ذكر في قوله وذلك أنّ قريشا الخ المراد في نفس الحج. قوله: (على قصد النهي للمبالغة الخ) وجه المبالغة ما ذكره من أنها لا تليق أن توجد لأنها في نفسها قبيحة فمع الحج أقبح والمراد
بالتطريب ما يخرجه عن اتصال الحروف ويجعله كالأغاني والا فتحسين الصوت بالقرآن حسن وقراءة الرفع تنبيه بانها على قصد النهي على وجه المبالغة كما قال والجدال منفيّ على ما فسره به، ووجه الحث على الخير أنّ المراد بعلم الله وهو عالم بكل قبوله والجزاء عليه. قوله: (وقرأ ابن كثير وأبو عمرو الأوّلين بالرفع على معنى الخ (قال أبو حيان: تأويله على هذه القراءة أنهما حملا الأوّلين على معنى النهي بسبب الرفع والثاني على الإخبار بسبب البناء وفيه أنّ الرفع والبناء لا يقتضيان شيئاً من ذلك ولا فرق بينهما إلا أنّ قراءة الفتح نص في العموم والرفع راجحة فيه، وقيل: إنه منقول عن أبي عمرو الذي قرأها لأنه قال الرفع بمعنى لا يكون رفث ولا فسوق أي شيء يخرج من الحج ثم ابتدأ النفي فقال: ولا جدال فأبو عمرو لم يجعل النفيين الأولين نهيا والذي يدفع ما قاله أنّ الرفث والفسوق فيه واقع فلا بد من حمله على النهي لئلا يلزم تخلف إخباره تعالى بخلاف الجدال في الحج نفسه لا في أيامه فتأمّل. قوله: (وتزودوا لمعادكم الخ) يعني أنّ الزاد المراد به العمل الصالح على طريق الاستعارة وعلى القول الآخر حقيقة والمراد بالتقوى معناها اللغوي وهو اتقاء الإلحاح في السؤال والثقل على الناس وكلا بمعنى ثقلا والإبرام أصله الأحكام من إبرام الحبل وهو فتله قال الراغب المبرم الذي يلح ويشدد في الأمر تشبيهاً بمبرم الحبل اهـ. قوله: (حثهم على التقوى الخ) يعني أنّ قوله واتقون الخ بعد قوله خير الزناد التقوى المفيد للحث عليها وطلبها بمعنى أخلصوا إلى التقوى فإن مقتضى العقل الخالص عن الشوائب ذلك وكونه خالصا عن ذلك مأخوذ من إطلاق اللب عليه فلا تكرار. قوله: ( {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً} الخ) نزلت وقد أنف قوم من التجارة في أيام الحج كما كان وخافوا الإثم فتبين لهم أنه مباح لهم إذا لم يشغلهم ذلك عن العبادة وقوله قيل: الخ هو المذكور في البخاري، وغكاظ بضم العين المهملة والكاف الخفيفة والظاء
المعجمة ومجنة بفتح الميم والجيم وتشديد النون، وذو المجاز كضد الحقيقة أسواق كانت(2/289)
للعرب بقرب مكة وسمي موسم الحج موسماً لأنه معلم يجتمع الناس إليه، وقوله: تأثموا منه أي خافوا الإثم وقوله: في أن تبتغوا بيان للإعراب والظرف متعلق بجناح أو بالظرف الواقع خبر ليس أعني عليكم. قوله: (دفعتم منها بكثرة الخ) يعني أنه من فاض الماء إذا سال منصباً وأفضته أسلته والمراد به هنا دفعتم أنفسكم منها بكثرة تشبيهاً بفيض الماء والمفعول مما التزم حذفه للعلم به. توله: (وعرفات جمع سمي به كأذرعات الخ) أذرعات اسم بلدة بالشأم وهي مثل عرفات في العلمية وأنها لا واحط لها إذ لى ورح أذرعة ولا عرفة،! ال ا! فرّاء: قول الناس نزلنا بعرفة ليس بعربي محض، قيل: ولو سلم فعرفة وعرفات مدلولهما واحد ثم لا كلام في استعماله منوّنا وان حكى سيبويه عدم التنوين فيه! انما الكلام في الصرف وعدمه فعند البعض غير منصرف للعلمية والتأنيث والتنوين للمقابلة لا للتمكين يعني جيء به في مقابلة النون في جمع المذكر السالم ويكسر في موضع الجرّ للأمن بهذا التنوين من تنوين التمكين والكسرة إنما تذهب في غير المنصرف تبعاً للتنوين إذا ذهب من غير عوض أمّا إذا عوض عنه شيء كاللام والإضافة فلا تذهب وهنا عوض! عنه تنوين المقابلة وهذا قول للنحاة في عدم منع الصرف وكون الكسرة تابعة للتنوين واختار الزمخشري أنه منصرف لعدم الاعتداد بالتأنيث لأن التاء للجمع ووجودها يمنع من تقدير أخرى كما في سعاد فعلى هذا لو جعل مثل بنت ومسلمات علما لامرأة وجب صرفه، ومخالقة ابن الحاجب فيه ليست بشيء وفيه أن عرفة كيف يتردد الفزاء في صحته وهو مسموع في كلام العرب وفي الحديث " الحج عرفة " والظاهر أنهم لم يقفوا على مراده فانّ عرفة اسم لليوم التاسع من ذي الحجة كما صرّح به الراغب والبغوي والكرماني وبهذا المعنى ورد في الحديث فالذي أنكره الفرّاء استعماله في المكان كعرفات وهذا مما لا شبهة فيه وقد نبه عليه شراح البخاري، وقوله لذلك يجمع مع اللام خطاً لأنّ تنوين
المقابلة لم يقل أحد بجمعه معها وإنما الذي يجمع معها تنوين الترنم والغالي كقوله:
يا صاح ما هاج العيون الذرّفن
قوله: (وإنما سمي الموقف عرفة الخ (هذا بناء على أنّ عرفة كعرفات ومرّ ما فيه وهذه مناسبة اعتبرها الواضع كما يقال: الكلمة من الكلم فلا ينافي كونها مرتجلة كما توهم، وقوله: وعرفات للمبالغة يعني أنها جمعت لجعل كل جزء منها عرفة مبالغة، وهي يعني عرفة ويعلم منه أنّ عرفات كذلك، ويصح أن يعود إلى عرفات لأنّ عرفات لا تكون منقولة إلا إن ثبت أنّ عرفة جمع كخدمة جمع خادم ليكون هذا جمع جمعه وفي الكشاف وهي من الأسماء المرتجلة لأنّ العرفة لا تعرف في أسماء الأجناس إلا أن تكون جمع عارف، قال الرازي: إنما قيد بالأجناس لأنّ عرفة تعرف من الأعلام فإن عرفة! علم لهذا المكان المخصوص كما أنّ عرفات علم له وقوله: إلا أن يكون جمع عارف يحتمل أن يكون استثناء من قوله: لأنّ المعرفة لا تعرف في أسماء الأجناس فإنه لو جعل جمع عارف ككاتب وكتبة لعرف من أسماء الأجناس فإن قلت فحينئذ لا استثناء من قوله من الأسماء المرتجلة فيكون الحكم بارتجال عرفات مطلقا غيره مستثنى منه وهو غير مستقيم قلنا الاستثناء من الدليل استثناء من المدول فإنه إذا كان عرفات جمع عرفة يلزم أن يكون منقولاً وقيل: عليه لفظ عرفة كما أنه علم للمكان فهو اسم لليوم التاسع كما مرّ فعلى هذا يعرف في أسماء الأجناس وليس بشيء لأنه علم جنس لا نكرة لامتناع دخول الألف واللام عليه كسائر أسماء الأجناس. قوله: (وفيه دليل وجوب الوقوف بها الخ) وفي نسخة على وجوب الوقوف بها.
(وفيه بحث) لأنّ الأمر فيه مقيد بالحيثية فيكون الوجوب منصرفا إلى قيده كما سيجيء أنّ
معناه أفيضوا من عرفة لا من مزدلفة ولهذا قال النحرير دلالة الآية لأنه ذكر الإفاضة بكلمة إذا الدالة على القطع وهو في حكم الشرع للوجوب كأنه قال الإفاضة واجبة عليكم فإذا أتيتم بها فاذكروا الله ثم إنها تقتضي سابقة الكون والاستفرار بعرفات ليكون مبدؤها منها وهو معنى الوقوف بها والحضور فيها وقد تبين بوجوه الأوّل أنه يدل على أنّ الذكر عند الإفاضة واجب وهو يتوقف على الإفاضة وهي على الوقوف وما لا يتم الواجب إلا به(2/290)
فهو واجب وردّ بأنّ وجوب الذكر مقيد كما تقول إذا حصل لك مال فزك وهو لا يدل على وجوب القيد بل الوجوب عند حصول القيد، وتحقيقه أنّ الإفاضة قيد للوجوب لا للواجب كأنه قيل: ائتوا بذكر
كائن عند الإفاضة الثاني أنّ في ثم أفيضوا دلالة على تقدير أمر يعطف هو عليه كأنه قيل: أفيضوا من عرفات ثم لتكن إفاضتكم من حيث أفاض الناس الثالث أن الفاء في فإذا أفضتم لتعلقها بقوله: فمن فرض تدل على ترتب الإفاضة على الحج من غير مهلة وتراخ وهو معنى وجوبها المقتضي لوجوبه وفيه بحث. قوله: (وفيه نظر الخ) يعني أنّ الذكر بمزدلفة غير واجب حتى تكون الإفاضة مقدمة للواجب ويكون الوقوف بعرفات مقدمة للإفاضة وأيضا الأمر بالذكر غير مطلق بل مقيد بقوله: فإذا أفضتم الخ فلم يكن الوقوف بعرفة مقدمة للواجب المطلق ليتصف بالوجوب لأنّ الواجب المقيد بقيد لا يجب تحصيله فلا يكون الموقوف عليه واجباً، وقوله: بصلاة العشاءين لأنّ الصلاة تسمى ذكرا وهي تصلى ثمة. قوله: (جبل يقف عليه الإمام الخ) قزح بوزن عمر اسم جبل بمزدلفة ممنوع من الصرف والمأزم بالهمز وكسر الزاي مضيق بين جبلين ومحسر بكسر السين المهملة المشددة واد معروف، والغلس ظلمة آخر الليل والحديث صحيح رواه مسلم ووجه التأييد أنه ذلك الموضع بعينه لا مطلق مزدلفة كما في الثاني وقوله: فإنه أفضل إشارة إلى أنّ الأمر ليس للوجوب وأمّا قوله: إلا وادي محسر فلأنّ آخره أوّل منى كما ذكره الطحاوي فليس كله موقفا فلا يرد نظر النحرير عليه. قوله: (كما علمكم الخ) الوجهان مطردان إن جعلت ما كافة أو مصدرية والفرق بين الوجهين أنّ الأول للتقييد أي على النحو الذي هداك إليه ولا تعدل عما هديت إليه كما تقول افعل كما علمتك والثاني للتشبيه كما تقول! خدمه كما أكرمك يعني لا تتقاصر خدمتك عن إكرامه، قيل: مبني الفرق على أنّ الهداية الدلالة الموصلة أو المطلقة وقيل: الكاف للتعليل وأيضا الهداية في أحدهما مطلقة وفي الآخرة مقيدة، وقيل: محل كما هداكم النصب على المصدرية بحذف
الموصوف وعلى الكافة لا عامل له كما أنه لا معمول له لأنه لم يبق حرفا بل يقيد من جهة المعنى فقط وهذا الذي ذكره من كون حرف الجرّ إذا كف عن العمل لا متعلق له ظاهر. قوله: (أي من عرقة لا من المزدلفة الخ) المراد بالناس الجمهور والتعريف للجنس وإفاضتهم من عرفة وجمع اسم مزدلفة لاجتماع آدم وحوّاء بها أو لغير ذلك. قوله: (وثم لتفاوت ما بين الإفاضتين الخ) قال النحرير: لما توجه أنّ الإفاضتين من عرفات فما وجه العطف بثم الدالة على التراخي عن الأمر بالذكر المقارن لها بل المتأخر عنها فأجاب بأنّ موقعها موقع ثم في قولك أحسن إلى الناس ثم لا تحسن إلى غير الكريم لما مرّ من دلالة إذا أفضتم الخ على وجوب الإفاضة من عرفات وأنّ معنى ثم أفيضوا لتكن إفاضتكم منه لا من المزدلفة فكأنه قيل: أفيضوا من عرفات ثم لا تفيضوا من المزدلفة لأنّ الأولى صواب والثانية خطأ وبينهما بون بعيد وهذا مما يقرّر تفاوت المرتبة وتباعدها وهو وان كان إنما يعتبر بين المتعاطفين وهو عدم الإحسان إلى غير الكريم وعدم الإفاضة من المزدلفة لكن قد جرت عادته أن يعتبر التفاوت بين المعطوف عليه وما دخله حرف النفي من المعطوف لا نفسه، وأمّا الاعتراض بأنّ التفاوت يفهم من كون أحدهما مأمورا به والآخر منهياً عنه سواء كان العطف بثم أو بالفاء أو بالواو فليس بشيء نعم يرد أنّ هذا إنما يطابق المثال لو أريد أفيضوا إلى منى من غير تعيين عرفات أو أريد في المثال أحسن إلى الناس الكرام وأمّا إذا أجرى الناس على الإطلاق وقد تقرّر أن فإذا أفضتم يدل على وجوب الإفاضة من عرفات فلا مطابقة إلا أنه لا يضر بالمقصود في موقع ثم والحاصل أنّ أفيضوا عطف على فاذكروا قصداً إلى التفاوت بينه وبين ما يتعلق باذكروا وهو إذا أفضتم الخ وهذا من دقيق هذا الكتاب ويؤخذ منه أن التفاوت يكون بتفضيل أحد المتعاطفين سواء كان الأوّل أو الثاني كما أشار إليه في الكشف وأنّ التفاوت يكون بينهما بالذات وبين متعلقيهما فافهم.
تنبيه: ذكر ابن إسحق في سيرته أن قريشاً كانت تسمي الحمس لتشدّدهم في الدين وكانوا لتعظيمهم الحرم تعظيما زائداً ابتدعوا أنهم(2/291)
لا يخرجون منه ليلة عرفة ويقولون نحن قطان بيت الله وأهله فلا يقفون بعرفة مع أنها من مشاعر إبراهيم عليه الصلاة والسلام فكانوا كذلك حتى ردّ الله عليهم بقوله: ثم أفيضوا الخ وكان عليه الصلاة والسلام قبل ذلك يقف بعرفات ويخالفهم لأنّ الله وفقه وأوقفه على المشاعر اهـ. فالأوّل هو التفسير المأثور ولذا قذمه المصنف إلا أنّ فيه خفاء من جهة النظم فإنه معطوف على جواب إذا وعليه يصير تقديره فإذا أفضتم من عرفات فأفيضوا من عرفات ولا يخلو من نظر فهو محتاج إلى التأويل.
قوله: (وقيل من مزدلفة منى الخ) إشارة إلى وجه تكون فيه ثم على أصلها ويكون الناص
قريشاً وتعريفه للعهد، وقوله: بعد الإفاضة من عرفة بيان لمحصل المعنى والا فالظاهر بعد الذكر والقراءة المذكورة بكسر السين مع حذف الياء واثباتها والمراد بالناس آدم عليه الصلاة والسلام لقوله في حقه فنسي يعني أمر الشجرة وثم على هذه القراءة لتفاوت الرتبة، وقوله: في تغيير المناسك بناء على التفسير الأوّل والتعميم للإشارة إلى الثاني، وينعم عليه تفسير لرحيم وقوله وفرغتم لأن معنى قضيت الحج أدّيته وأتممته والمناسك جمع منسك وهو النسك أي العبادة، وقوله: فأكثروا الخ الكثرة مستفادة من قوله: {كَذِكْرِكُمْ آبَاءكُمْ} والأيام عبارة عن الوقائع والحروب كما يقال يوم الفجار ويوم بدر وحيث أطلق يراد به ذلك كما بين في الأمثال وكون ذلك كان عادتهم رواه ابن جرير وغيره والمعنى ذكراً أشد ذكرا على الإسناد المجازي وصفآ للشيء بوصف صاحبه كما يقال: جد جده فجعل الذكر ذاكراً حيث أثبت له ذكراً وكذا إذا جعل منصوبا معطوفا على محل الجار والمجرور كما ذكره ابن جني حتى يكون من هذا القبيل أيضا قال أبو حيان: ووجهه أنّ ذكراً منصوب على التمييز وأفعل إذا ذكر بعده ما ليس من جنسه مما يغايره انتصب كذلك نحو زيد أفضل علماً فإن كان من جنسه ولم يغايره جرّ بالإضافة نحو أفضل عالم فكان المتبادر هنا أشد ذكر بالجرّ فلما انتصب دلّ على أنه غيره وأنه جعل للذكر ذكراً كشعر شاعر وقوله: كذكر أشذ منه منوّن لا مضاف. قوله: (إمّا مجرور معطوف على الذكر الخ) اعترض! على قوله أو على ما أضيف إليه ذكر بأنه عطف على الضمير المجرور بدون إعادة الجارّ وقد منعه كثير وأجيب عنه بوجوه، الأوّل أنه رآه توم جائزاً فلعل المصنف رحمه الله تابعهم وبأنه جوّز العطف على المرفوع المتصل إذا فصل بينهما فاصل فالمجرور مثله وقد فصل بينهما ههنا، وبا! المنع إتما هو إذا كان الجارّ حرف جز لشدة اتصاله ولهذا جاز الفصل بين المضاف والمضاف إليه ولم يجز بين حرف الجرّ ومجروره، وبأنّ المجرور هنا في حكم المنفصل لكونه فاعل المصدر، وبأنّ المراد العطف من حيث المعنى وأمّا بحسب اللفظ فهو على حذف مضاف معطوف على الذكر أي أو ذكر قوم أشد ذكراً، قال النحرير: والكل ضعيف ثم إنّ قوله على المجاز كان الظاهر تأخيره إلى هنا والمجاز هنا النسبة الإضافية. قوله:
) وإمّا منصوب بالعطف على آباءكم الخ) يعني أنّ الأفعال المتعدية إض! افات بين الفاعل والمفعول فالذكر مثلاً من حيث الإضافة إلى الفاعل ذاكرية والى المفعول مذكورية وتحقيقه أنّ المصدر عبارة عن أن والفعل فإمّا أن يقدر أن ذكر أو أن ذكر والمعنى على الأوّل أشدّ ذاكرية، وعلى الثاني أشد مذكورية واعترض عليه ابن الحاجب وصاحب الانتصاف بأن أفعل للمفعول شاذ لا يرجع إليه إلا بثبت فالأظهر أنه من عطف جملتين أي اذكروا ذكراً مثل ذكر آبائكم واذكروا الله حال كونكم أشد ذكراً من ذكر آبائكم وهو غفلة فإن أفعل هو لفظ أشد وما هو إلا للفاعل ولا يلزم من جعل تمييزه مصدراً من المبني للمفعول محذور كما إذا جعل من الألوان والعيوب كأشد بياضا ومن المجهول، كأشدّ مضروبية ونحوه وما ذكره بعيد. قوله: (أو بمضمر دل عليه الخ) وذكر أبو حيان وجها حسنا ارتضاه وهو أن يكون أشد صفة ذكراً قدم عليه فانتصب على الحالط وذكرا معطوف على كذكركم. قوله: (تفصيل للذاكرين الخ) في الكشاف معناه أكثروا ذكر الله ودعاءه فإنّ الناس من بين مقل لا يطلب بذكر الله إلا أعراض الدنيا ومكثر يطلب خير الدارين فكونوا من المكثرين.
(وههنا فائدة) وهي أنّ من بين تستعمل للتقسيم استعمالاً فصيحا كما في عبارة الزمخشريّ(2/292)
قال المدقق في الكشف أصله فإن الناس مقل ومكثر على التقسيم فزيدت بين تصويراً للإحاطة وعدم التجاوز ليصير من باب الكناية التي هي أبلغ ثم زيدت من الاتصالية مبالغة كقول الشاعر:
والناس من بين مرحوب ومحجوب
كأنهم ناشئون من البين يبتدئ تقسيمهم منه البتة فجعل ابتداؤهم منه بمنزلة ابتداء التقسيم وجاز أن تجعل من بيانية نظراً إلى إقحام بين والأوّل أبلغ اهـ فإن قلت الأقسام لا تنحصر فيما ذكر فإنّ من الناس من لا يطلب إلا الآخرة قلت ليس المقصود حصر أقسام الناس مطلقا بل لما ذكر قوله: {أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ} قسم أهل الطلب إلى مقل ومكثروهم لا يخلون عنهما ولو سلم فإنّ من لا يطلب إلا الآخرة سيذكره بقوله: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللهِ} [سورة البقرة، الآية: 207] فإنّ من باع نفسه لله صار كلا على مولاه، وقيل حصر المقل في طالب الدنيا لأنّ طالب الآخرة فقط بحيث لا يحتاج إلى طلب حسنة من الدنيا لا يوجد في الدنيا، وقيل: لأنّ ذلك ليس بمشروع لأنّ المرء مبتلي بآفات الدنيا فلا بد له منها، ورد بأنّ عدم المشروعية في طالب الدنيا فقط أشد، وأيضاً التقسيم بمنهم ومنهم لا يفيد الحصر وفيه نظر، وقيل: قسم الله الناس هنا إلى أربع فرق الكافرون الذين لا هتم لهم إلا الدنيا وهم
الذين ليس لهم في الاخرة من خلاق والمقتصدون الذين يقولون ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، والمنافقون الذين حلت ألسنتهم ومرّت عقائدهم وضمائرهم وهم الذين قيل فيهم {وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ} [سورة البقرة، الآية: 204] الخ والسابقون البائعون أنفسهم الرابحون رضا الله وهم المرادون بقوله: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ} الخ والمراد بالإكثار الإكثار من ذكر الله وطلب ما عنده. قوله: (اجعل إيتاءنا الخ (إشارة إلى أنه منزل منزلة اللازم، والخلاق النصيب الذي خلق وقدر له وقوله: أو من طلب خلاق قيل: المراد حينئذ ما له في شأن الآخرة من طلب خلاق ليدفع به أنه لا طلب في الآخرة لأحد وإنما فيها الحظ أو الحرمان وقيل: إنّ كون الآخرة لا طلب فيها ممنوع فإنّ المؤمنين يطلبون زيادة الدرجات وكذا الكافرون يطلبون الخلاص لكن ما طلبوه ليس نصيبا مقدراً لهم وكون ما نقل تمثيلاظاهر إذ لا ينبغي الحصر وامرأة السوء بالإضافة ويصح فيه فتح السين وضمها. قوله: (1 شارة إلى الفريق) قذمه لأنه هو الجزل ولأن الفريق الأوّل قد بين حالهم بقوله ومالهم في الآخرة من خلاق فالمناسب تخصيص هذا بالثاني وعلى هذا ينبغي حمل قوله: {وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ} [سورة البقرة، الآية: 202] على أنه لا يناقشهم ليسرع وصولهم إلى الفوز بالسعادة الأبدية. قوله: (أي من جنسه وهو جزاؤه) فمن بيانية والجنسية باعتبار كونه حسنة أو ابتدائية أو تبعيضية أو تعليلية، والمراد بما كسبوه الدعاء لأنه عمل لهم والأعمال توصف بالكسب، وكني بسرعة الحساب عن القدرة التامّة لأنه يحاسب الأوّلين والآخرين في مقدار لمحة طرف وقوله: أو يوشك الخ يعني أنه أطلق ما يقع في يوم الجزاء عليه كما قيل في رحمة بمعنى في الجنة وقوله: فبادروا الخ إشارة إلى أنّ المقصود التحريض على إكثار الدعاء وطلب الآخرة وانتهاز الفرصة وهو وعيد للفريق الأوّل ووعد للثاني والله أعلم. قوله: (كبروه أدبار الصلوات وعند ذبح القرابين الخ) أدبار جمع
دبر بمعنى عقب، والقرابين جمع قربان وهو الذبيحة المتقرّب بها وقوله: في أيام التشريق قيل: ينبغي أن لا يخص بها ليشمل يوم النحر وليس بشيء قال الجصاص لا خلاف بين أهل العلم أنّ المراد بالأيام المعدودات أيام التشريق وهو مروفي عن عمر وعليئ وابن عباس رضي الله عنهم وغيرهم إلا في رواية عن ابن أبي ليلى: أنها يوم النحر ويومان بعده وقيل: إنه وهم اص. فإن قلت الأيام واحدها يوم وهو مذكر والمعدودات واحدها معدودة وهو مؤنث فكيف يقع صفة له فالظاهر معدودة وصفا للجمع بالمؤنث المفرد وهو جائز، قلت: قيل: ليس هو جمع معدودة بل جمع معدود وجمع جمع مؤنث فيما لا يعقل كما قيل: حمامات وسجلات، وقيل: إنه قدر اليوم مؤنثا باعتبار ساعاته ولك أن تقول إنّ المعنى أنها في كل سنة معدودة وفي السنين معدودات فهي جمع معدودة حقيقة فتأفل. قوله: (استعجل النفر) تعجل واستعجل يكون متعديا ومطاوعا ولازما ورجح الزمخشرفي الثاني لمقابل تأخر اللازم كما رجحه في قوله:(2/293)
قد يدرك المتأني بعض حاجته وقد يكون مع المستعجل الزلل
لمقابلة المتأني اللازم والمصنف رحمه الله رجح المتعدي لأنّ المراد بيان أمور الحج لا التعجل مطلقا ولذا قدر في تأخر في النفر ومن الناس من لم يظهر له وجهه وهو ظاهر، والنفر مصدر كالضرب الرجوع من منى إلى البيت، ويوم القرّ بالفتح بمعنى القرار أوّل أيام التشريق لاستقرارهم فيه بمنى ويسمى يوم الرؤس لأنها تؤكل فيه والذي بعده ثانيها، وقوله: فمن نفر الخ إشارة إلى أنّ النفر في يومين ليس شاملا للنفر في اليوم الأوّل فإنه لا يجوز إذ لا يقال فعلت كذا في يومين بلا مدخلية لليوم الثاني، فمن قال التقدير في أحد يومين أخل بالبيان وقوله: بعد رمي الجمار عندنا إشارة إلى وقت جواز النفر لكنه عليه أن يقيده بقوله إلى غروب الشمس لأنه لا يجوز بعده، وقوله: عنده أي عند أبي حنيفة رحمه الله والمقام مقام الإظهار فعنده أنه لا يصح النفر بعد طلوع فجر الثالث قبل الرمي ولذا قال قبل طلوع الفجر وسقط قبل في بعض النسخ وهو من الكاتب وكان المصنف رحمه الله تساهل في البيان لأنه معلوم في الفروع مفروغ عنه. قوله: (ومعنى نفي الإثم الخ) تبع فيه الكشاف لأنّ التخيير يجوز بين الفاضل والمفضول لأن التأخير فضل ورده في الانتصاف بأن التخيير يوجب التساوي فلا يصح ما قاله، وأجيب بأنه إنما يمتنع إذا لم يسبق بمنع لأحد الطرفين فإن سبق به جاز التخيير إشارة إلى مطلق الجواز فيهما ولذلك عطف عليه الردّ على أهل الجاهلية فعلى هذا هما جواب واحد وقيل: الأوّل جواب بمنع امتناع التخيير بين الفاضل والمفضول، والثاني جواب بتسليمه وعليه
كان الظاهر أن يقول أو الردّ. قوله: (أي الذي ذكر الخ) يريد أن اللام في {لِمَنِ اتَّقَى} للبيان كما في هيت لك وهو في التحقيق خبر مبتدأ محذوف أو الاختصاص وتخصيص المتقي لأنه الحاج على الحقيقة وما سواه كأنه ليس بحاج أو لأنه هو الذي يلتفت لهذا وينتفع به أو للتعليل وأمّا تفسير المنفي بمن اتقى الشرك فلا حاجة إليه، ومعنى مجامع الأمور المحالّ الجامعة لها وهو كناية عن جميع الأمور ولو عبر به لكان أظهر، ويروقك بمعنى يحسن في عينيك ومعنى التعجب ما ذكر ولذلك قيل: إذا ظهر السبب بطل العجب ومن قال: إنّ في هذا التعريف دورا أتى بأمر يتعجب منه. قوله: (متعلق بالقول الخ) ومعنى قوله في الدنيا تكلمه في الأمور المتعلقة بالدنيا سواء كانت عائدة إليه أولاً أو في معنى الدنيا أي ما يقصده منها ليأخذه وينتفع به، وعبارة الكشاف صريحة فيه فإنه قال أي يعجبك ما يقوله في معنى الدنيا لأنّ ادّعاءه المحبة بالباطل يطلب به حظا من حظوظ الدنيا وهذا في معنى القول بجعل في للتعليل كما في عذبت امرأة في هرة، ومن لم يتنبه لمراده قال إن مآل الوجهين واحد والتغاير بينهما باعتبار المضاف المقدر واعجابه به لفصاحته واكتفى المصنف ببيانه في الوجه الثاني وقوله في الآخرة مأخوذ من التخصيص، وقوله: والحبسة كاللكنة لفظا ومعنى وقوله لأنه لا يؤذن له فهو على حد:
ولا ترى الضب بها ينحجر
وفيه تأمّل، وقوله: يحلف الخ لأن أشهد الله وما بمعناه يستعمل في اليمين. قوله:) شديد العداوة الخ) إشارة إلى أن ألدّ صفة كأحمر لا أفعل تفضيل لجمعه على لد وتأنيثه بلداء ونقل أبو حيان عن الخليل رحمه الله أنه أفعل تفضيل فلا بد من تقدير أي وخصامه أشد الخصام أو ألد ذوي الخصام أو يجعل هو راجع إلى الخصام المفهوم من الكلام وإن كان الخصام جمع خصم ككلب وكلاب فهو ظاهر إلا أنه يريد عليه أنّ ما بنى منه أفعل الصفة لا يبنى منه أفعل تفضيل إلا أن يكون على خلاف القياس، وفي الكشاف والخصام المخاصمة
وإضافة الألدّ بمعنى في كقولهم ثبت الغدر أو جعل الخصام ألذ على المبالغة وقيل: الخصام جمع خصم والذي دعاه إلى هذا أنّ الألد ليس هو الشديد مطلقا بل الشديد من الناس في الخصومة فلذا جعل الإضافة بمعنى في أو جعل الخصام ألذ مجازاً، قال النحرير: لا من جهة أن ألذ أفعل تفضيل بل من جهة أن اللدد شدة الخصومة وكل شديد بالنسبة إلى ما دونه أشد وفيه نظر. قوله: (قيل نزلت في الآخنس بن شريق الخ أأخنس بخاء معجمة ونون وسين مهملة وشريق فعيل من شرق، وقيل: عليه أنه مردود لأنّ الأخنس أسلم عام الفتح وحسن إسلامه كما رواه ابن الجوزي وغيره(2/294)
واحتمال الإسلام بعد النزول يدفعه فحسبه جهنم ويدفعه أنه كما قال الجلال أنه رواه ابن جرير عن السذي ومثله لا يقال من قبل الرأي حتى يرد مع أنّ المصنف رحمه الله أشار بقوله قيل: إلى ما ذكره وخصوص السبب لا يقتضي تخصيص الحكم والوعيد به وهو ظاهر وحسن إسلامه لا يعلمه إلا الله فلعله كان من المنافقين والراوي لهذا لا يسلم ما قاله ابن الجوزي، ومعنى بيتهم أوقع بهم ليلا من البيات. قوله: (حملته الأنفة الخ) أراد أنه استعارة تبعية استعير الأخذ للحمل بعد أن شبه حالة إغراء حمية الجاهلية وحملها إيا. على الإثم بحالة شخص له على غريمه حق فيأخذه به ويلزمه إياه والمراد بالإثم حقيقته وإليه
أشار بقوله الذي يؤمر باتقائه، وترك تفسير الزمخشريّ له بترك الاتعاظ لأنه خلاف الظاهر والأنفة بفتحات المتكبر والباء في بالإثم للتعدية أو للسببية، وقوله: كفته إشارة إلى أنّ حسب اسم فعل ماض بمعنى كفى وهو قول لهم وفيه نظر وقيل: هو اسم بمعنى كافي وجهنم خبره أو فاعل سد مسد الخبر، وجهنم علم لدار العقاب ممنوع من الصرف إمّا للعلمية والتأنيث، وأصل معناه البئر البعيدة القعر وقيل: إنه غير عربي وأصله جهنام فمنع صرفه للعلمية والعجمة، والداعي إلى القول بالعجمة إن وزن فعنل لم يوجد وبعض النحاة أثبتوه وذكروا له نظائر والمخصوص بالذم المحذوف هو جهنم وجعلها مهادا على التهكم والفراس أعثم مما يوطأ للنوم واختلف فيه هل هو مفرد أو جمع مهد وصهيب بالتصغير صحابيئ معروف ولم يكن رومياً وإنما أسره الروم صغيراً فقيل: له الرومي وعلى هذه الرواية فيشرى على ظاهره وفسر رأفة الله ورحمته هنا لمناسبة المقام بالإرشاد لما فيه نفع لآخرتهم. قوله: (السلم بالكسر والفتح الخ (وفيه لغة أيضا بفتحتين وأصل معناه الانقياد، وكافة في الأصل اسم فاعل من الكف وهو المنع ثم نقلته العرب واستعملته بمعنى جميعا وقاطبة لاستغراق جملة الشيء لأنّ الجملة تمنع الأجزاء من الانتشار، وهي إمّا حال من ضمير ادخلوا الفاعل وهو الظاهر أو من السلم لأنها مؤنث كالحرب كذا قال المصنف تبعا للزمخشرقي وأورد عليه أنّ التاء في كافة كتاء قاطبة أنسلخ عنها معنى التأنيث فلا حاجة لما ذكر وإن كان يختص بمن يعقل ولا يكون إلا حالاً من العقلاء فهذا مخالف لكلام العرب كافة وكذا قولهم في {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ} [سورة سبإ، الآية: 28] إنه نعت لمصدر محذوف أي إرسالة كافة، وقول: في خطبة المفصل بكافة الأبواب قيل: إنه خطأ من وجوه وقد رذ هذا شارح اللباب بأنه سمع في قول عمر رضي الله عنه في كتاب له محفوظ مضبوط جعلت لآل بني كاكلة على كافة بيت مال المسلمين لكل عام مائتي مثقال ذهبا على أنه لو سلم فلا يعد مثله خطأ لأنه لا يلزم استعمال المفردات فيما استعملته العرب بعينه ولو التزم هذا لأخطأ الناس في أكثر كلامهم وقد بسطناه في شرح درّة الغواص. قوله: (السلم تأخذ منها الخ) الشعر للعباس بن مرداس رضي الله عنه ومن فيه ابتدائية متعلقة بتأخذ لا بيانية ولا تبعيضية أي تأخذ منها أبداً ما تحبه وترضا. فلا تسأم من طول زمانها والحرب بالعكس يكفيك اليسير منها والجرع جمع جرعة وهو ما يشرب والأنفاص جمع نفس
!
والمراد الشرب مرة بعد أخرى سمي به المشروب مراراً للتنفس بينه وفي أثنائه كما قال ابن حطان:
فكل من لم يذقها شاربا عجلا منها بأنفاس ورد بعد أنفاس
قوله: (والمعنى استسلموا لله الخ الما فسر الدخول في السلم بالطاعة والانقياد والخطاب يحتمل أن يكون للمنافقين فالمراد به انقادوا ظاهراً وباطنا، أو لأهل الكتاب الذين آمنوا كان نهيا لهم عما ذكر أو لأهل الكتاب مطلقا أو للمسلمين وتأويله ما ذكر، وقوله: بالتفرق والتفريق المراد بالتفرق أن يسيروا فرقا يطيع بعضهم ويخالف آخرون والتفريق التفريق بين بعض الأنبياء عليهم الصلاة والسلام والكتب وبعض أو تفريق المسلمين بإيقاع الفتن بينهم، وتوله ظاهر العداوة إشارة أنّ أبان لازم بمعنى ظهر كما مرّ وقوله: عن الدخول في السلم لأنّ أصل الزلل السقوط والمراد به هنا البعد والتنحي مجازأ، وقوله: الآيات يحتمل آيات الكتاب ويحتمل الحجج وما بعده عطف تفسير لا وجه آخر وفسر حكيم بلا ينتقم إلا بحق فليس تركه الانتقام لعجز فهو تقرير لعزيز مرتبط به أشذ ارتباط. قوله: (هل ينظرون الخ) نظر هنا بمعنى انتظر(2/295)
والاستفهام إنكاريّ وهو نفي في المعنى فلذا وقع بعده الاستثناء المفرغ ولما كان الإتيان لا يسند حقيقة إليه أوّل بأنّ المراد يأتي حكمه وأمره أو المراد يأتيهم الله ببأسه أي يوصله إليهم لأن أتى قد يتعدى للثاني بالباء فالمأتي محذوف لدلالة ما قبله عليه من التلويح للانتقام، وقوله: بقوله تعالى: {أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} بفتح الهمزة على الحكاية ولم يقل فاعلموا أنّ الله عزيز حكيم لأنّ الدال عليه وصفه بذلك ولا دخل لقوله اعلموا فيه فلا يرد عليه أنّ الصواب أن يقال فاعلموا الخ وهو ظاهر، وجعل ظللاً وظلالاً لا جمع ظلة وإن جاز أن يكون ظلالاً لا جمع ظل ما في الكشاف لتتوافق القراءتان معنى، وقوله: السحاب الأبيض هو أحد القولين فيه وبعضهم فسره بمطلق السحاب ولعله أنسب هنا، وقوله: أو الآتون على الحقيقة إشارة إلى وجه آخر وهو أنّ نسبة الإتيان إلى الله وذكره لأنّ الآتي ملائكته وجنده وذكر الله توطئة لذكرهم
كما في قوله تعالى: {يُخَادِعُونَ اللهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا} [سورة البقرة، الآية: 9] كما مر. واختير التعبير بالماضي في قضاء الأمر دون إتيان البأس للاهتمام به، وقوله: قرأ الخ إشارة إلى أن رجع يكون متعديا ومصدره الرجع قال تعالى: {فَإِن رَّجَعَكَ اللهُ} [سورة التوبة، الآية: 83] وعليه قراءة المجهول ولازما ومصدره الرجوع وعليه قراءة المعلوم والتذكير والتأنيث لأنه مؤنث مجازي ولم يجعل المجهول من أرجع لأنها لغة ضعيفة قوله: (أمر للرسول صلى الله عليه وسلم الخ) قدم كونه أمرا للرسول لكون الأصل في الأمر والخطاب أن يكون لمعين وقد يكون لغير معين كما في قوله ولو ترى قيل: والنكتة فيه إذا صدر منه تعالى أنّ المخلوقات في عظمته سواء وجوّز في الآية أن تكون المعجزة لأنها علامة النبوّة وأصل معنى الآية في اللغة العلامة ومن جملتها الكتب الإلهية والعرف خصها به عند الإطلاق فلذلك حملها عليها ثانياً وأصل سل إسأل فخفف وعلى كل حال فالمراد تقريع بني إسرائيل وكم خبرية أو استفهامية، فإن قيل: على تقدير الخبرية ما معنى السؤال وعلى تقدير الاستفهام كيف يكون السؤال للتقريع والاستفهام للتقرير ومعنى التقريع الإنكار والاستبعاد ومعنى التقرير التحقيق والتثبيت قيل: على تقدير الخبرية، فالسؤال عن حالهم وفعلهم في مباشرة أسباب التقريع أو عن الآيات الكثيرة ما فعلوا بها على تقدير الاستفهام فمعنى التقرير الحمل على الإقرار فإنّ التقرير له معنيان هذا والتثبيت والأوّل لا ينافي التقريع وكم آتيناهم في موضع المفعول به وقيل: في موضع المصدر أي سلهم هذا السؤال وقيل: بيان للمقصود أي سلهم جواب هذا السؤال وقيل: في موضع الحال أي سلهم
قلآ كما آتيناهم وأمّا كلمة كم فمفعول ثان لآتيناهم وليس من الاشتغال كما قال أبو البقاء رحمه الله، ومن آية تمييز على زيادة من وقالوا إذا فصل بين كم ومميزها حسن أن يؤتى بمن الزائدة وإلا فلا وهذا معنى قول المصنف رحمه الله للفصل ويحتمل أنه يريد أنه زيد للفصل بين المفعول والتمييز إذا وقع بعد الفعل المتعذي سواء كانت كم استفهامية أو خبرية وأنكر الرضي زيادة من في مميز الاستفهامية وقال: إنه لم يوجد في كتب العربية ولا في الاستعمال وحمل بعضهم كلام الرضي على ما إذا لم يكن بينهما فاصل وكلام الزمخشريّ وغيره على ما إذا وقع بينهما فاصل وكلام النحاة مخالف له، قال السمين: في إعرابه يجوز دخول من على مميز كم استفهامية كانت أو خبرية مطلقا أي سواء وليها مميزها أو فصل بينهما بجملة أو ظرف أو جار ومجرور على ما قرّره النحاة اهـ. وكذا في البحر فما جمع به غير صحيح وكان الظاهر كم آتاهم لكنه روعي حال المتكلم وهو جائز كما مرّ. قوله: (أي آيات الله فإنها الخ) التبديل التغيير وذلك يكون في الذات نحو بدلت الدراهم دنانير وفي الأوصاف نحو بدلت الحلقة خاتما، والوجه الأوّل ناظر إلى تفسير الآية قبله بالمعجزة والثاني: إلى تفسيرها بالكتب وهذا ناظر إلى معنى التبديل، فالأوّل تبديل ما هو حقه، والثاني تبديل أنفسها بالتحريف والتأويل والنعمة حينئذ من وضع المظهر موضع المضمر ليدل على أنها نعمة إلهية جليلة. قوله:) من بعد ما وصلت إليه الخ الما ذكر أنّ نعمة الله هي الآيات وقد وصفت بالإيتاء فذكر المجيء بعده مع أنّ التبديل لا يتصوّر بدون المجيء وكونه نعمة يقتضي الوصول إليه مستدرك جعل المجيء مجازاً عن معرفتها أو التمكن منها لأنّ ما لم يعلم كالغائب والمراد بالمعرفة معرفة أنها آية ونعمة لا معرفة ذاتها حتى(2/296)
يرد أنّ تبديل الشيء لا يكون إلا بعد معرفته فالاستدراك بحاله. قوله: (فيعاقبه الخ) إشارة إلى أنّ قوله: {فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} أقيم مقام الجواب فإنه لا يترتب على الشرط ولا يتسبب عنه بحسب الظاهر وقيل: إنه من جهة انّ التبديل سبب للإخبار بأنه شديد العقاب كقوله تعالى: {وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ} [سورة النحل، الآية: 53] . قوله:
(حسنت في أعينهم وأشربت محبتها الخ) في الكشاف المزين هو الشيطان زين لهم الدنيا وحسنها في أعينهم بوساوسه وحببها إليهم فلا يريدون غيرها، ويجوز أن يكون الله قد زينها لهم بأن خذلهم حتى استحسنوها وأحبوها أو جعل إمهال المزين تزيينا فجعل المزين هو الشيطان ليكون المسند والإسناد حقيقة أو المزين هو الله تعالى بمعنى أنّ خذلانه إياهم صار سببا لاستحسانهم الحياة الدنيا وتزيينها في أعينهم فيكون الإسناد مجازا كما في أقدمني بلدك حق أو بأن يكون التزيين عبارة عن إمهال المزين الحقيقي الذي هو الشيطان فيكون المسند مجاراً هنا معنى كلامه فالمزين الحقيقي عنده الشيطان والله مزين مجازاً والمصنف رحمه الله عكس ذلك ورده بعض المحققين المتأخرين فقال: التزيين هو التحسين المدرك بالحس دون المدرك بالعقل ولهذا جاء في بعض أوصاف الدنيا وأوصاف الآخرة والمزين في الحقيقة هو الشيطان فإنه حسن الدنيا في أعينهم وحببها إليهم، وقراءة زبن معلوما على الإسناد دلّه والقاضي أخطأ في المدعي وما أصاب في الدليل، أمّا الأوّل فلأن التزيين صفة تقوم بالشيطان والفاعل الحقيقي لصفة ما تقوم به تلك الصفة وليت شعري ما يقول هذا القائل في الكفر والضلالة وأمّا الثاني فلأنّ مبناه عدم لفرق بين الفاعل النحوي الذي كلا منافيه والفاعل الكلامي الذي بمعزل عن هذا المقام وهذا كله من عدم التأمل لأن الله تعالى نسب التزيين إلى نفسه في مواضع كقوله: {زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ} [سورة النحل، الآية: 4] وفي مواضع إلى الشيطان كقوله: {وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ} [سورة الأنفال، الآية: 48] وفي مواضحع ذكره غير مسمى فاعله كما هنا فالتزيين إن كان بمعنى إيجادها وابداعها ذات زينة كما في قوله تعالى: {زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ} [سورة الصافات، الآية: 6] فلا شك أنّ فاعله هو الله عند النحويين والمتكلمين وان كان بمعنى التحسين بالقول ونحوه من الوسوسة كقوله تعالى: {لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ} [سورة الحجر، الآية: 39] فلا شك أنّ فاعله عندهما الشيطان وظاهر كلام الراغب أنه حقيقة في هذين المعنيين فحيث فسره الزمخشرقي بالمعنى الثاني تعين أن يكون مجازاً إذا أسند إليه تعالى وحقيقة إذا أسند إلى الشيطان، وحيث فسره المصحنف رحمه الله بإيجادها حسنة وجعلها محبوبة في قلوبهم لزم العكس وليس هذا مبنياً على الاعتزال كما زعمه صاحب الانتصاف ولا من عدم الفرق بين الفاعل الحقيقي عند أهل العربية وعند المتكلمين فإنّ الفرق بينهما مشهور وتفصيله في حواشي العضد للأبهري لكن يبقى النظر في عدول المصنف رحمه الله عن المعنى الذي فسره به الزمخشرفي فإن كان بناء على ما توهمه صاحب الانتصاف، وهو المتبادر من كلامه فغير وارد وان كان لمعنى آخر فلينظر وسيأتي لهذا مزيد تفصيل في سورة الأنعام، وقوله: وأعرضوا عن غيرها هو معنى قول الزمخشرفي لا يريدون غيرها حيث زين لهم بحيث اقتصرت
همتهم ووفر حظهم منها فهم يسخرون ممن ليس كذلك أما من جهة عدم الحظ منها أو من جهة اهتمامهم بغيرهما كالمؤمنين ويسخرون إمّا حالية بتقدير وهم يسخرون أو معطوفة على زين وعدل إلى المضارع لقصد الاستمرار، وقوله: يسترذلونهم أي يعدونهم أراذل وعطف الاستهزاء عليه والواو وفي نسخة باً وإشارة إلى أنهما معنيان والثاني وان كان حقيقياً لكنه قذم الأوّل لعمومه، والفوقية إقا مكانية وأشار إليها بقوله: {لَفِي عِلِّيِّينَ} أسورة المطففين، الآية: 18] الخ أو معنوية بمعنى كرامتهم أو التسليط عليهم بالسخرية جزاء لما فعلوه في الدنيا ووضع المظهر موضع المضمر لمدحهم بصفة التقوى مع الإيمان أو ليفيد أنها علة الاستعلاء والاستدراج بالنظر إلى غير المؤمنين والابتلاء بالنسبة إلى المؤمنين وقوله: بغير تقدير أي تضييق وهو بمعنى التقتير وهو المتبادر منه، وقيل: المراد أنه لا يحاسبهم عليه لأنهم يكسبونه حلا وينفقونه طيباً كما قيل: من حاسب نفسه في الدنيا أمن الحساب يوم القيامة. قوله: (متفقين على الحق الخ) قدم هذا الوجه لرجحانه لكن فيه أنّ الاختلاف كان في زمن آديم عليه(2/297)
الصلاة والسلام كما في قصة قابيل وهابيل وأنّ بعث الرسل وإنزال الكتب قبل إدرش! لأن شيثاً عليه الصلاة والسلام كان نبياً وله صحف وكذا يرد على قوله: أو نوج عليه الصلاة والسلام، فإن قلت قوله: {فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ} يقتضي أنهم لم يبعثوا قبل ذلك وليس كذلك، قلت: ليس المرتب مطلق البعثة ولا مطلق الاختلاف بل البعثة للحكم في الاختلاف ولعل المراد بالاختلاف اختلاف الملل والأديان والمخالفون قبل ذلك لم يدعوا دينا فتأمل، وضعف الوجه الثاني بوجوه منها أنه لم يعلم الاتفاق على الكفر حتى لا يكون مؤمن أصلا في عصر من الأعصار، وقوله: فاختلفوا الخ إشارة إلى أن الفاء فصيحة وما بعده قرينة عليه.
قوله: (الذي علمته من عدد الآنبياء عليهم الصلاة والسلام الخ) المتفق عليه خمسة وعشرون وهم آدم وادرش! ونوح وهود وصالح وإبراهيم واسمعيل وإسحق ويعقوب ويوسف ولوط وموسى وهرون وشعيب وزكريا ويحيى وعيسى وداود وسليمان والياس واليسع وذو الكفل وأيوب ويونس ومحمد عليهم الصلاة والسلام والمختلف فيه يوسف في غافر فقيل: إنه غير يوسف بن يعقوب عليه الصلاة والسلام وعزير ولقمان وتبع ومريم وببعضها تكمل العدة. قوله: (يريد به الجنس ولا يريد الخ (إنما حمله على الجنس ليعم وأما قوله: ولا يريد الخ
فمعناه أنه مع المجموع كتب ولا يلزم أن يكون مع كل واحد منهم كتاب وأمّا حمله على أنّ مع كل واحد منهم كتاباً على أنّ تعريف الكتاب للعهد وتعويضها عن الإضافة والمعنى مع كل واحد من الذين لهم كتاب وعموم النبيين لا ينافي خصوص الضمير العائد إليهم بقرينة المقام كما في الكشاف فتكلف ولذا تركه المصنف رحمه الله، ثم الأظهر عود ضمير ليحكم إلى الكتاب نهايته أن الإسناد إليه مجاز إذ لا بد في عوده إلى الله من تكلف تأويله بمعنى يظهر حكمه، وقد استظهره أبو حيان وقال: إنه يؤيده قراءة لنحكم وكذا دعوه إلى النبيين الظاهر فيه ليحكموا إلا أن يقدر كل واحد منهم وقد حمل على التغليب وهو قريب، وقوله: في الحق الذي أختلفوا فيه لأن سبب اختلافهم ادعاء كل منهم أنه محق وعوده إلى ما التبس بقرينة الاختلاف. قوله:) وما اختلف فيه الخ) فيه دلالة على أنّ الاختلاف المحكوم فيه الاختلاف في الكتب وما تضمنتها من الشرائع لا مطلق الاختلاف وإلا فقوله ليحكم الخ يدل على أنّ الاختلاف سابق على البعثة وسبب لها وما بعده يدلّ على خلافه واليه أشار بقوله مزيحا لاستحكامه أي مزيلا واليه أشار في الكشف فما فعلوه تعكيس منهم. قوله: (من بعد ما جاءتهم البينات الخ (قال النحرير كان ينبغي أن يتعزض! لمتعلق من بعد ما جاءتهم البينات بغياً فإن الجمهور على امتناع تعدد الاستثناء المفرغ مثل ما ضربت إلا زيداً يوم الجمعة تأديبا وإذا تعلق بمضمر أي اختلفوا من بعد ما جاءتهم الخ لم يفهم الحصر مع أنه مقصود ولا يتعلق بما قبل إلا وهو اختلف لأن ما قيل إلا لا يعمل فيما بعدها وفي الدر المصون تجويز ما منعه حيث قال: هو إما متعلق بمحذوف تقديره اختلفوا أو ما اختلف قبله ولا يمنع منه إلا كما قاله أبو البقاء وللنحاة فيه كلام محصمله أنّ إلا لا يميشثنى بها شيئان دون عطف أو بدلية، وهذا هو الصحيح لكن منهم من خالف فيه وما استدل به المخالف مؤوّل وقد منع أبو الحسن ما أخذ أحد إلا زيد درهما وكذلك ما ضرب القوم أحداً إلا بعضهم بعضاً وكذا قال أبو علي وابن السراج وقد أجازه أبو البقاء هنا على أن الكل محصور، والمعنى وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه إلا من بعد ما جاءتهم البينات إلا بغياً، وقيل: إن ما ذكره من عدم إفادة الحصر ممنوع أيضا إذ هو مقصود فيقدر المتعلق مؤخراً عنه ليفيد ذلك على أنه قد يقال: إنه غير مقصود
وتفسير البغي بالحسد ظاهر كما مر وكذا بالظلم، وقوله من اختلف فاعل اختلف إشارة إلى أنّ الضمير ليس راجعاً إلى الذين آمنوا والأذن إذا أضيف إلى الله فالمراد به إمّا الأمر أو الإرادة كما مر وتفسير المستقيم بما ذكر لأنه من شأنه والهداية دالة عليه هنا وأم حسبتم بالخطاب التفات وكون أم منقطعة أحد الوجوه وجوّز اتصالها بتقدير معادل وكونها منقطعة بمعنى بل دون تقدير استفهام وكون الاستفهام للإنكار بمعنى لم حسبتم وفي الكشاف إنها للتقرير والإنكار ولا مانع من الجمع بينهما وكون ما النافية مركبة أحد قولين فيها وهي نظيرة قد في أنّ(2/298)
الفعل المذكور بعدها متوقع أي منتظر الوقوع والمنتظر في لما أيضاً هو الفعل لا نفيه، وقوله: مثل في الشدة لما مر من أنّ لفظ المثل مستعار للحال والقصة العجيبة الشأن، وقوله: مستهم جواب سؤال تقديره ما حالهم وجوّز أبو البقاء كونها حالية بتقدير قد. قوله: (لتناهي الشدة الخ) حبال الصبر إمّا مكنية أو من قبيل لجين الماء واعلم أنّ حتى إذا وقع بعدها فعل فإفا أن يكون حالاً أو مستقبلا أو ماضيا فإن كان حالاً رفع نحو مرض حتى لا يرجونه أي في الحال وان كان مستقبلا نصب نحو سرت حتى أدخل البلد وأنت لم تدخلها وان كان ماضيا فتحكيه ثم حكايتك إقا أن تكون بحسب كونه حالاً بأن يقدر أنه حال فترفعه على حكاية هذه الحال وامّا أن تكون بحسب كونه مستقبلا فتنصبه على حكاية الحال المستقبلة فيقال في الرفع والنصب أنه على حكاية الحالة بمعنيين مختلفين فاعرفه فإنه وقع التعبيرية في القراءتين فلا يلتبس عليك معناه. قوله:) استئناف على إرادة القول الخ (قدره بقوله فقيل لهم والفاء فيه استئنافية كما قرّره النحاة ونص عليه في المغني وان زعم هو أنها في مثله عاطفة فما قيل: إنّ الفاء لا تكون استئنافية فالصواب قيل بدونها غير ظاهر وأتا ما وقع في الكشاف فإنه لم يقل إنه استئناف فلذا ذكره بالفاء، وفي الدر المصون الظاهر أن جملة متى نصر الله من قول المؤمنين والا إن نصر الله من قول النبيّ - صلى الله عليه وسلم - على اللف والنشر، وهذا من قول من زعم أنّ في الكلام تقديما وتأخيرا وقيل: هو كله من قول الرسول والمؤمنين معا وهو على سبيل الدعاء واستعجال النصر والقول الأوّل مقولهم والثاني مقول الله، وقال النحرير: فإن قلت هلا جعلوا ألا إنّ نصر الله قريب مقول الرسول لمجي! ومتى
نصر الله مقول من معه. قلت: إما لفظا فلأنه لا يحسن تعاطف القائلين دون القولين وأمّا معنى فلأنه لا يحسن ذكر قول الرسولءشي! في الغاية التي قصد بها بيان تناهي الأمر في الشذة.) وفيه بحث الأن ترك العطف لدفع توهم أنه مقول الجميع وأما كونه لا يحسن غاية فليس بوارد لأنه غاية باعتبار أنه وقع جوابا لما قالوه وقت الشذة ولذا لم يلتفت في الكشف إلى هذا وقال إنه وجد حين وهو كما قال وطلبة كتركة بمعنى المطلوب ووجه الإشارة ظاهر. قوله: (حفت الجنة بالم! ظ ره الخ (رواه في الصحيحين وروى حجبت والمراد بالمكاره الاجتهاد في العبادات والصبر على مشاقها وكظم الغيظ والعفو والحلم والإحسان إلى المسيء والصبر عن المعاصي وأما الشهوات التي حفت بها النار فالشهوات المحرمة كالخمر والزنا والغيبة والملاهي وأما المباحة فهي مما يكره الإكثار منه مخافة أن تجرّ إلى المحرّمات أو تقسي القلب أو تشغل عن الطاعات وهذا الحديث عدوه من جوامع الكلم ومعناه لا يوصل إلى الجنة إلا بارتكاب المكروهات والنار إلا بالشهوات وهما محجوبتان بهما فمن هتك الحجاب وصل إلى المحجوب فهتك حجاب الجنة باقتحام المكاره وهتك حجاب النار بالمشتهيات والمكاره جمع مكروهة بمعنى ما يؤدي إلى ما يكره كمحبوبة أو جمع مكروه. قوله:) عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما) أخرجه ابن المنذر عن مقاتل والهم بكسر الهاء وتشديد الميم الشيخ الفاني وعلى هذا فهم سألوا عن المنفق والمصرف فيكون في السؤال المذكور في الآية طيّ تعويلا على الجواب والظاهر على هذا أن لا يكون من الأسلوب الحكيم وبه يشعر كلام الراغب حيث قال في مطابقة الجواب السؤال وجهان أحدهما أنهم سألوا عنهما وقالوا: ما ننفق وعلى من ننفق لكن حذف في حكاية السؤال أحدهما إيجازاً ودل عليه الجواب كأنه قيل: المنفق هو الخير والمنفق عليهم هؤلاء فلف أحدهما في الآخر وهذا طريق معروف في البلاغة، والثاني أنّ السؤال ضربان سؤال جدل وحقه أن يطابقه وسؤال تعلم وحق المعلم فيه أن يكون كطبيب رفيق
يتحرى ما فيه الشفاء طلبه أو لم يطلبه فلما كان حاجتهم إلى من ينفق عليه كحاجتهم إلى ما ينفق بين الأمرين كمن به صفراء فاستأذن طبيبا في أكل العسل فقال كله مع الخل، وقول السكاكيئ إنهم سألوا عن بيان ما ينفقون فأجيبوا ببيان المصرف ونزل سؤال السائل منزلة سؤال غيره لتوخي التنبيه بألطف وجه على تعديه عن موضعسؤال هو أليق بحاله(2/299)
وأهم بناء على أنه ليس فيها ذكر المنفق أصلاً ولا وجه لأنّ قوله ما أنفقتم من خير ذكر له لكنه لما كان لا حد له أجمل أي كل حلال أنفقتموه قليلاً أو كثيرا خير وأما الزمخشرقي فإنه جعل السياق لبيان المصرف والمنفق مدمج فيه وهو الخير، وتقديره ما يعتديه من إنفاق الخير مكانه ومصرفه الأقربون قال الطيبي ولا يخرج عنده عن الأسلوب الحكيم والفرق بينه وبين: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ} أسورة البقرة، الآية: 189] أنّ معرفة تزايد الأهلة وتناقصها لما لم تكن من الأمور المعتبرة في الدين لم يلتفت إليها رأسا كما لو سأل السوداوي الطبيب أن يأكل جبناً فقال: عليك بمائه بخلاف المنفق فهذا الضرب على تسمين والمراد بالحكيم في الأسلوب الحكيم الطبيب، ويصح أن يراد صاحب الحكمة، وجعل الأسلوب حكيما مجاز وضده الأسلوب الأحمق وفي كلام المصنف رحمه الله شيء لأنّ أوله يقتضي أن ما ينفق لم يذكر أصلا ككلام السكاكي وآخره يقتضي أنه ذكر لكن بطريق الإجمال والإدماج وإذا طبق المفصل أصاب المحز وحمله بعضهم على أنهما جوابان لكن الظاهر أو. قوله:) في معنى الشرط الخ) هي شرطية لجزم الفعل بها ولكن أصل الشرط أن يؤذي بأن وغيرها من الحروف وأسماء الشرط متضمنة معناها فلذا قال في معناها وأشار إليه بقوله: إن تفعلوا الخ وقوله: يعلم كنهه مأخوذ من صيغة المبالغة في الجملة الاسمية المؤكدة وقوله: وليس في الآية الخ ردّ على من قال إنها منسوخة بآية الزكاة بأنّ هذه الآية واردة في صدقة التطوّع أو عامة وعلى كل حال فلا تنافي آية الزكاة. قوله: (شاق عليكم مكروه طبعاً الخ) قيل: الكره والكره بمعنى واحد وهو الكراهة لا الإكراه كالضعف والضعف وقيل: المفتوح المشقة التي تنال الإنسان من خارج والمضموم ما يناله من ذاته، وقيل: المفتوح بمعنى الإكراه والمضموم بمعنى الكراهة وعلى كل حال فإن كان مصدرا يؤوّل أو يحمل على المبالغة أو هو صفة كخبز بمعنى مخبوز وكونه مكروها طبعا لا يلزم منه
كراهة حكم الله تعالى ومحبة خلافه وهو ينافي كمال التصديق لأنّ معناه كراهة نفس ذلك الفعل ومشقته كوجع الضرب في الحد مع كمال الرضا بالحكم والإذعان ولذا يثاب عليه وإذا كان بمعنى الإكراه وحمل على المكره عليه فهو على التشبيه البليغ كما أشار إليه بقوله: كأنهم الخ وقوله: على المجاز بناء على أنّ التشبيه البليغ مجاز كما ذهب إليه كثير من أهل المعاني وقوله: كقوله الخ تنظير لجميع ما مرّ لأنه قرث بالفتح والضم ويجري فيها ما يجري هنا وجوّز أن يكون تنظيرا للثاني لظهور المشقة فيه الحمل والوضع ثم إنه قيل: إنّ الظاهر أنّ قوله وهو كره لكم جملة حالية مؤكدة إذ القتال لا ينفك عن الكره، ويرد عليه أنها لا يجوز اقترانها بالواو فينبغي أن تجعل منتقلة لأنه قد يكون مكروها عند كثرة العدوّ وقد لا يكون وهذا الذي ذكره صرّح ابن مالك لكن قال ابن هشام إن فيه نظرا، ووجهه كما مرّ أن واو الحال بحسب الأصل عاطفة والمؤكد بها يعطف على ألمؤكد لكنهم نصوا على خلافه في قوله: {وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ} [سورة البقرة، الآية: 30] فقالوا: إنها حال مقررة للسؤال فيحمل على أنّ الأصل ذلك وقد يترك لتنزيله منزلة المغاير. قوله:) وإنما ذكر عسى الخ (يعني أنه نزل منزلة غير الواقع لأنه في معرض! الزوال فلا حاجة إلى أن يقال: إن عسى من الله تحقيق وكون أفعاله تعالى تتضمن مصالح وحكمأ مرّ تحقيقه. قوله: (روي أنه عليه الصلاة والسلام بعث الخ (قلت هذه القصة مذكورة في السير لكن فيما ذكره المصنف رحمه الله بعض مخالفة لنقلهم فإنه قال في جمادى الآخرة والذي في سيرة ابن سيد الناس أنه في رجب وأنه لم يرسلهم لقتال وإنما بعثهم ليعلم أمر قريش وأنهم لقوا هؤلاء في آخر يوم من رجب وقالوا لئن تركناهم لقد دخلوا الحرم وان قاتلنا حينئذ قاتلنا في الأشهر الحرم ثم عزموا على الفتك بهم ففعلوا ما فعلوا قال ابن إسحق فلما قدموا على رسول الله ع! ي! قال: " ما أمرتكم بقتال في الشهر الحرام " فوقف العير
والأسيرين وأبى أن يأخذ من ذلك شيئاً فلما نزلت الآية قبض ذلك ويقال وقفه حتى رجع من بدر فقسمه مع غنائمها والحضرمي بحاء مهملة منسوب إلى حضرموت وقوله: استاقوا بمعنى ساقوا، وشهراً بدل من الشهر الحرام، ويبذعر بمعنى يتفرق، وقال السهيلي: إنه منحوت(2/300)
من بذر ودعر وقوله: وردّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس معناه ردّها على أصحابه بل تركها موقوفة ولم يقبلها والعير بكسر العين المهملة وسكون الياء القافلة من الإبل، والسائلون أصحاب السرية وكونهم المشركين ضعيف لا يناسب الرواية ولا الدراية، والسرية طائفة دون الجيش والأسارى من إطلاق الجمع على ما فوق الواحد ورواية ابن عباس رضي الله عنهما لا تخالف ما قبلها كما قيل: لأنه ردها أوّل مجيئها ثم فبلها وخمسها بعد ذلك وهو المروفي، وقوله: ما نبرح أي ما نبرج مكاننا أو ما نبرح في ندم وأمر البدلية ظاهر، وقوله: بتكرير العامل يعني وهو بدل أيضا كرر عامله أو الجار والمجرور بدل من الجار والمجرور. قوله: (أي ذنب كبير الخ الا شبهة في أن الأشهر الحرم حرم القتال فيها من عهد إبراهيم عليه الصلاة والسلام إلى أوائل الإسلام وكانت العرب في الجاهلية تدين به وهي ذو القعدة وذو الحجة ومحرّم حرّ! ت للحج لأنهم يأتونه من الأماكن البعيدة فجعل شهرا للمجيء وشهرا للذهاب وشهراً لأداء المناسك ورجب لأنهم يعتمرون فيه فياً تي للعمرة من حول الحرم فجعل له شهراً فهي أربعة ثلاثة سرد وواحد فرد، وإنما الخلاف هل نسخ حرمتها بعد ذلك أولاً فقيل: لم تنسخ وأنه لا يقاتل فيها إلا من قاتله عدوه فيقاتله للدفع وهكذا كان يفعل النبيّ - صلى الله عليه وسلم - وذهب قوم من الصحابة والفقهاء إلى أن حرمتها نسخت بآية القتال المذكورة وأما كونها جزاء لقوله فإذا انسلخ الأشهر فالمراد بها أشهر معينة فلا يدلّ على عدم حرمته في غيرها من الحرم وأما كون الآية إنما تدل على عموم الأمكنة لا عموم الأزمنة فيفيد النسخ في الحرم دون الشهر الحرام فقيل: إن الإيجاب المطلق يرفع التحريم المقيد كالعامّ للخاص ولو سلم فالإجماع على أن حرمتي المكان والزمان لا يفترقان فيجعل عموم الأمكنة قرينة عموم الأزمنة وترتفع حرمة الأشهر وهذا بناء على نسخ الخاص بالعامّ والمقيد بالمطلق عند الحنفية والشافعيّ لا يقول به كما بين في الأصول، وأمّا ما ذكره من الإجماع فمحل نظر وقوله: والأولى الخ لأنها نكرة في سياق الإثبات فلا تعمّ وأجيب عنه بأنه عام بعموم الوصف أو قرينة المقام ولذا صح إبداله من المعرفة أو وقوعه مبتدأ خبره كبير على وجهي إعرابه ولو سلم فقتال المشركين مراد قطعا لأنّ قتال المسلمين لا يحل مطلقاً وأيضاً لا يخفى أنّ سبب النزول يقتضي حرمتة وأنه إنما اغتفر للخطا فيه وأما أنّ قتال المسلمين لا يحل مطلقا ففيه إنه يحل قتال أهل البغي. قوله: (الإسلام أو ما يوصل العبد الخ) كون الإسلام
والطاعات طريقاً توصل إلى الله مجازأ ظاهر وتقدير المضاف أي صد المسجد لثلا يلزم ما بعده من المحذور وأبو داود بهمزة أو واو بوزن سعاد هاهمال الدالين شاعر من إياد مشهور اسمه جارية، واستشهد ببيته على حذف المضاف وابقاء المضاف إليه على جره لأنّ الغالب أنه إذا حذف يقوم المضاف إليه مقامه والشاهد في قوله ونار على رواية الجرّ فيه فإنّ تقديره وكل نار وناراً منصوب بتحسبين مقدرا ولولا ذلك دزم العطف على معمولي عاملين مختلفين ولو لم يقدر المضاف لكانت الآية من هذا القبيل وعلى رواية نار الأولى منصوبا لا شاهد فيه وتوقد أصله تتوقد يخاطب امرأة لأمته على عدم كونه مثل قوم ذكرتهم له، يقول لها لا تظني أن كل رجل رأيته رجلاً ولا كل نار توقد ناراً أوقدت للقرى ولا تمدحي حتى تجربيه. قوله: (ولا يحسن عطفه على سبيل الله) أي صد عن سبيل الله وعن المسجد وهو مردود لأنه يؤذي إلى الفصل بين أبعاض الصلة بأجنبيّ إذ تقديره أن صدوا لأن المصدر مقدر بأن والفعل وأن موصول حرفيّ وما بعده صلته فإذا عطف على سبيل الله كان من تتمة الصلة وكفر معطوف على المصدر نفسه فهو أجنبيّ عن الصلة إذ لا تعلق له بها، وقوله: إذ لا يقدم العطف على الموصول فيه تسمح أي العطف على صلة الموصول وما في حيزه لأنّ الموصول والصلة كشيء واحد خصوصا بعد التأويل وأما الامتناع من العطف على الضمير المجرور بدون إعادة الجار فلضعفه لفظا ومعنى، أما معنى فلأنه لا معنى للكفر بالمسجد الحرام إلا بتكلف وأما لفظا فلما في العطف على الضمير المجرور المتصل بدون إعادة الجار من الضعف، وفيه اختلاف فقيل: لا يجوز إلا في الضرورة واختار ابن مالك تبعا للكوفيين جوازه في السعة وقيل: إن أكد نحو مررت(2/301)
بك نفسك وزيد جاز والا فلا وهذا رد على الزمخشرفي إذ خرجه على العطف على سبيل الله وصححه بأنّ الكفر متحد مع الصد لأنه تفسير له فالفصل به كلا فصل وأنه على التقديم والتأخير إذ لا يخفى ضعفه وقوله: وأفعل الخ توجيه لكونه خبرا عن الأربعة وهو مفرد وهو مقرّر في العربية. قوله: (ما ترتكبونه الخ) هو الأمور الأربعة وهو تفسير للفتنة والمراد
بالشرك الكفر والصد عن الإسلام كفر وكذا المنع للمسلمين عن دخول الحرم للعبادة فإنه داخل في الكفر أو مستلزم له فلا يرد عليه أنّ التخصيص بهذين لا وجه له ولا يحتاج إلى التوجيه بأنه ذكرهما على سبيل التمثيل. قوله:) إخبار عن دوام عداوة الكفار الخ (دفع لما يتوهم من أن ردهم المغيي به إذا لم يكن واقعأ فكيف جعل غاية فأشار إلى أنه عبارة عن الدوام كقوله: {حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ} [سورة الأعراف، الآية: 40] والتعليل لا يقتضي التحقيق وقوله: وحتى للتعليل جواب آخر بأنّ فعلهم لذلك إن استطاعوا، والتعبير بأن لاستبعاد استطاعتهم لا للشك وان تستعمل لذلك كما مثل له يعني استعمل أن مع الجزم بعدم الوقوع إشارة إلى أنّ ذلك لا يكون إلا على سبيل الفرض كما يفرض! المحال وهو معنى لاستبعاد وتبق مجزوم مضارع الإبقاء وهو عدم الإهلاك. قوله: (قيد الردة الخ (قال النحرير: احتجاج الشافعيّ بناء على أنها! أحبطت الأعمال مطلقا لما كان للتقييد بقوله: {فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ} [سورة البقرة، الآية: 217] .
فائدة: لا بناء على أنه جعل شرطاً في الإحباط وعند انتفاء الشرط ينتفي المشروط لأن الشرط النحوي والتعليقي ليس بهذا المعنى بل غايته السببية والملزومية وانتفاء السبب أو الملزوم لا يوجب انتفاء المسبب أو اللازم لجواز تعدد الأسباب، ولو كان شرطا بهذا المعنى لم يتصموّر اختلاف في القول بمفهوم الشرط واحتج أبو حنيفة بقوله تعالى: {وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ} [سورة المائدة، الآية: هـ، وأجيب بأنه يحمل على المقيد عملاً بالدليلين، ورد بأنّ ذلك يكون إذا كان القيد في الحكم واتحدت الحادثة وأما في السبب فلا لجواز أن يكون المطلق سببا كالمقيد وتمام هذا في الأصول قيل: ثمرة الخلاف تظهر فيمن صلى ثم ارتد ثم أسلم فيلزمه قضاء تلك الصلاة عند أبي حنيفة رحمه الله خلافا للشافعيئ رحمه الله وفيه نظر انتهى. قوله: (لبطلان ما تخيلوه (فإن قلت الظاهر أن يقول لبطلان عملهم وفواته
بالإسلام قلت: لما كان سقوط الأعمال والعبادات بمعنى عدم الاعتداد بها والثواب عليها لاح أنّ قوله في الآخرة كاف إشارة إلى أنهم كانوا يتوهمون أنّ أعمالهم تلك تنفعهم في الدنيا فزال ما توهموه فتأمّل، وقوله: نزلت الخ رواه أصحاب السير والطبرانيّ. وقوله: إشعاراً الخ وجهه ظاهر لأنّ المقطوع به لا يرتجي وجعل الرجاء أيضاً عبارة عن الجد في الطلب في العبادة كما قيل: من رجا طلب ومن خاف هرب، والظاهر أن يفسر بأنهم يرجون الثواب على تلك الغزاة الواقعة في الشهر الحرام لما عفا الله عن غائلتها كما روى ابن سيد الناس: أنه لما تجلى عن عبد الله بن جحش وأصحابه ما كانوا فيه حين نزل القرآن طمعوا في الأجر فقالوا: يا رسول الله أنطمع أن يكون غزوة ونعطي فيها أجر المجاهدين فأنزل الله فيهم: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ} الآية. قوله: (والعبرة بالخواتيم (أي المعتبر المعتد به ذلك، والخواتيم بالياء جمع خاتمة ووقع في الحديث، كذلك وكان قياسه الخواتم لكنه سمع فيه على خلاف القياس كما قالوا في الصيارف وبعض النحاة جعله مقيسا في جمع فاعل وتفصيله في كتاب الضرائر لابن عصفور، وقوله: لما فعلوا خطأ قيده به لما مرّ في سبب النزول. قوله:) روي أئه الخ) المذهبة بفتح الميم بوزن اسم المكان ما يذهب به العقل كثيراً والتاء فيه للمبالغة وهذه الصيغة تستعمل للدلالة على الكثرة كما يقال: مأسدة للمحل الكثير الأسود ثم استعيرت لما هو سبب للكثرة كما يقال الولد مجبنة ومبخلة أي يستدعي ذلك وهو المراد هنا وقوله: فقرأ الخ أي في سورة: {قُلْ يَا أَيُّهَا
الْكَافِرُونَ} وقوله: فشربها الخ لأنهم فهموا من قوله فيهما إثم أنهما يؤدّيان إلى الإثم لا أنهما في أنفسهما أثم فشربها بعضهم اعتمادا على أنه يضبط نفسه عما يؤدّي إليه وتركها آخرون اجتنابا عما يؤدّي إليه واللحى العظم النازل من الرأس إلى الفم، قيل: والحكمة في نزول هذه الآيات بالتدريج في تحريمها أنهم ألفوها فلو حرّمت عليهم ابتداء لربما شق عليهم ذلك. قوله:) والخمر في الآصل مصدر خمره إذا ستره) يعني أنّ أصل معنى(2/302)
الخمر الستر فكل مائع يستر العقل خمر حرام قليله وكثيره طبخ أو لم يطبخ، وهذا مذهب الشافعيّ وكذا السكر بفتحتين من السكر وأصل معناه سد للماء كالجسر وهو يحجب الماء أيضا فهو في معنى الخمر وما نقله عن أبي حنيفة صحيح إلا أنه لا يخصه بما ذكر بل العنب مثله فلا ينبغي التخصيص وحل شربه مخصوص بأن لا يصل إلى حد السكر ولا يشرب بقصد اللهو والطرب، وكيفيته والكلام فيه مفروغ عنه في الفروع وقال بعض أهل اللغة لا يسمى خمراً الإماء العنب النيء إذا غلى بنفسه. قوله:) والميسر الخ) أيضا أي كما أنّ الخمر بحسب الأصل مصدر وفعله أيسر من اليسار لأنه يأخذ ما يأخذه بيسر أي سهولة أو الهمزة فيه للسلب لأنه يسلب اليسار وتفسيره هنا بالقمار مروقي عن ابن عباس رضي الله عنهما وعطاء ومجاهد وغيرهم وهو بيان المراد من الآية حتى أدخلوا فيه لعب الصبيان بالكعاب والجوز والنرد والشطرنج والقرعة في غير القسمة كما ذكره الجصاص وجميع أنواع المخاطرة والرهان وأما حقيقته فسهام تجعل في خريطة معلمة بعلامات لبعضها نصيب ولبعضها أكثر وليس لبعضها شيء وكل ذلك من لحم جزور ينحرونها وله تفصيل في شروح الكشاف. قوله: (إثم كبير من حيث إنه يؤدي الخ) الانتكاب عن المأمور بعني به اجتنابه ومخالفته وأصل معنى التنكب التنحي يقال:
تنكب لا يقطرك الزحام
وهو ينون وكاف بعدها باء موحدة يعني أن الإثم ليس في ذاتهما بل فيما يؤديان إليه ولذا شربوها بعد نزول هذه الآية كما مرّ وهذا بناء على ما ارتضاه من أن هذه الآية لا تدل على
تحريمها، وقرئ كثير بالمثلثة في السبعة وبين منافعها من كسب المال في الميسر ولصاحب الكرم ومصادقة الفتيان لأنها تورث محبة وعشرة. قوله: (ولهذا قيل الخ) يعني بعضهم ذهب إلى أنّ هذه الآية دلت على الحرمة وقوله: لما مرّ يعني من شربهم بعد نزولها وسؤالهم عن شأن شاق وأنّ المحرّم آية أخرى وما ذكر مبنيّ على التحسين والتقبيح العقليين ونحن لا نقول به وفيه نظر. قوله: (قيل سائله الخ) إنما ضعفه لأن الوارد في الحديث أنه معاذ بن جبل وثعلبة ابن غنم وقال ابن عباس رضي الله عنهما نفر من الصحابة، وقوله: عن المنفق والمصرف بناء على ما مرّ في سبب النزول وقد مرّ ما فيه وكون هذا سؤالاً عن كيفية الإنفاق قصد به دفع التكرار مع ما مرّ من سؤاله لكن هذه العبارة للسؤال عن المنفق كالسابقة ولا دلالة لها على الكيفية. قوله: (العفو نقيض الجهد لخ) يعني أنّ العفو بمعنى السهل الذي لا مشقة فيه ونقيضه الجهد بالفتح وهو المشقة ولذا يقال: للأرض! الممهدة السهلة الوطء عفو والشعر الذي أنشد نسب لأبي الأسود الدؤلي يخاطب زوجته والصحيح أنه لأسماء بن خارجة الفزاري أحد حكماء العرب، وقد أخرجه البيهقيّ في شعب الإيمان بسند متصل عن أسماء أنه لما أراد أن يهدي ابنته إلى زوجها قال لها: يا بنية كوني لزوجك أمة يكن لك عبداً ولا تدني منه فيملك ولا تباعدي عنه فتثقلي عليه وكوني كما قلث لأمك:
خذي العفومني تستديمي موذتي ولاتنطقي في سورتي حين أغضب
فإني رأيت الحب في الصدر والقلى إذا اجتمعا لم يلبث الحب يذهب
ومراده بالعفو ما تقدم وسورة الغضب شدته وحدته والقلى البغض والصد ومعنى البيتين ظاهر. قوله:) وروي أن رجلاَ أتى النبئ صلى الله عليه وسلم الخ) أخرجه أبو داود والبزار وابن حبان
والحاكم من حديثه. وقوله: في بعض المغانم يوافقه ما في رواية البزار في بعض المغازي وفي غيره في بعض المعادن والبيضة مقدار كالبيضة على التشبيه، وقوله: فحذفها بالحاء المهملة والذال المعجمة ومعناه رماها ومن توهم أن معناه الإسقاط لا الرمي لم يصب لأنه مذكور في كتب اللغة كالنهاية وقيل: إنه بخاء معجمة وهو الرمي بالأصابع أو بالسبابة والإبهام وقو! : يتكفف أي يسأل الناس بمد كفه، وقيل: يطلب الكفاف ولفظ ظهر مقحم للتأكيد وقد مرّ تحقيقه في ظهر الغيب والمراد بيجلس يقعد عن الكسب وهذا النهي كما يقتضيه الكلام لمن لا يصبر بعد بذل ماله أما لو صبر فمحمود وفي الحديث: " خير الصدق جهل المقل " وهذا يختلف باختلاف الناس. قوله: (أي مثل ما بين أن العفو أصلح من الجهد الخ) يعني أنّ كذلك صفة(2/303)
مصدر محذوف أي تبيينا كذلك التبيين والمشار إليه تبيين حال الإنفاق لقربه أو جميع ما قبله وترك ما ذكره الزمخشرقي من أنه تبيين أمر الخمر لأنه خلاف الظاهر للفصل وان اعتذر عنه بأن ذلك يشار به إلى البعيد وغير ذلك مما في شروحه، وتوله: وإنما وحد العلامة الخ يعني حرف الخطاب فإنّ الكاف المتصلة بأسماء الإشارة قد يخاطب بها المخاطب بالكلام نحو فذلكن الذي لمتنني فيه والوجه ما ذكره المصنف رحمه الله وله وجه آخر، وهو أن يخاطب به كل من يتلقى الكلام كما في قوله: {ثُمَّ عَفَوْنَا عَنكُمِ مِّن بَعْدِ ذَلِكَ} [سورة البقرة، الآية: 52] وحينئذ يلزم الإفراد من غير تأويل كما في المطوّل وشروح التسهيل.
قوله: (في الدلائل والأحكام) جعل متعلق التفكر مقدرا فيكون قوله في الدنيا والآخرة متعلقا بيبين وقد جوّز فيه الزمخشرفي أن يتعلق بتتفكرون أيضاً وهو الظاهر إذ هو يتعذى بفي ولاتصاله والمراد بالتبييت في الدنيا والآخرة تبيين أمر الدنيا والآخرة وحينئذ قدم التفكر للاهتمام به، وقوله: يضركم أكثر مما ينفعكم ناظر إلى قوله: وإثمهما أكبر من نفعهما. قوله: الما نزلت إنّ الذين يثلون الخ) أخرجه أبو داود والنسائي والحاكم وصححه من حديث ابن
عباس رضي الله عنهما قال الزجاج كانوا يظلمون اليتامى فيتزوّجون منهم العشرة ويأكلون أموالهم فشدد عليهم في أمر اليتامى تشديداً خافوا معه التزويج باليتامى ومخالطتهم فأعلمهم الله تعالى أنّ الإصلاج لهم هو خير الأشياء وأنّ مخالطتهم في التزويج مع تحري الاصطلاح جائزة وقوله: فشق ذلك عليهم أي على اليتامى لعدم من يقوم بأمورهم، وقيل: على تاركي المخالطة لشفقتهم على اليتامى وخوف أن يلحق أولادهم مثلهم. قوله: (حث على المخالطة الخ) بين وجه الحث وقريب منه ما قيل: إنه إثبات للمخالطة بطريق برهانيّ لأنّ الأخ لا يجتنب أخاه وتفسيره بالمصاهرة يربطه بالآية المذكورة بعده أشد ارتباط وقوله: فيجازيه حيث ذكر علم الله في مثله فالمراد به المجازاة والا فهو معلوم، وقوله: لإفساد واصلاح لف ونشر. قوله: (اي ولو شاء الله أعناتكم الخ) أي لو شاء الله أن يوقعكم في العنت وهي مشقة يخشى معها الهلاك والعنت أن يشرع ترك المخالطة، فإن قلت مفعول المشيئة في الشرط إنما يحذف إذا لم يكن تعلقه به غريباً وتعلقه بالإعنات غريب، قلت أجيب بأنه كان في الأمم السابقة التكليفات الشاقة فلم يكن ذلك غريباً إذ ذاك وفيه تأفل. وفسر العزيز والحكيم بما ذكر لمناسبة المقام وما يشع له الطاقة أخص من الطاقة لأنّ معناه ما يطاق طاقة من غير تضييق ومشقة. قوله: (أي ولا تتزوّجوهن الخ) وقراءة الضم قال الطيبي: لا أعلم أحداً قرأ بها ونقل أبو حيان رحمه الله أنها قراءة الأعمش وهو ثقة، وقوله: والمشركات الخ والمراد بالمشركات إن كان الحربيات خاصة كما هو المتبادر فالآية ثابتة أي غير منسوخة لأنّ الحرمة باقية وإن كان أعئم لأن أهل الكتاب مشركون لما ذكره المصنف رحمه الله فقيل: الآية منسوخة بقوله تعالى في المائدة: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ} [سورة المائدة، الآية: 5] حيث حصر الحل في الكتابيات، ولا يجوز أن تكون آية المائدة منسوخة لأنّ المائدة لم ينسخ منها شيء ومبني الكلام
على أن قصر العام على البعض بدليل متراخ نسخ عند الحنفية وأمّا عند الشافعية فهو تخصيص لا نسخ كما قاله المصنف رحمه الله تعالى. قوله: (روي أنه عليه الصلاة والسلام الخ) ردّ هذا بأنه إنما ورد في آية النور: {الزَّانِي لَا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً} [سورة النور، الآية: 3] الآية أخرجه أبو داود والترمذيّ والنساتي من حديث ابن عمر رضي الله عنهما والذي ذكره المصنف رحمه الله أورده الواحدي في أسباب النزول عن ابن عباس رضي الله عنهما ومرثد براء مهمله وثاء مثلثة مكسورة والغنوي بالغين المعجمة نسبة لقبيلة، وعناق بفتح العين اسم امرأة، وقوله: استأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أي أشاوره. قوله: (ولامرأة مؤمنة) إشارة إلى أنّ الآية هنا ليست على ظاهرها لما ذكره وقيل: إنه على ظاهره وأنّ الأمّة في مقابل الحرّة وأنه نزل في أمة لابن رواحة رواه الواحديّ عن ابن عباس رضي الله عنهما، وعليه فتفضل الأمة المؤمنة على المشركة مطلقا ولو حرّة فيعلم منه تفضيل الحرّة عليها بالطريق الأولى ثم إنّ التفضيل يقتضي أنّ في المشركة خيراً فإمّا أن يراد بالخير الدنيوي وهو مشترك بينهما بمعنى الانتفاع أو يكون على حد قوله: أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرّاً فان أصحاب النار لا خير فيهم كما سياتي(2/304)
تأويله وأنه على الفرض! والتأويل، والشمائل الأخلاق واحدها شمال. قوله: (والواو للحال الخ) هذه الجملة في موضع نصب وقالوا: إنها في مثله شرطية بمعنى إن لا امتناعية إذ المعنى ليس عليه وقد قدمنا أن هذه الواو عاطفة على جملة حالية مقدرة وأنه لا خلاف بين من قال إنها عاطفة ومن قال حالية والمراد به وأمثاله التعميم واستقصاء الأحوال لأنّ ما بعدها إنما يأتي وهو مناف لما قبلها لوجه ما والإعجاب مناف لخيرية غيرها وترجيحه عليها، وكون لو تأتي بمعنى إن
مقرر في النحو والمعاني، وقوله: وهو على عمومه أي شامل لأهل الكتاب والتاء مضمومة هنا قطعا وقوله: عن مواصلتهم أي الاتصال مطلقاً ومعاملتهم معاملة أوليائهم وفيه إشارة إلى أنّ المراد بالعبد ماي يشمل الحرّ كما مرّ في الأمة. قوله:) إشارة إلى المذكورين الخ) إنما أدرج المذكورين إشارة إلى أنّ ذكرهم جعلهم بمنزلة المحسوس الذي يشار إليه وإلا فأولئك جمع لا يختص بمذكر ومؤنث أو هو إشارة إلى أن يدعون غلب فيه المذكر على المؤنث، وقوله: أي الكفر فهو مجاز بعلاقة السببية كما في الجنة والمغفرة، وتقدير أولياؤه لازم لقوله: بإذنه إذ لا معنى لقولنا الله يدعو بإذن الله ولمقابلته لأولئك الذين هم أولياء الشيطان ووجه التفخيم جعل دعوتهم دعوة الله لكنه قيل: إنه لا حاجة حينئذ إلى تأويل إذنه بالتيسير وليس كذلك لأنّ إذن الله لهم في دعوتهم معناه ذلك هنا، قال الزمخشرقي في حواشيه: هو مستعار من الإذن الذي هو تسهيل الحجاب وذلك ما يمنحهم من اللطف والتوفيق ولو جعل بمعنى بأمره ورضاه لكان مجازاً أيضاً وهو ظاهر وكذا كونه بمعنى القضاء والإرادة وقيل: إن إبقاء يدعو على ظاهره أولى ويؤيده عطف يبين عليه والظاهر أن المبين هو الله فتأمّل. قوله: (لكي يتذكروا الخ (يعني أنه استعارة كما مرّ أو ا! الترجي بالنسبة إلى غيره من المخاطبين وقوله: من ميل الخير يعني من الميل للخير. قوله: (روي أنّ أهل الجاهلية الخ) روى مسلم والترمذقي والنسائي عن أنس رضي الله عنه أنّ اليهود كانوا إذا حاضت المرأة منهم لم يؤاكلوها ولم يجامعوها في البيوت أي لم يساكنوها فساًل أصحاب النبيّ - صلى الله عليه وسلم - فنزلت فقال النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: " افعلوا كل شيء إلا النكاح " وروي أنّ الذي سأل عنه ثابت بن الدحداج رضي الله عنه وروي من طرق أخر، والدحداح بفتح الدالين المهملتين وحاءين مهملتين صحابيئ معروف، وما قيل: إن قوله فاعتزلوا يؤيد فعلهم ولا يصلح ردا له إلا أن يتكلف له وما في الكشاف لا يحتاج إلى تكلف لأنه لم يذكره على أنه سبب النزول غفلة عن أنه ثابت بالأحاديث الصحيحة، وقوله: فاعتزلوا المغيا بالطهر
كالصريح في ترك النكاح فقط فهو ظاهر في الردّ. قوله: (مصدر كالمجيء والمبيت (يعني أنه معفل بكسر العين مصدر ميمي وهو مخير في مثله بين الفتح والكسر وقد سمع حاضت حيضا ومحيضا ومحاضا، والمراد هنا المعنى المصدري وقيل: إنّ الفتح والكسر جائز في المصدر واسم الزمان والمكان وقيل: القياس الفتح لا غير. قوله: (ولعله سبحانه إنما ذكر يسألونك بغير واو ثلاناً الخ) في الكشاف فإن قلت ما بال يسألونك جاء بغير واو ثلاث مرّات ثئم مع الواو ثلاثا، قلت: كان سؤالهم عن تلك الحوادث الأول وقع في أحوال متفرّقة فلم يؤت بحرف العطف لأنّ كل واحد من السؤالات سؤال مبتدأ أو سألوا عن الحوادث الآخر في وقت واحد فجيء بحرف الجمع لذلك كأنه قيل: يجمعون لك بين السؤال عن الخمر والميسر والسؤال عن الإنفاق والسؤال عن كذا وكذا، وهو مما أشكل قديماً حتى قال في الانتصاف: إنه وهم بلا شك لأنه يقتضي كما ترى أن يقترن السؤال الثاني والثالث بالواو خاصة دون الأوّل إذ الواو إنما تربط ما بعدها بما قبلها فاقترانها بالأول لا يربطه بالثاني وإنما يربطه بما قبله وعلى هذا تكون الأسئلة التي وقعت في وقت واحد أربعة لا ثلاثة خاصة وقد قال: إنّ الأسئلة التي وقعت في وقت واحد هي الثلاثة الأخيرة وذكر نكتة أخرى وستأتي وقال بعض علماء العصر ههنا مؤاخذة مشهورة على المصنف وهي أنّ وقوع الثلاثة الأخيرة في وقت لا يقتضي إيراد الواو ثلاثا إذ يحصل بإيراد الواو من الأخيرتين، فالصواب أن يقال: والأ؟ بعة كانت في وقت واحد وهي الثلاثة الأخيرة وثالث الأول وقيل: في دفعه قوله في وقت واحد بالإضافة لا بالصفة(2/305)
كأنه أراد وقت واحد من الأول وهو وقت ثالثها، وأنت خبير بأنّ تركيب عديله توصيفي فجعله إضافياً خلاف الظاهر كما لا يخفى، والظاهر في توجيه كلامه هو أنه أراد والثلاثة الأخيرة في وقت واحد هو وقت ثالث الأول أعني وقت السؤال عن الخمر والميسر كما هو الواقع على ما ذكره المفسرون، فقوله في وقت واحد وإن كان عامّا بحسب المفهوم لكنه أراد به ذلك الفرد الخاص تعويلا على الواقع واعتمادا على ظهور المراد كما هو دأبه في أمثاله وإن كان صاحب الكشاف لم يعتمد عليه ونصب قرينة واضحة دالة على أنّ المراد بالوقت الواحد ما ذكرناه حيث قال كأنه قيل: يجمعون الخ كما لا يخفى، ومن البين أنه لا دلالة في كلامه على أنّ ذلك الوقت الواحد أي وقت الثلاثة الأخيرة مباين لكل واحد من أوقات الأول حتى لا يمكن حمله عليه، وقوله:
ثم بها ثلاثاً للتراخي في الذكر دون الوقت على أنه يمكن أن يقال: إنّ في قوله فلذلك ذكرها أي ذكر الثلاثة الأخيرة بحرف الجمع إشارة إلى ما ذكره لأنّ ذكر أوّلها بحرف يفيد الجمع بينه وبين ما هو عطف عليه يقتضي وحدة وقتهما والا لكانا سؤالين مبتدأين كما لا يخفى (أقول) هذا الذي نحاه هذا القائل مأخوذ من قول العلامة في شرح الكشاف يعني: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ} [سورة البقرة، الآية: 215] {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ} [سورة البقرة، الآية: 217] {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ} [سورة البقرة، الآية: 219] {وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ} {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى} [سورة البقرة، الآية: 220] ويسألونك عن المحيض فالثلاثة الأخيرة التي فيها الواو جمعت مع الأخير مما ليس فيه الواو وهو قوله: يسألونك عن الخمر والميسر فقد فرقت بين الثلاثة وجمعت بين الأربعة فلذلك قال يجمعون لك بين السؤال عن الخمر والميسر الخ ولم يرتضه الشارح النحرير، وأشار إلى أنّ السؤال عليه باق لم يندفع. ثم اعلم أنه لا غبار على كلام الكشاف لأنه سأل عن العطف ثلاث مرّات والعطف إذا ثلث بين الجمل اقتضى أربع جمل ضرورة وقد عدها أربعا فكيف يقال: إنه وهم وأما كلام المصنف رحمه الله فإنه صرح باتحاد الوقت في ثلاثة فورد السؤال عليه فلعله لم ير أنّ العاطف الأوّل عاطف على ثالث الثلاثة بل عطف مجموع الأسئلة المتحدة الوقت على الأسئلة المختلفة فيه عطف القصة على القصة، أو يقال: إنه لاحظ أن السؤال عن الإنفاق قد تقدم فلم بعده معها والأوّل أولى وما ذكره هؤلاء تكلف لا طائل تحته ولذا لم يلتفت إلى هذا السؤال المدقق في الكشف مع تشنيع صاحب الانتصاف فتأمل. ثم إنّ وجه العطف والترك ما في الانتصاف، وهو أن أوّل المعطوفات عين الأوّل في المجردة لكنه أولاً أجيب بالمصرف الأهم وان كان المسؤول عنه المنفق ثم أعيد ليذكر المسؤول عنه صريحا وهو العفو الفاضل عن حاجته فتعين عطفه ليرتبط بالأوّل، والسؤال عن اليتامى لما كان له مناسبة مع النفقة باعتبار أنهم إذا خالطوهم أنفقوا عليهم عطفه على ما قبله، ولما كانوا اعتزلوا عن مخالطة اليتامى ناسب ذكر اعتزال الحيض لأنه هو اللائق بالاعتزال فلذا عطفه لارتباطه بما قبله، وإذا نظرت إلى الأسئلة الأول وجدت بينها كمال المناسبة إذ المسؤول عنه النفقة والقتال والخمر فذكرت مرسلة متعاطفة وهذا من بدائع البيان، فإن قيل: الوجه الذي ذكره المصنف تبعا للكشاف ما وجهه إذ يكفي فيه اجتماع الجمل في الوقوع مع وجود الجامع سواء كانت في وقت واحد أولاً مع أنّ الواو العاطفة لا تفيد المعية وكون اتحاد الوقت يقتضي العطف وعدمه يقتضي تركه لم يقل به أحد من أهل المعاني، قيل: المراد أنه لما كان كل منها سؤالاً مبتدأ من غير تعلق بالآخر ولا مقارنة معه لم يقصد إلى جمعها بل أخبر عن كل على حدة بل يجوز أن يكون الإخبار عن هذا قبل وقوع الآخر بخلاف السؤالات الأخر حيث وقعت في وقت واحد عرفا كشهر كذا ويوم كذا مثلا فقصد إلى جمعها وهذا عندي لا يسمن ولا يغني من جوع فلا بد من تحقيقه على وجه آخر ولعله يتيسر لها
وقوله: نفرة أي لأجل النفرة، وقوله: إشعاراً بأنه العلة أي علة المنع منه أنه مؤذ ملوّث ينفر عنه الطبع. قوله: (تكيد للحكم وبيان لغايته الخ (لأنّ غايته الاغتسال مطلقا في مذهب المصنف رحمه الله فلما أفاد بيان غاية لم تعلم مما قبله صح عطفه لأنه ليس لمجرد التأكيد، وما قيل: من أن التأكيد لا يعطف وإن الغاية معلومة مما قبله وهم وفسروا التطهير بالغسل لأنه معنى شريئ مناسب لصيغة(2/306)
التطهر التي تفيد المبالغة ولأنه لو كان بمعنى انقطاع الحيض لتكرر مع ما قبله فما قيل: إنه لا قرينة عليه لاحتمال أنه غسل الفرج فقط كما ذهب إليه الأوزاعي رحمه الله ليس بشيء فدلالته عليه صريحاً واضحة فإن قلت إذا كان التطهر يدل على ذلك صريحا فلم جعل دلالة فإذا تطهرن التزاماً، قلت: لأنه لما اقتضى تأخر جواز الإتيان عن الغسل وهو مدلوله لزمه أن يمتنع قبله فيكون الغسل حي! سذ غاية وإنما قال جواز الإتيان مع أنه مأمور به لأنّ الأمر بعد المنع للإباحة كما تقرّر في الأصول. قوله: (وقال أبو حتيفة الخ الأنه رأى قراءة التخفيف تدل على توقف الحل على انقطاع الحيض والتشديد على الغسل وكلاهما متواتر يجب العمل به ولا يمكن ذلك في حالة واحدة فعمل بهما باعتبار حالتين فحمل قراءة التخفيف على ما إذا انقطع كثر مدة الحيض وقراءة التشديد على الانقطاع في أقل منها فلا تحل المباشرة إلا بالاغتسال أو ما هو في حكمه من مضي وقت صلاة والشافمي رحمه الله تعالى جمع بينهما بأن جعل إحداهما غاية كاملة والأخرى ناقصة وأدلة الفريقين في كتب الفقه، والمأتي بالفتح محل الإتيان وهو القبل، وقوله: والإتيان في غير المأتي يعني الدبر إشارة إلى أنّ الآية تدل على حرمة اللواطة بجامع الأذى. قوله: (مواضع حرث لكم الخ) يعني أنه بتقدير مضاف أو أطلق الحالّ على المحل وحمل المشبه به على المشبه كما في زيد أسد ثم أشار إلى أنّ هذا التشبيه متفرع على تشبيه النطف الملقاة في أرحامهن بالبذور إذ لولا اعتبار ذلك لم يكن بهذا الحسن فقيل: إنه على الاستعارة بالكلية لأنّ في جعل النساء محارث دلالة على أنّ النطف بذور على ما أشار إليه بقوله: تشبيها لم يلقى الخ كما تقول إنّ هذا الموضع المفترس الشجعان، وقيل: إنه ليس بجار على قانون البلاغة إلا أن يقال نساؤكم حرث لنطفكم ليكون المشبه مصرحاً
والمشبه به مكنياً ولو قيل: بأن الحرث يدل على البذر دلالة قوية تجعله في حكم الملفوظ كما جنح إليه من جعله استعارة مكنية لكان هذا قسماً من المكنية لا يذكر فيه الطرفان وهو غريب، وقال بعض المتأخرين: إن هذا التشبيه مترتب على تشبيه آخر متروك وهو تشبيه النطف بالبذر ترتب اللازم على الملزوم ولا يبعد أن يسمى تمثيلا على سبيل الكناية والقوم قد غفلوا عند هذا النوع من التمثيل والبذور بالذال المعجمة ما يزرع. قوله: (وهو كالبيان لقوله فأتوهن الخ) يعني أنه علم من جملة تفسير ما وقع مبهما في قوله: فأتوهن من حيث أمركم الله وهو موضع الحرث أعني القبل وزالت الشبهة التي ربما توهصت من أنّ الغرض! قضاء الشهوة وهو يحصل بكلا الفرجين وظهر أنّ الغرض! هو النسل الذي هو بمنزلة ريع الزرع، وقوله: من أيّ جهة شئتم تفسير لأني وهي شرطية يدل على جوابها ما قبله وهي ظرف مكان أخرجت عن الظرفية لتعميم الأحوال وما ذكره عن اليهود أخرج في الصحيحين.
تنبيه: أنى تأتي شرطا واستفهاما بمنزلة متى ظرف زمان وبمعنى كيف ومن أين والوجوه
كلها جائزة عنه هم هنا وهي لتعميم الأحوال والسؤال عن أمر له جهات وهي في محل نصب على الظرفية، وقال أبو حيان: هذا لا يصح كونها شرطية معنى لأنها حينئذ ظرف مكان فتقتضي. إباحة الإتيان في غير القبل ولأنها لا يعمل فيها ما قبلها لصدارتها ولا استفهامية لأنها لا يعمل فيها ما قبلها ولأنها تلحق ما بعدها نحوأنى لك هذا وهذه مفتقرة لما قبلها فهي مشكلة على كل حال، والظاهر أنها شرطية جوابها مقدراً أي أنى شئتم فأتوه نزل فيها تعميم الأحوال منزلة الظروف المكانية بتقدير في فتأمل. (أقول) : ما ذكره المفسرون من الوجوه الثلاثة صحيح وما أورده عليها أبو حيان رحمه الله وظنه وارداً غير مندفع ليس بوارد وان سلمه غيره أما الشرطية فإن جوابها لما تقدم عليها قدر لها جواب يدذ عليه ويؤكده وما أوهمه من جوازه في غير القبل يأباه قوله حرث فلا إشكال وأما الاستفهام فإنه لما خرج عن حقيقته جاز عمل ما قبله فيه نحو كأن ماذا كما صرح به النحاة وأهل المعاني. قوله: (وقدّموا لآنفسكم الخ) فسر المؤمنين
بالكاملين لأنّ المطلق ينصرف إليه ولأنه يعلم من تخصيصهم بالبشارة، فان قلت انصراف المطلق إلى الكامل قيل: إنه قول للحنفية في الأصول وأما الشافعية فقالوا: ينصرف إلى الأقل وهل هو حقيقة أو مجاز فيه كلام في حواشي المختصر.
(قلت) ما ذكره الشافعية(2/307)
في مقام الاستدلال أخذ بالأحوط فلا ينافي إرادة غيره بقرينة المقام كالمدح هنا، قال النحرير: وهذه الأوامر كلها في حيز قل لظهور أنّ وقدموا واتقوا عطف على الأمر قبلهما وأمّا وبشر المؤمنين فليس كذلك بل هو عطف على قوله: قل هو أذى، وفيه تحريض على امتثال ما سبقه من الأوامر والنواهي وقوله: ولا تجعلوا عطف على تلك الأوامر أو على مقدر أي امتثلوأ ولا تجعلوا ولا يرد عليه أن بشر لا يصلح جوابا للسؤال فكيف يعطف على قل، لأنه أشار إلى دفعه بجعله تحريضاً لهم كما لا يخفى، وكونها نزلت في الصديق رضي الله عنه أخرجه ابن جرير وما بعد 5 قال السيوطي: لم أقف عليه وأمر مسطح سيأتي بسطه في قصة الإفك والختن بفتحتين الصهر وأقارب الزوجة. قوله: (والعرضة فعلة بمعنى المفعول) كغرفة بمعنى مغروف فإمّا أن يكون بمعنى معرضة دون ذلك وقدامه فتكون بمعنى الحاجز والمانع من عرض! العود على الإناء والمعنى لا تفعلوا ذلك أي جعلها مانعا فالأيمان بمعنى المحلوف عليه لأنها تسمى يمينا كما فيإ الحديث " وأما بمعنى معرضا لأمر من التعريض للبيع فالمعنى لا تبتذلوا ذلك بكثرة الحلف به واليمين على حقيقته، وجعل اللام صلة عرضة وجوز الزمخشريّ تعلقه بالفعل والمصنف رحمه الله تركه فقيل: لا وجه لتركه ولعل وجهه أن جعل يتعدى لمفعولين بنفسه وقد يتعذى لواحد بنفسه وللثاني باللام نحو جعلت المال لزيد وأما تعديه للثالث به فلم يعهد، وقيل: إق وجه الاقتصار أنه يظهر من المذكور
بطريق الأولى وفيه ما فيه، وقوله: عطف بيان لها أي للإيمان وقيل: إنه بدل والمعنى لا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم التي هي البر والتقوى الخ وأن والفعل معرفة لأنها مؤوّلة بمصدر معرف كما صرحوا به فالقول بأنه يلزم إبدال النكرة من المعرفة وهم وقوله: ويجوز أن تكون للتعليل أي بتقدير اللام تعليلاً لعرضة واختلف في تقديره فقيل: إرادة أن تبروا، وقيل: كراهة أن تبروا وقيل: لترك أن تبروا وقيل: لئلا تبرّوا ولأيمانكم متعلق بالفعل حينئذ لئلا يتعلق حرفا جرّ بمعنى بمتعلق واحد. قوله: (وأن تبرّوا علة للنهي الخ) أي طلب كص الفعل لا للفعل أعني الجعل والمعنى أنهاكم عن ذلك إرادة مني أن تبروا وتقدير الإرادة بيان للمعنى لا احتياجا إليه في حذف اللام لكونه قياسا مطرداً مع أن وإن وبالجملة فالنهي معلل وعلى الأوّل المعلل منهيّ، ويحتمل أن يكون التعليل لا للنهي الذي هو طلب الترك ولا للمنهيّ الذي هو الفعل أعني الجعل بل للمطلوب الذي هو ترك الفعل والكف عنه أي اتركوا الفعل لكي تبروا وهكذا كل قيد بعد النهي يحتمل الأمور الثلاثة وكذا بعد الأمر فتأمل. واعترض عليه بأن الأولى أن يقول طلب بركم لأنّ الإرادة تستلزم المراد عند أهل السنة والنهي عام للبر والفاجر والمصنف رحمه الله تعالى غير كلام الزمخشريّ وهو مبنيّ على مذهبه، ولك أن تقول الإرادة هنا بمعنى الطلب لأنه معناها اللغوي أو إرادته منهم ذلك بشرط أن يمتثلوه ولا يصح أن يقال: المراد بالإرادة إرادة المخاطبين وقد فسرت عائشة رضي الله تعالى عنها العرضة بأنها كل ما أكثر من ذكره وعليه قوله:
فلا تجعلني عرضة للوائم
قوله: (اللغو الساقط الذي لا يعتد به الخ) كون هذا معنى اللغو في اللغة مقرر وإنما الخلاف في المراد بها في اليمين فعند الشافعيّ لغو اليمين ما سيق له اللسان وما في حكمه ولا مؤاخذة فيه بعقوبة ولا كفارة، ووله: كقول العرب الخ مثال لما قبله ومنه يعلم أنّ المراد بكونه جاهلا أنه لا يقصد معناه وقوله: لقوله دليل لقوله: ما لا عقد معه الخ. وليس متعلقاً بالتأكيد. قوله. ( {يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ} ) قال الكرماني: أي عزمت عليه إذ كسب القلب عزيمته ونيتة وفيه دليل لما عليه الجمهور من أنّ أفعال القلوب إذا استقرّت يؤاخذ بها " وقوله صلى الله عليه وسلم إنّ الله
تجاوز لآفتي عما حدّثت به أنفسها ما لم يتكلموا أو يعملوا " محمول على ما إذا لم يستقر فإنه لا يمكن الانفكاك عنه وفيه نظر. قوله: (وقال أبو حتيفة رحمه الله الخ) في الهداية الأيمان على ثلاثة أضرب يمين الغموس ويمين منعقدة ويمين لغو فالغموس هو الحلف على أمر ماض متعمد الكذب فيه فهذه اليمين يأثم فيها صاحبها ولا كفارة فيها إلا التوبة، وقال الشافعيّ: فيها الكفارة والمنعقدة ما يحلف على(2/308)
أمر في المستقبل أن يفعله أو لا يفعله وإذا حنث فيها لزمته الكفارة لقوله تعالى: {وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ} [سورة اد مائدة، الآية: 89] ويمين اللغو أن يحلف على أمر ماض! وهو يظن أنه كما قال: والأمر بخلافه فهذه اليمين نرجو أن لا يؤاخذ الله بها صاحبها انتهى. يعني ولا كفارة فيها أيضا وهذا مما محله كتب الفقه، وقوله: تربصا للتوبة أي تركه وأمهله لأجل أن يتوب الله عليه والعاصي المصر استدراجاً له. قوله: (أي يحلفون على أن لا يجامعوهن الخ) الإيلاء من الألية وهي القسم لكنه خص بقسم مخصوص والقسم إنما يتعدى بالباء أو بعلى كأقسم بالله على كذا فنقل الطيبي أنّ هذا الفعل، يتعدى بمن وعلى، وقال النحرير: إنه الوجه الجاري في جميع الموارد ونقل أبو البقا عن بعضهم من أهل اللغة تعديته بمن وقيل: إنها بمعنى على وقيل: بمعنى في وقيل: زائدة ومن منع ذلك ضمنه معنى متباعدين أو ممتنعين أو جعله ظرفا مستقرّاً أي استقرّ لهم من نسائهم تربص أربعة أشهر وقوله: فاعل الظرف هو مذهب الأخفش حيث جوّز عمله وان لم يعتمد وغيره يمنعه وقوله: أضيف إلى الظرف على الاتساع أي بأن جعل مفعولاً به ونقل عن بعضهم أنّ الإضافة على معنى في فلا تسمح على القول بها وهو مذهب كوفي. قوله: (ويؤيده فإن فاؤوا الخ) فإنها
للتعقيب والآية مع الشافعيّ رحمه الله تعالى بصريحها، وقوله: سميع يقتضي التلفظ بالطلاق وإنه لا يقع بنفس مضيّ المدة إذ عزم الطلاق لا يسمع عادة وان كان أهل السنة يجوّزون سماع غير الأصوات وهم لما رأوها كذلك أوّلوها بأن الفاء للتفصيل لا للتعقيب لأنه يقع عقيب الإجمال ذكراً وتقديراً وأيضاً هو لا يخلو من دندنة تسمع ووسوسة يعلمها فجعل كأنه يسمعها ولا يخفى أنه كله مخالف للظاهر وأيده في الكشف أيضاً بأنه مروفي عن كثير من الصحابة لأنهم فهموه من الآية وتفصيله في الفروع، وقوله أو ما تعرض في نسخة توخي أي قصد وقوله: سميع لطلاقهم إشارة إلى أنه مؤيد لمذهبه كما قدمنا. قوله: (الإيلاء في أربعة أشهر فما دونها (الأصح فما فوقها أي فيما يجاوزها من الزيادة على الأربعة للاتفاق من الحنفية على أن أقل المدة أربعة أشهر مع شرط الزيادة عند الشافعيّ رحمه الله، وقوله: بأحد الأمرين أي الفيء أو التطليق. قوله: (يريد بها المدخول بهن الخ الأنه لا عذة على غير المدخول بها وعدة غير ذوات الأقراء بحمل أو صغر أو كبر يوضع الحمل أو الأشهر، وترك قيد الحرية ولا بد منه إذ عدة الأمة قرآن لأنه سينبه عليه وهل هو عام مخصوص أو مطلق مقيد ذهب في الكشاف إلى الثاني فقيل: إنه نفي لما عليه الجمهور من أنّ الجمع المعرف باللام عام مستغرق لجميع الأفراد وذهاب إلى أنه لا عموم فيه ولا خصوص بل هو موضوع لجنس الجموع والجنسية معنى قائم في الكل والبعض والتعيين دائر مع الدليل، والعجب أنه كثيراً ما يقول في المطلق أطلق لتناول جميع الأفراد وفي مثل العالمين إنه جمع لتناول كل ما سمي به وفي قوله: {وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِّلْعَالَمِينَ} [سورة آل عمران، الآية: 08 أ] إنه نكر ظلما وجمع العالمين على معنى أنه لا يريد شيئا من الظلم وحد من خلقه والأقرب أن يقال: هو عام خص منه المذكورات يعني أنّ في كلامه تناقضا، وفيه بحث. قوله:) خبر بمعنى الأمر الخ (قال: النحرير ظاهره أنّ المضارع الواقع خبراً في معنى الأمر فيقع الإنشاء خبر المبتدأ بتقدير القول أو بدونه كما ارتضاه هو وأورد عليه أن الواقع موقع الأمر الجملة بتمامها من غير محذور أنّ الزمخشريّ أشار إليه بقوله: أصل الكلام ولتتربص المطلقات ثم ذكر أنّ وجه هذا المجاز تشبيه ما هو مطلوب الوقوع بما هو متحقق الوقوع في الماضي كما في رحمه الله أو المستقبل أو الحال كما في هذا المثال وبهذا ظهر أنّ قوله وكأن الخ تسامح والصواب فكأنهن يمتثلن البتة فهو يخبر عنهن بوجود ذلك منهن
في الحال أو الاستقبال وفيه نظر إذ لا تسامح بالنظر لنفس الأمر مع أنه إن كان بالنسبة إلى الإخبار فإنه أمر فرضي تقديرقي وقوله: وبناؤه الخ. إما لتكرار الإسناد واما لأنك لما ذكرت المبتدأ أشعرت السامع بأن هناك حكما عليه فإذا ذكرته كان أوقع عنده من أن تذكر الحكم ابتداء وقد بين ذلك في شروح المفتاح أتمّ بيان، وقوله: وكأنّ المخاطب الظاهر أنه على زنة الفاعل وأما إن كان على زنة المفعول فتذكيره لأن المخاطب به في الحقيقة الحكام فإن كان النساء فبتأويل الشخص أو الفريق ونحوه فلا يرد ما قيل: الظاهر المخاطبة ألا ترى إلى(2/309)
قول الزمخشرقي فكأنهن امتثلن الأمر بالتربص فهو يخبر عنه موجودا والداعي إلى اعتبار هذا أنه لو كان خبراً لزم تخلف إخباره تعالى فيمن خالف ذلك فحمل على ما ذكر لأنه وجه بليغ معروف مثله في كلام العرب ومنهم من قال إنه خبر بمعنى أنه هو المشروع الذي تفعله النساء إذا امتثلن فهو مقيد معنى فلا يلزم تخلف خبره تعالى وهكذا كل ما ورد منه ولا حاجة إلى تأويله وليس التخصيص أقرب من التأويل المذكور نعم له وجه لكن الأوّل أولى. قوله: (تهيج وبعث الخ (بيان لنكتة ذكر الأنفس هنا وعدم ذكرها في الإيلاء لأن في الإيلاء لم يحصل لهن المفارقة وحرمة القربان ليتحقق لهم طموح يحتاج إلى تأكيد بذكر النفس كما هو المعهود في ذكرها والطموج الميل إلى الشيء ومنازعة النفس. قوله: (نصب على الظرف أو المفعول به الخ) تربص بمعنى انتظر يتعدى لمفعول واحد فإن كان هذا ظرفآ فمفعوله مقدر تقديره مضيها أيضا فلذا لم يبينه لأنه يدل عليه ما ذكر أو يتربص الأزواج أو التزويج أو هو المفعول بتقدير مضاف أي مضيّ ثلاثة قروء. قوله: (وقروء جمع قرء الخ (بفتح القاف وضمها وأهل اللغة على أن القرء مشترك بين الطهر والحيض ووروده لكل منهما في الاستعمال والحديث مفروغ عنه وكلام الزمخشريّ مشعر بأنهم اختلفوا في معناه ووضعه، وتعقبه في الكشف بأن الخلاف إنما هو في الأكثر والراجح وما المراد به في هذه الآية واليه أشار المصنف رحمه الله بقوله: وهو يطلق للحيض أي يستعمل له وإلا فالظاهر على الحيض وأثبته بهذا الحديث وهو صحيح أخرجه أبو داود والنسائي " عن عائشة رضي الله عنها وهو صريح في إرادة الحيض " لأن ترك الصلاة فيه ثم أثبت استعماله في الطهر أيضا لكن لا فيه مطلقا بل إذا عقب حيضا بقول الأعشى من قصيدة يمدح بها هوذة أوّلها:
أجئتك تيا أم تركت ندائكا وكانت قتولا للرجال كذلكا
حتى أتى إلى قوله في مدحه:
ولم يسع في العلياء سعيك ماجد ولاذوأنا في الحيّ مثل أنائكا
وفي كل عام أنت جاشم رحلة تشد لأقصاها عزيم عزائكا
مورّثة مالاً وفي المجد رؤحة لما ضاع فيها من قروء نسائكا
يعني أنّ الغزو شغله عن وطء نسائه في الأطهار إذ لا وطء في الحيض فهو متعين كما
في قوله:
قوم إذا حاربوا شذوا مآزرهم دون النساء ولو باتت باطهار
وأمّا تأويل الزمخشري له بأنه مجاز عن العدّة لتصير كناية عن طول المدة أو يراد به الوقت فإنه يرد بمعنا. كقوله:
قرء الثريا أن يكون لها قطر
وقيل: أصل معناه الوقت فلذا يستعمل للحيض والطهر فلا يخفى بعده ولدّا لم يلتفت
إليه المصنف رحمه الله. قوله: (وأصله الانتقال من الطهر إلى الحيض الخ) هذا استدلال بالمعقول في جواب استدلال الحنفية به حيث قالوا لأنّ الحيض هو الدال على براءة الرحم المقصودة من العدّة بأنه بمعنى الانتقال من الطهر إلى الحيض لأنه الدال على براءة الرحم لا الحيض لكنه قيل: إنه مكابرة وقوله: لا الحيض يصح رفعه عطفا على هو ونصبه عطفاً على اسم إن وهذا لا ينافي قوله فيما مضى طهر بين حيضتين لما فيه من الانتقال أيضاً وهو أحد قولي الشافعيّ رحمه الله، قال في المنهاج: وهل يحسب طهر من لم تحض قرأ قولان بناء على أن القراء انتقال من طهر إلى حيض. قوله تعالى: ( {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [سورة الطلاق، الآية: ا] (فاللام هنا للتوقيت كما في قوله: {أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [سص رة الإسراء، الآية: 78] والمعنى فطلقوهن وقت عدتهن فيعلم منه أن المراد من العدة الطهر لا الحيض إذ الطلاق إنما يشرع فيه والطلاق في الحيض منهيّ عنه وهم أجابوا عنه بأنّ المراد فطلقوهن مستقبلات لعدتهن كما يقال: ألقيته لثلاث من الشهر أي مستقبلات منه، وقيل: إنه لا يدفع التمسك بل يقويه لأنه إنما يقال: ذلك حيث يتصل الفعل بأوّل الثلاث وإذا اتصل التطليق بأوّل العدّة كان بقية الطهر الذي وقع فيه التطليق محسوبا من العذة وفيه المطلوب، وأما الاستقبال لا على وجه الاتصال بل مع تخلل الفصل فليس مدلول اللفظ(2/310)
ولا مشهور الاستعمال، وردّ بأنه كلام مختل لأنّ وجود البقية مما لا دلالة عليه ولو سلم فانقضاؤه للضرورة وفيه تأمل. قوله: (وأما قوله
صلى الله عليه وسلم الخ) أخرجه أبو داود والترمذي وغيرهما من حديث عائشة رضي الله عنها وأشار إلى أنّ الحديث معارض له فتساقطا فيرجع إلى غيره من الأدلة وقوله: فتلك العدّة الخ. الإشارة إلى الطهر وجنس العدة لا لمقدارها إذ لم يذكر إلا طهران، وأشار بقوله: روا. الشيخان إلى أنه معين فيه الطهر وروايته أقوى مما قبله وفي معارضة هذا له بحث لأنّ الكلام في العدة التي تعقب الطلاق لا في العدّة التي يقع فيها الطلاق وحديث الشيخين في الثاني ولا نزاع في أنّ سنة الطلاق أن يكون في طهر لا جماع فيه فدلالة الحديث على مدعاه ممنوعة وفي الحديث كلام في شروح البخاري فلينظر. قوله: (وكان القياس الخ الأنها ثلاثة وهي أقراء لا قروء، وقيل: في وجه اختياره أنه جمع قرء بالفتح وجمعه على أفعال شاذ وفيه نظر، وكان مراده أن القروء في جميع المطلقات كثيرة والثلاثة التي لكل فرد تضاف إليها على معنى من التبعيضية عند من أثبتها وقد مرّ لنا مثله في معدودات ومعلومات والزمخشريّ اختار أنه من وضع القلة موضع الكثرة لأنّ أقراء أقل من قروء في الاستعمال فنزل منزلة المعدوم وجمع القلة إذا عدم استعمل جمع الكثرة لهما كعكسه كما تقرر في النحو وكان المصنف رحمه الله لم يسلم قلة استعماله لأنّ إثباتها مشكل وقال الجريريّ في الدرة المعنى لتتربص كل واحدة من المطلقات ثلاثة أقراء فلما أسند إلى جماعتهن أتى بلفظ قروء على الكثرة المرادة والمعنى الملموج انتهى. وهو مراد المصنف رحمه الله واليه أشار الطيبي وأما جواب المصنف بأنها أقرا بالنسبة لكل امرأة وبالنظر إلى الجميع قروء كثيرة فقيل: إنه بعيد لملاحظة الإفراد فيه لا الجميع إذ ملاحظة الجميع يأباها ثلاثة فتأمل. قوله: (من الولد والحيض الخ) في الكشاف أو الحيض لأنهما لا يجتمعان وكلام المصنف باعتبار الاجتماع في عدة الحمل، فإن قلت تقدم أنّ المراد بالمطلقات ذوات الأقراء فكيف يكون الولد في أرحامهن قلت: إذا كتمن الولد وأنكرن الحمل أو أسقطنه
كن من ذوات الأقراء وقيل: الضمير على هذا راجع إلى مطلق المطلقات المذكورة في ضمن
المعتدة، وقيل: الظاهر الأول إذ ليى الحيض في الرحم وإنما ينصب من أعضاء أخر فتأمل.
قوله: (وفيه دليل الخ (لا! ما لا يعلم إلا من جهتهن يقبل فيه قولهن ووجه الدلالة ما قال
الجصاص أنه جعله كالأمانة عندها والمؤتمن مصدق فلما وعظها بترك الكتمان دل على أن
القول قولها ودل على أنها إذا قالت أنا حائض لا يحل للزوج وطؤها وإنه إن علق الطلاق به
فقالت: حضت طلقت وكذا لو علق به شيئا آخر كعتق وليس ااصراد تقييد النفي حتى يحل من
غير المؤمنات بل القصد تعظيم ذلك بحيث يعذ عدم الإقدام عليه من الإيمان فإن قلت: بل
المراد التقييد إذ الكفار غير مخاطبين بالفروع وأيضا المطلقة الكافرة قد لا تجب عليها العدة كما
ذكره الفقهاء قلت: عدم الخطاب لا يضرنا هنا لما بين في الأصول وكون العدة للكفار في
بعض الصور يكفي لمنع التقييد. قوله: (أي أزواج المطلقات الخ) هذا بيان للمراد سواء كان
جمعا أو لا، وقوله: فالضمير الخ. المراد بالآية التي تتلوها قوله الطلاق مرّتان وعود الضمير
إلى خاص في ضمن العام أو مقيد في ضمن المطلق واقع في القرآن وغيره وهو كإعادة الظاهر
ليخص وقيل: الضمير عائد إلى المطلق بتقدير مضاف أي بعولة رجعياتهن والبعولة إما جمع
والتأنيث على خلاف القياس أو مصدر بمعنى التبعل وهو النكاح. قوله: (وأفعل ههنا بمعنى
الفاعل) لأنّ الردّ والرجعة للزوج ولا حق للمرأة فيه أو هو باق على أصله والمراد بعولتهن أحق
بالرجعة منهن بالآباء وان جعلت الباء للملابسة فالمعنى أنهم أحق حال تلبسهم بالرجعة منهن
وذلك أن تلبسهم إرادتها وتلبسهن آباؤها وقد يقال: إن آباء المرأة سمي رجعة للتلبس أو
المشاكلة أو من باب الصيف أحر من الشتاء قال النحرير: وليس بذاك وقيل: المراد البعولة
أحق بالرجعة منهم بالمفارقة كهذا بسراً أطيب منه رطبا، وقوله في زمان التربص الجار
والمجرور متعلق بأحؤا إن علق بالردّ فالإشارة للنكاح كما قاله أبو البقاء. قوله: (وليس المراد
الخ (لأنه لو راجعها للضرار صحت الرجعة بالاتفاق، ووجه التحريض(2/311)
من نفي الأحقية إذا لم
يريدوا الإصلاح وهو ظاهر، وقوله: في الوجوب الخ يعني أنّ المثلية في مجرد الوجوب لا في
جنس الحقوق كما يتبادر من المثلية وقد صحف بعضهم الجنس بالحبس بالحاء المهملة والباء الموحدة وقال: أي لهن حقوق وقت الحبس والمنع وكأنه سقط من نسخته لا وفسر الدرجة بالفضل والزيادة أو الشرف لأن الدرجة المرتبة والمنزلة المعتبر فيها الصعود وأشار بعده إلى بعض الحقوق، وقوّام وحرّاس جمع قائم وحارس والزواج يصح فيه كسر الزاي وفتحها، والعزيز القوي القادر وفسره وما بعده بما ذكره للانتظام. قوله: (أي التطليق الرجعي اثتمان الخ (جعل الطلاق بمعنى التطليق لأنه مصدر طلقت المرأة بالتخفيف واسم مصدر التطليق كالسلام بمعنى التسليم وهو المراد لمقابلته بالتسريح وحمله على الرجعي بجعل التعريف للعهد المدلول عليه بقوله: وبعولتهن أحق برذهن وحينئذ فالتثنية على ظاهرها وتعقيب فإمساك الخ واقعي لا ذكري وأيده بالحديث وهو مما أخرجه أبو داود وابن أبي حاتم والدارقطني. قوله:) وقيل معناه الخ (في الكشاف أي التطليق ااشرعي تطليقة بعد تطليقة على التفريق دون الجمع والإرسال دفعة واحدة ولم يرد بالمرتين التثنية ولكن التكرير كقوله تعالى: {ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ} [سورة الملك، الآية: 24] أي كرّة بعد كرّة لا كرّتين اثنتين ونحو ذلك من التثاني التي يراد بها التكرير قولهم لبيك وسعديك، وهو مذهب أبي حنيفة رحمه الله تعالى والجمع بين الطلقتين والثلاث بدعة واستدل عليه بقول النبيّ جمي! لابن عمر رضي الله تعالى عنهما: " إنما السنة أن تستقبل الطهر استقبالاً فتطلقها لكل قرء تطليقة ". قال النحرير: الظاهر أن هذا مدلول المثنى الذي قصد به التكرير لأن معنى قولنا واحد بعد واحد عدم الاجتماع في الوجود،
ما قيل: لم يرد أنه إن حمل على التكرير أفاد ذلك بل أراد أنّ المعنى مرّة بعد أخرى وأنه لا شافي الترتيب والاجتماع إذ لا يراد في لبيك مثلا أنّ الإجابات لا تجتمعن، ولكن لما كان لإرسال بدعياً تعين أن يحمل على التفريق ليس على ما ينبغي وليت شعري إذا لم يكن في الآية لالة على التفريق كيف يكون تعليما لكيفية التطليق وأمّا الحديث فانما يدل على أن جمع طلقتين أو الطلقات في طهر واحد ليس بسنة وأما أنه بدعة فلا لثبوت الواسطة، وقد علم من حديث أنّ ما مرّ في قوله تعالى: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [سورة الطلاق، الآية: 11 من أنّ المعنى ستقبلات لعدتهن التي هي الحيض لا بقيد كون الطلاق قبل العدة ليكون في الطهر وذلك أنه! ر باستقبال الطهر فلو كان معنى الاستقبال ما ذكرتم لزم كون الطلاق في الحيض (أقول) هذا إن كان يظن وارداً بحسب النظرة الأولى لكنه ليس كذلك لأنّ أخذهم التفريق ليس من مجرّد تثنية بل التثنية دالة على التكرير والتفريق أخذ من المثنى المخصوص، وهو مرّتان لأنه يدل طى ذلك لغة واستعمالاً قال الإمام الجصاص في الأحكام قوله: {الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ} [سورة بقرة، الآية: 229] ، يقتضي التفريق لا محالة لأنه لو طلق اثنتين معاً لا يقال طلقها مرّتين وحيمئذ طلق عليه انتهى، وهو مراد المدقق في الكشف يعني ليس مجرد التكرير يفيد ذلك بل ضصوص هذه الماذة ولو لم يكن من الصيغة لكان لبيك يفيده وليس كذلك فلا تدافع في * مه، وليس فيه أنّ الآية لا تدلّ على التفريق حتى يتعجب منه كيف يكون تعليماً وإنما تعجب منه كيف خفي عليه مراده ثم إنه خبر بمعنى الأمر الندبي لأنه للتعليم كما في قوله: سلاة الليل مثنى مثنى فمخالفته لا شك في أنها تكون بدعة، وتعين أنّ المراد بالسنة في حديث الطريقة المسلوكة لا ما يقابل المباح وغيره حتى يقال: إنه لا يستلزم أن يكون بدعة - ليل أنه أنكره عليه، وأمّ قوله وقد علم الخ فقد فرق بينهما بأنّ المفهوم ثمّ الطلاق في حال! ستقبال وهنا الطلاق عقب الاستقبال فيجوز أن يستقبل الطهر فإذ جاء يطلق فيه لكل قرء أي ستقبلا لكل حيض تطليقة ويكون الغرض من ذكر استقبال الحيض أن يجتنب عن تطويل العدة ليتأمّل والتعريف على الوجه الأوّل للاستغراق والترتيب ذكرى لكنه خلاف المتبادر ولذا قال صصنف رحمه الله: وهو يؤيد المعنى الأوّل، وقوله: بالطلقة الثالثة بناء على المختار من ذهبه، وقوله: وعلى المعنى الأخير الخ في نسخة عقيب بالياء وفي أخرى(2/312)
عقب به فعل مشدد المعنى واحد وهو إشارة إلى معنى الفاء في قوله فإمساك إذ الإمساك معروف أو التسريح حسان إنما يتصور قبل الطلقات لا بعدها يعني أنها للترتيب على التعليم أي إذا علمتم كيفية شطليق فالواجب أحد الأمرين وهو تخيير مطلق وعلى الأوّل تخيير بين الطلاقين. قوله: (من! داق) بفتح الصاد وكسرها وفي نسخة من الصدقات جمع صدقة بفتح الصاد وضم الدال صدقة بضم الصاد وسكون الدال وهو المهر. قوله:) روي أن جميلة بنت عبد الذ بن أبن ابن
سلول الخ) قال شراح الكشاف: الصواب أخت عبد الله وقال الطيبي رحمه الله: أنه روي من طرق شتى وليس فيها إني رفعت جانب الخباء الخ (قلت) قال خاتمة الحافظ السيوطي رحمه الله: كلاهما صواب فإنّ أباها عبد القه بن أبيّ رأس المنافقين وأخوها صحابيّ جليل واسمه عبد القه أيضا ثم اختلف قديماً هل هي بنت عبد الله المنافق أو أخته بنت أبيّ والذي رجحه الحافظ الأوّل، قال الدمياطي: هي أخت عبد الله شقيقته أمها خولة بنت المنذر وروى الدارقطني أنّ اسمها زينب، قال ابن حجر: فلعل لها اسمين أو أحدهما لقب وإلا فجميلة أصح ووقع في طريق آخر أنّ اسم امرأة ثابت حبيبة بنت سهل، قال ابن حجر: والذي يظهر أنهما قصتان له مع امرأتين لصحة الحديثين وما نفاه الطيبيّ ليس كما قال فإنه كثيراً ما يعتمد على الكتب الستة ومسندي أحمد والدارمي وليس فيها وقد روى ابن جرير ما ذكره المصنف رحمه الله إلا أنه ليس في شيء من الروايات أن هذه القصة سبب نزول الآية. وسلول غير منصرف للعلمية والتأنيث لأنه اسم أمه وقوله: لا أنا ولا ثابت أصله لا أجمع أنا وثابت ومعنى أكره الكفر في الإسلام أخاف أن يفضي إلى ما هو كفر في الدين، وقد يقال: المراد كفران العشير وليس بذاك يعني أكره أن أقع من شدّة بغضه في الكفر في أثناء الإسلام بأن لا أبالي بما أوجب الله عليّ من حقه أو بأن أعيب خلق الله، وجمع الرأسين كناية عن المضاجعة، وقوله: ما أعتبه بضم التاء ووقع في الكشاف من أعتب عليه والعتب اللوم والمعاتبة وأعتبه أزال عتابه كأشكاه ويحتمل أني لا أصير زوجة لأنّ العتبة يكنى بها عن المرأة كما وقع في الحديث ووقع في نسخ أعيبه من العيب وله وجه وقيل: هو من العتبة وهي الكراهة. قوله: (والخطاب مع الحكام الخ (جعل الخطاب الأوّل للحكام وان كان خلاف الظاهر ليتسق النظم وأوّله بأنّ إسناد الأخذ والإيتاء لهم مجاز لأنهم آمرون عند الترافع وإنما قيده بوقت الترافع ليوافق الواقع وإلا فمجرد الأمر يكفي لصحة الإسناد. قوله: (قيل إنه خطاب الخ) هذا الوجه جوّزه في الكشاف وقال إنّ مثله غير عزيز في القرآن ولم يرتضه المصنف رحمه الله لما فيه من تشويش النظم على القراءة
لمشهورة وهو بناء الفاعل في يخافا مع الغيبة إذ الظاهر حينئذ (إلا أن تخافوا وأزواجكم أن لا قيموا حدود الله) ولو التفت كان ينبغي له أن يقول إلا أن يخافوا وأزواجهم وفيه أنه لا يختص لتشويش بالمشهورة إذ الظاهر على بناء المفعول إلا أن تخافوا وأزواجكم أو يخافوا وأزواجهم! ما قيل: وتشويش النظم ليس من جهة التثنية والجمع لأن التثنية باعتبار أنهما جنسان والجمع كثرة الإفراد بل لافتراق الخطاب في الموضعين على خلاف المتبادر واسناد الخوف أولاً إلى لزوجين وثانيا إلى الحكام وعلى قراءة المجهول الخوف مسند إلى الحكام في الأوّل تقديراً في الثاني تصريحا فيخف التشويش، وقيل: إنه لا يبعد أن يكون الخطاب مقصوداً به مخاطب اون مخاطب كأنه قيل: يأيها الناس أو يكون للأزواج والحكام ويصرف إلى كل منهم ما يليق 4 من الأحكام. قوله: (1 لا أن يخافا أي الزوجان) وكذا أحدهما كما في الحديث المذكور - تفسير عدم الإقامة بالترك إشارة إلى أنه لو كان للعجز لا ينبغي الأخذ. قوله: (وإبدال أن لخ) يل: إنه على نزع الخافض وقول أبي البقاء أنه متعد لمفعولين مردود وقوله: فلا جناج عليهما ائم مقام الجواب أي فمروهما فإنه لا جناج عليهما وتعقيب النهي بالوعيد ظاهر لأنّ وصفه الظلم من المنتقم وعيد والتعدي يشعر به فلا يقال الظاهر وتعقيب النهي بمذمّة مخالفه مبالغة يه. قوله: (واعلم ال!) الكراهة والشقاق مأخوذان من عدم إقامة حقوق الزوجية، وقوله: ولا جميع ما ساق الزوج إليها يفهم من من التبعيضية في قوله: مما والاستثناء لا يفيد إلا حل ما يى عنه(2/313)
لكن الجمهور جوّزوه لأنّ عدم الجناح لا ينحصر في واحد بنص ما آتيتموهن كما شعر به ظاهر الاستثناء حيث كان بمعنى إلا أن يخافا فحينئذ يحل أن يأخذوا شيئا مما آتوه ولداً م يقثصر على الاستثناء وضم إليه فإن خفتم الخ لكن عموم ما افتدت يشعر بجواز الزيادة أيضاً لذا قيل: إنه جائز في الحكم، وقيل: عليه أن النظم يفيد عدم الجناح لا مجرد عدم البطلان الفساد فتأمّل. ووجه استكراهه والمنع منه ظاهر الآية والحديث لكن النهي لا يقتضي بطلان في العقود كالنهي عن البيع وقت نداء الجمعة كما فصله الفقهاء. قوله: (واختلف في
أنه الخ (هذا هو الظاهر والأظهر أنه طلاق وأنه متفرع على قوله الطلاق مرّتان أو أنّ ما ذكره بيان لحكم الطلقتين وان منها ما هو بفداء وما هو بدونه، أو قوله: فإن طلقها بيان لحكم الثالثة لا لبيان مرتبتها وشرعيتها، وروي أنّ قوله: أو تسريح بإحسان إشارة إلى الثالثة فيزيد قطعا ولو سلم الأوّل لزم اختصاص ما بينه من حكم الخلع بما بعد المرّتين وليس كذلك ومجانا بفتح الميم والجيم وألف ونون ما ليس له عوض، وأورد على قوله: إنه متعلق بقوله الطلاق مرّتان أنه يقتضي اختصاص عدم الحل بعد الثلاث بما إذا كانت الثالثة بعد تكرار الطلاق مع التفريق أو بعد طلقتين رجعيتين على تفسيري الطلاق مزتان فالأظهر أن يفسر قوله: الطلاق مرّتان بالطلاق المستعقب للتحليل سواء كان النكاج أو الرجوع. قوله: (أقول) اختصاصه بذلك مقرر وهو لا يقتضي نفي ما سواه وقد تمسك بظاهره بعض السلف لأنّ الطلاق الثلاث الدفعي كان على عهده صلى الله عليه وسلم واحدة رجعية كما في صحيح مسلم وغيره من كتب الحديث إلى أوائل خلافة عمر رضي الله عنه فلما رأى كثرته أمضاه ثلاثاً ثم انعقد الإجماع عليه حتى خطؤوا من يحكم بخلافه، وقوله: حتى تزوّج مجهول أو مضارع وأصله تتزوّج وقوله: يستند في بعض النسخ يسند ووجه التعلق بظاهره أنّ النكاج اشتهر في العقد وبه ورد النص. قوله: (لما روي أنّ امرأة رفاعة الخ (هو رفاعة بن شمول القرظي صحابيئ مشهور والحديث صحيح عن عائشة رضي
الله عنها ورواه في الموطأ مرسلا قال: طلق امرأته تميمة بنت وهب وساق الحديث وفي مسند ابن مقاتل أنها عائشة بنت عبد الرحمن بن عتيك وأنها كانت تحت رفاعة بن وهب بن عتيك ابن عمها، قال أبو موسى: الظاهر أنّ القصة واحدة، وقال السخاوي: السياق يقتضي أنهما قصتان والزبير هنا بفتح الزاي وكسر الباء الموحدة وليس بالضم والتصغير كابن الزبير المشهور، وقوله: وانّ ما معه ما في النسخ كتبت مفصولة وهي موصولة ولو وصلت كانت أداة وهي صحيحة أيضا وهدب الثوب طرفه تريد أنه منين لا ينتشر ذكره، وعسيلة بالتصغير عسل قليل لأنه يكفي منه ما قل من العسل كذهيبة استعيرت للمنيّ وللذته وفي الأساس من المستعار عسلتان للفرجين لأنهما مظنة الالتذاذ، وفي الكشاف أنها لبثت ما شاء الله ثم رجعت وقالت: إنه كان قد مسني فقال لها كذبت في قولك الأوّل فلا أصدقك في الآخر ثم أتت أبا بكر رضي الله عنه بعد النبيّ صلى الله عليه وسلم وقالت أرجع إلى زوجي الأوّل فقال لها: عهدت رسول الله غ! ي! قال لك ما قال فلا ترجعي فلما قبض أتت عمر رضي الله عنه وقالت له مثل ذلك فقال لها: إن أتيتني بعد هذا لأرجمنك قال النحرير قوله: لأرجمنك مبالغة في التهديد لإشعاره بأن ما تبغيه زنا. قوله: (فالآية مطلقة قيدتها السنة) وهو جائز كتخصيصه بالخبر المشهور الملحق بالمتواتر وهذا منه ولو قيل: إنه تفسير للنكاج المراد منه الجماع كما في الوجه الآخر لكان أقوى. قوله: (والحكمة الخ (الحكم هو التشديد الذي يشق عليهم ثم إذا اختار ذلك يكون له العود لما يحبه ويرغب فيه فالعود إما مرفوع معطوف على الردع أو مجرور معطوف على التسرع ووجه الردع الأنفة من نكاحها بعد جماع آخر. قوله: (وقد لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الخ) أخرجه أحمد والترمذقي والنسائي وابن ماجه ومن طرق أخر عن ابن مسعود رضي الله عنه وهو حديث صحيح.
عن ابن عباس رضي الله عنهما وهو لا يدلّ على عدم صحة النكاح لما مرّ أنّ المنع عن العقد لا يدل على فساده وتسميته محللاً يقتضي الصحة لأنه سبب الحل وسماه في الحديث التيس المستعار وفيه لطف وحسن اتفاق لا يخفى، فإن قلت: إذا كان العقد صحيحا والتحليل لازم شرعا فلم لعته رسول الله(2/314)
صلى الله عليه وسلم، قلت: صحته مما اتفق عليه الفقهاء والصحابة رضي الله عنهم والتابعون إلا أنه مبنيّ على الطلاق وهو أبغض الحلال وفاعله مذموم وهو كبيرة عند الشافعي للعنه، والحديث محمول على ما إذا شرط في صلب النكاح أو يطلق ونحوه من الشروط المفسدة وبدون ذلك مكروه ولا عبرة بما أضمر في النفس ولا بما تقدم النكاح، وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنه زنا وأمر برجمهما وبه أخذ الثوري والظاهرية واللعنة كما قيل مخصوصة بمن اتخذه مكسبا أو بمن قال: تزوّجتها لأحللها فلا يدل على عدم الصحة. قوله: (وتفسير الظق بالعلم الخ) وقيل: إنّ هذا التفسير غير صحيح لفظا ومعنى أما معنى فلأنه لا يعلم ما في المستقبل يقيناً في الأكثر ولفظا لأن أن المصدرية علم في الاستقبال فلا تقع بعدما يفيد العلم كما صرح به النحاة كذا في الكشاف وشروحه، ورد بأنه يعلم المستقبل ويتيقن في بعض الأمور وهو يكفي للصحة فيها وبأنّ سيبويه رحمه الله أجاز ما علمت إلا أن يقوم زيد وقد جمع بعض المغاربة بين كلام سيبويه وكلام غيره بأن يراد بالعلم الظن القوي كقوله: {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ} [سورة الممتحنة، الآية: 10] وقوله:
وأعلم علم حق غيرظن وتقوى الله من خيرالعتاد
فقوله: علم حق يفهم منه أنه قد يكون علم غير حق وكذا قوله: غير ظن يفهم منه أنه قد
يكون العلم بمعنى الظن ومما يدلّ على أن علم التي بمعنى ظن تدخل على أن الناصبة قول جرير:
يرضى عن الناس إن الناس قد علموا أن لا يرى مثلنا في خلقه أحد
فليس غلطا لا لفظا ولا معنى بل هو صحيح رواية ودراية وقيل: إنه غريب منه إذ كيف
يقال في الآية أن الظن بمعنى اليقين ثم يجعلى اليقين بمعنى الظن المسوغ لعمله أن الناصبة وقوله: إنّ الإنسان قد يجزم بأشياء في الغد مسلم لكن ليس هذا منها وإن ساد مسد المفعولين أو الأوّل والثاني محذوف أو هو مفعول على قول انتهى وهو لم يقف على مراده لأنّ ما نقله من الجمع غير مسلم عنده فلذا جعل الظن بمعنى اليقين أو أنه ظن قوي يشبه اليقين وقوله: إنّ الإنسان قد يجزم الخ بيان لإبطال تلك المقدمة بقطع النظر عما نحن فيه مع أنها غير صحيحة في نفسها لأنها تقتضي أن لا يصاغ من العلم فعل مستقبل حقيقة أصلا، وليت شعري لم
يمنعون بهذا الدليل مثل أنه يعلم أن تقوم الساعة وأيّ مناف لها فإن قالوا إنه أمر سماعيّ لتوهم المنافاة فهذا سيبويه رحمه الله شيخ العربية أثبته والمخالف له فيه أبو عليّ الفارسيّ. قوله: (ويعملون بمقتضى العلم) إنما قيده به لأنه المقصود بالبيان قيل: وليخرج الصبيان والمجانين. قوله: (والأجل يطلق الخ) قال الزمخشرفي والأجل يقع على المدة كلها وعلى آخرها يقال لعمر الإنسان أجل وللموت الذي ينتهي به أجل وكذلك الغاية والأمد يقول النحويون من لابتداء الغاية والى لانتهاء الغاية وقال:
كل حيّ مستكمل مدة العص ص ومود إذا انتهى أجله
ويتسع في البلوغ أيضا فيقال: بلغ البلد إذا شارفه وداناه ويقال: قد وصلت وما وصل
وانما شارف فالغاية أوقعت على جميع المسافة إذ ليس للنهاية بداية يصح دخول من قبلها ثم لو كان كذلك لم يضر إذ لو كانت النهاية متجزئة ذات ابتداء وانتهاء كانت الغأية مطلقة على الجميع أيضاً في هذا التركيب وهو المدعي على أن الغاية اسم للنهاية يتوسع فيها بالإطلاق على الجميع، قال الأزهريّ: الغاية أقصى الشيء وأمّا قول من قال إن الشيء له غايتان ابتداء وانتهاء فلا يدل قول النحويين فقد رد بأن الابتداء إنما يصلح غاية إذ كان الابتداء من المقابل لا أنه غاية من حيث كونه مبتدأ. (وفيه بحث) فإنّ مقابلة من بالي تنافي ما ذكره فمن يقول إن الغاية الطرف مطلقا وللشيء طرفان بل أطراف يجعل قولهم ابتداء الغاية من إضافة الخاص للعامّ فلا دليل فيه كما ذكره فتأمل. وقوله: وللموت أي وقت مشارفة الموت إذ الموت ليس آخر المدة والميت المذكور للطرماح ومود بالمهملة بمعنى هالك ووقع في بعض الكتب بدل أجله أمده وما ذكره المصنف رحمه الله تعالى أظهر. قوله: (والبلوغ هو الوصول الخ(2/315)
(لا خفاء في أنه ليس المعنى على بلوغهن الأجل ووصولهن إلى العدة ولا على بلوغهن آخره بحيث ينقطع الأجل بل على وصولهن إلى قرب آخره فوجب تفسير الأجل بآخر المدة وائبلوغ بمشارفته والقرب منه فهو من مجاز المشارفة أو استعارة تشبيها للمتقارب الوقوع بالواقع وفي كلام الزمخشريّ ما يشعر بأن إطلاق الأجل على آخر المدة أو جميعها بطريق الاتساع وأما الغاية والأمد فآخر المسافة لا المدة كما توهمه عبارته.
قوله: (فراجعوهن الخ) يعني أن الإمساك مجاز عن المراجعة لأنها سببه والتسريح بمعنى
الإطلاق مجاز عن الترك وقوله: وهو إعادة للحكم وهو إيجاب الإمساك بالمعروف أو التسريح بالإحسان في بعض الصور، وهو في صورة بلوغهن أجلهن للاهتمام كما يفيده قوله كان المطلق الخ، وهذا أخرجه ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما وقوله: إرادة الإضرار إشارة إلى أنه مفعول له وليس تقدير الإرادة بلازم أو حال أي مضارّين. قوله: (واللام متعلقة الخ (قيل: إنه متعين على إعراب ضرارأ علة إذ المفعول له لا يتعدد إلا بالعطف أو على البدل وهو غير ممكن هنا لاختلاف الإعراب وجائز على إعرابه حالاً على أنه علة للعلة ويجوز تعلقه بالفعل وإن قدرت لام العاقبة جاز على الأوّل أيضا ويكون الفعل تعدى إلى علة ديالى عاقبة وهما مختلفان وقال فقد ظلم نفسه وكان الظاهر ظلمهن للمبالغة بجعل ظلمهن مما هو عائد عليه بالآخرة. قوله: (بالإعراض! عنها الخ) يعني أنه نهى جعل كناية عن الأمر بضده وهو الجد في العمل بالآيات والامتثال لما قبله من الأوامر فيرتبط به، وعلى الوجه الآخر يكون المراد به ظاهره، ومناسبته لما قبله ظاهرة وقوله: ثلاث الخ حديث حسن رواه أبو داود والترمذي لكن فيه الرجعة بدل العتاق، وقوله: التي من جملتها إشارة إلى أنه عام والمعطوف عليه خاص خلافاً للزمخشرقي إذ خصه بهذا ليتغايرا وقوله: بالشكر الخ، متعلق باذكروا أو بيان للمراد منه وفسر الحكمة بالسنة لاشتمالها عليها وليغاير ما عطف عليه وجملة يعظكم به معترضة للترغيب والتعليل. قوله: (تثيد وتهديد) يعني أنه تأكيد للأوامر والأحكام السابقة بتهديد من يخالفها لأنه عالم بأحواله مطلع عليها فليحذر من جزائه وعقابه أو أنه عليم بكل شيء فلا يأمر إلا بما
تقتضيه الحكمة والمصلحة فلا تخالفوه، وليس هذا من التأكيد المقتضي للفصل لأنه ليس إعادة لمفهوم المؤكد ولا متحداً معه فأحفظه فإنك تراهم كثيراً ما يجعلون المعطوف تأكيداً. قوله: (وعن الشافعي الخ) لأنّ البلوغ الأوّل بمعنى المشارفة كما مرّ وهذا بمعنى الانتهاء والانقضاء والسياق يدل على أنه غير الأوّل لئلا يتكرّر. قوله: (لمخاطب به الأولياء الخ) فأزواجهن على هذا باعتبار ما كان ومعنى ينكحنهم يرجعن إليهم أي فلا يعضلهن الأولياء عن الرجوع إليكم وفيه التفات من الغيبة إلى الخطاب أو التقدير فلهن الرجوع إلى أزواجهن فلا يعضلوهن فحذف الجواب وأقيم هذا مقامه. قوله: (روي الخ) أخرجه البخاريّ وأبو داود والنسائي وليس فيه تسميتها ووقع تسميتها حملا وزوجها لبيد بن عاصم في رواية القاضي إسماعيل في أحكام القرآن وبه جزم، وروى ابن جرير أن اسمها جميل بالتصغير وبه جزم ابن مأكولا وتابعه في القاموس وقيل: اسمها ليلى حكاه السهيلي والمنذري وقيل: غير ذلك فقوله جميل بالتصغير بناء على رواية وفي نسخة جملا بضم الجيم وتسكين الميم وهي رواية أخرى، وقصتها أنه قال: كانت لي أخت تخطب إليّ وأمنعها من الناس فأتاني ابن عمّ لي فأنكحتها إليه فاصطحبا ما شاء الله ثم طلقها طلاقا له رجعة ثم تركها حتى انقضت عدتها فلما خطبت إليّ أتاني يخطبها مع الخطاب فقلت له خطبت إليّ فمنعتها الناس وآثرتك بها فزوّجتكها ثم طلقتها طلاقا له الرجعة ثم تركتها حتى انقضت عذتها فلما خطبت إليئ أتيتني تخطبها مع الخطاب والله لا أنكحتكها أبداً قال ففي نزلت هذه الآية فكفرت عن يميني وأنكحتها إياه. قوله: (فيكون دليلأ الخ) استدلّ الحنفية بهذه الآية لجواز النكاح إذا عقدت على نفسها بغير وليّ ولا إذن لإضافة العقد إليي من غير شرط إذن الوليّ ولنهيه عن العضل إذا تراضيا، وأشار المصنف رحمه الله إلى رذه بأنه لولا أنه للوليّ لما نهاه الله عن العضل والمنع كما لا ينهي الأجنبيّ الذي لا ولاية له قال الجصاص: هذا غلط لأنّ النهي للمنع عما لا حق له فيه(2/316)
فكيف يستدلّ به على إثبات الحق وأيضا الوليّ يمكنه المنع عن الخروج والمراسلة بالرضا فينصرف النهي إلى هذا وأمّا قوله: لا معنى له
فممنوع إذ معناه ما في عضل الزوج زوجته ظلما كما في الوجه الثاني. قوله: (وقيل الآزواج الخ (فالأزواج باعتبار ما يؤول، ومعنى ينكحن يصرن ذوات نكاحهم من قبيل فلان ناكح في بني فلان. قوله: (وقيل الناس كلهم الخ) هذا الوجه أوجه عند الزمخشريّ لتناوله عضل الأزواج والأولياء جميعا مع السلامة من انتشار ضميري الخطاب فإنّ خطاب إذا طلقتم لا يصلح للأولياء قطعا ولمطابقته لسبب النزول وقوله والمعنى، الخ يعني به أنّ لا تعضلوهن بمعنى لا يوجد فيما بينكم العضل فإنّ لا تعضلوا يقتضي مباشرة الكل فجعلهم كالمباشرين له ليصح نهيهم عنه، لأنّ من لوازم وجوده بينهم رضاهم به فجعل النهي عن اللازم كناية أو مجازا عن النهي عن الملزوم وقد تقدم الكلام فيه. قوله: (والعضل الخ) أي أصل معناه الحبس والتضييق ومنه عضلت الدجاجة بتشديد الضاد إذا لم تخرج بيضها وكذا الأمّ إذا عسرت ولادتها وعضل يعضل مثلثة الضاد وتستعار للإشكال، والخطاب بضم وتشديد جمبم خاطب، ومعنى ما يعرفه الشرع أي ما هو معروف فيه فالإسناد مجازيّ وفي نسخة يعرّفه بالتشديد أي يبينه من الكفاءة ونحوها، والمروءة بالهمزة مصحدر من المرء كالإنسانية والرجولية وقوله: من الضمير المرفوع أي فاعل تراضوا، وجوّز فيه أيضا تعلقه بتراضوا وبينكحن ولما قيد النهي بكونه على الوجه الحسن أفاد أنّ لهم المنع بدونه. قوله: (والخطاب للجميع على تأويل القبيل الخ) يعني أنّ ذلك بالإفراد والتذكير والمخاطب هنا جمع فإقا أن يكون بتأويل الجمع والقبيل والفريق ونحوه أو لكل واحد واحد أو أنها تدل على خطاب قطع فيه النظر عن المخاطب وحدة وتذكيرا وغيرهما والمقصود الدلالة على حضور المشار إليه عند من خوطب للفرق بين الحاضر والمنقضي الغائب وهذا معنى قول الثعلبي في تفسيره هنا الأصل في ذلك أن تكون الكاف بحسب المخاطب ثم كثر حتى توهموا أنّ الكاف من نفس الكلمة فقالوا ذلك بكاف موحدة مفتوحة في الاثنين والجمع والمؤنث اهـ. وقد خبطوا في معناه فقيل: معناه إنه أفرد الخطاب لمجرّد تحصيل اسم الإشارة للبعيد لا لتعيين المخاطب ولا دلالة في الكلام على ما قاله وقيل: إنه لم يذكره أحد قبله وكلهم اتفقوا على ردّه ولا وجه لما قالوه إلا عدم التدبر كما عرفت.
قوله: (أو للرسول صلى الله عليه وسلم على طريقة قوله الخ (وقيل: إنه جعل خطابا للرّسول صلى الله عليه وسلم فإنه الأصل في تلقي الكلام أو لكل أحد ممن يتلقى الخطاب فيكون لمن يسمع ويتلقى الكلام سواء كان هو المخاطب بالحكم أو لا ومثله ثم عفونا عنكم من بعد ذلك، ولعلك تطلع مما ذكرنا على فساد ما قيل: إن مبني الأوّل على أنّ خطاب رئيس القوم بمنزلة خطاب كلهم كما في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء} [سورة الطلاق، الآية: ا] ولذا قال من كان منكم وان الثاني أرجح من جهة اًنّ الخطاب السابق واللاحق لكل أحد فالأنسب أن يكون المتوسط كذلك. وفيه بحث، وقوله: لأنه المتعظ به والمنتفع يعني من يؤمن وفسر أزكى بأنفع من الزكاء وهو النماء من التزكية بمعنى التطهير ليغاير أطهر وكونه أطهر من دنس الاثام لأنه بتقدير لكم أيضاً أي أطهر لكم وهذه اللام للتعدية فتفيد معنى التطهير فلا يرد عليه أنه يقتضي أن يكون أطهر من التطهير أي أكثر تطهيراً لكم من دنس الآثام ولا حاجة إلى ما قيل: إنه يدفعه أنه من وصف الشيء بوصف صاحبه دون الفعل أو الترك المشار إليه بذلكم، ثم إن كان أزكى بمعنى تزكيتهم بها أي تطهيرهم فعطف وأطهر للتفسير وان كان من زكا بمعنى نما فمعنى أزكى أفضل وأكثر خيراً وحينثذ فالأنسب أن يراد بالأظهر الأطيب لقلة الفائدة في تبعيده من الآثام مع ما فيه من التكلف اهـ. وقد علمت مما مرّ دفع التكلف الذي أشار إليه مع أنه لازم له في أزكى مع التكرار الذي هو خلاف الظاهر! أمّل. قوله: (أمر عير عنه بالخبر الخ) وجه المبالغة فيه وفي أمثاله ما مرّ من أنه يجعله كأنه لوجوب امتثاله مما وقع فصح الأخبار عنه وقول النحرير وجه المبالغة بناؤه على المبتدأ الصواب فيه وجه زيادة المبالغة وكونه للندب هو الظاهر ولا تنافيه هذه المبالغة بل هو سبب لها لأنّ المندوب يجوز تركه فينبغي تأكيده لثلا يترك. قيل:(2/317)
وكونه للمطلقات يرجحه بيان إيجاب الرزق والكسوة فإنه لا يجب كسوة الوالدات ورزقهن إذا كن غير مطلقات للإرضاع بل للزوجية فإن كان للأعمّ فلا إشكال لأنه باعتبار بعضهن أي المطلقات وليس في الآية ما يدل على أنه للإرضاع وقد فسره في الأحكام بما للزوجية، فإن قلت تقييده بالحولين ينافي الوجوب إذ لا قائل به قلت القائل بالوجوب يصرفه للإرضاع المطلق أو يجعل قوله حولين معمولاً لمقدر. قوله: (لأنه مما يتسامح فيه (فيطلق على الأقل القريب من التمام وهذا لا ينافي أن اسم العدد خاص في مدلوله لا يحتمل الزيادة والنقصان لأنّ معناه لا تطلق العشرة مثلا على تسعة أو
أحد عشر وهذا التسامح بجعل شيء من أبعاض الآحاد منزلاً منزلة الواحد فتطلق العشرة الأيام على تسعة أيام ونصف يوم كما يقال للقريب من الحول حول لأنه تسمح شائع إذ يقال لقيته في سنة كذا واللقاء في يوم منها وفيه نظر. قوله: (بيان للمتوجه الخ) أي اللام للبيان كما في هيت لك وسقيا لك والجار والمجرور في مثله خبر مبتدأ محذوف أي ذلك لمن الخ وكون الرضاع واجباً على الأب لا ينافي أمرهن لأنه للندب أو لأنه يجب عليهن أيضاً في الصور السابقة وكونه يجوز أن ينقص عنه مأخوذ بتفويضه للإرادة وكونه لا يعتدّ به بعدهما يعني لا يعطي حكم الرضاع على ما بين في الفروع ثم إنه قرئ أن يتم الرضاعة بالرفع بحمل أن المصدرية على ما المصدرية في الإهمال كما حملت عليها في الأعمال في قوله جمي! : " كما تكونوا يولي عليكم " ويحتمل أنه يتموا بضمير الجمع باعتبار معنى من وسقطت في اللفظ لالتقاء الساكنين فتبعها الرسم. قوله: (وتغيير العبارة) يعني لم يقل على الوالد مع أنه أظهر وأخصر للدلالة على علة الوجوب وهو أنه ولد له ويعمل بإشارة النص أنّ النسب للآباء في الحقيقة، واشارة النص تسمى في البديع الإدماج إلى نحو هذه الإشارة قصد الشاعر بقوله:
وانما أمّهات الناس أوعية مستودعات وللآباء أبناء
ومؤن كصرد جمع مؤنة وضمير رزقهن للوالدات وخرجت الناشزة، ويعلم ذلك بإشارة
النص من قوله: المولود لأنه لا يتصوّر بدون تسليم الأنفس وكذا كونها غير صغيرة كما في شرح الهداية وفيه نظر وكونه تعليلاً بناء على ما فسره به وقوله: ودليل ردّ على من قال إنه محال لا! نفيه يقتضي إمكانه والا لم يفد. قوله: (لا تضارّ والدة الخ) المضارّة مفاعلة من الضرر، والمفاعلة إفا مقصودة والمفعول محذوف أي زوجها أو غير مقصودة والمعنى لا يضر
واحد منهما الآخر بسبب الولد إذ تضارّ في أصله متعد بنفسه فعلى احتمال المجهول ظاهر وعلى المعلوم يقدّر له في موقع المفعول به، وضارّ بمعنى أضرّ وفاعل يكون بمعنى أفعل نحو باعدته بمعنى أبعده، وجوّز أيضا أن يكون بمعنى تضر بفتح التاء وضم الضاد وفاعل بمعنى فعل نحو واعدته بمعنى وعدته والباء زائدة وقوله: تفصيل له الخ أي تفصيل لعدم التكليف بما لا يطاق وتقريب له وفيه إشارة إلى وجه ترك العطف، ووجهه أن المضازة المنفية إمّا أن تكون مما في الوسع فنفيها يدل على نفيه بالطريق الأولى أو مما ليس فيه فهو ظاهر. قوله: (وقرأ ابن كثير وأبو عمرو الخ) وعلى البدلية والرفع هو خبر وجوّز أن يكون خبراً بمعنى الأمر فيتحد معنى بقراءة الجزم وقوله بمعنى تضر بفتح حرف المضارعة من الثلاثي وضمها من الأفعال على ما مرّ، وهو مقرّر في الدرّ المصون فما قيل: إنما تجعل الباء صلة لو كان بمعنى تضر ثلاثيا مجرّدا لما في القاموس ضره وضربه وأضرّه فلم يجعل أضرّ متعذياً بالباء من قصور النظر وصاحب القاموس لا يعوّل عليه. قوله: (وقرئ لا تضار بالسكون الخ) وهو إمّا مجزوم ولم يكسر كما قرئ به إجراء للوصل مجرى الوقف وفي قراءة التخفيف كذلك إلا أنه بحتمل أنه من ضاره يضيره بمعنى ضرّه أو من ضارّ المشذد فخفف وقوله: فلا ينبغي الخ ناظر إلى المعنيين والتفسيرين السابقين. قوله: (والمراد بالوارث الخ) يعني أنّ الوارث بمعنى المضاف أي وارثه، والضمير إمّا للوالد أو للولد والوارث إمّا وارث المولود له على العموم أو الصحبيئ نفسه أو وارث(2/318)
الصبيّ على العموم أو بقيد أن يكون ذا رحم محرم من الصبيّ بحيث لا يجوز بينهما النكاح على تقدير أن يكون أحدهما ذكرا والآخر أنثى أو بقيد أن يكون أحد أصوله من الآباء والأمّهات والأجداد والجدات أو بقيد أن يكون من عصبته على اختلاف المذاهب بين السلف، قيل: وأفا جعل الوارث بمعنى الباقي وإن كان صحيحأ لغة فقلق في هذا المقام إذ ليس لقولنا فالنفقة على الأب أو على من بقي من الأب والأم معنى معتد به، وكوف خلاف الظاهر لا لثك وأمّ القلاقة فلا فإنّ المعنى على الأب أو الأمّ عند عدمه، وأورد على ما قبله أنّ الصبيّ إذا كان له مال فالمؤنة منه مطلقا فلا يتجه تقييده بموت الأب وفيه نظر وتمان مجهول أي تعطي
مؤنتها. قوله: (واجعله الوارث الخ) حديث حسن رواه الترمذي وأوّله: " اللهتم متعني بسمعي وبصري واجعلهما الوارث مني وانصرني على من ظلمني وخذ منه بثأري " وروي: " اللهمّ متعنا بأسماعنا وأبصارنا وقؤتنا ما احييتنا واجعله الوارث منا واجعل ثأرنا على من ظلمنا " ومعنى اجعله الوارث أي أبقني صحيحاً سليما إلى أن أموت وافراد ضمير اجعله إمّا بتأويل ذلك المذكور أو أنه ضمير المصدر أي التمتع بها كما في شروح المفصل وجعل ذلك إشارة إلى الرزق والكسوة، وقيل: إلى جميع ما سبق فيشمل عدم المضارّة. قوله: (فإن أوادا فصالاً الخ) تفصيل للرّضاع فقوله: لمن أراد أن يتمّ الرضاعة بيان للإتمام وهذا للنقص عنه صراحة بعد الإشارة إليه دلالة، ولم يرتض ما في الكشاف من أن المعنى فلا جناج عليهما في ذلك زادا على الحولين أو نقصا وهذه توسعة بعد التحديد، وقيل: هو في غاية الحولين لا يتجاوز لما فيه كما يعلم من الشروح والمشورة كالمثوبة والمشورة كالمصلحة لغتان مرّ الكلام فيهما وهي من شرت العسل إذا اجتنيته لذوق حلاوة النصيحة كما قاله الراغب وغيره. قوله:) أي تسترضعوا المراضع أولادكم الخ (في الكشاف استرضع من قول من أرضع يقال: أرضعت المرأة الصبيئ واسترضعتها الصبيّ فتعديه إلى مفعولين كما تقول أنحج الحاجة واستنحجته الحاجة والمعنى أن تسترضعوا المراضع أولادكم فحذف أحد المفعلوين للاستغناء عنه قيل: هو أصل تصريفي وهو أن أفعل إذا كان متعديا إلى مفعول فإن زيد فيه السين للطلب أو النسبة يصير متعديا إلى مفعولين يقال: أرضعت المرأة ولدها واسترضعتها الولد وقيل: عليه أخذ استفعل وسائر المزيد
من المجرّد حتى قيل: إنّ أخذه من الأفعال من خصائص الكشاف هنا لكن المعنى هنا على طلب أن ترضع المرأة ولدها لا على طلب أن يرضع الولد الثدي أو أف فإنه متعذ كأرضع فلذا جعله منقولاً من أرضع وحذف أحد مفعولي باب أعطيت جائز لكنه هنا بمنزلة الواجب إذ قلما يوجد في الاستعمال استرضعوها الولد وما ذكر من الاستغناء إنما هو على عدم القصد إلى خصوص المرضعة ويرد عليه أنّ الإمام الكرماني نقل في باب الاستنجاء أنّ الاستفعال قد جاء لطلب المزيد كالاستنجاء لطلب الإنجاء والاستعتاب لطلب الأعتاب لا العتب، وصرّح به غيره أيضا واليه أشار المصنف رحمه الله بقوله: أنحج واستنحج ومن العجيب أنّ بعضهم جعله من رضع بمعنى أرضع وتعسف في تخريجه. قوله: (وإطلاقه الخ) هذا مذهب الشافعي وأئا الحنفية فيقولون إنّ الأمّ أحق برضاع ولدها وأنه ليس للأب أن يسترضع غيرها إذا رضيت أن ترضعه لقوله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ} فهي قد خصصت هذا الإطلاق. قوله: (ما أردتم إيتاءه الأن تسليم ما أوتي وما أعطي لا يتصوّر إذ هو تحصيل حاصل بلا طائل فلذلك أوّله على هذه القراءة وظاهره أنه على القراءة الثانية لا يحتاج إلى تأويل وبه صرّحوا لأنه بتقدير ما فعلتم بذله وإحسانه أو نقده وفيه نظر وأمّا الثالث فلا غبار عليه. قوله: (وليس اشتراط التسليم الخ) جواب سؤال وهو أنّ ظاهر النظم أنّ التسليم شرط لرفع الإثم، وليس كذلك فأجاب بأنه الأولى وأكثر ثوابا ووجهه أنه شبه ما هو من شرائط الأولوية بما هو من شرائط الصحة للاعتناء به فاستعير له عبارته وقيل: إنه لا حاجة إلى هذا لأنّ نفي الإثم تسليم الأجرة مطلقا غير مقيد بتقديمها عليه وفيه تأئل. ووجه المبالغة والحث ظاهر. قوله:) وأزواج الذين يتوفون لخ الما كان المتوفى الأزواج والمتربص الزوجات لزم(2/319)
كون الخبر ليس عن المبتدأ فاحتاج إلى التأوبل فأوّلوه بوجوه منها تقدير المضاف في المبتدأ أي أزواج الذين يتوفون والأزواج المقدر بمعنى النساء لأنّ الزوج يطلق على الرجل والمرأة والزوجة فيه لغة غير فصيحة، أو يقدر في الخبر ما يربطه به ويصحع حمله عليه أي يتربصن بعدهم اً ولهم وحذف
العائد المجرور من الخبر جائز كما في المثال الذي ذكره، قال النحرير: ولي في مثل هذا المقام كلام وهو أنّ الربط حاصل بمجرّد عود الضمير إلى الأزواج لأنّ المعنى يتربص الأزواج اللاتي تركوهن وأنا أتعجب من ذكره بحثا من عند نفسه وهو مذهب الأخفش والكسائي وقد ذكر في متون النحو كالتسهيل، وقال المصنف في شرحه: بعد ما ذكر هذه الآية الأصل يتربص أزواجهم ثم جيء بالضمير مكان الأزواج لتقدم ذكرمن فامتغ ذكر الضمير لأنّ النون لا تضاف لكونها ضميرا وحصل الربط بالضمير القائم مقام الظاهر المضاف للضمير الرابط والحاصل أنّ الضمير إذا عاد على اسم مضاف إلى العائد هل يحصل به الربط أولاً فمنعه الجمهور وأجازه الأخفش والكسائيّ، وله نظائر وأورد على الأوّل أنه يلغو قوله: ويذرون أزواجا إلا أن يجعل تفسيراً له وايضاحاً بعد الإبهام ومنهم من قدر يتربصن خبر مبتدأ أي أزواجهم يتربصن والجملة خبر المبتدأ الأوّل وفيه وجوه أخر. قوله: (وقرئ يتوفون بفتح الياء الخ) وهي قراءة عليّ رضي الله عنه ورويت عن عاصم ومعناها يتوفون آجالهم أي يستوفون مدة أعمارهم فعلى هذا يقال للميت متوف بمعنى مستوف لحياته قال الزمخشرفي والذي يحكي أنّ أبا الأسود الدؤليّ كان يمشي خلف جنازة فقال له رجل من المتوفى بكسر الفاء فقال الله تعالى: وكان أحد الأسباب الباعثة لعلي كرّم الله وجهه على أنّ أمره بأن يضع كتابا في النحو تناقضه هذه القراءة، وأجيب عنه كما ذكره السكاكي بأنّ سبب التخطئة أنّ السائل كان ممن لم يعرف وجه صحته فلم يصلح للخطاب به. قوله: (وتأنيث العشر باعتبار الليالي الخ) قيل: لأنّ الشهور الهلالية غررها الليالي فتكون الأيام تبعا لها، وحكى الفرّاء صمنا عشرا من شهر رمضان مع أنّ الصوم إنما يكون في الأيام، وقال سيبويه: هذا باب المؤنث الذي يستعمل في التأنيث والتذكير والتأنيث أصله وقوله: إن لبثتم إلا يوماً بعد قوله إلا عشرا ظاهر في أنّ المراد بالعشر الأيام لكن الكلام في أنه هل يصح هذا في الأيام التي لم يعتبر معها الليالي حتى تخرج عن باب التغليب أو أنه من تغليب المؤنث هنا لخفته وكون المؤنث أجدر به بالاعتبار نظراً إلى أنه كثير فيه تردّد، وقوله: صمت عشراً لا يدل عليه لأنه مثل صمت شهر رمضان والظاهر جوازه لأنه غلب استعماله بالتغليب ثم كثر واستعمل بدونه وفي كلام المصنف رحمه الله والفرّاء إشارة إليه وفي قوله غرر الشهور والأيام تسامح أي لأنها مقدمة على الأيام والشهور ولو أسقط الأيام لكان أولى، وقوله: لا يستعملون الظاهر لم يستعملوا لأن قط لاستغراق الماضي ومثله ورد لكه قليل في كلامهم وقد ردّ هذا أبو حيان وقال: بل استعماله كثير في كلام العرب وقال: إنه لا حاجة إلى ما تكلفوه، لأنّ عكس! التأنيث إنما هو إذا ذكر المعدود أمّا عند حذفه فيجوز الأمران وهو أقرب
مما قالوه. قوله: (ولعل المقتضي الخ) أورد عليه أنه مناف للحديث الصحيح: " إنّ أحدكم يجمع خلقه في بطن أمّه أربعين يوما نطفة ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم يبعث الثه ملكاً بأربع كلمات فيكتب عمله وأجله ورزقه وشقئ او سعيد ثم ينفخ فيه الروح " لأنّ ظاهر. أنّ نفخ الروح بعد هذه المدة مطلقا إلا أن يقال: إنّ قوله ثم ينفخ بمعنى يكمل النفخ فيه وان كانت نفخت في بعض. (أقول) : هذا الحديث مما اضطربت فيه الرواية والرواة ففي البخاري: " إنّ احدكم يجمع خلقه في بطن أمّه أربعين يوماً ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم يبعث الله الملك " وفي مسلم: " إذا مرّ بالنطفة ثمتان وأربعون ليلة بعث الثه إليها ملكاً فصؤرها " الخ. ففي الحديث الأوّل إشعار بأنّ إرسال الملك بعد مائة وعشرين ليلة وفي الثاني تصريح بأنه يبعث بعد أربعين ليلة وأجاب ابن الصلاج بأنّ الملك يرسل غير مرّة إلى الرحم مرّة عقب الأربعين الأولى فيكتب أجله ورزقه وعمله وحاله في الشقاوة والسعادة وغير ذلك ومرّة أخرى عقب الأربعين الثانية فينفخ فيه الروج، ويشكل بما ورد في بعض الروايات عند ذكر(2/320)
إرسال الملك عقب الأربعين الأولى فصوّرها وخلق سمعها وبصرها وجلدها ولحمها وعظمها ثم قال: رب أذكر أم أنثى فيقضي ربك ما شاء ويكتب الخ. ومن المعلوم أن هذا التصوير لا يكون في الأربعين الثانية فإنه يكون فيها علقة وإنما يكون هذا التصوير قريبا من نفخ الروح، وأجيب أيضا بحمل قوله فصوّرها على معنى أمر بتصويرها أو ذكر تصويرها وكتب ذلك والدليل عليه انّ جعلها ذكراً أو أنثى يكون مع التصوير المذكور، وأورد عليه أنّ البخاري أورده بثنم فقال: " إنّ خلق احدكم يجمع في بطن أت أربعين يوما وأربعين ليلة ثم يكون علقة مثله ثم يكون مضغة مثله ثم يبعث إليه الملك فيؤذن بأربع كلمات فيكتب ررّقه وأجله وعمله وشقئ أم سعيد ثم ينفخ فيه الروح " فيقتضي تأخر كتب الملك عن الأربعين الثالثة وذاك يقتضي أنه عقب الأربعين الأولى وقد جعل قوله ثم يبعث إليه الملك معطوفا على قوله يجمع في بطن أمّه وما بينهما اعتراض، وروي بالواو وعليه فالأمر سهل لأنّ الواو لا تقتضي ترتيبا وعلى ما ذكره المصنف رحمه الله إذا تفاوت فيه الناس لا تعارض لأنّ كلاً منها بالنسبة إلى بعض فتأمّله ومعنى استظهاراً طلباً للظهور ودفع الشبهة. قوله: (وعموم اللفظ يقتضي الخ)
قيل: عليه لم نجد فرقا بين الكتابية والمسلمة في كتب الحنفية كما يشعر به كلامه وفي المحيط يجب على الكتابية إذا كانت تحت مسلم ما يجب على المسلمة الحرّة كالحرّة والأمة كالأمة وما ذكره يرد لو عنى ما ذكره إمّا لو عنى الأعمّ من كونها تحت مسلم أو ذمي فلا وما روي عن عليّ كرّم الله وجهه لا ينافي الإجماع وفيه عمل بمقتضى الآيتين وقوله: انقضت عدتهن احتراز عن احتمال المشارفة السابق، وقوله: وسائر الخ زاده على الكشاف، وقوله: ومفهومه الخ إشارة إلى دفع ما يتوهم من أنه لا جناح على أحد بفعل آخر فجعله كناية عن أنه يجب عليهم المنع. قوله: (التعريض والتلويح الخ) الكناية أن يذكر معنى مقصود بلفظ لم يوضع له لكن استعمل في الموضوع لا على وجه القصد بل لينتقل منه إلى الشيء المقصود فطوبل النجاد مستعمل في معناه لكن لا يكون هو المقصود بالإثبات بل لينتقل منه إلى طول القامة فخرج بقيد الاستعمال في معناه المجاز وبقيد عدم القصد الصريح من الحقيقة والتعريض أن تذكر شيئا مقصودا في الجملة بلفظه الحقيقي أو المجازي أو الكنائي لتدل بذلك الشيء على شيء آخر لم يذكر في الكلام مثل أن يذكر المجيء للتسليم بلفظه ليدل على التقاضي، وطلب العطاء فالتسليم مقصود وطلب العطاء عرض وقد أميل إليه الكلام من عرض أي جانب ويكون المعنى المذكور أوّلاً مقصوداً امتاز عن الكنايات التي ليست كذلك فلم يلزم صدقه على جميع أقسام الكناية فمثل جئتك وسلم عليك كناية وتعريض ومثل زيد طويل النجاد كناية لا تعريض ومثل قولك في عرض من يؤذيك وليس المخاطب آذيتني فستعرف تعريض بتهديد المؤذي لا كناية ثم
إذا كان الاصطلاح على أنّ التلويح اسم للتعريض كان جعل السكاكيّ التلويح اسما لكناية البعيدة لكثرة الوسايط مثل كثير الرماد للمضياف اصطلاحاً جديداً هذا ما قاله الشارح النحرير وفي الكشف بعد ما ذكر نحوه وقد يتفق عارض يجعل المجاز في حكم حقيقة مستقلة كما في المنقولات والكناية في حكم المصرّج به كما في الاستواء على العرس وبسط اليد ويجعل الا اصفات في التعريض نحو المعرض! به في نحو قوله تعالى: {وَلاَ تَكُونُواْ أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ} [سورة البقرة، الآية: 41] فلا ينتهض نقضا على الأصل وتعريف المصنف تبعاً للزمخشريّ مع ترك ما فيه من المسامحة بناء على أنّ التعريض ليس كناية ولا حقيقة ولا مجازاً وأنّ الكلام قد يدل بغير الطرق الثلاثة، وقوله: بما لم يوضعالخ يقتضي أنّ في المجاز وضعاً فمامّا أن يريد بالوضع ما يعم الشخصيّ والنوقي أو يريد بيوضع يستعمل أو قصد المشاكلة ولم ينف الكناية لأنها داخلة في كلامه في الحقيقة. وقوله: والكناية الخ تبع فيه السكاكي حيث فرق بين المجاز والكناية بأنّ الانتقال في الكناية من التابع إلى المتبوع وفي المجاز بالعكس وفي هذا ما يضيق عنه المقام وبسطه في شرح المفتاح ونافقة بمعنى مرغوب فيها من النفاق وهو الرواج ضد الكساد، وقوله: ولا تعريضاً للتعميم بمعنى لم يذكروه والا فالتصريح بالتعريض لا يضر فلا حاجة إلى نفي ما في النفس منه، وقوله: وفيه نوع توبيخ(2/321)
أي حيث ذكر ذكرهن بعد النهي عنه إشارة إلى عدم صبرهم عنهن وقوله: جئتك لأسلم عليك هو تعريض بطلب العطاء كما قال الشاعر:
أروح بتسليم عليك وأغتدي وحسبك بالتسليم مني تقاضيا
قوله: (استدراك عن محذوف الخ) قيل: لا مانع من جعله استدراكاً على قوله لا جناح
فإنه بمعنى عرضوا ولكن الخ وقيل: إنه استدراك على قوله ستذكروهن ولا حاجة إلى التقدير وفيه نظر. قوله: (عبر بالسرّ عن الوطء الخ) يعني تعارف التعبير عن الوطء بالسرّ لأنه يسر ثم أريد به العقد الذي هو سببه والأوّل كناية فيكون الثاني من المجاز لشهرة الأوّل ولم يجعل من أوّل الأمر عبارة عن العقد لأنه لا مناسبة بينهما في الظاهر وهو مفعول وجوّز نصبه بنزع الخافض أي في السرّ والمراد به ما يقبح لأنه يسر غالباً. قوله: (وهو أن تعرضوا الخ) فالمعروف ما عرف تجويزه وهو ما يكون بطريق التعريض والمراد بهذا التعريض التعريض بالوعد لها بما يريد والتعريض السابق التعريض بنفس الخطبة والطلب فلا تكرار وأمّا منع
الانقطاع والاستثناء من سراً فلان سرّا مفعول به بلا رابط فالمستثنى منه يكون كذلك فيكون المعنى تواعدوهن إلا التعريض وليس بمستقيم لأنّ التعريض طريق المواعدة لا الموعود نفسه، ورذ بأنّ الاستثناء المنقطع ليس من شرط صحته تسلط العامل عليه بل هو على قسمين قسم يصح فيه ذلك نحو ما جاء أحد الأحمار ويجوز فيه النصب والبدلية مما قبله وقسم لا يصح فيه ذلك نحو ما زاد إلا ما نقص وما نفع إلا ما ضرّ، وهذا يجب نصبه وكلاهما بتقدير لكن وما نحن فيه من الثاني فلا يلزم أن يكون موجوداً فيه كلام في سورة هود وقوله: والأظهر جوازه أي جواز التعريض بالخطبة في عدة البائن قياسا على عذة المتوفى عنها عند الشافعي. قوله: (ذكر العزم مبالنة الخ) أي لا تقصدوا قصدا جازما لا تردّد معه نهي عن العزم ليكون أبلغ في منع الفعل وقدر المضاف لأنّ العزم إنما يكون على الفعل لا على نفس العقدة، وقيل: معناه لا تقطعوا عقدها بمعنى لا تبرموه ولا تلزموه ولا تقدموا عليه فيكون النهي عن نفس الفعل لا عن قصده وبهذا يمتاز عن الوجه الأوّل وإلا ففي العزم بمعنى القصد مغ القطع أيضاً كما يقال: هذا أمر معزوم عليه ومقطوع به ولو كان القطع ضدّ الوصل كان المعنى لا تقطعوا عقدة نكاج الزوح المتوفى بعقد نكاح آخر ولا يقدر حينئذ مضاف، وقوله: لا بدعة في إلطلاق أي لا يعد بدعيا ولو كان في الحيض، وقوله: تجامعوهن إشارة إلى أنّ المس كناية عن الجماع وما مصدرية وفتية أي في مدة عدم المس، وقوله: ما كتب من العدة أي فرض فكتاب الله هنا بمعنى مفروضه قيل: لأنّ الشيء يراد ثم يقال: ثم يكتب فالإرادة مبدأ والكتابة منتهى فإذ! عبر عن المبدأ وهو المراد بالمنتهى وهو المكتوب أريد توكيده كأنه تمّ وفرغ عنه. قوله: (1 لا أن تفرضوا الخ) أو إذا كانت بمعنى إلا أو إلى والمصنف رحمه الله قال. حتى يريد إلى وهو
الواقع في كلام النحاة انتصب المضارع بعدها بأن مقدرة أو بها نفسها على المذهبين، قيل: وفيه إشكال قويّ هنا لم يتنبه له أحد وهو أنّ أو هذه عاطفة كما قرّره النحاة على فعل قبلها هي غاية له فقولك لألزمنك أو تقضيني حقي معناه لزوم إلى الإعطاء فعلى قياسه يكون فرض الفريضة نهاية عدم المساس لا عدم الجناح وليس المعنى عليه. (قلت (: هو عطف على الفعل أيضاً والفعل مرتبط بما قبله فهو معنى مقيد به فكأنه قيل: لم تمسوهن بغير جناح وتبعة إلا إذا فرضت الفريضة فيكون الجناج لأنّ المقيد في المعنى ينتهي برفع قيده فتامّله فإنه دقيق غفل عنه المعترض، وقوله: أو وتفرضوا بمعنى أنه معطوف على تمسوا وفي نسخة أو أن تفرضوا والمعنى عليهما إن أو عاطفة على المنفي المجزوم وهي لأحد الأمرين لكنها في حيز النفي تفيد العموم كما في قوله تعالى: {وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا} [سورة الإنسان، الآية: 24] وقيل: العطف يوهم تقدير حرف النفي وأن الشرط أحد النفيين لا نفي أحدهما حتى ينتفي كل منهما وعموم النفي فيه خفاء ولا يخفى أنه غير وارد ولا حاجة إلى أنّ أو بمعنى الواو وما ذكره المصنف رحمه الله بيان للمعنى لا تأويل وتبعة كفرحة ما يؤخذ مته، وقوله: والتاء لنقل اللفظ أي نقله من الوصفية إلى الاسمية(2/322)
فصار بمعنى المهر فلا تجوز فيه كمن قتل قتيلاً كما قيل: والأولى غير المدخول بها والمسمى لها والأخيرتين ما بعدها. قوله: (عطف على مقدّر الخ) والمقصود المتعة إذ لا معنى لقوله إن طلقتم النساء فطلقوهن ولذا قدره الزمخشريّ فلا مهر عليكم ومتعوهن وفيه عطف الإنشاء على الخبر وهو جائز لأنه مؤوّل بلا مهر وتجب المتعة، وفي الكشف إنه جائز لأنّ الجزاء جامع جعلهما كالفردين أي الحكم هذا أو ذاك وهو يقتضي أنّ عطف الإنشاء على الخبر غير ممنوع في الجزاء وهو وجه وجيه وفائدة جديدة وإيحاس الطلاق إساءته من الوحشة. قوله: (أي على كل الخ) المقتر كمحسن هو الضيق الحال الفقير
فة وله: الضيق الخ عطف بيان له، ودرع المرأة ما تلبسه فوق القميص والملحفة بكسر الميم إزار تلتف فيه والخماو بكسر الخاء ما تغطي به رأسها وقوله: على حسب الحال أي حال الزوج، وقيل: يعتبر حالها واليه يشير قول القدوري: من كسوة مثلها وهو قول الكرخي رحمه الله ففي الأدنى من الكرباس وفي الوسط من القر وفي الأعلى من الحرير الإبريسم، وفي الذخيرة يعتبر الوسط لا غاية الرداءة ولا غاية الجودة وهو مخالف للقولين والآية ظاهرة في الأوّل، واطلاق الحال في كلام المصنف رحمه الله شامل للأقوال قال الإتقاني رحمه الله: المفوّضمة هي التي فوّضت نفسها بلا مهر وقال ابن الهمام رحمه الله: المسموع فيها كسر الواو ويجوز فتحها لأن الوليّ فوّضها للزوج وقوله: قوله عليه الصلاة والسلام قال العراقي رحمه الله لم أجده في كتب الحديث والقلنسوة ما يوضع على رأس الرجل معروفة، وقوله: وألحق بها الشافعيّ الخ مذهب الشافعيّ رحمه الله أنّ المتعة لكل زوجة مطلقة إذا كان الفراق من قبل الزوح إلا التي سمى لها وطلقت قبل الدخول ووجه القياس الاشتراك في جبر إيحاس الطلاق وأيضاً هي داخلة في عموم قوله: {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} فلا حاجة إلى القياس لكن لما كان الشافعيّ رحمه الله يحمل المطلق على المقيد استدل المصنف رحمه الله بالقياس. قوله: (الذين يحسنون إلى أنفسهم الخ) يشير إلى قول الإمام مالك رحمه الله إنّ المتعة مستحبة استدلالاً بقوله على المحسنين فإنه قرينة صارفة للأمر إلى الندب وهي واجبة عندنا وعند الشافعيّ والجواب منع قصر المحسن على المتطوّع بل أعمّ منه ومن القائم بالواجبات فلا ينافي الوجوب فلا يكون صارفاً للأمر عن الوجوب مع ما انضمّ إليه من لفظ حقا وعلى وقوله وان لا متعة الخ هو أحد قولي الشافعيّ رحمه الله. قوله: (والصيغة الخ) أي في حد ذاتها لا هنا لأنه لو كان لجمع الذكور لقيل: أن يعفوا والنون علامة الرفع دليل عليه لأنّ الأفعال الخمسة ترفع بثبوت النون وتنصب وتجزم بحذفها على ما علم في النحو، وقوله: ولذلك الخ أي ولكونه مبنياً لم تؤثر فيه إن مع أنها ناصبة لا مخففة بدليل عطف المنصوب عليه فلا يقال إنّ تعليل
نصب المعطوف بكونه مبنياً لا يظهر، وكملاً كحسناً صفة مشبهة بمعنى كاملا. قوله: (وهو مشعر الخ) وجه الإشعار أنّ الاستثناء صيره بمعنى عليه النصف أو الكل فلا يجب النصف وحده وقيل: الإشعار إنما يكون لو كان الاستثناء متصلا فلا يكون الواجب النصف في هذا الوقت بل الكل لكنه منقطع قطعأ لأنّ كون الواجب النصف لا يبقى في وقت عفوهن فعطف قوله أو يعفو عليه يقتضي كونه منقطعا فلا يكون الطلاق مخيراً وتردد النحرير في اتصاله وانقطاعه ليس في محله وليس بشيء بل لا وجه له لأنّ التردد في محله إذ وجوب الكل لا ينافي وجوب النصف لأنه في ضمنه إلا أن يلاحظ النصف بقيده مثل وحده أو فقط وافادة التخيير لا تعلق له بالاتصال والانفصال فتأمّل، وللشافعيّ في مذهبه قولان في بعض المسائل فما قاله ببغداد يسمى قديمأ وما قاله بمصر يسمى جديداً وهو الراجح عندهم في الأكثر واطلاق العفو على تكميل المهر خلاف الظاهر، فلذلك أوّل بالحمل على ما إذا عجل تسليم المهر فإنه حينئذ يعفو عن استرداد النصف أو أنه من عفوت الشيء إذا وفرته وتركته حتى يكثر أو أنه على المشاكلة كما ذكره المصنف رحمه الله وقد ورد بهذا المعنى قوله تعالى: {إَلاَّ أَن يَعْفُونَ} قال شيخ والدي ما ذكره المصنف من أنّ الواو وضمير وأن مهملة وان سمع على قلة أو شذوذ لا يصح أن يكون مراداً هنا لتوقفه على أنه قرئ برفع يعفو(2/323)
ولم يقرأ به أحد فلم يصح ما قاله لأنه لا يصح اهمال إن ونصب ما عطف عليه ولو سلم فهو مشكل على مذهب الشافعيّ لأنّ ضمير يعفون إن عاد على الأزواج وإن أباه السياق فالذي بيده العقدة الوليّ وإن عاد على الأولياء فهو الزوج فيلزم أنّ الأولياء لهم العفو والشافعيئ لا يقول به فالظاهر منع ما قاله المصنف. (أقول (: إذا تأمّلت كلام المصنف علمت أنّ ما ذكر غير وارد عليه لأنه فسر الضمير بالمطلقات واقتصر عليه إشارة إلى أنه مرضيئ عنده ثم قال: إنّ الصيغة أي اللفظ من حيث هو يحتمل وجها آخر وعليه فالضمير إمّا للأزواج وعفوهم إعطاء المهر كملا بوزن حسن أي كاملا وان كان للأولياء فالعفو عندهم واليه أشار بقوله وقيل: فكيف يعترض عليه به وأمّا إنكاره القراءة فلا وجه له فإنها منقولة عن الحسن كما في كتب الشواذ والإعراب فلفه درّ المصنف فيما سذده، وبيض وجه البيان بما سوّده. واعلم أن كون الشيء قبل الشيء لا يقتضي وقوعه كما في بعض التفاسير وله نكتة تظهر بالتأمّل. قوله: (يؤيد الوجه الأوّل الخ) أي أنّ المراد الزوج والا لقال يعفون فإنّ
النساء أصل فيه والوليّ نائب عنهن وإنما جعله مؤيدا لا قاطعا لاحتمال! أن يريد الأولياء فقط لصدوره منهم ظاهرا أوهم والنساء على التغليب، وقصة جبير ظاهرة في المشاكلة وأنّ العفو في الآية للزوج وهي مروية في البيهقي، وقوله: أن يتفضل الخ مأخوذ من قوله بينكم سواء تعلق بتنسوا أو جعل حالاً وجعل الفضل بمعنى التفضل وجملة النهي محمولة على الاسمية لأنّ المقصود الأمر بالعفو. قوله:) ولعل الأمر الخ) وبه ينتظم السياق أو أنه دلهم على المحافظة على حقوق الله والعباد وقدم حقوق العباد لأنها أهئم. قوله: (أي الوسطى بينها الخ) قد مرّ أنّ الوسطى ما توسط بين شيئين أو أشياء ويكون بمعنى الأفضل وقد فسر هنا بالوجهين وقوله: منها خصوصاً إشارة إلى أنه من قبيل الملائكة وجبريل بجعل الفرد المخصوص بالذكر لكماله كأنه من نوع آخر تنزيلاً لتغاير الصفات منزلة تغاير الذات، وفي تعيينها خمسة أقوال على ما ذكره المصنف وقد اختلفوا في الأرجح منها وأكثر أنها العصر، ويوم الأحزاب يوم تجمع فيه أحزاب العرب لتخريب المدينة وقتل المسلمين وهي وقعة معروفة في السير ستأتي، واجتماع الملائكة أي الموكلين من الكتبة لأنهم يتعاتبون على الإنسان في الليل والنهار وقت العصر لأنه في حكم الماء ثم تصعد ملائكة النهار بأعماله فإن وجد مشغولاً بالصلاة كان ذلك سبباً للطفه تعالى به كما ورد ذلك في الحديث وقوله: أحمزها بالحاء المهملة والزاي
المعجمة أي أصعبها، قال السخاوي وغيره: أنه لا أصل له وأنه موضوع لكن ابن الأثير ذكره في النهاية عن ابن عباس رضي الله عنهما وأنّ النبيّ-لجز سأل أيّ الأعمال أفضل فقاله ولم يسنده، فإن قلت: روي في الفردوس مرفوعاً: " أفضل العبادة اخفها " فكيف يجمع بينهما قلت على تقدير ثبوتهما المراد بالخفة أن لا يكثر حتى يمل مع أنه قيل: إن حديث الفردوس العيادة بالياء التحتية لما روي " أفضل العيادة أجرا سرعة القيام من عند المريض) ، وقوله ولأنها مشهودة أي تحضرها الملائكة كما سيأتي وتوسطها عدداً لأنها بين الثنائية والرباعية وقوله في الحد المشترك هو من طلوع الفجر إلى الشمس لأنه يعد من النهار إن قيل: إن مبدأه الفجر كما هو في الشرع ومن الليل كما عند أهل النجوم وغيرهم ولذا قال طرفي الليل فلا تعارض! بينهما، وتفسيرها بالعشاء قال السيوطي لم يذكره أحد من الصحابة رضوان الله عليهم وقوله: وقرئ بالنصب بتقدير امدح أو أعني وتقدم ما فيه من الإشكال وجوابه، وفسر القنوت بالذكر أو بقنوت الصبح عند الشافعيّ رحمه الله وفسره البخاريّ في صحيحه بساكتين لأنها نزلت في تحريم الكلام في الصلاة. قوله: (فصلوا راجلين الخ (الراجل الماشي على رجليه ورجل بفتح فضم أو بفتح فكسر بمعناه ولم يذكر للثاني نظيراً لأنه على خلاف القياس، والمسايفة بالسين المهملة والياء المثناة التحتية والفاء المضاربة والمقاتلة بالسيف، وقوله: ما لم يمكن الوقوف الخ لأنّ المشي يبطلها عند القائلين بها بعد النبيّ غ! ييه من الحنفية خلافا للشافعيّ، واستدل أبو حنيفة رحمه الله بأنه صلى الله عليه وسلم تركها في الأحزاب ولو جاز الأداء مع القتل(2/324)
لما تركها، وفيه نظر لأنّ صلاة الخوف إنما شرعت في الصحيح بعد الخندق فلذا لم يصلها إذ ذاك، وقوله في الكافي: إنّ صلاة الخوف بذات الرقاع وهي قبل الخندق وهو قول ابن إسحق وجماعة من أهل السير
والصحيح أنها إنما شرعت بعد الخندق وأن غزوة ذات الرقاع بعد الخندق وتفصيله في كتب الفروع والحديث. قوله: (ما لم تكونوا تعلمون (زاد تكونوا ليفيد النظم ووقع في موضع آخر بدونها كقوله تعالى: {عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [سورة العلق، الآية: 5] فقيل: الفائدة في ذكر المفعول فيه وان كان الإنسان لا يعلم إلا ما لم يعلم التصريح بذكر حالة الجهل التي انتقلوا عنها فإنه أوضح في الامتنان ونقل عن النحرير رحمه الله في إقرائه التلخيص في قوله: وعلم من البيان ما لم يعلم أنّ الأولى أن يقول ما لم يكن يعلم والا فلا فائدة فيه ورد بأنه وقع كذلك في النظم وأن فيه فوائد كالتعميم والامتنان بأنه إذا لم يخلق فيه قدرة العلم لم يتمكن منه وغير ذلك فتأمّل. قوله: (قراها بالنصب أبو عمرو الخ) في القراءتين وجوه كما ذكره المصنف رحمه الله، وقوله: أو ألزم فالذين نائب فاعل فعل مقدر ووصية مفعوله الثاني، وعلى قراءة الرفع خبر بتقدير ليصح الحمل وعلى قراءة متاع كذلك ومتاعا الثاني منصوب بالأوّل، كقوله: فإن جهنم جزاؤكم جزاء موفوراً وتفسيره بالتمتيع دفع لاحتمال كونه اسم عين أو جنس كما ورد به، وقوله: نصب بيوصون فالعمل للفعل إن كان الحذف غير لازم والا فعلى الخلاف. قوله: (بدل منه الخ (أي بدل من متاع بدل اشتمال وقيل: بدل كل على حذف المضاف أي بدل غير إخراج، وجعله مصدرا مؤكداً لأنّ الوصية بأن يمتعن حولاً يدل على أنهن لا يخرجن فكان غير إخراج توكيداً له كأنه قيل: لا يخرجن غير إخراج قيل: ومثاله يشعر بأنه من التأكيد لغيره إذ مضمون هذا القول يحتمل أن يكون خلاف ما يقوله المخاطب وغير فعين ما يقول دفعا للثاني وهو في الحقيقة صفة مصدر أي أقول قولاً غير ما يقول والعامل فيه أقول وأمّا كون العامل النفي أو مصدراً مأخوذا منه فلم يعهد وفيه تأمّل 0 قوله: (والمعنى أنه يجب الخ) بيان للمقصود على الوجوه السابقة وقوله: قبل أن يحتضروا إشارة إلى أن يتوفون من مجاز المشارفة إذ لا تتصور الوصية بعد الوفاة وفسر التمتيع بالإنفاق أمّا على الحالية فظاهر وأئا على غيره نلأن عدم الإخراج بلا نفقة تضييق لا
تمتيع. قوله:) وكان ذلك أؤل الإسلام الخ) أي الإنفاق والسكنى المذكورأن ثم نسخت أمدة أو الزيادة على الخلاف في أنّ نسخ البعض نسخ للكل أولاً وقوله: وهو وان كان الخ جواب سؤال وهو ظاهر وأمّا نسخ النفقة بالإرث فمبنيّ على أنّ مفهوم لهن الثمن مثلاً أنّ لهن ذلك لا غير وهذا يؤيد قول أبي حنيفة رحمه الله بعدم السكنى وأما على قول الشافمي رحمه الله ففيه بحث فتأمّل. قوله: (وهذا يدل الخ) اختلف فيه أئمة التفسير على ما في الكشف فقيل: إنه كان قبل النسخ متعيناً وعليه يفسر فإن خرجن بالخروج من العدة بانقضاء الحول ومن قال إنه غير متعين فسر فإن خرجن قبل الحول من غير إخراج الورثة فلا جناح في قطع النفقة أو في ترك منعهن من الخروج فقول المصنف رحمه الله وهذا يدل فيه نظر. قوله: (أثبت المتعة للمطلقات الخ) فتعريف المطلقات للجنس، ومما ذكره يعلم ما مر من إثباته بالقياس دون النص كما أشرنا إليه فيما سبق. قوله: (تعجيب وتقرير الخ) هذه اللفظة قد تذكر لم تقدم علمه فتكون للتعجيب والتقرير والتذكير لمن علم كالأحبار وأهل التاريخ وقد تذكر لمن لا يكون كذلك فتكون لتعريفه وتعجيبه. قال الراغب: رأيت يتعدى بنفسه دون الجار لكن لما استعير ألم تر لمعنى ألم تنظر عدى تعديته بإلى وفائدة استعارته أنّ النظر قد يتعدى عن الرؤية فإذا أريد الحث على نظر ناتج لا محالة للرؤية استعيرت له وقلما استعمل ذلك في غير التقرير فلا يقال رأيت إلى كذا وذكر الزمخشريّ في: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوْتُواْ نَصِيبًا} [سورة آل عمران، الآية: 23 لح ما يدل على أنّ الرؤية إمّا بمعنى الإبصار مجازاً عن النظر فلهذا وصلت بإلى، وأمّا بمعنى الإدراك القلبي تضمينا على معنى ألم ينته علمك إليهم، وفي الكشف فائدة التجوّز الحث على الاعتبار لأنّ النظر
اختياري أمّا الإدراك بعده فلا ولم يذكر الشراح تعدبه بنفسه كقول امرئ القيس:
ألم ترياني كلما جئت طارقا وجدت بهاطيبا وان لم تطيب(2/325)
قوله: (صار مثلاَ في التعجب) أي شبه حال من لم يره بحال من رآه في أنه لا ينبغي أن تخفى عليه هذه القصة وأنه ينبغي أن يتعجب منها ثم أجرى الكلام معه كما يجري مع من رآهم وسمع بقصتهم قصدأ إلى التعجب واشتهر في ذلك، وداوردان قرية كما ذكروه لكنهم لم يضبطوه وتفسير الألوف بالعشرة خلاف الظاهر من جمع الكثرة، وكونه بمعنى متألفين قال الزمخشريّ: إنه من بدع التفاسير لأنه خلاف الظاهر إذ ورود الموت دفعة على جمع عظيم أبلغ في الاعتبار، وأمّا وقوع الموت على قوم بينهم ألفة فهو كوقوعه على غيرهم وقيل معناه الفهم الحياة وحببهم لها كقوله: {وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ} [سورة البقرة، الآية: 96] وهو كالذي قبله. قوله: (والمعنى الخ) يعني أنه عبر عن أماتهم الله بما ذكر للدلالة على أنّ موتهم كان شبيهاً بامتثال أمر واحد من أمر مطاع لا يتوقف في امتثاله فيكون دفعة على خلاف العادة. قوله: (قيل مر حزقيل الخ) قال ابن حجر: حزقيل بكسر الحاء المهملة، وتبدل هاء فيقال: هزقيل وكذا وقع في بعض النسخ هنا وسكون الزاي المعجمة وكسر القاف ثم ياء ساكنة ولام ابن بوري بضم الباء الموحدة والقصر، وقوله: وفائدة القصة الخ يعني أنه تمهيد وقاتلوا في سبيل الله وهو عطف في المعنى لأنه بمعنى انظروا وتفكروا وسورة البقرة سنام القرآن جامعة لكليات الأحكام كالصيام والحج والصلاة والجهاد على نمط عجيب يكرّ عليها كلما وجد مجالاً
دلالة على أن المؤمن لا ينبغي أن يشغله حال عن حال، وكون الشكر بمعنى الاعتبار بعيد ومخلص اسم فاعل، والمتخلف الممتنع من القتال والسابق المبادر إليه. قوله ة) من وراء الجزاء الخ (تمثيل يريد أنه تعالى لا بد من مجازاته للمتخلف والسابق كما أن من يسوق الشيء من وراثه لا بدّ أن يوصله إلى ما يريده وهو مستفاد من قوله تعالى: {إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} كما تقول لمن تهدده وتوعده أنا أعلم بحالك. قوله:) من استفهامية الخ) جوز في النظم وجوه منها ما ذكره المصنف والإقراض استعارة لتقديم العمل وقوله: إقراضا إشارة إلى أنه مصدر، وقوله: مقرضا أي أنه اسم للعين فهو مفعول والقرض نفسه لا يضاعف فقدر فيه مضاعفا أي جزاؤه أو جعله نفسه كأنه مضاعف لأنه سبب المضاعفة، وفي النصب وجهان العطف على ما تقدم أي يكون إقراض فمضاعفة أو في جواب الاستفهام وقد منعه أبو البقاء وعلى الأوّل المراد بالكثرة أنه لا يحد وأما أن الحسنة بعشر أمثالها فسيأتي الكلام فيه في آخر هذه السورة. قوله: (يقتر على بعض) أي يضيق وفسره على وفق النظم والزمخشرفي عكسه قال النحرير: لا وجه لعكس الترتيب سوى التنبيه على أنه المقصود في هدّا المقام وإنما ذكر القبض للمقابلة وبيان كمال القدرة وقوله: فلا تبخلوا شامل للتفسير الثاني للقرض لأنّ بذل القوّة في الجهاد وعدمها بمنزلة البذل والإمساك وعلى هذه ففيه ترشيح للاستعارة. قوله:) الملأ الخ) هو اسم جمع لا واحد له ويجمع على أملاء وأفاد المشاورة يقال: تمالأ عليه إذا تعاون وتناصر ومثله يكون عن مشاورة
واجتماع رأي، وقوله: هو يوشع رده ابن عطية بأنّ يوشع فتى موسى عليه الصلاة والسلام وبينه وبين داود عليه الصلاة والسلام قرون كثيرة. قوله: (أقم لنا أمير الخ) قال الراغب: البعث إرسال المبعوث عن المكان الدّي هو فيه لكن يختلف باختلاف متعلقه يقال: بعث البعير من مبركه أثاره وبعثته في السير هيجته وبعث الله الميت أحياه وضرب البعث على الجند إذا أمروا بالارتحال. قوله:) ونصدر فيه عن رأيه (هذه العبارة وقعت في الحديث وقي كلام العرب قديماً، ومعناه نفعل ما نفعل برأيه من الورد والصدر وهو الذهاب للاستقاء والرجوع عنه وهم يقولون لمن يدري وجوه الرأي والأمر له إصدار وإيراد كما يقال: فتق ورتق والصدر لما كان لازما للورد وبعده اكتفى به وفيه استعارة مكنية وتخييلية شبه الرأي بما يسكن العطش وأثبت له الصدر(2/326)
قال الشاعر:
ما أمس الزمان حاجا إلي من يتولى الإيراد والإصدارا
قوله: (أي ابعثه لنا مقدرين القتال الخ) يعني أنه حال من ضمير لنا مقدرة، وقد خبط
بعف! الناس هنا فقال: إنّ صيغة تقاتل بمعنى نقدر مجازاً وليس حالاً مقدرة أو هي حال مقدرة ومقدرين على صيغة المفعول وتعسيف بما لا طائل تحته. قوله: (هل عسيتم) اختلف في عسى فقيل: من النواسخ واسمها وخبرها أن لا تقاتلوا، وقيل: إنها تضمنت معنى قارب وأن وما بعدها مفعول وليست من النواسخ أي هل قاربتم عدم القتال وهذا معنى قول بعضهم إنها خبر لا إنشاء خلافاً لمن لم يفرق بينهما واستدل بدخول الاستفهام عليها ووقوعها خبراً في قوله:
لا تكثرن إني عسيت صائما
ومن لم يسلم خروجها عن الإنشاء قدر فيه القول والأوّل أحسن لكنه استدل على الثاني
بأنها لا تقع صلة الموصول، وفيه نظر لأنّ هشاما جوّزه والمصنف لما رأى أنها لإنشاء التوقع ولا تخرج عنه جعل الاستفهام داخلا باعتبار المتوقع وهو الخبر وجعل الاستفهام للتقرير بمعنى التثبيت وان كان الشائع في معنى التقرير الحمل على الإقرأر، وكون المستفهم عنه يلي الهمزة ليس أمراً كليا ولا يخفى ما فيه. قوله:) أيّ غرض لنا في ترك القتال الخ الما كان الشائع في
مثله ما لنا نفعل أو لا نفعل على أنّ الجملة حال وأن المصدرية هنا لا توافقه جعله على حذف الجار أي ما الغرض! في أن لا نقاتل أو ما الداعي إلى أن لا نقاتل أي ترك القتال والجار والمجرور متعلق بمتعلق لنا أو به نفسه، وقال الأخفش: أن زائدة ولا ينافيه عملها والجملة حالية وقيل: إنه على حذف الواو أي وأن لا نقاتل أي فما لنا ولأن لا نقاتل كقولك إياك وأن تتكلم وقد يقال: إياك أن تتكلم، وقوله: وقد عرض الخ إشارة إلى أنّ جملة وقد أخرجنا جملة حالية، والعمالقة والعماليق من ولد عمليق كقنديل وعملاق كقرطاس بن لاوى بن أرم بن سام وفلسطين بكسر الفاء وقد تفتح كورة بالشأم، وقوله: في ترك الجهاد لربطه بما قبله، وقوله: بعدد أهل بدر أخرجه البخاريّ عن البراء رضي الله عنه. قوله: (طالوت علم الخ) فيه قولان أظهرهما أنه اسم أعجمي فلذلك لم ينصرف وقيل: إنه عربي من الطول ولكنه ليس من أبنية العرب فمنع صرفه للعلمية وشبه العجمة على القول به وأمّا ادعاء العدل عن طويل والقول بأنه عبرانيّ وافق العربي فتكلف. قوله: (من أين يكون له ذلك وششأهل) أي يستحق ويصير أهلا وقد مر تحقيقه وأنى فسرها الزمخشريّ بكيف ومن أين واستشهد على الأوّل بقوله:
إني ومن أين أبكي الطرب
وعلى الثاني بقوله:
فكيف ومن أني بذي الرمث تطرق
فإني بمعنى من أين وحذف حرف الجر قبلها وهو من كما حذفت في من الظروف اللازمة الظرفية وغيرها للتوسع فيها بخلاف من ونحوها من الصلات فإنه لا يطرد حذفها إلا إذا كثرت في المتصرفة وسيأتي الكلام عليه في محله وإنما ذكرناه ليعلم وجه إتيان المصنف رحمه الله بمن قبلها والاستفهام حقيقي أو للتعجب لا لتكذيب نبيهم والإنكار عليه ولاوى من أولاد يعقوب عليه الصلاة والسلام، والسبطان القبيلتان وخلق بمعنى ناس وبقية وليس خلق كحذر بمعنى حقيق كما توهم. قوله: الما استبعدوا الخ) الاستبعاد من قولهم إني يكون الخ ولا يخفى مناسبة واسع لبسطة الجسم وعليم لكثرة العلم. قوله: (الصندوق الخ) بضم الصاد على الأفصح وزيادة التاء في الآخر نحو رهبوت وجبروت وقلة باب سلس أي ما اتحدت فاؤه ولامه ترجحه مع أن مادة ثبت لا توجد في العربية، وإبدال التاء هاء إذا لم تكن للتأنيث شاذ، وشمشاذ بالذال والدال شجر السرو وشمشار بالراء وشمشير شجر الصمغ وكله فارسية. قوله: (الضمير(2/327)
للإثيان الخ) وعلى تفسير السكينة بالسكون وزوال الرعب فهو مصدر، وما قيل: إنه
صورة الخ أخرجه ابن جرير عن مجاهد، وقال الراغب: لا أراه قولاً صحيحاً وتئن من الأنين وهو معروف ويزف بالزاي المعجمة معناه يسرع، وقوله: صور الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لأن التصوير كان حلالاً في الملل السابقة مطلقا وأمّا التفسير الأخير فتكلف على عادة الصوفية مع أنه لا يناسب ما عطف عليه وان أوّله بعضهم بتأويل بارد ولو تركه لكان أولى والرضاض بضم الراء المهملة وضادين معجمتين ما يتفتت ويتقطع من الشيء والمراد ألواح موسى عليه الصلاة والسلام النازلة عليه، وآل يطلق على الاتباع والأولاد ويكون بمعنى النفس والشخص فيقحم للتعظيم كأنه في نفسه جماعة كما في قوله تعالى: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً} [سورة النحلى، الآية: 120، فلا يرد أنه لا دلالة له على التعظيم كما قيل: وقوله أبناء عمهما بيته في الكشاف وفي نسخة أبناؤهما والأولى أصح وعلى كون إن في الخ ابتداء خ! طاب الخطاب للنبيّ ب! ومن معه من المؤمنين.
قوله:) انفصل بهم الخ (فصل لا كلام في استعماله متعدياً ولازماً فجوّز أن يكون اللازم مأخوذا من المتعدي بحذف المفعول وأن يكون أصلا برأسه فيكون فصله فصلا بمعنى ميزه وفصل فصولاً بمعنى انفصمل لغتين مثل صده صذاً وصد صدوداً، والقيظ شدة الحر فقوله: قيظا أي وقت قيظ أو جعل اسما للزمان، والمفازة الأرض الخالية من الفوز تفاؤلاً. قوله: (معاملكم الخ) يعني أنه استعارة شبه إنزال البلية بهم ليظهر للناس كذبهم وعدم صبرهم بمن يختبر شخصاً ويجر به بتكليف بعض الأمور ليعلم حاله وقد مر تحقيقه. قوله: (من اشياعي الخ) أشياع كاتباع لفظاً ومعنى جمع شيعة ومن تفيد الاتصال وتسمى من الاتصالية كقوله تعالى: {الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّن بَعْضٍ} [سورة التوبة، الآية: 67] وقوله:
فإني لست منك ول! ست مني
ويجوز أن تكون للتبعيض كذا قال الطيبي: فجعل من الاتصالية غير التبعيضية وكأنها
بيانية وفي الدر المصون أنها تبعيضية وهو الظاهر وقوله: من أشياعي إشارة إلى أنه على تقدير مضاف، وقوله: متحد معي إشارة إلى الاتصال به حتى كأنه نفسه. قوله: (أي من لم يذقه من طعم الخ) أصل الاستعمال أن يقال في الماء مشروب وفي المأكولات مطعوم وقد استعمل الطعم هنا في المشروب ومما عيب على خالد بن عبد الله القنسري أنه قال على المنبر يوما وقد خرج عليه المغيرة بن سعيد بالكوفة أطعموني ماء فعابت عليه العرب ذلك وهجوه به وحملوه على شدة جزعه فقال الشاعر فيه:
بئ المنابرمن خوف ومن وهل واستطعتم الماء لما جدفي الهرب
وألحن الناس كل الناس قاطبة وكان يولع بالتشديق في الخطب
وقال ابن أبي الصلت في كتاب المختار: إنما عيبته عليه لأنها صدرت عن جزع وإلا فقد
وقع في هذه الآية والذي تقتضيه البلاغة ما أشار إليه المصنف وغيره من أنّ طعم له استعمالات فاستعماله بمعنى ذا طعمه كما هنا فصيح وأنا بمعنى شربه واتخذه طعاما فقبيح إلا أن يقتضيه المقام كما في حديث ماء زمزم طعام طعم وشفاء سقم فإنه تنبيه على أنها تغذ بخلاف سائر المياه كما ذكره الراغب، وطعم الشيء بمعنى ذاقه ذكره الأزهري عن الليث، وذكر الجوهري أنّ الطعم ما يؤديه الذوق قيل: ولعله الأظهر وتفسيره بالذوق توسع والمصدر لم يجىء إلأ للذوق فمن قال طعم شائع في معنى أكل لم يصب المحز. قوله: (وإن شئت الخ) هذا من شعر ينسب للعرجي والذي في الأغاني أنه من قصحيدة للحرث بن خالد بن عاصم بن هشام المخزومي وهو ممن قتل مشركا ببدر قتله علي رضي الله عنه يخاطب بها ليلى بنت أبي مرة بن عروة بن مسعود وأوّلها:
لقد أرسلت في السر ليلى تلومني وتزعمني ذاملة طرقا جلدا
تعدين ذنبا واحدا ما جنيته عليّ وما أحصى ذنوبكم عدّا
فإن شئت حرمت النساء سواكم هان شئت لم أطعم نقاخا ولا بردا
والنقاخ بضم النون وقاف وخاء معجمة الماء العذب البارد والمراد بالبرد فيه النوم وعطفه
على الماء يعين(2/328)
كونه بمعنى لم يذق كما يقال: لم يذق لذة النوم ونحوه، وسواكم بضمير الجمع للتعظيم للمحبوبة كما قاله الطيبي رحمه الله ومنه يعلم رذ ما قاله الرضي من أنه إنما يكون في ضمير المتكلم، وقوله: وإنما علم الخ أي علم أن من شرب عصاه ومن لم يشرب يطيعه، وما قيل: إنه يحتمل أنه بالفراسة والإلهام بعيد. قوله: (استثناء من قوله: فمن شرب الخ (فالجملة الثانية في حكم المتأخرة إذ التقدير فمن شرب منه فليس مني إلا من اغترف غرفة بيده ومن لم يطعمه فهو مني كقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى} [سورة البقرة، الآية: 62] إلى قوله: {فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ} [سررة البقرة، الآية: 62] والتقدير إنّ الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى فلا خوف عليهم والصابئون كذلك فقدم الصابئون للعناية تنبيها على أنّ الصابئين يتاب عليهم أيضا وإن كان كفرهم أغلظ كما هنا إذ المطلوب أن لا يذاق من الماء رأسا والاغتراف بالغرفة رخصة فقذم من لم يطعمه لأنه عزيمة اعتناء به وتكميلا للتقسيم، ولملاحظة هذه النكتة وكونه في نية التأخير اغتفر فصله بين المستثني والمستثنى منه مع أنه كما في الكشف جار مجرى الاعتراض! في إفادة ما سيق له الكلام، وقوله: والمعنى الرخصة الخ إشارة إلى وجه جعله مستثنى منه لا مما قبله لأنه لو استثنى منه أفاد المفع، أو معناه من اغترف غرفة فليس مني ولذا قال: فشربوا ولم يقل فطعموه ومن ذهب إليه كأبي البقاء تعسف له تعسفات لا حاجة إليها، والغرفة بالفتح المرة وبالضم ملء الكف وبهما قرئ. قوله: (أي فكرعوا فيه الخ) هذا التفسير مروقي عن ابن عباس رضي الله عنهما وفسر به ليؤذن بأنهم بالغوا في مخالفة المأمور حيث لم يغترفوا إذ الكرع الشرب بالفم من غير إناء وأصله في الحيوان أن يدخل الماء حتى يصل إلى أكارعه ثم توسعوا فيه وليس تفسير الزمخشريّ به إلا لهذا ولأنه الحقيقة اللغوية ولا داعي للصرف عنها لا أنه مبنيّ على قول أبي حنيفة فيمن حلف لا يشرب من هذا النهر فإنه لا يحنث إلا إذا كرع خلافا لهما ثم الظاهر أن الاستثناء متصل وقيل: إنه منقطع على التقدير أمّا إذا كان ممن لم يطعمه فلاته ذائق ومن لم يطعمه غير ذائق إن كان ممن شرب فمت شرب كارع والمغترف غيره لكن معناه أنه ليس مني فلا يكون الاغتراف رخصة وعلى الثاني المغترف مني فهو رخصة وهو الصحيح وفيه نظر، وأمّا على ما في الكشف فمنقطع إن فسر الشرب بالكرع والا فمتصل وقوله: الأصل أي حقيقته لغة، والمراد بالوسط آلة الشرب كالإناء واليد. قوله:) وتعميم الآوّل الخ) يعني أنّ الشرب هنا فسر بالكرع لأنه الحقيقة ولا داعي للعدول عنها وإنما لم يفسر به سابقاً ليكون الاستثناء في قوله إلا من اغترف متصلاً
لأنه الأصل في الاستثناء، وقوله: أو أفرطوا في الشرب إلا قليلا منهم إشارة إلى توجيه الاستثناء على وجه يكون المغترف داخلاً في القليل على تقدير جعل الثاني كالأوّل مصروفاً عن الحقيقة ومحمولاً على شرب الماء المطلق بالكرع أو بالاغتراف والتوجيه بحمل الشرب على الإفراط ولا مزية له على التوجيه الأوّل لأنه أيضاً خالف الأوّل في حمله على الإفراط مع أنّ الأوّل محمول على أصل الشرب ليتصل الاستثناء. قوله: (وترئ بالرفع حملاَ على المعنى الخ) في الكشاف وقرأ أبيّ والأعمش إلا قليل بالرفع وهذا من ميلهم مع المعنى والإعراض! عن اللفظ جانبا وهو باب جليل من علم العربية فلما كان معنى فشربوا منه في معنى فلم يطيعوه حمل عليه كأنه قيل: فلم يطيعوه إلا قليل منهم ونحو. قول الفرزدق:
وعض زمان يا ابن مرو إن لم يدع من المال إلا مسحت أو مجلف
كأنه قال: لم يبق من المال إلا مسحت أو مجلف قال النحرير رحمه الله يعني أنّ الواجب النصب لكونه استثناء من كلام موجب ذكر المستثنى منه كما في قول الفرزدق:
إليك أمير المؤمنين رمت بنا شعوب النوى والهوجل المتعسف
وعض زمان البيت حيث رفع مسحت مع كونه استثناء مفرغا في موقع المفعول به ميلاً
إلى أنه من جهة المعنى في موقع الفاعل لأنّ معنى لم يدع لم يترك كمعنى لم يبق إذ ليس ههنا فعل من الزمان وإنما الإسناد إليه مجاز والحقيقة أنه لم يبق فيه من المال إلا مسحت أي مستأصل من الإسحات وهي لغة نجد(2/329)
والسحت لغة الحجاز والمجلف الذي بقيت منه بقية، وقد يقال: المجلف هو الذي ذهب ماله، والمعنى تطعنا إليك طرق الجبال من بعد ومهامه متعسفة لا علم بها وإصابة سنة وقحط ذهبت بالأموال والأحوال وقد روي البيت في سورة طه إلا مسحتا أو مجلف بنصب الأوّل ورفع الثاني وهو الرواية في كثير من الكتب كالصحاج وغيره ولا ميل فيه مع المعنى بلى التقدير إلا مسحتا أو شيئاً هو مجلف فحذف الموصوف وصدر جملة الصفة، ثم قال: وقوله ميلهم مع المعنى أي مالوا معه حيث مال ومقتضى الظاهر إلى المعنى لكن الشائع هذا. (أقول) : الرواية في البيت كما في كتاب الحلل لابن السبط وعظ بالظاء المشالة ومسحتا روي بالرفع والنصب أيضا وكلاهما من الميل مع المعنى أمّا رفعهما ففيهما معا وعلى نصب الأوّل فرفع الثاني على توهم رفع الأوّل وأمّا ما ذكره من التقدير فتكلف
وكذا عطفه على الضمير المستتر فيه مسحتا والميل مع المعنى ليس بمعنى إلى المعنى بل بتضمينه دائرا مع المعنى وهو يفيد انفكاكه عنه وقد اعترض أبو حيان رحمه الله تعالى على هذا التوجيه بأنهم غفلوا عن جواز الاتباع بعد الموجب وقد تقرّر في النحو أنه يجوز في الموجب وجهان النصب وهو الأصح والاتباع كقوله:
وكل أخ مفارقه أخوه لعمرأبيك إلا الفرقدان
واختلفوا في إعرابه إذا اتبع فقيل: نعت لما قبله وقيل: عطف بيان والإداوة بكسر الهمزة والدال المهملة ما يحمل فيه الماء وهو معروف وفي نسخة وروايته، وقوله: وهكذا الدنيا لقاصد، قال الراغب: فيه إيماء ومثال للدنيا وا! من تناول قدر ما يبلغ به اكتفى واستغنى وسلم منها ونجا ومن تناول منها فوق ذلك ازداد عطشا، وقوله: روي الخ أخرجه ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما. قوله: (أي قال الخلص منهم الذين تيقنوا الخ) إشارة إلى أن يظنون ليس على ظاهره بل بمعنى يعلمون والذين آمنوا من وضع الظاهر موضع ضمير القليل وضمير قالوا لهم باعتبار البعض والذين يظنون هم البعض الآخر الذين هم أشد يقينا وأخلص اعتقادا وبصيرة فإن المؤمنين وان تساووا في أصل اليقين والاعتقاد يتفاوتون فيه ولا يلزم منه خلل في إيمانهم وجاز أن يكون ضمير قالوا للكثيرة الذين انخزلوا أي انقطعوا عنه وشربوا منه، والذين يظنون من وضع الظاهر موضع الضمير إشارة إلى الذين آمنوا واليقين عند أهل اللغة كما قال الراغب: هو المعرفة الحاصلة عن إمارة قوية تدل عليه فلا يرد على المصنف أنّ شهادتهم مظنونة كما قيل: والتخذيل من الخذلان وعدم الإعانة وتفسير الأذن بما ذكر لما مر، وقوله: وكم تحتمل الخبر الخ الظاهر الأوّل مع أنّ من لا تدخل بعدكم الاستفهامية كما مر عن الرضي وغيره وهي زائدة في التمييز وأتا جعلها بيانية فيقتضي حذف المميز بلا داع له مع تكلفه معنى، والفئة إن كانت من فأوت لأنها قطعة من الناس فوزنه فعة وان كان من فاء لأنه يرجع إليهم فوزنها فلة والمحذوف العين. قوله: (وفيه ترتيب الخ) فيه معنى بديع واستعارة لطيفة ونكتة
بليغة لأنه جعل الصبر بمنزلة الماء المنصب عليهم لثلج صدورهم واغنائهم عن الماء الذي منعوا منه ومصاب الماء مزالقه فرشحه بقوله: وثبت أقدامنا، فإن قلت على ما ذكره المصنف كان مقتضى المقام الفاء قلت: الواو هنا أبلغ لأنه عوّل في الترتيب على الذهن الذي هو أعدل شاهد كما ذكره السكاكي والفاء في فهزموهم فصيحة أي استجاب الله دعاءهم فهزموهم والباء على الوجه الأوّل سببية على الثاني للمصاحبة وفسر الأذن بالنصر لأنه إذا أراد انهزام أعدائهم فقد نصرهم فلا يقال الأذن مع الله بمعنى الإرادة كما مر فالظاهر تفسيره به، وايشى بكسر الهمزة وياء ساكنة وألف مقصورة ويكون بياء لفظ عبراني وهو اسم والد داود عليه الصلاة والسلام كما قاله ابن جرير، ورعى الغنم وقع للأنبياء عليهم الصلاة والسلام إشارة إلى أنهم رعاة للناس وتمهيداً لكونهم متبوعين والمخلاة بكسر الميم معروفة وأصلها ما يوضع فيه ا! خلى وهو الحشيش الذي تأكله البهائم ثم توسع فيه لما يوضع فيه العلف مطلقا، وقوله: ثم زوّجه طالوت بنته في الكشاف زوّج طالوت داود عليه الصلاة والسلام بتت جالوت والسرد عمل الدروع كما سيأتي. قوله:) ولولا أنه سبحانه وتعالى يدفع الخ) أشار إلى أنّ فساد(2/330)
الأوض كناية عن فساد أهلها أو هو على ظاهره كما مر وتعريف الناس للجنس والبعض مبهم أو البعض
المدفوع الكفار والدافع المسلمون واللام للعهد قيل: إنه إشارة إلى قياس استثنائيّ مؤلف من وضع نقيض المقدم منتج لنقيض التالي، خلا أنه قد وضع موضعه ما يستتبعه ويستوجبه أعني كونه تعالى ذا فضل على العالمين إيذانا بأنه تعالى متفضل في ذلك الدفع من غير أن يجب عليه ذلك وأنّ فضلة تعالى غير منحصر فيه بل هو فرد من أفراد فضله العظيم، كأنه قيل: ولكنه تعالى يدفع فساد بعضهم ببعض فلا تفسد الأرض! وتنتظم به مصالح العالم وينصلح أحوال الأمم إليهم واعترض بأنه مخالف لقول المنطقيين أن المتصلة ينتج استثناء عين مقدمها عين تاليها لاستلزام وجود الملزوم وجود اللازم واستثناء نقيض تاليها نقيض المقدم لاستلزم عدم اللازم عدم الملزوم ولا ينعكس ولا استثناء نقيض المقدم نقيض التالي لجواز أن يكون اللازم أعم فلا يلزم من وجود اللازم وجود الملزوم ولا من عدم اللازم عدم الملزوم، وفيه تأمّل وقوله إشارة الخ آثره لقربه وقيل: إنه إشارة إلى ما مر من أوّل السورة إلى هنا وعلى الوجه الأوّل تعريف الرسل للعهد وعلى الثاني للاستغراق وإنما قال الجماعة لتأنيث تلك. قوله: (بأن خصصناه بمنقبة الخ (إشارة إلى أنه بمحض فضل الله لا كما يقول الحكماء، وقوله: تفصيل له أي للمذكور من الرسل المفضلين ومن كلم تعريفه إمّا للعهد والمراد موسى عليه الصلاة والسلام لشهرته بذلك أو كل من كلمه الله بلا واسطة وهم آدم عليه الصلاة والسلام كما ثبت في الأحاديث الصحيحة وموسىء! حب ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم، والخيرة بكسر ففتح بمعنى الاختيار سميت بذلك لما في الآية وبينهما بون بعيد أي فرق بعيد لما فيه من القرب اك م وذلك وموسى عليه الصلاة والسلام على الطور وكليم بمعنى مكالم وفعيل بمعنى مفاعل كثير في العربية كنديم بمعنى منادم ورضيع بمعنى مراضع وجليس بمعنى مجالس وغيره. قوله: (ف! نه خص! بالدعوة العامة) كما صرح به في حديث البخارفي ولا يرد أنّ نوحاً عليه الصلاة والسلام كان مبعوثا إلى
أهل الأرض بعد الطوفان لأنه لم يبق إلا من معه لأنّ عمومه لم يكن في المبعث وإنما كان بعده لانحصار الموجودين فيهم واستدل بعضهم على عموم بعثته بأنه دعا على جميع أهل الأرض! فأغرقوا وقيل: عموم البعثة استغراقها للأزمنة بحيث لا تنسخ وقيل: إنّ المخصوص عموم الثقلين، وقوله: والإبهام الخ يعني المراد ببعضهم هنا النبيّ صلى الله عليه وسلم والإضافة للعهد ولم يصرح به تعظيما له كما أنّ التنكير يفيد ذلك فاللفظ الموضوع له بالطريق الأولى لا دعاء أنه لا حاجة إلى التصريح لتعيينه والعلم بفتحتين الراية أو الجبل، وهو مثل في الشهرة، وقوله: خصصه بالخلة التي الخ كونها أعلى المراتب قيل: إنه بالنسبة لغير المحبة والا فهي أعلى منها كما في الشفاء ولذا قيل: لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم حبيب الله، وإذا فسر بادرشى عليه الصلاة والسلام فالرفعة حقيقية والآيات المتعاقبة بتعاقب الدهر كالقرآن المتلوّ والإخبار بالمغيبات وقيل: هي كرامات الأولياء لأنها معجزات له صلى الله عليه وسلم. قوله: (خصه بالتعيين الخ (في تحقيره وتعظيمه لف ونشر والمراد بالبينات المعجزات المثبتة لنبوّته غتبرو وذكرها في مقام التفضيل يقتضي أنها سبب له وليس في كلامه ما يدل على تفضيله على جميع من عداه فقوله: لم يستجمعها غيره لا ضير فيه لأنه قد يكون في المفضول ما ليس في الفاضل وذلك كإبراء الأكمه والأبرص فلا يرد عليه شيء ثم اعلم أنّ تفضيل نبينا صلى الله عليه وسلم على كل واحد من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لا خلاف فيه وكذا على مجموعهم، وفي الانتصاف نقل عن بعض أهل العصر تفضيله على كل واحد واحد وأمّا التفضيل على الكل بصفة الجمعية فيتوقف فيه حتى يقوم الدليل وأنكره وقال الظاهر إدب افتراء عليه (أقول) المنقول عنه هو ابن عبد السلام رحمه الله ورده الطوفي في تفسيره، وقال قوله: فبهداهم اقتده يدل على تفضيله على الجميع أيضاً لأنه أمر بالاقتداء بهم صلوات الله وسلامه عليهم ولا شك في امتثاله صلى الله عليه وسلم أمر الله فإذا فعل جميع أفعالهم مع ماله عليهم من الزيادة كان أفضل من جميعهم وهو كلام حسن. قوله: (ولو شاء الله(2/331)
أي هدى الناس جميعاً الخ) أورد الخ عليه أن المذكور في المعاني أنّ مفعولط المشيئة المقدر ما يفيده الجزاء كما في ولو شاء لهداكم أي لو شاء هدايتكم فالظاهر لو شاء عدم الاقتتال وأجيب بأنه لم يرتضه لأنّ العدم لا يحتاج إلى مشيئة وارادة بل يكفي فيه عدم تعلق الإرادة بالوجود وقد مر الكلام فيه. قوله: (كرره للتثيد الخ) في الانتصاف التأكيد بذكر بعض خص منه وهو أنّ العرب متى بنت أوّل
كلامها على مقصد ثم اعترضها مقصد آخر وأرادت الرجوع إلى الأوّل طردت ذكره إمّا بتلك العبارة أو بقريب منها وهو عندهم مهيع من الفصاحة مسلوك وطريق مفيد وكان جدي الوزير أحمد بن فارس يعدّ في كتاب الله تعالى مواضع منه فصلها ودلالة الآية على التفضيل ظاهرة وأما اشتراط الدليل القاطع فدلالة الآية عليه، وكونه كذلك ليس بمسلم كما نقله بعض أرباب الحواشي وأما كون الحوادث جميعها بيد الله فيدل عليه عموم ما يريد، وقوله: ما أوجبت الخ يعني أن الأمر للوجوب فالمراد به الزكاة والدال على كونه للوجوب الوعيد الواقع على تركه. قوله: (من قبل أن يأتي يوم لا تقدرون على تدارك الخ) يريد أن قوله تعالى لا بغ الخ عبارة عن عدم القدرة بوجه من الوجوه لأنّ من ذمته حق إما أن يأخذ بالبيع ما يؤديه به أو يعيته أصدقاؤه أو يلتجئ إلى من يشفع له في حطه، وقوله: وإنما رفعت الخ يعني أن المقام يقتضي التعميم والمناسب له الفتح لكنه لما كان جوابا لهل فيه بيع والبيع فيه مرفوع ناسب رفعه في الجواب وأمّا قراءة الفتح فعلى الأصل في ذكر ما هو نص في العموم ومقتضى الظاهر وفيه نظر لأنه جملة وقعت بعد نكرة فهي صفة غير مقطوعة وكذا أعربوه ولا يقدر بين الصفة والموصوف إذا لم تقطع سؤال فلا أدري ما الباعث له عليه. قوله: (يريدوا لتاركون للزكاة) يعني عبر عن تارك الزكاة بالكافر تغليظا حيث شبه فعله الذي هو ترك الزكاة بالكفر أو جعل مشارفة على الكفر أو عبر بالملزوم عن اللازم فإن ترك الزكاة لازم للكفر فذكر الكفر وأريد ترك الزكاة فهو إما استعارة تبعية أو مجاز مشارفة أو مجاز مرسل أو كناية كما وضع من كفر موضعمن لم يحج. قوله: (مبتدأ وخبر الخ) يعني الجلالة مبتدأ والجملة بعده خبر وأما خبر لا فمحذوف اختلف
في تقديره كما ذكره المصنف رحمه الله قال الإمام رحمه الله تقديره في الوجود لا يدل على نفي إمكان الألوهية لغير الله وتقديره يصح أن يوجد لا يدل على وجوده تعالى، وأجيب بأن التوحيد نفي الشركة في الوجود فلا بأس في عدم الدلالة على نفي إمكان ألوهية الغير لأنه ليس بمقصود ههنا وأيضا التوحيد إنما يعتبر بعد الوجود فتأمّل. وذهب الزمخشرفي إلى أنه لا تقدير فيه وأن هو مبتدأ واله خبر كما في قوله إنما الله إله واحد فقدم وأخر لضرورة لا وإلا وله في ذلك رسالة وما قاله مقتضى المعنى ولو لم يبن إله مع لا لكان له وجه. قوله: إ الحي الذي يصح! أن يعلم ويقدر (يعني ليس معنى الحياة في حقه تعالى ما يقوله الطبيعي من قوة الحس ولا قوة التغذية ولا القوة التابعة للاعتدال النوعي التي تفيض عنها سائر القوى الحيوانية ولا ما يقوله الحكماء وأبو الحسين البصري من أنّ معنى حياته كونه يصح أن يعلم ويقدر بل هي صفة حقيقية قائمة بالذات كالأعراض! والكيفيات تقتضي صحة العلم والقدرة والإرادة إذ لا تصح بدونها، وقوله: وكل ما يصح الخ يعني أن ما يصح أن يكون لله فهو واجب لهذه المقدمة المسلمة وهو أنه تعالى لا يتصف بصفة تكون بالقوّة لا بالفعل ولا بما هو ممكن لأنّ ما هو كذلك يقبل الزوال فهو حادث والحوادث لا تقوم بذاته تعالى وفيه إشارة إلى دفع سؤال الإمام السابق وسؤال أن صحة العلم والقدرة لا تقتضي اتصافه بما ذكر من الصفات الكممالية بالفعل وفسر في الكشاف الحيّ بالباقي الذي لا سبيل للفناء عليه، فقال النحرير: إنه المعش اللغوي وما ذكره هنا اصطلاح المتكلمين فاتجه عليه أنه كيف يفسر القرآن باصطلاحهم و! له لا يسلم أنه اصطلاح ويدعي أنه لغوي ولا مانع منه. قوله: (الدائم القيام الخ) قيوم صيغة! الغة للقيام وأصله قيووم على فيعول وهي من صيغ المبالغة فاجتمعت الواو والياء والسابق ساكن فقلبت الواو ياء وأدغمت ولا يجوز أن يكون فعولاً وإلا لكان توّوما لأنه واوي، ويجوز فيه قيام وقيم وفسره المصنف بما ذكره(2/332)
تبعاً للزمخشريّ، وقيل: هو القائم بذاته ووجه المبالغة عليهما زيادة الكم والكيف، قال الراغب: يقال قام كذا أي دام وقام بكذا أي حفظه والقيوم القائم الحافظ لكل شيء والمعطي له ما به قوامه وذلك هو المدى المذكور في قوله تعالى: {أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} [سورة طه، الآية: 50] ووله: {أَفَمَنْ هُوَ قَآئِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ} [سورة الرعد، الآية: 33] والظاهر منه أنّ القيام بمعنى الدوام ثم يصير بسبب التعدية بمعتى الإدامة وهو الحفظ فأورد عليه أنّ المبالغة ليست من أسباب التعدية فإذا عرى القيوم عن أداة التعدية لم يكن إلا بالمعنى اللازء فلا يصح تفسيره بالحافظ ثم إن المبالغة في الحفظ كيف تفيد إعطاء ما به القوام ولعله من حيث إن الاستقلال بالحفظ إنما يتحقق بذلك لأنّ الحفظ فرع التقؤم فلو كان ا! وّم بغيره لم يكن مستقلا بالحفظ وعلى هذا لا يرد ما يورد على تفسير الطهور بالطاهر بنفسه
لمطهر لغيره من أن الطهارة لازم والمبالغة في اللازم لا توجب التعدي وذلك لأنّ البالغة في اللازم ربما تتضمن معنى آخر متعديا بل المعنى اللازم قد يتضمن بنفسه ذلك كالقيام المتضمن لتحريك الأعضاء، نعم يرد على من فسره بالقائم بذاته المقوّم لغيره ولا يتأتى هنا ما أجاب به في الكشف عن الطهور من أنه لما لم تكن الطهارة في نفسها قابلة للزيادة رجع المبالغة فيها إلى انضمام معنى التطهير إليها لأنّ اللازم صار متعديا وذلك لأنه قابل للزيادة كما مرّ على أنه قيل: إنّ انضمام معنى التطهير لما كان مستفادا من المبالغة بمعونة عدم قبول الزيادة كانت المبالغة سبباً للتعدي، ورد بأنّ المعنى اللازم باق بحاله والمبالغة أوجبت انضمام معنى التعدي إليه لا تعدية ذلك اللازم وبينهما فرق ثم إنّ القوام المذكور في إعطاء ما به القوام فسروه بمعنى الوجود إذ جعله بمعنى آخر غير مناسب، فقد ظهر له معنى ثالث وأورد على تفسيره بالقائم بذاته أنه يكون معنى قيوم السموات والأرض الوارد في الأدعية المأثورة واجب السموات والأرض وهو ركيك، فالظاهر غيره من المعاني ولما زادوا في تفسيره القائم بذاته المقوم لغيره فسروا القيام بالذات بوجوب الوجود المستلزم لاجتماع جميع الكمالات والتنزع عن سائر وجوه النقص والتقويم للغير يتضمن جميع الصفات الفعلية فمن ثمة قيل: إنه الاسم الأعظم. قوله: (قال ابن الرقاع) هو عديّ بن رقاع بوزن كتاب العاملي من قصيدة وقبله:
وكأنها بين النساء أعارها عينيه أحور من جاذر جاسم
وسنان اقصده النعاس فرنقت في عينه سنة وليس بنائم
فقوله: ليس بنائم يدلّ على أنّ السنة ما يتقدم النوم، وأقصد بمعنى رمى سهما قتل من أصابه ورنق بمعنى خا اط من رنق الطائر صف جناحيه ليريد الوقوع، وجاسم قرية من قرى الشأم، وقال الفضل: السنة في الرأس والنعاس في العين والنوم في القلب، وقوله: رأسا فيه لطف. قوله: (وتقديم السنة عليه وقياس المبالنة عكسه الخ) يعني أنه راعى في الترتيب الوجودي فلتقدمها على النوم في الخارج قدمت عليه في اللفظ والقياس يقتضي التأخير لأنّ المعروف في الإثبات تقديم الأقل وفي النفي عكسه وقيل: إنه على طريق التتميم وهو أبلغ لما فيه من التأكيد إذ نفي السنة يقتضي نوم النوم ضمنا فإذا نفى ثانيا كان أبلغ ورد بأنه إنما هو على سبيل أسلوب الإحاطة والإحصاء وهو يتعين فيه مراعاة الترتيب الوجودي والابتداء من الأخف فالأخف كما في قوله تعالى: {لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا} [سورة الكهف، الآية: 49] وهذا كله مما لا حاجة إليه لما قال الإمام السبكي الأخذ هنا بمعنى القهر والغلبة كما ذكره الراغب وغيره من أئمة اللغة كقوله تعالى: {أَخْذَ عَزِيزٍ مُّقْتَدِرٍ} ! سورة القمر، الآية: 42] فالمعنى
لا تغلبه السنة ولا النوم الذي هو أكثر غلبة فالترتيب على مقتضى الظاهر ولو كان المعنى لا تعرض له سنة ولا نوم كان كما ذكروه وهو دقيق أنيق. قوله: (والجملة نفي للتشبيه) يعني أنها لتنزيه الله تعالى أن يكون له مثل من الإحياء لأنها لا تخلو من هذا فكيف تشابهه وكونه تأكيدا للقيوم ظاهر لأنه الحافظ القوي ومن يعتريه النوم والفضلة لا يكون كامل الحفظ وكذا للحيّ لأنّ النوم آفة تنافي دوام الحياة وبقاءه وصفاته تعالى قديمة لا زوال لها فلا يرد عليه أنّ الظاهر الاقتصار جلى أنه تأكيد للقيوم كما في الكشاف، وقوله: ولذلك ترك العاطف الخ أي لكونه تأكيدا وكذا ما بعده أيضا(2/333)
فافهم، واعلم أنه لما حصر الألوهية أشار بالحياة إلى أنّ الأصنام لا تصلح لذلك وبالقيوم إلى أن الملائكة لا تصلح له وبهذه الجملة إلى أنّ عيسى عليه الصلاة والسلام وغيره من البشر كذلك ثم ذكر بعده إثبات ما ذكر.
قوله: (تقرير لقيوميته الخ) وجه التقرير أنّ المالك يقوم على ما يملكه ويحفظه والقائم الحافظ إنما يحفظ ما هو ملكه بحسب الظاهر ووجه الاحتجاج على تفرّده أنّ ما سواه مملوك له فكيف يكون شريكا له. قوله: (والمراد بما فيهما إلى قوله فهو أبلغ من قوله) قيل: ليس ما ذكره آية وسياقه يشعر به فالظاهر أن يقول أبلغ من قولنا، ووجه الأبلغية أنه يلزم أنّ السموات والأرض له بطريق برهانيّ لكن إرادة الجزئية والظرفية بقوله فيهما جمع بين الحقيقة والمجاز وفيه دليل على أنّ ما سواه تعالى ملك له وإلا كان البيان قاصرا. قوله: (بيان لكبرياء شأنه الخ) الكبرياء مأخوذ مما قبله من سمات الجلال وعدم المساواة والمداناة أي المقاربة مأخوذ من إنكار وجود الشفعاء بلا إذن، والاستكانة بمعنى التضرع والمظ صبة إظهار الخلاف والعداوة. قوله: (ما قبلهم ومما بعدهم الخ) فسر ما بين أيديهم بما كان قبلهم وهو الماضي وما خلفهم بما سيأتي بعدهم وهو المستقبل لأنه يقال: لما تقدم بين اليدين لأنّ ما بينهما لا بذ أن يكون متقدماً
وما سيكون يقال إنه خلفه أي بعده ومغيب عنه ومستور أو على العكس وبينه بأنك تستقبل ما سيأتيك وتستدبر ما مضى وهو ظاهر وإطلاق ما بين أيديهم على أمور الدنيا لأنها حاضرة والحاضر يعبر عنه بذلك وأمور الآخرة مستورة كما يستتر عنك ما خلفك وأما العكس فلأن أمور الآخرة مستقبلة وتلك ماضية، وبقية الوجوه ظاهرة وكذا ما يأخذونه وما يتركونه وإذا رجع الضمير لما فهو تغليب أو للعقلاء في ضمنه فلا تغليب والعلم بما قبلهم وما بعدهم كناية عن علمه بجميع الأشياء هم وما قبلهم وما بعده واعتبره فيما بعده. قوله: (من معلوماته الخ) إشارة إلى أنّ هذا مغاير لما قبله ومجموعهما دال على تفزده العلم لأن الأولى تفيد أنه يعلم كل شيء والثانية أنه لا يعلمه كيره ومن كان هكذا فهو الإله لا غيره إذ الإله لا بد من اتصافه بصفات الكمال التي من أصولها العلم. قوله: (تصوير لعظمته وتمثيل الخ) إشارة إلى أنه استعارة تمثيلية والتخييل نوع من التمثيل إلا أنه تمثيل خاص بكون المشبه به فيه أمراً مفروضا وما يقال: إنّ التمثيل تشبيه قصة بقصة والتخيل تصوير حقيقة الشيء ليس بشيء ثم إن كان الممثل بجميع أجزائه مفروضا كما نحن فيه وكقولهم لو قيل: للشحم أين تذهب لقال أسوى العوج فهو التمثيل التخييلي وإلا فهو الاستعارة التخييلية التابعة للاستعارة بالكناية واسم التخييل يقع عليهما وسيأتي الكلام على هذا تفصيلا والحاصل أنه استعارة تمثيلية كما في جعل الأرض في قبضته لا كناية إيمائية كما قاله الطيبي رحمه الله، وقوله وقيل: الخ فالكرسي بمعنى العلم مجازاً فهو تسمية له بمكانه لأنّ الكرسي مكان العالم الذي فيه العلم فيكون مكانا للعلم بتبعيته لأنّ العرض يتبع المحل في التحيز حتى ذهبوا إلى أنه معنى قيام العرض! بالمحل. قوله: (وقيل: جسم الخ) هذا هو الذي يدلّ عليه ظاهر الآثار وقوله: ولذلك الخ أي لكونه بمنزلة كرسي يوضع مقابل عرس الملك وعن الحسن رحمه الله أنه نفس العرس وتلك البروج معروفة في الهيئة، والكرسي
قيل: إنه اسم وضع هكذا وليس بمنسوب، وقيل: إنه منسوب إلى الكرس وهو التلبد ومنه الكراسة للمتكرس من الأوراق والمتكرس الراكب والأولى حمله على ظاهره، وأمّا إيهامه الجسمية فليس بشيء ويؤده بثقله من الأود وهو العوج لأن الثقيل يميل له ما تحته وخص الحفظ بهما دون العرس لأن الحفظ لهما هو المشاهد المحسوس. قوله: (وهذه الآية مشتملة على أمهات المسائل الخ (التنزه عن التحيز يؤخذ من القيوم أيضا لأنه لو تحيز احتاج إلى الحيز فلم يكن قائما بنفسه وعدم التغير من قوله لا تأخذه الخ وكذا قوله: لا يناسب الأشباج وما يعتري الأزواج الحدوث وهو مأخوذ من القيوم أيضا، وقوله: الذي لا يشفع تفسير لما قبله وسعة الملك الخ من وسع كرسيه السموات والأرض وفي قوله: عما يدركه ولا يحيط به مكنية وتخييلية وآية الكرسي ورد أنها سيدة آي القرآن وما ذكره المصنف رحمه الله في فضائلها كله مروي في كتب الحديث إلا قوله: من قرأها بعث(2/334)
الله ملكا الخ فإن أرباب التخريج قالوا: لا أصل له وقوله: من مضجعه في نسخة مضجعه بدون من وكذا في الكشاف وقوله: " لم يمنعه من دخول الجنة إلا الموت " قال النحرير: إنه بمعنى لم يبق من شرائط دخوله الجنة إلا الموت فكان الموت يمنع ويقول: لا بذ من حضوري أولاً ثم تدخل الجنة ويحتمل أنه من قبيل ولا عيب فيهم غير أنّ سيوفهم.
تنبيه: قوله " إنّ أعظم آية الخ " هذا الحديث ذكره النوويّ في شرح مسلم وقال القاضحي
عياض: إنه حجة لمن قال إنّ بعض القرآن قد يفضل على غيره وفيه خلاف فمنعه بعضهم كالأشعري والباقلانيّ وغيرهما لاقتضائه نقض المفضول وكلام الله لا نقض فيه فأعظم بمعنى عظيم وأفضل بمعنى فاضل، وأجازه إسحق بن راهوبه وكثير من العلماء والمتكلمين وهو يرجع إلى عظم أجر قارئه والمختار جوازه فيقال: هذه السورة أو الآية أعظم وأفضل أي أكثر ثوابا وإنما كانت هذه الآية أعظم لجمعها أصول أسماء الصفات من الألوهية والوحدانية والحياة والعلم والملك والقدرة والإرادة وهذه السبعة أصول الأسماء والصفات. قوله: (إذ الإكراه في الحقيقة الخ) يعني أنه خبر باعتبار الحقيقة ونفس الأمر وأما ما يظهر بخلافه فليس إكراها حقيقيا وان كان بمعنى النهي فهو ميسوخ أو مخصوص بأهل الكتاب الذين قبلوا الجزية وكانوا عنده عليه الصلاة والسلام كما يدل عليه سبب النزول المذكور فلا يرد عليه ما قيل: إنّ قوله جاهد الكفار عامّ لأهل الكتاب وليس كل كتابي ذميا لا في زماننا ولا في زمانه وأمّا ما روي هنا فالظاهر أنه قبل نزول آية السيف اللهمّ إلا أن يقال: المراد أهل العهد والذمّة فإنه يكتب غالباً والأنصارى من بني سالم بن عوف واسمه حصين وهو مرويّ عن ابن عباس رضي الله عنهما. قوله: (بالطاغوت) هو في الأصل مبالغة من الطغيان فقلب ووزنه فلعوت قال الجوهري: ويكون واحداً وجمعا وفي قوله الأصنام إشارة إليه، وقوله: وتصديق الرسل عليهم الصلاة والسلام لأنه داخل في الإيمان. قوله: (طلب الإمساك من نفسه) ولو جعلت زائدة للمبالغة في التمسك وأنه بمعنى تمسك لكان أولى والمصنف رحمه الله جعل العروة استعارة تصريحية فيكون استمسك ترشيحا لها وقيل: إنه استعارة أخرى تبعية والزمخشريّ جعله تمثيلاً على تشبيه التدين بالدين الحق والثبات على الهدى والإيمان بالتمسك بالعروة الوثقى من الخبل المحكم
المحمامون ا! اعه شم ذكر الصسثسبه به وأراد المشبه ويجوز كون العروة استعارة للعهد أو الكتاب كما مرّ في قوله: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللهِ} [سورة آل عمران، الآية: 103] وقوله إذا كسرته إشارة إلى أنّ في الانفصام تجوزا والا فالكسر مغاير للقطع وكونه تهديدأ على النفاق لعدم مطابقة القول الاعتقاد فيه وقيل: إنه إشارة إلى أنه لا بد في الإيمان من الاعتقاد والإقرار. قوله: (محبهم أو متولي أمورهم الخ) الولي يكون بمعنى الصديق والمتولي للأمور فهو إما بالمعنى الأوّل لكن حقيقته لا تصح في حقه تعالى فيراد من المحبة وارادة الخير أو بالمعنى الثاني وهو ظاهر، وقوله: من أرد إيمانه الخ لأنّ من آمن حقيقة فهو مخرج من الكفر فلا يتصوّر إخراجه، وكذا الذين كفروا محمول على العزم والتصميم فلا بد أن يحمل إيمانهم الذي خرجوا منه على الإيمان الفطري وكفرهم الذي هم عليه على الارتداد، والظلمات على هذا الكفر والنور والإيمان ثم ذكر وجها آخر وهو أن يكون آمنوا وكفروا على ظاهره بأن يراد بالظلمات الشبه وبالنور اليقين والبينات وهما استعارتان على الوجهين هذا ما ذكره الزمخشريّ، فالمصنف رحمه الله تعالى خلط بين الوجهين وبعد تفسيره بإرادته لا ينبغي أن تفسر الظلمات بالوساوس والبهات. قوله: (والجملة خبر بعد خبر) أي جملة يخرجهم خبر ثان والأوّل وليّ الذين آمنوا أو حال من الضمير في وليّ الصفة المشبهة الراجع إلى الله أو من الموصول المضاف إليه لأن المضاف هنا مشتق عامل وهو إحدى الصور الثلاث التي يجوز فيها الحال من المضاف إليه فتقديره مخرجين الخ أو منهما لأنّ تعدد ذي الحال يجوز إذا اتحد العامل وهنا كذلك لأنه وليّ وفي الجملة عائد إليهما وهو الضمير المستتر وهم وليس فيه استعمال المشترك في معنييه كما توهم وقوله وقيل: نزلت الخ قيل: الذي أخرجه ابن المنذر والطبرانيّ عن ابن عباس رضي الله عنهما أنها نزلت في قوم آمنوا بعيسى عليه الصلاة والسلام فلما بعث محمد ىشيرو كفروا به، وقوله: من النور(2/335)
الذي منحوه الخ تقدم بيانه وعلى حمله على الارتداد لا يحتاج إلى تأويل وقوله: وإسناد الإخراج الخ ردّ على المعتزلة. قوله: (ولعل عدم الخ) وجه التعظيم الإشعار
بأنّ أمرهم غير محتاج إلى البيان وأنّ شأنهم أعلى من مقابلة هؤلاء، وقيل: إن قوله وليئ الذين آمنوا دل على الوعد. قوله: (تعجيب من محاجة نمروذ الخ (هذه الآية بيان لتشديد المؤمنين إذ كان وليهم وخذلان غيرهم ولذا لم يعطف والاستفهام مجاز في التعجيب كما يكون في التعجب، ونمروذ بضم النون والذال المعجمة ووجه حماقته جوابه بما يكذبه العقل وهو ضد الأسلوب الحكيم وسماه الطيبي كغيره الأسلوب الأحمق وضمير ربه يصح عوده إلى إبراهيم والى الذي. قوله: (لأنّ آتاه الخ) أي أنه على حذف اللام وهو مطرد معها وليس مفعولاً لأجله لعدم إيجاد الفاعل والتعليل فيه على وجهين إمّا أن إيتاء الملك حمله على ذلك لأنه أورثه الكبر والبطر فنشأت المحاجة عنهما واليه أشار بقوله: أي أبطره الخ أو أنه من باب العكس في الكلام بمعنى أنه وضع المحاجة موضع الشكر إذا كان من حقه أن يشكر في مقابلة ذلك وهو باب بليغ ونظيره الآية والمثال المذكوران واليه أشار بقوله أو حاج لأجله الخ. قوله: (أو وقت أن آتاه الله الخ) أي أنه واقع موقع الظرف كما في ما المصدرية أو بتقدير مضاف وأورد عليه أنّ المحاجة لم تقع وقت إيتاء الملك بمعنى وقت وجوده بأن يعتبر الوقت ممتداً وبأن ما ذكره غير متفق عليه فإنه ذهب إلى جوازه ابن جني والصفار في شرح الكتاب، وقال في قول سيبويه رحمه الله: إن معنى والله لا أفعل إلا أن تفعل معناه حتى أن تفعل أو يحمل على أنه تفسير معنى لا صناعة لأنه بتقدير إلا وقت أن تفعل. قوله:) وهو حجة الخ) ردّ على الزمخشريّ حيث أوّله بأن المعنى آتاه مالاً وأتباعا تغلب بها على الملك بناء على قاعدة الأصلح وخلق الأعمال ومنهم من جعل ضمير آتاه لإبراهيم عليه الصلاة والسلام لأنه تعالى قال: {لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} وقال: {فَقَدْ آتَيْنَآ آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا} وهو من بدع التفاسير مع أنّ السؤال يتوجه على إيتاء الأسباب ولو سلم فما من قبيح إلا ويمكن أن يعتبر فيه غرض صحيح كالامتحان وبعض المعتزلة قد جوّزه لذلك فهم فيه فرقتان. قوله:) ظرف لحاج الخ) وجملة قال: أنا الخ بيان لقوله حاج وليس استئنافا جواب سؤال لأنّ جعله بمنزلة المرئي يأباه فلا يرد ما قيل: إنه يشكل موقع قال: {أَنَا أُحْيِي} الخ، إلا أن يجعل استئنافاً جواب سؤال وقوله: أو بدل الخ لم يجعل ظرفا له لئلا يعمل فعل واحد في ظرفي زمان لكنه يصح بأن يقيد بالثاني بعد تقيده بالأوّل وتخصيصه البدلية لأنّ الظرف مغاير للمصدر إن لم يقدر الوقت وقد منع هذا بأنه يصح البدلية فيه على أنه بدل اشتمال لأنّ الوقت مشتمل على الإيتاء
فتأمّل وقوله: يخلق الحياة والموت مرّ ما فيه وقوله: رب بحذف الياء أي اكتفاء بالكسرة. قوله: (بالعفو عن القتل الخ الما كان العفو عن القتل ليس بإحياء له، وكونه كذلك غنيّ عن البيان أعرض! إبراهيم عن إبطاله وأتى بدليل آخر هو أظهر من الشمس فلا يرد على من جعلهما دليلين أنّ الانتقال من دليل قبل إتمامه ودفع معارضة الخصم إلى دليل آخر غير لائق بالجدل حتى يحتاج إلى أن يقال إنه ليس بدليل بل مثال والانتقال من مثال إلى آخر لزيادة الإيضاح فلا ضير فيه كما أشار إليه المصنف، والتمويه التلبيس والمشاغبة بالغين المخاصمة والحامل له إذا كان غرور الملك فهو لا يذعي الإلهية وعلى الثاني فهو يدعيها بطريق الحلول وهذا قبل حبسه، وعلى القول الآخر بعد. وبهت قرئ مجهولاً ومعلوما والبهت أن لا يقدر على التكلم تحيرا وفسر الظالمين بما ذكر لأنّ غيرهم قد يهديه 5 قوله: (أو أرأيت مثل الذي الخ) قال في الكشاف: معناه أو أرأيت مثل الذي مرّ فحذف لدلالة ألم تر عليه لأنّ كلتيهما كلمة تعجيب ويجوز أن يحمل على المعنى دون اللفظ كأنه قيل: أرأيت كالذي حاج إبراهيم أو كالذي مرّ وفي الانتصاف ومثل هذا النظم يحذف منه فعل الرؤية كثيراً كقوله:
قال لها كلابها أسرعي كاليوم فطلوباولاطالبا
وقيل: لما كان في دخول إلى على الكاف إشكال لأنها إن كانت حرفية فظاهر وإن كانت اسمية فلأنها(2/336)
مشبهة بالحرف في عدم التصزف لا يدخل عليها من الحروف إلا ما ثبت في كلامهم وهو عن وذلك على قلة أيضا عدل إلى التأويل فجعله من عطف الجملة على الجملة تارة وقدر أرأيت لأنّ ألم تر مستعمل بإلى في الكتاب العزيز إذا تعدى إلى مفعول واحد بمعنى النظر وأخرى من العطف الملفوت فيه لفت المعنى نحو فأصدق وأكن واقحام الكاف لد مبالغة
نحو: {فَأْتُواْ بِسورة مِّن مِّثْلِهِ} [سورة البقرة، الآية: 23] هو الوجه لا لأنّ منكر الربوبية قليل ومنكر الإحياء أكثر والجاهل بكيفيته أكثر من أن يحصى اص. وهو رذ لما ذكره المصنف رحمه الله وسيأتي تقريره، وقيل: تقريره إن كلاً من لفظي ألم تر وأرأيت مستعمل لقصد التعجيب، إلا أنّ الأول تعلق بالمتعجب منه فيقال: ألم تر إلى الذي صنع كذا بمعنى انظر إليه فتعجب من حاله والثاني تمثيل المتعجب منه فيقال: أرأيت مثل الذي صنع كذا بمعنى أنه من الغرابة بحيث لا يرى له مثل ولا يصح ألم تر إلى مثله إذ يكون المعنى انظر إلى المثل وتعجب من الذي صنع فلذا لم يستقم عطف كالذي مز على الذي حاج واحتيج إلى التأويل في المعطوف بجعله متعلقأ بمحذوف أي أرأيت كالذي مرّ ليكون من عطف الجملة أو في المعطوف عليه نظراً إلى أنه في معنى أرأيت كالذي حاج فيصح العطف عليه، فظهر أنّ عدم الاستقامة ليس لمجرّد امتناع دخول كلمة إلى على الكاف كما مرّ حتى لو قلت ألم تر إلى الذي حاج أو مثل الذي مرّ فعدم الاستقامة بحاله عند من له معرفة بأساليب الكلام وأنّ هذا ليس من زيادة الكاف في شيء بل لا بذ في التعجيب بكلمة أرأيت من إثبات كاف أو ما في معناه فيقولون أرأيت كزيد أو مثل زيد وهو شائع في سائر اللغات اهـ. (أقول (هذا غريب منه فإن ألم تر يستعمل للتعجيب مع التشبيه نحو قول العرب لم أر كاليوم رجلأ كما ذكره سيبويه رحمه الله وقد يقدر كما مرّ وبدونه كما هنا وكقوله: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ} وكذا أرأيت يستعمل معه كما ذكروه وبدونه، كقوله: {أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ} ونظائره كثيرة وكيف يفرق بينهما بأنه تعلق في الأوّل بالمتعجب منه وفي الثاني بمثله والمثلية إنما جاءت من ذكر الكاف ولو ذكرت في الأول لكان مثله بلا فرق فهذا مصادرة على المطلوب وليس فيه زيادة على ما ذكره المدقق في الكشف وهو الحق لأنّ رأي البصرية تتعذى بنفسها وبإلى كما هنا فعطفه على المجرور إما ممتنع أو قبيح فلم يبق إلا عطفه على الجار والمجرور باعتبار المعنى لأن المقصود منهما التعجيب فهو في معنى أرأيت كالذي الخ أو على الجملة فيقدّر له متعلق وقدر أرأيت لأنّ استعماله مع الكاف أكثر وهذا التقدير وتع من الفراء وغيره من المتقذمين ووجهه ما ذكرنا وكونها غير زائدة أولى ودلالته على الكثرة بطريق الكناية لأن النادر لا مثل له فص صل ماله مثل عبارة عن الكثرة ولا عبرة بما قاله في الكشف. قوله:) وقيل: إنه من كلام إبراهيم عليه الصلاة والسلام الخ (وعلى هذا فيكون رجوعاً إلى إبطال جوابه بأن ما ذكرت ليس بإحياء لكنه ضعيف للفصل وكثرة التقدير، وقوله: وهو عزير ابتداء كلام ورجوع إلى تفسير الآية وليس من تتمة كلام إبراهيم عليه الصلاة والسلام لأن عزيراً من بني إسرائيل وخراب بيت انمقدس في زمانهم. قوله:) ويؤيده نظمه مع نمروذ (حيث سيق الكلام للتعجيب من حالهما وبأن كلمة الاستبعاد في هذا المقام تشعر
بالإنكار ظاهرأ، وإنما يكون لمجرد التعجيب إذا علم أنّ المتكلم جازم بالوقوع كما في أنى يكون لي غلام وأنى يكون له ولد ومجرد الاحتمال لا ينافي الظهور وما يقال: إنه قد انتظم مع إبراهيم عليه الصلاة والسلام أيضا في سلك فقيل: إنه ليس بمستقيم وإنما ذلك لمجرّد مقارنة في الذكر إذ لم يذكر على الوجه الذي ذكر عليه إبراهيم عليه الصلاة والسلام، وهو معنى الانتظام في السلك نعم لو قيل: الانتظام في سلك يدل على كونه مؤمناً ليكون الإتيان توضيحاً وتمثيلا وتفصيلاً لما سبق من الإخراج من الظلمات إلى النور وبالعكس لكان شيئا وقيل: عليه إنه لو كان كذلك لكان الظاهر العطف بالواو لا بأو والقرى كالضرب مصدر قرى بمعنى جمع لاجتماع الناس فيها، والعروش جمع عرس وهو السقف أي ساقطة على سقوفها بأن سقط السقف أوّلأ ثم تهدمت الجدران عليه. قوله:) اعترافاً بالقصور الخ) التفسير الأوّل والثاني ناظران إلى تفسير الذي مز وأنى اسم استفهام الظاهر فيه ترجيح(2/337)
أنه بمعنى كيف فهو حال من هذه قدم لصدارته لأنّ كونه بمعنى متى وان أثبته أبو البقاء خلاف الظاهر وعليه قهو ظرف والعامل على كل حال يحيي وإحياء القرية وإماتتها إما بمعنى عمرانها وخرابها أو أنه على حذ واسأل القرية. قوله: (فألبثه الخ (يعني أنّ مائة عام ظرف لأماته على المعنى لأنّ معناه ألبثه ميتا وليس ظرفا له على ظاهره لأنّ الإماتة إخراج الروج وهي تقع في أدنى زمان أو هو ظرف لفعل مقدّر أي فلبث مائة بدليل قوله كم لبثت قيل 0 ولا حاجة إلى هذا إذ معناه جعله ميتا وفيه نظر. قوله:) وساغ أن يكلمه الخ (هذا بناء على أن الله لا يجوز أن يكلم الكافر شفاها إما مطلقاً أو في دار التكليف وقد ردّه في الانتصاف بأنه لا أصل لأنّ الله تعالى يكلم إبليس وهو رأس الكفر ومعدنه، وقال للكفار: اخسؤوا فيها والممتنع إنما هو تكليمهم على نهج الكرامة والملاطفة وقيل: إنّ امتناعه مبنيّ على فاعدة الاعتزال ولا وجه له، وقوله: أو شارف الإيمان أي قاربه لأنه مقتضى النظم، وقوله: فلما تبين له الخ إذ الإيمان بعد ذلك ولذلك اعترض على الزمخشرفي في جزمه بالأوّل وهو غير وارد على المصنف رحمه الله وليس في الآية ما يدل على المشافهة فلذلك قال: أو ملك أو نبيئ فيكون الإسناد إلى الله مجازاً. قوله: (كقول الظانّ الخ (
يعني أنه لم يتيقن مقدار لبثه فشكك فيه فأو للشك وعلى الآخر للإضراب والغرض تقليل المدة فتأمل قوله: (لم يتغير بمرور الزمان الخ) جملة لم يتسته حالية والجملة المصدرة بلم تقع حالاً وتقترن بالواو وتجرد منها وكلاهما جائز خلافا لمن تردد فيه ويتسنه لازم أي يتغير وما قيل: إنه بمعنى لم يمرّ عليه السنون فهو بيان الأصل المعنى لا للمراد ليس بشيء لأنه غير صحيح هنا فهو من السنة وفي لامها اختلاف فقيل: هاء فهو مجزوم بسكون الهاء وقيل: واو وأصلها سنو فحذفت وعوّضت التاء عنها فهو مجزوم بحذف الآخر والهاء هاء سكت تثبت في الوقف وفي الوصل لإجرائه مجراه، وقيل: أصله لم يتسنن ومنه الحمأ المسنون يعني الطين المتغير ومتى اجتمع ثلاث حروف متجانسة يقلب أحدها حرف علة كما قالوا في تظننت تظنيت وفي تقضضت تقضيت، قال العجاح في أرجوزة له:
تقضي البازي إذ البازي انكدر
أي تقضض البازي وهو هويه وسقوطه ليأخذ شيئأ وانكدر بمعنى أسرع وقوله: كتقضي البازي إشارة إلى قول العجاج، وقوله: وإنما أفرد الضمير يعني ضمير يتسته المستتر راجع إلى الطعام والشراب ولم يثن لأنهما جنس واحد أي الغذاء فإن قلت: كيف يتفرع، وقوله: فانظر على لبث المائة بالفاء وهو يقتضي التغير قلت ليس المفرع عليه لبث المائة بل لبث المائة من غير تغير في جسمه حتى ظنه زمناً قليلا ففزع عليه ما هو أظهر منه وهو عدم تغير الطعام والشراب وبقاء الحيوان حيا من غير غذاء، وقيل: تقديره إن حصل لك عدم طمأنينة في أمر البعث فانظر إلى طعامك وشرابك السريع التغير حتى تعرف أن من لم يغيره يقدر البعث وفيه نظر، وقوله: والأوّل أدل على الحال وهي طول الزمان المقتضي لذلك وأوفق بما بعده من كونه آية ومن النظر إلى الظعام. قوله: (وفعلنا ذلك الخ (فيه وجوه منها أنه متعلق بمقدر كما
ذكره المصنف رحمه الله ومنهم من قدره متأخرا وقيل: إنه متعلق بما قبله والواو زائدة وعلى تقديره فهو معطوف على لبثت وقيل: على مقدّر والتقدير فعلنا ذلك لتعلم قدرتنا أو لتهتدي ولنجعلك آية الخ وقيل: إنه عطف على قال: ففيه التفات، وقولهم: هو ابن الله لجهلهم لما شاهدوا منه. قوله: (كيف نحييها الخ) هذا على قراءته بالمعجمة من النشوز وهو الارتفاع قليلاً قليلاً وقرأ أبي ننشيها وهو يؤيد تفسير ننشز بمعنى نحيي على طريق المجاز وقوله: والجملة حال كذا أعربوه وأورد عليه أنّ الجملة استفهامية وهي لا تقع حالاً وإنما الحال كيف وحدها ولذلك تبدل منه الحال فيقال: كيف ضربت زيداً أقائما أم قاعدا والظاهر أنّ الجملة بدل من العظام ولك أن تقول إن الاستفهام ليس على حقيقته فما المانع من وقوعها حالاً فتأمل. قوله:) فاعل تبين الخ) يعني أنه من التنازع الذي أعمل فيه الثاني على مذهب البصريين وعند الكوفيين يعمل الأوّل لكن ترك الضمير في أعلم ينفي كون الكلام على مذهبهم إذ المختار حينئذ إضمار المفعول وان جعل فاعل تبين ضمير ما أشكل لم يكن من التنازع وأما قراءة تبين مبنياً للمفعول فمن تبينت الشيء علمته وقراءة العاقة(2/338)
من تبين الأمر ظهر ووضح، وقراءة أعلم على الأمر خطاب لنفسه على طريق التجريد ولا يلزم أن يقول اعلمي كما مرّ تحقيقه وقوله: والآمر على لفظ اسم الفاعل والمخاطب بكسر الطاء هو الله أو النبيّ صلى الله عليه وسلم أو الملك ولا تجريد حينئذ، وقوله: أو هو أي الآمر ونفسه بالنصب مفعوله ويصح رفعه على أنه تاكيد له فهو تجريد، وقوله: فحذف الأوّل أي لم يلفظ به بل أتى بضميره بدله فلا ينافي جعله مضمراً قبل وأورد عليه أنّ شرط التنازع كما نص عليه النحاة اشتراك العاملين بعطف ونحوه بحيث يرتبطان فلا يجوز ضربني أهنت زيداً وليس بشيء لأنه لم يشترطه إلا ابن عصفور، وقد صرح أبو عليّ وغيره بخلافه مع أنه لم يخص بالعطف إذ هو جار في قوله: {هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيهْ} ولما رابطة للجملتين فيكفي مثله في الربط وان لم يصرحوا به وأيضا بين جعله مضمرا ومحذوفاً تناف إلا أن يكون الثاني على مذهب الكسائيّ رحمه الله ومن لا يجوّز الإضمار قبل الذكر وقد علم جوابه مما ذكرنا، وجعل الضمير لما أشكل قيل: الأظهر أن يقدر ضميرا راجعا لكيفية الإحياء، ومعنى تبكيت نفسه لومها على ما صدر من طلب ما طلب. قوله: (إنما سأل ذلك الخ) إشارة
إلى أن رأي بصرية فإن قلت البصرية تتعدى بالهمزة لاثنين إلا أنها لا تعلق قلت: كذا قال بعض النحاة إلا أنّ ابن هشام رحمه الله رذه وقال إنه سمع تعليقها كما في هذه الآية فأرني فعل دعاء والياء مفعوله الأول وكيف الخ في محل مفعوله الثاني المعلق عنه وفي شرح التوضيح يجوز كونها علمية ولك أن تقول: إنه ليس من التعليق في شيء وجملة كيف الخ في تأويل مصدر هو المفعول كما قاله ابن مالك رحمه الله في قوله تعالى: {وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ} [سورة إبراهيم، الآية: 45] وفي الكشاف فإن قلت كيف قال له أو لم تؤمن وهو أثبت الناس إيمانا قلت ليجيب بما أجاب به لما فيه من الفائدة الجلية للسامعين وبلى إيجاب لما بعد النفي معناه بلى آمنت ولكن ليطمئن قلبي أي ليزيد سكونا وطمأنينة بمضامة علم الضرورة لعلم الاستدلال لأنّ علم الضرورة لا يقبل التشكيك، وأما علم الاستدلال فيقبله اهـ. والمصنف رحمه الله لم يرتض ما ذكره لما فيه من تجويز الشك على الخليل ىك! هـ ومقامه أعلى من ذلك فقال: إنما أراد المعاينة ليزداد يقينا أو ليخبر به إذا سئل ولذلك قال جمي! هـ كما في البخاري: " نحن أحق بالشك من إبراهيم عليه الصلاة والسلام " أي نحن لا نشك فإبراهيم ئشي! أولى وأحرى بعدم الشك، وفي الانتصاف هنا كلام مخمر غير فطير محصله أنّ سؤاله عليه الصلاة والسلام ليس عن شك لكنه سؤال عن كيفية الإحياء وليس عملها مما يشترط في الإيمان ولذا قطع عرق احتماله في الحديث السابق، وأمّا قوله: أو لم تؤمن فلأنّ السؤال بكيف قد يستعمل في الشك فأراد تعالى بالسؤال أن يجيب بما يرفع الاحتمال وأمّا قوله ليطمئن قلبي فالمراد يزول عنه الفكر لأنّ العيان وراء البرهان فتأمل وقوله: إنّ إحياء الله الخ قيل: عليه هذا إنما يصح لو كان مراد إبراهيم بقوله: ربي الذي يحيي ويميت أنه يرد الروج إلى البدن والظاهر أنه لم يرد بالحياة حياة بعد الموت والا لقال يميت ويحيي وليس بشيء لأن الكلام في النشر والحشر في مثل هذا المقام لأنه هو الذي تنكره الكفرة لا الحياة الأولى بدليل قوله: {انظُرْ إِلَى العِظَامِ}
الخ، وأمّا تقديم الحياة فلأنها وجودية أشرف من العدم، وقوله: أعرق الناس الخ بالقاف أي أقوى وأثبت من العرق وهو الأصل في الشجر ونحوه، وقوله: فخذ أي إذا أردت معرفة ذلك فخذ الخ. قوله: (قيل: طاوساً الخ) أخرجه ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما وذكر بدل الغراب الغرنيق ووجه الإيماء ما قزره المصنف رحمه الله وخسة نفس الغراب لتناوله الجيف وبعد أمله لأنه يطلب ذلك من مسافة بعيدة، وأمّا ترفع الحمام فلأنه يأنف في مطعمه ومشربه عما يتناوله غيره منها وأمّا الهوى فلأنه يوصف بالطرب ونحوه كما هو معروف في لسان العرب والعجم وكون الطير أقرب إلى الإنسان باعتبار طلبه المعاس والمسكن ولذلك وقع في الحديث: " لو توكلتم على الله حق التوكل لرزقكم كما يررّق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا " ولم يقل الوحش أو الحيوان أو غيره وكونه أجمع لأن فيه ما فيها جميعها على اختلاف أنواعه مع زيادة الطيران والطير قيل إنه في الأصل مصدر طار يطير سمي به وقيل: هو صفة وأصله طير كميت وقيل: هو جمع طائر كتاجر وتجر، والأولى أن يقال: إنه اسم جمع.(2/339)
قوله: (فصرهن الخ) قرأ حمزة ويعقوب بكسر الصاد كما ذكره، والباقون بضمها مع التخفيف من صاره يصوره ويصيره بمعنى قطعه أو أماله لأنه مشترك بينهما ويحتملهما هنا كما ذكره أبو عليّ، وقال الفراء: الضم مشترك بين المعنيين والكسر بمعنى القطع ففط وقيل: الكسر بمعنى القطع والضم الإمالة، وعن الفراء أن صاره مقلوب صراه عن كذا قطعه والصحيح أنه عربي وقيل: نبطيّ معرّب فإن كان بمعنى أملهن فإليك متعلق به وان كان بمعنى قطع تعلق بخذ، وقرأ ابن عباس فصرّهن بتشديد الراء مع ضم الصاد وكسرها من صرّه إذا جمعه إلا أن مجيء المضاعف المتعدي على فعل بكسر العين قليل والراء إمّا مضمومة للاتباع أو مفتوحة للتخفيف أو مكسورة لالتقاء الساكنين، وقوله: واضممهن توضيح للتعدية إذ الإمالة تتعدى بإلى بلا ضمّ ولو جعل إشارة إلى تعلقه بخذ بتضمينه الضم لم يبعد لكن ليس في الكلا! قرينة عليه والأولى أنه إشارة إلى توجيه تعلقه في القرا آت الأخر وهذا تبل التجزئة كما يقتضبه التركيب وحكمته ما ذكره. قوله:) ولكت الخ) أوّله:
وما صيد الأعناق فيهم جبلة
وقيل: هو للفرزدق وأوّله:
فما يقتل الإحياء من حب خندف
وهو أصح رواية ودراية والصيد بمهملة وفتحتين الميل والاعوجاج والجبلة الخلقة يعني
أنّ إمالة الأعناق والانقياد ليس باختيار منهم بل عن كره وقوله: على الليت الخ هو لبعض بني سليم والفرع الشعر التاتم، والوحف بحاء مهملة وفاء الأسود والليت بكسر اللام والياء التحتية والتاء المثناة الفوقية صفحة العنق، وقنوان بضم القاف وكسرها جمع قنو وهو عنقود النخل والدوالح بالدال المهملة واللام وآخره حاء مهملة المثقلات الحمل وقوله: فصرّهن من التصرية بفتح الصاد وكسر الراء المشدّدة وأصل التصرية تصررة فأبدل أحد حرفي التضعيف كما مرّ. تنبيه: قوله: فصرهن إليك، قال ابن هشام: تبعاً لغيره لا يصح تعليق! ! ى بصرهن وانما
هو متعلق بخذان فسر بقطعهن أو أملهن إن لم نقدر مضافا أي إلى نفسك لأنه لا يتعدى فعل غير علمي عامل في ضمير متصل إلى المنفصل. (قلت) : إنما يمنع إذا كان متعديا بنفسه أمّا المتعدي بحرف فهو جائز كما صرّح به علماء العربية وقوله: أي جزئهن بالتشديد والهمز وبإذن الله متعلق بالفعل المأمور به لا بالطلب نفسه ولعله ورد مثله في الأثر والا فلا دلالة في النظم عليه فتأمل وثم للتراخي حقيقة أو مجازاً. قوله: (ساعيات الخ) يعني أنه حال وأوّل السعي بالطيران وجوّز حمله على حقيقته وقيل: إنه منصوب على المصدرية وقوله: فيقتلها المراد
في شلها جعلها كالميت في عدم الحركة فلا يقال: إن أراد بالقتل إفناءها فلا معنى للمزج بعده وان أراد كسر سورتها كان ما بعده مكرّرا مع أنه يصح أن يكون تفسيرا له إذ القتل يستعمل بمعنى المزج كقوله:
قتلت قتلت فهاتها لم تقتل
قوله: (أي مثل نفقتها الخ) أي لا بد من اعتبار الحذف وتقديره في جانب المشبه أو المشبه به لتحصل ملاءمة المشبه والمشبه به وإن كان التشبيه مركبا لا ينظر فيه إلى المفردات وبذر الحبة بالذال المعجمة معروف، واعلم أنه لما حث على الإنفاق والجهاد وذكر المبدأ والمعاد كرّ ثانياً على الحث على الإنفاق وإن أردت تفصيل مناسبة ما بعده إلى آخر السورة فانظر في الكشف. قوله: (والمعنى انه يخرج منها الخ) أراد أنه من تشبيه المعقول بالمحسوس كما نراه في بعض الأراضي وان سلم أنه ليس بموجود كفى الفرض والتقدير لأنه مستند إلى الخيال والخيالات تجري مجرى المحسوس كفوله:
وكان محمو الشقب ش إذا تصوّب أو تصعد
أعلام ياقوت نشرن على رماج من زبرجد
على أنّ المراد تحريضه على الإنفاق ببيان كثرة الريح وفي البخاري: " الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف والسيئة بمثلها إلا أن يتجاورّ الله عنها " فالعشر أقل المراتب للتضعيف فلذا اقتصر عليها مرّة والزيادة لا حد لها وفي الحديث " أن الله يعطي بالحسنة ألفي ألف حسنة " والمغلة بوزن اسم الفاعل الكثيرة الغلة وهي الريع وقوله: تلك المضاعفة يعني أنه على ترك المفعول به لكن مع إرادة خصوصية المفعول المطلق ويصح تقدير مفعول به أي أضعافا كثيرة، وقوله: تتشعب في نسخة يتشعب وقوله: ومن أجله لا ينافي كونه بفضله.
قوله: (نزلت في عثمان رضي الله عنه الخ) قيل: إنه لا أصل له في كتب الحديث وغزوة العسرة(2/340)
معروفة وستأتي. وقوله: والمن أن يعتد الخ من عده فاعتد أي صار معدودا وهو يتعدى بالباء ويقال: اعتد به أي جعله معدودا معتبراً، والمن يكون بمعنى العطية ويكون بمعنى تعداد النعم وهو قبيح من المخلوق وقوله: والأذى التطاول على المنعم عليه أي التفاخر والتعداد لذلك. قوله: (وثم للتفاوت الخ) وفيه وجه آخر في الانتصاف وهو الدلالة على دوام الفعل المعطوف به وارخائه الطول في استصحابه فلا يخرج بذلك عن الإشعار ببعد الزمن ومعناه في الأصل تراخي زمن وقوع الفعل وحدوثه ومعناه المستعار له دوام وجود الفعل وتراخي زمن بقائه، ومثله قوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَقَامُوا} [سررة فصلت، الآية: 30، أي داموا على الاستقامة دواما متراخيا وتلك الاستقامة هي المعتبرة كذا ههنا أي يدومون على تناسي الإحسان وترك الامتنان ومثله يقع في السين نحو: {إ وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ} [سورة الصافات، الآبة: 99] إذ ليس لتأخر الهداية معنى فيحمل على دوام الهداية وامتداد أمدها وتنفيسه. قوله: العله لم يدخل الفاء الخ) يريد بتضمن معنى الشرط اعتبار السببية وهي حاصلة سواء دخلت الفاء أو لم تدخل فإذا طرحت أوهم ذلك أن ثبوت الأجر لهم مقرر بقطع النظر عن هذا السبب وإنما قال: إيهامأ لأنّ الأجر المذكور أجر الإنفاق وهو لا يتصوّر بدونه لكنه عوّل على شهادة العقل التي هي أقوى مع ما في جعل المبتدأ موصولاً من الإشارة إلى ابتناء الخبر كقوله:
إن التي ضرب ت بيتا مهاجرة بكوفة الجند عالت وذها غول
أو أنه بمحض فضله لا بسبب. توله: (وتجاوز الخ) يعني أنّ المغفرة إمّا من المسؤول
عن إلحاح السائل أو من الله في مقابلة الردّ الجميل أو من السائل بأن لا يشق عليه ردّه ويعذره،
وسوّغ الابتداء بالنكرة وصفها ولم يذكره في المعطوف لأنه موصوف مثله في التقدير كما أشار إليه بقوله: عن السائل الخ أو أن المعطوف تابع لا يفتقر إلى مسوّغ، وقوئه: بمن وأيذاء الإيذاء مصدر أذاه وهو ثابت كما ذكره الراغب وترك بعض أهل اللغة له لأنه مصدر قياسيّ وأهل اللغة لا يذكرون مثله لشهرته، وقوله: بالعقوبة متعلق بمعاجلة. قوله: (لا تحبطوا أجرها الخ) إنما فسر به لأنّ الصدقة قد ثبتت فإبطالها بإحباط الأجر ولما كان العطف بالواو يقتضي النهي عنهما لا عن كل واحد وهو المراد نص عليه لأنّ النفي أحق بالعموم وأدل عليه. قوله: (كإبطال المنافق الذي الخ) إنما ذكر المنافق وليس في النظم لأنّ الإنفاق المذكور مع ما بعد. يقتضيه وفيه نظر، وفي قوله: إنفاقا رئاء مبالغة لأنّ الإنفاق مراءى به لا رئاء وفي نسخة إنفاق رئاء بالإضافة وهي ظاهرة، ويفهم من كلامه أنه لو قصد الرياء ورضا الله أو الثوا! لا يكون العمل باطلا وقد صرح به في الإحياء لكن ذهب ابن عبد السلام إلى أنه باطل ولو قيل: العبرة للغالب لم يبعد وهذا التشبيه مفرق فنفاق المنافق كالحجر الذي لا ينفعه الأمطار، ووجه الشبه عدم الانتفاع لا القسوة كما توهم ونفقته كالتراب لرجاء النفع منهما بالأجر والإنبات ورياؤه كالوابل المذهب له سريعا الضارّ من حيث يظن النفع ولو جعل مركباً لصح وقيل: إنه هو الوجه الأوّل ليس بشيء. قوله: (لا ي! مفعون الخ) عدم الانتفاع لخروجه عن حد! هـ من غير فائدة كما قال:
إذ الجود لم يرزق خلاصا من الأذى فلا الحمد مكسوبا ولا المال باقيا
وهذه الجملة مبينة لوجه الشبه والضمير راجع للذي باعتبار المعنى بعدما روعي لفظه إذ
هو صفة لمفرد لفظا مجموع معنى أو هو يستعمل للجمع بلا تأويل كما مر وقوله:
وانّ الذي حانت بفلج دماؤهم هم ال! وم كل القوم يا أنم خالد
هو من شعر للأشهب النهشلي وهو شاعر إسلاميّ من طبقة الفرزدق، وقيل: الحرث بن مخفض وحانت بمعنى هلكت وذهبت وفلج بالسكون موضع بقرب البصرة والمراد بدمائهم نفوسهم وفي الكشاف وجه آخر وهو أنّ الذي ومن يتعاقبان فعومل هنا معاملته لتوهمه وقد ذكره شارح اللباب، والمصنف رحمه الله تركه لبعده وخفائه وكذا كون لا يقدرون راجع للذين آمنوا بالالتفات وهو مما لا يلتفت إليه ولما وضع القوم الكافرين موضع من ذكر استفيد منه أنه من صفة الكفار فينبغي اجتنابه. قوله:(2/341)
(وتثبيتاً بعض أنفسهم الخ (الثبات ضد الزوال والإثبات والتثبت يكون بالفعل والقول وهو متعد وجوّز لزومه فمفعوله إما الثواب على النفقة أو الإعمال بإخلاص النية أو من أنفسهم هو المفعول لأنه بمعنى بعض أنفسهم وهو الذي ارتضا. المصنف رحمه الله وقيل: من بمعنى اللام وجوّز نصبهما على الحالية أو المفعول لأجله ومن تبعيضية كما بينه أو الجار والمجرور صفة تثبيتاً ومن ابتدائية وتثبيتاً لا مفعول له مقدر أو مفعوله الإسلام والجزاء ونحوه وهو الوجه الثاني ووجه إفادته الحكمة المذكورة أنّ الإنفاق لا للرياء والعوض! أفاد ذلك فتأمّل ذلك. قوله: (أي ومثل نفقة هؤلاء في الزكاة الخ) في التشبيه وجهان: أحدهما أنه مركب وتقدير المضاف لأنه لا بد من إضافة المثل من رعاية المناسبة كما مر والتشبيه لحال النفقة بحال الجنة بالربوة في كونها زاكية متكثرة المنافع عند الله كيفما كانت الحال والثاني أن تشبه حالهم بحال الجنة على الربوة في أنّ نفقتهم كثرت أو قلت زاكية زائدة في حسن حالهم كما أنّ الجنة يضعف أكلها قوي المطر وضعيفه وهذا أيضا تشبيه مركب إلا أنه لوحظ الشبه فيما بين المفردات وحاصله أنّ حالهم في اتباع القلة والكثرة تضعيف الأجر كحال الجنة في إنتاج الوابل والطل تضعيف ثمارها، ويحتمل وجهاً ثالثا وهو أن يكون من تشبيه بالمفرد بأن تشبه حالهم بجنة مرتفعة في الحسن والبهجة والنفقة الكثيرة والقليلة بالطل والوابل، والأجر والثواب بالثمرات والربوة مثلثة الراء وفيها لغة رابعة رباوة، وأكل بضمتين وتسكن للتخفيف وبه قرئ. قوله: (مثلي ما كانت تثمر بسبب الوابل الخ) بسبب قيد للمثلين، وا أضعف فيه خلاف هل هو المثل أو المثلان كما سيأتي والزوج يطلق على مجموع المزدوجين وعلى كل واحد منهما، وقوله وقيل: الخ بناء على القول الثاني والأحسن أنّ التثنية للتكثير لأنّ المضاعفة كثيرة كما مر.
قوله: (أي فيصيبها الخ) يشير إلى أن الفاء جواب الشرط ولا بد من حذف بعدها لتكمل الجملة فذهب المبرد إلى أنّ المحذوف خبر والتقدير فطل يصيبها وجاز الابتداء بالنكرة لأنها في جواب الشرط وهو من جملة المسوغات كقولهم: إن ذهب غير فعير في الرهط وقيل: إنه خبر مبتدأ مقدر أي فالذي يصيبها طل، وقيل: إنه فاعل بفعل مضمر تقديره فيصيبها طل وهذا أبينها ولذا قدمه المصنف رحمه الله لكنه قيل: إنه يحتاج إلى تقدير مبتدأ وحذف جملة وإبقاء معمول بعضها أي فهو أي لجنة يصيبها طل لأنّ الفاء لا تدخل على المضارع، وقوله تعالى: {وَمَنْ عَادَ فَيَنتَقِمُ اللهُ مِنْهُ} [سورة المائدة، الآية: 95] بتقدير فهو ينتقم الله منه كما سيأتي وردّ بأنا لا نسلم أنّ المضارع بعد الفاء الجوابية يحتاج إلى إضمار مبتدأ وقد جوّزوا التقادير الثلاثة في قول امرئ القيس:
إلا يكن إبل فمعزى
قوله: (والمعنى أن نفقات الخ (من أحواله أي أحوال المنفق أو الإنفاق في القلة والكثرة وقوله: ويجوز الخ فهو تشبيه مفرق كما مر والزلفى التقرّب. قوله: (تحذير عن الرئاء الخ) أي الله بصير بما تعملون فليحذر المرائي وليجد المخلص! ولا حاجة مع رؤية الله إلى رؤية غيره فيصير هنا في موقعة في البلاغة. قوله: (جعل الجنة منهما الخ) المراد بالجنة هنا الأشجار كما مر وغلب النخيل والأعناب فأراد من كل الأشجار المثمرة فيصح أن له فيها من كل الثمرات فلا يسئل عن أنه إذا كانت الجنة منهما كيف يكون فيها كل الثمرات كما أشار إليه المصنف ومنه يعلم أن التغليب يكون في المفرد والمركب أو المراد بالثمرات المنافع وما قيل: إنه من ذكر العام بعد الخاص للتتميم فليس بشيء. قوله:) فإن الفاقة الخ) الفاقة الفقر والعالة جمع عائل
وهو من نوادر الجمع كسادة ولما كان أصاب لا يعطف لا لاختلافهما زمانا ولا لأن أن يمتنع دخولها على الماضي بل لأنها إذا دخلت على المضارع فهي للاستقبال وإن دخلت الماضي جردت عنه جعلوها حالية ومقدرة وصاحب الحال أحدكم أو يعطف على وضمع الماضي موضع المضارع، قاله الفراء وقال يجوز ذلك في يودّ لأنه يتلقى تارة بأن ومرة بلو فجاز أن يقدر أحدهما مكان الآخر أو يحمل العطف على المعنى لأنّ المعنى أيودّ أحدكم لو كانت له جنة وأصابه الكبر قيل: هذا الوجه فيه تأويل المضارع بالماضي عكس ما قبله واستضعفه أبو البقاء بأنه يؤذي إلى تغيير اللفظ مع صحة المعنى والزمخشرقي فحا إليه وتابعه المصنف رحمه الله تعالى(2/342)
قال أبو حيان: وظاهره أن أصابه معطوف على متعلق يوذ، وهو أن يكون لأنه بمعنى لو كانت وليس بشيء لأن إصابة الكبر لا يتمناها أحد وهو غير وارد لأن الاستفهام للإنكار فهو ينكر الجمع بينهما كما قيل: وفيه تأمّل، وعبر بالضعفاء جمع ضعيف كشركاء وشريك وترك التعبير بالصغار مع مقابلة الكبر لأنه أنسب كم لا يخفى. قوله: (فأصابها إعصار الخ (الإعصار ريح شديدة تسمى زوبعة، وقيل: هي ريح السموم والجملة الأولى معطوفة على صفة الجنة، وقوله: أو تكون أي عطف على تكون لأنه بمعنى لو كانت كما مرّ وقوله: وأشبههم به أي بمن له هذه الجنة المذكورة من عرف الحق واتصمل به ثم رجع إلى خلافه وعلى ما ذكره أوّلاً فهو تمثيل لمن يبطل صدقته بالمن والأذى والرئاء وفصل عنه لاتصاله بما ذكر بعده أيضاً قيل: والأحسن أن يكون تمثيلاً لمن يبطل عمله بالذنوب لأنّ من ذكر لا عمل له، والجواب أنّ له عملا يجازي عليه بحسب ظاهر حاله وظنه، وهو يكفي للتمثيل المذكور. قوله:) من حلاله الخ) ترك في الكشاف ذكر الحلال وهو ما يحل إنفاقه مأكولاً أولاً لأنه يعلم س الأمر بالإنفاق وما فعله المصنف رحمه الله أولى وتركه فيما أخرجنا لعلمه مما قبله ولك أن تجعل ما عبارة عنه وإعادة من لأن كلاً منهما نوع مستقل وقوله: أي من المال أرجع الضمير إلى المال الذي في ضمن القسمين لأنّ الرداء فيه وكذا الحرمة أكثر لتفاوت أصنافه ومجالبه والقرا آت المذكورة
معناها واحد في المآل لأن يتمم وأتم بمعنى قصد، وتيمموا بضم التاء وكسر الياء بمعنى تيمموا طلبكم ونحوه فيرجع إلى ما ذكر، وجملة تنفقون حال مقدرة لأنّ الإنفاق بعد القصد ومنه على التعلق به تقدمه للحصر أو لأجل الفاصلة وهو الأوجه لأنه على الأوّل يقتضي النهي عين الخبيث الصرف فقط مع أنّ المخلوط كذلك. قوله: (إلا أن تغمضوا فيه الخ) الغمض إطباق الجفن لما يعرض من النوم يقال: غمض عينه وأغمضها، قال الراغب: ويستعار للتغافل والتساهل قال تعالى: {إِلاَّ أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ} ، وقيل: إنه كناية عن ذلك وفيه نظر وأصله إلا بأن تغمضوا وأجاز أبو البقاء فيه الحالية قال الحلبيّ وسيبويه لا يجيز أن يقع أن وما في حيزها حالاً، وقال الفراء: أن شرطية لأنّ معناه إن أغمضتم أخذتم وهو مردود كما بين في النحو وفيه قرا آت كما ذكره المصنف وغيره، وقال النحرير: يستعمل الإغماض مذكور المفعول وفي الأساب أغمضت عنه وغمضت واغتمضت إذا أغضبت وتغافلت:
ومن لايغمض عينه عن صديقه وعن بعض مافيه يصت وهوعاتب
وأمّا أغمضته بمعنى أدخلته في الغمض وجذبته إليه أو بمعنى وجدت مغمضاً على ما
فسر به قراءة قتادة فلا يوجد في كتب اللغة، وما أنكره نقله أبو البقاء عن ابن جني وهو إمام اللغة فعدم وجوده في الصحاح لا يضرنا، وقوله: وقرئ تغمضوا أي على المجهول والتخفيف وهي قراءة قتادة وشراره جمع شر بمعنى رديء وقوله: بقبوله واثابته: يعني أنّ حميد بمعنى حامد وحمد الله مجاز عما ذكر وهو ظاهر. قوله: (والوعد في الأصل الخ (أي في أصل وضعه لغة، وأنا في الاستعمال الشائع فالوعد في الخير والإيعاد في الشر حتى يحملون خلافه على المجاز والتهكم وما ذكره لغات في الفقر وأصله كسر فقار الظهر. قوله: (وينريكم على البخل الخ) الإغراء الحث والتسليط قيل: هو استعارة تبعية فيه، والفحش بمعنى البخل شائع في كلام العرب لقبحه عندهم قال طرفة:
أرى المال يعتام الكرام ويصطفي عقيلة مال الفاحش المتشدد
وفسر الحكمة التي هي من الأحكام بما ذكره لأنه هو المعنى اللغوي الوارد وغيره اصطلاح، وقوله: مفعول أوّل لأنّ آتى بمعنى أعطى تقول أعطيت زيدا مالاً ولا يعكس. قوله: (لآنه المقصود الخ) أي المقصود بيان فضيلة من نال الحكمة بقطع النظر عن الفاعل، ولك أن تقول إنه حذف لتعينه، وقوله: ومن يؤته الله قيل: إن كان تفسير معنى فصحيح وان كان إعرابا فلا إذ من الشرطية مفعول مقدم فلا ضمير محذوف هنا وهو ليس بشيء لأنه يصح أن يكون من مبتدأ أو العائد محذوف بدليل أته قرئ ومن يؤته لكنه ليس بمتعين، وقوله: أي أنّ خير إشارة إلى أنّ التنوين للتعظيم، وقول: إذ حيز مجهول حاز بالمعجمة(2/343)
بمعنى جمع، وفي نسخة خير بالخاء المعجمة من خار الله له الأمر أي جعله خيرا له والأولى أولى، ويذكر إمّا من التذكير بمعنى الوعظ أو التذكر بمعنى التفكر، وأصل معناه أن يذكر ما ليس حاضرا فتجوّز به عن التفكر كما أشار إليه المصنف رحمه الله واللب الخالص من كل شيء والعقل الخالص عما ذكر، وقوله: قليلة أخذه من إبهام النكرة وشيوعها، قال النحرير: ومثل هذا البيان يكون لتأكيد التعميم ومنع الخصوص وجعله شاملا للطاعة والمعصية وغيرهما ليدخل تحته ما بعده مما فسر به قوله: وما للظالمين من أنصار فافهم. قوله: (فيجازيكم عليه الخ) يعني أنّ إئبات العلم كناية عن هذا المعنى والا فهو معلوم فإن قيل: نفي الأنصار لا يوجب نفي الناصر قيل: هو على طريق المقابلة أي لا نصر لظالم قط. قوله: (فنعم شيئاً ابداؤها الخ) قال! ابن جني ما هنا نكرة تامة منصوبة على أنها تمييز، والتقدير نعم شيئا إبداؤها فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه ألا ترى إلى قوله: {وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاء فَهُوَ خَيْرٌ لُّكُمْ} والتذكير يدل على ما ذكرنا والفاء جواب للشرط ونعم ماض من أفعال المدح وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائيّ بفتح النون وكسر العين على الأصل كعلم وقرأ ابن كثير وورس وحفص بكسر النون والعين للاتباع
وهي لغة هذيل، قيل: ويحتمل أنه سكن ثم كسر لالتقاء الساكنين وقرأ أبو عمرو وقالون وأبو بكر بكسر النون وإخفاء حركة العين، وروي عنهم الإسكان أيضاً واختاره أبو عبيد وحكاه لغة والجمهور على اختيار الاختلاس على الإسكان حتى جعله بعضهم من وهم الرواة وممن أنكره المبرد والزجاج والفارسي لأنّ فيه جمعاً بين ساكنين على غير حده وقال الفارسيّ: إنه اختلاس الحركة فظنه الراوي سكونا، وهي مبتدأ وهي ضمير الصدقات على حذف مضاف لوجوب ارتباط الجزاء بالشرط ويجوز أن لا يقدر مضاف والجملة خبر عن هي والرابط العموم وضحمير تخفوها يعود على الصدقات فقيل: يعود عليها لفظاً ومعنى وقيل: يعود عليها لفظا لا معنى لأنّ المراد بالصدقات المبدأة الواجبة وبالمخفاة المتطوع بها فيكون من باب عندي درهم ونصفه أي ونصف درهم آخر. قوله: (أي تعطوها مع الإخفاء الخ) قيل: إيتاء الفقراء لا بد منه في الإبداء أيضاً فوجه أنّ الإبداء معلوم صرفه إليهم فحثهم في الإخفاء على ذلك وصرح به اهتماماً، وتخصيصى الفقراء لم يذكروا وجهه ولذا فسره في الكشاف بالمصارف، والظاهر أنّ المبدأة لما كانت الزكاة لم يذكر معها الفقراء لأنّ مصرفها غير مخصوص بهم والمخفاة لما كانت التطوع بين أنّ مصارفها الفقرإء فقط وما ذكره لا يظهر وجهه وفي صدقة التطوّع جعل التفاوت سبعين لفضله بكثير وفي الفريضة أقل لأنّ إخفاءها ليس مطلوبا في أصله فانظر حسنه وقوله والله يكفر الخ هو إما تقدير معنى لبيان مرجع الضمير أو إعراب بأن جعلها اسمية بقرينة ما بعدها ليتناسبا. قوله: (على أنه جملة فعلية مبتدأة الخ) المبتدأ بمعنى المستأنفة، وقيل: المراد إنها غير مرتبطة بالشرط فهي إمّا مستأنفة أو معطوفة على مجموع الشرط والجزاء، وقوله: على ما بعد الفاء الخ في الكشاف وجه آخر وهو أنه مرفوع معطوف على محل ما بعد الفاء قيل: يعني أنّ مجموع الجزاء وهو الفاء مع ما بعدها مجزوم وما بعدها وحده مرفوع إذ لا أثر للعامل فيه فقراءة الرفع والجزم محمولة على الاعتبارين واعترض بأنّ الجملة المرفوعة المحل إنما تكون خبراً أو تابعة لمرفوع أو مبتدأ أو فاعلاَ على خلاف في الأخيرين ولا شيء من ذلك يمكن اعتباره هنا، وكان المصنف رحمه الله تركه لهذا وقال السمين إنه عطف على محل ما بعد الفاء إذ لو وقع مضارع بعدها لكان مرفوعاً كقوله تعالى: {وَمَنْ عَادَ فَيَنتَقِمُ اللهُ مِنْهُ} فإذا تأملته علمت أنّ ما اعترض به
لا يرد. قوله: (ترغيب في الأسرار) إنما حمله عليه لقربه ولأنّ الخبرة بالإبداء لا يمدح بها فلا يقال لو صرفه إلى جميع ما مر لكان أولى ووجه الترغيب أنه يعلم السر وأخفى فيكفي علمه لأنّ إنفاقه لله لا لغيره، والوجوب مأخوذ من عليك، وقوله: كالمن إشارة إلى ارتباطه بما قبله وقوله: وأنها تختص في نسخة إنما. قوله: (فهو لأنفسكم لا ي! مفع به غيركم الخ) يعني الانتفاع الأخروي وإلا فالفقير ينتفع به لا محالة، والاختصاص يستفاد من اللام والمقام وضمير عليه للإنفاق أو المنفق وكذا المقر. قوله: (حال وكأنه الخ) والمعنى وما تنفقون معتدا بها إلا لابتغاء الخ أو المخاطب به الصحابة وابتغاء(2/344)
منصوب مفعول لأجله وعطفه على ما قبله أي الجزاء وكونه بمعنى النهي لا يمنع العطف صورة. قوله: (ثوابه أضعافاً مضاعفة) يعني الثواب في الآخرة أو ما يعطيه الله في الدنيا فإن قلت: إذا كان تأكيدا ينبغي أن لا يعطف، قلت ليس هو تأكيدا صرفا بل سياق الآية للاستدلال على ترك ما ذكر فكأنه قيل: كيف يمن أو يقصر فيما يرجع إليه نفسه أو كيف يفعل ذلك بماله عوض وزيادة، وهو بهذا الاعتبار أمر مستقل ورضاع ككفار جمع راضحع بمعنى رضيع، وقوله: فنزلت أي ليس عليك الخ فلا تعلق لها حينئذ بالمن والأذى والمعنى أنه ليس هداهم إليك حتى تمنعهم الصدقة ليدخلوا في الإسلام فتصدقوا عليهم لله ولا تنظروا لكفرهم فإنه عائد، عليهم وما أنفقتم نفعه لكم، وقوله: إن ينتفعوهم من النفع وفي نسخة ينفقوهم من تنفيق السلعة، وقوله: أمّا الواجب فلا يجوز الخ أمّا في الزكاة فمقرر وفي صدقة الفطر والنذر والكفارت اختلف فيه فجوّزه أبو حنيفة رحمه الله وجعل هذه الآية مخصوصة بكل صدقة ليس أخذها إلى الإمام واستدل بقوله تعالى: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا} [سورة الإنسان، الآية: 8] والأسير في دار الإسلام لا يكون إلا مشركاً،
وقوله: لا تنقصون الخ على التفسير الأوّل المرضي وعلى الثاني الظاهر لا تنقصون الخلف وأحصرهم الجهاد بمعنى منعهم عن الك! سب والتصرف وقوله: الجاهل بحالهم قيده لأنّ حسبان الجاهل بالمعنى المعروف لا وجه له، والسيمي مقصورة العلامة الظاهرة. قوله: (وقيل: هو نفي للامرين كقوله الخ) في مثله طريقان مشهوران فتارة ينفي القيد دون المقيد وتارة ينفيان معا كقوله ولا شفيع يطاع، قال النحرير: وهذا إنما يحسن إذا كان لازماً للمقيد أو كاللازم لأنه يلزم من نفيه نفيه بطريق برهاني كما في البيت لأنه لو كان منار اهتدى به وهنا ليس كذلك فلذا استضعفوا هذا الوجه وقيل: عليه إنّ ما ذكره مسلم إن لم يكن في الكلام ما يقتضيه وهو كذلك هنا لأنّ التعفف حتى يظنوا أغنياء يقتضي عدم السؤال رأسا والشعر المذكور صدر بيت آخره: إذا ساقه العود الديافيّ جرجرا
وهو من قصيدة لامرئ القيس في ديوانه أوّلها:
سما لك شوق بعدماكان أقصرا وحلت سليمى بطن قرّفقرقرا
والديافي بدال مهملة مكسورة نسبة إلى دياف موضع والجرجرة صوت يردده البعير في حنجرته واللاحب بحاء مهملة الطريق الواضح والمنار ما يعلم به الطريق وما قيل: إنه عجز بيت صدره: سدا بيديه ثم أج بسيره
لا صحة له ونصبه إمّا على الحال أي ملحفين أو مصدر نوعي أو بفعل مقدر من لفظه. قوله: (أي يعمون الأوقات الخ) أي المراد بالليل والنهار جميع الأوقات كما أن المراد بما بعده جميع الأحوال وكونها نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله عنه، قال السيوطي رحمه الله: لم
أقف عليه وكونه تصدّق بما ذكر رواه ابن عساكر في تاريخه عن عائشة رضي الله عنها وكونها نزلت في ربط الخيل فهو سبب النزول وان لم يخص لكنه لا وجه لذكر السرّ والعلانية إلا بتكلف، وقوله: أي ومنهم الخ بيان لمحل التقدير والمقدر والا فالظاهر منهم بدون واو وفيها تقادير أخر. قوله: (أي الآخذون الخ) فعبر با! ل لكثرة وقوعه فيه وكثيرا ما يعبر به عن الأخذ بغير حق وهو زيادة في الأجل بسببه لأنه نفع أيضاً ولما في الربا من معنى الزيادة زيد فيه تفخيم ألفه ولذا كتبت واواً، وقال الفرّاء رحمه الله: إنهم تعلموا الخط من أهل الحيرة وهم نبط لغتهم ربوا بواو ساكنة فكتبت كذلك والتفخيم إمالة الألف نحو الواو. قوله: (إذا بعثوا من قبورهم الخ) هذا تفسير مأثور مشهور وبين أيضا بأنّ المرابي يقوم من قبره كمجنون مصروع بصفة يعرفه أهل المحشر بها عقوبة له، قاله قتادة: واختاره الزجاج رحمه الله وقيل: الناس إذا بعثوا خرجوا مسرعين، قال تعالى: {يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعًا} [سورة المعارج، الآية: 43] والمرابي يسقط ولا ينهض كالزمن لثقله وكبر بطنه كما صرّج به في حديث الإسراء واختاره ابن قتيبة وقال ابن عطية: المراد تشبيه المرابي في حرصه وتحرّكه في اكتسابه في الدنيا بهذا كما يقال: لمن يسرع بحركات مختلفة قد جن قال:
وتصبح عن غبّ السرى وكأنما ألمّ بها من طائف الجن أولق(2/345)
وهو بعيد. قوله: (وهو وارد على ما يزعمون أليس هذا إنكارا للجن كما يزعم بعضهم بل الصرع ليس من الجن بل مرض كما ذكره الأطباء إلا أنهم قالوا: إنه قد يكون منهم أيضا ورووا فيه أحاديث كثيرة ذكرها في كتاب لقط المرجان في أحكام الجان، وقال الجياني: كون الصرع من الشيطان باطل لأنه يقدر عليه كما قال تعالى: {وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ} [صورة إبراهيم، الآية: 22] الآية، وكذا قال القفال: من الشافعية وفيه نظر. قوله: (والخبط الخ) يعني أنّ أصله ضرب متوال على أنحاء مختلفة ثم تجوّز به عن كل ضرب غير محمود كما قال خبط عشواء وقال زهير:
رأيت المناياخبط عشواءمن تصب تمته ومن يحيى يعمرفيهرم
والعشواء الناقة التي لا تبصر ليلاً ضرب به المثل لمن يفعل أفعالاً غير مستقيمة. قوله:
(على غير اتساق) أي انتظام في القدر وفيه إشارة إلى أنّ الجنون مأخوذ من الجن. قوله: (أي الجنون) يقال مس الرجل فهو ممسوس إذا جن وأصله اللمس باليد فسمي به لأنّ الشيطان يمسه أو هو على تخيل واستعارة. قوله: (وهذا أيضاً من رّعماتهم) أي كما أنّ التخبط كذلك وقد تبع فيه الزمخشريّ، وقال ابن المنير: زعماتهم كذباتهم التي لا حقيقة لها كالغول والعنقاء، وهذا أيضاً من تخبط الشيطان بالمعتزلة الذين تبعوا الفلاسفة المنكرين لمعظم أحوال الجن وهم ملجمون بما في الأحاديث الصحيحة. قوله: (وهو متعلق بلا يقومون) بناء على أنّ ما قبل ألا يعمل فيما بعدها إذا كان ظرفاً كما في الدرّ المصون فلا يرد عليه أنه لا يصح من جهة العربية ومعاقبتهم بالإرباء من جنس العمل. قوله: (ذلك القعاب) أي القعاب بأرباء ما في بطونهم وعكس التشبيه بناء على ما فهموه أنّ البيع إنما حل لأجل الكسب والفائدة وهو في الربا متحقق وفي غيره موهوم ولذا جوّز أن يكون التشبيه غير مقلوب ولكن الله أبطل قياسهم بالنص على حرمته من غير نظر إلى قياسهم الفاسد وفي الكشاف أنه جيء به على طريق المبالغة إذ جعلوه أصلا في الحل مقيسا عليه، وقال ابن المنير: أنه خرح على طريقة قياس العكس فإنه متى كان المطلوب التسوية بين شيثين فقد يسوّي بينهما طرداً فيقول: الربا مثل البيع والربا حلال فهو حلال وقد يعكس فيقول: البيع مثل الربا فلو كان الربا حراما كان البغ حراما ضرورة المماثلة
أو يقول لما كان البيع حلالاً اتفاقا وجب أن يكون الربا مثله اص. قوله: (إنكار لتسويتهم الخ (
يعني أنه إشارة إلى ما عليه جمهور المفسرين من أنه جملة مستانفة من الله عز وجل ردّا على
القائلين بأنّ البيع مثل الربا وأنه قياس فاسد الوضمع لأنه معارض! للنص وفيه احتمال آخر، وهو
أن يكون من تتمة كلام الكفار إنكارا للشريعة وردّا لها أي مثل هذا من الفرق بين المتماثلات لا
يكون عند الله فالجملة حالية فيها قد مقدرة. قوله: (وعظ من الله الخ) تفسير لفظ ومعنى إشارة
إلى أنه مصدر ميمي وتذكيره لكونه بمعنى الوعظ. قوله: (وتبع النهي الخ) إشارة إلى أنه من
نهاه فانتهى. فإنه مطاوع أو بمعنى اتعظ وانزجر. قوله. (إن جعلت من موصولة الخ الأنه خبر
فهو معتمد وأمّا إذا كان جوابا فهو مبتدأ على رأي من يشترط الاعتماد، وكون المرفوع اسم
حدث ومن لا يشترطهما يجوز كونه فاعل الظرف. قوله: (وأمره إلى الله) اختلف في مرجع
هذا الضمير فقيل: هو ما سلف أي أمره في العفو عنه لله لا لكم فلا تطالبوه به وهو مختار
الزمخشريّ، وقيل: الربا أي أمره في التحليل والتحريم له لا لكم حتى تحتجوا لحله بالقياس
مع النص! وقيل: هو لصاحب الربا أي أمره في تثبيته على الانتهاء عنه إليه وهو مختار
السخاوي، وقيل: هو كذلك إلا أنه لتأنيه وبسط أجله في أنه يعوّضمه خيراً مما ترك واختار.
الزجاج والمصنف رحمه الله. قوله: (يجاز به الخ) قيده بالشرط لأنه إن كان لأمر آخر كخوف
من البشر لا جزاء له لكنه لا يؤاخذ به وقيل: يصح أن يقرأ إن كان بالفتح على المصدرية
والتعليل وهو تكلف لا داعي له. قوله: (وقيل: الخ) هو القول الثاني فتدبر. قوله: (إلى
تحليل الربا الخ) فيكفر بتحليله وهو ردّ على الزمخشريّ في تفسيره بمن عاد إلى الربا واستدل
به على تخليد مرتكب الكبيرة، وأمّا الجواب بأن تغليظ فخلاف الظاهر، وقيل: ألا يخفى أنّ
في قوله فله ما سلف نبوا عن جعل هذا جزاء الاعتقاد والاستحلال وأنّ المراد من(2/346)
جاءه موعظة
وانتهى عن أكل الربا فإنه إذا جعل النار جزاء الاستحلال بقي جزاء مرتكب الفعل غير مذكور
في الكلام مع أنه المقصود الأهمّ لأنه إذا كان جزاء الفعل الخلود فجزاء الاعتقاد الذي هو كفر
فوقه بخلاف العكس وردّ بأنّ ما يكفر مستحله لا يكون إلا من كبائر المحرّمات وجزاؤها
معلوم، ولذا لم ينبه عليه لظهوره. قوله: (يضاعف ثوابها) إشارة إلى أن يربي بمعنى يزيد
والزيادة لا تتصوّر فيها نفسها بل في ثوابها والمهر بضم الميم ولد الفرس الذكر. قوله: (ما
نقصت الحديث) إن قرئ بالتخفيف فمن مال صفة زكاة وان شددت فالظاهر أنّ من زائدة. قوله: (لا يرتضي ولا يحب الخ) أي لا يحبه أصلاً بل يسخط عليه كما أنّ من تاب بخلافه، وكل كفار يفيد عموم الإفراد وشمولها إذ لا فرق بين واحد وواحد، وقوله: منهمك في ارتكابه مأخوذ من صيغة فعيل المفيدة للمبالغة. قوله: (إن كنتم مؤمنين بقلويكم) فسره بهذا لأنه خاطبهم أوّلاً بقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} فلا حاجة حينئذ لهذا فأوّله بأنّ المراد {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} ظاهراً إن كان إيمانكم عن صميم القلب فافعلوا ما ذكر، وقد يؤوّل مثله بالثبات والزيادة كما مرّ والمحل بكسر الحاء المهملة مصدر بمعنى حلول الدين. قوله: (فاعلموا بها) أي الحرب لأنها تؤنث وتذكر واعلموا بمعنى أيقنوا كما قرئ به في الشواذ ولذا تعدى بالباء وابن عياس بمثناة تحتية وشين معجمة من القرّاء مشهور، وآذنوا بالمد بمعنى أعلموا، وقوله: من الأذن بكسر فسكون أو بفتحتين والمربي صاحب الربا والمعروف فيه مراب، وقوله: لا يدي لنا أي لا طاقة لنا بهذا يقال: ما لي بهذا الأمر يد ولا يدان أي لا طاقة لي به لأنّ المدافعة إنما
تكون باليد فكأنّ يده معدومة لعجزه عن دفعه، وتركيبه كقولهم لا أبا له بإقحام اللام لتأكيد الإضافة، قال ابن الحاجب: حذفت تشبيهاً له بالمضاف والارتباء فعل الربا وتثبيته، وقوله: ويفهم منه الخ فيه نظر لآنه إن جعل قوله: لا تظلمون حالاً لم يفد ما ذكر فتأمّل. قوله: (وإن وقع غريم الخ) أي فكان تامّة بمعنى يوجد أو ناقصة على القراءة الأخرى وهو ظاهر.
تنبيه: قوله: إلى تحليل الربا ردّ على الزمخشريّ لأنّ المراد من عاد إلى ما مرّ من أكل
الربا وتحليله وجعله مساوياً للبيع فيه ومن كان كذلك فهو كافر وتوهم الزمخشريّ أنّ المراد العود إلى أكل الربا فقط فاستدلّ به على تخليد الفساق وليس كذلك لأنه لا وجه لتخصيصه به فتأمّل. قوله: (فنظرة الخ) نظرة كنبقة وتسكن بمعنى انتظار وناظر مصدر أيضا أو بمعنى منتظر أو على النسب وميسرة بالضم كمشرقة، وقوله: بحذف التاء عند الإضافة أي بإقامة الإضافة مقامها وهذا ردّ على من اعترض على هذه القراءة بأنّ مفعلاً بالضم معدوم أو شاذ فأشار إلى أنه مفعلة لا مفعل وأجيب أيضاً بأنه معدوم في الآحاد وهذا جمع ميسرة، وقيل: أصله ميسروة فخفف بحذف الواو. قوله: (وأخلفوك الخ) أوّله:
إنّ الخليط أجدوا البين فانجردوا
الخليط العشير، وانجردوا بمعنى طال سيرهم وأصل عد الأمر فحذفت التاء للأضافة كما
في إقام الصلاة، وقوله: فيؤخره مرفوع معطوف على يحل والنفي منسحب على المجموع أي لا يكن حلول يعقبه تأخير والاستثناء مفرغ في موضع صفة رجل أو حال والمعنى كلما كان هذا كان ذاك ونصبه بتقدير أن ورفعه على أنه خبر مبتدأ أليس بذاك، وتفسير التصدق بالأنظار مع بعده ردّ بأنه علم مما قبله فلا فائدة فيه هنا، وقوله: ما فيه من ذكر الخ. المقصود به التحريض إذ هو مما لا يجهل، وقوله: جزاء ما عملت يشير إلى أنه على تقدير مضاف وكون هذه الآية آخر آية مذكور في كتب الحديث(2/347)
مصحح. قوله: (وفائدة ذكر الدين الخ) أي أن لا يتوهم أنّ التداين بمعنى المجازاة فأكد به لدفع هذا الاحتمال كقولك نظرت بعيني، ولم تنوعه لأنه لما ذكر المسمى علم منه أنه له قسيما آخر وأمّا مرجع الضمير وان جاز أن يكون للدين الذي في ضممنه لكن المتبادر عوده إلى التداين وهو بيع الدين بالدين ولا يصح وجوّز في ويكون مرجع أن تكون تامّة ومرجع فاعله، وفسر المسمى بالمعلوم زمانه والآية تشمل كل ما يؤجل شرعا أو هي مخصوصة بالسلم كما هو الظاهر وهو المنقول في البخاريّ عن ابن عباس رضي الله عنهما واليه أشار المصنف رحمه الله. قوله: (من يكتب بالسوية الخ) إشارة إلى أنّ بالعدل متعلق بكاتب فهو ظرف لغو والمقصود وصف الكاتب بالعدالة وأمر المتداينين بكتابة عدل على طريق الكناية ولو جعل مستقرا صفة لكاتب لصح أيضا. قوله: (فقيه) قال الطيبي: يعني أنّ الكلام مسوق لمعنى ومدمج فيه آخر بإشارة النص وهو اشتراط الفقاهة فيه لأنه لا يقدر على التسوية في الأمور الخطرة إلا من كان فقيها. قوله: (مثل ما علمه الله من كتبه الوثائق الخ) هو على حاشية الشهاب / ج 2 / م 39
هذا قيد في الكتابة وفي التوجيه الثاني تحريض عليها بتذكير نعمة الله وما مصدرية أو كافة والجار والمجرور أمّا في موضع المفعول المطلق أو المفعول به وعلى تعلقه بالأمر وبعدمه فالفاء لا تمنع كما في قوله: {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} لأنها زائدة في المعنى كما يشير إليه قوله: تأكيدا والاملال بمعنى الإلقاء على الكاتب ما يكتبه وفعله أمللت ثم أبدل أحد المضاعفين ياء وتبعه المصدر فيه وأبدلت همزة لتطرّفها بعد ألف زائدة، وقوله: فيكون النهي الخ يعني لا يكون على هذا تأكيدا، وقوله: ومن عليه الحق راجع إلى التفسير الأوّل وما بعده إلى الثاني، وقوله: غير مستطيع يشير إلى أنّ لا يستطيع جملة معطوفة على مفرد هو خبر كان لتأويلها بالمفرد، وله الذي يلي أمره إشارة إلى أنّ الولي بمعناه اللغوي لا الشرعي ليشمل من ذكر والإقرار عن الغير في مثل هذه الصور مقبول وفرق بينه وبين الإقرار على الغير فاعرفه. قوله: (واستشهدوا شهيدين الخ الم يقل رجلين إشارة إلى استجماع شروط الشهادة وما ذكر عن أبي حنيفة رحمه الله إن أراد أنه أخذه من الآية فبالقياس والا فالكلام في تداين المؤمنين. قوله: (فإن لم يكونا رجلين الخ) يعني إن لم يشهدا حال كونهما رجلين فليشهد رجل وامرأتان ولولا هذا التاويل لما اعتبر شهادتهن مع وجود الرجال وشهادتهن معتبرة معهم حتى لو شهد رجال ونسوة بشيء يضاف الحكم إلى الكل حتى يضمن الكل في الرجوع، فلا يفهم من النظم أنّ صحة شهادة النساء موقوفة على عدم الرجال كما قيل. قوله: (فليشهد) إن كان مبنيا للمفعول فهو ظاهر وإن كان مبنيا للفاعل فهو في الحقيقة أمر للمتداينين كما مرّ في قوله فليكتب فلا يقال إنه لا يناسب تقدير هذا الأمر إذا لمأمورهم المخاطبون كما قيل: وأمر الشهادة مفروغ عنه في الفقه وقوله: لعلمكم بعدالتهم أي بعدالة المذكورين من الرجال والنساء، ولذا أخره ففيه تغليب. قوله: (علة اعتبار العدد الخ) أي اشتراط المرأتين مع الرجل حيث لم يكتف بواحدة. قوله: (لأجل أنّ إحداهما إن ضلت الخ) إشارة إلى أن فضل بتقدير لام التعليل وأنّ الضلال هنا بمعنى النسيان
ويقابله التذكر لا الهداية، وقوله: والعلة في الحقيقة قال الزمخشريّ: فإن قلت كيف يكون ضلالها مرادأ لله تعالى قلت: لما كان الضلال سببا للإذكار والإذكار مسبباً عنه وهم ينزلون كل واحد من السبب والمسبب منزلة الآخر لالتباسهما واتصالهما كانت إرادة الضلال المسبب عنه لإذكار إرادة للإذكار فكأنه قيل: إرادة أن تذكر إحداهما الأخرى إن ضلت ونظيره قولهم أعددت الخشب أن يميل الحائط فأدعمه وأعددت السلاح أن يجيء العدوّ فادفعه اهـ. فقيل في شرحه: لقائل أن يقول قدر فليشهد رجل وامرأتان وجعل أن تضل مفعولاً له بتقدير الإرادة فيكون فاعل الفعل المعلل به هو المرأتان فكيف أورد السؤال بأنّ الضلال ليس مرادا لله تعالى، ولعله إنما قدر الإرادة لأنّ الضلال وان كان فعلا لفاعل الفعل المعلل لكنه ليس مقارنا له في الوجود ويمكن أن يجاب بأنّ المراد بقوله فليشهد ليس أمر الرجل وامرأتين بتحمل الشهادة لأنّ الكلام في العاملين بل أمرهم في استشهادهم فيكون التقدير فإن لم(2/348)
تشهدوا رجلين فاستشهدوا رجلاً وامرأتين وحقيقته أمر الله أن تستشهدوا والضلال ليس من فعل المستشهد ولا من فعل الله فلهذا قدّر الإرادة وجعل فاعل الفعل المعلل هو الله لا المخاطبين أو يقال: حقيقة فليشهد أمر الله أن يشهد، فجعل فاعل الفعل هو الله لا امرأتان لأنه في بيان غرض الشارع من الأمر باستشهاد المرأتين لا بيان غرضهم، وذلك لأنّ النسيان غالب على طبع النساء لكثرة الرطوبة في أمزجتهن واجتماع المرأتين على النسيان أبعد في العقل من نسيان المرأة الواحدة فلهذا أقام الشرع المرأتين مقام الرجل الواحد حتى أنّ إحداهما لو نسيت ذكرتها الأخرى، وتقرير الجواب أنّ المراد من الضلال الإذكار لأنّ الضلال سبب للإذكار فأطلق السبب والمراد المسبب فكأنه قيل: إرادة الإذكار عند الضلال كما أنّ المراد من المثال إرادة الإدعام عند ميلان الحائط، قال الزجاج: زعم سيبويه والخليل والمحققون أنّ المعنى استشهدوا امرأتين لأنّ تذكر إحداهما الأخرى ثم سألوا لم جاء أن تضل وكيف يستشهد امرأتان للضلال وأجابوا بأن الإذكار سببه الضلال فجاز أن يذكر ويراد الإذكار كما قلت: أعددت هذا أن يميل الحائط فأدعمه وإنما أعددته للدعم لا للميل وإنما ذكرت الميل لأنه سبب الدعم، ولعل هؤلاء لما رأوا شرط نصب المفعول له منتفيا جعلوه مجروراً باللام لكن علة الاستشهاد ليس نفس الإذكار بل إرادته فيرجع إلى ما ذكره المصنف رحمه الله، وقيل: عليه متعلق الأمر والنهي قد يكون قيدا للفعل، وقد يكون قيدا للطلب نحو أسلم تدخل الجنة وأسلم لأني أريد الخير والعلة هنا لبيان شرعية الحكم واشتراط العدد فيجب أن يكون فعلاً للآمر وقيدا للطلب وباعثاً عليه وليس هو إلا إرادة الله تعالى للقطع بأنّ الضلال والتذكير بعده ليس هو الباعث على الأمر بل إرادة ذلك ثم إنّ النسيان وعدم الاهتداء للشهادة ينبغي أن يكون من الشيطان فلا يكون مراده تعالى سيما وقد أمر بالاستشهاد، وأجيب بأنّ الإرادة لم تتعلق بالضلال نفسه أعني عدم الاهتداء للشهادة بل
بالضلال المصرّح بترتب الإذكار عليه وتسببه عليه، ومن قواعدهم أنّ القيد هو مصب الغرض فصار كأنه علق الإرادة بالإذكار المسبب عن الضلال والمرتب عليه كما إذ! قلت إرادة أن تذكر إحداهما الأخرى إن ضلت ومن الغلط في هذا المقام ما قيل: إنّ المراد من الضلالط الخ لظهور أنه لا يبقى حينئذ لقوله فتذكر معنى وأنه لا يوافق قول المصنف، واعلم أن هذا مأخوذ من كلام سيبويه رحمه الله وجمع من المحققين حيث قالوا: إنّ المعنى استشهدوا امرأتين لأن تذكر إحداهما الأخرى، وإنما ذكر أن تضل لأنّ الضلال هو السبب الذي به وجب الإذكار، إلا أن المصنف قدر الإرادة لأنه الباعث على الأمر لا الإذكار نفسه وكذا الكلام في المثالين وهذا بخلاف ما إذا كان الميل أو مجيء العدوّ حاصلا بالفعل فإنه يصح أعددت الخشبة لميل الجدار دون أن يميل الجدار، قيل: والنكتة في إيثار أن تضل على أن تذكر ان ضلت هي شدة الاهتمام بشأن الإذكار بحيث صار ما هو مكروه في نفسه مطلوبا لأجله من حيث كونه مقضيا إليه. (أقول (: ما ذكر العلامة هو كلام المتقدمين بعينه ولا غلط فيه وإنما الغلط من سوء الظن به إذ مراد. أنّ ذكر الضلال لم يرد به التعليلى بل أريد به بيان سبب التعليل، فقوله: أطلق السبب أي ذكر في معرض! التعليل والإرادة، والمراد أي الذي تعلقت به الإرادة للتعليل هو المسبب بدليل تفريع قوله فكأنه الخ عليه وقريب من هذا العطف أيضا ما سيأتي من أنّ العطف على المجرور باللام قد يكون للاشتراك في متعلق اللام مثل جئتك لأفوز بلقياك وأحوز عطاياك، ويكون هذا بمنزلة تكرير اللام وعطف الجارّ والمجرور على الجارّ والمجرور قد يكون للاشتراك في معنى اللام كما تقول جئتك لتستقرّ في مقامك وتفيض عليّ من إنعامك، فهي لاجتماع الأمرين ويكون من قبيل جاءني غلام زيد وعمرو أي الغلام الذي لهما وسيأتي تفصيله في سورة الفتح. قوله: (قرأ حمزة أن تضل على الشرط الخ) فالفعل مجزوم والفتح لالتقاء الساكنين والفاء في الجزاء، قيل: لتقدير المبتدأ وهو ضمير القصة والشهادة ولا يخلو عن تكلف بخلاف قوله تعالى: {وَمَنْ عَادَ فَيَنتَقِمُ اللهُ مِنْهُ} [سورة المائدة، الآية: 95] أي فهو ومما كان ينبغي أن يتعرّض له وجه تكرير لفظ إحدإهما ولا(2/349)
خفاء في أنه ليس من وضع المظهر موضع المضمر إذ ليست مذكرة هي الناسية إلا أن تجعل إحداهما الثانية في موقع المفعول ولا يجوز لتقدّم المفعول على الفاعل في موضع الإلباس نعم يصح أن يقال: فتذكرها الأخرى فلا بد للعدول من نكتة. (أقول) : قالوا إنّ النكتة الإبهام لأنّ كل واحد من المرأتين يجوز عليها ما يجوز على صاحبتها من الإضلال والإذكار والمعنى إن ضلت هذه أذكرتها هذه فدخل الكلام معنى العموم وأنه من وضع الظاهر موضع المضمر وتقدير فتذكرها، وهذا يدل على أن إحداهما الثانية مفعول مقدّم وإنما يمتنع التقديم إذا وقع الباس يغير المعنى فإن لم يكن الباس نحو كسر العصا موسى لم يمتنع، قال أبو البقاء رحمه الله: وهذا من هذا القبيل لأنّ الإذكار والنسيان لا يتعين في واحدة
منهما ومقتضاه أنه يجوز ذلك في نحو ضمارب موسى عيسى إذ لا يتغير المعنى فهو إجمال لا لب! وفي الكشاف من بدع التفاسير فتذكر فتجعل إحداهما الأخرى ذكرا يعني أنهما إذا اجتمعتا كانتا بمنزلة الذكر، وقد قيل: إنّ المضارع في جواب الشرط يقترن بالفاء من غير تقدير مبتدأ. قوله: (وسموا شهداء الخ) تقدم وجه آخر ولما كان السأم الملل وإنما يكون بعد المباشرة حمله أوّلاً على حقيقته وثانيا أوّله بالكسل فجعل كناية عنه وإنما كني عنه لأنه وقع في القرآن صفة للمنافقين كقوله تعالى: {وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى} [سورة النساء، الآية: 142] ولذا وقع في الحديث: " لا يقول المؤمن من كسلت وأنما يقول ثقلت " وتقديم الصغير هنا لم مرّ في آية الكرسي والمشبع بالباء الموحدة بزنة اسم المفعول مجاز بمعنى المطول، وقوله: صغيرا كان الحق ناظر إلى جعل ضمير تكتبوه للحق وما بعده إلى كونه للكتاب، وقوله: إلى وقت حلوله الخ وفي الكشاف إلى وقته الذي اتفق الغريمان على تسميته وقوله: إشارة إلى أن تكتبوه أي أو إلى المذكور مطلقاً. قوله: (وهما مبنيان الخ الما كان أقسط أفعل من القسط بمعنى العدل وفعله أقسط وأمّا قسط فبمعنى جار وكذا أقوم ليس من القيام الثلاثي أجاب بأنه من الأفعال وسيبويه رحمه الله يجيز بناء أفعل منه أو أنه على غير قياس شذوذ أو جواب آخر أنه ماخوذ من قاسط وقويم لا بمعنى اسم الفاعل لأنّ قاسطا بمعنى جائر بل بمعنى النسب كلابن وتامر فيكون اشتقاقا من الجامد كاحنك، وقال أبو حيان رحمه الله: قسط يكون بمعنى جار وعدل وأقسط بالألف بمعنى عدل لا غير حكاه ابن القطاع فلا حاجة لما ذكر وقيل: هو من قسط بوزن كرم صار ذا قسط أي عدل وقويم بمعنى بمستقيم، وقوله: وإنما صحت الواو يعني قيل: أقوم ولم يقل أقام لأنها تقلب في فعل التعجب نحو ما أقومه لجموده إذ هو لا يتصرف وأفعل التفضيل مناسب له معنى فحمل عليه وقيل: إنّ قوله لجموده ضميره لأفعل التفضيل أي لعدم تصرفهم في أفعل من الذي هو أصله وفيه نظر، وقوله: وأدنى الخ قيل: وهذا حكمة خلق اللوح المحفوظ والكرام الكاتبين مع أنه الغنيّ عن كل شيء تعليماً للعباد وارشاداً للحكام
وحرف الجرّ مقدر هنا فقيل: اللام وقيل: إلى وقيل: من وقيل: في ولكل وجهة. قوله: (استثناء عن الأمر بالكتابة الخ) في هذا الاستثناء قولان أحدهما أنه من الاستشهاد وهو متصل فأمر بالاستشهاد في كل حال إلا ني حال حضور التجارة والثاني أنه منه ومن الكتابة وهو منقطع أي لكن التجارة الحاضرة يجوز فيها عدم الاستشهاد والكتابة كذا في الدر المصون والمصنف رحمه الله جعله من الأمر بالكتابة في قوله: أوّل الآية فاكتبوه لذكر الإشهاد بعده فهو متصل، وقوله: وليكتب إلى هنا جمل معترضة فلا فصل ولا بعد وفسر التجارة الحاضرة بالواقعة بينهم أعمّ من أن تكون بدين أو عين والإدارة بكونها يدا بيد ليكون تأسيسا وهو محصل ما في الكشاف ولا غبار عليه وقوله: إلا أن تتبايعوا بيد بيان لمحصل المعنى، وقوله: فلا بأس تفسير عدم الجناح ووقع في نسخة إلا تتبايعوا بدون أن والصحيح روأية ودراية الأولى وهذه من تحريف الكتبة فلا حاجة إلى تكلف توجيهها. قوله: (والاسم مضمر تقديره الخ) قدره غيره المداينة والمعاملة وعليه فالتجارة مصدر لئلا يلزم الإخبار عن المعنى بالعين وجعله المصنف رحمه الله كالزمخشريّ والقراء ضمير التجارة والخبر يفسره والضمير يعود على متأخر لفظا ومعنى ومثله جار في فصيح الكلام(2/350)
كما مرّ، وهذا منقول عن الفراء. قوله: (بني اسد الخ) بنو أسد قبيلة معروفة والبلاء بالفتح والمد القتال يقال: أبلى فلان بلاء حسنا إذا قاتل مقاتلة محمودة واليوم الأشنع من الشناعة وهي القباحة الذي كثر شره، ويقال: لليوم الشديد ذو الكواكب كما يقال في التهديد لأرينك الكواكب ظهرا يقول: هل تعلمون مقاتلتنا يوم اشتد الحرب حتى أظلم. النهار ورؤيت الكواكب فيه ظهر الانسداد عين الشمس بغبار الحرب وقيل: المراد بالكواكب السيوف كقول بشار:
كأنّ منار النقع فوق رؤوسنا وأسيافنا ليل تهاوى كواكبه
وليس بشيء وأذا كانت تامة فجملة تديرونها صفة، وقوله: هذا التبايع أي الذي يكون يدا
بيد والأصكام بكسر الهمزة صد النسخ يقال: آية محكمة أي لم تنسخ. قوله: (يحتمل البناءين
الخ) تثنية بناء وهو البنية واللفظ أي بناء المعلوم والمجهول وفسره على الوجهين فقوله: وهو نهـ يهما الخ على البناء للفاعل وهو تأكيد لما مرّ بالأعمّ، وقوله: أو النهي الخ على البناء للمفعول، والحمل عليهما معا كما قيل: ليس بشيء وعلى المجهول المنهي المتبايعان أو المخاطبون، وقوله: أن يعجلا بالتخفيف من قولهم أعجله عن مهمه إذا ألجأه إلى تركه والجعل بالضم الأجرة، وقوله: الضرر الخ قدر له مفعولاً ليكون مرجع ضمير فإنه، وقوله: لا حق بكم إشارة إلى أنّ الظرف صفة فسوف. قوله: (كرّر لفظة الله الخ) قال الراغب: إن قيل: كيف قال واتقوا الله الخ فكرّرها ثلاثا وقد استكرهوا مثل قوله:
فما للنوى جذ النوى قطع النوى
حتى قيل: سلط الله عليه شاة ترعى نواه وقوله:
بجهل كجهل اليف والسيف منتضي وحلم كحلم اليف والسيف مغمد
فاعلم أنّ التكرير المستحسن هو كل تكرير يقع على طريق التعظيم أو التحقير في جمل متواليات كل جملة منها مستقلة بنفسها، والمستقبح هو أن يكون التكرير في جملة واحدة أو في جمل في معنى ولم يكن فيه التعظيم والتحقير وهو الظاهر في البيتين لا الآية فإنّ قوله واتقوا الله حث على تقو! الله ويعلمكم الله تذكير نعمته، والله بكل شيء عليم تعظيم له عز وجل ومتضمن للوعد والوعيد فلما قصد تعظيم كل واحد من هذه الأحكام أعيد لفظ الله وأما البيت الثاني فهو جملة واحدة لأنّ قوله: كجهل السيف نعت لقوله بجهل وكذا والسبف مغمد حال من قوله كحلم السيف والبيت الأوّل كرر جذ النوى وقطع النوى وهما بمعنى واحد والمصنف رحمه الله لخص ما ذكره منه إلا أنّ ما ذكره الراغب في البيت الثاني وهو للبحتري غير مسلم لأنّ التكرير فيه استحسنه الثيخ في دلائل الإعجاز في فصل عقده له وليس بنا حاجة إلى بسطه وفي كلامه إشارة إلى توجيه العطف فيها مع الاختلاف خبراً وانشاء حيث قال وعد فجعلها الإنشاء الوعد، وجعل الثالثة لإنشاء المدح والتعظيم، وتفسير على سفر بمسافرين إشارة إلى أنّ على استعارة تبعية شبه تمكنهم في السفر بتمكن الراكب من مركوبه. قوله: (فالذي يستوثق به الخ) وحديث الدرع في الكتب الستة لكن في البخاري أنه عليه الصلاة والسلام: " رهته على
ثلانين صاعاً " والإعواز الاحتياج وخلاف مالك وغيره في اللزوم وعدمه لا في الصحة، وثمرة الخلاف تظهر في تقديمه على غيره من الغرماء وغير ذلك قيل: وظاهر النص معه وغير مالك بالنصب على الاستثناء. قوله: (وهو خطأ الخ) تبع فيه الكشاف وأهل التصريف حيث قالوا: إنّ الياء الأصلية قبل تاء الافتعال تقلب تاء وتدغم نحو أيتسر وأما الهمزة والياء المنقلبة عنها فلا يجوز فيها ذلك، وقول الناس أتزر خطأ وهم كلهم مخطئون فيه فإنه مسموع في كلام العرب كثيرا وقد نقل ابن مالك جوازه لكنه قال إنه مقصور على السماع قال ومنه قراءة ابن محيصن أتمن ونقل الصاغاني أنّ القول بجوازه مذهب الكوفيين، وقالت عائشة رضي الله عنها: " كان صلى الله عليه وسلم يأمرني فأتزر كما في البخاوي " قال الكرماني رحمه الله: فإن قلت لا يجوز الإدغام فيه عند الصرفيين وقد قال في المفصل وقول من قال أتزر خطا، قلت قول عائثة وهي من الفصحاء حجة على جوازه فالمخطىء مخطئ ص. قوله: (وفيه مبالغات الخ) يحتمل أن يريد في هذه الجملة لأنها تأكيد لسبق اتقوا الله واعادة(2/351)
الجلالة الكريمة والتأكيد وذكر ربه لما فيها من أنه لم يؤدّ دينه لم يخف الله ولم يمتثل أمره، ويحتمل في هذا الكلام لما ذكر ولتسمية الدين أمانة واجبة الأداء، وقوله: أو المديونون الخ والشهادة شهادتهم على أنفسهم بمعنى إقرارهم بما عليهم ولا يخفى أنه خلاف الظاهر والظاهر أنه خطاب للشهود المؤمنين..
قوله: (أي يأثم قلبه الخ) يعني قلبه فاعل آثم أو آثم خبر مقدّم والجملة خبر إنّ ثم أشار
إلى نكتة إسناد الإثم إليه مع أنه لو قال: آثم لتم المعنى مع الاختصار فوجه بوجو.، أحدها: أنّ الذي يقترفه أي يكتسبه هو القلب واسناد الفعل إلى الجارحة التي بها يفعل أبلغ كما يسند الإبصار إلى العين والمعرفة إلى القلب والنظير الذي ذكره إنما هو في إسناد ما للجملة إلى العضو، والثاني: أنه وإن كان منسوبا إلى الجملة لكن عير عنها أجزائها إشارة إلى عظم الفعل في نفسه لأنّ فعل القلب أعظم من سائر الجوارح فجعل الكتمان من آثام القلب تنبيها على أنه من أعظم الذنوب وترك توجيهاً آخر في الكشاف وهو أنه يظن أنّ الكتمان من فعل اللسان لا دخل للقلب فيه وليس كذلك فأسند له لينبه على ذلك لضعفه. قوله: (وقرئ قلبه بالنصب الخ) نصب القلب على التشبيه بالمفعول به وآثم صفة مشبهة وقيل: على التمييز وقيل: بدل من اسم إنّ، وقوله: تهديد مرّ وجهه، وقوله: خلقاً وملكاً فالأوّل إشارة إلى أنّ اللام للاختصاص واختصاصها به من جهة كونها مخلوقة أو لا شريك له في الخلق والثاني إشارة إلى كونها للملك فلا يقال من أين يؤخذ هذا من النظم، وقوله: والعزم عليه الخ أي لأنّ مجرّد ما يخطر بالبال لا يعد ذنبا بدون العزم والتصميم حتى يحتاج إلى المغفرة كما سيأتي. وكونه حجة على منكري الحساب بحسب الظاهر فلا يضرّ تأويلهم له بما يخالف الظاهر، وكذا نفي الوجوب لتعلقه بالمشيئة وأما احتمال أنّ تلك المشيئة واجبة كمن يشاء صلاة الفرض فإنه لا يقتضي عدم الوجوب فخلاف الظاهر. قوله: (ومن جزم بنير فاء الخ) إنما جعلوه بدلاً لاً نهم يقولوا بتعدد الجزاء كالخبر قيل: ولا مانع منه نحو إن تاتني أطعمك أكسك وقوله: بدل البعض من الكل أو الاشتمال قيل: إن أريد بقوله يحاسبكم معناه الحقيقي فيغفر بدل اشتمال كقولك أحب زيدا علمه وان أريد به المجازاة فهو بدل بعض كضربت زيداً رأسه، وقال الطيبي رحمه الله: الضمير المجرور في به يعود إلى ما في أنفسكم وهو مشتمل على الخاطر السوء وعلى خفيّ الوسواس وحديث النفس والمغفرة والعذاب يختص بما هو عزيمة فهو بهذا الاعتبار بدل بعض من كل وأما قول أبي حيان رحمه الله وقوع الاشتمال في الأفعال صحيح لأنه جن! تحته أنواع يشتمل
عليها وأما بدل البعض فلا إذ الفعل لا يتجزأ فليس بشيء لأنه إذا كان جنساً فله جزئيات يجري فيها ذلك. قوله:
(متى تأتناتلمم بنا في ديارنا تجد حطباً جزلا وناراتأججا (
جعل الإلمام بدلاً من الإتيان إمّ بدل بعض لأنه إتيان لا توقف فيه فهو بعضه أو اشتمال
لأنه نزول خفيف، وألف تأججاً ألف تثنية للنار والحطب يقال تأججت النار أي التهبت وتأجج الحطب إذا وقع فيه النار، أو ألف إطلاق وفاعل تأجج ضمير النار لتأويله بالقبس وقيل: أصله تتأجج فحذفت إحدى التاءين ولحقته نون التوكيد الخفيفة ثم صارت ألفاً في الوقف وهو بعيد وهو عبارة عن الجود وكثرة الضيفان. قوله: (وإدغام الراء في اللام لحن الخ) هذا مما تابع فيه الكشاف وهو من دائه العضال إذ هو يعتقد أنّ القراءة بالرأي وهو غلط فاحش وكيف يكون لحناً وهي قراءة أبي عمرو إمام القرّاء والعربية والمانع من الإدغام تكرير الراء وقوّتها والأقوى لا يدغم في الأضعف وهو مذهب سيبويه والبصريين وأجاز ذلك الفراء والكسائي والرواسي ويعقوب الحضرمي وغيرهم ولا حاجة إلى التطويل فيه وليس هذا مما يليق بجلالة المصنف رحمه الله تعالى وقد يعتذر له بما ذكره صاحب الإقناع من أنه روي عن أبي عمرو رحمه الله أن رجع عن هذه القراءة فيكون الطعن في الرواية لا في القراءة فتدبر. وقال الزجاج رحمه الله: لما ذكر الله عز وجل في هذه السورة فرض الصلاة والزكاة والطلاق والحيض والإيلاء والجهاد وقصص الأنبياء عليهم الصلاة والسلام والدين والربا ختمها بقوله: آمن الرسول الخ، لتعظيمه وتصديق نبيه صلى الله عليه وسلم والمؤمنين لجميع ذلك المذكور قبله وغيره ليكون(2/352)
تأكيداً له وفذلكة. قوله: (شهادة وتنصيص من الله الخ) يعني أنّ الإيمان بما ذكر كما يجب على الأمة يجب عليه أيضاً به وبكتابه وبما قبله من غير فرق في أصل الإيمان وان تفاوت تفاوتا عظيماً فيما ينبني عليه وكيفيته ولا يلزم منه إتباعه لغيره من الرسل عليهم الصلاة والسلام فتأمل. قوله: (لا يخلو من أن عطف المؤمنون الخ) جوّز في المؤمنون أن يكون معطوفا على الرسول مرفوعا بالفاعلية فيوقف عليه ويدل عليه قراءة عليّ رضي الله عنه وآمن المؤمنون وكل آمن جملة من مبتدأ وخبر وسوغ الابتداء بالنكرة كونه في تقدير الإضافة أو المؤمنون مبتدأ وكل مبتدأ ثان وآمن خبره والجملة
خبر المؤمنون والرابط مقدر ولا يجوز كون كل تكيداً لأنهم صرحوا بأنه لا يكون تأكيداً للمعرفة إلا إذا أضيف لفظها إلى ضميرها، وقوله: الذي ينوب إشارة إلى أنّ تنوينه للعوض ولذا منعوا دخول الألف واللام عليه وعلى بعض وقالوا قولهم الكل والبعض خطا. قوله: (ويكون إفراد الرسول الخ) أي على الوجه الثاني إشارة إلى أنّ إيمانه لكونه تفصيليا عيانيا كانه نوع وجنس آخر وأيضاً المتبادر من المؤمنين الأمة فلا يدخل تحتهم. قوله: (يعني القرآن أو الجنس الخ) يعني أنّ الإضافة إما للعهد أو للجنس لأنها تأتي لمعاني اللام كما حققوه، وقوله: والفرق الخ يعني ما قيل: إنّ استغراق المفرد أشمل من استغراق الجمع لأن المفرد يتناول جميع الآحاد ابتداء فلا يخرج عنه شيء منه قليلاً أو كثيرا بخلاف الجمع فإنه يستغرق الجموع أوّلاً وبالذات ثم يسري إلى الآحاد والفرق بينهما في النفي ظاهر وفي الإثبات كونه أظهر وأقوى خصوصا وقد شمل الحقيقة والماهية فاستغرق الإفراد الذهنية وضعا على ما في الكشف ونقل في الانتصاف عن بعض أهل الأصول أن تناوله للإفراد مجاز وتبعه الطيبي رحمه الله، وقوله: ولذلك قيل: الخ هو منقول عن ابن عباس رضي الله عنهما، ولكن صاحب الانتصاف تردّد في ثبوته عنه ولذا لم يصرح به المصنف رحمه الله وهذا المبحث من معضلات المعاني فراجعه فيها. قوله: (أي يقولون لا نفرّق الخ) والمقدر إمّا حال أو خبر بعد خبر وعلى قراءة لا يفرّقون جوّز فيها ذلك من غير تقدير القول ويجوز أن يقدر يقول بالإفراد على لفظ كل والضمير الراجع إلى كل يجوز إفراده نظرا إلى لفظها وجمعه نظرا لمعناها، كما قرّره أهل العربية وكلاهما وارد في القرآن كما ذكره المصنف رحمه الله. قوله: (وأحد قي معنى الجمع الخ) قال النحرير: ذكر أهل اللغة أن أحدا اسم لمن يصلح أن يخاطب يستوي فيه الواحد والمثنى والجمع والمذكر والمؤنث فإذا أضيف بين إليه أو أعيد إليه ضمير الجمع أو نحو ذلك، فالمراد به جمع من الجنس الذي يدل الكلام عليه وكثير من الناس يسهو فيزعم أنّ معنى ذلك أنه نكرة وقعت في سياق النفي فعممت وكانت بهذا الاعتبار في معنى الجمع كسائر النكرات اهـ. وهو ردّ على المصنف رحمه الله، وقد مرّ تفصيله وقوله: التفرقة بالتصديق والتكذيب بأن يصدق ببعضهم ويكذب بآخر كما يفعله الكفرة وفيه إشارة إلى أنّ التفرقة بالتفضيل ونحوه واقعة كما مرّ وهو إشارة إلى قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُواْ بَيْنَ اللهِ وَرُسُلِهِ
وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ} [سورة النساء، الآية: 150] . قوله: (أجبنا) هذا هو المعنى العرفي للسمع والإطاعة أخص منه لاً نها القبول عن طوع كما يقال سمعا وطاعة والغفران مصدر إمّا منصوب على المصدرية أو على أنه مفعول به والمصير مصدر ميمي المراد به البعث. قوله: (1 لا ما تسعه قدرتها الخ) على الأوّل المراد بالوسع القدرة أي لا يكلفها إلا ما تقدر عليه، وعلى الثاني ما يسهل عليها من المقدور فهو أخص كما إذا كان في قدرته أن يصلي ستاً فأوجب خمساً فالواجب دون مدى طاقته أي غايتها ونهايتها، وقوله: وهو يدل الخ يعني على التفسيرين أما على الأول فظاهر، وأمّ على الثاني فبطريق الأولى، وقيل: إنه على الثاني مخصوص بهذه الأمة فلا دلالة على ذلك فهو راجع إلى التفسير الأول وفيه ردّ على من استدل بها على امتناعه وتفصيله في الأصول وضمير لها للنفس العامة. قوله: (من خير الخ) أخذ. من اللام وعلى الدالتين على النفع والضر في الأصل وقوله: لا ينتفع الخ الحصر مستفاد من تقديم الخبر كما مرّ وما ورد من الانتفاع بعمل الغير كأن يحج عنه أو يهدي له ثواب صدقته والتضرر يوزر غيره فمؤوّل بأنّ الذي له ثواب كسب المال المنفق فيه واثم العمل الذي تسبب عنه عمل غيره ونحو ذلك. قوله: (وتخصيص الكسب بالخبر الخ) الاعتمال الاجتهاد في العمل(2/353)
ويرد فيما يعمله المرء لنفسه والاستعمال فيما يعمله بواسطة غيره، والحاصل أنّ الصيغة لما دلت على زيادة معنى وهو الاعتمال والانجذاب إليه وردت في الشر إشارة إلى ما جبلت عليه النفوس واستعمل مقابلها في الخير لعدم ذلك فيه، وقال ابن الحاجب: إنه يدل على زيادة لطف من الله في شأن عباده إذ أثابتهم على الخير كيفما وقع ولم يجزهم على الشر إلا بعد الاعتمال والتصرّف وهو قريب مما ذكروه هنا. قوله: (أي لا تؤاخذنا بما أذى بنا الخ الما كان الخطأ والنسيان غير مؤاخذ عليهما فلا يظهر وجه الدعاء بعدم المؤاخذة أوّلوه بوجوه، أحدها: أنّ المراد لا تؤاخذنا بتفريط واغفال يفضي إلى خطأ أو نسيان وذلك التفريط فعمل لهم قد يؤاخذ به وان لم يكن ذنبا في نفسه لما يترتب عليه. قوله: (أو بأنفسهما الخ) أورد عليه أنه إنما يتم على القول بأنّ
التكليف بغير المقدر وجائز عقلاً غير واقع فضلاً من الله والا فلا يكون ترك المؤاخذة على الخطأ والنسيان فضلا يستدام ونعمة يعتد بها والمحققون من أهل السنة والمعتزلة على خلافه واك زامه، وأنّ الجواب الأوّل مبنيّ على المشهور وهذا على خلافه أسهل من الجواب بأنّ غير المقدر وهو نفس الخطأ والنسيان وليس الكلام في المؤاخذة عليه بل على الفعل المترتب عليه كقتل مسلم ظنه غير معصوم ونحوه مما يكون ترك المؤاخذة عليه فضلاً من الله تعالى والعزيمة القصد المصمم، وقوله: فيجوز الخ فهو على أسلوب قوله تعالى: {اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ} [سورة الفاتحة، الآية: 5، أو أنه من باب التحدث بالنعمة اعتناء بها كما قال تعالى. {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} [سورة الفحى، الآية: 0 ا] قال الطيبي: وهذا تكلف، وقد روي في مسلم أنّ هذه الآية ناسخة لقوله: {وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ} أسورة البقرة، الآية: ا] الآية فكما أنّ الخطرات والوساوس محلها النفس كذلك معدن النسيان والخطأ النفس فلم يكن النسيان والخطا متجاوزا عنها عقلا بل نقلاً، وفي الانتصاف رفع المؤاخذ بهما عرف بالسمع لقوله ىلمج! هـ: " رفع عن أمتي الخطأ " الخ فلعل رفعهما كان إجابة بهذه الدعوة وقد روي أنه قيل له: عند كل دعوة قد فعلت وأنما المعتزلة يذهبون إلى استحالة المؤاخذة بذلك عقلاً بناء على التحسين والتقبيح أص. قوله: (رفع عن أمتي الخطأ والنسيان) وما أكرهوا عليه وفي رواية وما استكرهوا عليه كذا وقع في كثير من الكتب وقد أخرجه الطبرانيّ في الأوسط عن ابن عمر رضي الله عنهما، وقال السبكيّ: قال محمد بن نصر ليس له إسناد يحتج به، وكذا قال غيره وقال النووي رحمه الله: إنه حديث حسن وفي سنن ابن ماجه بدل رفع وضع وهما متقاربان وسئل أحمد بن حنبل عنه فقال لا يصح: ولا يثبت إسناده وقال من زعم أنّ الخطأ والنسيان مرفوعان: فقد خالف كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فإنّ الله أوجب في قتل النفس خطأ الكفارة وفيه نظر. قوله: (عبأ) كحملا لفظا ومعنى بعين مهملة وباء موحدة وهمزة بين وجه اشتقاقه وأصل معناه بما ذكره وقوله: للمبالغة فعل يجيء للتكثير والمبالغة نحو قطعت الثياب وللتعدية وقتل الأنفس في التوبة أو في القصاص لأنه كان لا
يجوز غيره في شريعتهم وقطع موضع النجاسة من الثياب ونحوها، وقيل: من البدن وقوله: وخمسين صلاة قال السيوطي رحمه الله تعالى: هذا لا أصل له وإنما الثابت في الأحاديث أنّ عليهم صلاتين، وقوله: من البلاء والعقوبة الخ ناظر إلى أوّل تفسيري قوله تعالى: {لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} وقوله: أو من التكاليف إلى ثانيهما وقوله: فيكون صفة الخ أي على التوجيه الثاني وأمّا على الأوّل فصفة مصدر محذوف كما أشار إليه وفي كون توبتهم بقتل أنفسهم كلام في التفاسير. قوله: (وهو يدل على جواز التكليف الخ) أي والا لم يكن لهذا الدعاء فائدة وأجيب بأنّ المراد به ليس هو التكليف الشرعي بل إنزال العقوبات التي نزلت بمن قبلنا لتقصيرهم، وأجيب أيضا بأنّ المراد التكليف الشاق الذي يشبه بما لا يستطاع أصلا وضعف بأنه يكون تكريرا لما سبق من قوله: لا تحمل علينا إصرا والفائدة الجديدة أولى وفي شرح المقاصد تمسك بهذه الآية على جواز التكليف بما لا يطاق ودلالته على الجواز ظاهرة وأما على الوقوع فلأنّ الاستعاذة إنما تكون عما وقع في الجملة لا عما أمكن ولم يقع أصلاً، والجوإب أنّ المراد به العوارض التي لا طاقة بها لا التكاليف اص. قوله: (وامح ذنوبنا) فيه إشارة إلى الفرق بين العفو(2/354)
والمغفرة وتأخير الرحمة ووجهه ظاهر من تفسيره وفسر المولى بالسيد وترك تفسيره بمن يتولى أمورهم كما في الكشاف وقوله: فإنّ الخ إشارة إلى وجه الترتب بالفاء وفسر الكافرين بأعدائهم في الدين المحاربين لهم لمناسبته للنصرة وجوّز أن يعم جميع الكفرة. قوله: (روي أنه صلى الله عليه وسلم لما دعا الخ) قيل الظاهر أنّ المراد بدعائه بهذه الدعوات قراءته لهذه الآيات ويحتمل أن يكون قد دعا بها فنزلت هذه الآية حكاية لها، وقيل: الأوّل هو الوارد في الأحاديث الصحيحة " والثاني ورد بمعناه " حديث مرسل أخرجه ابن جرير، والنكتة في صيغة الجمع أنّ للاجتماعات تأثيرات وبركات ولإرادة العبد خبراً بأخيه أثراً في استنزال الخيرات، وقوله: " كفتاه) أي عن قيام تلك الليلة وقيل: " كفتاه " المكروه، وقوله: من كنوز الجنة تمثيل لما فيها
من كثرة الخير والبركة والثواب، وكذا الكتابة باليد تمثيل وتصوير لإثباتهما وتحققهما وتقديرهما بألفي سنة عبارة عن قدمهما لا للتحديد. قوله: (وهو يرد الخ) قال النووي رحمه الله تعالى في كناية الأذكار: نقل عن بعض المتقدمين أنه كان يكره أن يقال سورة البقرة وسورة الدخان والعنكبوت وشبه ذلك وإنما يقال السورة التي يذكر فيها البقرة وهكذا وهو خطأ فقد ثبت في الأحاديث الصحيحة " آيتان من آخر سورة البقرة " الحديث وأشباهه كثيرة لا تحصى اهـ. قلت قد مر أنّ المنع من ذلك صح عنهم والاستعمال أيضا صحيح بلا شبهة ولا خطأ فيه وإنما المنع كان في صدر الإسلام لما استهزأ سفهاء المشركين بسورة العنكبوت ونحوها فمنع منه دفعاً لطعن الملحدين ثم لما استقر الدين وقطع الله دابر القوم الظالمين شاع ذلك وساغ والشيء يرتفع بارتفاع سببه، وقوله: " فسطاط القرآن " الفسطاط بضم الفاء وكسرها هو الخيمة أو المدينة الجامعة أو الأوّل أصله وهذا منقول منه سميت بذلك لاشتمالها على معظم أصول الدين وفروعه وللإرشاد إلى كثير من أمور المعاس والمعاد، وسميت السحرة بطلة جمع باطل لانهماكهم في الباطل أو لبطالتهم عن أمر الدين ومعنى عدم استطاعتهم أنهم مع حذقهم لا يوفقون لتعلمها أو لتأمل معانيها أو العمل بما فيها، وقيل: لن يستطيعها إذا قرئت فإنها تهزمهم وتبطل سحرهم وشرهم وقيل: إنها من المعجزات التي لا تقدر السحرة على معارضحتها كغيرها من المعجزات المحسوسة، وقيل: المراد بالسحرة البلغاء كما في قوله: " إنّ من البيان لسحرا " وهو بعيد اللهم وفقنا للوصول إلى هذا الفسطاط واجعلنا ممن استظل بظل عنايتك ورحمتك ويسر لنا خيري الدنيا والآخرة واجعل القرآن ربيع قلوبنا وجلاء أسماعنا ونزعة أرواحنا ويسر لنا إتمام ما قصدناه بإحسانك يا أرحم الراحمين وصل وسلم على نبيك المنزل عليه وعلى آله وأصحابه وأهل بيته آمين.
تتا الجزء الثاني ويليه الجزء الثالث أوّله سورة آل عمران(2/355)
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة آل عمران
قوله: (إنما فتح الميم في المشهور الخ) قد سبق الكلام في معنى ألم وهل هي معربة أو
مبنية، أو موقوفة وأن الصحيح أنها معربة وإنما سماها بعضهم مبنية لعدم الإعراب بالفعل لفقد المقتضى له، وأنّ سكون أعجازها سكون وقف لا بناء، ولذا اغتفر فيها التقاء الساكنين، وحينئذ كان حقها هنا سكون الميم، وفتح الهمزة لكن جمهور القرّاء على فتح الميم وطرج الهمزة، واختلف في توجيهه فذهب سيبويه، وكثير من النحاة إلى أنه حرّك لالتقاء الساكنين بالفتح لخفته وللمحافظة، على تفخيم لفظ الله، وعليه مشى في، ألمفصل لأنه مختصر الكتاب، وذهب الفرّاء واختاره في الكشاف إلى أنه نقلت حركة الهمزة إلى ما قبلها، وحذفت وأورد عليه أن همزة الوصل سقطت في الدرج، ونقل الحركة إنما يكون على تقدير ثبوتها لآنّ إبقاء حركتها) بقاء لها، وأجيب عنه بأنه على نية الوقف فتكون ثابتة لأنه ابتداء كلام، ولإجرائه مجرى الدرج الصل به وحرّك، وأمّا قول ابن الحاجب إنه ضعيف غير مسلم، ولما كان التقاء الساكنين شائعا لي الوقف لم يقل إنّ التحريك له، وإليه أشار المصنف رحمه الله بقوله: توهم التحريم فإنه غير محذور، وقوله: وقرئ بكسرها الخ هي قراءة أبو حيوة، قال الزمخشري: وما هي بمقبولة لكن الفارسي قال: إن القياس لا يدفعها، وعن عاصم تسكين ميم، والابتداء بالهمزة مع الوقف وعدمه، واختير الفتح لئلا يجتمع كسرتان وياء بمنزلة كسرتين وأورد عليه اتفاقهم على كسرة الرحيم الله في الوصل، وفي شرح الطيبة كسر ميم الرحيم الله الجمهور على أنه حركة إعراب فلا يرد ما ذكر.
وبحتمل أنها سكنت بنية الوقف، ثم حركت لالتقاء الساكنين، وروي عن أمّ سلمة
رضي الله عنها قراءة سكون الميم وقطع الهمزة، وروي عن الكسائي فتح ميمه وصلا، وهو موجه بما مرّ، ويحتمل نصبه بأعني مقدراً. قوله: (روي الخ) المرويّ أنه عليه الصلاة والسلام قال: اسم الله الآعظم في ثلاث سور سورة البقرة وآل عمران وطه قال أبو أمامة: فالتمستها فوجدت في البقرة الله لا إله إلا هو الحيّ القيوم الخ، والمصنف رحمه ألله رواه بالمعنى. قوله: (القرآن(2/356)
نجوماً) أي على التدريج بناء على الفرق بين الإنزال والتنزيل، واليه أشار في تفسير أنزل هنا بقوله: (جملة) ، وقد مرّ أنّ بعضهم فسر التدريج بالتكثير الذي دل عليه فعل، وردّ بأنه إنما يدلّ عليه لو لم يكن للتعدية كما هنا، فإن نزل! لازم فلا يصح فيه ذلك، ومرّ جوابه.
وأمّا ردّ أبي حيان رحمه الله بأنه ورد في وصف القرآن نزل وأنزل فغير وارد، وقال الحلبيّ إنه يرى في كلام الزمخشريّ تناقضاً حيث قال: إنّ نزل يقتضي التنجيم، وأنزل يقتضي الإنزال الدفعيّ، وتجويزه أن يراد بالفرقان القرآن مع أنه قيل فيه أنزل قال ولا ينبغي أن يقال ذلك لأنه لم يقل إن أنزل للإنزال الدفعيّ.
وفي المغني يشكل على الزمخشرفي قوله تعالى: {لولا نزل عليه القرآن} [سورة الفرقان،
الآية: 32] جملة واحدة فقرن نزل بكونه جملة، وقوله: وقد نزل عليكم في الكتاب.
وقال العراقي: إنّ القرآن أنزل من اللوح المحفوظ إلى سماء الدنيا جملة واحدة، ومن
سماء الدنيا منجماً في ثلاث وعشرين سنة فيجوز أن يقال فيه نزل وأنزل، وأمّا بقية الكتب فلا يقال فيها إلا أنزل، وهذا أوجه وأظهر، وهذا فطير لم يخمر، وتخميره أن التدريج ليس هو التكثير بل الفعل شيئا فشيئا، كما في تسلل والألفاظ لا بدّ فيها من ذلك فصيغة نزل تدل عليه والإنزال مطلق، لكنه إذا قامت القرينة يراد بالتدريج التنجيم، وبالإنزال الذي قد قوبل به خلافه أو المطلق بحسب ما يقتضيه المقام إذا عرفت هذا فكل ما ذكر من عدم البصيرة، وضيق العطن
فافهم، وقد مرّ ما فيه مفصلاً. قوله: (بالعدل أو بالصدق الخ) قيل ليس في اللغة الحق بمعنى العدل، والحجج المحققة، ووصفه بالصدق باعتبار بعض أجزائه وهو الأخبار ويمكن أن يجعل باعتبار جميع أجزائه لاستلزام كل إنشاء خبرا وليس بشيء لأنه نص عليه أمام اللغة الراغب وعليه تعويل المصنف رحمه الله فيما مرجعه إلى اللغو، ومع قوله في أخباره كيف يتوهم السؤال بالإنشا آت، وما بين يديه ما تقدمه من الكتب كما مرّ تحقيقه، وهو في موضع الحال، وتقديره ملتبسا بالحق أو محقا. قوله: (واشتقاقهما من الورى والنجل الخ) الظاهر أنهما أعجميان لا عربيان وعلى القول بعربيتهما فأمر الاشتقاق والوزن ظاهر وعلى الأوّل فلا معنى له على الحقيقة لأنه إمّا أن يشتق من ألفاظ أخر أعجمية ولا مجال لإثباته، أو من ألفاظ عربية فهو استنتاج للضبّ من الحوت، ولذا عده المصنف رحمه الله تعسفا، فلم يبق إلا بعد التعريب اجروه مجرى أبنيتهم في الزيادة، والأصالة وفرضوا له أصلا ليتعرّف ذلك، وقد نقل هذا عن بعض المتقدمين، ومثله ما مرّ في طالوت، فمن قال: إنه فقول عن البصريين والكوفيين لم يات بشيء، وعلى هذا الأخير فالتوراة قيل إنها من ورى الزناد يرى إذا قدح فظهر منه النار لأنها ضياء ونور تجلو ظلمة الضلال، وقيل: إنها من ورّى أي عرّض لأنّ فيها رموزا كثيرة، وقوله: ووزنهما بتفعلة بفتح العين عند بعض الكوفيين، وبكسرها عند الفرّاء لكن فتحت وقلبت ياؤها ألفا للتخفيف كما قالوا: في توصية وتوصاة وهي لغة لبعض العرب، وعند الخليل وسيبويه فوعلة، والأصل وورية فأبدلت الواو تاء، وقوله: والنجل بفتح فسكون هو الماء الذي ينز في الأرض، ومنه: النجيل لما ينبت فيه، ويطلق على الوالد والولد، وهو أعرف فهو ضد كما قاله للزجاجيّ: وهو من نجل بمعنى ظهر سمي به إمّا لاستخراجه من اللوح المحفوظ، وظهوره منه أو من التوراة، وقيل إنه من التناجل، وهو التنازع لكثرة النزاع فيه، وقيل: من النجل بمعنى الوسع لتوسيعه ما ضيق في التوراة، وقوله: لأنهما أعجميان قد عرفت وجهه وتوجيهه، وما قيل: إنّ الدليل على عربيتهما دخول اللام لأنّ دخولها في الأعلام الأعجمية محل نظر لا وجه له لأنهم ألزموا بعض الأعلام العجمية الألف واللام علامة للتعريب كما في الإسكندرية فإن أبا زكريا التبريزيّ قال: إنه لا يستعمل بدونها مع أنه لا خلاف في أعجميته حتى لحن من استعمله بدونها وافعيل بالكسر كثير، وأمّا بافتح فليس من أبنية العرب. قوله:) على العموم إن قلنا إنا متعبدون) بفتح الباء من تعبد الله الخلق بمعنى استعبدهم أي مأمورون
بشرائع من قبلنا، وجوّز العلامة في شرح الكشاف كسرها من التعبد بمعنى التنسك، وإنما عبروا بالتعبد لأنه إذا أطلق أريد منه العمليات إذ لا خلاف في الاعتقاديات بين الشرائع، ومن لم يتنبه لهذا قال: يعني الناس مستغرق على(3/2)
تقدير، ومعهود على آخر، وفيه أنه للاستغراق على كل تقدير إذ لا خلاف في أن الكتابين أخبرا عن نبوّة محمد صلى الله عليه وسلم فهما هدى للناس جميعاً، وبأن أصول الكتابين لم تنسخ بكتابنا فنحن متعبدون بهما. قوله: (يريد به جنس الكتب الخ) الضمير في قوله ليعمّ لذلك المذكور أو للذكر، وسائر بمعنى الباقي أو بمعنى الجميع عند من جوّزه، وأعاد أنزل لئلا يتوهم أن المعنى وللفرقان، وعلى هذا فهو من ذكر العامّ بعد الخاص للتتميم، ولكونه بوصف آخر لا تكرار فيه. قوله: (أو الزبور أو القرآن الخ) اختار الإمام الوجه الأخير لأنّ التكرار خلاف الظاهر ولأن الزبور مواعظ فليس فيه ما يفرق بين الحق، والباطل من الأحكام، وأجيب بأنه لا تكرار لتنزيل تغاير الوصف منزلة تغاير الذات أو أنه تنزيل تدريجي، وانزال دفعيّ، وكان الظاهر تقديمه لكنه أخر لأن الانتفاع لنا بالأوّل أظهر، وأنّ المواعظ لما فيها من الزجر والترغيب فارقة أيضا، ولخفاء الفرق فيها خصت بالتوصيف به، وأورد عليه أن ذكر الوصف دون الموصوف يقتضي شهرته به حتى تغني عن ذكر موصوفه، والخفاء إنما يقتضي إثبات الوصف دون التعبير به، وقوله بما هو نعت له ليس المراد به النعت المصطلح بل الصفة مطلقاً لأن الكتب السماوية كلها فارقة بين الحق والباطل، فأعادته بذلك العنوان، وتخصيصه إشارة إلى أنه الكامل فيه لكونه بمعناه، ولفظه المعجز، ولو أجرى عليه لم يكن بهذه المنزلة.
وفي بعض النسخ وعن محمد بن جعفر بن الزبير قال الفصل بين الحق والباطل فيما اختلف فيه الأحزاب من أمر عيسى عليه الصلاة والسلام وغيره قال ابن جرير رحمه الله: وهذا القول أولى لأن صدر السورة نزل في محاجة النصارى للنبيّ صلى الله عليه وسلم في أمر عيسى عليه الصلاة والسلام. قوله: (من كتبه المنزلة وغيرها) إشارة إلى أن الإضافة ليست للعهد وقوله بسبب كفرهم إشارة إلى أن التعليق بالموصول الذي هو في حكم المشتق يشعر بالعلية، وهو معنى تضمنه الرط، وترك فيه الفاء لظهوره فهو أبلغ إذا اقتضاه المقام، والعذاب الذي في مقابلة الكفر أو الشديد مخصوص بهم فلذا قدّم لهم فلا ينافيه تعذيب عصاة الموحدين. قوله:) غالب
لا يمنع الخ) فسره به لأنه من شأن العزيز، وبه يتمّ الارتباط بما قبله، وقوله: لا يقدر على مثله منتقم أخذ المبالغة من التعبير بذي فإنه لا يقال صاحب سيف إلا لمن يكثر القتل لا لمن معه السيف مطلقاً مع ما فيه من التنوين المفيد للتعظيم، والإبهام ومنه يعلم أنّ ذا الإحسان أبلغ من محسن، ولذا عدل فيه عن المنهج المسلوك، وهو أخصر. قوله: (والنقمة عقوية المجرم (، وقيل: هي العقوبة البليغة وقيل: السطوة والانتصار والفعل منه نقم كعلم وضرب، وقيل: نقم عليه أنكر وانتقم عاقب، وتقرير التوحيد من لا إله إلا هو، والعمدة في إثبات النبوّة الوحي والكتب السماوية والزجر بالانتقام، والإعراض هو الكفر. قوله: (أي شيء كائن الخ) يصح قراءته بالتخفيف والتشديد، وقوله: كليا كان أو جزئيا ردّ على منكري العلم بالجزئيات كما بين في الكلام وقوله: إيمانا أو كفرا وقع في نسخة وكفرأ، وهو بمعناه وقوله: فعبر عنه بالسماء والأرض الخ يعني لأنهما العالم كله في النظر الظاهر، وجعله من إطلاق الجزء وارأدة الكل قيل: إنه ليس بسديد إذ لا يصح في كل جزء وكل بناء على اشتراط التركيب الحقيقي وزوال ذلك الكل بزوال ذلك الجزء كما في التلويح، وهو مما اختلف فيه فهو عنده كناية لا مجاز. وقوله: ما اقترف أي اكتسبه العباد من المعاصي فإنه فيها وجعله كالدليل لأنّ العلم
يستلزم الحياة، ولم يقل دليلاَ لأن السياق إنما هو للوعيد والتحذير من عقاب من هو مطلع عليهم، وعبادته معطوف على نفسه عطف تفسير، واختلاف الصور مأخوذ من عموم كيف يشاء، والتصوير من جملة تدبيرهم، والقيام بامرهم واتقان الفعل يدل على العلم كما مرّ. توله:) اي صوّركم لنفسه وعبادته) أي ليس المراد بالتصوّر قيام الصورة بالذهن، وهذا المعنى يؤخذ من صيغة التفعل كما في الكشاف يقال: أثلث مالاً إذا جعلته أثلة أي أصلاً وتأثلته إذا أثلته لنفسك، ومنه تبناه اتخذه ابنا له، وباب تفعل يجيء للاتخاذ نحو توسدت التراب أي اتخذته وسادة لي فما قيل كأنه من تصوّرت الشيء بمعنى توهمت صورته فتصوّر لي توهم
محض. قوله: (إشارة إلى كمال قدرته الخ) لأنّ الغلبة تقتضي القدرة التامّة، وصيغة(3/3)
حكيم تقتضي تناهي الحكمة، وقوله وقيل: ايخ أي نبه بالتصوير لجميع الناس على أن عيسى عليه الصلاة والسلام عبد كغيره لحدوثه، وأن الرب من لا يخفى عليه خافية ومن لا يكون كذلك لا يكون رباً لأنه لا يعلم بما في نفسه إذ صوّر، وهذا من قوله: {إِنَّ اللهَ لاَ يَخْفَىَ} [سورة آل عمران، الآية: 5] الخ ولخفائه ضعفه بقوله: وقيل الخ ولذا قيل إنه إدماج وليس مأخوذا من حاق النظم فافهم. قوله: (أحكمت عبارتها بأن حفظت الخ) في الكشاف بدل الإجمال الاحتمال وهو ما ذهب إليه الشافعية من أنّ المحكم المتضح المعنى، والمتشابه بخلافه ومعنى اتضاح المعنى أن يظهر عند العقل أنّ معناه هذا لا غير، وأمّا عند الحنفية فالمحكم الواضح الدلالة الظاهر الذي لا يحتمل النسخ والمتشابه الخفيّ الذي لا يدرك معناه عقلاً ولا نقلاً وهو ما استأثر الله بعلمه والغرض من إنزاله ابتلاء الراسخين وكج عنان التصرّف وقد يطلق المحكم بمعنى المتقن النظم والمتشابه على ما يشبه بعضه بعضا في البلاغة وهما بهذا المعنى يطلقان على جميع القرآن قال المدقق في الكشف واعلم أنه لا ينكر أنّ في القرآن من الحقائق ما لا سبيل للبشر إلى الوقوف عليه تصديقاً لقوله تعالى: {وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً} ، ولقوله عليه الصلاة والسلام: " هو البحر لا تنقضي عجائبه في وصفه) ، إنما النزاع في المتشابه المذكور في قوله: {وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} وفي أن ما سيق لتلك المعاني المستأثر بها في علم الغيب له ظاهر كلفنا علمه، وباطن كلفنا تصديقه إيمانا بالغيب فلا نزاع بين الفريقين، ومن المتشابه الصفات السمعية من الاستواء واليد والقدم، والنزول إلى السماء الدنيا والضحك والتعجب وأمثالها فعند السلف، ومنهم الأشعري أنها صفات أخر غير الثمانية ثابته وراء العقل ما كلفنا إلا اعتقاد ثبوتها مع اعتقاد عدم التشبيه والتجسيم لئلا يتعارض! العقل، والنقل وعند الخلف ليست صفات زائدة على الثمانية بل راجعة إليها والأليق أن يتوقف لأنه المنقول عن السلف الصالح، ولنا بهم أسوة حسنة مع ظهور وجهه، ثم إنّ التأويل له معنيان مشهور وهو ترجمة الشيء وتفسيره الموضح له وآخر وهو بيان حقيقته وابرازها لما بالعلم، أو بالفعل وكلاهما وارد في القرآن ومحتمل هنا أيضاً وعليه ينبني الوقف، وعدمه أيضاً.
قال الراغب: التأويل من الأول وهو الرجوع إلى الأصل ومنه الموئل للموضمع الذي
يرجع إليه وذلك هو ردّ الشيء إلى الغاية المرادة منه علماً كان أو فعلاَ ففي العلم نحو وما يعلم تأويله إلا الله وفي الفعل كقوله:
وللنوى قيل يوم البين تأويل
وقوله تعالى: {يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ} [سررة الأعراف، الآية: 53] أن بيانه الذي هو غايته المقصودة منه، وقوله: {ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} [سورة النساء، الآية: 59] قيل: أحسن ترجمة ومعنى وقيل أحسن ثوابا في الآخرة انتهى، ويكون المحكم في مقابلة المنسوخ أيضآ لكنه غير مشهور وفي الترجيح بينهما كلام في شرح الكشاف، والأصول من أراد تفصيله فليرجع إليه. قوله: (والقياس أمّهات الخ الما لم يتطابق المحمولان أوّله بأنّ المراد منهن كل واحدة فيصح حمل المفرد عليه، وحينئذ فالكتاب إنا أن يراد به الجنس الشامل لكل آية أو يقدر فيه أي بعض الكتاب، أو إنه جعلهن في حكم شيء واحد لاتحاد نوعها فلذا أفرد الخبر. قرله:) محتملات الخ) مخالفة الظاهر من ذكر العامّ بعد الخاص لأنهم عرّفوه بما لا يتضح معناه وتحته أنواع منها المجمل فأو لمنع الخلوّ فلا يرد عليه شيء، وعلى هذا فكل آية منه تحتمل وجوها يشبه بعضها بعضا فتوصف بالتشابه باعتبار معناها وما فيها من الوجوه فسقط ما تيل إن واحد متشابهات متشابهة وواحد أخر أخرى والواحد منهما لا يصح وصفه بالآخر، فلا يقال أخرى متشابهة إلا أن يكون بعض الواحد شبه بعضاً، وليس المعنى عليه بل لا يصح في المفردات وإنما المعنى أنّ كل آية تشبه الأخرى فكيف يصح وصف جمع بجمع لا يصح وصف مفرده بمفرده، ولا حاجة إلى ما تكلف في الجواب عنه لأنه ليس من شرط صحة وصف المثنى والمجموع صحة بسط مفردات الأوصاف على أفراد الموصوفات كما أنه لا يلزم من الإسناد إليه صحة إسناده إلى كل واحد كما في وجد فيها رجلين يقتتلان إذ الرجل لا يقتتل رلذا قيل في قوله حافين من حول العرس ليس لحافين مفرد إذ الواحد لا يكون حافا أي محيطأ، وسيأتي بيانه على أنه إذا علم أن المتشابه مجاز أو كناية عما لا يتضح معناه، أو ما لا يعلم معناه على الرائين علم أن السؤال مغالطة غير واردة رأسا.(3/4)
قوله: (ليظهر قيها فضل العلماء الخ) جواب سؤال عن حكمته، ولم لم يكن كله محكماً لأنه أنزل للهداية والإرشاد فأجاب بأنه متضمن للإرشاد أيضا إلى فضل العلماء واكتساب العلوم والكد المحصل للثواب، والاستنباط الاستخراج، والقرائح الطبائع ثم أشار إلى معنى آخر للمحكم والمتشابه وقد مرّ بيانه. قوله: (وأخر جمع أخرى لخ) أخر جمع أخرى مؤنث آخر أفعل تفضيل وقياس بابه إذا
قطع عن الإضافة أن لا يستعمل إلا باللام فاستعماله بدونها عدول عما هي فيه، واعترض عليه أبو عليّ رحمه الله بأنه لو كان كذلك وجب أن يكون معرفة كسحر فأجابوا بأنه لا يعد في استعماله نكرة بعد حذف اللام المانعة منه كذا في الإيضاح، والى هذا الأشكال أشار المصنف رحمه الله بقوله، ولا يلزم منه معرفته وفي نسخة تعريفه يعني أنه لا يلزم في المعدول عن شيء أن يكون بمعناه من كل وجه، وإنما يلزم أن يكون قد أخرح عما يستحقه وما هو القياس فيه إلى صيغة أخرى نعم قد يقصد إرادة تعريفه بعد النقل إمّا بألف ولام تضمن معناهما فيبنى وامّا بعلمية كما في سحر فيمنع من الصرف، ولما لم يقصد في آخر إرادة الألف واللام أعرب ولا يصح إرادة العلمية لأنها تضادّ الوصفية المقصودة منه.
قوله:) أو عن آخر من) هذا مذهب ابن جني وقال ابن مالك وغيره: إنه التحقيق ولكن
ما مر مذهب الجمهور، ووجهه أنّ أصل باب التفضيل أن يستعمل بمن، ويستغنى به عن جمعه فلما خالفه جعل معدولاً عنه ولا يجوز أن يكون بتقدير الإضافة لأنّ المضاف إليه لا يحذف إلا مع بناء المضاف كما في الغايات أو مع ما يسدّ مسده، وفيه نظر. قوله: (عدول عن الحق) الزيغ الميل، قيل: لا يقال إلا لما كان من حق إلى باطل، وقال الراغب: الزيغ الميل عن الاستقامة إلى أحد الجانبين، وزاغ وزال ومال متقاربة لكن زاغ لا يقال إلا فيما كان عن حق إلى باطل انتهى، هاليه أشار المصنف وزبغ مبتدأ وفاعل. قوله:) فيتعلقون بظاهره الخ) هذا مأخوذ من الحصر المفهوم من التقابل إذ معناه أنهم يتبعون المتشابه وحده بأن ينظروا إلى ما يطابقه من المحكم، ويردّوه إليه وهو إمّا بأخذ ظاهره الغير المراد له تعالى أو أخذ أحد بطونه الباطلة، وحينئذ يضربون القرآن بعضه ببعض، ويظهرون التناقض بين معانيه إلحادآ منهم وكفراً ويحملون لفظه على أحد محتملاته التي توافق أغراضهم الفاسدة في ذلك، وهذا معنى قوله: ابتغاء الفتنة وابتغاء تأوبله فالإضافة في تأويله للعهد أي بتأويل مخصوص لا يوافق المحكم بل يوافق ما يشتهونه، وتوله: كالمبتدعة إشارة إلى أنه أعئم من المسلمين هنا إذ المراد من يخالف الحق، ويأتي بما يختلفه من الباطل لما ذكر في سبب النزول فتدبر. قوله: (ويحتمل أن يكون الداعي الخ (قيل: كأنه جعل الداعي أوّلاً الطلبتين على التوزيع بأن جعل ابتغاء الفتنة طلبة بعض، وابتغاء التأويل حسبما يشتهي طلبة بعض فعقبه باحتمالين آخرين، ويشير إليه تفسير اتباع
ما لابه، ومناسبة المعاند أنه لقوّة عناده يتشبث بهما معا، والجاهل أنه لتحيره تارة يتبع هواه لعدم علم يصرفه إلى ما سواه وتفسير تأويله بما يجب أن يحمل عليه لأنه هو المطابق للواقع يعلم من التعبير بالعلم وإضافته إلى الله، والمراد بما يجب أن يحمل عليه أي على نوعه وما يضاهيه، والتعبير بالراسخين يقتضي تقابله بالزائغين. قوله: (ومن وقف على إلا الله) فيه ثلاثة مذاهب منهم من وقف على إلا الله ومنهم من وقف على الراسخون، ومنهم من جوّز الأمرين د! اليه ذهب كثير من أئمة التحقيق ولهم في ترجيح ذلك كلام طويل فرجح ما ذهب إليه بوجوه أما اوّلاً فلأنه لو أريد بيان خط الراسخين مقابلاً لبيان خط الزايغين لكان المناسب أن يقال وأمّا الراسخون فيقولون.
واما ثانياً فلأنه لا فائدة حينئذ في قيد الرسوخ بل هذا حكم العالمين كلهم.
وأما ثالثا فلأنه لا ينحصر حينئذ الكلام في المحكم والمتشابه على ما هو مقتضى ظاهر
العبارة حيث لم يقل ومنه متشابهات لأن ما لا يكون متضح المعنى، ويهتدي العلماء إلى تأويله ورذه إلى المحكم مثل إلى ربها ناظرة لا يكون محكما ولا متشابها بالمعنى المذكور، وهو كثير جداً، وأمّا رابعا فلأنّ المحكم حينئذ لا يغون أثم الكتاب بمعنى رجوع المتشابه إليه إذ لا رجوع إليه لما استاثر الله به كعدد الزبانية، وقد رجح الثاني بأنّ أمّا للتفصيل فلا بد في مقابلة الحكم على الزائغين من حكم على(3/5)
الراسخين لتحقق التفصيل غاية الأمر أنه حذفت أمّا والفاء وبأن الآية من قبيل الجمع والتقسيم والتفريق فالجمع في قوله: أنزل عليك الكتاب والتقسيم في قرله: {مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} والتفريق في قوله: {فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ} فلا بد في مقابلة ذلك من حكم يتعلق بالمحكم، وهو أن الراسخين يتبعونه، ويرجعون المتشابه إليه على ما هو مضمون قوله والراسخون في العلم الخ والجواب أنّ كون أمّا للتفصيل أكثريّ لا كليّ ولو سلم فليس ذكر المقابل في اللفظ بلازم، ثم لو سلم كون الآية من قبيل الجمع والتفريق والتقسيم فذكر المقابل على سبيل الاستئناف أو الحال أعني يقولون الخ كاف في ذلك، والحق أنه إن أريد بالمتشابه ما لا سبيل إليه للمخلوق فالحق الوقف على إلا الله وإن أريد ما لا يتضح بحيث يتناول المجمل، والمؤوّل فالحق العطف، ويجوز الوقف أيضا لأنه لا يعلم جميعه أو لا يعلمه بالكنه إلا الله وأما إذا فسر بما دلّ القاطع أي النص النقلي أو الدليل الجازم العقلي على أن ظاهره غير مراد ولم يقم دليل على ما هو المراد ففيه مذهبان فمنهم من يجوّز الخوض! فيه وتأويله بما يرجع إلى الجادّة في مثله فيجوز عنده الوقف وعدمه
، منهم من يمنع الخوض فيه على ما عرفت في الصفات السمعط فيمتنع تأويله ويجب الوقف
عنده ففي قول المصنف رحمه الله أو بما دلّ القاطع تأمّل. قوله: (اسمئناف موضح الخ) والنحاة يقدرون له مبتدأ دائماً أي هم يقولون وقد قيل: إنه لا حاجة إليه ولم يعرف وجه التزامهم لذلك فلينظر، وقوله: موضح لحال الراسخين إشارة إلى وجه ترك العطف فيه، وهذا القول، وإن لم يخص الراسخين لكن فيه تعريض بأن مقتضى الإيمان به أن لا يسلك فيه طريقاً لا يليق من تأويله على ما مرّ فكأنّ غيرهم ليس بمؤمن، وليس فيه أنه يقتضي أنّ الراسخين يعلمون جميع المتشابه مع أنّ منه ما استاثر الله بعلمه أي انفرد واستبذ به مع أن الواصلين لا يفسرون المتشابه بما يشمله بل بما يقابله فتأمل، وقوله: إن جعلته مبتدأ أي الراسخون، وقوله: كل من المتشابه هذا ظاهر إن رجع ضمير به إلى المتشابه وإن رجع إلى الكتاب فله وجه أيضاً لأنّ مآله كل من أجزاء الكتاب، وهي لا تخلو عنهما. قوله: (مدح للراسخين الخ) فهو معطوف على جملة يقولون لا من جملة المقول فهو حي! سذ من وضعالمظهر موضمع المضمر أي الأهم ودلالته على ما ذكر لحصر التذكر والتدبر فيهم وتجرّد عقولهم عما يغشاها من الحس المكدر لها من التعبير باللب إذ هو الخالص، وخلوصه عما ذكر كما مرّ تفسيره به. قوله: (واتصال الآية الخ (جعل العلم تصويراً وتربية للروح على ضرب من التمثيل لأنّ به كمالها وشقاوتها وسعادته فتبقى به في النعيم وتفارقه بعدمه كما أنّ الجسد يبقى بالروح ويفنى بمفارقتها، ولا يخفى أنّ كون كل منهما تصويرا وتكميلاً في الجملة يناسب ذكره معه، ولما بين التصوير الحقيقيّ الجسماني والذي ليس هو كذلك من الروحاني من التفاوت والتباين ترك العطف وقوله: (أو أنه جواب الخ) أي هذه الآية رد عليهم في فهمهم، من روج الله وكلمته ما فهموه، وما قبلها أيضا ردّ عليهم في إنه ابن الله لأنه لا أب له بأن من يقدر على هذا يقدر على التصوير من غير نطفة ولأنّ المصوّر لا يكون أب المصوّر كما مرّ، وقيل: المناسبة إنّ في المتشابه خفاء كما انّ تصوير ما في الأرحام كذلك. قوله: (من مقال الراسخين الخ) وقيل: إنه تعليم للعباد أي قولوا إذا مرّ بكم متشابه {رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا} عن الإيمان بأنه حق أو عن تأويله بما ترتضيه بعد إذ هديتنا بإنزاله علينا وما ذكره المصنف رحمه الله أقرب، وما ذكره هذا القائل مآله إلى الوجه
الثاني عند التأملى، والحديث المذكور أخرجه الترمذفي والشيخان وأصبعي الرحمن تأويل لأنّ هدايته وضلاله موقوف على إرادته فأيهما أراد وقع سريعا شبه تصرّفه ذلك بأمر خفيف يهون تقليبه بالأصابع وفي التعبير بالرحمن إشارة إلى أنّ لطفه به أكثر. قوله:) وقيل لا تبلنا ببلايا تزيغ فيها قلوبنا) قائله الزمخشري بناء على مذهب المعتزلة، ولذا ردّه المصنف وعبارته لا تبلنا ببلايا تزيغ فيها قلوبنا، أو لا تمنعنا ألطفاك بعد إذ لطفت بنا، وقرئ لا تزغ قلوبنا بالتاء والياء ورفع القلوب قال العلامة ظاهر النظم لا تضلنا لأنّ زيغ القلوب في مقابلة الهداية ومقبال الهداية الإضلال فيلزم أن يكون الإضلال من الله كما أنّ الهداية منه لكنه ليس موافقاً لمذهبه يعني في أفعال العباد فلا جرم أوّله بأحد(3/6)
أمرين إما السبب أو منع اللطف، وقراءة الرفع من قبيل لا أرينك ههنا وهو من الكناية ولكونها بحسب الظاهر تؤيد مذهب المعتزلة تركها المصنف رحمه الله. قوله: (إلى الحق والإيمان الخ) هذا بناء على أن الهداية الدلالة الموصلة، وفسرها الزمخشريّ باللطف أيضاً إشارة إلى أنه يصح أن يراد بها مطلق الدلالة وبعد منصوب على الظرفية والعامل فيه تزغ، واذ مضاف إليه لأنها متصرّفة أو مصدرية، وأمّا القول بأنها بمعنى أن المصدرية المفتوحة الهمزة والمعنى بعد هدايتنا فلم نر من تعرّض له من النحاة أصلا لكن المصنف رحمه الله ثقة والمذكور في النحو أنها تكون حرف تعليل فيؤوّل ما بعدها بالمصدر نحو، ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أي لظلمكم فإن كان أخذه من هذا فهو كما ترى، ثم إني رأيته في إعراب القرآن للحوفي، ولم أره لغيره وقوله: (تزلفنا إليك) أي تقرّبنا أخذه من لدن في لدنك ولدن أخص من عند لأنها تستعمل للحاضر بخلاف عند وأشار بقوله: عندك إلى أنها ظرف مثلها وعلى هذا التفسير الرحمة بمعنى الإحسان والأنعام، وعلى تفسيرها بالتوفيق فهي إنعام مخصوص وإنما ذكر الثبات ليفيد بعد ما فسر به إذ هديتنا، وقوله: لكل سؤال العموم مأخوذ من حذف المعمول، كما في فلان يعطي ويمنع، والهبة ما يكون بلا عوض! في الأصل
فلذا يفيد ما ذكره، والقول بالوجوب ليس مذهب أهل السنة والكلام عليه مبسوط في الكلام، وقوله: (لحساب الخ) إشارة إلى تقدير مضاف وأن اللام للتعليل، والطلبتين عدم الزيغ وهبة الرحمة. قوله: (فإنّ الإلهية تنافيه الخ (يعني أنّ العدول عن المضمر المخاطب على ما هو الظاهر إلى الاسم المظهر بغير لفظ الرب المتقدم للدلالة على أنّ الحكم مترتب على ما يدل عليه اسم الله كما في التعليق بالوصف، وهذا بملإحظة معناه قبل العلمية، وهو المقصود من تلوين الخطاب، والتلوين أعمّ من الالتفات واستدل به الوعيدية وهم المعتزلة القائلون بوجوب الثواب والعقاب، وأجيب عنه بأجوبة منها أنه مشروط بشروط معلومة من ضوص أخر كعدم العفو أو عدم التوبة للوفاق بيننا وبينهم عليه على إن الميعاد مصدر بمعنى الوعد ولا يلزم من عدم خلف الوعد عدم خلف الوعيد لأنّ الأوّل مقتضى الكرم كما قال:
واني وان أوعدته أو وعدته لمخلف إيعادي ومنجز موعدي
أو هو إنشاء فلا يلزم الكذب في تخلفه، وعلى الأوّل فالتعريف جنسيّ، وعلى ما بعده الألف واللام فيه للعهد. قوله: (أي من رحمته أو طاعته الخ) يعني أنّ من للبدل على تقدير مضاف كقوله:
فليت لنا من ماء زمزم شربة
أي بدلها ومعنى أغنى عنه أجزاء وكفاه فشيئاً نصب على المصدر، وقد يجعل مفعولاً به
لما في أغنى من معنى الدفع لأنه في الأصل دفع الحاجة لكن لا يخفى أنّ المعنى ليس لا تدفع عنهم شيئاً بدل الرحمة، أو الطاعة نعم يصح أن يكون مفعولاً به لأنّ معنى أغنى عنه كفاه وشيئا ثاني مفعولي كفى كقوله تعالى: {وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ} [سورة الأحزاب، الآية: 25] وقال أبو حيان رحمه الله: كون معنى من البدلية ينكره أكثر النحاة فهي لابتداء الغاية كما قاله المبزد. أو التبعيض على أنها صفة لشيئاً قدمت عليها فصارت حالاً، والتقدير من عذاب الله حينئذ، وذكر أبو عبيدة أنها بمعنى عند وهو ضعيف واليه أشار المصنف رحمه الله بقوله: أو من عدّابه فتأمّل، وقوله: حطبها إشارة إلى أنه على قراءة الفتح ليس بمصدر فلا يحتاج إلى تقدير وهذا هو الصحيح وقيل إنه مصدر أيضاً. قوله: (متصل بما قبله الخ) في إعرابه وجهان النصب على أنه صفة مصدر لتغني أي إغناء كعدم إغناء وفيه الفصل بين العامل، ومعموله بجملة وأولئك إلا أن تقدر اعتراضية أو أنه صفة لوقود وعلى كونه مصدرأ فهو ظاهر وأما على كونه اسما جامداً
مفيه نظر كما قاله أبو حيان رحمه الله وفيه وجوه، والرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف أي دأب هؤلا كدأب هؤلاء، وهو إن كان استئنافا بيانيا بتقدير ما سبب هذا على ما قاله النحرير: فلا يليق أن يقول المصنف رحمه الله والعذاب والا فلا يرد عليه هذا كما قيل والجواب أن المراد لالعذاب استحقاقه بعيد، والدأب في الأصل بمعنى إتعاب النفس في العمل، ولدا استعمل في الثأن والخطر لأنه لا يحصل بدونه غالبا وقوله: إن ابتدأت بالذين هو الوجه الذي في العمل، ولدا استعمل في الشأن والخطر لأنه لا يحصل بدونه غالبا وقوله: إن ابتدأت بالذين هو الوجه الذي أشار إليه قوله: وقيل استئناف. قوله: (قل لمشركي مكة ستنلبون يعني يوم بدر) وعلى هذا إذا كان الخطاب(3/7)
في قد كان لكم آية لهم فهو إئا مقول لهم بعد ذلك أو عبر عن المستقبل لالماضحي لتحقق وقوعه، وقينقاع بفتح القاف وتثليث النون طائفة من يهود المدينة، والإغمار لالغين المعجمه جمع غمر بالضم، والسكون وقوله: نحن الناس أي الكاملون العارفون لالحروب وفي " الكشاف " أيضاً أنه صلى الله عليه وسلم لما غلب يوم بدر قالوا هذا والله النبيّ الأميّ الذي بشرنا به موسى عليه الصلاة والسلام، وهموا باتباعه فقال بعضم لا تعجلوا حتى ننظر إلى وقعة أخرى فلما كان يوم أحد شكوا فالمعنى لا تشكوا فإني إن غلبت اليوم فستغلبون وتحشرون إلى حهنم وعلى الأوّل ستغلبون كما غلبت قريش، وقريظة بالتصغير والنضير بالفتح والتكبير طانفتان من اليهود وهو حينثذ من دلائل النبوّة للإخبار بالغيب. قوله: (وقرأ حمزة الخ) قال الخحرير: حاصل الفرق أنّ المعنى على تقدير تاء الخطاب أمر النبيّ صلى الله عليه وسلم بأن يخبرهم من عند لفسه بمضمون الكلام حتى لو كذبوا كان التكذيب راجعا إليه، وعلى تقدير ياء الغيبة أمره بأن يزذي إليهم ما أخبره الله تعالى به من الحكم بأنهم سيغلبون بحيث لو كذبوا كان التكذيب راجعا إلى الله تعالى قالوا: فعلى الخطاب الإخبار بمعنى كلام الله تعالى، وعلى الغيبة بلفظه وإلا ظهر أنّ الأمر بالعكس، وكانهم جعلوا ضمير بلفظه لما أخبره به، والحق أنه للنبيّ صلى الله عليه وسلم
كالمنصوب في أخبره، والمرفوع في يحكي أي أمره بأن يحكي لهم بلفظه هذا الوعيد على الوجه الذي يناسب ولا خفاء في أنه! لا يناسب أن يقول لهم سيغلبون بلفظ الغيبة فأحسن التدبر ففي المعنى تضييؤ، وفي اللفظ تعقيد حيث قال: وهو أن معنى سيغلبون الكائن، أي ما هو كائن من نفس المتوعد به أي الأمر الذي وقع به الوعيد إلى أن قال: وإذا كان الإخبار به! االمعنى فلا بد من الإتيان باللفظ الداذ عليه بخلاف الأمر بحكاية الإخبار فإنّ اللفظ من عنده على ما يقتضيه سوق الكلام هذا وما ذكره بعبارة الكتاب أوفق، وما ذكرناه بحسب المعنى أليق وذكر في قوله تعالى: {قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُم} [سورة الأنفال، الآبة: 38] أن المعنى لأجلهم، وفي حقهم فذكر في كل من الآيتين أحد الوجهين فلا تكون الغيبة بلفظ الله والحكاية بلفظه ففي مثل هذا التركيب ثلاثة وجوه فأعرفه، وما ذكره رذ على العلامة لكنه ليس بوارد إذ لا خلاف بينهما إلا في مرجع الضمير، وقد اعترف بأنه أليق بعبارة الكتاب وليس على الشارح إلا موافقة كلامه لمشروحه فتأمّل، والمهاد كالفراش لفظأ ومعنى والجملة أفا مقول القول أو تذييل متعلق به والمحخصحوص بالذمّ مقدّر وهو جهنم وما مهدوه وحكمه معلوم في النحو- قوله: (الخطاب لقريش الخ) وقيل: إنه عاتم وارتضاه في الكشف، وقال: إنه الذي يقتضيه المقام كي لا يقتطع الكلام، ويقع التذييل والله يؤيد بنصره موقع المسلث في الختام. قوله: (يرى المشركون المؤمنين) في ضمير الفاعل في يرونهم احتمالان، الأوّل أن يعود إلى المشركين واستدلّ له في الكشاف بقراءة نافع ترونهم بالخطاب لأنّ الخطاب الأؤل عنده لمشركي مكة فيكون فاعل ترونهم للمشركين قطعا، وحينئذ فالضمير المفعول للمسلمين لا غير، والضمير المضاف إليه مثليهم أمّا للمشركين فالمعنى يرى المشركون المسلمين مثلى المشركين وكانوا قريبا من ألف فرأوا المسلمين قريبا من ألفين أو للمسلمين أي يرى المشركون المسلمين مثلى المسلمين وكانوا ثلثمائة وبضعة عشر فرأوهم ستمائة ونيفاً وعشرين، قيل: والمعنى على هذا واضح، وأمّا على ما قبله فيكون فيه التفات من الخطاب إلى الغيبة هاليه أشار الزمخشرقي بقوله: مثل فئتكم الكافرة، وحينئذ يكون في الآية ثلاث التفاتات في قوله: {وأخرى كانرة ترونهم مثليهم} وقيل عليه أن ضمير الفاعل للفئة الكافرة وضمير المفعول للفئة المقابلة المسحمهآ لكنهم عبروا عنهما بالمشركين والمسلمين تنبيهاً على جهة العدول عن الإفراد أعني تراها إلى الجمع وضمير مثليهم يحتمل أن يكون للفئة الكافرة، وأن يكون للفئة المؤمنة والدليل على أنّ الخطاب لمشركي قريش قراءة نافع ترونهم بتاء الخطاب فإنّ المشركين هم
الذين كثر المؤمنون في أعينهم لا اليهود، ولا يليق بنظم القرآن أن يجعل خطاب ترونهم لغير من له خطاب قد(3/8)
كان لكم، وفي مثل فئتكم الكافرة إشارة إلى أن الصفة للفئة الكافرة المذكورة بطريق الغيبة لا للمخاطبين بترونهم لئلا يلزم الالتفات من الخطاب إلى الغيبة وخطاب ترونهم للمخاطبين بقوله لكم لا للفئة الكافرة لئلا يلزم الالتفات من الغيبة إلى الخطاب وفئة تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة في موضع الخبر أي هما فثة تقاتل، وأخرى كافرة أو البدل من فثتين أو المفعول أو الحال فليست عبارة عن المخاطبين في لكم بحيث يكون مقتضى الظاهر الخطاب ليلزم الالتفات فلا يلتفت إلى قول من زعم أنّ فيه ثلاث التفاتات وهذا مما ردّ به ما مرّ، وقد تبع فيه المدقق في الكشف وما ذكر من الالتفات سبقه إليه صاحب الانتصاف وتابعه الطيبي وسنبين لك حقيقته وقوله: فلما لاقوهم بالقاف من الملاقاة وروي بالفاء المشددة أي خالطوهم من الالتفاف في القتال، وهو مخالطة الجيشين كما قيل ما تصافوا حتى تلافوا وقوله وذلك كان بعدما قللهم إشارة إلى دفع ما قيل: إنه يناقض قوله في الأنفال ويقللكم في أعينهم بأنهم قللوا أوّلاً في أعينهم حتى اجترؤوا عليهم فلما لاقوهم كثروا في أعينهم حتى غلبوا فكان التقليل والتكثير في حالين مختلفين. قوله: (أو يرى المؤمنون المشركين الخ (هذا احتمال آخر ولا يرد عليه السؤال السابق في تعارض الآيتين لأنهم كانوا ثلاثة أمثالهم فاراءتهم مثليهم تقليل لهم في الواقع لما قرّر عليه أمرهم من مقاومة الواحد الاثنين في قوله تعالى: {فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ} [سورة الأنفال، الآية: 6] بعدما كلفوا أن يقاوم الواحد العشرة في قوله: {إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ} ولهذا أيضا وصف ضعفهم بالقلة لأنه قليل بالإضافة إلى عشرة الأضعاف، فإن قلت: إنه قال في الكشاف بعدما ذكر هذا وقراءة نافع لا تساعد عليه فكيف يقول المصنف رحمه الله تعالى، ويؤيده قراءة نافع قلت أجيب عن هذا بأن الزمخشريّ لما تعين عنده أنّ خطاب قد كان لكم للمشركين كانت قراءة الخطاب في ترونهم على تقدير أنهم المسلمون تفكيكا للنظم فلذا قال إنها غير مساعدة، وأمّا المصنف رحمه الله تعالى فلما جوّز كون الخطاب الأوّل للمؤمنين لم يجعلها غير مساعدة وهذا لا يقتضي أنها مؤيدة خصوصا وقد أخر ذلك الاحتمال ولم يبين أنه مراد على هدّا التوجيه أتول الظاهر أنه يريد أن الخطاب الواقع في آية الوعد المتقدمة للمؤمنين يقتضي أنه هنا إنجاز للوعد فيكون معنى قوله لكم آية علامة على ما وعدتم به فاثبتوا، فالخطاب الأوّل للمؤمنين على أنه ابتداء خطاب في معرض الامتنان عليهم بما سبق الوعد به وهذا معنى لطيف ولا يضرّ كونه خلاف الظاهر لأنه يقتضي مرجوحيته وقد أشار إليه بتأخيره، وفي الانتصاف إنما قال الزمخشرقي ذلك لأن الخطاب على قراءة نافع يكون للمسلمين أي ترونهم يا مسلمين وبكون ضمير المثلين أيضاً للمسلمين، وقد جاء على لفظ الغيبة فيلزم الخروج في جملة واحدة من الحضور إلى الغيبة
والالتفات، وان كان شائعا فصيحا إلا أنه إنما يأتي في الأغلب في جملتين وقد جاء ههنا الكلام جملة واحدة لأنّ مثليهم مفعول ثان للرؤية ولو قال القائل. ظننتك يقوم على لفظ الغيبة بعد الخطاب لم يكن بذاك فهذا هو الوجه الذي باعد الزمخشريّ من قراءة نافع ومن هذا التأويل إلا أنه يلزم مثله على أحد وجهيه المتقدمين آنفاً لأنه قال: معناه على قراءة نافع ترون يا مشركون المسلمين مثلى عددهم أو مثلى فئتكم الكافرة فعلى هذا الوجه الثاني يلزم الخروج من الخطاب إلى الغيبة في الجملة بعينها كما التزمه هو على ذلك الوجه (وههنا بحث) وهو أنه إذا عبر عن جماعة بطريق من الطرق الثلاثة، ثم عبر عن بعضه بطريق آخر يخالفه هل يعدّ هذا من الالتفات أم لا الظاهر أنه لا يعدّ منه لكن وقع في كلام بعضهم ما يقتضي أنه منه فلعل من ذهب إلى الالتفات هنا بناء على هذا فلا تعارض بين مسلك الانتصاف والطيبي، والعلامة وبين ما ذهب إليه في الكشف وشرح النحرير. قوله: (وقرئ بهما) أي بالياء والتاء على البناء للمفعول، قيل: لم يجعله بمعنى الظن كما هو الشائع في الإراءة لأنه يأباه رأي العين لكن الأولى حمله عليه وجعل الظن بمعنى اليقين ولا حاجة إليه لأنه مصدر تشبيهيّ وقد اعترف به هذا القائل. قوله: (والنصب على الاختصاص) اعترض عليه أبو حيان- رحمه الله- بأنّ المنصوب على الاختصاص(3/9)
لا يكون نكرة فالوجه أنه منصوب بتقدير فعل كأمدح وأذمّ، وأجيب بأنه لم يرد به معناه المصطلح عليه في النحو في نحو نحن معاشر الأنبياء لا نورث إنما يعني النصب بإضمار فعل لائق وأهل البيان يسمون هذأ اختصاصا وكذا فسره الطيبيّ وغيره، وعلى الحالية المقصود مؤمنة وكافرة وفئة وأخرى توطئة للحال.
قوله: (رؤية ظاهرة) في الدر المصون أي بصرية ومصدرها الرأي والرؤية وعلمية اعتقادية ومصدرها الرأي فقط وحلمية ومصدرها الرؤيا، وظاهر هذا التفسير أنها بصرية فتتعدى لواحد، ومثليهم حال فان كانت علمية فهو مفعول ثان، وقيل: إنّ الثاني لا يصح لقوله رأي العين فإنه مصدر مؤكد ولأنّ رؤية القلب علم ومحال أن يعلم الشيء شيئين وأجيب بأنه مصدر تشبيهيّ أي رأيا مثل رأي العين، وبأنّ المراد بالرؤية هنا الاعتقاد فلا يلزم ما ذكره، وقيل: إنّ المعنى على المفعولية فالوجه أنه متعدّ إلى مفعولين لكونه بمعنى العلم المستند إلى المعاينة لا بمنزلة أن يقال يبصرونهم، وفيه نظر وقيل: إنّ رأي العين منصوب على الظرفية أي في رأي العين، ومعاينة وقع في نسخة بدله معينة والأولى هي الموافقة لما في الكشاف وعديم العدة بضم العين هي آلات الحرب، وشاكي السلاح صفة الكثير بمعنى حامل السلاح وكون الوقعة آية أي
معجزة للنبيّ صلى الله عليه وسلم لما فيها من إراءة القليل كثيرا أو غلبة القليل الكثير، أو لمطابقتها للغيب الذي أخبر به النبيّ صلى الله عليه وسلم من نصرهم، والعبرة ما يعتبر به ويتعظ وجعل الأبصار جمع بصر بمعنى بصيرة استعارة أو بمعناه المعروف. قوله: (اي المشتهيات الخ) مناسبة هذه الآية لما قبلها أنه لما ذكر القتال، وكان كثيرا ما يقع للحظوظ النفسانية أتبعه التنفير عنها حثا لهم على الإخلاص في كل ما يأتون ويذرون وجعلها نفس الشهوات إشارة إلى ما ركز في الطباع من محبتها، والحرص عليها حتى كأنهم يشتهون اشتهاءها كما قيل لمريض ما تشتهي فقال: أشتهي أن أشتهي، ولما كان في الإيماء معنى التنبيه عداه بعلى تسمحاً، وقيل: الأنسب أنه جعلها شهوة تنبيها على خستها لأنّ الشهوات خسيسة عند الحكماء والعقلاء فالقصد التنفير عنها، والترغيب فيما عند إدته كما في الكشاف. قوله: (والمزين هو الله تعالى الخ) قال السيوطي: هذا أخرجه ابن أبي حاتم عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وفي الانتصاف التزيين للشهوات يطلق ويراد به خلق حبها في القلوب وه وبهذا المعنى مضاف إليه تعالى حقيقة لأنه لا خالق إلا هو ويطلق، ويراد به الحض على تعاطي الشهوات والأمر به وهو بهذا الاعتبار لا يضاف إلى الله إذ هو لا يخص الأعلى المشروع شهوة أو غيرها، وأمّا الشهوات المحظورة فتزيينها بالمعنى الثاني مضاف إلى الشيطان تنزيلاً لوسوسته، وخسينه منزلة الأمر بها والحض على تعاطيها وكلام الحسن رحمه الله محمول على التزيين بالمعنى الثاني لا بالمعنى الأوّل فإنه يتحاشى أن ينسب خلق الله إلى غيره لكن الزمخشريّ كثيرا ما يورد أمثال هذه العبارة المبهمة وينزلها على قواعدهم الفاسدة فتفطن لها ونزه من قالها من السلف الصالح عما يزعمه انتهى، وكذا الجباتي بناء على قواعدهم جعل التزيين بمعنى الخلق وجعله في المباح لله، وفي الحرام للشيطان بناء على أنه ليس مخلوقا لله لخلق العباد أفعالهم، ولكن الحق ما عرفت، وقد صرّح به الإمام الراغب كما مر والمصنف ليس بغافل عنه لكنه نقل كلامهم على ما فهموه فمن قال: المزين في الحقيقة هو الشيطان لأنّ التزيين صفة تقوم به ومن قال: المزين هو الله لأنه الخالق للأفعال والدواعي، فقد أخطا في المدعي وما أصاب في الدليل فالمخطئ ابن أمّه وكلا التفسيرين منقولان عن السلف وقد مرّ تحقيقه ومن قال: إنه من قبيل أتدمني بلدك حق لي على فلان فقد تعسف وتصلف، وقوله: ولعله زينه أي زين ما ذكر ابتلاء للعباد أي معاملة لهم معاملة
المبتلى، والمختبر ليتميز الزاهد فيها عن غيره أو للحكمة الأخرى. قوله: (والقنطار الخ (وقيل: هو ألف دينار والمسك بفتح فسكون الجلد ومن عادة العرب أن يصفوا الشيء بما يشتق منه للمبالغة نحو ظل ظليل، وهو كثير في وزن فاعل ويرد في المفعول كما هنا والبدرة ألف دينار أو درهم والسومة بالضم العلامة والمشهور فيه السمة وفي القاموس السومة السوم في البيع والمطهمة(3/10)
التامّة الخلق، والأنعام يطلق على الأصناف الثلاثة والنعم مختصة بالإبل. قوله: (إشارة إلى ما ذكر) يعني أن إفراده وتذكيره لتأويل المشار إليه بما ذكر ويصح أن يكون لتذكير الخبر وإفراده و {حُسْنُ الْمَآبِ} بمعنى المآب الحسن والباء في قوله: بالشهوات داخلة على المتروك والمخدجة بمعنى الخداج الناقصة. قوله: (يريد به تقرير أنّ ثواب الله الخ) أي المأخوذ من قوله: {حُسْنُ الْمَآبِ} وذلكم إشارة إلى ما قبله من النساء وما معه وللذين الخ خبر مقدم وجنات مبتدأ مؤخر والجملة مستأنفة لما ذكر وعلى تعلقه بخير لم يجعل عند وبهم خبراً مقدما لأنه يقال عند الله الثواب ونحوه، ولا يقال عند الله الجنة ووجه التأييد ظاهر لمطابقته له معنى ولأنه لا موقع لقوله للذين حينئذ سوى تعلقه بخير سواء جعل تعلقاً لفظيا أو معنويا بأن يكون صفة لخير، وما يستقذر من النساء الحيض ونحوه، ويرتفع معطوف على يتعلق ويجوز رفعه قيل وهو أرجح. قوله: (فيثيب الخ) فالعباد عامّ وعلى ما بعده خاص، ومتاع الدنيا وان ذكر للذم والتنفير لكن يعلم من خير أنّ المفضل عليه خير أيضاً فهو نعمة، والرضوان رضا عظيم
ولذا خص بالله في القرآن. قوله: (صفة للمتقين) أي للذين اتقوا، وفيه الفصل بين الصفة والموصوف فهو بعيد لفظا وكونه صفة للعباد بعيد معنى وكونه واردا على المدح أسلمها واً حسنها، وقوله: في استحقاق المغفرة يعني إن وقع منه ذنب أو كونه مستعدأ لها إن لم يقع، ثم إنّ التوسل اتخاذ الوسيلة ويترتب عليها الطلب وأقصى مراد السالك المغفرة ثم هي بعد ذلك مراتب وأقصاها الرضوان فلا يرد عليه أنه قال: أوّلاً ورضوان من الله أكبر وهنا المغفرة أعظم المطالب ولا حاجة إلى أن يقال إنها شاملة للرض! وان. توله: (وتوسيط الواو الخ) وهذا مما تقرر في علم البيان فلا عبرة بقول أبي حيان رحمه الله: لا نعلم العطف في الصقة بالواو يدؤ على الكمال، والروع بالضم القلب والمراد بالمجتهدين المجدين في العبادة. وقوله: (وقيل الخ (وجه آخر للتقييد وهو أنه كان كذلك في الواقع. قوله:) بين وحدانيته الخ) يعنى أنه استعارة تصريحية تبعية فالمشبه دلالته على الوحدانية بما نصب من الأدلة العقلية ونزذ من الأدلة السمعية، وكذا الإقرار والإيمان والاحتجاج من الثقلين والمقصود تشبيه إظهار مخصوص بإظهار آخر والجامع بينهما مطلق الإظهار والبيان والكشف فلا يرد عليه أنه يلزم الجمع بين المعاني المجازية لأنه يمتنع كما يمتنع الجمع بين الحقيقة والمجاز، ولا يرد أيضا أنّ قوله: بين يقتضي أنّ المشبه البيان، وقوله: في البيان الخ يقتضي أنه وجه الشبه وخص الاحتجاج بأولي العلم لأنه وإن لم يمنع مانع من صدوره من الملائكة لكن لا داعي لذكره. قوله:) مقيما
للعدل) أشار به إلى معنى القسط وأنّ الباء للتعدية، والقسم مصدر قسم المال، وقوله: وانتصابه على الحال الخ جوّز فيه وجوه إعرابية الحال والنصب على المدح والاختصاص من فاعل شهد أو ضمير هو، والوصف لاسم لا المبنيّ وهو إله وجوّز إفراد المعطوف عليه بالحال كالمعطوف في نافلة إذا قامت قرينه تعينه معنوية أو لفظية وأمّا إذا التبس فلا يجوز وإنما أخرت الحال للدلالة على علوّ مرتبتهما وقرب منزلتهما، والمنصوب على المدح وان كان إنما عرف في المعرفة وأمّا في النكرتين أو في النكرة بعد المعرفة، كما هنا فقد أثبته الزمخشريّ والفصل بين الصفة بالخبر والبدل ظاهر، ثم أشار إلى أنه على الحالية من الفاعل لا يندرج في المشهود به وفي غيره يندرج، وعلى قراءة التعريف فهو بدل من هو وهو حينئذ من بدل البدل فتأمّل وأشار في جعلها حالاً من هو إلى أنها حال مؤكدة وترك ذكره على كونها حالاً من الفاعل كما ذكره الزمخشرفي إشارة إلى ما فيه لأنه اعترض عليه بأنّ الحال المؤكدة إنما تجيء عقب الجملة الاسمية على ما في المفصل حتى ذهب بعض الشراح إلى أنّ هذا ليس بتعريف، بل بيان أنها خاصة تجيء بعد الاسمية بخلاف المنتقلة، أو هو تعريف للحال المؤكدة التي يجب حذف عاملها، وقد شاع القول بالحال المؤكدة في الجملة الفعلية حتى قيل مبناه على أن يجعل كل حال ليست مما ثبت تارة وتزول أخرى مؤكدة، ولا كلام في وقوع مثل هذا في الكلام فالحال المؤكدة مقولة بالاشتراك على معنيين، وتسمى هذه حالاً ثابتة فتنقسم الحال إلى المنتقلة والثابتة والمؤكدة. قوله: (كرره للتأكيد الخ) أمّا التأكيد(3/11)
فظاهر، وأمّا مزيد الاعتناء بمعرفة أدلته فلأن تثبيت المدعي إنما يكون بالدليل والاعتناء به يقتضي الاعتناء بأدلته، وقوله: والحكم به أي بوجدانيته بعد ما ذكر الحجج إجمالاً بقوله: شهد الله الخ وقوله الموصوف بهما أراد به الوصف اللغوي إذ الضمير لا يوصف فهو إمّا بدل أو خبر مبتدأ محذوف، وأمّا كونه صفة فاعل شهد فبعيد، وقوله: وقدم الخ يعني أنّ العزيز يدلّ على القدوة لكونه بمعنى الغالب والقدرة إذا علمت علم أنّ له مصنوعات إذا تأملها العاقل علم ما اشتملت عليه من الحكم. قوله: (وقد روي في فضلها) أي فضل تلاوة هذه الآية، والمراد بصاحبها من كان يقرؤها وفي المدارك:
" من قرأها عند منامه وقال بعدها أشهد بما شهد الله به واستودع الله هذه الشهادة وهي عنده وديعة بقول الله تعالى يوم القيامة إنّ لعبدي عندي عهدا وأنا أحق من وفى بالعهد أدخلوا عبدي الجنة " والحديث ضعيف لكنه في الفضائل وكونه دليلاً على شرف الأصول لدلالته على شرف التوحيد الذي هو معلومه، وشرف أهله لأن قيمة المرء ما يحسنه. قوله: (جملة مستأنفة الخ) أي مبتدأة لا استئنافاً بيانياً، ولذا قال: مؤكدة لأن المستاً نفة لا تكون مؤكدة عندهم، وهذا لأكيد معنوقي لا اصطلاحيئ، وأشار بقوله سوى الإسلام إلى الحصر المستفاد من تعريف الطرفين، وقوله: والتدزع اًي التحصن من تدزع إذا لبس الدرع وقوله: (يدل الكل الخ) إن فسر الإسلام بالإيمان وأريد بالإيمان الإقرار بوحدانية الله تعالى، والتصديق بها الذي هو الجزء الأعظم فبدلية الكل ظاهرة، دمان فسر بالتصديق بما جاء به النبيّ ئسر مما علم من الدين لالضرورة فكذلك لأنه عين الشهادة بما ذكر باعتبار ما يلزمها فهي عينه مآلأ وأما إذا فسر لالشريعة فهي شاملة للإيمان والإقرار بالوحدانية ولا يضر كونه جزءا إن سلم لأن المانع منه العكس، فاندفع ما قيل إنّ الإيمان هو التصديق بما جاء به النبيئ-لمج! فلا يمون بدل كل لثموله لما قبله ولغيره وأنه إذا أريد الشريعة فما قبله جزؤه فلا يكون بدل اشتمال، قال الفارسي: قرأ الكسائيئ بالفتح فيهما من باب بدل الشيء من الشيء لأن الدين الذي هو الإسلام يتضمن التوحيد والعدل، وهو هو في المعنى أو من بدل الاشتمال لأن الإسلام يتضمن التوحيد والعدل انتهى، وهو بعينه كلام المصنف رحمه الله ومنه يعلم معنى كلامه، وأن البدل لا إشكال فيه مع ملاحظة قائما بالقسط فلا تغفل. قوله: (أو إجراء شهد مجرى قال تارة وعلم أخرى) أي أنه لاحظ فيه الاعتبارين في حال فكسر أنه لملاحظة معنى قال وفتح أن لملاحظة معنى علم ولك أن تحمله على التضمين أي قال: عالمأ إنه الخ فتأقل. قوله: (من اليهود الخ) يعني في معنى الذين أوتوا الكتاب وجوه منها أنهم اليهود والنصارى، والمختلف فيه دين الإسلام وشأنه
فاعترف به قوم منهم على الوجه الحق وآخرون مع ادعاء تخصيصه بالعرب، وإنكار عموم البعثة، ولما كان هذا موافقا للأوّل في الاعتراف في الجملة قدمه على النفي فلا يقال الظاهر تقديم قوله: ونفاه عليه، أو أمر التوحيد وتخصيصه بقوم موسى عليه الصلاة والسلام لأن الكتاب المعزف كالعلم للتوراة واختلافهم أنّ موسى جملى لما استحضر استودع التوراة سبعين حبراً من بني إسرائيل وجعلهم أمناء عليها واستخلف يوشع، فلما مضى قرن بعد قرن اختلف أبناء السبعين بعدما جاءهم علم التوراة بغيأ بينهم وتحاسدأ على حظوظ الدنيا والرياسة، واختلاف النصارى في أمر عيسى عليه الصلاة والسلام بعدما جاءهم أنه عبد القه ورسوله إلى فرق مفصلة في الملل والنحل. قوله: (أي بعدما علموا الخ) لم يقل علموا مع أنه أخصر إشارة إلى أنه علم بسبب الوحي ولما كان العلم يقتضي عدم الاختلاف لأن الحقيقة واحدة وبخهم بأنه بغي وحسد لا يليق صدوره من عاقل أو يؤوّل مجيء العلم بالتمكين منه لسطوع براهينه وتفسير البغي بالحسد مز تحقيقه. قوله: (الا شبهة وخفاء في الأمر) يعني أنه للبغي لا لهذا وهو عطف على قوله حسداً على حذ ما جاءني إلا زيد لا عمرو وهو تركيب حكم الشيخ عبد القاهر والسكاكي بعدم صحته لكنه وقع مثله في الكشاف كثيراً وقالوا: إن عدم صحته غير مسلمة وسيأتي تحقيقه، يريد أن بغيا مفعول له لما دل(3/12)
عليه ما والا من ثبوت الاختلاف بعد مجيء العلم كما تقول ما ضربت إلا ابني تأديبا وأما ما أشار إليه من حصر الباعث في البغي فمن المقام أو من الكلام إن جوزنا تعدد الاستثناء المفرغ أي ما اختلفوا في وقت لغرض إلا بعد العلم لغرض البغي كما تقول ما ضرب إلا زيد عمراً أي ما ضرب أحد أحدأ إلا زيد عمرأ وسرعة الحساب تقتضي إحاطة العلم والقدرة فلذا أفاد الوعيد وباعتباره ينتظم الشرط والجزاء. قوله: (بعدما أقمت الحجج الخ) يعني ليس أمره بما ذكر لترك المحاجة والإلزام بل لأن الحجة قامت عليهم، وهم للعناد واللجاج لا ينتهون وستسمع تتمته، وقوله: أخلصت نفسي وجملتني قيل يعني إن الوجه مجاز عن نفس الشيء وذاته كما في {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ} [سورة الرحمن، الآية: 27، أو عن جملة الشخص تعبيرا عن الكل بأشرف الأجزاء، وقيل عليه لو كان القصد
الترديد بين المعنيين لقال أو جملتني فالوجه أن قوله نفسي إشارة إلى المراد وقوله: وجملتي إشارة إلى وجهه بأنه من التعبير عن الكل بأشرف الأجزاء لتنزيله منزلة الكل وإليه أشار بقوله وإنما عبر الخ وما ذكره في كلام المصنف واضح وأما في كلام الكشاف فلا يتعين، وإذا جعل مجازا عن النفس ففي علاقة المجاز خفاء فإن كانت الثانية اتحدا وإلا فلا تظهر. قوله: (عطف على التاء في أسلمت الخ) أورد عليه وعلى ما بعده إنه يقتضي اشتراكهم معه في إسلام وجهه، وليس المعنى أسلمت وجهي، وهم أسلموا وجوههم إذ لا يصح أكلت رغيفا وزيد وقد أكل كل منهما رغيفاً، وردّ بأنه لا مانع منه، قال الزمخشري: أخلصت نفسي وجملتي دئه وحده لم أجعل فيها لغيره شركاً بأن أعبده، وادعوه إلها معه، يعني إن ديني دين التوحيد وهو الدين القويم الذي ثبتت عندكم صحته كما ثبتت عندي وما جئت بئيء بديع حتى تجادلوني فيه ونحو: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء} [سورة آل عمران، الآية: 64] الآية فهو دفع للمحاجة فيه، وقوله: يعني الخ بيان لكيفية الربط بين الشرط والجزاء اًي قوله: أسلمت دفع للمحاجة بأنه لا معنى لها لكونها مجادلة فيما اتضح حقيقته وقوله، وهو الدين القويم في بعض نسخ الكشاف القديم يعني دين إبراهيم، وقوله: أسلمت وجهي كما قال الخليل: أسلمت لرب العالمين: {وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ} . قوله: (وقل للذين أوتوا الكتاب الخ) هو عطف على الجملة الشرطية والمعنى فإن حاجك أهل الكتاب فرذ محاجتهم بذلك، فإذا أفحمتهم عمم الدعوة وقل للأسود والأحمر أأسلمتم إذ جاءكم ما وجب قبوله من الدين القويم دين أبيكم إبراهيم فإن أسلموا فقد اهتدوا ودليل العموم ضمّ الأفيين لأهل الكتاب، وأما تأويل اهتدوا بقوله: فقد نفعوا الخ فقيل لتقييد الجزاء وفيه نظر ووجه الوعيد مرّ بيانه فافهم ووجه التعبير أنه كما إذا قرّرت مسألة ووضحتها، ثم قلت للسائل هل فهمت. قوله: (هم أهل الكتاب الخ) ولما لم يقع منهم قتل لهم أوّله بالرضا به والهمّ والقصد الآن، فإن أوّل قتل النبيين بالأول وقتل الآمرين بالقسط بالثاني، وجعل شاملا للنبيّ فظاهر وإلا يلزم الجمع بين معنيين مجازيين في لفظ واحد وهو
ممتنع وقد مرّ ما فيه فتذكره. قوله: (وقد منع سيبويه الخ) أشار بقوله كليت إلى دليله وأشار إلى الفرق بينهما بأن إنّ المكسورة، وكذا المفتوحة لا تغير معنى الكلام لأنه باق على خبريته بخلافهما ومن جعل الخبر ما بعده جعل قوله: فبشرهم جملة معترضة بالفاء كما في قولك زيد فافهم رجل صالح، وقد صزح به النحاة في قوله:
واعلم فعلم المرء ينفعه أن سوف يأتي كل ما قدرا
ومن لم يفهم هذا قال: إنّ الفاء جزائية وجوابها مقدم من تأخير والتقدير زيد رجل صالح، وإذا قلنا لك ذلك فافهم وإنما أعاد قوله: ويقتلون للفرق بينهما فإن أحدهما بالقوّة والآخر بالفعل، وقال: هنا بغير حق لأن الجملة هنا أخرجت مخرج الشرط المناسب للعموم وثمت في ناس بأعيانهم، وكان الحق الذي يقتل به معيناً عندهم. قوله: (يدفع عنهم العذاب الخ) أشار بالإفراد إلى أنّ المعنى ما لهم ناصر وإنما عبر بالجمع ليعلم غيره بالطريق الأولى ولأن شأن من ينصر التجمع والتحزب، وقوله: التوراة الخ قيل إنه لف ونشر غير مرتب، فإذا أريد التوراة فمن للبيان وإن أريد الجنس فللتبعيض، واللام على الأوّل للعهد، وعلى الثاني للجنس، وهو محتمل فيها ويجوز أن تكون للابتداء، وترك تفسيره باللوج الذي في الكشاف لأنه(3/13)
خلاف الظاهر، والتنكير كما يحتمل التعظيم والتحقير يحتمل التكثير، ورجح التعظيم بأنه أدخل في التوبيخ لأنهم مع ما معهم من الحظ الوافر يفعلون خلافه، وفيه نظر لا! المعنى يحتمل إن ما معهم شيء قليل بالنسبة إلى غيره وهم يتركون الخير الكثير، ولما كان المتبادر من كتاب الله القرآن أيد الوجه الأخر بما رواه ابن إسحق وغيره من سبب النزول، والمدراس صاحب الدراسة ومعلمها، ويطلق على الموضحع الذي يقرأ اليهود فيه التوراة وهو المراد هنا، وقصة الرجم والتسخيم ستأتي. قوله: (وقرئ ليحكم على البناء للمفعول الخ) في الكشاف والوجه أن يراد ما وقع من الاختلاف والتعادي بين من أسلم من أحبارهم، وبين من لم يسلم يعني لا بينهم وبين الرسول في إبراهيم صلى الله عليه وسلم بدليل، قوله: ليحكم بينهم فالداعي ليس هو
الرسول صلى الله عليه وسلم بل بعضهم لبعض فمن قال: إنه ردّ على الزمخشري رحمه الله لم يصب وكذا من قال: فيه بحث فإنه يجوز أن يكون ضمير بينهم لليهود والرسول صلى الله عليه وسلم كما في القراءة المشهورة بلا فرق وقيل إن قوله: والوجه ليس مخصوصا بهذه القراءة بل هو الراجح مطلقا، والمصنف رحمه الله فهم منه خلاف مراده وفيه نظر. قوله: (وفيه دليل الخ) لأنهم لما اذعوا أنّ دين إبراهيم عليه الصلاة والسلام اليهودية وأراد إثباته بما في التوراة، وهو دليل سمعي دل على ذلك، وفيه بحث لأنه ليس بمتعين لذلك لاحتمال أن يكون الحكم مما هو في الفروع كالرجم وهو المتبادر من الحكم وأمّا احتمال أنه أراد إثبات معجزة له صلى الله عليه وسلم باطلاعه على ما في التوراة مع أنه أفي لا إثبات دين إبراهيم عليه الصلاة والسلام فبعيد مع إنّ المستدل عليه حال إبراهيم صلى الله عليه وسلم أنه يهودي أم مسلم، وليس من الأصول إلا أن يراد به غير العملي فتأمل. قوله: (استبعاد الخ) يعني أنّ التراخي رتبي لا حقيقيّ، وقوله: وهم قوم عادتهم الإعراض كذا فسره الزمخشرقي فقيل إنه إشارة إلى أنّ الجملة معترضة على رأيه أو تذييل على رأي الأكثر وأياما كان فهي مؤكدة لما سبق لا حال كما ذكره المصنف رحمه الله شعم إنما تكون حالاً إذا لم تفسر بأنهم قوم عادتهم الإعراض انتهى، والمصنف رحمه الله جنح إلى أنّ التفسير بما ذكر لا يمنع الحالية وكذا الوصفية بأن يعطف على منهم بناء على قلة الفائدة بعد وصفهم بالتولي لأنه إنما فسر بذلك لتحصل الفائدة إذ الأوّل يقتضي الحدوث الذي يكون في معرض! الزوال فأردفه بما يدل على أنه ثابت لهم كالطبيعي فيهم، والحال لا يلزم أن تكون منتقلة فلا يرد عليه ما توهموه واردا. وقوله: (بسبب تسهيلهم الخ (لا جهلهم بحقيقته، والطمع الفارغ استعارة لما لا يجدي كما مرّ وقوله: (ألا تحلة القسيم) أي إلا قليلأ وسيأتي تحقيقه في قوله تعالى: {وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} [سورة مريم، الآية: 71] . قوله: (فكيف إذا جمعناهم الخ) أي كيف يكون حالهم في ذلك الوقت فالفعل محذوف، وهو كثير في كلامهم لأنّ كيف سؤال عن الحال وهذا الاستفهام للاستعظام والتهويل، وأن حالهم كذا وما حدثوه به أنفسهم كذا. قوله: (جزإء ما كسبت الخ)
يعني أنّ في الكلام مضافاً مقدّراً وحبوط العبادة سقوطها بالمعاصي، والمسألة مفصلة في شرح المقاصد، وقوله: (وأن المؤمن لا يخلد الخ) رذ على المعتزلة، وهم يؤولون التوفية بتخفيف العذاب ولا وجه له 0 قوله: (الضمير لكل نفس الخ) يعني أن النفس مفردة مؤنثة وقد أرجع إليها ضمير الجمع المذكر لأنها في معنى كل إنسان وكل يجوز مراعاة معناه فيجمع ضميره فلا يقال الصواب كل الناس كما في الكشاف: ولا حاجة إلى الاعتذار بأن المراد توجيه التذكير وتوجيه الجمع يعلم منه. قوله: (الميم عوض عن يا الخ) وشذد لأنه عوض عن حرفين وأمّا جمعها مع يا في قوله:
أقول يا اللهم يا اللهما
فشاذ.
والقول بأن أصله يا الله آمنا قول الكوفيين ولا يخفى ما فيه، ويقتضي أن لا يليه أمر دعائيّ آخر إلا بتكلف. قوله: (يتصرف فيما يمكن التصرف فيه) في الكشف إنه تعزيف للملك لأنّ الملك من له الملك كما أنّ المالك من له المال، ولو قيل مللث المللث لم يصح إلا على ضرب من التجوّز، وكون اللهم لا يوصف مذهب سيبويه رحمه الله لأنه لاتصال الميم به أشبه أسماء الأصوات وهي لا توصف وخالف غيره ونقض دليله بسيبويه وعمرويه فإنه مع كونه فيه اسم صوت يوصف، وأجيب بأن اسم الصوت مركب معه، وصار كبعض حروف الكلمة بخلاف ما نحن(3/14)
فيه. قوله: (فالملك الأوّل الخ) لأنّ الله تعالى مالك جميع الملك والملك المعطى والمنتزع بعض منه والتعريف للجنس في الجميع، وقيل: في الأوّل للجتس وفي الأخيرين للعهد، وقيل: في الأوّلط للاستغراق وفي الأخيرين للعهد الذهني، والمراد بالأدبار
ضد النصر كما أن الخذلان ضد التوفيق. قوله: (ذكر الخير وحده لآنه المقضئ بالذات الخ) هذا ما ذهب إليه المحققون من الحكماء قال: في شرح الهياكل إن الشرّ مقضيّ بالعرض وصادر بالتبع لما أن بعض ما يتضمن الخيرات الكثيرة قد يستلزم الشرّ القليل، فكان ترك الخيرات الكثيرة لأجل ذلك الشرّ القليل شرا كثيرا فصدر عنك ذلك الخير فلزمه حصول ذلك الشرّ، وهو من حيث صدوره عنك خير إذ عدم صدوره شرّ لتضمنه فوات ذلك الخير، فأنت المنزه عن الفحشاء مع أنه لا يجري في ملكك إلا ما تشاء انتهى، وهذا بناء على الأصلح، ونحن نقول يفعل ما يشاء من خير وشرّ ولا يسئل عما يفعل فعلى مذهبهم تخصيص الخير لأنه المقصود له بالذات، وقدمه لظهور الآية فيه أو مراعاة للأدب إذ لم يضف إليه أو لا! سبب نزول الآية ما أتى الله النبيّ صلى الله عليه وسلم من البشارة بالفتوج وترادف الخيرات، وقوله: (خط الخندق) اًي حفره والخندق معرب كنده (وقطع لكل عشرة أي عين لهم حفرها) والمعاول جمع معول بكسر الميم الفأس، وضمير صدعتها ومنها للصخرة والمستكن للضربة، وضمير لابتيها للمدينة، وهما حزتان يكتنفانها، والحرّة كل أرض ذات حجارة سود كأنها محترقة من الحرّ واللوب الحوم حول الماء للعطش عند الازدحام، وقوله: لكانّ جواب قسم، والحيرة بكسر الحاء المهملة وياء ساكنة وراء مهملة مدينة بقرب الكوفة، وتشبيه القصور بأنياب الكلاب في صغرها وبياضها وانضمام بعضها إلى بعض مع الإشارة إلى تحقيرها وإن استعظموها وما ذكره لي الخندق هو ما وقع في غزوة الأحزاب والحديث بطوله مخرج في الدلائل للبيهقي
وكونه سبب النزول أخرجه ابن جرير رحمه الله، والفرق بفتحتين الخوف وفي الحديث أسرار ولطائف تنظر بعيون الأفكار. قوله: (والولوج الدخول الخ) يعني هو حقيقته كما في قوله تعالى: {حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ} [سررة الأعراف، الآية: 40] وأمّا هنا فهو إما استعارة للتعاقب أو زيادة زمان النهار في الليل وعكسه بحسب المطالع والمغارب في أكثر البلدان. قوله: (نهوا عن موالاتهم الخ (هذا على قراءة الجزم ظاهر وكذا على الأخرى لأنه نفي في معنى النهي واتخذ بمعنى صير متعدّ إلى اثنين والوليّ بمعنى الموالي من الولي، وهو القرب يعني لا يراعوا أموراً كانت بينهم في الجاهلية بل يراعوا ما هم عليه الآن مما يقتضيه الإسلام من بغض وحب، وقوله: أو عن الاستعانة بهم في الغزو كأنه قول للشافعيّ رضي الله عنه ومذهبنا وعليه الجمهور إنه يجوز ويرضخ لهم وإنما يستعان بهم على قتال المشركين لا البغاة كذا صرحوا به وما روي عن عائثة رضي الله عنها أنها قالت خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لبدر فتبعه رجل مشرك كانت ذا جراءة ونجدة قفرح أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم حين رأوه فقال له النبتي صلى الله عليه وسلم: " ارجع فلن استعين بمشرك " فمنسوخ بأن النبي صلى الله عليه وسلم استعان بيهود بني قينقاع ورضخ لهم واستعان بصفوان بن أمية في هوازن لكن بشرط الحاجة والوثوق كذا في كتاب الناسخ والمنسوخ. قوله: (إشارة إلى أنهم الأحقاء) يعني ليس النهي مقيداً بكونه من دون المؤمنين حتى يفهم منه
جواز اتخاذهم أولياء مع ولاية المؤنين بل الإشارة إلى أن الحقيق بالمولاة هم المؤمنون،، مندوحة بمعنى سعة وقد استدل بهذه الآية ونحوها على أنه لا يجوز جعلهم عمالاً ولا اشخدامهم في أمر الديوان، وغير. لثبوته بالنص المؤكد. قوله: (من ولايته في شيء يصح الخ (أشار إلى أنه بتقدير مضاف وصفة لشيء وفيه إشارة إلى أن ولايتهم كما لا تجتمع مع ولاية المؤمنين لا تجتمع مع ولاية الله لأنهم أعداء الله ومن والى عدوّ الله لا يواليه، وأنثد في معخاه البيت المذكور وبعده:
وليس أخي من ودّني رأى عينه ولكن أخي من ودّاني في المغايب
والنوك بضم النون والكاف الحماقة وعازب بالمعجمة بمعنى بعيد غائب. قوله: (إلا أن تخافوا من جهتهم الخ) لما كان اتقى متعديا بنفسه، وههنا تعدى بمن أشار إلى أن المفعول تقاة على أنه وصف بمعنى ما يتقى منه(3/15)
ومن لابتداء الغاية وأصل الكلام تقاة كانت من جهتهم فلما تذم انتصب على الحال فإن كانت تقاة مصدرا فهو مفعول مطلق ويكون تعدى بمن لأنه بمعنى خاف وحذر، وهو يتعدى بمن قال تعالى: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا} {فَمَنْ خَافَ مِن مُّوصٍ جَنَفًا} فتعديه بمن للثاني مما لا شبهة فيه، فعلى هذا يكون ترك أحد مفعوليه للعلم له أي ضررا ونحوه، فقول النحرير: هذا يشعر بأنّ حذر وخاف يجيء متعديا بمن خلاف اتقى لإنه ليس إلا متعديا بنفسه مردود.
قوله: (منع عن موالإسم الخ) كونه ظاهرا وباطنا مأخوذ من عموم الاستثناء، وقول موسى عليه الصلاة والسلام معناه المداراة للضرورة لأنه أمر بأن يظهر ما ليس هو عليه وقيل معناه كن وسطا في معاشرتهم ومخالفتهم، وامش جانبا في موافقتهم فيما يأتون ويذرون، وقيل كر بجسدك مع الناس وقلبك في حظيرة القدس، وعقاب الله إذا أسنده إليه وكذا كل شيء أضيف إليه دل على عظمه ولا يؤيه بمعنى لا يبالي. قوله: (يعلم ضمائركم الخ) في قوله إن
تخفوها أو تبدوها إشارة إلى وجه ذكر المبدي مع أن علمه المخفي يستلزم علمه وهو أنه استوى في علمه المخفي والمبدي وأنهما عنده على حد سواء وهي نكته لطيفة، ولو قيل المراد التعميم لصح لكن قوله بعد.: {وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ} الخ يفيده فلا تكون النكتة سرية، وقوله: (فيعلم سرّكم وعلنكم) إشارة إلى أنه بمنزلة الدليل لما قبله إلا أنه يحتاج إلى نكتة للعطف حينئذ فتأمّله، وقوله: فيقدر الخ بيان لربط النظم، وقوله: بيان لقوله سبحانه وتعالى ويحذركم الخ أي بيان لوجه التحذير لا لمعناه. قوله: (بعلا ذاتئ الخ (في الكشف ذات في الأصل مؤنث وقطع عنها مقتضاها من الوصف والإضافة وأجريت مجرى الأسماء المستقلة فقالوا ذات متميزة وذات قديمة أو محدثة، ونسبوا إليها من غير حذف التاء فقالوا: ذاتيئ وحكى الأزهري عن ابن الأعرابيّ ذات الشيء حقيقته وهو منقول عن مؤنث ذو بمعنى صاحب لأنّ المعنى القائم بنفسه بالنسبة إلى ما تقوم به وافراده يستحق الصاحبية والمالكية، ولمكان النقل لم يعتبروا أن التاء للتأنيث عوضا عن اللام المحذوفة وأجروها مجرى تاء هات ولهذا، أبقوها في النسبة ولم يتحاشوا عن إطلاقها على الباري تعالى وان لم يجروا نحو علامة عليه تعالى واطراده في لسان حملة الشريعة دليل على أن الإذن في الإطلاق صادر، وقد يطلقونها على ما يرادف الماهية. قوله: (يوم منصوب بتودّ الخ) في ناصبه وجوه منها أنه قدير، ولا يرد عليه تقييد قدرته بذلك اليوم لأنه إذا قدر في مثله علم قدرته، في غيره بالطريق الأولى، ومنها أنه منصوب بالمصير أو يحذركم أو باذكر مقدرا فيكون مفعولاً به، ومنها ما ذكره المصنف رحمه الله تبعا للزمخشرقي أنه منصوب بتودّ وضمير بينه لليوم، ومعناه واضح لكنه مبنيّ على أمر اختلف فيه النحاة، وهو إذا كان الفاعل ضميرا عائدا على ما اتصل به معمول الفعل المتقدم نحو غلام هند ضربت هي أي هند وقوله:
أجل المرء يستحث ولا يد ري إذا ما ينعي حصول الأماني
ففاعل يستحث ضمير المرء المضاف إليه أجل المنصوب، وما نحن فيه مثله فجوّزه الجمهور ومنعه بعضهم لأنّ عود الضمير يقتضي لزومه ونصبه ويجعله فضلة يصح الاستغناء عنه وفيه نظر، وتجد يجوز أن تكون الناصية لمفعولين ثانيهما محضراً وأن تكون بمعنى تصيب فمحضرا حال، وجوّز في ما الموصولية، وهو الراجح والشرطية والمصدرية، واحضاره إمّا
بإحضار صحفه أو جزائه. قوله: (بينها وبين ذلك اليوم) قيل الظاهر عوده على ما علمت لقربه، ولأنّ اليوم أحضر فيه الخير والشرّ والمتمني بعد الشرّ لا ما فيه مطلقا، ورذ بأنه أبلغ لأنه يودّ البعد بينه وبين اليوم مع ما فيه من الخير لئلا يرى ما فيه من السوء، والمعنى كل ما علصت من خير محضر أو ما علمت من سوء محضرا فيكون من العطف على المفعولين وحذف الثاني اختصارا بقرينة ذكره في الأوّل وهو جائز كم صرح به في الدرّ المصون، وقيل: إنه كقولك علمت زيدا فاضلاً وعمراً فليس من باب الاقتصار على المفعول الأوّل وليس بشيء لأنه مثل زيد قائم وعمرو وهو مما حذف فيه الخبر كما صرحوا به فيلزم الاقتصار ضرورة وأما الفرق بين المبتدأ والمفعول في هذا الباب فوهم، وجوّز أن يكون توذ مفعولاً ثانياً وأن تكون متعدية لواحد فلا حذف، وعلى تقدير اذكر ففي ما علمت وجهان إما مبتدأ خبره جملة توذ أو(3/16)
معطوفة على ما الأولى وتوذ إمّا مستأنف أو حال من ضمير عملت لقربه لا من نفس ولا يرد عليه أنه تخصيص للعمل، والمقام لا يناسبه لأنه ليس القصد التخصيص بل بيان سوء حالهم وحسرتهم ولا بأس فيه. قوله: (ولا تكون ما شرطية لارتفاع توذ الخ! عليه اعتراض مشهور، وهو إنه إذا كان الشرط ماضياً والجزاء مضارعا جاز فيه الجزم والرفع من غير تفرقة بين أن الشرطية وأسماء الشرط وما قيل ولا يمتنع إطباق القراء على أحد الجائزين وان كان مرجوحا، وما يقال المراد الارتفاع على وجه اللزوم ليس بشيء لأنّ اللزوم إنما هو من جهة أنه ورد كذلك ولا مجال لتغيير النظم كما لا مجال لتغيير ما ورد فيه من الشعر وأجيب بأنه شاذ بحيث لم يوجد إلا في قوله:
وان أتاه خليل يوم مسغبة يقول لا غائب مالي ولا حرم
وهو غير مسلم لأنه ورد كثيرا في كلام العرب حتى اذعى بعض المغاربة أنه أحسن ص
الجزم وأنشد له أبو حيان رحمه الله تعالى شواهد كثيرة منها قوله:
أن يسألوا الخيريعطوه وإن خبروا في الجهد أدرك منهم طيب الخبر
والشاهد في الشرط الثاني فإنّ جوابه أدرك وهو مضارع مرفوع لا في الأوّل حتى يقال إنه
سهو لأنه مضارع مجزوم بحذف النون فيهما كما توهم، وفي المغني أن الزمخشري امتنع من تخريجه على رفع الجواب مع مضي الشرط وقد صرح في المفصل بجواز الوجهين في نحو إن قام زيد أقوم لكنه لما رأى الرفع مرجوحا لم يستسهل تخريج القراءة المتفق عليها عليه يوضح لك هذا أنه جوّز ذلك في قراءة شاذة مع كون فعل الشرط مضارعا لتأوّله بالماضي، أعني قوله: {أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ} [سررة النساء، الآية: 78] برفع يدرك لأنه في معنى أينما كنتم وقد ظنه كثير تناقضاً منه والصواب ما بينا لك وفيه نظر يعلم مما سلف. فوله: (وقرئ وذت
حأشية الشهأب / ج 3 / م 3
الخ) وعليها ارتفع مانع الارتفاع لكن الحمل على الموصولية أولى لكونها أوفق بقراءة العامّة، وأجرى على سنن الاستقامة لأنه كلام لحكاية الحال الكائنة في ذلك اليوم فيجب أن يحمل على ما يفيده الوقوع ولا كذلك الشرطية على أنها تفيد الاستقبال، ولا عمل سوء في استقبال ذلك اليوم وهذا لا ينفي الصحة لأنها وان لم تدل على الوقوع لا تنافيه وحديث الاستقبال يدفعه تقدير، وما كانت عملت كما في نظائر له كذا قال النحرير: وقال إنّ في صحته كلاما لأن الجملة على تقدير الموصولية حال أو عطف على تجد والشرطية لا تقع حالاً ولا مضافا إليها الظرف فلم يبق إلا عطفها على (اذكر) وهو بتقدير صحته مخل بالمعنى وهو كون هذه الحالة والودادة في ذلك اليوم، ولا محيص سوى جعلها حالاً بتقدير مبتدأ أي وهي ما عملت من سوء تود، وفي قوله الحمل على الابتداء والخبر إشعار بأنها لو جعلت شرطية لم تكن في موقع المبتدأ بل المفعول كما في قولك ما تصنع أصنع لأنّ عملت لم تشتغل بضميره بل بقي مسلطا عليه كما يعلم من معرفة أحوال أسماء الشرط والاستفهام وصدارتها قلت: ولا يخلو هذا الكلام من تكلف واهمال وما ذكروه من دعاوى أكثرها بلا برهان فإنهم أعربوا أن الوصلية مع جملتها على الحالية، ولم ينص النحاة على منع الإضافة إليها نعم لا مجال للشرطية هنا بحسب الصناعة والمعنى لأنه لا مفعول لتجد حينئذ إذ لا يصح عمله في اسم الشرط ولا فيما بعده لصدارته والمعنى على تعلقه بما بعده ولا وجه له غير العمل فيه ففيه تفكيك للنظم المرتبط، وحل لما عقد من غير داع وحديث الاستقبال لا يرد رأسا إذا لم يتعلق به حتى يحتاج إلى التأويل فتأمل. قوله: (كرر للتوكيد والتذكير) هذا بحسب الظاهر، وقال النحرير: الأحسن أنه ذكر أوّلاً للمنع عن موالاة الكافرين، وثانيا: للحث على عمل الخير والمنع عن عملى السوء، وقوله: إشارة الخ يعني أنّ رأفته أمّا بنفس تحذيره لمنعه لهم به وهو نوع من اللطف فيكون تتميما لما قبله أو بغيره فيكون مريدا لهم الخير مع وعيده فكيف مع وعده ورضاه كما في قوله تعالى إن الله لذو مغفرة وذو عقاب فهو تكميل كما في الكشاف وشروحه. قوله: (المحبة ميل النفس الخ) ذهب عامة المتكلمين إلى أنّ المحبة نوع من الإرادة وهي لا تتعلق حقيقة إلا بالمعاني والمنافع فيستحيل تعلقها بذاته تعالى وصفاته قإذا قيل إن العبد يحب الله فمعناه يحب
طاعته(3/17)
وخدمته أو ثوابه واحسانه وأمّا محبة الله العباد فعبارة عن إرادة إيصال الخيرات والمنافع في الدين والدنيا إليهم، وهما مجاز من باب إطلاق الملزوم على اللازم أو استعارة تبعية شبه إرادة العباد اختصاصه تعالى بالعبادة، ورغبتهم فيها بميل قلب المحب إلى المحبوب ميلا لا يلتفت إلا إليه وقد اغتز بهذا صاحب الكشاف حتى طعن على من اذعى محبة ذات الله بما لا يليق صدوره عن عاقل، وأمّا العارفون فقالوا: إنّ العبد يحب الله لذاته وأمّا محبة ثوابه فدرجة نازلة قال الغزالي رحمه الله تعالى: المحبة عبارة عن ميل النفس إلى الشيء المستلذ فإذا قوي ذلك سمي عشقا، والبغض نفرة الطبع عن المؤلم فإن زاد سمي مقتا ولا يظن أن الحب مقصور على المحسوس وهو سبحانه لا يدرك بالحواس ولا يتمثل في الخيال فلا يحب لأنه عليه الصلاة والسلام سمى الصلاة قرّة عين وجعلها أبلغ المحبوبات وليس للحواس فيها حظ بل جس البصيرة الباطنة أقوى من البصر الظاهر، القلب أشد إدراكا من العين، وجمال المعاني المدركة بالعقل أعظم من جمال الصور الظاهرة للأبصار فيكون لا محالة لذة القلوب بما تدركه من الأمور الشريفة الإلهية التي يجل عن أن تدركها الحواس أتم وأبلغ فميل الطبع السليم والعقل الصحيح إليه أقوى ولا معنى للحب إلا الميل إلى ما فيه إدراك لذة فلا ينكر حب الله إلا من قيده القصور في مربط البهائم، نعم هذا الحب يستلزم الطاعة كما قال الورّاق رحمه الله: تعصي الإله وأنت تظهرحبه هذالعمري في القياسم! بديع
لوكان حبك صادقالأطعته إن المحب لمن يحب مطيع
وهذا معنى قول المصنف بحيث يحملها الخ فإنه يشير إلى أن ما ذكره المتكلمون نظرا
إلى الظاهر، والتفاسير المذكورة في كلامهم كالإرادة تفسير باللازم، وقوله من الله أي حدوثه منه وبالله أي بقاؤه به وإلى الله أي مآله ومرجعه إليه، والحب لله أي لأجله أو المختص به وفي الله أي مرضاته وهما متقاربان وهو إشارة إلى مرتبة الحب الصرف الذي لم يمتزج مشربه في زجاجة كأنها كوكب درّي، وهي التي بها العقول سكارى وما هي بسكارى:
على نفسه فليبك من ضاع عمره وليس له منهانصيب ولاسهم
والقطرة تغني عن الغدير. قوله:) جواب للأمر الخ) والكلام في إن جازمه الأمر أو
الشرط المقدر معروف في النحو فالمراد بالمحبة الرضا لأنه يلزمها فهو استعارة لغوية أو مشابه لها لأن من رضي بشيء كأنه استلذه، والمشاكلة ظاهرة والتجاوز عما فرط معنى المغفرة فقوله: عبر عن ذلك أي الرضا لا جميع ما تقدم فتسمح اتكالاً على ظهور المراد أو لأن الرضا مستلزم له فكأنه غير مغاير له ومعنى يبوّئه ينزله وقوله: لمن تحبب إليه هو مقتضى السياق، وقوله: على عهده أي في حياته، وعلى احتمال المضارعية في تولوا أصله تتولوا على الخطاب، وحيسئذ يحتمل أن يكون داخلاً تحت القول قوله: (يرض عنهم ولا يثني عليهم الخ (لما كان رضا الله دعاء وثناء متضمنا لأنواع اللطف والجميل أجمل به ما مضى في قوله ويكشف الحجب الخ فلا يقال الأحسن أن يقال فلا يكشف الحجب عن قلوبهم بالتجاوز عما فرط منهم ولا يقربهم من جنات عزه وجوار قدسه. قوله: (وإنما لم يقل الخ) دلالته على العموم لأن الكافرين يشمل من تولي ويفهم منه أن التولي كفر لاندراجه فيه وان نفي المحبة عنهم لذلك لتعليقه بالوصف المشعر بالعلية ونفي المحبة عنهم يقتضي الحصر في ضدهم، وقيل عليه إن جعل إن الله لا يحب الكافرين جزاء لا يصح تصد العموم لأن تولي طائفة خاصة لا يصير سبباً لعدم محبة جميع الكافرين، بل سبب عدم محبة كل أحد توليه وإن جعل دالاً عليه وقائما مقامه فتقدير الكلام إن تولوا فإن الله لا يحبهم لأنه لا يحب الكافرين فليس من وضع الظاهر موضع المضمر حتى يحتاج إلى نكتة وهذه مغالطة، لأن المراد بالكافرين من تولى فتسببه ووضعه موضع الضمير ظاهر، والعموم إنما هو بحسب التعبير المذكور بقطع النظر عن المراد لأنه إذا لم يحبهم لكفرهم دل على أنه لا يحب كل من هو كذلك. قوله: (بالرسالة والخصائص الخ (ذكر آل عمران بعد آل إبراهيم(3/18)
مع دخولهم فيهم لبيان أنهم مقصودون هنا بالذات إذ السورة
نزلت لبيان فضلهم لا لكونهم أشرف لدخول نبينا صلى الله عليه وسلم في آل إبراهيم، وفي كلامه إشارة إلى أن المقصود بمن ذكر جميع الرسل لا خصوص من خص بالذكر، ووجه الاستدلال المذكور أن العالمين شامل لجميع المخلوقات فإذا اختار هؤلاء عليهم اقتضى تفضيلهم، والتأويل خلاف الظاهر، وقوله: وكان بين العمرانين يعني عمران أبا موسى وعمران أبا مريم وعمران المذكور في النظم يحتملها، ورجح في الانتصاف القول الثاني بأن السورة تسمى آل عمران ولم تثرح قصة عيسى عليه الصلاة والسلام ومريم في سورة أبسط من شرحها في هذه السورة، وأمّا موسى وهارون فلم يذكر من قصتهما في هذه السورة طرف فدل ذلك على أن عمران المذكور ههنا هو أبو مريم انتهى. قوله: (حال أو بدل الخ) اختلف في إعراب نصبه فقيل على البدلية من آدم، وما عطف عليه وهذا إنما يتأتى على قول من يطلق الذرية على الآباء والأبناء لأنه من الذرء بمعنى الخلق والأب ذرئ منه الولد والولد ذرئ من الأب، وبه صرح الراغب وغيره فلا يرد عليه قول أبي البقاء إنه لا يصح أن يبدل من آدم لأنه ليس بذرية، وقيل بدل من نوج وما بعده، وقيل بدل من الآلين لأنّ المتبادر من الذرية النسل، ولذا اقتصر المصنف رحمه الله على هذين القولين لما فسر الذرية به، وقس عليه الحالية، وقوله: ذرية واحدة الوحدة مستفادة من التاء ومن ابتدائية على الأوّل اتصالية على الثاني أو هي اتصالية فيهما، وعلى الثاني يكون كقوله: {الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّن بَعْضٍ} [سورة التوبة، الآية: 67] . قوله: (والذزية الولد الخ) فيه أقوال فقيل منسوب إلى الذز بالفتح والضم لتغيير النسب بمعنى الخلق أو البث لأنه تعالى خلقها وبثها، أو بمعنى صغار النمل لإخراجهم ست صلب آدم عليه الصلاة والسلام على هيئتها واختاره الزجاج وقيل أصلها ذرّورة فعولة منه فأبدلت الراء ياء ثم قلبت الواو ياء أيضاً وأدغمت كأحد الوجوه في سرية ولو جعلت من الذر ولكان أنسب وقيل إنه من ذراً الخلق مهموزاً والتزم تخفيفه كما في البرية، قال: في الكشف الأول أصح ومعنى التفريق والبث أظهر وفعوله بتشديد العين. وقوله: (بأقوال الناس الخ الف ونشر، والتعميم من حذف المتعلق، والتخصيص بقرينة السياق. قوله:) فينتصب به إذ) أي بسميع عليم على التنازع أو بسميع، ولا يضر الفصل بينهما بالأجنبي لتوسعهم في الظروف، وحنة بفتح الحاء المهملة ونون مشذدة وتاء تأنيث اسم عبراني، ثم ذكر أن مريم اثنتان كعمران وتوله: فظن أن المراد زوجته أي المراد
بامرأة عمرإن في الآية أمّ مريم هذه وزوجته وفي نسخة أنه المراد وزوجته. قوله: (وتردّه كفالة زكريا) أي يردّ هذا القول قوله تعالى، وكفلها زكريا فإن زكريا في عصر عمران بن ماثان لا عمران بن يصهر وتزوّج زكريا إيشاع بنت عمران بن ماثان أخت مريم فيكون عيسى أبن مريم ويحيى بن زكريا ابني خالة لأب كما ورد في الحديث الصحيح، دمانما كانتا لاًب لأنهما بنتا عمران لكن مريم من حنة وايشاع من غيرها لما ذكر أنّ حنة كانت عاقرا حتى صارت عجوزا، ثم حملت بمريم وايشاع كانت أكبر سنا من مريم لكن ما سيأتي من أن زكريا قال: أنا أحق بها عندي خالتها يدل على أنها خالتها فمنهم من وفق بينهما بان حنة وإيشاع بنتا فاقوذا فمريم بنت أخت إيشاع وبنت الأخت يطلق عليها أخت إطلاقاً متعارفا فيكونان ابني خالة مجازا، ومنهم من قال: كان عمران تزوّج أم حنة فولدت له إيشاع وكانت حنة ربيبته فتزوّجها، وكان ذلك جائزا في شريعتهم فولدت مريم فتكون إيشاع أخت مريم من الأب وخالتها أيضاً لكن أورد عليه أنّ الأوّل مجرذ احتمال لا رواية فيه والثاني لا يصح مع قوله إن إيشاع بنت عمران. قوله:
(روي أنها كانت عاقرا) أي حنة وخدم بفتحتين جمع خادم كتبع، وهو جمع نادر، ونذر تحرير الأولاد في شرعهم مخصوص بالذكور وبعد هذه القصة جاز بالبنات أيضا فما في بطني بمعنى إن كان ذكرا على تقدير العرف، وتعيينه فيه أو أنها طلبته، ودعت أن يكون ذكرا فيكون المعنى رب إني نذرت لك ما في بطني فاجعله ذكرا على حدّ أعتق عبدك عني، وقيل: إنّ هذه الرواية تنافي ظاهر النص يعني قوله رب إني نذرت لك ما في بطني فلذا(3/19)
مرّضه بقوله: روي وهو مدفوع بان المراد كنت نذرت أو نذرت ما سيكون في بطني. قوله: (محرّرا معتقاً الخ) التحرير من الحرّية وهي ضربان أن لا يجري عليه حكم السبي، وأن لا تتملكه الأخلاق الرديئة والرذإئل الدنيوية والى هذين المعنيين أشار المصنف، وهما! سيران مرولان عن السلف، وقد أشار إلى
هذا الراغب رحمه الله، فما قيل إن الأوّل من التحرير بمعنى الإعتاق، والثاني من تحرير الكتاب لتقويمه لأنّ جعله مخلصاً للعبادة تقويم له تكلف لا حاجة إليه، والحالية إمّا من ما أو من الضمير في الطرف وهي حال مقدرة على الثاني قيل ويحتمل المصدرية. قوله: (الضمير لما في بطنها وتأنيثه الخ) في الكشاف لأنّ ما في بطنها كان أنثى في علم الله قال: الشارح المحقق يعني لما علم المتكلم أنّ مدلول ما مؤنث جاز له تأنيث الضمير العائد إليه وان كان اللفظ مذكراً هذا في قوله فلما وضعتها، وأمّا في قوله: حكاية رب إني وضعتها أنثى فقد يوجبه بأنّ تأنيث الضمير ههنا ليس باعتبار العلم بل باعتبار أن كل ضمير وقع بين مذكر ومؤنث هما عبارتان عن مدلول واحد جاز فيه التذكير والتأنيث نحو الكلام يسمى جملة وأنثى حال بمنزلة الخبر فأنث الضمير العائد إلى ما نظر إلى الحال من غير أن يعتبر فيه معنى الأنوثة ليلزم اللغو، وفيه نظر لأنها حال مؤكدة كم قال المعربون: وأيضاً فإنه إذا كان المقصود التحسر لا يتوجه ما ذكر أصلا فكأنه قيل وضعت ما في البطن أنثى كما أنّ فإن كانتا اثنتين لا لغو فيه لأنّ ضمير كانتا لمن يرث وإنما ثنى نظرا إلى الخبر ومن لم يفرق بين الموضعين زعم أن تأنيث الضمير بناء على العلم بكونه أنثى فلا يتوجه حينئذ أنه باعتبار الحال. وقوله: (أو على ثأويل مؤنث الخ) يعني يؤوّل بمؤنث لفظي يصلح للمذكر والمؤنث كالحبلة بفتحتين وهي النتاح فلا يشكل تأنيثه ولا يلغو ذكر أنثى. قوله: (وإنما قالته تحسر الخ (جواب سؤال تقديره إنّ الإخبار إمّا للفائدة أو لازمها وعلم الله محيط بهما فأيّ فائدة في هذا الإخبار فقيل إنما يلزم ما ذكر إذا كان الإخبار للمخاطب وهذا إخبار للمتكلم يعرض حاله ويحسره عليه تعالى فإن قلت كما أنه يلغو الخبر لاستغناء المخاطب عن الإفادة يلغو الكلام مع قصد التحسر لعلم المخاطب بكونه متحسراً قلت أجيب بأنّ الكلام لإنشاء التحسر وبالتلفظ به يصير المتكلم متحسراً وليس لإفادة التحسر، وفرق بين إحداث الشيء وإفادته، ويحتمل أنه لتحقير محررة استجلاباً للقبول لأنه من تواضع لله رفعه.
وقد قال الإمام المرزوقي: إنه قد يرد الخبر صورة لأغراض سوى إخبار كما في قوله:
قومي هم قتلوا أميم أخي
فإن هذا الكلام تحزن، وتفجع وليس بإخبار فقوله: ليس! بإخبار هو الدافع للسؤال فلا
حاجة إلمى شيء آخر لأنه ما لم يلتزم هذا يرد أن دلالته على التحسر لا بد أن تكون كناية أو مجازا، والكلام الخبريّ سواء كان حقيقة، أولاً لا بد فيه من أحد الأمرين الفائدة أو لازمها وهما مفقودان هنا فيعود السؤال فتأمّل، وقوله: وهو استئناف أي مقطوع عما قبله فليس معطوفاً فلا ينافي كونه اعتراضا كما سيأتي، وقوله: تعظيماً لموضوعها أي المولود الذي وضعته، يعني ليس المراد الردّ عليها في إخبمار الله بما هو أعلم به كما يتراءى من السياق، وما موصولة والعائد محذوف تقديره ما وضعته، وأمّا كون ما وضعت عبارة عن أم مريم أي هو أعلم بحالها من التحزن والتحسر فلا وجه له وجزالة النظم تأباه، وقوله: على أنه من كلامها فليس للتجهيل بل لنفي العلم لأنّ العبد ينظر إلى ظاهر الحال، ولا يقف على ما في خلافه من الإسرار. قوله: (بيان لقوله والله أعلم الخ) وذلك أنّ توله تعالى: {وَاللهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ} الخ وارد لتفخيم المولود وتفضيله على الذكر بمعنى أنه قد تعورف بين الناس فضل الذكر على الأنثى، وألله هو الذي اختص بعلمه لفضل هذه الأنثى على الذكر فكان قوله: {وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى} بياناً لما اشتمل عليه الأوّل من التعظيم، وليس بيانا لمنطوقه حتى يلحق بعطف البيان الممتنع فيه العطف، واللام فيهما للعهد أمّا التي في الأنثى فلسبق ذكرها صريحا في قولها إني وضعتها أنثى والتي في الذكر فلقولها إني نذت الخ إذ هو الذي طلبته، والنحرير لا يكون إلا للذكر. قوله: (ويجوز أن يكون من قولها بمعنى وليس الذكر والآنثى سيان) وفي ليس ضمير الشان، ولذا رفع سيان وفي نسخة سيين وهو ظاهر وكون اللام على(3/20)
هذا للجنس لأنه لم يقصد خصوص ذكر وأنثى بل المراد أنّ هذا الجنس خير من هذا كقولهم الرجل خير من المرأة ويؤيد كونه من كلامها عطف قولها: {وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ} قال في الانتصاف أورد على هذا الوجه أن قياس كونه من قولها أن يقال وليس الأنثى كالذكر فإن مقصودها تنقيص الأنثى بالنسبة إلى الذكر، والعادة في مثله أن ينفي عن الناقص شبهه بالكامل لا العكس، وقد وجدت الأمر في ذلك! ختلفاً ولم يتبين لي تعين ما قالوه ألا ترى إلى قوله تعالى: {لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء} [سورة الأحزاب، الآية: 32] فنفي عن الكامل شبه الناقص لأنّ الكمال لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم ثابت بالنسبة إلى عموم النساء، وعلى ذلك جاءت عبارة امرأة عمران ومنه أيضاً أفمن يخلق كمن لا يخلق انتهى.
(قلت) : إذا دخل نفي بلا أو غيرها أو ما في معناه على تشبيه مصرح بأركانه أو ببعضها أحتمل معنيين تفضيلى المشبه بأن يكون المعنى أنه لا يشبه بكذا لأن وجه الشبه فيه أولى وأقوى
كقولك ليس زيد كحاتم في الجود، ويحتمل عكسه بأن يكون المعنى أنه لا يشبه به لبعد المسافة بينهما كقول العرب ماء ولا كصدى مرعى ولا كالسعدان فتى ولا كمالك وقوله:
طرف الخيال ولا كليلة مدلج
ووقع في شروح المقامات وغيرها أن العرب لم تستعمل النفي بلا على هذا الوجه إلا للمعنى الثاني وإن استعماله لتفضيل المشبه من كلام المولدين حتى اعترضوا على قول الحريري: في قوله في مقاماته غدوت ولا اغتداء الغراب، وما يشبهه كقوله في خطبة التلويح نال حظا من الاشتهار ولا اشتهار الشمس نصف النهار أي، ولا مثل ذلك فحذف مثل المنصوبة بلا وأقيم المضاف إليه مقامها وأراد أن اغتداءه كان قبل اغتداء الغراب الذي هو أكثر الطير بكورا، وهذا وأمثاله في هذا الكتاب معناه أن المشبه أقوى من المشبه به ولم يأت هذا عن العرب كما مر مثاله، وليس مذهبهم في ذكر لا بين المشبهين وإنما هو من كلام العامة، ووقع مثله في مقامات البديع، وما نقله المحشي مبنيّ على هذا فأشار إلى أنه ليس بلازم كما ورد في الآيات المذكورة، ومما أورده الثعالبي من خلافه في كتابه المنتخب فلأن حسن، ولا القمر وجواد ولا المطر على أنه لو سلم ما ذكروه فالمعاني لا حجر فيها على أنّ ما ورد في النفي بلا المعترضة بين الطرفين، لا في كلى نفي وهذا من نفائس المعاني التي ينبغي حفظها، ولم أر من صرح به حتى وقع في بعض حواشي التلويح فيه خبط لعدم الضبط وقيل قول المصنف ليس الذكر والأنثى سيان إشارة إلى أن التشبيه ليس لإلحاق الناقص بالكامل والا ينبغي أن يقال: وليس الأنثى كالذكر بل للتشابه، والمراد نفي المساواة واللام للجنس على هذا التوجيه لأنها تريد ليس جني الأنثى كالذكر في خدمة بيت المقدس، وعلى الوجه الأوّل هذه الجملة معترضة من متكلم آخر نحو قلت: ضربت زيدا ونعم ما فعلت وبكراً وخالدا بخلافه على هذا أو هما كلام متكلم واحد بالنظر إلى الحكاية لا المحكي فتأمّل. قوله: (وإنما ذكرت ذلك لربها تقرباً لخ (يفهم التقرب من كون مريم بمعنى عابدة، وفهم التغاير ظاهر لتغاير المفعولين، وقد مرّ لمريم معنى آخر وقد سبق أنها معرّبة مارية بمعنى جارية وهو أصح عندي. قوله: (أجيرها بحفظك الخ (أصل العوذ كما قاله الراغب رحمه الله: الالتجاء إلى الغير والتعلق به يقال عاذ فلان بفلان إذا استجار به، ومنه أخذت العوذة وهي التميمة والرقية والرجيم المرجوم استعمل
في لازم معناه وهو المطرود وما ذكره من الحديث رواه الشيخان فقوله في الكشاف: الله أعلم بصحته فإن صح فمعناه أن كل مولود يطمع الشيطان في إغوائه إلا مريم وابنها فإنهما كانا معصومين، وكذلك كل من كان في صفتهما كقوله تعالى: {لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} [سورة الحجر، الآية: 40] واستهلاله صارخا من مسه تخييل وتصوير لطمعه فيه كأنه يمسه ويضرب بيده عليه، ويقول هذا ممن أغويه ونحوه من التخييل قول ابن الرومي: لماتؤذن الدنيا به من صروفها يكون بكاء الطفل ساعة يولد
وأما حقيقة المس النخس كما يتوهم أهل الحشو فكلا، ولو سلط إبليس على الناس ينخسهم لامتلأت الدنيا صراخا وعياطاً مما يبلونا به من نخسه انتهى، يريد أنه من التخيلات الادّعائية وليست كذلك في الواقع، وقد استعمله ابن الرومي على نهج حسن التعليل فالاستهلال صارخا أي الابتداء به واقع عنده، والمس(3/21)
تخييل ليس بشيء أما تردده في الحديث فظاهر البطلان لما ذكرنا وأما تأويله بما ذكر فقد اتفق أهل الأثر على خلافه وان تابعه المصنف، وما ذكره من امتلاء الدنيا صراخا وهم فاسد لكن أشار إلى أنّ الحديث ليى على عمومه وأنّ أوّل بدليل الآية التي تلاها ولا ينافيه الحصر لأنه قد يكون باعتبار الأغلب أو يقدر له ما يخصصه فخرج النبيّ صلى الله عليه وسلم منه أبضا حتى لا يلزم تفضيل عيسى صلى الله عليه وسلم في هذا ال! عنى، ويؤيده خروج المتكلم من عموم كلامه كما روى الجلال في البهجة السنية عن عكرمة قال لما ولد النبيّ صلى الله عليه وسلم أشرقت الأرض نوراً فقال إبليس: لقد ولد الليلة ولد يفسد علينا أمرنا فقالت له جنوده: لو ذهبت إليه فخبلته فلما دنا منه ركضه جبريل عليه الصلاة والسلام، فوقع بعدن فما قيل لا يبعد اختصاصهما بهذه الفضيلة دون الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لا وجه له.
وقال السهيلي رحمه الله: شق صدره في حال طفوليته وشق الملكين قلبه، واخراج علقة سوداء، وتولهما إنه مغمز الشيطان الحديث لا يدل على فضل عيسى عليه الصلاة والسلام على نبينا صلى الله عليه وسلم لأنه خلق مكملا في القوى البشرية ثم نزع منه ذلك وملئ حكمة وإيماناً بعد غسله بالثلج والبرد وللإمام السبكي فيه كلام نفيس تعرض له ابنه في طبقاته، وقوه: حين يولد أي حين تمت ولادته وقوله يولد للاستمرار مع قطع النظر عن المضيّ والاستقبال وقيل: إنه بمعنى ولد ليصح استثناء مريم وابنها فعبر عن الماضي بالمضارع لحكاية الحال فتأمل، ومعنى قوله: تخييل أنه استعارة تمثيلية شبه حال الشيطان في قصد الإغواء بحال من يمس الشيء باليد ويعينه لما يريد به كما سيأتي في نحو قوله: {وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} [سورة الزمر، الآية: - 67] . قوله: (فرضي بها الخ (فسر القبول للنذر بالرضا إشارة إلى تشبيه النذر بالهدية، ورضوان الله
بالقبول، وقوله: أي بوجه حسن إشارة لتوجيه دخول الباء فإنه يرد عليه أنه مصدر ويجب نصبه بان يقال تقبلها قبولاً ولذا جعل بعضهم الباء زائدة فبين أن فعولاً يكون للآلة التي يفعل بها الفعل كالسعوط واللدود لما يسعط به ويلد فليس مصدرا هنا حتى يدعي زيادة الباء، والنذائر جمع نذيرة بمعنى منذورة، والتاء كتاء النطيحة، وهو ضمير عائد لوجه، وقوله: أو تسلمها مصدر معطوف على إقامتها وتفسير آخر للوجه، والسدانة مصدر بمعنى الخدمة، وقوله: روي الخ بيان للتسلم المذكور، وقوله: وصاحب قربانهم هو من تسلم له ليصفها وتنزل النار فتأكلها كما كان ذلك لهم ولذلك ورد في وصف أمة محمد صلى الله عليه وسلم قربانهم دماؤهم أي الذبح لا أكل النار، وقوله: عندي خالتها مر ما فيه، وطفا بمعنى علا على الماء، وضده رسب. قوله: (ويجوز أن يكون مصدرا الخ) أي هو مصدر على تقدير مضاف أي رضي بها ملتبسة بأمر ذي قبول ووجه ذي رضا وهو ما يقيمها مقام الذكور لما اختصت به من الإكرام، وهو جواب آخر، ثم جوز أن يكون تفعل بمعنى استفعل كتعجل بمعنى استعجل أي واستقبلها وتلقاها وهذا جواب آخر، قال ابن المنير في تفسيره: فيكون القبول عبارة عن أوله واستقباله وتقبلها بمعنى استقبلها بأوّل وهلة من ولادتها وأظهر الكرامة فيها حينئذ، وفي المثل خل الأمر بقوابله أي بأوائله انتهى، وقوله: ويجوز أن يكون مصدراً جواب ثالث. قوله: (مجارّ عن تربيتها الخ (أي هو استعارة أو مجاز مرسل بعلاقة اللزوم فإنّ الزارع لا يزال يتعهد زرعه بسقيه وحمايته عن الآفات وقلع ما يخنقه من النباتات، وقوله: على أنّ الفاعل هو الله أي الضمير العائد على اسم الله وهو الرب، وليس مراده على لفظ الجلالة المفهوم من الكلام حتى يقال إنه لا حاجة إليه مع أنه خلاف الظاهر وزكريا فيه لغات المد والقصر وزكرى بترك الألف ومنعه من الصرف
للعلمية والعجمة وقيل لألف التأنيث. قوله: (المحراب أي الغرفة (لم يعطف على ما قبله لأنه بيان لقبولها، وذكر للمحراب معاني المشهور منها الأخير، ولذا اقتصر عليه أخيراً في قوله: كأنها الخ، قال: في الدر المصون هذه معان للمحراب من حيث هو وأمّا في الآية فلا خلاف في أنه المحراب المتعارف وأصله مفعال صيغة مبالغة كمطعان فسمي به المكان لكثرته فيه، وقيل: إنه يكون اسم مكان واليه يميل كلام المصنف رحمه الله وكونه من المحاربة لمحاربة الشيطان فيه أو لتنافس الناس عليه ولبعض المغاربة في المدج:(3/22)
جمع الشجاعة والخشوع لربه ما أحسن المحراب في المحراب
قوله: (جواب كلما وناصبه الخ (وجد بمعنى أصاب ولقي متعد لواحد وهو رزقا وكل منصوب على الظرفية لإضافته إلى ما الظرفية المصدرية وصلتها دخل والعامل فيها الجواب بالاتفاق لأنّ ما في حيز المضاف إليه لا يعمل في المضاف ولا يجري فيها الخلاف المذكور في أسماء الشروط ومن الناس من وهم فقال: إن ناصبه فعل الشرط، وادعى أنه الأنسب معنى فزاد في الطنبور نغمة. قوله: (من أين لك هذا الررّق الخ) تقدّم الكلام في أين وكونه كرامة ظاهر لأنّ مريم لا نبوة لها على المشهور، وأما كون هذه العبارة تقتضي الاشتباه وهو ينافي كونه معجزة فبناه على الظاهر، وفيه نظر لأنه يجوز أن يكون لإظهار ما فيها من العجب بتكلمها ونحوه وسيذكر هذه العبارة بعينها في الحديث الذي بعده، ولا اشتباه فيه. قوله: (قيل تكلمت صغيرة الخ) الذين تكلموا في المهد أحد عشر نظمهم الجلال السيوطي رحمه الله تعالى في قوله:
تكلم في المهد النبيّ محمد ~ ويحيى وعيسى والهخليل ومريم
ومبري جريج ثم شاهد يوسف ~ وطفل لدى الأخدود يرويه مسلم
وطفل عليه مرّ بالأمة التي ~ يقال لها تزني ولا تتكلم
وماشطة في عهد فرعون طفلها ~ وفي زمن الهادي المبارك ص يختم
قوله: (بغير تقدير) هو إمّا بمعنى بيان المقدار أو التقييد فإنه يرد بمعناه، وقوله: أو بغير استحقاق هو مجاز لأنه لو كان بالاستحقاق لكان كل رزق في مقابلة عمل فيستلزم الحساب، حعنى التعداد وقوله: (روي الخ) أخرجه أبو يعلى في مسنده وبضعة بفتح وكسر بمعنى قطعة وقرله:) قرجع الخ) أي أرسلها إليها أو أخذها ورجع به مغطاة، وهلمي بمعنى أقبلي وفي الكلام تقدير أي فأكلوا حتى شبعوا وبقي الطعام الخ. قوله: (في ذلك المكان الخ) قدمه لأنه المعنى الحقيقي المعروف فيها، وقيل إنها وثمّ بالفتح والتشديد مع كونهما للإشارة إلى المكان " ردا للزمان مجازاً كحيث، وذهت الزجاج إلى أنها مستعارة للجهة والحالة كما تستعار حيث ا! ابتنزيلها منزلتها، وكون الفواكه في غير أوانها لأن فاكهة الصيف في الشتاء وعكسه كما مر،، ير تعدية انتبه بعلى تسمح، ووجه التنبه أنّ الولد كالثمرة والعقر كذهاب إبانه قيل وكذا تكلمها! غير أوانه وقوله: {يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ} وقوله: مجيبة فسر السميع بالمجيب لأنّ السمع ورد بمعنى القبول كثيرا. قوله: (أي من جنسهم الخ) يعني أنه أطلق الجمع المعرّف
على الجنس الشامل للواحد كقولهم يركب الخيل لمن له فرس وكذا هنا المنادي واحد، وهو جبريل عليه الصلاة والسلام. قوله: (ويحيى اسم أعجمي) هذا هو الصحيح وأمّا كونه منقولاً من الفعل فقول ضعيف، واحتمال أنه منقول من فعل فيه فاعل مستتر حتى يكون جملة محكية تكلف مستغنى عنه، وقوله: على إرادة القول الخ هما مذهبان في النحو للبصريين والكوفيين مشهوران. قوله: (بعيسى عليه الصلاة والسلام الخ (سمى عيسى كلمة لأنه وجد بأمركن من دون تناسل كما يسمى نحوه عالم الأمر والمراد بالكتاب الإنجيل فسمي كلمة كما تسمى القصيدة الطويلة كلمة، والحويدرة تصغير الحادرة بالمهملات وهو لقب شاعر جاهلي اسمه تطبة بن محصن بن خرول، وأصل معنى الحادرة الضخم المنكبين وهي قصيدة عينية معروفة عند الرواة مشهورة بالبلاغة. قوله: (يسود قومه ويفوقهم الخ) أصل معنى السيد من يسود قومه ويكون له أتباع ثم أطلق على كل فائق في دين أو دنيا، وورد في الحديث إطلاقه على الله. قوله: (مبالغاً (الحصور من الحصر وأصله المنع، ويطلق على كل من لا يدخل في الميسر فلذا استعمل فيما ذكره وقوله: ناشئاً منهم فمن للابتداء وان كان بمعنى من جملتهم ومعدوداً فيهم، فللتبعيض، ومعناه على الأوّل ذو نسب وعلى الثاني معصوم فلا يلغو ذكره بعد نبياً ومنهم من فسر الحصور بالذي لا يميل إلى النساء واستدل به على فضل العزوبة على التزوّج. قوله: (استبعاداً من حيث العادة الخ) ومع قوله: من حيث العادة لم يبق وجه لما قيل لا وجه للاستبعاد مع أنّ قدرة الله واضحة وكذا لا حاجة للتعجب، وقوله: بلغني الكبر أدركني إشارة إلى(3/23)
إنهما بمعنى في الاستعمال وهما في المجاز من باب واحد، وعاقر كحائض وطامث على النسب فلذا لم يؤنث وأشار إليه بقوله: ذات عقر أي قطع. قوله: (أي يفعل ما يشاء من
العجائب الخ) أي إنّ كذلك معمول يفعل مقدم عليه والتقدير كهذا الفعل العجيب يفعل الخ كما مز تحقيقه في وكذلك جعلناكم، وقوله: (كما أنت الخ) هو راجع إلى كونه استفهاما عن كيفية حدوثه أهو بردّهما شابين أم بغير ذلك، وكذلك الله على الابتداء والخبر بمعنى الدوام! الاستمرار كما مز، وقوله: وتزيح بالرفع عطف على أعرف وبالنصب عطف على استقبله. ترله: (أن لا تقدر الخ) إنما فسره به لأنه الظاهر من كونه آية، وأمّا امتناعه مع الغدرة وان قبل له فبعيد هنا، وقيل إنه حبس عقوبة له على السؤال، وقوله: وأحسن الجواب ما اشتق من السؤال أي أخذ منه وانتزع بأن يكون يناسبه لفظا ومعنى لأنه لما سأل آية لأجل الشكر أجيب لانه أن لا يقدر إلا على الشكر كما قيل لأبي تمام لم تقول ما لا يفهم، فقال: لم لا تفهم ما لقال. قوله: (والاستثناء منقطع الخ) الأوّل هو الظاهر لأنّ الرمز ليس من جنس الكلام أئا لو أؤل الكلام بكل ما يفهم فإنه يكون متصلاً لكنه خلاف الظاهر، ويلزم أن لا يكون استثناء منقطع أصلاً إذ ما من استثناء إلا، ويمكن تأويله بمثله، ورمزا بفتحتين جمع رامز هو من نادر الجمع، وقد حصر في ألفاظ مخصوصة. قوله: (متى ما تلقني الخ) في أمالي ابن الشجري كان عمارة بن زياد العبسي يحسد عنترة على شجاعته، ويظهر تحقيره ويقول لقومه ليتني لقيته خالياً لاريحكم منه وأعلمكم أنه عبد فبلغ عنترة ذلك فقال:
أحولي تنفض استك مذرويها لتقتلني فها أناذا عمارا
متى ما تلقني فردين ترجف روانف أليتيك وتستطارا
وسيفي صارم قبضت عليه أصابع لاترى فيها انتشارا
في أبيات أخر، قال: والمد وان جانبا الأليتين، ومن كلامهم ما ينفض مذ رويه إذا جاء
يتهدد، وفردس ويروى خلوين حال من المفاعل والمفعول، ويروى برزين أو بارزين، وترجف بمعنى تضطرب، والرانفة طرف الألية التي تلي الأرض من القائم، وأراد بالروانف التثنية لأنه ليس له إلا رانفتان ولذا ثني ضمير تستطار أو تستطارا بمعنى تستخفا وهو مجزوم معطوف على جواب الشرط، وأصله تستطاران وضمير النثنية للروانف لأنه بمعنى الرانفتين كما مرّ، ويحتمل أن يكون منصوباً بعد الشرط، والتاء للخطاب أو لتأنيث الروانف والألف للإطلاق، وقيل: إنها بدل من نون التأكيد الخفيفة. قوله: (وهومؤكد لما قبله الخ (لأنّ المنع عن كلامهم للاشتغال بالذكر والشكر، فإن قلت الإنشاء لا يعطف على الخبر وكذا المبين لا يعطف على المؤكد، قلت قيل: إنه معطوف حينئذ على مقدر أي أشكر وأذكر أو الأمر مؤوّل بالخبر أي أن لا تكلم وتذكر الخ وفيه نظر وقوله: (وتقييد الخ) فيه نظر لأنّ العشيّ والإبكار قيد له ولأنّ الكثرة أخص من التكرار. قوله: (والإبكار (بكسر الهمزة مصدر، وعلى الفتح جمع بكسر كسحر لفظا ومعنى وهو نادر الاستعمال. قوله: (كلموها شفاها الخ) الإرهاص التأسيس من الرهص وهو الساق الأسفل من الجدار والإرهاصات أن يتقدم على دعوى النبوّة ما يشبه المعجزة كإظلال الغمام لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وتكلم الحجر معه وفي كونه معجزة زكريا صلى الله عليه وسلم بعد، إذ لم يقع الكلام معه، ولم تقترن بالتحذي، ودعوى الإجماع على عدم استنباء امرأة ليس بصحيح لأنه ذهب إليه كثير من السلف، ومال السبكي رحمه الله وابن السيد إلى ترجيحه واستدلاله بالآية لا يصح أيضاً لأنّ المذكور فيها الإرسال وهو أخص من الاستنباء فإن فسر القول بالإلهام فإسناده إلى الملائكة عليهم الصلاة والسلام خلاف الظاهر وان كان لا منع من أنه يكون بواسطتهم أيضا، ولما تكرّر الاصطفاء في الآية تغاير الاصطفا آين ليظهر له فائدة، وما يستقذر هو الحيض، وقذفها أنهم رموها بيوسف النجار وكان عابداً في بني إسرائيل وفي نسخة قرفته بالقاف والراء
المهملة والفاء يقال: فرقت الرجل بكذا، إذا اتهمته. قوله: (أمرت بالصلاة الخ (لما كان الظاهر أن يقال صلى أو فصلى أركان الصلاة وهي القيام المعبر عنه بالقنوت والركوع والسجود، ويؤخر(3/24)
السجود بين وجهه بأنها أمرت بكل ركن على حدة مبالغة في المحافظة، وقدم السجود لأنه كان كذلك في صلاتهم، وأمّا كونه للتنبيه على أنّ الواو لا تفيد الترتيب فلا يخفى ضعفه لأن الكلام مع من يعلم لا مع من يتعلمه من هذا النظم، وكذا كونه قدم لشرفه، نه أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد لأنه إنما يتم على القول بأن القيام ليس أفضل منه كما نقل عن الشافعيّ، وكذا الوجه الأخير غير تام إذ لو قيل واسجدي مع الساجدين أو مع المصلين لم يتأت ما ذكره، وفي الكشاف أمرت بالصلاة بذكر القنوت والسجود لكونهما من هيئات الصلاة وأركانها ثم قيل لها واركعي مع الراكعين بمعنى، ولتكن صلاتك مع المصلين أي في الجماعة أو انظمي نفسك في جملة المصلين، وكوني معهم في عدادهم، ولا تكوني في عداد غيرهم، ويحتمل أن يكون في زمانها من كان يقوم وشمجد في صلاته ولا يركع وفيه من يركع فأمرت بأن تركع مع الراكعين، يعني بعد الأمر بالصلاة أمرت بقيد في الصلاة، وهو الجماعة أو بالمواظبة على ذلك بحيث تعد من جملة المصلين وتنسب إليهم أو بحقيقة الركوع والكون مع الذين يركعون لا مع الذين يصلون بلا ركوع، وقوله عليها أي على الصلاة أو الأركان. قوله: (وقيل المراد بالقنوت الخ (قال الراغب رحمه الله: القنوت لزوم الطاعة فلا بقال إنّ الآية لا تدلّ على الإدامة لأنها مفهومة من قوله: آناء الليل والتعبير عن الصلاة بالسجود من التعبير بالجزء عن الكل، والإخبات التواضع. قوله:) أي ما ذكرنا الخ) من القصص بيان لما هو إفا بفتحتين أو جمع قصة وقوله: من الغيوب تفسير لقوله من أنباء الغيب وقوله:) التي لم تعرنها الخ) الحصر مأخوذ من المقام، والأقداح جمع قدح بكسر فسكون وهو سهم يوضع للميسر والقرعة سميت أقلاما من القلم، وهو القطع وهو بيان لإفراد اسم الإشارة بأنه باعتبار حاضية الثهأب / ج 3 / م 4
تأويله بما ذكر. قوله: (والمراد تقرير كونه وحيا الخ) يعني أنه يخبر بما لا سبيل إلى معرفته بالعقل مع اعترافكم بأنه لم يسمعه، وتنكرون إنه وحي فلم يبق مع هذا ما يحتاج إلى النفي سوى المشاهدة التي هي أظهر الأمور انتفاء. قوله: (متعلق بمحذوف الخ الما لم يصلح تعلق يلقون باسم الاستفهام لفظا ومعنى لزم أن يقدر ما يرتبط به النظام، وذكر له الزمخشري ثلاثة أوجه أحدها: جملة هي حال مما قبلها أي ينظرون لأنّ النظر يؤدّي إلى الإدراك فيتعلق باسم الاسنفهام كالأفعال القلبية كما صزح به ابن الحاجب وابن مالك في التسهيل فمن ظن أنه مخصوص بها حتى ارتكب تأويل النظر بنظر البصيرة وقال: إنّ المصنف تركه لهذا لم يصب. الثاني: ليعلموا أنّ الإلقاء سبب العلم لكنه سبب بعيد والقريب هو النظر إلى ما ارتفع من الأقلام وقدره السكاكي ينظرون ليعلموا نظراً إلى المعنى واللفظ.
والثالث: يقولون قالوا: وهو ضعيف لأنه ليس فيه فائدة يعتد بها وإنما هو إصلاج لفظي، وقيل: إنه مفيد إذ المراد بالقول المقدر القول للبيان أي ليبينوا ويعينوا الكافل ووقع في عبارة القاضي رحمه الله أو يقولون فهو مثل ما قدره الزمخشريّ والجملة حالية وفي بعض النسخ أو يقولوا بالنصب عطفا على يعلموا، ووجه التعليل فيه خفاء إلا أن يؤوّل بما مرّ فلا يرد عليه ما قيل إنه سهو من الناسخ إلا أن يقالط إنه أراد بيقولوا ليحكموا إلا ليستفهموا فتأمل. قوله: (وما بينهما اعتراض الخ) دفع به الاعتراض! بالفصل كما دفع بما بعده أن الوقتين مختلفان فكيف يصح البدل وبدل الغلط لا يقع في فصيح الكلام، وعلى تقدير الإبدال من إذ قالت الملائكة جاز اتحاد الوقتين فهو ظاهر أنه بدل كل وتيل: بدل اشتمال وأما وقت الاختصام فظاهر أنه قبل وقت البشارة بمدّة فاحتيج في جواز الإبدال إلى أن يعتبر زمان ممتذ يقع الاختصام في بعضه والبشارة في بعض آخر ليصح بالنظر إلى ذلك أنهما في زمان واحد كما يقال: وقع القتال والصلح في سنة واحدة، مع أنّ القتال في أوّلها والصلح في آخرها، وتحقيقه أنّ كلا من الزمان والمكان قد يؤخذ حقيقيا، وهو القدر الذي ينطبق على الشيء ولا يفضل عنه، وقد يؤخذ غير حقيقيّ وهو خلافه والأصوليون يسمونه معياراً وغير معيار فيكون بدل كل من كلى لا بدل اشتمال أو جزء من كل باعتبار أنّ أحدهما لجميع الوقت والآخر لمعياره لأنه وإن كان في صحته نظر تحكم لا داعي إليه. قوله: (المسيح لقبه وهو من الآلقاب المشرّفة)
ركسر الراء أي المفيدة للمدح ويصح(3/25)
فتحها والاشتقاق لا يجري في الأعجمية فادعاؤه تسمح لكن قيل دخول اللام في المسيح ربما يشعر بأنه عربي كالخليل، إلا أن يقال لما عرّبت أجريت. ـ جرى الأوصاف لأنه في لغتهم بمعنى المبارك، وقد مرّ أنها لا تنافي العجمة في التوراة والإنجيل والإسكندر فإنه لم يسمع إلا معرّفا مع أنه لا شبهة في عجمته وعيسى أصله ايشوع ومعناه السيد. قوله: (وابن مريم لط كان صفة تميز الخ) دفع لما يقال إن قوله المسيح الخ خبر كلن اسمه والاسم إنما هو عيسى والمس! يح لقب وابن صفة فكيف جعلت الثلاثة خبراً عنه فأشار لقوله: وابن مريم الخ إلى أنّ اسمه بمعناه المصطلح وهو العلم مطلقاً وهو ليس بمعنى مقابل اللقب كما أشار إليه بجعل المسيح لقبا بل ما يعمه، وغيره وأنّ إضافته تفيد العموم لأنّ إضافة اسم الجنس قد يقصد بها الاستغراق وأن إطلاقه على ابن مريم على طريق التغليب لأنه مثله في التمييز، أو الاسم بمعناه اللغوي وهو السمة والعلامة المميزة لا العلم وتميزه بهذه الثلاثة أشد من تميزه بكل واحد منها، ولبعضهم هنا خبط لا طائل تحته فإن قيل ابن مريم لا يصح حمله على اسمه أصلاً لأن الابن هو المسمى لا الاسم قلنا نعم إذا أريد المفهوم لا اللفظ، وكذلك المسيح وعيسى فإن قيل كيف قدم اللقب على الاسم ولم يضف الاسم إلى اللقب مع تعين الإضافة فيه كسعيد كرز كما في المفصل، قيل: الجواب ما قاله ابن الحاجب في شرحه من أن المراد باللقب: وان أطلق ما لم يكن غير صفة وليس بشيء لاً نه ليس صفة في العربية فالظاهر أن يقيد بما لم يقارن أل وضعه لمنعها من الإضافة وبعضهم قدر عيسى خبر مبتدأ محذوف وابن صفة فلا يرد شيء من الأوهام، ثم ذكر أنّ فائدة قوله ابن مريم مع عدم الحاجة إليه ظاهرا الإشارة إلى أنه خلق من غير أب إذ لو كان له أب نسب إليه وقد يقال إنه ردّ على النصارى. توله: (حال مقدّرة الخ) جعلها مقدرة لأنّ وجاهته كانت بعد البشارة والوجاهة ليست بمعنى
الهيئة والبزة بل بمعنى الرفعة كالجاه. قوله: (أي يكلمهم حال كونه طفلاَ وكهلاَ الخ) إنما جعل في المهد حالاً مع صحة كونه ظرفا لغو العطف، وكهلاً عليه ولما كان الكلام في حال الكهولة ليس مما خص به أشار إلى أنه ذكر للتسوية بينهما من غير تفاوت كما مرّ في نحو {يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ} وهذا وجه ونكتة تجري في مواضع شتى فالمجموع لأكل على الاستقلال، وقيل: إن كلا منهما حال وإنه تبثير لها ببلوغ سن الكهولة وتحديد لعمره.
والقول الثاني: مبنيّ على أنه لم يبلغ الكهولة وأحواله المختلفة تبدلات السق الطارئة
عليه وغيره من الأحوال المستلزمة للحدوث المنافي للألوهية. قوله: (حال ثالث الخ) قيل عليه أنّ الوجه أن يقال حال رابع من كلمة أو ثالث من ضميرها فإنها أربعة وجيهاً ومن المقرّبين ويكلم، ومن الصالحين مع ما في جعل المعطوف على الحال حالاً من التسامح إلا أن يقال: إنه جعل جملة اسمه المسيح حالية ولم يعد المعطوفين حالاً فتأمّل. قوله: (تعجب الخ) يعني الاستفهام إمّا مجازيّ أو حقيقي وقوله: {وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ} تقوية ولا ينافيه كما توهم وقوله: يخلق ما يشاء ولو بغير مادّة وسبب كعيسى صلى الله عليه وسلم بلا أب وكون القائل جبريل عليه الصلاة والسلام القرينة عليه ذكر الملائكة عليهم الصلاة والسلام قبله، وكون القائل هو الله وقد حكاه جبريل عليه الصلاة والسلام فيه التفات إن حكى بلفظه ويكون الله حكى ما حكى عنه والداعي إليه أنه تعالى لم يكلم غير الأنبياء بل غير خاصتهم عليهم الصلاة والسلام. قوله: (إشارة إلى أنه تعالى الخ) يعني أنّ قوله تعالى: {كُن فَيَكُونُ} تمثيل لسرعة تكوينه من غير توقف على شيء آخر كما سنحققه في سورة يس، ولما كان الخلق التدريجي والناشئ عن الأسباب أمرا ظاهراً لم يذكره في النظم والحصر في النظم باعتبار أنّ الأمر بمعنى الشأن البديع العجيب والمصنف ذكره بيانا لأنهما منه وعنده سواء فلا يرد أنه ليس في النظم ما يدل عليه، ولا يتوهم أنه مغاير لما ذكره في سورة يس فأفهم. قوله: (كلام مبتدأ الخ) يعني أنه كلام مستأنف ليس داخلاً في حيز قول الملائكة عليهم الصلاة والسلام والواو تكون للاستئناف وتقع في ابتداء
الكلام كما صرّح به النحاة فلا حاجة إلى تأويله بأنه معطوف على جملة مستأنفة سابقة، وهي واذ قالت الخ أو مقدرة ولا إشكال في العطف، كما ذكره النحرير: وكذا لا يدعي أن الواو زائدة كما قاله أبو حيان، وقوله: لما وهمها أي(3/26)
وقع في وهمها وفي نسخة همها. قرله: (أو عطف على يبشرك الخ) ولا يرد عليه طول الفصل لأنه اعتراض لا يضر مثله قيل: إنما يحسن هذا بعض الحسن على قراءة الياء وأمّا على قراءة النون فلا يحسن إلا بتقدير القول أي إنّ الله يبشرك بعيسى صلى الله عليه وسلم ويقول: نعلمه أو وجيها ومقولاً فيه تعلمه. قوله: (والكتاب الكتبة) بالفتح أي بالمعنى المصدريّ، وقدمه على تفسيره بجنس الكتب السماوية لأنه فيه خفاء لتقديم الحكمة، وان كان المراد ما اشتملت عليه من الشرائع وفي نسخة وقرأ عاصم ونافع ويعلمه بالياء. قوله: (منصوب بمضمر الخ الما كانت المنصوبات قبله واقعة في كلام الملائكة عليهم الصلاة والسلام وتبشيرها وهذا محكيّ عن عيسى صلى الله عليه وسلم، وأيضا هي في حكم الغيبة وهذا في حكم التكلم لتعلق قوله: {أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم} ولما بين يدفي به احتاج العطف إلى التوجيه بأنه إقا منصوب بمضمر على إرادة القول والتقدير، ويقوله: أرسلت رسولاً الخ وهو معطوف على نعلمه بناء على أنه مستأنف، وأمّا على تقدير عطفه على يبشرك، أو يخلق يكون التقدير إنّ الله يبشرك، أو إنّ الله يخلق ما يشاء، ويقول عيسى: كذا عطفا على الخبر ولا رابطة بينهما إلا بتكلف عظيم، وقال أبو حيان: إنّ هذا الوجه ضعيف لإضمار القول ومعموله والاستغناء بالحال المؤكدة فالأولى أن يقدر ويجعله رسولاً. قوله: (أو بالعطف على الآحوال المتقدّمة الخ (هذا توجيه آخر لما مرّ قيل ولا يخفى أنه خروج عن قانون التضمين وأنه إن جعل ونعلمه عطفا على وجيها فهذا هو الوجه لقلة الحذف وعلى الثلاثة الأخر فالأوّل لئلا يلزم الفصل الممتنع، ولا يخفى أنّ قوله وناطقا يحتمل تقديره معطوفا على رسولاً وهو أحد طرق التضمين في الأسماء كما قدروا {الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ} [سورة البقرة، الآية: 187] بالرفث والإفضاء، ويحتمل أن يكون صفة رسولاً والحال فيه غير ظاهرة، ووجها التخصيص متقاربان. قوله: (نصب بدل الخ (بناء على أن محل أنّ وأن بعد حذف الجار نصب لا غير، وعلى تقدير هي الجملة صفة آية أو مستأنفة في جواب ما هي، وقوله: أقدر بيان لمعنى أخلق ومعنى أقدر أصوّره وأبرزه على مقدار معين قيل: وفي هذه المعجزة مناسبة لخلقه من غير أب. قوله:
(الضمير للكاف الم يجعله للهيئة لأنّ الهيئة لا ينفخ فيها وإنما ينفخ في الجسم المماثل والكاف على هذا اسم وهي صفة لمقدر أي شيئا مثل هذا الطير، ومرجع الضمير في الحقيقة الموصوف بها، وقد ضعف كونها تكون اسما وعود الضمير عل! ! اغير معهود، والمراد بإذن الله كما مرّ إرادته وتقديره، والممسوح العين هو الذي لم يشق بصره ولم يخلق له حدقة، وقوله: لوهم الإلوهية وفي نسخة اللاهوتية يعني التي توهمتها النصارى، ولذا ذكرها أيضاً في خلق الطير، وهذا بناء على تعلقه بأحيى، وتيل: إنه متعلق بجميع ما قبله قبل وكون إبراء اكمه من جنس أفعال البشر فيه نظر وليس بشيء، وقوله: التي لا تشكون فيها إشارة إلى وجه تخصيص الأنباء بأحوالهم لتيقنهم بها، فلا يبقى لهم شبهة وفسر المؤمنين بما ذكره على أنه من مجاز المشارفة لأنهم المحتاجون للآية أو بمعنى المصدق أي الذي لا يعاند ويكذب، وقوله: على الوجهين أي اللذين سبق ذكرهما في تفسير ورسولاً. قوله: (مقدّر بإضماره) أي الجار والمجرور مقدر بإضمار وجئتكم لأحل فهو من عطف الجملة على الجملة، وقوله: أو مردود أي معطوف على بآية من قوله: {جِئْتُكُم بِآيَةٍ} لأنه في معنى لا ظهر لكم آية {وَلِأُحِلَّ لَكُم} الخ فلا يرد أنه لا يصح عطف المفعول له على المفعول به وعطفه على مصدقا لتأويله بما يجعلهما من باب واحد وان كان الأوّل حالاً والثاني مفعول له، وقيل: لا بد فيها كلها من تقدير جئتكم إذ لا يعطف نوع من المعمولات على نوع آخر وما ذكروه بناء على الظاهر المتبادر. قوله: (أي في شريعة موسى الخ) قيل أو ما حرّمه علماؤهم تشهياً أو خطأ في الاجتهاد، والثرب شحم رقيق يغشي
الكرس والأمعاء، وقوله: والسمك المراد به بعض أنواعه فإنهم لم يحرموه مطلقاً، ولما كان عيسى صلى الله عليه وسلم مأمورا بالعمل بالتوراة وشريعة موسى عليه الصلاة والسلام أشار إلى أنّ نسخ بعضها لا ينافي ذلك إذ لم تبطل شريعته كما أنّ نسخ بعض القرآن لا يبطله، وقوله: فإنّ النسخ الخ أي هو بيان لانتهاء زمان الحكم الأوّل لا رفع وابطال له كما مرّ وتقرر في الأصول. قوله: (أي جئتكم بآية أخرى الخ) أي فالمراد بالآية على هذا العلامة، لا المعجزة(3/27)
ليرد أن مثل هذا القول قد يصدر عن بعض العوامّ، بل المراد أنه بعدما ثبتت نبوّته بالمعجزة كان ذلك القول الصادر عن غيره من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام علامة لنبوته تطمئن به النفوس، وقيل حصول المعرفة والتوحيد. والاهتداء للطريق المستقيم في الاعتقادات والعبادات عمن نشأ في قوم بدلوا وحزفوا من خوارق العادة.
قوله: ( {قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ} على أن الخ) قيل مذا ظاهر على القراءة بفتح إنّ فكان ينبغي ذكرها
كما في الكشاف وان كانت شاذة وليس بوارد لأنه على الكسر قبلها قول محذوف بدلأ من آية أي قولي إنّ الله، وبه صرّج المصنف رحمه الله فقال: وهي قولي فالاعتراض غفلة عما أراده وعلى الفتح فهي بدل من آية. قوله: (والظاهر أنه ثكرير لقوله الخ) أي أنه معطوف على جئتكم الأول وكرر ليعلق به معنى زائد وهو قوله: إن الله ربي الخ أو للاستيعاب كقوله: {ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ} [سورة الملك، الآية: 4] ويؤيده قوله جئتكم باية بعد أخرى فيقدر ما يناسب الايات السابقة من كونه مولودا بغير أب وتكلم في المهد، واليه الإشارة بقوله: (مما ذكرت لكم) والحكم هو قوله: (فاتقوا الخ) وقوله: لما جئتكم بكسر اللام وتخفيف الميم ويجوز الفتح والتشديد، والتوحيد من الحصر المستفاد من تعريف الطرفين، والجمع بين الأمرين لأن
الصراط المستقيم الاعتقاد الحق والعمل الصالح كما مرّ. قوله: (قل آمنت بالله الخ) هو من حديث أخرجه مسلم والترمذي وغيرهما عن سفيان الثقفي أنّ رجلا قال: يا رسول الله مرني بأمر في الإسلام لا أسأل عنه أحدا بعدك قال: " مقل آمنت بالله ثم استقم " والتنظير به لأنه قدم الإيمان، كما قدم قوله: {إِنَّ اللهَ رَبِّي} هنا ثم عقبه بما يشمل الاعتقاد والعمل. قوله:) تحقق كفرهم عنده الخ) يعني أنّ الإحساس استعير استعاوة تبعية للعلم بلا شبهة إذ الكفر لا يحس، وأما تأويله بأحس آثار الكفر فليس بذاك. قوله: (ملتجئاً إلى الله الخ) لما كان النصر لا يتعدى بإلى جعله حالاً من الياء، والمعنى من ينصرني حال كوني ذاهبا إلى الله أو ملتجئاً إلى الله فالمقصود طلب النصرة لرسوله صلى الله عليه وسلم في دينه فلذا فسر نحن أنصار الله بأنصار ديته وقوله: أو ضامّا إليه أي ضامّا نفي إليه أو هي متعلقة به بتضمين الإضافة، وكونها بمعنى مع أو في أو اللام مذكور في بعض كتب النحو لكن قيل عليه إنّ المصرح به فيها لام الاختصاص نحو الأمر إليك لا التعليل وفي تفسير الفراء أن إلى إنما تكون بمعنى مع إذا ضم شيء إلى آخر نحو الذود إلى الذود ابل أي إذا ضممته إليه صار ابلا ألا تراك تقول قدم ومعه مال، ولا تقول: وإليه وكذا نظائره وهو كلام من ذاق طعم البلاغة، ولذا ضعفه المصنف.
وفي الكشاف في سورة الصف إن إضافة أنصاري للملابسة أي من حربي ومشاركي في توجهي لنصرة الله تعالى ليطابق جوابهم نحن أنصار الله، ولا يصح أن يكون معناه من ينصرني مع الله لعدم المطابقة، وتابعه المصنف رحمه الله هناك وقد صرح هنا بخلافه وعدم المطابقة غير مسلم إذ نصرة الله ليست على ظاهرها فلا بد من تأويل أو إضمار لما تظهر به المطابقة، وهو ظاهر لمن تدبر. قوله: (حواريّ الرجل الخ) قال الكرماني: في قوله صلى الله عليه وسلم: " الزبير حواريي " الحواريي الناصر وهو لفظ مفرد منصرف.
وقال الزجاج: حواريّ منصرف لأنه منسوب إلى حوار وليس كبخاتيّ وكراسي لأن واحدها بختيّ وكرسيّ، وقد وقع مصروفا في غير موضع ومثله الحواليّ، وهو الكثير الحيلة فمن قال: معنى قول المصنف خالصته، أي جماعته الخالصة الاختصاص به نسب إلى الحور وهو البياض فأطلق الحوريّ على الخالص، وجمع على حواريّ ككرسي وكراسيّ، وجعله التفتازانيّ مفرداً وألفه من تغييرات الشب، وكأنه دعاء إليه إطلاقه على الواحد، ويصح أن يكون منقولاً من الجمع إلى الجنس بتنزيل الواحد الكامل في الخلوص منزلة جماعة فقد خبط خبط عشواء إلا أن ما ذكره النحريمر فيه نظر لأنّ الألف إذا زيدت في النسبة وغيرت بها تخفف الياء في الأفصح في أمثاله والحواريّ بخلافه، والحور البياض! مطلقا ومنه الحور العين، وأئا إذا وصفت به العين فمعنى آخر.، والحضريات نساء لمحضر يعني المدن والقرى ويغلب فيهن البياض لعدم البروز للشمس والريح، وقوله: يلبسون البيض أي الثياب البيض وكون الحوارقي القصار صرح به أهل اللغة، وهو بلغة النبط هواري، وقيل: معناه المجاهد وقيل إنه من حار بمعنى رجع لرجوعهم إلى(3/28)
الله. قوله: (آمنا بالته وأشهد الخ (في عطف أشهد على آمنا مع أن بينهما اختلافا ما يقتضي جوازه فيما له محل من الإعراب ولا يلزم ذلك هنا لأنه قيل آمنا لإنشاء الإيمان أيضاً، وقيل: الكتابة كناية عن تثبيتهم على الإيمان في الخاتمة، والظاهر أن المراد اجعل ذلك وقدّره لنا في صحائف الأزل أو أدخلنا في عداد أتباعهم، وهذا على تفسيري الشاهدين وعلى الأخير فتعريفه للعهد وطلبهم أن يكونوا من أمة محمد صلى الله عليه وسلم المعروفين بالشهادة على الناس فلا يرد تضعيفه بأنه لا قرينة على ذلك التخصيص على أنه كما نقلوه تفسير ابن عباس رضي الله عنهما، وغيلة بكسر الغين المعجمة أن يتبع المرء مستترا حتى يقتله فجاة وهو لا يدري. قوله: (ومكر الله حين رفع الخ) أي المراد بمكر الله ما ذكر، وذكر أن المكر لا يطلق على الله إلا بطريق المشاكلة لأنه منزه عن معناه غير محتاج إلى حيلة، وهو المراد بالمقابلة والازدواح فلا يقالط: مكر الله ابتداء وكذا قاله العضد في شرح أصول ابن الحاجب وأورد السيف الأبهري عليه قوله تعالى: {أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ اللهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللهِ} [سورة الأعراف، الآية: 99] فإنه أطلق عليه ابتداء من غير مشاكلة ونقل عن الإمام أنّ المكر إيصال المكروه إلى الغير على وجه يخفى فيه وأنه يجوز صدوره عنه تعالى حقيقة وقد ذهب إليه طائفة وقالوا: إنه عبارة
عن التدبير المحكم فليس بممتنع عليه.
(قلت) : يؤيده قوله والله خير الماكرين فإنه يبعد المشاكلة وأمّا جوابه عن الآية المذكورة
بأنها من المشاكلة التقديرية كما في قوله تعالى: {صِبْغَةَ اللهِ} [سورة البقرة، الآية: 138] فلا يخفى ما فيه. قوله: (أتواهم مكراً الخ (قيل عليه إنه لا يستفاد من النظم والمفيد له أشذ الماكرين أو أقواهم، فينبغي أن يفسر بأنّ مكره أحسن وأوقع في محله لبعده عن الظلم، ولا يخفى أن الخيرية في معنى تقتضي زيادته، وهو المكر هنا فالخيرية فيه ما ذكر وتفسير المصنف أنسب بالمراد وهو التهديد. قوله: (ظرف لمكر الخ (قدمه لأنه أولى إذ لا يظهر وجه تقييد قوة مكر. تعالى بهذا الوقت، ولو قدر إذ كر كما في أمثاله لم يبعد. قوله: (أي مستوفي أجلك ومؤخرك الخ الما كان ظاهره مخالفاً للمشهور المصرح به في الآية الأخرى أوّله بوجوه الأوّل أنه كناية عن عصمته عن الإعداء وما هم فيه من الفتك به لأنه يلزم من استيفاء أجله وموته حتف لنفسه ذلك أو قابضك من الأرض من توفي المال بمعنى استوفاه وقبضه وقوله: مالي يحتمل ما أن تكون موصولة ولي صلته، ويحتمل أن تكون كلمة واحدة أو المراد بالوفاة هنا النوم لأنهما أخوان، ويطلق كل منهما على الآخر لأنه رفع كذلك رفقاً به، وأمّا أنه أريد بالموت والوفاة موت القوى الشهوانية العائقة عن إيصاله بالملكوت فبعيد لأنّ اسم الفاعل لا يناسبه، وقوله: إلى محل الخ إشارة إلى أنّ إليّ على تقدير مضاف أي إلى سمائي، وتطهيره من الكفرة إمّا تبعيده عنهم بالرفع أو أنحاؤه عن قصدهم بجعلهم أو بجعل معلمهم كأنه نجاسة وبما قرّرناه سقط ما قيل: إنه تبع فيه الزمخشري في أن المقتول لم يصت بأجله كما هو مذهب المعتزلة. قوله: (يعلونهم بالحجة أو السيف الخ) يريد أنّ الفوقية رتبية لا مكانية، وقوله: ومتبعوه من أقز بنبوّته من المسلمين والنصارى فمان أريد بالنصارى من آمن به قبل مجيء نبينا صلى الله عليه وسلم ونسخ شريعته فهو ظاهر، وان أريد المطلق فلا ضير في غلبتهم على غيرهم من الكفرة مع غلبة المسلمين عليهم، وقوله: وإلى الآن الخ ظاهر في الثاني. قوله: (الضمير لعيسى الخ)
ويحتمل أنه لمن تبع وكفر فقط، فهو التفات من الغيبة إلى الخطاب للدلالة على شدة إرادة إيصال الثواب والعقاب لدلالة الخطاب على الاعتناء. قوله: (تفسير للحكم وتفصيل له) قال الخرير: اعترض بأن الحكم مرتب على الرجوع إلى الله بالمعاد، وهو في القيامة فكيف يصح تفسيره بالعذاب في الدنيا، وأجيب أوّلاً بأنّ المقصود التأبيد، وعدم الانقطاع من غير نظر إلى خصوصهما كقوله: {خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ} [سورة هود، الآية: 107] وثانيا أن المراد بهما المعنى اللغوي أي أوّلاً وآخرا وهو بعيد جدا وثالثا أن المرجع أعم من الدنيوي والأخروي وكونه بعد جعل الفوقية الثابتة إلى يوم القيامة لا يوجب كونه بعد ابتداء يوم القيامة، وعلى هذا فتوفية الأجور أيضاً تتناول نعيم الدارين، وقوله: فيما كنتم فيه نبوة عنه، أو المعنى أحكم بينكم في الآخرة فيما كنتم تختلفون فيه في الدنيا، ورابعاً بأن عذاب الدنيا(3/29)
هو الفوقية عليهم والمعنى أضم إلى عذاب الفوقية السابقة عذاب الآخرة وفيه بعد، إذ معنى أعذب في الدنيا والآخرة ليس إلا أني أفعل عذاب الدارين إلا أن يقال إيجاد الكل لا يلزم أن يكون بإيجاد كل جزء فيجوز أن يفعل في الآخرة تعذيب الدارين بأن يفعل عذاب الآخرة، وقد فعل في الدنيا عذاب الدنيا فيكون تمام العذابين في الآخرة، وقيل: لا يبعد أن يتعلق قوله في الدنيا والاخرة بشديد تشديد الأمر الشدة وهذا وان ارتضاه بعض الفضلاء واستظهره لا يخفى ما فيه، وقوله: تقرير لذلك أي للحكم المفصل بأنه جار على الحكمة والعدل، ثم إن تفصيل المجمل باعتبار وصفي الإيمان والكفر، واعطاء، كل ما يليق به بضمير الغائب العائد إلى الموصوف إشارة إلى علية الوصفين هل هو التفات من الخطاب إلى الغيبة فيه تردّد بناء على أن الثاني هل يكفي في عدة التفاتا تلوين الخطاب لما هو في ضمن أمر شامل له، أو لا بد أن يكون مقصوداً بالذات الظاهر الثاني. قوله: (إلى ما سبق (يشير إلى وجه إفراده وتذكيره، وقوله: على أن العامل معنى الإشارة لا الجار والمجرور لأنّ مثله لا يجوز تقدمه على عامله المعنوي، وقوله: وأن ينتصب يعني ذلك. قوله: (المشتمل على الحكم أو المحكم الخ) إن كان الحكيم بمعنى المحكم المتقن نظمه بناء على أنّ فعيلاً يكون بمعنى مفعل كما مرّ والذكر بمعنى القرآن فظاهر وإن كان بمعنى صاحب الحكم فاستعماله لما صدر عنه مما اشتمل على حكمته إمّا استعارة نبعية في لفظ حكيم، أو إسناد مجازي بأن أسند إليه ما هو لمسببه وصاحبه، وأمّا استعارة مكنية
وتخييلية بأن شبه القرآن بناطق بالحكمة، وأثبت له الوصف بحكيم تخييلا، وقد صرح به في الكشاف هنا، وأفاد الطيبي رحمه الله أن ما ذهب إليه السكاكي من رذ الإسناد المجازي إلى المكنية سبقه إليه غيره، فلا اعتراض عليه كما ظن وشبهة ذكر الطرفين حينئذ، واردة فتأمّل دفعها، وتفسير الذكر الحليم باللوج المحفوظ لاشتماله عليه. قوله: (أي شأنه الغريب الخ) يعني أنّ المثل هنا ليس هو المستعمل في التشبيه والكاف زائدة كما قيل بل بمعنى الحال والصفة العجيبة، كما مرّ تحقيقه في البقرة يعني صفة عيسى عليه الصلاة والسلام كصفة آدم صلى الله عليه وسلم في خلقه من غير أبوين. قوله: (جملة مفسرة للتمثيل الخ) في الكشاف فإن قلت كيف شبه به وقد وجد هو بغير أب، ووجد آدم بغير أب وأمّ قلت هو مثيله في أحد الطرفين فلا يمنع اختصاصه دونه بالطرف الآخر من تشبيهه به لأنّ المماثلة مشاركة في بعض الأوصاف ولأنه شبه به في أنه وجد وجودأ خارجاً عن العادة المستمرة وهما في ذلك نظيران ولأنّ الوجود من غير أب وأمّ أغرب وأخرق للعادة من الوجود بغير أب فشبه الغريب بالأغرب ليكون أقطع للخصم، وأحسم لمادّة شبهته إذا نظر فيما هو أغرب مما استغربه انتهى، جعل عيسى عليه الصلاة والسلام مشبهاً لأنه المقصود في المقام والا فمثله ورد للتشابه يعني أنّ تجملة خلقه مفسرة للشبه فإمّا أن تكون مبينة لوجه الشبه، والمشترك بينهما الخروج عن العادة وعدم استكمال الطرفين أو هو لبيان أنّ المشبه به أغرب فيكون أثم وأكمل كما هو شأن التشبيه والمصنف رحمه الله جعله بيانا لوجه الشبه ضمنا، وعدوله عن الاقتصار على المشترك بينهما لما ذكر لأنه أغرب وأقطع المادّة الشبهة ومن لم يدر معزاه ظنه خلط بين الوجوه وأنه كان عليه أن يقول لما فيه الشبه، والشبه جمع شبهة قطع مادة الشبهة أبلغ من قطع الشبهة مع ما في أقحامه من مناسبه المقام لأنّ الأبوين ماذة النسل. قوله: (والمعنى خلق قالبه من التراب) فسر الخلق بذلك، وقول: كن بإنشائه بشرا تصسحيحا لكلمة، ثم وحمل يكون على حكاية الحال لأن المقام يقتضي كن فكان، ويصح أنه مستقبل بالنظر لما قبله، وهو قوله كن، وقد تقدم تحقيقه وأنه تمثيل ومن حمله على ظاهره جعل التأخير، والتراخي في الإخبار، وما قيل إنّ المصنف رحمه الله جعله في البقرة كناية عن الخلق دفعة بلا ماذة وسبب وما هنا يخالفه ليس بشيء لأنّ معناه كما قرره سرعة الإيجاد، وعدم الماذة إنما تستفاد ثمة من المقام والتعبير بالإبداع. قوله: (خبر محذوف
اي هو الحق) ضمير هو راجع إلى البيان والقصص المذكور سابقاً، ومن ربك حال من الضمير في الحق وقدّمه لأنه أولى من جعله مبتدأ ومن ربك خبره، إذ المقصود الدلالة على كون عيسى بهق مخلوقاً كآدم صلى الله عليه وسلم(3/30)
هو الحق لا ما يزعمه النصارى، وتطبيق كونهما مبتدأ وخبرا على هذا المعنى لا يصح إلا بتكلف أن الحق من الله كل حق أو جنسه، ومن جملته هذا الشأن أو المراد لالحق ما ذكر فتعريفه للعهد لكن قوله: {مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ} أوفق به كما أنّ فلا تكن من الممترين وفق بالأوّل، وحمل العلم على البينات الموجبة للعلم إمّا حقيقة لأنها نوع من العلم أيضا أو مجاز، والقرينة عليه ذكر المحاجة المقتضية للأدلة وحمل تعالوا بمعنى هلموا وأقبلوا على الإقبال بالرأي والعزم لا بالجسد لظهور أنه المراد. توله: (خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم الخ (التهييج الإثارة يقال هيجه وهاجه، وهو كقوله: {وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكَينَ} [سورة الأنعام، الآية: 14] وفائدته أنه إذا سمع صلى الله عليه وسلم مثل هذا الخطاب حرّك أريحيته فكان يقينه نوراً على نور وغيره إذا سمعه ينزجر لأنه ع! ير مع جلالته إذا خوطب به فما ظنك بغيره، ومعنى كونه خطأ لالكل سامع أي لكل من يقف عليه، ويصلح للخطاب فلا جمع فيه بين الحقيقة والمجاز كما وس هم. قوله: (أي يدع كل منا ومنكم الخ (أعزه جمع عزيز، وألصقهم بقلبه بمعنى أحبهم، أقربهم إليه ويحمل عليها أولئك أيضا بأن يدعوا بغير إيصاء والأصل في البهلة اللعنة والدعاء لها، ثم شاع في مطلق الدعاء كما يقال فلان يبتهل إلى الله في قضاء حاجته وكشف كربته هذا ما قاله الزمخشري، وقال الراغب رحمه الله: بهل الشيء والبعير إهماله وتخليلته، ثم استعمل لي الاسترسال في الدعاء سواء كان لعناً أو لا وإنما فسر به هنا لأنه الواقع فيه فبينهما اختلاف بل والذي عليه أهل اللغة ما ذكره الراغب رحمه الله تعالى قال ابن دريد:
لم أركالموت سوى مابهلا يحسبه مدعيه وهومستدك
وقوله: (وإنما قدّمهم الخ (يعني أنهم أعز من نفسه ولذا يجعلها فداء لهم فلذأ قدم ركرهم اهتماما به وقوله: أي نتباهل إشارة إلى أن الافتعال هنا بمعنى التفاعل، وتفاعل وافتعل اخوان في مواضع كثيرة كاجتوروا وتجاوروا واشتوروا وتشاوروا وفوله: (والبهلة الخ (هو معنى ما مر عن الراغب وصرار مكسورا مهملاً خيط يشد على خلف الناقة لئلا يرضعها فصيلها
وحديث المباهلة مخرّج في الدلائل عن ابن عباس رضي الله عنهما، وقوله: عطف فيه بيان أي أنه عطف على نبتهل عطف المفصل على المجمل. قوله: (فلما ثخالوا) أي حون بعضهم ببعض، والعاقب من يخلف السيد والأمير، وقوله: بالفصل في أمر صاحبكم يعني القول الفاصل بين الحق والباطل في أمر عيسى عليه الصلاة والسلام إذ لم يجعله لها ولا كاذباً بل عبد الفه ونبيه عتييرو، وقوله: فإن أبيتم إلا إلف دينكم استثناء مفرّغ لما في أبى من معنى النفي، والموادعة المصالحة والتاركة ومحتضنا بمعنى آخذ إله تحت حضنه، والأسقف يضم الهمز والقاف وتشديد الفاء حبر النصارى، وعالمهم معرّب على الصحيح، وقوله: فأذعنوا بمعنى أطاعوا وانقادوا وأمّا الإذعان بمعنى الإدراك فليس من كلام العرب. قوله: (وهو دليل على نبوّته صلى الله عليه وسلم الخ) أي الحديث المذكور دليل لاعترافهم وامتناعهم عن مباهلته وعلمهم بنبوته، وما فضل آل الله والرسول فالنهار لا يحتاج إلى دليل. قوله: (بجملتها خبر أنّ الخ) الجملة إمّا المصطلح عليه أو بمعنى المجموع، وهو في قوله: أو هو مراد به لفظه والتقابل بين الفصل وكونه مبتدأ بناء على أنه لا محل له من الإعراب وقوله: (يفيد الخ) أي يفيد القصر الإضافي كم يفيده تعريف الطرفين، وذهب النحرير إلى أنه للقصر، والتأكيد لو لم يكن في الكلام ما يفيده، وان كان كما هنا فهو لمجرد التأكيد وما ذكره المصنف رحمه الله أوجه ثم أفاد أنّ أصل
اللام الدخول على المبتدأ، ولذا سميت لام الابتداء لكنها زحلقت لئلا يجتمع حرفا تأكيد وزيادة من للتأكيد كما هو شأن الصلات، وقد فهم أهل اللسان أنها لتأكيد الاستغراق المفهوم من النكرة المنفية لاختصاصها به في أكثر، وقد توقف بعضهم في وجه إفادة الكلمات المزيدة للتأكيد بأي طريق هي فإنها ليست وضعية وأجاب بأنها ذوقية يعرفها أهل اللسان وهو حوالة على مجهول وتوله: (دخلت فيه الخ) أي التزم ذلك مع أنه لا مانع من دخولها على الخبر لقربه منه لفظاً ومعنى قيل، وعلم من كلامه أن ما من رجل أقوى من لا رجل وفيه ما مر. قوله: (لا أحد سواء(3/31)
الخ) القدرة التامة هي معنى العزة إذ هي بمعنى الغلبة المقتضية لها والتامة والبالغة بمعناها أي البالغة إلى النهاية من صيغة المبالغة، وفي الآلهية وقع بدله في نسخة الألوهية، وأقحم سواه للتأكيد إشارة إلى مدلول الفصل، فلا يقال إنه لا فائدة في ذكره، ولما كان المراد منه هذا ومما قبله حصر الألوهية فيه رذاً على النصارى قصر إفراد لأنه تذييل لما قبله علم أن ما قيل إنّ الفصل والتعريف ليس للحصر إذ الغالب على جميع الأغيار لا يكون إلا واحداً فيلغو القصر فيه إلا أن يجعل قصر قلب، والمقام يأباه خبط وخلط، واليه أشار بقوله ليشاركه الخ فافهم. قوله: (وعيد لهم الخ (في الكاف وعيد لهم بالعذاب المذكور في قوله: {زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُواْ يُفْسِدُونَ} [سورة النحل، الآية: 88] فاللام في المفسدين للعهد يعني فإن تولوا فإنّ الله يعذبهم العذاب الذي تعورف واشتهر في المفسدين، وهو العذاب المضاعف والمصنف رحمه الله لم يره ظاهرا من النظم فجعل الوعيد باعتبار وصفهم بالفساد ووضعه موضع المضمر إذ علمه بذلك أن يجازي عليه كما مرّ، وفي تركيبه تسامح لأنّ قوله المؤذي لا يصح صناعة أن يكون صفة لإفساد النكرة ولا للدين والاعتقاد معنى إلا بتقدير المؤدّي فساده فحذف المضاف، وقام الضمير مقامه فارتفع واستتر ويقرّ به رجوعه له بعد تعلق الإفساد به وأمّا جعل إفساد للدين من قبيل لا أبا لك ونحوه فتكلف، وقوله: (بل والى الخ) حذف فيه المعطوف عليه بالواو، والتقدير بل إلى فساد النفس والى فساد العالم، وحذف لدخوله في العالم ولم يستغن به لأنه لا يلزم من فساده فساد جميع أجزائه، ومثله كثير في كلامهم. قوله: (يعثم أهل الكتابين) جزم به! لأنه الظاهر من غير حاجة إلى التخصيص، وقوله: لا يختلف الخ بيان لمعنى الاستواء وقوله: ويفسرها ما بعدها يعني أنه بدل من كلمة مبين
للمبدل منه وموضح له لاشتماله على التصريح به لا إنّ أن تفسيرية لأنّ تعالوا متضمن معنى القول دون حروفه، إذ هي ناصبة والتفسيرية لا تعمل، وفسر قوله لا نشرك بنفي الاسنحقاق ليكون تأسيسا أكثر فائدة. قوله: (يريد به وفد نجران (هم نصارى قدم وفدهم ستون راكباً فنظرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجده وأنزلت فيه هذه الآيات فلما حجهم أمرهم أن يجيبوا، أو يباهلوا فطلبوا المباهلة، ثم تئاوروا فقال بعضهم: أنه نبيّ وما باهل نبيّ قوماً إلا نزل بهم العذاب فاطيعوه في الجزية فأعطوها وهم أوّل من أداها سنة تسع أو عشر وأشرأفهم أربعة عشر أعلمهم أبو حارثة، وقد اعترف بدين الإسلام وقال أعلم أنه نبيّ ولكن ملوك الروم شرّفونا وأمدونا بأموالهم فنحن على دينهم والقصة مفصلة في السير وأعلم أنّ المباهلة مشروعة ولها شروط تعزض لها بعض الفقهاء. قوله: (ولا نقول عرير ابن الله الخ) يعني لا نجعل بعض البشر ربا ومعبودا فضميرنا للناس لا للممكن وإن أمكن حتى يشمل الأصنام لأنّ أهل الكتاب لم يعبدوها، وفي التعبير بالبعض نكتة للإشارة إلى أنهم بعض من جنسنا فكيف يكون ربا، وفيه وجه آخر وهو أنّ المراد باتخاذهم أرباباً إطاعتهم فيما يحللون ويحرّمون كقوله تعالى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ} أسورة التوبة، الآية: 31] وإليه أشار بقوله: روي الخ، فإن قلت: هم جعلوهم شركاء لا آلهة دون الله قلت هو للتنبيه على أن الشرك لا يجامع الاعتراف بربوبيته تعالى عقلاً، وقوله: هو ذاك ضمير هو للأخذ بقولهم وذاك للإشارة لكونهم معبودين أو معناه إن اتخاذ الأحبار والرهبان أربابا ذاك أي إطاعتهم في التحليل والتحريم، وهذا الحديث أخرجه الترمذيّ وحسته، وقوله: لأن كلاَ منهم الخ كذا وقع في الكشاف فقالوا: بعضنا خبر أن وبشر مثلنا بدل منه أو خبر بعد خبر وفيه الإخبار بالمعرفة عن النكرة لتأويلها بالمعرفة إذ معناه المسيح بعضنا وعزير بعضنا أو بعضنا خبر مبتدأ محذوف والجملة خبر إنّ. قوله: (أي لزمتكم الحجة الخ) يعني فإن تولوا عن موافقتكم فيما ذكر مما اتفق عليه الكتب والرسل بعد عرضه
عليهم فاعلموا أنهم لزمتهم الحجة وإنما أبو إعنادا فقولوا لهم أنصفوا واعترفوا وأقروا بأنا على الدين الحق، وهو تعجيز لهم أو هو تعريض لأنهم إذا شهدوا بالإسلام لهم فكأنهم قالوا إنا لسنا كذلك، والأطوار المنافية للإلهية كونه مولوداً متوفى الخ وما يحل عقدتهم أي ما عقدوه ورسخ في عقولهم القاصرة، بقوله: إنّ مثل عيسى الخ(3/32)
وقوله: بنوع من الإعجاز أي إظهارة عجزهم عن المباهلة لعلمهم بإجابة دعائه عليه الصلاة والسلام، أو المراد بالإعجاز الإعلام بالمغيب وهو أنهم لا يفعلون ذلك، ولذلك دعاهم صلى الله عليه وسلم، وقوله: لم يجد يعني لم يفد من الجدوى بمعنى المعطية. قوله: (تنازعت اليهود والنصارى الخ) هكذا أخرجه ابن جرير رحمه الله وليس فيه أنهم نازعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين كما في الكشاف فلذا عدل عنه المصنف رحمه الله فلا حاجة إلى التوفيق بأنهم نازعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن أجابهم بما لم يرضوه. قوله: (والمعنى الخ) ضمير عليهما لليهودية والنصرانية والمراد على واحدة منهما، وما ذكر 3 من التاريخ رواية وقعت في الثعلبي والتيسير، وما مرّ في قصة مريم من أن بين العمرانين ألف سنة وثمانمائة سنة المقتضى أن يكون إبراهيم عليه الصلاة والسلام قبل عيسى صلى الله عليه وسلم بثلاثة آلاف ويوافقه قول الزمخشريّ بين إبراهيم وموسى صلى الله عليه وسلم ألف سنة، وبينه وبين عيسى صلى الله عليه وسلم ألفان رواية أخرى، فلا يقال إنه غفل عما قدمه أو أنه سهو من الناسخ وانّ العبارة وعيسى بعده بألفين أو إفه ظن ضمير بينه في الكشاف لإبراهيم بمتيرو، والظاهر أنهم ادّعوا حقيقة أنه منهيم فلذا حمقوا وجهلوا فلا داعي إلى ما قيل أنّ مدعاهم أنّ دين إبراهيم يوافق دين موسى لا إن إبراهيم تبع موسى وعمل بما في التوراة فكيف يقال إنهم ادعوا المحال، وأغرب منه دفعه بأنه لو كان الأمر كذلك لما أوتي موسى عليه الصلاة والسلام التوراة بل أمر بتبليغ صحف إبراهيم عليه الصلاة
والسلام. قوله: (ما حرف تنبيه الخ) الظاهر أن بقول على حالهم بدل عن حالهم وحرف التنبيه يدخل على الضمير الواقع مبتدأ إذا كان خبره اسم إشارة قياسا مطردا نحو ها أناذا، وكرّر هنا للتأكيد وقوله حاججتم جملة الخ يعني مستأنفة مبينة وقيل إنها حالية بدليل أنه يقع الحال موقعها كثيراً نحو ها أناذا قائما وهذه الحال لازمة، وقوله: أنتم هؤلاء الحمقى فسره به لتظهر فائدة الحمل وأخذ ذلك من اسم الإشارة فإنه يستعمل للتحقير والتنقيص نحو:
أبعلي هذا بالوحي المتقاعس
قوله: (وبيان حماقتكم الخ) في الكشاف حاججتم جملة مستأنفة مبينة للجملة الأولى
يعني أنتم هؤلاء الأشخاص الحمقى وبيان حماقتكم وقلة عقولكم أنكم جادلتم فيما لكم به علم مما نطق به التوراة والإنجيل فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم ولا ذكر له في كتابكم من دين إبرإهيم عليه الصلاة والسلام، وكتب عليه الشارح المحقق نظم الكلام ليس على ما ينبغي انتهى، وفيه تأمّل فإنه إمّ أن يريد بالنظم القرآني أو عبارة الكشاف وعلى كل حال فلم يلح لي وجه كونه كذلك اللهم إلا أن يريد إنه إذا كان بياناً فلا ينبغي عطفه وأن البيان المتعارف فيه أن يكون لا يفهم من اللفظ لا للنكات في التعبير، وبمكن أن يقال لا مانع منه ولكونه على النهج الغير المعتاد عطفه لخفاء البيان فيه.
وقيل عليه ويحتمل أن يريد النظم القرآني على تفسيره كما عليه المصنف أيضاً إن فيه
نظراً لأن ما لهم به علم إن كان خلاف ما جادلوا عليه كما هو الظاهر المفهوم من قوله عنادا يرد عليه أنّ قوله تعالى: فم تحاجون لا ينتظم مع السابق لأنّ إنكار غير المنصوص المعلوم دون إنكار المنصوص المعلوم ولا يلائم قوله أو تدعون وروده لأنّ دعوى ورود ما لم يرد في الكتاب مع المجادلة على الخلاف ليس بمقبول وإن كان ما جادلوا عليه فالجدال في المعلوم المنصوص ليس بسبب الحماقة، ولا يلائمه قوله: عنادا ويمكن اختيار الثاني بأنّ الجدال! مع النبيّ الثابتة نبوّته بالآيات الباهرات ولو على المنصوص في كتاب آخر حماقة لأنّ ذلك المنصوص يحتمل النسخ والتأويل على ما لا يخفى وقد يختار الأوّل فالحماقة والجمع بين الجدالين والتجاوز من واحد إلى اثنين ولا يخفى ما فيه وعدم ملاءمتة لقوله أو تدعون انتهى.
(أقول) : لا وجه لهذا لأنّ الإتيان بالواو إشارة إمّا إلى أنه في معنى الحال أو لما مرّ،
وكان المراد بما لهم به علم أمر عيسى وموسى أو نبينا صلى الله عليه وسلم، ولما لا علم لهم به أمر إبراهيم عليه الصلاة والسلام لأنّ الأوّل نبيهم وكتابه بين أيديهم بخلاف الثاني بقرينة السياق والسباق ومجادلتهم مذمومة هنا فهي في الباطل الغير المطابق للواقع فلا يتعلق علم بما جادلوا فيه فالعلم هنا إمّا بحسب المدير أو بالنسبة للطرف الآخر(3/33)
عنادا واليه أشار المصنف رحمه الله وهو
معنى قول الإمام فيما لكم به علم لم يقصد بالعلم حقيقته وإنما أراد هب أنكم تستجيزون محاجته فيما تدعون فكيف تحاجون فميا لا علم لكم به البتة، وهذا من دقائق هذا الكتاب فافهمه وأمّا ما أجاب به فليس بشيء.
قوله: (وقيل هؤلاء بمعنى الذين الخ (هذا مذهب الكوفيين إن كل اسم إشارة يكون موصولاً والمعنى عليه ظاهر، ومذهب غيرهم أنه مخصوص بذا في نحو ماذا صنعت وكون أصل هأنتم أأنتم مذهب الأخفش، وقيل عليه إنّ إبدال همزة الاستفهام هاء لم يسمع إلا في بيت نادر، ثم الفصل بالمدّان كان لتوالي الهمزتين فلا وجه له هنا وهو إنما يرد لو كان الفصل بعد الإبدال. قوله: (علم ما حاججتم فيه) في نسخة ما حاجهم فيه الأوّل هو المطابق لما في الكشاف قيل في وجه زيادة علم أنه هنا بمعنى حقيقته، وكنهه إذ ليس المقصود هنا التهديد حتى يذكر علم المحاجة بمعنى المجازاة والعقاب عليه كما هو الوارد في أمثاله، وقوله: وأنتم جاهلون به إشارة إلى المفعول المقدر وفيه رمز إلى أنّ محاجة رسول الله صلى الله عليه وسلم محاجة لله، وهذا مبنيّ على أنّ المحاجة وقعت معه وقد مر الكلام فيه، وقوله، تصريح الخ إشارة إلى وجه الفصل، وحينئذ قد مرّ تحقيقه. قوله: (منقادا لله الما كان الإسلام يختص في العرف بالدين المحمدي وهو لا يصح هنا لأنه يرد عليه إنه كان قبل ذلك ت مان كثير فكيف يكون مسلما فيكون كادّعائهم تهوده وتنصره المردود بقوله تعالى: {وَمَا أُنزِلَتِ التَّورَاةُ وَالإنجِيلُ إِلاَّ مِن بَعْدِهِ} [سورة آل عمران، الآية: 65] فيرد عليه ما ورد عليهم ويشترك الإلزام بينهما فسروه هنا بالمعنى اللغوي وهو المستسلم المنقاد لطاعة الحق أو بالموحد لأن الإسلام يرد بمعنى التوحيد، وينصره قوله: وما كان من المشركين وهو بهذا المعنى يوصف به من كان قبلنا وقد ورد في القرآن بهذا المعنى كثيراً ولهذا قال الجصاص إنّ المسلم المؤمن ولو من غير هذه الأمة، وفي رسالة للسيوطي إن الإسلام مخصوص بهذه الأمة وفيه نظر فإن قيل قولكم إنّ إبراهيم عليه الصلاة والسلام على دين الإسلام إن أردتم به الموافقة في الأصول فليس مختصا بدين الإسلام، وإن أردتم في الفروع لزم أن لا يكون محمد صلى الله عليه وسلم صاحب شريعة بل مقرر الشرع من قبله قيل يختار الأول والاختصاص ثابت لأن اليهود والنصارى مخالفون للأصول في زماننا لقولهم بالتثليث واشراك عزير إلى غير ذلك، أو الثاني ولا يلزم ما ذكر لجواز أنه تعالى نسخ
تلك الفروع بشرع موسى صلى الله عليه وسلم ثم نسخ نبينا صلى الله عليه وسلم شرع موسى بشريعته التي هي موافقة لشريعة إبراهيم عليه الصلاة والسلام فيكون صاحب شريعة مع موافقته لإبراهيم كذا قال النيسابوري رحمه الله وهو يقتضي أنّ المراد بكون إبراهيم مسلما إنه على ملة الإسلام والمصنف رحمه الله لم يرتض هذين الوجهين لبعدهما فذهب إلى ما ذكر لأن سالم من القدح. قوله:) تعريض بأنهم الخ) هذان وجهان الأوّل أنّ المراد بالمشركين معناه المطلق ففيه تعريض لهم على طريق الكناية، الثاني أنّ المراد بالمشركين أهل الكتاب وأصله منكم فوضع الظاهر موضع المضمر للتصريح بأنهم مشركون لما ذكر فالظاهر أن يقول أو رذ أو هو وجه واحد وهو الأوّل وترك الثاني لأنه تكرار مع قوله: {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلاَ نَصْرَانِيًّا} وفيه نظر. قوله:) أي أخصهم الخ (أولى أفعل تفضيل وأصل معناه أقرب من وليه يليه وليا، ومنه ما في الحديث لأولى رجل ذكر ويكون بمعنى أحق كما تقول العالم أولى بالتقديم والمراد هنا الأوّل فقوله: وأقر بهم عطف تفسير. قوله: (من أمّته الخ) عدل عن تفسيره بمطلق من اتبعه فيكون ما بعده من ذكر الخاص بعد العام لأنه أشرف لكونه خلاف الظاهر، وقوله: لموافقتهم له علة لكونهم أولى وقوله على الأصالة إشارة إلى أنّ اتحاد الشريعتين لا يقتضي أن يكون الشرع هو الأوّل لأن هذا شرع جديد وان وافق شرع إبراهيم عليه الصلاة والسلام كما يوافق قول المجتهد قول آخر حتى لا يلزم أنه مقلد له، وشرع مبني للمجهول، وقال: في أكثر إذ يجب علينا الإيمان بالقرآن الذي لم يجب عليهم وكذا في شرعهم ما لا يجب علينا. قوله: (وقرئ والنبتي بالنصب الخ) في عبارته تسمح أي وهذا النبيّ كما في الكشاف، وعلى قراءة الرفع هو معطوف على الموصول قبله الذي(3/34)
هو خبر إنّ وعلى قراءة النصب معطوف على الضمير المفعول والتقدير للذين اتبعوا إبراهيم واتبعوا هذا النبيّ، ويكون قوله: والذين آمنوا عطفا على قوله للذين اتبعو. وليس بلغو لشموله لمؤمني أمّة موسى وعيسى وغيرهما، وعلى الجر هو عطف على إبراهيم أي إن أولى الناس بإبراهيم وهذا النبيّ للذين اتبعوه وفيه أنه كان ينبغي أن يثني ضمير اتبعوه ويقال: اتبعوهما إلا أن يقال هو من باب والله ورسوله أحق أن يرضوه وأيضآ فيه الفصل بين العامل والععمول بأجنبي، وقوله: والذين آمنوا إن كان عطفا على الذين اتبعوه يكون فيه ذلك أيضا وان كان عطفاً على النبيّ فلا فائدة فيه إلا أن يقال إنه من عطف الصفات بعضها على بعض فتأمل، وقوله: ينصرهم الخ لأنه شأن الوليّ فأريد به لازمه وتوله: لإيمانهم إشارة إلى انّ
عنوان المشتق يقتضي عليه مبدأ الاشتقاق كما مرّ. قوله: (ولو بمعنى أن) أي المفتوحة الهمزة المصدرية وقد مرّ الكلام فيه وكونها للتمني وهو مذهب للنحاة، وقوله: وما يتخطاهم الخ الإضلال الإيقاع في الضلال، وهم ضالون فيؤدّي ذلك إلى جعل الضال ضالاً فلذلك أوّل الإضلال بما يعود من وباله أي فهو مجاز مرسل أو استعارة أو المراد بأنفسهم أمثالهم المجانسون لهم كما في قوله تعالى: {لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ} قيل: وهو من الإخبار لالغيب الذي هو أحد وجوه الإعجاز فهو استعارة أو تشبيه بتقدير أمثال أنفسهم إذ لم يتهوّد مسلم قط، وقوله: وزره الخ لف على غير الترتيب راجع إلى هذين الوجهين. قوله:) أو بالقرآن الخ) يعني المراد بآيات الله إمّا التوراة والإنجيل ويشهدون من الشهادة مجازاً عن الاعتراف بحقيتها، وأمّا القرآن ومعنى تشهدون تشاهدون نعت الرسول صلى الله عليه وسلم المذكور في التوراة والإنجيل، وأمّا آيات الله جميعا ومعنى تشهدون تعلمون حقيتها بلا شبها بمنزلة علم المشاهدة،، ضمير نعته لمحمد ع! ير أو للقرآن. قوله: (بالتحريف وإبراز الباطل في صورته) أي صورة الحق قال الراغب: أصل اللبس ستر الشيء، ويقال في المعاني كلبست عليه أمره قال تعالى: {وَلاَ تَلْبِسُواْ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ} ويقال في الأمر لبسة أي التباس ولابست الأمر زاولته ولابست " لإنأ خالطته فتلبسون بالفتح من لبست الثوب والباء بمعنى مع، وبالكسر من لبست الشيء االئيء سترته به وقيل: خلطته والياء صلته وكذا في قراءة التشديد، واستشهدوا لاستعمال االمبس، وما في معناه للاتصاف بالشيء والتلبس به بما وقع في الحديث الصحيح الذي رواه ااحخاري. وغيره عن عائثة رضي الله عنها أنّ امرأة قالت: يا رسول الله إنّ زوجي أعطاني ما لم بعطني فقال: المتليس بما لم يعط كلابس ثوبي زور والمتشبع الذي يرى أنه شبعان وليس به
والمراد المتصلف، ولابس ثوبي زور هو الذي استعار ثوباً يتجمل به أو يتنسك متقبل شهادته فهو يشهد به زورا ويظهر أنه له وليس له فيتلبس بجهتي زور ويصير كأنه لابس ثوبين من الزور، وفي الفائق المتشبع على معنيين أحدهما المتكلف إسرافا في اكل وزيادة في الشبع ليمتلئئ والثاني المتشبه بالشبعان وليس به وبهذا المعنى استعير للمتحلي بفضيلة ليست له وشبه بلابس ثوبي زور أي ذي زور وهو الذي يزوّر على الناس ويتزيا بزفي أهل الزهد رياء واضافة الثوبين إلى الزور على معنى اختصاصهما به من جهة كونهما ملبوسين لأجله أو أراد أنّ المتحلي بما ليس فيه كمن لبس ثوبين من الزور ارتدى بأحدهما واتزر بالاخر، وقيل: كانت النسوة تتظاهرن في اللباس يظهرن السمن، وقوله: تكتسون هو الصححيح، ووقع في نسخة تلبسون، وقوله: عالمين إشارة إلى أنّ الجملة خالية، وقوله: أوّل النهار إشارة إلى أن الوجه استعير للأوّل وهو استعارة معروفة كما ذكره الثعالبي. قوله: العلهم يشكون الخ) إنما قال يشكون لأنه أقل المراتب المتيقنة والا فالرجوع يكون عن اعتقاد البطلان، وكعب بن الأشرف ومالك بن الصيف بفتح الصاد المهملة من اليهود، وقوله: (اثنا عشر الخ) رواه ابن جرير عن السدي وتقاولوا تفاعل من القول والمراد المشاورة. قوله:) ولا تقرّوا عن تصديق فلب الخ) إنما أوّل تؤمنوا بتقرّوا أو تظهروا أو تفشوا على طريق التضمين ليتعدى باللام وليست هنا للتقوية، وقيل: إنها زائدة وقيل: إنه يتعذى باللام أيضا أي لا تصدقوا عن قلب إلا لهؤلاء، وعلى هذا فليس قل إنّ الهدى الخ اعتراضاً أي قل لهم إن الهدى هدى الله أو قل(3/35)
لنفسك أو للمؤمنين فهو يهدي لأصل الإيمان وللثبات عليه من يشاء فلا يضرّ كيدهم. قوله: (أي دبرتم ذلك وقلتم لأن يؤتى الخ) تحقيق ذلك وتفصيله ما أفاده المدقق في الكشف أنّ فيها أوجهآ.
أحدها: أنّ التقدير ولا تؤمنوا بأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم وهم المسلمون أوتوا كتابا سماويا كالتوراة، ونبياً مرسلاً كموسى صلى الله عليه وسلم وبأن يحاجوكم ويغلبوكم بالحجة يوم القيامة! لأ لأتباعكم، نهوهم عن الإظهار للمسلمين فيزدادون تصلبا ولمشركي العرب فيبعثهم على الإسلام، وأتي بأو على وزان ولا تطع منهم آثماً الخ وهو أبلغ والحمل على معنى حتى صحيح مرجوح، وفائدة الاعتراض أنّ كيدهم غير ضحارّ لمن لطف الله به بالدخول في الإسلام أو زيادة التصلب فيه، ويفيد أيضا أن الهدى هداه فهو الذي يتولى ظهوره فلا يطفا نوره فالمراد بالإيمان إظهره كما ذكره الزمخشرفي أو الإقرار اللساني كما ذكره الواحدفي، والمراد التصلب من التابعين لإلا وقع ما فرّوا منه.
وثانيها: ولا تؤمنوا هذا الإيمان الظاهر الذي أتيتم به وجه النهار إلا لمن كان تابعا لدينكم أؤلاً وهم الذين أسلموا منهم أي لأجل رجوعهم لأنه كان عندهم أهتم وأوقع، وهم فيه أرغب وأطمع، ثم قيل: إنّ الهدى هدى الله من يهده الله فلا مضل له، وقوله: أن يؤتى أحد على هذا معللة لمحذوف أي لأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم، وما يتصل به من الغلبة بالحجة يوم القيامة دبرتم ما دبرتم، والمعنى أنّ داعيكم إليه ليس إلا الحسد، وإنما أتي بأو تنبيهاً على استقلال كل منهما في غيظهم وحملهم على الحسد حتى دبروا ما دبروا، ولو أتي بالواو لم تقع هذا الموقع للعلم بلزوم الثاني للأوّل لأنه إذا كان ما أوتوا حقاً غلبوا يوم القيامة مخالفهم فلا لاندة فيه، وأما أو فتشعر بأنّ كلا مستقل في بعثهم على الحسد والتدبير، وحملها على معنى حتى وإن كان ظاهراً لا يروع السامع ويؤيد هذا قراءة آن يؤتى بالاستفهام للدلالة على انقطاعه، الاستقلال بالإنكار، وفيه تقييد الإيمان بالصادر أوّل النهار بقرينة أنّ الكلام فيه وتخصيص من سع بمسلميهم بقرينة المعنى ولأنّ غيرهم متبع دينهم الآن، وعن المصنف إنه من جملة المقول ثانه قيل قل لهم هذين القولين، ومعناه أكد عليهم أنّ الهدى ما فعل الله من إيتاء اليهاب غيركم، أنكر عليهم أن يمتغصوا من أن يؤتى أحد مثله كأنه قيل قل إنّ الهدى هدى الله، وقل لأن لؤتى أحد مثل ما أوتيتم قلتم ما قلتم وكذبتم ما كذبتم، وثالثها أن يقرّر ولا تؤمنوا على ما قرّر علبه الثاني وبجعل أن يؤتى خبر ان وهدى الله بدل من اسمها وأو بمعنى حتى على أنها غاية سبية وحينئذ لا يخص عند ربكم بيوم القيامة بل بالمحاجة المحقة كما مرّ في البقرة، ولو حملت على العطف لم يلتئم الكلام، ورابعها: أنّ قوله ولا تؤمنوا إلا لمن الخ على إطلاقه أي
، أثفروا آخره واستمروا على اليهودية ولا تقرّوا لأحد إلا لمن هو على دينكم وهو من جملة 4ـ فرل الطائفة فقيل قل إنّ الهدى هدى الله فلا تنكروا أن يؤتى حتى تحاجوا وقرينة الإضمار أنّ مر له ولا تؤمنوا تقرير على اليهودية وأنه لا دين يساويها فماذا أمر النبيّ صلى الله عليه وسلم أن يجيبهم علم أنّ ااجراب أنّ ما أنكروه غير منكر وأنه كائن، وحمل أو على معناها الأصلي حسن لأنه تأييد الإبتاء وتعريض بأنّ من أوتي مثل ما أوتوا هم الغالبون لا هم، وأمّا على قراءة إن بالكسر فهو
من مقول الطائفة وقدره بقولوا لهم توضيحاً وبيانا لأنه ليس استئنافا تعليلا بل خطابا لمن أسلم منهم رجاء العود، والمعنى لا إيتاء فلا محاجة وذكر عقيب الثالث لتساويهما في أنّ أو بمعنى حتى، وقوله: إنّ الهدى هدى الله اعتراض ذكر قبل تمام كلامهم للاهتمام ببيان فساد ما ذهبوا إليه، وأرجح الوجوه الثاني انتهى محصله.
(وههنا بحث) ذكره صاحب الانتصاف على قطع آن يؤتى أحد عن لا تؤمنوا وهو أنه
يلزمه وقوع أحد في الإثبات لأنّ الاستفهام هنا إنكار وهو في مثله إثبات إذ حاصله أنه وبخهم على ما وقع منهم، وهو إخفاء الإيمان بأن النبوّة لا تخص بني إسرائيل، وأجاب عنه بأنه روعي فيه صيغة الاستفهام وان لم يرد حقيقته فحسن دخول أحد في سياقه، وترك التعرّض له الناظرون فيه لأنهم لم يروه واردا لأن التوبيخ لا ينبغي، ولا يليق فهو نفي معنى بلا ارتياب واحتياج إلى جوابه الساقط، وقوله: من كلام الطائفة أي المذكور في الآية واحتمال أن يكون خطاباً من الله للمسلمين أي لا يؤتى أحد مثل ما أوتيتم أيها المسلمون حتى يحاجوكم لأنه(3/36)
لا ينسخ دينكم دين بعيد. قوله: (عطف الخ) قد مرّ ما يشرحه وقوله: (رذوا إبطال الخ الأنه تعالى كريم متفضل مختار فيما يريد فيعطي مثل ما أوتيتم وأفضل منه غيركم. قوله: (ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار الخ) من أمنته بمعنى ائتمنته، والأوقية بالضم سبعة مثاقيل كالوقية، وقال الجوهري: إنها أربعون درهماً، ثم استعملت في العرف في عشرة دراهم وخمسة أسباع درهم، وفنحاص بكسر الفاء وسكون النون والحاء المهملة بعدها ألف ثم صاد مهملة، وكون الغالب في اليهود الخيانة لأنّ نهم من لا يخون كعبد الله بن سلام رضي الله عته، وقوله مدة دوامك إشارة إلى أنّ ما مصدرية ظرفية والتقاضي طلب القضاء ولا عبرة بقول بعض الفقهاء أنه لم يرد في اللغة إلا بمعنى الأخذ والترافع هو صد الأمر وانهاؤه إلى الحكام فالقيام مجاز عما ذكر. قوله: (إشارة إلى ترك الآداء الخ) بقوله: لا يؤدّه هذا هو الصحيح من النسخ وسقط لا
رنرذه من بعضها اكتفاء بالإضافة العهدية، وقيل: إنه من سهو الناسخ، وتوله: عتاب وذم لما ثان السبيل بمعنى الطريق والمعنى ليس لأحد منهم علينا طريق فلا يصل إلينا حتى نسمع كلامه إذمه، وعتابه فهو كناية كقوله: {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ} أفاد ما ذكر. قوله: (تقاضوهم الخ (يعني رجال قريش طلبوا من اليهود حقهم، وقوله: تحت قدمي أي ساقط لا يؤاخذ به فهو لمثيل لأنّ ما سقط يوطأ ويداس. قوله: (استئناف الخ (المراد بكونها سذت مسدها أنها دلت طليها فلا يمتنع التصريح بها، ووجه التقرير أنها تفيد ذم من لم يف بالحقوق مطلقا فيدخلون! يه دخولاً أوليا، وقوله: باب عن الراجح في نسخة نائب عن الراجع، وسقوط في بعض النسخ من سهو الكاتب، ومن إما موصولة أو شرطية ولا بدّ من ضمير يعود إليها من الجملة ال! انية فإما أن يقام الظاهر مقام الضمير في الربط إن كان المتقين من أوفى، وما أن يجعل لحمومه وشموله له رابطا، وقال ابن هشام: الظاهر أنه لا عموم وأنّ المتقين مساو لمن تقدم دكره والجواب لفظا أو معنى محذوف تقديره يحبه الله ويدل عليه قوله: فإنّ الله يحب المتقين لال الحلبي: وهو تكلف لا حاجة إليه وقوله: الظاهر أنه لا عموم ليس بمسلم فإنّ ضمير بعهده إذا كان لله فالالتفات عن الضمير إلى الظاهر لإفادة لعموم كما هو المعهود في أمثاله واضافة لحهده إما للفاعل أو للمفعول، وقوله: يعم الوفاء وغيره توجيه لأنه لم يقل فإنّ الله يحب أأءس فين بالعهد والمتقين. قوله: (بما عاهدوا الله عليه (إشارة إلى أنه مضاف للمفعول وقوله:) بما يسرهم الخ (توجيه لنفي الكلام بأنّ المنفيّ الكلام السارّ فلا ينافي كلامه بغيره، أو المراد أاحطلق لسؤالهم في القيامة بواسطة الملائكة تحقيراً لهم، أو المراد بنفي الكلام نفي فائدته
وثمرته فينزل منزلة المعدوم. قوله: (والظاهر أنه كناية عن غضبه عليهم) هذا جواب آخر عن نفي الكلام لكن ظاهره أيضا أنّ قوله ولا ينظر إليهم كناية فإن أراد أنه كناية لاقترانه بكناية أخرى، وان أراد أنه أريد به السخط كما أنّ المراد بما بعده ذلك، ولو مجازاً صح وإنما كان كناية لأنه يمكن أن يراد من عدم التكليم معناه الحقيقي فلا وجه للحكم بالمجازية فيه فإن لوحظ فيه قرينة مانعة عن إرادته صحت المجازية لكنها خلاف الظاهر، وفي الكشاف أصله فيمن يجوز عليه النظر الكناية لأنّ من اعتذ بالإنسان التفت إليه وأعاره عينيه، ثم كثر حتى صار عبارة عن الاعتداد والإحسان وان لم يكن، ثئم نظر ثم جاء فيمن لا يجوز عليه النظر مجرّداً لمعنى الإحسان مجازاً عما وقع كناية عنه فيمن يجوز عليه النظر، قال النحرير: يريد أن ترك النظر عند قرينة مانعة عن إرادة معناه الحقيقي يكون مجازاً عن الاستهانة والسخط كما أن النظر يكون مجازاً عن الإكرام والإحسان لكون النظر من لوازم الإحسان وتركه من لوازم الإهانة، ثم فرق بين استعمال النظر نفيا واثباتا في حق من يجوز عليه النظر أي تقليب الحدقة كالإنسان وبين من لا يجوز عليه كالباري وان كان بصيراً بمعنى أنّ له صفة البصر بأنه إذا استعمل فيمن يجوز عليه النظر وأريد الإحسان والإكرام فهو كناية حيث جاز إرادة المعنى الحقيقي بل ربما أريد لكن لا ليكون مناط الإثبات والنفي والصدق والكذب والأمر والنهي، ونحوه بل لينتقل عنه إلى معنى آخر وإذا استعمل فيمن لا يجوز عليه النظر فهو(3/37)
مجاز لا غير لأن إرادة المعنى الحقيقي أو جواز إرادته شرط للكناية، وههنا العلم بامتناع النظر قرينة مانعة عن إرادته، وفي كلامه إشارة إلى أنه عند الكناية قد يتحقق المعنى الحقيقي ويراد لا قصداً إليه وقد لا يتحقق أصلا، وان جاز وما ذكره هنا يشكل بما ذكره في قوله تعالى: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} {وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} الرحمن على العرش استوى ونحو ذلك أنها كلها كنايات مع امتناع المعنى الحقيقيّ قطعاً فإن أجيب بأنّ إرادة المعنى الحقيقي لا تستلزم تحققه وهو ظاهر ولا يلزم منه الكذب لأنّ إرادته لا تكون على وجه القصد إليه إثباتاً ونفيا وصدقاً وكذبا بل لينتقل منه إلى المقصود، قلنا: وكذلك النظر في حق من يجوز عليه النظر يراد، ولا يتحقق فيكون كناية.
وأمّا ما يقال: من أنه إذا أريد المعنى الحقيقي لزم الجمع بين الحقيقة والمجاز بمعنى
إرادة المعنى الحقيقي والمجازيّ، وهو ممتنع فمدفوع بأنّ ذلك إنما هو حيث يكون كل منهما مناط الحكم ومرجع الصدق والكذب 0
وأمّا إذا أريد الأوّل لينتقل إلى الثاني فلا وصرّح في المفتاح بأنه في الكناية يراد معناها ومعنى معناها جميعاً، وفي الحقيقة معناها فقط وفي المجاز معنى معناها يعني الحقيقة الصريحة إلا فقد صرّح هو بأنّ الكناية حقيقة حيث قال: الحقيقة والكناية يشتركان في كونهما حقيقتين، ويفترقان في الصريح وعدمه، وبهذا يظهر أنّ الكناية ليست واسطة بين الحقيقة والمجاز بل نسما من الحقيقة وحيث يجعل واسطة يراد بالحقيقة الصريح منها، وأمّا عند الأصوليين فكل من الحقيقة والمجاز إن استتر المراد به فكناية والا فصريح وليست الكناية واسطة ولا داخلة في المجاز بناء على الاستعمال في غير الموضوع له على ما توهم.
(أقول) ما ذكره من التناقض سبقه إليه غيره من الشراح، وأشار المحقق في الكشف إلى
أنه لا تناقض فيه حيث قال: بعد سوق كلامه إنه تصريح بأنّ الكناية يعتبر فيها صلوح إرادة الحقيقة وان لم ترد وأن الكنايات قد تشتهر حتى لا تبقى تلك الجهة ملحوظة وحينئذ يلحقن بالمجاز، ولا تجعل مجازاً إلا بعد الشهرة لأنّ جهة الانتقال إلى المعنى المجازي أوّلاً غير واضحة بخلاف المعنى المكنى عنه، وقد سبق أن هذا الكلام منه يرفع ما توهم من المخالفة بين قوليه في جعل بسط اليد كناية عن الجود تارة، ومجازاً أخرى فتذكر يعني أنه إن تطع النظر عن المانع الخارجي كان كناية ثم ألحق بالمجاز فيطلق عليه أنه كناية باعتبار أصله قبل الإلحاق ومجاز بعده فلا تناقض بينهما كما توهموه، والعجب من الشارح في متابعة المعترض مع علمه بدفعه فتأمّل فقول المصنف إنه كناية عن غضبه عليهم لقوله الخ إن حمل على أنه فيهما كناية لا يخالف ما في الكشاف. قوله: (قيل إنها نزلت الخ) فالمراد بعهد الله ما عهده إليهم في التوراة من أمر النبيّ صلى الله عليه وسلم وغيره، والثمن الرشوة وهذا أخرجه البخاري في صحيحه وغيره من حديث عبد الله بن أبي أوفى أنّ رجلاً أقام سلعة له في السوق فحلف بالله لقد أعطى بها ما لم يعطه ليوقع فيها رجلاً من المسلمين فنزلت هذه الآية وقوله: (في ترافع كان بين أشعث بن قيس ويهوديّ في بئر أو أرض وتوجه الحلف على اليهوديّ) أخرجه الستة عن ابن مسعود رضي الله عنه وتعدد سبب النزول لا مانع منه كما مرّ. قوله: (يعني المحرّفين الخ) تفسير فريقاً لا.
الضمير وحنى بالتصغير وأخطب بالخاء المعجمة أفعل من الخطب، وقوله: يقتلونها الفتل بالفاء والتاء الفوقية بمعنى الليّ، والصرف أي يفتلون الألسنة في القراءة بالتحريف في الحركات ونحوها تغييرا يتغير به المعنى ليحسب المسلمون أن المحرّف هو التوراة فيلتبس عليهم الأمر أو المراد يميلون ألسنتهم بشبه الكتاب أي مشابهه ولا فرق بين الوجهين في المعنى إذ ليس في الوجه الأوّل إلا إظهار المحرف وهو شبه الكتاب لكن المضاف المقدّر في الوجه الأوّل هو القراءة والباء للظرفية أو الاستعانة أو للملابسة والجار والمجرور حال من الألسنة أي ملتبسة بالكتاب، وضمير تحسبوه لما دل على الليّ من المحرّف، وفي الثاني شبه وضمير تحسبوه للشبه المقدر والباء صلة، وقيل للآلة وقوله: (وقرئ بلون الخ (هي قراءة مجاهد رحمه الله بفتح الياء وضم اللام، وبعدها واو مفردة ساكنة بقلب الواو المضمومة همزة كما في وجوه وأجوه، ثم نقلت حركة الهمزة إلى اللام فحذفت لالتقاء الساكنين وقيل عليه لو نقلت ضمة الواو لما قبلها فحذفت لالتقاء الساكنين كفى في التوجيه فأقي حاجة إلى قلب الواو(3/38)
همزة ورذ بأنه فعل ذلك ليكون على القاعدة التصريفية بخلاف نقل حركة الواو، وثم حذفها على ما عرف في التصريف، وفيه نظر لأنّ الواو المضمومة إنما تبدل همزة إذا كانت ضمتها أصلية فهو مخالف للقياس أيضاً نعم أنه قرئ يلؤن بالهمز في الشواذ، وهو يؤيده وعلى كل ففيه اجتماع إعلالين ومثله كثير، وأما جعله من الولي بمعنى يقرّبون ألسنتهم بميلها إلى المحرّف فقريب من المحرّف، وقوله: أو يعطفونها بشبه الكتاب من عطف الناقة بأن جذب زمامها ليميل رأسها والمراد الإبهام في الكلام أي كانوا يوهمون المسلمين أن ذلك من نفس الكتاب، والفرق بينهما أنهم على الأوّل يتركون النص ويقرؤون ما بذل، وعلى الثاني لا يتركونه بل يصحفونه بما يوهم خلاف المراد، وعلى هذا يكون كناية عن الخلط. قوله: (تثيد لقوله وما هو من الكتاب ا! خ (لأنّ إسناد كونه من عند الله إلى زعمهم يشعر أيضاً بأنه ما هو من الكتاب فمجموعه مؤكد له فلا وجه لما قيل إن التأكيد هو قوله: {وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ اللهِ} وسوقه يقتضي أنّ مجموعه مؤكد فكأنه جعلهما خبرين وجعل وصف المجموع بوصف جزئه وقوله:) وتشنيع الخ) إشارة إلى أنه ليس المقصود به التأكيد فقط إذ لو كان كذلك لم يتوجه العطف لأنه لما كان الأوّل تعريضا،
، هذا تصريحا حصل بينهما مغايرة اقتضت العطف. قوله:) أي ليس هو نازلاً من عنده) يعني المقصود بالنفي نزوله من عند الله وهو أخص من كونه من فعله، وخلقه ونفي الخاص لا قتضي نفي العام فلا يدل على مذهب المعتزلة القائلين بأن أفعال العباد مخلوقة لهم لا لله وفعل العبد هنا هو التحريف ونحوه وقوله:) ويقولون الخ) تسجيل عليهم بأنّ ما اقترفوه عن عمد لا خطأ. قوله: (تكذيب الخ (أي لا ينبغي لبشر أن يأمر بغير عبادة الله فكيف بالنبيّء! الذي أوتي الحكم والنبوّة فما فعلتموه من عند أنفسكم، والحكم بمعنى الحكمة وفسرها الزمخشرقي لالسنة لأنها تالي الكتاب والسيد علم شخص من نصارى نجران. قوله: (معاذ الله أن يعبد) وقع ير الكشاف: " أن نعبد غير الله أو أن نأمر بعبادة غير الله " وهو أحسن طباقا لما سبقه لأن الكلام في نفي عبادة غير الله لا في نفي غير العبادة، وأجيب بأنّ المراد بغير عبادة الله عبادة غير كلبادة الله، أو غير عبادة الله عام، ونفيه جعل كناية عن نفي الخاص على طريق المبالغة وبهما وردت الرواية والأمر فيه سهل. قوله:) ولكن يقول الخ (لكن لإثبات ما نفي سابقا وهو القول المنصوب بأن فيقول هنا منصوب أيضاً عطفا عليه، ويصح رفعه عطفا على المعنى لأنه في معحى لا يقول، وقيل: يصح عدم تقدير القول على معنى لا تكونوا قائلين لذلك ولكن كونوا ربانيين أي مبلغين ما أتى من الرب وضمير يقول هنا لبشر والرباني منسوب إلى الرب كالهيئ والألف والنون تزاد في النسبة للمبالغة كثيرا كلحياني بكسر اللام عظيم اللحية ورقباني بمعنى عليظ الرقبة، وفسره بالكامل في العمل والعمل وقيل إنه سرياني، وقيل: إنّ ربان صفة لأ! طشان بمعنى مرب نسب إليه. قوله: (كونوا ربانيين الخ) أي كونوا منسوبين إلى الرب
بالطاعة والعبادة بسبب علمكم أو تعليمكم ودراستكم لئلا تدخلوا تحت قوله تعالى: {لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ} فالباء متعلقة بكونوا والمطلوب أن لا ينفك العلم عن العمل إذ لا يعتدّ بأحدهما بدون الآخر. قوله:) عطفاً على ثم يقول الخ) أي على يقول في، ثم يقول ففيه تسمح وجعله بعضهم عطفاً على يؤتيه ولا مزيدة وعلى عطفه على يقول والزيادة المعنى ما كان لبشر أن يؤتيه الله ذلك ويرسله للدعوة إلى اختصاصه بالعبادة وترك الأنداد ثم يأمر الناس بأن يكونوا عباداً له ويأمركم أن تتخذوا الملائكة النبيين أربابا كقولك ما كان لزيد أن أكرمه ثم يهينني ولا يستخف بي أو غير مزيدة لأنه صلى الله عليه وسلم كان ينهي عن عبادة الملائكة والمسيح وعزير عليهم الصلاة والسلام فلما قيل له أنتخذك رباً قيل لهم ما كان لبشر أن ينبئه الله ثم يأمر الناس بمبادنه وينهاكم عن عبادة الأنبياء والملانكة وقوله: بل ينهي إشارة إلى أن المقصود من عدم الأمر النهي وان كان أعمّ منه لكونه أمس بالمقصود وأوفق للواقع. قوله: (وهو أدنى من العبادة) ضمير هو للاتخاذ أو للأمر بالاتخاذ، وأدنى بمعنى أقرب أفعل تفضيل من الدنو فإن من يريد أن يستعبد شخصاً يقول له: ينبغي أن تعبد أمثالي وأكفائي، وقيل: أدنى بمعنى أنزل وأقل من العبادة(3/39)
لأنّ الاتخاذ رباً لا يستلزم العبادة بالفعل، وفي بعض النسخ وهو نهي عن العبادة أي النهي عن الاتخاذ ربا او عدم الأمر نهي عن العبادة فتأمل.
قوله:) ورفعه الباقون الخ) في الكشاف الرفع على ابتداء الكلام أظهر وتنصرها قراءة عبد
الذ " ولن يأمركم " ووجهت الأظهرية بأنها خالية عن تكلف جعل عدم الأمر بمعنى النهي وبأن العطف يستدعي تقديمه على لكن وكذا الحالية أيضاً، والمراد بالبشر بشر النكرة السابق، فالإنكار عامّ وإنما عرّفه لسبق ذكره. قوله: (دليل على أنّ الخطاب للمسلمين) يعني هذه الفاصلة ترجح القول بأنها نزلت في المسلمين القائلين أفلا نسجد لك لا في أبي رافع والسيد بناء على الظاهر، وان جاز أن يقال للنصارى أنأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون أي منقادون مستعدّون لقبول الدين الحق إرخاء للعنان واستدراجا، ولبعض أرباب الحواشي هنا كلام لا
علانل تحته رأينا تركه خيرأ من تكثير السواد برذه. قوله:) قيل إنه على ظاهره الخ الما كان الله لحهد إلى جميع خلقه بالإيمان سواء الأنبياء وغيرهم احتاج التخصيص إلى التوجيه فوجه بوجوه. حها ما ذكره المصنف وهو أنّ غيرهم معلوم بالطريق الأول أو أنه من الاكتفاء وهو قريب من هدا، أو أنه مصدر مضاف إلى الفاعل أي الميثاق الذي وثقه النبيون على أممهم، أو هو على حذف مضاف أي أمم النبيين أو أولاد النبيين، والمراد بهم بنو إسرائيل لكثرة أولاد الأنبياء فيهم! ، نّ السياق في شأنهم، وأمّا إنّ المراد بأولاد الأنبياء أولاد آدم والأنبياء عليهم الصلاة والسلام ءكأ تسلمه ليعم فخلاف الظاهر، فلذا لم يذكروه مع أنّ قراءة ابن مسعود رضي الله عنه ميثاق الذين أوتوا الكتاب تدل على تعينه كما أشار إليه في الكشاف، وأمّا أنه سمى بني إسرائيل نبيين لهكماً بهم فلا قرينة عليه، ولذا أخره المصنف رحمه الله لبعده، أو المراد واذ أخذ الله ميثاقا مثل ميثاق النبيين أي ميثاقا غليظا ثم جعل ميثاقهم نفس ميثاقهم بحذف أداة التشبيه مبالغة، ومن الغريب ما قيل: إق الإضافة للتعليل لأدنى ملابسة كأنه قيل واذ أخذ الله الميثاق على الناس لأجل النبيين، ثم بينه بقوله: لما آتيتكم الخ، ولم نر من ذكر أنّ الإضافة تفيد التعليل في غير ثلامه. قوله: (واللام في لما موطئة الخ) اللام الموطئة وتسمى اللام المقرونة هي من قولهم وطؤ الموضع يوطأ وطأ صار وطيئاً أي سهل المشي فيه، ووطأته أنا توطئة فهذه اللام كأنها وطأت طريق القسم أي سهلت تفهم الجواب على السامع، وعرّفها النحاة بأنها اللام التي تدخل على الشرط سواء إن وغيرها لكنها غلبت في إن بعد تقدم القسم لفظا أو تقديراً لتوذن أن الجواب له لا للشرط، كقوله: لئن أكرمتني لأكرمنك، ولو قلت: أكرمك أو فإني أكرمك أو ما أشبهه مما يجاب به الشرط لم يجز صرح به ابن الحاجب وليس هذا متفقا عليه فإنّ الفراء خالف فيه فجوّز أن يجاب الشرط مع تقدم القسم عليه لكن الأوّل هو الصحيح، وكونها يجب دخولها على الشرط هو المشهور وخالف فيه بعض النحاة، وقال الزمخشري: إنه لا يجب دخولها على كلمة المجازاة صرح به في سورة هود في قوله تعالى: {وَإِنَّ كُلاًّ لَّمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ} ! يمن قرأ بالتخفيف ونقله الأزهري عن الأخفش وانّ ثعلباً غلطه فيه فهذا يدل على أن ما أشترطوا فيها غير متفق عليه. قوله: (ساد مسد جواب القسم والثرط الخ (فيه تسمح لأنه جواب القسم لكنه لما دل على جواب الشرط جعله سادّاً مسده لدلالته عليه وايجاد معناهما وإلا فجواب القسم لا محل له وجواب الشرط له محل فيتنافيان، ولا حاجة إلى أن يقال أنّ الجملة الواحدة قد يحكم عليها بالمحلية وعدمها باعتبارين وعلى جعلها موصولة فقد دخلت
اللام الموطئة على غير الشرط ولا إشكال فيه كما مرّ فإنّ من النحاة من جوّزه كما أن منهم من أطلق على لام الجواب موطئة تسمحاً والأمر فيه سهل لكن على القول بأنها تدخل على غير الشرط هل يشترط مشابهته له كما الموصولة أو لا كما الزائدة في إنّ كلا لما ليوفينهم ظاهر كلام المغني وبعض الثراج هنا يشعر بالأوّل، وقوله: وتحتمل الخبرية المراد ما يقابل الجزائية أو الموصولية الاسمية أو الحرفية، وورد في كلامهم بهذا المعنى فلا يقال إنه لم يسمع ما الخبرية، وعلى الموصولية فهي مبتدأ والخبر إمّا مقدر أو جملة لتؤمنن، وأورد عليه أنّ الضمير(3/40)
في به إن عاد إلى المبتدأ على ما هو الظاهر كان الميثاق هو إيمانهم بما آتاهم والمقصود من الآية أخذ الميثاق بالإيمان بالرسول عش! هـ ونصرته وان عاد إلى الرسول لمجب خلت الجملة التي هي خبر عن العائد إلا أن يقدر، ويدفع بما قاله الإمام السهيلي: في الروض الأنف إن ما مبتدأ بمعنى الذي والخبر لتؤمنن به ولتنصرنه وان كان الضميران عائدين على رسول ولكن لما كان الرسول مصدقا لما معكم ارتبط الكلام بعضه ببعض واستغنى بالضمير العائد على الرسول عن ضمير يعود على المبتدأ، وله نظائر في التنزيل وهذا بناء على مذهب الأخفش كما مرّ تحقيقه في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ} [سورة البقرة، الآية: 234] ) وجاءكم الخ) معطوف على الصلة والرابط ما معكم أو مقدّر أيضاً. قوله: (أي لأجل إيتاتي إياكم بعض الكتاب الخ) إشارة إلى أن من تبعيضية وهي على الموصولية والشرطية بيانية، وظاهره أنّ اللام متعلقة بقوله: لتؤمنن مع أنّ لام القسم لا يعمل ما بعدها فيما قبلها فقيل إنّ الزمخشريّ يرى جوازه، وقيل: هو بيان للمعنى: وأما بحسب اللفظ متعلق بأقسم المحذوف، وقوله: مصدق له إشارة إلى أنّ ما معكم بمعنى الكتاب أو بعضه وأنه هو القائم مقام العائد في الموصولية. قوله: (وقرئ لما بمعنى حين الخ) هذه قراءة سعيد فلا وجه لما قيل إن صحت ولما إمّا ظرفية وجوابها مقدر من جنس جواب القسم كما ذهب إليه الزمخشرقي أي لما آتيتكم بعض الكتاب والحكمة ثم جاءكم رسول مصدق، وجب عليكم الإيمان به ونصرته وقدره ابن عطية رحمه الله من جن! ما قبلها أي لما كنتم بهذه الحال رؤساء الناس وأماثلهم أخذ عليكم الميثاق وكذا وقع في تفسير الزجاج ومآل معناها للتعليل أيضاً أو أصله لمن ما فأدغمت النون في الميم بعد قلبها ميماً فحص ثلاث ميمات فخفف بحذف إحداها، والمحذوف أما الأولى أو الثانية لأنّ بها الثقل ولذا رجحه أبو حيان، ومن مزيدة في الإيجاب على رأي الأخفش عند ابن
جني وتعليلية وهو الأصح لاتضاح المعنى عليه وموافقته لقراءة التخفيف، واللام إمّا زائدة أو موطئة إن لم يشترط دخولها على أداة الشرط، وقوله: استثقالاً مفعول لأجله لأنه الباعث على ذلك أو التقدير لإزالة الاستثقال. قوله تعالى: {قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ} الآية) هو بيان لأخذ الميثاق دماذ متعلقة به أو بمقدر أي اذكر، وقيل العامل فيه اصطفى فيكون معطوفا على إذ المتقدمة، والإصر بالكسر العهد وأصله من الإصار وهو ما يعقد به ويشد، وبالضم لغة فيه كناقة عبر أسفار بالضم والكسر بمعنى أنه لا يزال يسافر عليها وهو يستوي فيه الواحد والجمع والمذكر والمؤنث، أو هو بالضم جمع إصار، وهو ما يشد به استعير للعهد وقوله: فليشهد بعضكم أي المقر بعضهم والشاهد بعض آخر لئلا يتحد المشهود عليه والشاهد. قوله:) وأنا أيضاً على إقراركم الخ) هذا بيان لمحصل المعنى لأنه لا بد في الشهادة من مشهود عليه وهو الإقرار هنا فلا وجه لما قيل إنّ الصواب، وأنا معكم من الشاهدين وأق هذا تفسير لما في سورة اقترب {وَأَنَا عَلَى ذَلِكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ} [سورة الأنبياء، الآية: 56] وتفسر الفاسقين بالمتمردين لأنّ أصل معنى الفسق الخروج وهو قريب من التمرد. قوله: (عطف على الجملة المتقدّمة الخ) المراد بالجملة مجموع الشرط والجزاء، وقي! قوله: {فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} قال ابن هشام: الأوّل هو مذهب سيبويه رحمه الله وهو الأصح وحذف الجملة لا داعي إليه والهمزة مقدمة من تأخير للدلالة على أصالتها في الصدارة. قوله: (وتقديم المفعول لأنه المقصود الخ) أي لا للحصر كما توهم لأنّ المنكر اتخاذ غير الله ربا ولو معه، ودعوى إنه إشارة إلى أن دين الله لا يجامع دين غيره في الطلب تكلف فالمقام يقتضي إنكار اتخاذ المعبود من دون الله ليكون الدين كله لله بدليل قوله: {وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} فوجب لذلك التقديم، وما قيل عليه إنّ الإنكار لا يتوجه إلى الذوات وإنما يتوجه إلى الأفعال وهو الابتغاء هنا وإنما قدم للفاصلة ليس بشيء وقوله: على تقدير، وقل لهم أي قل لهم أتتولون أو أتفسقون وتكفرون فتبغون غير دين الله ومن جعله التفاتا لم يقدره، وقوله: لأنه المقصود الخ لا ينافي التقدير لا! الإنكار منسحب عليه فتأمل. قوله:) طائعين بالنظر الخ (إشارة إلى أنه حال وقيل. إنه منصوب على المصدرية من غير لفظه لأن أسلم بمعنى انقاد وأطاع(3/41)
وفيه نظر لأنه ظاهر في طوعا لموافقة معناه ما قبله لا في كرها، والقول بأنه يغتفر في الثواني ما لا يغتفر في الأوائل غير نافع، وقد
يدفع بأنّ الكره فيه انقياد أيضاً يقال طاع يطوع وأطاع يطيع بمعنى، وقيل؟ طاعه يطوعه انقاد له وأطاعه بمعنى مضى لأمره، وطاوعه بمعنى وافقه، وقرأ الأعمش كرها بالضم وجملة وله من في السموات جملة حالية أيضا أي كيف تبغون غير دينه والحالة هذه، وعلى هذا التفسير المراد بمن في السموات والأرض الناس فلا يرد عليه أنه لا وجه لحصر سبب الإسلام طوعا في النظر، واتباع الحجة لأنه يكون بسبب هدايته ومشاهداته عندهم كما في الملائكة أو المراد أولو العلم مطلقاً وليس المراد بالنظر الاستدلال بل العلم مطلقا فيشمل ما يحصل بالمشاهدة فتأمل. قوله: (كنتق الجبل) أي رفعه فوقهم من نتق الشيء جذبه ونزعه حتى يسترخي كنتق عري الحمل، ومنه استعير امرأة ناتق أي ولدها كثير، وزند ناتق أي وار. قوله: (أو مختاربن الخ) هذا تفسير آخر فالمراد بالطوع الاختيار وبالكره التسخير فهم مسخرون لحكم القضاء، وما أراد الله بهم فالكفرة مسخرون لإرادة كفرهم إذ لا يقع ما لا يريده، وهذا لا ينافي الجزء الاختياري حتى لا يكون لهم اختيار في الجملة فلا يرد أنّ الكفرة لو لم يكونوا مختارين لم يتوجه تعذيبهم على الكفر، والمؤمنون والملائكة لا يفعلون أيضا إلا ما قضى عليهم فلا فرق وأنه ذهب إلى مذهب الجبرية، والحاصل أنّ الانقياد هنا إمّا لأمره وهو إمّا بالطوع مطلقا أو النظر والحجة بناء على الأغلب أو لإرادته وكونه على وفقها والمؤمن ينقاد لإرادة الله إيمانه باختياره لأنّ الله أمره به فاتبعه راشداً مهدياً تابعاً للأرجح والكافر منقاد لإرادته كفره لما خلقه عليه من حيث جبلته الذي هو كالقاسر له على مخالفة الأمر واتباع المرجوح فتأمل. قوله: (وإليه ترجعون) جوز فيه أن يكون جملة مستأنفة للأخبار بما تضمنته من التهديد أو معطوفة على وله أسلم فهي حالية أيضاً وقرأ عاصم بياء الغيبة والضمير لمن أو لمن عاد عليه ضمير يبغون، فإن قرئ بالخطاب فهو التفات وقراءة الباقين بالخطاب، وهو عائد لمن عاد إليه ضمير يبغون فعلى الغيبة فيه التفات أيضاً. قوله: (أمر للرسول صلى الله عليه وسلم الخ) يعني ضمير آمنا للرسول والأمة والقرآن نازل عليهم لا على الرسول فقط أو على الرسول كما هو الظاهر، وهو نازل عليه وحده ولكن نسب إلى الجمع ما هو منسوب لواحد منه مجازاً كما في بنو فلان قتلوا قتيلا لكون بين أظهرهم، ونفعه وأصل إليهم أو النون نون العظمة لا ضمير الجماعة. قوله: (والنزول كما يعدى بإلى الخ) فلا فرق بينهما إلا بالاعتبار وفرق الراغب رحمه الله بأنّ ما كان واصلاً من الملأ الأعلى بلا واسطة
كان لفظ على المختص بالعلو أولى به وما لم يكن كذلك كان لفظ إلى المختص بالإيصال أولى به، وهذا كلام في الأولوية فلا يرد عليه قول الزمخشري إنه تعسف وقيل أنزل عليه يحمل على ما أمر المنزل عليه أن يبلغه غيره، وأنزل إليه يحمل على ما خص به نفسه لأنه إليه انتهى الإنزال وعليه قوله تعالى: {أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ} [سورة العنكبوت، الآية: 51] {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ} [صورة النحل، الآية: 44] وفيه نظر فالتحقيق عدم الفرق كما ذهب إليه العلامة وقوله: (وإنما قدم الخ) أي لما كان معرّفا له ومصدقاً لما فيه ومعرفة المعرف تتقدم على معرفة المعرف قدم عليه أو لتعظيمه والاعتناء به، وقوله: (بالتصديق الخ) إشارة إلى جواز التفريق بغيره كالتفضيل، وقوله: منقادون الخ تفسير للإسلام المعدى باللام والأوّل مبني على إن نحن عبارة عما يعمّ المسلم والكافر، والثاني بناء على تخصيصه بالمسلمين. قوله:) الواقعين في الخسران الخ) إشارة إلى أنه نزل منزلة اللازم فترك مفعوله وقوله: بإبطال الفطرة أي الجبلة إشارة إلى أنّ الخسران وزوال الربح باعتبار ما جبل عليه فكأنه ضيع رأس ماله لأنّ كل مولود يولد على الفطرة فهو قريب من المكنية. قوله: (واستدل به الخ) قيل عليه إن الإسلام هو التوحيد والانقياد كما سبق، وهذا مشتمل على الإيمان بالله وكتبه ورسله مقيداً بالاستسلام فينبغي أن يحمل عليه ودينا تمييز للإسلام ومبين له كما حمل عليه في قوله: {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللهِ الإِسْلاَمُ} [سورة آل عمران، الآية: 19] فلا حاجة إلى ما ذكره من الجواب فتأمل. توله: (استبعاد لأن يهديهم) أي يدلهم دلالة موصلة لا مطلق الدلالة ولذا فسره في الكشاف بيلطف بهم(3/42)
والحائد بالحاء والدال المهملتين بمعنى المائل المعرض عنه والمقصرد من الإنكار التقريع والتوبيخ فلا يدل على عدم التوبة. قوله:) وشهدوا عطف على ما في للمانهم من معنى الفعل الأن إيمانهم بمعنى آمنوا، والظاهر أنه عطف على المعنى كما في قوله: {إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ} لا على التوهم كما ذكره المصنف رحمه الله ثبعا للزمخشريّ كما
في قوله فأصدق وأكن بالجزم على توهم سقوط الفاء لأنها لو سقطت انجزم في جواب شرط، مفهوم مما قبله أي إن أخرتني كما سيأتي في سورة المنافقين لا لأن التوهم لا يليق به تعالى لأنه صار كالعلم على هذا النوع من العطف بل لأنه هو الموافق للواقع والتأويل، ويجوز أن يؤوّل الثاني بالاسم بأن يجعل شهدوا بمعنى الشهادة بتقدير أن كما قاله الراغب: وأما عطفه على كفروا وان كان هو الظاهر فلم يلتفتوا إليه لفساد المعنى إذ يكون صفة قوما ويكون هو المنصرف إليه الإنكار وهو غير صحيح فإن قلت العطف بالواو لا يقتضي الترتيب فليكن المنكر الشهادة المقارنة بالكفر أو المتقدمة عليه قلت هذا هو معنى العطف على الإيمان والحالية وهي هنا أولى وأظهر فيقدر فيه قد، وقيل لأن الظاهر تقييد المعطوف بما قيد به المعطوف عليه وشهادتهم هذه لم تكن بعد إيمانهم بل معه أو قبله، وهو غير مسلم لأنه لا يلزم تقييد المعطوف بما قيد به المعطوف عليه، ولو قصد ذلك لآخر وقيل لأنهم ليسوا جامعين بين الكفر والشهادة وردّ بالمنع بل هم جامعون وان لم يكن ذلك معا ألا ترى أنه صح جعله حالاً وأما جعله معطوفاً عليه وإنه في المنافقين فخلاف المنقول والمعقول. قوله: (وهو على الوجهين دليل الخ (أي على العطف المذكور والحالية ووجه الدلالة ما يقتضيه الظاهر من تغاير المعطوف والمعطوف عليه، وعلى الثاني خلو ذكره عن الفائدة وفيه نظر ظاهر ولذا قيل يجوز أن يراد بالإيمان الإيمان بالله تعالى بقرينة ما بعده مع أنّ الإقرار باللسان خارج عن حقيقة الإيمان المصطلح عند أهل الشرع، وليس هذا مما يقبل النزاع. قوله: (الذين ظلموا أنفسهم الخ (يعني المراد بالظلم الكفر، ويحتمل أن يراد مطلق الظلم فيدخل فيه الكفر دخولاً أوّليا واسم الإشارة المشار به للذوات مع الصفات المشعر بكونها علة للعن ينتفي بانتفائها وما ذكر من الأوصاف يقتضي بعدهم عن الرحمة والفرق بينهم وبين غيرهم حتى خص اللعن بهم، والناس حينئذ أمّا المؤمنون لأنهم هم الذين يلعنون الكفرة أو المطلق لأن كل أحد يلعن من لم يتبع الحق وإن لم يكن غير متبع بناء على زعمه وضمير فيها لما ذكر، ولا يأباه قوله: ولا يخفف عنهم العذاب كما توهم، ومعنى لا ينظرون لا يمهلون أو لا ينظر إليهم ويعتذ بهم. قوله:) وأصلحوا ما
أفسدوا الخ) يعني أنه متعد مفعوله ما ذكر أو لازم بمعنى دخلوا في الصلاح، قيل وهو أبلغ قال النحرير: يعني أن مجرّد الندم على ما مضى من الرذة والعزم على تركه في الاستقبال غير كاف فلا تدارك لما أخلوا به من الحقوق، وقيل عليه إن مجزد التوبة يوجب تخفيف العذاب ونظر الحق إليهم فالظاهر أنه ليس تقييدا بل بيانا لأن يصلح ما فسد، وليس بوارد لأن مجرد الندم والعزم على ترك الكفر في المستقبل لا يخرجه منه فهو بيان للتوبة المعتد بها فالمآل واحد عند التحقيق. قوله: (قيل إنها نزلت في الحرث الخ) فأرسل إلى قومه أن يسألوا وفي نسخة إن اسألوا وجلاس كغراب بالضم واللام والسين المهملة صحابي، وفي شروح الكشاف إنه نقل تشديد لأمه أيضا وهو مخرج من النسائي عن ابن عباس رضي الله عنهما وريب المنون حوادث الدهر والموت وقوله: (بإظهاره (أي بإظهار الإيمان أو بإظهار إتباعه. قوله: الأنهم لا يتوبون الخ (لما كان هذا ينافي قبول توبته المقرر في الشرع وقوله: قبيلة إلا الذين تابوا أوله بأنه من قبيل:
ولا ترى الضب بها ينجحر
أي لا توبة لهم حتى تقبل لأنهم لم يوفقوا لها أو هو من قبيل الكناية دون المجاز حيث
أريد باللازم معناه لينتقل منه إلى الملزوم، أو المراد لهم توبة غير مقبولة في الإشراف على الهلاك ومثلها عرف عدم قبوله وما مرّ خلافه، أو لكونها ليست مطابقة لما في قلوبهم بل نفاقا لما مرّ عنهم من قولهم ننافقه، وقوله: أشرفوا وفي نسخة أشفوا والأشفاء الإشراف، وحقيقته من أشفى صار ذا شفى لأن من كان على حالة ثم أشرف على ما ينافيها فقد بلغ شفى(3/43)
الحالة الأولى أي حدها وطرفها وتعديته بعلى لما فيه من معنى الاطلاع، وقوله: فكنى الخ بيان للأوّل. قوله: (ولذلك لم تدخل الفاء فيه) في الكشاف فإن قلت: لم قيل في إحدى الآيتين لن
تقبل بغير فاء، وفي الأخرى فلن يقبل قلت قد أوذن بالفاء أنّ الكلام بني على الشرط والجزاء، وأنّ سبب امتناع قبول الفدية هو الموت على الكفر وبترك الفاء أنّ الكلام مبتدأ وخبر ولا دليل فيه على التسبيب كما تقول الذي جاءني له درهم لم تجعل المجيء سبباً في استحقاق الدرهم بخلاف قولك فله درهم انتهى، وحاصله ما ذكره المصنف رحمه الله وهو أنّ الصلة في الأوّل الكفر، وازدياده وهو لا يترتب عليه عدم قبول التوبة بل على الموت عليه إذ لو وقعت لقبلت أو على عدم مصادفة زمانها أو عدم إخلاصه فلذلك أوّل كما مرّ بخلاف الموت على الكفر فإنه يترتب عليه ذلك، ولذلك لو قال من جاءني له درهم كان إقراراً بخلاف ما لو قرنه بالفاء وهي مسألة معروفة، فمان قيل: أليس ترتب الحكم على الوصف دليلا على السببية قيل ليى هذا بلازم فإنّ التعبير بالموصول قد يكون لإغراض! كالإيماء إلى تحقق الخبر كما فصل في المعاني، وقوله الثابتون على الضلال أخذ الثبوت من التعبير بالاسمية ومنهم من فسره بالكاملين في الضلال، وبهما يتضح الحصر لأن الضلال يوجد في غيرهم أيضا وملء بالفتح مصدر ملأه ملأ وبالكسر مقدار يملأ به، وقراءة رفع ذهب إنا على البدلية منه أو عطف بيان وعبر عنه بالردّ الزمخشرفي، وهو معروف في التبعية عنده قيل ولا بد من تقدير وصف ليحسن البدل ولا دلالة عليه ولم يعهد بيان المعرفة بالنكرة، وجعله خبر مبتدأ محذوف إنما يحسن إذا جعلت الجملة صفة أو حالاً ولا يخلو عن ضعف يعني، وصف المعرفة بالجملة على حد قوله:
ولقد أمرّ على اللئيم يسبني
واذا جعلت حالاً بدون الواو ففيه أيضا ما مرّ. قوله: (محمول على المعنى كأنه قيل الخ (
لما كانت الواو المصاحبة للشرط تستدعي شرطا آخر يعطف عليه معنى والاستعمال فيه على أن يكون المذكور منبهاً به على المحذوف لكونه يعلمه بالطريق الأولى كما في أحسن إلى زيد ولو أساء، وهنا بحسب الظاهر ليست كذلك لأن هذه الحالة أجدر بقبول التفدية من سائر الحالات إذ ليس الفدية وراءها حالة أخرى أولى منها بالقبول وحاصله أنّ الواو الوصلية تقتضي كون نقيضى الشرط أولى بالجزاء، أجيب عنه بوجوه الأوّل أنّ عدم قبول ملء الأرض كناية عن عدم قبول فدية ما لأنه غاية الفدية فجعل عبارة عن جميعها فلا يرد عليه ما قيل إنه لا دلالة للكلام
عليه، وضمير به لحقيقة ملء الأرض فيصير المعنى لا يقبل منه فد. ية ولو افتدى بملء الأرض ذهبا، والثاني أنّ المراد ولو افتدى بمثله معه كما صرّح به في تلك الآية فالمعنى لا يقبل ملء الأرض! فدية ولو زيد عليه مثله، قيل: والمراد أنّ الباء بمعنى مع ومثل يقدر بعده أي مع مثله ولا يخفى بعده، وبهذا التقرير علمت أنه لا وجه لما قاله أبو حيان ومن تبعه من أنه لا حاجة إلى تقدير مثل وأنّ الزمخشريّ تخيل أن ما نفى أن يقبل لا يمكن أن! ط ي ب فاحتاج إلى إضمار مثل حتى يتغايرا وليس كذلك، والثالث أن لا يحمل ملء الأرض أوّلاً على الافتداء بل على التصدق ولا يكون الشرط المذكور من قبيل ما يقصد به تأك! د الحكم السابق بل يكون شرطا محذوف الجواب ويكون المعنى لا يقبل منه ملء الأرض ذصبا تصدق به ولو افتدى به أيضا لم يقبل منه وضمير به للمال من غير اعتبار وصف التصدق، وقيل: إنّ المراد من افتدى به بذله أي لو أقرّ به ولو بذله وإذا لم ينفع البذل علم عدم نفع كيره بالأولى وتبل إنّ الواو زائدة كما قرئ به في الشواذ، ولو قيل: إنّ لو ليست وصلية بل للشرط وجوابه فوله: أولئك الخ أو هو ساد مسد الجواب لكان قريباً قيل وقوله: والمثل يحذف ويراد ا! خ يراد من الإرادة أي أنه لكون مثل الشيء وهو في حكم شيء واحد صح حذفه واقامته مقامه وحمله عليه، وأما جعله مقحما على أنّ يزاد من الزيادة فبعيد وكون من المزيدة النفي ل! لاستغراق سواء دخلت على مفرد نحو ما جاءني من أحد أو جمع كما هنا مقرر في العربية فلا وجه للاعتراض على المصنف بأنه مخصوص بالمفرد كما قيل. قوله: (أي لن تبلنوا حق! قة البرّ الخ) البرّ بكسر الباء الإحسان وكمال الخبر وبالفتح صفة منه، وتبلغوا تفسير لتنالوا وحقيقة البر إشارة إلى أنّ التعريف(3/44)
للجنس فيكون التركيب كناية عن كون فاعله باراً، ولذا فسره الزمخشرفي بلن تكونوا أبرارا فنيله البر يدل على البلوغ إليه والبلوغ إليه يدل على كونه باراً كقول الخنساء:
وما بلغت كف امرئ متناولاً من المجد إلا والذي نال أطول
أي أنه ماجد فاق كل ماجد أو تعريفه للعهد والمراد بر الله لهم كالرحمة ونحوها، وهو تفسير ابن عباس رضي الله عنهما. قوله:) أي من المال الخ) قدّمه لأنه الظاهر من الإنفاق وعلى الثاني يتجوّز فيه، وقوله:) روي الخ) رواه الشيخان والنسائيّ وبيرحا روى بكسر الباء وفتحها وفتح الراء وضمها والمد والقصر، وهو اسم بستان وحديمته بالمدينة المنوّرة وكانوا
يسمون الحدائق آباراً، وفي الفائق إنها فيعلى من البراج وهو الأرض الظاهرة، وقيل أضيفت إلى حا وهو قبيلة من مذحج أو اسم رجل، واعلم أنّ لبعض علماء اليمن في هذه اللفظة رسالة مستقلة حاصلها أنهما اسمان جعلا اسما واحداً مبنيا مفتوج الراء فيه همزة بعد حاء وهو اسم مكان، وروي بكسر الباء وفتحها، وقال المنذري: إنه اسم موضع بقرب المسجد، وقيل حا اسم ينسب إليه البير وروي مثلث الراء معربا، والأقرب أنه كحضرموت فيضات ويعرب بالوجوه الثلاثة أو يبنى ويجوز صرفه وعدمه ومده وهمزه، وحا اسم حيّ أو رجل، وقيل اسم صوت تزجر به الإبل إلى آخر ما فصله وقوله: بخ بخ كلمة استحسان ومدح وكررت للتأكيد وهما مسكنان ومكسوران منونان مع التخفيف والتشديد، ويقال: عند الرضا والإعجاب والفخر وقوله: ذلك مال رائح من الرواج مقابل الغدو ويشهد له قولهم، والمال غاد ورائح وهو حث على الإنفاق وفعل الخير إذ لكل ممسك تلف وقيل معناه تروح إليه وتغدو لقربه من البلد، وروي رابح بال! اء الموحدة أي إنفاقه ربح له لبقاء ثوابه وتضاعفه عند الله وقوله: رائح أو رابح إشارة! إلى الوجهين وأو للشك من الراوي ومن جوّز فيه أن يكون بالجيم من الرواج فقد خالف الرواية وقوله: (وجاء زيد الخ) رواه ابن المنذر وابن جرير مرسلاً، وقوله: وذلك أي الحديث وأقرب الأقارب الولد لأن أسامة بن زيد ودلالة الحديث على المستحب ظاهرة فيعلم منه الواجب بالضرورة، وقوله: ويحتمل التبيين والتقدير حينئذ شيئاً مما تحبون، وذلك الشيء بعض ما تحبون فلا يخالف تلك القراءة معنى فلا يرد ما قيل إنّ من البيانية ظرف مستقز صفة نكرة أو حال عن معرفة، ولا يظهر هنا إلا بحذف مفعول تنفقوا على أحد الوجهين وهو تكلف ظاهر. قوله:) من أيّ شيء (التعميم مستفاد من النكرة بعد الشرط ولذا بين اسم الشرط ولم يطلق لئلا يصرف إلى ما يحبونه وقوله: {فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ} فيه إشارة إلى الحث على إخفاء
الصدقة. قوله: (أي المطعومات والمراد كلها) جعله بمعنى الجمع لأنّ كل المضافة للمفرد المعرفة لعموم الأجزاء وهو أيضا مصدر منعوت به معنى فيستوي فيه الواحد المذكر وغيره، كما في قوله: حلا وإنما ذكره ثمة لأنه وقع موصوفا به صريحا لكونه خبرا ومنه يعلم حال هذا، والاستواء المذكور هو الأصل المطرد فلا ينافيه قول الرضى: إنه يقال رجل عدل ورجلان عدلان رعاية لجانب المعنى، وقيل: إنه إذا جعل الطعام بمعنى المطعومات أفاد الاستغراق كما هو شأن الجمع المعرّف باللام فكل للتأكيد وإنما قال أكلها لفهمه من الطعام بمعنى المطعوم ولئلا يتوهم أن المراد إنفاقه بقرينة ما قبله، ومناسته لما قبله لأنّ الأكل إنفاق مما يحب لكنه على نفسه. قوله: (كان به عرق النسا الخ) هذا حديث أخرجه الحاكم وغيره عن ابن عباس رضي الله عنهما (بسند صحيح، والئسا يوزن العصا عرق في باطن الفخذ إلى القدم مقصور واويّ أو يائي وأنكر قوم من أهل اللغة إضافة العرق إليه وجوّزه آخرون لأنه من إضافة العام إلى الخاص مع اختلاف لفظيهما، وقيل النسا الفخذ وأنشدوا:
لما رأيت ملوك كندة أصبحت كالرجل خان الرجل عرق نسائها
وروي في الحديث أنّ يعقوب عليه الصلاة والسلام كان به عرق النسا وجمعه أنساء ثم
أنه صار في العرف عبارة عن وجع يمتد من الورك من خلف وينزل إلى الركبة، وربما بلغ إلى الكعب وهو المراد هنا فهو اسم مرض! معروف، وذلك إشارة إلى ما ذكر من لحوم الإبل وألبانها، وقوله: وقيل فعل ذلك للتداوي(3/45)
بإشارة الأطباء أي رأيهم والمراد بالتحريم الامتناع. قوله: (واحتج به الخ) هذه مسألة معروفة في الأصول وقوله: (وللمانع الخ الا يخفى أنه مخالف لظاهر لفظ النظم. قوله: (مشتملة على تحريم الخ) إشارة إلى أنه متعلق بحرم وفائدته بيان أنه مقدم عليها وأنّ التوراة مشتملة على محرّمات أخر حدثت عليهم حرجا وتضييقا فلا يرد ما قيل إنه لا تظهر فائدة في التقييد فإنّ تحريم إسرائيل لا يتصوّر بعد نزول التوراة وإنه قيد للحل فحيسئذ يلزم قصر الصفة قبل تمامها إلا أن يقال هو متعلق بمحذوف. قوله: (نعى عليهم الخ) أصل النعي رفع الصوت بذكر الموت ونعى عليه هفواته شهره بها.
قال الأزهريّ: فلان ينعي على نفسه بالفواحش أي يشهرها بتعاطيها ونعى فلان على
فلان أمراً إذا أظهره.
وقال ابن الأعرابي: الناعي المشنع يقال نعى عليه أمره إذا قبحه وهو المراد هنا وفيه نكتة
بليغة، وهو الإشارة إلى أنهم أهلكوا أنفسهم بما فعلوا، وقوله: وفي منع النسخ معطوف على قوله في دعوى البراءة، ووجه ظاهر إذ تحريم ما كان حلالاً لا يكون إلا بالنسخ والطعن معطوف على النسخ وقوله بهتوا مجهول أي سكنوا ولم يجسروا أو يجترؤوا من الجراءة أو الجسارة، ووجه الدليل علمه صلى الله عليه وسلم بما في التوراة وهو لم يقرأها ومثله لا يكون إلا بوحي. قوله: (ابتدعه) أي اخترع الكذب والافترأء المذكور، فمن عبارة عنهم، وبحتمل التعميم فيدخلون فيه دخولاً أولياً وقوله: صدق الله بعد تكذيبهم تأكيد له ويفهم منه الحصر الإضافي لأنه لما قال صدق الله بعد تكذيبهم صار المعنى صدق الله لا أنتم. قوله:) أي ملة الإسلام الخ) أي هي في الأصل موافقة لملة إبراهيم عليه الصلاة والسلام ومشابهة لها فعبر عن الإسلام بملة إبراهيم لذلك فلا يلزم كون نبينا صلى الله عليه وسلم عاملا بشريعته كأنبياء بني إسرائيل وقوله:) واجب في التوحيد الصرف) الذي لا يشوبه ما ينافيه كما فعل اليهود والاستقامة في الدين مأخوذة من قوله: حنيفاً لأنّ الحنف كما قال الراغب: الميل عن الضلال إلى الاستقامة والجنف بالجيم
الميل عن الاستقامة، والتجنب عن الإفراط أي المبالغة في الإيجاد والتفريط أي الإهمال تفسير للاستقامة وهو ظاهر ومن لم يفهمه قال دلالته: على التجنب المذكور غير ظاهرة إلا أن يقال الشرك إفراط أو الأمر باتباع إبراهيم عليه الصلاة والسلام وتخصيصه بالذكر دون سائر الأديان يدلّ على ما ذكر، وهو خبط وخلط بما لا يفيد. قوله: (وضع للعبادة) فمعنى وضعه للناس لعبادتهم وليس المراد أن يعبد البيت نفسه بل أن يجعل موضعا لعبادة الله فلذا فسره بقوله: وجعل متعبداً لهم وقوله:) ويدل عليه أنه قرئ الخ) لأنّ الظاهر أن الضمير راجع إلى الله إن لم نعتبر الذكر السابق في قوله صدق الله لكون الآية مستأنفة، والا فهو المتبادر أيضاً فلا يرد عليه أنه يحتمل رجوعه لإبراهيم عليه الصلاة والسلام فلا دلالة للقراءة عليه فتأمّل، ومناسبة الآية لما قبلها ظاهرة. قوله: (كالنبيط والنميط) الميم والباء تعقب إحداهما الأخرى كثيراً في كلام العرب والنبيط والنميط مصغراً علم موضع بالدهناء، وهما بمعنى أو متغايران كما أشار إليه بقوله: وقيل الخ، وبكة من إليك بمعتى الازدحام لازدحام الحجيج قيها أو بمعنى الدق لدق أعناق الجبابرة أي إهلاكهم إذا أرادوها بسوء واذلالهم فيها، ولذا تراهم في الطواف كآحاد الناس ولو أمكنهم الله من تخليته لفعلوا. قوله: (روي أئه محثنبرو سئل الخ) أخرجه الشيخان عن أبي ذرّ رضي الله عنه وهو حديث صحيح إلا أن فيه إشكالاً أجاب عنه الطحاوفي في الآثار قال فيه فإن قلت لا شك أنّ باني المسجد الحرام إبراهيم عليه الصلاة والسلام وباني الأقصى داود وابنه سليمان بعده وبينهما مدة طويلة تزيد على الأربعين بأمثالها، قلت الوضع غير البناء والسؤال عن مدة ما بين وضعيهما لا عن مدة ما بين بناءيهما فيحتمل أن يكون واضعالأقصى بعض الأنبياء قبل داود وسليمان عليهما الصلاة والسلام ثم بنياه بعد ذلك ولا بد من تأويله بهذا انتهى، وجرهم بضم الجيم وسكون الراء والهاء المضمومة حيّ من اليمن كانوا أصهار إسماعيل، والعمالقة قوم من ولد عمليق بن لاوذ بن سام بن نوح عليه الصلاة والسلام وهم قوم تفرّقوا في البلاد، والضراح بوزن غراب بضاد معجمة وراء وحاء مهملتين قال الطيبي رحمه الله: من رواه بصاد مهملة(3/46)
فقد صحفه وهو من المضارحة وهي المقابلة أو البعد، وكونه في
السماء الرابعة أورد عليه الطيبي أن الصحيح المروي في البخاري أنه في السابقة. قوله:) وقيل هو أوّل بيت بناه آدم فانطمس الخ) رواه الأزرقي في " تاريخ مكة " وقيل: إنه نزل مع آدم عليه الصلاة والسلام من الجنة ثم رفع بعد موته إلى السماء وبنى شيث مكانه بيتاً من طين أو نزل قبله أو بناه آدم عليه الصلاة والسلام كما ذكره المصنف رحمه الله من طين على نحو ما رأى في السماء، وقوله: وهو لا يلائم ظاهر الآية لأنه لا يكون أوّل بيت لسبق الضراح عليه أن اعتبر تغايرهما والا لكونهما تعبداً في مكان واحد فلأنه لم يكن موضوعاً للناس فقط لطواف الملائكة به، وإنما قال: ظاهر الآية لأنه لا يخالفها عند التأمّل بالنظر الدقيق، ومن جعل الأوّلية أولية شرف لا يرد عليه شيء إلا أنه خلاف المتبادر، وقوله: كثير الخير أي البركة والزيادة وهي في خيراته ومنافعه لا في بنائه وهو حال من الضمير المستتر في الظرف الواقع صلة، وقوله: لأنه قبلتهم فهو هاد للجهة التي أرادها الله أو هاد لهم بما فيه من الآيات التي ستأتي وقوله: لأنه قبلتهم إن أراد به وضع لأن يكون قبلة فالعالمين على عمومه، وان أراد يستقبلونه فالمراد بالعالمين المسلمون وما بعده عام للجميع. قوله: ( {فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ} الخ (انحراف الطير باق إلى الآن ولا يعلوه إلا ما به علة للاستشفاء كما صرحوا به وفيه كلام للمحدّثين لأن الجاحظ قال إنها تعلو للاستشفاء، واعترض! عليه ابن عطية بأنه بائن خلافه وعلته العقاب لأخذ الحية، وقيل: إنّ الطيور المهدر دمها تعلوه والحمام مع كثرته لا يعلوه وبه يجمع بين الكلامين فتدبر وفي شرح الكشاف إنّ منها أن أي ركن من أركان البيت وقع الغيث في مقابلته كان الخصب فيما يليه من البلاد، وقوله: قهره أي قهره الله، وقيل قهره البيت على الإسناد المجازي وجعله الجملة حالاً بدون الواو مرّ تفصيله وقدر خبر مقام إبراهيم منها، وقدره غيره أحدها. قوله:) وقيل عطف بيان الخ (قيل عليه إنّ آيات نكرة ومقام إبراهيم معرفة ولا يجوز التخالف بينهما
بإجماع البصريين والكوفيين حتى قال ابن هشام رحمه الله في المغني وغيره إنه أراد بعطف البيان البدل تسامحا كما أنّ سيبويه قد يسمى التوكيد وعطف البيان صفة، وهذا التأويل يتأتى في عبارة الزمخشريّ دون كلام المصنف رحمه الله، وقوله على أنّ المراد الخ جواب عن أن المبين جمع والمبين مفرد فقوله: المراد بالآيات يعني التي دل عليها المقام فهو وان كان مفردا لكنه جمع في المعنى لاشتماله على آيات كثيرة والا لأنه أفعال من اللين، والصخار جمع صخرة وقوله: (ويؤيده) أي يؤيد هذا القول مطابقتهما في هذه القراءة فعبر عن الآيات بالآية وقوله: (وسبب هذا الأثر الخ) كذا وقع في الأثر مرويا عن سعيد بن جبير رضي الله عنه. توله: أجملة ابتدائية) المراد بالابتدائية المركبة من المبتدأ والخبر على أنها ليست بشرطية، وتوله: لأنه في معنى الخ إشارة إلى الوجهين السابقين في إعراب مقام إبراهيم وتوله:) اقتصر الخ (من تتمة الوجه الثاني وهو جعله بيانا كما في الكشاف إما لأن الاثنين جمع أو أنه ذكر من الجمع المبين بعض إفراده وترك الآخر لنكتة، ومثله واقع في الأحاديث النبوية والأشعار العربية وفي الكشاف ويجوز أن يراد فيه آيات بينات مقام إبراهيم وأمن من دخله لأنّ الاثنين نوع من الجمع كالثلاثة والأربعة ويجوز أن تذكر هاتان الآيتان ويطوى ذكر غيرهما دلالة على تكاثر الآيات كأنه قيل فيه آيات بينات مقام إبراهيم وأمن من دخله وكثير سواهما ونحوه في طيّ الذكر قول جرير:
كانت حنيفة أثلاثافثلثهم من العبيدوثلث من مواليها
ومنه قوله لمج! رو: " حبب إلتي من دنياكم ثلاث الطيب والنساء وقرّة عيني ني الصلاة " انتهى، وفصل البيت بقوله: ونحوه لأنه مثله في طيّ لذكر وان لم يكن لغرض الاشتهار وقصد الكثرة كما في الآية بل القصد السكوت عما ليس بذم وهو الثلث الصميم ولأنه هو الأصل المعلوم فلا حاجة لذكره، وأمّا الحديث فقوله " وقرّة عيني " كلام مبتدأ قصد به الإعراض عن ذكر الدنيا وما يحبب منها وليست عطفا على الطيب والنساء لأنها ليست من الدنيا وهذا بناء على ذكر " ثلاث " فيه، وقد تال الطيبي: وغيره(3/47)
أنه لي! في كتب الحديث، فلا شاهد فيه على
هذه الرواية لكن إثباتها كما وقع للزمخشريّ وقع للراغب أيضاً، وحسن الظن بهم يقتضي أنهم ظفروا به في رواية، وليس هذا محلاً للرّواية بالمعنى ولا للسهو ولا مانع من جعل الصلاة الواقعة في الدنيا منها لأنه ليس المراد بها ما يكون صرف أمور دنيوية بل ما يقع فيها وإن كان له تعلق بالآخرة وتغيير التعبير إشارة إلى مغايرته لما قبله وفي قوله ثلاث تغليب للمؤنث على المذكر والا لقال ثلاثة، وقوله: " حبب " مجهول أي حببه الله، وقوله: " دنياكم " إشارة إلى أنه لا علاقة له بالدنيا وأن تحبيبها من الله، ولذا أبيح له الزيادة على الأربع لفوائد جمة كمعاملتهن باللطف تشريعاً وكأطلاعهن على أموره الخفية حتى يتعلمها منهن النساء، وليس محبتهن لمجرد الوطء والتلذذ معاذ الله حتى أن بعض القصاص قال: ما سلم أحد من هوى حتى محمد صلى الله عليه وسلم وذكر الحديث لجهله فأنكره عليه بعض العارفين وكفره، ووقع في هئم لذلك فرأى النبيّ صلى الله عليه وسلم في المنام يقول له لا تهتم فقد قتلناه فخرج عليه بعض قطاع الطريق وقتله عقيب ذلك، وقدم الطيب لأنه حظ الروح المقدم على البدن، وفي قوله: ومن دخله تغليب للعقلاء لأنه يأمن فيه الوحوش والطيور بل النبات، وإنما يلزم الحذف في الحديث لو لم يكن من بدل البعض من الكل وعلى ما ذكروه فيه حذف بعض البدل أو البيان وفسر الأمن بالأمن من عذاب الآخرة، وأشار بما نقل عن أبي حنيفة إلى جواز إرادة العموم بأن يفسر بالأمن في الدنيا والآخرة وقوله: (بقاء الأثر والآمن) بالجرّ بدل من ضمير غيرهما. قوله: (من مات في أحد الحرمين الخ) أخرجه أبو داود والطيالسيّ والبيهقيّ والطبراني، بأسانيد مختلفة وقوله: ولكن ألجئ إلى الخروج أي بمنع إطعامه ومبايعته والمسألة وخلاف الثافعي فيها في الفروع قال الجصاص لما كانت الآيات المذكورة في الحرم ثم قال: ومن دخله كان آمناً وجب أن يكون مراده جميع الحرم. قوله: (قصده للزيارة (يعني أنّ الحج في اللغة مطلق القصد والمراد به هنا قصد مخصوص غلب فيه حتى صار حقيقة فيه شرعاً وحج بالكسر كعلم لغة فيه. قوله:) بدل من
الناس مخصص له) يعني من بدل من الناس العامّ بدل بعض من كل مخصص له لأنه المقصود بالنسبة، واحتمال أن يراد بالناس من استطاع وهذا مبين له فهو بدل كل من كل خلاف الظاهر. قوله: (الاستطاعة الخ (أصل معنى الاستطاعة استدعاء طواعية الفعل وتأتيه، والمراد بالاستدعاء الإرادة وهي تقتضي القدرة فأطلقت على القدرة مطلقا أو بسهولة فهي أخص منها، وهو المراد هنا والقدرة إمّا بالبدن أو بالمال أو بهما وفسر النبئ صلى الله عليه وسلم الاستطاعة وقد سئل عنها كما رواه ابن ماجه وغيره بسند حسن بالزاد والراحلة وهو بحسب الظاهر مع الشافعي رضي الله عنه حيث قصر الاستطاعة على المالية دون البدنية وهو مخالف لمالك رحمه الله مخالفة ظاهرة، وأما أبو حنيفة رحمه الله فيؤوّل ما وقع في الحديث بأنه بيان لبعض شروط الاستطاعة بدليل أنه لو فقد أمن الطريق أو لم تجد المرأة محرماً لم يجب، وقوله: وكل مأتي أي ما يتأتى به الوصول من الطريق وما يلزم اسم مكان تجوّز به، وقيل: إنه آلة. قوله: (وضع كفر الخ) يعني أن المراد بمن كفر من لم يحج، وتاركه ليس بكافر إلا إذا استحله فأشار إلى أنه للتغليظ على تاركه كما وقع في الحديث فليس المقصود ظاهره، وقوله: ولذلك أي للتغليظ. قوله: (من مات ولم يحج الحديث) قال ابن الجوزي: هو موضوع وردّه في اللآلي بأنه أخرجه الترمذيّ وضعفه من حديث عليّ رضي الله عنه ولفظه من ملك زادا وراحلة تبغله إلى بيت الله ولم يحج فلا عليه أن يموت يهوديا أو نصرانيا وأخرجه الدارمي في مسنده من حديث أبي أمامة رضي الله عنه:
" من لم يمنعه من الحج حاجة ظاهرة أو سلطان جائر أو مرض حابس فمات ولم يحج فليمت إن شاء يهودياً أو نصرانياً " وتعدد طرقه إن لم يحسنه خفف ضعفه، وموافقة معناه للآية تقوّيه أيضاً. قوله: (وقد كد أمر الحج في هذه الآية من وجوه الخ) أي شأنه وما يتعلق بإبرازه في صورة الخبر قد تقدم وجه أبلغيته والاسمية تفيد الثبات والدوام وكونه حقاً واجبا يفهم من اللام ومن على والتعميم من الناس والتخصيص من قوله: من استطاع الداخل فيهم، وقوله: من حيث إنه فعل الكفرة إشارة إلى أنه مجاز للمشابهة في تركه، والعدول عن المضمر للمظهر(3/48)
تأكيد للأمر سيما بلفظ العالمين المشعر بأنه غيئ عن العالمين فضلا عمن كفر، وان دخلوا فيهم دخولاً أوّليا وذكر الاستغناء في هذا المقام كناية عن السخط بل عن كماله، وقوله: كإيضاح في الكشاف إنه إيضاح والمصنف زاد الكاف لأنه لم يتحد معناهما حتى يوضحح أحدهما الآخر لكنه تخصيص والتخصيص شبه الإيضاح فمن قال لو حذف الكاف لكان أولى لم يتنبه لقصده، وقوله: بالبرهان لأنّ من استغنى عن جميع العالمين فهو غنيّ عمن لم يحج، وعظم السخط من التعميم كما مرّ، وقوله: لأنه تكليف شاق علة للتأكيد لأنه لما كان كذلك اقتضى الاهتمام به أو لأنه ربما ترك لمشقته فأكد تنبيهاً على أنه لا ينبغي أن يترك والتجرد عن الشهوات كاللباس والطيب والجماع. قوله:) روي الخ) إشارة إلى وجه يبقى فيه من كفر على ظاهره والملل
الست ما ذكر في قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا} وهو يقتضي أنه يطلق على الشرك ملة وقد تردّد فيه النحرير، وقال في الكشف: إنه من النحل لا الملل فإن قيل بعدمه فهو تغليب، وهذا الحديث أخرجه سعيد بن منصور وابن جرير عن الضحاك وفيه أنّ تلك الملل كانت موجودة في جزيرة العرب فلينظر.
(تنبيه مهم) : اعلم أنّ في إعراب الآية وجوها نقلها الزركشيّ في تذكرته عن شيخه ابن هشام لأنّ الظرفين أعني لله وعلى الناس إمّا خبران أو الأول خبر والثاني حال أو العكس، أو الأوّل خبر والثاني متعلق به أو العكس، وفي تقديم الحال في مثله خلاف نقله ثم إنّ السبكي في كتاب الانتصار قال: إنّ هنا فرض عين على المستطيع الذي لم يحج وفرض كفاية وهو ما يجب على كل مستطيع من إحياء شعائر الحج في كل سنة حج أو لم يحج وعلى الأوّل من بدل من الناس وهو مذهب سيبويه، وعلى الثاني هو فاعل المصدر أي حج البيت من والتقدير لئه على الناس مطلقا حج المستطيع منهم فمن حبئ أدّى الفرضين بالثوابين، وفيه بحث من وجهين:
الأول: أن رفع المصدر المضاف للمفعول فاعلاً ضرورة.
الثاني: أنّ إحياء البيت يحصل بالعمرة، ورذ بأنه ليس بضرورة والمراد بالحج معناه اللغوي وفيه نظر. توله: (أي بآياته السمعية والعقلية الخ) حمل الآيات على مطلق الدلائل اأررالة على نبوّة محمد مجشح! وصدق مذعاه الذي من جملته الحج وأمره، وبه تظهر المناسبة تما لله وكون كفرهم أقبح! قراءتهم الكتب المصدقة بخلاف المشركين وكفرهم بالتورأة والإشجيل أورخولهما في آيات الله الشاملة لجميع السمعيات والعقليات، وقياى: إنه مبني على أن يراد لآيات الله الكتابان وليس في الكلام ما يدل عليه. قوله: (والحالى أنه شهيد الخ) إشارة إلى أنّ ال! خلة حالية وأنّ الشهيد بمعنى اأ! البم ااصمطلع وأما جعله بمعنى الشاهد فتكلف من غير*! فه 0 ة وأ،:) كرر الخطاب والاستفهام الخأ الخطاب الم! ش ر في اأسنداء وء! المحتبعه رالاستف! اا في قوأط
لم، وكان الظاهر لم تكفرون بآيات الله وتصذون عن سبيل الله مبالغة في التفريع والتوبيخ لهم على قبائحهم وتفصيلها، ولو قيل: كما ذكر لربما توهم أنّ التوبيخ على مجموع الأمرين والتحريش التحريك بما يوقع بينهم الفتن وضمير عنه للإسلام. قوله: (حال من الواو الخ) أي جملة تبغونها حال من فاعل تصدون، وجوّز فيها الاستئناف، وقوله: طالبين لها اعوجاجا إشارة إلى أنّ عوجاً مفعول وضميرها من ايحذف والإيصال لأنّ بغي يتعدّى لمفعولين أحدهما بنفسه والآخر باللام كما صرّح به أهل اللغة، وقيل: لا حاجة إليه بل هنا مفعول وعوجا حال، ورذ بأنه لا يستقيم المعنى عليه وليس كذلك وقيل: عوجا حال من فاعل تبغون، وضمير تبغونها للسبيل لأنها تذكر وتؤنث والمراد بها ملة الإسلام ومعنى ادّعاء العوج فيها أنها مائلة عن الحق لأنّ ديننا لم ينسخ، أو أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم المذكور في كتابهم ليس هو هذا، فلا يصح هذ وقوله: (أو بأن تحرشوا) الخ مبنيّ على التفسير الثاني الذي قدمه وقوله: وأنتم شهداء جمع شهيد بمعنى عالم مشاهد أو شاهد والجملة حالية أي كيف تفعلون هذا وأنتم علماء أو وأنتم عدول وصفتكم هذه تقتضي خلاف ما أنتم عليه والفرق بين العوج والعوج سيأتي. قوله: (ولما كان المنكر الخ) يعني أنّ الشهادة تكون لما يظهر ويعلم، فلما كان كفرهم ظاهرا ناسب ذكر الشهادة معه لأنها علم ما شاهد أو ما هو بمنزلته، وصدّهم عن سبيل الله وما معه لما كان بالمكر والحيلة الخفية التي تروج على(3/49)
الغافل ناسب ذكر الغفلة معه فكان مقتضى حالهم إن الله العالم بالخفيات والسرائر غافل عما يعملون وهذا لا ينافي قوله: فيما سبق لا ينفعكم التحريف والاستسرار أي الإخفاء لأنّ المراد منه إخفاء الحق لعلمهم بخلافه لا الكفر فلا يرد عليه كما لا يرد أن علم الله لا يقتضي الجهر كما قيل. قوله: (نزلت في نفر من الأوس والخزرج الخ) الأوممى! والخزرج جدا الأنصار وكانا أخوين كما سيأتي، وشاس بمعجمة في أوّله ومهملة في آخره علم ويوم بعاث حرب كان بينهم وبعاث بضم الباء الموحدة وفتح العين المهملة وألف وثاء مثلثة يصرف، ولا يصرف اسم حصن أو بستان كما سيأتي وقعت الحرب عنده ورواه أبو
عبيد بغاث بافين المعجمة، وقال ابن الأثير: أعجمها الخليل أيضا لكن جزم أبو موسى في ذيل الغريب وتجعه صاحب النهاية بأنه تصحيف وإنما البغاث ضعاف الطير كما في المثل، إنّ البغاث بأرضحنا يستنسر وخبر. كما في كامل ابن الأثير أنّ قريظة والنضير جددوا العهود مع الأوس على ا! وازرة والتناصر واستحكم أمرهم فلما سمعت بذلك الخزرج جمعت واحتشدت وارسلت لحلفمائها من أشجع وجهينة وأرسلت الأوس لحلفائها من مزينة والتقوا ببعاث هي من اموال بني قريظة وعلى الأوس حضير والد أسيد الصحابيّ رضي الله عنه وعلى الخزرج عمرو ابن النعمان! االتقوا اقتتلوا قتالاً شديدا وصبروا جميعا، ثم إنّ الأوس وجدت مس السلاح فولوا منهزميز فلما رأى حضير ذلك نزل وطعن قدمه وصاح واعقراه والله لا أعود حتى أقتل فإن شئتم يا ص! ضر الأوس أن تسلموني فافعلوا فعطفوا عليه، وأصاب عمرو بن النعمان البياضي رنيس الخزرج سهم فقتله وانهزمت الخزرج فوضمعت فيهم الأوس السلاح فصاح صائح يا معشر الأوس أحسنوا ولا تهلكوا إخوانكم فجوارهم خير من جوار الثعالب فانتهوا عنهم، وكان يوم بعاث آخر الحروب المشهورة بين الأوس والخزرج في الجاهلية، ثم جاء الإسلام واتفقت الكلمة واجتمس اعلى نصر الإسلام وأهله، وقيل: في ذلك أشدا! وهي التي أشار إليها بقوله:) وينشدهم الخ) وقوله: (السلاح السلاح) بالنصب على الإغراء أي خذوا السلاح. قوله:) أتدعون الجاصلية) كذا في الكشاف وهو بالتخفيف لا بالتشديد من الدعوى كما توهم أي لدعون دعوى الجاهلية وهي قولهم يا لكذا يا لثارات كذا وليس هذا اللفظ تحريفا كما قيل إنّ الواتع في الحط يث: " أتديمون الجاهلية " فحرّفه الزمخشريّ وتبعه المصنف فهو إمّا رواية أخرى أو نقل بالمعنى ومثله سهل، وقوله: خاطبهم الله بنفسه فلا حاجة إلى أن يقال المخاطب الرسول صلى الله عليه وسلم بوفدير قل لهم. قوله: (إنكار ونعجيب لكفرهم الخ) تقدّم الكلام في مثله من الجمع بين الانكار والتعجيب ومعنى الإنكار هنا أنه كيف يقع أو المراد بكفرهم فعل أفعال
الكفرة كدعوى الجاهلية والأوّل أولى وهو تأييس لليهود مما راموه، وحال منوّنة وجملة اجتمع صفة والعائد مقرّر. قوله:) ومن يتمسك بدينه أو يلتجئ إليه في مجامع أموره (أي إئا أن يقدر مضاف ويعتصم بمعنى يتمسك استعارة تبعية كما سيأتي أو لا يقدر، ويجعل الاعتصام بالله استعارة للالتجاء إليه قيل وعلى الأوّل ومن يعتصم الخ معطوف على وأنتم تتلى أي كيف تكفرون والحال أن القرآن يتلى عليكم وأنتم عالمون بأن المتمسك بدين الله على هدى لا يضل متبعه، وعلى الثاني تذييل لقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَاْ إِن تُطِيعُواْ فَرِيقًا} الآية لأن مضمونه إنكم إن تطيعوهم لخوف شرورهم ومكايدهم فلا تخافوهم والتجؤوا إلى الله في دفع ذلك لأن من التجأ إليه كفاه فعلى الأوّل ومن يعتصم لإنكار الكفر مع هذا الصارف القويّ وعلى الثاني للحث على الالتجاء، ويحتمل على الأوّل التذييل وعلى الثاني الحال أيضا وفيه أنّ هذا التعيين لا داعي إليه ولا قرينة عليه. قوله: (فقد اهتدى لا محالة) أي فقد تحقق له حصول الهدي وهذا مستفاد من جعل الجزاء فعلاً ماضيا مع قد فإنه لا ينقلب إلى المستقبل مثل أن تكرمني فقد كرمتك. قوله: (حق تقواه وما يجب منها) يعني أن التقاة بمعنى التقوى وحق من حق بمعنى وجب وثبت ومنها بيان لما، واستفراغ الوسع بمعنى بدل الطاقة والمقدر واستعارة من استفرغت الماء والبئر نزحتهما فإذا كان حق التقاة هذا المعنى فهو بمعنى الاستطاعة فلا تكون تلك الآية ناسخة لها، وقال الزجاج رحمه الله هذه الآية منسوخة بقوله:(3/50)
{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} وقوله: {لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} [سورة البقرة، الآية: 233] قال الكواشي: لما نزلت هذه الآية قالوا: يا رسول الله من يقوي لهذا فنزل: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} والمصنف رحمه الله رأى أن الثانية مبينة للأولى إذ لا مخالفة بينهما فلا تكون ناسخة، ومن قال به جنح إلى أن المراد من حق تقاته ما يحق له ويليق وتقوي الله حق تقواه أي كما هو حقه غير ممكنة فتكون الآية الأخرى ناسخة لها فإن صح الحديث السابق وتعين أن المراد ما ذكر فلا كلام وان فسرت بما يجب مما أوجبه الله علينا وهو لا يكلفنا بما لا يطاق لا تكون منسوخة، وقوله: وعن ابن مسعود رضي الله عنه هكذا هو مروقي في التفاسير وكتب الحديث وصححه أبو نعيم في الحلية ووقع في نسخة بل ابن مسعود ابن عباس رضي الله عنهما وهو مخالف للمنقول، والمراد بالالتفات إلى الطاعة الاغترار بها ووجه التأكيد ظاهر. قوله: (وأصل تقاة وقبة الخ (أي هو مصدر على فعلة كتؤدة بمعنى التثبت من اتأد في مشيه وأمره والتخمة امتلاء المعدة قيل ولا
حاجة إلى جعل قلب الواو تاء لضمها لأنها قلبت في اتقى يتقي ولا ضمة ولتوهم أصالتها لكثرة استعمالها ثبتت هنا. قوله: (ولا تكونن على حال الخ) يعني أن المقصود بالمنهي عنه عدم الإسلام وهو الكفر عند الموت والإسلام حال الموت يقتضي وجوده قبله فالمعنى استمرّوا ودوموا عليه، والموت ليس بمقدور لهم حتى ينهوا عنه وقد مرّ تحقيقه في البقرة، وما ذكر. من القاعدة في النفي والنهي أمر مقرّر كما مر. قوله: (بديته ال! ! م الخ) جوّز في الكشاف أن لكون استعارة تمثيلية على تشبيه الحالة بالحالة من غير اعتبار مجاز في المفردات أو الحبل استعارة للعهد الدّي يتمسك به الاعتصام اسنعارة للوثوق بالعهد أو ترشيحاً لاستعارة الحبل، والمعنى اجتمعوا على استعانتكم بالله أو على التمسك بعهده، وجوّز فيه المكنية أيضاً والمصنف رحمه الله ذهب إلى الثاني، وجعل المستعار له الدين أو القرآن لما وقع في الحديث من تسميته حبل الله المتين وخالف الزمخشريّ في جعل الترشيح مقابلا للاستعارة بناء على انه لا تنافي بينهما إذ يكفي في الترشيح أن يكون اللفظ مناسباً له وان كان المراد به معنى لا يرشحه ولكل وجهة، والتردّي تفعل من تردّى إذا وقع في هوّة كالبئر وقوله: (مجتمعين) إشارة إلى أنه حال من الفاعل كما هو الظاهر المتبادر فيكون قوله: {وَلاَ تَفَرَّقُواْ} تأكيد وقوله: (عن الحق) أي دين الإسلام السابق أو لا يقع بينكم شقاق وحروب، كما هو مراد المذكرين لكم لايام الجاهلية الماكرين بكم. قوله: (التي من جملتها الخ) ويحتمل أن المراد بها ما بينه بقوله: {إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء} أي {وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللهِ} التي هي تبديل عداوتكم بالمحبة والأخوّة ونجاتكم عن نار جهنم بالعدوان وقطع الرحم فلا تضيعوها. قوله: (متحابين الخ) يشير إلى أن الأخ إذا جمع على إخوان كان بمعنى المحب الصديق وقد يكون جمعاً لأخي النسب وكان قوله: إشارة
إليه قال في الإتقان الأخ في النسب جمعه إخوة وفي الصداقة إخوان قاله ابن فارس: وخالفه غيره وأورد في الصداقة إنما المؤمنون أخوة وفي النسب أو إخوانهن أو بني إخوانهن أو بيوت إخوانكم انتهى، فهو الأكثر وقوله: مشفين أي مشرفين وقد تقدم تحقيقه وحمل النار على نار جهنم وحملها على نار الحرب بعيد، وقوله: على تلك الحالة أي الكفر وفي نسخة في تلك الحالة. قوله: (والضمير للحفرة أو للنار الخ) اقتصر الزمخشريّ على الأخير فقال الضمير للشفا وهو مذكر وإنما أنث للإضافة إلى الحفرة وهو منها كما قال:
كما شرقت صدر القناة من الدم
يعني أن المضاف اكتسب التأنيث من المضاف إليه كما في شعر الأعشى المذكور وهو يكتسبه منه لا مطلقاً بل كما قال العلامة: إذا كان بعضاً منه كصدر الفتاة أو فعلا له أو صفة وما نحن فيه من الأوّل والمصحنف رحمه الله ترك تقييده وزاد تأويله بالمؤنث لكونه بمعنى الشفة وجوّز وجهين آخرين، والداير للزمخشرفي على ما صنعه أن الضمير يعود على المضاف لا المضاف إليه إذ هو غير مقصود لذاته حتى يرجع عليه الضمير وغيره لا يسلمه، وفي الانتصاف المعنى على عوده إلى الحفرة لأنها التي يمتن بالإنقاذ منها حقيقة، وأما الامتنان بالإنقاذ، من الشفا فلما يستلزمه غالباً من الهوي إلى الحفرة فيكون الإنقاذ منه إنقاذا منها لكن الأوّل أبلغ وأوقع مع إنّ اكتساب التأنيث من المضاف إليه عذه أبو عليّ رحمه الله في التعليق من(3/51)
الضرورة وأن خالفه في الإيضاح، والذي أوقع الزمخشري فيه إنه هو الذي كانوا عليه ولم يكونوا في الحفرة حتى يمتن عليهم بالإنقاذ منها وقد مرّ أنهم كانوا صائرين إليها لولا الإنقاذ الربانيّ فبولغ في الامتنان بذلك كما قيل من رتع حول الحمى يوشك أن يقع فيه، وبهذا اندفع قول أبي حيان رحمه الله؟ لا يحسن عوده إلا إلى الشفا لأنه المحذث عنه والشفا الطرف ويضاف إلى الأعلى كشفا جرف هار والأسفل كما هنا واعلم أنّ الأصل أن يعود الضمير على المضاف إذا صلح لكل منهما ولو بتأويل، ويجوز عوده على المضاف إليه مطلقا عند صاحب الانتصاف، وقال الواحديّ: إنه يعود عليه بشرط كونه بعضه أو كبعضه كقول جرير:
أرى مرّ السنين أخذن منيّ
وقول العجاج:
طول الليالي أسرعت في نقضي
فان مرّ السنين وطول الليالي من جنسها وكذا ما نحن فيه. قوله: (مثل ذلك التبيين) يعني
أن الجارّ والمجرور نعت لمصدر محذوف أو حال مضمرة أي يبين لكم تبييناً مثل تبيينه لكم الآيات الواضحة، وقد مرّ تفصيله في البقرة وإنما أوّل الهداية بالنبات أو الزيادة لأنّ الخطاب للمؤمنين، ومرّ الكلام فيه في الفاتحة، وقيل الثبات من المضارع المفيد للاستمرار والزيادة من صيغة الافتعال وقوله: (1 رادة الخ) إشارة إلى أنه للتعليل وليس للترجي لاستحالته عليه تعالى، ومز تحقيقه في أوّل البقرة والكلام فيه. قوله: (من للتبعيض الخ) يعني أنّ فرض الكفاية يقع لي الخارج من البعض فلذا أتى بمن التبعيضية لا أنه يجب على البعض من غير تعيين فإنّ المختار أنه يجب على الكل كما سيصرح به ويسقط بفعل البعض فلو ترك أثم الجميع ولا معنى للرجوب عليهم سوى هذا، إذ لو وجب على البعض لكان الآثم بعضاً مبهمأ وهو غير معقول لخلاف الإثم لواحد مبهم كما في الواجب المخير، وأمّا أنّ له شرائط فلا تنافي الوجوب لأنّ عليهم تحصيلها، ولهذا ذهب بعضهم إلى أنّ من للبيان على هذا القول، والاحتساب النظر في أمور الناس العامّة كالحسبة وهي معروفة. قوله: (خاطب الجمع وطلب فعل جضهم الخ) خاطب الكل لأنه واجب عليهم كما مرّ، وطلب فعل بعضهم لقوله منكم فلا يتوهم مما مضى انه واجب على البعض غير معين كما ظنه بعض شراح الكشاف وتبعه هنا بعض أرباب الحواشي " ن قلت إنّ هذا الخطاب لا يفيد الوجوب على الكل لأنّ معناه أنه يجب على بعضكم الأمر
! النهيئ، وهدّا صريح في أنه يجب على البعض قلت قد مرّ ما يدفعه لأنّ الوجوب على بعض محير معين لا يعقل فتعين الوجوب على الكل والتبعيض إنما هو يالنسبة للقيام به، فتأمّل وقوله:
ر أساً أي جميعاً مجاز. قوله:) أو للتبيين الخ (قال العلامة: في شرح الكشاف اختلف ا، صوليون في أنّ الواجب على الكفاية هل هو واجب على جميع المكلفين ويسقط عنهم بفعل سضهم أو على بعض غير معين، ولما كان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من فروض
الكفايات فمن ذهب إلى أنها على بعض غير معين قال: من هنا للتبعيض ومن ذهب إلى أنها على الجميع قال من للتبيين وهي تجريدية أخرج من الكل كما يقال لفلان من أولاده جند وللأمير من غلمانه عسكر يراد بذلك جميع الأولاد والغلمان، ومما يدل على أنّ من للتبيين أنّ الله تعالى أثبت الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لبهل الأمّة في قوله: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ} [سورة آل عمران، الآية: 10 ا] الخ ومنه تعلم وجه جعلها بيانية واختيار ذكر منكم على تركه الأخصر، وأمّا التبعيض السابق فبالنسبة إلى فعله فإنه من البعض لا إلى الوجوب، ومن لم يفهم معزاه قال إنه خطأ إذ غير عبارة الكشاف وانّ أوّل كلامه لا يناسب آخره فتأمّل. قوله: (وعطف الأمر بالمعروف الخ) يعني أنه من عطف الخاص على العامّ للنكتة المعروفة فيه، وفي النهي أيضا دعوة إلى الخير، وهو الكف عن المنكر، وقيل عليه ليس الآية منه لأنه ذكر بعد العام جميع ما تناوله إذ الخير المدعو إليه إمّا فعل مأمور أو ترك نهي لا يعدو واحدأ من هذين حتى يكون تخصيصهما بتمييزهما عن بقية المتناولات فالأولى أن يقال إنه ذكر الدعاء إلى الخير عاما ثم مفصلاَ لمزيد العناية به إلا أن يثبت ما يخص الأمر بالمعروف والضهي عن المنكر ببعض أنواع الخير، ولا أرا. ثابتاً وعلى ما فسر به المصنف رحمه الله مما يشمل أمور الدنيا وإن لم يتعلق بها أمر ونهي لا يرد عليه ما ذكر، وفيه نظر لأنه يكون حينئذ أعمّ من فرض الكفاية. قوله: (المخصوصون بكمال الفلاح) إشارة إلى الحصر المستفاد من الفصل(3/52)
وتعريف الطرفين أو أنه باعتبار الكمال إذ قد يوجد الفلاح في غيرهم، وقوله: (روي الخ) أخرجه أحمد وأبو يعلى والخير والفلاح متقاربان، فإن قلت الحديث لا يدلّ على أنه الآمر بالمعروت والناهي عن المنكر بل مع التقوي ووصل الرحم قلت أجيب بأنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يستدعي ذلك أو هو داخل في الدعاء إلى الخير وفيه نظر. قوله: (والنهي عن المنكر الخ) قيل: عليه أن المكروه منكر شرعا والنهي عنه مندوب فلا وجه لما قاله، وقيل: لو فسر المنكر بما يعاقب عليه كما أنّ المعروف ما يثاب عليه لتم الكلام ولا يخفى أنهما ليسا على طرفي نقيض. قوله: (والآظهر أنّ العاصي يجب أن ينهي المخ) وإن كان ظاهر قوله تعالى:
{لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ} [سورة الصف، الآية: 2] يدل على خلافه لأنه صؤوّل بأنّ المراد نهيه عن عدم الفعل لا عن القول لأنّ الواجب عليه نهى كل فاعل وترك نهي بعض وهو نفسه لا يسقط عنه وجوب نهي الباقي ولأنه نهى عن الكذب لا عن النهي مع عدم الفعل المتبادر منه. قوله:) والأظهر أنّ النهي فيه مخصوص الخ) التخصيص المذكور مأخوذ من التشبيه وقيل إنه شامل للأصول والفروع لما نرى من اختلاف أهل السنة فيهما كالماتريديّ والأشعري، وإنما النهي عن الاختلاف فيما ورد فيه نص من الشارع أو أجمع عليه. قوله: (اختلاف أمتي رحمة) قال السيوطيّ رحمه الله: عزاه الزركشيّ في الأحاديث المشتهرة إلى كتاب الحجة لنصر المقدسي لدون سند، ورواه الطبراني والبيهقي في المدخل بسند ضعيف عن ابن عباس رضي الله عنهما لال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " مهما أوتيتم من كتاب الله فالعمل به لا عذر لأحد في تركه فإن لم بكن ني كتاب الله فسنة مني ماضية فإن لم يكن سنة مني فما قاله أصحابي إن أصحابي بمنزلة النجوم في السماء فأيما أخذتم به اهتديتم واختلاف أصحابي لكم رحمة) وأخرجه ابن سعد لي طبقاته بلفظ كان اختلاف أصحاب محمد! ي! رحمة للناس ولفظ البيهقيّ لعباد الله، وروي عن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه ما سرّني لو أنّ أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لم يختلفوا لأنهم لو لم يختلفوا لم تكن رخصة ومنه تعلم أنّ المراد الاختلاف في الدين مطلقا لكن المراد اختلاف الصحابة، والمجتهدين المعتدّ بهم وعلماء الدين الذين ليسوا بمبتدعين هذا هو الحق الذي لا محيد عنه، فما قيل: إنه لا يعرف له سند صحيح ولا ضعيف ولا موضوع وإنما وقع في كلام بعضهم فظن حديثا وفسر باختلاف الهمم والحرف! الا فهو مخالف لنصوص الآيات
والأحاديث كقوله تعالى: {وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ} [سورة هود، الآية: 118] ونحوه قوله عليه الصلاة والسلام: " لا تختلفوا فتختلف قلوبكم " وغيره من الأحاديث الكثيرة والذي يقطع به أنّ الاتفاق خير من الخلاف لا وجه له، ولو كان المراد اختلاف الصنائع ونحوها لم يكن لقوله صلى الله عليه وسلم امتي وجه. قوله: (من اجتهد الخ) الأجران أجر الاجتهاد وأجر إصابة الحق وي الثاني أجر الاجتهاد فقط، وهو حديث صحيح أخرجه الشيخان وغيرهما، وهذا يقتضي أن المصيب واحد وهو الصحيح وليس كل مجتهد مصيبا كما ذهب إليه بعض أهل الأصول وقوله: وعيد ظاهر، والتهديد لأن التشبه بالمغضوب يستدعي الغضب وأولئك إشارة للذين تفرّقوا لا للمتشبهين بهم ولا للجميع كما قيل. قوله: (نصب بما في لهم من معنى الفعل الخ) أي الاستقرار أو اذكر مقدراً، وفيه وجوه أخر ذكرها السمين وغيره فقيل العامل فيه عذاب وضعف بأن المصدر الموصوف لا يعمل وقيل عظيم، وأورد عليه أنه يلزم تقييد عظمته بهذا اليوم، وردّ بأنه إذا عظم فيه وفيه كل عظيم ففي غيره أولى وبأنه ليس المراد التقييد، والكآبة بالمد الحزن وقوله: يوسم من الوسم وهو العلامة. قوله: (على إرادة القول الخ (جواب عما يقال إن جواب أمّا لا يترك فيه الفاء إلا في ضرورة الشعر فكيف حذفت هنا فأجابوا عنه بأن الممنوع حذفها وحدها، وأمّا مع القول بطريق التبعية فشائع سائغ حتى قيل إنه البحر حدث عنه ولا حرج لأنه لما كثر حذف القول استتبعها ولا يرد عليه أنه لا يلزمه استتباعها كما في قوله تعالى: {وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ} لأن المراد أنه يقال لهم ذلك لأن هذه الفاء ليست الجوابية بل مما في حيزها إذ التقدير فيقال لهم أفلم تكن آياني تتلى(3/53)
عليكم وإنما أورده صاحب أسرار التنزيل لأنه أديب لا يعرف النحو كما قاله أبو حيان: وأطال فيه والاستفهام للتوبيخ وهو حكاية لما يقال لهم فلا التفات فيه كما قيل وقوله: (أقرّوا به) أي
بالإيمان بالله في عالم الذرّ أو المراد بالإيمان الإيمان بالقوّة والفطرة، وحمل الأمر على الإهانة لتقرّره وتحققه. قوله: (بسبب كفركم الخ (التأويلان بناء على أنّ الأعمال سبب له أو أنه يقع في مقابلتها من غير نظر إلى التسبب فعلى الأوّل الباء سببية وعلى الثاني للمقابلة نحو بعته بكذا وليست بمعنى اللام كما توهم. قوله (يعني الجنة الخ) جعل الرحمة بمعنى الجنة من التعبير لالحال عن المحل والظرفية حقيقية، أو بمعنى الثواب فالظرفية مجازية كما هي في نعيم وعيش رغد إشارة إيى كثرته وشموله له شمول الظرف، وأمّا الرحمة التي هي صفة ذاتية فلا يصح فيها الظرفية، ويدل على هذا التفسير مقابلتها بالعذاب ومقارنتها للخلود، وهذا مجاز نكتته ما ذكره وكان حقه التقديم لشرفه ولكن أخر لما ذكر ومطلعه يأيها الذين آمنوا ومقطعه آخره ومحل انقطاعه فالكلام فيه لف ونشر غير مرتب لهذه النكتة الجليلة، وإنما قال أخرجه مخرج الاستئناف لأنه للتأكيد معنى وإن كان استثنافا ظاهراً. قوله: (إذ يستحيل الظلم منه الخ) الاستحالة مأخوذة من نفي إرادته دونه، أو المراد أنه ثابت بالدليل المذكور وهو إشارة إلى دفع ما يتوهم من أن نفي الشيء يقتضي إمكانه في الجملة بأنه نفي وان كان مستحيلاكما في نحو لم يلد ولم يولد وقوله لا يحق أي لا يجب عليه شيء حتى يكون تركه كله أو بعضه ظلمآ ولا يحول بينه وبين ما يريد شيء حتى يظلمه بالأخذ منه لأنه المالك المطلق، وقيل: المراد لا لريد ما هو ظلم من العباد لأنّ المقام مقام 0 أنه لا يضيع أجر المحسنين ولا يمهل الكافرين وأنه المجازيّ ولا يخفى أنّ سوق الكلام يخالفه كما صرح به النحرير وقوله: (فيجازي الخ (بيان لارتباط الكلام بعضه ببعض. قوله: (دل على خيريتهم فيما مضى الخ) يعني أنها كان الناقصة ولا دلالة لها على غير الوجود في الماضي سواء انقطع أو دام فقوله: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ} لا يشعر لانهم الآن ليسوا كذلك، وهذا بحسب الوضع وقد يستعمل للأزلية في صفاته تعالى وقد
يستعمل للزوم الشيء وعدم انفكاكه نحو وكان الإنسان أكثر شيء جدلاً ولا فرق فيها بين ما مضى بزمان كثير أو قليل ولو آنا وقيل إنها تدل على الانقطاع كغيرها من الأفعال الماضية وهو قول لبعض النحاة، والمراد بما بين الأمم أنه في علمه معروف بينهم. قوله: (اسئناف الخ) بيان لترك العطف كأنه قيل لم كنا خير أمّة فقال: تأمرون الخ وقيل إنه صفة ثانية لأمّة ووجه تضمن الإيمان ما عداه أنه التصديق به في ذاته وصفاته وأفعاله وأحكامه فيلزمه الإيمان بجميع ما جاء منه وثبت أنه حكمه والدليل عليه، قوله تعالى: {وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ} اسورة آل عمران، الآية: 110] مع إيمانهم بالله كما في الكشاف، ولما ذكره المصنف. قوله: (وإنما أخره الخ) كان حقه أن يقدم لشرفه فلما أخر على خلاف المتبادر حرك الذهن إلى أن ينظر لوجهه فهو حينئذ تلويح إلى مكان التعليل لأنه من الإخبار عن حصول الجملتين وتفويض الترتيب إلى الذهن ولو قدّم لم يتنبه لهذه النكتة كذا فسره الطيبي فتأمّله. قوله: (واستدل بهذه الآية على أن الإجماع الخ) أي إجماع هذه الأمّة لأنها لا تجتمع على الضلالة كما نطق به الحديث، ودلت عليه هذه الآية بالالتزام لأنهم إذا أمروا بكل معروف ونهوا عن كل منكر لم يمكن اجتماعهم على منكر، والا لم ينهوا عنه لاتفاقهم عليه، وإنما كان للاستغراق إذ لا يصح إرادة معروف ومنكر معين ولا ترجيح لبعضه على بعض فليس الحديث دليلاً آخر كما توهم، ولو قيل قدّم الأمر بالمعروف وأخا. اهتماما وليرتبط الإيمان بما بعده صح، وهو وجه آخر وقوله: فلو اجتمعوا في نسخة أجمعوا وهما بمعنى. قوله: (إيماناً كما ينبغي الأنهم مؤمنون بزعمهم والخيرية فيما هم عليه خيرية دنيوية كالرياسة أو فرضية وقوله: (وهذه الجملة الخ) يعني منهم المؤمنون وما عطف عليه، ولن يضروكم وما عطف عليه للاستطراد وهو أن يذكر في أثناء الكلام ما يناسبه وليس السياق له، والفرق بينه وبين الاعتراض مرّ الكلام فيه ولذا لم يعطفا على الجملة الشرطية قبلهما أعني ولو آمن لأنها معطوفة على كنتم خير أمّة مرتبطة بها على
معنى، ولو آمن أهل الكتاب كما آمنوا وأمروا بالمعروف كما أمروا لكان خيرا لكم، وإنما لم يعطف الاستطراد الثاني(3/54)
على الأوّل لتباعدهما وكون كل منهما نوعا من الكلام، والأذى إنما لستعمل في الضرر اليسير كما يشهد به الاستعمال، وتولية الإدبار جمع دبر كناية عن الانهزام معروفة. قوله: (ثم لا يكون أحد ينصرهم الخ) العموم مأخوذ من ترك الفاعل، وقوله: ما يكون بقول هو الأذى بتفسيره السابق، والدبرة بسكون الباء الانهزام، وعاقبتهم مأخوذ من ثم والعجز مأخوذ من النصرة لأنّ المحتاج إليها عاجز وعلى هذه القراءة الجملة معطوفة على جملة الشرط والجزاء، وثم فيه للترتيب والتراخي الإخباري ولو حملت على الحقيقي لأنّ النصرة ممتدة فهي باعتبار ما بعد الأوّل متراخية صح وكذا في القراءة الأخرى. قوله: (على أنّ ثم للتراخي في الرتبة الا في الزمان لمقارنته لا في الوجه الأوّل كما مرّ والزمخشرقي، وإن نص على أنها كذلك في الوجه الأوّل لكن تفاوت الرتبة ثمة بين الإخبارين وهنا بين الخبرين وهو المتبادر عند الإطلاق فلا فرق بين كلاميهما كما توهم وتقييده بقتالهم لترتبه عليه ترتب الجزاء على الشرط وكونها من المغيبات مشاهد. قوله:) هدر النفس والمال الخ) فسره به لأنه لا ذل فوقه وقدمه لأنّ قوله: {إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنْ اللهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ} يقتضيه بحسب الظاهر، وضرب الذلة على تشبيهها بالقبة استعارة بالكناية واثبات الضرب تخييل أو تشبيه إحاطتها واشتمالها عليهم به استعارة تبعية وجعل النحرير: هنا كونه كناية كما في:
في قبة ضربت على ابن الحشرج
وهم فاسد ومرّ تحقيقه في البقرة وستأتي أشارة المصنف إليه في ضرب المسكنة. قوله:) استثناء من أعئم عامّ الأحوال (قالوا: إنّ هذه الإضافة من قبيل حب رمان زيد حيث لا رمان فإن المقصود إضافة الحب المختص بكونه للرمان إلى زيد وكون القصد إلى إضافة أعمّ العامّ الذي لا أعم منه في الجنس الذي منه الاستثناء من الفاعلية أو المفعولية أو الحالية أو نحوها لا إضافة العام، ومثاله ابن قيس الرقيات فإن الملتبس بالرقيات ابن قيس لا قيس وفي مثل هذا لا بد من ذكر المضاف والمضاف إليه ثم الإضافة، وتحقيقه أن مطلق الحب مضاف إلى الرمان
والحب المقيد بالإضافة إلى الرمان مضاف إلى زيد ولا يصح جعل عام الأحوال! من قبيل جرد قطيفة لإفراده، ثم لما كان الاستثناء مفرّغا وهو لا يكون من غير الموجب إلا عند استقامة المعنى بالعموم أشار إلى توجيهه بما ذكر وهو يرجع إلى التأويل بالنفي أي لا يسلمون من الذلة إلا في هذه الحالة، وقوله: بذمّة إشارة إلى أن الحبل مجاز عن الذمّة المتمسك بها والتفسير الأوّل راجع إلى تفسير الذلة الأوّل والثاني إلى الثاني، وأشار بقوله: في عامّة الأحوال إلى الأعم المقدر المستثنى منه حالة الاعتصام. قوله: (رجعوا به الخ) إشارة إلى أن أصل معنى باء رجع وأن الرجوع به كناية عن استحقاقه واستيجابه من قولهم باء فلان بفلان إذا كان حقيقاً أن يقتل به أي صاروا أحقاء بغضبه وهو إرادة الانتقام منهم، وأمّا تفسيره في الحديث بالإقرار فمجاز. قوله: (ذلك إشارة إلى ما ذكر) إشارة إلى توجيه إفراده، وكون قتل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ليس حقا في اعتقادهم مرّ تحقيقه وجعل ذلك الثاني إشارة للكفر والقتل لقربه فلا يتكرّر، وقوله: وقيل إشارة إلى مرجوحية هذا بسبب تكرير ذلك وقوله: (معلل ومسبب) تفنن في العبرة وقوله: (في المساوي) متعلق بسواء، وأورد عليه أن الظاهر ترك كما في الكشاف لإيهامه أن يكون لكل منهم مساو لكن بعضهم أكثر من بعض فيها، والفائمة من قام اللازم بمعنى استقام والآناء الساعات مفردها قيل إني بوزن عصا وقيل إني كمعي، وقيل: إني بفتح فسكون أو كسر فسكون وقيل أنو فالهمزة منقلبة عن واو أو ياء وهو منصوب على الظرفية متعلق بيتلون أو بقائمة. قوله: (عبر عنه الخ (ضمير عنه للتهجد أي عبر عن صلاة الليل بالتلاوة والسجود، لأنه أبين أركانها المميزة لها عن العادة إذ صلاتها جهرية وأبلغ في المدح مما لو عبر بالتهجد لاحتمال معناه اللغوي لأنه تصوير لها بأحسن هيئة. قوله: (لما روي الخ)
أخرجه ابن حبان والنساتي ولعل المحدثين فهموا منه ذلك لقرينة أو رواية فيه، والا فقد قيل إنه لحتمل أنّ أهل الكتاب يصلونها ولكن لا يؤخرونها لذلك الوقت وقوله: " غيركم منصوب خبر ليس ومن أهل الآديان حال من أحد مقدّم عليه وجملة يذكر الله صفتة ومنحرفون الخ " مأخوذ من قائمة وغير متعبدين مأخوذ من جملة يتلون، وملحدون في صفاته من يؤمنون بالله واليوم(3/55)
الآخر، والمداهنة المداراة مجازاً من الدهن من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهكذا وقوله: الموصوفون بتلك الصفات مرّ تحقيقه في أولئك هم المفلحون، وقوله: رضاه وثناءه إشارة إلى أنّ المقصود المدح، ودلّ على الرضا واستحقاق الثواب الاتصاف بتلك الصفات السابقة. قوله: (فلن يضيع ولا يتقص الخ) يعني أنّ الكفران والشكر عبارة عما ذكر إذ لا نعمة لأحد عليه حتى تكفر أو تشكر وهو مجاز لا مشاكلة كما قيل، وقوله: البتة مأخوذ من لن فإنها لتأكيد النفي كما مرّ لكن الشكر ونقيضه يتعدى باللام على المشهور وهنا عدى لمفعولين نائب الفاعل والهاء لتضمينه معنى الحرمان ولو قصرت المسافة وجعل أوّلاً بمعنى الحرمان كان أولى، والقراءة بالغيبة بالنظر إلى أمّة وبالخطاب بالنظر إلى كنتم أو التفات. قوله: (بثارة لهم الخ) يعني في ذكر العلم بعد الصفات المذكورة إشارة إلى أنه علم حالهم ومجاهدتهم فيوفيهم أحسن ما عملوه، وفي وضع المتقين موضع الضمير إيذان بالعلة وأنه لا يفوز عنده إلا أهل التقوى فقوله: ( {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ} الخ) مؤكد له ولذا فصل. قوله: (من العذاب الخ) الغناء لالفتح مصدر أغني أي أجزاه كما في الصحاح فشيئاً مصحدر لأنه لازم ومن للبدل أو الابتداء أو هو مضمر معنى الدفع والمنع وشيئاً مفعول به، والصاحب ليس هنا بمعناه اللغوي بل العرفي
وهو الملازم. قوله: (ما ينفق الكفرة الخ (خص السمعة والمفاخرة بالكفرة لأنهما شأنهم وهم مجاهرون الكفر فلا يراؤون، وأمّا المنافقون فلا ينفقون على الكفرة وإنما ينفقون على المسلمين وذلك إما رياء أو خوف فلا معنى لما قيل لا وجه للتخصيص المذكور. قوله: (برد شديد الخ (أصل الصر كالصرصر الريح الباردة فيكون معنى النظم ريح قيها ريح باردة، وهو كما ترى يحتاج إلى التوجيه فقال في الكشاف فيه أوجه.
أحدها: أنّ الصزفي صفته الريح بمعنى الباردة فوصف بها القرّة بمعنى فيها قزة صرّ كما
تقول برد بارد على المبالغة.
والثاني: أن يكون الصرّ مصدراً في الأصل بمعنى البرد فجيء به على أصله.
والثالث: أن يكون من قوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [سورة الأحزاب، الآية: 21] يعني أن الصرّ صفة بمعنى بادر موصوفه محذوف أي برد بارد فهو من الإسناد المجازي كظل ظليل وفيه يعد لأن المعروف في مثله ذكر الموصوف، وأمّا حذفه وتقديره فلم يعهد أو هو مصدر حقيقة بمعنى البرد، واستعماله بمعنى البارد مجاز وهنا جاء على الأصل وهو أظهر الأجوبة أو هو صفة واردة على التجريد كقوله: وفي الرحمن كاف أي هو كاف وجعله بعضهم أحسن الوجوه، والمصنف رحمه الله تركه واقتصره على الأوّلين هـ قوله: (والمراد تشبيه الخ) يعني خص الحرث بحرث من ذكر، والا فكان يكفي في التشبيه كمثل حرث لأنه يقتضي أنّ إهلاكه عن غضب من الله وهو أشذ ولأنّ المراد عدم الفائدة في الدنيا والآخرة وإنما هو في هلاك ما للكافر، وأما غيره فمثاب على ما هلك له لصبره عليه فلا يضيع ذلك بالكلية كما صرّح به في الكشاف، وبحرث كفار إشارة إلى أن المراد بالظلم الكفر، واستأصلته بمعنى قلعته بأصله وأفنته وجعله من التشبيه المركب ولا يلزم فيه أن يكون ما يلي الأداة هو المشبه به كقوله تعالى: {إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ} [سورة يونس، الآية: 24] وقد مرّ في قوله تعالى: {أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ السَّمَاء} أسورة البقرة، الآية: 9 ا] وأن تقدير ذوي إنما
هو لضرورة مرجع الضمير وأنه إذا صرّح بتشبيه المثل بالمثل لزم أن يراعي فيما يضاف إليه المثل من الجانبين المماثلة ولذا قدر في هذه الآية المهلك أو الإهلاك على أنه من المركب الحسيئ أو العقليّ، والوجه قلة الجدوى والضياع، ويجوز أن يكون من التشبيه المفرد فيشبه إهلاك الله بإهلاك الريح والمنفق بالحرث وجعل الله أعمالهم هباء بما في الريح الباردة من جعله حطاما ومهلك على صيغة المفعول. قوله: (وقرئ ولكق الخ) وتقديم أنفسهم على القراءتين للفاصلة لا للحصر والا لا يتطابق الكلام لأنّ مقتضاه ما ظلمهم الله ولكن هم يظلمون أنفسهم لا أنهم يظلمون أنفسهم لا غيرهم، وعلى قراءة التشديد أنفسهم اسمها وجملة يظلمون خبرها والعائد محذوف تقديره يظلمونها وليس مفعولاً مقدماً واسمها ضمير الشأن لما ذكر وقوله: (ولكن الخ) من قصيد للمتنبي يمدح بها سيف الدولة أوّلها:
لعينيك مايلقي الفؤادومالقي وللحبّ مالم يبق مني ومابقي(3/56)
ومنها:
وماكنت ممن يدخل العشق قلبه ولكن من يبصرجفونك يعشق
ومن شرطية لجزمها الفعل، ولا تدخل عليها النواسخ لصدارتها ولأنها تبقى بلا خبر. قوله: (وليجة وهو الذي الخ) الوليجة من الولوج فهي ما كان داخل الشيء كالبطانة التي تلي الجسد فاستعيرت لمن اختص بك بدلالة قولهم ليست فلانا إذا اختصصته، والشعار بالكسر اللباس الذي يلي الجسد لأنه يلي شعره والدثار هو اللباس الذي يكون فوقه، وسمي شعاراً لأنه علامة لصاحبه وقوله: (عليه الصلاة والسلام الخ) رواه الشيخان قاله صلى الله عليه وسلم حين فتح حنينا في حديث طويل أي أنهم الخاصة والبطانة وغيرهم العامة والدثار. قوله: (من دون المسلمين الخ (يعني الضمير للمسلمين ومن دونكم إمّ بمعنى غيركم لأنّ دون بمعنى غير كقوله تعالى: {أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِن دُونِ اللهِ} [سورة المائدة، الآية: 16 ا] أي غير الله أو بمعنى إلا دون والدني أي ممن لم تبلغ منزلته منزلتكم في الشرف والديانة. قوله: الا يقصرون الخ (يعني إلا لو التقصير والخيال الفساد مطلقا، وأصله الفساد الذي يلحق الحيوان فيورثه اضطرابا
كالمرض والجنون، يقال: ألى في الأمر بقصر الهمزة بوزن غزا قالوا: وأصله أن يتعدّى بحرف الجر فهو لازم فلدا قدره بتقدير اللام وفى فيكونان منصوبين على نزع الخافض، واليه ذهب ابن عطية أو متعد إلى مفعولين كما قالوا: لا آلوك نصحا وجهداً بمعنى لا أمنعكه ولا أنقصكه على التضمين لأنّ من قصر في حقك فقد منعك قال السمين رحمه الله والتضمين قياسيّ على الصحيح، وان كان فيه خلاف واه أو هو متعد إلى واحد وهو الضمير وخبالاً منصوب بنزع الخافض أي لا يألونكم في الخبال أو تمييز أو مصدر في موضع الحال ففيه ثلاث وجوه. قوله: (تمنوا عشكم وهو شدّة الضرر) .
قال الراغب في مفرداته: الودّ محبة الشيء وتمني كونه، ويستعمل في كل وأحد من المعنيين، والعنت من المعانتة كالمعاندة لكن المعانتة أبلغ لأنها معاندة فيها خوف هلاك، وعنت فلان إذا وقع في أمر يخاف منه الهلاك ويقال للعظم المجبور إذا أصابه ألم فهاضه قد أعنته، فمن قال الود أعثم من التمني لأنه في المحال أو المستبعد، ولذا اختير هنا عليه لأنه لا يناسب مقام التحذير لأنه إذا تصوّر بعدما يودّه من الوقوع هان عليه أن يعده غير معلوم فتفسيره به بعد عن التأمل لم يصب، وقوله: لا يتمالكون أنفسهم أي يملكون منعها مما جبلوا فإبداؤها للمسلمين على هذا، وهو أحسن من تفسير قتادة بإبداء بعضهم لبعض لأنه لا يناسب ما بعده وقوله: (ليس عن رؤية واختيار) بل فلتة ومثله يكون قليلا. قوله: (والجمل الآربع الخ) في الكشاف فإن قلت كيف موقع هذه الجمل، قلت: يجوز أن يكون لا يألونكم صفة للبطانة، وكذلك قد بدت البغضاء كأنه قيل بطانة غير آليكم خبالاً بادية بغضاؤهم، وأمّا قد بينا فكلام مبتدأ، وأحسن منه وأبلغ أن تكون مستاً نفات كلها على وجه التعليل للنهي عن اتخاذهم بطانة قيل يعني لا يألونكم، وقد بدت البغضاء، وقد بينا الآيات لظهور أن وما تخفى صدورهم حال وأن ودوا ما عنتم بيان وتأكيد لقوله: الا يألونكم خبالا (فحكمه حكمه ولذا لم يذكره عند تفصيل المواقع، وقيل: لأنه لما وقع بين الصفتين تعين أنه صفة وإنما كان أحسن ما في الاستئناف من الفوائد وفي الصفات من الدلالة على خلاف المقصود أو إيهامه لا أقل وهو تقييد النهي، وليس المعنى عليه، وأمّا على كلام المصنف فهي لا يألونكم ودّوا ما عنتم قد بدت البغضاء قد بينا لكم الآيات لا وما تخفى صدورهم لما مرّ فلا حاجة له إلى ما سبق من التوجيه
والحدس الظاهر عند التأمّل، وقوله: للتعليل أي لبيان وجه النهي كانه قيل لم نهيتم عنه، وليس المراد أنها كلها علة مستقلة ترك عطفها للاستقلال وقيل الأحسن أن يجعل كل مستأنفا عما قبله على الترتيب كأنه قيل لم لا نتخذهم بطانة فأجيب لأنهم لا يقصرون في إفساد أمركم فقيل: ولم يفعلون ذلك فقيل لأنهم يبغضونكم ولما ترتب كل على الآخر صح جعلها كلها علة للنهي عن اتخاذهم بطانة، وأورد عليه أنه لا يحسن في قد بينا إذ لا يصح تعليلاَ لبدوّ البغضاء ويصلح تعليلاً للنهي، وان كان الأحسن أن يكون ابتداء كلام فتأمل. قوله:) أي أنتم أولاء الخاطئون الخ) الخاطى بمعنى المخطئ هنا وإن قيل بينهما فرق وليس هذا محله وفي إعرابه مذاهب(3/57)
للنحاة أظهرها أن أنتم مبتدأ واسم الإشارة خبره والجملة بعده حال والعامل فيها ما في الإشارة أو التنبيه من معنى الفعل كما حقق في العربية لأنّ العرب قالوا ها أنت ذا قائما فصرّحوا بالحالية، وان كان المعنى على الإخبار بالحال لأنه المقصود بالاستبعاد ومدلول الضمير اسم الإشارة متحد، وقيل أنتم مبتدأ والجملة خبره نقله المعرب عن ابن كيسان وغيره، وأولاء منصوب على النداء أو الاختصاص وضعفوه بأنه خلاف الظاهر والاختصاص لا يكون باسم الإشارة، وقيل: هو مبتدأ وخبر وا) جملة مستأنفة للبيان وقال الرضي: ليس المراد من ها أنا وها أنت ذا تعريف نفسك أو المخاطب إذ لا فائدة فيه بل استغراب وقوع الفعل المذكور بعده منك أو من مخاطبك وأنه كان غير متوقع فالجملة لازمة لبيان الحال المستغربة ولا محل لها إذ هي مستأنفة.
وقال البصريون: هي حالية في محل نصب، وهي لازمة إذ هي المقصود الذي تتم به الفائدة وردّه بما بيناه في حواشيه قيل: فقد فات المصنف أرجح التوجيهات وهو كون يحبونهم جملة مستأنفة.
ولو قال أو خبر ثان لم يفته فلعله سبق قلم وما سوى الحال ابتداع منه منشؤه عدم الاطلاع ومتابعة العقل مع أنه لا يخفى حال الحال، ولا يخفى أنه مجازفة منه فإنّ المتقدّمين جوزوا في هذه الجملة الخبرية كما مرّ نقله.
ووجوه التركيب لا حجر فيها، وما ردّه الرضيّ هو الظاهر من كلام المعرب وما قاله بحث يظهر جوابه بالتأمل فلا تغترّ بالتجويز العقلي، وعلى أنّ المعنى تحبون هؤلاء يكون المشار إليه الكفار ويتغاير مدلوله ومدلول الضمير وقوله: (أوصلته) بناء على أن أسماء الإشارات تكون موصولة كما مرّ، وإذا عمل فيه معنى الإشارة فعاملهما بحسب التحقيق واحد
لأنه في معنى أشير إليكم في هذه الحالة، وسيأتي تحقيقه إن شاء الله تعالى فلا يرد أن اسم الإشارة خبر وعامله المبتدأ أو الابتداء وعامل الحال معنى الفعل فيه والإشارة للتحقير فاستعملت هنا للتوبيخ كأنه ازدرى بهم لظهور خطئهم، فافهمه. قوله: (بجنس الكتاب الخ) كله تأكيد للجنس لا للكتاب وكونه من قبيل الرجل أي الكامل كما قيل تعسف وكونهم لا يؤمنون بكتابكم مأخوذ من فحوى الكلام ومما بعده، وأشار بقوله: وأنكم تؤمنون إلى أنّ الجملة مؤوّلة بالاسمية ولذا قرنت بالواو، والمعروف فيه تقدير أنتم ولم يجعل معطوفا على ولا يحبونكم أو تحبونهم كما ارتضاه أبو حيان لأنه في معرض التخطئة، ولا كذلك الإيمان بالكتاب فإنه محض الصواب وان أعتذر له بأنّ المعنى يجمعون بين محبة الكفار والإيمان وهما لا يجتمعان لبعده والحالية مقرّرة للخطأ فتأمل. قوله: (وفيه توبيخ (أي في قوله: ها أنتم الخ لا في هذه الجملة فقط، كما توهم وقوله: لم يجدوا إلى التشفي سبيلاً المراد بالتشفي شفاء الصدر بنيل المراد، وعض الأنامل عادة النادم العاجز، فلذا فسره بما ذكر. قوله: (دعاء عليهم بدوام الغيظ الخ) هذا من الكناية لأنّ الموت على الغيظ يلزمه استمراره عرفا، ويلزم من ذلك قوّة الإسلام وتزايده عصراً بعد عصر قال النحرير رحمه الله: يشير إلى أنه من كناية الكناية غير مدعي موتهم بالغيظ بل ملزومه الذي هو دعاء ازدياد غيظهم إلى حد الهلاك وبه عن ملزومه الذي هو قوّة الإسلام وأهله وذلك لأنّ مجرّد الموت بالغيظ أو ازدياده ليس مما يحسن أن يطلب ويدعي.
(قلت) المجاز على المجاز مذكور، وأمّا الكناية على الكناية فنادرة وقد صرح بها السبكي في قواعده الأصولية ونقل فيها خلافا إلا أنه ما الفرق بين الكناية بوسايط والكناية على الكناية فإنه محتاج إلى التأمل الصادق ومن العجب ما قيل كونه دعاء عليهم مما اتفقت عليه كلمتهم وفيه خفاء إذ في الدعاء لا يخاطب المدعوّ عليه بل الله تعالى ويسأل منه ابتلاؤه، وهو غفلة عن قولهم قاتلك الله وقولهم دم بعز وبت قرير عين وغيره مما لا يحصى. قوله: (بمعنى قل لهم ذلك ولا تتعجب الخ (إن كان المخاطب بقل كل من يقف على الكلام فلا كلام في
كون التعجب على حقيقته وظاهره وان كان النبيّ يكتي! فهو خارج مخرح العادة مجازا والمراد منه تعظيم الله والنظر فيما تكل العقول عنه من دقائق علمه على ما حققه الزمخشرفي وغيره في قوله: {أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ} [سورة مريم، الآية: 38] كما سيأتي، ومن لم يتنبه لهذا قال النهي عن التعجب المذكور يفيد أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم لم يعلم اطلاعه على ما في الصدور فالوجه الأوّل وهو من قلة التدبر. قوله:(3/58)
(والمس مستعار للإصابة) أي فإنّ المس اللمس الخفيف فتجوّز به عما ذكر يعني أنهما بمعنى، وأنّ المغايرة بينهما للتفنن فلا يسأل لم عبر في أحدهما بالمس وفي الآخر بالإصابة، وقد سوّى بينهما في غير هذا الموضع كقوله: {إِن تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ} [سورة التوبة، الآية: 50] وقوله: {إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا} [سورة المعارج، الآية: 20] والأحسن ما قيل إنه للدلالة على إفرإطهم في السرور، والحزن لأنّ المس أقل من الإصابة كما هو الظاهر فإذا ساءهم أقل خير نالهم فغيره أولى منه وإذا فرحوا بأعظم المصائب مما يرثي له الشامت والحاسد فهم لا يرجى موالاتهم أصلا فكيف تتخذونهم بطانة فهذا أنسب بالمقام. قوله: (بفضل الله عز وجل وحفظه الخ (على الأوّل نفي الضرّ على ظاهره وعلى الثاني نفي عدم المبالاة به، وفي الكشاف هذا تعليم من الله، وارشاد إلى أن يستعان على كيد العدوّ بالصبر والتقوى، وقد قال الحكماء إذا أردت أن تكبت من يحسدك فازدد فضلا في نفسك، ومنه أخذ الشافعي رضي الله عنه توله:
إذا ما شئت إرغام الأعادي بلا سيف يسل ولا سنان
فزد في مكرماتك فهي أعدى على الأعداء من ثوب الزمان
وقد قيل عليه إنّ ما ذكر الحكماء معناه إنك كلما ازددت فضلاً في نفسك ازداد الحسود احتراقا بناء الحسد فكان هذا مقابلة له بالإيذاء والإضرار الأشد، وما في الآية أنك ببركة الصبر والتقوى لكونهما من محاسن الطاعات ومكارم الأخلاق تكون في كنف الله وحمايته من أن يضرك كيد عدوّ وتكلف الجواب بأن فضلا مطلق ينصرف إلى الكامل وهو التقوى وكذا الكبت محمول على ما هو من جهة الله لأنه أكمل من غيره والظاهر أنه تنظير له لاشتراكهما في المفع عن الاشتغال بالعدوّ بالاشتغال بالطاعة أو تكميل النفس كما أن في الأوّل كفاية الله وفي الثاني كفاية بهلاك العدوّ. قوله: (وضمة الراء الخ) أي لاتباع ضمة الضاد كما تقرّر في المجزوم
والأمر المضاعف المضموم العين والجزم مقدر، ويجوز الفتح للخفة والكسر لأجل تحريك الساكن فلا حاجة إلى ما قيل إنه مرفوع بتقدير الفاء. قوله: (واذكر الخ) إشارة إلى ما مز في أمثاله وقوله: من حجرة عائشة رضي الله عنها إشارة إلى أنه على تقدير مضاف إذ المعنى من عند أهلك، وقراءة اللام شاهدة لأنه بمعنى تهيئ وتسوى المعدى بها إذ ليس محل التقوية والزيادة غير فصيحة في مثله، والمقعد والمقام محل القعود والقيام، ثم توسع فأطلقا بطريق المجاز على المكان مطلقاً وان لم يكن فيه قيام وقعود وقد يطلق على من به كقولهم المجلس السامي والمقام الكريم. قوله:) سميع لأقوالكم عليم بنياثكم) إن كان سميع وعليم كرحيم من صيغ المبالغة الملحقة باس الفاعل كما ذكره سيبويه فهذا بيان لتقدير معموله واللام للتقوية كما صرح به قوله: {إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاء} أسورة إبراهيم، الآية: 39] دمان كانا صفة مشبهة فلا عمل لهما في المفعول، فهذا بيان لمحصل المعنى والحديث المذكور رواه ابن جرير والبيهقيّ من طريق ابن إسحق، وقوله: شرّ محبس أي أخبث مكان يقيمون به إذ لا ماء فيه ولا طعام والإشارة إلى الخروج رأيه والقول به والأصل فيه التعدي بعلى والبقر الجماعة المقاتلة لأنها معدة للعمل وقوله: (أوّلتها خيراً (لم يذكره لأن المراد كثرة الشهداء، وجعله خيوا لما فيه من الأجر العظيم، وذباب السيف طرنه والثلم بالمثلثة الكسر وقوله: (فأوّلته هزيمة) في
النهاية فأوّلته أن يصاب رجل من أهلي فقتل حمزة وادخال يده في الدرع تحصين أصحابه بها دونه لأنه معصوم، ولهذا لم يقل لبستها. قوله:) فلما رأوا ذلك) أي ما صنعه النبيّ صلى الله عليه وسلم، ولأمته بالهمزة وتبدل ألفاً بمعنى الدرع وقيل السلاح، والشعب بالكسر الطريق في الجبل وتشعبت الشيء بمعنى فرقته وجمعته ضد وعدوة الوادي بضتم فسكون جانبه وقوله عبد القه بن جبير هو ابن نعمان الأنصاري وهو الصحيح، ووقع في البخاري وفي الكشاف بجير وهو علم آخر وأمر بالتشديد أي جعله أميراً والنضح بالنبل الرمي مستعار من نضح الماء وقوله: (متعلق بسميع عليم) يعني على التنازع لا بهما معافان كانا صفتين فظاهر أيضا لأنها تعمل في الظرف والا فأظهر وليس المراد تقييد كونه سميعا عليما(3/59)
بذلك الوقت، وجناح العسكر جانبه وله جناحان وقلب وساقة ومقدمة، ولذا سمي خميسا، وقوله: في زهاء ألف بالمذ والضم أي مقداره، وهو مروفي عن السدفي، وقوله: لا ينبغي لنبيّ إذا لبس لأمته أي عزم أن يرجع، والشوط بشين معجمة وواو ساكنة وطاء حائط عند جبل أحد ومكانه القريب منه وأصل معناه المرّة من الجري فمن قال السوط: بالمهملات الخلط أي لما بلغوا مقام الخلط أي المحاربة ومخالطة العدوّ فقد خلط وقوله: انخزل ابن أبيّ أي انقطع ورجع لنفاقه وقوله:) أنثدكم الله) تسم أي أسألكم بالله والله منصوب والحيان المراد بهما الطائفتان السابقتان. قوله: (والظاهر أنه ما كانت عزيمة (أي أنّ الهمّ المذكور وتأنيث ضميره لمراعاة الخبر أي لم يكن ذلك عن عزم وتصميم على مفارقة النبيّ صلى الله عليه وسلم، ومخالفته لأنه لا يصدر مثله من مؤمن بل مجرّد حديث نفس
ووسوسة كما في قوله:
أقول لها إذا جشأت وجاشت مكانك تحمدي أو تستريحي
لأنّ من نصره الله وعصمه لا يثبت على مثل هذا العزم بل هو مخذول منافق، ولذلك
قال: منكم إشارة إلى أنهما من المسلمين، وقوله: ولا يتوكلوا على غيره الحصر من تقديم المعمول، وبدر اسم رجل من الجاهلية سمي باسمه بئر حفرها ثم سمي ذلك المكان جميعه به، وأذلة جمع قلة ولكونه مضاعفاً لم يجمع على ذلل ولا على ذلائل لأنه جمع كثرة وتفسيره الذلة بعدم العدة لأنه ليس بمعنى الذل المعروف، وبتقواكم باؤه سببية متعلق بأنعم، ومن نصره بيان لما، وقوله: أو لعلكم ينعم الله عليكم فهو كناية أو مجاز عن نيل نعمة أخرى توجب الشكر وقوله: وقيل بدل ثان والأوّل إذا همت، وعلى هذا فالقول المذكور بأحد، ولما كان النصر بالملائكة ببدر أشار إلى أنّ قوله هذا كان مشروطاً فيه الصبر والتقوى عن المخالفة فلذا لم يقع لتخلف شرطه. قوله: (وإنما جيء بلن الخ (لأنها لتأكيد النفي كما مرّ وهذا مذهب لبعض النحاة، وقوله: (بألف الخ) إشارة إلى التوفيق بين ما وقع في الآيات. وقوله: (للتكثير أو للتدريج) إشارة إلى الفرق بينهما كما مرّ. وقوله: (الزيادة) أي على الثلاثة آلاف بأن جعلها خمسة. قوله: (وهو في الأصل الخ) أي من فارت القدر إذا غلت، ثم استعمل للسرعة من غير ريث أي بطء من قولهم ريثما، والفوّارة القدر، وفوّارة الماء على التشبيه وتوصف به النار
والغضب مجازاً وقوله: بلا تراخ مأخوذ من الشرط ومسوّمين على الفتح بمعنى معلمين من السمة، وهي العلامة نقل أنهم كانوا بعمائم صفر وقيل على خيل بلق، وقيل: على خيل محزوزة الأذناب وعلى قراءة الكسر فالمعنى أنهم مسوّمين أنفسهم ومعلميها بعلامات، أو هما من الأسامة والمراد الإرسال لهم أو لخيلهم وقوله: إلا بشارة هذا يقتضي أنهم عرفوهم بإعلام النبيّ صلى الله عليه وسلم لهم بقوله: " تسوّموا " الحديث وهو حديث مرسل رواه ابن إسحق وغيره، وفيه أنه أوّل يوم وضعت فيه الصفوف، وأتا اطمئنان القلب فلا يقتضيه لأنه بكثرة الجند مطلقا وهو المراد من الأسباب، والحث على عدم المبالاة بالمتأخرين لتأييدهم بالملائكة بدلهم، وأقضية جمع قضاء بمعنى مقضيّ به وحمل الحكمة على فعله النصر على مقتضاها لأنه المناسب للمقام. قوله:) متعلق بنصركم الخ) فيكون في شأن بدر لما قتل فيه من المشركين فقطع طرف منهم وفز منهم قوم فكبتوا وهذا على تقدير أن يجعل إذ تقول ظرفاً لنصركم لا بدلاً من إذ غدوت لئلا يفصل بأجنبيّ ولأنه كان يوم واحد، وأما تعلقها بالنصر فهل العامل فيه النفي المنقوض بإلا أو النصر الواقع(3/60)
مبتدأ ظاهر كلام المصنف رحمه الله الثاني، وكلام الكشاف
الأوّل والألف واللام للعهد أي النصر الواقع في يوم بدو وسكت عنه الزمخشريّ، ولو حمل على الجنس لصح أي وما نصر الله إلا لإعزاز دينه وخذل أعدائه، وصناديد جمع صنديد وهو الرئيس، قال الطيبي: جعلهم أشرافا لأنه كان في الواقع كذا، وتنكير طرفاً يدل عليه وفي الأساس وهو من أطراف العرب أي أشرافها، وقيل: تخصيص الطرف لأنّ أطراف الشيء يتوصل بها إلى توهينه وازالته.
(قلت) كون الأطراف بمعنى الإشراف لتقدمهم في السير، ونحوه الأطراف منازل الأشراف، والناس تستعمله الآن لعكسه والكبت الغيظ والغنم المؤثر وقيل: إنّ كبته يكون بمعنى كبد. أي أصاب كبده كرآه بمعنى أصاب رئته وإنه مراد المتنبي بقوله:
لا كبت حاسداً وأرى عدوّاً كأنهما وداعك والرحيل
أي لا وجع كبده ورئته، وشبه الحاسد بالوداع لما فيه من زوال نعمة الوصال التي يتمناها الحاسد والعدوّ بالرحيل لأنه قاتل مبغوض، وهو معنى حسن، وإنما حمل أو على التنويع دون الترديد لأنهما وقعا. قوله: (عطف على قوله أو يكبتهم الخ (في الكشاف عطف على ما قبله منقوله ليقطع أو ليكبت ويحتمل عطفه على ينقلبوا وله وجه قال النحرير: وجه سببية النصر على تقدير تعلق اللام بقوله: وما النصر إلا من عند الله ظاهر، وأما على تعلقها بقوله: ولقد نصركم الله فلأن النصر الواقع من أظهر الآيات فيصلح سبباً للتوبة على تقدير الإسلام أو لتعذيبهم على تقدير البقاء على الكفر لجحودهم بالآيات وان أريد تعذيب الدنيا بالإسر فظاهر فإن قيل هو يصلح سبباً لتوبتهم، والكلام في التوبة عليهم قلنا يصلح سببا للإسلام الذي هو سبب التوبة عليهم فهو سبب لها بالواسطة. قوله: (ويحتمل أن يكون معطوفاً الخ) قال قدس سره: لما كان في وجه سببية النصر للتوبة والتعذيب خفاء وفي الفصل مع الاعتراض بعد ذهب بعضهم إلى أنه ليى معطوفا على يقطع بل بإضمار أن من عطف الفعل المضارع المنصوب على الأمر أو شيء وهو من عطف الخاص على العام، وفي كونه بأو نظر وذهب بعضهم إلى أنها بمعنى إلا أن وهو معروف في النحو، وقيل في الفرق بين العطف على الأمر وشيء أنّ الأوّل سلب توابع التوبة من القبول والردّ، توابع التعذيب من الخلاص والمنع من النجاة. والثاني سلب نفس التوبة والتعذيب يعني أنك لا تريد بالتوبة ما هو سبب التوبة عليهم
أعني الإسلام إذ لم يذكر توبتهم وقيل هذا إذا كان الأمر بمعنى الشأن، ولك أن تجعله بمعنى
التكليف والإيجاب أي ليس ما تأمرهم به من عندك، ولا يخفى ما في حمله على التكليف من التكلف. قوله: (روي أنّ عتبة بن أبي وقاص الخ) أخرجه عبد الرزاق وابن سعد وابن جرير عن قتادة وهو في الصحيح من حديث سهل بن سعد وليس فيه ذكر عتبة، وقوله: وكسر رباعيته بتخفيف الياء هي من مقدم الأسنان، وفيه تصريح بأنها لم تقلع من أصلها بل كسر طرفها وهو المصرّح به في السير، وإنما أوّل الظلم باستحقاق التعذيب لأنه المتفرّع على التعذيب، ولولاه لكان الظاهر العكس.
وقال النحرير رحمه الله: أنّ قوله:) شجه الخ) يشبه أن يكون وجها آخر في معنى (ليس
لك من الأمر) الخ وهو أنه نوع معاتبة على إنكاره فلاح القوم، وكذا القيل الآخر فإنه نهى له عسير أن يدعو عليهم، وقيل: هما لمجرّد بيان سبب النزول، وقوله: (قله الأمر كله الا لك فهو بيان لما قبله. قوله: (صريح في نفي وجوب التعذيب الخ) هذا ردّ على الزمخشرفي إذ قيده بما ذكر بقرينة ما قبله واستدل به على مذهبه من وجوب تعذيب العاصي واثابة المطيع، ولا يخفى أن التقييد خلاف الظاهر، وان تعليقه بمشيثته ناطق بالإطلاق، مع أنّ الآية في الكفار فكيف يستدل بها على إغراضه الفاسدة لكن العصبية تعمي وتصمّ، وقوله: فلا تبادر إلى الدعاء الخ مبنيّ على القيل الأخير. قوله: الأ تزيدوا زيادت مكرّرة) إشارة إلى أن التضعيف بمعنى التكرير مطلقا وعنب الخيل رحمه الله تعالى التضعيف أن يجعل الشيء مثلين أو أكثر وضعف الشيء مثله وضعفاه مثلاه وأضعافه أمثاله، وفي الكشف الضعف اسم ما يضعف الشيء كالثني، اسم ما يثنيه من ضعفت الشيء بالتخفيف فهو مضعوف على ما نقله الراغب بمعنى ضعفته(3/61)
وهو اسم يقع على العدد بشرط أن يكون معه عدد آخر فأكثر، والنظر فيه إلى ما فوق بخلاف الزوج فإنّ
النظر فيه إلى ما دون فإذا قيل ضعف العشرة لزم أن تجعلها عشرين بلا خلاف لأنه أوّل مراتب تضعيفها ولو قال له عندي ضعف درهم لزمه درهمان ضرورة الشرط المذكور كما إذا قيل هو أخو زيد اقتضى أن يكون زيد أخاه، وإذا لزم المزاوجة دخل في الإقرار، وعلى هذا له ضعفا درهم منزل على ثلاثة دراهم وليس ذلك بناء، على ما يتوهم أنّ ضعف الشيء موضوعه مثلاه، وضعفيه موضوعه ثلاثة أمثاله بل ذلك لأن موضوعه المثل بالشرط المذكور، وهذا مغزي الفقهاء في الأقارير والوصايا، ومن البين في ذلك أنهم ألزموا في ضعفي الشيء ثلاثة أمثاله ولو كان موضوع الضعف المثلين لكان الضعفان أربعة أمثاله ومنه يظهر أنه لا حاجة إلى اعتذار الأزهري رحمه الله عنهم بأنه على المتعارف العامي لأنه المعتبر في الأقارير ونحوها لا على الموضوع اللغوي، وكذلك ظهر أنه لو قال له على الضعفان درهم ودرهم أو الضعفان من الدراهم لم يلزم إلا درهمان كما لو قال هما الأخوان وكذلك لو قال: أعطه الضعفين كان أمراً بإعطاء زوجين وهذا معنى قول الراغب هو كالزوجين لأنّ كلا منهما يزاوج الآخر ويضاعفه، وظهر أنّ تفسير أبي عبيدة في قوله تعالى: {يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ} أي ثلاثة أعذبة كما ذكره الأزهري وأيده بأنها تؤتي الأجر مرتين فكيف يزاد في عذابها، وأن قوله: أولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا صحيح لتنزيله على عشرة الأمثال كما ذكره أيضا لأنه ليس مقصورا على مثل واحد كما مرّ، وحاصله أنّ تضعيف الشيء ضمّ عدد آخر إليه، وقد يزاد وقد ينظر إلى أوّل مرأتبه لأنه المتيقن ئم إنه قد يكون الشيء المضاعف مأخوذا معه فيكون ضعفاه ثلاثة وقد لا يكون فيكون اثنين وكل هذا موضوع له في اللغة لا عرف كما توهموه فاحفظه فإنه مما اضطرب فيه كلامهم. قوله: (ولعل التخصيص الخ) دفع لما يتوهم من أنه لم ينه عن الربا مطلقا بل إذا كان مضاعفا فأجاب بأنه وقع منهم كذلك فلذا خص ومثله لا مفهوم له، والطفيف بالطاء المهملة وفاءين القليل، وقيل: إن حرمته علمت من دليل آخر كاية وأحل الله البيع، وحزم الزبوا وقوله: راجين الفلاح إشارة إلى أنّ الرجاء منهم لا من الله وأنّ الجملة في موقع الحال، وقوله: بالتحرز متعلق باتقوا واشارة إلى أنّ التقوى بمعناها اللغوي وأنّ الكافرين وضع موضع المرابين للتغليظ والتهديد وأنّ إطلاقه عليهم لمشابهتهم لهم في تعاطي ما تعاطوه،
وجعلها مخلوقة معدة لهم إشارة لما ذكره، وترهيبا وترغيبا لف ونشر مرتب وعزة التوصل تستفاد من الترجي، ولما كانت المبادرة إلى ما يفعله المبادر أوّل المغفرة بما ذكر.. قوله: (وذكر العرض للميالغة الأنه أقصر الامتدادين، وزاد في المبالغة بحذف أداة التشبيه وتقدير المضاف فليس المقصود تحديد عرضها حتى يمتنع كونها في السماء بل هو كناية عن غاية السعة بما هو في تصوّر السامعين كذلك قال النحرير: وهو مناف لقول المصنف إنها خارجة عن هذا العالم، وما نقله عن ابن عباس رضي الله عنهما رواه ابن جرير. قوله: (وفيه دليل على أنّ الجنة مخلوقة) أي كما يدل عليه الفعل الماضي وكونها خارجة عنه لأنها أعظم منه فلا يمكن أن يكون محيطاً بها، وفيه نظر لأنه مبالغة ولم يقصد ظاهره كما مرّ والسرّاء الحالة التي تسرّ، وهي الرخاء والضراء التي تضرّ ضدّها فالمراد بهما ظاهرهما أو التعميم كما عهد في أمثاله، ويخلون بتشديد اللام من الإخلال. قوله: (الممسكين الخ (بين معناه وحقيقته، ولما كان الإمساك فعلا اختيارياً اقتضى أنه عن قدرة لا عن عجز لاً نه هو الممدوح، والحديث أخرجه أحمد وعبد الرزاق عن أبي هريرة رضي الله عنه، وفي ملء قلبه بما ذكره جزاء من جنس العمل. قوله: (التاركين الخ) المؤاخذة مفاعلة من أخذ والمراد المعاقبة المسببة عنه، والحديث
في الفردوس، وقوله: لا من عصم الله اسنثناء منقطع إن كانت القلة على ظاهرها ومتصل إن كانت بمعنى العدم، وكون بعض الخصائص في الأمم السالفة لا يقتضي تفضيلهم على هذه الأمة من كل الوجوه حتى يتكلف لتأويله بما لا طائل تحته وقوله: فعلة بالغة في القبح كالزنا جعل التاء أو التنوين للمبالغة، وخص الزنا بالتمثيل لأنّ سبب النزول كان ذلك كما ذكر. الواحدي رحمه الله. قوله: (بأن أذنبوا أيّ ذنب كان) فهو من ذكر العام بعد الخاص(3/62)
وعلى ما بعده هما متغايران وأو للتنويع على الوجوه، وأشار بقوله: تذكروا إلى أنه ليس المراد مجرّد ذكر اسمه كما أنه ليس المراد من الاستغفار مجرّد طلب المغفرة بل الندم والتوبة. قوله: (والمراد به وصفه سبحانه وتعالى بسعة الرحمة (سعتها تؤخذ من أنه لا يغفر جميع الذنوب إلا هو إذ يلزمه شمول المغفرة والرحمة وهو عين سعتها، فإن قلت: هذا ترديد بين الخاص والعام، وقد تقدم أنّ أولاً تعطف مثله فما وجهه، قلت: وجه بأنه ترديد بين فرقتين من يستغفر للفاحشة ومن يستغفر لأقي ذنب صدر عنه، وكم بينهما وكأنّ من خصصه احترز عن هذا، وكون الاستفهام نفياً يصحح الاستثناء المفرغ ظاهر، وأما احتمال أنّ الجملة حالية بتقدير قائلين فتعسف بارد. قوله: (ولم يقيموا على ذنويهم غير مستغفرين الخ) غير مستغفرين حال من الضمير في يقيموا والمجموع تفسير لقوله: ولم يصرّوا لأن الإصرار الإقامة على القبيح من غير استغفار ورجوع بالتوبة، وأمّا توهم أن عدم الاستغفار قيد في عدم الإصرار والمعنى لم يكونوا مصرين غير مستغفرين فلا طائل تحته كذا قال النحرير رحمه الله وقوله:) ما أصرّ من استغفر (الحديث أخرجه الترمذفي وأبو داود عن الصذيق رضي الله عنه. قوله: (وهم يعلمون حال الخ) قيل الحال بعد الفعل المنفيئ، وكذا جميع القيود قد تكون راجعة إلى النفي قيداً له دون المنفيّ مثل ما جئتك لاشتغالي بأمورك أو مشتغلا بها بمعنى تركت المجيء لذلك، وقد
تكون إلى ما دخله النفي مثل ما جئتك راكبا وما ضربت تأديبا، وهم يعلمون ليس قيداً للنفي لعدم الفائدة لأنّ ترك الإصرار موجب للأجر والجزاء سواء كان مع العلم بالقبح أو مع الجهل بل مع الجهل أولى وإذا قيد الفعل المنفيّ فله معنيان.
أحدهما: وهو الأكثر أن يكون النفي راجعا إلى القيد فقط ويثبت أصل الفعل، مثل ما
جئت راكبا بمعنى جئت غير راكب وقد ذكر في قوله تعالى: {لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا} [سورة الفرقان، الآية: 73] أنه نفي للصمم والعمي وأثبات للخرور وأنّ النفي إذا ورد على ذات مقيدة بالحال يكون إثباتا للذات ونفياً للحال، وهذا أيضا ليس بمراد إذ ليس المعنى على إثبات الإصرار ونفي العلم.
وثانيهما: أن يقصد نفي الفعل والقيد معاً بمعنى انتفاء كل من الأمرين مثل ما جئتك راكبا بمعنى لا مجيء ولا ركوب وهذا أيضاً ليس بمناسب إذ ليس المعنى على نفي العلم والإصرار أو بمعنى انتفاء الفعل من غير اعتبار لنفي القيد واثباته، وهذا هو المناسب في الآية أي لم يصرّوا عالمين بمعنى أنّ عدم الإصرار متحقق البتة، وعلى هذا ينبغي أن يحمل وحرف النفي منصت عليهما معا والحاصل أنّ النفي في الكلام قد يكودط لنفي القيد والمقيد بمعنى انتفاء كل من الفعل والقيد أو القيد فقط، وردّ بأنّ المعنى أنهم عالمون بقبحه وجزائه حتى لو ترك الإصرار لكل أو تنفر طبع لم يكن له جزاء لأنّ الجزاء على الكف لا على العدم والا لكان لكل أحد أجزية لا تتناهى لعدم قبائح لا تتناهى مما لا يخطر بباله وقد صرحوا به في الأصول فقوله: (وهم يعلمون) تقييد للمنفيّ والنفي راجع إلى الفيد يعني لم يكن لهم الإصرار مع العلم بالقبح لأنّ المصرّ مع عدم العلم بالقبح لا يحرم الجزاء وغير المصرّ للكسالة أو لعدم ميل الطبع لم يبلغه، وفيه بحث. قوله: (خبر للذين إن ابتدأت به) يعني أنّ في هذه الجملة إعرابين وفي كل منهما ما يعين ترك العاطف وقوله: (ولا يلزم الخ) ردّ على الزمخشريّ في زعمه أنها دالة على خلود العاصين ولا دلالة فيها كما ذكره المصنف رحمه الله، وهو الحق واستدل عليه بما مرّ في النار وقوله: (على الآوّل) أعني جعله خبرا وكلاما آخر، وأمّا إذا جعل بيانا لما قبله فلا يدل عليه لأنه بالغ في الأول في وصف مقرّهم بما ليس في هذه وقوله: (فصل آيتهم (بالتخفيف أي أتى بفاصلتها وآخرها وقوله: (مستوجبون لمحبة الله) أي مستحقون لها بالتفضل
والتكرّم منه فليس مخالفاً لمذهبنا والتخطي إلى التخصيص من كثرة التصدق، وكظم الغيظ، وتدارك التقصير بالتوبة والاستغفار وقدر المحذوف ذلك أي ما ذكر لأنه أشمل من تلك، والجزاء للمحسنين يكون زيلدة واضعافا بخلاف الأجر فإنه على قدر العمل. قوله: (وقايع الخ) السنن جمع سنة بمعنى طريقة وعادة، ومنه سنة النبيّ صلى الله عليه وسلم والمراد بها هنا الوقايع السالفة لأنها جارية على عادة الله.
وقال: في المفصل السنة بمعنى الأمّة من الناس وأنثد " البيت المذكور، وقد قالوا: إنه لا
دليل فيه لاحتماله المعنى المشهور وهو ظاهر، وقيل: السنن هنا بمعنى الأديان ولا(3/63)
يخفى نبوّ المقام عنه وان روّجه بعضهم.
قوله: (إشارة إلى قوله قد خلت الخ) يعني ذكر الوقايع السالفة للأمم المكذبة بيان لكم وكونه زيادة بصيرة وموعظة لأنّ المؤمنين متعظون متبصرون، وكونه للقرآن بعيد عن السياق ولذا أخره. قوله: (تسلية لهم عما أصابهم يوم أحد الخ (وتهنوا من الوهن، وهو الضعف وفيه إشارة إلى تعلقه بما سبق من قصة أحد معنى وإن كان ظاهر لفظه العطف على سيروا في الأرض فحديث الربا وما معه استطراد، والا فطريقة النظم فيها صعبة، وقيل: إنه إشارة إلى نوع آخر من عداوة الدين ومحاربة المسلمين، وقيل في ربطها: إنّ المشركين كانوا يرابون ويتقوّون بذلك على مصالح الحرب فربما هتم المسلمون بذلك فنهوا عنه، فلما قال له: ليس لك من الأمر شيء قيل له إله عما ذكر ولا يهمك ما قدر، والظاهر في وجه الربط أنهم نهوا عن التقيد بنموّ المال المانع عن الاشتغال به لأنه أنفع لهم في الدنيا بالغنائم ثم والنصر وفي الآخر فتأمل. قوله: إ وحالكم أنكم أعلى متهم شأنا (يعني أن هذه الجملة حالية واشترإكهم في
العلؤ بناء على الظاهر وزعمهم أو العلو بمعنى الغلبة والحرب سجال لكن العاقبة للمتقين، اتوله: {إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} ليس على ظاهره لأنّ إيمانهم مقرّر ثابت ولكنه تهييج لهم وتحريض، لذا قيل أنه تتميم كالتعليل لأنّ الخطاب مع الرسول عش! هـ وأصحابه رضي الله عنهم تسلية لهم عما أصابهم يوم أحد فلا يجري على ظاهره وكون الشرط للتعليل فائدة حسنة أشار إليها الرمخشريّ في قوله تعالى: {لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء} إلى قوله: {إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ} اصورة الممتحنة، الآية: ا] وابن عياش بعين مهملة وياء مثناة تحتية، وشين معجمة من القراء، إدوله: قبل أن يخالفوا أمر الرسول صلى الله عليه وسلم في اشتغال من خلفه بالغنائم الذي كان سبباً لما مز، االتداول التعاقب على أمر بأن يكون لهذا مرة وللآخر أخرى، ومنه أخذت الدولة. قوله: (أن! مسسكم قرح) قيل المضارع لحكاية الحال لأنّ المساس مضى، وأمّا استعمال إن فبتقدير كان افا إن كان مسكم قرح وأن لا تقلب كان لقوّته في المضيّ، أو على ما قيل إنها قد تعلق في أ) ! اضي من غير قلب. قوله: (فيوما الخ) بنصب يوما والذي ذكره النحاة رفعه وذكر ا) رمخشريّ في شرح أبيات الكتاب أنه من شعر للنمر بن تولب وهو ة
إن الناس قدأحدثواشيمة وفي كل حادثة مؤتمر
يهينون من حقرواشيه وان كان فيهم تقيا وبر ويعجبهم من رأوا عنده سواما وان كان فيه الغمر
فيالأبي الناس ولويعلمون للخيرخيروللشرشر
فيوم عليناويوم لنا ويوم نساء ويوم ئسز
قيل الأحسن أن يقدر فيوماً يكون الأمر علينا أي بالإضرار، ويوما لنا أي بالنفع ليكون
ط لم فاً ملائماً لقوله ويوما نساء من سيء فلان أصيب بحزن من ساءه أحزنه ويوما نسر من سره
جعله مسرورا وأنشده ابن مالك:
فثوب لبست وثوب أجر ويوم نساء ويوم نسر
على أنّ ثوب ويوم رفع بالابتداء بتقدير الوصف أي ثوب لي ويوم لنا والعائد من الخبر محذوف قال: والبيت لامرى القيس اهـ وفيه خلط في الرواية فإن المصراع الأوّل لامرى القيس من قصيدة معروفة وكان ابن مالك أشار إليه، والنحرير لم يتأمّل كلامه. قوله: (والمداولة كالمعاورة) النهاية يقال تعاور القوم فلانا إذا تعاونوا عليه بالضرب واحدا بعد واحد ثم عم للتعاقب مطلقاً كالتداول. قوله: (والأيام تحتمل الوصف والخبر) والبدل والبيان. وقوله: (ونداولها (يحتمل الخبر والحال لف ونثر مرتب، واليوم بمعنى الوقت لا اليوم العرفي وتعريفها للعهد، أي أوقات النصر تكون تارة لكم وتارة لغيركم واسم الإشارة مثار به إلى ما بعده كما في الضمائر المبهمة التي يفسرها ما بعدها نحو ربه رجلاً ومثله يفيد التفخيم والتعظيم كما في هذا فراق بيني وبينك، قال العلامة: في حواشيه قد تصوّر فراق بينهما(3/64)
عند حلول ميعاده وأشار إليه، وهذا يوضح ما مز من قوله: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [سورة البقرة، الآية: 43 ا] فتنبه له. قوله: (عطف على علة محذوفة الما كان الظاهر ليعلم بدون واو على أنه تعليل لما قبله احتاج للتأويل كما مرّ بأن يقدر معطوف عليه حذف لقصد الإبهام، وتكثير الفائدة أي تلك الأيام نجعلها دولاً لحكم وفوائد جمة وليعلم الخ فحذف العلة لا المعلل وقوله: إيذانا أي من أوّل الأمر والا فلو ذكر كذلك لدل على ما ذكر لكن في الحذف إيهام أنه مما يطول لتعدده ويقصر عنه البيان ولا يحيط به علم البشر واليه أشار بقوله: ما لا يعلم ولا شك أنّ فيه ما ليس في الذكر، وقيل: إنه معطوف على ما قبله باعتبار المعنى لأنّ معناه لجري عادتنا بذلك وليعلم. قوله: (أو الفعل المعلل به محذوف الخ) بخلاف الأوّل فإنه مذكور والمحذوف العلة فالعلم كناية عما ذكر لأنّ علمه بهم يستلزم وجودهم كذلك لا إنه مجاز عن التمثيل بطريق إطلاق اسم المسبب على السبب، وجعله الزمخشريّ تمثيلاً بتشبيه الحالة بالحالة، ومعناه فعلنا فعل من يريد أن يتميز الثابت عنده من غيره، وإنما لم يحمل الكلام على حقيقته لدلالته على أنّ العلم يحصل بعد الفعل وعلمه تعالى أزلي لا يتصف بالحدوث، ولو سلم فالعلم بالمؤمن والكافر حاصل قبل ذلك الفعل وقوله: (على حرف) أي غير ثابت كما سيأتي. قوله. (والقصد في أمثاله ونقائضه) أي إثبات العلم ونفيه كقوله: {وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ} الآتي يعني أنّ الغرض والحكمة في التعليل بحصول علمه المكنى به عن التمييز ليعلم الذين آمنوا وقوّة الثابتين على
الإيمان بطريق البرهان فإنّ علمه دليل على ثبوتهم، ولا يخفى أنه إمّا أن يكون المراد من إثبات
العلم إثباته في الخارج فيلزم أن يكون إثباته في الخارج أزليا وإلا لم يصح استدلاله من علمه
تعالى على ثبوته إذ صحة الاستدلال إنما هي بالاستلزام أو يكون المراد إثباته في علم الله، ولا
يخفى إنّ إثباته في علم الله وعلمه تعالى واحد فلا وجه للحكم بالقصد إلى الأوّل دون الثاني
وأجيب باختيار الأوّل ولا يلزم أزلية المعلوم في الخارج لأنّ المراد من العلم تعلقه الحادث
بالوجود الخارجي وبهذا سقط ما قيل: إنّ المثبت هنا هو التمييز لا المعلوم الذي هو
المؤمنون، ولا حاجة إلى أنّ المراد ليعلم الثابتون على الإيمان، والمقصود وليتحقق الثبات
على الإيمان بطريق البرهان والمراد بالتميز التميز في الخارج الذي هو كناية عن التحقق لا
التميز عند الله الذي هو لازم علمه وذلك في قوله: (فعلنا ذلك) إشارة إلى التداول المذكور في
قوله: وتلك الأيام الخ وقوله: (وقيل الخ) هو مختار الزمخشريّ وغيره أي المراد بالعلم تعلقه
التنجيزي المترتب عليه الجزاء قال الزجاح: المعنى ليقع ما علمناه غيبا مشاهدة للناس ويقع
منكم وإنما تقع المجازاة على ما علم الله من الخلق وقوعه لا على ما لم يقع وفي الانتصاف
التعبير عن نفي المعلوم بنفي العلم خاص بعلمه تعالى، وكلام الزمخشريّ يقتضي عدم
اختصاصه وهو الظاهر فتأمّل. قوله: (ويكرم ناساً منكم بالشهاد 3 اسخ) فشهداء جمع شيد بمعنى
فتيل المعركة وعلى ما بعده بمعنى شاهد وكنى بالاتخاذ عن الإكرام لأنّ من اتخذ شيئأ لنفسه
فقد اختاره وارتضاه كقوله: {وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي} [سورة طه، الآية: 41] لأن الشهيد مقرّب في
حظيرة القدس، وعلى الثاني فهو كقوله: {لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ} [سررة البقرة، الآية:
143] المعلل به وكذلك {جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [سورة البقرة، الآية: 143] أي خياراً حتى تكونوا
اصحاب عزم وصبر كما هنا بما يبتلى به صبرهم من الشدائد. قوله: (الذين يضمرون الخ)
أخذه من مقابلة المؤمنين بمعنى الثابتين على الإيمان وظاهرهم يوافق باطنهم، والقرينة عليه
سبب النزول من قصة ابن أبيئ المنافق وكذا تفسيره بالكافرين ووجه التنبيه ظاهر لأنّ المحب
انمر من أحبه وإذا لم يرد ذلك كان لا محالة استدراجاً. قوله: (ليطهرهم ويصفيهم) المحص
في اللغة تخليص الشيء عما فيه عيب يقال محصت الذهب إذا أزلت خبثه قال الراغب
ظ لتمحيص هنا كالتزكية والتطهير وفي الأدعية المأثورة اللهمّ محص عنا ذنوبنا وقوله الدولة قال
الراغب: بالفتح والضم بمعنى واحد، وقيل: هي بالضم في المال وبالفتح في الحرب والجاه، وقيل: بالضم اسم الشيء المتداول وبالفتح مصدر، ولما كان المؤمنون قد تمحص ما فيهم وتطهر، والكافرون خبث كلهم انمحقوا والمحق تنقيص الشيء قليلاً قليلاً ومنه المحاق. قوله: (بل أحسبتم) يعني أن أم منقطعة مقدرة ببل وهمزة الاستفهام الإنكاري، وقيل إنها متصلة وعديلها مقدر، وهو تكلف ولذا تركه المصنف رحمه(3/65)
الله وقوله: (ولما تجاهدوا) إشارة إلى ما مرّ أنّ نفي العلم عبارة عن نفي المعلوم وتجري فيه الوجوه الأخر قبله وفي رمز إلى ترك الرياء وأنّ المقصود من الفعل علم الله لا الناس، ووجه الدلالة على أنه فرض كفاية من من التبعيضة وفي بعض النسخ ولما يجاهد بعضكم. قوله: (والفرق بين لما ولم الخ) أي النافيتين الجازمتين قال الزجاح: إذا قيل قد فعل فلان فجوابه لما يفعل، وإذا قيل فعل فلان فجوابه لم يفعل، وإذا قيل: لقد فعل فجوابه ما فعل كأنه قال والله لقد فعل فقال المجيب: والله ما فعل، وإذا قيل هو يفعل يريد ما يستقبل فجوابه لا يفعل، وأذا قيل سيفعل فجوابه لن يفعل فلا عبرة لإنكار أبي حيان التوقع في لما ومن فتح الميم جعله مؤكداً بنون خفيفة محذوفة في الدرج كقوله:
إذا قال قدني قال بالله حلفة لتغني عني ذا أنائك أجمعا
على رواية فتح اللام وحذفها جائز قيل مطلقا، وقيل بشرط ملاقاة ساكن بعدها، وقيل:
إنّ فتح الميم اتباع للام في تحريك أحد الساكنين ليبقى تفخيم اسم الله ولم يرتكب هذا فيما بعده لبعده. قوله: (نصب بإضمار أن) نصب أمّا مصدر أو ماض مجهول والناصب له أن المصدرية على الصحيح، وقيل: الواو وتسمى واو الصرف وجوّز فيه الوجه السابق في ولما! يعلم وعلى قراءة الرفع قيل هو مستأنف، وقيل: حال بتقدير مبتدأ أي وهو يعلم الصابرين واليه أشار بتأويلها بالاسمية. قوله: (أي الحرب فإنها من أسباب الموت الخ (فالتمني للحرب لا للموت فإنه لا يطلب الدعاء به كما صرحوا به أو إنه جائز لا مطلقاً بل بتمني الشهادة، ولا يرد عليه أنّ في تمنيها تمني غلبة الكفرة لأنّ قصد متمني الشهادة الوصول إلى نيل كرامة الشهداء لا
غير، ولا يذهب إلى ذلك وهمه كما أن من يشرب دواء النصراني يقصد الشفاء لا نفعه ولا ترويج صناعته، لأنّ غلبة الكفرة لا يكون بموت واحد، وقد وقع هذا التمني من عبد الذ بن رواحة من كبار الصحابة رضوان الله عليهم ولم ينكر عليه، وأشار فيما سيأتي إلى جواب آخر وهو أن المقصود توبيخهم على ذلك، والمسنون فيه أن يقول اللهم أحيني ما علمت الحياة خيراً لي وأمتني ما علمت الممات خيراً لي كما صرح به الفقهاء. قوله: (أي فقد رأيتموه معاينين له الخ) قال الزجاج: رأيتموه وأنتم بصراء كما تقول رأيت كذا وليس في عيني علة أي رأيته رؤية حقيقية أي فهي حال مؤكدة مقترنة بالواو كما مرّ تحقيقه، والتعبير بالرؤية دون الفعل كناية عن انهزامهم وقد شاهدوا من قبل بين أيديهم ففيه توبيخ لهم على ذلك أو على تمني الشهادة وهم لم يثبتوا حتى يستشهدوا. قوله: (فسيخلو كما خلوا بالموت أو القتل) الذي توهموه، ولو تركه كما في الكشاف لكان أولى لكن هذا مناسب لقوله أو قتل. قوله: (إنكار لارتدادهم الخ (والارتداد مأخوذ من قوله: {انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ} لأن معناه رجعتم إلى ما كنتم عليه من الكفر وليس ارتداداً حقيقة وإنما هو تغليظ عليهم فيما كان منهم من الفرار والانكشاف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم واسلامه لهم ولذا فسر الانقلاب بالأدبار أو الإنكار هنا بمعنى أنه لم يكن ذلك ولا ينبغي لا إنكار لما وقع أو هو إخبار عما وقع لأهل الردة بعد موته وتعريض بما وقع من الهزيمة لشبهه به، والمنكر ترتيب الارتداد على خلوه بموت أو قتل والفاء استئنافية أو لمجزد التعقيب لا للسببية فإنه لا ينسب على خلوه وخلو الرسل ما ذكر بل عكسه وسيأتي ما يعلم منه جوابه. قوله:) وقيل الفاء للسببية الخ) هذا رد على الزمخشرقي حيث قال: الفاء معلقة للجملة الشرطية بالجملة التي قبلها على معنى التسبب والهمزة لإنكار أن يجعلوا خلو الرسل قبله سببا لانقلابهم على أعقابهم بعد هلاكه بموت، أو قتل مع علمهم إن خلو الرسل قبله وبقاء دينهم متمسكا به يجب أن يجعل سبباً للتمسك بدين محمد صلى الله عليه وسلم لا الانقلاب عنه، قال النحرير؟ لا خفاء في أن الفاء تفيد تعليق الجملة الشرطية أعني مضمون الجزاء مع اعتبار التقييد بالشرط بالجملة قبلها، وهي وما محمد الخ تعليقا على وجه تسببها عن الجملة السابقة وترتبها عليها، وتوسيط الهمزة لإنكار ذلك أي لا ينبغي أن يجعلوا خلو الرسل قبله سببا
لانقلابهم على أعقابهم بعد هلاكه بل سبباً لتمسكهم بدينه، كما هو حكم سائر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ففي انقلابهم على أعقابهم تعكيس لموجب القضية المحققة التي هي كونه رسولاً يخلو كما خلت الرسل اهـ، فقد(3/66)
حمل كلامه على إنكار التعقيب لأن كلامه صريح فيه ومنهم من حمله على تعقيب الإنكار، والأوّل أنسب بكلام العلامة، ثم اعلم أنّ صاحب المفتاح رحمه الله صرح بأن هذه الآية من قبيل قصر الإفراد إخراجا للكلام على خلاف مقتضى الظاهر بتنزيل استعظام هلاكه منزلة استبعادهم إياه وانكارهم حتى كأنهم اعتقدوا فيه وصفين الرسالة والتبرّي عن الهلاك فقصر على الرسالة نفيا للتبري عن الهلاك قال النحرير: وفيه بعد من جهة عدم اعتبار الوصف أعني قد خلت من قبله الرسل حتى كأنه لم يجعل وصفاً بل ابتداء كلام لبيان أنه ليس متبرئاً عن الهلاك كسائر الرسل في أنه يخلو كما خلوا ويجب التمسك بدينه بعده كما يجب التمسك بدينهم بعدهم فرد عليهم بأنه ليس إلا رسولاً كسائر الرسل سيخلو كما خلوا، ويجب التمسك بدينه كما وجب بدينهم، وهو صريح كلام المصنف رحمه الله، ومن زعم أنه يلزم من حمله على قصر القلب أن يكون المخاطبون منكرين للرسالة فقد أخطأ خطأ بينا وذهل عن الوصف يعني جملة قد خلت فإنها صفة لرسول، وقيل حال من الضمير فيه والأصح الأوّل وهو تصحيح للمسلكين وأنّ من جعله قصر إفراد لم ينظر إلى الوصف ومن جعله قصر قلب نظر إليه وهو الظاهر وردّ لما قال العلامة من أن صاحب المفتاح لم ينظر إلى قوله قد خلت الخ فكأنهم ذهبوا إلى أنه صلى الله عليه وسلم رسول، ولا يموت فقيل ما هو إلا رسول يموت كسائر الرسل، وحيحئذ لا يترتب عليه الانقلاب فتبطل فائدة الفاء، ولا يطابقه التعريض بهم في قوله فما وهنوا الخ كما سيجيء، ومن حمل التركيب على قصر القلب فقد أخطأ لأنه أثبت الرسالة لمحمد صلى الله عليه وسلم والقوم لم ينكروها والا لزم ارتدادهم لكن المصنف صرح بأنه لم يرتد أحد منهم اهـ.
ووجه الرد عليه أنّ التقييد في محله وأن من قال: يقصر القلب لأخطأ في كلامه كما توهم، ثم إنّ في كلامه بحثا من وجهين الأوّل إن ردّه على العلامة تخطئة القائل بالقلب، إنما يتوجه لو علم كلامه حتى يقال إنه لاحظ معنى الصفة أو لم يلاحظها الثاني أنه ادّعى لزوم أنّ جملة قد خلت مستأنفة، وهو بعيد لمخالفته للقواعد في الجمل بعد النكرات، والداعي له أنها لو كانت صفة لكان القصر منصباً عليها، وهو مخالف لتقريرهم وليس بلازم لجواز أن يكون صفة مؤكدة لمعنى القصر متأخرة عنه في التقدير كقولك ما زيد إلا عالم يعلم الدقائق والحقائق فإنه لا ينافي القصر إلى معنى أنه عالم لا جاهل، وهذا تحقيق لطيف في التوابع الواردة في باب القصر وممن ذهب إلى القصر القلبي الطيبي وتبعه في الكشف لكنه لاحظ الصفة فإنه قال: التركيب من القصر القلبي لأنه جعل المخاطبين بسبب ما صدر عنهم من النكوص على أعقابهم عند الإرجاف بقتله صلى الله عليه وسلم كأنهم اعتقدوا أنه ليس حكمه حكم سائر الرسل المتقدمة عليهم الصلاة
والسلام في وجوب اتباع دينهم بعد موتهم بل على خلافه فأنكر الله عليهم ذلك وبين أن حكمه حكمهم الخ، فإن قلت كيف جوّزوا قتله صلى الله عليه وسلم مع قوله تعالى: {وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} أسورة المائدة، الآية: 67] قلت أجابوا عنه بأنه لا يعلم ذلك كل أحد والعالم به قد يذهب عنه لهول المقام مع أجوبة أخر. قوله: (روي أنه لما رمي الخ) عبد القه بن قميئة بقاف وميم وياء وهمزة وهاء بوزن سفينة علم من القماءة، وهي الصغر والحقارة وهذا مخالف لما سبق في قوله ليس لك من الأمر شيء من أنه عتبة بن أبي وقاص لكن ابن الجرزي والطيبي صححوا هذه الرواية، قوله: حتى قتله أي قتل مصعباً رضي الله تعالى عنه، والصارخ قيل إنه الشيطان وانكفا الناس استعارة بمعنى رجعوا والى عباد الله اسم فعل أي ارجعوا وعباد الله مفعوله، وانحاز بمعنى اجتمع وقوله: وشدّ بسيفه أي حمل وأصل معنى الشد العقد، قالوا شد في عدوه بمعنى أسرع قال: ويجوز أن يكون أصله شد حزامه للعدو. قوله: (بل يضر نفسه (أخذه من توجه النفي إلى المفعول فإنه يفيد أنه يضر غير الله وليس إلا نفسه، وقوله: بالثبات عليه إشارة إلى أنه مجاز وضعفيه الشاكرين موضع الثابتين على الإسلام لأنه ناشئ عن تيقن حقيته، وذلك شكر له وأنس هو ابن النضر لسابق. قوله: " لا بمشيئته تعالى أو بإذنه فملك الموت الخ) ههنا شيآن ما كان له أن يموت وبإذن الله، والأول: إنما يستعمل في الفعل الذي يقدم عليه اختياراً فجعله الزمخشريّ تمثيلاً بأن أخرح مخرح فعل اختياري لا يقدّم عليه إلا بإذن، والمراد عدم القدرة عليه والثاني: إذن الله وهو مستعار(3/67)
للمشيثة والتيسير كما أن الأذن بيسير الدخول على
المحتجب، وبعض شراح الكشاف لم يفرق بينهما، وقوله: أو بإذنه لملك الموت فيكون الأذن على حقيقته، ومفعوله مقدر للعلم به وقوله: (بالإحجام عن القتال والإقدام الف ونشر مرتب ووجه التشجيع والوعد ظاهر. قوله: (مصدر مؤكد الخ) أي مؤكد لعامله المستفاد من الجملة السابقة والمعنى كتب ذلك الأجل المأذون فيه المعين بإرادته كتاباً مؤجلاً ولا يضرّه التوصيف لأنه معلوم مما سبق أيضاً فليس كل وصف يخرج عن التأكيد، فلا يرد عليه أنه ينافي كون مؤجلا صفة له فتأمّل وفسر المؤجل بما له أجل مضروب، أو بما لا يتقدم ويتأخر والفرق بينهما ظاهر والتعريض بذكر الدنيا وأن منهم من أرادها، والانتهاز من انتهاز الفرصة أي اغتنامها والمسارعة إليها، والمراد بالثاكرين المريدين للأخرة وفي إبهام جزائهم واسناده إلى الله ما لا يخفى من المبالغة. قوله: (أصله أيّ الخ) اختلف في هذه الكلمة هل هي بسيطة وضعت كذلك ابتداء والنون أصلية، واليه ذهب أبو حئان وغيره وعليه فالأمر ظاهر موافق للرسم.
وقيل: إنها كلمة مركبة من أي المنونة والكاف واختلف في أي هذه فقيل هي أفي التي في قولهم أيّ الرجال وقال ابن جني رحمه الله: إنها من قولهم أوى يأوي، أويا فأعلت بالإعلال المشهور وحدث فيها بعد التركيب معنى التكثير المفهوم من كم كما حدث، في كذا بعد التركيب معنى آخر فكم وكأين بمعنى واحد، وعلى هذا فإثبات تنوينها في الوقت والخط على خلاف القياس لأنه نسخ أصلها وفيها لغات.
إحداها: بالتشديد على الأصل.
والثانية: كائن بوزن كاعن كاسم الفاعل واختلف في توجيهها فعن المبرد رحمه الله إنها
اسم فاعل من كان وهو بعيد إذ لا وجه لبنائها ولا لإفادتها التكثير، وقيل: أصلها المشددة فقدمت الياء المشددة على الهمزة، ثم حذفت الياء الأولى للتخفيف فقلبت الثانية ألفا لتحرّكها وانفتاح ما قبلها أو الثانية لثقلها بالحركة، وقلبت الياء الساكنة ألفا كما في آية ونظيره في حذف إحدى الياءين، وقلب الأخرى ألفاً دون انقلب المكاني طاني في النسبة إلى طيء اسم قبيلة فإنّ
أصله طيئيّ بياءين مشدودتين بينهما همزة فحذفت إحدى الياءين كما مرّ وقلبت الأخرى ألفاً فقيل طائي، وقيل إنّ إحدى الياءين حذفت قبل القلب، ثم قدّمت وقلبت.
والثالثة: كئين بياء بعد الهمزة وبها قرأ ابن محيصن رحمه الله.
الرابعة: كيئن بياء ساكنة بعدها همزة مكسورة.
الخامسة: كئن بكاف مفتوحة وهمزة مكسورة ونون قال:
كئن من صديق خلته صادق الإخا أبان اختياري أنه لي مداهن
وتفصيله في الدرّ المصون، والكاف لا متعلق لها لخروجها عن معناها ومن قال به فقد تعسف وموضعها رفع بالابتداء والخبر قتل، وضميرها يجمع ويفرد نظر اللفظ والمعنى، فمعه ربيون جملة حالية من ضمير قتل أو من نبيّ لتخصيصه بالصفة، أو معه حال وربيون فاعله أو جملة قتل صفة نبيّ ومعه ربيون خبر أو معه ربيون فاعله، أو الخبر محذوف تقديره مض ونحوه، وان كان ربيون تائب فاعل قتل فالجملة خبر أو صفة نبيّ والخبر محذوف ففي خبرها أربعة أوجه وإذا أسند القتل إلى النبيّ ورد عليه أنه ينافي قوله: {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا} أسورة غافر، الآية: 51] فإمّا أن يكون المقتول من الأنبياء والمومحود بنصرهم الرسل أو هو عام كما صرح به في بعض الروايات، وا! مراد بنصرهم نصرهم في الحروب فلا ينافي قتلهم في غيرها واليه ذهب الحسن وابن جبير وجماعة فقالوا: لا نعلم نبياً قتل في حرب وإليه حال الزمخشرقي أو المراد نصرهم لإعلاء كلمتهم ونحوه لا على الأعداء مطلقاً، وقوله: ككاءن جريا على معتادهم في إبدال الهمزة في الموازن بالعين لتخفيفها لفظا، وخطاً كما بينوه في الصرف وتولهم زغقلي بتقديم الراء في لعمري لغة فيه نادرة كضم العين، وهو قسم والتنظير به لتصرّفهم في المركب كالمفرد وقوله: (فصار كبئن) بكاف وياء مفتوحتين وهمزة مكسورة ونون، والتنظير بطائي مرّ وجهه. قوله: (بيان له) يعني أنه تمييز لكأين كتمييزكم والأكثر فيه الجرّ بمن وزعم بعضهم أنها لازمة ويرذه أنه ورد منصوبا في قوله:
اطرد اليأس بالرجاء فكائن أملا جمّ يسره بعد عسر(3/68)
وأما جرّه بالإضافة فممتنع للتنوين أو صورته، ولا تجر بحرف خلافاً لابن قتيبة وابن عصفور ومعناها التكثير في الأكثر، وترد للاستفهام نادراً. قوله: (ربانيون نالخ) يعني أنه منسوب إلى الرب كرباني والمراد به عالم زاهد، والضم والكسر على هذا مخالف للقياس والفتح موافق له وبها قرئ، وقيل الضمّ والكسر منسوب إلى الربة بالضم والكسر لغتان فيه
بمعنى الجماعة وياء النسبة للمبالغة كاحمري ومن قال: معناه الكثير العلم من ربا يربو فقد أخطأ لاختلاف الماذتين، وقوله: (منسوب إلى الربة) أي بالكسر بناء على أنّ الضم ليس لغة فيها، ومنهم من قال إنه لغة كما مرّ وقوله: (ويؤيد الأوّل الخ) لأنّ التضعيف للتكثير وهو ينافي إسناده إلى نبيّ واعتبار المعنى فيه أو رجوعه إلى كأين خلاف الظاهر، وأيد أيضاً بما مرّ من أنه لم يقتل نبيّ في حرب قط. قوله: (فما فتروا الخ) جدهم بكسر الجيم بمعنى اجتهادهم ولو قرئ بالحاء المهملة على أنه كناية عن عدم الضعف لم يبعد، وقوله:) من قتل النبئ (بناء على الوجه الثاني لأنه أبلغ وأظهر في الضعف، وقيل: إنه على الوجهين لأنّ قتل الربيين معه يفيد قتله أيضا نحو ضرب زيد مع عمرو وقوله: أو بعضهم إشارة إلى أنّ إسناد القتل إليهم بمعنى قتل بعضهم أو أكثرهم كما يقال: قتل بنو فلان إذا وقع القتل فيهم، وفسر الوهن بمعنى الفتور ليكون ضعفوا تأسيساً والا فأصل معناه الضعف، وفسر الضعف بالضعف عن العدوّ وهو عدم المقاومة أو في الدين بأن يتغير اعتقادهم لعدم النصر كما مرّ من قولهم لو كان نبيا لما غلب، وهذا ناظر لم مرّ. قوله: (وما خضعوا للعدوّ وأصله الخ) استكان بمعنى تضرّع أو خضع، واختلف فيه هل هو من السكون فوزنه افتعل لأنّ الخاضع يسكن لمن خضع له فألفه ل! شباع وهو كثير ولا يختص! بالضرورة، كما قيل أو من الكون فوزنه استفعل وألفه منقلبة عن واو والسين مزيدة للتأكيد كأنه طلب من نفسه أن يكون لمن قهره وقيل: لأنه كالعدم فهو يطلب من نفسه الوجود فقوله أن يكون بالفوقية والتحتية، ووجه التعريض ظاهر، وقيل: إنه من قول العرب بأنّ فلان مكينة سوء أي بحالة سيئة أو من كأنه يكينه إذا أذله قاله الأزهريّ: وأبو عليّ فألفه منقلبة عن ياء وقوله: (فينصرهما الخ) لأنّ محبة الله للعبد إنما هي بفعل ما يريده، وهذا هو المناسب هنا. قوله:) وما كان قولهم مع ثباتهم وقوّتهم الخ) الثبات والقوّة يستفادان من عدم الفترة والضعف والربانيون من قوله: ربيون على التفسير الأوّل والإسراف تجاوز في فعل
ما يجب الذنب عامّ فيه، وفي التقصير وقيل إنه يقابل الإسراف وكلاهما مذموم وقوله: ليكون عن خضوع بجعلهم أنفسهم مذنبة مسرفة، وطهارة يعني من الذنوب بالمغفرة وهو أقرب الإجابة وقوله: ليكون تعليل لتأخير طلب التثبيت من ثم. قوله: (وإنما جعل قولهم خبرا الخ (الجمهور على نصب قولهم خبراً وأن وما معها اسم وعن عاصم عكسه، ورجحت الأولى بأنه إذا اجتمع معرفتان فالإعراب أن يجعل الأعرف محكوما عليه والمصدر المؤوّل أعرف لأنه بمنزلة المضمر إذ لا يوصف ولا ينكر، والثاني ليس بمسلم لأنه قد ينكر كما في وما كان هذا القرآن أن يفتري أي افتراء، وقد صرح به شرح التسهيل ووجهه المصنف بدلالته على جهة النسبة وزمان الحدث، وجهة النسبة هي الفاعلية والمفعولية والحدث مستفاد من الفعل فهو يدل على زيادة معنى، وهو كونه صادراً عنهم في الماضي فيكون أكثر تعينا وهو يقتضي زيادة التعريف بخلاف إضافة المصدر الصريح فإنها لا تدل على ذلك صريحا، ومعنى ما كان ما صح ما استقام، وفي الانتصاف أن فائدة دخول كان المبالغة في نفي الفعل الداخل عليه باعتبار الكون. قوله: (فآتاهم الله بسبب الاستنفار الخ) اللجأ بوزن الحذر بمعنى الالتجاء، وهو مأخوذ من الدعاء والتضرّع والنصر والغنيمة الخ ما فيه من أمور الدنيا تفسير لثوابها، وما تعلق بالآخرة من ثواب الآخرة، والاعتداد به من وصفه بالحسن حتى كأنّ ما عداه ليس بحسن عنده، والسببية تستفاد من الفاء. قوله: (نزلت في قول المنافقين الخ) فالمراد بالكافرين المنافقون، وقولهم: ما قيل إرجاف منهم والألم يقع قتله، وعلى القول الآخر الطاعة الخضوع والانقياد لما مرّ، ويستجر بمعنى يقتضي جرّهم، وقوله(3/69)
بالنصب أي نصب الجلالة، وقيل: هو عامّ الخ فالمخاطب هم المؤمنون جميعا، والمخاطب على الأوّل الصحابة والكافرون للعهد والمعهود إمّا المنافقون وامّا اليهود والنصارى والمشركون، وتوله (عن ولاية غيره) هو أبو سفيان وما
عداه من الكفرة.
قوله: (يريد ما قذف الخ) فالرعب رعب المؤمنين بأحد قيل وينافيه السين إلا أن يحمل
على التأكيد، ولقابل يعني للعام القابل، وليستأصلوهم يعني ليقتلوهم جميعاً ويقلعوهم من أصلهم وعلى هذا فالرعب رعب المشركين وقوله: (بالضم (أي ضم عين الرعب وهي الأصل والسكون للتخفيف وقيل هما لغتان، وقيل: الأصل السكون والضم للاتباع. قوله:) بسبب إشراكهم به الخ) فالباء سببية وما مصدرية وآلهة تفسير لما، وحجة تفسير لسلطانا لأنه بها يتقوّى على الخصم فالنون زائدة والسليط الزيت أو دهن السمسم، وقيل: النون أصلية، وقوله: ولا ترى الضب بها ينحهجر أي يدخلى حجرا وهو شاهد لما فيه انتفاء المقيد لانتفاء قيده اللازم، وهذا كقولهم السالبة لا تقتضي وجود الموضوع غحاصله أنه سلب لا يقتضي وجود الموضوع، وهو في وصف مغارة وأوّله:
لا يفزع الأرنب أهوالها
أي لا ضب بها حتى ينحجر ولا حجة حتى ينزلها فالمراد نفيهما جميعاً. قوله: (أي مثواهم فوضع الظاهر الخ) فالتغليظ من جعلهم ظالمين والتعليل من التعبير بالمشتق فإنه يقتضي أن مأخذه علة الحكم كما مرّ. قوله: (أي وعده إياهم بالنصر الخ) يعني أن المصدر مضاف لفاعله، وصدق يتعدى لمفعولين وقد يتعدى لواحد وهذا إشارة إلى ما مر في قوله:) إن تصبروا ولتقوا الخ) ومعنى يرشقونهم يرمونهم بالسهام، والرماة جمع رام فالمراد بالوعد النصر
المشروط بما ذكر وقوله: تقتلونهم أصل معنى حسه أصاب حاسته بآفة فأبطلها مثل كبده ولذا عبر به عن القتل، وقيل للقتل حسيس ومنه جراد محسوس إذا طبخ كله عن الراغب رحمه الله ومن لم يقف عليه استبعده وأصل معنى الفشل الضعف وضعف القلب بالجبن والحرص من ضعف العقل واليقين وكذا ضعف الرأي من ضعف العقل فلذلك فسرها بها وقوله: فثبت مكانه أي في مكانه ولزمه، والمعنيّ كالمرضيّ بمعنى المقصود ومن الظفر والغنيمة بيان لما، وفاعل أراكم الله. قوله: (وجواب إدّا محذوف وهو امتحنكم الخ (في حتى هذه قولان قيل حرف جر بمعنى إلى ومتعلقها تحسونهم أو صدقكم أو محذوف تقديره دام لكم ذلك، وقيل حرف ابتداء دخلت على الجملة الشرطية من إذا وما بعدها وجوابها قيل تنازعتم والواو زائدة، وقيل صرفكم، وثم زائدة وهو ضعيف جدا والصحيح أنه محذوف وقدره ابن عطية، انهزمتم والزمخشريّ منعكم نصره وأبو البقاء بأن لكم أمركم بدليل ما بعده وقدره المصنف رحمه الله امتحنكم، وقدره أبو حيان انقسمتم قسمين ولكل وجهة والمركز مكانهم الذي أمرهم النبيّ صلى الله عليه وسلم بلزومه. قوله: (كفكم عنهم الخ) أي بترك القتال، وتحول الحال من الغلبة إلى ضدها، والمراد بالابتلاء الامتحان وهو استعارة تمثيلية أي يعاملكم معاملة من يمتحن ليبين أمركم والا فالامتحان على الله محال وقوله: (ولما علم من ندمهم) أي فإنه سبب للعفو بمقتضى الفضل والكرم فالمراد بالتفضل محض التفضل ليقابل ما بعده، وأديل بمعنى جعل الدولة إمّا لهم وإمّا عليهم. قوله:) أو بمقدر كاذكر الخ) هذا على قراءة الياء التحتية المذكورة في الكشاف ظاهر وأمّا على قراءة الخطاب فقيل إنه مشكل إذ يصير المعنى اذكر يا محمد إذ تصعدون يعني لما فيه من خطأ بين بدون عطف فالصواب اذكروا وأجيب بأنّ المراد باذكر جنس هذا الفعل فيقدر
اذكروا لا أذكر ويحتمل أن يكون من قبيل: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء} [سورة الطلاق، الآية: ا] ولا يخفى أنه خلاف الظاهر قد سنح لنا أنّ أذكر متضمن لمعنى القول والمعنى قل لهم حين تصعدون الخ، ومثله لا منع فيه كما تقول قل لزيد أتقول كذا فإنّ الخطاب المحكي مقصود لفظه فلا ينافي القاعدة المذكورة وهم غفلوا عنه فتأمّل، وأشار إلى أنّ الصعود هنا بمعنى الذهاب في الأرض مطلقأ وأصله الذهاب إلى جهة العلو، ويقابله الانحدار، وظاهر كلامهم الفرق بين الصعود والتصعد فإنه الذهاب في العلوّ، وهو الذهاب مطلقا وفيه نظر وقبل إنه إشارة إلى غلوهم فيما تخيروه كقولهم: أبعدت في كذا، وارتقيت فيه مرتقي فكأنه قال: إذا بعدتم في استشعار الخوف، والاستمرار على(3/70)
الهزيمة، وقوله: الإصعاد إشارة إلى أنّ القراءة المشهورة بضم حرف المضارعة، وقرئ بفتحة والهمزة فيه للدخول نحو أصبح إذا دخل في الصباح. قوله: (لا يقف أحد لأحد الخ) يعني أنه من لوى بمعنى عطف فالمراد به وتف وانتظر لأنّ من شأن المنتظر أن يلوى عنقه، وفسر أيضاً بلا ترجعون وهو قريب منه، وقرئ تلون وتقدم توجيهها، ومعنى من بكر من يرجع وأخرى مقابل أولى والمراد الساقة من العسكر أو جماعة أخرى مطلقاً، وقوله: (عطف على صرفكم) قيل عليه أنّ فيه طول الفصل بين المتعاطفين فالظاهر عطفه على تصعدون، وهو دمان كان مضارعاً لفظاً فهو ماض معنى لإضافة إذ إليه وفاعل إثابكم ضمير الله وقيل الرسول صلى الله عليه وسلم كما سيأتي وجازاكم تفسير لأثابكم ومتعلقه محذوف تقديره ما ذكر. قوله: (غماً متصلاَ بغم (يعني أنّ الباء للمصاحبة والظرف مستقرّ والغئم، والأوّل القتل والجرح والثاني الإرجاف بقتل النبيّ عت! هـ، والأولى أن يقول وغلبة المشركين لأنّ الظفر كان للمؤمنين والارجاف هو الإخبار بما يورث الاضطراب من الأخبار الكاذبة، ويقال: ل! اذيب أراجيف حقيقته الاضطراب فقط وقوله: (أو فجازاكم الخ) فالباء فيه سببية متعلقة بأثابكم والغنم الأوّل للصحابة رضي الله عنهم بالقتل ونحوه، والثاني للرسول صلى الله عليه وسلم بمخالفة أمره. قوله: (لتتمرّنوا الخ) التمرّن مزاولة الأمر واعتياده ولما كان الغثم المضاعف سبباً للحزن لا لعدمه أوّله بما ذكر لأنّ من اعتاد شيئا صار طبيعة له لا يؤلمه ويحزنه، وعلى الزيادة ظاهر ولا يخفى أنّ تأكيدها وتكريرها يبعد الزيادة. قوله: (وقيل الضمير في فأثابكم للرسول صلى الله عليه وسلم) هذا
خلاف الظاهر ولذا أخره، ومرضه والمراد بأبا بكم آساكم بالهمز والمد أي جعلكم أسوة له متساوين في الحزن واللغة الفصيحة فيه آسى وأمّا واسي فقيل مولدة وقيل: رديئة وعليه فالتعليل ظاهر، وعلى الأوّل الإثاية بحاز عن المجازاة أو تهكم على حد:
تحية بينهم ضرب وجيع
والتثريب التعيير والاستقصاء في اللوم وقوله:) عليم الخ) تفسير لخبير وفي نسخة عالم. توله: (أنزل الله عليكم الأمن حتى أخذكم النعاس الخ) هذا بيان لمحصل المعنى، وقوله وعن أبي طلحة الخ حديث صحيح رواه البخاري، واختلف في الأمنة فقيل مصدر كالمنعة بدليل قراءة السكون، وقيل: جمع آمن كبررة وقوله كأنها المرّة إنما أفحم كأنها لأنها لم يقصد بها مرة من الأمن وإنما المقصود إلا من مطلقاً لكن لوقوعها في زمان يسير شبهت بالمرّة، والبدل هنا يدل اشتمال وعلى الحالية لا يضر كونها من النكرة لتقدمها وعلى أنه مفعول له فالأمن بمعنى كونهم آمنين ليتحد فاعلهما فلا يرد ما اعترض به عليه لكن يلزمه تقديم معمول المصدر عليه، وهذه عادة الله مع المؤمنين جعل النعاس في الحرب علامة للظفر، وقد وقع كذلك لعليّ رضي الله تعالى عنه في صفين وهو من الواردات الرحمانية والسكينة. قوله: (أوقعتهم أنفسهم في الهموم الخ) يعني أن أهمه إمّا بمعنى جعله ذا هم وحزن أو جعله مهما له ومقصودا وهذا من الأوّل لأنّ ما يعتني به يحصل الهمّ لعدمه وكلاهما منقول عن الأزهري، فإن كان من الأوّل فالمعنى أنّ أنفسهم أوقعتهم في الحزن وان كان من الثاني فالمعنى ما يهمهم إلا أنفسهم لا النبيّ -حرو وغيره، والحصر مستقاد من المقام. توله: (صفة أخرى الخ) الحالية من ضمير أهمتهم لا
من المبتدأ، وقوله: غير بالنصب على المصدرية المؤكدة لأنه بحسب ما يضاف إليه فلذا قدر غير الظن، وقوله: الذي يحق أن يظن به تفسير للحق وضمير يظن للظن فالإسناد مجازي كجذ جذه فلا يتوهم أنه يقتضي أنّ الظن بمعنى المظنون فيكون مفعولاً به لا مفعولاً مطلقاً. قوله:
(الظن المختص الخ) إضافته إمّا من إضافة الموصوف إلى مصدر صفته ومعناها الاختصاص بالجاهلية كرجل صدق وحاتم الجود فهي على معنى اللام أي المختص بالصدق والجود فالياء مصدرية، والتاء للتأنيث اللازم له أو من إضافة المصدر لفاعله أي ظن أهل الجاهلية أي الشرك والجهل بالله وهي اختصاصية حقيقية أيضاً، وإلى هذا أشار المصنف رحمه الله. قوله: (يقولون أي لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بدل من يظنون الخ) فالقائل من كان حاضراً من المنافقين للنبيّ صلى(3/71)
الله عليه وسلم، وعلى الثاني القائل بعض المنافقين لبعض، وعن العلامة أن قوله يقولون هل لنا الخ تفسير ليظنون وترجمة له، والاستفهام لا يكون ترجمة للخبر كما لا يصح أن تقول أخبرني زيد قال لي: لا تذهب وكذلك كل ما لا طباق فيه كنحو نهاني قال لي اضرب وأمرني قال لي: لا تضرب ومن هذا المثال يظهران ما يتوهم من أن البدل يقولون، وهو خبر ليس بشيء وتحقيقه أن المطابقة بين الحكاية والمحكي واجبة وحاصل السؤال أن متعلق الظن النسبة التصديقية فكيف يقع الاستفهام ترجمة له، والجواب أن الاستفهام طلب علم فيما يشك أو يظن فجاز أن يكون متعلق الظن وتحقيقه أن الظن أو العلم متعلق بما يقال في جواب ذلك الاستفهام، وهذا كما قال لك صديقك هل تسعفني في كذا فتقول ظننت بنا سوءاً إشارة إلى أنه كان يجب عليه القطع بالإسعاف ولا يجعله مورد الاستفهام الناشئ عن الظن الفاسد وفي الآية وجه آخر وهو أن الاستفهام إنكارفي لا حقيقيّ فهو خبر وأوثر الأوّل لأنّ هذا يدفعه أنهم أخفوا قولهم لو كان لنا من الأمر شيء وهذا السؤال على القول الأوّل، وأمّا على الثاني وهو أن معنى هل لنا لم نملك من التدبير فلا ورود له، وإنما ظن السوء تصويبهم رأي عبد الفه ومن تبعه، وقوله: إنا منعنا إشارة إلى أنّ الاستفهام غير حقيقيّ وما بعده إشارة إلى أنه على ظاهر.. قوله:) أي الغلبة الحقيقية الخ (فالأمر بمعنى البال والشأن والمراد ما ذكر، وقوله: وأوليائه إشارة إلى أنّ كون الغلبة لله كناية عن غلبة أوليائه وحزبه لكونهم من الله بمكان فعلهم فعله، أو الأمر بمعنى
القضاء أي القضاء مخصوص به لا يشاركه فيه غيره فيفعل ما يريد. قوله:) حال من ضمير يقولون الخ (وأتم جعله حالاً من فاعل قل والرابط لك فلا يخفى حاله وفسر يقولون بالقول النفسي، أو بقول بعضهم لبعض لأنه لو كان جهاراً لم يكونوا منافقين، وأمّا الاستئناف ففي جواب سؤال كأنه قيل ما الذي أخفوه تيل، وهو أجود لكثرة فوائده وقلة الاعتراض بين الحال وذيها ولأنّ بدل الحال حال ولا مقارنة بينهما لترتبه على ما قبله لا لأنه لا يجتمع قولان من متكلم واحد لأنّ زمان الحال المقارن ليس مبنياً على التضييق مع أنّ القول إذا كان نفسيا لا يتأتى هذا التوجيه، وقوله: كما وعد الخ إشارة إلى تفسير الأمر السابق بالنصر والظفر، وقوله: أو لو كان لنا اختيار مبني على تفسير هل لنا بأنا منعنا من التدبير وهو رأي ابن أبيّ بعدم الخروج من المدينة فقوله: لم نبرح أي لم نبرح بالمدينة. قوله: (لما غلبنا ولما قتل من قتل الخ) القائلون ليسوا ممن قتل لاستحالته فلذا أوّله بغلبنا وقتل منا على أنّ القتل بمعنى المغلوبية أو الإسناد مجازي بإسناد ما للبعض للكل. قوله: (أي لخرج الذين قدّر الله عليهم الخ (المضاجع إن كان بمعنى المراقد فهو استعارة للمضارع، وان كان بمعنى محل امتداد البدن مطلقا للحيّ والميت فهو حقيقة، وقوله: لا معقب لحكمه أي لا يأتي بعده ما يغيره فإن قلت كيف يكونون جميعا في بيوت المدينة مع بروز المقتولين إلى أحد قلت المراد بكونهم في بيوتهم! ولم يخرجوا للقتال بجملتهم، وهو لا ينافي خروج بعضهم لأمر آخر، وأما أنّ المراد بمن كتب عليهم القتل الكفار الذين قتلوهم بأن يخرجوا من عسكرهم ويدخلوا عليهم المدينة فيقتلوهم في بيوتهم بحيث لا يفيدهم التحصن، كما قيل: فبعيد لأنّ الظاهر من عليهم أنهم مقتولون لا قاتلون. قوله: (وليمتحن الله ما في صدوركم الخ (تقدم أنّ الامتحان مجاز عن
الإظهار وأنّ مثل هذا التركيب متعلق بمعلل معطوف على ما قبله من مجموع الشرطية أو جوابها والظاهر أنه معطوف على أنزل عليكم، ولا فصل بينهما لأنّ ما بعده إلى هنا من متعلقات المعطوف عليه أو على علة أخرى محذوفة، وأمّا عطفه على لكيلا فبعيد وتوسط تلك الأمور محتاج إلى نكتة، وقوله: من الإخلاص والنفاق يدل على أنه عنده معطوف على أنزل وأنه عاتم للطائفتين والزمخشريّ جعله للمؤمنين فقط لأنهم المعتد بهم ولأنّ إظهار حالهم مظهر لغيرهم، فما قيل: إنه يدل على أنّ الخطاب في هذه الآية للمؤمنين والمنافقين معاً فإنّ إظهار الإخلاص يناسب المؤمنين واظهار النفاق يناسب المنافقين وسوق الآية على أنه للمنافقين لأنهم القائلون لو كان لنا الخ، وصاحب الكشاف جعله للمؤمنين والاعترأض عليه أقوى ليس له وجه مع كون السياق على أنّ الخطاب للمنافقين لا وجه له مع قوله وليمحص، وقد(3/72)
اعترف به القائل كما سيأتي وهو الذي حمل الزمخشريّ على تخصيصمه بالمؤمنين فلله دره. قوله: (وليكشفه ويميزه الخ) قد مرّ معنى التمحيص، واسناده في النظم سابقاً للمؤمنين يقتضي ترجيح الوجه الثاني الذي اقتصر عليه الزمخشرفي، وعلى التعميم يفسر بالتمييز والمراد بما في قلوبهم الاعتقاد ولذا قال ما في قلوبكم ولم يقل قلوبكم ولا يرد عليه أنّ الخطاب للمنافقين وهو لا يناسب التخليص من الوسواس كما مر، وذات الصدور ما في القلوب التي فيها جعلها لتمكنها منها كأنها مالكة لها وقيده بقوله: قبل إظهارها لدلالة صيغة المبالغة عليه إذ بعد إبدائها لا تكون كذلك وجعله وعداً ووعيداً بناء على العموم الذي ارتضاه والعالم بالخفيات لا يحتاج إلى الامتحان والتجربة فهذا دليل على أنه تمثيل كما مرّ قوله:) يعني أن الذين انهزموا يوم أحد الخ (في الكشاف اسنزلهم طلب منهم الزال ودعاهم إليه ببعض ما كسبوا من ذنوبهم أي إن المنهزمين بأحد كان السبب في توليهم أنهم كانوا أطاعوا الشيطان فاقترفوا ذنوبا فلذلك منعهم التأييد وتقوية القلوب حتى تولوا يعني أن التولي غير الاستزلال، وقيل استزلال الشيطان إياهم هو التولي وإنما دعاهم إليه بذنوب تقدّمت لهم لأنّ الذنب يجرّ الذنب كما أنّ الطاعة تجرّ الطاعة.
وقال الحسن استزلهم بقبول ما زين لهم من الهزيمة، وقيل: بعض ما كسبوا ترك المركز
الذي أمرهم به صلى الله عليه وسلم فجرّهم ذلك إلى الهزيمة وقيل: ذكرهم خطايا لهم تركوا لقاء الله معها فأخروا الجهاد حتى يصلحوا أمرهم ويجاهدوا على حال مرضية وقوله: {بِبَعْضِ مَا كَسَبُواْ} كقوله: {وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ} [سورة المائدة، الآية: 5 ا] يعني أنّ في الآية وجهين مبني الثاني على أنّ الزلل الذي أوقعهم فيه ودعاهم إليه هو التولي، وبعض ما كسبوا أمّا الذنوب السابقة ومعنى السببية انجرارها إليه كما في الطاعات تجرّ البعض إلى البعض، وأما قبول ما زين لهم الشيطان من الهزيمة وأمّا مخالفة أمره صلى الله عليه وسلم بالثبات في المركز وأمّا الذنوب السابقة لا بطريق الانجرار بل لكراهة الجهاد معها فاستزلال الشيطان إيقاعهم في التولي بتذكيره إياهم تلك الذنوب حالة القتال فالوجه الثاني أربعة أوجه لا خفاء فيها، وإنما الخفاء في الأوّل المبنيّ على أنّ الزلل ليس هو التولي والانهزام بل الذنوب المفضية إليه من جهة منعها التأييد وتقوية القلب، والمعنى إنّ الذين تولوا إنما سبب توليهم استزلال الشيطان إياهم ببعض الذنوب أي إيقاعهم في الزلل، ودعاؤهم إليه بأن اقترفوا ذنوبا لم يستحقوا معها التأييد الإلهيّ، وقوّة القلب فلذا تولوا والجار والمجرور أي ببعض الخ في موقع البيان والتقرير للزلل وايقاعهم فيه بأن أطاعوه، واقترفوا الذنوب كما يقال استزله الشيطان بقتل المسلم فقوله: استزلال الشيطان توليهم وذلك لكونه زللا عن موقف الحق والمركز المأمور به وإذا أريد به الذنوب فبالمعنى الأخير، والمصنف رحمه الله أشار إلى زبدته على أخصر وجه وصرح بترك المركز وغيره وأومأ إلى تزيين الشيطان بالحرص على الغنيمة والحياة لم يتركهما كما توهم، وقوله: ببعض ما كسبوا ليس بعض زائدة ولا حاجة إليه بل إشارة إلى أن في كسبهم ما هو طاعة لا يوجب الاستزلال أو يقال: هذه العقوبة ليست بكل ما كسبوا فإنه يستحق به عقوبة أزيد منها لكنه تعالى من بالعفو عن كثير {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِن دَابَّةٍ} [سورة فاطر، الآية: 45] ولذلك ذيله بقوله: {إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} . قوله: (يعني المنافقين الخ) فسر الكفرة بهم لأنهم هم القائلون كابن أبيئ وهم كفرة في نفس الأمر وقولهم لأجلهم الخ جعل اللام تعليلية لأنهم غائبون لقوله إذا ضربوا فلا حاجة لتأويله وأمّا شمول الإخوان للغائبين والحاضرين والقول لبضهم وهم الحاضرون والضرب لبعض آخر كما قيل فتكلف لا حاجة إليه سوى كثرة الفضول، وعمم الأخوة للحقيقية والمجازية كالصداقة وموافقة الاعتقاد وتقدّم أنه يجمع فيهما على إخوان لكنه غلب في الثاني. قوله: (إذا سافروا الخ (أصل الضرب إيقاع شيء على شيء واستعمل في السير لما فيه من ضرب الأرض بالرجل، ثم صار حقيقة فيه، وإنما قابل الغزو به
لأنه قد يكون بدونه كما في أحد. قوله: (وكان حقه إذا لقوله قالوا الخ) يعني أن متعلقه ماض! فحقه إذ لأنها للمضيّ وجعله لحكاية الحال الماضية تبع فيه الزمخشري، وقد اعترض! بوجهين الأوّل أن حكاية الحال إنما(3/73)
تكون حيث يؤتى بصيغة الحال وهذه صيغة استقبال، الثاني إن قولهم لو كانوا عندنا إنما هو بعد موتهم فكيف يتقيد بالضرب في الأرضى، وأجيب بأنّ إذا للاستمرار كما صرح به الزجاج من أنها تكون لمجرّد الوقت وقصد الاستمرار، وبأنّ قالوا لإخوانهم في موضع الجزاء معنى فيكون المعنى إذا ضربوا الخ قالوا لو كانوا عندنا الخ فيقيد القول به باعتبار آخره لأنّ المعتبر في مثله المقارنة العرفية كقوله تعالى: {فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُواْ اللهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ} [سورة البقرة، الآية: 198، وهذا لا يصحح ما ذكره الزمخشريّ والمصنف ولا يدفع الاعتراض لأنها إذا كانت للاستمرار شمل الماضحي فلا تكون لحكاية الحال، وكذا إذا كان قالوا جواب إذا يصير مستقبلا فلا تتأتى فيه حكاية الحال المذكورة، وأجيب أيضا بأنّ النظر الصائب يقتضي أن تجعل إذا ظرفا لما يحصل للإخوان حتى يقال لأجلهم وفي حقهم ذلك كأنه قيل قالوا: الآجل الأحر ال العارضة للأخوان إذا ضربوا بمعنى حين كانوا يضربون وهذا لا يصحح بحسب العربية فكأنه نحا نحوا مما قاله أبو حيان رحمه الله: من أنه يمكن إقرار إذا على الاستقبال بأن يقدر العامل فيها مضافا مستقبلا على أنّ ضمير لو كانوا عائد على إخوانهم لفظا لا معنى على حد عندي درهم ونصفه والتقدير قالوا؟ لمخافة هلاك إخوانهم إذا ضربوا أو كانوا غزاً لو كان إخواننا الآخرون الذين تقدم موتهم وقتلهم عندنا ما ماتوا، وما قتلوا فتكون هذه المقالة تثبيطاً لإخوانهم الباقين عن الضرب، والغزو لئلا يصيبهم ما أصاب الأوّلين، ونقل في المغني أنها تكون للحال بعد القسم فلو حمل عليه هذا لصفا عن الكدر لكنهم تركوه لأنه غير مسلم عندهم. قوله: (جمع غاز كعاف وعفا الخ) يعني جمع فيه فاعل على فعل بالتشديد كشاهد وشهد وهو من نوادر الجمع قي المعتل ولهذا استشهد عليه بعفا في قول امرئ القيس:
ومغبرّة الآفاق خاشعة الصوى لها قلب عفا الحياض أجون
يصف مفازة بأنها لم تسلك قبله، والصوى جمع صوة وهي الحجارة تنصب علما للمفازة والقلب جمع قليب وهي البئر القديمة، وعفا بمهملة وفاء آخره بمعنى دارسات وأجون جمع أجنة بمعنى متغيرة والمصنف رحمه الله أشار إلى محل الشاهد منه، وقرئ بالتخفيف بحذف إحدى الزايين أو التاء فاصله غزة ويجمع أيضا على غزاة وغزاه ككرام وغزيّ كغنيّ وغازين، وقوله: يدل على أن إخوانهم لم يكونوا مخاطبين لأنه تصريح بأنهم ليسوا عندهم فاللام للتعليل كما مرّ. قوله: (متعلق بقالوا الخ) هذا ما داخل في التشبيه أو خارج عنه فعلى الأوّل يتعلق
بقالوا وليس هذا علة لقولهم فيجعل مجازاً بأن يشبه الأمر المترتب على الفعل بالعلة الباعثة عليه وششعار له حرفه وهو المسمى بلام العاقبة وعلى الثاني متعلق بلا تكونوا أي نهاكم عنه ليجعل اعتقادكم الظاهر لهم حسرة فذلك إشارة إلى الاعتقاد الذي تضمنه القول أو للنفي المدلول عليه بالنهي قيل وجعل الحسرة في قلوبهم عبارة عن تمكنها ولزومها لهم، وقولهم: مما يغمهم أي يورثهم الغم والحزن. قوله: (أي هو المؤثر في الحياة والممات الخ) صرف المحيي عن معناه الظاهر وهو موجد الحياة لأن الكلام ليس فيه ولا يحصل به الردّ وإنما الكلام في إحداث ما يؤثرهما، وجعله تهديدأ لهم لأنّ علم الله ورؤيته يستعمل في القرآن للمجازاة على المعلوم والمرئيّ والمؤمنون لم يماثلوهم فيما ذكر لكن ندمهم على الخروج من المدينة يقتضيه، وقرئ متم بالضم من مات يموت مثل كنتم من كان يكون، وبالكسر من مات يمات مثل خفتم من خاف يخاف كما هو مقرّر في التصمريف، ولام لئن موطئة للقسم ولام لمغفرة في جواب القسم، وجواب الشرط محذوف لدلالة جواب القسم عليه ووفائه بمعناه وهو معنى قوله ساذ مسده، وقدم القتل على الموت أوّلاً لأنه أكثر ثوابا وأعظم عند الله فترتب المغفرة والرحمة عليه أقوى، وقدم الموت في الثانية لأنه أكثروهما مستويان في الحشر، وقوله: وان وقع ذلك أي الموت لا التقديم. قوله: (لإلى معبودكم الخ) في الكشاف اسم الله لما كان اسما للذ ات الجامع لصفات الكمال على وجه الكمال كان ذكره في معرض! الوعد منبئا عن تمام الرضا والكرم والرحمة، وفي معرض الوعيد عن غاية السخط والانتقام وتقديمه يدل على الحصر أي
إليه تحشرون لا إلى غيره فلا(3/74)
رجاء ولا ثواب إلا منه وادخال لام القسم على المعمول المقدم مشعر بتأكيد الحصر والاختصاص، وبأنّ ألوهيته هي التي تقتضي ذلك، وقوله: الذي توجهتم إليه يقتضي أن في هذه الجملة مقدّرا بقرينة ما قبله أي ولئن متم أو قتلتم في سبيل الله ولو حمل على العموم لكان أولى، وقوله: لا محالة مأخوذ من التأكيد بالقسم ولما كان المقصود من ذكر الحشر ذكر ما فيه من الجزاء قال فيوفي الخ. قوله: (والدلالة على أنّ لينه لهم ما كان إلا برحمة) وفي نسخة والتنبيه وقد تبع فيه الكشاف، ولما كان مخالفاً لما تقرر من أن الحصر إنما يستفاد من التقديم لا من التأكيد الزائدة ونحوه ذهب شراحه إلى أنّ الحصر إنما استفيد من تقديم الجار والمجرور وزيادة ما إنما تفيد تأكيد ذلك قالوا ففي كلامه حذف أي ما مزيدة والظرف مقدم للتأكيد، والدلالة على اللف والنشر التقديري، ولا يخفى ما فيه من العناية التي هي بسلامة الأمير وقد وقع من الزمخشري هذا في مواضع من كشافه ولا قرينة على ما ذكروه، ولو قيل: إن الحصر إنما استفيد من التقديم لدلالته على الاهتمام به والتأكيد أيضا يدل على ذلك فلا مانع من دلالته على الحصر أيضاً لأنّ تأكيد سببيته يفيد أنه لا سبب غيرها ولعل هذا مراده لكن الشراح لم يعوّلوا عليه لأنه لم يذكره أحد من أهل المعاني وكم في كتابه من أمثاله، وقد صرح به في بعض كتبه وربط الله على جأشه أي تقوية قلبه من قولهم فلأن رابط الجأس بالهمزة أي شديد القلب كأنه يربط نفسه عن الفرار لشجاعته، وإنما جعل اللين مسبباً عن ربط الجأس لأنّ من ملك نفسه عند الغضب كان كامل الشجاعة والفظاظة سوء الخلق وترك حسن العشرة وغلظ القلب القساوة وعدم التأثر والمراد برحمة الله ما يرحمه به مما ذكر أو الرحمة التي خلقها في فطرته. قوله:) وشاورهم الخ (كان عليه الصلاة والسلام مأموراً بالمشاورة مع الأصحاب، واختلف هل أمر بها في أمور الدنيا والدين أو في أمور الدنيا فمن أبى الاجتهاد له ع! ي! م ذهب إلى الثاني، ومن جوّزه وهو الأصح ذهب إلى الأوّل وهذا فيما لم يكن فيه وحي بالاتفاق فقوله في أمر الحرب بناء على الثاني أو لأنه المناسب للمقام، والاستظهار التقوّي، وقوله: (وتطييباً لنفوسهم) هذا منقول عن السلف لكن قال الجصاص في الأحكام غير جائز أن يكون الأمر بالمشاورة إلى جهة تطييب نفوسهم ورفع أقدارهم ولتقتدي الأمة به في مثله لأنه
لو كان معلوما عندهم أنهم إذا استفرغوا مجهودهم في استنباط الصواب عما سئلوا عنه ثم لم يكن معمولاً به لم يكن في ذلك تطييب نفوسهم، ولا رفع أقدارهم بل فيه إيحاشهم لأن آراءهم غير مقبولة ولا معوّل عليها فهذا تأويل ساقط لا معنى له فانّ المشاورة حينئذ لم تفد شيئا واذ قد بطل هذا فلا بد أن يكون لمشاورته إياهم فائدة وأن يكون للنبيّ صلى الله عليه وسلم معهم ضرب من الاجتهاد فما وافق رأيه عمل به وما خالفه ترك من غير لوم وفيه إرشاد للاجتهاد وجوازه بحضرته صلى الله عليه وسلم واشعار بمنزلة الصحابة وأنهم كلهم أهل اجتهاد وأنّ باطنهم مرضيّ عند الله وفيه تأمل، وقوله: بعد الشورى مأخوذ من الفاء. قوله: (في إمضاء أمرك على ما هو أصلح لك الخ) أي ليس التوكل إهمال التدبير بالكلية بل مراعاة الأسباب مع تفويض الأمر إليه تعالى كذا في شروح الكشاف، وفي كلام الصوفية ما يخالفه وهو راجع إلى التوفيق، وقراءة عزمت على التكلم تفيد صحة إسناد العزم إلى الله تعالى وقد صرّح به أهل اللغة وأنه بمعنى القطع والإيجاب ومنه قالوا عزمات الله كما حكاه الأزهري ووقع في أوّل مسلم وشرحه، وكلام المصنف ظاهر فيه وفي أنّ المشاورة فيما لا نص فيه وقوله: فينصرهم وبهديهم لأنّ من أحب أعان محبوبه وأنجح مطلوبه. قوله: (من بعد خذلانه الخ) بعد ظرف زمان وشستعمل للمكان كقبل نقيضه على الاستعارة كما في الكشاف فقوله: بعد خذلانه وارد على الزمان بحذف مضاف، وقوله: إذا جاوزتموه وارد على المكان كما تقول جئت بعد فلان ومن بعده بمعنى واحد لكن من تدل على ابتداء المجيء، وفي المغرب في قول محمد وإنه كان بالذي لا بعد له يعني ليس له نهاية في الجودة أخذه من قولهم هذا مما ليس بعده غاية في الجودة والرداءة فاختصره وأدخل عليه لا النافية للجنس كذا في شروح الكشاف، ويعلم من التوكل عليه كفايتة لمهماتهم وأهمها النصرة ومن(3/75)
تقديم المتعلق أنه لا ناصر سواه.
قوله: (وما صح لنبئ أن يخون الخ) يعني المراد الإخبار بأنه يمتنع عليه امتناعا ظاهراً
قويا لما في الانتصاف من أنّ هذه الصيغة ترد للامتناع العقلي كثيراً نحو ما كان دئه أن يتخذ من ولد ما كان لكم أن تنبتوا شجرها، وأمّا إذا كان مبالغة في النهي فهو خبر أجرى مجرى الطلب مبالغة وفي الانتصاف أن هذه الصيغة وردت نهياً في مواضع من التنزيل نحو: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى} [سورة الأنفال، الآية: 67، {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ} [سورة التوبة، الآية: 13 ا] وهي واردة فيهما لا تختص بأحدهما كما قيل ومنافاة النبوّة للخيانة ظاهرة، وأصل الغل والإغلال! الأخذ في خفية، ولذا استعمل في السرقة، ثم خص في اللغة بالسرقة من المغنم. قوله: (والمراد منه إمّ براءة الرسولى صلى الله عليه وسلم! ااتهم ب الخ) وحديث القطيفة أخرجه أبو داود والترمذي عن ابن عباس رضي الله عنهما وحسته وظن معطوف على اتهم وفي الكشاف فيه زيادة وهي كما لم يقسم يوم بدر فقال لهم النبئ صلى الله عليه وسلم ألم أعهد إلبكم أن لا تتركوا المركز حتى يأتيكم أمري فقالوا: تركنا بقية إخواننا وقوفاً فقال صلى الله عليه وسلم: بل ظننتم أنا ننل ولا نقسم لكم فنزلت وكذا هو في تفسير الواحدي وغيره عن مقاتل وتركه المصنف لما فيه من مخالفة ما سيأتي في الأنفال من قسم غنائم بدر 0 قوله: (وأمّا المبالغة في النص للرسول صلى الله عليه وسلم الخ) والطلائع الجواسيس على العدوّ واحدهم طليعة وقد يطلق على الجماعة أيضاً، والمراد من التغليظ المبالغة في المنع حيث جعله سرقة وهو للتهييج والإلهاب على الترك كما في لئن أشركت، وفي شرح الكشاف أن لفظة التغليظ قبيحة لأنّ عادة الله مع حبيبه صلى الله عليه وسلم التلطيف لا التغليظ، وكذا أنكر على النحرير في قوله عد أدنى زلة منه غلولاً إطلاق الزلة عليه صلى الله عليه وسلم وإنه مخالف للأدب وقوله: (ولم يقسم للطلائع) أي لم يعين لهم قسما، وقوله: ثانية يعني كما بالغ في النهي بصيغة الخبر المستعمل في الممتنعات كما مرّ بالغ في تسمية الحرمان غلولاً، وقيل النهي عن الحرمان الذي هو أدنى صفة من الغلول نهى عن الغلول بطريق المبالغة والتسمية
الأخرى مبالغة في ذلك فتأمّل. قوله: (والمعنى وما صح له أن يوجد كالاً الخ (في هذه القرأءة توجيهات منها أنه من أغله بمعنى وجده غالأ كقولهم أحمده وأبخله وأجبنه بمعنى وجده كذلك ومنها أنه من أغله بمعنى نسبه للغلول كأكذبه إذأ نسبه للكذب، والمعنى النهي عن نسبة ذلك إليه. قوله: (يأت بالذي غله الخ) والحديث الذي أشار إليه ما رواه الشيخان: " والذي نفس محمد صلى الله عليه وسلم بيده لا يغلى أحدكم شيئاً إلا جاء به يوم القيامة يحمله على عنقه " وفي معناه أحاديث أخر فالإتيان على ظاهره وعلى ما بعده الإتيان به مجاز عن الإتيان بإثمه تعبيرا بما غل عما لزمه من الإثم مجازا، وكذا قوله ما كسبت فإنه عبارة عن جزائه، ويحتمل تقدير المضاف، وقوله: كالبرهان لأنه يلزم من توفية كل كاسب جزاءه أن يبوء بإثمه. قوله:) فلا يخقص! ثواب مطيعهم) تفسير لعدم الظلم وليس فيه أن ذلك بطريق الوجوب على الله تعالى فهو بمقتضى الحكمة والعدل، فلا يرد عليه أنه ليس مدّهب أهل السنة كما قيل وقد تقدّم الكلا! على قوله أفمن الخ وقوله: وبئى المصير إمّا تذييل واعتراض أو معطوف على الصلة بتقدير ويقال في حقهم وبئس المصير، ولم يذكر في مقابله الجنة لأنّ رضوان الله أكبر وهو مستلزم لكل نعيم عندهم فافهم وفرق بين المصير والمرجع بأنّ الأوّل يقتضي مخالفة ما صار إليه من جهنم إلى ما كان عليه في الدنيا لأنّ الصيرورة تقتضي الانتقال من حال إلى حال أخرى كصار الطين خزفاً، والمصير اسم مكان ويحتمل المصدرية. قوله: (شبهوا بالدرجات الخ) أي هو تشبيه بليغ بحذف الأداة والضمير لمن اتبع رضوان الله ومن باء بسخط من الله جميعاً شبههم بالدرج في تفاوتهم علواً وسفلاً وعلى تقدير ذو ولا تشبيه، والمراد أنهم ذوو درجات أي منازل! أو أحوال متفاوتة وفيه نظر. قوله: (عالم بأعمالهم الخ) تبع فيه الزمخشري، والحق خلافه قال:
في شرح المواقف اتفق المسلمون على أنه سميع بصير لكن اختلفوا في معنافما فقالت الفلاسفة والكعبي وأبو الحسن البصري: إنهما عبارة عن علمه تعالى بالمبصرات والمسموعات وقال الجمهور: منا ومن المعتزلة والكرامية إنهما صفتان زائدتان على العلم فإنا إذا علمنا شيئا علماً جلياً ثم(3/76)
أبصرناه نجد فرقاً بين الحالتين بالبديهة وأنّ في الحالة الثانية حالة زائدة في الإبصار. قوله: (أنعم على من آمن الخ) يعني أن المنة على مؤمني قومه، وهم العرب المستفاد من قولهم من أنفسهم لزيادة انتفاعهم بها في الدنيا بالغنائم والعز السرمدي ككون الإمامة فيهم وعلمهم ما لم يكونوا يعلمون لفهم لسانه، وفي الآخرة بما لا عين رأت ولا أذن سمعت، والقراءة الأخرى بمن الجارة لمن المشذد النون واعرابها ما ذكره المصنف رحمه الله وترك احتمال كون إذ مبتدأ المذكور في الكشاف لما فيه من مخالفة جمهور النحاة مع تكلفه. قوله: (من نسبهم أو من جنسهم الخ) يعني كونه منهم إمّا نسبا فيخص قريشا أو جنسأ فيعم العرب، وكونه صلى الله عليه وسلم من أشرف القبائل غنيّ عن البيان، والبطن ما دون القبيلة كالفخذ وتفصيله في اللغة والمراد من دنس الطباع ما كان فيهم من الجاهلية، وفسر الحكمة بالسنة والمراد بها الشريعة مطلقاً المعروفة بغير وحي متلو لمقابلة الكتاب. قوله: (وإن هي المخففة واللام هي الفارقة) أي المزيدة للتأكيد والفرق بين أن المخففة والنافية، وأن هذه إن دخلت على جملة اسمية جاز إعمالها في الاسم الظاهر خلافا للكوفيين والسماع يبطل مذهبهم، وأمّا عملها في ضمير شأن أو غيره مقدراً فذكره مكي والزمخشرفي، وتبعه المصنف رحمه الله وردّه أبو حيان بأنه لم يقل به، أحد من النحاة وانها إذا دخلت على الفعلية كما هنا وجب إهمالها والأكثر كون مدخولها ماضياً ناسخا ككان ودونه أن يكون مضارعا ناسخاً نحو وان يكاد الذين كفروا وهو قياسيّ، ودونه أن يكون ماضيا غير ناسخ نحو:
شلت يمينك إن قتلت لمسلما
أو مضارعا غير ناسخ نحو:
أن يزينك لنفسك
وأمّا قول الحلبيّ إنّ كلام الزمخشرفي، وهو معنى كلام المصنف بعينه تفسير معنى لا إعراب فخلاف الظاهر، وأن وضحه بعضهم بأنهما لم يريدا بقولهما وأنّ الشأن تقدير ضمير الشأن بل جعل الجملة حالاً بتأويل الشأن، والقصة لئلا يختلف زمان الحال والعامل فإنّ زمان الكون في ضلال قبل زمان التعليم لكن كون القصة ذلك مستمرّ، وادّعى إنه تأويل شائع في الحال الذي يتقدم زمان تحققه زمان تحقق العامل، وفيه تأمل. قوله: (الهمزة للتقريع والتقرير الخ) جملة قد أصبتم أي نلتم ووجدتم صفة مصيبة وقلتم جواب لما فإنه ظرف بمعنى حين لا حرف وجود لوجود على الصحيح يستعمل للشرط يليه ماض لفظا أو معنى، والجملة بعده مجرورة بالإضافة وناصبه الجزاء وأنى هذا جملة اسمية مقدمة الخبر وهي مقول القول ومجموع الجملة معطوف على قوله: {لَقَدْ صَدَقَكُمُ اللهُ وَعْدَهُ} إلى هنا، وللتعلق بقصة واحدة لم يتخلل بينهما أجنبيّ، والهمزة متخللة بين المتعاطفين للتقرير بمعنى التثبيت أو الحمل على الإقرار، والتقريع على مضمون المعطوف كذا قال النحرير وفيه دفع لما قيل إنّ العطف على ما مضى فيه بعد، ويبعد أن يقع مثله في القرآن لكن فيه نظر لأنه عطف القصة على القصة كما ذكر لكن هذا من جملة تلك القصة فلا يعد قصة أخرى. قوله: (أو على محذوف الخ (ففي مثله ثلاثة طرق العطف على ما تقدم وجعل الإنكار للجمع متعقبا أو غير متعقب والهمزة مقدمة من تأخير، والعطف على مقدر وصاحب المغني لم يحقق مسلك الزمخشريّ فيه فخلط الطريقين، والعطف على مقدر بعد الهمزة، وقوله: ولما ظرفه أي ظرف قلتم كما مرّ بيانه وجعل المثلين ضعفاً وقد مز تحقيقه وقوله والحال بيان للمعنى المراد لا إعراب للجملة حالاً لأنه يحتاج إلى تكلف، وجعل الضعف قتل سبعين وأسر سبعين بجعل الأسر كالقتل أو لأنهم كانوا تادرين على القتل، وهو كان مرضيّ الله فعدم القتل كان لتركه مع القدرة لا ينافي الإصابة، وقوله: من أين هذا مقول القول، وفسر أن بمعنى من أين أصابنا هذا لا بمعنى كيف كما مز تحقيقه لأنّ قوله من عند أنفسكم يدلّ عليه ولو كانت بمعنى كيف لم يطابق الجواب، ومعنى كونه من عند أنفسهم إنهم السبب له لا الفاعل والخالق. قوله:) وعن علئ الخ الأنهم اختاروا الفداء لصناديد العرب
ولو قتلوهم لم يقدروا على غزو أحد كما سيأتي تفصيله، وهذا رواه الترمذفي والنسائيّ وحسنه وقوله: (أن يصيب بكم ويصيب منكم (قال النحرير: أصاب منه هزمه ونال منه ما أراد وأصاب به جعله واحداً من العدوّ وما أراد، ويوم أحد بمعنى الحرب لأنّ أيام العرب وردت بهذا المعنى كثيراً.(3/77)
قوله: (فهو كائن بقضائه الخ) قيل: إنه إشارة إلى أنّ الظرف خبر مبتدأ ودخول الفاء لتضمن معنى الشرط ووجه السببية ليس بظاهر، إذ ليست الإصابة سبب التخلية بل العكس فهو من قبيل: {وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ} [سورة النحل، الآية: 53] أي ذلك سبب للإخبار بكونه من الله لأن قيد الأوامر قد يكون للمطلوب، وقد يكون للطالب وكذا الإخبار، وتقدير هو كائن بيان للمعنى والا فالتقدير ب! ذن الله يكون ويحصل وجعل الإذن مجازاً عن التخلية اللازمة للإذن لأنّ حقيقته إنما يكون عند الأمر والرضا، وليعلم عطف على بإذن الله والمراد التميز لحصول العلم قبل الإصابة، وفيه بحث لأنه ما المانع من جعل القضاء والتخلية سببا لإصابتهم ولولا ذلك لم يغلبوهم، ثم إن جعله بمعنى التخلية تبع فيه الزمخشريّ، وقد أورد عليه أنه غفلة فإنه مذهب المعتزلة لأن غلبة الكفار ليست بإرادة الله عندهم لقبحها وأمّا عند أهل السنة فالإذن بمعنى الإرادة وكأنه غفلة عن قوله بقضائه، وفي كلام النحرير دفع آخر له. قوله: (وليتميز المؤمنون والمنافقون الخ) قد قرّر سابقا أنّ إثبات علمه كناية عن إثبات معلومة على وجه برهاني والمعلوم هنا وهو الإيمان والكفر ثابت قبل إصابة ما أصابهم فأوّله بظهورهما، ولو أوّله بالثبات لصح، وليعلم مرّ أنه عطف على باذن لسبب على سبب آخر، ويصح عطفه على علة محذوفة للإبهام كما مرّ فسقط ما قيل إن أراد التميز عند الله ورد أن الطائفتين ممتازتان في علمه دائماً وان أراد عند الناس ورد أنه لا وجه لتفسير علم الله به ولا حاجة إلى أنّ المراد لتميزهم فيتميزوا عند الخلق فاكتفى بلازمه وقوله: (أو كلام مبتد " أي معطوف على مجموع ما قبله أو هو اعتراض!. قوله: (تقسيم للأمر عليهم الخ) الظاهر أن المراد بالأمر ظاهره وجوّز فيه أن يكون بمعنى البيان، وقوله عن الأنفس والأموال أي أنفسهم وأموالهم بيان لمتعلقه، ويحتمل الدفع بأن لا يظهروا الكفر فيكون ذلك هذا فالمعنى حينئذ ادفعوا المسلمين، وهو بعيد وقوله: فإنّ كثرة السواد أي الناس يعلم من مقابلته للقتال والتخلف وقوله: يروع بالتشديد والتخفيف،
ويكسر منه على حد قوله:
تجرح في عراقيبها نصلي
قوله: (لو نعلم ما يصح أن يسمى قتالاً) يعني نفي علم القتال كناية عن أن ما هم فيه
ليس قتالاً بناء على نفي العلم بنفي المعلوم لأنّ القتال يستدعي التكافؤ من الجانبين مع رجاء مدافعة أو مغالبة فهذا إلقاء للتهلكة لا قتال، أو المراد أنا لا نحسن القتال ولا نقدر عليه لأن علم الله بفعله الاختياري من لوازم القدرة عليه فعبر بنفيه عن نفيها، والدغل أصل معناه الاختفاء، ثم استعمل للفساد وهو المراد. قوله تعالى: {هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ يَقُولُونَ} لانخزالهم الخ الانخزال بمعنى الانقطاع، ويومئدّ أصله يوم إذ قالوا لو نعلم قتالاً أي وقت قولهم هذا كانوا أقرب منهم للكفر قبل ذلك لظهور أماراته، قيل الظروف كلها متعلقة باً قرب لما فيها من الاتساع لكن تعلق الكفر باعتبار الزيادة وتعلق الإيمان من حيث المفضولية كأنه قيل قربهم من الكفر يزيد على قربهم من الإيمان وصلة القرب تكون من والى تقول قرب منه وإليه ولا تقول له فقيل اللام بمعنى إلى.
(أقول (يعني أنه لا يتعلق حر فاجر أو ظرفان بمعنى متعلق واحد إلا في ثلاث صور أن
يتعلق أحدهما به مطلقا، ثم يتعلق به الآخر بعد تقييده بالأوّل كما مر تحقيقه في كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا وأن يكون الثاني تابعا للأوّل ببدلية ونحوها أو يكون المتعلق أفعل تفضيل لتضمنه الفاضل والمفضول الذي يجعله بمنزلة تعدد المتعلق كما في المقيد والمطلق فاحفظه وقول أبي البقاء: وغيره جاز أن يعمل أقرب فيهما لأنهما يشبهان الظرف في هذا بسرا أطيب منه رطبا إشارة إلى أنه كثر في الظرف التغاير الاعتباري فحمل هذا عليه، فلا يرد عليه أن ظاهره أنّ المسوغ لتعلقهما بعامل واحد شبههما بالظروف وليس كذلك وفي الدر المصون إنّ القرب الذي هو ضد البعد يتعدى بثلاثة حروف اللام والى ومن فإذا قلت زيد أقرب من العلم من عمرو فمن الأولى للتعدية الأصلية والثانية الجارة للمفضول فلا حاجة إلى أن اللام بمعنى إلى اص.
فما ذكره النحرير مردود، وقيل: إن أقرب هنا من القرب بفتح الراء وهو طلب الماء،
ومنه القارب لسفينته وليلة القرب أي الورود، والمعنى هم أطلب للكفر وهو يتعدى باللام. قوله:) وقيل هم لأهل الكفر الخ) يعني أنه على تقدير(3/78)
مضاف وهو أهل واللام متعلقة بالتمييز
المقدّر أعني نصرة كما تقول أنا لزيد أشد ضربا لعمرو ولا يبعد ذلك عند عدم اعتبار حذف المضاف أيضاً، وقوله: تخذيلا من الخذلان وهو عدم النصرة. قوله: (يظهرون خلاف ما يضمرون الخ) هذه الجملة إمّا مستأنفة أو حال من ضمير أقرب وقوله: (بأفواههم) قيل: إنه تأكيد على حذ ولا طائر يطير بجناحيه وقيل: إنه بيان لأنه كلام لفظيّ لا نفسيّ، وأثا تفسير المصنف رحمه الله له كقول الزمخشريّ: إنه تصوير لنفاقهم وانّ إيمانهم موجود في أفواههم فقط فينبغي كونه تأكيداً لهذه الفائدة فكان على المصنف رحمه الله أن يقول أو تصوير ولا يتبعه وفسر بعضهم التصوير بالتحقير لأنه بمجرّد اللسان كأنه وقع في نسخته تصغير، وكأنه غلط من الناسخ. قوله: (من النفاق وما بخلو به إلى قوله بعلم واجب) أي يقينيّ قطعي بدليل مقابله. قوله: (بدلاً من واو يكتمون الخ) فهو كقوله: {وَأَسَرُّواْ النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ} أسورة الأنبياء، الآية: 3] وعلى الجرّ في الوجهين فهو من باب التجريد كقوله:
ياخيرمن ركب المطي ولا شرب الكؤس بكف من بخلا
واستشهد لإبدال المظهر من ضمير الغيبة بما ذكره وهو من شعر للفرزدق ومنه:
فلما تصافينا الإداوة أجهشت إليئ غضون العنبري الجراضم
فجاء بجلمودله مثل رأسه ليشرب ماء القوم بين الصرائم
على حالة لوا! في القوم حاتماً على جوده لضن بالماءحاتم
بجرّ حاتم بدلاً من ضمير جوده لأن القوافي مكسورة، والتصافي اقتسام الماء بالحصص
عند ضيق الماء ويكون بحجر صغير يسمى مقلة بوزن وفعة يشرب قدر ما يغمره فحاول العنبريّ أي رجل من بني العنبر كان رفيقاً له الزيادة لشرهه وشدة عطشه ولسعة بطنه، وهو معنى الجراضم بضم الجيم والراء المهملة وألف وضاد معجمة فميم، والصرائم جمع صريمة وهي منقطع الرمل ويقل فيه الماء، والإجهاش التفزع إلى الغير تهيؤ للبكاء، وغضون الجلد مكاسره، وأسند لها الإجهاش لأنّ مخايله تظهر فيها وأعرب قعدوا حالاً لأنه أقعد من العطف. قوله:
(أي إن كنتم صادقين) أي ما اذعيتموه سبب النجاة ليس بمستقيم ولو فرض استقمامت فليى بمفيد أمّا الأوّل فلأن أسباب النجاة كثيرة غايته إنّ القعود والنجاة وجدا معاً وهو لا! ل ل! لى السببية، وأمّا الثاني فلأن المهروب عنه بالذات هو الموت الذي القتل أحد طرقه وأ! ابه فإن صح ما ذكرتم أرفعوا سائر أسبابه وأنتم معترفون بعدم ذلك هذا إذا كان متعلق الصدق هو! اتضمنه قولهم من أن سبب نجاتهم القعود عن القتال، أمّا لو كان ما صرح به مش أنهم لو أطاعونا ما قتلوا فظاهر إنه غير معلوم لجواز قتلهم في مضاجعهم، وفي الكشاف وروي أر4 مات يوم تالوا هذه المقالة سبعون منافقا بعدد من قتل بأحد. قوله: (والخطاب لرصول الله صلى الله عليه وسلم أو لكل أحد الخ) كون الآية في شهداء أحد هو المروي في أسباب النزول حتى تيل إن كونها في شهداء بدر غلط لم يرو عن السلف، ولذا مرضمه المصنف رحمه الله و! لى قراءة الخطاب المخاطب الرسول صلى الله عليه وسلم أوكل من يقف على الخطاب مطلقاً، وقيل: (من المنافقين الذين قالوا لو قعدوا ما ماتوا) وإنما عبر عن اعتقادهم بالظن لعدم الاعتدادب. تو! 4: (والمفعول الأوّل محذوف الخ) قدره الزمخشريّ ولا يحسبنهم الذين قتلوا أمواتا أي لا! حسبن الذين قتلوا أنفسهم أمواتا، واعترض بأن فيه تقديم المضمر على مفسره وهو مخصوص دأ! اكن ليس هذا منها وردّ بأنهم وان لم يذكروه لكن عود الضمير على الفاعل المتأخر لفظاً جائز! ر! ، رتبة ومعنى وتعدى أفعال القلوب إلى ضمير الفاعل جائز، وقد صرّح في شرح الك! اف! جواز ظنه زيد منطلقا فهذا غريب منه، وأمّا حذف أحد مفعولي باب علم وظن فلا يمتنع ا! صار إلا اقتصارا وما هنا من الأوّل فيجوز مع أنه جوّز الاقتصار بعضهم ويكفي للتخريج مثه فإن قيل كيف جاز نهي المقتولين قيل: لأنهم أحياء ونفوسهم بالله مدركة، وقيل: إنهم تيقنوا كونهم أحياء فكيف ينهوا عن الظن بكونهم أمواتا إلا أن يجعل نفيا لأنه ورد تأكيد النفي وإن! ل، أو هو نهي عن حسبانهم أنفسهم أمواتا في وقت مّا(3/79)
ويناسبه تقدير بلى هم أحياء للاست! رار. قول: (بل أحسبهم أحياء) هذا تخريج الزجاج، وأورد عليه الفارسيّ إنّ الأمر يقين فلا يؤمر فيه
بحس! بان ولا يضمر إلا الحسبان لا اعتقدهم أو اجعلهم إذ لا دلالة للمذكور عليه، وردّ بأنه يكفي مثله قرينة على أفي حال وهذا تحامل وتعصب وأمّ الأمر بالحسبان والظن فلا مانع منه بلى التكليف بالظن واقع نحو قوله: {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ} أسورة الحشر، الآية: 2] أمراً بالقياس وتحصيل الظن وأمّا أنّ المراد اليقين وتقدير احسبوا للمشاكلة فتعسف لأن الحذف في المشاكلة لم يعهد. قوله:) ذوو زلفى منه) يعني أنّ عند هنا ليس للقرب المكاني لاستحالته، ولا بمعنى في علمه وحكمه كما يستعمل له عند في نحو عند أبي حنيفة كذا لعدم مناسبة المقام وعدم مناسبته ظاهرة، وان قيل إنه مناسب بلا شبهة لأنه يدل على التحقق لأنّ المقام مقام مدح، وهذا التفسير أنسب به، وفي الكلام دلالة على التحقق من وجوه أخر بل هي بمعنى القرب شرفاً ورتبة، واختلف في رسع! ذوو ونحوه فرسمه بعضهم بدودط ألف لأنّ الألف إنما تزاد بعد واو ضمير الجمع الاسمية نحو قالوا وهذه ليست ضميراً، ومنهم من رسمها في واو مثله تشبيها لها بواو الضمير في الفعل، والحياة الأبدية من كونهم أحياء، والقرب من عند الله والتمتع من قوله يرزقون. قوله: (يسرّون بالبشارة الخ (البشارة الخبر السارّ والاستبشار طلبها، والمعنى هنا على السرور بما علموا من حالهم فاستعمل في لازم معناه، وهو استئناف أو معطوف على فرحين لتأويله بيفرحون والمراد بالخلفية التأخر في زمان شهادتهم، أو في رتبة فضيلتهم وأن لا خوف بدل من الذين بدل اشتمال وجوّز فيه النصب بنزع الخافض أي لأن لا أو بأن لا، والخوف وقوع المكروه والحزن ضد الفرج وخصه بفوات المحبو! لأن أكثر استعماله فيه وبه تتم مقابلة الخوف، وخوف مضاف ولا وجه لما قيل إنّ خوف بلا تنوين لتقدير الإضافة كما في بين ذراعي وجبهة الأسد. قوله: (والآية تدل على أنّ الإنسان غير الهيكل المحسوس الخ) الهيكل بمعنى البدن، وهو يطلق عليه كثيراً يعني ليس الإنسان مجزد البدن بدون النفس المجرّدة بل هو في الحقيقة النفسى المجرّدة، واطلاقه على البدن لشدة التعلق
بها وهي جوهر مدول لذاته أي من غير احتياج إلى هذا البدن لوصفه بعد مفارقته بالتنعم ونحوه، وأمّا جواز أن يتوقف إدراكه على بدن آخر كما في حديث الطير الخضر فلا دليل عليه مع عمومه لأهل العذاب وكونه مدرك لذاته بإضافة مدرك لجمع اللذة بعيد. قوله: (في أجواف طير خضر الخ) قيل هو على ظاهره وإنّ أرواح الشهداء أعني نفوسهم التي بها الإدراك، والتمييز تحل أبدان الطيور المتنعمة في الجنة فتلتذ بذلك أو تتمثل طيورأ خضراً، أو تتعلق بها فيمن جعلها مجرّدة، وقيل المراد أنها تتعلق بالأفلاك والكواكب فتلتذ بذلك أو تكتسب زيادة كمال، وهذا يلائم القناديل المعلقة تحت العرس، ومن أوّل الحديث قصد سد باب التناسخ، ومن هذا الحديث أخذ المثل المشهور النفس خضراء بمعنى أنها تميل لكل شيء وتشتهيه، ومن أنكر تجرّدها وجعلها عرضاً أو الأنفاس أوّل الحياة المذكورة بحياة أخرى أو بالحياة المعنوية وهي بقاء الذكر الحسن وحكم الإيمان وثوابه، والإحماد من أحمدته وجدته محموداً، وذلك أنهم مدحوا بأنهم يستبشرون بحصول النعمة والفضل وعدم الحزن واللحوق لمن خلفهم، والبيان لقوله ألا خوف لأنه بنعمة الله وفضله أو الاستبشار الأوّل بدفع المضار ولذا قدم، والثاني لوجود المسارّ، وقوله: عطف على فضل هو قول للنحاة أو على نعمة على الآخر. قوله: (على أنه استئناف الخ (والاعتراض على القول بأنه يكون تذييلأ وفي آخر الكلام، ولا يشترط أن يكون في وسطه، ولا حاجة إلى تكلف توجيه له أصلا. قوله:) دال على أت ذلك أجر لهم على إيمانهم) هو مأخوذ من التعليق بالمشتق كما مرّ مراراً واحباط العمل أن لا يعتذ به
ولا يثمر، وهو من المسائل المبينة في الأصول ووجه دلالة النظم عليه ظاهر. قوله: (خبره للذين الخ) يعني أجر مبتدأ مؤخر والجار والمجرور خبره والجملة خبر المبتدأ الأوّل، أو الجار والمجرور خبر وأجر فاعله ومن بيانية وفيه تجريد ومبالغة كما تقول لي منك عالم وإنما حمل عليه لأنهم كلهم محسنون متقون، والروحاء براء مفتوحة وواو ساكنة وحاء ومد موضع بين مكة والمدينة وقوله: فندب أي دعا وقوله: يومنا أي وقعتنا(3/80)
وأيام العرب وقائعهم، وحمراء بالمد مضاف إلى الأسد اسم موضمع على ثمانية أميال من المدينة وليست بدرا الصغرى لأنّ هذه في وقعة أحد وبدر الصغرى بعد بسنة، وقوله: وكان بأصحابه القرح يعني جراحات من حرب أحد، ومعنى تحاملوا على أنفسهم تكلفوا حمل المشقة عليها وكان المشركون هموا بالرجوع إلى المدينة فلما نهض المسلمون خلفهم خافوا وذهبوا. قوله: (يعني أي بالناس الركب الخ) فالناس الثاني غير الأوّل وأل فيهما للعهد لكن الناس الأول إن كان الركب فظاهر لأنهم جمع وإن كان نعيما فأطلق عليه ذلك كما يطلق الجمع واسم الجمع المحلى بالألف واللام الجنسية على الواحد منه مجازاً كما صرحوا به أو باعتبار أنّ المذيعين لكلامه كالقائلين لهم. قوله: (روي الخ) رواه ابن جرير أو غيره وضمير إنه لأبي سفيان رضي الله عنه ومرّ الظهران محل
معروف بقرب مكة، والميرة بكسر الميم شراء الطعام أو الطعام نفسه، وثبطوا بمعنى عاقوهم عن الخروج وغرضه أن يقال خرج أبو سفيان ولم يخرجوا أو أن لا يقع القتال لخوفه، وقوله: اتوكم في دياركم يعني أحداً، والشريد الفارّ. قوله: (الضمير المستكن للمقول الخ) قيل في رجوعه إلى الفاعل ضعف لأنّ الجمع أطلق على واحداً مجازاً فلا يجوز إفراد ضميره إذ لا يقال مفارقه شاب باعتبار أنّ المراد مفرقه، وردّ بأنه يكون كرجوع الضمير للفظ والمعنى ولا مانع منه ويحتمل أنّ الضمير لله أي فزادهم إيمانا بسبب ذلك.
تنبيه: قوله: إنّ المراد بالناس نعيم هذا ما ذهب إليه المفسرون والسهيلي.
وقال ابن عبد البرّ وابن حجر في أماليه هذا لم أره مسندأ وان نقله الثعلبي عن مجاهد وعكرمة، وقال الواقدي: وابن إسحق إنهم ناس من عبد قيس ورووه بسند فيه انقطاع واتهام وانحصر تسميته نعيما في مقاتل، وهو متروك ووقعت لي التسمية بسند قوي فيهم متهم وساقه. قوله: (وهو دليل على ان الإيمان يزيد ويتقص الخ (واركلام فيه معروف في الأصول والحديث والمصنف رحمه الله بني كلامه أوّلاً على أنّ الأعمال داخلة في الإيمان فزيادته ظاهرة، وثانيا على أنّ نفس التصديق والاعتقاد يقبل ذلك، وأما من لم يجعل الأعمال منه ولم يجعل التصديق قابلا للزيادة والنقصان فيؤوّل ما ورد فيه بأنه باعتبار المتعلق وما يؤمن به وقوله: وينقص حتى يدخل صاحبه النار معناه يضعف حتى يوقع صاحبه في أمور توجب دخول النار، والا فالإيمان لا يوجب النار بل الجنة ولو بمقدار خردلة. قوله: (محسبنا وكافينا الخ) يعني أنه بمعنى اسم الفاعل ولذا وصف به النكرة، وهو مضاف لأن إضافة اسم الفاعل لفظية لا
تفيده تعريفاً ويعلم منه أنّ المصدر المؤوّل باسم الفاعل له حكمه في الإضافة، وفي عطف جملة نعم الوكيل الإنشائية على حسبنا الله الخبرية كلام فمن جوّزه مطلقا أو فيما له محل من الإعراب لتأويله بالمفرد فالأمر عنده ظاهر، وتفصيله في حواشي المطول، وقوله: الموكول إليه إشارة إلى أن فعيل بمعنى مفعول، وقوله: فرجعوا من بدر المراد بدر الصغرى وهي بعد أحد بسنة. قوله: (قد تفضل عليهم بالتثبيت الخ) التثبيت، وما بعده معلوم مما مرّ وقوله: تحسير بالحاء المهملة بمعنى إيقاعهم في حسرة وندم على ما فاتهم ويحتمل الإعجام أن نسبة إلى الخسران والضلال، وحرم مبني للفاعل ونفسه مفعوله أو مبني للمفعول ونفسه تأكيد للضمير المستتر وما فازوا به مفعوله الثاني. قوله: (يريد به المثبط نعيماً الخ) يعني ذلكم إشارة إلى المثبط والمعوّق بقوله: إنّ الناس قد جمعوا لكم بالذات وهو نعيم أو بالواسطة كأبي سفيان والشيطان بمعنى إبليس خبره على التشبيه البليغ أو الشيطان صفة على التشبيه أيضا، ويحتمل أن يكون مجازا حيث جعله هو فإن كان الإشارة إلى القول فلا بد من تقدير مضاف، أي قول الشيطان ويكون الشيطان بمعنى إبليس لأنه علم له بالغلبة وأمّا على تقدير المضاف وان احتمل أن يكون الشيطان مستعاراً له لكن فيه تكلف معنى مع التقدير والتجوز فلذا تركه المصنف رحمه الله كغيره والتجوّز في الإضافة إلى(3/81)
إبليس لأنه بوسوسته وسبه فجعل كأنه قوله.
قوله: (أولياءه القاعدين عن الخروج الخ) يعني أولياءه يحتمل أن يكون ثاني مفعولي يخوّف والأوّل محذوف أي يخوّفكم من أوليائه أي أبي سفيان وذويه لقوله فلا تخافوهم فإن الظاهر عود ضميرهم إلى الأولياء فيكون هم المخوّف بهم ليلائم النهي عن المخوّف منهم، ويحتمل أن يكون المذكور هو المفعول الأوّل على أنّ المراد بهم القاعدون عن الخروج معه صلى الله عليه وسلم، والثاني متروك أو محذوف للعلم به أي يوقعهم في الخوف أو يخوفهم من أبي سفيان وأصحابه فلا يصح عود ضمير تخافوهم على أوليائه، بل هو راجع إلى الناس في قوله: {إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ} [سورة آل عمران، الآية: 173] كضمير اخشوهم فهو رذ له، وبقي
الخطاب في ذلك إلى قوله إن كنتم مؤمنين للقاعدين أو للخارجين معه صلى الله عليه وسلم أو للجميع قال النحرير: الظاهر الأوّل لأن الخارجين لم يخافوهم بل خافوا الله وقالوا: حسبنا الله، ويجوز أن يكون للجميع والقصد التعريض بالقاعدين وإذا كان الخطاب للقاعدين فأولياؤه على أحد الوجهين من وضع الظاهر موضع المضمر نعياً عليهم بأنهم أولياء الشيطان. قوله: (الضمير للناس الخ) الناس الثاني هو الذي في قوله: {إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ} وقوله: على الأوّل أي على التفسير الأوّل لقوله أولياء. إذ المراد به القاعدون عن الخروج معه من المنافقين، والمخوّف ليس هم بل أبو سفيان، والمشركون وهم المراد من الناس الثاني كما مرّ، وعلى تفسير الأولياء الثاني هم عين الناس الثاني فيعود إليهم الضمير، ولذا رجحه الزمخشريّ لقربه وتبادره والمصنف عكسه. قوله: (من مخالفة أمري الخ) فالمخاطب بقوله فلا تخافوهم كما مرّ المؤمنون وقوله: إن كنتم مؤمنين مع تحقق إيمانهم إلهاب وتهييج لهم، فإن كان المخاطب الجميع ففيه تغليب وأمّ جعل الخطاب للمنافقين على الالتفات وان كان لا تكلف فيه فخلاف الظاهر، ولذا ترك الالتفات إليه. قوله: (يقعون فيه سريعاً) يعني أنّ المسارعة ضمنت معنى الوقوع فعديت بفي والا فتعديتها بإلى. قوله: (والمعنى لا يحزنك خوف أن يضروك الخ) يعني المنهي عنه الحزن لخوف ضررهم بدليل ما بعده لا الوقوع في الكفر، لأنه أمر قبيح يحزنه فليست الصلة علة لعدم الحزن كما هو المعهود في مثله، وفي المائدة أنّ المعنى يسارعون في إظهاره بما يلوح منهم من آثار الكيد للإسلام ومن موالاة المشركين وهو راجع إلى هذا التفسير لأن كيدهم وموالاتهم هو عين الضرر فلا يرد عليه ما قيل إنه أيضاً قبيح يفتقر إلى تأويل. قوله: (أي لن يضروا أولياء الله الخ) قدر المضاف للقرينة العقلية عليه، وكونهم إنما يضرون أنفسهم مأخوذ من أنّ الله لم يجعل لهم حظاً في الآخرة لمسارعتهم للكفر وقوله: (شيئاً " يحتمل) المفعول أي بواسطة حرف الجرّ أي بشيء واليه أشار بقوله: يضرون بها ولا حاجة إلى تأويله بما يتعدى بنفسه إلى مفعولين، والمعنى على المصدرية ضرر أمّا. قوله: (وهو يدل على
تمادي الخ الأنه إن لم يستمرّ كفرهم لم يقطع نصيبهم من الآخرة قيل، وما ذكره من وجه ذكر الإرادة تبع فيه الزمخشريّ وهو مبني على مذهبه في أنّ إرادة الله تعالى لا تتعلق بالشر فالصواب، تركه وإنّ وجه ذكرها لأنه لا يخرج عن إرادته شيء من خير أو شر وليس بشيء لأنه لم يقل إنه لم يرد كفرهم ولم يرمز إليه فليس فيه مخالفة لأهل السنة لا منه ولا من العلامة وهذه نكتة سرية لا داعي لتركها وقوله: (مع الحرمان عن الثواب) مستفاد مما قبله. قوله: (تكرير للتكيد الخ الما كان هذا وما قبله واحداً بحسب المآل والظاهر بين وجهه بأنه تأكيد له أو المسارعون للكفر المنافقون أو من ارتد، وهذا عامّ لكل كافر فأردفعه به تتميما وتنبيها على أنه لا يختص بهم وجوز الزمخشرفي العكس بأن يكون الأوّل عاما للكفار، وهذا خاص بالمنافقين أفردوا بالذكر لأنهم أشد منهم في الضرر والكيد وقوله: (أو ارثد من العرب) في نسخة الإعراب.
وقيل إنّ المراد بالأوّل المنافقون أو من ارتد وهؤلاء اليهود. قوله: (والذين مفعول وإنما نملي لهم بدل الخ) إذا كان الخطاب للنبيّ صلى الله عليه وسلم فالمقصود التعريض بهم إذ حسبوا ما ذكروا الذين أحد المفعولين ولا يجوز الاقتصار في هذا الباب على الصحيح وإنما الخ لتأويله بالمصدر لا يصح حمله على الذوات فلا يقع ثانيا في باب علم إلا بتقدير في الأوّل أي حال الذين(3/82)
وشأنهم أو في الثاني أي أصحاب إنما الخ، أو هو بدل مقصود بالذات وأنّ المفتوحة مع اسمها وخبرها تسد مسد المفعولين لحصول المقصود من تعلق أفعال القلوب بالنسبة الإسنادية لا باعتبار الحذف اختصاراً أي لا تحسبن خيرية الإملاء ثابتة لهم وان كان رأيا لأنه ليس مرادهم هنا، ثم مثل بالآية الأخرى لوقوعه فيها بدون بدلية، وقوله: أو المفعول الثاني معطوف على
قوله بدل وهو إشارة إلى وجهي التقديرين السابقين وإنما قيدهم بقوله: لأنفسهم لأنه خير للمؤمنين لنيل الشهادة، وفضيلة الجهاد وغيره وما مصدرية فكان حقها الفصل لكنها كتبت في المصحف العثماني موصولة وهو المراد بالإمام في اصطلاح القراءة والمفسرين فاتبع واتباعه لازم ووجهه مشاكلة ما بعده والحمل على الأكثر فيها، والإملاء بمعنى الطول ليس خيراً لهم لازدياد آثامهم، وتفسيره بالتخلية هو الذي في الكشاف وتفسيره به مبني على مذهبهم لأنّ شأنهم الكفر وقد خلى بينه وبينهم لا إنه إرادة وخلقه فيهم وشأنهم مفعول معه وطول بكسر الطاء وفتح الواو الحبل الذي يطول للدابة لترعى فعلى هذا هو استعارة. قوله: (استئناف بما هو العلة للحكم قبلها) بين نهيهم عن حسبان خيريته بأنه لازدياد إثمهم والقائلون بأن الخير والشرّ بإرادته تعالى يجوّزون التعليلى بمثل هذا إمّا لأنه غرض وامّا لأنه مراد مع الفعل فيشبه العلة عند من لم يجوّز تعليل أفعاله بالأغراض، وأمّا المعتزلة وإن قالوا بتعليلها لكن القبيح ليس مراداً له عندهم، ومطلوبا وغرضاً فلذا جعلوا ازدياد الإثم هنا باعثا نحو قعدت عن الحرب جبناً لا غرضا يطلب حصوله ولما لم يكن الازدياد متقدما على الإملاء هنا والباعث متقدم جعلوه استعارة بناء على أن سبقه في علم الله شبهه بتقدم الباعث في الخارج قيل ولم يذهب إلى أنها لام العاقبة مع قلة تكلفه لأنّ هذه الجملة تعليل لما قبلها فلو كان الإملاء لغرض صحيح يترتب عليه هذا الأمر الفاسد القبيح لم يصح ذلك ولم يصلح هذا تعلياذ لنهيهم عن حسبان إملائهم خيراً لهم فليتأمّل، فقول المصنف رحمه الله وعند المعتزلة لام العاقبة مخالف لمذهبهم كما سمعته فلذا تكلف بعضهم له أنّ المراد بقوله: لام العاقبة أنها ليست للإرادة. توله: (على معنى ولا يحسبن الخ (على هذه القراءة الإملاء لإرادة التوبة لأنّ الإملاء للازدياد منفيّ، وعلى القراءة الأخرى هو مثبت والآخر منفي ضمناً، ولا تعارض بين القراءتين لأنه عند أهل السنة يجوز إرادة كل منهما ولا يلزم تخلف المراد عن الإرادة لأنه مشروط بشروط كما اشار إليه المصنف رحمه الله بقوله: (1 ن انتبهوا الخ) وإنما على اعتراض ولا وجه لجعلها حالية. قوله: (على هذا يجوز أن يكون حالاً الخ) يعني أن- ما في هذه القراءة مصدرية، وليزدادوا خبران، ولما لم يكن الإملاء الذي للتوبة والدخول في الإيمان ملائماً لمقارنة العذاب المهين بل الثواب جعل الواو حالية داخلة في حيز النهي عن الحسبان بمنزلة أن يقول ليزدادوا وليكون لهم عذاب، وهذا المعنى لا يحصل بالعطف نعم للاعتراض وجه، ولذا قال المصنف
رحمه الله يجوز، وأن المصدرية سابكة للجملة وما المصدرية سابكة لصلتها فلا يتوهم أنه كيف يتوالي حرفا مصدر، وأمّا تصحيح العطف ويكون لهم عذاب معطوفا على ليزدادوا فغنيّ عن الردّ وعلى القراءة الأخرى يجوز العطف وألاعتراض أيضاً وقراءة الفتح في الثانية شاذة. قوله: (الخطاب لعامّة المخلصين الخ) أي خطاب أنتم وهذا هو الذي يقتضيه الذوق والا كان الظاهر على ما هم عليه أو ليلأركم، فما قيل: إنه يحتمل أن يكون للمؤمنين وعداً لهم بتصفيه حوزتهم عن الكفار وتمحيص أمرهم أو للمنافقين تهديدا لهم لم يتركوه إلا لعدم مناسبته للنظم ولا داعي لتلوين الخطاب، ثم ذكر القراآت وهي ما مازه أي ميزه مشدداً وأمتا أمازه مزيداً فلا يوجد في اللغة كذا قال النحرير: وأثبته في القاموس وهو حجة عليه. قوله: (وما كان الله ليؤتي أحدكم الخ) فسره بهذا المناسبة سبب النزول وإن احتمل أنه لا يطلع جميعكم بل يختص به من أراد ونصب ما يدل على الغيب من العلامات التي تدرك بالفراسة الصائبة والإلهام الرباني لبعض أهل الكشف من الأنفس القدسية، وإنما أوّل آمنوا بما ذكر لأنّ الخطاب عام للمنافقين وهم مؤمنون ظاهرا ومجتبين كمصطفين لفظاً ومعنى، وقوله: ولا يقولون إلا ما أوحي إليهم أي في أمر الشرائع، وهذا لا ينافي(3/83)
اجتهاده صلى الله عليه وسلم لأنه مأمور به فهو مستند إلى الوحي أيضا وقوله.) روي الخ) رواه ابن جرير عن السدفي، وأمّا المذكور بعده فقال السيوطي رحمه الله: لم أقف عليه والمراد بالأمة في قوله: " أمتي " أمّة الدعوة ولا يجوز أن يراد الإجابة وهو عام لمن في عصره وغيره ويحتمل أنّ المراد من في عصره فقط، وقوله حق الإيمان لما مرّ، وفسر التقوى بالمعنى اللغوي وخصه بما ذكر لأنه أنسب بالمهفام ولا ب! دهـ بمعنى لا يقدر ويحذ. قوله: إ قدر مضافاً
الخ (مرّ وجهه وقوله: (محذوفاً لدلالة يبخلون الخ) تكرر في هذا الكتاب والكشاف جواز حذف أحد مفعولي هذا الباب، وظاهر كلامه في سورة النور أنه إذا اتحد الفاعل والمفعولان كما في قوله: {وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتًا} [سورة آل عمران، الآية: 69 ا] ففهم منه بعضهم أنه يشترط في حذفه ذلك وأجيب بأنّ المراد منه الجواز إذا قويت الدلالة وظهرت القرينة، وهنا كذلك على أنّ الذين يبخلون الفاعل لما اشتمل على البخل كان في حكم اتحاد الفاعل والمفدول، وهو تكلف لم يذهب إليه أحد من النحاة، وأمّا جعل هو ضمير رفع استعير في مكان المنصوب وهو راجع للبخل أو الإيتاء على أنه مفعول أوّل فتعسف لا يليق بالنظم وان جوّزه بعضهم تبعا لأبي البقاء حتى قال في الدر المصون: إنه غلط وهو ضمير فصل بين مفعولي حسب وهو مراد أبي البقاء بقوله: إنه تأكيد فلا وجه لردّه بأنّ الضمير لا يؤكد المظهر. قوله: (والمعنى سيلزمون الخ) بالبناء للفاعل والمفعول، قيل: إنه إشارة إلى أنّ ما في الآية والحديث تمثيل ولا طوق حقيقة وفي قوله: زكاة ما له إشارة في أنّ الوعيد على ترك الإنفاق الواجب والحديث المذكور أخرجه البخاريّ والترمذيّ والنسائيّ والشجاع هنا الحية العظيمة وفي شروح الكشاف، إنّ من أمثالهم تقلدها طوق الحمامة والضمير للخصلة والصفة وشبهه بطوق الحمامة في اللزوم قيل ولا يستعمل إلا في الشر فإن أرادوا في هذا المثل فصحيح والا فلا لقول المتنبي:
أقامت في الرقاب له أياد هي الأطواق والناس الحمام
وبه صرّح في الأساس. قوله: (وله ما فيهما مما يتوارث الخ) يعني أن الميراث مصدر
كالميعاد والمراد به ما يتوارث فهو حقيقة، أو أن المراد أنه يرثه يعني أنه ينتقل إليه ويخرج عن أيديهم ظاهراً والا فهو له حقيقة، وعلى هذا فهو مجاز قال الزجاج رحمه الله: أي إنّ الله تعالى يفني أهلهما فيفنيان بما فيهما فليس لأحد فيهما ملك فخوطبوا بما يعلمون لأنهم يجعلون ما يرجع إلى الإنسان ميراثأ ملكاً له وقوله: فيجازيكم قيل الأظهر فيجازيهم لأنه في صدد قراءة الغيبة بدليل ما بعده، ومر بيان كون العلم عبارة عن الجزاء في القرآن وكونه أبلغ لأنّ تهديد العظيم بالمواجهة أشد. قوله: (قالتة اليهود لما سمعوا الخ) وفي نسخة قاله اليهود والحديث المذكور (2! مخرج عن ابن عباس رضي الله عنهما رواه ابن إسحق وابن جرير ومثله سواء كان عن اعتقاد أو استهزاء بالقرآن، وهو الظاهر لا يصدر إلا عن تمرّد عظيم، وفسر سماع الله بعدم خفائه عليه واعداد العقاب عليه وتبع فيه الزمخشرفي وهو مناسب لمذهبه في إنكار الصفات ولكنه ليس مراده ذلك كما بينه شراحه بل مراده أنه تعالى سميع لجميع المسموعات فتخصيص هذا كناية عن أنه أعد له عقاباً يناسبه فليس سماع قبول ورضا كما في سمع الله لمن حمده بل سماع ظهور وتهديد لأنه سمع ما قالوه من غير تبليغ فهو أشد للغضب عليهم وأيضا أنهم أنكروه ولا مجال لإنكاره لأنه سمعه ولهذا أكده لأنّ إنكارهم للقول بمنزلة إنكار السمع. قوله: (سنكتبه في صحائف الكتبة الخ) يعني أنّ الكتابة حقيقية والإسناد مجازيّ أو استعارة والإسناد على حقيقته، وقوله: لا نهمله مأخوذ من الكتابة لأنّ من لم يهمل شيئاً يكتبه وكذا من السين المفيدة للتأكيد، وقوله: ليس أوّل جريمة ارتكبوها مأخوذ من عطف ما سبق من جرائم
أسلافهم. قوله: (ون! قم منهم الخ) الباء في بأن نقول كباء كتبت بالقلم أي ننتقم منهم بواسطة هذا القول الذي لا يقال إلا وقد وجد العذاب، قال الزجاح رحمه الله: ذق كلمة تقال لمن أي! من العفو أي ذق ما أنت فيه فلست بمتخلص مته، وقوله: العذاب المحرق إشارة إلى أنه من الإضافة البيانية أي العذاب الذي هو المحرق لأن المعذب الله لا الحريق أو الإضافة للسبب لتنزيله منزلة الفاعل.(3/84)
قوله: (وفيه مبالغات في الوعيد) أي في نقول ذوقوا عذإب الحريق بذكر العذاب والحريق والذوق المنبئ عن اليأس كما مرّ، والقول للتشفي المنبئ عن كمال الغيظ والغضب، وقيل في قوله: {لَّقَدْ سَمِعَ اللهُ} إلى هنا لأنّ السماع كناية عن العقاب ال! ظيم وجعل ما قالوه عديلا لقتل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وحفظه بالكتابة واسناده لذاته وتأكيده بالسين. قوله: (والذوق إدراك الطعوم الخ) قال الراغب: الذوق وجود الطعم بالفم وأصله فيما يقل تناوله دون ما يكثر فإنه يقال له أكل يقال فلان ذاق كذا وأنا أكلته أي خبرته أكثر مما خبره اهـ ثم اتسع فيه لإدراك سائر المحسوسات والحالات واستعمل في العذاب الشديد لأنّ الذوق يكون لأجل اكل فهو المبالغة فيه أن معناه إن ما أنتم فيه من العذاب والهوان يعقبه ما هو أشد وأدهى، ثم ذكر المصنف رحمه الله مناسبة ذكره هنا بأنه نشا من حب المال الذي أعظم مصارفه وأدومها المأكل مع تناسب التوسع في الذوق والأيدي. قوله: (إشارة إلى العذاب الخ (أي ذلك العقاب والعذاب المحقق حتى كأنه محسوس بسبب أعمالكم التي قدّمتموها وبسبب عدله المقتضي له، والإتيان بصيغة المبالغة سيأتي تحقيقه في موضع آخر وتقديم الأيدي عملها لأنّ من يعمل شيئا يقدّمه، فجعله في الكشاف عبارة عن جميع الأعمال التي أكثرها أو كثير منها يزاول باليد على طريق التغليب فيما قدمت بلا تجوّز في اليد، والمصنف رحمه الله جعل التجوز فيها من قبيل التعبير عن الكل بالجزء الذي مد ارجل العمل عليه، وبعض الناس لم يعرفه ففسر بما رأينا تركه خيراً من ذكره قيل، ولقوله: ظلام للعبيد توجيه آخر غير ما ذكره المصنف رحمه الله يدرك بحدة بصر البلاغة، وهو الإشارة إلى أنهم استحقوا العذاب بحيث لو لم يعذبهم كان كالمانع لحقهم وأورد عليه أنه مخالف للمذهب الحق من أنه المالك الحقيقي،
وتصرّف المالك في ملكه كيف يشاء فله أن يعاقب المطيع ويثيب العاصي، ولا ظلم في أفعاله كيفما كانت إذ هو الفعال لما يرد، وقد فسروا العدل بأنه لا يقبح له فعل فجعلوه صفة سلبية، والجواب أن ما ذكروه من أنّ إثابة العاصي وعقاب المطيع لا تنافي ما ذكر يعني عقلاً وأمّا كونها تنافي الحكمة والعدل سمعاً فلا خلاف فيه قال في المسايرة وقد نص تعالى على قبحه حيث فال: {أًمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أّن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاء مَّحْيَاهُم وَمَمَاتُهُمْ سَاء مَا يَحْكُمُونَ} [سورة الجاثية، الآية: 21] فجعله تعالى سيئا وكلامهم في التجويز وعدمه أمّا الوقوع فمقطوع بعدمه اتفاقاً غير أنه عند الأشاعرة للوعد بخلافه وعند غيرهم لذلك وقبح خلافه عقلا فتأمّل. قوله: (بأنّ لا تؤمن لرسول الخ) الباء في قوله أن يقرّب بقربان أي يذبح ذبيحة إمّا زائدة أو لتضمنه معنى يأتي والا فهو متعد بنفسه، وقوله: أي تحيله بيان لأنّ كل النار مجاز عن إحالته إلى طبعها إمّا استعارة على التشبيه أو مجاز مرسل لأنّ المأكول يستحيل أخلاطاً تناسب أخلاط اكل وكذا المحرق بالنار ينقلب دخاناً ونارا إمّا جميعه أو بعضه، وقوله شرع بشين معجمة وراء وعين مهملتين بوزن حسن معناه سواء، ص قال في شرح الفصيح قال ابن وستوربه كأنه جمع شارع كخادم وخدم أي كلكم يشرع فيه شروعا واحداً، ويستوي فيه المذكر والمفرد وغيره وأجاز كراع والقزار تسكين رائه وأنكره يعقوب في الإصلاح وقال: إنما شرع بمعنى حسب. قوله: (تكذيب وإلزام الخ) التكذيب من قوله بالبينات أي المعجزات فإن الرسل السابقة عليهم الصلاة والسلام لم تقتصر معجزتهم على ما ذكرتم كما ادّعيتم ومنه يعلم الإلزام أيضاً أو الإلزام بأنه لو كان التصديق بتلك المعجزة دون غيرها لما جاء الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ببينات أخر ونقل عن السدّي رحمه الله أن هذا الشرط جاء في التوراة هكذا من جاء يزعم أنه رسول الله فلا تصدقوه حتى يأتيكم بقربان تأكله النار إلا المسيح ومحمدا عليهما الصلاة والسلام، وكانت هذه العادة جاربة إلى مبعث المسيح ع! هـ وقوله: في
معجزات أخر أي معها والظرفية إشارة لكثرتها. قوله: (ثسلية للرسول يكني! الخ) إشارة إلى أنّ قوله فقد كذب الخ جواب للشرط مؤوّل بلازمه أي فلا تحزن وتسل، وتيل: إنه لا حاجة إلى تأويله إذ المعنى أن يكذبوك فتكذيبك تكذيب للرسل قبلك لأنهم أخبروا(3/85)
ببعثتك ففيه توضيح لصدقه وتوبيخ لمن كذبه وقوله: (مغايرة للبينات بالذات) بأن يراد بالبينات المعجزات غير الكتب لأنّ إعادة العامل تقتضي المغايرة ولولاها لجاز أن يكون من عطف الخاص على العام. قوله: (وعد ووعيد للمصدّق الخ الف ونشر، ووجهه أنّ بعد الموت يجزى كل بما عمل والبيت شاهد للنصب مع عدم التنوين لأنه المحتاج للإثبات والشعر لأبي الأسود الدؤلي وهو: رأيت امرأ كنت لم أبله أتاني فقال اتخذني خليلا فخاللته ثم أكرمته ولم أستفدمن لدنه فتيلا
فوافيته حين جرّبته كذوب اللسان شؤمابخيلا
فذكرته ثم عاتبته عتاباً رفيقاوقولاً جميلا
فألفيته غيرمستعتب ولا ذاكر الله إلا قليلا
بعاتب من صادقه فطلب حلة له هبة أو شراء فلم يعطها له وتعلل بعلل، وذاكر بالجرّ
عطفاً على مستعتب ويجوز نصبه عطفا على غير وترك تنوينه وكان الأصل فيه أن ينون ويكسر لالتقاء الساكنين لكنه حذف لالتقاء الساكنين في بعضه من غير تحريك والله منصوب به لاعتماده أي ذكرته ما كان بيننا من العهود وعاتبته، أو في عتاب فما وجدته طالب رضاي، يقال: استعتبته فاعتبي أي استرضيته فأرضاني. قوله: (تعطون جزاء أعمالكم خيرا كان أو شرا تاما وافيا) حالان من المفعول والتمام يشعر بأن من الجزاء ما يكون قبله فيدل على عذاب القبر وبه صرح الزمخشريّ مع مخالفة المعتزلة فيه فلم ير رأيهم في هذه المسألة كما نبه عليه الشراح، وفسر القيامة بالقيام من القبور فهي مصدر فيه الوحدة لقيامهم دفعة واحدة، وقيل: في نكتته
أيضاً إنه قد يقع الجزاء ببعضها في الدنيا وقوله: (القبر روضة الخ) أخرجه الترمذي عن أبي سعيد الخدري وقال إنه غريب لا يعرف إلا عنه ورده العراقي رحمه الله بأنّ الطبراني أخرجه في الأوسط عن أبي هريرة رضي أدلّه عنه أيضا. قوله: (والزحزة الخ الما كان الزح الجذب استعمل في لازمه وهو البعد وكرّر لأنّ بتكراره يحصل البعد ويتحقق، وقوله: بالنجاة إشارة إلى متعلقه ويحتمل أنه حذف للعموم أي بكل ما يريد، وذكر دخول الجنة بعده لأنه لا يلزم من البعد عن النار دخول الجنة وهو ظاهر والحديث المذكور أخرجه مسلم وضمير يأتي راجع لمن، وفي الأساس أتى إليه إحساناً إذا فعله أي يحسن إلى الناس بما يحب أن يحسن به إليه. قوله: إ شبهها بالمتاع إلى آخره (المتاع ما يتمتع وينتفع به مما يباع ويشترى والمستام بمعنى المشتري، والتدليس قريب من التلبيس مأخوذ من الغرور لأنه ما يفرّ به، وبلاغ بمعنى تبليغ وإيصال إلى الآخرة. قوله ة (أي والله لتختبرنّ الخ) يعني اللام جواب القسم والابتلاء الاختبار والامتحان، وهو تمثيل كما مرّ، وقوله: لا يرهقهم أي لا يسوءهم. قوله: (من معزومات الأمور (قال النحرير: إن العزم مصدر بمعنى المعزوم أي المعزوم عليه يقال عزمت على الأمر وأعزمت ولم
يسمع عزمت الأمر والفاعل هو العبد بمعنى أنه يجب عليه أن يعزم على ذلك أو الله تعالى ومعنى عزم الله أي أراد وقصد وقطع وفرض أن يكون ذلك ويحصل، وذكر الإمام المرزوقي أن حقيقة العزم توطين النفس وعقد القلب على ما يرى فعله ولذلك لم يجز إطلاقه على الله تعالى، وفيه أن قوله: لم يسمع عزمت الأمر فيكون معزوم من الحذف والإيصال لا وجه له لأنّ الراغب قال: في مفرداته يقال عزمت الأمر وعزمت عليه واعتزمت قال تعالى: {وَلاَ تَعْزِمُواْ عُقْدَةَ النِّكَاحِ} [سورة البقرة، الآية: 235] وما نقله عن المرزوقي من أنّ العزم لا يطلق على الله لإيهامه ما لا يليق بجنابه غير صحيح أيضاً لأنه ورد إطلاق عليه تعالى بمعنى الإرادة والإيجاب، وقرئ به فإذا عزمت كما مر ونقله أئمة اللغة كالأزهري وغيره وورد إطلاقه في الحديث كما مرّ، واليه أشار المصنف رحمه الله بقوله: أي أمر الخ وقوله: نحو إمضائه أي تنفيذه وفي نسخة لإمضائه. قوله: (أي اذكر وقت أخذه الخ) يعني إذ مفعول أو ظرف بتقدير الحادث كما مرّ، وقوله: حكاية الخ الميثاق والعهد والقسم يعامل معاملة اليمين ويجاب بما يجاب به فقوله لتبيننه جواب ميثاق لتضمنه معنى القسم، وقرئ بالياء والتاء لما قزر(3/86)
علماء العربية من أنك إذا أخبرت عن يمين حلف بها فلك فيه ثلاثة أوجه.
أحدها: أن يكون بلفظ الغائب كأنك تخبر عن شيء، كأن تقول استحلفته ليقومن.
الثاني: أن يأتي بلفظ الحاضر يريد اللفظ الذي قيل له فيقول استحلفته لتقومن كأنك قلت
له لتقومن.
الثالث: أن تأتي بلفظ المتكلم فتقول استحلفته لأقومن ومنه قوله تعالى: {قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ} بالنون والتاء والياء ولو كان تقاسموا أمراً لم يجىء فيه الياء لأنه ليس بغائب، وقوله: ولا تكتمونه يحتمل العطف والحال. قوله: (والنبذ وراء الظهر (أي الطرح تمثيل واستعارة لعدم الالتفات وعكسه جعله نصب العين ومقابلها، وقوله: وأخذوا بدله أوّله به لئلا يكون الثمن مشترى وقد تقدم تحقيقه، وقوله: واغراضها بالمعجمة جمع غرض بمعنى متاع لا مقابل الجوهر وقوله: (من كتم علماً) الحديث من أهله وعن أهله وقعا في النسخ قال
العراقي إنه لم يرد بهذا اللفظ وإنما المروفي في السنن " من سئل عن علم فكتمه ألجمه الله بلجام من نار " وما روي عن عليّ رضي الله عنه رفعه صاحب الفردوس وغيره، ومعنى ألجمه جعله في فمه كاللجام وجعل فمه محل العذاب جزاء له بجنس عمله ومن نار ترشيح. قوله: (والمفعول الأوّل الذين يفرحون الخ) الفاء للإشعار بأنّ أفعالهم السابقة سبب لعدم الحسبان، والذين على هذه القراءة مفعول أوّل وفلا تحسبنهم تأكيداً وبدل وبمفازة المفعول الثاني أي فائزين بالنجاة من العذاب، وبمفازة إمّا مصدر ميمي بمعنى الفوز والتاء ليست للوحدة لبناء المصدر عليه فمن العذاب متعلق به، وهو ظاهر كلام المصنف رحمه الله، أو اسم مكان أي محل فوز ونجاة ويجوز أن يستعار من المفازة للقفر فمن العذاب صفة له لأنّ اسم المكان لا يعمل، ولا بد من تقديره خاصا أي منجية من العذاب، وقوله: من الوفاء بيان لما وخص ما فعلوا بما ذكر للقرينة السابقة وبجوز تعميمه وفسر أتوا بفعلوا لأنه يكون بهذا المعنى، كقوله: {كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا} ويدل عليه قراءة أبيئ وضي الله عنه يفرحون بما فعلوا. قوله:) ومفعولاً لا يحسبن محذوفان الخ) قيل هذا إذا جعل التأكيد هو مجموع لا تحسبنهم أعني الفعل والفاعل والمفعول وأمّا إذا جعل التأكيد هو الفعل والفاعل على ما هو الأنسب إذ ليس المذكور سابقاً إلا الفعل والفاعل فالضمير المنصوب المتصل بالتأكيد هو المفعول الأوّل ولا حذف ألا ترى أنه لم يحمل القراءتين السابقتين على حذف المفعول الثاني من أحد الفعلين أعني التأكيد، والمؤكد انتهى ورد بأنّ فيه اتصال ضمير المفعول بغير عامله أو فاعله المتصل بعامله كضربته ولم يقل به
أحد من النجاة وان كان فيه تحاس عن الحذف في هذا الباب، أقول ليت شعري من النحاة الذين ذكرهم والمسألة في شروح الكتاب مفصلة، وفي الكتاب إشارة إليها في قوله:
وجيران لنا كانوا كرام
وفصلها ابن خروف، والشلويين ولولا خوف الإطالة كنا أوردنا لك كلامهم قي اتصال الضمير بغير عامله وما ذكره بعينه في غيره من الكتب وقد أفردت هذه المسألة برسالة مستقلة.
(قلت أليس هو بغافل عنه لكن وقع في كلام الزمخشري، والنحاة أن الفعل المزيد للتأكيد وكذا المؤكد يتصل به الضمير وان لم يكن عاملاً فيه كما صرّح به في تفسير وإن كانت لكبيرة في قراءة الرفع ووقع مثله في التسهيل فقال شارحه الدماميني القاعدة المقررة أن الضمير لا يتصل بغير عامله والاعتلال بإصلاح اللفظ نشأ منه إفساد هذه القاعدة، ثم وقوع الضمير المنفصل إلى جانب الفعل لا يضرّ إذا كان لفرض! نحو إنما قام أنت فلو فعل به هنا كذا لكان مستقيماً وفيه نظر يعلم مما تقدم، وقوله: أو المفعول الأوّل محذوف أي والثاني مذكور وهو بمفازة كما مرّ. قوله: (روي أنه الخ) هذا أخرجه الشيخان عن ابن عباس رضي الله عتهما ووجه فرحهم تكذيبهم للنبيّ صلى الله عليه وسلم أنه لو كان نبياً لعلم كذبهم فلما نزل الوحي تبين خلات ما ظنوه وانقلب فرحهم غما وكذا قوله: (وقيل نزلت الخ) رواه الشيخان أيضاً وقوله: (واستحمدوا) أي طلبوا أن يحمدوا. قوله: (فهو يملك أمرهم الخ) لأنّ ملك السموات والأرض عبارة عن ملكهما وما فيهما وضعف كونه رذاً لقولهم إن الله تعالى فقير لبعده، ولو قيل وفيه ردّ لهان الأمر، وقوله: إنّ في خلق السموات والأرض! تأكيد لما قبله ولهذا لم يعطف عليه وإنما خص هذه الثلاثة هنا بعد ما زاده في البقرة(3/87)
لأنّ الآيات على كثرتها منحصرة في السماوية والأرضية، والمركبة منهما فأشار إلى الأوّلين بخلق السموات والأرض والى الحالثة باختلاف الليل والنهار لأنهما من دوران الشمس على الأرض ولما فرغ من آيات الربوبية بين العبودية، ولما كان العبد مركبا من النفس والبدن أشار إلى عبودية البدن بقوله:
{الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا} الخ والى عبودية القلب والروح بقوله: {وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} وخصص التفكر بالخلق للنهي عن التفكر في الخالق لعدم الوصول إلى كنه ذاته وصفاته، ثمّ ذكر الدعاء بعده تعليما لأنّ الدعاء إنما يجدي بعد تقديم وسيلة وهي إقامة وظائف العبودية من الذكر والتفكر فانظر إلى هذا الترتيب ما أعجبه وهذا وجه آخرغير الذي ذكره المصنف رحمه الله ولعله أقرب منه فإن ذكره مبني على مذهب الحكماء في إثبات الصورة والهيولى والأوضاعه الفلكية المبينة في الهيئة.
قوله: (لدلائل واضحة الخ) ووجه الدلالة على وجود الصانع تغيرها المستلزم لحدوثها واستنادها إلى مؤثر قديم وإذا دلت على ذلك لزم منه الوحدة، ووجه الدلالة على ما بعده اتقان هذه المصنوعات المقتضى له ولكماللأ القدرة أيضاً ويكفي هذا القدر لمن كان على بصيرة من ربه، وقوله: العقول المجلوّة أخذه من التعبير باللب لأنّ معناه الخالص عن الشوائب وشوائب الحس والوهم وإغلاطه، وقوله: بتبدل صورها علمت ما فيه وقوله: (ويل لمن قرأها الخ) أخرجه أبن حبان عن عائشة رضي الله تعالى عنها. قوله: (يذكرونه دائماً على الحالات الخ) أخذ الدوام من ذكر هذه الأحوال لأنه يفهم منها الدوام عرفا كما لا يخفى، وقي أخذه من المضارع الدال على الاستمرار، وأشار بقوله على الحالات إلى أنّ الدوام ليس حقيقيا، ولذا قال الزمخشريّ في أغلب أحوالهم وقوله: قائمين يحتمل أنه إشارة إلى أنّ قياما جمع قائم وقعوداً جمع قاعد فإنهما ورد أجمعين كما صرحوا به ويجتمل أنها مصدران مؤوّلان بما ذكر وقوله: (ومضطجعين) تفسير لمعنى الجارّ والمجرور أو لمتعلقه الخاص وقوله:) من أحب الخ) حديث مخرّج صحيح. قوله: (وقيل معناه يصلون على الهيئات الثلاث الخ) وقوله: (فهو حجة) إن رجع الضمير إلى الحديث فظاهر وان رجع إلى القول به في الآية فكونه لا ينهض
حجة غني عن البيان وبسط المسألة في الفروع وعند أبي حنيفة رحمه الله يستلقي على ظهره ولك أن تقول إنه لما حصر أمر الذاكر في الثلاثة دل على أنّ غيرها ليس من هيئته والصلاة مشتملة على الذكر فلا ينبغي أن تكون على غيره فتأمل، ومقاديم جمع مقدم على خلاف القياس كما صرح به أهل اللغة، والحديث المذكور أخرجه البخاري وأصحاب السنن الأربعة وليس فيه ذكر الإيماء. قوله: (استدلالاً واعتبارا الخ (أي يكون تفكرهم فيها للاستدلال على الصانع وإنما كان التفكر أفضل العبادات لأنّ أجله معرفة الله ولأنه لا يدخله رياء وتصنع وقوله: الا عبادة كالتفكر الخ) أخرجه ابن حبان والبيهقي وضعفاه، وقوله: لأنه المخصوص بالقلب يعني أنه يقتضي الخلوص وهذا بيان لفضله في نفسه، وفضله باعتبار المتعلق ما مر وقوله:) بينما رجل الخ) أخرجه ابن حبان، ووجه دلالته على شرف أصول الدين أنّ غايته معرفته تعالى، وموضوعه نحو ذلك وشرف العلم بشرفه، وجملة ربنا مقول قول مقدر هو حال كما ذكره أو بتقدير يقولون على أنّ الذين مبتدأ وهذا خبره. قوله: (وهذا إشارة الخ) إشارة إلى تفسير اسم الإشارة وبيان لوجه إفراده وتذكيره فإذا كان إشارة إلى المتفكر فيه شمل اختلاف الليل والنهار وإذا كان إلى المخلوق من السموات والأرض استتبع ذلك أيضاً لأنه بطلوع الشمس وغروبها والعدول عن الضمير إلى اسم الإشارة للدلالة على أنها مخلوقات عجيبة يجب أن يعتني بكمال تمييزها استعظاماً لها كما ذكره في الكشاف، وفسر الباطل بالعبث وهو ما لا
فائدة فيه مطلقا، أو ما لا فائدة فيه يعتد بها أو ما لا يقصد به فائدة كما بين في أوّل شرح ابن الحاجب العضدي. قوله: (سبحانك) مصدر منصوب بفعل محذوف والجملة المعترضة يؤتى بها لتقوية الكلام وتأكيده كما صرّح به النحاة والمفسرون فلا وجه لما قيل فيه بحث لأنه مؤكد لنفي البعث عن خلقه. قوله: (وفائدة الفاء الخ الما دل قوله:(3/88)
{رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً} على وجوب الطاعة واجتناب المعصية رتب عليه الدعاء بالاستعاذة من النار بالفاء كأنه قيل فنحن نطيعك فقنا عذاب النار التي هي جزاء من عصاك، والمقصود منه فوفقنا للعمل بما فهمنا من الدلالة وقيل: إنه مترتب على قوله سبحانك أي نزهناك فقنا، وقيل: إنه جواب شرط مقدر. قوله: (فقد أخزيته غاية الإخزاء الخ) في الكشاف فقد أبلغت في إخزائه وهو نظير قوله: فقد فاز ونحوه في كلامهم من أدرك مرعى الصمان فقد أدرك ومن سبق فلاناً فقد سبق، يعني أنه أذا جعل الجزاء أمرا ظاهر اللزوم للشرط سواء كان اللزوم بالعموم والخصوص كما في المثل أو بالاسنلزام مع التغاير كما في الآيتين يكون الكلام خالياً عن الفائدة إن حمل على ظاهره فيحمل على أعظم أفراده وأخصها لترتيب الفائدة كفاز فوزاً عظيماً، وأخزى غاية الإخزاء، ونحوه: فلا يرد أن الآية ليست كالمثلى المذكور لأن فيه جعل العامّ جوابا وفي الآية هما متغايران لأنّ الشرط عذاب جسمانيّ، والجواب عذاب روحاني كما صرّح به فأوّل كلامه لا يلائم آخره، وبهذا عرفت وجه قوله غاية الإخزاء وجعل المثل نظيراً له، والصمان اسم جبل والخزي الافتضاح، وتهويله بجعله غاية ذلك وفيه إشارة إلى أنه لا يقتضي تخليد كل من دخلها كما توهم، وهذا من كلام رجل يسمى حنيف الحناتم ضربت العرب به المثل فقالوا آبل من حنيف الحناتم وهو رجل من تيم اللات كان أعرف الناس بأحوال الإبل في الجاهلية قال القالي: وهو القائل من قاظ الشرف وتربع الحزن وشتى الصمان فقد أصاب المرعى اص. قوله: (وقيه إشعار بأنّ العذاب الروحاني أفظع) هو مأخوذ من التفسير الكبير قال فيه: احتج حكماء الإسلام بهذه الآية على أنّ العذاب الروحاني أقوى قالوا: الآن الآية تدل على تهديد من عذب بالنار بالخزي، وهو عبارة عن التخجيل والإهانة، وهو عذاب روحاني فلولا أنّ العذاب الروحاني أقوى لما حسن تهديد من عذب بالنار بعذاب الخزي والخجالة، اهـ يعني أنه رتب فيه العذاب الروحاني وهو الإخزاء على الجسماني الذي هو إدخال النار، وجعل الثاني شرطاً والأوّل جزاء، والمراد من الجملة الشرطية الجزاء والشرط قيد له فيشعر بأنه أقوى وأفظع والا عكس.
وأيضاً المفهوم من قوله: {فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} وطلب الوقاية منه، وقوله: ربنا الخ دليل
عليه فكأنه طلب الوقاية من المذكور لترتب الخزي عليه فيدلّ على أنه غاية ما يخاف منه فما قيل إن أراد العذاب بالأعمال الروحية فالأمر ظاهر وان أراد المعنى المشهور فوجه الإشعار أنّ السوق قرينة على أنّ المراد بإدخال النار التعذيب الروحاني وفيه ما فيه مما لا وجه له بعد التأمّل فيما ذكرناه. قوله: (أواد بهم المدخلين الخ) يعني بمقتضى السياق ومالهم أي لمن دخلها من أنصار وهو ردّ على الزمخشرفي في قوله فلا ناصر لهم بشفاعة ولا غيرها إيماء إلى مذهبه وفي الكشف الظاهر من الآية من دخل النار فلا ناصر له من دخولها إمّا أنه لا ناصر له من الخروج بعد الدخول، وذلك لأنه عامّ في نفي الإفراد مهمل بحسب الأوقات والظاهر التقييد بما يطلب النصر أولاً لأجله كمن أخذ يعاقب فقلت ماله من ناصر لم يفهم منه أنّ العقاب لا ينتهي بتغييبه وإنه بعد العقاب لا يشفع له بل يفهم منه أنه لا مانع يمنعه عما حل به، ثم إن سلم التساوي لم يدل على النفي، وما قاله القاضي من أن نفي الناصر لا يمنع الخ ظاهر، والقول بأنّ العرف لا يساعده غير متجه. قوله: (أوقع الفعل على المسمع الخ (اختلف النحاة في سمع المعلقة بعين فذهب الأخفش وكثير من النحاة إلى تعديه إلى مفعولين وذهب الجمهور إلى أنه لا يتعدى إلا إلى واحد واختاره ابن الحاجب قال: وقد يتوهم أنه متعد إلى مفعولين من جهة المعنى والاستعمال أمّا المعنى فلتوقفه على مسموع وأمّا الاستعمال فلقولهم سمعت زيداً يقول ذلك وسمعته قائلا وقوله تعالى: {هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ} [سررة الشعراء، الآية: 72] ولا وجه له لأنه يكفي في تعلقه المسموع دون المسموع منه وإنما المسموع منه كالمشموم منه فكما أنّ الشم لا يتعدّى إلا إلى واحد كذلك السماع فهو مما حذف فيه المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه للعلم به ويذكر بعد. حال تبينه ويقدر في يسمعونكم إذ تدعون يسمعون أصواتكم، وهو أبلغ من تقدير دعاءكم هذا ملخص كلامه في الأمالي، والزمخشري جعل المسموع(3/89)
صفة بعد النكرة، وحالاً بعد المعرفة فقيل لا يخفى أنه لا يصح إيقاع فعل السماع على الذات إلا بإضمار أي سمعت كلامه وأن الأوفق بالمعنى فيما جعله حالاً أو وصفاً، أن يجعل بدلاً بتأويل الفعل بالمصدر على ما يراه بعض النحاة لكنه قليل في الاستعمال فلذا آثر الوصفية أو الحالية وإنما جعل البدلية أوفق لاًن توقف صحة المعنى عليه في بدل الاشتمال كسلب زيد ثوبه معروف في اللسان مطرد بخلاف الحال، وما قيل إنه لا يجوز بعده إلا المضارع غير صحيح لوقوع الظرف واسم الفاعل كما سمعته، وقول النحرير: لا يصح الخ مبني على مذهب الجمهور والا فعلى مذهب الأخفش لا يحتاج إلى تقدير وقول المصنف رحمه الله لدلالة وصفه بيان لما في الآية وإلا فهو يكون حالاً وظرفا، ووجه المبالغة جعل
الذات كأنها مسموعة فلذا لا يستعمل إلا فيما كان بدون واسطة. قوله: (وفي تنكير المنادى وإطلاقه الخ) يعني أنه قال أولاً منادياً فلم يذكر ما دعا له، ثم قال: ينادي للإيمان تعظيماً لشأن المنادي والمنادى له ولو قال: أولاً مناديا للإيمان لم يكن بهذه المثابة ولما كان النداء مخصوصاً بما نودي له ومنتهيا إليه تعدى، بالاعتبارين بهذين الحرفين وقوله: بأن آمنوا إشارة إلى أن أن مصدرية والفعل متعد إليه بالباء أي ينادي بأن آمنوا وقيل إنها تفسيرية، وقوله: فآمنا عطف على سمعنا والعطف بالفاء مؤذن بتعجيل القبول، وتسبب الإيمان عن السماع من غير مهلة والمعنى فآمنا بربنا قال النحرير: أن المصدرية وان دخلت على الماضي والمضارع والأمر لكن لا ينبغي، أن يجعل الكل بمعنى المصدر بل بمعنى حصحول الإيمان في الماضي أو المستقبل أو المطلوب وهو جواب عما قيل إنه إذا أوّل بالمصدر فات معنى الطلب وأخويه وهو المقصود، وهو حجة من ذهب إلى أنها تفسيرية وعلى التفسير فآمنوا تفسير لقوله: ينادي لأنّ نداءه عين قوله: آمنوا والتقدير ينادي للإيمان أي يقول آمنوا وليس تفسيراً للإيمان كما توهم وعلى ما اختاره المصنف من تقدير الجارّ هو متعلق بينادي لأنه المنادى به وليس بدلاً من الإيمان كما توهمه بعضهم، ولما أبى كثير من النحاة أن التفسيرية لما فيها من التكلف كما فصله في المغني تركه المصنف رحمه الله.
ووقع في نسخة حكاها بعض الحواشي أي آمنوا أو بأن آمنوا فيكون موافقا للزمخشري
في ذكر الوجهين. قوله: (ذنوبنا كبائرنا الخ (خولف بين معنييهما لأنه أفيد ولأنه تتميم للاستيعاب وأشار المصنف رحمه الله تعالى إلى أنه المناسب للغة لأنّ الذنب مأخوذ من الذنب بمعنى الذيل فاستعمل فيما يستوخم عاقبته لما يعقبه من الإثم العظيم، وكذلك سمي تبعة اعتباراً بما يتبعه من العقاب كما صرّح به الراغب، وأمّا السيثة فمن السوء وهو المستقبح ولذا تقابل بالحسنة فتكون أخف قال الطيبي: ولأنّ الغفران مختص! بفعل الله والتكفير قد يستعمل في العبد كما يقال كفر عن يمينه وهو يقتضي أنّ الثاني أخص من الأوّل وفي كلام المصنف ما يوضحه. قوله: (مخصوصين بصحبتهم معدودين الخ (الاختصاص من المعية لأنه لا مجال لكونها معية زمانية إذ منهم من مات قبل، ومن يموت بعد فهو كناية عن الانخراط في سلكهم والعدّ في زمرتهم ويلزمه أن لا يكونوا مع غيرهم، والأبرار جمع بر وأما كونه جمع باز فضعف
بأنّ فاعلا لا يجمع على أفعال حتى قيل إنّ أصحاب ليس جمع صاحب بل صحب أو صحب بالكسر مخفف من صاحب بحذف الألف وبعض أهل العربية أثبته وجعله نادرا ووجه الدلالة على محبة لقاء الله طلبه التوفي، واسناده إلى الله وقيل إن نكتة قوله: مع الأبرار دون أبرار التذلل وأنّ المراد لسنا بإبرار فأسلكنا معهم واجعلنا من أتباعهم، قال: في الكشف وفيه هضم للنفس وحسن أدب مع إدماج مبالغة لأنه من باب هو من العلماء، بدل عالم ولا يخلو من لطف وقوله: " من أحب لقاء الله " الحديث أخرجه الشيخان عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه. قوله: (أي ما وعدتنا على تصديق رسلك الخ) قدر التصديق للرّسل عليهم الصلاة والسلام لأنّ المراد بالمنادى الرّسول على الأرجح والإيمان التصديق لتعديته بالباء، فكأنه قيل إنا سمعنا رسولاً يدعو إلى التصديق فصدقناه فإذا كان ذلك فاتنا ما وعدتنا من الأجر على ذلك التصديق، وقوله: لا خوفا إشارة إلى أنّ ما وعده الله، واجب الوقوع لاستحالة الخلف في وعده تعالى فكيف طلبوا ما هو واقع لا محالة، وأجاب بأنّ وعد الله لهم ليس بحسب ذواتهم بل يحسب(3/90)
أعمالهم فالمقصود من الدعاء التوفيق للأعمال التي يصيرون بها أهلا لحصول الموعود أو الدعاء تعبدي لقوله ادعوني أو المقصود الاستكانة والتذلل لله بدليل قولهم: إنك لا تخلف الميعاد، وبهذا يلتئم التذييل أتم التئام وبهذا سقط ما قيل: إنه كيف يخافون أن لا يكونوا من الموعودين مع طلب ما وعدهم الله فإن لم يكونوا، موعودين لم يصح قولهم ما وعدتنا فالأولى الاقتصار على الأمرين الأخيرين. قوله: (ويجورّ أن يعلق على بمحذوف الخ الم يقل يتعلق بمحذوف للتصريح بعلى أي به منزلاً على رسلك أو محمولاً على رسلك، أي حالة كونه مكلفاً به رسلك ومبلغا منهم لأنّ الرسل عليهم الصلاة والسلام محمولون قال تعالى: {فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُم مَّا حُمِّلْتُمْ} [سورة آل عمران، الآية: 94 ا] ومتعلق الظرف يكون خاصا إذا قامت عليه قرينة فلا عبرة بإنكار أبي حيان له، أو التقدير على ألسنة رسلك فهو متعلق بوعد وهو الثواب وقيل النصرة على الأعداء. قوله: (ولا تخزنا يوم القيامة) قال الإمام إشارة إلى
قوله وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون فإنه ربما ظن الإنسان أنه على الاعتقاد الحق والعمل الصالح، ثم يظهر له في القيامة أنّ اعتقاده كان ضلالاً وعمله كان ذنبا فهنالك تحصل له الخجلة العظيمة، والحسرة الكاملة والأسف الشديد وذلك هو العذاب الروحاني فأوّل مطالبهم دفع العذاب الجسماني وآخره دفع العذاب الروحاني والمصنف رحمه الله تعالى أوّله بأنه طلب العصمة عما يقتضيه أي يقتضي الإخزاء، والميعاد مصدر بمعنى الوعد وتفسيره بالإثابة والإجابة هو الظاهر لما مرّ، وأمّا تفسيره بالبعث فصحيح لأنه ميعاد الناس للجزاء فقد يرجع إلى الأؤل والتكرير وجهه ما ذكروه والاستقلال يؤخذ من الإعادة وعدم العطف، وما ذكر. من قوله من حزبه بالحاء المهملة والزاي المعجمة والباء الموحدة أي أهمه وبجوز أن يكون بالنون أيضاً لأنه يقال حزنه وأحزبه كما ضبط بهما في حديث آخر، وأمّا هذا فقال السيوطي رحمه الله: لم أقف عليه. قوله: " لى طلبتهم وهو أخص من أجاب الخ (طلبة بوزن تركة اسم بمعنى المطلوب إشارة إلى مفعوله المقدر واستجاب أخص من أجاب كما نقل عن الفراء أنّ الإجابة تطلق على الجواب ولو بالردّ والاستجابة الجواب بحصول المراد لأنّ زيادة السين تدل عليه، إذ هو طلب الجواب والمطلوب ما يوافق مراده لا ما يخالفه وهو يتعدى باللام وهو الشائع وقد يتعذى بنفسه كما في قول الغنوي:
وداع دعا يا من يجيب إلى الندا فلم يستجبه عند ذاك مجيب
وهذا في التعدية إلى الداعي وأئا إلى الدعاء فسائغ بدون اللام مثل استجاب الله دعاءه
كما سيأتي ولهذا قيل إن هذا البيت على حذف مضاف أي لم يستجب دعاءه كما سيأتي في سورة القصص، وأني لا أضيع متعلق باستجاب لأنّ فيه معنى القول وهو مذهب الكوفيين وقول المصنف على إرادة القول يحتملهما، وقوله: بيان عامل على أي بمعنى شخص عامل أو على التغليب. قوله: (لأنّ الذكر من الأنثى والأنثى من الذكر الخ) فمن ابتدائية، وعلى أنّ المعنى أنهما من أصل واحد من ابتدائية بتقدير مضاف أي من أصل ب! أو هي اتصالية أيضا بحسب اتحاد الأصل وكلام المصنف رحمه الله يناسب الأوّل أو المراد الإيصال في الاختلاط والتعاون أو الاتحاد في الدين حتى كأن كل واحد من الآخر لما بينهما من أخوة الإسلام، وما روي عن أمّ سلمة رضي الله عنها رواه الترمذي، والاتصال بين الاثنين لأن الهجرة من الأعمال فهي لا.
تضيع للذكر والأنثى وقوله فنزلت أي هذه الآية كلها أو قوله: (فالذين الخ) وقوله: (وهي جملة معترضة) أي قوله بعضكم من بعض اعترضت بين ما قبلها وتفصيله بقوله: فالذين الخ. قوله: (ت! فصيل لأعمال العمال الخ) أي فيه تفصيل كما يدل عليه الفاء بعد الإجمال وتخصيص بعد تعميم يشير إلى تعظيم العامل وعمله والإجار على سبيل القسم بتكفير السيئات وادخال الجنات وعظيم الثواب من الله الجامع لصفات الكمال، وأصل المهاجرة من الههجر، وهو الترك فإن كان المتروك الشرك كان قوله: {وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ} تأسيساً أو الأوطان والعشائر فقوله: {وَأُخْرِجُواْ} الخ عطف تفسيريّ، وقوله: بسبب إيمانهم بالله ومن جملة قا! ل افنحرير: التعارف على أنه يقال بعث في سبيل الله(3/91)
أي لأجله وسببه، واليه يشير المصنف رحمه " الله. قوله: (لأنّ الواو+ لا كوجب ترتيباً) يعني على هذه القراءة كيف تكون المقاتلة بعد القتل- فإن كان القتل والمقاتلة من شيء واحد قالوا ولا توجب الترتيب وقدم القتل لفضله بالشهادة وان كان قتل بعض وقاتل بعض آخر فما انهزموا ولم يضعفوا بقتل إخوانهم إمّا على أنّ التقدير والذين قتلوا، والذين قاتلوا أو على التوزيع أي منهم الذين قتلو! ، ومنهم الذين قاتلوا، والى التوجيهين أشار المصنف رحمه الله، وفسر التكفير بالمحولان أصل معناه الستر المقتضي للبقاء، فأشار إلى أنه غير مراد هنا. قوله: (أي أثيبهم بذلك إثابة) ذكر في نصبه أوجه أحدها أنه مصدر مؤكد لأنّ معنى الجملة قبله لا ثيبنهم بذلك فوضمع ثوابا موضع الإثابة وإن كان في الأصل اسما لما يثاب به كالعطاء لما يعطي، وقيل: إنه حال من جنات لوصفها أو من الضمير المفعول أي مثابين، وقيل: إنه بدل من جنات، وقيل منصوب على القطع ومن عند الله صفة له، والثواب لا يكون إلا من الله فالوصف المؤكد لا ينافي كون المصدر مؤكدا، فلا يرد عليه أنه إذا وصف كيف يكون مصدراً مؤكداً كما قيل وفي قوله: " من عند الله " التفات وقيل إن المعنى ثوابا فوق الجنات.
واعلم أن قوله: " لأكفرنّ " الخ جواب قسم محذوف تقديره والله وانقسم رجوابه خبر الممبتدأ وهو ألذين، وزعم ثعلب أنّ الجملة ايق! سمية لا تقعخبرآ ووجهه أنّ الخب! أحه محل
وجواب القسم لا محل له وهو إنشائي فإما أن يقال إنه له محل من جهة الخبرية ولا محل له من جهة الجوابية أو الذي لا محل له الجواب والخبر مجموع القسم وجوابه ولا يضرّ كون الجملة إنشائية لتأويلها بالخبر، أو يقدر قول كما هو معروف في أمثاله. قوله: (والله عنده حسن الثواب على الطاعات قادر عليه) في الكشاف وعنده مثل أي يختص به وبقدرته وفضله لا يثيبه غيره، ولا يقدر عليه كما يقول الرجل عندي ما تريد يريد اختصاصه به وبملكه وان لم يكن بحضرته يعني ليس معناه أنّ الثواب بحضرته وبالقرب منه على ما هو حقيقة لفظ عنده بل مثل لكونه بقدرته، وفضله بحيث لا يقدر عليه غيره بحال الشيء يكون بحضرة أحد لا يد عليه لغيره والاختصاص مستفاد من هذا التمثيل حتى لو لم يجعل حسن الثواب مبتدأ مؤخراً عنه كان الاختصاص بحاله. قوله: (الخطاب للنبئ صلى الله عليه وسلم والمراد منه أمّتة) لأنّ سيد القوم يخاطب بشيء ويراد أتباعه فيقوم خطابه مقام خطابهم ولو ترك الوجه الثاني لكان أولى لأنه لا يكون منه تزلزل حتى يؤمر بالثبات فليس بقوقي في دفع المحذور أو الخطاب عامّ شامل للنبيّ صلى الله عليه وسلم وغيره بطريق التغليب تطييباً لقلوب المخاطبين فلا يلزم نسبة الغرور والاغترار له صلى الله عليه وسلم، فلا يرد ما قيل ينبغي أن يراد كل أحد سوى النبي تخت لئلا يلزم الجمع بين الحقيقة والمجاز إذ خطاب غيره بمعنى النهي عن الغرور وخطابه صلى الله عليه وسلم بمعنى الثبات على الانتهاء، فما وقع في الكشاف من أنه خطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم أو لكل أخد مختل اهـ بل لا وجه له إذ الخلل إنما جاء منه وعاد إليه ومن هنا تعلم نكتة سرية في إسناده إلى التقلب تفادياً عن أن ينسب إليه. قوله: (والنهي في المعنى للمخاطب الخ) السبب عين التقلب والمسبب الاغترار به، والنهي ورد على الأوّل والمراد النهي عن الثاني أي الاغترار مجازأ أو كناية فما قيل السبب تقلبهم والمسبب الغرور به فنهى التقلب لينتهي غروره ليس على ما ينبغي كذا قيل يعني إنه من قبيل لا أرينك ههنا إذ هو نهي له عن الحضور لا عن الرؤية التي هي فعل الغير الذي لا يتصوّر منه فكيف ينهي عنها فأريد لازمه ونهى عنه، وأورد عليه أنّ الغارية والمغرورية متضايفان، وقد صرّحوا بأن القطع والانقطاع ونحوه مثلا متضايفان، وحقق في العلوم العقلية إن المتضايفين لا يصح أن يكون أحدهما سبباً للآخر بل هما معاً في درجة واحدة، فالأولى أن يقال علق النهي بكون التقلب غاراً ليفيد نهي المخاطب عن الاغترار لأنّ نفي أحد المتضايفين يستلزم نفي الآخر، وما ذكره مبني على إن الأثر والتأثير أمر واحد لا أمران متغايران أحدهما مترتب على الآخر وهو وان ذهب إليه كثير
لكن النظر الصائب يقتضي خلافه، فلا تكن من المقلدين والجهد العناء. قوله: (خبر مبتدأ محذوف الخ) معنى في جنب(3/92)
ما أعد الله أي بالقياس والإضافة إليه وتسمى في قياسية وأصله أنه إذأ قيس شيء بشيء وضع بجنبه ومثله قوله في الحديثأ ا (في جنب الآخرة وفي نسخة " وفي جنب " بالعطف على مقدر أي في نفسه وفي الخ أو بالنسبة لما فاتهم من الآخرة أو لانقضائه وعدم بقائه، وهذا الحديث في صحيح مسلم وقوله: (ما مهدوا) إشارة إلى تقدير المخصوص بالذم والمهاد كالفراس لفظا ومعنى، وقوله: (ما الدنيا في الآخرة) أي ما تقدير الدنيا واعتبارها وهو العامل في الجار والمجرور أو هو حال عاملها معنى النفي. قوله: (النزد والنزل الخ) يعني بضمتين أو ضم فسكون أصل معناه الفضل، والريع في الطعام ويستعار للحاصل عن الشيء كما سيأتي في قوله تعالى: {خَيْرٌ نُّزُلًا} [سورة الصافات، الآية: 62] والنزل ما يعد للنازل، ثم استعمل بمعنى الزاد مطلقاً ويكون جمعا بمعنى النازلين وقد جوّز هنا، وقوله: أبو الشعر لقب شاعر لكثرة شعره الضبيّ أي المنسوب لبني ضبة قبيلة معروفة، والمراد بالجبار الملك المسلط، وبالجيش بمعنى مع الجيش أو للتعدية وضافنا بمعنى نزل بنا وجعل مجيئه لحربهم كمجيء المسافر للضيافة لعدم مبالاتهم بذلك، وهي استعارة لطيفة رشحها بجعل القنا أي الرماح والمرهفات أي السيوف المرفقة، نزله وزاده وهو تهكم على حد:
تحية بينهم ضرب وجيع
وعلى الحالية فجعل الجنة نفسها نزلاً تجوّز أو بتقدير مضاف أي ذات نزل، وعلى المصدرية فهو بمعنى النزول أي نزلوها نزلاً وفي نسخة أنزلوها ووجه الاستدراك في الآية أنه ردّ على الكفار فيما يتوهمون من أنهم ينعمون والمؤمنون في عناء فقال ليس الأمر كما توهمتم فانهم لا عناء لهم إذا نظر إلى ما أعد لهم عند الله أو أنه لما ذكر تنعمهم أوهم أنّ الله لا ينعم المؤمنين فاستدرك عليه بأنّ ما هم فيه عين النعيم لأنه سبب لما بعده من النعم الجسام فتأمّل، ولا يخفى ما في جعلهم ضيوف الله من اللطف بهم، وقوله والعامل فيها الظرف يعني إذا كان جنات فاعله لاعتماده فإذا كان مبتدأ فهو حال من الضمير المستتر في الخبر والعامل الظرف أيضاً، وقوله للأبرار من وضع الظاهر وضحع الضمير لما مرّ، وعبد الفه بن سلام بتخفيف اللام وأصحمة بفتح الهمزة وسكون الصاد المهملة وحاء مهملة وميم وهاء ملك الحبشة ومعناه بلسانهم عطية الصنم والنجاشي بفتح النون ونقل ابن السيد كسرها وفتح الجيم مخففة وتشديدها غلط وآخره ياء ساكنة، وهو الأكثر رواية لأنه ليسى لملنسبة، ونقل ابن الأثير في النهاية تشديدها ومنهم من جعله غلطا وهو لقب كل من ملك الحبشة، واسم هذا مكحول بن صصه، وتوفي في رجب سنة تسع من الهجرة، وقوله: نعاه جبريل أي أخبره بموته وهذا رواه الواحدي وغيره، وفي الصلاة عليه دليل للشافعيّ رحمه الله في الصلاة على الغائب، وفي الكشاف أنه مثل له لمجبي! سريره فرآ. وحاول به الردّ على الشافعي ولا يخفى ضعفه، والعلج في الأصل القويّ الغليظ من الكفار، واللام لا تدخل على اسم إن إذا لم يفصل بينهما لئلا يتوالى حرفا تأكيد فإن فصل جاز كما جاز دخولها على الخبر. قوله: (حال من فاعل يؤمن) وجمع حملا على المعنى بعدما حمل على اللفظ أوّلاً، وقيل: إنه حال من ضمير إليهم وهو أقرب لفظاً فقط وجيء بالحال تعريضاً بالمنافقين الذين يؤمنون خوفا من القتل. فوله: (ما خص بهم من الأجر الخ) إشارة إلى أن الإضافة للعهد وقوله: (لعلمه الخ) عني أنّ الإخبار بكونه سريع الحساب كناية عن كمال علمه بمقادير الأجور ومراتب الاستحقاق وأنه يوفيها كل عامل على ما ينبغي وقدر ما ينبغي، ويجوز أن يكون كناية عن قرب إنجاز ما وعد من الأجر لكونه من لوازمها ولكونه من لوازمها أشبه التأكيد فلذا لم يعطف عليه وسرعة الحساب للمؤمنين وهو لا ينافي تطويل حساب غيرهم تعذيباً لهم. قوله: (وغالبوا أعداء الله) يعني أن المصابرة مفاعلة فهي
المجاهدة للعدوّ أو لاعدى الأعداء يعني النفس لأنه الجهاد اكبر، وذكر. بعد الصبر العام لأنه أشد فيكون أفضل فهو كعطف جبريل على الملائكة والصلاة الوسطى على الصلوات. قوله: (أبدانكم وخيولكم الخ) المرابطة نوع من الصبر فهو كالعطف السابق، وروي عن ابن عمر رضي الله عنهما أن الرباط أفضل من الجهاد لآنه حقن دماء المسلمين والجهاد سفك دماء المشركين ولذا ورد أنه لا يسئل في قبره وانتظار الصلاة عد من الرباط والثغور وأطراف ممالك الإسلام التي يخاف فيها من العدوّ وقوله: (من(3/93)
رابط الخ) رواه مسلم وغيره والرباط مصدر ربطت الدابة ومصدر رابط المرابطة، والمرابطة ضربان مرابطة الثغور ومرابطة النفوس، والعدل بالفتح المثل من غير جنس، وبالكسر منه فهو بالفتح هنا، وقال: الراغب العدل والعدل متقاربان لكن العدل يستعمل فيما يدرك بالبصيرة كالأحكام، والعدل فيما يدرك بالحس كالموزونات، وقوله: إلا لحاجة متعلق بالفعلين، وقوله: ولا ينفتل عن صلاته أي لا ينصرف عنها والمراد أنه معادل لصوم رمضان وتيامه. قوله: (قانقوه بالتبري عما سواه الخ) المضض الألم، والمعبر عنها صفة المقامات فالصبر على الطاعات المرتبة الأولى التي هي الشريعة ورفض العادات التي هي الطريقة الثانية والمرابطة على جنات الحق التي هي الحقيقة الثالثة، وأوّل تفسيره ناظر إلى هذه. قوله: (من قرأ سورة آل عمران الخ) تجب الشمس بمعنى
تغرب وأصل معنى الوجوب السقوط، وقوله: التي يذكر فيها آل عمران مر الكلام عليه والحديث الثاني أخرجه الطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما والأوّل موضوع وهو من الحديث الطويل المذكور فيه فضائل جميع السور، وهو مما اتفقوا على أنه موضوع مختلق وقد خطؤوا من أورده من المفسرين وشنعوا عليه، وقوله: بكل آية منها أماناً اعتبر في الأمان تعدداً بحسب أجزاء الزمان والمسافة، تمت سورة آل عمران اللهمّ وفقنا لإتمام باقيه، وألهمنا لفهم معانيه.
سورة النساء
مدنية
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله: (مائة الخ) في كتاب العدد للداني رحمه الله أنّ هذا عدد المدني والمكي والبصري
وفي الكوفي ست وفي الشامي سبع. قوله: (عطف على خلقكم الخ) بني آدم له استعمالات الأوّل يطلق على جنس البشر فيشمل آدم وحوّاء وسائر الذكور والإناث والناس مثله في العموم، والثاني يطلق على نسله ذكورا وإناثا تغليبا فيشمل ما عدا آدم وحوّاء، والثلث أن يراد ما تفرع عنه فيشمل ما سواه بناء على أن حواء خلقت من ضلع من أضلاعه، كما ورد في الحديث الصحيح وهو القول المرضي، وقيل إنها خلقت من فضل طينته، والرابع أن يراد ذكور بني آدم وهو معناه الحقيقي، وله معنى خامس شاع في غير لغة العرب وهو أن يستعمل بمعنى إنسان فيقال آدم فعل كذا وهو منصرف كما قلت:
على رياض الحسن من خده طائرقلبي لم يزل حائما
حبات خيلان بجناتها كم أخرجت من جنة آدما
فالظاهر على عموم الناس أنّ المراد ببني آدم في تفسيره المعنى الثالث، فالزمخشري
جعل توله: (وخلق الخ) على هذا معطوفا على محذوف هو صفة نفس أي أنشأها من تراب وخلق الخ، وهو بيان وتفصيل لكيفية خلقهم منها فإن عطف على ما تبله فالمراد به من بعث إليهم النبي صلى الله عليه وسلم من أمّة الدعوة والمعنى خلقكم من نفس آدم لأنهم من جملة الجنس المفرّع منه، وخلق منها أمكم حوّاء وبث منهما رجالاً كثيرا ونساء غيركم من الأمم الفائتة للحصر، والداعي له إلى ذلك على الأوّل إن خلق الزوج، وبث الرجال والنساء داخل في خلقكم من نفس واحدة فيكون تكرارا، ولأنه يوهم أن الرجال والنساء غير المخلوقين من نفس واحدة وأنهم منفردون بالخلق منها ومن زوجها، والناس أعني بني آدم إنما خلقوا من النفس الواحدة من غير مدخل للزوج فلذا عطف على محذوف صفة للنفس يدلّ عليه المعنى المقصود وهو أنه فرّعكم من أصل واحد فلا بد من وضمع الأصل وإنشائه أولاً، ثم ابتناء الفروع عليه، وهي كون
الأصل مثل الفرع في المخلوقية، ولذا عبر بالزوح للإشعار بالوحدة الجنسية والأصل أوّل الإفراد، والمبدئية ليست بطريق المادّية والمقصود تفصيل الناس أي جميع بني آدم الماضين منهم والحاضرين والآتين على التغليب في أمر الاتقاء، إذ لا يتصوّر أمر الماضين بذلك بل الآتين أيضاً(3/94)
على الحقيقة كما حقق في الأصول في خطاب المشانهة، وما قيل: إنه لا يبعد! أن يكون الأمر بالتقوى عامّا لجميع الأمم بالنسبة إلى الكلام القديم القائم بذاته تعالى وان كان كونه عربياً عارضا بالنسبة إلى هذه الأمة لا وجه له لأن المنظور إليه أحكامه بعد النزول والا لكان النداء وجميع ما فيه من خطاب المشافهة مجازات ولا قائل به، وقيل المراد بالمخاطب من بعث إليهم النبي صلى الله عليه وسلم لأنهم المأمورون بالاتقاء حقيقة أو العرب كما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما لأنّ دأبهم التناشد بالأرحام وان دئع بأنه تغليب أو الخطاب الأول عام والثاني خاص، وإذا كان المراد بالرجال والنساء ما سوى هؤلاء المخاطبين تغايرت المتعاطفات، وسيأتي في سورة الزمر أنه يجوز عطفه على واحدة، والمصنف رحمه الله خالفه فذهب في الناس إلى العموم، وجعل ما بعده معطوفا عليه من غير تقدير، وذكر ما سلكه مؤخراً إشارة إلى مرجوحيتة، ولم يلتفت إلى ما جنح إليه على ما قرّرناه لك، وهو زبدة ما في شروحه بناء على أن العموم هو المتبادر منه وأنّ التقدير خلاف الظاهر وما رآه محذورا لا توجه له عند. لأنّ اللازم في العطف تغاير المعطوقات لا ما صدقت عليه، كما قال في التقريب فلا تكرار في هذا إذ لا يفهم من خلق بني آدم من نفس خلق زوجها منه ولا خلق الرجال والنساء من الأصلين جميعاً، واليه يشير قوله بيان لكيفية تولدهم منهما أو أنّ العطف بيان خلقهم، وتفصيله بأنه خلق حوّاء منه ثم بث منهما الذكور والإناث، ولما كان في البيان زيادة خلق حوّاء وتنويعهم وذكر توالدهم كان أوفى من معنى الأوّل وأزيد، فجاز عطفه وان كان بياناً لمغايرته له من وجه، كما قالوه في قوله تعالى: {يَسُومُونَكُمْ سُوَءَ الْعَذَابِ} [سورة البقرة، الآية: 49] مع أنه بيان على ما حقق في المعاني، فلكل وجهة هو موليها.
واعلم أن المراد بالتقوى شكر الله على ما ألبسهم من حلل الوجود، وكذا ذكره بعنوان الربوبية وما بعده بالألوهية لا أن المراد بالتقوى الخوف فاعرفه فإنه من النفائس. قوله:) من ضلع من أضلاعه) هذا هو الصحيح كما مز، وهو من حديث رواه الشيخان، وهو: " استوصوا بالنساء خيرا فإنهق خلقن من ضلع وإن أعوج شيء من الضلع اعلاه فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج " وجعله تقريرا وتأكيداً لوحدة الأصل لأنّ خلق حوّاء منه يقتضي
ذلك، وقوله: ونشر بيان لمعنى بث، وقوله: بنين وبنات إشارة إلى أنه ليس المراد بالرجال والنساء البالغين والبالغات، بل الذكور والإناث مطلقا تجوزا، وقيل إنه في معرض! المكلفين بالتقوى، فلذا ذكر الكبار منهم، ولو قيل: إنه وجه العدول عن الحقيقة كان وجها حسنا. قوله: (واكتفى بوصف الرجال بالكثرة الخ) الاكتفاء يشعر بأن النساء موصوفة بها أيضا لكن حذف اكتفاء ونكتة الاكتفاء بكثرتهم عن كثرتهن أنه على مقتضى الحكمة لأنهم خير منهن جنسا وزيادة الخير خير، لكن لما كان لكل زوح زوجة فأكثر استدعى ذلك ال! ص ة فيهن خارجا فلا يرد عليه ما قيل بل الحكمة تقتضي أن يكون النساء أكثر، كما سيجيء في قوله: {يَهَبُ لِمَنْ يَشَاء إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاء الذُّكُورَ} [سورة الورى، الآية: 49] أن تقديم الإناث لكونهت لتكثير النسل، وفي الحديث من أشراط الساعة أن تقل الرجال وتكثر النساء حتى يكون الخمسون امرأة فيهم قياً واحد. وهذا يشهد لما ذكره المصنف رحمه الله، وأيضا للرجل أن يزيد على واحدة، وهو زهرة لا تحتمل الفرك وتذكيره إما رعاية لصيغة فعيل أو لتأويل موصوفه بالجمع، أو لأنه صفة مصدر محذوف أي بثا كثيرا، وأما جعله صفة حين، كما قيل فتكلف سمج. قوله: (وترتيب الأمر بالتقوى الخ) يعني أنّ الاستعمال جار على أن الوصف الذي علق به الحكم علة موجبة له، أو باعثة عليه داعية إليه، وهو هنا كذلك لا! ما ذكر يدلّ على القدرة العظيمة والنعمة الجسيمة، والأوّل يوجب التقوى حذرا عن العقاب العظيم، والثاني يدعو إليها وفاء بالشكر الواجب، هذا إذا أريد بالاتقاء ما يعم المتعلق بحقوق الله والعباد، ويجوز أن يراد ما يتعلق بحفظ ما بينهم من الحقوق، وحينئذ يكون خلقهم من أصل واحد علة موجبة لاتقاء الله في الإخلال بما يجب حفظه من الحقوق التي بينهم، وهذا المعنى مطابق لمعاني السورة من رعاية حال الأيتام، وصلة الأرحام، والعدل في النكاح، والإرث ونحو ذلك، بالخصوص بخلاف الأوّل(3/95)
فإنه إنما يطابقها من حيث العموم فإنّ اتقاء الله باجتناب الكفر والمعاصي وسائر القبائح يتناول رعاية حقوق الناس ويؤيده ما رواه مسلم عن جرير وضي الله عنه قال كنا صدر النهار عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءه قوم مجتابي النمار أو العباءة متقلدي السيوف من مضر فتمعر وجهه لما رأينا بهم من الفاقة فدخل ثم خرج فأمر بلالاً فأذن فقام ثم خطب فقال: " يا أيها الناس اتقوا ربكم " إلى قوله: " إنّ الله كان عليكم وقيبا " أي عالما بأحوالكم فاحذروه ولا يخفى موقع الخاتمة مما قبلها. وقوله:) أو لآن المراد الخ (فالتقوى خاصة وعلى ما قبله عامة ة
والأوّل أولى لعدم التكرار، ولذا قدّمه. وقوله على حذف مبتدا لأنه صلة لعطفه على الصلة فلا يكون إلا جملة، بخلاف نحو زبد ركب وذاهب. قوله: (أي يسأل بعضكم بعضاً الخ) اتقوا الله من وضع الظاهر موضع الضمير إشارة إلى جميع صفات الكمال ترقيا بعد وصف الربوبية فكأنه قيل اتقوه لربوبيته، وخلقه إياكم خلقاً بديعاً، ولكونه مستجمعا لصفات الكمال كلها، وتساءلون إما بمعنى يسأل بعضكم بعضا فالمفاعلة على ظاهرها، أو بمعنى تسألون كما قرئ به، وتفاعل يرد بمعنى فعل إذا تعدّد فاعله كما أشار إليه الزمخشريّ، وعلى حذف إحدى التاءين فالمحذوف الثانية لأنها التي حصل بها الثقل ويجوز أن يكون الأولى. قوله: (بالنصب عطف على محل الجار والمجروو الخ) المحل للجار والمجرور، وقيل التحقيق أنه للمجرو فقط، وقوله: (فصلوها الخ) إما بيان لمعنى اتقائها أو إشارة إلى تقدير مضاف أي قطع الأرحام. قوله: (وهو ضعيف لأنه كبعض الكلمة) يعني الضمير المجرور لشدة اتصاله كجزء الكلمة، فكما لا يجوز العطف على جزء الكلمة لا يجوز العطف عليه وهذا مذهب البصريين وقد تبع في هذا الزمخشرئ وهو تبع المبرّد، فإنه شنع على حمزة رحمه الله في هذه القراءة حتى قال: لا تحل القراءة بها، وقد تبعهم ابن عطية وزاد أنّ المعنى لا ينتظم فيها لأنّ التساؤل بالأرحام لا دخل له في الحض على تقوى الله فلا فائدة في عطفها وهو مما يغض من الفصاحة، وردّ بأنّ العطف على الضمير المجرور بدون إعادة الجار صحيح عند الكوفيين فصيح مشهور في كلام العرب، وهذه القراءة من السبعة المتصلة بالنبي صلى الله عليه وسلم، متواترة فمثل هذا جسارة لا تليق بأحد، وحمزة رحمه الله أجل قدراً مما توهموه، وقد ذهب ابن جني في الخصائص إلى تخريجها على حذف الجارّ، وأن الأصل وبالأرحام بعطف الجاز والمجرور على الجار والمجرور لأنّ هذا المكان لما اشتهر فيه ذكر الجارّ قامت شهرته مقام ذكره، وأنشدوا له شواهد كثيرة ونعم ما قال وارتضاه في الكشف، إلا أنه قال: يؤخذ من القراءة صحة العطف أو الإضمار، والثاني أقرب عند أكثر البصرية لثبوته في نحو إلله لأفعلن وقول رؤبة خير، وفي نحو ما مثل عبد الله ولا أخيه يقولان ذل ومطرد في نحو:
الإعلالة أو بدا هة سابح نهدالجزاره
وقال بعضهم: إنّ الواو للقسم على نحو اتق الله فوالله إنه مطلع عليك، وترك الفاء لأنّ الاستئناف أقوى الوصلين وهو حسن، وقد نسب إلى الوهم في قوله الإعلالة البيت فإنه مما حذف فيه المجرور لا الجار، اللهم إلا أن يقال إنه مثال للإضمار مطلقا، وبيان لأنه قد يكون في الجار وقد يكون في المجرور ولا يخفى بعده، وأما انتظام المعنى فلأن التقوى إن أريد بها تقوى خاصة وهي التي في حقوق العباد التي من جملتها صلة الرحم، فالتساؤل بالأرحام مما تقتضيه، وان أريد الأعم فلدخوله فيها، فيصير المعنى إما اتقوا الله في حقوق العباد، فإنكم تعظمون الله وتعظمونها أو تساءلون بها فلم لا تتقونها، أو اتقوا الله وراعوا حقوقه وحقوق عباده، فإنكم تساءلون الخ، فاذكروه توهم ساقط فافهم. وأما قراءة الرفع فتوجيهها ما ذكر لكن في العطف خفاء، فلعلها معترضة، وتقدير مما يتقي لقرينة اتقوا ومما يتساءل به لقرينة تساءلون، وقدره ابن عطية أهل لأن توصف وقدره ابن جني مما يجب أن تصلوه وتحتاطوا فيه، وهي قراءة ابن يزيد. قوله: (وعنه عليه الصلاة والسلام) رواه الشيخان والأحاديث في معناها كثيرة كقوله: " إن الله خلق الخلق حتى إذا فرغ منهم قامت الرحم فأخذت بحقو الرحمن فقال منه فقالت هذا مقام العائذ بك من القطيعة قال: نعم أما ترضين أنّ أصل من وصلك وأقطع من قطعك فقالت بلى " قال الراغب معناه أنه تعالى جعل بين نفسه وعباده سببا، كما كتب(3/96)