أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (31)
أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (31)
وأن في {ألاّ تعلوا} لا تترفعوا عليّ ولا تتكبروا كما تفعل الملوك مفسرة كقوله وانطلق المللأ منهم أن امشوا يعني أي امشوا {وأتوني مسلمين} مؤمنين أو منقادين وكتب الأنبياء مبينة على الأيجاز والاختصار(2/603)
قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ (32)
قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ (32)
{قالت يا أيها الملأ أفتوني في أمري} أشيروا علي في الأمر الذي نزل بي والفتوى والجواب في الحادثة اشتقت على طريق الاستعارة من الفتاء في السن والمراد هنا بالتقوى الإشارة عليها بما عندهم من الرأي وقصدها بالرجوع إلى استشارتهم تطبيب أنفسهم ليمالئوها ويقوموا معها {ما كنت قاطعةً أمراً} فاصلة أو ممضية حكماً {حتّى تشهدون} بكسر النون والفتح لحن لأن النون إنما تفتح في موضع الرفع وهذا في موضع النصب وأصله تشهدونني وحذفت النون الأولى للنصب والياء لدلالة الكسرة عليها بالياء في الوصل والوقف يعقوب أي تحضروني أو تشيروني أو تشهدوا أنه صواب أي لا أبت الأمر إلا بمحضركم وقيل كان أهل مشورتها ثلثمائة وثلاثة عشر رجلاً كل واحد على عشرة آلاف(2/603)
قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ (33)
قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ (33)
{قالوا} مجيبين لها {نحن أولوا قوة وأولو بأسٍ شديدٍ} أرادوا بالقوة قوة الأجساد والآلات وبالبأس النجدة والبلاء في الحرب {والأمر إليك فانظري ماذا تأمرين} أي موكول إليك ونحن مطيعون لك فمرينا بأمرك نطعك ولا نخالفك كأنهم أشاروا عليها بالقتال أو أرادوا نحن من أبناء الحرب لا من أبناء الرأي والمشورة وأنت ذات الرأي والتدبير فانظري مذا ترين نتبع رأيك فلما أحست منهم الميل إلى المحاربة مالت إلى المصالحة ورتبت الجواب فزيفت أولاً ما ذكروه وأرتهم الخطأ فيه حيث(2/603)
قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ (34)
قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ (34)
{قالت إنّ الملوك إذا دخلوا قريةً} عنوة وقهراً {أفسدوها} خربوها {وجعلوا أعزّة أهلها أذلّةً} أذلوا أعزتها وأهانوا أشرافها وقتلوا وأسروا(2/603)
فذكرت لهم سوء عاقبة الحرب ثم قالت {وكذلك يفعلون} أرادت وهذه عادتهم المستمرة التي لا تتغير لأنها كانت في بيت الملك القديم فسمعت نحو ذلك ورأت ثم ذكرت بعد ذلك حديث الهدية وما رأت من الرأي السديد، وقيل هو تصديق من الله لقولها واحتج الساعي في الأرض بالفساد بهذه الآية ومن استباح حراماً فقد كفر وإذا احتج بالقرآن على وجه التحريف فقد جمع بين كفرين {وإنّي مرسلةٌ إليهم بهديّةٍ} أي مرسلة رسلا بهدية(2/604)
وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ (35)
وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ (35)
{فناظرة} فمنتظرة {بم} أي بما لأن الألف
النمل (36)
تحذف مع حرف الجر في الاستفهام {يرجع المرسلون} بقبولها أم بردها لأنها عرفت عادة الملوك وحسن مواقع الهدايا عندهم فإن كان ملكا فبلها وانصرف وإن كان نبياً ردها ولم يرض منا إلا أن نتبعه على دينه فبعثت خمسمائة غلام عليهم ثياب الجواري وحليهن راكبي خيل مغشاة بالديباج محلاة اللجم والسروج بالذهب المرصع بالجواهر وخمسمائة جارية على رماك في زي الغلمان وألف لبنة من ذهب وفضة وتاجا مكللا بالدر والياقوت وحقافية درة عذراء وجزعة معوجة الثقب وبعثت رسلاً وأمرت عليهم المنذر بن عمرو بدليل قوله تعالى بم يرجع المرسلون وكتبت كتابا في نسخة الهدايا وقالت فيه إن كنت نبياً فميز بين الوصفاء والوصائف وأخبر بما في الحق واثقب الدرة ثقباً واسلك في الخرزة خيطاً ثم قالت للمنذر إن نظر إليك نظر غضبان فهو ملك فلا يهولنك منظره وإن رأيته بشاشاً لطيفاً فهو نبي فأقبل الهدهد وأخبر سليمان الخبر كله فأمر سليمان الجن فضربوا لبنات الذهب والفضة وفرشوها في ميدان بين يديه طوله سبعة فراسخ وجعلوا حول الميدان حائطاً شرفه من الذهب والفضة وأمر بأحسن الدواب في البر والبحر فربطوها عن يمين الميدان ويساره على اللبنات وأمر بأولاد الجن وهم خلق كثير فأقيموا عن(2/604)
اليمين واليسار ثم قعد على سريره والكراسي من جانبيه واصطت الشياطين صفوفاً فراسخ والإنس صفوفاً فراسخ والوحش والسباع والطيور والهوام كذلك فلما دنا القوم ورأوا الدواب تروث على اللبن رموا بما معهم من الهدايا ولما وقفوا بين يديه نظر إليهم سليمان بوجه طلق فأعطوه كتاب الملكة فنظر فيه وقال أين الحق فأمر الأرضة فأخذت شعرة ونفذت في الدرة وأخذت دودة بيضاء الخيط بفيها ونفذت فيها ودعا بالماء فكانت الجارية تأخذ الماء بيدها فتجعله في الأخرى ثم تضرب به وجهها والغلام كما يأخذه يضرب به وجهه ثم رد الهدية وقال للمنذر ارجع إليهم(2/605)
فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتَاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ (36)
فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتَاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ (36)
{فَلَمَّا جَآء} رسولها المنذر بن عمرو {سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ} بنونين وإثبات الياء في الوصل والوقف مكي وسهل وافقهما مدني وأبو عمرو في الوصل أتمدوني حمزة ويعقوب في الحالين وغيرهم بنونين بلا ياء فيهما والخطاب للرسل {فما آتاني الله} من النبوة والملك والنعمة وبفتح الياء مدني وأبو عمرو وحفص {خير مما آتاكم} من زخارف الدنيا {بَلْ أَنتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ} الهدية اسم المهدي كما أن العطية اسم المعطي
النمل (40 - 37)
فتضاف إلى المهدي والمهدى له تقول هذه هدية فلان تريد هي التي أهداها أو أهديت إليه والمعنى إن ما عندي خير مما عندكم وذلك أن الله آتاني الدين الذي فيه الحظ الأوفر والغنى الأوسع وآتاني من الدنيا ما لا يستزاد عليه فكيف يرضى مثلي بأن يمد بمال بل أنتم قوم لا تعلمون إلا ظاهراً من الحياة الدنيا فلذلك تفرحون بما تزادون ويهدى إليكم لأن ذلك مبلغ همتكم وحالي خلاف حالكم وما أرضي منكم بشيء ولا أفرح به إلا بالإيمان وترك المجوسية والفرق بين قولك أتمدونني بمال وأنا أغنى منكم وبين أن تقوله بالهاء إني إذا قلته بالواو وجعلت مخاطبي عالماً بزيادتي في الغنى وهو مع ذلك يمدني بمال وإذا قلته بالفاء فقد جعلته ممن(2/605)
خفيت عليه حالي فأنا أخبره الساعة بما لا أحتاج معه إلى إمداده كأني أقول له أنكر عليك ما فعلت فإني غني عنه وعليه ورد فما آتاني الله ووجه الإضراب أنه لما أنكر عليهم الإمداد وعلل إنكاره أضرب عن ذلك إلى بيان السبب الذي حملهم عليه وهو أنهم لا يعرفون سبب رضا لا فرح إلا أن يهدي إليهم حظ من الدنيا التي لا يعلمون غيرها(2/606)
ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ (37)
ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ (37)
{ارجع إِلَيْهِمْ} خطاب للرسول أو الهدهد محملاً كتاباً آخر إليهم ائت بلقيس وقومها {فَلَنَأْتِيَنَّهُم بِجُنُودٍ لاَّ قِبَلَ لَهُمْ بِهَا} لا طاقة لهم بها وحقيقة القبل المقاومة والمقابلة أي لا يقدرون أن يقابلوهم {وَلَنُخْرِجَنَّهُم مّنْهَا} من سبأ {أَذِلَّةً وَهُمْ صاغرون} الذل أن يذهب عنهم ما كانوا فيه من العز والملك والضغار أن يقعوا في أسر واستبعاد فلما رجع إليها رسولها بالهدايا وقص عليها القصة قالت هو نبي وما لنا به طاقة ثم جعلت عرشها في آخر سبعة أبيات وغلقت الأبواب ووكلت به حرساً يحفظونه وبعثت إلى سليمان قادمة إليك لأنظر ما الذي تدعو إليه وشخصت إليه في اثني عشر ألف قبل تحت كل قيل ألوف فلما بلغت على رأس فرسخ من سليمان(2/606)
قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (38)
قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (38)
{قَالَ يَا أَيُّهَا الملأ أَيُّكُمْ يَأْتِينِى بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِى مُسْلِمِينَ} أراد أن يريها بذلك بعض ما خصه الله تعالى به من إجراء العجائب على يده مع إطلاعها على عظم قدرة الله تعالى وعلى ما يشهد لنبوة سليمان أو أراد أن يأخذه قبل أن تسلم لعلمه أنها إذا أسلمت لم يحل له أن أخذ ما لها وهذا بعيد عند أهل التحقيق أو أراد أن يؤتى به فينكر ويغير ثم ينظر أتثبته أم تنكره اختباراً لعقلها(2/606)
قَالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ (39)
قَالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ (39)
{قَالَ عِفْرِيتٌ مّن الجن} وهو الخبيث المارد وإسمه ذكوان {أنا آتيك بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ} مجلس حكمك وقضائك {وَإِنّى عَلَيْهِ} على حمله(2/606)
{لَقَوِىٌّ أَمِينٌ} آتي به كما هو لا آخذ منه شيئاً ولا أبدله فقال سليمان عليه السلام أريد أعجل من هذا(2/607)
قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ (40)
قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ (40)
{قَالَ الذى عِندَهُ عِلْمٌ مّنَ الكتاب} أي ملك بيده كتاب المقادير أرسله الله تعالى عند قول العفريت أو
النمل (42 - 40)
جبريل عليه السلام والكتاب على هذا اللوح المحفوظ أو الخضر أو آصف بن برخيا كاتب سليمان وهو الأصح وعليه الجمهور وكان عنده اسم الله الأعظم الذي إذا دعا به أجاب وهو يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام أو يا إلهنا وإله كل شيء إلهاً واحداً لا إله ألا أنت وقيل له علم بمجاري الغيوب ألهاما {أنا آتيك به} بالعرش وآتيك في الموضعين يجوز أن يكون فعلاً أو اسم فاعل ومعنى قوله {قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ} أنك ترسل طرفك إلى شيء فقبل أن ترده أبصرت العرش بين يديك ويروى أن آصف قال لسليمان عليه السلام مد عينيك حتى ينتهي طرفك فمد عينيه فنظر نحو اليمين فدعا آصف فغار العرش في مكانه ثم نبع عند مجلس سليمان بقدرة الله تعالى قبل أن يرتد طرفه {فلما رآه} أي العرش {مُسْتَقِرّاً عِندَهُ} ثابتاً لديه غير مضطرب {قَالَ هذا} أي حصول مرادي وهو حضور العرش في مدة ارتداد الطرف {مِن فَضْلِ رَبّى} عليّ وإحسانه إلي بلا استحقاق مني بل هو فضل خال من العوض صاف عن الغرض {ليبلوني أأشكر} ليمتحنني أأشكر إنعامه {أَمْ أَكْفُرُ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ} لأنه يحط به عنها عبء الواجب ويصونها عن سمة الكفران ويستجلب به المزيد وترتبط به النعمة فالشكر قيد للنعمة الموجودة وصيد للنعمة المفقودة وفي كلام بعضهم إن كفران النعمة بوار وقلما أقشعت نافرة فرجعت في نصابها فاستدع شاردها(2/607)
بالشكر واستدم راهنها بكرم الجوار واعلم أن سبوغ ستر الله تعالى متقلص عما قريب إذا أنت لم ترج لله وقاراً أي لم تشكر لله نعمة {وَمَن كَفَرَ} بترك الشكر على النعمة {فَإِنَّ رَبّى غَنِىٌّ} عن الشكر {كَرِيمٌ} بالإنعام على من يكفر نعمته قال الواسطي ما كان منا الشكر فهو لنا وما كان منه من النعمة فهو إلينا وله المنة والفضل علينا(2/608)
قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ (41)
قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ (41)
{قَالَ نَكّرُواْ لَهَا عَرْشَهَا} غيروا أي اجعلوا مقدمه مؤخره وأعلاه أسفله {نَنظُرْ} بالجزم على الجواب {أتهتدي} إلى معرفة عرشها أو الجواب الصواب إذا سئلت عنه {أَمْ تَكُونُ مِنَ الذين لاَ يَهْتَدُونَ}(2/608)
فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ (42)
فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ (42)
{فَلَمَّا جَاءتْ} بلقيس {قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ} ها للتنبيه والكاف للتشبيه وذا اسم اعارة ولم يقل أهذا عرشك ولكن أمثل هذا عرشك لئلا يكون تلقيناً {قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ} فأجابت أحسن جواب فلم تقل هو هو ولا ليس به وذلك من رجاحة عقلها حيث لم تقطع في المحتمل للأمرين أو لما شبهوا عليها بقولهم أهكذا عرشك شبهت عليهم بقولها كَأَنَّهُ هُوَ مع أنها علمت أنه عرشها
النمل (45 - 42)
{وَأُوتِينَا العلم مِن قَبْلِهَا} من كلام بلقيس أي أوتينا العلم بقدرة الله تعالى وبصحة نبوتك بالآيات المتقدمة من أمر الهدهد والرسل من قبل هذه المعجزة أي إحضار العرش أو من قبل هذه الحالة {وَكُنَّا مُسْلِمِينَ} منقادين لك مطيعين لأمرك ومن كلام سليمان وملئه عطفوا على كلامها قولهم وأوتينا العلم بالله وبقدرته وبصحة ما جاء من عنده قبل علمها وأوتينا العلم بإسلامها ومجيئها طائفة من قبل مجيئها وكنا مسلمين موحدين خاضعين(2/608)
وَصَدَّهَا مَا كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ كَافِرِينَ (43)
وَصَدَّهَا مَا كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ كَافِرِينَ (43)
{وَصَدَّهَا مَا كَانَت تَّعْبُدُ مِن دُونِ الله} متصل بكلام سليمان أي وصدها(2/608)
عن العلم بما علمناه أو عن التقدم إلى الإسلام عبادة للشمس ونشؤها بين أظهر الكفرة ثم بين نشأها بين الكفر بقوله {إِنَّهَا كَانَتْ مِن قَوْمٍ كافرين} أو كلام مبتدأ أي قال الله تعالى وصدها قبل ذلك عما دخلت فيه ضلالها عن سواء السبيل أو صدها الله أو سليمان عما كانت تعبد بتقدير حذف الجار وإيصال الفعل(2/609)
قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (44)
قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (44)
{قِيلَ لَهَا ادخلى الصرح} أي القصر أو صحن الدار {فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً} ماء عظيماً {وَكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا} سأقيها بالهمزة مكي روي أن سليمان أمر قبل قدومها فبنى له على طريقها قصر من زجاج أبيض وأجرى من تحته الماء وألقى فيه السمك وغيره ووضع سريره في صدره فجلس عليه وعكف عليه الطير والجن والإنس وإنما فعل ذلك ليزيدها استعظاماً لأمره وتحقيقاً لنبوته وقيل إن الجن كرهوا أن يتزوجها فتفضي إليه بأسرارهم لأنهم كانت بنت جنية وقيل خافوا أن يولد له منها ولد يجمع فطنة الجن والإنس فيخرجون من ملك سليمان إلى ملك هو أشد فقالوا له إن في عقلها شيئاً وهي شعراء الساقين ورجلها كحافر الحمار فاختبر عقلها بتنكير العرش واتخذ الصرح ليعرف ساقها ورجلها فكشفت عنهما فإذا هي أحسن الناس ساقاً وقدماً إلا أنها شعراء فصرف بصره {قَالَ} لها {إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ} مملس مستو ومنه الأمرد {مّن قَوارِيرَ} من الزجاج وأراد سليمان تزوجها فكره شعرها فعملت لها الشياطين النورة فأزالته فنكحها سليمان وأحبها وأقرها على ملكها وكان يزورها في الشهر مرة فيقيم عندها ثلاثة أيام وولدت له {قَالَتْ رَبّ إِنّى ظَلَمْتُ نَفْسِى} بعبادة الشمس {وَأَسْلَمْتُ مَعَ سليمان لِلَّهِ رَبّ العالمين} قال المحققون لا يحتمل أن يحتال سليمان(2/609)
لينظر إلى ساقيها وهي أجنبية لا يصح القول بمثله(2/610)
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ (45)
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ (45)
{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إلى ثَمُودَ أَخَاهُمْ} في النسب {صالحا} بدل {أَنِ اعبدوا الله} بكسر النون في الوصل عاصم وحمزة وبصرى وبضم
النمل (49 - 45)
النون غيرهم اقباعا للباء والمعنى بأن اعبدوا الله وحده {فَإِذَا} للمفاجأة {هُمْ} مبتدأ {فَرِيقَانِ} خبر {يَخْتَصِمُونَ} صفة وهي العامل في إِذَا والمعنى فإذا قوم صالح فريقان مؤمن به وكافر به يختصمون فيقول كل فريق الحق معي وهو مبين في قوله قَالَ الملأ الذين استكبروا من قومه للذين استضعفوا لمن آمن مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صالحا مُّرْسَلٌ مّن رَّبّهِ قالوا إنما بما أرسل به مؤمنون قال الذين استكبروا أنا بالذي آمنتم به كافرون وقال الفريق الكافر يا صالح ائتنا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ المرسلين(2/610)
قَالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (46)
قَالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (46)
{قَالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بالسيئة} بالعذاب الذي توعدون {قَبْلَ الحسنة} قبل التوبة {لَوْلاَ} هلا {تَسْتَغْفِرُونَ الله} تطلبون المغفرة من كفركم بالتوبة والإيمان قبل نزول العذاب بكم {لَعَلَّكُمْ ترحمون} بالإجابة(2/610)
قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ قَالَ طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ (47)
قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ قَالَ طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ (47)
{قَالُواْ اطيرنا بِكَ} تشاءمنا بك لأنهم قحطوا عند مبعثه لتكذيبهم فنسبوه إلى مجيئه والأصل تَطَيَّرْنَا وقريء به فأدغمت التاء في الطاء وزيدت الألف لسكون الطاء {وَبِمَن مَّعَكَ} من المؤمنين {قَالَ طَائِرُكُمْ عِندَ الله} أي سببكم الذي يجيء منه خيركم وسركم عند الله وهو قدره وقسمته أو عملكم مكتوب عند الله فإنما نزل بكم ما نزل عقوبة لكم وفتنة ومنه وَكُلَّ إنسان الزمناه طائره في عنقه وأصله أن المسافر إذا مر بطائر يزجره فان مرسانحا تيامن وإذا مر(2/610)
بارحاً تشاءم فلما نسبوا الخير والشر إلى الطائر استعير لما كان سببهما من قدر الله وقسمته أو عمل العبد الذي هو السبب في الرحمة والنقمة {بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ} تختبرون أو تعذبون بذنبكم(2/611)
وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ (48)
وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ (48)
{وَكَانَ فِى المدينة} مدينة ثمود وهي الحجر {تِسْعَةُ رَهْطٍ} هو جمع لا واحد له ولذا جاز تمييز التسعة به فكأنه قيل تسعة أنفس وهو من الثلاثة إلى العشر وعن أبي دؤاد رأسهم قدار بن سالف وهم الذين سعوا في عقر الناقة وكانوا أبناء أشرافهم {يُفْسِدُونَ فِى الأرض وَلاَ يُصْلِحُونَ} يعني أن شأنهم الإفساد البحت لا يخلط بشيء من الصلاح كما ترى بعض المفسدين قد يندر منه بعض الصلاح وعن الحسن يظلمون الناس ولا يمنعون الظالمين من الظلم وعن ابن عطاء يتبعون معايب الناس ولا يسترون عوراتهم(2/611)
قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (49)
قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (49)
{قَالُواْ تَقَاسَمُواْ بالله} تحالفوا خبر في محل الحال بإضمار قد أي قالوا متقاسمين أو أمر أي أمر بعضهم بعضاً بالقسم {لَنُبَيّتَنَّهُ} لنقتلنه بياتاً أي ليلاً {وَأَهْلَهُ} ولده وتبعه {ثم لنقولن لوليه} لولى
النمل (55 - 49)
دمه لتبيتنه بالتاء وبضم التاء الثانية ثم لتقولن بالتاء وضم اللام حمزة وعلى {ما شهدنا} ما حضرنا {مَهْلِكَ أَهْلِهِ} حفص مهلَك أبو بكر وحماد والمفضل من هلك فالأولى موضع الهلاك والثاني المصدر ملك غيرهم من أهلك وهو الإهلاك أو مكان الإهلاك أي لم نتعرض لأهله فكيف تعرضنا له أو ما حضرنا موضع هلاكه فكيف توليناه {وِإِنَّا لصادقون} فيما ذكرنا(2/611)
وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (50)
وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (50)
{وَمَكَرُواْ مَكْراً وَمَكَرْنَا مَكْراً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ} مكرهم ما أخفوه من تدبير الفتك بصالح وأهله ومكر الله إهلاكهم من حيث لا يشعرون شبه بمكر الماكر على سبيل الاستعارة روي أنه كان لصالح مسجد في الحجر في شعب يصلي فيه فقالوا زعم صالح أنه يفرغ منا إلى ثلاث فنحن نفرغ منه ومن أهله قبل الثالث فخرجوا إلى الشعب وقالوا إذ جاء يصلي قتلناه ثم رجعنا إلى أهله فقتلناهم فبعث الله صخرة من الهضب حيالهم فبادروا فطبقت الصخرة عليهم فم الشعب فلم يدر قومهم أين هم ولم يدروا ما فعل بقومهم وعذب الله كلامنهم في مكانه ونجى صالحاً عليه السلام ومن معه(2/612)
فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ (51)
فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ (51)
{فانظر كَيْفَ كَانَ عاقبة مَكْرِهِمْ أَنَّا دمرناهم} بفتح الألف كفى وسهل وبكسرها غيرهم على الاستئناف ومن فتحه رفعه على أنه بدل من العاقبة أو خبر مبتدأ محذوف تقديره هي تدميرهم أو نصبه على معنى لأنا أو على أنه خبر كان أي فكان عاقبة مكرهم الدمار {وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ} بالصيحة(2/612)
فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (52)
فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (52)
{فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً} ساقطة منهدمة من خوى النجم إذا سقط أو خالية من الخواء وهي حال عمل فيها مادل عليه تلك {بِمَا ظَلَمُواْ} بظلمهم {إِنَّ فِى ذَلِكَ} فيما فعل بثمود {لآيَةً لّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} قدرتنا فيتعظون(2/612)
وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (53)
وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (53)
{وأنجينا الذين آمنوا} بصالح {وكانوا يتقون} ترك أوامره(2/612)
وكانوا أربعة الآف نجوا مع صالح من العذاب(2/613)
وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ (54)
وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ (54)
{ولوطا إذ قال} واذكر لوطا وإذ بدل من لوطا أي ذكروا وقت قول لوط {لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الفاحشة} أي إتيان الذكور {وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ} تعلمون أنها فاحشة لم تسبقوا إليها من بصر القلب أو يرى ذلك بعضهم من بعض لأنهم كانوا يركبونها في ناديهم معالنين بها لا يتستر بعضهم من بعض مجانة وأنهما كافي المعصية أو تبصرون آثار العصاة قبلكم وما نزل بهم ثم صرح فقال(2/613)
أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (55)
أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (55)
{أَئِنَّكُمْ} بهمزتين كوفي وشامي {لَتَأْتُونَ الرجال شَهْوَةً} للشهوة {مّن دُونِ النساء} أي إن الله تعالى إنما خلق الأنثى للذكر ولم يخلق الذكر للذكر ولا الانثى للأنثى فهي
النمل (60 - 55)
مضادة لله في حكمته {بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} تفعلون فعل الجاهلين بأنها فاحشة مع علمكم بذلك أو أريد بالجهل السفاهة والمجانة التي كانوا عليها وقد اجمتع الخطاب والغيبة في قوله بل أنتم قوم تجهلون وبل وأنتم قوم تفتنون فغلب الخطاب على الغيبة لأنه أقوى إذ الأصل أن يكون الكلام بين الحاضرين(2/613)
فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ (56)
فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ (56)
{فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُواْ أخرجوا آل لوط} أي لوطا ومتبعيه فخبر كان جوابه واسمه أن قالوا {مّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ} يتنزهون عن القاذورات ينكرون هذا العمل القذر ويغيظنا أنكارهم قيل هو استهزاء كقوله أنك لأنت الحكيم الرشيد(2/613)
فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ (57)
فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ (57)
{فأنجيناه} فخلصناه من العذاب الواقع بالقوم {وَأَهْلَهُ إِلاَّ امرأته(2/613)
قدرناها} بالتشديد سوى حماد وأبي بكر أي قدرنا كونها {مِنَ الغابرين} من الباقين في العذاب(2/614)
وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ (58)
وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ (58)
{وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَّطَرًا} حجارة مكتوباً عليها اسم صاحبها {فَسَاء مَطَرُ المنذرين} الذين لم يقبلوا الانذار(2/614)
قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ (59)
قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ (59)
{قُلِ الحمد لِلَّهِ وسلام على عِبَادِهِ الذين اصطفى} أمر رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم بتحميده ثم بالصلاة على المصطفين من عباده توطئه لما يتلوه من الدلالة على وحدانيته وقدرته على كل شيء وهو تعليم لكل متكلم في كل أمر ذي بال بأن يتبرك بهما ويستظهر بمكانهما أو هو خطاب للوط عليه السلام بأن يحمد الله على هلاك كفار قومه ويسلم على من اصطفاه الله ونجاه من هلكتهم وعصمه من ذنوبهم {آلله خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ} بالياء بصري وعاصم ولا خير فيما أشركوه أصلاً حتى يوازن بينه وبين من هو خالق كل شيء وإنما هو إلزام لهم وتهكم بحالهم وذلك أنهم آثروا عبادة الأصنام على عبادة الله تعالى ولا يؤثر عاقل شيئاً على شيء إلا لداع يدعوه إلى ايثارة من زيادة خبر ومنفعة فقيل لهم مع العلم بأنه لا خير فيما آثروه وأنهم لم يؤثروه لزيادة الخبر ولكن هوى وعبثاً لينبهوا على الخطأ المفرط والجهل المورط وليعلموا أن الإيثار يجب أن يكون للخير الزائد وكان عليه الصلاة والسلام إذا قرأها قال بل الله خير وأبقى وأجل وأكرم ثم عدد سبحانه الخيرات والمنافع التي هي آثار رحمته وفضله فقال(2/614)
أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ (60)
أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ (60)
{أم من خلق السماوات والأرض} والفرق بين أم وأم في أمله يشركون وأمن خلق السموات ان تلك متصله إذا المعنى أيهما خير(2/614)
وهذه منقطعة بمعنى بل والهمزة ولما قال الله خير أم الآلهة قال بل أمن خلق السموات والأرض خير تقريراً لهم بأن من قدر على خلق العالم خير من جماد لا يقدر على شيء {وَأَنزَلَ لَكُمْ مّنَ السماء ماء} مطرا {فأنبتنا} صرف
النمل (64 - 60)
الكلام عن الغيبة إلى التكلم تأكيداً لمعنى اختصاص الفعل بذاته وإيذاناً بأن إنبات الحدائق المختلفة والأصناف والألوان والطعوم والأشكال مع حسنها بماء واحد لا يقدر عليه إلا هو وحده {بِهِ} بالماء {حَدَائِقَ} بساتين والحديقة البستان وعليه حائط من الإحداق وهو الإحاطة {ذَاتُ} ولم يقل ذوات لأن المعنى جماعة حدائق كما تقول النساء ذهبت {بَهْجَةٍ} حسن لأن الناظر يبتهج به ثم رشح معنى الاختصاص بقوله {مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُواْ شَجَرَهَا} ومعنى الكينونة الانبغاء أراد أنّ تأتّى ذلك محال من غيره {أإله مَّعَ الله} أغيره يقرن به ويجعل شريكاً له {بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ} به غيره أو يعدلون ن الحق الذي هو التوحيد وبل هم بعد الخطاب أبلغ في تخطئة رأيهم(2/615)
أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (61)
أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (61)
{أم من جَعَلَ الأرض} وما بعده بدل من أمن خلق فكان حكمها حكمه {قَرَاراً} دحاها وسواها للاستقرار عليها {وَجَعَلَ خِلاَلَهَا} ظرف أي وسطها وهو المفعول الثاني والأول {أَنْهَاراً} وبين البحرين مثله {وَجَعَلَ لَهَا} للأرض {رَوَاسِىَ} جبالاً تمنعها عن الحركة {وَجَعَلَ بَيْنَ البحرين} العذب والمالح {حاجزا} مانعا أن يختلطا {أإله مَّعَ الله بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} التوحيد فلا يؤمنون(2/615)
أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (62)
أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (62)
{أم من يُجِيبُ المضطر إِذَا دَعَاهُ} الاضطرار افتعال من الضرورة وهي الحالة المحوجة إلى اللجأ يقال اضطره إلى كذا والفاعل والمفعول مضطر والمضطر الذي أحوجه مرض أو فقرأ ونازلة من نوازل الدهر إلى اللجأ(2/615)
والتضرع إلى الله والمذنب أو المذنب إذا استغفر أو المظلوم إذا دعا أو من رفع يديه ولم ير لنفسه حسنة غير التوحيد وهو منه على خطر {وَيَكْشِفُ السوء} الضر أو الجور {وَيَجْعَلُكُمْ خلفاء الأرض} أي فيها وذلك توارثهم سكناها والتصرف فيها قرناً بعد قرن أو أراد بالخلافة الملك والتسلط {أإله مَّعَ الله قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ} وبالياء أبو عمر وبالتخفيف حمزة وعلي وحفص وما مزيدة أي تذكرون تذكرا قليلا(2/616)
أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (63)
أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (63)
{أم من يَهْدِيكُمْ} يرشدكم بالنجوم {فِى ظلمات البر والبحر} ليلاً وبعلامات في الأرض نهاراً {وَمَن يُرْسِلُ الرياح} الريح مكي وحمزة وعلى {بُشرا} من البشارة وقد مرّ في الأعراف {بَيْنَ يَدَىْ رحمته} قدام المطر {أإله مَّعَ الله تَعَالَى الله عَمَّا يُشْرِكُونَ}(2/616)
أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (64)
أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (64)
{أمن يبدأ الخلق} ينشأ الخلق {ثُمَّ يُعِيدُهُ} وإنما قيل لهم ثُمَّ يعيده وهم منكرون للإعادة
النمل (66 - 64)
لأنه ازيحت عليهم بالمكين من المعرفة والإقرار فلم يبقى لهم عذر في الإنكار {وَمَن يَرْزُقُكُم مّنَ السماء} أي المطر {والأرض} أي ومن الأرض والنبات {أإله مَّعَ الله قُلْ هَاتُواْ برهانكم} حجتكم على إشراككم {إِن كُنتُمْ صادقين} في دعواكم أن مع الله إلهاً آخر(2/616)
قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (65)
قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (65)
{قُل لاَّ يَعْلَمُ مَن فِى السماوات والأرض الغيب إلا الله} من فاعل يعلم(2/616)
والغيب وهو ما لم يقم عليه دليل ولا أطلع عليه مخلوق مفعول والله بدل مِن مَن والمعنى لا يعلم أحد الغيب إلا الله نعم إن الله تعالى يتعالى عن أن يكون ممن في السموات والأرض ولكنه جاء على لغة بني تميم حيث يجرون الاستثناء المنقطع أي مجرى المتصل ويجزون النصب والبدل في المنقطع كما في المتصل ويقولون ما في الدار أحد إلا حمار وقالت عائشة رضي الله عنها من زعم أنه يعلم ما في غد فقد أعظم على الله والفرية والله تعالى يقول قُل لاَّ يَعْلَمُ مَن في السموات والأرض الغيب إِلاَّ الله وقيل نزلت في المشركين حين سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن وقت الساعة {وَمَا يَشْعُرُونَ} وما يعلمون {أيان} متى {يبعثون} ينشرون(2/617)
بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ (66)
بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ (66)
{بل ادارك} أدرك مكي وبصري ويزيد والمفضل أي انتهى وتكامل من أدركت الفاكهة تكاملت نضجاً بَلِ أدرك عن الأعشى افتعل بل ادرك غيرهم استحكم وأصله تدارك فأدغمت التاء في الدال وزيد ألف الوصل ليمكن التكلم بها {عِلْمُهُمْ فِى الآخرة} أي في شأن الآخرة ومعناها والمعنى أن أسباب استحكام العلم وتكامله بأن القيامة كائنة قد حصلت لهم ومكنوا من معرفته وهم شاكون جاهلون وذلك قوله {بَلْ هُمْ فِى شَكّ مّنْهَا بَلْ هُم مّنْهَا عَمُونَ} والإضرابات الثلاث تنزيل لأحوالهم وتكرير لجهلهم وصفهم أو لا بأنهم لا يشعرون وقت البعث ثم بأنهم لا يعلمون أن القيامة كائنة ثم يأنهم يخبطون في شك ومرية فلا يزيلونه والإزالة مستطاعة ثم بما هو أسوء حالاً وهو العمى وقد جعل الآخرة مبتدأ عماهم ومنشأه فلذا عداه بمن دون عن لأن الكفر بالعاقبة والجزاء هو الذي منعهم من التدبر والتفكر ووجه ملاءمة مضمون هذه الآية وهو وصف المشركين بإنكارهم البعث مع استحكام أسباب العلم والتمكن من المعرفة بما قبله وهو اختصاصه تعالى بعلم الغيب وأن العباد لا علم لهم بشيء منه أنه لما ذكر أن العباد لا يعلمون الغيب وكان هذا بياناً لعجزهم(2/617)
ووصفاً لقصور علمهم وصل به أن عندهم عجزاً أبلغ منه وهو أنهم يقولون للكائن الذي لابد من كونه وهو وقت جزاء أعمالهم لا يكون مع أن عندهم أسباب معرفة كونه واستحكام العلم به وجاز أن يكون وصفهم باستحكام العلم وتكامله تهكماً بهم كما تقول لأجهل الناس ما أعلمك على سبيل الهزؤ وذلك حيث شكوا وعملوا عن إثباته الذي الطريق إلى علمه مسلوك فضلاً أن يعرفوا وقت كونه الذي لا طريق إلى معرفته ويجوز أن يكون أدرك بمعنى انتهى وفنى من قولك أدركت النمرة لأن لك غايتها التي عندها تعدم
النمل (74 - 67)
وقد فسرها الحسن بإضمحل علمهم في الآخرة وتدارك من تدارك بنو فلان إذا تتابعوا في الهلاك(2/618)
وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَإِذَا كُنَّا تُرَابًا وَآبَاؤُنَا أَئِنَّا لَمُخْرَجُونَ (67)
وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَإِذَا كُنَّا تُرَابًا وَآبَاؤُنَا أَئِنَّا لَمُخْرَجُونَ (67)
{وقال الذين كفروا أئذا كنا ترابا وآباؤنا أئنا لمخرجون} من قبورنا أحياء وتقرير حرف الاستفهام في أئذا وائنا في قراءة عاصم وحمزة وخلف إنكار بعد إنكار وجحود عقيب جحود ودليل على كفر مؤكد مبالغ فيه والعامل فيه إذا ما دل عليه المخرجون وهو نخرج لأن اسم الفاعل والمفعول بعد همزة الاستفهام أو إن أو لام الابتداء لا يعمل فيما قبله فكيف إذا اجتمعن والضمير في إنا لهم ولآبائهم لأن كونهم تراباً قد تناولهم وآباءهم لكنه غلبت الحكاية على الغائب وآباؤنا عطف على الضمير في كنا لأن المفعول جرى مجرى التوكيد(2/618)
لَقَدْ وُعِدْنَا هَذَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (68)
لَقَدْ وُعِدْنَا هَذَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (68)
{لقد وعدنا هذا} أي البعث {نحن وآباؤنا من قبل} من قبل محمد صلى الله عليه وسلم قدم هنا هذا على نحن وآباؤنا وفي المؤمنون نحن وآناؤنا على هذا البدل على أن المقصود بالذكر هو البعث هنا وثمت المبعوثون {إِنْ هذا إِلاَّ أساطير الأولين} ما هذا إلا أحاديثهم وأكاذبيهم(2/618)
قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ (69)
قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ (69)
{قل سيروا فى الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المجرمين} أي آخر أمر الكافرين في ذكر الإجرام لطف بالمسلمين في ترك الجرائم كقوله تعالى(2/618)
فدمدم عليهم ربهم بذنبهم وقوله مما خطيآتهم أغرقوا(2/619)
وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (70)
وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (70)
{وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ} لأجل أنهم لم يتبعوك ولو يسلموا فيسلموا {وَلاَ تَكُن فِى ضَيْقٍ} في حرج صدر {مّمَّا يَمْكُرُونَ} من مكرهم وكيدهم لك فإن الله يعصمك من الناس يقال ضاق الشيء ضيقاً بالفتح وهو قراءة غير ابن كثير وبالكسر وهو قراءته(2/619)
وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (71)
وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (71)
{وَيَقُولُونَ متى هذا الوعد} أي وعد العذاب {إِن كُنتُمْ صادقين} أن العذاب نازل بالمكذب(2/619)
قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ (72)
قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ (72)
{قُلْ عسى أَن يَكُونَ رَدِفَ لَكُم بَعْضُ الذي تستعجلون} استعجلوا العذاب الموعود وقيل لهم عسى أن يكون ردفكم بعضه وهو عذاب يوم بدر فزيدت اللام للتأكيد كالباء في ولا تلقوا بأيديكم الى التهلكة أو ضمن معنى فعل يتعدى باللام نحو دنالكم وأزف لكم ومعناه تبعكم ولحقكم وعسى ولعل وسوف في وعد الملوك ووعيدهم يدل على صدق الأمر وجده فعلى ذلك جرى وعد الله ووعيده(2/619)
وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ (73)
وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ (73)
{وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ} أي إفضال {عَلَى الناس} بترك المعاجلة بالعذاب {ولكن أَكْثَرَهُمْ لاَ يَشْكُرُونَ} أي أكثرهم لا يعرفون حق النعمة فيه ولا يشكرونه فيستعجلون العذاب بجهلهم(2/619)
وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ (74)
وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ (74)
{وإن ربك ليعلم ما تكن} تخفي
النمل (81 - 74)
{صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ} يظهرون من القول فليس تأخير العذاب عنهم لخفاء حالهم ولكن له وقت مقدر أو أنه يعلم ما يخفون وما يعلنون من عداوة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومكايدهم وهو معاقبهم على ذلك بما يستحقونه وقريء تكنّ يقال كننت الشيء وأكننته إذا(2/619)
سترته وأخفيته(2/620)
وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (75)
وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (75)
{وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِى السماء والأرض إِلاَّ فِى كتاب مُّبِينٍ} سمى الشيء الذي يغيب ويخفي غائبة وخافية والتاء فيمها كالتاء في العاقبة ونظائرهما الرمية والذبيحة والنطيحة في أنها أسماء غير صفات ويجوز أن يكونا صفتين وتاؤهما للمبالغة كالرواية كأنه قال وما من شيء شديد الغيبوبة إلا وقد علمه الله وأحاط به وأثبته في اللوح المحفوظ والمبين الظاهر البيّن لمن ينظر فيه من الملائكة(2/620)
إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (76)
إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (76)
{إن هذا القرآن يقص على بني إسرائيل} أي يبين لهم {أَكْثَرَ الذى هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} فإنهم اختلفوا في المسيح فتحزبوا فيه أحزاباً ووقع بينهم التناكر في أشياء كثيرة حتى لعن بعضهم بعضاً وقد نزل القرآن ببيان ما اختلفوا فيه لو أنصفوا وأخذوا به وأسلموا يريد اليهود والنصارى(2/620)
وَإِنَّهُ لَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (77)
وَإِنَّهُ لَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (77)
{وَإِنَّهُ} وإن القرآن {لَهُدًى وَرَحْمَةٌ لّلْمُؤمِنِينَ} لمن أنصف منهم وآمن أي من بني إسرائيل أو منهم ومن غيرهم(2/620)
إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ (78)
إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ (78)
{إِن رَبَّكَ يَقْضِى بَيْنَهُم} بين من آمن بالقرآن ومن كفر به {بِحُكْمِهِ} بعدله لأنه لا يقضي إلا بالعدل فسمى المحكوم به حكماً أو بحكمته ويدل عليه قراءة من قرأ بحكمه جمع حكمة {وَهُوَ العزيز} فلا يرد قضاؤه {العليم} بمن يقضي له وبمن يقضي عليه أو العزيز في انتقامه من المبطلين العليم بالفضل بينهم وبين المحقين(2/620)
فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ (79)
فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ (79)
{فَتَوَكَّلْ عَلَى الله} أمره بالتوكل على الله وقلة المبالاة بأعداء الدين {إِنَّكَ عَلَى الحق المبين} وعلل التوكل بأنه على الحق الأبلج وهو الدين الواضح الذي لا يتعلق به شك وفيه بيان أن صاحب الحق حقيق بالوثوق بالله وبنصرته(2/620)
إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (80) وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلَالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ (81)
إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (80) وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلَالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ (81)
{إِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ الموتى وَلاَ تُسْمِعُ الصم الدعاء إِذَا وَلَّوْاْ مُدْبِرِينَ وَمَا أَنتَ بِهَادِى العمى عَن ضلالتهم} لما كانوا لا يعون ما يسمعون ولا به ينتفعون شبهوا بالموتى وهم أحياء صحاح الحواس وبالصم الذين ينعق بهم فلا يسمعون وبالعمي حيث يضلون الطريق ولا يقدر أحدا أن ينزع ذلك عنهم ويجعلهم هداة بصراء الى الله تعالى ثم أكد حال الصم بقوله إذا ولوا مدبرين لأنه إذا تباعد عن الداعي بأن تولى عنه مدبراً كان أبعد عن إدراك صوته ولا يسمع الصُّمُّ مكي وكذا في الروم وَمَا أَنتَ تَهْدِى العمى وكذا في الروم حمزة {إِنْ تُسْمعُ إِلاَّ من يؤمن بآياتنا} أي ما يجدي
النمل (86 - 81)
إسماعك إلا على الذين علم الله أنهم يؤمنون بآياته أي يصدقون بها {فَهُم مُّسْلِمُونَ} مخلصون من قوله بلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله يعني جعله سالماً لله خالصاً له(2/621)
وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ (82)
وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ (82)
{وَإِذَا وَقَعَ القول عَلَيْهِم} سمى معنى القول مؤداه بالقول وهو ما وعدوا من قيام الساعة والعذاب وقوعه حصوله والمراد مشارفة الساعة وظهور أشراطها وحين لا تنفع التوبة {أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مّنَ الأرض تُكَلّمُهُمْ} هي الجساسة في الحديث طولها ستون ذراعاً لا يدركها طالب ولا يفوتها هارب ولها أربع قوائم وزغب وريش وجناحان وقيل لها رأس ثور وعين خنزير وأذن فيل وقرن إبل وعنق نعامة وصدر أسد ولون نمر وخاصرة هرة وذنب كبش وخف بعير وما بين المفصلين اثنا عشر ذراعاً تخرج من الصفا فتكلمهم بالعربية فتقول {أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون} أي لا يوقنون بخروجي لأن خروجها من الآيات وتقول ألا لعنة(2/621)
الله على الظالمين أو تكلمهم ببطلان الأديان كلها سوى دين الإسلام أو بأن هذا مؤمن وأن هذا كافر وفتح أن كوفي وسهل على حذف الجار أي تكلمهم بأن وغيرهم كسروا لأن الكلام بمعنى القول أو بإضمار القول أي تقول الدابة ذلك ويكون المعنى بآيات ربنا أو حكاية لقول الله تعالى عند ذلك ثم ذكر قيام الساعة فقال(2/622)
وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ (83)
وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ (83)
{وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلّ أُمَّةٍ فَوْجاً} من للتبعيض أي واذكر يوم نجمع من كل أمة من الأمم زمرة {مّمَّن يُكَذّبُ} من للتبيين {بآياتنا} المنزلة على أنبيائنا {فَهُمْ يُوزَعُونَ} يحبس أولهم في آخرهم حتى يجتمعوا ثم يساقون إلى موضع الحساب وهذه عبارة عن كثرة العدد وكذا الفوج عبارة عن الجماعة الكثيرة(2/622)
حَتَّى إِذَا جَاءُوا قَالَ أَكَذَّبْتُمْ بِآيَاتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْمًا أَمَّاذَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (84)
حَتَّى إِذَا جَاءُوا قَالَ أَكَذَّبْتُمْ بِآيَاتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْمًا أَمَّاذَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (84)
{حتى إذا جاؤوا} حضروا موقف الحساب والسؤال {قَالَ} لهم تعالى تهديداً {أكذبتم بآياتي} المنزلة على رسلي {وَلَمْ تُحِيطُواْ بِهَا عِلْماً} الواو للحال كأنه قال أكذبتم بآياتي بادىء الرأي من غير فكر ولا نظر يؤدي إلى إحاطة العلم بكنهها وأنها حقيقة بالتصديق أو بالتكذيب {أم ماذا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} حيث لم تتفكروا فيها فإنكم لم تخلقوا عبثاً(2/622)
وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ بِمَا ظَلَمُوا فَهُمْ لَا يَنْطِقُونَ (85)
وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ بِمَا ظَلَمُوا فَهُمْ لَا يَنْطِقُونَ (85)
{وَوَقَعَ القول عَلَيْهِم بِمَا ظَلَمُواْ فَهُمْ لاَ ينطقون} أي يغشاهم العذاب الموعد بسبب ظلمهم وهو التكذيب بآيات الله فيشغلهم عن النطق والاعتذار كقوله هذا يَوْمُ لاَ ينطقون(2/622)
أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (86)
أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (86)
{ألم يروا أنا جعلنا الليل لِيَسْكُنُواْ فِيهِ والنهار مُبْصِراً} حال جعل الإبصار للنهار وهو لأهله والتقابل مراعى من حيث المعنى لأن معنى مبصراً(2/622)
ليبصروا فيه طرق التقلب في المكاسب {إِنَّ فِى ذلك لآيات لقوم يؤمنون}
النمل (90 - 87)
يصدقون فيعتبرون وفيه دليل على صحة البعث لأن معناه ألم يعلموا أنا جعلنا الليل والنهار قواماً لمعاشهم في الدنيا ليعلموا أن ذلك لم يجعل عبثاً بل محنة وابتلاء ولابد عند ذلك من ثواب وعقاب فإذا لم يكونا في هذه الدار فلابد من دار أخرى للثواب والعقاب(2/623)
وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ (87)
وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ (87)
{وَيَوْمَ} واذكر يوم {يُنفَخُ فِى الصور} وهو قرن أو جمع سورة والنافخ إسرافيل عليه السلام {فَفَزِعَ مَن فِى السماوات وَمَن فِى الأرض} اختير فزع على يفزع للإشعار بتحقق الفزع وثبوته وأنه كائن لا محالة والمراد فزعهم عند النفخة الأولى حين يصعقون {إِلاَّ مَن شَاء الله} إلا من ثبت الله قلبه من الملائكة قالوا لهم جبريل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت عليهم السلام وقيل الشهداء وقيل الحور وخزنة النار وحملة العرش وعن جابر رضي الله عنه منهم موسى عليه السلام لأنه صعق مرة ومثله وَنُفِخَ فِى الصور فصعق من في السموات ومن فى الأرض إلا من شاء الله {وَكُلٌّ أَتَوْهُ} حمزة وحفص وخلف اتوه غيرهم وأصله آتيوه {داخرين} حال أي صاغرين ومعنى الإتيان حضورهم الموقف ورجوعهم إلى أمره تعالى وانقيادهم له(2/623)
وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ (88)
وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ (88)
{وَتَرَى الجبال تَحْسَبُهَا} بفتح السين شامي وحمزة ويزيد وعاصم وبكسرها غيرهم حال من المخاطب {جَامِدَةً} واقفة ممسكة عن الحركة من جمد في مكانه إذا لم يبرح وَهِىَ تَمُرُّ حال من الضمير المنصوب في تحسبها {مَرَّ السحاب} أي مثل مر السحاب زالمعنى أنك إذا رأيت الجبال وقت النفخة ظننتها ثابتة في مكان واحد لعظمها وهي تسير سيراً سريعاً كالسحاب إذا ضربته الريح وهكذا الأجرام العظام المتكاثرة العدد إذا تحركت لا تكاد تبين حركتها كما قال النابغة في صفة جيش ...(2/623)
بأرعن مثل الطود يحسب أنهم ... وقوف لحاج والركاب تهملج ...
صُنْعَ الله مصدر عمل فيه مادل عليه ممر لأن مرورها كمر السحاب من صنع الله فكأنه قيل صنع الله ذلك صنعاً وذكر اسم الله لأنه لم يذكر قبل {الذى أَتْقَنَ كُلَّ شَىْء} أي أحكم خلقه {إِنَّهُ خبير بما تفعلون} مكي بصرى غير سهل وأبو بكر غير يحيى وغيرهم بالتاء أي أنه عالم بما يفعل العباد فيكافئهم على حسب ذلك ثم لخص ذلك بقوله(2/624)
مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ (89)
مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ (89)
{من جاء بالحسنة} أي بقوله لا إله إلا الله عند الجمهور {فَلَهُ خَيْرٌ مّنْهَا} أي فله خير حاصل من جهتها وهو الجنة وعلى هذا لا يكون خير بمعنى أفضل ويكون منها في موضع رفع صفة الخبر أي بسببها وهم من فزع كوفي من فزع شديد مفرط الشدة هو خفو النار أو من فزع ما وإن قل وبغير تنوين غيرهم {يَوْمَئِذٍ} كوفي ومدني وبكسر الميم غيرهم والمراد يوم القيامة آمنون أمن يعدي بالجار وبنفسه كقوله فأمنوا مكر الله(2/624)
وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (90)
وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (90)
{وَمَن جَاء بالسيئة} بالشرك {فَكُبَّتْ} ألقيت {وُجُوهُهْم في النار}
يقال كببت الرجل ألقيته على وجهه أي ألقوا على رؤوسهم في النار أو عبر عن الجملة بالوجه كما بعبر بالرأس والرقبة عنها أي ألقوا في النار ويقال لهم تبكيتاً عند الكب {هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} في الدنيا من الشرك والمعاصي(2/624)
إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (91)
إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (91)
{إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبّ هَذِهِ البلدة} مكة {الذى حَرَّمَهَا} جعلها حرماً آمناً يأمن فيها اللاجيء إليها ولا يختلي خلاها ولا يعضد شوكها ولا ينفر صيدها {وَلَهُ كُلُّ شَىء} مع هذه البلدة فهو مالك الدنيا والآخرة {وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ المسلمين} المنقادين له(2/625)
وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ (92)
وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ (92)
{وأن أتلو القرآن} من التلاوة أو من التلو كقوله واتبع ما يوحى إليك من ربك أمر رسوله بأن يقول أمرت أن أخص الله وحده بالعبادة ولا اتخذ له شريكاً كما فعلت قريش وأن أكون من الحنفاء الثابتين علة ملة الإسلام وأن أتلو القرآن لأعرف الحلال والحرام وما يقتضيه الإسلام وخص مكة من بين سائر البلاد بإضافة اسمه إليها لأنها أحب بلاده إليه وأعظمها عنده وأشار إليها بقوله هذه إشارة تعظيم لها وتقريب دالاً على أنها موطن نبيه ومهبط وحيه ووصف ذاته بالتحريم الذي هو خاص وصفها وجعل دخول كل شيء تحت ربوبيته وملكوته كالتابع لدخولها تحتهما {فَمَنُ اهتدى} باتباعه إياي فيما أنا بصدده من توحيد الله ونفي الشركاء عنه والدخول في الملة الحنيفية واتباع ما أنزل عليّ من الوحي {فَإِنَّمَا يَهْتَدِى لِنَفْسِهِ} فمنفعة اهتدائه راجعا إليه لا إلى {ومن ضل فقل إنما أَنَاْ مِنَ المنذرين} أي ومن ضل ولم يتبعني فلا عليّ وما أنا إلا رسول منذر وَمَا عَلَى الرسول إِلاَّ البلاغ المبين(2/625)
وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (93)
وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (93)
{وقل الحمد لله سيريكم آياته فَتَعْرِفُونَهَا} ثم أمره أن يحمد الله على ما خوّله من نعمة النبوة التي لا توازيها نعمة وأن يهدد أعداءه بما سيريهم الله من آياته في الآخرة فسيستيقنون بها وقيل هو انشقاق القمر والدخان وما حل بهم(2/625)
من نقمات الله في الدنيا {وَمَا رَبُّكَ بغافل عَمَّا تَعْمَلُونَ} بالتاء مدني وشامي وحفص ويعقوب خطاب لأهل مكة وبالياء غيرهم أي كل عمل يعملونه فإن الله عالم به غير غافل عنه فالغفة والسهو لا يجوزان عليه(2/626)
القصص (5 - 1)
سورة القصص مكية ثمانون وثمان آيات
بسم الله الرحمن الرحيم(2/627)
طسم (1) تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (2)
طسم (1) تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (2)
{طسم تلك آيات الكتاب المبين} يقال بان الشيء وأبان بمعنى واحد ويقال أبنته فأبان لازم ومتعدٍ أي مبين خيره وبركته أو مبين للحلال والحرام والوعد والوعيد والإخلاص والتوحيد(2/627)
نَتْلُو عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (3)
نَتْلُو عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (3)
{نَتْلُواْ عَلَيْكَ} نقرأ عليك أي يقرؤه جبريل بأمرنا ومفعول نتلوا {من نبإ موسى وفرعون} أي نتلوا عليك بعض خبرهما {بالحق} حال أي محقين {لّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} لمن سبق في علمنا أنه مؤمن لأن التلاوة إنما تنفع هؤلاء دون غيرهم(2/627)
إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (4)
إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (4)
{إِنَّ فِرْعَوْنَ} جملة مستأنفة كالتفسير للجمل كأن قائلاً قال وكيف كان نبؤهما فقال إن فرعون {عَلاَ} طغى وجاوز الحد في الظلم واستكبر وافتخر بنفسه ونسي العبودية {فِى الأرض} أي أرض مملكته يعني مصر {وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً} فرقاً يشيعونه على ما يريد ويطيعونه لا يملك أحد منهم أن يلوي عنقه أو فرقاً مختلفة يكرم طائفة ويهين أخرى فأكرم القبطي وأهان الإسرائيلي {يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مّنْهُمْ} هم بنو إسرائيل {يذبح أبناءهم ويستحيي نِسَاءهُمْ} أي يترك البنات أحياء للخدمة(2/627)
وسبب ذبح الأبناء أن كاهناً قال له يولد مولود في بني إسرائيل يذهب ملكك على يده وفيه دليل على حمق فرعون فإنه إن صدق الكاهن لم ينفعه القتل وإن كذب فما معنى القتل ويستضعف حال من الضمير في جعل او صفة لشيعا أو كلام مستأنف ويذبح بدل من يستضعف {إِنَّهُ كَانَ مِنَ المفسدين} أي إن القتل ظلماً إنما هو فعل المفسدين إذ لا طائل تحته صدق الكاهن أو كذب(2/628)
وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5)
وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5)
{وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ} نتفضل وهو دليل لنا في مسألة الأصلح وهذه الجملة معطوفة على إن فرعون علا في الأرض لأنها نظيرة تلك في وقوعها تفسير لنبأ موسى وفرعون واقتصاصاً له أو حال من يستضعف أي يستضعفهم فرعون ونحن نريد أن نمن عليهم وإرادة اله تعالى كائنة فجعلت كالمقارنة لاستضعافهم {عَلَى الذين استضعفوا فِى الأرض وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً} قادة يقتدى بهم في الخير
القصص (8 - 5)
أو قادة إلى الخير أو ولاة وملوكاً {وَنَجْعَلَهُمْ الوارثين} أي يرثون فرعون وقومه ملكهم وكل ما كان لهم(2/628)
وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ (6)
وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ (6)
{وَنُمَكّنَ} مكن له إذا جعل له مكاناً يقعد عليه أو يرقد ومعنى التمكين {لَهُمْ فِى الأرض} أي أرض مصر والشام أن يجعلها بحيث لا تنبو بهم ويسلطهم وينفذ أمرهم {وَنُرِىَ فِرْعَوْنَ وهامان وَجُنُودَهُمَا} بضم النون ونصب فرعون وما بعده وبالياء ورفع فرعون وما بعده على حمزة وأي يرون منهم ما حذروه من ذهاب ملكهم وهلاكهم على يد مولود منهم ويرى نصب عطف على المنصوب قبله كقراءة النون أو رفع على الاستئناف {مِنْهُمْ} من بني إسرائيل ويتعلق بنرى دون يحذرون لأن الصلة لا تتقدم على الموصول {مَّا كَانُواْ يَحْذَرونَ} الحذر التوقي من الضرر(2/628)
وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (7)
وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (7)
{وَأَوْحَيْنَا إلى أُمّ موسى} بالإلهام أو بالرؤيا أو بإخبار ملك كما كان لمريم وليس هذا وحي رسالة ولا تكون هي رسولاً {أَنْ أَرْضِعِيهِ} أن(2/628)
بمعنى أي أو مصدرية {فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ} من القتل بأن يسمع الجيران صوته فينموا عليه {فَأَلْقِيهِ فِى اليم} البحر قيل هو نيل مصر {وَلاَ تَخَافِى} من الغرق والضياع {وَلاَ تَحْزَنِى} بفراقه {إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ} بوجه لطيف لتربيته {وجاعلوه مِنَ المرسلين} وفي هذه الآية أمران ونهيان وخبران وبشارتان والفرق بين الخوف والحزن أن الخوف غم يلحق بالإنسان لمتوقع والحزن غم يلحقه لواقع وهو فراقه والإخطار به فنهيت عنهما وبشرت برده إليها وجعله من المرسلين ورُوي أنه ذبح في طلب موسى تسعون ألف وليد ورُوي أنها حين ضربها الطلق وكانت بعض القوابل الموكلات بحبالى بني إسرائيل مصافية لها فعالجتها فلما وقع إلى الأرض هالها نور بين عينيه ودخل حبه قلبها فقالت ما جئتك إلا لأقتل مولودك وأخبر فرعون ولكن وجدت لابنك حباً ما وجدت مثله فاحفظيه فلما خرجت القابلة جاءت عيون فرعون فلفته في خرقة ووضعته في تنور مسجور ولم تعلم ما تصنع لما طاش من عقلها فطلبوا فلم يلقوا شيئاً فخرجوا وهي لا تدري مكانه فسمعت بكاءه من التنور فانطلقت إليه وقد جعل الله النار برداً وسلاماً فلما ألح فرعون في طلب الولد ان أوحي إليها بإلقائه في اليم فألقته في اليم بعد أن أرضعته ثلاثة أشهر(2/629)
فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ (8)
فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ (8)
{فالتقطه آل فِرْعَوْنَ} أخذه قال الزجاج كان فرعون من أهل فارس من اصطخر {لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً} أي ليصير الأمر إلى ذلك لا أنهم أخذوه لهذا كقولهم للموت ما تلده الوالدة وهي لم تلد لأن يموت ولدها ولكن المصير إلى ذلك كذا قاله الزجاج وعن هذا قال المفسرون إن هذه لام العاقبة والصيرورة وقال صاحب الكشاف هي لام كي التي معناها التعليل كقولك جئتك لتكرمني ولكن معنى التعليل فيها وارد على طريق المجاز لأن ذلك لما كان نتيجة التقاطهم له شبه بالداعي الذي بفعل الفاعل القتل لأجله وهو الإكرام الذي هو نتيجة المجيء {وحزنا} وحزنا(2/629)
على حمزة وهما لغتان كالعدم والعدم
القصص (10 - 8)
{إِنَّ فِرْعَوْنَ وهامان وَجُنُودَهُمَا كَانُواْ خاطئين} خاطين بخفيف خاطئين أبو جعفر أي كانوا مذنبين فعاقبهم الله بأن ربى عدوهم ومن هو سبب هلاكهم على أيديهم وكانوا خاطئين في كل شيء فليس خطؤهم في تربية عدوهم ببدع منهم(2/630)
وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (9)
وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (9)
{وقالت امرأة فِرْعَوْنَ قُرَّةُ عَيْنٍ لّى وَلَكَ} روي أنهم حين التقطوا التابوت عالجوا فتحه فلم يقدروا عليه فعالجوا كسره فأعياهم فدنت آسية فرأت في جوف التابوت نورا فعالجته ففتحته فإذا بصبي نوره بين عينيه فأحبوه وكانت لفرعون بنت برصاء فنظرت إلى وجهه فبرأت فقالت الغواة من قومه هو الذي نحذر منه فأذن لنا في قتله فهمّ بذلك فقالت آسية قرة عين لي ولك فقال فرعون لك لا لي وفي الحديث لو قال كما قالت لهداه الله تعالى كما هداها وهذا على سبيل الفرض أي لو كان غير مطبوع على قلبه كآسية لقال مثل قولها وكان أسلم كما أسلمت وقرة خبر مبتدأ محذوف أي قرة ولي ولك صفتان لقرة {لاَ تَقْتُلُوهُ} خاطبته خطاب الملوك أو خاطبت الغواة {عسى أَن يَنفَعَنَا} فإن فيه مخايل اليمن ودلائل النفع وذلك لما عاينت من النور وبرء البرصاء {أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا} أو نتبناه فإنه أهل لأن يكون ولدا للمملوك {وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ} حال وذو حالها آل فرعون وتقدير الكلام فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدواً وحزناً وقالت امرأة فرعون كذا وهم لا يشعرون أنهم على خطأ عظيم في التقاطه ورجاء النفع منه وتبنيه وقوله إن فرعون الآية جملة اعتراضية واقعة بين المعطوف والمعطوف عليه مؤكدة لمعنى خطئهم وما أحسن نظم هذا الكلام عند أصحاب المعاني والبيان(2/630)
وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (10)
وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (10)
{وَأَصْبَحَ} وصار {فُؤَادُ أُمّ موسى فَارِغاً} صفراً من العقل لما دهمها من فرط الجزع لما سمعت بوقوعه في يد فرعون {إِن كَادَتْ لَتُبْدِى بِهِ} لتظهر به والضمير لموسى والمراد بأمره وقصته وأنه ولدها قيل لما رأت الأمواج تلعب بالتابوت كادت تصيح وتقول واابناه وقيل لما سمعت أن فرعون أخذ التابوت لم تشك أنه قتله فكادت تقول واإبناه شفقة عليه وأن مخففة من الثقيلة أي إنها كادت {لَوْلا أَن رَّبَطْنَا على قَلْبِهَا} لولا ربطنا على قلبها والربط على القلب تقويته بإلهام الصبر {لِتَكُونَ مِنَ المؤمنين} من المصدقين بوعدنا وهو إنا رادوه إليك وجواب لولا محذوف أي لأبدته أو فارغاً من الهم حين سمعت أن فرعون تبناه إن كادت لتبدي بأنه ولدها لأنها لم تملك نفسها فرحاً وسروراً بما سمعت لولا أنا طامنا قلبها وسكنا قلقه الذي حدث به من شدة الفرح لتكون من المؤمنين الواثقين بوعد الله لا بتبني فرعون قال يوسف بن الحسين أمرت أن موسى بشيئين ونهيت عن شيئين وبشرت ببشارتين فلم ينفعها الكل حتى تولى الله حياطتها فربط
القصص (14 - 11)
على قلبها(2/631)
وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (11)
وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (11)
{وَقَالَتْ لأُخْتِهِ} مريم {قُصّيهِ} اتبعي أثره لتعلمي خبره {فَبَصُرَتْ بِهِ} أي أبصرته {عَن جُنُبٍ} عن بعد حال من الضمير في بِهِ أو مِّنَ الضمير في بصرت {وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ} أنها أخته(2/631)
وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ (12)
وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ (12)
{وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ المراضع} تحريم منع لا تحريم شرع أي منعناه أن يرضع ثدياً غير ثدي أمه وكان لا يقبل ثدي مرضع حتى أهمهم ذلك والمراضع جمع مرضع وهي المرأة التي ترضع أو جمع مرضع وهم وموضع الرضاع وهو الثدي أو الرضاع {مِن قَبْلُ} من قبل قصها أثره أو من(2/631)
قبل أن نرده على أمه {فَقَالَتْ} أخته وقد دخلت بين المراضع ورأته لا يقبل ثدياً {هَلْ أَدُلُّكُمْ} أرشدكم {على أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ} أي موسى {لَكُمْ وَهُمْ لَهُ ناصحون} النصح إخلاص العمل من شائبة الفساد رُوي أنها لما قالت وهم له ناصحون قال هامان إنها لتعرفه وتعرف أهله فخذوها حتى تخبر بقصة هذا الغلام فقالت إنما أردت وهم للملك ناصحون فانطلقت إلى أمها بأمرهم فجاءت بها والصبي على يد فرعون يعلله شفقة عليه وهو يبكي يطلب الرضاع فحين وجد ريحها استأنس والتقم ثديها فقال لها فرعون ومن أنت منه فقد أبى كل ثدي إلا ثديك فقالت إني امرأة طيبة الريح طيبة اللبن لا أوتى بصبي إلا قبلني فدفعه إليها وأجرى عليها وذهبت به إلى بيتها وأنجز الله وعده في الرد فعندها ثبت واستقر في علمها أنه سيكون نبياً وذلك قوله(2/632)
فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (13)
فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (13)
{فرددناه إلى أُمّهِ كَىْ تَقَرَّ عَيْنُهَا} بالمقام معه {وَلاَ تَحْزَنْ} بفراقه {وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ الله حَقٌّ} أي وليثبت علمها مشاهدة كما علمت خبراً وقوله ولا تحزن معطوف على تقر وإنما حل لها ما تأخذه من الدينار كل يوم كما نال السدى لأنه مال حربي لا لأنه أجرة على إرضاع ولدها {ولكن أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} هو داخل تحت علمها أي لتعلم أن وعد الله حق ولكن أكثر الناس لا يعلمون انه حق فيرتابون ويشبه التعريض بما فرط منها حين سمعت بخبر موسى فجزعت(2/632)
وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (14)
وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (14)
{وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ} بلغ موسى نهاية القوة وتمام العقل وهو جمع شدة كنعمة وأنعم عند سيبويه {واستوى} واعتدل وتم استحكامه وهو أربعون سنة ويروى أنه لم يبعث نبي إلا على رأس أربعين سنة {آتَيْنَاهُ حُكْمًا} نبوة {وَعِلْماً} فقهاً أو علماً بمصالح الدارين {وَكَذَلِكَ نَجْزِى المحسنين} أي كما(2/632)
فعلنا بموسى وأمه نفعل بالمؤمنين قال الزجاج جعل الله تعالى إيتاء العلم والحكمة مجازاة على الإحسان لأنهما يؤديان إلى الجنة التي هي جزاء المحسنين والعالم الحكيم من يعمل بعلمه لأنه تعالى قال وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ لوكانوا يعلمون فجعلهم جهالا إذ لم يعملوا بالعلم
القصص (18 - 15)(2/633)
وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ (15)
وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ (15)
{وَدَخَلَ المدينة} أي مصر {على حِينِ غَفْلَةٍ مّنْ أَهْلِهَا} حال من الفاعل أي مختفياً وهو ما بين العشاءين أو وقت الفائلة يعني انتصاف النهار وقيل لما شب وعقل أخذ يتكلم بالحق وينكر عليهم فأخافوه فلا يدخل المدينة إلا على تغفل {فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلاَنِ هذا مِن شِيعَتِهِ} ممن شايعه على دينه من بني إسرائيل قيل هو السامري وشيعة الرجل أتباعه وأنصاره {وهذا مِنْ عدوه} من مخالفيه من القبط وهو فاتون وقيل فيهما هذا وهذا وإن كانا غائبين على جهة الحكاية أي إذا نظر إليهما الناظر قال هذا من شيعته وهذا من عدوه {فاستغاثه} فاستنصره {الذى مِن شِيعَتِهِ عَلَى الذى مِنْ عَدُوّهِ فَوَكَزَهُ موسى} ضربه بجمع كفه أو بأطراف أصابعه {فقضى عَلَيْهِ} فقتله {قَالَ هذا} إشارة إلى القتل الحاصل بغير قصد {مِنْ عَمَلِ الشيطان} وإنما جعل قتل الكافر من عمل الشيطان وسماه ظلماً لنفسه واستغفر منه لأنه كان مستأمناً فيهم ولا يحل قتل الكافر الحربي المستأمن أو لأنه قتله قبل أن يؤذن له في القتل وعن ابن جريح ليس لنبي أن يقتل ما لم يؤمر {إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ} ظاهر العداوة(2/633)
قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (16)
قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (16)
{قال رب} يارب {إني ظلمت نفسي} بفعل صار قتل {فاغفر لِى} زلتي {فَغَفَرَ لَهُ} زلته {إِنَّهُ هو الغفور} بإقالة الذلل {الرحيم} بإزالة الخجل(2/633)
قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ (17)
قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ (17)
{قَالَ رَبّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَىَّ فَلَنْ أَكُونَ ظهيرا} معينا {للمجرمين} للكافرين(2/633)
وبما أنعمت على قسم جوابه محذوف تقديره أقسم بإنعامك علي بالمغفرة لأتوبن فلن أكون ظهيراً للمجرمين وأراد بمظاهرة المجرمين صحية فرعون وانتظامه في جملته وتكثيره سواده حيث كان يركب بركوبه كالولد مع الوالد(2/634)
فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قَالَ لَهُ مُوسَى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ (18)
فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قَالَ لَهُ مُوسَى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ (18)
{فَأَصْبَحَ فِى المدينة خَائِفاً} على نفسه من قتله القبطي أن يؤخذ به {يَتَرَقَّبُ} حال أي يتوقع نصرة ربه وفيه دليل على أنه لا بأس بالخوف من دون الله يخلاف ما يقوله بعض الناس أنه لا يسوغ الخوف من دون الله {فَإِذَا الذى} إذا للمفاجأة وما بعدها مبتدأ {استنصره} أي موسى {بالأمس يَسْتَصْرِخُهُ} يستغيثه والمعنى أن الإسرائيلي الذي خلصه موسى استغاث به ثانياً من قبطي آخر
القصص (22 - 18)
{قَالَ لَهُ موسى} أي للإسرائيلي {إِنَّكَ لَغَوِىٌّ مُّبِينٌ} أي ضال عن الرشد ظاهر الغي فقد قاتلت بالأمس رجلاً فقتلته بسببك والرشد في التدبير ان لا يفعل فعلا يقضي إلى البلاء على نفسه وعلى من يريد نصرته(2/634)
فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُمَا قَالَ يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ (19)
فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُمَا قَالَ يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ (19)
{فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ} موسى {أَن يَبْطِشَ بالذى} بالقبطي الذي {هُوَ عَدُوٌّ لَّهُمَا} لموسى والإسرائيلي لأنه ليس على دينهما أو لأن القبط كانوا أعداء بني إسرائيل {قَالَ} الإسرائيلي لموسى عليه السلام وقد توهم أنه أراد أخذه لا أخذ القبطي إذ قال له إنك لغوي مبين {يا موسى أَتُرِيدُ أَن تَقْتُلَنِى كَمَا قَتَلْتَ نَفْساً} يعني القبطي {بالأمس إِن تُرِيدُ} ما تريد {إِلاَّ أَن تَكُونَ جَبَّاراً} أي قتالاً بالغضب {فِى الأرض} أرض مصر {وَمَا تُرِيدُ أَن تَكُونَ مِنَ المصلحين} في كظم الغيظ وكان قتل القبطي بالأمس قد شاع ولكن خفي قاتله فلما أفشى على موسى(2/634)
عليه السلام علم القبطي أن قاتله موسى فأخبر فرعون فهموا بقتله(2/635)
وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ (20)
وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ (20)
{وجاء رجل من أقصى المدينة} هو مؤمن آل فرعون وكان ابن عم فرعون {يسعى} صفة لرجل أو حال من رجل لأنه وصف بقوله من أقصى المدينة {قَالَ يَا موسى أَنِ الملأ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ} أي يأمر بعضهم بعضاً بقتلك أو يتشاورون بسببك والائتمار التشارو يقال الرجلان يتآمران ويأتمران لأن كل واحد منهما يأمر صاحبه بشيء أو يشير عليه بأمر {فاخرج} من المدينة {إِنّى لَكَ مِنَ الناصحين} لك بيان وليس بصلة الناصحين لأن الصلة لا تتقدم على الموصول كأنه قال إني من الناصحين ثم أراد أن يبين فقال لك كما يقال سقياً لك ومرحباً لك(2/635)
فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (21)
فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (21)
{فَخَرَجَ} موسى {مِنْهَا} من المدينة {خَائِفاً يَتَرَقَّبُ} التعرض له في الطريق أو أن يلحقه من يقتله {قَالَ رَبّ نَجّنِى مِنَ القوم الظالمين} أي قوم فرعون(2/635)
وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ (22)
وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ (22)
{وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاء مَدْيَنَ} نحوها والتوجه الإقبال على الشيء ومدين قرية شعيب عليه السلام سميت بمدين بن إبراهيم ولم تكن في سلطان فرعون وبينها وبين مصر مسيرة ثمانية أيام قال ابن عباس رضي الله عنهما خرج ولم يكن له علم بالطريق إلا حسن الظن بربه {قَالَ عسى رَبّى أَن يَهْدِيَنِى سَوَاء السبيل} أي وسطه ومعظم نهجه فجاء ملك فانطلق به إلى مدين
القصص (24 - 23)(2/635)
وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ (23)
وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ (23)
{وَلَمَّا وَرَدَ} وصل {مَاء مَدْيَنَ} ماءهم الذي يسقون منه وكان بئراً {وَجَدَ عَلَيْهِ} على جانب البئر {أمة} جماعة {مِنَ الناس} من أناس مختلفين {يُسْقَوْنَ} مواشيهم {وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ} في مكان أسفل من(2/635)
مكانهم {امرأتين تَذُودَانِ} تطردان غنمهما عن الماء لأن على الماء من هو أقوى منهما فلا تتمكنا من السقي أولئلا تختلط أغنامهما بأغنامهم والذود الطرد والدفع {قَالَ مَا خَطْبُكُمَا} ما شأنكما وحقيقته ما مخطوبكما أي ما مطلوبكما من الذياد فسمي المخطوب جطبا {قَالَتَا لاَ نَسْقِى} غنمنا {حتى يُصْدِرَ الرعاء} مواشيهم يصدر شامى ويزيد وأبو عمر وأي يرجع والرعاء جمع راعٍ كقائم وقيام {وَأَبُونَا شَيْخٌ} لا يمكنه سقي الأغنام {كَبِيرٌ} في حاله أو في السن لا يقدر على رعي الغنم أبدتا إليه عذرهما في توليهما السقي بأنفسهما(2/636)
فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (24)
فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (24)
{فسقى لَهُمَا} فسقى غنمهما لأجلهما رغبة في المعروف وإغاثة للملهوف روي أنه نحى القوم عن رأس البئر وسألهم دلواً فأعطوه دلوهم وقالوا استق بها وكانت لا ينزعها إلا أربعون فاستقى بها وصبها في الحوض ودعا بالبركة وترك المفعول في يسقون وتذودان ولا نسقي وفسقي لأن الغرض هو الفعل لا المفعول ألا ترى أنه رحمهما لأنهما كانتا على الذياد وهم على السقي ولم يرحمهما لأن مذودهما غنم ومسقيهم ابل مثلا وكذا في لا نسقي فسقى بالمقصود هو السقي لا المسقى ووجه مطايقة جوابهما سؤاله أنه سألهما عن سبب الذود فقالتا السبب في ذلك أنا امرأتان مستورتان ضعيفتان لا نقدر على مزاحمة الرجال ونستحي من الإختلاط بهم فلا بد لنا من تأخير السقي إلى أن يفرغوا وإنما رضي شعيب عليه السلام لابنتيه بسقي الماشية لأن هذا الأمر في نفسه ليس بمحظور والدين لا يأباه وأما المروءة فعادات الناس في ذلك متباينة وأحوال العرب فيه خلاف أحوال العجم ومذهب أهل البدو فيه غير مذهب أهل الحضر خصوصاً إذا كانت الحالة حالة ضرورة {ثُمَّ تولى إِلَى الظل} أي ظل سمرة وفيه دليل جواز الاستراحة في الدنيا بخلاف ما يقوله بعض المتقشفة ولما طال البلاء عليه أنس بالشكوى إذ لا نقص في الشكوى إلى المولى {فَقَالَ رَبّ إِنّى لِمَا} لأي شيء(2/636)
{أَنزَلْتَ إِلَىَّ مِنْ خَيْرٍ} قليل أو كثير غثٍ أو سمين {فَقِيرٌ} محتاج وعدي فقير باللام لأنه ضمن معنى سائل وطالب قيل كان لم يذق طعاما سبعة أيام قد لصق بظهره بطنه ويحتمل أن يريد أني فقير من الدنيا لأجل ما أنزلت إلي من خير الدين وهو النجاة من الظالمين لأنه كان عند فرعون في ملك وثروة قال ذلك رضاً بالبدل السني وفرحاً به وشكراً له وقال ابن عطاء نظر من العبودية إلى الربوبية وتكلم بلسان الافتقار
القصص (27 - 25)
لما ورد على سره من الأنوار(2/637)
فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (25)
فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (25)
{فَجَاءتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِى عَلَى استحياء قَالَتْ إِنَّ أَبِى يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا} على استحياء في موضع الحال أي مستحية وهذا دليل كمال إيمانها وشرف عنصرها لأنها كانت تدعوه إلى ضيافتها ولم تعلم أيجيبها أن لا فأتته مستحية قد استترت بكم درعها وما في ما سقيت مصدرية أي جزاء سقيك روى أنهما لما رجعتا إلى أبيهما قبل الناس وأغنامهما حفّل قال لهما ما أعجلكما قالتا وجدنا رجلاً صالحاً رحمنا فسقى لنا فقال لإحداهما اذهبي فادعيه لي فتبعها موسى عليه السلام فألزقت الريح ثوبها بجسدها فوصفته فقال لها امشي خلفي وانعتي لي الطريق {فَلَمَّا جَاءهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ القصص} أي قصته وأحواله مع فرعون والقصص مصدر كالعلل سمي به المقصوص {قَالَ} له {لاَ تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ القوم الظالمين} إذ لا سلطان لفرعون بأرضنا وفيه دليل جواز العمل بخبر الواحد ولو عبداً أو أنثى والمشي مع الأجنبية مع ذلك الاحتياط والتورع وأما أخذ الأجر على البر والمعروف فقيل إنه لا بأس به عند الحاجة كما كان لموسى عليه السلام على أنه روي أنها لما قالت ليجزيك كره ذلك وإنما وإنما أجابها لئلا يخيب قصدها لأن للقاصد حرمة ولما وضع شعيب الطعام بين(2/637)
يديه امتنع فقال شعيب ألست جائعاً قال بلى ولكن أخاف أن يكون عوضاً مما سقيت لهما وإنا أهل بيت لا نبيع ديننا بالدنيا ولا نأخذ على المعروف ثمناً فقال شعيب عليه السلام هذه عادتنا مع كل من ينزل بنا فأكل(2/638)
قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (26)
قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (26)
{قالت إحداهما يا أبت استأجره} اتخذه أجيرا لرعي الغنم روى أن أكبرهما كانت تسمى صفراء والصغرى صفيراء وصفراء هي التي ذهبت به وطلبت إلى أبيها أن يستأجره وهي التي تزوجها {إِنَّ خَيْرَ مَنِ استأجرت القوى الأمين} فقال وما علمك بقوته وأمانته فذكرت نزع الدلو وأمرها بالمشي خلفه وورد الفعل بلفظ الماضي للدلالة على أن أمانته وقوته أمران متحققان وقولها إن خير من استأجرت القوي الأمين كلام جامع لأنه إذا اجتمعت هاتان الخصلتان الكفاية والأمانة في القائم بأمرك فقد فرغ بالك وتم مرادك وقيل القوي في دينه الأمين في جوارحه وقد استغنت بهذا الكلام الجاري مجرى المثل عن أن تقول استأجره لقوته وأمانته وعن ابن مسعود رضي الله عنه أفرس الناس ثلاث بنت شعيب وصاحب يوسف في قوله عسى أن ينفعنا وأبو بكر في عمر(2/638)
قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (27)
قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (27)
{قَالَ إِنّى أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ} أزوجك {إِحْدَى ابنتى هَاتَيْنِ} قوله هاتين يدل على أنه كان له غيرهما وهذه مواعدة منه ولم يكن ذلك عقد نكاح إذ لو كان عقد لقال قد أنكحتك {على أَن تَأْجُرَنِى} تكون أجيرا
القصص (29 - 27)
لي من أجرته إذا كنت له أجيراً {ثَمَانِىَ حِجَجٍ} ظرف والحجة السنة وجمعها حجج والتزوج على رعي الغنم جائز بالإجماع لأنه من باب القيام بأمر الزوجية فلا مناقصة بخلاف التزوج على الخدمة {فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً} أي عمل عشر حجج {فَمِنْ عِندِكَ} فذلك تفضل منك ليس بواجب عليك أو فإتمامه من عندك ولا أحتمه عليك ولكنك إن فعلته فهو منك(2/638)
تفضل وتبرع {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ} بإلزام أتم الأجلين وحقيقة قولهم شققت عليه وشق عليه الأمر أن الأمر إذا تعاظمك فكأنه شق عليك ظنك باثنين تقول تارة أطيقه وطوراً لا أطيقه {سَتَجِدُنِى إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصالحين} في حسن المعاملة والوفاء بالعهد ويجوز أن يراد الصلاح على العموم ويدخل تحته حسن المعاملة والمراد باشتراطه مشيئة الله فيما وعد من الصلاح الاتكال على توفيقه فيه ومعونته لأنه إن شاء فعل وإن لم يشأ لم يفعل ذلك(2/639)
قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ (28)
قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ (28)
{قال} موسى {ذلك} مبتدأ وهوإشارة إلى ما عاهده عليه شعيب والخبر {بَيْنِى وَبَيْنَكَ} يعني ذلك الذي قلته وعاهدتني فيه وشارطتني عليه قائم بيننا جميعاً لا يخرج كلانا عنه لا أنا فيما شرطت علي ولا أنت فيما شرطت على نفسك ثم قال {أَيَّمَا الأجلين قَضَيْتُ} أي أي أجل قضيت من الأجلين يعني العشرة أو الثمانية وأي نصب بقضيت وما زائدة ومؤكدة لا بهام أي وهي شرطية وجوابها {فَلاَ عُدْوَانَ عَلَىَّ} أي لا يعتدى علي في طلب الزيادة عليه قال المبرد قد علم أنه لا عدوان عليه في أيهما ولكن جمعهما ليجعل الأقل كالأتم في الوفاء وكما أن طلب الزيادة على الأتم عدوان فكذا طلب الزيادة على الأقل {والله على مَا نَقُولُ وَكِيلٌ} هو من وكل إليه الأمر وعدى بعلى لأنه استعمل في موضع الشاهد والرقيب رُوي أن شعيباً كانت عنده عصيّ الأنبياء عليهم السلام فقال لموسى بالليل أدخل ذلك البيت فخذ عصا من تلك العصي فأخذ عصا هبط بها آدم من الجنة ولم يزل الأنبياء عليهم السلام يتوارثونها حتى وقعت إلى شعيب فمسها وكان مكفوفاً فضن بها فقال خذ غيرها فما وقع في يده إلا هي سبع مرات فعلم أن له شأناً ولما أصبح قال له شعيبا إذا بلغت مفرق الطريق فلا تأخذ على يمينك فإن الكلأ وإن كان بها أكثر إلا أن فيها تنيناً أخشاه عليك وعلى الغنم فأخذت الغنم ذات اليمين ولم يقدر(2/639)
على كفها فمشى على أثرها فإذا عشب وريف لم ير مثله فنام فإذا التنين قد أقبل فحاربته العصا حتى قتلته وعادت إلى جنب موسى دامية فلما أبصرها رامية والتنين مقتولاً ارتاح لذلك ولما رجع إلى شعيب مس الغنم فوجدها ملأى البطون غزيرة اللبن فأخبره موسى ففرح وعلم أن لموسى والعصا شأناً وقال له إني وهبت لك من نتاج غنمي هذا العام كل أدرع ودرعاء فأوحي إليه في المنام أن أضرب بعصاك مسقى الغنم ففعل ثم سقى فوضعت كلهن أدرع ودرعاء فوفى له بشرطه(2/640)
فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (29)
فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (29)
{فَلَمَّا قضى مُوسَى الأجل} قال عليه السلام قضى أوفاهما وتزوج صغراهما وهذا بخلاف الرواية التي مرت {وسار بأهله}
القصص (32 - 29)
بامرأته نحو مصر قال ابن عطاء لما أتم أجل المحنة ودنا أيام الزلفة وظهرت أنوار النبوة سار بأهله ليشتركوا معه في لطائف صنع ربه {آنس مِن جَانِبِ الطور نَاراً قَالَ لأَهْلِهِ امكثوا إني آنست نارا لعلي آتيكم مِّنْهَا بِخَبَرٍ} عن الطريق لأنه قد ضل الطريق {أَوْ جَذْوَةٍ مّنَ النار لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ}(2/640)
فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (30)
فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (30)
{فلما أتاها نودي من شاطئ الوادي الأيمن} بالنسبة إلى موسى {فِى البقعة المباركة} بتكليم الله تعالى فيها {مِنَ الشجرة} العناب أو العوسج {أَن يا موسى} أن مفسرة أو مخففة من الثقيلة {إِنّى أَنَا الله رَبُّ العالمين} قال جعفر أبصر ناراً دلته على الأنوار لأنه رأى النور في هيئة النار فلما دنا منها شملته أنوار القدس وأحاطت به جلابيب الأنس فخوطب بألطف خطاب واستدعى منه أحسن جواب فصار بذلك مكلماً شريفاً أعطى ما سأل وأمن مما خاف والجذوة باللغات الثلاث وقرىء بهن فعاصم فتح الجيم وحمزة وخلف بضمها(2/640)
وغيرهم بكسرها العود الغليظ كانت في رأسه نارا ولم تكن من الأولى والثانية والإبتداه الغاية أي أتاه النداء من شاطيء الوادي من قبل الشجرة ومن الشجرة بدل من شاطىء الوادي بدل الاشتمال لأن الشجرة كانت نابتة على الشاطىء أي الجانب(2/641)
وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ (31)
وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ (31)
{وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ} ونودي أن ألق عصاك فألقاها فقلبها الله ثعبانا {فلما رآها تَهْتَزُّ} تتحرك {كَأَنَّهَا جَانٌّ} حية في سعيها وهي ثعبان في جثتها {ولى مُدْبِراً وَلَمْ يعقب} يرجع فقيل له {يا موسى أَقْبِلْ وَلاَ تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الآمنين} أي أمنت من أن ينالك مكروه من الحية(2/641)
اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (32)
اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (32)
{اسلك} أدخل {يَدَكَ فِى جَيْبِكَ} جيب قميصك {تَخْرُجْ بَيْضَاء} لها شعاع كشعاع الشمس {مِنْ غَيْرِ سُوء} برص {واضمم إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرهب} حجازي بفتحتين وبصري الرَّهب حفص الرُّهب غيرهم ومعنى الكل الخوف والمعنى واضمم يدك إلى صدرك يذهب ما بك من فرق أي لأجل الحية عن ابن عباس رضي الله عنهما كل خائف إذا وضع يده على صدره زال خوفه وقيل معنى ضم الجناح أن الله تعالى لما قلب العصا حية فزع موسى وانقاها بيده كما يفعل الخائف من الشيء فقيل له اتقاءك بيدك فيه غضاضة عند الأعداء فإذا ألقيتها فكما تنقلب حية فأدخل يدك تحت عضدك مكان اتقائك بها ثم أخرجها بيضاء ليحصل الأمران اجتناب ما هو غضاضة عليك وإظهار معجزة أخرى والمراد بالجناح اليد لأن يدي
القصص (36 - 32)
الإنسان بمنزلة جناحي الطائر وإذا أدخل يده اليمنى تحت عضده اليسرى فقد ضم جناحه إليه أو أريد بضم جناحه إليه تجلده وضبطه نفسه عند انقلاب العصا حية حتى لا يضطرب ولا يرهب استعارة من فعل الطائر لأنه إذا خاف نشر جناحيه وأرخاهما وإلا فجناحاه مضمومان إليه مشمران ومعنى من الرهب من أجل الرهب أي إذا(2/641)
أصابك الرهب عند رؤية الحية فاضمم إليك جناحك جعل الرهب الذي كان يصيبه سببا أو علة فيما أمر به من ضم جناحه إليه ومعنى واضمم إليك جناحك واسلك يدك في جيبك على أحد التفسيرين واحد ولكن خولف بين العبارتين لاختلاف الغرضين إذ الغرض في أحدهما خروج اليد بيضاء وفي الثاني إخفاء الرهب ومعنى واضمم يَدَكَ إلى جناحك في طه أدخل يمناك في أحدهما يسراك {فذانك} مخففا مشي ذاك ومشدداً مكي وأبو عمرو مثنى ذلك فإحدى النونين عوض من اللام المحذوفة والمراد اليد والعصا {برهانان} حجتان نيرتان بينتان وسميت الحجة برهاناً لإنارتها من قولهم للمرأة البيضاء برهرهة {من ربك إلى فرعون وملئه} أي أرسلناك إلى فرعون وملائه بهاتين الآيتين {إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فاسقين} كافرين(2/642)
قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (33)
قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (33)
{قَالَ رَبّ إِنّى قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخَافُ أن يقتلون} به بغير ياه والياء يعقوب(2/642)
وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (34)
وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (34)
{وأخي هارون هُوَ أَفْصَحُ مِنّى لِسَاناً فَأَرْسِلْهِ مَعِىَ} حفص ردا حال أي عونا يقال ردأته أعنته وبلا همز مدني {يُصَدّقُنِى} عاصم وحمزة صفة أي ردا مصدقا لي وغيرهما بالجزم جواب لأرسله ومعنى تصديقه موسى إعانته إياه بزيادة البيان في مظان الجدال إن احتاج إليه ليثبت دعواه لا أن يقول له صدقت ألا ترى إلى قوله هو أفصح مني لساناً فأرسله وفضل الفصاحة إنما يحتاج إليه لتقرير البرهان لا لقوله صدقت فسبحان وباقل فيه يستويان {إِنّى أَخَافُ أَنْ يُكَذّبُونِ} يكذبوني في الحالتين يعقوب(2/642)
قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ (35)
قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ (35)
{قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ} سنقويك به إذ اليد تشد بشدة العضد(2/642)
لأنه قوام اليد والجملة تقوى بشدة اليد على مزاولة الأمور {وَنَجْعَلُ لَكُمَا سلطانا} غلبة وتسلطاً وهيبة في قلوب الأعداء {فَلاَ يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا باياتنا} الباء تتعلق بيصلون أي لا يصلون إليكما بسبب آياتنا وتم الكلام او فنجعل لكما سلطاناً أي نسلطكما بآياتنا أو بمحذوف أي اذهبا بآياتنا أو هو بيان للغالبون لا صلة أو قسم جوابه لا يصلون مقدما عليه {أنتما ومن اتبعكما الغالبون}(2/643)
فَلَمَّا جَاءَهُمْ مُوسَى بِآيَاتِنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُفْتَرًى وَمَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ (36)
فَلَمَّا جَاءَهُمْ مُوسَى بِآيَاتِنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُفْتَرًى وَمَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ (36)
{فلما جاءهم موسى بآياتنا بينات} واضحات {قَالُواْ مَا هذا إِلاَّ سِحْرٌ مُّفْتَرًى} أي سحر تعمله
القصص (38 - 36)
أنت ثم تفتريه على الله أو سحر موصوف بالافتراء كسائر أنواع السحر وليس بمعجزة من عند الله {وَمَا سَمِعْنَا بهذا فِى آبائنا الأولين} حال منصوبة عن هذا أي كائناً في زمانهم يعني ما حدثنا بكونه فيهم(2/643)
وَقَالَ مُوسَى رَبِّي أَعْلَمُ بِمَنْ جَاءَ بِالْهُدَى مِنْ عِنْدِهِ وَمَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (37)
وَقَالَ مُوسَى رَبِّي أَعْلَمُ بِمَنْ جَاءَ بِالْهُدَى مِنْ عِنْدِهِ وَمَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (37)
{وَقَالَ موسى رَبّى أَعْلَمُ بِمَن جَاء بالهدى مِنْ عِندِهِ وَمَن تَكُونُ لَهُ عاقبة الدار إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظالمون} أي ربي أعلم منكم بحال من أهله الله الفلاح الأعظم حيث جعله نبياً وبعثه بالهدى ووعده حسن العقبى يعني نفسه ولو كان كما تزعمون ساحراً مفترياً لما أهله لذلك لأنه غني حكيم لا يرسل الكاذبين ولا ينبيء الساحرين ولا يفلح عنده الظالمون وعاقبة الدار هي العاقبة المحمودة لقوله أولئك تعالى لهم عقبى الدار جنات عدن والمراد بالدار الدنيا وعاقبتها أن يختم للعبد بالرحمة والرضوان وتلقي الملائكة بالبشرى والغفران قال موسى بغير واو مكي وهو حسن لأن الموضع موضع سؤال وبحث عما أجابهم به موسى عند تسميتهم مثل تلك الآيات العظام سحراً مفترى ووجه الأخرى أنهم قالوا ذلك وقال موسى هذا ليوازن الناظر بين القول والمقول ويتبصر فساد أحدهما وصحة الآخر(2/643)
ربي اعلم حجازى وأبو عمرو ومن يكون حمزة وعلي(2/644)
وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ (38)
وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ (38)
{وقال فرعون يا أيها الملأ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مّنْ إله غَيْرِى} قصد بنفي علمه بإله غيره نفي وجوده أي مالكم من إله غيري أو هو على ظاهره وأن إلهاً غيره غير معلوم عنده {فَأَوْقِدْ لي يا هامان عَلَى الطين} أي اطبخ لي الآجر واتخذه وإنما لم يقل مكان الطين هذا لأنه أول من عمل الآجر فهو يعلمه الصنعة بهذه العبارة ولأنه أفصح وأشبه بكلام الجبابرة إذ أمر هامان وهو وزيره بالإيقاد على الطين منادي باسمه بيافي وسط الكلام دليل التعظم والتجبر {فاجعل لّى صَرْحاً} قصراً عالياً {لَّعَلّي أَطَّلِعُ} أي أصعد والاطلاع الصعود {إلى إله موسى} حسب أنه تعالى في مكان كما كان هو في مكان {وَإِنّى لأظُنُّهُ} أي موسى {مِنَ الكاذبين} في دعواه أن له إلهاً وأنه أرسله إلينا رسولاً وقد تناقض المخذول فإنه قال مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مّنْ إله غَيْرِى ثم أظهر حاجته إلى هامان وأثبت لموسى إلهاً وأخبر أنه غير متيقن بكذبه وكأنه تحصن من عصا موسى عليه السلام فليس وقال لعلى أطلع إلى إله موسى روي أن هامان جمع خمسين ألف بناء وبنى صرحاً لم يبلغه بناء أحد من الخلق فضرب الصرح جبريل عليه السلام بجناحه فقطعه ثلاث قطع وقعت على عسكر فرعون فقتلت ألف ألف رجل وقطعة في البحر وقطعة في المغرب
القصص (44 - 39)
ولم يبق أحد من عماله إلا هلك(2/644)
وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ (39)
وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ (39)
{واستكبر هُوَ وَجُنُودُهُ} تعظم {فِى الأرض} أرض مصر {بغير الحق} أي بالباطل فالاستكبار بالله تعالى وهو المتكبر على الحقيقة أي المتبالغ في كبرياء الشأن كما حكى رسولنا عن ربه الكبرياء ردائي والعظمة إزاري فمن نازعني واحداً منهما ألقيته في النار وكل مستكبر(2/644)
سواه فاستكباره بغير الحق {وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لاَ يُرْجَعُونَ} يَرجعون نافع وحمزة وعلي وخلف ويعقوب(2/645)
فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (40)
فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (40)
{فأخذناه وَجُنُودَهُ فنبذناهم فِى اليم} من الكلام المفحم الذي دل به على عظمة شأنه شبههم استقلالاً لعددهم وإن كانوا الجم الغفير بحصيات أخذنهن آخذ بكفه فطرحهن في البحر {فانظر} يا محمد {كَيْفَ كَانَ عاقبة الظالمين} وحذر قومك فإنك منصور عليهم(2/645)
وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنْصَرُونَ (41)
وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنْصَرُونَ (41)
{وجعلناهم أَئِمَّةً} قادة {يَدْعُونَ إِلَى النار} أي عمل أهل النار قال ابن عطاء نزع عن أسرارهم التوفيق وأنوار التحقيق فهم في ظلمات نفوسهم لا يدلون على سبيل الرشاد وفيه دلالة خلق أفعال العباد {وَيَوْمَ القيامة لاَ يُنصَرُونَ} من العذاب(2/645)
وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ (42)
وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ (42)
{وأتبعناهم في هذه الدنيا لَعْنَةٍ} ألزمناهم طرداً وإبعاداً عن الرحمة وقيل هو ما يلحقهم من لعن الناس إياهم بعدهم {وَيَوْمَ القيامة هُمْ مّنَ المقبوحين} المطرودين المبعدين أو المهلكين المشوهين بسواد الوجوه وزرقة العيون ويوم ظرف للمقبوحين(2/645)
وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَى بَصَائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (43)
وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَى بَصَائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (43)
{ولقد آتينا موسى الكتاب} والتوراة {من بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا القرون الأولى} قوم نوح وهود وصالح ولوط عليهم السلام {بَصَائِرَ لِلنَّاسِ} حال من الكتاب والبصيرة نور القلب الذي يبصر به الرشد والسعادة كما أبصر نور العين الذي يبصر به الأجساد يريد آتيناه التوراة أنوارا للقلوب لأنها كانت عميا لا تستبصر ولا تعرف حقاً من باطل {وهدى} وإرشاداً لأنهم كانوا يخبطون في ضلال {ورحمة} أن اتبعها لأنهم إذا عملوا بها وصلوا إلى نيل الرحمة {لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} يتعظون(2/645)
وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ وَمَا كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ (44)
وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ وَمَا كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ (44)
{وَمَا كُنْتَ} يا محمد {بِجَانِبِ} الجبل {الغربى} وهو المكان الواقع في شق الغرب وهو الذي وقع فيه ميقات موسى {إِذْ قَضَيْنَا إلى مُوسَى الأمر} أي كلمناه وقربناه نجياً {وَمَا كنتَ مِنَ الشاهدين} من جملة الشاهدين للوحي إليه حتى تقف من جهة المشاهدة على ما جرى من أمر موسى في ميقاته
القصص (47 - 45)(2/646)
وَلَكِنَّا أَنْشَأْنَا قُرُونًا فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ وَمَا كُنْتَ ثَاوِيًا فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (45)
وَلَكِنَّا أَنْشَأْنَا قُرُونًا فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ وَمَا كُنْتَ ثَاوِيًا فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (45)
{وَلَكِنَّا أَنشَأْنَا} بعد موسى {قُرُوناً فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ العمر} أي طالت أعمارهم وفترت النبوة وكادت الأخبار تخفى واندرست العلوم ووقع التحريف في كثير منها فأرسلناك مجدداً لتلك الأخبار مبيناً ما وقع فيه من تحريف وأعطيناك العلم بقصص الأنبياء وقصة موسى كأنه قال ما كنت شاهداً لموسى وما جرى عليه ولكنا أوحيناه إليك فذكر سبب الوجي الذي هو إطالة الفترة ودل به على المسبب اختصاراً فإذا هذا الاستدراك شبيه الاستدراكين بعده {وَمَا كُنتَ ثَاوِياً} مقيماً {فِى أَهْلِ مَدْيَنَ} وهو شعيب والمؤمنين به {تتلو عليهم آياتنا} تقرؤها عليهم تعلماً منهم يريد الآيات التي فيها قصة شعيب وقومه وتتلوا في موضع نصب خبرثان أو حال من الضمير في ثاويا {وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ} ولكنا أرسلناك وأخبرناك بها وعلمناكها(2/646)
وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (46)
وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (46)
{وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطور إِذْ نَادَيْنَا} موسى أن خذ الكتاب بقوة {ولكن} أعلمناك وأرسلناك {رَحْمَةً} للرحمة {مّن رَّبِكَ لِتُنذِرَ قَوْماً مَّا أتاهم مّن نَّذِيرٍ مّن قَبْلِكَ} في زمان الفترة بينك وبين عيسى وهو خمسمائة وخمسون سنة {لعلهم يتذكرون}(2/646)
وَلَوْلَا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (47)
وَلَوْلَا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (47)
{ولولا أن تُصِيبَهُم مُّصِيبَةٌ} عقوبة {بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ} من الكفر والظلم ولما كانت أكثر الأعمال تزاول بالأيدي نسبت الأعمال إلى الأيدي وإن كانت من أعمال القلوب تغليباً للأكثر على الأقل {فيقولوا} عند العذاب {رَبَّنَا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فنتبع آياتك وَنَكُونَ مِنَ المؤمنين} لولا الأولى امتناعية وجوابها محذوف والثانية تحضيضية والفاء الأولى للعطف والثانية جواب لولا لكونها في حكم الأمر إذ الأمر باعث على الفعل والباعث والمحضض من وادٍ واحد والفاء تدخل في جواب الأمر والمعنى لولا أنهم قائلون إذا عوقبوا بما قدموا من الشرك والمعاصي هلا أرسلت إلينا رسولاً محتجين علينا بذلك لما أرسلنا إليهم يعني أن ارسال الرسول إليهم إنما هو ليلزموا الحجة ولا يلزموها كقوله لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى الله حُجَّةٌ بَعْدَ الرسل فإن قلت كيف استقام هذا المعنى وقد جعلت العقوبة هي السبب في الإرسال لا للقول لدخول لولا الامتناعية عليها دونه قلت القول هوالمقصود بأن يكون سبباً للإرسال ولكن العقوبة لما كانت سبباً للقول وكان وجوده بوجودها جعلت العقوبة كأنها سبب الارسال
القصص (53 - 48)
فأدخلت عليها لولا وجيء بالقول معطوفاً عليها بالفاء المعطية معنى السببية ويؤل معناه إلى قولك ولولا فولهم هذا إذا أصابتهم مصيبة لما أرسلنا(2/647)
فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا لَوْلَا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ (48)
فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا لَوْلَا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ (48)
{فَلَمَّا جَاءهُمُ الحق مِنْ عِندِنَا} أي القرآن أو الرسول المصدق بالكتاب المعجز {قَالُواْ} أي كفار مكة {لَوْلا أُوتِىَ} هلا أعطي {مِثْلَ مَا أُوتِىَ موسى} من الكتاب المنزل جملة واحدة {أَوَ لَمْ يَكْفُرُواْ} يعني أبناء جنسهم ومن مذهبهم مذهبهم وعنادهم عنادهم وهم الكفرة في زمن موسى عليه السلام {بِمَا أُوتِىَ موسى مِن قَبْلُ} من قبل القرآن {قَالُواْ} في موسى وهارون(2/647)
{سحران تظاهرا} تعاونا سِحْرَانِ كوفي أي ذوا سحر أو جعلوهما سحرين مبالغة في وصفهما بالسحر {وَقَالُواْ إِنَّا بِكُلّ} بكل واحد منهما {كافرون} وقيل إن أهل مكة كما كفروا بمحمد عليه السلام وبالقرآن فقد كفروا بموسى والتوراة وقالوا في موسى ومحمد ساحران تظاهرا أو في التوراة والقرآن سحران تظاهرا وذلك حين بعثوا الرهط إلى رؤساء اليهود بالمدينة يسألونهم عن محمد فأخبرهم أنه في كتابهم فرجع الرهط إلى قريش فأخبرهم بقول اليهود فقالوا عند ذلك ساحران تظاهرا(2/648)
قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (49)
قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (49)
{قُلْ فَأْتُواْ بكتاب مّنْ عِندِ الله هُوَ أهدى مِنْهُمَا} مما أنزل على موسى ومما أنزل على {أَتَّبِعْهُ} جواب فأتوا {إِن كُنتُمْ صادقين} في أنهما سحران(2/648)
فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (50)
فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (50)
{فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكَ فاعلم أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءهُمْ} فإن لم يستجيبوا دعاءك إلى الإتيان بالكتاب الأهدى فاعلم أنهم قد ألزموا ولم يبق لهم حجة إلا اتباع الهوى {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ اتبع هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مّنَ الله} أي لا أحد أضل ممن اتبع في الدين هواه وبغير هدى حال أي مخذولا لا يخلى بينه وبين هواه {إِنَّ الله لاَ يَهْدِى القوم الظالمين}(2/648)
وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (51)
وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (51)
{ولقد وصّلنا لهم القول لعلّهم يتذكّرون} التوصيل تكثير الوصل وتكريره يعني أن القرآن أتاهم متتابعاً متواصلاً وعدا ووعيدا وقصصا وعبرا ومواعظ ليذكروا فيفلحوا(2/648)
الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ (52)
الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ (52)
{الذين آتيناهم الكتاب مِن قَبْلِهِ} من قبل القرآن وخبر الذين {هُم بِهِ} بالقرآن {يُؤْمِنُونَ} نزلت في مؤمن أهل الكتاب(2/649)
وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ (53)
وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ (53)
{وإذا يتلى} القرآن {عليهم قالوا آمنا بِهِ إِنَّهُ الحق مِن رَّبّنَا إنَّا كُنَّا من قبله}
القصص (57 - 54)
من قبل نزول القرآن {مُسْلِمِينَ} كائنين على دين الإسلام مؤمنين بمحمد عليه السلام وقوله إنه تعليل للإيمان به لأن كونه حقاً من الله حقيق بأن يؤمن به وقوله إنا بيان لقوله آمنا لأنه يحتمل أن يكون إيماناً قريب العهد وبعيده فأخبروا بأن إيمانهم به متقادم(2/649)
أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (54)
أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (54)
{أُوْلَئِكَ يُؤْتُونَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُواْ} بصبرهم على الإيمان بالتوراة والإيمان بالقرآن أو بصبرهم على الإيمان بالقرآن قبل نزوله وبعد نزوله أو بصبرهم على أذى المشركين وأهل الكتاب {ويدرؤون بالحسنة السيئة} يدفعون بالطاعة المعصية أو بالحلم الأذى {وَمِمَّا رزقناهم يُنفِقُونَ} يزكون(2/649)
وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ (55)
وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ (55)
{وَإِذَا سَمِعُواْ اللغو} الباطل أو الشتم من المشركين {أعرضوا عنه وقالوا} للاعنين {لَنَا أعمالنا وَلَكُمْ أعمالكم سلام عَلَيْكُمْ} أمان منا لكم بأن نقابل لغوكم بمثله {لاَ نَبْتَغِى الجاهلين} لا نريد مخالطتهم وصحبتهم(2/649)
إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (56)
إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (56)
{إِنَّكَ لاَ تَهْدِى مَنْ أَحْبَبْتَ} لا تقدر أن تدخل في الإسلام كل من أحببت أن يدخل فيه من قومك وغيرهم {ولكن الله يَهْدِى مَن يَشَاء} يخلق فعل الاهتداء فيمن يشاء {وَهُوَ أَعْلَمُ بالمهتدين} بمن يختار الهداية ويقبلها ويتعظ بالدلائل والآيات قال الزجاج أجمع المفسرون لى أنها نزلت في أبي طالب وذلك أنه قال عند موته يا معشر بني هاشم صدقوا محمد تفلحوا فقال عليه السلام يا عم تأمرهم بالنصيحة لأنفسهم وتدعها لنفسك قال فما(2/649)
تريد يا بان أخي قال أريد منك أن تقول لا إله إلا الله أشهد لك بها عند الله قال يابن أخي أنا قد علمت أنك صادق ولكني أكره أن يقال جزع عند الموت وإن كانت الصيغة عامة والآية حجة على المعتزلة لأنهم يقولون الهدى هو البيان قد هدى الناس أجمع ولكنهم لم يهتدوا بسوء اختيارهم فدل أن رواء البيان ما يسمى هداية وهو خلق الاهتداء وإعطاء التوفيق والقدرة(2/650)
وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (57)
وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (57)
{وَقَالُواْ إِن نَّتَّبِعِ الهدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أرضنا أو لم نمكن لهم حرما آمنا} قالت قريش نحن نعلم أنك على الحق ولكنا نخاف إن اتبعناك وخالفنا العرب بذلك أن يتخطفونا من أرضنا فألقمهم الله الحجر بأنه مكن لهم في الحرم الذي أمنه بحرمة البيت وأمن قطانه بحرمته والثمرات تجيء إليه من كل أوب وهم كفرة فأنّى يستقيم أن يعرضهم للتخطف ويسلبهم الأمن إذا ضموا إلى حرمة البيت حرمة الإسلام وإسناد الأمن إلى أهل الحرم حقيقة وإلى الحرم مجاز {يجبى إِلَيْهِ} وبالتاء مدني ويعقوب وسهل أي تجلب وتجمع {ثَمَرَاتُ كُلّ شَىْء} معنى الكلية الكثرة كقوله وَأُوتِيَتْ مِن كُلّ شَىْء
القصص (61 - 57)
{رّزْقاً مّن لَّدُنَّا} هو مصدر لأن معنى يجيء إليه يرزق أو مفعول له أو حال من الثمرات إن كان بمعنى مرزوق لتخصصها بالإضافة كما تنصب عن النكرة المتخصصة بالصفة {ولكن أكثرهم لا يعلمون} متعلق بمن لدنا أي قليل منهم يقرون بأن ذلك رزق من عند الله وأكثرهم جهلة لا يعلمون ذلك ولو علموا أنه من عند الله لعلموا أن الخوف والأمن عنده ولما خافوا التخطف إذا آمنوا به(2/650)
وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ (58)
وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ (58)
{وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا} هذا تخويف لأهل مكة من سوء عاقبة قوم كانوا في مثل حالهم بإنعام الله عليهم فلم يشكروا النعمة وقابلوها بالبطر فأهلكوا وكم نصب أهلكنا ومعيشتها بحذف الجار وإيصال الفعل أي في معيشتها والبطر سوء احتمال الغني وهو أن لا يحفظ حق الله فيه {فَتِلْكَ مساكنهم} منازلهم باقية الآثار يشاهدونها في الأسفار كبلاد ثمود وقوم شعيب وغيرهم {لَمْ تُسْكَن} حال والعامل فيها الإشارة {مّن بَعْدِهِمْ إِلاَّ قَلِيلاً} من السكنى أي لم يسكنها إلا المسافر ومار الطريق يوماً أو ساعة {وَكُنَّا نَحْنُ الوارثين} لتلك المساكن من ساكنيها أي لا يملك التصرف فيها غيرنا(2/651)
وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ (59)
وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ (59)
{وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ القرى} في كل وقت {حتى يَبْعَثَ فِى أُمّهَا} وبكسر الهمزة حمزة وعلي أي في القرية التي هي أمها أي أصلها ومعظمها {رَسُولاً} لإلزام الحجة وقطع المعذرة أو وما كان في حكم الله وسابق قضائه أن يهلك القرى في الأرض حتى يبعث في أم القرى يعني مكة لأن الأرض دحيت من تحتها رسولاً يعني محمدا عليه السلام {يتلو عليهم آياتنا} أي القرآن {وَمَا كُنَّا مُهْلِكِى القرى إِلاَّ وَأَهْلُهَا ظالمون} أي وما أهلكناهم للانتقام إلا وأهلها مستحقون العذاب بظلمهم وهو إصرارهم على كفرهم وعنادهم ومكابرتهم بعد الاعذار إليهم(2/651)
وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلَا تَعْقِلُونَ (60)
وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلَا تَعْقِلُونَ (60)
{وَمَا أُوتِيتُم مّن شَىْء فمتاع الحياة الدنيا وَزِينَتُهَا} وأي شيء أصبتموه من أسباب الدنيا فما هو إلا تمتع وزينة أياماً قلائل وهي مدة الحياة الفانية {وَمَا عِندَ الله} وهو ثوابه {خَيْرٌ} في نفسه من ذلك {وأبقى} لأنه دائم {أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} أن الباقي خير من الفاني وخير أبو عمرو وبين الياء والتاء والباقون(2/651)
بالتاء لا غير وعن ابن عباس رضي الله عنهما إن الله تعالى خلق الدنيا وجعل أهلها ثلاثة أصناف المؤمن والنافق والكافر فالمؤمن يتزود والمنافق يتزين والكافر يتمتع ثم قرر هذه الآية بقوله(2/652)
أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (61)
أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (61)
{أَفَمَن وعدناه وَعْداً حَسَناً}
أي الجنة فلا شيء أحسن منها دائمة ولذا سميت الجنة بالحسنى {فَهُوَ لاَقِيهِ} أي رائيه ومدركه ومصيبه {كَمَن مَّتَّعْنَاهُ متاع الحياة الدنيا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ القيامة مِنَ المحضرين} من الذين أحضروا النار ونحوه فكذبوه فإنهم لمحضرون نزلت في رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي جهل لعنه الله أو في علي وحمزة وأبي جهل أو في المؤمن والكافر ومعنى الفاء الأولى أنه لما ذكر التفاوت بين متاع الحياة الدنيا وما عند الله عقبه بقوله أفمن وعدناه أي أبعد هذا التفاوت الجلي يسوي بين أبناء الدنيا وأبناء الآخرة والفاء الثانية للتسبيب لأن الفاء الموعود مسبب عن الوعد وثم لتراخي حال الإحضار عن حال التمتع ثم هو عليّ كما قيل عضدّ في عضد شبه المنفصل بالمتصل(2/652)
وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (62)
وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (62)
{وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ} ينادي الله الكفار نداء توبيخ وهو عطف على يَوْمُ القيامة أو منصوب باذكر {فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِىَ} بناء على زعمهم {الذين كُنتُمْ تَزْعُمُونَ} ومفعولا تزعمون محذوفان تقديره كنتم تزعمونهم شركائي ويجوز حذف المفعولين في باب ظننت ولا يجوز الاقتصار على أحدهما(2/652)
قَالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنَا أَغْوَيْنَاهُمْ كَمَا غَوَيْنَا تَبَرَّأْنَا إِلَيْكَ مَا كَانُوا إِيَّانَا يَعْبُدُونَ (63)
قَالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنَا أَغْوَيْنَاهُمْ كَمَا غَوَيْنَا تَبَرَّأْنَا إِلَيْكَ مَا كَانُوا إِيَّانَا يَعْبُدُونَ (63)
{قَالَ الذين حَقَّ عَلَيْهِمُ القول} أي الشياطين أو أئمة الكفر ومعنى حق عليهم القول وجب عليهم مقتضاه وثبت وهو قوله لأمْلاَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الجنة والناس أجمعين {رَبَّنَا هَؤُلاء} مبتدأ {الذين أَغْوَيْنَا} أي دعوناهم إلى الشرك وسولنا لهم الغي صفة والراجع إلى الموصول محذوف والخبر {أغويناهم} والكاف في {كَمَا غَوَيْنَا} صفة مصدر(2/652)
محذوف تقديره أغويناهم فغروا غيا مثل ما غوينا يعنون أنالم نغوا لا باختيارنا فهؤلاء كذلك غووا باختيارهم لأن إغواءنا لهم لم يكن إلا وسوسة وتسويلاً فلا فرق إذاً بين غينا وغيهم وإن كان تسويلنا داعياً لهم إلى الكفر فقد كان في مقابلته دعاء الله لهم إلى الإيمان بما وضع فيهم من أدلة العقل وما بعث إليهم من الرسل وأنزل عليهم من الكتب وهو كقوله وَقَالَ الشيطان لَمَّا قُضِىَ الامر إِنَّ الله وَعَدَكُمْ وَعْدَ الحق إلى قوله ولوموا أنفسكم {تَبَرَّأْنَا إِلَيْكَ} منهم ومما اختاروه من الكفر {مَا كَانُواْ إِيَّانَا يَعْبُدُونَ} بل يعبدون أهواءهم ويطيعون شهواتهم وإخلاء الجملتين من العاطف لكونهما مقررتين لمعنى الجملة الأولى(2/653)
وَقِيلَ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَرَأَوُا الْعَذَابَ لَوْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَهْتَدُونَ (64)
وَقِيلَ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَرَأَوُا الْعَذَابَ لَوْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَهْتَدُونَ (64)
{وَقِيلَ} للمشركين {ادعوا شُرَكَاءكُمْ} أي الأصنام لتخلصكم من العذاب {فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُواْ لَهُمْ} فلم يجيبوهم {وَرَأَوُاْ العذاب لَوْ أَنَّهُمْ كَانُواْ يَهْتَدُونَ} وجواب لو محذوف أي لما
القصص (70 - 65)
رأوا العذاب(2/653)
وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ (65)
وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ (65)
{وَيَوْمَ يناديهم فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ المرسلين} الذين أرسلوا إليكم حكى أولاً ما يوبخهم به من اتخاذهم له شركاء ثم ما يقوله الشياطين هم الذين استغو وهم ثم ما يشبه الشماتة بهم لاستغاثتم آلهتهم وعجزهم عن نصرتهم ثم ما يبكتون به من الاحتجاج عليهم بإرسال الرسل وإزاحة العلل(2/653)
فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْبَاءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لَا يَتَسَاءَلُونَ (66)
فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْبَاءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لَا يَتَسَاءَلُونَ (66)
{فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الأنباء يَوْمَئِذٍ} خفيت عليهم الحجج أو الأخبار وقيل خفي عليهم الجواب فلم يدروا بماذا يجيبون إذ لم يكن عندهم جواب {فَهُمْ لاَ يَتَسَاءلُونَ} لا يسأل بعضهم بعضاً عن العذر والحجة رجاء أن يكون عنده عذر وحجة لأنهم يتساوون في العجز عن الجواب(2/653)
فَأَمَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَعَسَى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ (67)
فَأَمَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَعَسَى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ (67)
{فأما من تاب} من الشرك {وآمن} بربه وبما جاء من عنده(2/653)
{وَعَمِلَ صالحا فعسى أَن يَكُونَ مِنَ المفلحين} أي فعسى أن يفلح عند الله وعسى من الكرام تحقيق وفيه بشارة للمسلمين على الإسلام وترغيب الكافرين على الإيمان ونزل جواباً لقول الوليد بن المغيرة لولا أنزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم يعني نفسه أو أبا مسعود(2/654)
وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (68)
وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (68)
{وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء} وفيه دلالة خلق الأفعال ويوقف على {وَيَخْتَارُ} أي وربك يخلق مايشاء وربك يختار ما يشاء {مَا كَانَ لَهُمُ الخيرة} أي ليس له من يختاروا على الله شيئاً ما وله الخيرة عليهم ولم يدخل العاطف فيما كان لهم الخيرة لأنه بيان لقوله ويختار إذ المعنى أن الخيرة لله وهو أعلم بوجود الحكمة في أفعاله فليس لأحد من خلقه أن يختار عليه ومن وصل على معنى ويختار الذي لهم فيه الخيرة فقد أبعد بل ما لنفي إختيار الخلق تقديرا لاختيار الحق ومن قال ومعناه ويختار للعباد ما هو خير لهم وأصلح فهو مائل إلى الاعتزال والخيرة من التخير يستعمل بمعنى المصدر وهو التخير وبمعنى التخير كقولهم محمد خيرة الله من خلقه {سبحان الله وتعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ} أي الله بريء من إشراكهم وهو منزه عن أن يكون لأحد عليه اختيار(2/654)
وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ (69)
وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ (69)
{وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ} تضمر {صُدُورُهُمْ} من عداوة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحسده {وَمَا يُعْلِنُونَ} من مطاعنهم فيه وقولهم هلا اختيرا عليه غيره في النبوة(2/654)
وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (70)
وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (70)
{وَهُوَ الله} وهو المستأثر بالإلهية المختص بها {لا إله إلا هو} تقدير لذلك كقولك القبلة الكعبة لا قبلة إلا هي {لَهُ الحمد فِى الأولى} الدنيا والآخرة هو قولهم الحمد للَّهِ الذى أَذْهَبَ عَنَّا الحزن(2/654)
الحمد لله الذي
القصص (76 - 70)
صدقنا وعده وقيل الحمد لله رب العالمين والتحميد ثمة على وجه اللذة لا الكلفة {وَلَهُ الحكم} القضاء بين عباده {وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} بالبعث والنشور وبفتح التاء وكسر الجيم يعقوب(2/655)
قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلَا تَسْمَعُونَ (71)
قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلَا تَسْمَعُونَ (71)
{قل أرأيتم} أريتم محذوف الهمزة علي {إِن جَعَلَ الله عليكم الليل سرمدا} هو مفعول ثان لجعل أي دائماً من السرد وهو المتابعة ومنه قولهم في الأشهر الحرم ثلاثة سرد وواحد فرد والميم مزيدة ووزنه فعمل {إلى يَوْمِ القيامة مَنْ إله غَيْرُ الله يَأْتِيكُمْ بِضِيَاء أَفَلاَ تَسْمَعُونَ} والمعنى أخبروني من يقدر على هذا(2/655)
قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (72)
قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (72)
{قل أرأيتم إِن جَعَلَ الله عَلَيْكُمُ النهار سَرْمَداً إلى يَوْمِ القيامة مَنْ إله غَيْرُ الله يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ} ولم يقل بنهار تتصرفون فيه كما قال بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ بل ذكر الضياء وهو ضوء الشمس لأن المنافع التي تتعلق به متكاثرة ليس التصرف في المعاش وحده والظلام ليس بتلك المنزلة ومن ثم قرن بالضياء أفلا تسمعون لأن السمع يدرك ما لا يدركه البصر من ذكر منافعه ووصف فوائده وقرن بالليل أفلا تبصرون لأن غيرك يبصر من منفعة الظلام ما تبصره من السكون ونحوه(2/655)
وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (73)
وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (73)
{ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لِتَسْكُنُواْ فِيهِ وَلِتَبتَغُواْ مِن فَضْلِهِ} أي لتسكنوا بالليل ولتبتغوا من فضل الله في النهار فيكون من باب اللف والنشر {وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} الله على نعمه وقال الزجاج يجوز أن يكون معناه لتسكنوا فيهما ولتبتغوا من فضل من الله فيهما ويكون المعنى جعل لكم الزمان ليلاً ونهاراً لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله فيه(2/655)
وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (74)
وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (74)
{وَيَوْمَ يناديهم فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِىَ الذين كُنتُمْ تَزْعُمُونَ} كرر التوبيخ لاتخاذ الشركاء ليؤذن أن لا شيء أجلب لغضب الله من الإشراك به كما لاشيء أدخل في مرضاته من توحيده(2/656)
وَنَزَعْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا فَقُلْنَا هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (75)
وَنَزَعْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا فَقُلْنَا هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (75)
{وَنَزَعْنَا} وأخرجنا {مِن كُلّ أُمَّةٍ شَهِيدًا} يعني نبيهم لأن الأنبياء للأمم شهداء عليهم يشهدون بما كانوا عليه {فَقُلْنَا} للأمم {هَاتُواْ برهانكم} فيما كنتم عليه من الشرك ومخالفة الرسل {فَعَلِمُواْ} حينئذ {أَنَّ الحق لِلَّهِ} التوحيد {وَضَلَّ عَنْهُم} وغاب عنهم غيبة الشيء الضائع {مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ} من ألوهية غير الله والشفاعة لهم(2/656)
إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ (76)
إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ (76)
{إِنَّ قارون} لا ينصرف للعجمة والتعريف ولو كان فاعولامن قرنت الشيء لانصرف {كَانَ مِن قَوْمِ موسى} كان إسرائيلياً ابن عم لموسى فهو قارون بن يصهر بن قاهث بن لاوي بن يعقوب وموسى بن
القصص (78 - 76)
عمران بن قاهث وكان يسمى المنور لحسن صورته وكان أقرأ بني إسرائيل للتوراة ولكنه نافق كما نافق السامري {فبغى عَلَيْهِمْ} من البغي وهو الظلم قيل ملكه فرعون على بني إسرائيل فظلمهم أو من البغي الكبر تكبر عليهم بكثرة ماله وولده أو زاد عليهم في الثياب شبرا {وآتيناه من الكنوز ما إِنْ مَفَاتِحَهُ} ما بمعنى الذي في موضع نصب بآيتنا وأن واسمها وخبرها صلة الذي ولهذا كسرت إن والمفاتح جمع مفتح بالكسر وهو ما يفتح به أو مفتح بالفتح وهو الخزانة والأصوب أنها المقاليد {لتنوء بالعصبة} لتثقل العصبة فالباء للتعدية يقال ناء به الحمل إذا أثقله حتى أماله والعصبة الجماعة الكثيرة وكانت تحمل مفاتيح خزائنه ستون بغلاً لكل خزانة مفتاح ولا يزيد المفتاح على أصبع وكانت من جلود {أُوْلِى القوة} الشدة {إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ} أي المؤمنون وقيل القائل موسى عليه السلام(2/656)
ومحل إذ نصب بتنوء {لاَ تَفْرَحْ} لا تبطر بكثرة المال كقوله ولا تفرحوا بما آتاكم ولا يفرح بالدنيا إلا من رضي بها واطمأن وأما من قلبه إلى الآخرة ويعلم أنه يتركها عن قريب فلا يفرح بها {إِنَّ الله لاَ يُحِبُّ الفرحين} البطرين بالمال(2/657)
وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (77)
وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (77)
{وابتغ فيما آتاك الله} من الغنى والثروة {الدار الأخرة} بأن تتصدق على الفقراء وتصل الرحم ونصرف إلى أبواب الخير {وَلاَ تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدنيا} وهو أن تأخذ ما يكفيك ويصلحك وقيل معناه وأطاب بدنياك آخرتك فإن ذلك حظ المؤمن منها {وَأَحْسَنُ} إلى عباد الله {كَمَا أَحْسَنَ الله إِلَيْكَ} أو أحسن بشكرك وطاعتك لخالق الأنام كما أحسن إليك بالإنعام {وَلاَ تَبْغِ الفساد فِى الأرض} بالظلم والبغي {إِنَّ الله لاَ يحب المفسدين}(2/657)
قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ (78)
قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ (78)
{قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ} أي المال {على عِلْمٍ عِندِى} أي على استحقاق لما فيّ من العلم الذي فضلت به الناس وهو علم التوراة أو علم الكيمياء وكان يأخذ الرصاص والنحاس فيجعلهما ذهباً أو العلم بوجوه المكاسب من التجارة والزراعة وعندي صفة لعلم قال سهل ما نظر أحد إلى نفسه فأفلح والسعيد من صرف بصره عن أفعاله وأقواله وفتح له سبيل رؤية منة الله تعالى عليه في جميع الأفعال والأقوال والشقي من زين في عينه أفعاله وأقواله وأحواله ولا فتح له سبيل رؤية منة الله فافتخر بها وادعاها لنفسه فشؤمه يهلكه يوماً كما خسف بقارون لما ادّعى لنفسه فضلاً {أَوَ لَمْ يَعْلَمْ} قارون {أَنَّ الله قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ القرون مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً} هو إثبات لعلمه بأن الله قد أهلك من القرون قبله من هو أقوى منه وأغنى لأنه قد قرأه في التوراة كأنه قيل أو لم يعلم في جملة
القصص (81 - 78)
ما عنده من العلم هذا حتى لا يغتر بكثرة ماله(2/657)
وقوته أو نفي لعلمه بذلك لأنه لما قال أوتيته على علم عندي قيل عنده مثل ذلك العلم الذي ادعاه ورأى نفسه به مستوجبة لكل نعمة ولم يعلم هذا العلم النافع حتى قي به نفسه مصارع الهالكين {وَأَكْثَرُ جَمْعاً} للمال أو أكثر جماعة وعددا {ولا يسأل عَن ذُنُوبِهِمُ المجرمون} لعلمه تعالى بهم بل يدخلون النار بغير حساب أو يعترفون بها بغير سؤال أو يعرفون بسيماهم فلا يسألون أو لا يسألون لتعلم من جهتهم بل يسألون سؤال توبيخ أو لا يسأل عن ذنوب الماضين المجرمون من هذه الأمة(2/658)
فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (79)
فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (79)
{فَخَرَجَ على قَوْمِهِ فِى زِينَتِهِ} في الحمرة والصفرة وقيل خرج يوم السبت على بغلة شهباء عليها الأرجوان وعليها سرج من ذهب ومعه أربعة الاف على زيه وقيل عليهم وعلى خيولهم الديباج الأحمر وعن يمينه ثلثمائة غلام وعن يساره ثلثمائة جارية بيض عليهن الحلي والديباج وفي زِينَتِهِ حال من فاعل خرج أي متزيناً {قَالَ الذين يُرِيدُونَ الحياة الدنيا} قيل كانوا مسلمين وغنما تمنوا على سبيل الرغبة في اليسار كعادة البشر وقيل كانوا كفارا {يا ليت لنا مثل ما أوتى قارون} قالوه غبطة والغابط هو الذي يتمنى مثل نعمة صاحبه من غير أن تزول عنه كهذه الآية والحاسد هو الذي يتمنى أن تكون نعمة صاحبه له دونه وهو كقوله تعالى ولا تتمنو اما فضل الله به بعضكم على بعض وقيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم هل تضر الغبطة قال لا إلا كما يضر العضاه الخبط {إِنَّهُ لَذُو حَظّ عَظِيمٍ} الحظ الجد وهو البخت والدولة(2/658)
وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ (80)
وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ (80)
{وَقَالَ الذين أُوتُواْ العلم} بالثواب والعقاب وفناء الدنيا وبقاء(2/658)
العقبى لغابطي قارون {وَيْلَكُمْ} أصل ويلك الدعاء بالهلاك ثم استعمل في الزجر والردع والبعث على ترك ما لا يرضى وفي التبيان في الحرب القرآن هو مفعول فعل محذوف أي ألزمكم الله ويلكم {ثواب الله خير لمن آمن وَعَمِلَ صالحا وَلاَ يُلَقَّاهَا} أي لا يلقن هذه الكلمة وهي ثواب الله خير {إِلاَّ الصابرون} على الطاعات وعن الشهوات وزينة الدنيا وعلى ما قسم الله من القليل عن الكثير(2/659)
فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ (81)
فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ (81)
{فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأرض} كان قارون يؤذي موسى عليه السلام كل وقت وهو يداريه للقرابة التي بينهما حتى نزلت الزكاة فصالحه عن كل ألف دينار على دينار وعن كل ألف درهم على درهم فحسبه فاستكثره فشحت به نفسه فجمع بني إسرائيل وقال إن موسى يريد أن يأخذ أومالكم فقالوا أنت كبيرنا فمر بما شئت قال نبرطل فلانة البغي حتى ترميه بنفسها فترفضه بنو اسرائيل فجعل لها الف دينار أو طستا من ذهب أو حكمها فلما كان يوم عيد قام موسى فقال يا بني إسرائيل من سرق قطعناه ومن افترى جلدناه ومن زنى وهو غير محصن جلدناه وإن أحصن رجمناه فقال قارون وإن كنت أنت قال وإن كنت أنا قال فإن بني إسرائيل يزعمون أنك فجرت بفلانة فأحضرت
القصص (83 - 81)
فناشدها بالذي فلق البحر وأنزل التوراة أن تصدق فقالت جعل لي قارون جعلاً على أن أقذفك بنفسي فخر موسى ساجداً يبكي وقال يا رب إن كنت رسولك فاغضب لي فأوحى اللع إليه أن مر الأرض بما شئت فإنها مطيعة لك فقال يا بني إسرائيل إن الله بعثني إلى قارون كما بعثني إلى فرعون فمن كان معه فليلزم مكانه ومن كان معي فليعتزل فاعتزلوا جميعاً غير رجلين ثم قال يا أرض خذوهم فأخذتهم إلى الركب ثم قال خذوهم فأخذتهم إلى الأوساط ثم قال خذيهم فأخذتهم إلى الأعناق وقارون وأصحابه يتضرعون إلى موسى ويناشدونه بالله والرحم وموسى لا يلتفت إليهم لشدة غضبه ثم قال(2/659)
خذيهم فانطبقت عليهم فقال الله تعالى استغاث بك مرار فلم ترحمه فوعزتي لو استرحمني مرة لرحمته فقال بعض بني إسرائيل إنما أهلكه ليرث ماله فدعا الله حتى خسف بداره وكنوزه {فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ} جماعة {يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ الله} يمنعونه من عذاب الله {وَمَا كَانَ مِنَ المنتصرين} من المنتقمين من موسى أو من الممتنعين من عذاب الله يقال نصره من عدوه فانتصر أي منعه منه فامتنع(2/660)
وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلَا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ (82)
وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلَا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ (82)
{وَأَصْبَحَ} وصار {الذين تَمَنَّوْاْ مَكَانَهُ} منزلته من الدنيا {بالأمس} ظرف لتمنوا ولم يرد به اليوم الذي قبل يومك ولكن الوقت القريب استعارة {يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ الله يَبْسُطُ الرزق لِمَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ} وي منفصلة عن كأن عند البصريين قال سيبويه وي كلمة تنبه على الخطأ وتندم يستعملها النادم بإظهار ندامته يعني ان القوم تنبهوا على خطئهم في تمنيهم وقولهم يا ليت لنا مثل ما أوتى قارون وتندموا {لَوْلاَ أَن مَنَّ الله عَلَيْنَا} بصرف ما كنا نتمناه بالأمس {لخسف بنا} وبفتحتين حفص ويعقوب وسهل وفيه ضمير الله تعالى {وَيْكَأَنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الكافرون} أي تندموا ثم قالوا كأنه لا يفلح الكافرون(2/660)
تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (83)
تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (83)
{تِلْكَ الدار الآخرة} تلك تعظيم لها وتفخيم لشأنها يعني تلك التي سمعت بذكرها وبلغك وصفها وقوله {نجعلها} خبر تلك والدار نعتها {لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِى الأرض} بغيا ابن جبير أو ظلما(2/660)
الضحاك أو كبراً {وَلاَ فَسَاداً} عملاً بالمعاصي أو قتل النفس أو دعاء إلى عبادة غير الله ولم يعلق الموعد بترك العلو والفساد ولكن بترك إرادتهما وميل القلوب إليهما كما قال وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الذين ظَلَمُواْ فعلق الوعيد بالركون وعن علي رضي الله عنه إن الرجل ليعجبه أن يكون شراك نعله أجود من شراك نعله صاحبه فيدخل تحتها وعن الفضيل إنه قرأها ثم قال ذهبت الأماني ههنا وعن عمر بن عبد العزيز إنه كان يرددها حتى قبض وقال بعضهم حقيقته التنفير عن متابعة فرعون وقارون متشبثاً بقوله إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلاَ فِى الأرض وَلاَ تَبْغِ الفساد فِى الأرض {والعاقبة} المحمودة {لّلْمُتَّقِينَ}(2/661)
مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (84)
مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (84)
{مَن جَاء بالحسنة فَلَهُ خَيْرٌ مّنْهَا}
مر في النمكل {وَمَن جَاء بالسيئة فَلاَ يُجْزَى الذين عَمِلُواْ السيئات} معناه فلا يجزون فوضع الذين عملوا السيئات موضع الضمير لأن في إسناد عمل السيئة إليهم مكررا فضل تهجين بحالهم وزيادة تبغيض للسيئة إلى قلوب السامعين {إِلاَّ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} إلا مثل ما كانوا يعملون ومن فضله العظيم أن لا يجزي السيئة إلا بمثلها ويجزي الحسنة بعشر أمثالها وبسبعمائة(2/661)
إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جَاءَ بِالْهُدَى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (85)
إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جَاءَ بِالْهُدَى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (85)
{إن الذي فرض عليك القرآن} أوجب عليك تلاوته وتبليغه والعمل بما فيه {لَرَادُّكَ} بعد الموت {إلى مَعَادٍ} أيّ معاد وإلى معاد ليس لغيرك من البشر فلذا نكره أو المرادبه مكة والمراد رده إليها يوم الفتح لأنها كانت في ذلك اليوم ميعادا له شأن ومرجعا له واعتداد لغلبة رسول الله وقهره لأهلها ولظهور عز الإسلام وأهله وذل الشرك وحزبه والسورة مكية ولكن هذه الآية نزلت بالجحفة لا بمكة ولابالمدينة حين اشفتاق إلى مولده(2/661)
ومولد آبائه ولما وعد رسوله الرد إلى ميعاده قال {قُلْ} للمشركين {رَّبّى أَعْلَمُ مَن جَاء بالهدى} يعني نفسه وما له من الثواب في ميعاده {وَمَنْ هُوَ فِى ضلال مُّبِينٍ} يعني المشركين وما يستحقونه من العذاب في معادهم من في محل نصب بفعل مضمر أي يعلم(2/662)
وَمَا كُنْتَ تَرْجُو أَنْ يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ ظَهِيرًا لِلْكَافِرِينَ (86)
وَمَا كُنْتَ تَرْجُو أَنْ يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ ظَهِيرًا لِلْكَافِرِينَ (86)
{وَمَا كُنتَ تَرْجُو أَن يلقى} يوحى {إِلَيْكَ الكتاب} القرآن {إِلاَّ رَحْمَةً مّن رَّبّكَ} هو محمول على المعنى أي وما ألقي إليك الكتاب إلا رحمة من ربك أو إلا بمعنى لكن للاستدراك أي ولكن لرحمة من ربك ألقي إليك الكتاب {فَلاَ تَكُونَنَّ ظَهيراً للكافرين} معيناً لهم على دينهم(2/662)
وَلَا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آيَاتِ اللَّهِ بَعْدَ إِذْ أُنْزِلَتْ إِلَيْكَ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (87)
وَلَا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آيَاتِ اللَّهِ بَعْدَ إِذْ أُنْزِلَتْ إِلَيْكَ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (87)
{ولا يصدنك عن آيات الله} هو على الجمع أي ألا يمنعنك هؤلاء عن العمل بآيات الله أي القرآن {بَعْدَ إِذْ أُنزِلَتْ إِلَيْكَ} الآيات أي بعد وقت انزاله واذ يضاف إليه أسماء الزمان كقولك حينئذ وتومئذ {وادع إلى رَبّكَ} إلى توحيده وعبادته {وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ المشركين}(2/662)
وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (88)
وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (88)
{ولا تدع مع الله إلها آخر} قال ابن عباس رضي الله عنهما الخطاب في الظاهر للنبي صلى الله عليه وسلم والمراد أهل دينه ولأن العصمة لا تمنع النهي والوقف على آخر لازم لأنه لو وصل لصار {لاَ إله إِلاَّ هُوَ} صفة لآلها آخر وفيه من الفساد ما فيه {كُلُّ شَىْء هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ} أي إلا إياه فالوجه يعبر به عن الذات وقال مجاهد يعني علم العلماء إذا أريد به وجه الله {لَهُ الحكم} القضاء في خلقه {وَإِلَيْهِ يرجعون} بفتح التاء وكسر الجيم يعقوب والله أعلم(2/662)
العنكبوت (4 - 1)
سورة العنكبوت مكية وهي تسع وستون آية
بسم الله الرحمن الرحيم(2/663)
الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2)
الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2)
{الم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا امنا وهم لا يُفْتَنُونَ} الحسبان قوة أحد النقيضين على الآخر كالظن بخلاف الشك فهو الوقوف بينمها والعلم فهو القطع على أحدهما ولا يصح تعليقهما لمعاني المفردات ولكن بمضامين الجمل فلو قلت حسبت زيداً وظننت الفرس لم يكن شيئاً حتى تقول حسبت زيداً عالماً وظننت الفرس جواداً لأن قولك زيد عالم والفرس جواد كلام دال على مضمون فإذا أردت الأحبار على ذلك المضمون ثابتاً عندك على وجه الظن لا اليقين أدخلت على شطري الجملة فعل الحسبان حتى يتم لك غرضك والكلام الدال على المضمون الذي يقتضيه الحسبان هنا أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يقتنون وذلك أن تقديره أحسبوا تركهم غير مفتونين لقولهم آمنا فالترك أول مفعولي حسب ولقولهم آمنا هو الخبر وأما غير مفتونين فتتمة الترك لأنه من الترك الذي هو بمعنى التصيير كقول عنترة
فتركته جزر السباع يفشنه(2/663)
ألا ترى أنك قبل المجيء بالحسبا ن تقدران تقول تركهم غير مفتونين لقولهم آمناً على تقدير حاصل ومستقر قيل اللام هو استفهام توبيخ والفتنة الامتحان بشدائد التكليف من مفارقة الأوطان ومجاهدة الأعداء وسائر الطاعات الشاقة وهجر الشهوات وبالفقر والقحط وأنواع المصائب في الأنفس والأموال ومصابرة الكفار على أذاهم وكيدهم وروي أنها نزلت في ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جزعوا من أذى المشركين أو في عمار بن ياسر وكان يعذب في الله(2/664)
وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3)
وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3)
{ولقد فتنا} اختبرنا وهو موصول بأحسب أو بلا يفتنون {الذين مِن قَبْلِهِمْ} بأنواع الفتن فمنهم من يوضع المنشار على رأسه فيفرق فرقتين ما يصرفه ذلك عن دينه ومنهم من يمشط بأمشاط الحديد ما يصرفه ذلك عن دينه {فَلَيَعْلَمَنَّ الله} بالامتحان {الذين صَدَقُوا} في الإيمان {وَلَيَعْلَمَنَّ الكاذبين} فيه ومعنى علمه تعالى وهو عالم بذلك فيما لم يزل أن يعلمه موجوداً عند وجوده كما علمه قبل وجوده أنه يوجد والمعنى وليتميزن الصادق منهم من الكاذب قال بن عطاء يتبين صدق العبد من كذبه في أوقات الرخاء والبلاء فمن شكر في أيام الرخاء وصبر في أيام البلاء فهو من الصادقين ومن بطر في أيام الرخاء وجزع في أيام البلاء فهو من الكاذبين(2/664)
أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (4)
أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (4)
{أم حسب الذين يعملون السيئات أن}
أي الشرك والمعاصي {أَن يَسْبِقُونَا} أي يفوتونا يعني أن الجزاء يلحقهم لا محالة واشتمال صلة أن على مسند ومسند إليه سد مفعولين كقوله أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الجنة ويجوزأن يضمن حسب معنى قدر وأم منقطعة ومعنى الإضراب فيها أن هذا الحسبان أبطل من الحسبان الأول لأن ذلك يقدر أنه لا يمتحن لإيمانه وهذا يظن أنه لا يجازى بمساويه وقالوا الأول في المؤمنين وهذا في الكافرين {سَاء مَا يَحْكُمُونَ} ما في موضع رفع على(2/664)
معنى ساء الحكم حكمهم أو نصب على معنى ساء حكماً يحكمون والمخصوص بالذنب محذوف أي بئس حكماً يحكمونه حكمهم(2/665)
مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (5)
مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (5)
{مَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء الله} أي يأمل ثوابه أو يخاف حسابه فالرجاء يحتملهما {فَإِنَّ أَجَلَ الله} المضروب للثواب والعقاب {لأَتٍ} لا محالة فاليبادر للعمل الصالح الذي يصدق رجاءه ويحقق أمله {وَهُوَ السميع} لما يقوله عباده {العليم} بما يفعلونه فلا يفوته شيء ما وقال الزجاج من للشرط ويرتفع بالابتداء وجواب الشرط فإن أجل الله لات كقولك إن كان زيد الدار فقد صدق الوعد(2/665)
وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (6)
وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (6)
{وَمَن جَاهَدَ} نفسه بالصبر على طاعة الله أو الشيطان بدفع وساوسه أو الكفار {فَإِنَّمَا يجاهد لِنَفْسِهِ} لأن منفعة ذلك ترجع إليها {إِنَّ الله لَغَنِىٌّ عَنِ العالمين} وعن طاعتهم ومجاهدتهم وإنما أمر ونهى رحمة لعباده(2/665)
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ (7)
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ (7)
{والذين آمنوا وَعَمِلُواْ الصالحات لَنُكَفّرَنَّ عَنْهُمْ سَيّئَاتِهِمْ} أي الشرك والمعاصي بالإيمان والتوبة {وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الذى كَانُواْ يَعْمَلُونَ} أي أحسن جزاء أعمالهم في الإسلام(2/665)
وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (8)
وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (8)
{ووصينا الإنسان بوالديه حسنا} وصى حمكمه حكم أمر في معناه وتصرفه يقال وصيت زيداً بأن يفعل خيراً كما تقول أمرته بأن يفعل ومنه قوله وصى بها ابراهيم بنيه أي وصاهم بكلمة التوحيد وأمرهم بها وقولك وصيت وزيدا بعمر ومعناه وصيته بتعهد عمرو ومراعاته ونحو ذلك وكذلك معنى قوله ووصينا الإنسان بوالديه حسناً ووصيناه بإيتاء والديه حسناً أو بإيلاء والديه حسناً أي فعلاً ذا حسن أو ما هو في ذاته حسن لفرط حسنه كقوله وَقُولُواْ للناس حسنا ويجوز أن يجعل حسناً من باب قولك زيدا بإضمار(2/665)
اضرب إذا رأيته متهيأ للضرب فتنصبه بإضمار أولهما أو افعل بهما لأن التوصية بهما دالة عليه وما بعده مطابق له كأنه قال قلنا أولهما معروفاً ولا تطعهما في الشرك إذا حملاك عليه وعلى هذا التفسيران وقف على بوالديه وابتدىء حسناً حسن الوقف على التفسير الأول لابد من إضمار القول معناه وقلنا {وَإِن جاهداك} أيها الإنسان {لِتُشْرِكَ بِى مَا لَيْسَ لَكَ به علم} أي لا علم بإلهيته والمراد بنفي العلم نفي المعلوم كأنه قال لتشرك بي شيئاً لا يصح أن يكون إلهاً {فَلاَ تُطِعْهُمَا} في ذلك فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق
العنكبوت (12 - 8)
{إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ} مرجع من آمن منكم ومن أشرك {فَأُنَبِئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} فأجازيكم حق جزائكم وفي ذكر المرجع والوعيد تحذير من متابعتهما على الشرك وحث على الثبات والاستقامة في الدين روي أن سعد بن أبي وقاص لما أسلم نذرت أمه أن لا تأكل ولا تشرب حتى يرتد فشكا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية والتي في لقمان والتي في الأحقاف(2/666)
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ (9)
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ (9)
{والذين آمنوا وَعَمِلُواْ الصالحات} هو مبتدأ والخبر {لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِى الصالحين} في جملتهم والصلاح من أبلغ صفات المؤمنين وهو متمنى الأنبياء عليهم السلام قال سليمان عليه السلام وَأَدْخِلْنِى بِرَحْمَتِكَ فِى عِبَادِكَ الصالحين وقال يوسف عليه السلام تَوَفَّنِى مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِى بالصالحين أو في مدخل الصالحين وهو الجنة ونزلت في المنافقين(2/666)
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ (10)
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ (10)
{ومن الناس من يقول آمنا بالله فَإِذَا أُوذِىَ فِى الله} أي إذا مسه أذى من الكفار {جَعَلَ فِتْنَةَ الناس كَعَذَابِ الله} أي(2/666)
جزع من ذلك كما يجزع من عذاب الله تعالى {وَلَئِنْ جَاء نَصْرٌ مّن رَّبّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ} أي وإذا نصر الله المؤمنين وغنهم اعترضوهم وقالوا إنا كنا معكم أي متابعين لكم في دينكم ثابتين عليه بثباتكم فأعطونا نصيبنا من الغنم {أَوَ لَيْسَ الله بِأَعْلَمَ بِمَا فِى صُدُورِ العالمين} أي هو أعلم بما في صدور العالمين من العالمين بما في صدورهم ومن ذلك ما في صدور هؤلاء من النفاق وما في صدرو المؤمنين من الإخلاص ثم وعد المؤمنين وأوعد المنافقين بقوله(2/667)
وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ (11)
وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ (11)
{وليعلمن الله الذين آمنوا وَلَيَعْلَمَنَّ المنافقين} أي حالهما ظاهرة عند من يملك الجزاء عليهما(2/667)
وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (12)
وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (12)
{وقال الذين كفروا للذين آمنوا اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم} أموراهم باتباع سبيلهم وهي طريقتهم التي كانوا عليها في دينهم وأمروا أنفسهم بحمل خطاياهم فعطف الأمر على الأمر وأرادوا ليجتمع هذان الأمران في الحصول أن تتبعوا سيبلنا وأن نحمل خطاياكم والمعنى تعليق الحمل بالاتباع أي إن تتبعوا سبيلنا حملنا خطاياكم وهذا قول صناديد قريش كانوا يقولون لمن آمن منهم لا نبعث نحن ولا أنتم فإن كان ذلك فإنا نتحمل عنكم الإثم {وَمَا هُمْ بحاملين مِنْ خطاياهم مّن شَىْء إِنَّهُمْ لكاذبون} لأنهم قالوا ذلك وقلوبهم على
العنكبوت (17 - 13)
خلافه كالكاذبين الذين يعدون الشيء وفي قلوبهم نية الخلف(2/667)
وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ (13)
وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ (13)
{وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ} أي أثقال أنفسهم يعني أوزارهم بسب كفرهم {وَأَثْقَالاً مَّعَ أَثْقَالِهِمْ} أي أثقالاً أخر غير الخطايا التي ضمنوا للمؤمنين حملها وهي أثقال الذين كانوا سبباً في ضلالهم وهو كما قال لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ القيامة وَمِنْ أَوْزَارِ الذين يضلونهم بغير علم(2/667)
{وليسألن يَوْمَ القيامة عَمَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ} يختلقون من الأكاذيب والأباطيل(2/668)
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ (14)
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ (14)
{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إلى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِينَ عَاماً} كان عمره ألفاً وخمسين سنة بعث على رأس أربعين ولبث في قومه تسعمائة وخمسين سنة وعاش بعد الطوفان ستين وعن وهب أنه عاش ألفاً وأربعمائة سنة فقال له ملك الموت يا أطول الأنبياء عمراً كيف وجدت الدنيا قال كدار لها بابان دخلت وخرجت ولم يقل تسعمائة وخمسين سنة لأنه لو قيل كذلك لجاز أن يتوهم إطلاق هذا العدد على أكثره وهذا التوهم زائل هنا فكأنه قيل تسعمائة وخمسين سنة كاملة وافية العدد إلا أن ذلك أخصر وأعذب لفظاً وأملأ بالفائدة ولأن القصة سبقت لما ابتلي به نوح عليه السلام من أمته وما كابده من طول المصابرة تسلية لنبينا عليه السلام فكان ذكر الألف أفخم وأوصل إلى الغرض وجيء بالمميز أولاً بالسنة ثم بالعام لأن تكرارا لفظ واحد في كلام واحد حقيق بالاجتناب في البلاغة {فَأَخَذَهُمُ الطوفان} هو ما أطاف وأحاط بكثرة وغلبة من سيل أو ظلام ليل أو نحوهما {وَهُمْ ظالمون} أنفسهم بالكفر(2/668)
فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ (15)
فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ (15)
{فأنجيناه} أي نوحاً {وأصحاب السفينة} وكانوا ثمانية وسبعين نفساً نصفهم ذكور ونصفهم إناث منهم أولاد نوح سام وحام ويافث ونساؤهم {وجعلناها} أي السفينة أو الحادثة أو القصة {آية} عبرة وعظة {للعالمين} يتعظون بها(2/668)
وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (16)
وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (16)
{وإبراهيم} نصب بإضمار اذكر وأبدل عنه {إِذْ قَالَ} بدل اشتمال لأن الأحيان تشتمل على ما فيها أو معطوف على نوح أي وأرسلنا ابراهيم أو ظرف لأرسلنا يعني أرسلناه حين بلغ من السن أو العلم مبلغاً صلح فيه لأن يعظ قومه ويأمرهم بالعبادة(2/668)
والتقوى وقرأ إبراهيم النخعي وأبو حنيفة رضي الله عنهما ابراهيم بالرفع على معنى ومن المرسلين إبراهيم {لِقَوْمِهِ اعبدوا الله واتقوه ذلكم خَيْرٌ لَّكُمْ} من الكفر {إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} إن كان لكم علم بما هو خير لكم مما هو شر لكم(2/669)
إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (17)
إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (17)
{إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله أوثانا} أصناماً {وتخلقون}
العنكبوت (19 - 17)
وتكذبون أو تصنعون وقرأ أبو حذيفة والسلمى رضي الله عنهما وتخلّقون من خلق بمعنى التكثير في خلق {إِفْكاً} وقرىء أفكا وهو مصدر نحو كذب ولعب والإفك مخفف منه كالكذب واللعب من أصلهما واختلافهم الإفك تسميتهم الأوثان آلهة وشركاء لله {إِنَّ الذين تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله لاَ يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً} لا يستطيعون أن يرزقوكم شيئاً من الرزق {فابتغوا عِندَ الله الرزق} كله فإنه هو الرزاق وحده لا يرزق غيره {واعبدوه واشكروا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} فاستعدوا للقائه بعبادته والشكر له على أنعمه وبفتح التاء وكسر الجيم يعقوب(2/669)
وَإِنْ تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (18)
وَإِنْ تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (18)
{وَإِن تُكَذّبُواْ فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مّن قَبْلِكُمْ وَمَا عَلَى الرسول إِلاَّ البلاغ المبين} أي وإن تكذبوني فلا تضروني بتكذيبكم فإن الرسل قبلي قد كذبتهم أممهم وما ضروهم وإنما ضروا أنفسهم حيث حل بهم العذاب بسبب تكذيبهم وأما الرسول فقد تم أمره حيث بلغ البلاغ المبين الذي زال معه الشك وهو اقترانه بآيات الله ومعجزاته أو وإن كنت مكذباً فيما بينكم فلي في سائر الأنبياء اسوة حيث كذبوا وعلى الوسول أن يبلغ وما عليه أن يصدق ولا يكذب وهذه الآية والآيات التي بعدها إلى قوله فما كان جواب قومه(2/669)
محتملة أو تكون من جملة قول إبراهيم عليه السلام لقومه والمراد بالأمم قبله قوم شيث وإدريس ونوح وغيرهم وأن تكون آيات وقعت معترضة في شأن رسول الله صلى الله عليه وسلم وشأن قريش بين أول قصة إبراهيم وآخرها فإن قلت فالجمل الاعتراضية لا بد لها من اتصال بما وقعت معترضة فيه فلا تقول مكة وزيد قائم خير بلاد الله قلت نعم وبيانه أن إيراد قصة إبراهيم عليه السلام ليس إلا إرادة للتنفيس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن تكون مسلاة له بأن أباه إبراهيم عليه السلام كان مبتلى نحو ما ابتلى به من شرك قومه وعبادتهم الأوثان فاعترض بقوله وإن تكذبوا على معنى إنكم يا معشر قريش إن تكذبوا محمداً فقد كذب إبراهيم قومه وكل أمة نبيها لأن قوله فقد كذب أمم من قبلكم لابد من تناوله لأمة إبراهيم وهو كما ترى اعتراض متصل ثم سائر الآيات بعدها من توابعها لكونها ناطقة بالتوحيد ودلائله وهدم الشرك وتوهين قواعده وصفة قدرة الله تعالى وسلطانه ووضوح حجته وبرهانه(2/670)
أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (19)
أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (19)
{أَوَ لَمْ يَرَوْاْ} وبالتاء كوفي غير حفص {كيف يبدئ الله الخلق} أي قدروا ذلك وعلموه وقوله {ثُمَّ يُعِيدُهُ} ليس بمعطوف على يبدىء
العنكبوت (24 - 19)
وليست الرؤية واقعة عليه وإنما هو إخبار على حياله بالإعادة بعد الموت كما وقع النظر في قوله كَيْفَ بَدَأَ الخلق ثُمَّ الله ينشىء النشأة الآخرة على البدء دون الإنشاء بل هو معطوف على جملة قوله أو لم يروا كيف يبدىء الله الخلق {إِنَّ ذلك} أي الإعادة {عَلَى الله يَسِيرٌ} سهل(2/670)
قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (20)
قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (20)
{قُلْ} يا محمد وإن كان من كلام إبراهيم فتقديره وأوحينا إليه أن قل {سِيرُواْ فِى الأرض فانظروا كَيْفَ بَدَأَ الخلق} على كثرتهم واختلاف أحوالهم لتعرفوا عجائب فطرة الله لمشاهدة وبدأ وأبدأ بمعنى {ثم الله ينشئ النشأة الآخرة} أي البعث وبالمد حيث كان مكي وأبو عمرو وهذا(2/670)
دليل على أنهما نشأتان وأن كل واحدة منهما إنشاء أي ابتداء واختراع وإخراج من العدم إلى الوجود غير أن الآخرة لأن الكلام معهم وقع في الإعادة فلما قررهم في الإبداء بأنه من الله احتج عليهم بأن الإعادة إنشاء مثل الإبداء فإذا لم يعجزه الإبداء وجب أن لا يعجزه الإعادة فكأنه قال ثم ذلك الذي أنشأ النشأة الأولى هو الذي ينشيء النشأة الآخرة فللتنبيه على هذا المعنى أبرز اسمه وأوقعه مبتدأ {إِنَّ الله على كُلِّ شَىْء قَدِيرٌ} قادر(2/671)
يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ (21)
يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ (21)
{يُعَذّبُ مَن يَشَاء} بالخذلان {وَيَرْحَمُ مَن يَشَاء} بالهداية أو بالحرص والقناعة أو بسوء الخلق وحسنة أو الاعراض عن الله وبالإقبال عليه أو بمتابعة البدع وبملازمة السنة {وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ} تردون وترجعون(2/671)
وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (22)
وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (22)
{وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ} ربكم أي لا تفوتونه إن هربتم من حكمه وقضائه {فِى الأرض} الفسيحة {وَلاَ فِى السماء} التي هي أفسح منها وأبسط لو كنتم فيها {وَمَا لَكُم مّن دُونِ الله مِن وَلِيّ} يتولى أموركم {وَلاَ نَصِيرٍ} ولا ناصر يمنعكم من عذابي(2/671)
وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَلِقَائِهِ أُولَئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (23)
وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَلِقَائِهِ أُولَئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (23)
{والذين كفروا بآيات الله} بدلائله على وحدانيته وكتبه ومعجزاته {وَلِقَائِهِ أُوْلَئِكَ يَئِسُواْ مِن رَّحْمَتِى} جنتي {وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عذاب أليم}(2/671)
فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنْجَاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (24)
فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنْجَاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (24)
{فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ} قوم إبراهيم حين دعاهم إلى الإيمان {إِلاَّ أَن قَالُواْ اقتلوه أَوْ حَرّقُوهُ} قال بعضهم لبعض أو قاله واحد منهم وكان الباقون راضين فكانوا جميعاً في حكم القائلين فاتفقوا تحريقه {فَأَنْجَاهُ الله(2/671)
مِنَ النار} حين قذفوه فيها {إِنَّ فِى ذَلِكَ} فيما فعلوا به وفعلنا {لآيات لقوم يؤمنون}
العنكبوت (28 - 24)
روي أنه لم ينتفع في ذلك اليوم بالنار يعني يوم ألقي إبراهيم في النار وذلك لذهاب حرها(2/672)
وَقَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (25)
وَقَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (25)
{قال} إبراهيم لقومه {إِنَّمَا اتخذتم مّن دُونِ الله أوثانا مَّوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الحياة الدنيا} حمزة وحفص مودةً بينكم مدني وشامي وحماد ويحيي وخلف مودة بينكم مكي وبصري وعلي مودةٌ بينكم الشمني والبرجمي النصب على وجهين على التعليل أي لتتوادوا بينكم وتتواصلوا لاجتماعكم على عبادتها واتفاقكم عليها كما يتفق الناس على مذهب فيكون ذلك سبب تجابهم وأن يكون مفعولاً ثانياً كقوله اتخذ إلهه هواه وما كافة أي اتخذتم الأوثان سبب المودة بينكم على تقدير حذف المضاف أو اتخذتموها مودة بينكم أي مودودة بينكم كقوله وَمِنَ الناس مَن يَتَّخِذُ مِن دون الله أنداداً يحبونهم كحب الله وفي الرفع وجهان أن يكولا خبرا لأن ما موصولة وأن يكون خبر مبتدأ محذوف أي مودة بينكم والمعنى أن الأوثان مودة بينكم أي مودودة أو سبب مودة ومن أضاف المودة جعل بينكم اسماً لا ظرفاً كقوله شهادة بينكم ومن نوّن مودة ونصب بينكم فعلى الظرف {ثُمَّ يَوْمَ القيامة يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ} تتبرأ الأصنام من عابديها {وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً} أي يوم القيامة يقوم بينكم التلاعن فيلعن الأتباع القادة {وَمَأْوَاكُمُ النار} أي مأوى العابد والمعبود والتابع والمتبوع {وَمَا لَكُمْ مّن ناصرين} ثمة(2/672)
فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (26)
فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (26)
{فآمن لَهُ} لإبراهيم عليه السلام {لُوطٌ} هو ابن أخي إبراهيم وهو أول من آمن له حين رأى النار لم تحرقه {وَقَالَ} إبراهيم(2/672)
{إِنّى مُهَاجِرٌ} من كوثى وهي من سواد الكوفة إلى حران ثم منها إلى فلسطين وهي من برية الشام ومن ثم قالوا الكل نبي هجرة ولإبراهيم هجرتان وكان معه في هجرته لوط وسارة وقد تزوجها إبراهيم {إلى رَبّى} إلى حيث أمرني ربي بالهجرة إليه {إِنَّهُ هُوَ العزيز} الذي يمنعني من أعدائي {الحكيم} الذي لا يأمرني إلا بما هو خير(2/673)
وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (27)
وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (27)
{وَوَهَبْنَا لَهُ إسحاق} ولداً {وَيَعْقُوبَ} ولد ولد ولم يذكر اسمعيل لشهرته {وَجَعَلْنَا فِى ذُرّيَّتِهِ النبوة} أي في ذرية إبراهيم فإنه شجرة الأنبياء {والكتاب} والمراد به الجنس يعني التوراة والإنجيل والزبور والفرقان {وآتيناه} أي إبراهيم {أَجْرُهُ} الثناء الحسن والصلاة عليه إلى آخر الدهر ومحبة أهل الملل له أو هو بقاء ضيافته عند قبره وليس ذلك لغيره {فِى الدنيا} فيه دليل على أنه تعالى قد يعطي الأجر في الدنيا {وَإِنَّهُ فِى الآخرة لَمِنَ الصالحين} أي من أهل الجنة عن الحسن(2/673)
وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ (28)
وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ (28)
{وَلُوطاً} أي واذكر لوطاً {إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إنكم لتأتون الفاحشة} الفعلة البالغة
العنكبوت (33 - 28)
في القبح وهي اللواطة {مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مّن العالمين} جملة مستأنفة مقررة لفاحشة تلك الفعلة كأن قائلاً قال لم كانت فاحشة فقيل لأن أحداً قبلهم لم يقدم عليها قالوا لم ينزل ذكر على ذكر قبل قوم لوط(2/673)
أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (29)
أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (29)
{أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرجال وَتَقْطَعُونَ السبيل} بالقتل وأخذ المال كما هو عمل قطاع الطريق وقيل اعتراضهم السابلة بالفاحشة {وَتَأْتُونَ فِى نَادِيكُمُ} مجلسكم ولا يقال للمجلس ناد إلا مادام فيه أهله {المنكر} أي المضارطة والمجامعة والسباب والفحش في المزاح والحذف بالحصى(2/673)
ومضغ العلك والفرقعة والسواك بين الناس {فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُواْ ائتنا بِعَذَابِ الله إِن كُنتَ مِنَ الصادقين} فيما تعدنا من نزول العذاب إنكم أئنكم شامي وحفص وهو الموجود في الإمام وكل واحدة بهمزتين كوفي غير حفص آينكم آينكم بهمزة ممدودة بعدها ياء مكسورة أو عمرو أينكم أينكم بهمزة مقصورة بعدها ياء مكسورة مكي ونافع غير قالون وسهل ويعقوب غير زيد(2/674)
قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ (30)
قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ (30)
{قَالَ رَبّ انصرنى} بإنزال العذاب {عَلَى القوم المفسدين} كانوا يفسدون الناس بحملهم على ما كانوا عليه من المعاصي والفواحش(2/674)
وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ (31)
وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ (31)
{وَلَمَّا جَاءتْ رُسُلُنَا إبراهيم بالبشرى} بالبشارة لإبراهيم بالولد والنافلة يعني إسحق ويعقوب {قَالُواْ إِنَّآ مُهْلِكُو أَهْلِ هذه القرية} إضافة مهلكوا لم تفد تعريفاً لأنها بمعنى الاستقبال والقرية سدوم التي قيل فيها أجور من قاضي سدوم وهذه القرية تشعر بأنها قريبة من موضع إبراهيم عليه السلام قالوا إنها كانت على مسيرة يوم وليلة من موضع إبراهيم عليه السلام {إِنَّ أَهْلَهَا كَانُواْ ظالمين} أي الظلم قد استمر منهم في الأيام السالفة وهم عليه مصرون وظلمهم كفرهم وأنواع معاصيهم(2/674)
قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطًا قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ (32)
قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطًا قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ (32)
{قَالَ} إبراهيم {إِنَّ فِيهَا لُوطاً} أي أتهلكونهم وفيهم من هو بريء من الظلم وهو لوط {قَالُواْ} أي الملائكة {نَّحْنُ أَعْلَمُ} منك {بِمَن فِيهَا لَنُنَجّيَنَّهُ} لننجينه يعقوب وكوفي غير عاصم(2/674)
{وَأَهْلَهُ إِلاَّ امرأته كَانَتْ مِنَ الغابرين} الباقين في العذاب ثم أخبر عن مسيرة الملائكة إلى لوط بعد مفارقتهم ابراهيم يقوله(2/675)
وَلَمَّا أَنْ جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالُوا لَا تَخَفْ وَلَا تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلَّا امْرَأَتَكَ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ (33)
وَلَمَّا أَنْ جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالُوا لَا تَخَفْ وَلَا تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلَّا امْرَأَتَكَ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ (33)
{وَلَمَّا أَن جَاءتْ رُسُلُنَا لُوطاً سِىء بِهِمْ} ساءه مجيئهم وأن صلة أكدت وجود الفعلين مرتباً أحدهما على الآخر كأنهما وجدا في جزء واحد من الزمان كأنه قيل كما أحسن بمجيئهم فاجأته المساءة من غير ريث خيفة عليهم من قومه أن يتناولوهم
العنكبوت (38 - 33)
بالفجور سِىء بِهِمْ مدني وشامي وعلي {وَضَاقَ بهم ذرعا} وضاق بشأنهم ويتدبير أمرهم ذرعه أي طاقته وقد جعلوا ضيق الذرع والذراع عبارة عن فقد الطاقة كما قالوا رحب الذرع إذا كان مطيقاً والأصل فيه أن الرجل إذا طالت ذراعه نال ما لا يناله القصير الذراع فضرب ذلك مثلاً في العجز والمقدرة وهو نصب على التمييز {وَقَالُواْ لاَ تَخَفْ وَلاَ تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ} وبالتخفيف مكي وكوفي غير حفص {وَأَهْلَكَ} الكاف في محل الجر ونصب أهللك بفعل محذوف أي وننجي أهلك {إِلاَّ امرأتك كَانَتْ مِنَ الغابرين}(2/675)
إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (34)
إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (34)
{إِنَّا مُنزِلُونَ} منزلّون شامي {على أَهْلِ هذه القرية رِجْزاً} عذاباً {مّنَ السماء بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ} بفسقهم وخروجهم عن طاعة الله ورسوله(2/675)
وَلَقَدْ تَرَكْنَا مِنْهَا آيَةً بَيِّنَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (35)
وَلَقَدْ تَرَكْنَا مِنْهَا آيَةً بَيِّنَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (35)
{وَلَقَد تَّرَكْنَا مِنْهَا} من القرية {آيةً بَيّنَةً} هي آثار منازلهم الخربة وقيل الماء الأسود على وجه الأرض {لقوم} يتعلق بتركنا أو ببينة {يعقلون}(2/675)
وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (36)
وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (36)
{وإلى مَدْيَنَ} وأرسلنا إلى مدين {أخاهم شُعَيْباً فقال يا قوم(2/675)
اعبدوا الله وارجوا اليوم الآخر} وافعلوا ما ترجون به الثواب في العاقبة أو خافوه {وَلاَ تَعْثَوْاْ فِى الأرض مُفْسِدِينَ} قاصدين الفساد(2/676)
فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ (37)
فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ (37)
{فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ الرجفة} الزلزلة الشديدة أو صيحة جبريل عليه السلام لأن القلوب رجفت بها {فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ} في بلدهم وأرضهم {جاثمين} باركين على الركب ميتين(2/676)
وَعَادًا وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَسَاكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ (38)
وَعَادًا وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَسَاكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ (38)
{وَعَاداً} منصوب بإضمار أهلكنا لأن قوله فأخذتهم الرجفة يدل عليه لأنه في معنى الإهلاك {وثمود} حمزة وحفص وسهل ويعقوب {وَقَد تَّبَيَّنَ لَكُم} ذلك يعني ما وصفه من إهلاكهم {مّن مساكنهم} من جهة مساكنهم إذا نظرتم إليها عند مروركم بها وكان أهل مكة يمرون عليها في أسفارهم فيبصرونها {وَزَيَّنَ لَهُمُ الشيطان أعمالهم} من الكفر والمعاصي {فَصَدَّهُمْ عَنِ السبيل} السبيل الذي أمروا بسلوكه هو الإيمان بالله ورسله {وَكَانُواْ مُسْتَبْصِرِينَ} عقلاء متمكنين من النظر وتمييز الحق من الباطل
العنكبوت (43 - 39)
ولكنهم لم يفعلوا(2/676)
وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ (39)
وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ (39)
{وقارون وَفِرْعَوْنَ وهامان} أي وأهلكناهم {وَلَقَدْ جَاءهُمْ موسى بالبينات فاستكبروا فِى الأرض وَمَا كَانُواْ سابقين} فائتين أدركهم أمر الله فلم يفوتوه(2/676)
فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (40)
فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (40)
{فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنبِهِ} فيه رد على من يجوز العقوبة بغير ذنب {فَمِنْهُم مَّن أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً} هي ريح عاصف فيها حصباء وهي لقوم لوط {وَمِنْهُمْ(2/676)
مَّنْ أَخَذَتْهُ الصيحة} هي لمدين وثمود {وَمِنْهُمْ مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الأرض} يعني قارون {وَمِنْهُمْ مَّنْ أَغْرَقْنَا} يعني قوم نوح وفرعون {وَمَا كَانَ الله لِيَظْلِمَهُمْ} ليعاقبهم بغير ذنب {ولكن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} بالكفر والطغيان(2/677)
مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (41)
مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (41)
{مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء} أي آلهة يعني مثل من أشرك بالله الأوثان في الضعف وسوء الاختيار {كَمَثَلِ العنكبوت اتخذت بَيْتاً} أي كمثل العنكبوت فيما تتخذه لنفسها من بيت فإن ذلك بيت لا يدفع عنها الحر والبرد ولا يقي ما تقي البيوت فكذلك الأوثان لا تنفعهم في الدنيا والآخرة جعل حاتم اتخذت حالاً {وَإِنَّ أوهن البيوت لبيت العنكبوت} لابيت أوهن من بيتها عن علي رضي الله عنه طهروا بيوتكم من نسج العنكبوت فإن تركه يورث الفقر {لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ} أن هذا مثلهم وأن أمر دينهم بالغ هذه الغاية من الوهن وقيل معنى الآية مثل المشرك الذي يعبد الوثن بالقياس إلى المؤمن الذي يعبد الله مثل عنكبوت تتخذ بيتاً بالإضافة إلى رجل يبنى بيتاً بآجر وجص أو ينحته من صخر وكما أن أوهن البيوت إذا استقريتها بيتاً بيتاً بيت العنكبوت كذلك أضعف الأديان إذا استقريتها ديناً ديناً عبادة الأوثان لو كانوا يعلمون وقال الزجاج في جماعة تقدير الآية مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء لو كانوا يعلمون كمثل العنكبوت(2/677)
إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (42)
إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (42)
{إِنَّ الله يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ} بالياء بصري وعاصم وبالتاء غيرهما غير الأعشى والبرجمي وما بمعنى الذي وهو مفعول يعلم ومفعول يدعون مضمر في يدعونه يعني يعبدونه {مِن دُونِهِ مِن شَىْء} من في(2/677)
شيء للتبيين {وَهُوَ العزيز} الغالب الذي لا شريك له {الحكيم} في ترك المعاجلة بالعقوبة وفيه تجهيل لهم حيث عبدوا جماداً لا علم له ولا قدرة وتركوا عبادة القادر القاهر على كل شيء الحكيم الذي لا يفعل كل شيء إلا بحكمة وتدبير(2/678)
وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ (43)
وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ (43)
{وتلك الأمثال} الأمثال
العنكبوت (45 - 43)
نعت والخبر {نَضْرِبُهَا} نبينها {لِلنَّاسِ} كان سفهاء قريش وجهلتهم يقولون إن رب محمد يضرب المثل بالذباب والعنكبوت ويضحكون من ذلك فلذلك قال {وَمَا يَعْقِلُهَا إِلاَّ العالمون} به وبأسمائه وصفاته أي لا يعقل صحتها وحسنها ولا يفهم فائدتها إلا هم لأن الأمثال والتشبيهات إنما هي الطرق إلى المعاني المستترة حتى تبرزها وتصورها للأفهام كما صور هذا التشبيه الفرق بين حال المشرك وحال الموحد وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه تلا هذه الآية فقال العالم من عقل عن الله فعمل بطاعته واجتنب سخطه ودلت الآية على فضل العلم على العقل(2/678)
خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ (44)
خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ (44)
{خلق الله السماوات والأرض بالحق} أي محقاً يعني لم يخلقهما باطلاً بل لحكمة وهي أن تكونا مساكن عباده وعبرة للمعتبرين منهم دلائل على عظم قدرته ألا ترى قوله {إِنَّ فِى ذَلِكَ لآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ} وخصهم بالذكر لانتفاعهم بها(2/678)
اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ (45)
اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ (45)
{اتل مَا أُوْحِىَ إِلَيْكَ مِنَ الكتاب} تقرباً إلى الله تعالى بقراءة كلامه ولتقف على ما أمر به ونهى عنه {وأقم الصلاة} أي دم على إقامة الصلاة {إن الصلاة تنهى عن الفحشاء} الفعلة القبيحة كالزنا مثلاً {والمنكر} هو ما ينكره الشرع والعقل قيل من كان مراعياً للصلاة جره ذلك إلى أن ينتهي عن السيئات يوماً ما فقد روى أنه قيل يوما لرسول الله صلى الله عليه وسلم(2/678)
إن فلاناً يصلي بالنهار ويسرق بالليل فقال إن صلاته لتردعه وروى أن فتى من الأنصار كان يصلي معه الصلوات ولا يدع شيئاً من الفواحش إلا ركبه فوصف له فقال إن صلاته ستنهاه فلم يلبث أن تاب وقال ابن عوف إن الصلاة تنهى إذا كنت فيها فأنت في معروف وطاعة وقد حجزتك عن الفحشاء والمنكر وعن الحسن من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فليست صلاته بصلاة وهي وبال عليه {ولذكر الله أكبر} أي الصلاة أكبر من غيرها من الطاعات وإنما قال ولذكر الله ليستقل بالتعليل كأنه قال والصلاة أكبر لأنها ذكر الله وعن ابن عباس رضي الله عنهما ولذكر الله إياكم برحمته أكبر من ذكركم إياه بطاعته وقال ابن عطاء ذكر الله لكم أكبر من ذكركم له لأن ذكره بلا علة وذكركم مشوب بالعلل والأماني ولأن ذكره لا يفنى وذكركم لا يبقى وقال سلمان ذكر الله أكبر من كل شيء وأفضل فقد قال عليه السلام ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها في درجاتكم وخير من إعطاء الذهب والفضة وأن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم قالوا وما ذاك يا رسول الله قال ذكر الله وسئل أي الأعمال أفضل قال أن تفارق الدنيا ولسانك رطب بذكر الله أو ذكر الله أكبر من أن تحويه أفهاكم وعقولكم أو ذكر الله أكبر من أن تلقى معه معصية أو ذكر الله أكبر في النهي عن الفحشاء والمنكر من غيره {والله يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ} من الخير والطاعة فيثيبكم
العنكبوت (49 - 46)
أحسن الثواب(2/679)
وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (46)
وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (46)
{وَلاَ تجادلوا أَهْلَ الكتاب إِلاَّ بالتى هِىَ أَحْسَنُ} بالخصلة التي هي(2/679)
أحسن للثواب وهي مقابلة الخشونة باللين والغضب بالكظم كما قال ادفع بالتى هى أحسن (إِلاَّ الذين ظَلَمُواْ مِنْهُمْ) فأفرطوا في الاعتداء والعناد ولم يقبلوا النصح ولم ينفع فيهم الرفق فاستعملوا معهم الغلظة وقيل إلا الذين آذوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أو إلا الذين أثبتوا الولد والشريك وقالوا يد الله مغلولة أو معناه ولا تجادلوا الداخلين في الذمة المؤدين للجزية إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا فنبذوا الذمة ومنعوا الجزية فمجادلتهم بالسيف والآية تدل على جواز المناظرة مع الكفرة في الدين وعلى جواز تعلم علم الكلام الذي به تتحقق المجادلة وقوله {وقولوا آمنا بالذى أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وإلهنا وإلهكم وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} من جنس المجادلة بالأحسن وقال عليه السلام ما حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم وقولوا آمنا بالله وكتبه ورسله فإن كان باطلاً لم تصدقوهم وإن كان حقاً لم تكذبوهم(2/680)
وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الْكَافِرُونَ (47)
وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الْكَافِرُونَ (47)
{وكذلك} ومثل ذلك الإنزال {أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الكتاب} أي أنزلناه مصدقاً لسائر الكتب السماوية أو كما أنزلنا الكتب إلى من قبلك أنزلنا إليك الكتاب {فالذين آتيناهم الكتاب يُؤْمِنُونَ بِهِ} هم عبد الله بن سلام ومن معه {وَمِنْ هَؤُلاء} أي من اهل مكة {من يؤمن به} أو أراد بالذين أوتو الكتاب الذين تقدموا عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل الكتاب ومن هؤلاء الذين كانوا فى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم {وما يجحد بآياتنا} مع ظهورها وزوال الشبهة عنها {إِلاَّ الكافرون} إلا المتوغلون في الكفر المصممون عليه ككعب بن الاشرف واضرابه(2/680)
وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ (48)
وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ (48)
{وما كنت تتلو مِنْ قَبْلِهِ} من قبل القرآن {مِن كتاب وَلاَ تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ} خص اليمين لأن الكتابة عالبا تكون باليمين أي ما كنت قرأت كتاباً من الكتب ولا كنت كاتباً {إِذَا} أي لو كان شيء من ذلك أي من التلاوة ومن الخط {لارتاب المبطلون} من أهل الكتاب وقالوا الذي نجد نعته في كتبنا أمي لا يكتب ولا يقرأ وليس به أو لارتاب مشركو مكة وقالوا لعله تعلمه أو كتبه بيده وسماهم مبطلين لا نكارهم نبوته وعن مجاهد والشعبي ما مات النبي صلى الله عليه وسلم حتى كتب وقرأ(2/681)
بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ (49)
بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ (49)
{بل هو} أى القرآن {آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم} أي في صدور العلماء به وحفاظه وهما من خصائص القرآن
العنكبوت (53 - 49)
كون آياته بينات الإعجاز وكونه محفوظاً في الصدور بخلاف سائر الكتب فإنها لم تكن معجزات ولا كانت تقرأ إلا من المصاحف {وما يجحد بآياتنا} الواضحة {إِلاَّ الظالمون} أي المتوغلون في الظلم(2/681)
وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (50)
وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (50)
{وقالوا لولا أنزل عليه آيات مِّن رَّبِهِ} آية بغير ألف مكي وكوفي غير حفص أرادواهلا أنزل عليه آيات مثل الناقة والعصا ومائدة عيسى عليهم السلام ونحو ذلك {قُلْ إِنَّمَا الآيات عِندَ الله} ينزل أيتها شاء ولست أملك شيئاً منها {وَإِنَّمَا أَنَاْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ} كلفت الإنذار وإبانته بما أعطيت من الآيات وليس لي أن أقول أنزل على آية كذا دون آية كذا مع علمي أن المراد من الآيات ثبوت الدلالة والآيات كلها فى حكم آية واحدة فى ذلك(2/681)
أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (51)
أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (51)
{أو لم يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الكتاب يتلى عَلَيْهِمْ} أي أولم يكفهم آية مغنية عن سائر الآيات إن كانوا طالبين للحق غير متعنتين هذا القرآن الذي تدوم تلاوته عليهم في كل مكان وزمان فلا يزال معهم آية ثابتة(2/681)
لا تزول كما تزول كل آية بعد كونها أو تكون في مكان دون مكان {إِنَّ فِى ذَلِكَ} أي في مثل هذه الآية الموجودة في كل مكان وزمان إلى آخر الدهر {لَرَحْمَةً} لنعمة عظيمة {وذكرى} وتذكرة {لّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} دون المتعنتين(2/682)
قُلْ كَفَى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيدًا يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (52)
قُلْ كَفَى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيدًا يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (52)
{قُلْ كفى بالله بَيْنِى وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً} أي شاهدا بصدق ما ادعيه من الرسالة وانزال القرآن علي وبتكذيبكم {يَعْلَمُ مَا فِى السماوات والأرض} فهو مطلع على أمري وأمركم وعالم بحقى وباطلكم {والذين آمنوا بالباطل} منكم وهو ما يعبدون من دون الله {وكفروا بالله} وآياته {أولئك هم الخاسرون} والمغبونون في صفقتهم حيث اشتروا الكفر بالإيمان إلا أن الكلام ورد مورد الإنصاف كقوله وَإِنَّا أو اياكم لعلى هدى أوفى ضلال مبين وروى أن كعب بن الاشراف وأصحابه قالوا يا محمد من يشهد لك بأنك رسول الله فنزلت(2/682)
وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَوْلَا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجَاءَهُمُ الْعَذَابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (53)
وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَوْلَا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجَاءَهُمُ الْعَذَابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (53)
{ويستعجلونك بالعذاب} بقولهم امطر علينا حجارة من السماء الآية {وَلَوْلاَ أَجَلٌ مُّسَمًّى} وهو يوم القيامة أو يوم بدر أو وقت فنائهم بآجالهم والمعنى ولولا أجل قد سماه الله وبينه في اللوح لعذبهم والحكمة تقتضي تأخيره إلى ذلك الأجل المسمى {لَّجَاءهُمُ العذاب} عاجلاً {وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ} العذاب عاجلا أو
العنكبوت (58 - 53)
ليأتينهم العذاب في الأجل المسمى {بَغْتَةً} فجأة {وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ} بوقت مجيئه(2/682)
يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ (54)
يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ (54)
{يَسْتَعْجِلُونَكَ بالعذاب وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بالكافرين} أي ستحيط بهم(2/682)
يَوْمَ يَغْشَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَيَقُولُ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (55)
يَوْمَ يَغْشَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَيَقُولُ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (55)
{يَوْمَ يغشاهم العذاب مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ} لقوله تعالى مّن(2/682)
فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مّنَ النار ومن تحتهم ظلل ولا وقف على بالكافرين لأن يوم ظرف إحاطة النار بهم {وَيَقُولُ} بالياء كوفي ونافع وقوله {ذُوقُواْ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} أي جزاء أعمالكم(2/683)
يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ (56)
يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ (56)
{يا عبادي} وبسكون الياء بصري وكوفي غير عاصم {الذين آمنوا إِنَّ أَرْضِى وَاسِعَةٌ} وبفتح الياء شامي يعني أن المؤمن إذا لم يتسهل له العبادة في بلد هو فيه ولم يتمش له أمر دينه فليهاجر عنه إلى بلد يقدر أنه فيه أسلم قلبا واصح ديناً وأكثر عبادة والبقاع تتفاوت في ذلك تفاوتاً كثيراً وقالوا لم نجد أعون على قهر النفس وأجمع للقلب وأحث على القناعة واطرد للشيطان وابعدمن الفتن وأربط للأمر الديني من مكة حرسها الله تعالى وعن سهل إذا ظهرت المعاصي والبدع فى أرض فأخرجوا منها إلى الأرض المطيعين وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم من فر بدينه من أرض إلى أرض وإن كان شبراً من الأرض استوجب الجنة {فإياي فاعبدون} وبالياء يعقوب وتقديره فاياى فاعبدوني وجيء بالفاء في فاعبدون لأنه جواب شرط محذوف لأن المعنى إن أرضي واسعة فإن لم تخلصوا العبادة لي في أرض فأخلصوها في غيرها ثم حذف الشرط وعوض عن حذفه تقديم المفعول مع إفادة تقديمه معنى الاختصاص والإخلاص ثم شجع المهاجر بقوله(2/683)
كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (57)
كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (57)
{كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الموت} أي واجدة مرارته وكربه كما يجد الذائق طعم المذوق لأنها إذا تيقنت بالموت سهل عليها مفاوقة وطنها {ثم إلينا ترجعون} بعد الموت للثوب والعقاب يرجعون يحيى ترجعون يقعوب(2/683)
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (58)
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (58)
{والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنبوئنهم من الجنة غرفا} لننزلهم من الجنة(2/683)
علالى لبثوينهم كوفي غير عاصم من الثواء وهو النزول للاقامة وثوى غير مبتعد فإذا تعدى بزيادة الهمزة لم يجاوز مفعولاً واحداً والوجه في تعديته إلى ضمير المؤمنين وإلى الغرف أما أجراؤه مجرى لننزلنهم لنؤوينهم أو حذف الجار وإيصال الفعل أو تشبيه الظرف الؤقت بالمبهم {تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأنهار خالدين فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ العاملين} ويوقف على العاملين على أن(2/684)
الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (59)
الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (59)
{الذين صبروا}
خبر مبتدأ محذوف أي هم الذين صبروا على مفارقة الأوطان وعلى أذى المشركين وعلى المحن والمصائب وعلى الطاعات وعن المعاصي والوصل أجود ليكون الذين نعتا للعاملين {وعلى رَبّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} ولم يتوكلوا في جميع ذلك إلا على الله(2/684)
وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (60)
وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (60)
ولما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من أسلم من مكة بالهجرة خافوا الفقر والضيعة فنزلت {وَكَأَيّن مّن دَابَّةٍ} أي وكم من دابة وكائن بالمد والهمز مكي والدابة كل نفس دبت على وجه الأرض عقلت أم لم تعقل {لاَّ تَحْمِلُ رِزْقَهَا} لا تطيق أن تحمله لضعفها عن حمله {الله يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ} أي لا يرزق تلك الدّواب الضعاف إلا الله ولا يرزقكم أيضاً أيها الأقوياء إلا هو وإن كنتم مطيقين لحمل أرزاقكم وكسبها لأنه لو لم يقدركم ولم يقدر لكم أسباب الكسب لكنتم أعجز من الدواب التي لا تحمل وعن الحسن لا تحمل رزقها لا تدخره إنما تصبح فيرزقها الله وقيل لا يدخر شيء من الحيوان قوتاً إلا ابن آدم والفأرة والنملة {وَهُوَ السميع} لقولكم تخشى الفقر والعيلة {العليم} بما في ضمائركم(2/684)
وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (61)
وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (61)
{وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ السماوات والأرض وَسَخَّرَ الشمس والقمر} أي ولئن سألت هؤلاء المشركين من خلق السموات والأرض على كبرهما وسعتهما ومن الذي سخر الشمس والقمر {لَيَقُولُنَّ الله فأنى يُؤْفَكُونَ}(2/684)
فكيف يصرفون عن توحيد الله مع إقرارهم بهذا كله(2/685)
اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (62)
اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (62)
{الله يَبْسُطُ الرزق لِمَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ} أي لمن يشاء فوضع الضمير موضع من يشاء لأن من يشاء مبهم غير معين فكان الضمير مبهماً مثله قدر الرزق وقتره بمعنى إذا ضيقه {إِنَّ الله بِكُلّ شَىْء عَلِيمٌ} يعلم ما يصلح العباد وما يفسدهم في الحديث إن من عبادي من لا يصلح إيمانه إلا الغنى ولو أفقرته لأفسده ذلك وإن من عبادي من لا يصلح إيمانه إلا الفقر ولو أغنيته لأفسده ذلك(2/685)
وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (63)
وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (63)
{وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّن نَّزَّلَ مِنَ السماء مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الأرض مِن بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ الله} أي هم مقرون بذلك {قُلِ الحمد لِلَّهِ} على إنزاله الماء لإحياء الأرض أو على أنه ممن أقر بنحوما أقروا به ثم نفعه ذلك في توحيد الله ونفى الشركاء عنه ولم يكن إقراراً عاطلاً كإقرار المشركين {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ} لا يتدبرون بما فيهم من العقول فيما نريهم من الآيات ونقيم عليهم من الدلالات أو
العنكبوت (67 - 64)
لا يعقلون ما تريد بقولك الحمد لله(2/685)
وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (64)
وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (64)
{وَمَا هذه الحياة الدنيا إِلاَّ لَهْوٌ وَلَعِبٌ} أي وما هي لسرعة زوالها عن أهلها وموتهم عنها إلا كما يلعب الصبيان ساعة ثم يتفرقون وفيه ازدراء بالدنيا وتصغير لأمرها وكيف لا تضرها وهى لا تزن عنده جناح بعوضة واللهو ما يتلذذ به الإنسان فيلهيه ساعة ثم ينقضي {وَإِنَّ الدار الآخرة لهي الحيوان} أى الحياة ليس فيها إلا حياة مستمرة دائمة لا موت فيها فكأنها في ذاتها حياة والحيوان مصدر حي وقياسه حييان فقلبت الياء الثانية(2/685)
واواً ولم يقل لهي الحياة لما في بناء فعلان من معنى الحركة والاضطراب والحياة حركة والموت سكون فمجيئه على بناء دال على معنى الحركة مبالغة معنى الحياة ويوقف على الحيوان لأن التقدير {لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ} حقيقة الدارين لما اختاروا اللهو الفاني على الحيوان الباقي ولو وصل لصار وصف الحيوان معلقاً بشرط علمهم ذلك وليس كذلك(2/686)
فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ (65)
فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ (65)
{فَإِذَا رَكِبُواْ فِى الفلك} هو متصل بمحذوف دل عليه ما وصفهم به وشرح من أمرهم معناه هم على ما وصفوا به من الشرك والعناد فإذا ركبوا في الفلك {دَعَوُاْ الله مُخْلِصِينَ لَهُ الدين} كائنين في صورة من يخلص الدين لله من المؤمنين حيث لا يذكرون إلا الله ولا يدعون معه إلها آخر {فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى البر} وأمنوا {إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ} عادوا إلى حال الشرك(2/686)
لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (66)
لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (66)
{ليكفروا بما آتيناهم} من النعمة قيل هي لام كي وكذا في {وَلِيَتَمَتَّعُواْ} فيمن قرأها بالكسر أي لكي يكفروا وكي يتمتعوا والمعنى يعودون إلى شركهم ليكونوا بالعود إلى شركهم كافرين بنعمة النجاة قاصدين التمتع بهم والتلذذ لا غير على خلاف عادة المؤمنين المخلصين على الحقيقة فإنهم يشكرون نعمة الله إذا أنجاهم ويجعلون نعمة النجاة ذريعة إلى ازدياد الطاعة لا إلى التلذذ والتمتع وعلى هذا لا وقف على يشركون ومن جعله لام الأمر متثبتاً بقراءة ابن كثير وحمزة وعلى ولتمتعوا بسكون اللام على وجه التهديد كقوله فَمَن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر وتحقيقه في أصول الفقه يقف عليه {فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} سوء تدبيرهم عند تدميرهم(2/686)
أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ (67)
أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ (67)
{أَوَلَمْ يَرَوْاْ} أي أهل مكة {إِنَّا جَعَلْنَا} بلدهم {حَرَماً} ممنوعاً مصوناً {آمناً} يأمن داخله {ويتخطف الناس من حولهم} يستلبون قتلا وسبيا(2/686)
{أفبالباطل يؤمنون} أى بالشيطان والأصنام {وبنعمة الله يكفرون} أى بمحمد
العنكبوت (69 - 68)
الروم (3 - 1)
{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افترى عَلَى الله كَذِباً أو كذب بالحق لما جاءه أليس في جهنم مثوى للكافرين {
سورة الروم بسم الله الرحمن الرحيم
عليه السلام والإسلام(2/687)
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ (68)
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ (68)
{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افترى عَلَى الله كَذِباً} بأن جعل له شريكاً {أَوْ كَذَّبَ بالحق} بنبوة محمد عليه السلام والكتاب {لَمَّا جَاءهُ} أي لم يتلعثموا في تكذيبه حين سمعوه {أَلَيْسَ فِى جَهَنَّمَ مَثْوًى للكافرين} هذا تقرير لثوائهم في جهنم لأن همزة الإنكار إذا أدخلت على النفي صار إيجاباً يعني ألا يثوون فيها وقد افتروا مثل هذا التكذيب على الله وكذبوا بالحق مثل هذا التكذيب أو ألم يصح عندهم أن في جهنم مثوى للكافرين حين اجترءوا مثل هذه الجراءة وذكر المثوى في مقابلة لنبوثنهم يؤيد قراءة الثاني(2/687)
وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (69)
وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (69)
{والذين جاهدوا} أطلق المجاهدة ولم يقيدها بمفعول ليتناول كل ما تجب مجاهدته من النفس والشيطان وأعداء الدين {فِينَا} في حقنا ومن أجلنا ولو جهنا خالصاً {لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} سبلنا أبو عمرو أي لنزيدنهم هداية إلى سبل الخير وتوفيقاً وعن الدارانى والذين جاهدوا فيما علمو لنهدينهم إلى ما لم يعلموا فقد قيل من عمل بما علم وفق لما لا يعلم وقيل إن الذى ترى من حهلنا بما لا نعلم إنما هو لتقصيرنا فيما نعلم وعن فضيل والذين جاهدوا في طلب العلم لنهدينهم سبل العمل به وعن سهل والذين جاهدوا في إقامة السنة لنهدينهم سبل الجنة وعن ابن عطاء جاهدوا فى رضاها لنهدينهم الوصول إلى محل الرضوان وعن ابن عباس جاهدوا في طاعتنا لنهدينهم سبل ثوابنا وعن الجنيد جاهدرا في التوبة لنهدينهم سبل الإخلاص أو جاهدوا في خدمتنا لنفتحن عليهم سبل المناجاة معنا(2/687)
والأنس بنا أو جاهدوا في طلبنا تحرياً لرضانا لنهدينهم سبل الوصول إلينا {وَإِنَّ الله لمع المحسنين} بالنصرة والمعونة فى الدينا وبالثواب والمغفرة فى العقبى(2/688)
سورة الروم مكية وهى ستون أو تسع وخمسون آية والاختلاف في بضع سنين بسم الله الرحمن الرحيم(2/689)
الم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ (2)
الم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ (2)
{الم غُلِبَتِ الروم} أي غلبت فارس الروم(2/689)
فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3)
فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3)
{في أدنى الأرض} أى أقرب أرض العرب لأن الأرض المعهودة عند العرب أرضهم والمعنى غلبوا في أدنى أرض العرب منهم وهي أطراف الشام أو أراد أرضهم على إنابة اللام مناب المضاف إليه أي في أدنى أرضهم إلى عدوهم {وَهُمْ} أى الروم {من بعد غلبهم} أى علبة فارس إياهم وقرىء بسكون اللام فالغلب والغلب
الروم (7 - 4)
مصدران وقد أضيف المصدر إلى المفعول {سَيَغْلِبُونَ} فارس ولا وقف عليه لتعليق(2/689)
فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4)
فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4)
{فِى بِضْعِ سِنِينَ} به وهو ما بين الثلاث إلى العشرة قيل احتربت فارس والروم بين أدرعات وبصرى فغلبت فارس الروم والملك بفارس يومئذ كسرى أبرويز فبلغ الخبرمكة فشق على رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين لأن فارس(2/689)
مجوس لا كتاب لهم والروم أهل كتاب وفرح المشركون وسمتوا وقالوا أنتم والنصارى أهل كتاب ونحن وفارس أميون وقد ظهر إخواننا على إخوانكم ولنظهرن نحن عليكم فنزلت فقال لهم أبو بكر والله ليظهرن الروم على فارس بعد بضع سنين فقال له أبى ابن خلف كذبت فناحبه على عشر قلائص من كل واحد منهما وجعل الأجل ثلاث سنين فأخبر أبو بكر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عليه السلام زد في الخطر وأبعد في الأجل فجعلاها مائة قلوص إلى تسع سنين ومات أبيّ من جرح رسول الله صلى الله عليه وسلم وظهرت الروم على فارس يوم الحديبية أو يوم بدر فأخذ أبو بكر الخطر من ذرية أبيّ فقال عليه السلام تصدق به وهذه آية بينة على صحة نبوته وأن القرآن من عند الله لأنها إنباء عن علم الغيب وكان ذلك قبل تحريم القمار عن قتادة ومن مذهب أبى حنيفة ومحمدان العقود الفاسدة كعقد الربا وغيره جائزة في دار الحرب بين المسلمين والكفار وقد احتجا على صحة ذلك بهذه القصة {لِلَّهِ الأمر مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ} أي من قبل كل شئ ومن بعد كل شيء أو حين غلبوا وحين يغلبون كأنه قيل من قبل كونهم غالبين وهو وقت كونهم مغلوبين ومن بعد كونهم مغلوبين وهو وقت كونهم غالبين يعني أن كونهم مغلوبين أولاً وغالبين آخراً ليس إلا بأمر الله وقضائه وَتِلْكَ الأيام نُدَاوِلُهَا بين الناس {وَيَوْمَئِذٍ} ويوم تغلب الروم على فارس ويحل ما وعد الله من غلبتهم {يَفْرَحُ المؤمنون}(2/690)
بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (5)
بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (5)
{بنصر الله} وتغلبه من له كتاب على من لا كتاب له وغيط من شمت بهم من كفار مكة وقيل نصر الله هو إظهار صدق المؤمنين فيما أخبروا به المشركين من غلبة الروم والباء يتصل بيفرح فيوقف على الله(2/690)
لا على المؤمنين {ينصُر مَنْ يشاء وهو العزيز} الغالب على أعدائه {الرحيم} العاطف على أوليائه(2/691)
وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (6)
وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (6)
{وَعَدَ الله} مصدر مؤكد لأن قوله وهم من بعد غلبهم سيغلبون وعد من الله للمؤمنين فقوله وعد الله بمنزلة وعد الله المؤمنين وعداً {لاَ يُخْلِفُ الله وَعْدَهُ} بنصر الروم على فارس {ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يعلمون} ذلك(2/691)
يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ (7)
يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ (7)
{يَعْلَمُونَ} بدل من لا يعلمون وفيه بيان أنه لا فرق بين عدم العلم الذي هو الجهل وبين وجود العلم الذي لا يتجاوز عن تحصيل الدنيا وقوله {ظَاهِراً مّنَ الحياة الدنيا} يفيد للدنيا ظاهر او باطنا فظاهرها ما يعرفه الجهال من التمتع بزخارفها وباطنها أنها مجاز إلى الآخرة يتزود منها إليها بالطاعه وبالأعمال الصالحة وتنكير الظاهر
الروم (9 - 7)
يفيد أنهم لا يعلمون إلا ظاهراً واحداً من جملة ظواهرها {وَهُمْ عَنِ الآخرة هُمْ غافلون} هم الثانية مبتدأ وغافلون خبره والجملة خبرهم الأولى وفيه بيان أنهم معدن الغفلة عن الآخرة ومقرها(2/691)
أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ (8)
أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ (8)
{أو لم يَتَفَكَّرُواْ فِى أَنفُسِهِمْ} يحتمل أن يكون ظرفاً كانه قيل أو لم يثبتوا التفكر في أنفسهم أي في قلوبهم الفارغة من الفكر والتفكر لا يكون إلا في القلوب ولكنه زيادة تصوير لحال المتفكرين كقوله اعتقده في قلبك وأن يكون صلة للتفكر نحو تفكر في الأمر وأجال فيه فكره ومعناه على هذا أولم يتفكروا في أنفسهم التي هي أقرب إليهم من غيرها من المخلوقات وهم أعلم بأحوالها منهم بأحوال ما عداها فيتدبروا ما أودعها الله ظاهراً وباطناً من غرائب الحكمة الدالة على التدبير دون الإهمال وأنه لا بد لها من الانتهاء إلى وقت تجازى فيه على الإحسان إحساناً وعلى الإساءة مثلها حتى يعلموا عند ذلك أن سائر الخلائق كذلك أمرها جارٍ على الحكمة في التدبير وأنه لا بد لها من الانتهاء إ لى ذلك الوقت {مَّا خَلَقَ الله السماوات والأرض وما بينهما} متعلق بالقول المحذوف ومعناه أو لم يتفكروا فيقولوا هذا القول وقيل معناه(2/691)
فيعلموا لأن في الكلام دليلاً عليه {إِلاَّ بالحق وَأَجَلٍ مُّسَمًى} أي ما خلقها باطلاً وعبثاً بغير حكمة بالغة ولا لتبقى خالدة إنما خلقها مقرونة بالحق مصحوبة بالحكمة وبتقدير أجلٍ مسمى لا بدلها من أن تنتهي إليه وهو قيام الساعة ووقت الحساب والثواب والعقاب ألا ترى إلى قوله أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خلقناكم عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا ترجعون كيف سمى تركهم غير راجعين إليه عبثاً {وَإِنَّ كَثِيراً مّنَ الناس بِلِقَاء رَبّهِمْ} بالبعث والجزاء {لكافرون} لجاحدون وقال الزجاج أي لكافرون بلقاء ربهم(2/692)
أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (9)
أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (9)
{أَوَ لَمْ يَسِيرُواْ فِى الأرض فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عاقبة الذين مِن قَبْلِهِمْ} هو تقرير لسيرهم في البلاد ونظرهم إلى آثار المدمرين من عاد وثمود وغيرهم من الأمم العاتية ثم وصف حالهم فقال {كَانُواْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُواْ الأرض} وحرثوها {وَعَمَرُوهَا} أي المدمرون {أكثر} صفة مصدر محذوف وما مصدرية في {مِمَّا عَمَرُوهَا} أي من عمارة أهل مكة {وَجَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بالبينات} وتقف عليها لحق الحذف أي فلم يؤمنوا فأهلكوا {فَمَا كَانَ الله لِيَظْلِمَهُمْ} فما كان تدميره إياهم ظلماً لهم {ولكن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} ولكنهم ظلموا
الروم (16 - 10)
أنفسهم حيث عملوا ما أوجب تدميرهم(2/692)
ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَى أَنْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ (10)
ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَى أَنْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ (10)
{ثُمَّ كَانَ عاقبة} بالنصب شامي وكوفي {الذين أساؤوا السوأى} تأنيث الأسوأ وهو الأقبح كما أن الحسنى تأنيث الأحسن ومحلها رفع على أنها اسم كان عند من نصب عاقبة على الخبر ونصب عند من رفعها والمعنى أنهم عوقبوا في الدنيا بالدمار ثم كانت عاقبتهم السوأى إلا أنه وضع الظهر وهو الذين أساءوا موضع المضمر أي العقوبة التي هي أسوأ العقوبا ت في الآخرة وهي النار التي أعدت للكافرين {أن كذبوا} لأن(2/692)
كذبوا أوبان وهو يدل على أن معنى أساءوا كفروا {بآيات الله وكانوا بها يستهزؤون} يعني ثم كان عاقبة الكافرين النار لتكذيبهم بآيات الله واستهزائهم بها(2/693)
اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (11)
اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (11)
{الله يَبْدَأُ الخلق} ينشئهم {ثُمَّ يُعِيدُهُ} يحييهم بعد الموت {ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} وبالياء أبو عمرو وسهل(2/693)
وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ (12)
وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ (12)
{ويوم تقوم الساعة يبلس} يبأس ويتحير يقال ناظرته فأبلس إذا لم ينبس ويئس من أن يحتج {المجرمون} المشركون(2/693)
وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَكَائِهِمْ شُفَعَاءُ وَكَانُوا بِشُرَكَائِهِمْ كَافِرِينَ (13)
وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَكَائِهِمْ شُفَعَاءُ وَكَانُوا بِشُرَكَائِهِمْ كَافِرِينَ (13)
{وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ مّن شُرَكَائِهِمْ} من الذين عبدوهم {من دون الله} وكتب شفعؤا في المصحف بواو قبل الألف كما كتب علمؤا بنى اسرائيل وكذلك كتبت السوأى بالألف قبل الياء إثباتاً للهمزة على صورة الحرف الذي منه حركتها {وَكَانُواْ بِشُرَكَائِهِمْ كافرين} أي يكفرون بآلهتهم ويجحدونها أو وكانوا فى الدينا كافرين بسببهم(2/693)
وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ (14)
وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ (14)
{وَيَوْمَ تَقُومُ الساعة يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ} الضمير في يتفرقون للمسلمين والكافرين لدلالة ما بعده عليه حيث قال(2/693)
فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ (15)
فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ (15)
{فأما الذين آمنوا وَعَمِلُواْ الصالحات فَهُمْ فِى رَوْضَةٍ} أي بستان وهي الجنة والتنكير لإبهام أمرها وتفخيمه {يُحْبَرُونَ} يسرون يقال حبره إذا سره سروراً تهلل له وجهه وظهر فيه أثره ثم اختلف فيه لاحتمال وجوه المسار فقيل يكرمون وقيل يحلون وقيل هو السماع فى الجنة(2/693)
وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآخِرَةِ فَأُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ (16)
وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآخِرَةِ فَأُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ (16)
{وأما الذين كفروا وكذبوا بآياتنا وَلِقَاء الآخرة} أي البعث {فَأُوْلَئِكَ فِى(2/693)
العذاب مُحْضَرُونَ} مقيمون لا يغيبون عنه ولا يخفف عنهم كقوله وما هم بخارجين منها(2/694)
فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ (17)
فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ (17)
لما ذكر الوعد والوعيد أتبعه ذكر ما يوصل إلى الوعد وينجي من الوعيد فقال {فَسُبْحَانَ الله} والمراد بالتسبيح ظاهره الذي هو تنزيه الله من السوء والنثاء عليه بالخير فى هذه
الروم (21 - 17)
الأوقات لما يتجدد فيها من نعمة الله الظاهرة أو الصلاة فقيل لابن عباس هل تجد الصلوات الخمس في القرآن فقال نعم وتلا هذه الآية وهو نصب على المصدرو المعنى نزهوه عما لا يليق أو صلوا لله {حِينَ تُمْسُونَ} صلاة المغرب والعشاء {وَحِينَ تُصْبِحُونَ} صلاة الفجر(2/694)
وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ (18)
وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ (18)
{وَلَهُ الحمد فِى السماوات والأرض} اعتراض ومعناه أن على المميزين كلهم من أهل السموات والأرض أن يحمدوه وفى السموات حال من الحمد {وَعَشِيّاً} صلاة العصر وهو معطوف على حين تمسون وقوله عشياً متصل بقوله الا كثران الصلوات الخمس فرضت بمكة(2/694)
يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ (19)
يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ (19)
{يُخْرِجُ الحي مِنَ الميت} الطائر من البيضة أو الإِنسان من النطفة أو المؤمن من الكافر {وَيُخْرِجُ الميت مِنَ الحي} أي البيضة من الطائر أو النطفة من الإِنسان أو الكافر من المؤمن والميت بالتخفيف فيهما مكي وشامي وأبو عمرو وأبو بكر وحماد بالتشديد غيرهم {ويحيي الأرض} بالنبات {بَعْدَ مَوْتِهَا} يبسها {وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ} تخرجون حمزة وعلي وخلف أي ومثل ذلك الإخراج تخرجون من قبوركم والكاف في محل النصب بتخرجون والمعنى أن الإبداء والإعادة يتساويان في قدرة من هو قادر على إخراج الميت(2/694)
من الحى وعكسة روى ابن عباس رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم قال من قرأ فسبحان الله حين تمسون إلى الثلاث وآخر سورة والصفات دبر كل صلاة كتب له من الحسنات عدد نجوم السماء وقطر الأمطار وورق الأشجار وتراب الأرض فإذا مات أجري له بكل حرف عشر حسنات في قبره قال عليه السلام من قرأ حين يصبح فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون إلى قوله وكذلك تخرجون أدرك ماب فاته فى يومه ومن نقالها حين يمسي أدرك ما فاته في ليلته(2/695)
وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ (20)
وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ (20)
{ومن آياته} ومن علامات ربوبيته وقدرته {أَنْ خَلَقَكُمْ} أي أباكم {مّن تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنتُمْ بَشَرٌ} أي آدم وذريته {تَنتَشِرُونَ} تنصرفون فيما فيه معاشكم وإذا للمفاجأة وتقديره ثم فاجأتم وقت كونكم بشراً منتشرين فى الأرض(2/695)
وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21)
وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21)
{ومن آياته أَنْ خَلَقَ لَكُم مّنْ أَنفُسِكُمْ أزواجا لّتَسْكُنُواْ إِلَيْهَا} أي حواء خلقت من ضلع آدم عليه السلام والنساء بعدها خلقن من أصلاب الرجال أو من شكل أنفسكم وجنسها لامن جلس آخر وذلك لما بين الاثنين من جنس واحد من الإلف والسكون وما بين الجنسين
الروم (25 - 21)
المخلفين من التنافر يقال سكن إليه إذا مال إليه {وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً} أي جعل بينكم التواد والتراحم بسبب الزواج وعن الحسن المودة كناية عن الجماع والرحمة عن الولد وقيل المودة للشابة والرحمة للعجوز وقيل المودة والرحمة من الله والفرك من الشيطان أي بغض المرأة زوجها وبغض الزوج المرأة {إِنَّ فِي ذلك لآيات لّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} فيعلمون أن قوام الدنيا بوجود التناسل(2/695)
وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ (22)
وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ (22)
{ومن آياته خَلْقُ السماوات والأرض واختلاف أَلْسِنَتِكُمْ} أي اللغات أو أجناس النطق وأشكاله {وألوانكم} كالسواد والبياض وغيرهما ولاختلاف ذلك وقع التعارف وإلا فلو تشا كلت واتفقت لوقع التجاهل والالتباس ولتعطلت المصالح وفي ذلك آية بينة حيث ولدوا من أب واحد وهم على الكثرة التي لا يعلمها إلا الله متفاوتون {إِنَّ فِى ذلك لآيات للعالمين} جمع عالم وبكسر اللام حفص جمع عالِم ويشهد للكسر قوله تعالى وَمَا يَعْقِلُهَا الا العالمون(2/696)
وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (23)
وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (23)
{ومن آياته منامكم بالليل والنهار وابتغاؤكم مّن فَضْلِهِ} هذا من باب اللف وترتيبه ومن آياته منامكم فى الومانين وابتغاؤكم فيهما والجمهور على الأول لتكرره في القرآن وأسد المعاني ما دل عليه القرآن {إِنَّ فِى ذلك لآيات لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ} أي يسمعون سماع تدبر بآذان واعية(2/696)
وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (24)
وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (24)
{ومن آياته يُرِيكُمُ البرق} في يريكم وجهان إضمار أن كما فى حرف ابن مسعود رضى الله عنه وإنزال الفعل منزلة المصدر وبهما فسر المثل تسمع بالمعيدي خير من أن تراه أي أن تسمع أو سماعك {خَوْفًا} من الصاعقة أو من الإخلاف {وَطَمَعًا} في الغيث أو خوفاً للمسافر وطمعاً للحاضر وهما منصوبان على المفعول له على تقدير حذف المضاف إليه مقامه أي إرادة خوف وإرادة طمع أو على الحال أي خائفين وطامعين {وينزل من السماء} وبالخفيف مكى وبصرى(2/696)
{ماء} مطرا {فيحيي بِهِ الأَرض بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِى ذلك لآيات لقوم يعقلون} يتفكرون بعقولهم(2/697)
وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ (25)
وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ (25)
{ومن آياته أَن تَقُومَ} تثبت بلا عمد {السماء والأرض بِأَمْرِهِ} أي بإقامته وتدبيره وحكمته {ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ} للبعث {دَعْوَةً مّنَ الأرض إِذَا أَنتُمْ تَخْرُجُونَ} من قبوركم هذا كقوله يريكم في ايقاع الجملة موقع المفرد على
الروم (28 - 26)
المعنى كأنه قال ومن آياته قيام السموات والأرض واستمسا كها بغير عمد ثم خروج الموتى من القبور إذا دعاهم دعوة واحدة يا أهل القبور أخرجوا والمراد سرعة وجود ذلك من غير توقف وإنما عطف هذا على قيام السموات والأرض بثم بياناً لعظم ما يكون من ذلك الأمر واقتداره على مثله وهو أن يقول يا أهل القبور قوموا فلا تبقى نسمة من الأولين والآخرين إلا قامت تنظر كما قال ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أخرى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ ينظنرون وإذا الأولى للشرط والثانية للمفاجأة وهي تنوب مناب الفساء في جواب الشرط ومن الأرض متعلق بالفعل لا بالمصدر وقولك دعوته من مكان كذا يجوز أن يكون مكانك ويجوز أن يكون مكان صاحبك(2/697)
وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ (26)
وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ (26)
{وَلَهُ مَن فِى السماوات والأرض كُلٌّ لَّهُ قانتون} منقادون لوجود أفعاله فيهم لا يمتنعون عليه أو مقرون بالعبودية(2/697)
وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (27)
وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (27)
{وَهُوَ الذى يَبْدَأُ الخلق} أي ينشئهم {ثُمَّ يُعِيدُهُ} للبعث {وَهُوَ} أي البعث {أَهْوَنُ} أيسر {عَلَيْهِ} عندكم لأن الإعادة عندكم أسهل من الإنشاء فلم أنكرتم الإعادة وأخرت الصلة في قوله وهو أهون عليه وقدمت في قوله هو على هين لقصد الاختصاص هناك وأما هنا فلا معنى للاختصاص وقال أبو عبيدة والزجاج وغيرهما الا هون(2/697)
بمعنى الهين فيوصف به الله عز وجل وكان ذلك على الله يسيراً كما قالوا الله أكبراى كبير والإعادة في نفسها عظيمة ولكنها هونت بالقياس إلى الإنشاء أو هو أهون على الخلق من الإنشاء لأن قيامهم بصيحة واحدة أسهل من كونهم نطفاً ثم علقاً ثم مضغا إلى تكميل خلقهم {وَلَهُ المثل الأعلى فِى السماوات والأرض} أى الوصف الا على الذي ليس لغيره وقد عرف به ووصف فى السموات والأرض على ألسنة الخلائق وألسنة الدلائل وهو أنه القادر الذي لا يعجز عن شيء من إنشاء وإعادة وغيرهما من المقدورات ويدل عليه قوله {وَهُوَ العزيز} أي القاهر لكل مقدور {الحكيم} الذي يجري كل فعل على قضايا حكمته وعلمه وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما المثل الأعلى لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْء وَهُوَ السميع البصير وعن مجاهد هو قول لا إله إلا الله ومعناه وله الوصف الأرفع الذي هو الوصف بالوحدانية ويعضده قوله(2/698)
ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (28)
ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (28)
{ضَرَبَ لَكُمْ مَّثَلاً مّنْ أَنفُسِكُمْ} فهذا مثل ضربة الله عز وجل لمن جعل له شريكا من خلقه من للابتداء كأنه قال أخذ مثلاً وانتزعه من أقرب شيء منكم وهي أنفسكم {هَلْ لكم} معاشر الاحرار {مما ملكت أيمانكم} عبيدكم ومن التبعيض {من شركاء} من مريدة لتأكيد الاستفهام الجاري مجرى النفي ومعناه هل ترضون لا نفسكم وعبيدكم أمثالكم بشر كبشر وعبيد كعبيدان بشارككم بعضهم {فِى مَا رزقناكم} من الأموال وغيرها {فأنتم} معاشر الاحرار والعبيد
الروم (30 - 28)
{فِيهِ} في ذلك الرزق {سَوَآء} من غير تفصلة بين حر وعبد يحكم مما ليككم فى أموالكم كحكمكم {تخافونهم} حال من ضميرالفاعل في سواء أي متساوون خائفاً بعضكم بعضاً مشاركته فى المال والمعنى تخافون معاشر السادة عبيدكم فيها فلا تمضون فيها حكماً دون إذنهم خوفاً من لائمة تلحقكم من جهتهم {كَخِيفَتِكُمْ أَنفُسَكُمْ} يعني كما يخاف بعض(2/698)
الأحرار بعضاً فيما هو مشترك بينهم فإذا لم يرضوا بذلك لأنفسكم فكيف ترضون لرب الأرباب ومالك الاحرار ومالعبيد أن تجعلوا بعض عبيده له شركاء {كذلك} موضع الكاف نصب أي مثل هذا التفصيل {نفصل الآيات} نبينها لان التمثل مما يكشف المعانى ويوضحها {لقوم يعقلون} بتدبرون في ضرب الأمثال فلما لم ينزجروا أضرب عنهم فقال(2/699)
بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (29)
بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (29)
{بَلِ اتبع الذين ظَلَمُواْ} أنفسهم بما أشركوا كما قال الله تعالى إِنَّ الشرك لَظُلْمٌ عظيم {أَهْوَاءهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ} أي اتبعوا أهواءهم جاهلين {فَمَن يَهْدِى مَنْ أَضَلَّ الله} أي أضله الله تعالى {وَمَا لَهُم مّن ناصرين} من العذاب(2/699)
فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (30)
فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (30)
{فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدّينَ} فقوم وجهك له وعد له غير ملتفت عنه يميناً ولا شمالاً وهو تمثيل لإقباله على الدين واستقامته عليه واهتمامه بأسبابه فإن من اهتم بالشيء عقد عليه طرفه وسدد إليه نظره وقوم له وجهه {حنيفا} حال من المأمور أو من الدين {فِطْرَةَ الله} أي الزموا فطرة الله والفطرة الخلقية ألا ترى إلى قوله لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ الله فالمعنى أنه خلقهم قابلين للتوحيد والإسلام غير نائين عنه ولا منكرين له لكونه مجاوباً للعقل مساوقاً للنظر الصحيح حتى لو تركوا لما اختاروا عليه ديناً آخر ومن غوى منهم فبإغواء شياطين الجن والإنس ومنه قوله عليه السلام كل عبادي خلقت حنفاء فاجتالتهم الشياطين عن دينهم وأمروهم أن يشركوا بي غيري وقوله عليه السلام كل مولود يولد على الفطرة حتى يكون أبواه هما اللذان يهودانه وينصرانه وقال الزجاج معناه أن الله تعالى فطر الخلق(2/699)
على الإيمان به على ما جاء فى الحديث ان الله عز وجل أخرج من صلب آدم كالدر وأشهدهم على أنفسهم بأنه خالقهم فقال وإذ أخذر بك إلى قوله قالوا بلى وكل مولود هو من تلك الذرية التي شهدت بأن الله تعالى خالقها فمعنى فطرة الله دين الله {التى فَطَرَ الناس عَلَيْهَا} أي خلق {لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ الله} أي ما ينبغي أن تبدل تلك الفطرة أو تغير وقال الزجاج معناه لا تبديل لدين الله ويدل عليه ما بعده وهو قوله {ذلك الدين القيم} أي المستقيم {ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يَعْلَمُونَ} حقيقة ذلك(2/700)
مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31)
مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31)
{مُّنِيبِينَ إِلَيْهِ} راجعين إليه وهو حال من الضمير فى الزموا وقوله واتقوه وأقيموا ولا
الروم (38 - 31)
تكونوا معطوف على هذا المضمر أو من قوله فأقم وجهك لأن الأمر له عليه السلام أمر لأمته فكأنه قال فأقيموا وجوهكم منيبين إليه أو التقدير كونوا منيبين دليله قوله {ولا تكونوا} واتقووه {أقيموا الصلاة} أي أدوها في أوقاتها {وَلاَ تَكُونُواْ مِنَ المشركين} ممن يشرك به غيره في العبادة(2/700)
مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (32)
مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (32)
{مِنَ الذين} بدل من المشركين بإعادة الجار {فَرَّقُواْ دِينَهُمْ} جعلوه أدياناً مختلفة لاختلاف أهوائهم فارقوا حمزة وعلى وهى قراءة على رضى الله عنه أي تركوا دين الإسلام {وَكَانُواْ شِيَعاً} فرقاً كل واحدة تشابع إمامها الذي أضلها {كُلُّ حِزْبٍ} منهم {بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} فرح بمذهبه مسرور يحسب باطله حقا(2/700)
وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (33)
وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (33)
{وَإِذَا مَسَّ الناس ضُرٌّ} شدة من هزال أو مرض أو قحط أو(2/700)
غير ذلك {دَعَوْاْ رَبَّهُمْ مُّنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُمْ مّنْهُ رَحْمَةً} أي خلاصاً من الشدة {إِذَا فَرِيقٌ مّنْهُمْ بِرَبّهِمْ يُشْرِكُونَ} في العبادة(2/701)
لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (34)
لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (34)
{لِيَكْفُرُواْ} هذه لام كي وقيل لام الأمر الوعيد {بِمَآ آتيناهم} من النعم {فَتَمَتَّعُواْ} بكفركم قليلاً أمر وعيد {فسوف تعلمون} وبال تمنعكم(2/701)
أَمْ أَنْزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِمَا كَانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ (35)
أَمْ أَنْزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِمَا كَانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ (35)
{أَمْ أَنزَلْنَا عَلَيْهِمْ سلطانا} حجة {فَهُوَ يَتَكَلَّمُ} وتكلما مجاز كما تقول كتابه ناطق بكذا وهذا مما نطق به القرآن ومعناه الشهادة كأنه قال فهو يشهد بشركهم وبصحته {بِمَا كَانُواْ بِهِ يُشْرِكُونَ} ما مصدرية أي بكونهم بالله يشركون أو موصولة ويرجع الضمير إليها أي فهو يتكلم بالأمر الذي بسببه يشركون أو معنى الآية أم أنزلنا عليهم ذا سلطان أي ملكاً معه برهان فذلك الملك يتكلم بالبرهان الذي بسببه يشركون(2/701)
وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ (36)
وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ (36)
{وَإِذَا أَذَقْنَا الناس رَحْمَةً} أي نعمة من مطر أوسعة أوصحة {فَرِحُواْ بِهَا} بطروا بسببها {وإن تصبهم سيئة} أى بلاء من جذب أو ضيق أو مرض {بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ} بسبب شؤم معاصيهم {إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ} من الرحمة إذ المفاجأة جواب الشرط نابت عن الفاء لتآخيهما في التعقيب(2/701)
أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (37)
أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (37)
{أو لم يَرَوْاْ أَنَّ الله يَبْسُطُ الرزق لِمَن يَشَاء وَيَقْدِرُ إِنَّ فِى ذَلِكَ لايات لّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} أنكر عليهم بأنهم قد علموا بأنه القابض الباسط فما لهم يقنطون من رحمته ومالهم لا يرجعون إليه تائبين عن المعاصي التي عوقبوا بالشدة من أجلها حتى يعيد إليهم رحمته(2/701)
فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (38)
فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (38)
ولما ذكر أن السيئة أصابتهم بما قدمت أيديهم أتبعه ذكر ما يجب أن(2/701)
يفعل وما يجب أن يترك فقال {فآت ذا القربى}
الروم (41 - 38)
أعط قريبك {حقه} من البر ولصلة {والمسكين وابن السبيل} نصيبهما من الصدقة المسماة لهما وفيه دليل وجوب النفقة للمحارم كما هو مذهبنا {ذلك} أي إيتاء حقوقهم {خَيْرٌ لّلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ الله} أي ذاته أي يقصدون بمعروفهم أياه خالصاً {وأولئك هُمُ المفلحون}(2/702)
وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ (39)
وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ (39)
{وما آتيتم من ربا ليربو فِى أَمْوَالِ الناس} يريد وما أعطيتم أكلة الربا من رباً ليربوا في أموالهم {فَلاَ يربو عِندَ الله} فلا يزكوا عند الله ولا يبارك فيه وقيل هو من الربا الحلال أي وما تعطونه من الهدية لتأخذوا أكثر منها فلا يربوا عند الله لأنكم لم تريدوا بذلك وجه الله {وما آتيتم من زكاة} صدقة {تُرِيدُونَ وَجْهَ الله} تبتغون به وجهه خالصاً لا تطلبون به مكافأة ولا رياء ولاسمعة {فَأُوْلَئِكَ هُمُ المضعفون} ذوو الإضعاف من الحسنات ونظير المضعف المقوى والموسر الذى القوه واليسار أتيتم من ربا بلا مد مكي أي وما غشيتموه من إعطاء ربا لتربوا مدني أي لتزيدوا في أموالهم وقوله فأولئك هم المضعفون التفات حسن لأنه يفيد التعميم كأنه قيل من فعل هذا فسبيله سبيل المخاطبين والمعنى المضعفون به لأنه لا بدله من ضمير يرجع إلى ما الموصولة وقال الزجاج في قوله فأولئك هم المضعفون أي فأهلها هم المضعفون أى هم الذين يضاعف لهم الثواب يعطون بالحسنة عشر أمثالها ثم أشار إلى عجز آلهتهم فقال(2/702)
اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (40)
اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (40)
{الله الذى خَلَقَكُمْ} مبتدأ وخبر {ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ} أي هو المختص بالخلق والرزق والإماتة والإحياء {هَلْ مِن شُرَكَائِكُمْ} أي أصنامكم التي زعمتم أنهم شركاء لله {مَّن(2/702)
يَفْعَلُ مِن ذَلِكُمْ} أي من الخلق والرزق والإماتة والإحياء {مِن شَىْءٍ} أي شيئاً من تلك الأفعال فلم يجيبوا عجزاً فقال إستبعادا {سبحانه وتعالى عما يشركون} ومن الأولى والثانية والثالثة كل واحدة منهن مستقلة بتأكيد لتعجيز شركائهم وتجهيل عبدتهم(2/703)
ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (41)
ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (41)
{ظَهَرَ الفساد فِى البر والبحر} نحو القحط وقلة الأمطار والريع في الزراعات والربح في التجارات ووقوع الموتان في الناس والدواب وكثرة الحرق والغرق ومحق البركات من كل شئ {بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِى الناس} بسبب معاصيهم وشركهم كقوله وَمَا أصابكم مّن مُّصِيبَةٍ فِيمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ {لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الذى عَمِلُواْ} أي ليذيقهم وبال بعض أعمالهم في الدنيا قبل أن يعاقبهم بجمعها في الآخرة وبالنون عن قنبل {لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} عما هم عليه من المعاصى ثم
الروم (46 - 42)
أكد تسبيب المعاصي لغضب الله ونكاله بقوله(2/703)
قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ (42)
قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ (42)
{قل سيروا فى الأرض فانظروا كيف كان عاقبة الذين مِن قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُّشْرِكِينَ} حيث أمرهم بأن يسيروا فينظروا كيف أهلك الله الأمم وأذاقهم سوء العاقبة بمعاصيهم(2/703)
فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ (43)
فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ (43)
{فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدّينَ القيم} البليغ الاستقامة الذي لا يتأتى فيه عوج {مِن قَبْلِ أَن يَأْتِىَ يَوْمٌ لاَّ مَرَدَّ لَهُ} هو مصدر بمعنى الرد {مِنَ الله} يتعلق بيأتي والمعنى من قبل أن يأتي من الله يوم لا يرده أحد كقوله تعالى فلا يستطعون ردها أو بمرد على معنى لا يرده هو بعد أن يجيء به ولا رد له من جهته {يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ} يتصدعون أي يتفرقون(2/703)
ثم أشار إلى غناه عنهم فقال(2/704)
مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ (44)
مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ (44)
{مَن كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ} أي وبال كفره {وَمَنْ عَمِلَ صالحا فَلأَِنفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ} أي يسوون لأنفسهم ما يسويه لنفسه الذي يمهد لنفسه فراشة ويوطئه لئلا يصيبه فى مضجمه ما ينغص عليه مرقده من نتوء وغيره والمعنى أنه يمهد لهم الجنة بسبب أعمالهم فأضيف إليهم وتقديم الظرف في الموضعين للدلالة على أن ضرر الكفر لا يعود إلا على الكافر ومنفعة الإيمان والعمل الصالح يرجع إلى المؤمن لا تجاوزه(2/704)
لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ (45)
لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ (45)
{ليجزي} متعلق ببمهدون تعليل له وتكرير {الذين آمنوا وعملوا الصالحات} وترك الضمير إلى الصريح لتقدير أنه لا يفلخ عنده إلا المؤمن {مِن فَضْلِهِ} أي عطائه وقوله {إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الكافرين} تقرير بعد تقرير على الطرد والعكس(2/704)
وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (46)
وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (46)
{ومن آياته} أي ومن آيات قدرته {أَن يُرْسِلَ الرياح} هي الجنوب والشمال والصبا وهي رياح الرحمة وأما الدبور فريح العذاب ومنه قوله عليه السلام للهم اجعلها رياحا ولا تحعلها ريحا وقد عدد الفوائد فى إرسلها فقال {مبشرات} أي أرسلها للبشارة بالغيث {وَلِيُذِيقَكُمْ مّن رَّحْمَتِهِ} ولإذاقة الرحمة وهي نزول المطر وحصول الخصب الذي يتبعه والروح الذي مع هبوب الريح وزكاء الأرض وغير ذلك وليذيقكم معطوف على مبشرات على المعنى كأنه قيل ليبشركم وليذيقكم {وَلِتَجْرِىَ الفلك} في البحر عند هبوبها {بأمره} أى بتدبيره أو تكوينه كقوله إنما أمره إذا اراد شئيا الآية {وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ} يريد تجارة البحر {ولعلكم تشكرون} ولتشكروا
الروم (51 - 47)
نعمة الله فيها(2/704)
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَانْتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ (47)
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَانْتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ (47)
{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ رُسُلاً إلى قَوْمِهِمْ فجاؤوهم بالبينات} أي فآمن بهم قوم وكفر بهم قوم ويدل على هذا الإضمار قوله {فانتقمنا مِنَ الذين أَجْرَمُواْ} أي كفروا بالإهلاك في الدينا {وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ المؤمنين} أي وكان نصر المؤمنين حقاً علينا بإنجائهم مع الرسل وقد يوقف على حقاً ومعناه وكان الانتقام منهم حقا ثم تبتدىء علينا نصر المؤمنين والأول أصح(2/705)
اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (48)
اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (48)
{الله الذى يُرْسِلُ الرياح} الريح مكي {فَتُثِيرُ سَحَاباً فَيَبْسُطُهُ} أي السحاب {فِى السماء} أي في سمت السماء وشقها كقوله وَفَرْعُهَا فِى السماء {كَيْفَ يَشَاء} من ناحية الشمال أو الجنوب أو الدبور أو الصبا {وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً} قطعاً جمع كسفة أي يجعله منبسطاً يأخذ وجه السماء مرة ويجعله قطعاً متفرقة غير منبسطة مرة كسفا يزيد وابن ذ كوان {فَتَرَى الودق} المطر {يَخْرُجُ} في التارتين جميعاً {مِنْ خِلاَلِهِ} وسطه {فَإِذَا أَصَابَ بِهِ} بالودق {مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ} يريد إصابة بلادهم وأراضهم {إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} يفرحون(2/705)
وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ (49)
وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ (49)
{وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلِ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ} المطر {مِن قَبْلِهِ} كرر للتأكيد كقوله فَكَانَ عاقبتهما انهما فى النار خالدين فيها ومعنى التوكيد فيها الدلالة على أن عهدهم بالمطر قد تطاول فاستحكم يأسهم فكان لا ستبشار على قبرا اعتمامهم بذلك {لمبلسين} آيسين(2/705)
فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (50)
فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (50)
{فانظر إلى آثار} شامي وكوفي غير أبي بكر وغيرهم أَثَرِ {رَّحْمَةِ الله} أي المطر {كَيْفَ يُحْيىِ الأرض} بالنبات وأنواع الثمار {بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ} أي الله {لمحيي الموتى} يعني أن ذلك القادر الذى يحى(2/705)
الأرض بعد موتها هو الذى يحى الناس بعد موتهم فهذا استدلال بإحياء الموات على إحياء الأموات {وَهُوَ على كُلّ شَىْء قَدِيرٌ} أي وهو على كل شيء من المقدورات قادر وهذا من جملة المقدورات بدليل الانشاء(2/706)
وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحًا فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ (51)
وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحًا فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ (51)
{وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحًا} أي الدبور {فَرَأَوْهُ} أي أثر رحمة الله لأن رحمة الله هي الغيث وأثرها النبات ومن قرأ بالجمع رجع الضمير إلى معناه لأن معنى آثار الرحمة النبات واسم النبات يقع على القليل والكثير لأنه مصدر سمي به ما ينبت {مُصْفَرّاً} بعد إخضراره وقال مصفرا لأن تلك صفرة حادثة وقيل فرأوا
الروم (55 - 51)
السحاب مصفراً لأن السحاب الأصفر لا يمطر واللام في لئن موطئة للقسم دخلت على حرف الشرط وسد مسد جوابي القسم والشرط {لَّظَلُّواْ} ومعناه ليظلن {مِن بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ} أي من بعد اصفراره أو من بعد الاستبشار ذمتهم الله تعالى بأنه إذا حبس عنهم المطر قنطوا من رحمته وضربوا أذقانهم على صدورهم مبلسين فإذا أصابهم برحمته ورزقهم المطر استبشروا فإذا أرسل ريحاً فضرب زروعهم بالصفار ضجوا وكفروا بنعمة الله فهم فى جمع هذه الأحوال على الصفة المذمومة وكان عليهم أن يتوكلوا على الله وفضله فقنطوا وأن يشكروا نعمته ويحمدوه عليها ففرحوا وأن يصبروا على بلائه فكفروا(2/706)
فَإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (52)
فَإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (52)
{فَإِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ الموتى} أي موتى القلوب أو هؤلاء في حكم الموتى فلا تطمع أن يقبلوا منك {وَلاَ تُسْمِعُ الصم الدعاء} ولا يسمع الصم مكي {إِذَا وَلَّوْاْ مُدْبِرِينَ} فإن قلت الأصم لا يسمع مقبلاً أو مدبراً فما فائدة هذا التخصيص قلت هو إذا كان مقبلا يفهم بالرمز والاشارة فإذا ولى لا يسمع ولا يفهم بالإشارة(2/706)
وَمَا أَنْتَ بِهَادِ الْعُمْيِ عَنْ ضَلَالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ (53)
وَمَا أَنْتَ بِهَادِ الْعُمْيِ عَنْ ضَلَالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ (53)
{وما أنت بهادي العمى} أي عمى القلوب وما أنت تهدى العمي حمزة {عَن ضلالتهم} أي لا يمكنك أن تهدي الأعمى إلى طريق قد ضل(2/706)
عنه بإشارة منك له إليه {إِن تُسْمِعُ} ما نسمع {إلاَّ مَنْ يُؤمن بآياتنا فهم مسلمون} منقادون لأوامر الله تعالى(2/707)
اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ (54)
اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ (54)
{الله الذى خَلَقَكُمْ مّن ضَعْفٍ} من النطف كقوله من ماء مهين {ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةٍ} يعني حال الشباب وبلوغ الأشد {ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً} يعني حال الشيخوخة والهرم {يَخْلُقُ مَا يَشَاء} من ضعف وقوة وشباب وشيبة {وَهُوَ العليم} بأحوالهم {القدير} على تغييرهم وهذا الترديد في الأحوال أبين دليل على الصانع العليم القدير فتح الضاد في الكل عاصم وحمزة وضم غيرهما وهو اختيار حفص وهما لغتان والضم أقوى في القراءة لما روي عن ابن عمر قال قرأتها على رسول الله صلى الله عليه وسلم من ضَعف فأقرأني من ضُعفٍ(2/707)
وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ (55)
وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ (55)
{وَيَوْمَ تَقُومُ الساعة} أي القيامة سميت بذلك لأنها تقوم في آخر ساعة من ساعات الدينا أو لأنها تقع بغية كما تقوم في ساعة لمن تستعجله وجرت علماً لها كالنجم للثريا {يُقْسِمُ المجرمون} يحلف الكافرون ولا وقف عليه لأن {مَا لَبِثُواْ} في القبور أو فى الدينا {غَيْرَ سَاعَةٍ} جواب القسم استقلوا مدة لبثهم في القبور أو في الدنيا لهول يوم
الروم (60 - 55)
القيامة وطول مقامهم في شدائدها أو ينسون أو يكذبون {كَذَلِكَ كَانُواْ يُؤْفَكُونَ} أي مثل ذلك الصرف كانوا يصرفون عن الصدق إلى الكذب في الدنيا ويقولون ما هي إلا حياتنا الدنيا وما نحن بمبعوثين(2/707)
وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (56)
وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (56)
{وَقَالَ الذين أُوتُواْ العلم والإيمان} هم الأنبياء والملائكة والمؤمنون(2/707)
{لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِى كتاب الله} في علم الله المثبت في اللوح أو في حكم الله وقضائه {إلى يَوْمِ البعث} ردوا ما قالوه وحلفوا عليه وأطلعوهم على الحقيقة ثم وصلوا ذلك بتقريعهم على إنكار البعث بقولهم {فهذا يَوْمُ البعث ولكنكم كُنتمْ} فى الدنيا {لا يعلمون} أنه حق لتفريطكم في طلب الحق واتباعه والغاء لجواب شرط يدل عليه الكلام تقديره إن كنتم منكرين البعث فهذا يوم البعث الذي أنكرتموه(2/708)
فَيَوْمَئِذٍ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (57)
فَيَوْمَئِذٍ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (57)
{فَيَوْمَئِذٍ لاَّ ينفَعُ} بالياء كوفي {الذين ظَلَمُواْ} كفروا {مَعْذِرَتُهُمْ} عذرهم {وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ} أي لا يقال لهم أرضوا ربكم بتوبة من قولك استعتبني فلان فأعتبته أي استرضاني فأرضيته(2/708)
وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُبْطِلُونَ (58)
وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُبْطِلُونَ (58)
{ولقد ضربنا لِلنَّاسِ فِي هذا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ ولئن جئتهم بآية لَّيَقُولَنَّ الذين كَفَرُواْ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ مُبْطِلُونَ} أي ولقد وصفنا لهم كل صفة كأنها مثل في غرابتها وقصصنا عليهم كل قصة عجيبة الشأن كصفة المبعوثين يوم القيامة وقصتهم وما يقولون وما يقال لهم وما لا ينفع من اعتذارهم ولايسمع من استعتابهم ولكنهم لقسوة قلوبهم إذا جئتهم بآية من آيات القرآن قالوا جئتنا بزور وباطل(2/708)
كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (59)
كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (59)
{كذلك يَطْبَعُ الله على قُلُوبِ الذين لاَ يَعْلَمُونَ} أي مثل ذلك الطبع وهو الختم يطبع الله على قلوب الجهلة الذين علم الله منهم اختيار الضلال حتى يسموا المحقين مبطلين وهم أعرق خلق الله في تلك الصفة(2/708)
فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ (60)
فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ (60)
{فاصبر} على أذاهم أو عداوتهم {إِنَّ وَعْدَ الله} بنصرتك على أعدائك وإظهار دين الإسلام على كل دين {حَقّ} لا بد من إنجازه(2/708)
والوفاء به {وَلاَ يَسْتَخِفَّنَّكَ الذين لاَ يُوقِنُونَ} أي لا يحملنك هؤلاء الذين لا يوقنون بالآخرة على الخفة والعجلة في الدعاء عليهم بالعذاب أو لا يحملنك على الخفة والقلق جزعاً مما يقولون ويفعلون فإنهم ضلال شاكون لا يستبدع منهم ذلك ولا يستخفنك بسكون النون عن يعقوب والله الموفق للصواب(2/709)
لقمان (6 - 1)
سورة لقمان مكية وهي ثلاث أو أربع وثلاثون آية
بسم الله الرحمن الرحيم(2/710)
الم (1) تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ (2)
الم (1) تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ (2)
{الم تلك آيات الكتاب الحكيم} ذي الحكمة أو وصف بصفة الله عز وجل على الإسناد المجازي(2/710)
هُدًى وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ (3)
هُدًى وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ (3)
{هُدًى وَرَحْمَةً} حالان من الآيات والعامل معنى الإشارة في تلك حمزة بالرفع على أن تلك مبتدأ وآيات الكتاب خبره وهدى خبر بعد خبر أو خبر مبتدأ محذوف أو هو أي هدى ورحمة {لّلْمُحْسِنِينَ} للذين يعملون الحسنات المذكورة في قوله(2/710)
الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4)
الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4)
{الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وَهُم بالآخرة هُمْ يُوقِنُونَ} ونظيره قول أوس الالمعي الذي يظن بك الظن كأن قد رأى وقد سمعا أو للذين يعملون جميع ما يحسن ثم خص منهم القائمين بهذه الثلاثة لفضلها(2/710)
أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5)
أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5)
{أولئك على هُدًى} مبتدأ وخبر {مّن رَّبّهِمُ} صفة لهدى {وأولئك هُمُ المفلحون} عطف عليه(2/711)
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (6)
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (6)
{وَمِنَ الناس مَن يَشْتَرِى لَهْوَ الحديث} نزلت في النضر بن الحرث وكان يشتري أخبار الا كاسرة من فارس ويقول إن محمداً يقص طرفاً من قصة عاد وثمود فأنا أحدثكم بأحاديث الا كاسرة فيميلون إلى حديثه ويتركون استماع القرآن واللهو كل باطل الهى عن الخيروعما يعني ولهو الحديث نحو السمر بالأساطير التي لا أصل لها والغناء وكان ابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهما يحلفان أنه الغناء وقيل الغناء مفسدة للقلب منفذة للمال مسخطة للرب وعن النبي صلى الله عليه وسلم ما من رجل يرفع صوته بالغناء إلا بعث الله عليه شيطانين أحدهما على هذا المنكب والآخر على هذا المنكب فلا يزالان يضربانه بأرجلهما حتى يكون هو الذي يسكت والاشتراء من الشراء كما روي عن النضر أو من قوله اشتروا الكفر بالإيمان أي استبدلوه منه واختاروه عليه أي يختارون حديث الباطل على حديث الحق وإضافة اللهو إلى الحديث للتبيين بمعنى من لأن اللهو يكون من الحديث ومن غيره فبيّن بالحديث والمراد بالحديث الحديث المنكر كما جاء في الحديث الحديث في المسجد يأكل الحسنات كما تأكل البهيمة الحشيش أو للتبعيض كأنه قيل ومن الناس من يشتري بعض الحديث الذي هو اللهو منه {لِيُضِلَّ} أي ليصد الناس عن الدخول في الإسلام واستماع القرآن ليضَل مكي وأبو عمرو أي
لقمان (11 - 6)
ليثبت على ضلاله الذي كان عليه ويزيد فيه {عَن سَبِيلِ الله} عن دين الإسلام والقرآن {بِغَيْرِ عِلْمٍ} أي جهلاً منه بما عليه من الوزرية {وَيَتَّخِذَهَا} أي السبيل بالنصب كوفي غير أبي بكر(2/711)
عطفاً على ليضل ومن رفع عطفه على يشتري {هُزُواً} بسكون الزاي والهمزة حمزة وبضم الزاي بلا همز حفص وغيرهم بضم الزاي والهمزة {أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ} أي يهينهم ومن لا بهامه يقع على الواحد والجمع أي النضر وأمثاله(2/712)
وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (7)
وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (7)
{وإذا تتلى عليه آياتنا ولى مُسْتَكْبِراً} أعرض عن تدبرها متكبراً رافعاً نفسه عن الإصغاء إلى القرآن {كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا} يشبه حاله في ذلك حال من لم يسمعها وهو حال من مستكبرا والأصل كأنه والضمير ضمير الشأن {كَأَنَّ فِى أُذُنَيْهِ وَقْراً} ثقلاً وهو حال من لم يسمعها أذنيه نافع {فَبَشّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ}(2/712)
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ (8)
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ (8)
{إن الذين آمنوا وَعَمِلُواْ الصالحات لَهُمْ جنات النعيم} ولا وقف عليه لأن(2/712)
خَالِدِينَ فِيهَا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (9)
خَالِدِينَ فِيهَا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (9)
{خالدين فِيهَا} حال من الضمير في لهم {وَعْدَ الله حَقّا} مصدران مؤكدان الأول مؤكد لنفسه والثانى مؤكد لغيره إذلهم جنات النعيم في معنى وعدهم الله جنات النعيم فأكد معنى الوعد وحقا يدل على معنى الثبات فأكد به معنى الوعد ومؤكدهما لهم جنات النعيم {وَهُوَ العزيز} الذى لا يغلبه شئ فيهين أعداءه بالعذاب المهين {الحكيم} بما يفعل فيثيب أولياءه بالنعيم المقيم(2/712)
خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (10)
خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (10)
{خَلَقَ السماوات بِغَيْرِ عَمَدٍ} جمع عماد {تَرَوْنَهَا} الضمير للسموات وهو استشهاد برؤيتهم لها غير معمودة على قوله بغير عمد كما تقول لصاحبك أنا بلا سيف ولا رمح تراني ولا محل لها من الأعراب لأنها مستأنفة أو في محل الجر صفة لعمد أي بغير عمد مرئية يعني أنه(2/712)
عمدها بعمد لا ترى وهو إمساكها بقدرته {وألقى فِى الأرض رَوَاسِيَ} جبالاً ثوابت {أَن تَمِيدَ بِكُمْ} لئلا تضطرب بكم {وَبَثَّ} ونشر {فِيهَا مِن كُلّ دَابَّةٍ وَأَنزَلْنَا مِنَ السماء مَاء فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِن كُلّ زَوْجٍ} صنف {كَرِيمٍ} حسن(2/713)
هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (11)
هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (11)
{هذا} إشارة إلى ما ذكر من مخلوقاته {خَلَقَ الله} أي مخلوقه {فَأَرُونِى مَاذَا خَلَقَ الذين مِن دُونِهِ} يعني آلهتهم بكّتهم بأن هذه الأشياء العظيمة مما خلقه الله فأروني ما خلقته آلهتكم حتى
لقمان (14 - 11)
استوجبوا عندكم العبادة {بَلِ الظالمون فِى ضلال مُّبِينٍ} أضرب عن تبكيتهم إلى التسجيل عليهم بالتورط في ضلال ليس بعده ضلال(2/713)
وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (12)
وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (12)
{ولقد آتينا لقمان الحكمة} وهو لقمان بن باعوراء بن أخت أيوب أو ابن خالته وقيل كان من أولاد آزر وعاش ألف سنة وأدرك داود عليه السلام وأخذ منه العلم وكان يفتي قبل مبعث داود عليه السلام فلما بعث قطع الفتوى فقيل له فقال ألا أكتفي إذا كفيت وقيل كان خياطاً وقيل نجاراً وقيل راعياً وقيل كان قاضياً في بني إسرائيل وقال عكرمة والشعبي كان نبياً والجمهور على أنه كان حكيماً ولم يكن نبياً وقيل خير بين النبوة والحكمة فاختار الحكمة وهي الإصابة في القول والعمل وقيل تتلمذ لألف نبى وتتلمذ له ألف نبى وأن في {أَنِ اشكر للَّهِ} مفسرة والمعنى أي اشكر لله لأن إيتاء الحكمة في معنى القول وقد نبه الله تعالى على أن الحكمة الأصلية والعلم الحقيقي هو العمل بهما وعبادة الله والشكر له حيث فسر إيتاء الحكمة بالحث على الشكر وقيل لا يكون الرجل حكيماً حتى يكون حكيما فى قوله وفعل ومعاشرته وصحبه وقال السرى السقطى الشكر أن لا(2/713)
نعصى الله بنعمه وقال الجنيد أن لا ترى معه شريكاً في نعمه وقيل هو الإقرار بالعجز عن الشكر والحاصل أن شكرالقلب المعرفة وشكر اللسان الحمد وشكر الأركان الطاعة ورؤية العجز فى الشكل دليل قبول الكل {وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ} لأن منفعته تعود إليه فهو يريد المزيد {وَمَن كَفَرَ} النعمة {فَإِنَّ الله غَنِىٌّ} غير محتاج إلى الشكر {حَمِيدٌ} حقيق بأن يحمدو ان لم يحمده أحد(2/714)
وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (13)
وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (13)
{وَإِذْ} أي واذكر إذ {قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ} أنعم أو اشكر {وهو يعظه يا بني} الاسكان مكى يا بنى حفض بفتحه في كل القرآن {لاَ تُشْرِكْ بالله إِنَّ الشرك لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} لأنه تسوية بين من لا نعمة إلا وهي منه ومن لا نعمة له أصلاً(2/714)
وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14)
وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14)
{وَوَصَّيْنَا الإنسان بوالديه حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً على وَهْنٍ} أي حملته تهن وهناً على وهن أي تضعف ضعفاً فوق ضعف أي يتزايد ضعفها ويتضاعف لأن الحمل كلما ازداد أو عظم ازدادت ثقلاً وضعفاً {وَفِصَالُهُ فِى عَامَيْنِ} أي فطامه عن الرضاع لتمام عامين {أَنِ اشكر لي ولوالديك} هو تفسير لو صينا أي وصيناه بشكرنا وبشكر والديه وقوله حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين اعتراض بين المفسر والمفسر لأنه لما وصى بالوالدين ذكر ما تكابده الأم وتعانيه من المشاق في حمله وفصاله هذه المدة الطويلة تذكيراً بحقها العظيم مفرداً وعن ابن عيينة من صلى الصلوات الخمس فقد شكر الله ومن دعا للوالدين
لقمان (17 - 15)
في أدبار الصلوات الخمس فقد شكرهما {إِلَىَّ المصير} أي مصيرك إليّ وحسابك عليّ(2/714)
وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (15)
وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (15)
{وَإِن جاهداك على أَن تُشْرِكَ بِى مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} أراد بنفي العلم به نفيه أى لا تشرك بى ماليس بشيء يريد الأصنام {فَلاَ تُطِعْهُمَا} في الشرك {وصاحبهما فِى الدنيا مَعْرُوفاً} صفة مصدر محذوف أي صحاباً معروفاً حسناً بخلق جميل وحلم واحتمال بر وصلة {واتبع سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَىَّ} أي سبيل المؤمنين في دينك ولا تتبع سبيلهما فيه وإن كنت مأموراً بحسن مصاحبتهما في الدنيا وقال ابن عطاء صاحب من ترى عليه أنوار خدمتي {ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ} أي مرجعك ومرجعهما {فَأُنَبِئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} فأجازيك على إيمانك وأجازيهما على كفرهما وقد اعترض بهابين الآيتين على سيبل الاستطراد تأكيداً لما في وصية لقمان من النهي عن الشرك يعني إنا وصيناه بوالديه وأمرناه أن لا يطيعهما في الشرك وإن جهدا كل الجهد لقبحه(2/715)
يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (16)
يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (16)
{يا بني إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مّنْ خَرْدَلٍ} بالرفع مدنى والضمير للقصة وأنث المثقال لإضافته إلى الحبة كما قال
كما شرقت صدر القناة من الدم
وكان تامة والباقون بالنصب والضمير للهيئة من الإساءة والإحسان أي إن كانت مثلاً في الصغر كحبة خردل {فَتَكُنْ فِى صَخْرَةٍ أَوْ فِى السماوات أَوْ فِى الأرض} أي فكانت مع صغرها في أخفى موضع وأحرزه كجوف الصخرة(2/715)
أو حيث كانت في العالم العلوي أو السفلي والأكثر على أنها التي تمليها الأرض وهى السجين بكتب فيها أعمال الفجار وليست من الأرض {يَأتِ بِهَا الله} يوم القيامة فيحاسب بها عاملها {إِنَّ الله لَطِيفٌ} بتوصل علمه إلى كل خفي {خَبِيرٌ} عالم بكنهه أو لطيف باستخراجها خبير بمستقرها(2/716)
يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (17)
يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (17)
{يا بني أَقِمِ الصلاة وَأْمُرْ بالمعروف وانه عَنِ المنكر واصبر على مَا أَصَابَكَ} في ذات الله تعالى إذا أمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر أو على ما أصابك من المحن فإنها تورث المنح {إِنَّ ذلك} الذي وصيتك به {من عزم الأمور} أى مما عومه الله من الأمور أي قطعه قطع إيجاب وإلزام أي أمر به أمراً حتماً وهو من تسمية المفعول بالمصدر وأصله من معزومات الأمور أى مقطوعاتها
لقمان (20 - 18)
ومفروضانها وهذا دليل على أن هذه الطاعات كانت مأموراً بها في سائر الأمم(2/716)
وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (18)
وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (18)
{ولا تصعر خدك للناس} أى ولاتعرض عنهم تكبراً تصاعر أبو عمرو ونافع وحمزة وعلى وهو بمعنى تصعر والصعير داء يصيب البعير يلوي منه عنقه والمعنى أقبل على الناس بوجهك تواضعاً ولا تولهم شق وجهك وصفحته كما يفعله المتكبرون {وَلاَ تَمْشِ فِى الأرض مَرَحًا} أي تمرح مرحاً أو أوقع المصدر موقع الحال أي مرحاً أو لا تمشى لأجل المرح والأشر {إِنَّ الله لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ} متكبر {فَخُورٌ} من يعدد مناقبه تطاولا(2/716)
وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ (19)
وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ (19)
{واقصد} القصد التوسط بين العلو والتقصير {فِى مشيك} أى اعل فيه حتى يكون مشياً بين مشيين لا تدب دبيب المتماوتين ولا تثب وثوب الشطار قال عليه السلام سرعة المشي تذهب بهاء(2/716)
المؤمن وأما قول عائشة فى عمر رضى الله تعالى عنه كان إذا مشى أسرع فإنما أرادت السرعة المرتفعة عن دبيب المماوت وعن ابن مسعود رضى الله عنه كانوا ينهون عن خيب اليهود ودبيب النصارى ولكن مشياً بين ذلك وقبل معناه وانظر موضع قدميك متواضعاً {واغضض مِن صَوْتِكَ} وانقص منه أي اخفض صوتك {إِنَّ أَنكَرَ الأصوات} أي أوحشها {لَصَوْتُ الحمير} لأن أوله زفير وآخره شهيق كصوت أهل النار وعن الثورى صباح كل شيء تسبيح إلا الحمار فإنه يصيح لرؤية الشيطان ولذلك سماه الله منكراً وفي تشبيه الرافعين أصواتهم بالحمير وتمثيل أصواتهم بالنهاق تنبيه على أن رفع الصوت في غاية الكراهة يؤيده ما روي أنه عليه السلام كان يعجبه أن يكون الرجل خفيض الصوت ويكره أن يكون مجهور الصوت وإنما وحد صوت الحمير ولم يسمع لأنه لم يرد أن يذكر صوت كل واحد من احاد هذا الجنس حتى يجمع بل المراد أن كل جنس من الحيوان له صوت وأنكر أصوات هذه الأجناس صوت هذا الجنس فوجب توحيده(2/717)
أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ (20)
أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ (20)
{أَلَمْ تَرَوْاْ أَنَّ الله سَخَّرَ لَكُمْ مَّا فِى السماوات} يعني الشمس والقمر والنجوم والسحاب وغير ذلك {وَمَا فِى الأرض} يعني البحار والأنهار والمعادن والدواب وغير ذلك {وَأَسْبَغَ} وأتم {عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ} مدني وأبو عمرو وسهل وحفص نعمته وغيرهم والنعمة كل نفع قصد به الإحسان {ظاهرة} بالمشاهدة {وَبَاطِنَةً} ما لا يعلم إلا بدليل ثم قيل الظاهرة البصر والسمع واللسان وسائر الجوارح الظاهرة والباطنة القلب والعقل والفهم وما أشبه ذلك ويروى في دعاء موسى عليه السلام إلهي دلني على أخفى نعمتك على عبادك فقال أخفى تعمتى عليهم النفس وقبل تخفيف الشرائع وتضعيف الذرائع والخلق والخلق ونيل العطايا وصرف البلايا وقبول الخلق ورضا الرب وقال ابن عباس(2/717)
الظاهرة ما سوى
لقمان (26 - 20)
من خلقك والباطنة ما ستر من عيوبك {ومِنَ الناس مَن يجادل فِى الله بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلاَ هُدًى وَلاَ كتاب مُّنِيرٍ} نزلت فى النضر بن الجرث وقد مر في الحج(2/718)
وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ (21)
وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ (21)
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتبعوا مَا أَنزَلَ الله قالوا بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا أَوَلَوْ كَانَ الشيطان يَدْعُوهُمْ إلى عَذَابِ السعير} معناه أيتبعونهم ولو كان الشيطان يدعوهم أي في حال دعاء الشيطان إياهم إلى العذاب(2/718)
وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ (22)
وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ (22)
{وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى الله} عدِّي هنا بالى وفى بلى من أسلم وجهه لله باللام فمعناه مع اللام أنه جعل وجهه وهوذاته ونفسه سالماً لله أي خالصاً له ومعناه مع إلى أنه سلم إليه نفسه كما يسلم المتاع إلى الرجل إذا دفع إليه والمراد التوكل عليه والتفويض إليه {وَهُوَ مُحْسِنٌ} فيما يعمل {فَقَدِ استمسك} تمسك وتعلق {بالعروة} هي ما يعلق به الشيء {الوثقى} تأنيث الا وثق مثل حال المتوكل بحال من أراد أن يتدلى من شاهق فاحتاط لنفسه بأن استمسك بأوثق عروة من حبل متين مأمون انقطاعه {وإلى الله عاقبة الأمور} أي هي صائرة إليه فيجازي عليها(2/718)
وَمَنْ كَفَرَ فَلَا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (23)
وَمَنْ كَفَرَ فَلَا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (23)
{وَمَن كَفَرَ} ولم يسلم وجهه لله {فَلاَ يَحْزُنكَ كُفْرُهُ} من حزن يُحزِنك نافع من أحزن أي لا يهمنك كفر من كفر {إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبّئُهُم بِمَا عَمِلُواْ} فنعاقبهم على أعمالهم {إِنَّ الله عَلِيمٌ بِذَاتِ الصدور} إن الله يعلم ما في صدور عباده فيفعل بهم على حسبه(2/718)
نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلًا ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَى عَذَابٍ غَلِيظٍ (24)
نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلًا ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَى عَذَابٍ غَلِيظٍ (24)
{نُمَتّعُهُمْ} زماناً {قَلِيلاً} بدنياهم {ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ} نلجئهم {إلى عَذَابٍ غَلِيظٍ} شديد شبه إلزامهم التعذيب وإرهاقهم إياه باضطرار المضطر(2/718)
إلى الشيء والغلظ مستعار من الاجرام الغيظة والمراد الشدة والثقل على المعذب(2/719)
وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (25)
وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (25)
{وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ السماوات والأرض لَيَقُولُنَّ الله قُلِ الحمد لِلَّهِ} إلزام لهم على اقرارهم بأن الذى خلق السموات والأرض هو الله وحده وأنه يجب أن يكون له الحمد والشكر وأن لا يعبد معه غيره ثم قال {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} أن ذلك يلزمهم وإذا نبهوا عليه لم يتنبهوا(2/719)
لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (26)
لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (26)
{لِلَّهِ مَا فِى السماوات والأرض إِنَّ الله هُوَ الغنى} عن حمد الحامدين {الحميد} المستحق للحمد وإن لم يحمدوه(2/719)
وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (27)
وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (27)
قال المشركون إن هذا أي الوحي كلام سينفد فأعلم الله أن كلامه
لقمان (29 - 27)
لا ينفد بقوله {وَلَوْ أَنَّمَا فِى الأرض مِن شَجَرَةٍ أَقْلاَمٌ والبحر يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كلمات الله} والبحر بالنصب أبو عمرو ويعقوب عطفاً على اسم أن وهو ما والرفع على محل أن ومعمولها أي ولو ثبت كون الأشجار أقلاماً وثبت البحر ممدوداً بسبعة أبحر أو على الابتداء والواو للحال على معنى ولو أن الأشجار أقلام في حال كون البحر ممدوداً وقرىء يُمِدّهُ وكان مقتضى الكلام أن يقال ولو أن الشجر أقلام والبحر مداد لكن أعنى عن ذكر المداد قوله يمده لأنه من قولك مد الدواة وأمدها جعل البحر الأعظم بمنزلة الدواة وجعل الابحر السبعة مملوأة مدادا فهى نصب فيه مدادها أبدا صبالا ينقطع والمعنى ولو أن أشجار الأرض أقلام والبحر ممدودا بسبعة أبحر وكتبت بتلك الأقلام وبذلك المداد كلمات الله لما نفدت كلماته ونفدت الاقلام والمداد كقوله قل لوكان البحر مِدَاداً لكلمات رَبّى لَنَفِدَ البحر قَبْلَ أَن تَنفَدَ كلمات رَبّى فان قلت رعمت أن قوله والبحر يمده حال في أحد وجهي الرفع وليس فيه ضمير راجع إلى ذي(2/719)
الحال قلت هو كقولك جئت والجيش مصطف وما أشبه ذلك من الأحوال التي حكمها حكم الظروف وإنما ذكر شجرة على التوحيد لأنه أريد تفصيل الشجر وتقصيها شجرة شجرة حتى لا يبقى من جنس الشجر ولا واحدة إلا وقد بريت أقلاماً وأوثر الكلمات وهي جمع قلة على الكلم وهي جمع كثيرة لأن معناه ان كلماته لا تفى بكتبتها البحار فكيف بكلمه {أَنَّ الله عَزِيزٌ} لا يعجزه شيء {حَكِيمٌ} لا يخرج من علمه وحكمته شيء فلا تنفد كلماته وحكمه(2/720)
مَا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (28)
مَا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (28)
{مَّا خَلْقُكُمْ وَلاَ بَعْثُكُمْ إِلاَّ كَنَفْسٍ واحدة} إلا كخلق نفس واحدة وبعث نفس واحدة فحذف للعلم به أي سواء في قدرته القليل والكثير فلا يشغله شأن عن شأن {إِنَّ الله سَمِيعٌ} لقول المشركين إنه لا بعث {بصير} بأعمالهم فيجازنهم(2/720)
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (29)
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (29)
{ألم تر أن الله يولج الليل فِى النهار} يدخل ظلمة الليل في ضوء النهار إذا أقبل الليل {وَيُولِجُ النهار فِى الليل وَسَخَّرَ الشمس والقمر} لمنافع العباد {كُلٌّ} أي كل واحد من الشمس والقمر {يَجْرِى} في فلكه ويقطعه {إلى أَجَلٍ مُّسَمًّى} إلى يوم القيامة أو إلى وقت معلوم الشمس إلى آخر السنة والقمر إلى آخر الشهر {وَأَنَّ الله بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} وبالياء عياش دل أيضاً بتعاقب الليل والنهار وزيادتهما ونقصانهما وجرى النيرين
لقمان (33 - 30)
في فلكيهما على تقدير وحساب وبإحاطته بجميع أعمال الخلق على عظم قدرته وكمال حكمته(2/720)
ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (30)
ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (30)
{ذلك بِأَنَّ الله هُوَ الحق وَأَنَّ مَا يدعون} بالياء عراقى فى غير أبي بكر {مِن دُونِهِ الباطل وَأَنَّ الله هُوَ العلى الكبير} أي ذلك الوصف الذي وصف به من(2/720)
عجائب قدرته وحكمته التي يعجز عنها الأحياء القادرون العالمون فكيف بالجماد الذي يدعونه من دون الله إنما هو بسبب أنه هو الحق الثابت الإلهية وأن من دونه باطل الإلهية وأنه هو العلي الشأن الكبير السلطان(2/721)
أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آيَاتِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (31)
أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آيَاتِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (31)
{أَلَمْ تَرَ أَنَّ الفلك} وقريء الفلك وكل فُعْل يجوز فيه فعل كما يجوز في كل فعل فعل {تجري في البحر بنعمة الله} بإحسانه ورحمته أو بالريح لأن الريح من نعم الله {ليريكم من آياته} عجائب قدرته في البحر إذا ركبتموها {إِنَّ فِى ذلك لآيات لّكُلّ صَبَّارٍ} على بلائه {شَكُورٍ} لنعمائه وهما صفتا المؤمن فالإيمان نصفان نصفه شكر ونصفه صبر فكأنه قال إن في ذلك لآيات لكل مؤمن(2/721)
وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ (32)
وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ (32)
{وَإِذَا غَشِيَهُمْ} أي الكفار {مَّوْجٌ كالظلل} الموج يرتفع فيعود مثل الظلل والظلة كل ما أظلك من جبل أو سحاب أو غيرهما {دَعَوُاْ الله مُخْلِصِينَ لَهُ الدين فَلَمَّا نجاهم إِلَى البر فَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ} أي باقٍ على الإيمان والإخلاص الذي كان منه ولم يعد إلى الكفر أو مقتصد في الإخلاص الذي كان عليه في البحر يعني أن ذلك الإخلاص الحادث عند الخوف لا يبقى لأحد قط والمقتصد قليل نادر {وما يجحد بآياتنا} أي بحقيقتها {إِلاَّ كُلُّ خَتَّارٍ} غدار والختر أقبح الغدر {كفور} لربه(2/721)
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (33)
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (33)
{يا أيها الناس اتقوا رَبَّكُمْ واخشوا يَوْماً لاَّ يَجْزِى وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ} لا يقضي عنه شيئاً والمعنى لا يجزى فيه فحذف {وَلاَ مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئاً} وارد على طريق من التوكيد لم يرد عليه ما هو معطوف عليه لأن الجملة الاسمية آكد من الجملة الفعلية وقد انضم إلى ذلك قوله هو وقوله(2/721)
مولود والسبب في ذلك أن الخطاب للمؤمنين وعليهم قبض آباؤهم على الكفر فأريدهم أطماعهم أن ينفعوا آباءهم بالشفاعة في الآخرة ومعنى التأكد فى لفظ المولود أن الواحد منهم لو شفع للأب الأدنى الذي ولد منه لم تقبل شفاعته فضلاً أن يشفع لأجداده إذ الولد يقع على الولد وولد الولد بخلاف المولود فإنه لمن ولد منك كذ انى الكشاف {إِنَّ وَعْدَ الله} بالبعث والحساب والجزاء
لقمان (34 - 33)
{حَقٌّ فَلاَ تَغُرَّنَّكُمُ الحياة الدنيا} بزينتها فإن نعمتها دانية ولدتها فانية {وَلاَ يَغُرَّنَّكُم بالله الغرور} الشيطان أو الدنيا أو الأمل(2/722)
إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (34)
إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (34)
{إِنَّ الله عِندَهُ عِلْمُ الساعة} أي وقت قيامها {وَيُنَزّلُ} بالتشديد شامي ومدني وعاصم وهو عطف على ما يقتضيه الظرف من الفعل تقديره إن الله يثبت عنده علم الساعة وينزل {الغيث} في إبّانه من غير تقديم ولا تأخير {ويعلم ما في الأرحام} أذكر أم أنثى وتام ناقص {وما تدري نفس} برة أو فاخرة {مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً} من خير أو شر وربما كانت عازمة على خير فعملت شراً أو عازمة على شر فعملت خيراً {وَمَا تَدْرِى نَفْسٌ بِأَىّ أَرْضٍ تَمُوتُ} أي أين تموت وربما أقامت بأرض وضربت أو تادها وقالت لا أبرحها فترمي بها مرامي القدر حتى تموت في مكان لم يخطر ببالها روي أن ملك الموت مر على سليمان فجعل ينظر إلى رجل من جلسائه فقال الرجل من هذا قال له ملك الموت قال كأنه يريدني وسأل سليمان عليه السلام أن يحمله على الريح ويلقيه ببلاد الهند ففعل ثم قال ملك الموت لسليمان كان دوام نظري إليه تعجباً منه لأني أمرت أن أقبض روحه بالهند وهو عندك وجعل العلم لله والدراية للعبيد لما فى الدراية من معنى الختل والحيلة والمعنى أنها لا تعرف وإن أعملت حيلها ما يختص بها(2/722)
ولا شيء أخص بالإنسان من كسبه وعاقبته فإذا لم يكن له طريق إلى معرفتهما كان معرفة ما عداهما أبعد وأما المنجم الذي يخبر بوقت الغيث والموت فإنه يقول بالقياس والنظر في الطالع وما يدرك بالدليل لا يكون غيباً على أنه مجرد الظن والظن غير العلم وعن النبى صلى الله عليه وسلم مفاتح الغيب خمس وتلا هذه الآية وعن ابن عباس رضى الله عنهما من ادّعى علم هذه الخمسة فقد كذب ورأى المنصور في منامه صورة ملك الموت وسأله عن مدة عمره فأشار بأصابعه الخمس فعبرها المعبرون بخمس سنوات وبخمسة أشهر وبخمسة أيام فقال أبو حنيفة رضى الله عنه هو إشارة إلى هذه الآية فإن هذه العلوم الخمسة لا يعلمها إلا الله {إِنَّ الله عَلِيمٌ} بالغيوب {خَبِيرٌ} بما كان ويكون وعن الزهريّ رضي الله تعالى عنه أكثروا قر اءة سورة لقمان فإن فيها أعاجبب والله أعلم(2/723)
السجدة (5 - 1)
سورة السجدة {الم تنزيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين {
سورة السجدة مكية وفى ثلاثون آية مدني وكوفي وتسع وعشرون آية يصرى
بسم الله الرحمن الرحيم(3/5)
الم (1)
الم (1)
{الم} على أنها اسم السورة مبتدأ وخبره(3/5)
تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2)
تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2)
{تنزيل الكتاب} وإن حعلتها تعديداً للحروف ارتفع تنزيل بأنه خبر مبتدأ محذوف أو هو مبتدأ خبره {لا ريب فيه} أو يرتفع بالابتداء وخبره {من رّبّ العالمين} ولا ريب فيه اعتراض لا محل له والضمير في فيه راجع إلى مضمون الجملة كأنه قال لا ريب في ذلك أي في كونه منزلاً من رب العالمين لأنه معجز للبشر ومثله أبعد شيء من الريب ثم أضرب عن ذلك إلى قوله(3/5)
أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (3)
أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (3)
{أم يقولون افتراه} أي اختلقه محمد لأن أم هي المنقطعة الكائنة بمعنى بل والهمزة معناه بل أيقولون افتراه انكارا لقولهم وتعجبنا منهم لظهور أمره فى عجز بلغئهم عن مثل ثلاث آيات منه {بل هو الحقّ} ثم أضرب عن الإنكار إلى إثبات أنه الحق {من رّبّك} ولم يفتره محمد صلى الله عليه وسلم كما قالوا تعنتاً وجهلاً {لتنذر قوماً} أي العرب {مّا أتاهم مّن نّذيرٍ مّن قبلك} ما للنفى والجملة صفة لقوما {لعلّهم يهتدون} على(3/5)
الترجي من رسول الله صلى الله عليه وسلم كما كان لعله يتذكر على الترجي من موسى وهرون(3/6)
اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ (4)
اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ (4)
{الله الّذي خلق السّماوات والأرض وما بينهما في ستّة أيّامٍ ثمّ استوى على العرش} استولى عليه بإحداثه {ما لكم مّن دونه} من دون الله {من وليّ ولا شفيعٍ} أي إذا جاوزتم رضاه لم تجدوا لأنفسكم ولياً أي ناصراً ينصركم ولا شفيعاً يشفع لكم {أفلا تتذكّرون} تتعظون بمواعظ الله(3/6)
يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (5)
يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (5)
{يدبّر الأمر} أي أمر الدنيا {من السّماء إلى الأرض} إلى أن تقوم الساعة {ثمّ يعرج إليه} ذلك الأمر كله أي يصير إليه ليحكم فيه {في يومٍ كان مقداره ألف سنةٍ} وهو يوم القيامة {مّمّا تعدّون} من أيام الدنيا ولاتمسك للمشبهة بقوله إليه في إثبات الجهة لأن معناه إلى حيث يرضاه أو أمره كما لاتشبث لهم بقوله إنى ذاهب إلى
السجدة (11 - 6)
ربى إنى مهاجر إلى ربى ومن يخرج من بيته مهاجر إلى الله(3/6)
ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (6)
ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (6)
{ذلك عالم الغيب والشهادة} أى الوصوف بما مر عالم ما غاب عن الخلق وما شاهدوه {العزيز} الغالب أمره {الرّحيم} البالغ لطيفه وتيسيره وقيل لا وقف عليه لأن(3/6)
الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ (7)
الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ (7)
{الّذي} صفته {أحسن كلّ شيءٍ} أي حسنه لأن كل شيء مرتب على ما اقتضته الحكمة {خلقه} كوفي ونافع وسهل على الوصف أي كل شيء خلقه فقد أحسن خلقه غيرهم على البدل أي أحسن خلق كل شيء {وبدأ خلق الإنسان} آدم {من طينٍ}(3/6)
ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ (8)
ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ (8)
{ثمّ جعل نسله} ذريته {من سلالةٍ} من نطفة {مّن مّاءٍ} أي مني وهو بدل من سلالة {مّهينٍ} ضعيف حقير(3/7)
ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ (9)
ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ (9)
{ثمّ سواه} قومه كقوله في أحسن تقويم {ونفخ} أدخل {فيه من رّوحه} الإضافة للاختصاص كأنه قال ونفخ فيه من الشيء الذي اختص هو به وبعلمه {وجعل لكم السّمع والأبصار والأفئدة} لتسمعوا وتبصروا وتعقلوا {قليلاً مّا تشكرون} أي تشكرون قليلاً(3/7)
وَقَالُوا أَإِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ هُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ (10)
وَقَالُوا أَإِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ هُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ (10)
{وقالوا} القائل أبيّ بن خلف ولرضاهم بقوله أسند إليهم {أئذا ضللنا في الأرض} أي صرنا تراباً وذهبنا مختلطين بتراب الأرض لا نتميز منه كما يضل الماء في اللبن أو غبنا في الأرض بالدفن فيها وقرأ عليٌّ ضللنا بكسر اللام يقال ضل يضل وضل يضل وانتصب الظرف في أئذا ضللنا بما يدل عليه {أئنا لفي خلقٍ جديدٍ} وهو نبعث {بل هم بلقاء ربّهم كافرون} جاحدون لما ذكر كفرهم بالبعث أضرب عنه إلى ما هو أبلغ وهو أنهم كافرون بجميع ما يكون في العاقبة لا بالبعث وحده(3/7)
قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (11)
قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (11)
{قل يتوفّاكم مّلك الموت الّذي وكّل بكم ثمّ إلى ربّكم ترجعون} أي يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بقبض أرواحكم ثم ترجعون إلى ربكم بعد ذلك مبعوثين للحساب والجزاء وهذا معنى لفاء الله والتوفى استبفاء النفس وهي الروح أي يقبض أرواحكم أجمعين من قولك توفيت حقي من فلان إذا أخذته وافيا كملا من غير نقصان وعن مجاهد حويت لملك الموت الأرض وجعلت له مثل الطست يتناول منها حيث يشاء وقيل ملك الموت يدعو الأرواح فتجيبه ثم يأمر أعوانه بقبضها والله تعالى هو الآمر لذلك كله وهو الخالق لأفعال المخلوقات وهذا وجه الجمع بين هذه(3/7)
الآية وبين قوله توفته رسلنا وقوله الله يتوفى الانفس
السجدة (16 - 12)
حين موتها(3/8)
وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ (12)
وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ (12)
{ولو ترى} الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم أو لكل أحد ولو امتناعية والجواب محذوف أي لرأيت أمراً عظيماً {إذ المجرمون} هم الذين قالوا أئذا ضللنا فى الأرض ولو واذ للمضي وإنما جاز ذلك لأن المترقب من الله بمنزله الموجود لا يقدر لنرى ما يتناوله كأنه قيل ولو تكون منك الرؤية واذ ظرف له {ناكسو رؤوسهم} من الذل والحياء والندم {عند ربّهم} عند حساب ربهم ويوقف عليه لحق الحذف اذ التقدير يقولون {ربنا أبصرنا} صدق وعدك ووعيدك وسمعنا منك تصديق رسلك أو كنا عميا وصما فأبصرناوسمعنا {فارجعنا} إلى الدنيا {نعمل صالحاً} أي الإيمان والطاعة {إنّا موقنون} بالبعث والحساب الآن(3/8)
وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (13)
وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (13)
{ولو شئنا لآتينا كلّ نفسٍ هداها} في الدنيا أي لو شئنا أعطينا كل نفس ما عندنا من اللطف الذي لو كان منهم اختيار ذلك لاهتدوا لكن لم نعطهم ذلك الطف لما علمنا منهم اختيار الكفر وإيثاره وهو حجة على المعتزلة فإن عندهم شاء الله أن يعطي كل نفس ما به اهتدت وقد أعطاها لكنها لم تهدوهم أوّلوا الآية بمشيئة الجبر وهو تأويل فاسد لما عرف في تبصر الأدلة {ولكن حقّ القول منّي لأملأنّ جهنّم من الجنّة والنّاس أجمعين} ولكن وجب القول مني بما علمت أنه يكون منهم ما يستوجبون به جهنم وهو ما علم منهم أنهم يختارون الرد والتكذيب وفي تخصيص الإنس والجن إشارة إلى أنه عصم ملائكته عن عمل يستوجبون به جهنم(3/8)
فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (14)
فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (14)
{فذوقوا} العذاب {بما نسيتم لقاء} بما تركتم من علم لقاء {يومكم(3/8)
هذا} وهو الإيمان به {إنّا نسيناكم} تركنا كم فى العذاب كالمنسى {وذوقوا عذاب الخلد} أى العذاب الدائم للذى لا انقطاع له {بما كنتم تعملون} من الكفر والمعاصى(3/9)
إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (15)
إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (15)
{إنّما يؤمن بآياتنا الّذين إذا ذكّروا بها} أي وعظوا بها {خرّوا سجّداً} سجدوا لله تواضعاً وخشوعاً وشكراً على ما رزقهم من الإسلام {وسبّحوا بحمد ربّهم} ونزهوا الله عما لا يليق به وأثنوا عليه حامدين له {وهم لا يستكبرون} عن الإيمان به والسجود له(3/9)
تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (16)
تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (16)
{تتجافى} ترتفع وتتنحى {جنوبهم عن المضاجع} عن الفرش ومضاجع النوم قال سهل وهب لقوم هبة وهو أن أذن لهم في مناجاته وجعلهم من أهل وسيلته ثم مدحهم عليه
السجدة (21 - 16)
فقال نتجافى جنوبهم عن المضاجع {يدعون} داعين {ربّهم} عابدين له {خوفاً وطمعاً} مفعول له أي لأجل خوفهم من سخطه وطمعهم فى رحمته وقم المتهجدون وعن النبى صلى الله عليه وسلم في تفسيرها قيام العبد من الليل وعن ابن عطاء أبت جنوبهم أن تسكن على بساط الغفلة وطلبت بساط القرية يعني صلاة الليل وعن أنس كان أناس من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم يصلون من صلاة المغرب إلى صلاة العشاء الأخيرة فنزلت فيهم وقيل هم الذين يصلون صلاة العتمة لا ينامون عنها {وممّا رزقناهم ينفقون} في طاعة الله تعالى(3/9)
فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (17)
فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (17)
{فلا تعلم نفسٌ مّا أخفي لهم} ما بمعنى الذي أخفي على حكاية النفس حمزة ويعقوب {مّن قرّة أعينٍ} أي لا يعلم أحد ما أعد لهؤلاء من(3/9)
الكرامة {جزاءً} مصدر أى جوز واجزاء {بما كانوا يعملون} عن الحسن رضى الله عنه أخفى القوم أعمالا فى الدنيا فأخفى الله لهم ما لا عين رأت ولا أذن سمعت وفيه دليل على أن المراد الصلاة في جوف الليل ليكون الجزاء وفاقاً ثم بين أن من كان في نور الطاعة والايمان لايستوى مع من هو في ظلمة الكفر والعصيان بقوله(3/10)
أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ (18)
أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ (18)
{أفمن كان مؤمناً كمن كان فاسقاً} أي كافرا وهما محمولان على لفظ من قوله {لاّ يستوون} على المعنى بدليل قوله(3/10)
أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلًا بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (19)
أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلًا بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (19)
{أمّا الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات فلهم جنّات المأوى} هي نوع من الجنان تأوي إليها أرواح الشهداء وقيل هي عن يمين العرش {نزلاً بما كانوا يعملون} عطاء بأعمالهم والنزل عطاء النازل ثم صار عاماً(3/10)
وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (20)
وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (20)
{وأمّا الّذين فسقوا فمأواهم النّار} أي ملجؤهم ومنزلهم {كلّما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها وقيل لهم} أي تقول لهم خزنة النار {ذوقوا عذاب النّار الّذي كنتم به تكذّبون} وهذا دليل على أن المراد بالفاسق الكافر إذالتكذيب يقابل الايمان(3/10)
وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (21)
وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (21)
{ولنذيقنّهم مّن العذاب الأدنى} أي عذاب الدنيا من الأسر وما محنوا به من السنة سبع سنين {دون العذاب الأكبر} أي عذاب الآخرة أي نذيقهم عذاب الدنيا قبل أن يصلوا إلى الآخرة عن الدار انى العذاب الادنى الخذلال والعذاب الأكبر الخلود في النيران وقيل العذاب الأدنى عذاب القبر {لعلّهم} لعل المعذبين بالعذاب الأدنى {يرجعون} يتوبون عن الكفر(3/10)
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ (22)
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ (22)
{ومن أظلم ممن ذكر}
السجدة (27 - 22)
وعظ {بآيات ربّه} أي بالقرآن {ثمّ أعرض(3/10)
عنها} أى فتولى عنها ولم يتدبر فيهاوثم للاستبعاد أي أن الإعراض عن مثل هذه الآيات في وضوحها وإنارتها وإرشادها إلى سواء السبيل والفوز بالسعادة العظمى بعد التذكير بها مستبعد في العقل كما تقول لصاحبك وجدت مثل تلك الفرصة ثم لم تنتهزها استبعاداً لتركه الانتهاز {إنّا من المجرمين منتقمون} ولم يقل منه لأنه إذا جعله أظلم كل ظالم ثم توعد المجرمين عامة بالانتقام منهم فقد دل على اصابة الاطلم النصيب الا وفر من الانتقام ولو قال بالضمير لم يفد هذه الفائدة(3/11)
وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَلَا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ (23)
وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَلَا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ (23)
{ولقد آتينا موسى الكتاب} التوراة {فلا تكن في مريةٍ} شك {من لقائه} من لقاء موسى الكتاب أو من لفائك موسى ليلة المعراج أو يوم القيامة أو من لقاء موسى ربه في الآخرة كذا عن النبى صلى الله عليه وسلم {وجعلناه هدًى لّبني إسرائيل} وجعلنا الكتاب المنزل على موسى لقومه هدى(3/11)
وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ (24)
وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ (24)
{وجعلنا منهم أئمّةً} بهمزتين كوفي وشامي {يهدون} بذلك الناس ويدعونهم إلى ما في التوراة من دين الله وشرائعه {بأمرنا} إياهم بذلك {لمّا صبروا} حين صبروا على الحق بطاعة الله أو عن المعاصي لما صبروا حمزة وعلى أي لصبرهم على الدنيا وفيه دليل على أن الصبر ثمرته إمامة الناس {وكانوا بآياتنا} التوراة {يوقنون} يعلمون علماً لا يخالجه شك(3/11)
إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (25)
إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (25)
{إنّ ربّك هو يفصل} يقضي {بينهم يوم القيامة} بين الأنبياء وأممهم أو بين المؤمنين والمشركين {فيما كانوا فيه يختلفون} فيظهر المحق من المبطل(3/11)
أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ أَفَلَا يَسْمَعُونَ (26)
أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ أَفَلَا يَسْمَعُونَ (26)
{أولم} الواو للعطف على المعطوف عليه منوي من جنس المعطوف أي أو لم يدع {يهد} يبين والفاعل الله بدليل قراءة زيد عن يعقوب(3/11)
نهد {لهم} لأهل مكة {كم} لا يجوز أن يكون كم فاعل يهدى لأن كم للاستفهام فلا يعمل فيه ما قبله ومحله نصب بقوله {أهلكنا من قبلهم مّن القرون} كعاد وثمود وقوم لوط {يمشون في مساكنهم} أي أهل مكة يمرون في متاجرهم على ديارهم وبلادهم {إنّ في ذلك لآياتٍ أفلا يسمعون} المواعظ فيتعظوا(3/12)
أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلَا يُبْصِرُونَ (27)
أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلَا يُبْصِرُونَ (27)
{أولم يروا أنّا نسوق الماء} نجري المطر والأنهار {إلى الأرض الجرز} أي الأرض التي جرز نباتها أي قطع إما لعدم الماء أو لانه رعى ولا يقال
السجدة (30 - 27)
التى لا تنبت كالسباخ جرز بدليل قوله {فنخرج به} بالماء {زرعاً تأكل منه} من الزرع {أنعامهم} من عصفه {وأنفسهم} من حبه {أفلا يبصرون} بأعينهم فيستدلوا به على قدرته على احياء الموتى(3/12)
وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (28)
وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (28)
{ويقولون متى هذا الفتح} النصر أو الفصل بالحكومة من قوله ربنا افتح بيننا وكان المسلمون يقولون إن الله سيفتح لنا على المشركين أو يفتح بيننا وبينهم فإذا سمع المشركون ذلك قالوا متى هذا الفتح أى فى أى رقت يكون {إنّ كنتم صادقين} في أنه كائن(3/12)
قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (29)
قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (29)
{قل يوم الفتح} أي يوم القيامة وهو يوم الفصل بين المؤمنين وأعدائهم أو يوم نصرهم عليهم أو يوم بدر أو يوم فتح مكة {لا ينفع الّذين كفروا إيمانهم ولا هم ينظرون} وهذا الكلام لم ينطبق جواباً على سؤالهم ظاهراً ولكن لما كان غرضهم في السؤال عن وقت الفتح استعجالاً منهم على وجه التكذيب والاستهزاء أجيبوا على حسب ما عرف من غرضهم في سؤالهم فقيل لهم لا تستعجلوا به ولا تستهزؤا فكأني بكم وقد حصلتم في ذلك اليوم وآمنتم فلا ينفعكم الإيمان أو استنظرتم في إدراك العذاب فلم تنظروا ومن(3/12)
فسره بيوم الفتح أو بيوم بدر فهو يريد المقتولين منهم فإنهم لا ينفعهم إيمانهم في حال القتل كما لم ينفع فرعون إيمانه عند الغرق(3/13)
فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ (30)
فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ (30)
{فأعرض عنهم وانتظر} البصرة وهلا كهم {إنهم منتظرون} العلبة عليكم وهلاككم وكان عليه السلام لا ينام حتى يقرأ الم تنزيل السجدة وتبارك الذى بيده الملك وقال من قرأ الم تنزيل في بيته لم يدخله الشيطان ثلاثة أيام وعن ابن مسعود رضى الله عنه قال سورة الم تنزيل هي المانعة تمنع من عذاب القبر والله اعلم(3/13)
سورة الأحزاب مدنية وهي ثلاث وسبعون آية
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
قال ابى بن كعب رضى الله عنه لزركم تعدون سورة الأحزاب قال ثلاثاً وسبعين قال فو الذى يحلف به أبيّ إن كانت لتعدل سورة البقرة أو أطول ولقد قرأنا منها آية الرجم الشيخ والشيخة إذا زينا فارجموهما ألبتة نكالاً من الله والله عزيز حكيم أراد أبيّ أن ذلك من جملة ما نسخ من القرآن وأما ما يحكى أن تلك الزيادة كانت في صحيفة في بيت عائشة رضى الله عنها فأكلتها الداجن فمن تأليفات الملاحدة والروافض(3/14)
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (1)
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (1)
{يا أيّها النّبيّ} وبالهمز نافع أي يا أيها المخبر عنا المأمون على أسرارنا المبلغ
الأحزاب (4 - 1)
خطابنا إلى أحبابنا وإنما لم يقل يا محمد كما قال يا آدم يا موسى تشريفاً له وتنويهاً بفضله وتصريحه باسمه في قوله محمد رسول الله ونحوه لتعليم الناس بأنه رسول الله {اتّق الله} اثبت على تقوى الله ودم عليه وازدد منه فهو باب لايدرك مداه {ولا تطع الكافرين والمنافقين} ولا تساعدهم على شئ واحترس منهم فإنهم أعداء الله(3/14)
والمؤمنين وروي أن أبا سفيان وعكرمة بن أبي جهل وأبا الأعور السلمي قدموا المدينة بعد قتال أحد فنزلوا على عبد الله بن أبيّ وأعطاهم النبي الأمان على أن يكلموه فقالوا ارفض ذكر آلهتنا وقل إنها تنفع وتشفع ووازرهم المنافقون على ذلك فهمّ المسلمون بقتلهم فنزلت أي اتق الله في نقض العهد ولا تطع الكافرين من أهل مكة والمنافقين من أهل المدينة فيما طلبوا {إنّ الله كان عليماً} بخبث أعمالهم {حكيماً} في تأخير الأمر بقتالهم(3/15)
وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (2)
وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (2)
{واتّبع ما يوحى إليك من رّبّك} في الثبات على التقوى وترك طاعة الكافرين والمنافقين {إنّ الله} الذي يوحي إليك {كان بما تعملون خبيرا} أى لم يزل عالما بأعمالكم وقيل إنما جمع لأن المراد بقوله اتبع هو وأصحابه وبالياء أبو عمرو أى بما يعمل الكافرون والمنافقون من كيدهم لكم ومكرهم بكم(3/15)
وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا (3)
وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا (3)
{وتوكّل على الله} أسند أمرك إليه وكله إلى تدبيره {وكفى بالله وكيلاً} حافظاً موكولاً إليه كل أمر وقال الزجاج لفظه وإن كان لفظ الخبر فالمعنى اكتف بالله وكيلاً(3/15)
مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ (4)
مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ (4)
{مّا جعل الله لرجلٍ مّن قلبين في جوفه وما جعل أزواجكم اللائي تظاهرون منهنّ أمهاتكم وما جعل أدعياءكم أبناءكم} أي ما جمع الله قلبين في جوف ولا زوجية وأمومة في امرأة ولا بنوة ودعوة في رجل والمعنى أنه تعالى كما لم يجعل لإنسان قلبين لأنه لا يخلو اما أن يفعل بالآخر فعلاً من أفعال القلوب فأحدهما فضلة غير محتاج إليه وإما أن يفعل بهذا غير ما يفعل بذاك(3/15)
فذلك يؤدي إلى اتصاف الجملة بكونه مريداً كارهاً عالماً ظاناً موقناً شاكاً في حالة واحدة لم يحكم أيضاً أن تكون المرأة الواحدة أما لرجل زوجاً له لأن الأم مخدومة والمرأة خادمة وبينهما مغافاة وأن يكون الرجل الواحد دعياً لرجل وابناً له لأن البنوة أصالة في النسب والدعوة الصدق عارض بالتسمية لا غير ولا يجتمع في الشيء الواحد أن يكون أصيلاً غير أصيل وهذا مثل ضربه الله تعالى في زيد بن حارثة وهو رجل من كلب صبى ضغير فاشتراه حكيم بن حزام لعمته خديجة فلما تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهبته له فطلبه أبوه وعمه فخير فاختار رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعتقه
الأحزاب (5 - 4)
وتبناه وكانوا يقولون زيد بن محمد فلما تزوج النبى صلى الله عليه وسلم زينب وكانت تحت زيد قال المنافقون تزوج محمد امرأة ابنه وهو ينهى عنه فأنزل الله هذه الآية وقيل كان المنافقون يقولون لمحمد قلبان قلب معكم وقلب مع أصحابه وقيل كان أبو معمر أحفظ العرب فقيل له ذو القلبين فأكذب الله قولهم وضربه مثلاً في الظهار والتبني والتنكير في رجل وادخال من الاستغراقيه على قلبين وذكر الجواب للتأكيد اللائي بياء بعد الهمزة حيث كان كوفي وشامي اللاء نافع ويعقوب وسهل وهي جمع التي تُظاهِرون عاصم من ظاهر إذا قال لامرأته أنت علي كظهر أمي تَظَاهَرون على وحمزة وخلف تظاهرون شامى من أظاهر بمعنى تظاهرغيرهم تظهرون من أظهر بمعنى ظهر وعدى بمن لتضمنه معنى البعد لأنه كان طلاقاً في الجاهلية ونظيره آلى من امرأته لما ضمن معنى التباعد عدى بمن والافآلى في أصله الذي هو معنى حلف وأقسم ليس هذا بحكمه والدعي فعيل بمعنى مفعول وهو الذي يدعي ولداً وجمع على أفعلاء شاذاً لأن بابه ما كان منه بمعنى فاعل كتقي وأتقياء وشقي وأشقياء ولا يكون ذلك فى نحو رمى وسمى للتشبيه اللفظي {ذلكم قولكم بأفواهكم} أي أن قولكم للزوجة هي أم وللدعي هو ابن قول تقولونه بألسنتكم لا حقيقة له إذ الابن يكون بالولادة وكذا الأم {والله يقول الحقّ} أي ما حق ظاهره وباطنه {وهو يهدى السّبيل} أي(3/16)
سبيل الحق ثم قال ما هو الحق وهدى إلى ما هو سبيل الحق وهو قوله(3/17)
ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (5)
ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (5)
{ادعوهم لآبائهم هو أقسط} أعدل {عند الله} وبين أن دعاءهم لآبائهم هو أدخل الأمرين في القسط والعدل وقيل كان الرجل في الجاهلية إذا أعجبه ولد الرجل ضمه إلى نفسه وجعل له مثل نصيب الذكر من أولاده من ميراثه وكان ينسب إليه فيقال فلان ابن فلان ثم انظر إلى فصاحة هذا الكلام حيث وصل الجملة الطلبية فصل الخبرية عنها ووصل بيها ثم فصل الاسمية عنها ووصل بينها ثم فصل بالطلبية {فإن لّم تعلموا آباءهم} فإن لم تعلموا لهم آباء تنسبونهم إليهم {فإخوانكم في الدّين ومواليكم} أي فهم إخوانكم في الدين وأولياؤكم فى الدين فقالوا هذا أخى وهذا مولاى ويا أخى ويامولاى يريد الأخوة في الدين والولاية فيه {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ} أي لا إثم عليكم فيما فعلتموه من ذلك مخطئين جاهلين قبل ورود النهي {ولكن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} ولكن الإثم عليكم فيما تعمدتموه بعد النهي أولا إثم عليكم إذا قلتم لولد غيركم يا بني على سبيل الخطأ وسبق اللسان ولكن إذا قلتموه متعمدين وما في موضع الجر عطف على ما الأولى ويجوز أن يراد العفو عن الخطأ دون العمد على سبيل العموم ثم
الأحزاب (7 - 6)
تناول لعمومه خطأ التبني وعمده وإذا وجد التبني فإن كان المتبني مجهول النسب وأصغر سنامنه ثبت نسبه منه وعتق إن كان عبداً له وان كان أكبر سنامنه لم يثبت النسب وعتق عند أبي حنيفة رضى الله عنه وأما المعروف النسب فلا يثبت نسبه بالتبني وعتق إن كان عبداً {وَكَانَ الله غَفُوراً رَّحِيماً} لا يؤاخذكم بالخطأ ويقبل التوبة من المتعمد(3/17)
النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا (6)
النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا (6)
{النبى أولى بالمؤمنين مِنْ أَنْفُسِهِمْ} أي أحق بهم في كل شيء من أمور الدين والدنيا وحكمه أنفذ عليهم من حكمها فعليهم أن يبذلوها دونه ويجعلوها فداءه أو هو أولى بهم أي أرأف بهم وأعطف عليهم وأنفع(3/17)
لهم كقوله بالمؤمنين رءوف رحيم وفي قراءة ابن مسعود النبى أولى بالمؤمنين من أنفسهم وهو أب لهم وقال مجاهد كل نبي أبو أمته ولذلك صار المؤمنون أخوة لأن النبى صلى الله عليه وسلم أبوهم في الدين {وأزواجه أمهاتهم} في تحريم نكاحهن ووجوب تعطيمهن وهن فيما وراء ذلك كالإرث ونحوه كالأجنبيات ولهذا لم يتعد التحريم إلى بناتهن {وأولو الأرحام} وذووالقراباب {بَعْضُهُمْ أولى بِبَعْضٍ} في التوارث وكان المسلمون في صدر الإسلام يتوارثون بالولاية في الدين وبالهجرة لا بالفرابة ثم نسخ ذلك وجعل التوارث بحق القرابة {فِى كتاب الله} في حكمه وقضائه أو في اللوح المحفوظ أو فيما فرض الله {مِنَ المؤمنين والمهاجرين} يجوز أن يكون بياناً لأولي الأرحام أي الأقرباء من هؤلاء بعضهم أولى بأن يرث بعضها من الاجانب وأن يكون لا بتداء الغاية أى أولوا الأرحام بحق القرابة أولى بالميراث من المؤمنين أى الانصار بحق الولاية فى الدين من المهاجرين بحق الهجرة {إِلاَّ أَن تَفْعَلُواْ إلى أَوْلِيَائِكُمْ مَّعْرُوفاً} الاستثناء من خلاف الجنس أي لكن فعلكم إلى أوليائكم معروفاً جائز وهو أن توصوا لمن أحببتم من هؤلاء بشيء فيكون ذلك بالوصية لا بالميراث وعدي تَفْعَلُواْ بالى لأنه في معنى تسدوا والمراد بالأولياء المؤمنون والمهاجرون للولاية في الدين {كَانَ ذلك فِى الكتاب مَسْطُورًا} أي التوارث بالأرحام كان مسطوراً فى اللوح(3/18)
وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا (7)
وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا (7)
{وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النبيين مِيثَاقَهُمْ} واذكر حين أخذنا من النبيين ميثاقهم بتبليغ الرسالة والدعاء إلى الدين القيم {وَمِنْكَ} خصوصاً وقدم رسول الله على نوح ومن بعده لأن هذا العطف لبيان فضيلة هؤلاء لأنهم أولو العزم وأصحاب الشرائع فلما كان محمد صلى الله عليه وسلم أفضل هؤلاء قدم عليهم ولولا ذلك لقدم من
الأحزاب (10 - 7)
{وَمِن نُّوحٍ وإبراهيم وموسى وَعِيسَى ابن مَرْيَمَ وأخذنا منهم ميثاقا غليظا}
قدمه زمانه {وَمِن نُّوحٍ وإبراهيم وموسى وَعِيسَى ابن مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مّيثَاقًا غَلِيظاً}(3/18)
وثيقاً وأعاد ذكر الميثاق لانضمام الوصف إليه وإنما فعلنا ذلك(3/19)
لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا أَلِيمًا (8)
لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا أَلِيمًا (8)
{ليسأل} الله {الصادقين} أي الأنبياء {عَن صِدْقِهِمْ} عما قالوه لقومهم أو ليسأل المصدقين للأنبياء عن تصديقهم لأن من قال الصادق صدقت كان صادقا فى قوله اوليسأل الأنبياء ما الذي أجابتهم أممهم وهو كقوله يَوْمَ يَجْمَعُ الله الرسل فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ {وَأَعَدَّ للكافرين} بالرسل {عَذَاباً أَلِيماً} وهو عطف على أَخَذْنَا لأن المعنى أن الله أكد على الأنبياء الدعوة إلى دينه لأجل إثابة المؤمنين وأعد للكافرين عذاباً أليماً أو على مادل عليه لِّيَسْأَلَ الصادقين كأنه قال فأثاب المؤمنين وأعد للكافرين(3/19)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا (9)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا (9)
{يا أيها الذين آمنوا اذكروا نِعْمَةَ الله عَلَيْكُمْ} أي ما أنعم الله به عليكم يوم الأحزاب وهو يوم الخندق وكان بعد حرب أحد بسنة {إِذْ جَاءتْكُمْ جُنُودٌ} أي الأحزاب وهم قريش وغطفان وقريظة والنصير {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً} أي الصبا قال عليه السلام نصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدبور {وَجُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا} وهم الملائكة وكانوا ألفاً بعث الله عليهم صبا باردة في ليلة شاتية فأخصرتهم وأسفت التراب في وجوههم وأمر الملائكة فقلعت الاوتاد وقطعت الاطنان وأطفأت النيران وأكفأت القدور وماجت الخيل بعضها في بعض وقذف في قلوبهم الرعب وكبرت الملائكة في جوانب عسكرهم فانهزموا من غير قتال وحين سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بإقبالهم ضرب الخندق على المدينة بإشارة سلمان ثم خرج في ثلاثة آلاف من المسلمين فضرب معسكره والخندق بينه وبين القوم وأمر بالذراري والنسوان فرفعوا في الآطام واشتد الخوف وكان قريش قد أقبلت في عشرة آلاف من(3/19)
الأحابيش وبني كنانة وأهل تهامة وقائدهم أبو سفيان وخرج غطفان في ألف ومن تابعهم من أهل نجد وقائدهم عيبنة بن حصن وعامربن الطفيل في هوازن وضامّتهم اليهود من قريظة والنضير ومضى على الفريقين قريب من شهر لا حرب بينهم إلا الترامي بالنبل والحجارة حتى أنزل الله النصر {وَكَانَ الله بِمَا تَعْمَلُونَ} أي بعملكم أيها المؤمنون من التحصن بالخندق والثبات على معاونة النبى صلى الله عليه وسلم {بَصِيراً} وبالياء أبو عمرو أي بما يعمل الكفار من البغي والسعي في إطفاء نور الله(3/20)
إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (10)
إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (10)
{إذ جاؤوكم} بدل من إِذْ جَاءتْكُمْ {مّن فَوْقِكُمْ} أي من أعلى الوادي من قبل المشرق بنو غطفان {وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ} من أسفل الوادي من قبل المغرب قريش {وَإِذْ زَاغَتِ الأبصار} مالت عن سننها ومستوى نظرها حيرة أو عدلت عن كل شيء فلم تلتفت إلا إلى عدوها لشدة الروع
الأحزاب (13 - 10)
{وَبَلَغَتِ القلوب الحناجر} الحنجرة رأس الغلصمة وهي منتهى الحلقوم والحلقوم مدخل الطعام والشراب قالوا إذا انتفخت الرئة من شدة الفزع أو الغضب ربت وارتفع القلب بارتفاعها إلى رأس الحنجرة وقيل هو مثل في اضطراب القلوب وإن لم تبلغ الحناجر حقيقة رُوي أن المسلمين قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم هل من شيء تقوله فقد بلغت القلوب الحناجر قال نعم قولوا اللهم استرعوراتنا وآمن روعاتنا {وَتَظُنُّونَ بالله الظنونا} خطاب للذين آمنوا ومنهم الثبت القلوب والأقدام والضعاف القلوب الذين هم على حرف والمنافقون فظن الأولون بالله أنه يبتليهم فخافوا الزال وضعف الاحتمال وأما الآخرون فظنوا بالله ما حكى عنهم قرأ أبو عمرو وحمزة الظنون بغير ألف في الوصل والوقف وهو القياس وبالألف فيهما مدني وشامي وأبو بكر إجراء للوصل مجرى الوقف وبالألف في الوقف مكي وعلى وحفص(3/20)
ومثله الرسولا والسبيلا زادوها فى الفاصلة كما زادوها فى القافية من قال أفلى اللوم عاذل والعقابا وهن كلهن في الإمام بالألف(3/21)
هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا (11)
هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا (11)
{هُنَالِكَ ابتلى المؤمنون} امتحنوا بالصبر على الإيمان {وَزُلْزِلُواْ زِلْزَالاً شَدِيداً} وحركوا بالخوف تحريكاً بليغاً(3/21)
وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا (12)
وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا (12)
{وَإِذْ يَقُولُ المنافقون} عطف على الأول {والذين فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ} قيل هو وصف المنافقين بالواوكقوله ... إلى الملك القوم وابن الهمام وليث الكتيبة في المزدحم ...
وقيل هم قوم لا بصيرة لهم في الدين كان المنافقون يستميلونهم بإدخارالشبه عليهم {مَّا وَعَدَنَا الله وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُوراً} روي أن معتّب بن قشير حين رأى الأحزاب قال يعدنا محمد فتح فارس والروم واحدنا لا يقدر أن يتبر زفرقا ما هذا إلا وعد غرور(3/21)
وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا (13)
وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا (13)
{وَإِذْ قَالَت طَّائِفَةٌ مّنْهُمْ} من المنافقين وهم عبد الله بن أبى وأصحابة {يا أهل يَثْرِبَ} هم أهل المدينة {لاَ مُقَامَ لَكُمْ} وبضم الميم حفص أى لافرار لكم ههنا ولا مكان تقومون فيه أو تقيمون {فارجعوا} عن الإيمان إلى الكفر أو من عسكر رسول الله إلى المدينة {وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مّنْهُمُ النبى} أي(3/21)
بنو حارثة {يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ} أي ذات عورة {وَمَا هِىَ بِعَوْرَةٍ إِن يُرِيدُونَ إِلاَّ فِرَاراً} العورة الخلل والعورة ذات العورة وهي قراءة ابن عباس يقال عور المكان عوراً إذا بدا منه خلل يخاف منه العدو والسارق ويجوز أن يكون عورة تخفيف عورة اعتذرو أن بيوتهم عرضة للعدو والسارق لأنها غير محصنة فاستأذنوه ليحصنوها ثم يرجعوا إليه فأكذبهم
الأحزاب (18 - 14)
الله بأنهم لايخاقون ذلك وإنما يريدون الفرار من القتال(3/22)
وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيرًا (14)
وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيرًا (14)
{وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ} المدينة أو بيوتهم من قولك دخلت على فلان داره {مّنْ أَقْطَارِهَا} من جوانبها أي ولو دخلت هذه العساكر المتحزبة التي يفرون خوفاً منها مدينتهم أو بيوتهم من نواحيها كلها وانثالت على أهاليهم وأولادهم ناهبين سابين {ثم سئلوا} عند ذلك الفزع {الفتنة} أي الردة والرجعة إلى الكفر ومقاتلة المسلمين {لآتوها} لأعطوها لا توها بلا مد حجازي أي لجاءوها وفعلوها {وَمَا تَلَبَّثُواْ بِهَا} بإجابتها {إِلاَّ يَسِيراً} ريثما يكون السؤال والجواب من غير توقف أو مالبثوا بالمدينة بعد ارتدادهم إلا يسيراً فإن الله يهلكهم والمعنى أنهم يتعللون باعورار بيوتهم ليفروا عن نصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين وعن مصافة الأحزاب الذين ملؤوهم هولا ورعبا هؤلاء الأحزاب كما هم لو كبسوا عليهم أرضهم وديارهم وعرض عليهم الكفر وقيل لهم كونوا على المسلمين لسارعوا إليه وما تعللوا بشيء وما ذلك إلا لمعتهم الإسلام وحبهم الكفر(3/22)
وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْئُولًا (15)
وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْئُولًا (15)
{وَلَقَدْ كَانُواْ عاهدوا الله مِن قَبْلُ} أي بنو حارثة من قبل الخندق أو من قبل نظرهم إلى الأحزاب {لاَ يُوَلُّونَ الأدبار} منهزمين {وكان عهد الله مسؤولا} مطلوباً مقتضى حتى يوفى به(3/22)
قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لَا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا (16)
قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لَا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا (16)
{قُل لَّن يَنفَعَكُمُ الفرار إِن فَرَرْتُمْ مّنَ الموت أَوِ القتل وَإِذاً لاَّ تُمَتَّعُونَ إِلاَّ قَلِيلاً} أي إن كان حضر أجلكم لم ينفعكم الفرار وإن لم بحضر وفررتم لم تمتعوا في الدنيا إلا قليلاً وهو مدة أعماركم وذلك قليل وعن بعض المروانية أنه مر بحائط مائل فأسرع فتليت له هذه الآية فقال ذلك القليل نطلب(3/23)
قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (17)
قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (17)
{قُلْ مَن ذَا الذى يَعْصِمُكُمْ مّنَ الله} أى مما أراد الله انزله بكم {إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءاً} في أنفسكم من قتل أو غيره {أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً} أي إطالة عمر في عافية وسلامة أو من يمنع الله من أن يرحمكم إن أراد بكم رحمة لما في العصمة من معنى المنع {وَلاَ يَجِدُونَ لَهُم مِّن دُونِ الله وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً} ناصراً(3/23)
قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا (18)
قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا (18)
{قَدْ يَعْلَمُ الله المعوقين مِنكُمْ} أي من يعوق عن نصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم أي يمنع وهم المنافقون {والقائلين لإخوانهم} في الظاهر من المسلمين {هَلُمَّ إِلَيْنَا} أي قربوا أنفسكم إلينا ودعوا محمداً وهي لغة أهل الحجاز فإنهم يسوون فيه بين الواحد والجماعة وأما تميم فيقولون هلم يا رجل وهلموا يا رجال وهو صوت سمي به فعل متعد نحو أحضر وقرب {ولا يأتون}
الأحزاب (21 - 18)
{البأس} أي الحرب {إِلاَّ قَلِيلاً} إلا إتياناً قليلا أى يحضرون ساعة رياء يقفون قليلا مقدار ما يرى شهودهم ثم بنصرفون(3/23)
أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُولَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (19)
أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُولَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (19)
{أَشِحَّةً} جمع شحيح وهو البخيل نصب على الحال من الضمير في يَأْتُونَ أي يأتون الحرب بخلاء {عَلَيْكُمْ} بالظفر والغنيمة {فَإِذَا جَاء الخوف} من قبل العدو أو منه عليه السلام {رأيتهم ينظرون إليك} فى تلك الجملة {تَدورُ أَعْيُنُهُمْ} يميناً وشمالاً {كالذى يغشى عَلَيْهِ مِنَ الموت} كما ينظر المغشى عليه من معالجة سكرات الموت حذرا وخوفا ولو اذا بك {فَإِذَا ذَهَبَ الخوف} زال ذلك الخوف وأمنوا وحيزت الغنائم {سَلَقُوكُم بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ}(3/23)
خاطبوكم مخاطبة شديدة وآذوكم بالكلام خطيب مسلق فصيح ورجل مسلاق مبالغ في الكلام أي يقولون وفروا فسمتنا فإنا قد شاهدناكم وقاتلنا معكم وبمكاننا غلبتم عدوكم {أَشِحَّةً عَلَى الخير} أي خاطبوكم أشحة على المال والغنيمة وأشحة حال من فاعل سَلَقُوكُم {أوْلَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُواْ} في الحقيقة بل بالألسنة {فَأَحْبَطَ الله أعمالهم} أبطل بإضمارهم الكفر ما أظهروه من الأعمال {وَكَانَ ذلك} إحباط أعمالهم {عَلَى الله يَسِيراً} هينا(3/24)
يَحْسَبُونَ الْأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ وَلَوْ كَانُوا فِيكُمْ مَا قَاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا (20)
يَحْسَبُونَ الْأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ وَلَوْ كَانُوا فِيكُمْ مَا قَاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا (20)
{يَحْسَبُونَ الأحزاب لَمْ يَذْهَبُواْ} أي لجبنهم يظنون أن الأحزاب لم ينهزموا ولم ينصرفوا مع أنهم قد انصرفوا {وَإِن يَأْتِ الأحزاب} كرة ثانية {يَوَدُّواْ لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِى الأعراب} البادون جمع المبادى أى يتمنى المنافقون لجنهم أنهم خارجون من المدينة إلى البادية حاصلون بين الأعراب ليأمنوا على أنفسهم ويعتزلوا مما فيه الخوف من القتال {يسألون} كل قادم منهم من جانب المدينة {عَنْ أَنبَائِكُمْ} عن أخباركم وعما جرى عليكم {وَلَوْ كَانُواْ فِيكُمْ} ولم يرجعوا إلى المدينة وكان قتال {مَّا قَاتَلُواْ إِلاَّ قَلِيلاً} رياء وسمعة(3/24)
لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21)
لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21)
{لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِى رَسُولِ الله أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} بالضم حيث كان عاصم أي قدوة وهو المؤتسى به أى المفتدى به كما تقول فى البينة عشرون مناً حديداً أي هي في نفسها هذا المبلغ من الحديد أو فيه خصلة من حقها أن يؤتسى بها حيث قاتل بنفسه {لّمَن كَانَ يَرْجُو الله واليوم الآخر} يخاف الله ويخاف اليوم الآخر أو يأمل ثواب الله ونعيم اليوم الآخر قالوا لِمَنْ يدل من لَكُمْ وفيه ضعف لأنه لا يجوز البدل من ضمير المخاطب
الأحزاب (25 - 21)
وقيل لمن يتعلق بحسنة أي أسوة حسنة كائنة لمن كان(3/24)
{وَذَكَرَ الله كَثِيراً} أي في الخوف والرجاء والشدة والرخاء(3/25)
وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا (22)
وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا (22)
{وَلَمَّا رَأَى المؤمنون الأحزاب} وعدهم الله أن يزلزلوا حتى يستغيثوه ويستنصروه بقوله أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الجنة وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الذين خلوا من قبلكم إلى قوله قريب فلما جاء الأحزاب واضطربوا ورعبوا الرعب الشديد {قَالُواْ هذا مَا وَعَدَنَا الله وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ الله وَرَسُولُهُ} وعلموا أن الغلبة والنصرة قد وجبت لهم وعن ابن عباس رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه إن الأحزاب سائرون إليكم في آخر تسع ليال أو عشر فلما رأوهم قد أقبلوا للميعاد قالوا ذلك وهذا إشارة إلى الخطب والبلاء {وَمَا زَادَهُمْ} ما رأوا من اجتماع الأحزاب عليهم ومجيئهم {إِلاَّ إِيمَانًا} بالله وبمواعيده {وَتَسْلِيماً} لقضائه وقدره(3/25)
مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا (23)
مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا (23)
{مّنَ المؤمنين رِجَالٌ صَدَقُواْ مَا عاهدوا الله عَلَيْهِ} أي فيما عاهدوه عليه فحذف الجار كما في المثل صدقني سن بكره أي صدقني في سن بكره بطرح الجار وإيصال الفعل نذر رجال من الصحابة أنهم إذا لقوا حربا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثبتوا وقاتلوا حتى يستشهدوا وهم عثمان بن عفان وطلحة وسعد بن زيد وحمزة ومصعب وغيرهم {فَمِنْهُمْ مَّن قضى نَحْبَهُ} أي مات شهيداً كحمزة ومصعب وقضاء النحب صار عبارة عن الموت لأن كل حي من المحدثات لا بد له أن يموت فكأنه نذر لازم فى رقبته فإذا مات فقد مضى نحبه أي نذره {وَمِنْهُمْ مَّن يَنتَظِرُ}(3/25)
الموت أي على الشهادة كعثمان وطلحة {وَمَا بَدَّلُواْ} العهد {تَبْدِيلاً} ولا غيروه لا المستشهد ولا من ينتظر الشهادة وفيه تعريض لمن بدلوا من أهل النفاق ومرضى القلوب كما مر في قوله تعالى وَلَقَدْ كَانُواْ عاهدوا الله مِن قَبْلُ لاَ يُوَلُّونَ الأدبار(3/26)
لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (24)
لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (24)
{لّيَجْزِىَ الله الصادقين بِصِدْقِهِمْ} بوفائهم بالعهد {وَيُعَذّبَ المنافقين إِن شَاء} إذا لم يتوبوا {أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ} إن تابوا {إِنَّ الله كَانَ غَفُوراً} بقبول التوبة {رَّحِيماً} بعفو الحوبة جعل المنافقين كأنهم قصدوا عاقبة السوء وأرادوها بتبديلهم كما قصد الصادقون عاقبة الصدق بوفائهم لأن كلا الفريقين مسوق إلى عاقبته من الثواب والعقاب فكأنهما استويا في طلبها والسعي في تحصيلها(3/26)
وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا (25)
وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا (25)
{وَرَدَّ الله الذين كَفَرُواْ} الأحزاب {بِغَيْظِهِمْ} حال أى مغيظين كقوله تنبت بالدهن {لم ينالوا خيرا} ظفر أى لم يظفروا بالمسلمين وسماه خيرا يزعمهم وهو حال أي غير ظافرين {وَكَفَى الله المؤمنين القتال} بالريح والملائكة
الأحزاب (28 - 25)
{وَكَانَ الله قَوِيّاً عَزِيزاً} قادراً غالباً(3/26)
وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا (26)
وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا (26)
{وَأَنزَلَ الذين ظاهروهم} عاونوا الأحزاب {مّنْ أَهْلِ الكتاب} من بني قريظة {مِن صَيَاصِيهِمْ} من حصونهم الصيصية ما تحصن به رُوي أن جبريل عليه السلام اتى رسول الله صلى الله عليه وسلم صبيحة الليلة التى انهوم فيها الأحزاب ورجع المسلمون إلى المدينة ووضعوا صلاحهم على فرسه الحيزوم والغبار على وجه الفرس(3/26)
وعلى السرج فقال ما هذا يا جبريل قال من متابعة قريش فقال يا رسول الله إن الله يأمرك بالمسير إلى بني قريظة وأنا عامد إليهم فإن الله داقهم دق البيض على الصفا وانهم لكم طمعة فأذن في الناس أن من كان سامعاً مطيعاً فلا يصلي العصر إلا في بني قريظة فحاصروهم خمساً وعشرين ليلة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم تنزلون على حكمي فأبوا فقال على حكم سعد بن معاذ فرضوا به فقال سعد حكمت فيهم أن تقتل مقاتلتهم وتسى ذراريهم ونساؤهم فكبر النبى صلى الله عليه وسلم وقال لقد حكمت بحكم الله من فوق سبعة أرقعة ثم استنزلهم وخندق في سوق المدينة خندقاً وقدمهم فضرب أعناقهم وهم من ثمانمائة إلى تسعمائة وقيل كانوا ستمائة مقاتل وسبعمائة أسير {وَقَذَفَ فِى قُلُوبِهِمُ الرعب} الخوف وبضم العين شامي وعلي ونصب {فَرِيقاً} بقوله {تَقْتُلُونَ} وهم الرجال {وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً} وهم النساء والذرارى(3/27)
وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا (27)
وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا (27)
{وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم} أي المواشي والنقود والأمتعة روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل عقارهم للمهاجرين دون الأنصار وقال لهم انكم فى منازلكم {وأرضا لم تطؤوها} بقصد القتال وهي مكة أو فارس والروم او خيبرا وكل أرض إلى يوم القيامة {وَكَانَ الله على كُلّ شيء} قادرا(3/27)
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (28)
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (28)
{يا أيها النبى قُل لأزواجك إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الحياة الدنيا وَزِينَتَهَا} أي السعادة في الدنيا وكثرة الأموال {فَتَعَالَيْنَ} أصل تعال أن يقوله من فى المكان(3/27)
المرتفع لمن فى المكان المستوطى ثم كثر حتى استوى في استعماله الأمكنة ومعنى تعالين أقبلن بإرادتكن واختياركن لأحد الأمرين ولم يرد تهوضهن إليه بأنفسهن كقوله قام يهددني {أُمَتّعْكُنَّ} أعطكن متعة الطلاق وتستحب المتعة لكل مطلقة إلا المفوضة قبل الوط {وَأُسَرّحْكُنَّ} وأطلقكن {سَرَاحاً جَمِيلاً} لا ضرار فيه أردن شيئاً من الدنيا من ثياب وزيادة نفقة وتغايرن فغم ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت فبدأ بعائشة رضى الله عنها وكانت أحبهن إليه فخيرها وقرأ عليها القرآن
الأحزاب (32 - 29)
فاختارت الله ورسوله والدار الآخرة فرؤي الفرح فى وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم اختار جميعهن اختيارها وروي أنه قال لعائشة انى ذاكر لك أمر او لا عليك أن تعجلي فيه حتى تستأمري أبويك ثم قرأ عليها القرآن فقالت أفي هذا أستأمر أبوي فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة وحكم التخير في الطلاق أنه إذا قال لها اختاري فقالت اخترت نفسي أن تقع تطليقة بائنة وإذا اختارت زوجها لم يقع شئ وعن على رضى الله عنه إذا اختارت زوجها فواحدة رجعية وإن اختارت نفسها فواحدة بائنة(3/28)
وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا (29)
وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا (29)
{وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الله وَرَسُولَهُ والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن} من البيان لا للتبعيض {أجرا عظيما}(3/28)
يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (30)
يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (30)
{يا نساء النبى مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بفاحشة} سيئة بليغة فى القبح {مبينة} ظاهر فحثها من بيّن بمعنى تبين وبفتح الياء مكي وأبو بكرقيل هى عصيانهن رسول الله صلى الله عليه وسلم ونشوزهن وقيل الزنا والله عاصم رسوله من ذلك {يضاعف لها العذاب} يضعف لها العذاب مكى وشامى(3/28)
يضعف أبو عمرو ويزيد ويعقوب {ضِعْفَيْنِ} ضعفي عذاب غيرهن من النساء لأن ما قبح من سائر النساء كان أقبح منهن فزيادة قبح المعصية تتبع زيادة الفضل وليس لأحد من النساء مثل فضل نساء النبى صلى الله عليه وسلم ولذا كان الذم المعاصى العالم أشد من العاصي الجاهل لأن المعصية من العالم أقبح ولذا فضل حد الأحرار على العبيد ولايرجم الكافر {وَكَانَ ذلك} أي تضعيف العذاب عليهن {عَلَى الله يَسِيراً} هيناً(3/29)
وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا (31)
وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا (31)
{وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ للَّهِ وَرَسُولِهِ} القنوت الطاعة {وَتَعْمَلْ صالحا نُؤْتِهَا} وبالياء فيهما حمزة وعلي {أجرها مرتين} مثل ثواب غيرها {وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقاً كَرِيماً} جليل القدر وهو الجنة(3/29)
يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا (32)
يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا (32)
{يا نساء النبى لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مّنَ النساء} أي لستن كجماعة واحدة من جماعات النساء إذا تقصيت أمة النساء جماعة جماعة لم توجد منهن جماعة واحدة تساويكن في الفضل وأحد في الأصل وجد وهو الواحد ثم وضع في النفي العام مسويا فيه المذكر والمؤنث والواحد وما وراء {إِنِ اتقيتن} إن أردتن التقوى أو إن كنتن متقيات {فَلاَ تَخْضَعْنَ بالقول} أي إذا كلمتن الرجال من وراء الحجاب فلا تجئن بقولكن خاضعا أى ليناخنثا مثل كلام المربيات {فَيَطْمَعَ} بالنصب على جواب النهي {الذى فِى قَلْبِهِ مَرَضٌ} ريبة وفجور {وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفاً} حسنا مع كونه خشنا(3/29)
وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا (33)
وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا (33)
{وقرن} مدنى
الأحزاب (35 - 33)
وعاصم غير هبيرة وأصله اقررن فحذفت الراء تخفيفاً وألقيت فتحتها على ما قبلها أو من فاريقا إذا اجتمع والباقون قرن من وقريقر وقادرا او من قريقر حذفت الأولى من راءى اقررن اقرارا من التكرار نقلت كسرتها إلى القاف {فِى بُيُوتِكُنَّ} بضم الباء بصري ومدني وحفص {وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الجاهلية الأولى} أي القديمة(3/29)
والتبرج التبختر في المشي أو إظهار الزينة والتقدير ولاتبرجن تبرجاً مثل تبرج النساء في الجاهلية الأولى وهي الزمان الذي ولد فيه إبراهيم أو ما بين آدم ونوح عليهما السلام أو من داود وسليمان والجاهلية الأخرى ما بين عيسى ومحمد عليهما السلام أو الجاهلية الأولى جاهلية الكفر قبل الإسلام والجاهلية الأخرى جاهلية الفسوق والفجور في الإسلام {وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله} خص الصلاة والزكاة بالأمر ثم عم بجميع الطاعات تفضيلالهما لأن من واظب عليهما جرتاه إلى ما وراءهما {إِنَّمَا يُرِيدُ الله لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرجس أَهْلَ البيت} نصب على النداء أو على المدح وفيه دليل على أن نساءه من أهل بيته وقال عَنْكُمْ لأنه أريد الرجال والنساء من آله بدلالة {وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيراً} من نجاسة الآثام ثم بين أنه إعانهاهن وأمرهن ووعظهن لئلا يقارف أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم المآ ثم وليتصونوا عنها بالتقوى واستعار الذنوب الرجس والتقوى الطهر لأن عرض المقترف اللمقبحات يتلوث بها كما يتلوث بدنه بالأرجاس وأما المحسنات فالغرض منها نقي كالثوب الطاهر وفيه تنفير لأولي الألباب عن المناهي وترغيب لهم في الأوامر(3/30)
وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا (34)
وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا (34)
{واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله} القرآن {والحكمة} أي السنة أو بيان معاني القرآن {إِنَّ الله كَانَ لَطِيفاً} عالماً بغوامض الأشياء {خَبِيراً} عالماً بحقائقها أي هو عالم بأفعالكن وأقوالكن فاحذرن مخالفة أمره ونهيه ومعصية رسوله(3/30)
إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (35)
إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (35)
ولما نزل فى نساء النبى صلى الله عليه وسلم ما نزل فينا شئ فنزلت {إِنَّ المسلمين والمسلمات} المسلم الداخل في السّلم بعد الحرب المنقاد الذي لا يعاند أو المفوض أمره إلى الله المتوكل عليه من(3/30)
أسلم وجهه إلى الله {والمؤمنين} المصدقين بالله ورسوله وبما يجب أن يصدق به {والمؤمنات والقانتين} القائمين بالطاعة {والقانتات والصادقين} في النياب والاقوال والاعمال {والصادقات والصابرين والصابرات} على الطاعات وعن السيآت {والخاشعين}
الأحزاب (37 - 35)
المتوضعين لله بالقلوب والجوارح أو الخائفين {والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات} فرضاً ونفلاً {والصائمين والصائمات} فرضاً ونفلاً وقيل من تصدق في كل أسبوع بدرهم فهو من المتصدقين ومن صام البيض من كل شهر فهو من الصائمين {والحافظين فُرُوجَهُمْ} عمالا يحل {والحافظات والذاكرين الله كَثِيراً} بالتسبيح والتحميد والتهليل والتكبير وقراءة القرآن والاشتغال بالعلم من الذكر والمعنى والحافظات فروجهن {والذاكرات} الله فحذف ادلالة ما تقدم عليه والفرق بين عطف الإناث على الذكور وعطف الزوجين على الزوجين لأن الأول نظير قوله ثيبات وأبكارا في أنهما جنسان مختلفان واشتركا في حكم واحد فلم يكن بد من توسط العاطف بينهما وأما الثاني فمن عطف الصفة على الصفة بحرف الجمع ومعناه أن الجامعين والجامعات لهذه الطاعات {أَعَدَّ الله لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عظيما} على طاعاتهم(3/31)
وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا (36)
وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا (36)
خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش بنت عمته أميمة على مولاه زيد بن حارثة بأبت وأبى أخوها عبد الله فنزلت {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ} أي وما صح لرجل مؤمن ولا امرأة مؤمنة {إِذَا قَضَى الله وَرَسُولُهُ} أي رسول الله {أمْراً} من الأمور {أَن يَكُونَ لَهُمُ الخيرة مِنْ أَمْرِهِمْ} أن يختاروا من أمرهم(3/31)
ما شاءوا بل من حقهم أن يجعلوا رأيهم تبعاً لرأيه واختيارهم تلوا لاختياره فقال رضينا يا رسول الله فأنكحها إياه وساق عنه إليها مهرها وإنما جمع الضمير في لَهُمْ وإن كان من حقه أن يوحد لأن المذكورين وقعا تحت النفي فعما كل مؤمن ومؤمنة فرجع الضمير إلى المعنى لا إلى اللفظ ويكون بالياء كوفي والخيرة ما يتخير ودل ذلك على أن الأمر للوجوب {وَمَن يَعْصِ الله وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضلالا مُّبِيناً} فإن كان العصيان عصيان رد وامتناع عن القبول فهو ضلال كفر وإن كان عصيان فعل مع قبول الأمر واعتقاد الوجوب فهو ضلال خطأ وفسق(3/32)
وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا (37)
وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا (37)
{وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِى أَنعَمَ الله عَلَيْهِ} بالإسلام الذي هو أجل النعم {وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ} بالإعتاق والتبني فهو متقلب في نعمة الله ونعمة رسوله وهو زيد بن حارثة {أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ} زينب بنت جحش وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أبصرها بعدما أنكح إياه فوقعت في نفسه فقال سبحان الله مقلب القلوب وذلك أن نفسه كانت تجفو عنها قبل ذلك لا تريدها وسمعت زينب بالتسبيحة فذكرتها لزيد ففطن وألقى الله في نفسه كراهة صحبتها والرغبة عنها لرسول الله فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم انى أريد أن أفارق صاحبتى فقال
الأحزاب (39 - 37)
مالك ارابك منها شئ قال لا والله ما رأيت منها الاخيرا ولكنها تتعظم علي لشرفها وتؤذيني فقال له أمسك عليك زوجك {واتق الله} فلا تطلقها وهو نهي تنزيه إذ الأولى أن لا يطلق أو واتق الله فلا تذمها بالنسبة إلى الكبر وأدى الزوج {وَتُخْفِى فِى نِفْسِكَ مَا الله مُبْدِيهِ} أي تخفي في نفسك نكاحها إن طلقها زيد وهو الذى ابداه الله وقيل الذي أخفى في نفسه(3/32)
تعلق قلبه بها ومودة مفارقة زيد اياها ولواو في وَتُخْفِى فِى نِفْسِكَ {وَتَخْشَى الناس} أي قولة الناس إنه نكح امرأة ابنه {والله أَحَقُّ أَن تخشاه} واو الحال أي تقول لزيد أمسك عليك زوجك مخفياً في نفسك إرادة أن لا يمسكها وتخفي خاشياً قالة الناس وتخشى الناس حقيقاً في ذلك بأن تخشى الله وعن عائشة رضى الله عنها لو كتم رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً مما أوحي إليه لكتم هذه الآية {فَلَمَّا قضى زَيْدٌ مّنْهَا وَطَراً} الوطر الحاجة فإذا بلغ البالغ حاجته من شئ له فيه همة قيل قضى منه وطره والمعنى فلما لم يبق لزيد فيها حاجة وتقاصرت عنها همته وطلقها وانقضت عدتها {زوجناكها} روي أنها لما اعتدت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لزيد ما أجد أحداً أوثق في نفسي منك أخطب عليّ زينب قال زيد فانطلقت وقلت يا زينب أبشري إن رسول الله صى ل يخطبك ففرحت وتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم ودخل بها وما أولم على امرأة من نسائه ما أولم عليها ذبح شاة وأطعم الناس الخبز واللحم حتى امتد النهار {لِكَىْ لاَ يَكُونَ عَلَى المؤمنين حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْاْ مِنْهُنَّ وَطَراً} قيل قضاء الوطر إدراك الحاجة وبلوغ المراد منه {وَكَانَ أَمْرُ الله} الذي يريد أن يكونه {مَفْعُولاً} مكوناً لا محالة وهو مثل لما أراد كونه من تزويج رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب(3/33)
مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا (38)
مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا (38)
{مَّا كَانَ عَلَى النبى مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ الله لَهُ} أحل له وأمر له وهو نكاح زينب امرأة زيد أو قدر له من عدد النساء {سُنَّةَ الله} اسم موضوع موضع المصدر كقولهم ترابا وجند لا مؤكد لقوله مَّا كَانَ عَلَى النبى مِنْ حَرَجٍ كأنه قيل سن الله ذلك سنة في الأنبياء الماضين وهو أن لا يحرج عليهم في الإقدام على ما أباح لهم ووسع عليهم في باب النكاح وغيره وقد(3/33)
كانت تحتهم المهائر والسراري وكانت لداود مائة امرأة وثلثمائة سرية ولسليمان ثلثمائة حرة وسبعمائة سرية {فِى الذين خَلَوْاْ مِن قَبْلُ} في الانبياء الذين مصوا من قبل {وَكَانَ أَمْرُ الله قَدَراً مَّقْدُوراً} قضاء مقضياً وحكماً مبتوتاً ولا وقف عليه ان جعلت(3/34)
الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا (39)
الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا (39)
{الذين يُبَلّغُونَ رسالات الله} بدلاً من الذين الأول وقف إن جعلته في محل الرفع أو النصب على المدح أي هم الذين يبلغون
الأحزاب (43 - 39)
أو اعنى الذين يبلغون {وَيَخْشَوْنَهُ وَلاَ يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلاَّ الله} وصف الأنبياء بأنهم لا يخشون إلا الله تعريض بعد التصريح في قوله وَتَخْشَى الناس والله أَحَقُّ أَن تخشاه {وكفى بالله حَسِيباً} كافياً للمخاوف ومحاسباً على الصغيرة والكبيرة فكان جديراً بأن تخشى منه(3/34)
مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (40)
مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (40)
{ما كان محمد أبا أحد من رجالكم} أي لم يكن أبا رجل منكم حقيقة حتى يثبت بينه وبينه ما يثبت بين الأب وولده من حرمة الصهر والنكاح والمراد من رجالكم البالغين والحسن والحسين لم يكونا بالغين حينئذ والطاهر والطيب والقاسم وإبراهيم توفوا صبياناً {ولكن} كان {رَسُولِ الله} وكل رسول أبو أمته فيما يرجع إلى وجوب التوقير والتعظيم له عليهم ووجوب الشفقة والنصيحة لهم عليه لافى سائر الأحكام الثابتة بين الآباء والأبناء وزيد واحد من رجالكم الذين ليسوا بأولاده حقيقة فكان حكمه كحكمكم والتبني من باب الاختصاص والتقريب لاغير {وَخَاتَمَ النبيين} بفتح التاء عاصم بمعنى الطابع أي آخرهم يعني لا ينبأ أحد بعده وعيسى ممن نبئ قبله وحين بنزل عاملا على شريعة محمد صلى الله عليه وسلم كأنه بعض أمته وغيره بكسر التاء بمعنى الطابع وفاعل الختم وتقوّيه قراءة ابن مسعود ولكن نَبِيّاً خَتَمَ النبيين {وَكَانَ الله بِكُلّ شيء عليما}(3/34)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (41)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (41)
{يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذِكْراً كَثِيراً} أثنوا عليه بضروب الثناء وأكثروا ذلك(3/35)
وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (42)
وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (42)
{وَسَبّحُوهُ بُكْرَةً} أول النهار {وَأَصِيلاً} آخر النهار وخصا بالذكر لأن ملائكة الليل وملائكة النهار يجتمعون فيهما وعن قتادة قولوا سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبرولا حولا ولا قوة إلا بالله العلي العظيم والفعلان أي اذكروا الله وسبحوه موجهان إلى البكرة والأصيل كقولك صم وصل يوم الجمعة والتسبيح من جملة الذكر وإنما اختص من بين أنواعه اختصاص جبريل وميكائيل من بين الملائكة إبانة لفضله على سائر الأذكار لأن معناه تنزيه ذاته عما لا يجوز عليه من الصفات وجاز أن يراد بالذكر وإكثاره تكثير الطاعات والعبادات فإنها من جملة الذكر ثم خص من ذلك التسبيح بكرة وهي صلاة الفجر وأصيلاً وهي صلاة الظهر والعصر والمغرب والعشاء أوصلاة الفجر والعشاءين(3/35)
هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا (43)
هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا (43)
{هو الذي يصلي عليكم وملائكته} لما كان من شأن المصلي أن ينعطف فى ركوعه وسجوده استعير لمن يتعطف على غيره حنواً عليه وترؤفاً كعائد المريض في انعطافه عليه والمرأة في حنوها على ولدها ثم كثر حتى استعمل في الرحمة والترؤف ومنه قولهم صلى الله عليه وسلم أي ترحم عليك وترأف والمراد بصلاة الملائكة قولهم اللهم صل على المؤمنين جعلوا لكونهم مستجابي الدعوة كأنهم فاعلون الرحمة والرأفة والمعنى هو الذي يترحم عليكم ويترأف حين يدعوكم إلى الخير ويأمركم باكثار الذكروالتوفر على الصلاة
الأحزاب (48 - 43)
والطاعة {لِيُخْرِجَكُمْ مّنَ الظلمات إِلَى النور} من ظلمات المعصية إلى نور الطاعة {وَكَانَ بالمؤمنين رَحِيماً} هو دليل على أن المراد بالصلاة والرحمة وروى أنه لما نزل الله وملائكته يُصَلُّونَ عَلَى النبى قال أبو بكر ما خضك الله يا رسول الله بشرف إلا وقد أشركنا فيه فنزلت(3/35)
تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا (44)
تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا (44)
{تَحِيَّتُهُمْ} من إضافة المصدر إلى المفعول أي تحية الله لهم {يَوْمِ(3/35)
يَلْقَوْنَهُ} يرونه {سلام} يقول الله تبارك وتعالى السلام عليكم {وَأَعَدَّ لهم أجرا كريما} يعنى الجنة(3/36)
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (45)
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (45)
{يا أيها النبى إِنَّا أرسلناك شَاهِداً} على من بعثت إليهم وعلى تكذيبهم وتصديقهم أي مقبولاً قولك عند الله لهم وعليهم كما يقبل قول الشاهد العدل في الحكم وهو حال مقدرة كما تقول مررت برجل معه صقر صائداً به إي مقدراً به الصيد غداً {وَمُبَشّراً} للمؤمنين بالجنة {وَنَذِيرًا} للكافرين بالنار(3/36)
وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا (46)
وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا (46)
{وداعيا إلى الله بإذنه} بأمره وبتيسيره والكل منصوب على الحال {وَسِرَاجاً مُّنِيراً} جلا به الله ظلمات الشرك واهتدى به الضالون كما يجلى ظلام الليل بالسراج المنير ويهتدى به والجمهور على أنه القرآن فيكون التقدير وذا سراج منير أو وتالياً سراجاً منيراً ووصف بالإنارة لأن من السرج ما لا يضئ إذا قل سليطه ودقت فتيلته أو شاهداً بوحدانيتنا ومبشرا برحمتنا ونذيرا بنقمتنا وداعيا الله عبادتنا وسراجاً وحجة ظاهرة لحضرتنا(3/36)
وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا (47)
وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا (47)
{وَبَشّرِ المؤمنين بِأَنَّ لَهُمْ مّنَ الله فَضْلاً كِبِيراً} ثواباً عظيماً(3/36)
وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا (48)
وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا (48)
{وَلاَ تُطِعِ الكافرين والمنافقين} المراد به التهييج أو الدوام والثبات على ما كان عليه {ودع أذاهم} هو بمعنى الإيذاء فيحمل أن يكون مضافاً إلى الفاعل أي اجعل إيذاءهم إياك في جانب ولا تبال بهم ولا تخف من إيذائهم أو إلى المفعول أي دع إيذاءك إياهم مكافأة لهم {وَتَوَكَّلْ عَلَى الله} فإنه يكفيكهم {وكفى بالله وَكِيلاً} وكفى به مفوضاً إليه وقيل إن الله تعالى وصفه بخمسة أو صاف وقابل كلامنهما بخطاب(3/36)
مناسب له قابل الشاهد بقوله وَبَشّرِ المؤمنين لأنه يكون شاهداً على أمته وهم يكونون شهداء على سائر الأمم وهو الفضل الكبير والمبشر بالاعراض عن الكافرين والمنافقين لأنه إذا أعرض عنهم أقبل جميع إقباله على المؤمنين وهو مناسب البشارة والنذير يدع أَذَاهُمْ لأنه إذا ترك أذاهم في الحاضر والأذى لا بد له من عقاب عاجل أو آجل كانوا منذرين به في المستقبل والداعي إلى الله بتيسيره بقوله وَتَوَكَّلْ عَلَى الله فإن من توكل على الله يسر عليه كل عسير والسراج المنير بالإكتفاء به وكيلاً لأن من أناره الله برهاناً على جميع خلقه كان جديراً بأن يكتفى به عن
الأحزاب 50 - 49)
جميع خلقه(3/37)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (49)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (49)
{يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات} أى تزوجتم والنكاح هو الوطء في الأصل وتسمية العقد نكاحاً لملابسته له من حيث إنه طريق إليه كتسمية الخمر اثما لانها سببه وكقول الراجز أسنمة الآبال في سحابه
سمى الماء بأسنمة الآبال لأنه سبب سمن الآبال وأرتفاع اسمنتها ولم يرد لفظ النكاح في كتاب الله تعالى إلا في معنى العقد لأنه في معنى الوطء من باب التصريح به ومن آداب القرآن الكناية عنه بلفظ الملامسة والمماسة والقربان والتغشي والإتيان وفي تخصيص المؤمنات مع أن الكتابيات تساوي المؤمنات في هذا الحكم إشارة إلى أن الأولى بالمؤمن أن ينكح مؤمنة {ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ} والخلوة الصحيحة كالمس {فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} فيه دليل على أن العدة تجب على النساء الرجال ومعنى تَعْتَدُّونَهَا تستوفون عددها تفتعلون من العد {فَمَتّعُوهُنَّ} والمتعة تجب للتي طلقها قبل الدخول بها ولم يسم لها مهر دون غيرها {وَسَرّحُوهُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً} أي لا تمسكوهن ضراراً وأخرجوهن من منازلكم إذ لا عدة لكم عليهن(3/37)
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (50)
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (50)
{يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أُجُورَهُنَّ} مهورهن إذ المهر أجر على البضع ولهذا قال الكرخي إن النكاح بلفظ الإجارة جائز وقلنا التأبيد من شرط النكاح والتأقيت من شرط الإجازة وبينهما منافاة وإيتاؤها إعطاؤها عاجلاً أو فرضها وتسميتها في العقد {وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاء الله عَلَيْكَ} وهي صفية وجويرية فأعتقهما وتزوجهما {وَبَنَاتِ عَمّكَ وَبَنَاتِ عماتك وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خالاتك اللاتى هاجرن مَعَكَ} ومع ليس القرآن بل لوجودها فحسب كقوله وَأَسْلَمْتُ مَعَ سليمان وعن أم هانئ بنت أبى طالب خطبنى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعتذرت فعذرني فأنزل الله هذه الآية فلم أحل له لأني لم أهاجر معه {وامرأة مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِىّ} وأحللنا لك ما وقع لها ان تهب لك نفسها ولا تطلب مهراً من النساء المؤمنات إن اتفق ذلك ولذا تكرها قال ابن عباس هو بيان حكم في المستقبل ولم يكن عنده أحد منهن بالهبة وقيل الواهبة نفسها ميمونة بنت الحرث أو زينب بنت خزيمة أو أم شريك بنت جابر أو خولة بنت حكيم وقرأ الحسن أن بالفتح على التعليل بتقدير حذف اللام وقرأ ابن مسعود رضى الله عنه بغير إن {إِنْ أَرَادَ النبى أَن يَسْتَنكِحَهَا}
الأحزاب (51 - 50)
استنكاحها طلب نكاحها والرغبة فيه وقيل نكح واستنكح بمعنى والشرط الثاني تقييد للشرط الأول شرط في الإحلال هبتها نفسها وفي الهبة إرادة استنكاح رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنه قال أحللناها لك إن وهبت لك نفسها وأنت تريد أن تستنكحها لأن إرادته هي قبول الهبة وما به تتم وفيه دليل جواز النكاح بلفظ الهبة لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمته سواء في الأحكام إلا فيما خصه الدليل {خَالِصَةٌ} بلا مهر حال من الضمير في(3/38)
وَهَبَتْ أو مصدر مؤكد أي خلص لك إحلال ما أحللنا لك خالصة بمعنى خلوصاً والفاعلة في المصادر غير عزيز كالعافية والكاذبة {لَّكَ مِن دُونِ المؤمنين} بل يجب المهر لغيرك وإن لم يسمه أو نفاه عدل عن الخطاب إلى الغيبة في قوله إِنْ أَرَادَ النبى ثم رجع إلى الخطاب ليؤذن أن الاختصاص تكرمة له لأجل النبوة وتكريره أي تكرير النبي تفخيم له {قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِى أزواجهم} أي ما أوجبنا من المهور على أمتك في زوجاتهم أو ما أوجبنا عليهم في أزواجهم من الحقوق {وَمَا مَلَكَتْ أيمانهم} بالشراء وغيره من وجوه الملك وقوله {لِكَيْلاَ يَكُونَ عَلَيْكَ حرج} ضيق متصل بخالصة لَّكَ مِن دُونِ المؤمنين وقوله قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِى أزواجهم وَمَا مَلَكَتْ أيمانهم جملة اعتراضية {وَكَانَ الله غَفُوراً رَّحِيماً} بالتوسعة على عباده(3/39)
تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلَا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَلِيمًا (51)
تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلَا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَلِيمًا (51)
{تُرْجِى} بلا همز مدني وحمزة وعلي وخلف وحفص وبهمز غيرهم تؤخر {من تشاء منهن وَتُؤْوِى إِلَيْكَ مَن تَشَاء} تضم بمعنى تترك مضاجعة من تشاء منهن وتضاجع من تشاء أو تطلق من تشاء وتمسك من تشاء أو لا تقسيم لأيتهن شئت وتقسم لمن شئت أو تترك تزوج من شئت من نساء أمتك وتتزوّج من شئت وهذه قسمة جامعة لما هو الغرض لأنه إما أن يطلق وإما أن يمسك فإذا أمسك ضاجع أو ترك وقسم أو لم يقسم وإذا طلق وعزل فإما أن يخلي المعزولة لا يبتغيها أو يبتغيها ورُوي أنه أرجى منهن جويرية وسودة وصفية وميمونة وأم حبيبة وكان يقسم لهن ما شاء كما شاء وكانت ممن آوى إليه عائشة وحفصة وأم سلمة وزينب أرجى خمساً وآوى أربعاً وروي أنه(3/39)
كان يسوي مع ما أطلق له وخير فيه إلاسودة فإنها وهبت ليلتها لعائشة وقالت لا تطلقني حتى أحشر في زمرة نسائك {وَمَنِ ابتغيت مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكَ} أي ومن دعوت إلى فراشك وطلبت صحبتها ممن عزلت عن نفسك بالارجاء فلاضيق عليك في ذلك أي ليس إذا عزلتها لم يجز لك ردها إلى نفسك ومن رفع بالابتداء وخبره فَلاَ جُنَاحَ {ذلك} التفويض إلى مشيئتك {أدنى أَن تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلاَ يحزن ويرضين بما آتيتهن كلهن}
الأحزاب (53 - 51)
أي أقرب إلى قرة عيونهن وقلة حزنهن ورضاهن جميعاً لأنهن إذا علمن أن هذا التفويض من عند الله اطمأنت نفوسهن وذهب التغاير وحصل الرضا وقرت العيون كُلُّهُنَّ بالرفع تأكيد لنون يرضين وقرئ ويرضين كلهن بما آتيتهن على التقديم وقرئ شاذا كلهن بالنصب تأكيدا لهن فى آتيتهن {والله يَعْلَمُ مَا فِى قلُوبِكُمْ} فيه وعيد لمن لم يرض منهن بمادبر الله من ذلك وفوض إلى مشيئة رسوله {وَكَانَ الله عَلِيماً} بذات الصدور {حَلِيماً} لا يعاجل بالعقوبة فهو حقيق بأن يتقي ويحذر(3/40)
لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا (52)
لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا (52)
{لاَّ يَحِلُّ لَكَ النساء} بالتاء أبو عمرو ويعقوب وغيرهما بالتذكير لأن تأنيث الجمع غير وإذا جاز بغير فصل فمع الفصل أجوز {مِن بَعْدِ} من بعد التسع لأن التسع نصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الازواج كما أن الاربع تصاب أمته {وَلاَ أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ} بالطلاق والمعنى ولا أن تستبدل بهؤلاء التسع أزواجاً أخر بكلهن أو بعضهن كرامة لهن وجزاء على ما اخترن ورضين فقصر رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهن وهن التسع التي مات عنهن عائشة حفصة أم حبيبة سودة أم سلمة صفية ميمونة زينب بنت جحش جويرية ومن فى من أزواج لتأكيد النفى وفائدته استغراق جنس الازواج باتحريم {وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ} في موضع(3/40)
الحال من الفاعل وهو الضمير من تبَدَّلُ أي تتبدل لا من المفعول الذي هو من أزواج لتوغله في التنكير وتقديره مفروضاً إعجابك بهن وقيل هي أسماء بنت عميس امرأة جعفر بن أبي طالب فإنها ممن أعجبه حسنهن وعن عائشة وأم سلمة ما مات رسول اللة صلى الله عليه وسلم حتى أحل له أن يتزوج من النساء ما شاء يعني أن الآية نسخت ونسخها إما بالسنة أو بقوله إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أزواجك وترتيب النزول ليس على ترتيب المصحف {إِلاَّ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ} استثنى ممن حرم عليه الإماء ومحل ما رفع بدل من النساء {وَكَانَ الله على كُلّ شَىْءٍ رَّقِيباً} حافظا وهو تحذير عن مجاوزة حدوده(3/41)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا (53)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا (53)
{يا أيها الذين آمنوا لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتَ النبى إِلاَّ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إلى طَعَامٍ غَيْرَ ناظرين إناه} أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ في موضع الحال أي لا تدخلوا إلا مأذوناً لكم أو في معنى الظرف تقديره إلا وقت أن يؤذن لكم وغير ناظر حال من لاَ تَدْخُلُواْ وقع الاستثناء على الحال والوقت معاً كأنه قيل لا تدخلوا بيوت النبي إلا وقت الإذن ولا تدخلوها إلا غير ناظرين أي غير منتظرين وهؤلاء قوم كانوا يتحينون طعام رسول الله صلى الله عليه وسلم فيدخلون ويقعدون منتظرين لإدراكه ومعناه لا تدخلوا يا أيها المتحينون الطعام إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين اناه واتى الطعام إدراكه يقال انى الطعام انى
الأحزاب (54 - 53)
كقولك قلاه قلي وقيل إناه وقته أي غير ناظرين وقت الطعام وساعة أكله ورُوي أن النبى صلى الله عليه وسلم أولم على زينب بتمر وسويق وشاة وأمر أنساً أن يدعو بالناس فترادفوا أفواجاً يأكل فوج ويخرج ثم يدخل فوج إلى أن قال يا رسول الله دعوت حتى ما أجد أحداً أدعوه فقال ارفعوا طعامكم وتفرق الناس وبقي ثلاثة نفر يتحدثون فأطالوا فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخرجوا فطاف رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحجرات وسلم عليهن ودعون له ورجع فإذا الثلاثة جلوس يتحدثون(3/41)
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم شديد الحياء فتولى فلما رأوه متولي خرجوا فرجع ونزلت {وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فادخلوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فانتشروا} فتفرقوا {وَلاَ مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ} هو مجرور معطوف على ناظرين أو منصوب أى ولا تدخلوها مستأنسين نهوا عن أن يطيلوا الجلوس يستأنس بعضهم ببعض لأجل حديث يحدثه به {إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِى النبى فَيَسْتَحْيِى منكم} من أخراجكم {والله لا يستحيي مِنَ الحق} يعني أن إخراجكم حق ما ينبغي أن يستحيا منه ولما كان الحياء مما يمنع الحيّي من بعض الأفعال قيل لا يستحى من الحق أي لا يمتنع منه ولا يتركه ترك الحبى منكم هذا أدبٌ أدّب الله به الثقلاء وعن عائشة رضى الله عنها حسبك في الثقلاء أن الله تعالى لم يحتملهم وقال فَإِذَا طَعِمْتُمْ فانتشروا {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ} الضمير لنساء رسول الله صلى الله عليه وسلم لدلالة بيوت النبي لأن فيها نساءه {متاعا} عارية أو حاجة {فاسألوهن} المتاع {مِن وَرَاء حِجَابٍ ذلكم أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} من خواطر الشيطان وعوارض الفتن وكانت النساء قبل نزول هذه الآية يبرزن للرجال وكان عمر رضى الله عنه يحب ضرب الحجاب عليهن ويودان ينزل فيه وقال يا رسول الله يدخل عليك البر والفاجر فلو أمرت أمهات المؤمنين بالحجاب فنزلت وذكر أن بعضهم قال أنتهى أن نكلم بنات عمنا إلا من وراء حجاب لئن مات محمد لا نزوجن فلانة فنزل {وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تؤْذُواْ رَسُولَ الله وَلاَ أَن تَنكِحُواْ أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَداً} أي وما صح لكم إيذاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا نكاح أزواجه من(3/42)
بعد موته {إِنَّ ذلكم كَانَ عِندَ الله عَظِيماً} أي ذنباً عظيما(3/43)
إِنْ تُبْدُوا شَيْئًا أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (54)
إِنْ تُبْدُوا شَيْئًا أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (54)
{إن تبدوا شيئا} من إيذاء النبى صلى الله عليه وسلم أو من نكاحهن {أَوْ تُخْفُوهْ} في أنفسكم من ذلكم {فَإِنَّ الله كَانَ بِكُلّ شَىْء عليما} فيعاقبكم به(3/43)
لَا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ وَلَا أَبْنَائِهِنَّ وَلَا إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاءِ إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاءِ أَخَوَاتِهِنَّ وَلَا نِسَائِهِنَّ وَلَا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ وَاتَّقِينَ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا (55)
لَا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ وَلَا أَبْنَائِهِنَّ وَلَا إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاءِ إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاءِ أَخَوَاتِهِنَّ وَلَا نِسَائِهِنَّ وَلَا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ وَاتَّقِينَ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا (55)
ولما نزلت
الأحزاب (58 - 55)
آية الحجاب قال الآباء والأبناء والأقارب يا رسول الله أو نحن أيضاً نكلمهن من وراء حجاب فنزل {لا جناح عليهن في آبائهن وَلاَ أَبْنَائِهِنَّ وَلاَ إخوانهن وَلاَ أَبْنَاء إخوانهن ولا أبناء أخواتهن ولا نسائهن} أي نساء المؤمنات {وَلاَ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ} أى لا اثم عليهن فى أن لا يحتجبن من هؤلاء ولم يذكر العم والخال لأنهما يجرينا مجرى الوالدين وقد جاءت تسمية العم أبا قال الله تعالى وإله آبائك إبراهيم وإسمعيل وإسحق وإسمعيل عم يعقوب وعبيدهن عند الجمهوركاجانب ثم نقل الكلام من الغيبة إلى الخطاب وفي هذا النقل فضل تشديد كأنه قيل {واتقين الله} فيما أمرتن به من الاحتجاب وأنزل فيه الوحي من الاستتار واحتطن فيه {إِنَّ الله كَانَ على كُلّ شَيْءٍ شَهِيداً} عالماً قال ابن عطاء الشهيد الذي يعلم خطرات القلوب كما يعلم حركات الجوارح(3/43)
إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (56)
إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (56)
{إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صَلُّواْ عَلَيْهِ} أي(3/43)
قولوا اللهم صل على محمد أو صلى الله على محمد {وَسَلّمُواْ تَسْلِيماً} أي قولوا اللهم سلم على محمد أو انقادوا لأمره وحكمه انقياداً وسئل عليه السلام عن هذه الآية فقال إن الله وكل بي ملكين فلا أذكر عند عبد مسلم فيصلي عليّ إلا قال ذانك الملكان غفر الله لك وقال الله وملائكته جواباً لذينك الملكين آمين ولا أذكر عند عبد مسلم فلا يصلي عليّ إلا قال ذانك الملكان لا غفر الله لك وقال الله وملائكته جواباً اذينك الملكين آمين ثم هي واجبة مرة عند الطحاوي وكلما ذكر اسمه عند الكرخي وهو الاحتياط وعليه الجمهور وإن صلى على غيره على سبيل التبع كقوله صلى الله على النبي وآله فلا كلام فيه وأما إذا أفرد غيره من أهل البيت بالصلاة فمكروه وهو من شعائر الروافض(3/44)
إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا (57)
إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا (57)
{إِنَّ الذين يُؤْذُونَ الله وَرَسُولَهُ} أي يؤذون رسول الله وذكر اسم الله للتشريف أو عبر بإيذاء الله ورسوله عن فعل ما لا يرضى الله ورسوله كالكفر وإنكار النبوة مجازاً وإنما جعل مجازاً فيهما وحقيقة الإيذاء يتصور في رسول الله لئلا يجتمع المجاز والحقيقة في لفظ واحد {لَعَنَهُمُ الله فِى الدنيا والآخرة} طردهم الله من رحمته في الدارين {وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُّهِيناً} فى الآخره(3/44)
وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (58)
وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (58)
{والذين يُؤْذُونَ المؤمنين والمؤمنات بِغَيْرِ مَا اكتسبوا} أطلق إيذاء الله ورسوله
الأحزاب (60 - 58)
وقيد إيذاء المؤمنين والمؤمنات لأن ذاك يكون غير حق أبداً وأما هذا فمنه حق كالحد والتعزير ومنه باطل قيل نزلت في ناس من المنافقين يؤذون عليا رضى الله عنه ويسمعونه وقيل في زناة كانوا يتبعون النساء وهن كارهات وعن الفضيل لا يحل لك أن تؤذي كلباً أو خنزيراً(3/44)
بغير حق فكيف إيذاء المؤمنين والمؤمنات {فَقَدِ احتملوا} تحملوا {بهتانا} كذبا عظيما {وإثما مبينا} ظاهرا(3/45)
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (59)
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (59)
{يا أيها النبى قُل لأزواجك وبناتك وَنِسَاء المؤمنين يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جلابيبهن} الجلباب ما يستر الكل مثل الملحفة عن المبرد ومعنى يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جلابيبهن يرخينها عليهن ويغطين بها وجوههن وأعطافهن يقال إذا زال الثوب عن وجه المرأة إذن ثوبك على وجهك ومن للتبعيض أي ترخي بعض جلبابها وفضله على وجهها تتقنع حتى تتميز من الأمة أو المراد أن يتجلبن ببعض ما لهن من الجلابيب وأن لا يكون المرأة متبذلة في درع وخمار كالأمة ولها جلبابان فصاعداً في بيتها وذلك أن النساء في أول الإسلام على هجّيراهن في الجاهلية متبذلات تبرز المرأة فى درع وخمار لافضل بين الحرة والأمة وكان الفتيان يتعرضون إذا خرجن بالليل لقضاء حوائجهن فى النخل والغيطان للإماء وربما تعرضوا للحرة لحسبان الأمة فأمرن أن يخالفن بزيهن عن زي الإماء بلبس الملاحف وستر الرؤس والوجوه فلا يطمع فيهن طامع وذلك قوله {ذلك أدنى أَن يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ} أي أولى وأجدر بأن يعرفن فلا يتعرض لهن {وَكَانَ الله غَفُوراً} لما سلف منهن من التفريط {رَّحِيماً} بتعليمهن آداب المكارم(3/45)
لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا (60)
لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا (60)
{لَّئِن لَّمْ يَنتَهِ المنافقون والذين فِى قُلُوبِهِمْ مرض} فجوروهما الزناة من قوله فَيَطْمَعَ الذى فِى قَلْبِهِ مَرَضٌ {والمرجفون فِى المدينة} هم أناس كانوا يرجفون بأخبار السوء عن سرا يا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقولون هزموا وقتلوا وجرى عليهم كيت وكيت فيكسرون بذلك قلوب(3/45)
المؤمنين يقال أرجف بكذا إذا أخبر به على غير حقيقة لكونه خبراً متزلزلاً غير ثابت من الرجفة وهي الزلزلة {لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ} لنأمرنك بقتالهم أو لنسلطنك عليهم {ثُمَّ لاَ يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا} في المدينة وهو عطف على لَنُغْرِيَنَّكَ لأنه يجوز أن يجاب به القسم لصحة قولك لئن لم ينتهوا لا يجاورونك ولما كان الجلاء عن الوطن أعظم من جميع ما أصيبوا به عطف بثم لبعد حاله عن حال المعطوف عليه {إِلاَّ قَلِيلاً} زماناً قليلاً والمعنى لئن لم ينته المنافقون عن عداوتهم وكيدهم والفسقة عن فجورهم والمرجفون عما يؤلفون من أخبار السوء
الأحزاب (67 - 61)
لنأمرنك بأن تفعل الأفعال التي تسوءهم ثم بأن تضطرهم إلى طلب الجلاء عن المدينة وإلى أن لا يساكنوك فيها إلا زماناً قليلاً ريثما يرتحلون فسمي ذلك إغراء وهو التحريش على سبيل المجاز(3/46)
مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا (61)
مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا (61)
{مَّلْعُونِينَ} نصب على الشتم أو الحال أي لا يجاورونك إلا ملعونين فلاستثناء دخل على الظرف والحال معاً كما مر ولا ينتصب عن أخذو الان بعد حروف الشرط لا يعمل فيما قبلها {أَيْنَمَا ثُقِفُواْ} وجدوا {أُخِذُواْ وَقُتّلُواْ تَقْتِيلاً} والتشديد يدل على التكثير(3/46)
سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا (62)
سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا (62)
{سُنَّةَ الله} في موضع مصدر مؤكد أي سن الله في الذين ينافقون الأنبياء أن يقتلوا أينما وجدوا {فِى الذين خَلَوْاْ} مضوا {مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ الله تَبْدِيلاً} أي لا يبدل الله سنته بل يجريها مجرى واحدا فى الامم(3/46)
يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا (63)
يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا (63)
{يسألك الناس عَنِ الساعة} كان المشركون يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن وقت قيام الساعة استعجالاً على سبيل الهزء واليهود يسألونه امتحاناً لأن الله تعالى عمى وقتها في التوراة وفي كل كتاب فأمر رسوله بأن يجيبهم بأنه علم قد استأثر الله به ثم بين لرسوله أنها قريبة الوقوع تهديداً للمستعجلين وإسكاناً للممتحنين بقوله {قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ الله وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ الساعة تَكُونُ قَرِيباً}(3/46)
شيئاً قريباً أو لأن الساعة في معنى الزمان(3/47)
إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا (64)
إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا (64)
{إِنَّ الله لَعَنَ الكافرين وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً} ناراً شديدة الاتقاد(3/47)
خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (65)
خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (65)
{خالدين فِيهَا أَبَداً} هذا يرد مذهب الجهمية لأنهم يزعمون أن الجنة والنار تفنيان ولا وقف على سَعِيراً لأن قوله خالدين فِيهَا حال عن الضمير في لَهُمْ {لاَّ يَجِدُونَ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً} ناصراً يمنعهم اذكر(3/47)
يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا (66)
يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا (66)
{يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِى النار} تصرّف في الجهات كما ترى البضعة تدور في القدر إذا غلت وخصصت الوجوه لأن الوجه أكرم موضع على الإنسان من جسده أو يكون الوجه عبارة عن الجملة {يقولون} حال {يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا} فنخلص من هذا العذاب فتمنوا حين لا ينفعهم التمنى(3/47)
وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا (67)
وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا (67)
{وَقَالُواْ رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا} جمع سيد ساداتنا شامي وسهل ويعقوب جمع الجمع والمراد رؤساء الكفرة الذين لقنوهم الكفر وزينوه لهم {وَكُبَرَاءنَا} ذوي الأسنان منا أو علماءنا {فَأَضَلُّونَا السبيلا} يقال ضل السبيل وأضله اياه
الأحزاب (72 - 68)
وزيادة الألف لإطلاق الصوت جعلت فواصل الآي كقوافي الشعر وفائدتها الوقف والدلالة على أن الكلام قد انقطع وأن ما بعده مستأنف(3/47)
رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا (68)
رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا (68)
{ربنا آتهم ضِعْفَيْنِ مِنَ العذاب} للضلال والإضلال {والعنهم لَعْناً كَبِيراً} بالباء عاصم ليدل على أشد اللعن وأعظمه وغيره بالثاء تكثيراً لأعداد اللعائن ونزل في شأن زيد وزينب وما سمع فيه من قالة بعض الناس(3/47)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا (69)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا (69)
{يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فَبرَّأَهُ الله مِمَّا قَالُواْ} ما مصدرية أو موصولة وأيهما كان فالمراد البراءة عن مضمون القول ومؤداه وهو الأمر المعيب وأذى موسى عليه السلام هو حديث المومسة التي أرادها قارون على قذفه بنفسها أو اتهامهم إياه بقتل هرون فأحياه الله تعالى فأخبرهم ببراءة موسى عليه السلام كما برأ نبينا عليه السلام بقوله مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مّن رّجَالِكُمْ {وَكَانَ عِندَ الله وَجِيهاً} ذا جاه ومنزلة مستجاب الدعوة وقرأ ابن مسعود والأعمش وكان عبدا لله وجيها(3/48)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70)
{يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً} صدقاً وصواباً أو قاصداً إلى الحق والسداد القصد إلى الحق والقول بالعدل والمراد نهيهم عما خاضوا فيه من حديث زينب من غير قصد وعدل في القول والبعث على أن يسددوا قولهم في كل باب لأن حفظ اللسان وسداد القول رأس كل خير ولا تقف على سَدِيداً لأن جواب الأمر قوله(3/48)
يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71)
يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71)
{يصلح لكم أعمالكم} يقبل طاعاتكم أو يوفقكم لصالح العمل {وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} أي يمحها والمعنى راقبوا الله في حفظ ألسنتكم وتسديد قولكم فإنكم إن فعلتم ذلك أعطاكم ما هو غاية الطلبة من تقبل حسناتكم والاثابة عليها ومن مغفرة سيآتكم وتكفيرها وهذه الآية مقررة للتي قبلها بنيت تلك على النهي عما يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذه على الأمر باتقاء الله في حفظ اللسان ليترادف عليهم النهي والأمر مع اتباع النهي ما يتضمن الوعيد من قصة موسى عليه السلام وإتباع الأمر الوعد البليغ فيقوي الصارف عن الأذى والداعي إلى تركه ولما علق بالطاعة الفوز العظيم بقوله {وَمَن يُطِعِ الله وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} أتبعه قوله(3/48)
إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا (72)
إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا (72)
{إِنَّا عَرَضْنَا الأمانة عَلَى السماوات والأرض والجبال} وهو يريد بالأمانة(3/48)
الطاعة لله ويحمل الأمانة الخيانة يقال فلان حامل للأمانة ومحتمل لها أى لا يؤديها إلى صاحبها حتى تزول عن ذمته إذ الأمانة كانها راكبة
الأحزاب (73 - 72)
للمؤتمن عليها وهو حاملها ولهذا يقال ركبته الديون ولي عليه حق فإذا أداها لم تبق راكبة له ولا هو حامل لها يعنى أن هذه الاجرام العظام من السموات والأرض والجبال قد انقادت لأمر الله انقياد مثلها وهو ما يتأتى من الجمادات وأطاعت له الطاعة التي تليق بها حيث لم تمتنع على مشيئته وإرادته أيجادا وتكوينا وتسوية على هيآت مختلفة وأشكال متنوعة كما قال ثُمَّ استوى إلى السماء وهى دخان فقال لها وللأرض أثتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين وأخبر أن الشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب يسجدون لله وإن من الحجارة لما يهبط من خشية الله وأما الإنسان فلم تكن حاله فيما يصح منه من الطاعة ويليق به من الانقياد لأوامر الله ونواهيه وهو حيوان عاقل صالح للتكليف مثل حال تلك الجمادات فيما يصح منها ويليق بها من الانقياد وعدم الامتناع وهذا معنى قوله {فَأبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا} أي أبين الخيانة فيها وأن لا يؤدينها {وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا} وخفن من الخيانة فيها {وَحَمَلَهَا الإنسان} أي خان فيها وأبى أن لا يؤديها {إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً} لكونه تاركاً لأداء الأمانة {جَهُولاً} لإخطائه ما يسعده مع تمكه منه وهو أداؤها قال الزجاج الكافر والمنافق حملا الأمانة أي خانا ولم يطيعا ومن أطاع من الأنبياء والمؤمنين فلا يقال كان ظلوماً جهولاً وقيل معنى الآية أن ما كلفه الإنسان بلغ من عظمه أنه عرض على أعظم ما خلق الله من الأجرام وأفواه فأبى حمله وأشفق منه وحمله الإنسان على ضعفه إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً حيث حمل الأمانة ثم لم يف بها وضمنها ثم خان بضمانه فيها ونحو هذا من الكلام كثير في لسان العرب وما جاء القرآن إلا على أساليبهم من ذلك قولهم لو قيل للشحم أين تذهب لقال أسوي العوج(3/49)
لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (73)
لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (73)
واللام في {لّيُعَذّبَ الله المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات}(3/49)
للتعليل لأن التعذيب هنا نظير التأديب في قولك ضربته للتأديب فلا تقف على جَهُولاً {وَيَتُوبَ الله عَلَى المؤمنين والمؤمنات} وقرأ الأعمش وَيَتُوبُ الله بالرفع ليجعل العلة قاصرة على فعل الحامل ويبتدئ وَيَتُوبَ الله ومعنى المشهورة ليعذب الله حامل الأمانة ويتوب على غيره ممن لم يحملها لأنه إذا تيب على الوافي كان نوعاً من عذاب الغادر أو للعاقبة أي حملها الإنسان فآل الآمر إلى تعذيب الأشقياء وقبول توبة السعداء {وَكَانَ الله غَفُوراً} للتائبين {رَّحِيماً} بعباده المؤمنين والله الموفق للصواب(3/50)
سبأ (3 - 1)
سورة سبأ
سورة سبأ مكية وهي أربع وخمسون آية
بسم الله الرحمن الرحيم(3/51)
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (1)
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (1)
{الحمد} إن أجرى على المعهود فهو بما حمد به نفسه محمود وإن أجرى على الاستغراق فله لكل المحامد الاستحقاق {لِلَّهِ} بلام التمليك لأنه خالق ناطق الحمد أصلاً فكان بملكه مالك الحمد للتحميد أهلاً {الذى لَهُ مَا فِى السماوات وَمَا فِى الأرض} خلقاً وملكاً وقهراً فكان حقيقاً بأن يحمد سراً وجهراً {وَلَهُ الحمد فِى الآخرة} كما هو له في الدنيا إذ النعم في الدارين من المولى غير أن الحمد هنا واجب لأن الدنيا دار تكليف وثم لا لعدم التكلف وإنما يحمد أهل الجنة سروراً بالنعيم وتلذذاً بما نالوا من الأجر العظيم بقولهم الحمد لله الذى صدقنا وعده الحمد لله الذى أذهب عنا الحزن {وَهُوَ الحكيم} بتدبير ما في السماء والأرض {الخبير} بضمير من يحمده ليوم الجزاء والعرض(3/51)
يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ (2)
يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ (2)
{يَعْلَمْ} مستأنف {مَا يَلْجُ} ما يدخل {فِى الأرض} من الأموات والدفائن {وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا} من النيات وجواهر المعادن {وَمَا يَنزِلُ مِنَ السماء} من الأمطار وأنواع البركات {وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا} يصعد إليها من(3/51)
الملائكة والدعوات {وَهُوَ الرحيم} بإنزال ما يحتاجون إليه {الغفور} لما يجترءون عليه(3/52)
وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (3)
وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (3)
{وَقَالَ الذين كَفَرُواْ} أي منكرو البعث {لاَ تأتينا الساعة} ففى البعث وإنكار المجئ الساعة {قُلْ بلى} أوجب ما بعد النفي بلى على معنى أن ليس الأمر إلا إتيانها {وَرَبّى لَتَأْتِيَنَّكُمْ} ثم أعيد إيجابه مؤكداً بما هو الغاية في التوكيد والتشديد وهو التوكيد باليمين بالله عز وجل ثم أمد التوكيد القسمى بما اتبع المقسم به من الوصف بقوله {عالم الغيب} لأن عظمة حال المقسم به تؤذن بقوة حال المقسم عليه وبشدة ئباته واستقامته لأنه بمنزلة الاستشهاد على الأمر وكلما كان المستشهد به أرفع منزلة كانت الشهادة أقوى وآكد والمستشهد عليه أثبت أو رسخ ولما كان قيام الساعة من مشاهير الغيوب وأدخلها في الخفية كان الوصف بما يرجع إلى علم الغيب أولى وأحق عالم الغيب مدنى وشامى أى هو عالم الغيب كلام الغيب حمزة وعلي على المبالغة {لاَ يَعْزُبُ عنه} وبكسر الزاى على يقال عزب
سبأ (7 - 3)
يعزب ويعزب إذا غاب وبعد {مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} مقدار أصغر نملة {فِى السماوات وَلاَ فِى الأرض وَلاَ أَصْغَرُ مِن ذَلِكَ} من مثقال ذرة {وَلا أَكْبَرُ} من مثقال ذرة {إِلاَّ فِى كتاب مُّبِينٍ} إلا في اللوح المحفوظ وَلاَ أَصْغَرُ وَلا أَكْبَرُ بالرفع عطف على مثقال ذرة ويكون إلا بمعنى لكن أورفعا بالابتداء والخبر فِى كتاب(3/52)
لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4)
لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4)
واللام فى {ليجزي الذين آمنوا وَعَمِلُواْ الصالحات أُوْلَئِكَ لَهُمْ مَّغْفِرَةٌ} لما قصروا فيه من مدارج الإيمان {وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} لما صبروا عليه من مناهج الإحسان متعلق بلتأتينكم تعليلا له(3/52)
وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ (5)
وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ (5)
{والذين سعوا في آياتنا} جاهدوا في رد القرآن {معاجزين} مسابقين ظانين أنهم يفوتوننا مُعَجِزِينَ مكي وأبو عمرو أي مثبطين الناس عن اتباعها وتأملها أو ناسبين الله إلى العجز {أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مّن رجز أليم} يرفع أَلِيمٌ مكي وحفص ويعقوب صفة لعذاب أي عذاب أليم من سيئ العذاب قال قتادة الرجز سوء العذاب وغيرهم بالجر صفة لرجز(3/53)
وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (6)
وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (6)
{وَيَرَى} في موضع الرفع بالاستئناف أي ويعلم {الذين أُوتُواْ العلم} يعني أصحاب رسول الله صى ل ومن بطأ أعقابهم من أمته أو علماء أهل الكتاب الذين أسلموا كعبد الله بن سلام وأصحابه والمفعول الأول ليرى {الذى أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبّكَ} يعني القرآن {هو الحق} أى الصدق وهو فضل والحق مفعول ثانٍ أو في موضع النصب معطوف على ليجزى وليعلم أولو العلم عند مجئ الساعة أنه الحق علما لا يزاد غليه في الإيقان {وَيَهْدِى} الله أو الذي أنزل إليك {إلى صِرَاطِ العزيز الحميد} وهو دين الله(3/53)
وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ (7)
وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ (7)
{وَقَالَ الذين كَفَرُواْ} وقال قريش بعضهم لبعض {هل ندلكم على رجل} يعنون محمدا صلى الله عليه وسلم وإنما نكّروه مع أنه كان مشهوراً علماً في قريش وكان إنباؤه بالبعث شائعاً عندهم تجاهلاً به وبأمره وباب التجاهل في البلاغة وإلى سحرها {يُنَبّئُكُمْ إِذَا مُزّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِى خَلْقٍ جَدِيدٍ} أي يحدثكم بأعجوبة من الأعاجيب أنكم تبعثون وتنشؤن خلقاً جديداً بعد أن تكونوا رفاتاً وتراباً ويمزق أجسادكم البلاء كل ممزق أي يفرقكم كل تفريق فالممزق مصدر بمعنى التمزيق والعامل فى إذا مادل عليه أنكم لفى
سبأ (10 - 8)
خَلْقٍ(3/53)
جَدِيدٍ أي تبعثون والجديد فعيل بمعنى فاعل عند البصريين تقول جد فهو جديد كقل فهو قليل ولا يجوز إِنَّكُمْ بالفتح للام في خبره(3/54)
أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَمْ بِهِ جِنَّةٌ بَلِ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذَابِ وَالضَّلَالِ الْبَعِيدِ (8)
أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَمْ بِهِ جِنَّةٌ بَلِ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذَابِ وَالضَّلَالِ الْبَعِيدِ (8)
{افترى عَلَى الله كَذِبًا} أهو مفترٍ على الله كذباً فيما ينسب إليه من ذلك والهمزة للاستفهام وهمزة الوصل حذفت استغناء عنها {أَم بِهِ جِنَّةٌ} جنون يوهمه ذلك ويلقيه على لسانه {بَلِ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالآخرة فِى العذاب والضلال البعيد} ثم قال سبحانه وتعالى ليس محمد من الافتراء والجنون في شيء وهو مبرأ منهما بل هؤلاء القائلون الكافرون بالبعث واقعون في عذاب النار وفيما يؤديهم إليه من الضلال عن الحق وهم غافلون عن ذلك وذلك أجن الجنون جعل وقوعهم في العذاب رسيلاً لوقوعهم في الضلال كأنهما كائنان في وقت واحد لأن الضلال لما كان العذاب من لوازمه جعلا كأنهما مقترنان ووصف الضلال بالبعيد من الإسناد المجازي لأن البعيد صفة الضال إذا بعد عن الجادة(3/54)
أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (9)
أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (9)
{أَفَلَمْ يَرَوْاْ إلى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ مّنَ السماء والأرض إِن نَّشَأْ نَخْسِفْ بهم} وبالادغام على التقارب بين الفاء والباء وضعفه البعض لزيادة صوت الفاء على الباء {الأرض أَوْ نُسْقِطْ} الثلاثة بالياء كوفي غير عاصم لقوله افترى عَلَى الله كَذِبًا {عَلَيْهِمْ كِسَفاً} كِسَفًا حفص {مّنَ السماء} أي أعموا فلم ينظروا إلى السماء والأرض والأرض وأنهما حيثما كانوا وأينما ساروا أمامهم وخلفهم محيطتان بهم لا يقدرون أن ينفذوا من أقطارهما وان يخرجوا عماهم فيه من ملكوت اللله ولم يخافوا أن يخسف الله بهم أو يسقط عليهم كسفا لتكذيبهم الآيات وكفرهم بالرسول وبما جاء به كما فعل بقارون وأصحاب الأيكة {إِنَّ فِى ذَلِكَ} النظر إلى السماء والأرض والفكر فيهما(3/54)
وما تدلان عليه من قدرة الله تعالى {لآيَةً} لدلالة {لّكُلّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ} راجع إلى ربه مطيع له إذ المنيب لا يخلو من النظر في آيات الله على أنه قادر على كل شيء من البعث ومن عقاب من يكفر به(3/55)
وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ (10)
وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ (10)
{ولقد آتينا داود منا فضلا يا جبال} بدل من فضلا أو من آتينا بتقدير قولنا يا جبال أو قلنا يا جبال {أَوّبِى مَعَهُ} من التأويب رجعي معه التسبيح ومعنى تسبيح الجبال أن الله يخلق فيها تسبيحاً فيسمع منها كما يسمع من المسبح معجزة لداود عليه السلام {والطير} عطف على محل الجبال والطير عطف على لفظ الجبال وفي هذا النظم من الفخامة مالا يخفى حيث جعلت الجبال بمنزلة العقلاء الذين إذا أمرهم بالطاعة أطاعوا وإا دعاهم أجابوا اشعار بأنه مامن حيوان إلا وهو منقاد لمشيئة الله
سبأ (13 - 10)
تعالى ولو قال آتينا داود منا فضلاً تأويب الجبال معه والطير لم يكن فيه هذه الفخامة {وَأَلَنَّا لَهُ الحديد} وجعلناه له ليّناً كالطين المعجون يصرفه بيده كيف يشاء من غير نار ولا ضرب بمطرقة وقيل لأن الحديد في يده لما أوتي من شدة القوة(3/55)
أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (11)
أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (11)
{أن اعمل} أن بمعنى أى أمرناه أن أعمل {سابغات} دروعاً واسعة تامة من السبوغ وهو أول من اتخذها وكان يبيع الدرع بأربعة آلاف فينفق منها على نفسه وعياله ويتصدق على الفقراء وقيل كان يخرج متنكراً فيسأل الناس عن نفسه ويقول لهم ماتقولون في داود فيثنون عليه فقيض الله له ملكا فى سورة آدمي فسأله على عادته فقال نعم الرجل لولا خصلة فيه وهو انه يطعم عيالهمن بيت المال فسأل عند ذلك ربه أن يسبب له ما يستغني به عن بيت المال فعلمه صنعة الدروع وقدر في السرد لا نجعل المسامير دقاقا فنغلق ولا غلاظا فتفصم الحلق والسردنسج الدروع(3/55)
{واعملوا} الضمير لداود وأهله {صالحا} خالصاً يصلح للقبول {إِنّى بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} فأجازيكم عليه(3/56)
وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ (12)
وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ (12)
{ولسليمان الريح} أي وسخرنا لسليمان الريح وهي الصبار ورفع الريح أبو بكر وحماد والفضل أي ولسليمان الريح مسخرة {غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ} جريها بالغداة مسيرة شهر وجريها بالعشي كذلك وكان يغدو من دمشق فيقيل باصطخر فارس وبينهما مسيرة شهر ويروح من اصطخر فيبيت بكابل وبينهما مسيرة شهر للراكب المسرع وقيل كان يتغدى بالري ويتعشى بسمرقند {وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ القطر} أي معدن النحاس فالقطر النحاس وهو الصفر ولكنه أساله وكان يسيل في الشهر ثلاثة أيام كما يسيل الماء وكان قبل سليمان لا يذوب وسماه عين القطر باسم ما آل إليه {وَمِنَ الجن مَن يَعْمَلُ} من في موضع نصب أي وسخرنا من الجن من يعمل {بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبّهِ} بأمر ربه {وَمَن يَزِغْ مِنْهُمْ} ومن يعدل منهم {عَنْ أَمْرِنَا} الذي أمرنا به من طاعة سليمان {نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السعير} عذاب الآخرة وقيل كان معه ملك بيده سوط من نار فمن زاغ عن أمر سليمان عليه السلام ضربه ضربة أحرقته(3/56)
يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ (13)
يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ (13)
{يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاء مِن محاريب} أي مساجد أو مساكن {وتماثيل} أي صور السباع والطيور وروي أنهم عملوا له أسدين في أسفل كرسيه ونسرين فوقه فإذا أراد أن يصعد بسط الأسدان له ذراعيهما وإذا قعد أظله النسران بأجنحتهما وكان التصوير مباحاً حينئذ {وَجِفَانٍ} جمع جفنة {كالجواب} جمع جابية وهي الحياض الكبار قيل كان يقعد على الجفنة ألف رجل كالجوابي في الوصل والوقف مكي ويعقوب وسهل وافق أبو عمرو في الوصل الباقون بغير ياء اكتفاء بالكسرة {وَقُدُورٍ راسيات} ثابتات(3/56)
على الاثافى
سبأ (15 - 13)
لا تنزل عنها لعظمها وقيل إنها باقية باليمين وقلنا لهم {اعملوا آل داود شكرا} أي ارحموا أهل البلاد واسألوا ربكم العافية عن الفضيل وشكرا مفعول له أو حال أي شاكرين أو اشكروا اشكر الأن اعملوا فيه معنى اشكروا من حيث إن العمل للمنعم شكر له أو مفعول به يعني إنا سخرنا لكم الجن يعملون لكم ما شئتم فاعملوا أنتم شكراً وسئل الجنيد عن الشكر فقال بذل المجهود بين يدي المعبود {وَقَلِيلٌ مّنْ عِبَادِىَ} بسكون الياء حمزة وغيره بفتحها {الشكور} المتوفر على أداء الشكر الباذل وسعه فيه قد شغل به قلبه ولسانه وجوارحه اعتقادا أو اعترافا وكدحا وعن ابن عباس رضى اله عنه من يشكر على أحواله كلها وقيل من يشكر على الشكر وقيل من يرى عجزه عن الشكر وحكي عن داود عليه السلام أنه جزا ساعات اليل والنهار على أهله فلم تكن تأتي ساعة من الساعات إلا وإنسان من آل داود قائم يصلى(3/57)
فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ (14)
فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ (14)
{فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الموت} أي على سليمان {مَا دَلَّهُمْ} أي الجن وآل داود {على مَوْتِهِ إِلاَّ دَابَّةُ الأَرْضِ} أي الأرضة وهي دويبة يقال لها سرفة والأرض فعلها فأضيفت إليه يقال أرضت الخشبة أرضاً إذا أكلتها الأرضة {تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ} والعصا تسمى منسأة لأنه ينسأ بها أي يطرد ومنساته بغير همز مدني وأبو عمرو {فَلَمَّا خَرَّ} سقط سليمان {تَبَيَّنَتِ الجن} علمت الجن كلهم علماً بيناً بعد التباس الأمر على عامتهم وضعفتهم {أَن لَّوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ الغيب مَا لَبِثُواْ} بعد موت سليمان {فِى العذاب المهين} وروي أن داود عليه السلام أسس بناء بيت المقدس في موضع فسطاط موسى عليه السلام فمات قبل أن(3/57)
يتمه فوصى به إلى سليمان فأمر الشياطين بإتمامه فلما بقي من عمره سنة سأل ربه أن يعمي عليهم موته حتى يفرغوا منه ولتبطل دعواهم علم الغيب وكان عمر سليمان ثلاثاً وخمسين سنة ملك وهو ابن ثلاث عشر سنة فبقى فى ملكه أربعين سنة وبتدأ بناء بيت المقدس لأربع مضين من ملكه وروي أن أفريدون جاء ليصعد كرسيه فلما دنا ضرب الأسدان ساقه فكسراها فلم يجسر أحد بعده أن يدنو منه(3/58)
لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ (15)
لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ (15)
{لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ} بالصرف بتأويل الحي وبعدمه أبو عمر وبتأويل القبيلة {فِى مَسْكَنِهِمْ} حمزة وحفص مَسْكَنِهِمْ علي وخلف وهو موضع سكناهم وهو بلدهم وأرضهم التي كانوا مقيمين فيها باليمن أو مسكن كل واحد منهم غيرهم مساكنهم {آية} اسم كان {جنتان} بدل من آية أو خبر مبتدأ محذوف تقديره الآية جنتان ومعنى كونهما آية أن أهلها لما أعرضوا عن شكر الله سلبهم الله النعمة ليعتبروا أو يتعظموا فلا يعودوا إلى ما كانوا عليه من الكفر وغمط العم أو جعلهما آية أي علامة دالة على قدرة الله وإحسانه ووجوب شكره {عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ} أراد جماعتين من البساتين جماعة عن يمين بلدهم وأخرى عن شمالها وكل واحدة من الجماعتين فى
سبأ (18 - 15)
تقاربها وتضامها كأنها جنة واحدة كما تكون بساتين البلاد العامرة أو أراد بستاني كل رجل منهم عن يمين مسكنه وشماله {كُلُواْ مِن رّزْقِ رَبّكُمْ واشكروا لَهُ} حكاية لما قال أنبياء الله المبعوثون إليهم أو لما قال لهم لسان الجمال أو هم أحقاء بأن يقال لهم ذلك ولما أمرهم بذلك أتبعه قوله {بَلْدَةٌ طَيّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ} أي هذه البلدة التي فيها رزقكم بلدة طيبة وربكم الذي رزقكم وطلب شكركم رب غفور لمن شكره قال ابن عباس كانت سبأ على ثلاث فراسخ من صنعاء وكانت أخصب البلاد تخرج المرأة وعلى رأسها المكتل فتعمل بيدها وتسير بين تلك الشجر فيمتليء المكتل مما يتساقط فيه من الثمر وطيبها ليس فيها(3/58)
بعوض ولا ذباب ولا برغوث ولا عقرب ولا حية ومن يمر بها من الغرباء يموت قمله لطيب هوائها(3/59)
فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ (16)
فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ (16)
{فأعرضوا} عن دعوة أنبيائهم فكذبوهم وقالوا مانعرف لله علينا نعمة {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ العرم} أي المطر الشديد أو العرم اسم الوادي أو هو الجرذ الذي نقب عليهم السّكر لما طغوا سلط الله عليهم الجرذ فنقبه من أسفله فغرقهم {وبدلناهم بِجَنَّتَيْهِمْ} المذكورتين {جَنَّتَيْنِ} وتسمية البدل جنتين للمشاكلة وازدواج الكلام كقوله وَجَزَاء سَيّئَةٍ سيئة مثلها {ذَوَاتَىْ أُكُلٍ خَمْطٍ} الأكل الثمر يثقل ويخفف وهو قراءة نافع ومكي والخمط شجر الأراك وقيل كل شجر ذي شوك {وَأَثْلٍ وَشَىْء مّن سِدْرٍ قَلِيلٍ} الأثل شجر يشبه الطرفاء أعظم منه وأجود عوداً ووجه من نون الاكل وهو غير أبى عمر وان أصله ذواتى أكل أكل خمط فحذف المضاف وأقيم امضاف إليه مقامه أو وصف الأكل بالخمط كأنه قيل ذواتى أكل بشع ووجه أبى عمرو أن أكل الخمط في معنى البرير وهو ثمر الأراك إذا كان غضاً فكأنه قيل ذواتي برير والأثل والسدر معطوفان على أَكَلَ لا على خَمْطٍ لأن الأثل لا أكل له وعن الحسن قلل السدر لأنه أكرم ما بدلوا لأنه يكون في الجنان(3/59)
ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ (17)
ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ (17)
{ذَلِكَ جزيناهم بِمَا كَفَرُواْ} أي جزيناهم ذلك بكفرهم فهو مفعول ثان مقدم {وَهَلْ نُجَازِىِ إِلاَّ الكفور} كوفي غير أبي بكر وَهَلْ يجازى إِلاَّ الكفور غيرهم يعني وهل نجازي مثل هذا الجزاء إلا م كفر النعمة ولم يشكرها أو كفر بالله أو هل يعاقب لأن الجزاء وإن كان عاماً يستعمل في معنى المعاقبة وفي معنى الإثابة لكن المراد الخاص وهو العقاب وعن الضحاك كانوا في الفترة التي بين عيسى ومحمد عليه السلام(3/59)
وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ (18)
وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ (18)
{وَجَعَلْنَا بَيْنَهُم} بين سبإٍ {وَبَيْنَ القرى التى بَارَكْنَا فِيهَا} بالتوسعة على أهلها في النعم والمياه وهي قرى الشام {قُرًى ظاهرة} متواصلة يرى بعضها من بعض لتقاربها فهي ظاهرة لأعين الناظرين أو ظاهرة للسابلة لم تبعد عن مسالكهم
سبأ (22 - 18)
حتى تخفى عليهم وهي أربعة آلاف وسبعمائة قرية متصلة من سبإٍ إلى الشام {وَقَدَّرْنَا فِيهَا السير} أي جعلنا هذه القرى على مقدار معلوم يقيل المسافر في قرية ويروح في أخرى إلى أن يبلغ الشام {سِيرُواْ فِيهَا} وقلنا لهم سيروا ولا قول ثمة ولكنهم لما مكنوا من السير وسويت لهم أسبابه فكأنهم أمروا بذلك {ليالي وأياماً آمنين} أي سيروا فيها إن شئتم بالليل وإن شئتم بالنهار فإن الأمن فيها لا يختلف باختلاف الأوقات أي سيروا فيها آمنين لا تخافون عدواً ولا جوعاً ولا عطشاً وإن تطاولت مدة سفركم وامتدت أياماً وليالي(3/60)
فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (19)
فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (19)
{فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا} قالوا ياليتها كانت بعيدة فنسير على نجائبنا ونربح في التجارات ونفاخر فى الدواب والأسباب بطر والنعمة وملوا العافية فطلبوا الكد والتعب بَعْدَ مكي وأبو عمرو {وَظَلَمُواْ} بما قالوا {أَنفُسَهُمْ فجعلناهم أَحَادِيثَ} يتحدث الناس بهم ويتعجبون من أحوالهم {ومزقناهم كُلَّ مُمَزَّقٍ} وفرقناهم تفريقاً اتخذه الناس مثلا مضروبا يقولون ذهبوا أيدى سبأ وتفرقوا أيادى سبا فلحق غسان بالشام وإنما بيثرب وجذام بتهامة والأزد بعمان {إِنَّ فِى ذلك لآيات لّكُلّ صَبَّارٍ} عن المعاصي {شَكُورٍ} للنعم أو لكل مؤمن لأن الإيمان نصفان نصفه شكر ونصفه صبر(3/60)
وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (20)
وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (20)
{وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ} بالتشديد كوفي أي حقق عليهم ظنه أو وجده صادقاً وبالتخفيف غيرهم أي صدق في ظنه {فاتبعوه}(3/60)
الضمير فى عليهم واتبعوه لأهل سبإ أو لبني آدم وقلل المؤمنين بقوله {إلا فريقا من المؤمنين} لفلتهم بالاضافة إلى الكفار ولا نجد أكثرهم شاكرين(3/61)
وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ (21)
وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ (21)
{وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ} لإبليس على الذين صار ظنه فيهم صدقاً {مِنْ سلطان} من تسليط واستيلاء بالوسوسة {إِلاَّ لِنَعْلَمَ} موجوداً ما علمناه معدوماً والتغير على المعلوم لا على العلم {مَن يُؤْمِنُ بالآخرة مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِى شَكّ وَرَبُّكَ عَلَى كُلّ شَىْء حَفُيظٌ} محافظ عليه وفعيل ومفاعل متآخيان(3/61)
قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ (22)
قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ (22)
{قُلْ} لمشركي قومك {ادعوا الذين زَعَمْتُمْ مّن دُونِ الله} أي زعمتموهم آلهة من دون الله فالمفعول الأول الضمير الراجع إلى الموصول وحذف كما حذف في قوله أهذا الذى بعث الله رسولا استخفافاً لطول الموصول بصلته والمفعول الثاني آلهة وحذف لأنه موصوف صفته مِن دُونِ الله والموصوف يجوز حذفه وإقامة الصفة مقامه إذا كان مفهوماً فإذاً مفعولا زعم محذوفان بسببين مختلفين والمعنى ادعوا
سبأ (24 - 22)
الذين عبدتموهم من دون الله من الأصنام والملائكة وسميتموهم والتجؤا إليهم فيما يعروكم كما تلتجئون إليه وانتظروا استجابتهم لدعائكم كما تنتظرون استجابته ثم أجاب عنهم بقوله {لاَ يَمْلِكُونَ مِثُقَالَ ذَرَّةٍ} من خير أو شر أو نفع أو ضر {فِى السماوات وَلاَ فِى الأرض وَمَا لَهُمْ فيهما من شرك} ومالهم في هذين الجنسين من شركة في الخلق ولا في الملك {وَمَا لَهُ} تعالى {مِنْهُمْ} من آلهتهم {مّن ظَهِيرٍ} من عوين يعينه على تدبير خلقه يريد أنهم على هذه الصفة من العجز فكيف يصح أن يدعوا كما يدعي ويرجوا كما يرجى(3/61)
وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (23)
وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (23)
{وَلاَ تَنفَعُ الشفاعة عِندَهُ إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ} أي أذن له الله يعني إلا من وقع الإذن(3/61)
للشفيع لأجله وهي اللام الثانية فى قولك أذن لزيد لعمر وأى لأجله وهذا تكذيب لقولهم هَؤُلاء شفعاؤنا عِندَ الله أَذِنَ لَهُ كوفي غير عاصم إلا الأعشى {حتى إِذَا فُزّعَ عَن قُلُوبِهِمْ} أي كشف الفزع عن قلوب الشافعين المشفوع لهم بكلمة يتكلم بها رب العزة في اطلاق الاذن وفزع شامي أي الله تعالى والتفزيع إزالة الفزع وحتى غاية لما فهم من أن ثم انتظار اللاذن وتوقفاً وفزعاً من الراجين للشفاعة والشفعاء هل يؤذن لهم أولا يؤذن لهم كأنه قيل يتربصون ويتوقعون ملياً فزعين حتى إذا فزع عن قلوبهم قَالُواْ سأل بعضهم بعضاً مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُواْ قال الحق أى القول وهو الإذن بالشفاعة لمن ارتضى {وَهُوَ العلى الكبير} ذو العو والكبرياء ليس لملك ولا نبي أن يتكلم ذلك اليوم إلا بإذنه وان يشفع إلا لمن ارتضى(3/62)
قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (24)
قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (24)
{قُلْ مَن يَرْزُقُكُمْ مّنَ السماوات والأرض قُلِ الله} أمره بأن يقررهم بقوله مَن يَرْزُقُكُم ثم أمره بأن يتولى الإجابة والإقرار عنهم بقوله يرزقكم الله وذلك للإشعار بأنهم مقرون به بقلوبهم إلا أنهم بما أبوا أن يتكلموا به لأنهم إن تفوهوا بأن الله رازقهم لزمهم أن يقال لهم فمالكم لا تعبدون من يرزقكم وتؤثرون عليه من لا يقدر على الرزق وأمره أن يقول لهم بعد الإلزام والإلجام الذي إن لم يزد على إقرارهم بألسنتهم لم يتقاصر عنه {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لعلى هُدًى أَوْ فِى ضلال مُّبِينٍ} ومعناه وإن أحد الفريقين من الموحدين ومن المشركين لعلى أحد الأمرين من الهدى والضلال وهذا من الكلام المنصف الذي كل من سمعه من موالٍ أو منافٍ قال لمن خوطب به قد أنصفك صاحبك وفي درجة بعد تقدم ما قدم من التقرير دلالة غير خفية على من هومن الفريقين على الهدى ومن هو في الضلال المبين ولكن التعريض أوصل بالمجادل إلى الغرض ونحوه قولك للكاذب إن أحدنا لكاذب وخولف بين(3/62)
حرفي الجر الداخلين على الهدى والضلال لأن صاحب الهدى كانه مستعل على فرس
سبأ (31 - 25)
جواد يركضه حيث شاء والضال كأنه ينغمس فى ظلام لايرى اين يتوجه(3/63)
قُلْ لَا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ (25)
قُلْ لَا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ (25)
{قل لا تسألون عما أجرمنا ولا نسأل عَمَّا تَعْمَلُونَ} هذا أدخل في الإنصاف من الأول حيث أسند الإجرام إلى المخاطبين وهو مزجور عنه محظور والعمل إلى المخاطبين وهو مأمور به مشكور(3/63)
قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ (26)
قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ (26)
{قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا} يوم القيامة {ثُمَّ يَفْتَحُ} يحكم {بَيْنَنَا بالحق} بلا جور ولا ميل {وَهُوَ الفتاح} الحاكم {العليم} بالحكم(3/63)
قُلْ أَرُونِيَ الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكَاءَ كَلَّا بَلْ هُوَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (27)
قُلْ أَرُونِيَ الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكَاءَ كَلَّا بَلْ هُوَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (27)
{قُلْ أَرُونِىَ الذين أَلْحَقْتُمْ} أي ألحقتموهم {بِهِ} بالله {شُرَكَاء} في العبادة معه ومعنى قوله أَرُونِىَ وكان يراهم أن يريهم الخطأ العظيم في إلحاق الشركاء بالله وأن يطلعهم على حالة الإشراك به {كَلاَّ} ردع وتنبيه أي ارتدعوا عن هذا القول وتنبهوا عن ضلالكم {بَلْ هُوَ الله العزيز} الغالب فلا يشاركه أحدوهو ضمير الشأن {الحكيم} في تدبيره(3/63)
وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (28)
وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (28)
{وَمَا أرسلناك إِلاَّ كَافَّةً لّلنَّاسِ} إلا إرسالة عامة لهم محيطة بهم لأنها إذا شملتهم فقد كفتّهم أن يخرج منها أحد منهم وقال الزجاج معنى الكافة في اللغة الإحاطة والمعنى أرسلناك جامعاً للناس في الإنذار والإبلاغ فجعله حالاً من الكاف والتاء على هذا للمبالغة كتاء الراوية والعلاّمة {بَشِيراً} بالفضل لمن أقر {وَنَذِيرًا} بالعدل لمن أصر {ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يَعْلَمُونَ} فيحملهم جهلهم على مخالفتك(3/63)
وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (29)
وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (29)
{وَيَقُولُونَ متى هذا الوعد} أي القيامة المشار إليها في قوله قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا {إِن كُنتُمْ صادقين}(3/63)
قُلْ لَكُمْ مِيعَادُ يَوْمٍ لَا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ سَاعَةً وَلَا تَسْتَقْدِمُونَ (30)
قُلْ لَكُمْ مِيعَادُ يَوْمٍ لَا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ سَاعَةً وَلَا تَسْتَقْدِمُونَ (30)
{قُل لَّكُم مّيعَادُ يَوْمٍ} الميعاد ظرف الوعد من مكان أو زمان وهو هنا الزمان ويدل عليه قراءة من قرأ مّيعَادُ يَوْمٍ فأبدل منه اليوم وأما الإضافة فإضافة تبيين كما تقول بغير سانية {لا تستأخرون عَنْهُ سَاعَةً وَلاَ تَسْتَقْدِمُونَ} أي لا يمكنكم التأخر عنه بالاستمهال ولا التقدم إليه بالاستعجال ووجه انطباق هذا الجواب على سؤالهم أنهم سألوا عن ذلك وهم منكرون له تعنتاً لا استرشاد فجاء الجواب على طريق التهديد مطابقاً للسؤال على الإنكار والتعنت وأنهم مرصدون ليوم يفاجئهم فلا يستطيعون تأخراً عنه ولا تقدماً عليه(3/64)
وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْآنِ وَلَا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلَا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ (31)
وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْآنِ وَلَا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلَا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ (31)
{وَقَالَ الذين كَفَرُواْ} أي أبو جهل وذووه {لن نؤمن بهذا القرآن وَلاَ بالذى بَيْنَ يَدَيْهِ} أي ما نزل قبل القرآن من كتب الله أو القيامة والجنة والنار حتى إنهم جحدوا أن يكون القرآن من الله وأن يكون لما دل عليه
سبأ (33 - 31)
من الاعادة حقيقة {وَلَوْ ترى إِذِ الظالمون مَوْقُوفُونَ} محبوسون {عِندَ رَبّهِمْ يَرْجِعُ} يرد {بَعْضُهُمْ إلى بَعْضٍ القول} في الجدال أخبر عن عاقبة أمرهم ومآلهم فى الآخرة فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم أو للمخاطب ولوترى في الآخرة موقفهم وهم يتجاذبون أطراف المحاورة ويتراجعونها بينهم لرأيت العجب فحذف الجواب {يَقُولُ الذين استضعفوا} أي الأتباع {لِلَّذِينَ استكبروا} أي للرؤس والمقدمين {لَوْلاَ أَنتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ} لولا دعاؤكم إيانا إلى الكفر لكنا مؤمنين بالله ورسوله(3/64)
قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءَكُمْ بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ (32)
قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءَكُمْ بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ (32)
{قَالَ الذين استكبروا لِلَّذِينَ استضعفوا أَنَحْنُ صددناكم عَنِ الهدى} أولى الاسم أي نحن حرف الإنكار لأن المراد انكار أن يكونوا هم الصادين لهم عن الإيمان وإثبات أنهم هم الذين صدوا بأنفسهم عنه وأنهم أتو من قبل اختيارهم {بَعْدَ إِذْ جَاءكُمْ} إنما وقعت إذ مضافاً إليها وإن كانت إذ وإذا من الظروف الازمة للظرفية لأنه قد اتسع فى الزمان مالم يتسع في غيره فأضيف إليها الزمان {بَلْ كُنتُمْ مُّجْرِمِينَ} كافرين لاختياركم وإيثاركم الضلال على الهدى لا بقولنا وتسويلنا(3/65)
وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْدَادًا وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلَالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (33)
وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْدَادًا وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلَالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (33)
{وَقَالَ الذين استضعفوا لِلَّذِينَ استكبروا} لم يأت بالعاطف في قَالَ الذين استكبروا وأتى به في وَقَالَ الذين استضعفوا لأن الذين استضعفوا أولا فلا كلامهم فجيء بالجواب محذوف العاطف على طريق الاستثناء ثم جيء بكلام آخر للمستضعفين فعطف على كلامهم الاول {بل مكر الليل والنهار} بل مكركم بنا بالليل والنهار فاتسع في الظرف بإجرائه مجرى المفعول به وإضافة المكر إليه أو جعل ليلهم ونهارهم ماكرين على الإسناد المجازي أي الليل والنهار مكراً بطول السلامة فيهما حتى ظننا أنكم على الحق {إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَن نَّكْفُرَ بالله وَنَجْعَلَ لَهُ أَندَاداً} أشباهاً والمعنى أن المستكبرين لما أنكروا بقولهم أَنَحْنُ صددناكم أن يكونوا هم السبب في كفر المستضعفين وأثبتوا بقولهم بَلْ كُنتُمْ مُّجْرِمِينَ أن ذلك بكسبهم واختيارهم كر عليهم المستضفون بقولهم بل مكر الليل والنهار فأبطلوا إضرابهم بأضرابهم كأنهم قالوا ما كان الإجرام من جهتنا بل من جهة مكركم لنا دائبا ليلا ونهارا او حملكم إيانا على الشرك واتخاذ الأنداد {وَأَسَرُّواْ الندامة} اضمروا واظهروا وهو من الاضداد وهم الطالمون في قوله إِذِ الظالمون مَوْقُوفُونَ يندم المستكبرون على ضلالهم وإضلالهم والمستضعفون على ضلالهم واتباعهم المظلين لما
سبأ (37 - 33)(3/65)
{وَجَعَلْنَا الأغلال فِى أَعْنَاقِ الذين كَفَرُواْ} أي في أعناقهم فجاء بالصريح للدلالة على ما استحقوا به الأغلال {هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} في الدنيا(3/66)
وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (34)
وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (34)
{وَمَا أَرْسَلْنَا فِى قَرْيَةٍ مّن نَّذِيرٍ} نبي {إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَا} متنعموها ورؤساؤها {إِنَّا بِمَا أرسلتم به كافرون} هذه تسليه للنبى صلى الله عليه وسلم مما مني به من قومه من التكذيب والكفر بما جاء به وأنه لم يرسل قط إلى أهل قرية من نذير إلا قالوا له مثل ما قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم أهل مكة وافتخروا بكثرة الأموال والأولاد كما قال(3/66)
وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (35)
وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (35)
{وَقَالُواْ نَحْنُ أَكْثَرُ أموالا وأولادا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ} أرادوا أنهم أكرم على الله من أن يعذبهم نظراً إلى أحوالهم في الدنيا وظنوا أنهم لو لم يكرموا على الله لما رزقهم الله ولولا أن المؤمنين هانوا عليه لما حرمهم فأبطل الله ظنهم بأن الرزق فضل من الله يقسمه كيف يشاء فربما وسع على العاصى وضيق على المطبع وربما عكس وربما وسع عليهما أو ضيق عليهما فلا ينقاس عليهما أمر الثواب وذلك قوله(3/66)
قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (36)
قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (36)
{قُلْ إِنَّ رَبّى يَبْسُطُ الرزق لِمَن يَشَاء وَيَقْدِرُ} قدر الرزق تضييقه قال الله تعالى ومن قدر عليه رزقه {ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يَعْلَمُونَ} ذلك(3/66)
وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ (37)
وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ (37)
{وَمَا أموالكم وَلاَ أولادكم بالتى تُقَرّبُكُمْ عِندَنَا زلفى} أي وما جماعة أموالكم ولا جماعة أولادكم بالتى وذلك أن الجمع الكسر عقلاؤه وغيره عقلائه سواء في حكم التأنيث والزلفى والزلفة كالقربى والقربة ومحلها النصب على المصدر أي تقربكم قربة كقوله أَنبَتَكُمْ مّنَ الأرض نَبَاتاً {إِلاَّ مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً} الاستثناء من كم في تُقَرّبُكُمْ يعني أن الأموال(3/66)
لا تقرب أحداً إلا المؤمن الصالح الذي ينفقها في سبيل الله والأولاد لا تقرب أحداً إلا من علمهم الخير وفقهم في الدين ورشحهم للصلاح والطاعة وعن ابن عباس إلا بمعنى لكن ومن شرط جوابه {فَأُوْلَئِكَ لَهُمْ جَزَاء الضعف} وهو من إضافة المصدر إلى المفعول أصله فأولئك لهم أن يجاوز الضعف ثم جزاء الضعف ومعنى جزاء الضعف أن تضاعف لهم حسناتهم الواحدة عشراً وقرأ يعقوب جَزَاءً الضعف على فأولئك لهم الضعف جزاء {بِمَا عَمِلُواْ} بأعمالهم {وَهُمْ فِى الغرفات} أى غرف منازل
سبأ (42 - 38)
الجنة الغرفة حمزة {آمنون} من كل هائل وشاغل(3/67)
وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ (38)
وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ (38)
{والذين يسعون في آياتنا} في إبطالها {معاجزين أُوْلَئِكَ فِى العذاب مُحْضَرُونَ}(3/67)
قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (39)
قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (39)
{قُلْ إِنَّ رَبّى يَبْسُطُ الرزق} يوسع {لِمَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا أَنفَقْتُمْ} ما شرطية في موضع النصب {مِن شَىْء} بيانه {فَهُوَ يُخْلِفُهُ} يعوضه لا معوض سواه إما عاجلاً بالمال أو آجلاً بالثواب جواب الشرط {وَهُوَ خَيْرُ الرازقين} المطعمين لأن كل ما رزق غيره من سلطان أو سيد أو غيرهما فهو من رزق الله أجراه على أيدي هؤلاء وهو خالق الرزق وخالق الاسباب التى ينتفع المرزوق بالرزق وعن بعضهم الحمد لله الذي أوجدني وجعلني ممن يشتهي فكم من مشتهٍ لا يجد وواجد لا يشتهي(3/67)
وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ (40)
وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ (40)
{وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ للملائكة أَهَؤُلاَءِ إِيَّاكُمْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ} وبالياء فيهما حفص ويعقوب هذا خطاب للملائكة وتقريع للكفار وارد على المثل السائر ... إياك أعني واسمعي يا جاره ...
ونحوه قوله أأنت قلت للناس اتخذونى الآية(3/68)
قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ (41)
قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ (41)
{قَالُواْ} أي الملائكة {سبحانك} تنزيهاً لك أن يعبد معك غيرك {أَنتَ وَلِيُّنَا} الموالاة خلاف المعاداة وهي مفاعلة من الولي وهو القرب والولي يقع على الموالي والموالى جميعاً والمعنى أنت الذى نواليه {مِن دُونِهِمُ} إذ لا موالاة بيننا وبينهم فبينوا بإثبات موالاة الله ومعاداة الكفار براءتهم من الرضا بعبادتهم لهم لأن من كان على هذه الصفة كانت حاله منافية لذلك {بَلْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ الجن} أي الشياطين حيث أطاعوهم في عبادة غير الله أو كانوا يدخلون في أجواف الأصنام إذا عبدت فيعبدون بعبادتهم أو صورت لهم الشياطين صورة قوم من الجن وقالوا هذه صور الملائكة فاعبدوها {أَكْثَرُهُمْ} أكثر الإنس أو الكفار {بِهِمُ} بالجن {مؤمنون}(3/68)
فَالْيَوْمَ لَا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ (42)
فَالْيَوْمَ لَا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ (42)
{فاليوم لاَ يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَّفْعاً وَلاَ ضَرّاً} لأن الأمر في ذلك اليوم لله وحده لا يملك فيه أحد منفعة ولا مضرة لأحد لأن الدار دار ثواب وعقاب والمثيب والمعاقب هو الله فكانت حالها خلاف حال الدنيا التي هي دار تكليف والناس فيها مخلى بينهم يتضارون ويتنافعون والمراد أنه(3/68)
لا ضار ولا نافع يومئذ إلا هو ثم ذكر عاقبة الظالمين بقوله {وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظلموا} بوضع العبادة فى غير موضعها
سبأ (46 - 42)
معطوف على لاَ يَمْلِكُ {ذُوقُواْ عَذَابَ النار التى كُنتُم بِهَا تُكَذّبُونَ} في الدنيا(3/69)
وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَذَا إِلَّا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُكُمْ وَقَالُوا مَا هَذَا إِلَّا إِفْكٌ مُفْتَرًى وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (43)
وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَذَا إِلَّا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُكُمْ وَقَالُوا مَا هَذَا إِلَّا إِفْكٌ مُفْتَرًى وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (43)
{وإذا تتلى عليهم آياتنا} أي إذا قريء عليهم القرآن {بينات} واضحات {قَالُواْ} أي المشركون {مَا هذا} أي محمد {رجل يريد أن يصدكم عما كان يعبد آباؤكم وَقَالُواْ مَا هَذَآ} أي القرآن {إِلاَّ إِفْكٌ مُّفْتَرى وَقَالَ الذين كَفَرُواْ} أي وقالوا والعدول عنه دليل إنكار عظيم وغضب شديد {لِلْحَقّ} للقرآن أو لأمر النبوة كله {لَمَّا جَاءهُمْ} وعجزوا عن الإتيان بمثله {إِنَّ هَذَا} أي الحق {إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ} بتوه على أنه سحر ثم بتوه على أنه بين ظاهر كل عاقل تأمله سماه سحرا(3/69)
وَمَا آتَيْنَاهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ (44)
وَمَا آتَيْنَاهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ (44)
{وما آتيناهم مّنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا} أي ما أعطينا مشركي مكة كتباً يدرسونها فيها برهان على صحة الشرك {وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مّن نَّذِيرٍ} ولا أرسلنا إليهم نذيرا ينذرهم بالعقاب إن لم يشركوا ثم توعدهم على تكذيبهم بقوله(3/69)
وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَمَا بَلَغُوا مِعْشَارَ مَا آتَيْنَاهُمْ فَكَذَّبُوا رُسُلِي فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ (45)
وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَمَا بَلَغُوا مِعْشَارَ مَا آتَيْنَاهُمْ فَكَذَّبُوا رُسُلِي فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ (45)
{وكذب الذين من قبلهم} أى كذب الذين تقدموهم من الأمم الماضية والقرون الخالية الرسل كما كذبوا {وَمَا بَلَغُواْ مِعْشَارَ مَا آتيناهم} أى ومابلغ أهل مكة عشر ما أوتي الأولون من طول الأعمار وقوة الاجرام وكثرة الأموال والاواد {فَكَذَّبُواْ رُسُلِى فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ} للمكذبين الأولين فليحذروا من مثله وبالياء في الوصل والوقف يعقوب أي فحين كذبوا رسلهم جاءهم 2 إنكاري بالتدمير والاستئصال ولم يغن عنهم استظهارهم بما هم مستظهرون فما بال هؤلاء وإنما قال فَكَذَّبُواْ وهو مستغنى عنه بقوله وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبلِهِمْ لأنه لما كان معنى قوله وَكَذَّبَ(3/69)
الَّذِينَ مِن قَبلِهِمْ وفعل الذين من قبلهم التكذيب وأقدموا عليه جعل تكذيب الرسل مسبباً عنه وهو كقول القائل أقدم فلان على الكفر فكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم(3/70)
قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ (46)
قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ (46)
{قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بواحدة} بخصلة واحدة وقد فسرها بقوله {أَن تَقُومُواْ} على أنه عطف بيان لها وقيل هو بدل وعلى هذين الوجهين هو في محل الجر وقيل هو في محل الرفع على تقدير وهي أن تقوموا والنصب على تقدير أعني وأراد بقيامهم القيام عن مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وتفرقهم عن مجتمعهم عنده
سبأ (49 - 46)
أو قيام القصد إلى الشيء دون النهوض والانتصاب والمعنى إنما أعظكم بواحدة إن فعلتموها أصبتم الحق وتخلصتم وهي أن تقوموا {لِلَّهِ} أي لوجه الله خالصاً لا لحمية ولا عصبية بل لطلب الحق {مثنى} اثنين اثنين {وفرادى} فرداً فرداً {ثُمَّ تَتَفَكَّرُواْ} في أمر محمد صلى الله عليه وسلم وما جاء به أما الاثنان فيتفكران ويعرض كل واحد منهما محصول فكره على صاحبه وينظران فيه نظر الصدق والإنصاف حتى يؤديهما النظر الصحيح إلى الحق وكذلك الفرد يتفكر في نفسه بعدل ونصفة ويعرض فكره على عقله ومعنى تفرقهم مثنى وفرادى أن الاجتماع مما يشوش الخواطر ويعمي البصائر ويمنع من الرؤية ويقل الإنصاف فيه ويكثر الاعتساف ويثور عجاج التعصب ولايسمع إلا نصرة المذهب وتتفكروا معطوف على تقوموا {ما بصاحبكم} يعنى محمد صلى الله عليه وسلم {مّن جِنَّةٍ} جنون والمعنى ثم تتفكروا فتعلموا ما بصاحبكم من جنة {إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ لَّكُمْ بَيْنَ يَدَىْ عَذَابٍ شَدِيدٍ} قدام عذاب شديد وهو عذاب الآخرة وهو كقوله عليه السلام بعثت بين يدي الساعة(3/70)
ثم بين أنه لا يطلب أجراً على الإنذار بقوله(3/71)
قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (47)
قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (47)
{قُلْ مَا سَأَلْتُكُم مّن أَجْرٍ} على إنذاري وتبليغي الرسالة {فَهُوَ لَكُمْ} جزاء الشرط تقديره أي شيء سألتكم من أجر كقوله مَّا يفتح الله للناس من رحمة ومعناه نفي مسألة الأجر رأساً نحو مالي فى هذا فهو لك أى ليس لى فيه شيء {إِنْ أَجْرِىَ} مدني وشامي وأبو بكر وحفص وبسكون الياء غيرهم {إِلاَّ عَلَى الله وَهُوَ على كُلّ شَىْء شَهِيدٍ} فيعلم أنى لا أطلب الاجر على نصيحتكم ودعائكم إليه إلا منه(3/71)
قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (48)
قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (48)
{قُلْ إِنَّ رَبّى يَقْذِفُ بالحق} بالوحي والقذف توجيه السهم ونحوه بدفع واعتماد ويستعار لمعنى الالقاء ومنه وقذف فى قلوبهم الرعب أن اقذفيه فى التابوت ومعنى يقذف بالحق يلقيه وينزل إلى أنبيائه أو يرمي به الباطل فيدمغه ويزهقه {علام الغيوب} مرفوع على البدل من الضمير في يَقْذِفُ أو على أنه خبر مبتدا محذوف(3/71)
قُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ (49)
قُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ (49)
{قل جاء الحق} الإسلام والقرى ن {وما يبدئ الباطل وَمَا يُعِيدُ} أي زال الباطل وهلك لأن الابداء والاعاردة من صفات الحي فعدمهما عبارة عن الهلاك والمعنى جاء الحق وزهق الباطل كقوله جَاء الحق وزهق الباطل وعن ابن مسعود رضى الله عنه دخل النبى صلى الله عليه وسلم مكة وحول الكعبة أصنام فجعل يطعنها بعود معه ويقول جاء الحق وزهق الباطل إن كان زهو قاجاء الحق وما يبدىء الباطل وما يعيد وقيل الباطل الأصنام وقيل
سبأ (35 - 50)
إبليس لأنه صاحب الباطل أو لأنه هالك كما قيل له الشيطان من شاط إذا هلك أي لا يخلق الشيطان ولا الصنم أحداً ولا يبعثه فالمنشيء والباعث هو الله(3/71)
قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ (50)
قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ (50)
ولما قالوا قد ضللت بترك دين آبائك قال الله تعالى {قُلْ إِن ضَلَلْتُ} عن الحق {فَإِنَّمَا أَضِلُّ على نَفْسِى} إن ضللت فمني وعليّ {وَإِنِ اهتديت فَبِمَا يُوحِى إِلَىَّ ربي} أى فبتسديده بالوحي إلي وكان قياس التقابل أن يقال وإن اهتديت فإنما أهتدي لها كقوله فَمَنِ اهتدى فَلِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا ولكن هما متقابلان معنى لأن النفس كل ما عليها وضار لها فهو بها وبسببها لأنها الأمارة بالسوء ومالها مما ينفعها فبهداية ربها وتوفيقه وهذا حكم عام لكل مكلف وإنما أمر رسوله أن يسنده إلى نفسه لأن الرسول إذا دخل تحته مع جلالة محله وسداد طريقته كان غيره أولى به {إِنَّهُ سَمِيعٌ} لما أقوله لكم {قَرِيبٌ} مني ومنكم يجازيني ويجازيكم(3/72)
وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ (51)
وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ (51)
{وَلَوْ تَرَى} جوابه محذوف أي لرأيت أمراً عظيماً وحالاً هائلة {إِذْ فَزِعُواْ} عند البعث أو عند الموت أو يوم بدر {فَلاَ فَوْتَ} فلا مهرب أو فلا يفوتون الله ولا يسبقونه {وأخذوا} عطف على فزعوا وأخذوا فلا فوت لهم أو على لافوت على معنى إذا فزعوا فلم يفوتوا وأخذوا {مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ} من الموقف إلى النار إذا بعثوا أو من ظهر الأرض إلى بطنها إذا ماتوا أو من صحراء بدر إلى القليب(3/72)
وَقَالُوا آمَنَّا بِهِ وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ (52)
وَقَالُوا آمَنَّا بِهِ وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ (52)
{وَقَالُواْ} حين عاينوا العذاب {آمَنَّا بِهِ} بمحمد عليه السلام لمرور ذكره في قوله مَا بصاحبكم من جنة أو بالله {وأنى لَهُمُ التناوش مِن مَّكَانِ بَعِيدٍ} التناوش التناول أي كيف يتناولون التوبة وقد بعدت عنهم يريدان النوبه كانت تقبل منهم في الدنيا وقد ذهبت الدنيا وبعدت من الآخرة وقيل هذا تمثيل لطلبهم ما لا يكون وهو أن ينفعهم إيمانهم في ذلك الوقت كما نفع المؤمنين إيمانهم في الدنيا مثلت حالهم بحال من يريد أن يتناول الشيء من غلوة كما يتناول الآخرة من قيس ذراع التناوش بالهمزة أبو عمرو وكوفي غير حفص همزت الواو لأن كل واو مضمومة ضمتها(3/72)
لازمة إن شئت أبدلتها همزة وإن شئت لم تبدل نحو قولك أدور وتقاوم وإن شئت قلت إدؤر وتقاؤم وعن ثعلب التناؤش بالهمزة التناول من بعد وبغير همزة التناول من قرب(3/73)
وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ (53)
وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ (53)
{وَقَدْ كَفَرُواْ بِهِ مِن قَبْلُ} من قبل العذاب أو في الدنيا {وَيَقْذِفُونَ بالغيب} معطوف على قَدْ كَفَرُواْ على حكاية الحال الماضية يعني وكانوا يتكلمون بالغيب أو بالشيء الغائب يقولون لابعث ولا حساب ولا جنة ولا نار {مِن مَّكَانِ بَعِيدٍ} عن الصدق أو عن الحق والصواب أو هو قولهم فى رسول
سبأ (54)
فاطر (1)
الله صلى الله عليه وسلم شاعر ساحر كذاب وهذا تكلم بالغيب والأمر الخفي لأنهم لم يشاهدوا منه سحراً ولا شعراً ولا كذباً وقد أتوا بهذا الغيب من جهة بعيدة من حاله لأن أبعد شيء مما جاء به السحر والشعر وأبعد شىء من عادته التي عرفت بينهم وجربت الكذب وَيَقْذِفُونَ بالغيب عن أبي عمرو على البناء للمفعول أي تأتيهم به شياطينهم ويلقنونهم إياه وإن شئت فعلقه بقوله وقالوا آمنا به على أنه مثلهم فى طلبهم تحصل ما عطلوا من الإيمان في الدنيا بقولهم آمنا في الآخرة وذلك مطلب مستبعد بمن يقذف شيئاً من مكان بعيد لا مجال للظن في لحوقه حيث يريد أن يقع فيه لكونه غائباً عنه بعيداً ويجوز أن يكون الضمير في آمنا به للعذاب الشديد في قوله بين يدى عذاب شديد وكانوا يقولون ومانحن بمعذبين إن كان الأمر كما تصفون من قيام الساعة والعقاب والثواب ونحن أكرم على الله من أن يعذبنا قائسين أمر الآخرة عن أمر الدنيا فهذا كان قذفهم الغيب وهو غيب ومقذوف به من جهة بعيدة لأن دار الجزاء لا تنقاس على دار التكليف(3/73)
وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ (54)
وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ (54)
{وَحِيلَ} وحجز {بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ} من نفع الإيمان يومئذ والنجاة من النار والفوز بالجنة أو من الرد إلى الدنيا كما حكى عنهم بقوله أرجعنا نعمل صالحا والأفعال التي هي فَزِعُواْ وَأُخِذُواْ(3/73)
وَحِيلَ كلها للمضي والمراد بها الاستقبال لتحقق وقوعه {كَمَا فُعِلَ بأشياعهم مّن قَبْلُ} بأشباههم من الكفرة {إِنَّهُمْ كَانُواْ فِى شَكّ} من أمر الرسل والبعث {مُرِيبٍ} موقع في الريبة من أرابه إذا أوقعه في الريبة هذا رد على من زعمم أن الله لا يعذب على الشك والله أعلم(3/74)
سورة الملائكة مكية وهى خمس واربعون آية
بسم الله الرحمن الرحيم(3/75)
الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1)
الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1)
{الحمد للَّهِ} حمد ذاته تعليماً وتعظيماً {فَاطِرِ السماوات} مبتدئها ومبتدعها قال ابن عباس رضى الله عنهما ما كنت أدري معنى الفاطر حتى اختصم إليّ أعرابيان في بئر فقال أحدهما أنا فطرتها أي ابتدأتها {والأرض جَاعِلِ الملائكة رُسُلاً} إلى عباده {أُوْلِى} ذوي اسم جمع لذو وهو بدل من رسلا أونعت له {أَجْنِحَةٍ} جمع جناح {مثنى وثلاث وَرُبَاعَ} صفات لأجنحة وإنما لم تنصرف لتكرر العدل فيها وذلك أنها عدلت عن ألفاظ الأعداد عن صيغ
فاطر (4 - 1)
إلى صيغ أخرخ كما عدل عمر عن عامر وعن تكرير إلى غير تكرير وقيل للعدل والوصف والتعويل عليه والمعنى أن الملائكة طائفة أجنحتهم اثنان اثنان أي لكل واحد منهم جناحان وطائفة أجنحتهم ثلاثة ثلاثة ولعل الثالث يكون في وسط الظهر بين الجناحين يمدهما بقوة وطائفة أجنحتهم أربعة أربعة {يَزِيدُ فِى الخلق} أي يزيد في خلق الأجنحة وغيره {مَا يَشَآءُ} وقيل هو الوجه الحسن والصوت الحسن والشعر الحسن والخط الحسن والملاحة في العينين والآية مطلقة تتناول كل زيادة في الخلق من طول قامة واعتدال صورة وتمام في الأعضاء وقوة في البطش وحصافة في العقل وجزالة في الرأي وذلاقة في اللسان ومحبة في قلوب المؤمنين وما أشبه ذلك {إِنَّ الله على كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ} قادر(3/75)
مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (2)
مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (2)
{مَّا يَفْتَحِ الله لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ} نكرت الرحمة للإشاعة والإبهام كأنه قال من أية رحمة رزق أو مطر أو صحة أو غير ذلك {فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا} فلا أحد يقدر على إمساكها وحبسها واستعير الفتح للإطلاق والارسال ألاترى إلى قوله {وَمَا يُمْسِكُ} يمنع ويحبس {فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ} مطلق له {مِن بَعْدِهِ} من بعد أمساكه وأنت الضمير الراجع إلى الاسم المتضمن معنى الشرط على معنى الرحمة ثم ذكره حملاً على اللفظ المرجع إليه إذلا تأنيث فيه لأن الأول فسر بالرحمة فحسن اتباع الضمير التفسير ولم يفسر الثاني فترك على أصل التذكير وعن معاذ مرفوعاً لا نزال يد الله مبسوطة على هذه الأمة مالم يرفق خيارهم بشرارهم ويعظم برهم فاجرهم وتعن قراؤهم أمراءهم على معصية الله فإذا فعلوا ذلك نزع الله يده عنهم {وَهُوَ العزيز} الغالب القادر على الإرسال والإمساك {الحكيم} الذي يرسل ويمسك ما تقتضي الحكمة إرساله وإمساكه(3/76)
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (3)
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (3)
{يا أيها الناس اذكروا} باللسان والقلب {نعمة الله عَلَيْكُمْ} وهي التي تقدمت من بسط الأرض كالمهاد ورفع السماء بلا عماد وإرسال الرسل لبيان السبيل دعوة إليه وزلفة لديه والزيادة في الخلق وفتح أبواب الرزق ثم نبه على رأس النعم وهو اتحاد المنعم بقوله {هَلْ مِنْ خالق غَيْرُ الله} برفع غَيْرُ على الوصف لأن خالق مبتدأ خبره محذوف أي لكم وبالجر علي وحمزة على الوصف لفظاً {يَرْزُقُكُمْ} يجوز أن يكون مستأنفاً ويجوز أن يكون صفة لخالق {مِّنَ السمآء} بالمطر {والأرض} بأنواع النبات {لآ إله إِلاَّ هُوَ} جملة مفصولة لا محل لها {فأنى تُؤْفَكُونَ} فبأي وجه تصرفون عن التوحيد إلى الشرك(3/76)
وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (4)
وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (4)
{وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ} نعى به على قريش سوء تلقيهم لآيات الله وتكذيبهم بها
فاطر (8 - 4)
وسلى رسوله بأن له في الأنبياء قبله أسوة ولهذا نكر رُسُل أي رسل ذوو عدد كثير وأولو آيات ونذر وأهل اعمار طوال وأصحاب صبر وعزم لأنه أسلى له وتقدير الكلام وإن يكذبوك فتأس بتكذيب الرسل من قبلك لأن الجزاء يتعقب الشرط ولو أجرى على الظاهر يكوو سابقاً عليه ووضع فَقَدْ كُذّبَتْ رُسُلٌ مّن قبلك موضع فتأس استغناء بالسبب عن السبب أى بالتكذيب عن التأسي {وَإِلَى الله تُرْجَعُ الأمور} كلام يشتمل على الوعد والوعيد من رجوع الأمور إلى حكمه ومجازاة المكذّب والمكذّب بما يستحقانه ترجع بفتح التاء شامي وحمزة وعلي ويعقوب وخلف وسهل(3/77)
يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (5)
يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (5)
{يا أيها الناس إِنَّ وَعْدَ الله} بالبعث والجزاء {حَقٌّ} كائن {فلا تغرنكم الحياة الدنيا} فلا تجدعنكم الدنيا ولا يذهلنكم التمتع بها والتلذذ بمنافعها عن العمل للآخرة وطلب ما عند الله {وَلاَ يَغُرَّنَّكُم بالله الغرور} أي الشيطان فإنه يمنِّيكم الأمانيّ الكاذبة ويقول إن الله غني عن عبادتك وعن تكذيبك(3/77)
إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ (6)
إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ (6)
{إِنَّ الشيطان لَكُمْ عَدُوٌّ} ظاهر العداوة فعل بأبيكم ما فعل وأنتم تعاملونه معاملة من لا علم له بأحواله {فاتخذوه عَدُوّاً} في عقائدكم وأفعالكم ولا يوجَدنّ منكم إلا ما يدل على معاداته في سركم وجهركم ثم لخص سر أمره وخطأ من اتبعه بأن غرضه الذي يؤمه في دعوة شيعته هو أن يوردهم مورد الهلاك بقوله {إنما يدعو حِزْبَهُ لِيَكُونُواْ مِنْ أصحاب السعير} ثم كشف الغطاء فبنى الأمر كله على الإيمان وتركه فقال(3/77)
الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (7)
الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (7)
{الذين كَفَرُواْ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ} أي فمن أجابه حين دعاه فله عذاب شديد لأنه صار من حزبه(3/77)
أى اتباعه {والذين آمنوا وعملوا الصالحات} ولم يجيبوه ولم يصيروا من حزبه بل عادوه {لَهُمْ مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ} لكبر جهادهم ولما ذكر الفريقين قال لنبيه عليه السلام(3/78)
أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (8)
أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (8)
{أفمن زين له سوء عمله فرآه حَسَناً} بتزيين الشيطان كمن لم يزين له فكأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا فقال {فَإِنَّ الله يُضِلُّ مَن يَشَاء وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حسرات} وذكر الزجاج أن المعنى أفمن زين له سوء عمله ذهبت نفسك عليه حسرة فحرف الجواب لدلالة فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عليه أو أفمن زين له سوء عمله كمن هداه الله فحذف لدلالة فَإِنَّ الله يُضِلُّ مَن يَشَاء وَيَهْدِي مَن يَشَاء عليه فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ يزيد أى لاتهلكها حسرات مفعول له يعنى
فاطر (10 - 8)
فلا تهلك نفسك للحسرات وعليهم صلة تَذْهَبْ كما تقول هلك عليه حباً ومات عليه حزناً ولا يجوز أن يتعلق بحسرات لأن المصدر لا تتقدم عليه صلته {إِنَّ الله عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} وعيد لهم بالعقاب على سوء صنيعهم(3/78)
وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ (9)
وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ (9)
{والله الذي أرسل الرياح} ارياح مكي وحمزة وعلي {فَتُثِيرُ سحابا فَسُقْنَاهُ إلى بَلَدٍ مَّيِّتٍ} بالتشديد مدني وحمزة وعلي وحفص بالتخفيف غيرهم {فَأَحْيَيْنَا بِهِ} بالمطر لتقدم ذكره ضمناً {الأرض بَعْدَ مَوْتِهَا} يبسها وإنما قيل فَتُثِيرُ لتحكي الحال التي تقع فيها إثارة الرياح السحاب وتستحضر تلك الصورة الدالة على القدرة الربانية وهكذا يفعلون بفعل فيه نوع تمييز وخصوصية بحال تستغرب وكذلك سوق السحاب إلى البلد الميت وإحياء الأرض بالمطر بعد موتها لما كان من الدليل على القدرة الباهرة قيل فسقنا وأحياينا معدولا بهما عن لفظ العيبة إلى ما هو أدخل في الاختصاص وأدل عليه {كَذَلِكَ النشور} الكاف في محل الرفع أى مثل احياء الموات نشور(3/78)
الأموات قيل يحيي الله اخلق بماء يرسله من تحت العرش كمني الرجال تنبت منه أجساد الخلق(3/79)
مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ (10)
مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ (10)
{مَن كَانَ يُرِيدُ العزة فَلِلَّهِ العزة جَمِيعاً} أي العزة كلها مختصة بالله عزة الدنيا وعزة الآخرة وكان الكافرون يتعززون بالأصنام كما قال وآتخذو من دون الله آلهة ليكونوالهم عزا والذين آمنوا بألسنتهم من غير مواطأة قلوبهم كانوا يتعززون بالمشركين كما قال الذين يَتَّخِذُونَ الكافرين أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ المؤمنين أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ العزة فان العزة لله جميعا فبين أن لا عزة إلا بالله والمعنى فليطلبها عند الله فوضع قوله لِلَّهِ العزة جَمِيعاً موضعه استغناء عنه به لدلالته عليه لأن الشيء لا يطلب إلا عند صاحبه ومالكه ونظيره قولك من أراد النصيحة فهي عند الأبرار تريد فليطلبها عندهم إلا أنك أقمت ما يدل عليه مقامه وفي الحديث إن ربكم يقول كل يوم أنا العزيز فمن أراد عز الدارين فليطع العزيز ثم عرف أن ما يطلب به العزة هو الإيمان والعمل الصالح بقوله {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الكلم الطيب والعمل الصالح يَرْفَعُهُ} ومعنى قوله إِلَيْهِ إلى محل القبول والرضا وكل ما اتصف بالقبول وصف بالرفعة والصعود أو إلى حيث لا ينفذ فيه إلا حكمه والكلم الطيب كلمات التوحيد أي لا إله إلا الله وكان القياس الطيبة ولكن كل جمع ليس بينه وبين واحده إلا التاء يذكر ويؤنث والعمل الصالح العبادة الخالصة يعني والعمل الصالح يرفعه الكلم الطيب فالرافع الكلم والمرفوع العمل لأنه لا يقبل عمل إلا من موحد وقيل الرافع الله والمرفوع العمل أي العمل الصالح يرفعه الله وفيه إشارة إلى أن العمل يتوفق على الرفع والكلم الطيب يصعد بنفسه وقيل العمل الصالح يرفع
فاطر (12 - 10)
العامل ويشرفه أي من أراد العزة فليعمل عملاً صالحاً فإنه هو الذي يرفع العبد {والذين يَمْكُرُونَ السيئات} هي صفة لمصدر محذوف أى(3/79)
المكرات السيآت لأن مكر فعل غير متعدٍ لا يقال مكر فلان عمله والمراد مكر قريش به عليه السلام حين اجتمعوا في دار الندوة كما قال الله تعالى وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الذين كفروا ليثبتوك الآية {لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ} في الآخرة {وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ} مبتدأ {هُوَ} فصل {يَبُورُ} خبر أي ومكر أولئك الذين مكروا هو خاصة يبور أي يفسد ويبطل دون مكر الله بهم حين أخرجهم من مكة وقتلهم وأثبتهم في قليب بدر فجمع عليهم مكراتهم جميعا وحقق فيهم قوله تعالى وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ الله والله خَيْرُ الماكرين وقوله ولا يحيق المكر السىء إلا بأهله(3/80)
وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (11)
وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (11)
{والله خَلَقَكُمْ} أي أباكم {مّن تُرَابٍ ثُمَّ} أنشأكم {مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أزواجا} أصنافاً أو ذكراناً وإناثاً {وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أنثى وَلاَ تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ} هو في موضع الحال أى إلا معلومة له {وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ} أي وما يعمر من أحد وإنما سماه معمراً بما هو صائر إليه {وَلاَ يُنقَصُ مِنْ عمره إلا في كتاب} يعنى الوح أو صحيفة الإنسان ولا ينقص زيد فإن قلت الإنسان إما معمر أي طويل العمر أو منقوص العمر أي قصيره فأما أن يتعاقب عليه التعمير وخلافه فمحال فكيف صح قوله وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلاَ يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ قلت هذا من الكلام المتسامح فيه ثقة في تأويله بأفهام السامعين واتكالاً على تسديدهم معناه بعقولهم وأنه لا يلتبس عليهم إحالة الطول والقصر في عمر واحد وعليه كلام الناس يقولون لا يثيب الله عبدا ولا يعاقيه إلا بحق أو تأويل الآية أنه يكتب في الصحيفة عمره كذا كذا سنة ثم يكتب في أسفل ذلك ذهب يوم ذهب يومان حتى يأتى على آخر فذلك نقصان عمره وعن قتادة المعمر من يبلغ ستين سنة والمنقوص من عمره من يموت قبل ستين سنة {إِنَّ ذلك} أي إحصاءه أو زيادة العمر ونقصانه {عَلَى الله يسير} سهل(3/80)
وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (12)
وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (12)
{وَمَا يَسْتَوِى البحران هذا} أي أحدهما {عَذْبٌ فُرَاتٌ} شديد العذوبة وقيل هو الذي يكسر العطش {سائغ شرابه} مرى وسهل الانحدار لعذوبته وبه يرتفع شرّابه {وهذا مِلْحٌ أُجَاجٌ} شديد الملوحة وقيل هو الذى يحرق بلموحته {وَمِن كُلِّ} ومن كل واحد منهما {تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيّاً} وهو السمك {وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا} وهى
فاطر (15 - 12)
الؤلؤ والمرجان {وَتَرَى الفلك فِيهِ} في كل {مَوَاخِرَ} شواقّ للماء بجريها يقال مخرت السفينة الماء أى شقته وهى ماخرة {لِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ} من فضل الله ولم يجر له ذكر في الآية ولكن فيما قبلها ولولم يجر لم يشكل لدلالة المعنى عليه {وَلَعَلَّكُمْ تشكرون} الله على ماآتاكم من فضله ضرب البحرين العذب والملح مثلين للمؤمن والكافر ثم قال على سبيل الاستطراد في صفة البحرين وما علّق بهما من نعمته وعطائه ويحتمل غير طريقة الاستطراد وهو أن يشبه الجنسين بالبحرين ثم يفضّل البحر الأجاج على الكافر بأنه قد شارك العذب في منافع من السمك واللؤلؤ وجري الفلك فيه والكافر خلو من النفع فهو في طريقة قوله تعالى ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مّن بَعْدِ ذلك فَهِىَ كالحجارة أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً ثم قال وَإِنَّ مِنَ الحجارة لما يتفجر منهالانهار وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الماء وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خشية الله(3/81)
يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ (13)
يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ (13)
{يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل} يدخل من ساعات أحدهما في الآخر حتى يصير الزائد منهما خمس عشرة ساعة والناقص تسعا {وسخر الشمس والقمر} أى ذال أضواء صوره لاستواء سيره {كُلٌّ يَجْرِى لأَِجَلٍ مُّسَمًّى} أي يوم القيامة ينقطع جريهما {ذلكم} مبتدأ {الله رَبُّكُمْ لَهُ الملك} أخبار مترادفة أو الله ربكم خبر ان وله الملك جملة مبتدأة(3/81)
واقعة في قران قوله {والذين تَدْعُونَ مِن دُونِهِ} يعني الأصنام التي تعبدونها من دون الله يدعون قتيبة {مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ} هي القشرة الرقيقة الملتفة على النواة(3/82)
إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ (14)
إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ (14)
{إِن تَدْعُوهُمْ} أي الأصنام {لاَ يَسْمَعُواْ دُعَآءَكُمْ} لأنهم جماد {وَلَوْ سَمِعُواْ} على سبيل الفرض {ما استجابوا لكم} لأنهم لا يدعون لهم من الإلهية ويتبرءون منها {وَيَوْمَ القيامة يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ} بإشراككم لهم وعبادتكم إياهم ويقولون ما كنتم إيانا تعبدون {وَلاَ يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خبير} ولا ينبئك أيها المفترون بأسباب الغرور كما ينبئك الله الخبير بخبايا الأمور وتحقيقه ولا يخبرك بالأمر مخبر هو مثل خبير عالم به يريدان الخبير بالأمر وحده هو الذي يخبرك بالحقيقة دون سائر المخبرين به والمعنى أن هذا الذي أخبرتكم به من حال الأوثان هو الحق لانى خبير بما أخبرت به(3/82)
يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (15)
يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (15)
{يا أيها الناس أَنتُمُ الفقرآء إِلَى الله} قال ذو النون الخلق محتاجون إليه
فاطر (18 - 15)
في كل نفس وخطرة ولحظة وكيف لا ووجودهم به وبقاؤهم به {والله هُوَ الغنى} عن الاشياء أو جمع {الحميد} المحمود بكل لسان ولم يسمهم بالفقراء للتحقير بل للتعريض على الاستغناء ولهذا وصف نفسه بالغني الذي هو مطعم الأغنياء وذكر الحميد ليدل به على أنه الغني النافع بغناه خلقه والجواد المنعم عليهم إذ ليس كل غني نافعاً بغناه إلا إذا كان الغني جواداً منعماً وإذا جاد وأنعم حمده المنعم عليهم قال سهل لما خلق الله الخلق حكم لنفسه بالغنى ولهم بالفقر فمن ادعى الغنى حجب عن الله ومن أظهر فقره أوصله فقره إليه فينبغي للعبد أن يكون مفتقراً بالسر إليه ومنقطعاً عن الغير إليه حتى تكون عبوديته محضة فالعبودية هي الذل(3/82)
والخضوع وعلامته أن لا يسأل من أحد وقال الواسطي من استغنى بالله لا يفتقر ومن تعزز بالله لا يذل وقال الحسين على مقدار افتقار العبد إلى الله يكون غنياً بالله وكلما ازداد افتقاراً ازداد غنى وقال يحيى الفقر خير للعبد من الغنى لأن المذلة في الفقر والكبر في الغنى والرجوع إلى الله بالتواضع والذلة خير من الرجوع إليه بتكثير الأعمال وقيل صفة الأولياء ثلاثة الثقة بالله في كل شيء والفقر إليه في كل شيء والرجوع إليه من كل شيء وقال الشبلي الفقر يجر البلاء وبلاؤه كله عز(3/83)
إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (16)
إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (16)
{إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ} كلكم إلى العدم فإن غناه بذاته لابكم في القدم {وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ} وهو بدون حمدكم حميد(3/83)
وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ (17)
وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ (17)
{وَمَا ذلك} الأنشاء والإفناء {عَلَى الله بِعَزِيزٍ} بممتنع وعن ابن عباس يخلق بعدكم من يعبده لا يشرك به شيئاً(3/83)
وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (18)
وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (18)
{وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أخرى} ولا تحمل نفس آثمة إثم نفس أخرى والوزر والوقر أخوان ووزر الشيء إذا حمله والوازرة صفة للنفس والمعنى أن كل نفس يوم القيامة لا تحمل إلا وزرها الذي اقترفته لا تؤاخذ نفس بذنب نفس كما تأخذ جبابرة الدنيا الولي بالولي والجار بالجار وإنما قيل وازرة ولم يقل ولا تزر نفس وزر أخرى لأن المعنى أن النفوس الوازرات لا ترى منهن واحدة إلا حاملة وزرها لا وزر غيرها وقوله ليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم وارد في الضالين المضلين فإنهم يحملون أثقال إضلال الناس مع أثقال ضلالهم وذلك كله أوزارهم ما فيها شيء من وزر غيرهم ألا ترى كيف كذبهم الله تعالى في قولهم اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم بقوله وماهم بحاملين من خطاياهم من شىء {وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ} أي نفس مثقلة بالذنوب أحداً {إلى حِمْلِهَا} ثقلها أي ذنوبها ليتحمل عنها بعض ذلك(3/83)
{لاَ يُحْمَلْ مِنْهُ شَىْءٌ وَلَوْ كَانَ} أي المدعو وهو مفهوم من قوله وَإِن تَدْعُ {ذَا قربى} ذا قرابة قريبة كأب أو ولد أو أخ والفرق بين معنى قوله وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أخرى ومعنى وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إلى حِمْلِهَا لاَ يُحْمَلْ مِنْهُ شَىْء أن الأول دال على عدل الله في حكمه وأن لا يؤاخذ نفساً بغير ذنبها والثاني في بيان أنه لا غياث يومئذ لمن استغاث حتى ان نفسا قد أثقلتها الأوزار لو دعت إلى أن يخفف بعض وقرها لم تجب ولم تغث وإن كان
فاطر (25 - 18)
المدعو بعض قرابتها {إِنَّمَا تُنذِرُ الذين يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ} أي إنما ينتفع بإنذارك هؤلاء {بالغيب} حال من الفاعل أو المفعول أي يخشون ربهم غائبين عن عذابه أو يخشون عذابه غائباً عنهم وقيل بالغيب في السر حيث لا اطلاع للغير عليه {وأقاموا الصلاة} في مواقيتها {وَمَن تزكى} تطهر بفعل الطاعات وترك المعاصي {فَإِنَّمَا يتزكى لِنَفْسِهِ} وهو اعتراض مؤكد لخشيتهم وإقامتهم الصلاة لأنهما من جملة التزكي {وإلى الله المصير} المرجع وهو وعد للمتزكى بالثواب(3/84)
وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ (19)
وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ (19)
{وَمَا يَسْتَوِى الأعمى والبصير} مثل للكافر والمؤمن أو للجاهل والعالم(3/84)
وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ (20)
وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ (20)
{وَلاَ الظلمات} مثل للكفر {وَلاَ النور} للإيمان(3/84)
وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ (21)
وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ (21)
{وَلاَ الظل وَلاَ الحرور} الحق والباطل أو الجنة والنار والحرور الريح الحار كالسموم إلا أن السموم تكون بالنهار والحرور بالليل والنهار عن الفراء(3/84)
وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ (22)
وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ (22)
{وما يستوي الأحياء ولا الأموات} مثل الذين دخلوا في الإسلام والذين لم يدخلوا فيه وزيادة لا لتأكيد معنى النفي والفرق بين هذه الواوات أن بعضها ضمت شفعاً إلى شفع وبعضها وتراً إلى وتر {إِنَّ الله يُسْمِعُ مَن يَشَآءُ وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِى القبور} يعني أنه قد علم من يدخل في الإسلام ممن لا يدخل(3/84)
فيه فيهدي من يشاء هدايته وأما أنت فخفي عليك أمرهم فلذلك تحرص على إسلام قوم مخذولين حبه الكفار بالموتى حيث لا ينتفعون بمسموعهم(3/85)
إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ (23)
إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ (23)
{إِنْ أَنتَ إِلاَّ نَذِيرٌ} أي ما عليك إلا أن تبلغ وتنذر فإن كان المنذر ممن يسمع الإنذار نفع وإن كان من المصرين فلا عليك(3/85)
إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ (24)
إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ (24)
{إِنَّا أرسلناك بالحق} حال من أحد الضميرين يعني محقاً أو محقين أو صفة للمصدر أي إرسالاً مصحوباً بالحق {بَشِيراً} بالوعد {وَنَذِيرًا} بالوعيد {وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ} وما من أمة قبل أمتك والأمة الجماعة الكثيرة وجد عليه أمة من الناس ويقال لأهل كل عصر أمة والمراد هنا أهل العصر وقد كانت آثار الذارة باقية فيما بين عيسى ومحمد عليهما السلام فلم تخل تلك الأمم من نذير وحين اندرست آثار نذارة عيسى عليه السلام بعث محمد عليه السلام {إِلاَّ خَلاَ} مضى {فِيهَا نذير} يخوفهم وخاصة الطغيان وسوء عاقبة الكفران واكتفى بالنذير عن البشير فى آخر الآية بعد ما ذكرهما لأن النذارة مشفوعة بالبشارة فدل ذكر النذارة على ذكر البشارة(3/85)
وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتَابِ الْمُنِيرِ (25)
وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتَابِ الْمُنِيرِ (25)
{وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الذين مِن قَبْلِهِمْ}
فاطر (28 - 25)
رسلهم {جاءتهم رسلهم} حال وقد مضمرة {بالبينات} بالمعجزات {وبالزبر} وبالصحف {وبالكتاب المنير} أى التوراة والانجيل والزبور لما كانت هذه الأشياء في جنسهم أسند المجيء بها إليهم إسناداً مطلقاً وإن كان بعضها في جميعهم وهي البينات وبعضها في بعضهم وهي الزبر والكتاب وفيه مسلاة لرسول الله صلى الله عليه وسلم(3/85)
ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ (26)
ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ (26)
{ثُمَّ أَخَذْتُ} عاقبت {الذين كَفَرُواْ} بأنواع العقوبة {فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ} إنكاري عليهم وتعذيبي لهم(3/85)
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ (27)
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ (27)
{أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله أَنزَلَ مِنَ السمآء مَآءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ} بالماء {ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفاً أَلْوَانُهَا} أجناسها من الرمان والتفاح والتين والعنب وغيرها مما لا يحصر أو هيآتها من الحمرة والصفرة والخضرة ونحوها {وَمِنَ الجبال جدد} طرق مختلفة اللون جمع جدة كمدة ومدد {بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ ألوانها وَغَرَابِيبُ سُودٌ} جمع غربيب وهو تأكيد للأسود يقال أسود غربيب وهو الذي أبعد في السواد وأغرب فيه ومنه الغراب وكان من حق التأكيد أن يتبع المؤكد كقولك أصفر فاقع إلا أنه ضمر المؤكد قبله والذي بعده تفسير للمضمر وإنما يفعل ذلك لزيادة التوكيد حيث يدل على المعنى الواحد من طريقي الإظهار والإضمار جميعاً ولا بد من تقدير حذف المضاف في قوله وَمِنَ الجبال جُدَدٌ أي ومن الجبال ذو جدد بيض وحمر وسود حتى يؤل إلى قولك ومن الجبال مختلف ألوانه كما قال ثمرات مختلفاً ألوانها(3/86)
وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ (28)
وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ (28)
{وَمِنَ الناس والدوآب والأنعام مُخْتَلِفٌ ألوانه} يعني ومنهم بعض مختلف ألوانه {كذلك} أي كاختلاف الثمرات والجبال ولما قال أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله أَنزَلَ مِنَ السماء مَاء وعدد آيات الله وأعلام قدرته وآثار صنعته وما خلق من الفطر المختلفة الأجناس وما يستدل به عليه وعلى صفاته ابتع ذلك {إنما يخشى الله من عباده العلماء} أي العلماء به الذين علموه بصفاته فعظموه ومن ازداد علماً به ازداد منه خوفاً ومن كان علمه به أقل كان آمن وفي الحديث أعلمكم بالله أشدكم له خشية وتقديم اسم الله تعالى وتأخير العلماء يؤذن ان معناه ان الذين يخشون من عباده العلماء دون غيرهم ولو عكس لكان المعنى أنهم لا يخشون إلا الله كقوله ولا يخشون(3/86)
أحدا إلا الله وبينهما تغاير ففي الأول بيان أن الخاشين هم العلماء وفي الثاني بيان أن المخشي منه هو الله تعالى وقرأ أبو حنيفة وابن عبد العزيز وابن سرين رضى الله عنهم إِنَّمَا يَخْشَى الله مِنْ عِبَادِهِ العلماء والخشية في هذه القراءة استعارة والمعنى إنما يعظم
فاطر (32 - 28)
الله من عباده العلماء {إِنَّ الله عَزِيزٌ غَفُورٌ} تعليل لوجوب الخشية لدلالته على عقوبة العصاة وقهرهم وإثابة أهل الطاعة والعفو عنهم والمعاقب المنيب حقه أن يخشى(3/87)
إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ (29)
إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ (29)
{إِنَّ الذين يَتْلُونَ كتاب الله} يداومون على تلاوة القرآن {وأقاموا الصلاة وأنفقوا من ما رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً} أي مسرين النفل ومعلنين الفرض يعنى لا يقتنعون بتلاوته على حلاوة العمل به {يرجون} خبران {تجارةً} هي طلب الثواب بالطاعة لَّن {تَبُورَ} لن تكسد يعني تجارة ينتفى عنها الكساد وتنفق عند الله(3/87)
لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ (30)
لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ (30)
{ليوفيهم} متعلق بلن تَبُورَ أي ليوفيهم بنفاقها عنده أُجُورَهُمْ ثواب أعمالهم {وَيَزِيدَهُم مّن فَضْلِهِ} بتفسيح القبور أو بتشفيعهم فيمن أحسن إليهم أو بتضعيف حسناتهم أو بتحقيق وعد لقائه أو يَرْجُونَ في موضع الحال أي راجين واللام في لِيُوَفّيَهُمْ تتعلق بيتلون وما بعده أى فعلوا جيمع ذلك من التلاوة وإقامة الصلاة والإنفاق لهذا الغرض وخبران إِنَّهُ {غَفُورٌ} لفرطاتهم {شَكُورٍ} أي غفورٌ لهم شكور لأعمالهم أي يعطي الجزيل على العمل القليل(3/87)
وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ (31)
وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ (31)
{والذي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الكتاب} أي القرآن ومن التبين {هُوَ الحق مُصَدّقاً} حال مؤكدة لأن الحق لا ينفعك عن هذا التصديق {لّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ}(3/87)
لما تقدمه من الكتب {إِنَّ الله بِعِبَادِهِ} {لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ} فعلمك وأبصر أحوالك ورآك أهلاً لأن يوحي إليك مثل هذا الكتاب المعجز الذي هو عبار على سائر الكتب(3/88)
ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (32)
ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (32)
{ثُمَّ أَوْرَثْنَا الكتاب} أي أوحينا إليك القرآن ثم أو رثناه من بعدك أي حكمنا بتوريثه {الذين اصطفينا مِنْ عِبَادِنَا} وهم أمته من الصحابة والتابعين وتابعيهم ومن بعدهم إلى يوم القيامة لأن اصطفاهم على سائر الأمم وجعلهم أمة وسطاً ليكونوا شهداء على الناس واختصهم بكرامة الإنتماء إلى أفضل رسله ثم رتبهم على مراتب فقال {فَمِنْهُمْ ظالم لّنَفْسِهِ} وهو المرجأ لأمر الله {وَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ} هو الذي خلط عملاً صالحا وآخر سيا {وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بالخيرات} وهذا التأويل يوافق التنزيل فإنه تعالى قال والسابقون الأولون مِنَ المهاجرين الآية وقال بعده وآخرون اعترفوا بذنوبهم الآية وقال بعده وآخرون مرجون لأمر الله الآية والحديث فقد روى عن عمر رضى الله عنه أنه قال على المنبر بعد قراءة هذه الآية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم سابقنا سابق ومقتصدنا ناج وظالمنا
فاطر (35 - 32)
مغفور له عليه السلام السابق يدخل الجنة بغير حساب والمقتصد يحاسب حساباً يسيراً ثم يدخل الجنة وأما الظالم نفسه فيحبس حتى يظن أنه لا ينجو ثم تناله الرحمة فيدخل الجنة رواه أبو الدراداء والأثر فعن ابن عباس رضى الله عنهما السابق المخلص والمقتصد المرائي والظالم الكافر بالنعمة غير الجاحد لها لأنه حكم الثلاثة بدخول الجنة(3/88)
وقول السلف فقد قال الربيع بن أنس الظالم صاحب الكبائر والمقتصد صاحب الصغائر والسابق المجتنب لهما وقال الحسن البصري الظالم من رجحت سيأته والسابق من رجحت حسناته والمقتصد من استورت حسناته وسيأته وسئل أبو سيف رحمه الله عن هذه الآية فقال كلهم مؤمنون وأما صفة الكفار فبعد هذا وهو قوله والذين كَفَرُواْ لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ وأما الطبقات الثلاث فهم الذين اصطفى من عباده فإنه قال فَمِنْهُمْ وَمِنْهُمُ وَمِنْهُمُ والكل راجع إلى قوله الذين اصطفينا مِنْ عِبَادِنَا وهم أهل الإيمان وعليه الجمهور وإنما قدم الظالم للإيذان بكثرتهم وأن المقتصدين قليل بالإضافة إليهم والسابقون أقل من القليل وقال ابن عطاء إنما قدم الظالم لئلا بيأس من فضله وقيل إنما قدمه ليعرّفه أن ذنبه لا يبعده من ربه وقيل إن أول الأحوال معصية ثم توبة ثم استقامة وقال سهل السابق العلم والمقتصد المتعلم والظالم الجاهل وقال أيضاً السابق الذي اشتغل بمعاده والمقتصد الذي اشتغل بمعاشه ومعاده والظالم الذي اشتغل بمعاشه عن معاده وقيل الظالم الذي يعبده على الغفلة والعادة والمقتصد الذي يعبده على الرغبة والرهبة والسابق الذي يعبده على الهيبة والاستحقاق وقيل الظالم من أخذ الدنيا حلالا كانت او حرامار المقتصدين يجتهدان لا يأخذها إلا من حلال والسابق من أعرض عنها جملة وقيل الظالم طالب الدنيا والمقتصد طالب العقبي والسابق طالب المولى {بِإِذُنِ الله} بأمره أو بعلمه أو بتوفيقه {ذلك} أي إيراث الكتاب {هُوَ الفضل الكبير}(3/89)
جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ (33)
جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ (33)
{جنات عدن} خبر ثان لذلك أو خبر مبتدا محذوف أو مبتدأ أو الخبر {يَدْخُلُونَهَا} أي الفرق الثلاثة يَدْخُلُونَهَا أبو عمرو {يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ} جمع أسورة جمع سوار {مّن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً} أي من ذهب مرصع باللؤلؤ ولؤلؤا بالنصب والهمزة نافع وحفص عطفاً على محل من أساور أى يحلون اساور ولؤلؤ {ولباسهم فيها حرير} لما فيه من الذة والزينة(3/89)
وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ (34)
وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ (34)
{وَقَالُواْ الحمد للَّهِ الذي أَذْهَبَ عَنَّا الحزن} خوف النار أو خوف الموت أو هموم الدنيا {إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ} يغفر الجنايات وإن كثرت {شَكُورٌ} يقبل الطاعات وإن قلت(3/90)
الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ (35)
الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ (35)
{الذى أَحَلَّنَا دَارَ المقامة} أي الإقامة لا نبرج ولا نقارقها يقال أقمت إقامة ومقاماً ومقامة {مِن فَضْلِهِ} من عطائه وأفضاله لا باستحقاقنا
فاطر (39 - 35)
{لاَ يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ} تعب ومشقة {وَلاَ يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ} إعياء من التعب وفترة وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي لغُوبٌ بفتح اللام وهو شيء يلغب منه أي لا نتكلف عملاً يلغبنا(3/90)
وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ (36)
وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ (36)
{والذين كَفَرُواْ لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لاَ يقضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُواْ} جواب النفي ونصبه بإضمار أن أي لا يقضى عليهم بموت ثانٍ فيستريحوا {وَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مّنْ عَذَابِهَا} من عذاب نار جهنم كذلك مثل ذلك الجزاء {نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ} يجزى كُلَّ كَفُورٍ أبو عمرو(3/90)
وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ (37)
وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ (37)
{وهم يصطرخون فيها} يسغيثون فهو يفتعلون من الصراخ وهو الصياح بجهد ومشقة واستعمل في الاستغائة لجهر صوت المستغيث ربنا يقولون بنا {أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صالحا غَيْرَ الذي كُنَّا نَعْمَلُ} أى أخرجنا من النار ردنا إلا الدنيا نؤمن بدل الكفر ونطع بعد المعصية فيجاوبون بعد قدر عمر الدنيا {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ} يجوز أن يكون ما نكرة موصوفة أي تعميراً يتذكر فيه من تذكر وهو متناول لك عمر تمكن منه المكلف من إصلاح شأنه وإن قصر إلا أن التوبيخ في المتطاول أعظم ثم قيل هو ثمان عشرة سنة وقيل أربعون وقيل ستون سنة وَجَاءكُمُ النذير(3/90)
الرسول عليه السلام أو المشيب وهو عطف على معنى أو لم نُعَمّرْكُمْ لأن لفظه لفظ استخبار ومعناه إخبار كأنه قيل قد عمرناكم وجاءكم النذير فَذُوقُواْ العذاب {فَمَا للظالمين مِن نَّصِيرٍ} ناصر يعينهم(3/91)
إِنَّ اللَّهَ عَالِمُ غَيْبِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (38)
إِنَّ اللَّهَ عَالِمُ غَيْبِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (38)
{إن الله علم غَيْبِ السماوات والأرض} ما غاب فيهما عنكم {إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصدور} كالتعليل لأنه إذا علم ما في الصدور وهو أخفى ما يكون فقد علم كل غيب في العالم وذات الصدور ومضمراتها وهي تأنيث ذو في نحو قول أبي بكر رضى الله عنه ذو بطن خارجة جاريةٌ أي ما في بطنها من الحبل لأن يصحب البطن وكذا المضمرات تصحب الصدور وذو موضوع لمعنى الصحبة(3/91)
هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلَّا مَقْتًا وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلَّا خَسَارًا (39)
هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلَّا مَقْتًا وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلَّا خَسَارًا (39)
{هُوَ الذى جَعَلَكُمْ خلائف فِى الأرض} يقال للمستخلف خليفة ويجمع على خلالف والمعنى أنه جعلكم خلفاء في أرضه قد ملككم مقاليد التصرف فيها وسلطكم على ما فيها وأباح منافعها لتشكروه بالتوحيد والطاعة فَمَن كَفَرَ منكم وغمط مثل النعمة السنية فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ فوبال كفره راجع عليه وهو مقت الله وخسار الآخرة كما
فاطر (42 - 39)
قال {وَلاَ يَزِيدُ الكافرين كُفْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ إِلاَّ مَقْتاً} وهو أشد البغض وَلاَ يَزِيدُ الكافرين كُفْرُهُمْ إِلاَّ خَسَاراً هلاكاً وخسراناً(3/91)
قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا فَهُمْ عَلَى بَيِّنَتٍ مِنْهُ بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا إِلَّا غُرُورًا (40)
قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا فَهُمْ عَلَى بَيِّنَتٍ مِنْهُ بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا إِلَّا غُرُورًا (40)
{قل أرأيتم شركاءكم} آلهتكم التى اشركتموهم في العبادة الذين تدعون من دون الله أردونى مَاذَا خَلَقُواْ مِنَ الأرض أَرُونِىَ بدل من أرأيتم لأن معنى أرأيتم أخبروني كأنه قيل أخبروني عن هؤلاء الشركاء وعما استحقوا به الشركة(3/91)
أروني أي جزء من أجزاء الأرض استبدوا بخلقه دون الله {أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِى السماوات} أم لهم مع الله شركة في خلق السموات {أم آتيناهم كتابا فهم على بينة منه} أى معهم كتاب من عبد الله ينطق بأنهم شركاؤه فهم على حجة وبرهان من ذلك الكتاب بينات علي وابن عامر ونافع وأبو بكر بَلْ إِن يَعِدُ ما يعد الظالمون بَعْضُهُم بدل من الظالمون وهم الرؤساء بَعْضًا أي الأتباع إِلاَّ غُرُوراً هو قولهم هَؤُلاء شفعاؤنا عند الله(3/92)
إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (41)
إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (41)
{إِنَّ الله يُمْسِكُ السماوات والأرض أَن تَزُولاَ} يمنعهما من أن تزولا لأن الإمساك منع ولئن زالتا على سبيل الفرض أن أمسكتهما ما أمسكهما مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ من بعد إمساكه ومن الأولى مزيدة لتأكيد النفي والثانية للابتداء {إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا} غير معاجل بالعقوبة حيث يمسكهما وكانتا جديرتين بأن تهداهد العظم كلمة الشرك كما قال تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأرض الآية(3/92)
وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُورًا (42)
وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُورًا (42)
{وَأَقْسَمُواْ بالله جَهْدَ أيمانهم} نصب على المصدر أي إقساماً بليغاً أو على الحال أي جاهدين في أيمانهم {لَئِن جَآءَهُمْ نَذِيرٌ لَّيَكُونُنَّ أهدى من إحدى الأمم} بلغ قرشيا قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم أن أهل الكتاب كذبوا رسلهم فقالوا لعن الله اليهود والنصارى أتتهم الرسل فكذبوهم فوالله لئن أتانا رسول لنكونن أهدى من إحدى الأمم أي من الأمة التي يقال فيها هي إحدى الأمم تفضيلالها على غيرها في الهدى والاستقامة كما يقال للداهية العظيمة هي إحدى الدواهي {فَلَمَّا جَآءَهُمْ نذير} فلما بعث رسول الله عليه وسلم {مَّا زَادَهُمْ إِلاَّ نُفُوراً} أي ما زادهم مجىء الرسول
فاطر (45 - 43)
صلى الله عليه وسلم إلا تباعداً عن الحق وهو إسناد مجازي(3/92)
اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا (43)
اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا (43)
{استكبارا فِى الأرض} مفعول له وكذا وَمَكْرَ السيىء والمعنى وما زادهم الا نفورا للاستكبار ومكر السيء أو حال يعنى مستكبرين وما كرين برسول الله صلى الله عليه وسلم قوله ومر السيء وأن مكروا السيء أي المكر السيء ثم ومكرا السيء والدليل عليه قوله ولا يحيق يحيط وينزل المكر السيء إِلاَّ بِأَهْلِهِ ولقد حاق بهم يوم بدر وفي المثل من حفر لأخيه جباً وقع فيه مكبا {فهل ينظرون إلا سنة الأولين} وهو إنزال العذاب على الذين كذبوا برسلهم من الأمم قبلهم والمعنى فهل ينظرون بعد تكذيبك إلا أن ينزل بهم العذاب مثل الذي نزل عن قبلهم من مكذبى الرسل جعل است 4 قبالهم لذلك انتظار له منهم {فلن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تَحْوِيلاً} بين أن سنته التي هي الانتقام من مكذبي الرسل سنة لا يبدلها في ذاتها ولا يحولها عن أوقاتها وأن ذلك مفعول لا محالة(3/93)
أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا (44)
أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا (44)
{أَوَ لَمْ يَسِيرُواْ فِى الأرض فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عاقبة الذين مِن قَبْلِهِمْ} استشهد عليهم بما كانوا يشهدونه في مسايرهم إلى الشام واليمن والعراق من آثار الماضين علامات هلاكهم ودمارهم وَكَانُواْ أَشَدَّ مِنْهُمْ من أهل مكة قوة اقتدار فلم يتمكنوا من الفرار وَمَا كَانَ الله لِيُعْجِزَهُ ليسبقه ويفوته مِن شَىْءٍ أيّ شيء {في السماوات ولا في الارض إِنَّهُ كَانَ عَلِيماً} بهم قَدِيراً قادراً عليهم(3/93)
وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا (45)
وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا (45)
{وَلَوْ يُؤَاخِذُ الله الناس بِمَا كَسَبُواْ} بما اقترافوا من المعاصي {مَا تَرَكَ على ظَهْرِهَا} على ظهر الأرض لأنه جرى ذكر الأرض في قوله(3/93)
ليعجزه من شيء في السموات ولا في الأرض {مِن دَآبَّةٍ} من نسمة تدب عليها {ولكن يُؤَخِرُهُمْ إلى أَجَلٍ مسمى} إلى يوم القيامة {فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ الله كَانَ بِعِبَادِهِ بصيرا} أي لم يخفف عليه حقيقة وحكمة حكمهم والله الموفق للصواب تم بحمد الله تعالى الربع الثالث من تفسير القرآن الكريم للامام النسفى ويليه الرابع وأوله سورة يس
الجزء الرابع(3/94)
يس (7 - 1)
سورة يس مكية وهي ثلاث وثمانين آية
بسم الله الرحمن الرحيم(3/95)
يس (1)
يس (1)
{يس} عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه الله عنهما معناه يا إنسان في لغة طيء وعن ابن الحنفية يا محمد وفي الحديث إن الله تعالى سماني في القرآن بسبعة أسماء محمد وأحمد وطه ويس والمزمل والمدثر وعبد الله وقبل يا سيد يس الإمالة على وحمزة وخلف وحماد ويحيى(3/95)
وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (2)
وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (2)
{والقرآن} قسم {الحكيم} ذي الحكمة أو لأنه دليل ناطق بالحكمة أو لأنه كلام حكيم فوصف بصفة المتكلم به(3/95)
إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (3)
إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (3)
{إِنَّكَ لَمِنَ المرسلين} جواب القسم وهو رد على الكفار حين قالوا لست مرسلا(3/95)
عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (4)
عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (4)
{على صراط مستقيم} خبر بعد خبر أو صلة للمرسلين أي الذين أرسلوا على صراط مستقيم أي طريقة مستقيمة وهو الإسلام(3/95)
تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (5)
تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (5)
{تَنزِيلَ} بنصب اللام شامي وكوفي غير أبي بكر على أقر اتنزيل أو على على أنه مصدر أي نزل تنزيل وغيرهم بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف أي هو تنزيل والمصدر بمعنى المفعول {العزيز} الغالب بفصاحة نظم كتابه أوهام ذوى العباد {الرحيم} الجاذب بلطافة معنى خطابه أفهام أولي الرشاد(3/96)
لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ (6)
لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ (6)
واللام في {لِتُنذِرَ قَوْماً} متصل بمعنى المرسلين أى أرسلت لتنذر قوما ما {ما أنذر آباؤهم} ما نافية عند الجمهور أي قوماً غير منذر آباؤهم بدليل قوله لِتُنذِرَ قَوْماً مَّا أتاهم مّن نذير من قبلك وما أرسلنا إليهم قبلك من نذير أو موصولة منصوبة على المفعول الثاني أي العذاب الذي أنذره آباؤهم كقوله إِنَّا أنذرناكم عذابا قريبا أو مصدرية أي لتنذر قوماً إنذار آبائهم أي مثل إنذار آبائهم {فَهُمْ غافلون} إن جعلت ما نافية فهو متعلق بالنفي أي لم ينذروا فهم غافلون وإلا فهو متعلق بقوله إِنَّكَ لَمِنَ المرسلين لّتُنذِرَ كما تقول أرسلتك إلى فلان لتنذره فإنه غافل أو فهو غافل(3/96)
لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (7)
لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (7)
{لَقَدْ حَقَّ القول على أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لاَ يُؤمِنُونَ} يعني قوله لأَمْلاَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الجنة والناس أجمعين أي تعلق بهم هذا القول وثبت عليهم ووجب لأنهم ممن علم أنهم يموتون على الكفر ثم مثل تصميمهم على الكفر وأنه لا سبيل إلى ارعوائهم بأن جعلهم كالمغلولين المقمحين في أنهم لا يلتفتون إلى الحق ولا يعطفون اعناقهم نحوه ولا يطأطأون رؤوسهم له وكالحاصلين بين سدين لا يبصرون ماقدامهم ولا ما خلفهم في أن لا تأمل لهم ولا تبصر وأنهم
يس (13 - 8)
متعامون عن النظر في آيات الله بقوله(3/96)
إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ (8)
إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ (8)
{إِنَّا جَعَلْنَا فِى أعناقهم أغلالا فَهِىَ إِلَى الأذقان} معناه فالأغلال واصلة إلى الأذقان ملزوزة إليها {فهم مقمحون} مرفوعة رؤسهم يقال قمح(3/96)
البعير فهو قامح إذا روي فرفع رأسه وهذا لأن طوق الغل الذي في عنق المغلول يكون في ملتقى طرفيه تحت الذقن حلقة فيها رأس العمود خارجاً من الحلقة إلى الذقن فلا يخليه يطأطىء رأسه فلا يزال مقمحاً(3/97)
وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ (9)
وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ (9)
{وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً ومِنْ خَلْفِهِمْ سَدّاً} بفتح السين حمزة وعلي وحفص وقيل ما كان من عمل الناس فبالفتح وماكان من خلق الله كالجبل ونحوه فبالضم {فأغشيناهم} فأغشينا أبصارهم أي غطيناها وجعلنا عليها غشاوة {فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ} الحق والرشاد وقيل نزلت في بني مخزوم وذلك أن أبا جهل حلف لئن رأى محمداً يصلي ليرضخن رأسه فأتاه وهو يصلي ومعه حجر ليدمغه به فلما رفع يده انثنت إلى عنقه ولزق الحجر بيده حتى فكوه عنها بجهد فرجع إلى قومه فأخبرهم فقال مخزومي آخر أنا أقتله بهذا الحجر فذهب فأعمى الله بصره(3/97)
وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (10)
وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (10)
{وسواء عليهم أأنذرتهم أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ} أي سواء عليهم الإنذار وتركه والمعنى من أضله الله هذا الإضلال لم ينفعه الإنذار ورُوي أن عمر بن عبد العزيز قرأ الآية على غيلان القدري فقال كأني لم أقرأها أشهدك أني تائب عن قولي في القدر فقال عمر اللهم إن صدق فت عليه وإن كذب فسلط عليه من لا يرحمه فأخذه هشام بن عبد الملك من عنده فقطع يديه ورجليه وصليه على باب دمشق(3/97)
إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ (11)
إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ (11)
{إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ اتبع الذكر} أي إنما ينتفع بإنذاك من ابتع القرآن {وَخشِىَ الرحمن بالغيب} وخاف عقاب الله ولم يره {فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ} وهي العفو عن ذنوبه {وَأَجْرٍ كَرِيمٍ} أي الجنة(3/97)
إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ (12)
إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ (12)
{إنا نحن نحيي الموتى} لبعثهم بعد مماتهم أو نخرجهم من الشرك إلى الإيمان {وَنَكْتُبُ مَاَ قَدَّمُواْ} ما أسلفوا من الأعمال الصالحات وغيرها(3/97)
{وآثارهم} ما هلكوا عنه من أثر حسن كعلم علّموه أو كتاب صنّفوه أو حبيس حبّسوه أو رباط أو مسجد صنعوه أو سيىء كوظيفة وظفها بعض الظلمة وكذلك كل سنة حسنة أو سيئة يستن بها ونحوه قوله تعالى يُنَبَّأُ الإنسان يَوْمَئِذِ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ قدم من أعماله وأخر من آثاره وقيل هي خطاهم إلى الجمعة أو إلى الجماعة {وَكُلَّ شىْءٍ أحصيناه} عددناه وبيناه {فِى إِمَامٍ مُّبِينٍ} يعني اللوح المحفوظ لأنه أصل الكتب ومقتداها(3/98)
وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ (13)
وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ (13)
{واضرب لَهُمْ مَّثَلاً أصحاب القرية} ومثل لهم من قولهم عندى من هذا الضرب
يس (15 - 13)
كذا أي من هذا المثال وهذه الأشياء على ضرب واحد أي على مثال واحد والمعنى واضرب لهم مثلاً مثل أصحاب القرية أي أنطاكية أي اذكر لهم قصة عجيبة قصة أصحاب القرية والمثل الثاني بيان للأول وانتصاب {إِذْ} بأنه بدل من أصحاب القرية {جَآءَهَا المرسلون} رسل عيسى عليه السلام إلى أهلها بعثهم دعاة إلى الحق وكانوا عبدة أوثان(3/98)
إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ (14)
إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ (14)
{إِذْ} بدل من إِذْ الأولى {أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ} أي أرسل عيسى بأمرنا {اثنين} صادقاً وصدوقاً فلما قربا من المدينة رأيا شيخاً يرعى غنيمات له وهو حبيب النجار فسأل عن حالهما فقالا نحن رسولا عيسى ندعوكم من عبادة الأوثان إلى عبادة الرحمن فقال أمعكما آية فقالا نشفي المريض ونبرىء الأكمه والأبرص وكان له ابن مريض مدة سنتين فمسحاه فقام فآمن حبيب وفشا الخبر فشفي على أيديهما خلق كثير فدعاهما الملك وقال لهما ألنا إله سوى آلهتنا قالا نعم من أوجدك وآلهتك فقال حتى أنظر في أمركما فتبعهما الناس وضربوهما وقيل حبسا ثم بعث عيسى شمعون فدخل متنكراً وعاشر حاشية الملك حتى استأنسوا به ورفعوا خبره إلى الملك فأنس به فقال له ذات يوم بلغني أنك حبست رجلين فهل سمعت قولهما قال لا فدعاهما(3/98)
فقال شمعون من أرسلكما قالا الله الذي خلق كل شيء ورزق كل حي وليس له شريك فقال صفاه وأوجزا قالا يفعل مايشاء ويحكم مايريد قال وما آيتكما قالا ما يتمنى الملك فدعى بغلام أكمه فدعوا الله فأبصر الغلام فقال شمعون أرأيت لو سألت إلهك حتى يصنع مثل هذا فيكون لك وله الشرف قال الملك ليس لي عنك سر إن إلهنا لا يسمع ولا يبصر ولا يضر ولا ينفع ثم قال إن قدر إلهكما على إحياء ميت آمنا به فدعوا بغلام مات من سبعة أيام فقام وقال إني أدخلت في سبعة أودية من النار لما مت عليه من الشرك وأنا أحذركم ما أنتم فيه فآمنوا وقال فتحت أبواب السماء فرأيت شاباً حسن الوجه يشفع لهؤلاء الثلاثة قال الملك ومن هم قال شمعون وهذان فتعجب الملك فلما رأى شمعون أن قوله قد أثر فيه نصحه فآمن وآمن قوم ومن لم يؤمن صاح عليهم جبريل فهلكوا {فَكَذَّبُوهُمَا} فكذب أصحاب القرية الرسولين {فَعَزَزْنَا} فقويناهما فَعَزَّزْنَا أبو بكر من عزّه يعزّه إذا غلبه أي فغلبنا وقهرنا {بِثَالِثٍ} وهو شمعون وترك ذكر المفعول به لأن المراد ذكر المعزز به وهو شمعون وما لطف فيه من التدبير حتى عز الحق وذل الباطل وإذا كان الكلام منصباً إلى غرض من الأغراض جعل سياقه له وتوجهه إليه كأن ماسواه مرفوض {فَقَالُواْ إِنَّا إِلَيْكُمْ مُّرْسَلُونَ} أي قال الثلاثة لأهل القرية(3/99)
قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ (15)
قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ (15)
{قَالُواْ} أي أصحاب القرية {مَا أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مّثْلُنَا} رفع بشر هنا ونصب في قوله ما هذا لبشرا لانتقاض النفى بالافلم يبق لما شبه بليس وهو الموجب لعلمه {وَمَا أَنَزلَ الرحمن مِن شَىْءٍ} أي وحياً
يس (24 - 16)
{إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ} ما أنتم إلا كذبة(3/99)
قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ (16)
قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ (16)
{قَالُواْ رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ} أكد الثاني باللام دون الأول لأن الأول ابتداء إخبار والثاني جواب عن إنكار فيحتاج إلى زيادة تأكيد وربنا(3/99)
يعلم جار مجرى القسم فى التوكيد وكذلك قولهم شهد الله وعلم الله(3/100)
وَمَا عَلَيْنَا إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (17)
وَمَا عَلَيْنَا إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (17)
{وَمَا عَلَيْنَا إِلاَّ البلاغ المبين} أي التبليغ الظاهر المكشوف بالآيات الشاهدة بصحته(3/100)
قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ (18)
قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ (18)
{قَالُواْ إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ} تشاءمنا بكم وذلك أنهم كرهوا دينهم ونفرت منه نفوسهم وعادة الجهال أن يتيمنوا بكل شيء مالوا إليه وقبلته طباعهم ويتشاءموا بما نفروا عنه وكرهوه فإن أصابهم بلاء أو نعمة قالوا بشؤم هذا وبركة ذلك وقيل حبس عنهم المطر فقالوا ذلك {لَئِن لَّمْ تَنتَهُواْ} عن مقالتكم هذه {لَنَرْجُمَنَّكُمْ} لنقتلنكم أو لنطردنكم أو لنشتمنكم {وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ} وليصيبنكم عذاب النار وهو أشد عذاب(3/100)
قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (19)
قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (19)
{قَالُواْ طائركم} أي سبب شؤمكم {مَّعَكُمْ} وهو الكفر {أئِن} بهمزة الاستفهام وحرف الشرط كوفي وشامي {ذُكِّرْتُم} وعظتم ودعيتم إلى الإسلام وجواب الشرط مضمر وتقديره تطيرتم آين بهمزة ممدودة بعدها ياء مكسورة أبو عمرو وأين بهمزة مقصورة بعدها ياء مكسورة مكي ونافع ذكرتم بالتخفيف يزيد {بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ} مجاوزون الحد في العصيان فمن ثم أتاكم الشؤم من قبلكم لا من قبل رسل الله وتذكيرهم أو بل أنتم مسرفون في ضلالكم وغيكم حيث تتشاءمون بمن يجب التبرك به من رسل الله(3/100)
وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (20)
وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (20)
{وَجَآءَ مِنْ أَقْصَى المدينة رَجُلٌ يسعى} هو حبيب النجار وكان في غار من الجبل يعبد الله فلما بلغه خبر الرسل أتاهم وأظهر دينه وقال أتسألون على ماجئتم به أجرا قالوا لا {قال يا قوم اتبعوا المرسلين}(3/100)
اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ (21)
اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ (21)
{اتبعوا من لا يسألكم أَجْراً} على تبليغ الرسالة {وَهُمْ مُّهْتَدُونَ} أي الرسل فقالوا أو أنت على دين هؤلاء فقال(3/100)
وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (22)
وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (22)
{وَمَا لِىَ لاَ أَعْبُدُ الذى فَطَرَنِى} خلقني {وإليه ترجعون} وإليه مرجعكم ومالى حمزة(3/100)
أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنْقِذُونِ (23)
أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنْقِذُونِ (23)
{أأتخذ} بهمزتين كوفى {من دونه آلهة} يعني الأصنام {إِن يُرِدْنِ الرحمن بِضُرٍّ} شرط جوابه {لاَّ تُغْنِ عَنِّى شفاعتهم شَيْئاً وَلاَ يُنقِذُونِ} من مكروه ولا ينقذوني فاسمعوني في الحالين يعقوب(3/101)
إِنِّي إِذًا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (24)
إِنِّي إِذًا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (24)
{إِنِّى إِذاً} أي إذا اتخذت {لَفِى ضلال مُّبِينٍ} ظاهر بين ولما نصح قومه أخذوا يرجمونه فأسرع نحو الرسل قبل أن يقتل فقال
يس (32 - 25)
لهم(3/101)
إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ (25)
إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ (25)
{إني آمنت بربكم فاسمعون} أى اسمعوا إيمانى لتشهدو لي به ولما قتل(3/101)
قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (26)
قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (26)
{قِيلَ} له {ادخل الجنة} وقبره في سوق أنطاكية ولم يقل قيل له لأن الكلام سيق لبيان المقول لا لبيان المقول له مع كونه معلوماً وفيه دلالة أن الجنة مخلوقة وقال الحسن لما أراد القوم أن يقتلوه رفعه الله إليه وهو في الجنة ولا يموت إلا بفناء السموات والأرض فلما دخل الجنة ورأى نعيمها {قَالَ يا ليت قومي يعلمون}(3/101)
بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ (27)
بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ (27)
{بِمَا غَفَرَ لِى رَبِّى} أي بمغفرة ربي لي أو بالذي غفر لي {وَجَعَلَنِى مِنَ المكرمين} بالجنة(3/101)
وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنْزِلِينَ (28)
وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنْزِلِينَ (28)
{وَمَا أَنزَلْنَا} ما نافيه {على قَوْمِهِ} قوم حبيب {مِن بَعْدِهِ} أي من بعد قتله أو رفعه {مِن جُندٍ مِّنَ السمآء} لتعذيبهم {وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ} وما كان يصح في حكمتنا أن ننزل في إهلاك قوم حبيب جنداً من السماء وذلك لأن الله تعالى أجرى هلاك كل قوم على بعض الوجوه دون بعض لحكمة اقتضت ذلك(3/101)
إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ (29)
إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ (29)
{إِن كَانَتْ} الأخذة أو العقوبة {إِلاَّ صَيْحَةً واحدة} صاح جبريل عليه السلام صيحة واحدة {فَإِذَا هُمْ خامدون} ميتون كما تخمد النار(3/101)
والمعنى أن الله كفى أمرهم بصيحة ملك ولم ينزل لإهلاكهم جنداً من جنود السماء كما فعل يوم بدر والخندق(3/102)
يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (30)
يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (30)
{يا حسرة عَلَى العباد مَا يَأْتِيهِمْ مّن رَّسُولٍ إِلاَّ كانوا به يستهزؤون} الحسرة شدة الندم وهذا نداء للحسرة عليهم كأنما قيل لها تعالي يا حسرة فهذه من أحوالك التي حقك أن تحضري فيها وهى حال استتهزائهم بالرسل والمعنى أنهم أحقاء بأن يتحسر عليهم المنحسرون ويتلهف على حالهم المتلهفون أو هم متحسر عليهم من جهة الملائكة والمؤمنين من الثقلين(3/102)
أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ (31)
أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ (31)
{أَلَمْ يَرَوْاْ} ألم يعلموا {كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ من القرون} كم نصب باهلكنا ويروا معلق عن العمل في كم لأن كم لا يعمل فيها عامل قبلها كانت للاستفهام أو للخبر لأن أصلها للاستفهام إلا أن معناه نافذ في الجملة وقوله {أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لاَ يَرْجِعُونَ} بدل من كَمْ أَهْلَكْنَا على المعنى لا على اللفظ تقديره ألم يروا كثرة اهلاكنا القرون من قبلهم كونهم غير راجعين إليهم(3/102)
وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ (32)
وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ (32)
{وَإِن كُلٌّ لَّمَّا جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ} لَّمّاً بالتشديد شامى وعاصم وحمزة بمعنى إلا وان نافية وغيرهم بالتخفيف على أن ما صلة للتأكيد وإن مخففة من الثقيلة وهي متلقاة باللام لا محالة والتنوين في كُلٌّ عوض من المضاف إليه والمعنى إن كلهم محشورون مجموعون محضرون للحساب أو معذبون وإنما أخبر عن كُلٌّ بجميع لأن كلا يفيد معنى الإحاطة والجميع فعيل بمعنى مفعول ومعناه الاجتماع يعني أن المحشر يجمعهم(3/102)
وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ (33)
وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ (33)
{وآية لهم} مبتدأ أو خبر أى وعلامة تدل
يس (36 - 33)
على أن الله يبعث الموتى إحياء الأرض الميتة ويجوز أن يرتفع آية بالابتداء ولهم صفتها وخبرها {الأرض الميتة} اليابسة وبالتشديد مدني {أحييناها} بالمطر وهو استئناف بيان لكون الأرض الميتة آية وكذلك تسلخ ويجوز أن توصف(3/102)
الأرض والليل بالفعل لأنه أريد بهما جنسان مطلقان لا أرض وليل باعيانها فعوملا معاملة النكرات في وصفهما بالأفعال ونحوه ولقد أمر على اللئيم يسبني {وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبّاً} أريد به الجنس {فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ} قدم الظرف ليدل على أن الحب هو الشيء الذي يتعلق به معظم العيش ويقوم بالارتزاق منه صلاح الإنس وإذا قل جاء القحط ووقع الضر وإذا حضر الهلاك ونزل البلاء(3/103)
وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ (34)
وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ (34)
{وَجَعَلْنَا فِيهَا} في الأرض {جنات} بساتين {مِّن نَّخِيلٍ وأعناب وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ العيون} من زائدة عند الأخفش وعند غيره المفعول محذوف تقديره ما ينتفعون به(3/103)
لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلَا يَشْكُرُونَ (35)
لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلَا يَشْكُرُونَ (35)
{لِيَأْكُلُواْ مِن ثَمَرِهِ} والضمير لله تعالى أي ليأكلوا مما خلقه الله من الثمر مِن ثُمُره حمزة وعلي {وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ} أي ومما عملته أيديهم من الغرس والسقي والتلقيح وغير ذلك من الأعمال إلى أن يبلغ الثمر منتهاه يعني أن الثمر في نفسه فعل الله وخلقه وفيه آثار من كد بني آدم وأصله من ثمرنا كما قال وجعلنا وفجرنا فنقل الكلام من التكلم إن الغيبة على طريق الالتفات ويجوز أن يرجع الضمير إلى النخيل وتترك الأعناب غير مرجوع إليها لأنه علم أنها في حكم النخيل مما علق به من أكل ثمره ويجوز أن يراد من ثمر المذكور وهو الجنات كما قال رؤبة ... فيها خطوط من بياض وبلق ... كأنه في الجلد توليع البهق ...
فقيل له فقال أردت كأن ذاك وما عملت كوفى غير حفص وهى مصاحف أهل الكوفة كذلك وفي مصاحف أهل الحرمين والبصرة والشام مع الضمير وقيل ما نافية على أن الثمر خلق الله ولم تعمله أيدي الناس ولا يقدرون عليه {أَفَلاَ يَشْكُرُونَ} استبطاء وحث على شكر النعمة(3/103)
سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ (36)
سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ (36)
{سبحان الذى خَلَق الأزواج} الأصناف {كُلَّهَا مِمَّا تُنبِتُ الأرض} من النخيل والشجر والزرع والثمر {وَمِنْ أَنفُسِهِمْ} الأولاد ذكوراً وإناثاً {وَمِمَّا لاَ يَعْلَمُونَ} ومن أزواج لم يطلعهم الله عليها ولا توصلوا إلى معرفتها ففي الأودية والبحار أشياء لا يعلمها الناس(3/104)
وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ (37)
وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ (37)
{وآية لهم الليل نَسْلَخُ مِنْهُ النهار} نخرج منه النهار إخراجاً لا يبقى معه شيء من ضوء النهار أو ننزع عنه الضوء نزع القميص الأبيض فيعرى نفس الزمان
يس (37 - 42)
كشخص زنجي أسود لأن أصل ما بين السماء والأرض من الهواء الظلمة فاكتسى بعضه ضوء الشمس كمبيت مظلم أسرج فيه فإذا غاب السراج أظلم {فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ} داخلون في الظلام(3/104)
وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (38)
وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (38)
{والشمس تَجْرِى} وآية لهم الشمس تجري {لِمُسْتَقَرٍّ لها} لحد لها مؤقت مقدر تنتهي إليه من فلكها في آخر السنة شبه بمستقر المسافر إذ قطع مسيره أو لحد لها من مسيرها كل يوم في مرائي عيوننا وهو المغرب أو لانتهاء أمرها عند انقضاء الدنيا {ذلك} الجري على ذلك التقدير والحساب الدقيق {تَقْدِيرُ العزيز} الغالب بقدرته على كل مقدور {العليم} بكل معلوم(3/104)
وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ (39)
وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ (39)
{والقمر} نصب بفعل يفسره {قدرناه} وبالرفع مكي ونافع وأبو عمرو وسهل على الابتداء والخبر قدرناه أو على وآية لهم القمر {مَنَازِلَ} وهى ثمانية وعشرون منزلا لا ينزل القمر كل ليلة فى واحد منها لا يتخطاه ولا يتقاصر عنه على تقدير مستوٍ يسير فيها من ليلة المستهل إلى الثامنة والعشرين ثم يستتر ليلتين أو ليلة إذا نقص الشهر ولابد في قدرناه مَنَازِلَ من تقدير مضاف لأنه لا معنى لتقدير نفس القمر منازل أي قدرنا نوره فيزيد وينقص أو قدرنا مسيره منازل فيكون ظرفاً فإذا كان في آخر منازله دق واستقوس {حتى عَادَ كالعرجون} هو عود الشمراخ إذا يبس(3/104)
واعوج ووزنه فعلون من الانعراج وهو الانعطاف {القديم} العتيق المحول وإذا قدم دق وانحنى واصفر فشبه القمر به من ثلاثة أوجه(3/105)
لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (40)
لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (40)
{لاَ الشمس يَنبَغِى لَهَا} أي لا يتسهل لها ولا يصح ولا يستقيم {أَن تدْرِكَ القمر} فتجتمع معه في وقت واحد وتداخله في سلطانه فتطمس نوره لأن لكل واحد من النيرين سلطانا على حياله لسلطان الشمس بالنهار وسلطان القمر بالليل {ولا الليل سَابِقُ النهار} ولا يسبق الليل النهار أي آية الليل آية النهار وهما النيران ولا يزال الأمر على هذا الترتيب إلى أن تقوم القيامة فيجمع الله بين الشمس والقمر وتطلع الشمس من مغربها {وَكُلٌّ} التنوين فيه عوض عن المضاف إليه أي وكلهم والضمير للشموس والأقمار {في فلك يسبحون} يسيرون(3/105)
وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (41)
وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (41)
{وآية لهم أنا حملنا ذريتهم} درياتهم مدني وشامي {فِى الفلك المشحون} أي المملوء والمراد بالذرية الأولاد ومن يهمهم حمله وكانوا يبعثونهم إلى التجارات في بر أو بحر أو الآباء لأنها من الأضداد والفلك على هذا سفينة نوح عليه السلام وقيل معنى حمل الله ذرياتهم فيها أنه حمل فيها آبائهم الأقدمين وفى أصلابهم وذرياتهم وإنما ذكر ذرياتهم دونهم لأنه أبلغ في الامتنان عليهم(3/105)
وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ (42)
وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ (42)
{وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِّن مِّثْلِهِ} من مثل الفلك {مَا يَرْكَبُونَ} من الإبل وهي سفائن البر
يس (51 - 43)(3/105)
وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلَا صَرِيخَ لَهُمْ وَلَا هُمْ يُنْقَذُونَ (43)
وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلَا صَرِيخَ لَهُمْ وَلَا هُمْ يُنْقَذُونَ (43)
{وَإِن نَّشَأْ نُغْرِقْهُمْ} في البحر {فَلا صَرِيْخَ لَهُمْ} فلا مغيث أو فلا إغاثة {وَلاَ هُمْ يُنقَذُونَ} لا ينجون(3/105)
إِلَّا رَحْمَةً مِنَّا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ (44)
إِلَّا رَحْمَةً مِنَّا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ (44)
{إِلاَّ رَحْمَةً مِّنَّا وَمَتَاعاً إلى حِينٍ} أي ولا ينقذون إلا لرحمة منا ولتمتيع بالحياة إلى انقضاء الأجل فهما منصوبان على المفعول له(3/105)
وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (45)
وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (45)
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتقوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وما خلفكم} أى ماتقدم من ذنوبكم وما تأخر مما أنتم تعملون من بعد ومن مثل الوقائع التي ابتليت بها الأمم المكذبة بأنبيائها وما خلفكم من أمر الساعة أو فتنة الدنيا وعقوبة الآخرة {لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} لتكونوا على رجاء رحمة الله وجواب إذا مضمر أي أعرضوا وجاز حذفه لأن قوله(3/106)
وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ (46)
وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ (46)
{وما تأتيهم من آية من آيات رَبِّهِمْ إِلاَّ كَانُواْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ} يدل عليه ومن الأولى لتأكيد النفي والثانية للتبعيض أي ودأبهم الإعراض عند كل آية وموعظة(3/106)
وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (47)
وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (47)
{وإذا قيل لهم} لمشركى مكة {أنفقوا من ما رِزَقَكُمُ الله} أي تصدقوا على الفقراء {قَالَ الذين كفروا للذين آمنوا أَنُطْعِمُ مَن لَّوْ يَشَآءُ الله أَطْعَمَهُ} عن ابن عباس رضى الله عنهما كان بمكة زنادقة فإذا أمروا بالصدقة 3 على المساكين قالوا لا والله أيفقره الله ونطعمه نحن {إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ فِى ضلال مُّبِينٍ} قول الله لهم أو حكاية قول المؤمنين لهم أو هو من جملة جوابهم للمؤمنين(3/106)
وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (48)
وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (48)
{وَيَقُولُونَ متى هذا الوعد} أي وعد البعث والقيامة {إِن كُنتُمْ صادقين} فيما تقولون خطاب للنبى وأصحابه(3/106)
مَا يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ (49)
مَا يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ (49)
{مَا يَنظُرُونَ} ينتظرون {إِلاَّ صَيْحَةً واحدة} هي النفخة الأولى {تَأُخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ} حمزة بسكون الخاء وتخفيف الصاد من خصمه إذا غلبه في الخصومة وشدد الباقون الصاد أي يَخِصّمُونَ بإدغام التاء في الصاد لكنه مع فتح الخاء مكي بنقل حركة التاء المدغمة إليها وبسكون الخاء مدني وبكسر الياء والخاء يحيى فأتبع الياء الخاء في الكسر وبفتح الياء وكسر الخاء غيرهم والمعنى تأخذهم وبعضهم يخصم بعضاً في معاملاتهم(3/106)
فَلَا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلَا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ (50)
فَلَا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلَا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ (50)
{فلا يستطيعون توصية} فلا يستطيعون أن يوصلوا في شيء من أمورهم توصية {وَلاَ إلى أهلهم يرجعون} ولا يقدروا على الرجوع إلى منازلهم بل يموتون حيث يسمعون الصيحة(3/107)
وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ (51)
وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ (51)
{ونفخ في الصور} هي النفخة الثانية والصور القرن أو جمع صورة {فَإِذَا هُم مِّنَ الأجداث} أي القبور {إلى ربهم ينسلون}
يس (59 - 52)
يعدون بكسر السين وضمها(3/107)
قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ (52)
قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ (52)
{قالوا} أى الكفار {يا ويلنا مَن بَعَثَنَا} من أنشرنا {مِن مَّرْقَدِنَا} أي مضجعنا وقف لازم عن حفص وعن مجاهد للكفار مضجعة يجدون فيها طعم النوم فإذا صيح بأهل القبور قالوا من بعثنا {هَذَا مَا وَعَدَ الرحمن وَصَدَقَ المرسلون} كلام الملائكة أو المتقين أو الكافرين يتذكرون ما سمعوه من الرسل فيجيبون به أنفسهم أو بعضهم بعضا وما مصدرية ومعناه هذا وعد الرحمن وصدق المرسلين على تسمية الموعود والصدوق فيه بالوعد والصدق أو موصولة وتقديره هذا الذي وعده الرحمن والذي صدقه المرسلون أي والذي صدق فيه المرسلون(3/107)
إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ (53)
إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ (53)
{إِن كَانَتْ} النفخة الأخيرة {إِلاَّ صَيْحَةً واحدة فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ} للحساب ثم ذكر ما يقال لهم في ذلك اليوم(3/107)
فَالْيَوْمَ لَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَلَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (54)
فَالْيَوْمَ لَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَلَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (54)
{فاليوم لاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَلاَ تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}(3/107)
إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ (55)
إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ (55)
{إِنَّ أصحاب الجنة اليوم فِى شُغُلٍ} بضمتين كوفي وشامي وبضمة وسكون مكي ونافع وأبو عمرو والمعنى في شغل في أي شغل وفى شغلى لا يوصف وهو افتضاض الأبكار على شط الأنهار تحت الأشجار أو ضرب الأوتار أو ضيافة الجبار {فاكهون} خبر ثان فكهون يزيد(3/107)
والفاكه والفكه المتنعم المتلذذ ومنه الفاكهة لأنها مما يتلذذ به وكذا الفكاهة(3/108)
هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ (56)
هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ (56)
{هُمْ} مبتدأ {وأزواجهم} عطف عليه {فِى ظلال} حال جمع ظل وهو الموضع الذي لا تقع عليه الشمس كذئب وذئاب أو جمع ظلة كبرمة وبرام دليله قراءة حمزة وعليّ ظلل جمع ظلة وهى ماسترك عن الشمس {على الأرآئك} جمع الأريكة وهي السرير في الحجلة أو الفراش فيها {مُتَّكِئُونَ} خبر أو فى ظلال خبر وعلى الأرائك مستأنف(3/108)
لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ (57)
لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ (57)
{لَهُمْ فِيهَا فاكهة وَلَهُمْ مَّا يَدَّعُونَ} يفتعلون من الدعاء أي كل ما يدعو به أهل الجنة يأتيهم أو يتمنون من قولهم ادع علي ما شئت أي تمنه عليَّ عن الفراء هو من الدعوى ولا يدعون مالا يستحقون(3/108)
سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ (58)
سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ (58)
{سلام} بدل مما يَدَّعُونَ كأنه قال لهم سلام يقال لهم {قَوْلاً مِّن رَّبٍّ رَّحِيمٍ} والمعنى أن الله يسلم عليهم بواسطة الملائكة أو بغير واسطة تعظيماً لهم وذلك متمناهم ولهم ذلك لا يمنعونه قال ابن عباس والملائكة يدخلون عليهم بالتحية من رب العالمين(3/108)
وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ (59)
وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ (59)
{وامتازوا اليوم أَيُّهَا المجرمون} وانفردوا عن المؤمنين وكونوا على حدة وذلك حين يحشر المؤمنون ويسار بهم إلى الجنة
يس (67 - 60)
وعند الضحاك لكل كافر بيت من النار يكون فيه لا يرى ولايرى أبداً ويقول لهم يوم القيامة(3/108)
أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (60)
أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (60)
{ألم أعهد إليكم يا بني آدم أَن لاَّ تَعْبُدُواْ الشيطان إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ} العهد الوصية وعهد إليه إذا وصاه وعهد الله إليهم ما ركزه فيهم من أدلة العقل وأنزل عليهم دلائل السمع وعبادة الشيطان طاعته فيما يوسوس به إليهم ويزينه لهم(3/108)
وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (61)
وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (61)
{وَأَنِ اعبدونى} وحدوني وأطيعوني {هذا} إشارة إلى ما عهد(3/108)
إليهم من معصية الشيطان وطاعة الرحمن {صراط مُّسْتَقِيمٌ} أي صراط بليغ في استقامته ولا صراط أقوم منه(3/109)
وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ (62)
وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ (62)
{وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلاًّ} بكسر الجيم والباء والتشديد مدني وعاصم وسهل جبلاً بضم الجيم والباء والتشديد يعقوب جُبْلاًّ مخففاً شامي وأبو عمرو وجبلا بضم الجيم والباء وتحفيف اللام غيرهم وهذه لغات في معنى الخلق {كَثِيراً أَفَلَمْ تَكُونُواْ تَعْقِلُونَ} استفهام تقريع على تركهم الانتفاع بالعقل(3/109)
هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (63)
هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (63)
{هذه جَهَنَّمُ التى كُنتُمْ تُوعَدُونَ} بها(3/109)
اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (64)
اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (64)
{اصلوها اليوم بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ} ادخلوها بكفركم وإنكاركم لها(3/109)
الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (65)
الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (65)
{اليوم نختم على أفواههم} أى تمنعهم من الكلام {وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} يروى أنهم يجحدون ويخاصمون فتشهد عليهم جيرانهم وأهاليهم وعشائرهم فيحلفون ما كانوا مشركين فحينئذ يختم على أفواههم وتكلم أيديهم وأرجلهم وفي الحديث يقول العبد يوم القيامة إني لا أجيز عليّ إلا شاهداً من نفسي فيختم على فيه ويقال لأركانه أنطقي فتنطق بأعماله ثم يخلى بينه وبين الكلام فيقول بعداً لكن وسحقاً فعنكن كنت أناضل(3/109)
وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ (66)
وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ (66)
{وَلَوْ نَشَآءُ لَطَمَسْنَا على أَعْيُنِهِمْ} لأعميناهم وأذهبنا أبصارهم والطمس تعفيه شق العين حتى تعود ممسوحة {فاستبقوا الصراط} على حذف الجار وإيصال الفعل والأصل فاستبقوا إلى الصراط {فأنى يُبْصِرُونَ}(3/109)
فكيف يبصرون حينئذ وقد طمسنا أعينهم(3/110)
وَلَوْ نَشَاءُ لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَى مَكَانَتِهِمْ فَمَا اسْتَطَاعُوا مُضِيًّا وَلَا يَرْجِعُونَ (67)
وَلَوْ نَشَاءُ لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَى مَكَانَتِهِمْ فَمَا اسْتَطَاعُوا مُضِيًّا وَلَا يَرْجِعُونَ (67)
{ولو نشاء لمسخناهم} وَلَوْ نَشَآءُ لمسخناهم قردة أو خنازير أو حجارة {على مكانتهم} على مكاناتهم أبو بكر وحماد والمكانة والمكان واحد كالمقامة والمقام أي لمسخناهم في منازلهم حيث يجترحون المآثم {فَمَا استطاعوا مُضِيّاً وَلاَ يَرْجِعُونَ} فلم يقدروا على ذهاب ولا مجيء أو مضياً أمامهم ولا يرجعون
يس (71 - 68
خلفهم(3/110)
وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلَا يَعْقِلُونَ (68)
وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلَا يَعْقِلُونَ (68)
{وَمَن نُّعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ} عاصم وحمزة والتنكيس جعل الشيء أعلاه أسفله الباقون نَنْكُسه {فِى الخلق} أي نقلبه فيه بمعنى من أطلنا عمره نكسنا خلقه فصار بدل القوة ضعفاً وبدل الشباب هرماً وذلك أنا خلقناه على ضعف في جسده وخلو من عقل وعلم ثم جعلناه يتزايد إلى أن يبلغ أشده ويستكمل قوله ويعقل ويعلم ماله وما عليه فإذا انتهى نكسناه في الخلق فجعلناه يتناقص حتى يرجع إلى حال شبيهة يحال الصبي في ضعف جسده وقلة عقله وخلوه من العلم كما ينكس السهم فيجعل أعلاه أسفله قال عز وجل وَمِنكُمْ مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ العمر لِكَيْلاَ يعلم من بعد علم شيئا {أَفَلاَ يَعْقِلُونَ} أن من قدر على أن ينقلهم من الشباب إلى الهرم ومن القوة إلى الضعف ومن رجاحة العقل إلى الخرف وقلة التمييز قادر على أن يطمس على أعينهم ويمسخهم على مكانتهم ويبعثهم بعد الموت وبالتاء مدني ويعقوب وسهل(3/110)
وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ (69)
وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ (69)
وكانوا يقولون لرسول الله صلى الله عليه وسلم شاعر فنزل {وَمَا علمناه الشعر} أي وما علمنا النبي عليه السلام قول الشعراء أو وما علمناه بتعليم القرآن الشعر على معنى أن القرآن ليس بشعر فهو كلام موزون مقفى يدل على معنى فأين الوزن وأين التقفية فلا مناسبة بينه وبين الشعر إذا حققته {وما ينبغي له} ومايصح له ولا يليق بحاله ولا يتطلب لو طلبه(3/110)
أي جعلناه بحيث لو أراد قرض الشعر لم يتأت له ولم يتسهل كما جعلناه أمياً لا يهتدي إلى الخط لتكون الحجة أثبت والشبهة أدحض وأما قوله ... أنا النبي لا كذب ... أنا ابن عبد المطلب ... وقوله ... هل أنت إلا أصبع دميت ... وفي سبيل الله مالقيت ...
فما هو إلا من جنس كلامه الذي كان يرمي به على السليقة من غير صنعة فيه ولا تكلف إلا أنه اتفق من غير قصد إلى ذلك ولا التفات منه أن جاء موزوناً كما يتفق في خطب الناس ورسائلهم ومحاوراتهم أشياء موزونة ولا يسميها أحد شعراً لأن صاحبه لم يقصد الوزن ولا بد منه على أنه عليه السلام قال لقيت بالسكون وفتح الباء في كذب وخفض الباء في المطلب ولما نفى أن يكون القرآن من جنس الشعر قال {إن هو} أي المعلم {إلا ذكر وقرآن مُّبِيْنٌ} أي ما هو إلا ذكر من الله يوعظ به الإنس والجن وما هو إلا قرآن كتاب سماوي يقرأ في المحاريب ويتلى في المتعبدات وينال بتلاوته والعمل به فوز الدارين فكم بينه وبين الشعر الذي هو من همزات الشياطين(3/111)
لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ (70)
لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ (70)
{لِّيُنذِرَ} القرآن أو الرسول لّتُنذِرَ مدني وشامي وسهل ويعقوب {مَن كَانَ حَيّاً} عاقلاً متأملاً لأن الغافل كالميت أو حياً بالقلب {وَيَحِقَّ القول} وتجب كلمة العذاب {عَلَى الكافرين} الذين لا يتأملون وهم في حكم الأموات(3/111)
أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ (71)
أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ (71)
{أَوَ لَمْ يَرَوْاْ أَنَّا خَلَقْنَا لَهُم مِّمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أنعاما} أي مما تولينا نحن احداثه ولم يقدر على توليه غيرنا
يس (76 - 72)
{فَهُمْ لَهَا مالكون} أي خلقناها لأجلهم فملكناها إياهم فهم متصرفون فيها تصرف الملاك مختصون بالانتفاع بها أو فهم لها ضابطون قاهرون(3/111)
وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ (72)
وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ (72)
{وذللناها لَهُمْ} وصيرناها منقادة لهم وإلا فمن كان يقدر عليها لولا تذليله تعالى وتسخيره لها ولهذا ألزم الله سبحانه الراكب أن يشكر هذه النعمة ويسبح بقوله سبحان الذى سخر لنا هذا وماكنا له مقرنين {فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ} وهو ما يركب {وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ} أي سخرناها لهم ليركبوا ظهرها ويأكلوا لحمها(3/112)
وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلَا يَشْكُرُونَ (73)
وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلَا يَشْكُرُونَ (73)
{وَلَهُمْ فِيهَا منافع} من الجلود والأوبار وغير ذلك {ومشارب} م 4 ن اللبن وهو جمع مشرب وهو موضع الشرب أو الشراب {أَفَلاَ يَشْكُرُونَ} الله على إنعام الأنعام(3/112)
وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ (74)
وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ (74)
{واتخذوا من دون الله آلهة لَّعَلَّهُمْ يُنصَرُونَ} أي لعل أصنامهم تنصرهم إذا حز بهم أمر(3/112)
لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ (75)
لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ (75)
{لاَ يَسْتَطِيعُونَ} أي آلهتهم {نَصَرَهُمْ} نصر عابديهم {وَهُمْ لَهُمْ} أي الكفار للأصنام {جُندٌ} أعوان وشيعة {مُحْضَرُونَ} يخدمونهم ويذبون عنهم أو اتخذوهم لينصروهم عند الله ويشفعوا لهم والأمر على خلاف ماتوهموا حيث هم يوم القيامة جند معدون لهم محضرون لعذابهم لأنهم يجعلون وقود النار(3/112)
فَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ (76)
فَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ (76)
{فَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ} وبضم الياء وكسر الزاي نافع من حزنه وأحزنه يعني فلا يهمك تكذيبهم وأذاهم وجفاءهم {إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ} من عداوتهم {وَمَا يعلنون} وإنا مجازوهم عليه نحق مثلك أن يتسلى بهذا الوعيد ويستحضر في نفسه صورة حاله وحالهم في الآخرة حتى ينقشع عنه الهم ولا يرهقه الحزن ومن زعم أن من قرأ إِنا نعلم بالفتح فسدت صلاته وإن اعتقد معناه كفر فقد أخطأ لأنه يمكن حمله على حذف لام التعليل وهو كثير في القرآن والشعر وفي كل كلام وعليه تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الحمد(3/112)
والنعمة لك كسر أبو حنيفة وفتح الشافعي رحمة الله عليهما وكلاهما تعليل فإن قلت إن كان المفتوح بدلاً من قَوْلُهُمْ كأنه قيل فلا يحزنك أنا نعلم مايسرون وما يعلنون ففساده ظاهر قلت هذا المعنى قائم مع المكسورة إذا جعلتها مفعولة للقول فقد تبين أن تعلق الحزن بكون الله عالما وعدم تعلقه لا يدوران على كسران وفتحها وإنما يدوران على تقديرك فتفصل إن فتحت بأن تقدر معنى التعليل ولا تقدر معنى البدل كما أنك تفصل بتقدير معنى التعليل إذا كسرت ولا تقدره معنى المفعولية ثم إن قدرته كاسراً أو فاتحاً على ما عظم فيه الخطب ذلك القائل فما فيه إلا نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحزن على علمه تعالى بسرهم وعلانيتهم والنهي عن حزنه ليس إثباتاً لحزنه بذلك كما في قوله فَلاَ تَكُونَنَّ ظَهيراً للكافرين وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ المشركين وَلاَ تَدْعُ مَعَ الله إلها آخر ونزل في أبي بن خلف حين أخذ عظماً بالياً وجعل يفته بيده ويقول يا محمد أترى الله يحيى هذا بعد مارم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم ويبعثك ويدخلك جهنم(3/113)
أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (77)
أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (77)
{أَوَ لَمْ يَرَ الإنسان أَنَّا خلقناه مِن نطفة}
مذرة خارجة من الإحليل الذي هو قناة النجاسة {فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ} بين الخصومة أي فهو على مهانة أصله ودناءة أوله يتصدى لمخاصمة ربه وينكر قدرته على إحياء الميت بعد مارمت عظامه ثم يكون خصامه في ألزم وصف له وألصقه به وهو كونه منشأ من موات وهو ينكر إنشاءه من موات وهو غاية المكابرة(3/113)
وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78)
وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78)
{وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً} بفته العظم {وَنَسِىَ خَلْقَهُ} من المني فهو أغرب من إحياء العظم المصدر مضاف إلى المفعول أي خلقنا إياه قَالَ مَن يُحىِ العظام وَهِىَ رَمِيمٌ هو اسم لما بلي من العظام غير صفة كالرمة والرفات(3/113)
ولهذا لم يؤنث وقد وقع خبر المؤنث ومن يثبت الحياة في العظام ويقول إن عظام الميتة نجسة لأن الموت يؤثر فيها من قبل أن الحياة تحلها يتشبث بهذه الآية وهي عندنا طاهرة وكذا الشعر والعصب لأن الحياة لا تحلها فلا يؤثر فيها الموت والمراد بإحياء العظام في الآية ردها إلى ما كانت عليه غضة رطبة في بدن حي حساس(3/114)
قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (79)
قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (79)
{قُلْ يُحْيِيهَا الذى أَنشَأَهَا} خلقها {أَوَّلَ مَرَّةٍ} أي ابتداء {وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ} مخلوق {عَلِيمٌ} لا تخفى عليه أجزاؤه وإن تفرقت في البر والبحر فيجمعه ويعيده كما كان(3/114)
الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ (80)
الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ (80)
{الذى جَعَلَ لَكُم مِّنَ الشجر الأخضر نَاراً فَإِذَا أَنتُم مِّنْه تُوقِدُونَ} تقدحون ثم ذكر من بدائع خلقه انقداح النار من الشجر الأخضر مع مضادة النار الماء وانطفائها به وهي الزناد التي تورى بها الأعراب وأكثرها من المرخ والعفار وفى أمثالهم وفى كل شجر نار واستمجد المرخ والعفار لأن المرخ شجر سريع الوري والعفار شجر تقدح منه النار يقطع الرجل منهما غصنين مثل السواكين وهما خضراوان يقطر منهما الماء فيسحق المرخ وهو ذكر على العفار وهي أنثى فننقدح النار بإذن الله وعن ابن عباس رضى الله عنهما ليس من شجرة إلا وفيها النار إلا العناب لمصلحة الدق للثياب فمن قدر على جمع الماء والنار في الشجر قدر على المعاقبة بين الموت والحياة في البشر وإجراء أحد الضدين على الآخر بالتعقيب أسهل في العقل من الجمع معاً بلا ترتيب والأخضر على اللفظ وقريء الخضراء على المعنى ثم بين أن من قدر عل خلق السموات والأرض مع عظم شأنهما فهو على خلق الأناسيّ أقدر بقوله(3/114)
أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ (81)
أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ (81)
{أَوَ لَيْسَ الذى خَلَقَ السماوات والأرض بقادر على أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُم} في الصغر بالإضافة إلى السموات والأرض أو أن يعيدهم لأن المعاد مثل للمبتدأ(3/114)
وليس به {بلى} أي قل بلى هو قادر على ذلك {وَهُوَ الخلاق} الكثير المخلوقات {العليم} الكثير المعلومات(3/115)
إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (82)
إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (82)
{إِنَّمَا أَمْرُهُ} شأنه {إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَن يَقُولَ لَهُ كُن} أن يكونه {فَيَكُونُ} فيحدث أى فهو
يس (83)
الصافات (5 - 1)
فسبحن الذى بيده ملكوت كل شيء وإليه ترجعون
سورة الصافات
بسم الله الرحمن الرحيم {والصافات صفا فالزاجرات زجرا}
كائن موجود لا محالة فالحاصل أن المكونات بتخليقه وتكوينه ولكن عبر عن إيجاده بقوله كُن من غير أن كان منه كاف ونون وإنما هو بيان لسرعة الإيجاد كأنه يقول كما لا يثقل قول كن عليكم فكذا لا يثقل على الله ابتداء الخلق وإعادتهم فيكون شامي وعلي عطف على يقول وأما الرفع فلأنها جملة من مبتدأ وخبر لأن تقديرها فهو يكون معطوفة على مثلها وهي أمره أن يقول له كن(3/115)
فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (83)
فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (83)
{فسبحان} تنزيه مما وصفه به المشركون وتعجيب من أن يقولوا فيه ما قالوا {الذى بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَىْءٍ} أي ملك كل شيء وزيادة الواو والتاء للمبالغة يعني هو مالك كل شيء {وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} تعادون بعد الموت بلا فوت ترجعون يعقوب قال عليه الصلاة والسلام إن لكل شيء قلباً وإن قلب القرآن يس من قرأ يس يريد بها وجه الله غفر الله له وأعطي من الأجر كأنما قرأ القرآن اثنتين وعشرين مرة وقال عليه السلام من قرأ يس أمام حاجته قضيت له وقال عليه السلام من قرأها إن كان جائعاً أشبعه الله وإن كان ظمآن أرواه الله وإن كان عرياناً ألبسه الله وإن كان خائفاً أمنه الله وإن كان مستوحشاً آنسه الله وإن كان فقيراً أغناه الله وإن كان في السجن أخرجه الله وإن كان أسيراً خلصه الله وإن كان ضالاً هداه الله وإن كان مديوناً قضى الله دينه من خزائنه وتدعى الدافعة والقاضية تدفع عنه كل سوء وتقضي له كل حاجة والله اعلم(3/115)
سورة الصافات مكية وهى مائة واحدى أو اثنتان وثمانون آية
بسم الله الرحمن الرحيم(3/116)
وَالصَّافَّاتِ صَفًّا (1) فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا (2) فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا (3)
وَالصَّافَّاتِ صَفًّا (1) فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا (2) فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا (3)
{والصافات صفا فالزاجرات زَجْراً فالتاليات ذِكْراً} أقسم سبحانه وتعالى بطوائف الملائكة أو بنفوسهم الصافات أقدامها في الصلاة فالزاجرات السحاب سوقاً أو عن المعاصي بالإلهام فالتاليات لكلام الله من الكتب المنزلة وغيرها وهو قول ابن عباس وابن مسعود ومجاهد أو بنفوس العلماء العمال الصفات أقدامها في التهجد وسائر الصلوات فالزاجرات بالمواعظ والنصائح فالتاليات آيات الله والدارسات شرائعه أو بنفوس الغزاة في سبيل الله التي تصف الصفوف وتزجر الخيل للجهاد وتتلوا الذكر مع ذلك وصفا مصدر مؤكد وكذلك زَجْراً والفاء تدل على ترتيب الصفات في التفاضل فتفيد الفضل للصف ثم للزجر ثم للتلاوة أو على العكس وجواب القسم(3/116)
إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ (4)
إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ (4)
{إِنَّ إلهكم لَوَاحِدٌ} قيل هو جواب قولهم أجعل الآلهة إلها واحدا(3/116)
رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ (5)
رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ (5)
{رَبُّ السماوات والأرض} خبر بعد خبر أو خبر مبتدأ محذوف أي هو رب {وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ المشارق} أي مطالع الشمس وهي ثلثمائة وستون مشرقا وكذلك المغارب تشرق كل يوم في مشرق منها وتغرب في مغرب ولا تطلع ولا تغرب في واحد يومين وأما رب المشرقين ورب المغربين فإنه أراد مشرقي الصيف والشتاء ومغربيهما وأما
الصافات (11 - 6)
رب المشرق والمغرب فإنه أراد به الجهة فالمشرق جهه والمغرب جهة(3/117)
إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ (6)
إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ (6)
{إنا زينا السماء الدنيا} القربى منكم تأنيث الأدنى {بِزِينَةٍ الكواكب} حفص وحمزة على البدل من الزينة والمعنى إنا زينا السماء الدنيا بالكواكب بِزِينَةٍ الكواكب أبو بكر على البدل من محل بزينة أو على إضمار أعني أو على إعمال المصدر منوناً في المفعول بِزِينَة الكواكب غيرهم بإضافة المصدر إلى الفاعل أي بأن زانتها الكواكب وأصله بزينةٍ الكواكبُ أو على إضافته إلى المفعول أي بأن زان الله الكواكب وحسنها لأنها إنما زينت السماء لحسنها في أنفسها وأصله بِزِينَةٍ الكواكب لقراءة أبي بكر(3/117)
وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ (7)
وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ (7)
{وَحِفْظاً} محمول على المعنى لأن المعنى إنا خلقنا الكواكب زينة للسماء وحفظاً من الشياطين كما قال وَلَقَدْ زَيَّنَّا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوما للشياطين أو الفعل المعلل مقدر كأنه قيل وحفظاً من كل شيطان زيناها بالكواكب أو معناه حفظناها حفظاً {مِّن كُلِّ شيطان مَّارِدٍ} خارج من الطاعة والضمير فى(3/117)
لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ (8)
لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ (8)
{لاَ يَسَّمَّعُونَ} لكل شيطان لأنه في معنى الشياطين يَسَّمَّعون كوفي غير أبي بكر وأصله يتسمعون والتسمع تطلب السماع يقال تسمع فسمع أو فلم يسمع وينبغي أن يكون كلاماً منقطعاً مبتدأ اقتصاصاً لما عليه حال المسترقة للسمع وأنهم لا يقدرون أن يسمعوا إلى كلام الملائكة أو يتسمعوا وقيل أصله لئلا يسمعوا فحذفت اللام كما حذفت في جئتك أن تكرمني فبقي أن لا يسمعوا فحذفت أن وأهدر عملها كما في قوله(3/117)
ألا أبهذا الزاجري أحضر الوغى وفيه تعسف يجب صون القرآن عن مثله فإن كل واحد من الحرفين غير مردود على انفراده ولكن اجتماعهما منكر والفرق بين سمعت فلانا يتحدث وسمعت إليه يتحدث وسمعت حديثه وإلى حديثه أن المعدى بنفسه يفيد الإدراك والمعدى بالى يفيد الإصغاء مع الإدراك {إلى الملإ الأعلى} أى الملائكة لأنهم يسكنون السموات والإنس والجن هم الملأ الأسفل لأنهم سكان الأرض {وَيُقْذَفُونَ} يرمون بالشهب {مِن كُلِّ جَانِبٍ} من جميع جوانب السماء من أي جهة صعدوا للإسترقاق(3/118)
دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ (9)
دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ (9)
{دحورا} مفعول له أى يقذفون للدحور وهو الطرد أو مدحورين على الحال أو لأن القذف والطرد متقاربان في المعنى فكأنه قيل يدحرون أو قذفاً {وَلَهُمْ عَذابٌ وَاصِبٌ} دائم من الوصوب أي أنهم في الدنيا مرجومون بالشهب وقد أعد لهم في الآخرة نوع من العذاب دائم غير منقطع(3/118)
إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ (10)
إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ (10)
ومن في {إِلاَّ مَنْ} في محل الرفع بدل الواو في لا يسمعون أي لا يسمع الشياطين إلا الشيطان الذي {خَطِفَ الخطفة} أي سلب السلبة يعني أخذ شيئاً من كلامهم بسرعة {فَأَتْبَعَهُ} لحقه {شِهَابٌ} أي نجم رجم {ثاقب} مضىء(3/118)
فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمْ مَنْ خَلَقْنَا إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لَازِبٍ (11)
فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمْ مَنْ خَلَقْنَا إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لَازِبٍ (11)
{فاستفتهم} فاستخبر كفار مكة {أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً} أي أقوى خلقاً من قولهم شديد الخلق وفي خلقه شدة أو أصعب خلقاً وأشقه على معنى الرد
الصافات (21 - 11)
لإنكارهم البعث وأن من هان عليه خلق هذه الخلائق العظيمة ولم يصعب عليه اختراعها كان خلق البشر عليه أهون {أَم مَّنْ خلقنا} يريد ماذكر من خلائقه من الملائكة والسموات والأرض وما بينهما وجىء بمن تغليباً(3/118)
للعقلاء على غيرهم ويدل عليه قراءة من قرأ أم من عددنا بالتشديد والتخفيف {إِنَّا خلقناهم مِّن طِينٍ لاَّزِبٍ} لاصق أو لازم وقرىء به وهذا شهادة عليهم بالضعف لأن ما يصنع من الطين غير موصوف بالصلابة والقوة أو احتجاج عليهم بأن الطين اللازب الذي خلقوا منه تراب فمن أين استنكروا أن يخلقوا من تراب مثله حيث قالوا أئذا كنا تراباً وهذا المعنى يعضده ما يتلوه من ذكر إنكارهم البعث(3/119)
بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ (12)
بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ (12)
{بَلْ عَجِبْتَ} من تكذيبهم إياك {وَيَسْخُرُونَ} هم منك ومن تعجبك أو عجبت من إنكارهم البعث وهم يسخرون من أمر البعث بَلْ عَجِبْتَ حمزة وعلي أي استعظمت والعجب روعة تعتري الإنسان عند استعظام الشيء فجرد لمعنى الاستعظام في حقه تعالى لأنه لا يجوز عليه الروعة أو معناه قل يا محمد بل عجبت(3/119)
وَإِذَا ذُكِّرُوا لَا يَذْكُرُونَ (13)
وَإِذَا ذُكِّرُوا لَا يَذْكُرُونَ (13)
{وَإِذَا ذُكِّرُواْ لاَ يَذْكُرُونَ} ودأبهم أنهم إذا وعظوا بشيء لا يتعظون به(3/119)
وَإِذَا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ (14)
وَإِذَا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ (14)
{وإذا رأوا آية} معجزة كانشقاق القمر ونحوه {يَسْتَسْخِرُونَ} يستدعي بعضهم بعضاً أن يسخر منها أو يبالغون في السخرية(3/119)
وَقَالُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (15)
وَقَالُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (15)
{وقالوا إن هذا} ماهذا {إلا سحر مبين} ظاهر(3/119)
أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (16)
أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (16)
{أئذا} استفهام إنكار {متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمبعوثون} أى انبعث إذا كنا تراباا وعظاما(3/119)
أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ (17)
أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ (17)
{أوآباؤنا} معطوف على محل ان واسمها أو على الضمير في {مَّبْعُوثُونَ} والمعنى أيبعث أيضاً آباؤنا على زيادة الاستبعاد يعنون أنهم أقدم فبعثهم أبعد وأبطل أَو آباؤنا بسكون الواو مدني وشامي أي أيبعث واحد منا على المبالغة في الإنكار {الأولون} الأقدمون(3/119)
قُلْ نَعَمْ وَأَنْتُمْ دَاخِرُونَ (18)
قُلْ نَعَمْ وَأَنْتُمْ دَاخِرُونَ (18)
{قُلْ نَعَمْ} تبعثون نِعْم علي وهما لغتان {وَأَنتُمْ داخرون} صاغرون(3/119)
فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ يَنْظُرُونَ (19)
فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ يَنْظُرُونَ (19)
{فَإِنَّمَا هِىَ} جواب شرط مقدر تقديره إذا كان كذلك فما هي إلا {زَجْرَةٌ واحدة} وهى لا ترجع إلى شيء إنما هي مبهمة موضحها خبرها ويجوز فإنما البعثة زجرة واحدة وهي النفخة الثانية والزجرة الصيحة من قولك زجر الراعي الإبل أو الغنم إذا صاح عليهم {فإذا هم} أحياء بصراء {يَنَظُرُونَ} إلى سوء أعمالهم أو ينتظرون ما يحل بهم(3/120)
وَقَالُوا يَا وَيْلَنَا هَذَا يَوْمُ الدِّينِ (20)
وَقَالُوا يَا وَيْلَنَا هَذَا يَوْمُ الدِّينِ (20)
{وقالوا يا ويلنا} الويل كلمة يقولها القائل وقت الهلكة {هذا يَوْمُ الدين} أي اليوم الذي ندان فيه أي تجاري بأعمالنا(3/120)
هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (21)
هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (21)
{هذا يَوْمُ الفصل} يوم القضاء والفرق بين فرق الهدى والضلال {الذي كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ} ثم يحتمل أن يكون هذا يَوْمُ الدين إلى قوله احشروا من كلام الكفرة بعضهم مع بعض وأن يكون من كلام الملائكة لهم وأن يكون يا ويلنا هذا يوم الدين من كلام الكفرة وهذا
الصافات (35 - 22)
يَوْمُ الفصل من كلام الملائكة جواباً لهم(3/120)
احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ (22)
احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ (22)
{احشروا} خطاب الله للملائكة {الذين ظَلَمُواْ} كفروا {وأزواجهم} أي وأشباههم وقرناءهم من الشياطين أو نساءهم الكافرات والواو بمعنى مع وقيل للعطف وقرىء بالرفع عطفاً على الضمير في ظَلَمُواْ {وَمَا كَانُواْ يَعْبُدُونَ}(3/120)
مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ (23)
مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ (23)
{مِن دُونِ الله} أي الأصنام {فاهدوهم} دلوهم عن الأصمعي هديته في الدين هدىً وفي الطريق هداية {إلى صراط الجحيم} طريق النار(3/120)
وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ (24)
وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ (24)
{وقفوهم} احبسوهم {إنهم مسؤولون} عن أقوالهم وأفعالهم(3/120)
مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ (25)
مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ (25)
{مَا لَكُمْ لاَ تناصرون} أي لا ينصر بعضكم بعضاً وهذا توبيخ لهم بالعجز عن التناصر بعدما كانوا متناصرين في الدنيا وقيل هو جواب لأبي جهل حيث قال يوم بدر نحن جميع منتصر وهو في موضع النصب على الحال أى مالكم غير متناصرين(3/120)
بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ (26)
بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ (26)
{بَلْ هُمْ اليوم مُسْتَسْلِمُونَ} منقادون أو قد أسلم بعضهم بعضا وخذله عن عجز فكلهم مستسلم غير منتصر(3/121)
وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (27)
وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (27)
{وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ} أي التابع على المتبوع {يَتَسَآءَلُونَ} يتخاصمون(3/121)
قَالُوا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ (28)
قَالُوا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ (28)
{قَالُواْ} أي الأتباع للمتبوعين {إِنَّكُمْ كُنتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ اليمين} عن القوة والقهر إذ اليمين موصوفة بالقوة وبها يقع البطش أي أنكم تحملوننا على الضلال وتقسروننا عليه(3/121)
قَالُوا بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (29)
قَالُوا بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (29)
{قالوآ} أي الرؤساء {بَلْ لَّمْ تَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ} أي بل أبيتم أنتم الإيمان وأعرضتم عنه مع تمكنكم منه مختارين له على الكفر غير ملجئين(3/121)
وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بَلْ كُنْتُمْ قَوْمًا طَاغِينَ (30)
وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بَلْ كُنْتُمْ قَوْمًا طَاغِينَ (30)
{وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِّن سلطان} تسلط نسلبكم به تمكنكم واختياركم {بَلْ كُنتُمْ قَوْماً طاغين} بل كنتم قوماً مختارين الطغيان(3/121)
فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَا إِنَّا لَذَائِقُونَ (31)
فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَا إِنَّا لَذَائِقُونَ (31)
{فَحَقَّ عَلَيْنَا} فلزمنا جميعاً {قَوْلُ رَبِّنَآ إِنَّا لَذَآئِقُونَ} يعني وعيد الله بأنا ذائقون لعذابه لا ممحالة لعلمه بحالنا ولو حكى الوعيد كما هو لقال إنكم لذائقون ولكنه عدل به إلى لفظ المتكلم لأنهم متكلمون بذلك عن أنفسهم ونحوه قوله فقد زعمت هوازن قل مالي ولو حكى قولها لقال قل مالك(3/121)
فَأَغْوَيْنَاكُمْ إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ (32)
فَأَغْوَيْنَاكُمْ إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ (32)
{فأغويناكم} فدعوناكم إلى الغي {إِنَّا كُنَّا غاوين} فأردنا إغواءكم لتكونوا أمثالنا(3/121)
فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ (33)
فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ (33)
{فَإِنَّهُمْ} فإن الأتباع والمتبوعين جميعاً {يَوْمَئِذٍ} يوم القيامة {فِى العذاب مُشْتَرِكُونَ} كما كانوا مشتركين فى الغواية(3/121)
إِنَّا كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ (34)
إِنَّا كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ (34)
{إِنَّا كَذَلِكَ نَفْعَلُ بالمجرمين} أي بالمشركين إنا مثل ذلك الفعل نفعل بكل مجرم(3/122)
إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ (35)
إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ (35)
{إِنَّهُمْ كَانُواْ إِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ إله إلا الله يستكبرون} إنهم كانوا إذا
الصافات (50 - 36)
سمعوا بكلمة التوحيد استكبروا وأبوا إلا الشرك(3/122)
وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ (36)
وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ (36)
{ويقولون أئنا} بهمزتين شامي وكوفي {لتاركوا آلهتنا لشاعر مجنون} يعنون محمداً عليه السلام(3/122)
بَلْ جَاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ (37)
بَلْ جَاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ (37)
{بَلْ جَاء بالحق} رد على المشركين {وَصَدَّقَ المرسلين} كقوله مصدقا لما بين يديه(3/122)
إِنَّكُمْ لَذَائِقُو الْعَذَابِ الْأَلِيمِ (38)
إِنَّكُمْ لَذَائِقُو الْعَذَابِ الْأَلِيمِ (38)
{إِنَّكُمْ لَذَآئِقُوا العذاب الأليم}(3/122)
وَمَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (39)
وَمَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (39)
{وَمَا تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} بلا زيادة(3/122)
إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (40)
إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (40)
{إِلاَّ عِبَادَ الله المخلصين} بفتح اللام كوفي ومدني وكذا ما بعده أي لكن عباد الله على الاستثناء المنقطع(3/122)
أُولَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ (41) فَوَاكِهُ وَهُمْ مُكْرَمُونَ (42)
أُولَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ (41) فَوَاكِهُ وَهُمْ مُكْرَمُونَ (42)
{أُوْلَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَّعْلُومٌ فواكه} فسر الرزق المعلوم بالفواكه وهي كل ما يتلذذ به ولا يتقوت لحفظ الصحة يعني أن رزقهم كله فواكه لأنهم مستغنون عن حفظ الصحة بالأقوات لأن أجسادهم محكمة مخلوقة للأبد فما يأكلونه للتلذذ ويجوز أن يراد رزق معلوم منعوت بخصائص خلق عليها من طيب طعم ورائحة ولذة وحسن منظر وقيل معلوم الوقت كقوله ولهم رزقهم فيها بكرة وعشية والنفس إليه أسكن {وَهُم مُّكْرَمُونَ} منعمون(3/122)
فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (43)
فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (43)
{فِي جنات النعيم} يجوز أن يكون ظرفاً وأن يكون حالاً وأن يكون خبراً بعد خبر وكذا(3/122)
عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ (44)
عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ (44)
{على سُرُرٍ متقابلين} التقابل أتم للسرور وآنس(3/123)
يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (45)
يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (45)
{يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ} بغير همز أبو عمرو وحمزة في الوقف وغيرهما بالهمزة يقال للزجاجة فيها الخمر كأس وتسمى الخمر نفسها كأساً وعن الأخفش كل كأس في القرآن فهي الخمر وكذا فى تفسير ابن عباس رضى الله عنهما {مِّن مَّعِينٍ} من شراب معين أو من نهر معين وهو الجاري على وجه الأرض الظاهر للعيون وصف بما وصف به الماء لأنه يجري في الجنة في أنهار كما يجري الماء قال الله تعالى وأنهار مّنْ خمر(3/123)
بَيْضَاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ (46)
بَيْضَاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ (46)
{بَيْضَآءَ} صفة للكأس {لَذَّةٍ} وصفت باللذة كأنها نفس اللذة وعينها أو ذات لذة {لِلشَّارِبِينَ}(3/123)
لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ (47)
لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ (47)
{لاَ فِيهَا غَوْلٌ} أي لا تغتال عقولهم كخمور الدنيا وهو من غاله يغوله غولاً إذا أهلكه وأفسده {وَلاَ هُمْ عَنْهَا يُنزَفُونَ} يسكرون من نزف الشارب إذا ذهب عقله ويقال للسكران نزيف ومنزوف يُنزِفُونَ علي وحمزة أي لا يسكرون أو لا ينزِف شرابهم من أنزف الشارب إذا ذهب عقله أو شرابه(3/123)
وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ (48)
وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ (48)
{وَعِندَهُمْ قاصرات الطرف} قصرن أبصارهن على أزواجهن لا يمددن طرفاً إلى غيرهم {عِينٌ} جمع عيناء أي نجلاء واسعة العين(3/123)
كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ (49)
كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ (49)
{كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَّكْنُونٌ} مصون شبههن ببيض النعام المكنون في الصفاء وبها تشبه العرب النساء وتسميهن بيضات الخدور وعطف(3/123)
فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (50)
فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (50)
{فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ} يعني أهل الجنة {على بَعْضٍ يتساءلون} على(3/123)
يُطَافُ عَلَيْهِمْ والمعنى يشربون ويتحادثون على الشراب كعادة الشرب قال
الصافات (64 - 51)
{قائل منهم إني كان لي قرين} ... وما بقيت من اللذات إلا ... أحاديث الكرام على المدام ...
فيقبل بعضهم على بعض يتساءلون عما جرى لهم وعليهم في الدنيا إلا أنه جىء به ماضيا على ماعرف في اخباره(3/124)
قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ (51)
قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ (51)
{قَالَ قَآئِلٌ مِّنْهُمْ إِنِّى كَانَ لِى قَرِينٌ}(3/124)
يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ (52)
يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ (52)
{يقول أئنك} بهمزتين شامي وكوفي {لَمِنَ المصدقين} بيوم الدين(3/124)
أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَدِينُونَ (53)
أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَدِينُونَ (53)
{أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لَمَدِينُونَ} لمجزيون من الدين وهو الجزاء(3/124)
قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ (54)
قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ (54)
{قَالَ} ذلك القائل {هَلْ أَنتُمْ مُّطَّلِعُونَ} إلى النار لأريكم ذلك القرين قيل إن في الجنة كوى ينظر أهلها منها إلى أهل النار أو قال الله تعالى لأهل الجنة هل أنتم مطلعون إلى النار فتعلموا أين منزلتكم من منزلة أهل النار(3/124)
فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ (55)
فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ (55)
{فاطلع} المسلم {فرآه} أي قرينة {فِى سَوَآءِ الجحيم} في وسطها(3/124)
قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ (56)
قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ (56)
{قَالَ تالله إِن كِدتَّ لَتُرْدِينِ} إن مخففة من الثقيلة وهي تدخل على كاد كما تدخل على كان واللام هي الفارقة بينها وبين النافية والإرداء الإهلاك وبالياء في الحالين يعقوب(3/124)
وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (57)
وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (57)
{وَلَوْلاَ نِعْمَةُ رَبِّى} وهي العصمة والتوفيق في الاستمساك بعروة الإسلام {لَكُنتُ مِنَ المحضرين} من الذين أحضروا العذاب كما أحضرته أنت وأمثالك(3/124)
أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ (58) إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (59)
أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ (58) إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (59)
{أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ إِلاَّ مَوْتَتَنَا الأولى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ} الفاء للعطف على محذوف تقديره أنحن مخلدون منعمون فما نحن بميتين(3/124)
ولا معذبين والمعنى أن هذه حال المؤمنين وهو أن لا يذوقوا إلا الموتة الأولى بخلاف الكفار فإنهم فيما يتمنون فيه الموت كل ساعة وقيل لحكيم ما شر من الموت قال الذي يتمنى فيه الموت وهذا قول يقوله المؤمن تحدثا بنعمة الله بمسمع من قرينه ليكون توبيخاً له وزيادة تعذيب وموتتنا نصب على المصدر والاستثناء متصل تقديره ولا نموت إلا مرة أو منقطع وتقديره لكن الموتة الأولى قد كانت في الدنيا ثم قال لقرينه تقريعاً له(3/125)
إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (60)
إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (60)
{إِنَّ هذا} أي الأمر الذي نحن فيه {لهو الفوز العظيم} ثم قال الله عز وجل(3/125)
لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ (61)
لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ (61)
{لِمِثْلِ هذا فَلْيَعْمَلِ العاملون} وقيل هو أيضاً من كلامه(3/125)
أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ (62)
أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ (62)
{أذلك خَيْرٌ نُّزُلاً} تمييز {أَمْ شَجَرَةُ الزقوم} أي نعيم الجنة وما فيها من اللذات والطعام والشراب خير نزلاً أم شجرة الزقوم خير نزلا والنزل مايقام للنازل بالمكان من الرزق والزقوم شجر مر يكون بتهامة(3/125)
إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ (63)
إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ (63)
{إِنَّا جعلناها فِتْنَةً للظالمين} محنة وعذاباً لهم في الآخرة أو ابتلاء لهم في الدنيا وذلك أنهم قالوا كيف يكون في النار شجرة والنار تحرق الشجر فكذبوا(3/125)
إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ (64)
إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ (64)
{إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِى أَصْلِ الجحيم} قيل منبتها في قعر جهنم وأغصانها ترتفع إلى دركاتها(3/125)
طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ (65)
طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ (65)
{طلعها كأنه رؤوس الشياطين} الطلع للنخلة فاستعير لما طلع من شجرة الزقوم من حملها وشبه برؤوس الشياطين للدلالة على تناهيه في الكراهة وقبح المنظر هائلة جداً(3/125)
فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ (66)
فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ (66)
{فَإِنَّهُمْ لآكِلُونَ مِنْهَا} من الشجرة أي من طلعها {فَمَالِئُونَ(3/125)
مِنْهَا البطون} فمالئون بطونهم لما يغلبهم من الجوع الشديد(3/126)
ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ (67)
ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ (67)
{ثم إن لهم عليها} على أكلهم {لَشَوْباً} لخلطاً ولمزاجاً {مِّنْ حَمِيمٍ} ماء حار يستوي وجوههم ويقطع أمعائهم كما قال في صفة شراب أهل الجنة ومزاجه من تسنيم والمعنى ثم إنهم يملئون البطون من شجرة الزقوم وهو حار يحرق بطونهم ويعطشهم فلا يسقون إلا بعد ملى تعذيباً لهم بذلك العطش ثم يسقون ما هو أحر وهو الشراب المشوب بالحميم(3/126)
ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ (68)
ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ (68)
{ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لإِلَى الجحيم} أي أنهم يذهب بهم عن مقارهم ومنازلهم في الجحيم وهي الدركات التي أسكنوها إلى شجرة الزقوم فيأكلون إلى أن يمتلؤا ويسقون بعد ذلك ثم يرجعون إلى دركاتهم ومعنى التراخى فى ذلك ظاهر(3/126)
إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءَهُمْ ضَالِّينَ (69) فَهُمْ عَلَى آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ (70)
إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءَهُمْ ضَالِّينَ (69) فَهُمْ عَلَى آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ (70)
{إنهم ألفوا آباءهم ضالين فهم على آثارهم يُهْرَعُونَ} علل استحقاقهم للوقوع في تلك الشدائد بتقليد الآباء في الدين واتباعهم إياهم في الضلال وترك اتباع الدليل والإهراع: الإسراع الشديد كأنهم يحثون حثاً(3/126)
وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ (71)
وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ (71)
{وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ} قبل قومك قريش {أَكْثَرُ الأولين} يعني الأمم الخالية بالتقليد وترك النظر والتأمل(3/126)
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا فِيهِمْ مُنْذِرِينَ (72)
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا فِيهِمْ مُنْذِرِينَ (72)
{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا فِيهِمْ مُّنذِرِينَ} أنبياء حذروهم العواقب(3/126)
فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ (73)
فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ (73)
{فانظر كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المنذرين} أي الذين أنذروا وحذروا أي أهلكوا جميعاً(3/126)
إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (74)
إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (74)
{إِلاَّ عِبَادَ الله المخلصين} أي إلا الذين آمنوا منهم وأخلصوا لله دينهم أو أخلصهم الله لدينه على القراءتين(3/126)
وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ (75)
وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ (75)
ولما ذكر إرسال المنذرين في الأمم الخالية وسوء عاقبة المنذرين أتبع(3/126)
ذلك ذكر نوح ودعاءه إياه حين أيس من قومه بقوله {وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ} دعانا لننجيه من الغرق وقيل أريد به قوله أَنّى مَغْلُوبٌ فانتصر {فَلَنِعْمَ المجيبون} اللام الداخلة على نعم جواب قسم محذوف والمخصوص بالمدح محذوف وتقديره ولقد نادانا نوح فوالله لنعم المجيبون نحن والجمع دليل العظمة والكبرياء والمعنى إنا أجبناه أحسن الإجابة ونصرناه على أعدائه وانتقمنا منهم بأبلغ ما يكون(3/127)
وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (76)
وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (76)
{ونجيناه وَأَهْلَهُ} ومن آمن به وأولاده {مِنَ الكرب العظيم} وهو الفرق(3/127)
وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ (77)
وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ (77)
{وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الباقين} وقد فنى غيرهم قال قتادة الناس كلهم من ذرية نوح وكان لنوح عليه السلام ثلاة أولاد سام وهو أبو الحرب وفارس الروم وحام وهو أبو السودان من المشرق إلى المغرب
الصافات (89 - 78)
ويافث وهو أبو الترك ويأجوج ومأجوج(3/127)
وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (78)
وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (78)
{وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِى الآخرين} من الأمم هذه الكلمة وهي(3/127)
سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ (79)
سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ (79)
{سلام على نُوحٍ} يعني يسلمون عليه تسليماً ويدعون له وهو الكلام المحكي كقولك قرأت سورة أنزلناها {فِى العالمين} أي ثبت هذه التحية فيهم جميعاً يخلو أحد منهم كأنه قيل ثبت الله التسليم على نوح وأدامه في الملائكة والثقلين يسلمون عليه عن آخرهم(3/127)
إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (80)
إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (80)
{إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِى المحسنين} علل مجازاته بتلك التكرمة السنية بأنه كان محسناً(3/127)
إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (81)
إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (81)
{إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا المؤمنين} ثم علل كونه محسناً بأنه كان عبداً مؤمناً ليريك جلالة محل الإيمان وأنه القصارى من صفات المدح والتعظيم(3/127)
ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ (82)
ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ (82)
{ثم أغرقنا الآخرين} أى الكفرين(3/127)
وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ (83)
وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ (83)
{وَإِنَّ من شِيَعتِهِ لإبْراهِيمَ} أي من شيعة نوح أي ممن شايعه على أصول الدين أو شايعه على التصلب في دين الله ومصابرة المكذبين وكان بين نوح وإبراهيم ألفان وستمائة وأربعون سنة وما كان بينهما إلا نبيان هود وصالح(3/128)
إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (84)
إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (84)
{إِذْ جَاء رَبَّهُ} إذ تعلق بما في الشيعة من معنى المشايعة يعني وإن ممن شايعه على دينه وتقواه حين جاء ربه {بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} من الشرك أو من آفات القلوب لإبراهيم أو بمحذوف وهو اذكر ومعنى المجىء بقلبه ربه أنه أخلص الله قلبه وعلم الله ذلك منه فضرب المجيء مثلا لذلك(3/128)
إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ (85)
إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ (85)
{إِذْ} بدل من الأولى {قَالَ لأَِبِيهِ وَقَوْمِهِ ماذا تعبدون}(3/128)
أَئِفْكًا آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ (86)
أَئِفْكًا آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ (86)
{أئفكا آلهة دون الله تريدون} أثفكا مفعول له تقديره أترون آلهة من دون الله افكار وأنما قدم المفعول به على الفعل العناية وقدم المفعول له على المفعول به لأنه كان الأهم عنده أن يكافحهم بأنهم على إفك وباطل في شركهم ويجوز أن يكون إِفْكاً مفعولاً به أي أتريدون إفكاً ثم فسر الإفك بقوله آلِهَةً دُونَ الله على أنها إفك في نفسها أو حالاً أي أتريدون آلهة من دون الله آفكين(3/128)
فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (87)
فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (87)
{فَمَا ظَنُّكُم} أيّ شيء ظنكم {بِرَبِّ العالمين} وأنتم تعبدون غيره ومارفع بالابتداء والخبر ظنكم أو فما ظنكم به ماذا يفعل بكم وكيف يعاقبكم وقد عبدتم غيره وعلمتم أنه المنعم على الحقيقة فكان حقيقا بالعبادة(3/128)
فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ (88)
فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ (88)
{فَنَظَرَ نَظْرَةً فِى النجوم} أي نظر في النجوم رامياً ببصره إلى السماء متفكراً في نفسه كيف يحتال أو أراهم أنه ينظر في النجوم لاعتقادهم علم النجوم فأوهمهم أنه استدل بأمارة على أنه يسقم(3/128)
فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ (89)
فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ (89)
{فَقَالَ إِنِّى سَقِيمٌ} أي مشارف للسقم وهو الطاعون وكان أغلب(3/128)
الإسقام عليهم وكانوا يخافون العدوى ليتفرقوا عنه فهربوا منه إلى عيدهم وتركوه في بيت الأصنام ليس معه أحد ففعل بالأصنام مافعل وقالوا علم النجوم كان حقاً ثم نسخ الاشتغال بمعرفته والكذب حرام إلا إذا عرّض والذي قاله إبراهيم عليه السلام معراض من الكلام أي سأسقم أو من الموت في عنقه سقيم ومنه المثل كفى بالسلامة داء ومات رجل فجأة فقالوا مات وهو صحيح فقال أعرابي أصحيح مَن الموت في عنقه أو أراد إني سقيم النفس لكفركم كما يقال انا مريض القلب من
الصافات (102 - 90)
كذا(3/129)
فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ (90)
فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ (90)
{فَتَوَلَّوْاْ} فأعرضوا {عَنْهُ مُدْبِرِينَ} أي مولين الأدبار(3/129)
فَرَاغَ إِلَى آلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ (91)
فَرَاغَ إِلَى آلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ (91)
{فراغ إلى آلهتهم} فمال إليهم سراً {فَقَالَ} استهزاء {أَلآ تَأْكُلُونَ} وكان عندها طعام(3/129)
مَا لَكُمْ لَا تَنْطِقُونَ (92)
مَا لَكُمْ لَا تَنْطِقُونَ (92)
{مَا لَكُمْ لاَ تَنطِقُونَ} والجمع بالواو والنون لما أنه خاطبها خطاب من يعقل(3/129)
فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ (93)
فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ (93)
{فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً} فأقبل عليهم مستخفياً كأنه قال فضربهم ضرباً لأن راغ عليهم بمعنى ضربهم أو فراغ عليهم يضربهم ضرباً أي ضارباً {باليمين} أي ضرباً شديداً بالقوة لأن اليمين أقوى الجارحتين وأشدهما أو بالقوة والمتانة أو بسبب الحلف الذي سبق منه وهو قوله تالله لأكيدن أصنامكم(3/129)
فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ (94)
فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ (94)
{فَأَقْبَلُواْ إِلَيْهِ} إلى إبراهيم {يَزِفُّونَ} يسرعون من الزفيف وهو الإسراع يُزِفون حمزة من أزفّ إذا دخل في الزفيف إزفافاً فكأنه قد رآه بعضهم يكسرها وبعضهم لم يره فأقبل من رآه مسرعاً نحوه ثم جاء من لم يره يكسرها فقال لمن رآه من فعل هذا بآلهتنا إِنَّهُ لَمِنَ الظالمين فأجابوه على سبيل التعريض بقولهم سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إبراهيم ثم قالوا بأجمعهم نحن نعبدها وأنت تكسرها فأجابهم بقوله(3/129)
قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ (95)
قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ (95)
{قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ} بأيديكم(3/130)
وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ (96)
وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ (96)
{والله خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} وخلق ما تعملونه من الأصنام أو ما مصدرية أي وخلق أعمالكم وهو دليلنا في خلق الأفعال أي الله خالقكم وخالق أعمالكم فلم تعبدون غيره(3/130)
قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ (97)
قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ (97)
{قَالُواْ ابنوا لَهُ} أي لأجله {بنيانا} من الحجر طوله ثلاثون ذراعاً وعرضه عشرون ذراعاً {فَأَلْقُوهُ فِى الجحيم} في النار الشديدة وقيل كل نار بعضها فوق بعض فهي جحيم(3/130)
فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ (98)
فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ (98)
{فَأَرَادُواْ بِهِ كَيْداً} بإلقائه في النار {فجعلناهم الأسفلين} المقهورين عند الإلقاء فخرج من النار(3/130)
وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ (99)
وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ (99)
{وَقَالَ إِنِّى ذَاهِبٌ إلى رَبِّى} إلى موضع أمرني بالذهاب إليه {سَيَهْدِينِ} سيرشدني إلى ما فيه صلاحي في ديني ويعصمني ويوفقني سيهديني فيهما يعقوب(3/130)
رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ (100)
رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ (100)
{رَبِّ هَبْ لِى مِنَ الصالحين} بعض الصالحين يريد الولد لأن لفظ الهبة غلب في الولد(3/130)
فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ (101)
فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ (101)
{فبشرناه بغلام حَلِيمٍ} انطوت البشارة على ثلاث على أن الولد غلام ذكر وأنه يبلغ أوان الحلم لأن الصبي لا يوصف بالحلم وأنه يكون حليماً وأي حلم أعظم من حلمه حين عرض عليه أبوه الذبح فقال سَتَجِدُنِى إِن شَاء الله مِنَ الصابرين ثم استسلم لذلك(3/130)
فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (102)
فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (102)
{فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السعى} بلغ أن يسعى مع أبيه فى أشغاله وحوائجه ومعه لا يتعلق مبلغ لاقتضائه بلوغهما معا حد السعى ولا بالسعى لأن صلة المصدر لا تتقدم عليه فبقي أن يكون بياناً كأنه لما قال فَلَمَّا بَلَغَ السعى أي الحد الذي يقدر فيه على السعى قبل مع من قال مع أبيه(3/130)
وكان إذ ذاك ابن ثلاث عشرة سنة {قال يا بني} حفص والباقون بكسر الياء {إِنّى أرى فِى المنام أَنِّى أَذْبَحُكَ} وبفتح الياء فيهما حجازي وأبو عمرو قيل له في المنام اذبح
الصافات (107 - 102)
ابنك ورؤيا الأنبياء وحي كالوحي في اليقظة وإنما لم يقل رأيت لأنه رأى مرة بعد مرة فقد قيل رأى ليلة التروية كأن قائلاً يقول له إن الله يأمرك بذبح ابنك هذا فلما أصبح روّى في ذلك من الصباح إلى الرواح أمن الله هذا الحلم أم من الشيطان فمن ثَمَّ سمي يوم الترويه فلما أمسى رأى مثل ذلك فعرف أنه من الله فمن ثَمَّ سُمي يوم عرفة ثم رأى مثل ذلك في الليلة الثالثة فهم بنحره فسمى اليوم يوم النحر {فانظر مَاذَا ترى} من الرأي على وجه المشاورة لا من رؤية العين ولم يشاوره ليرجع إلى رأيه ومشورته ولكن ليعلم أيجزع أم يصبر تُرِى علي وحمزة أى ماذا تبصر من رأيك وتبديه {قال يا أبت افعل مَا تُؤمَرُ} أي ما تؤمر به وقرء به {سَتَجِدُنِى إِن شَآءَ الله مِنَ الصابرين} على الذبح رُوي أن الذبيح قال لأبيه يا أبت خذ بناصيتي واجلس بين كتفي حتى لا أوذيك إذا أصابتني الشفرة ولا تذبحني وأنت تنظر في وجهي عسى أن ترحمني واجعل وجهي إلى الأرض ويُروى اذبحني وأنا ساجد واقرأ على أمي السلام وإن رأيت أن ترد قميصي على أمي فافعل فإنه عسى أن يكون أسهل لها(3/131)
فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103)
فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103)
{فلما أسلما} انقاد الأمر الله وخضعا وعن قتادة أسلم هذا ابنه وهذا نفسه {وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ} صرعه على جبينه ووضع السكين على حلقه فلم يعمل ثم وضع السكين على قفاه فانقلب السكين ونودي يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا رُوي أن ذلك المكان عند الصخرة التي بمنى وجواب لما محذوف تقديره فلما أسلما وتله للجبين(3/131)
وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (105)
وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (105)
{وناديناه أن يا إبراهيم قَدْ صَدَّقْتَ الرؤيا} أي حققت ما أمرناك به في المنام من تسليم الولد للذبح كان ما كان مما ينطق به الحال ولا يحيط به الوصف من(3/131)
استبشارهما وحمدهما لله وشكرهما على ما أنعم به عليهما من دفع البلاء العظيم بعد حلولهما او الجواب قبلنا منه وناديناه معطوف عليه إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِى المحسنين تعليل لتخويل ما خولهما من الفرج بعد الشدة(3/132)
إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ (106)
إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ (106)
{إن هذا لهو البلاء المبين} الاختبار البين الذي يتميز فيه المخلصون من غيرهم أو المحنة البينة(3/132)
وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (107)
وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (107)
{وفديناه بذبح} هو ما بذبح وعن ابن عباس هو الكبش الذي قربه هابيل فقبل منه وكان يرعى في الجنة حتى فدي به إسماعيل وعنه لو تمت تلك الذبيحة لسارت سنة وذبح الناس أبناءهم {عظِيمٍ} ضخم الجثة سمين وهي السنة في الأضاحي ورُوي أنه هرب من إبراهيم عند الجمرة فرماه بسبع حصيات حتى أخذه فبقيت سنة في الرمي وروي أنه لما ذبحه قال جبريل الله أكبر الله أكبر فقال الذبيح لا إله إلا الله والله أكبر فقال إبراهيم الله أكبر ولله الحمد فبقي سنة وقد استشهد ابو حنيفة رضى الله عنه بهذه الآية فيمن نذر ذبح ولده أنه يلزمه ذبح شاة والأظهر أن الذبيح إسماعيل وهو قول أبي بكر وابن عباس وابن عمر وجماعة من التابعين رضى الله عنهم لقوله عليه السلام أنا ابن الذبيحين فأحدهما جده إسماعيل والآخر أبوه عبد الله وذلك أن عبد المطلب نذر إن بلغ بنوه عشرة أن يذبح آخر ولده تقرباً وكان عبد الله آخراً ففداه بمائة من الإبل
الصافات (113 - 108)
ولأن قرني الكبش كانا منوطين في الكعبة في أيدي بني إسماعيل إلى أن احترق البيت في زمن الحجاج وابن الزبير وعن الأصمعي أنه قال سألت أبا عمرو بن العلاء عن الذبيح فقال يا أصمعي أين عزب عنك عقلك ومتى كان اسحق بمكة وإنما كان إسماعيل بمكة وهو الذي بنى البيت مع أبيه والمنحر بمكة وعن علي وابن مسعود والعباس وجماعة من التابعين رضى الله عنهم أنه إسحق ويدل عليه كتاب يعقوب إلى يوسف(3/132)
عليهما السلام من يعقوب إسرائيل الله بن إسحق ذبيح الله بن إبراهيم خليل الله وإنما قيل وفديناه وإن كان الفادي إبراهيم عليه السلام والله تعالى هو المفتدى منه لأنه الآمر بالذبح لأنه تعالى وهب له الكبش ليفتدي به وههنا إشكال وهو أنه لا يخلوا إما أن يكون ما أتى به إبراهيم عليه السلام من بطحه على شقه وإمرار الشفرة على حلقه في حكم الذبح أم لا فإن كان في حكم الذبح فما معنى الفداء والفداء هوالتخليص من الذبح ببدل وإن لم يكن فما معنى قوله قَدْ صَدَّقْتَ الرؤيا وإنما كان يصدقها لو صح منه الذبح أصلاً أو بدلاً ولم يصح والجواب أنه عليه السلام قد بذل وسعه وفعل ما يفعل الذابح ولكن الله تعالى جاء بما منع الشفرة أن تمضي فيه وهذا لا يقدح في فعل إبراهيم ووهب الله له الكبش ليقيم ذبحه مقام تلك الحقيقة في نفس إسماعيل بدلاً منه وليس هذا بنسخ منه للحكم كما قال البعض بل ذلك الحكم كان ثابتاً إلا أن المحل الذي أضيف إليه لم يحله الحكم على طريق الفداء دون النسخ وكان ذلك ابتلاء ليستقر حكم الأمر عند المخاطب في آخر الحال على أن المبتغي منه في حق الولد أن يصير قرباناً بنسبة الحكم إليه مكرماً بالفداء الحاصل لمعرة الذبح مبتلى بالصبر والمجاهدة إلى حال المكاشفة وإنما النسخ بعد استقرار المراد بالأمر لا قبله وقد سمي فداء في الكتاب لا نسخا(3/133)
وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (108) سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ (109)
وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (108) سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ (109)
{وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِى الآخرين} ولا وقف عليه لأن {سلام على إبراهيم} مفعول وَتَرَكْنَا(3/133)
كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (110)
كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (110)
{كَذَلِكَ نَجْزِى المحسنين} ولم يقل إنا كذلك هنا كما في غيره لأنه قد سبق في هذه القصة فاستخف بطرحه اكتفاء بذكره مرة عن ذكره ثانية(3/133)
إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (111) وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (112)
إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (111) وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (112)
{إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا المؤمنين وبشرناه بإسحاق نَبِيّاً} حال مقدرة من اسحق ولا بد من تقدير مضاف محذوف أي وبشرناه بوجود(3/133)
إسحق نبياً أي بأن يوجد مقدرة نبوّته فالعامل في الحال الوجود لا البشارة {مِّنَ الصالحين} حال ثانية وورودها على سبيل الثناء لأن كل نبي لا بد وأن يكون من الصالحين(3/134)
وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ (113)
وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ (113)
{وباركنا عليه وعلى إسحاق} أى أفضلنا عليهما بركات الدين والدنيا وقيل باركنا على إبراهيم في أولاده وعلى إسحق بأن أخرجنا من صلبه ألف نبي أولهم يعقوب وآخرهم عيسى عليهم السلام {وَمِن ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ} مؤمن {وظالم لِّنَفْسِهِ} كافر {مُّبِينٌ} ظاهر أو محسن إلى الناس وظالم على نفسه بتعديه عن حدود الشرع وفيه تنبيه على أن الخبيث والطيب لا يجري أمرهما على العرق والعنصر فقد يلد البر الفاجر والفاجر البر وهذا مما يهدم أمر الطبائع والعناصر وعلى أن الظلم في أعقابهما لم يعد عليهما بعيب ولا نقيصة وأن المرء إنما يعاب بسوء فعله ويعاقب على ما اجترحت يداه لا على
الصافات (135 - 114)
ما وجد من أصله وفرعه(3/134)
وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ (114)
وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ (114)
{وَلَقَدْ مَنَنَّا} أنعمنا {على موسى وهارون} بالنبوة(3/134)
وَنَجَّيْنَاهُمَا وَقَوْمَهُمَا مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (115)
وَنَجَّيْنَاهُمَا وَقَوْمَهُمَا مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (115)
{ونجيناهما وَقَوْمَهُمَا} بني إسرائيل {مِنَ الكرب العظيم} من العرق أو من سلطان فرعون وقومه وغشمهم(3/134)
وَنَصَرْنَاهُمْ فَكَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ (116)
وَنَصَرْنَاهُمْ فَكَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ (116)
{ونصرناهم} أي موسى وهرون وقومهما {فَكَانُواْ هُمُ الغالبين} على فرعون وقومه(3/134)
وَآتَيْنَاهُمَا الْكِتَابَ الْمُسْتَبِينَ (117)
وَآتَيْنَاهُمَا الْكِتَابَ الْمُسْتَبِينَ (117)
{وآتيناهما الكتاب المستبين} البليغ في بيانه وهو التوراة(3/134)
وَهَدَيْنَاهُمَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (118)
وَهَدَيْنَاهُمَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (118)
{وهديناهما الصراط المستقيم} صراط أهل الإسلام وهي صراط الذين أنعم الله عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين(3/134)
وَتَرَكْنَا عَلَيْهِمَا فِي الْآخِرِينَ (119) سَلَامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ (120) إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (121) إِنَّهُمَا مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (122)
وَتَرَكْنَا عَلَيْهِمَا فِي الْآخِرِينَ (119) سَلَامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ (120) إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (121) إِنَّهُمَا مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (122)
{وَتَرَكْنَا عَلَيْهِمَا فِى الآخرين سلام على موسى وهارون إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِى المحسنين إِنَّهُمَا مِنْ عبادنا المؤمنين}(3/135)
وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (123)
وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (123)
{وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ المرسلين} هو إلياس بن ياسين من ولد هرون أخي موسى وقيل هو إدريس النبي عليه السلام وقرأ ابن مسعود رضى الله عنه وَإِنْ إِدْرِيسَ في موضع إلياس(3/135)
إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلَا تَتَّقُونَ (124)
إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلَا تَتَّقُونَ (124)
{إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلاَ تَتَّقُونَ} ألا تخافون الله(3/135)
أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ (125)
أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ (125)
{أَتَدْعُونَ} أتعبدون {بَعْلاً} هو علم لصنم كان من ذهب وكان طوله عشرين ذراعاً وله أربعة أوجه فتنوا به وعظموه حتى أخدموه أربعمائة سادن وجعلوهم أنبياء وكان موضعه يقال له بك فركب وصار بعلبك وهو من بلاد الشأم وقيل في إلياس والخضر إنهما حيان وقيل إلياس وكل بالفيافي كما وكل الخضر بالبحار والحسن يقول قد هلك إلياس والخضر ولا تقول كما يقول الناس إنهما حيان {وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الخالقين} وتتركون عبادة الله الذى هو أحسن المقدرين(3/135)
اللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (126)
اللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (126)
{الله ربكم ورب آبائكم الأولين} بنصب الكل عراقى عير أبي بكر وأبي عمرو على البدل من أحسن وغيرهم بالرفع على الابتداء(3/135)
فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ (127)
فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ (127)
{فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ} في النار(3/135)
إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (128)
إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (128)
{إِلاَّ عِبَادَ الله المخلصين} من قومه(3/135)
وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (129)
وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (129)
{وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِى الآخرين}(3/135)
سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ (130)
سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ (130)
{سلام على إِلْ يَاسِينَ} أي إلياس وقومه المؤمنين كقولهم الخبيبون يعني أبا خبيب عبد الله بن الزبير وقومه آلْ يَاسِينَ شامي ونافع لأن ياسين اسم أبي إلياس فأضيف إليه الآل(3/135)
إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (131)
إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (131)
{إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِى المحسنين}(3/136)
إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (132)
إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (132)
{إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا المؤمنين}(3/136)
وَإِنَّ لُوطًا لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (133)
وَإِنَّ لُوطًا لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (133)
{وَإِنَّ لُوطاً لَّمِنَ المرسلين}(3/136)
إِذْ نَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ (134)
إِذْ نَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ (134)
{إِذْ نجيناه وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ}(3/136)
إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ (135)
إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ (135)
{إِلاَّ عَجُوزاً فِى الغابرين} في الباقين(3/136)
ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ (136)
ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ (136)
{ثُمَّ دمرنا} أهلكنا
الصافات (147 - 136)
{الآخرين}(3/136)
وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ (137)
وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ (137)
{وَإِنَّكُمْ} يا أهل مكة {لَّتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُّصْبِحِينَ} داخلين فى الصباح(3/136)
وَبِاللَّيْلِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (138)
وَبِاللَّيْلِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (138)
{وبالليل} والوقف عليه مطلق {أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} يعني تمرون على منازلهم في متاجركم إلى الشأم ليلاً ونهاراً فما فيكم عقول تعتبرون بها وإنما لم يختم قصة لوط ويونس بالسلام كما ختم قصة من قبلهما لأن الله تعالى قد سلم على جميع المرسلين في آخر السورة فاكتفي بذلك عن ذكر كل واحد منفردا بالسلام(3/136)
وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (139)
وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (139)
{وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ المرسلين}(3/136)
إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (140)
إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (140)
{إِذْ أَبَقَ} الإباق الهرب إلى حيث لا يهتدي إليه الطلب فسمى هربه من قومه بغير إذن ربه إباقاً مجازاً {إِلَى الفلك المشحون} المملوء وكان يونس عليه السلام وعد قومه العذاب فلما تأخر العذاب عنهم خرج كالمستور منهم فقصد البحر وركب السفينة فوقفت فقالوا ههنا عبد آبق من سيده وفيما يزعم البحارون أن السفينة إذا كان فيها آبق لم تجر فاقترعوا فخرجت القرعة على يونس فقال أنا الآبق وزج بنفسه في الماء فذلك قوله(3/136)
فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ (141)
فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ (141)
{فساهم} فقارعهم مرة أو ثلاثاً بالسهام والمساهمة إلقاء السهام على جهة القرعة {فَكَانَ مِنَ المدحضين} المغلوبين بالقرعة(3/136)
فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ (142)
فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ (142)
{فالتقمه الحوت} فابتلعه {وَهُوَ مُلِيمٌ} داخل في الملامة(3/136)
فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ (143)
فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ (143)
{فَلَوْلاَ أَنَّهُ كَانَ مِنَ المسبحين} من الذاكرين الله كثيراً بالتسبيح أو(3/136)
من القائلين لاَّ إله إِلاَّ أَنتَ سبحانك إِنّى كُنتُ مِنَ الظالمين أو من المصلين قبل ذلك وعن ابن عباس رضى الله عنهما كل تسبيح في القرآن فهو صلاة ويقال إن العمل الصالح يرفع صاحبه إذا عثر(3/137)
لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (144)
لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (144)
{لَلَبِثَ فِى بَطْنِهِ إلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} الظاهر لبثه حياً إلى يوم البعث وعن قتادة لكان بطن الحوت له قبراً إلى يوم القيامة ود لبث في بطنه ثلاثة أيام أو سبعة أو أربعين يوماً وعن الشعبي التقمه ضحوة ولفظه عشية(3/137)
فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ (145)
فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ (145)
{فنبذناه بالعراء} فألقيناه بالمكان الخالي الذي لا شجر فيه ولا نبات {وَهُوَ سَقِيمٌ} عليل مما ناله من التقام الحوت ورُوي أنه عاد بدنه كبدن الصبي حين يولد(3/137)
وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ (146)
وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ (146)
{وَأَنبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً} أي أنبتناها فوقه مظلة له كما يطنّب البيت على الإنسان {مِّن يَقْطِينٍ} الجمهور على أنه القرع وفائدته أن الذباب لا يجتمع عنده وأنه أسرع الأشجار نباتا وامتدادا وارتفاعا وقيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم إنك لتحب القرع قال أجل هي شجرة أخى يونس(3/137)
وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ (147)
وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ (147)
{وأرسلناه إلى مِاْئَةِ أَلْفٍ} المراد به القوم الذين بعث إليهم قبل الالتقام فتكون قد مضمرة {أَوْ يَزِيدُونَ} في مرأى الناظر أي إذا رآها الرائي قال هي مائة ألف أو أكثر وقال الزجاج قال غير واحد معناه بل يزيدون قال ذلك الفراء وأبو عبيدة ونقل عن ابن عباس كذلك(3/137)
فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ (148)
فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ (148)
{فآمنوا} به وبما أرسل به {فمتعناهم إلى حِينٍ}
{فاستفتهم ألربك البنات ولهم البنون} {إلى حِينٍ} إلى منتهى آجالهم(3/137)
فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ (149)
فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ (149)
{فاستفتهم أَلِرَبِّكَ البنات وَلَهُمُ البنون} معطوف على مثله في أول السورة أي على فاستفتهم أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً وإن تباعدت(3/137)
بينهما المسافة أمر رسول الله باستفتاء قريش عن وجه إنكار البعث أولاً ثم ساق الكلام موصولاً بعضه ببعض ثم أمره باستفتائهم عن وجه القسمة الضيزى التي قسموها حيث جعلوا لله تعالى الإناث ولأنفسهم الذكور في قولهم الملائكة بنات الله مع كراهتهم الشديدة لهن ووأدهم واستنكافهم من ذكرهن(3/138)
أَمْ خَلَقْنَا الْمَلَائِكَةَ إِنَاثًا وَهُمْ شَاهِدُونَ (150)
أَمْ خَلَقْنَا الْمَلَائِكَةَ إِنَاثًا وَهُمْ شَاهِدُونَ (150)
{أَمْ خَلَقْنَا الملائكة إناثا وَهُمْ شاهدون} حاضرون تخصيص علمهم بالمشاهدة استهزاء بهم وتجهيل لهم لأنهم كما لم يعلموا ذلك مشاهدة لم يعلموه بخلق الله علمه في قلوبهم ولا بإخبار صادق ولا بطريق استدلال ونظر أو معناه أنهم يقولون ذلك عن طمأنينة نفس لإفراط جهلهم كأنهم شاهدوا خلقهم(3/138)
أَلَا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ (151) وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (152)
أَلَا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ (151) وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (152)
{أَلاَ إِنَّهُم مِّنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ وَلَدَ الله وَإِنَّهُمْ لكاذبون} في قولهم(3/138)
أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ (153)
أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ (153)
{أَصْطَفَى البنات على البنين} بفتح الهمزة للاستفهام وهو استفهام توبيخ وحذفت همزة الوصل استغناء عنها بهمزة الاستفهام(3/138)
مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (154)
مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (154)
{مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} هذا الحكم الفاسد(3/138)
أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (155)
أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (155)
{أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ} بالتخفيف حمزة وعلي وحفص(3/138)
أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُبِينٌ (156)
أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُبِينٌ (156)
{أَمْ لَكُمْ سلطان مُّبِينٌ} حجة نزلت عليكم من السماء بأن الملائكة بنات الله(3/138)
فَأْتُوا بِكِتَابِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (157)
فَأْتُوا بِكِتَابِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (157)
{فَأْتُواْ بكتابكم} الذي أنزل عليكم {إِن كُنتُمْ صادقين} في دعواكم(3/138)
وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ (158)
وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ (158)
{وَجَعَلُواْ بَيْنَهُ} بين الله {وَبَيْنَ الجنة} الملائكة لاستتارهم {نَسَباً} وهو زعمهم أنهم بناته أو قالوا إن إن الله تزوج من الجن فولدت له الملائكة وَلَقَدْ عَلِمَتِ الجنة إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ ولقد علمت الملائكة إن الذين قالوا هذا القول لمحضرون في النار(3/138)
سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (159)
سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (159)
{سبحان الله عَمَّا يَصِفُونَ} نزه نفسه عن الولد والصاحبة(3/139)
إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (160)
إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (160)
{إِلاَّ عِبَادَ الله المخلصين} استثناء منقطع من المحضرين معناه ولكن المخلصين ناجون من النار وسبحان الله اعتراض بين الاستثناء وبين ما وقع منه ويجوز أن يقع الاستثناء من واو يَصِفُونَ أي يصفه هؤلاء بذلك ولكن المخلصون براء من أن يصفوه به(3/139)
فَإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ (161)
فَإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ (161)
{فَإِنَّكُمْ} يا أهل مكة {وَمَا تَعْبُدُونَ} ومعبوديكم(3/139)
مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ (162)
مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ (162)
{مَآ أَنتُمْ} وهم جميعاً {عَلَيْهِ} على الله {بفاتنين} بمضلين(3/139)
إِلَّا مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ (163)
إِلَّا مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ (163)
{إِلاَّ مَنْ هُوَ صَالِ الجحيم} بكسر اللام أي لستم تضلون أحداً إلا أصحاب النار الذين سبق في علمه أنهم بسوء أعمالهم يستوجبون أن يصلوها
الصافات (173 - 164)
يقال فتن فلان على فلان امرأته كما تقول أفسدها عليه وقال الحسن فإنكم أيها القائلون بهذا القول والذي تعبدونه من الأصنام ما أنتم على عبادة الأوثان بمضلين أحداً إلا من قدر عليه أن يصلى الجحيم أي يدخل النار وقيل ما أنتم بمضلين إلا من أوجبت عليه الضلال في السابقة وما في ما أنتم نافية ومن فى موضع النصب بفاتنين وقرأ الحسن صالُ الجحيم بضم اللام ووجهه أن يكون جمعا فحذفت النون للاضافة وحذفت الواو لالتقاء الساكنين هي واللام في الجحيم ومن موحد اللفظ مجموع المعنى فحمل هو على لفظه والصالون على معناه(3/139)
وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ (164)
وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ (164)
{وَمَا مِنَّا} أحد {إِلاَّ لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ} في العبادة لا يتجاوزه فحذف الموصوف وأقيمت الصفة مقامه(3/139)
وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ (165)
وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ (165)
{وَإِنَّا لَنَحْنُ الصآفون} نصف أقدامنا في الصلاة أو نصف حول العرش داعين للمؤمنين(3/139)
وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ (166)
وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ (166)
{وَإِنَّا لَنَحْنُ المسبحون} المنزهون أو المصلون والوجه أن يكون هذا(3/139)
وما قبله من قوله سبحان الله عَمَّا يَصِفُونَ من كلام الملائكة حتى يتصل بذكرهم في قوله وَلَقَدْ عَلِمَتِ الجنة كأنه قيل ولقد علم الملائكة وشهدوا أن المشركين مفترون عليهم في مناسبة رب العزة وقالوا سبحان الله فنزهوه عن ذلك واستثنوا عباد الله المخلصين وبرؤهم منه وقالوا للكفرة فإذا صح ذلك فإنكم وآلهتكم لا تقدرون أن تفتنوا على الله أحداً من خلقه وتضلوه إلا من كان من أهل النار وكيف نكون مناسبين لرب العزة وما نحن إلا عبيد أذلاء بين يديه لكل منا مقام معلوم من الطاعة لا يستطيع أن يزل عنه ظفراً خشوعاً لعظمته ونحن الصافون أقدامنا لعبادته مسبحين ممجدين كما يجب على العباد لربهم وقيل هو من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني وما من المسلمين أحد إلا له مقام معلوم يوم القيامة على قدر عمله من قوله تعالى عسى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مقاما ممحمودا ثم ذكر أعمالهم وأنهم الذين يصطفون في الصلاة ويسبحون الله وينزهونه عما لا يجوز عليه(3/140)
وَإِنْ كَانُوا لَيَقُولُونَ (167)
وَإِنْ كَانُوا لَيَقُولُونَ (167)
{وإن كانوا ليقولون} أى مشركوا قريش قبل مبعثه عليه السلام(3/140)
لَوْ أَنَّ عِنْدَنَا ذِكْرًا مِنَ الْأَوَّلِينَ (168)
لَوْ أَنَّ عِنْدَنَا ذِكْرًا مِنَ الْأَوَّلِينَ (168)
{لَوْ أَنَّ عِندَنَا ذِكْراً مّنَ الأولين} أي كتاباً من كتب الأولين الذين نزل عليهم التوراة والإنجييل(3/140)
لَكُنَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (169)
لَكُنَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (169)
{لَكُنَّا عِبَادَ الله المخلصين} لأخلصنا العبادة لله ولما كذبنا كما كذبوا ولما خالفنا كما خالفوا فجاءهم الذكر الذي هو سيد الأذكار والكتاب الذي هو معجز من بين الكتب(3/140)
فَكَفَرُوا بِهِ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (170)
فَكَفَرُوا بِهِ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (170)
{فَكَفَرُواْ بِهِ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} مغبة تكذيبهم وما يحل بهم من الانتقام وان مخففة من الثقيلة واللام هي الفارقة وفي ذلك أنهم كانوا يقولونه مؤكدين للقول جادين فيه فكم بين أول أمرهم وآخره(3/140)
وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (171)
وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (171)
{وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا المرسلين} الكلمة قوله(3/140)
إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ (172) وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ (173)
إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ (172) وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ (173)
{إِنَّهُمْ لَهُمُ المنصورون وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الغالبون} وإنما سماها كلمة وهي كلمات لأنها لما انتظمت في معنى واحد كانت في حكم كلمة مفردة والمراد الوعد بعلوهم على عدوهم فى مقام
الصافات (182 - 174
الحجاج وملاحم القتال في الدنيا وعلوهم عليهم في(3/140)
الآخرة وعن الحسن ما غلب نبي فى حرب وعن ابن عباس رضى الله عنهما إن لم ينصروا في الدنيا نصروا في العقبى والحاصل أن قاعدة أمرهم وأساسه والغالب منه الظفر والنصرة وإن وقع في تضاعيف ذلك شوب من الابتلاء والمحنة والعبرة للغالب(3/141)
فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ (174)
فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ (174)
{فَتَوَلَّ عَنْهُمْ} فأعرض عنهم {حتى حِينٍ} إلى مدة يسيرة وهي المدة التي أمهلوا فيها أو إلى يوم بدر أو إلى فتح مكة(3/141)
وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ (175)
وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ (175)
{وَأَبصِرْهُمْ} أي أبصر ما ينالهم يومئذ {فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ} ذلك وهو للوعيد لا للتبعيد أو انظر إليهم إذا عذبوا فسوف يبصرون ما أنكروا أو أعلمهم فسوف يعلمون(3/141)
أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ (176)
أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ (176)
{أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ} قبل حينه(3/141)
فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ (177)
فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ (177)
{فَإِذَا نَزَلَ} العذاب {بِسَاحَتِهِمْ} بفنائهم {فَسَآءَ صَبَاحُ المنذرين} صباحهم واللام في المنذرين مبهم في جنس من أنذروا لأن ساء وبئس يقتضيان ذلك وقيل هو نزول رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح بمكة مثّل العذاب النازل بهم بعدما أنذروه فأنكروه بجيش أنذر بهجومه قومه بعض نصّاحهم فلم يلتفتوا إلى إنذاره حتى أناخ بفنائهم بغتة فشن عليهم الغارة وكانت عادة مغاويرهم أن يغيروا صباحاً فسميت الغارة صباحاً وإن وقعت في وقت آخر(3/141)
وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ (178) وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ (179)
وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ (178) وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ (179)
{وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حتى حِينٍ وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ} وإنما ثنى ليكون تسلية على تسلية وتأكيداً لوقوع الميعاد إلى تأكيد وفيه فائدة زائدة وهي إطلاق الفعلين معاً عن التقييد بالمفعول وأنه يبصر وهم يبصرون ما لا يحيط به الذكر من صنوف المسرة وأنواع المساءة وقيل أريد بأحدهما عذاب الدنيا وبالآخرة عذاب الآخرة(3/141)
سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (180)
سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (180)
{سبحان رَبِّكَ رَبِّ العزة} أضيف الرب إلى العزة لاختصاصه بها كأنه(3/141)
قيل ذو العزة كما تقول صاحب صدق لاختصاصه بالصدق ويجوز أن يراد أنه ما من عزة لأحد إلا وهو ربها ومالكها كقوله نعز من نشاء {عَمَّا يَصِفُونَ} من الولد والصاحبة والشريك(3/142)
وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (181)
وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (181)
{وسلام على المرسلين} عم الرسل بالسلام بعد ما خص البعض في السورة لأن في تخصيص كل بالذكر تطويلاً(3/142)
وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (182)
وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (182)
{والحمد للَّهِ رَبِّ العالمين} على هلاك الأعداء ونصرة الأنبياء اشتملت السورة على ذكر ما قاله المشركون في الله ونسبوه إليه مما هو منزه عنه وما عاناه المرسلون من جهتهم وما خولوه في العاقبة من النصرة عليهم فختمها بجوامع ذلك من تنزيه ذاته عما وصفه به المشركون والتسليم على المرسلين والحمد لله رب العالمين على ما قيض لهم من حسن العواقب والمراد تعليم المؤمنين أن يقولوا ذلك ولا يخلّوا به ولا يغفلوا عن مضمنات كتابه الكريم ومودعات قرآنه المجيد وعن على رضى الله عنه من أحب أن يكتال بالمكيال الأوفى من الأجر يوم القيامة فليكن آخر كلامه إذا قام من مجلسه سبحان رَبّكَ رَبّ العزة عَمَّا يَصِفُونَ وسلام على المرسلين والحمد للَّهِ رب العالمين(3/142)
ص (5 - 1)
ص
بسم الله الرحمن الرحيم {ص والقرآن ذي الذكر بل الذين كفروا في عزة وشقاق {
سورة ص مكية وهى ثمان وثمانون آية كوفى وتسع بصرى وست مدنى
بسم الله الرحمن الرحيم(3/143)
ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ (1)
ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ (1)
{ص} ذكر هذا الحرف من حروف المعجم على سبيل التحدي والتنبيه على الإعجاز ثم أتبعه القسم محذوف الجواب لدلالة التحدي عليه كأنه قال {والقرآن ذِى الذكر} أي ذي الشرف إنه لكلام معجز ويجوز أن يكون ص خبر مبتدأ محذوف على أنه اسم للسورة كأنه قال هذه ص أي هذه السورة التي أعجزت العرب والقرآن ذي الذكر كما تقول هذا حاتم والله تريد هذا المشهور بالسخاء والله وكذلك إذا أقسم بها كأنه قال أقسمت بص والقرآن ذِى الذكر إنه لمعجز ثم قال(3/143)
بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ (2)
بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ (2)
{بَلِ الذين كَفَرُواْ فِى عِزَّةٍ} تكبر عن الاذعان لذلك والاعتراف بالحق {وشقاق} خلاف الله ولرسوله والتنكير في عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ للدلالة على شدتهما وتفاقمهما وقرىء فى عزة أي في غفلة عما يجب عليهم من النظر واتباع الحق(3/143)
كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنَادَوْا وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ (3)
كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنَادَوْا وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ (3)
{كَمْ أَهْلَكْنَا} وعيد لذوي العزة والشقاق {مِن قَبْلِهِمُ} من قبل قومك {مِّن قَرْنٍ} من أمة {فَنَادَوْاْ} فدعوا واستغاثوا حين رأوا العذاب {ولات} هى(3/143)
لا المشبهة بليس زيدت عليها تاء التأنيث كما زيدت على رب وثم للتوكيد وتغير بذلك حكمها حيث لم تدخل إلا على الأحيان ولم يبرز إلا أحد مقتضييها إما الاسم أو الخبر وامتنع بروزهما جميعاً وهذا مذهب الخليل وسيبويه وعند الأخفش أنها لا النافية للجنس زيدت عليها التاء وخصت بنفي الأحيان وقوله {حِينَ مَنَاصٍ} منجا منصوب بها كأنك قلت ولا حين مناص لهم وعندهما أن النصب على تقدير ولات حين مناص أي وليس الحين حين مناص(3/144)
وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ (4) أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ (5)
وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ (4) أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ (5)
{وَعَجِبُواْ أَن جَآءَهُم} من أن جاءهم {مُّنذِرٌ منهم} رسول من أنفسهم بنذرهم يعني استبعدوا أن يكون النبي من البشر {وَقَالَ الكافرون هذا ساحر كَذَّابٌ أَجَعَلَ الآلهة إلها واحدا إِنَّ هذا لَشَىْءٌ عُجَابٌ} ولم يقل وقالوا إظهار للغضب عليهم ودلالة على أن هذا القول لا يجسر عليه إلا الكافرون المتوغلون في الكفر المنهمكون في الغي إذ لا كفر أبلغ من أن يسموا من صدّقه الله كاذباً ساحراً ويتعجبوا من التوحيد وهو الحق الأبلج ولا يتعجبوا من الشرك وهو باطل لجلج وروى أن عمر رضى الله عنه لما أسلم فرح به المؤمنون وشق على قريش فاجتمع خمسة وعشرون نفساً من صناديدهم ومشوا إلى أبي طالب وقالوا أنت كبيرنا وقد علمت ما فعل هؤلاء السفهاء يريدون الذين دخلوا في الإسلام وجئناك لتقضي بيننا وبين ابن أخيك فاستحضر أبو طالب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا ابن أخي هؤلاء قومك يسألونك
ص (10 - 6)
السواء فلا تمل كل الميل على قومك فقال عليه السلام ماذا يسألونني فقالوا ارفضنا وارفض ذكر آلهتنا وندعك وإلهك فقال عليه السلام أتعطوني كلمة واحدة تملكون بها العرب وتدين لكم بها العجم قالوا نعم وعشراً أي نعطيكها وعشر كلمات معها فقال قولوا لا إله إلا الله فقاموا وقالوا أَجَعَلَ الآلهة إلها واحدا أي أصيّر إِنَّ هذا الشىء عُجَابٌ أي(3/144)
بليغ في العجب وقيل العجيب ماله مثل والعجاب مالا مثل له(3/145)
وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ (6)
وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ (6)
{وانطلق الملأ مِنْهُمْ أَنِ امشوا} وانطلق أشراف قريش عن مجلس أبي طالب بعد ما بكتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجواب العتيد قائلين بعضهم لبعض أَنِ امشوا وأن بمعنى أي لأن المنطلقين عن مجلس التقاول لابد لهم من أن يتكلموا ويتفاوضوا فيما جرى لهم فكان انطلاقهم متضمناً معنى القول {وَاْصْبِرُواْ على} عبادة {آلهتكم إِنَّ هذا} الأمر {لَشَىْءٌ يُرَادُ} أي يريده الله تعالى ويحكم بإمضائه فلا مرد له ولا ينفع فيه إلا الصبر أو إن هذا الأمر لشيء من نوائب الدهر يراد بنا فلا انفكاك لنا منه(3/145)
مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ (7)
مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ (7)
{ما سمعنا بهذا} التوحيد {فِى الملة الآخرة} في ملة عيسى التي هي آخر الملل لأن النصارى مثلثه غير موحدة أو في ملة قريش التي أدركنا عليها آباءنا {إن هذا} ماهذا {إِلاَّ اختلاق} كذب اختلقه محمد من تلقاء نفسه(3/145)
أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ (8)
أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ (8)
{أأنزل عَلَيْهِ الذكر} القرآن {مِّن بَيْنِنَا} أنكروا أن يختص بالشرف من بين أشرافهم وينزل عليه الكتاب من بينهم حسداً {بْل هُمْ فَى شَكٍّ مِّن ذِكْرِى} من القرآن {بَل لَّمَّا يَذُوقُواْ عَذَابِ} بل لم يذوقوا عذابي بعد فإذا ذاقوه زال عنهم مابهم من الشك والحسد حينئذ أي أنهم لا يصدقون به إلا أن يمسهم العذاب فيصدقون حينئذ(3/145)
أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ (9)
أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ (9)
{أَمْ عِندَهُمْ خَزَآئِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ العزيز الوهاب} يعنى ماهم بمالكي خزائن الرحمة حتى يصيبوا بها من شاءوا ويصرفوها عمن شاءوا ويتخيروا للنبوة بعض صناديدهم ويترفعوا بها عن محمد وإنما الذي يملك الرحمة وخزائنها العزيز القاهر على خلقه الوهاب الكثير المواهب المصيب بها مواقعها الذي يقسمها على ما تقتضيه حكمته ثم رشح هذا المعنى فقال(3/145)
أَمْ لَهُمْ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبَابِ (10)
أَمْ لَهُمْ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبَابِ (10)
{أَمْ لَهُم مٌّلْكُ السماوات والارض وَمَا بَيَنَهُمَا} حتى يتكلموا في الأمور الربانية(3/145)
والتدابير الإلهية التي يختص بها رب العزة والكبرياء ثم تهكم بهم غاية التهكم فقال فإن كانوا يصلحون لتدبير الخلائق والتصرف فى الرحمة {فَلْيَرْتَقُواْ فِى الأسباب} فليصعدوا في المعارج والطرق التي يتوصل بها إلى السماء حتى يدبروا أمر العالم وملكوت الله وينزلوا الوحي إلى من يختارون ثم وعد نبيه عليه السلام النصرة عليهم بقوله(3/146)
جُنْدٌ مَا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزَابِ (11)
جُنْدٌ مَا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزَابِ (11)
{جُندٌ} مبتدأ {مَّا} صلة مقوية للنكرة المبتدأة {هُنَالِكَ} إشارة إلى بدر ومصارعهم أو إلى حيث وضعوا فيه
ص (17 - 11)
أنفسهم من الانتداب لئل ذلك القول العظيم من قولهم لمن ينتدب لأمر ليس من أهله لست هُنَالِكَ خبر المبتدأ {مهزوم} مكسور {من الأحزاب} متعلق بجند أو بمهزوم يريد ماهم إلا جند من الكفار المتحزبين على رسول الله مهزوم عما قريب فلا تبال بما يقولون ولا تكترث لما به يهذون(3/146)
كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتَادِ (12)
كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتَادِ (12)
{كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ} قبل أهل مكة {قَوْمُ نُوحٍ} نوحاً {وَعَادٌ} هوداً {وَفِرْعَوْن} موسى {ذُو الأوتاد} قيل كانت له أوتاد وحبال يلعب بها بين يديه وقيل يوتد من يعذب بأربعة أوتاد في يديه ورجليه(3/146)
وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ أُولَئِكَ الْأَحْزَابُ (13)
وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ أُولَئِكَ الْأَحْزَابُ (13)
{وَثَمُودُ} وهم قوم صالح صالحاً {وَقَوْمُ لُوطٍ} لوطا {وأصحاب الأيكة} الغيضة شعيباً {أُوْلَئِكَ الأحزاب} أراد بهذه الإشارة الإعلام بأن الأحزاب الذين جعل الجند المهزوم منهم هم هم وأنهم الذين وجد منهم التكذيب(3/146)
إِنْ كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقَابِ (14)
إِنْ كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقَابِ (14)
{إِن كُلٌّ إِلاَّ كَذَّبَ الرسل} ذكر تكذيبهم أولاً في الجملة الخبرية على وجه الإبهام حيث لم يبين المكذب ثم جاء بالجملة الاستثنائية فأوضحه فيها وبيّن المكذَّب وهم الرسل وذكر أن كل واحد من الأحزاب كذب جميع(3/146)
الرسل لأن في تكذيب الواحد منهم تكذيب الجميع لاتحاد دعوتهم وفي تكرير التكذيب وإيضاحه بعد إبهامه والتنويع في تكريره بالجملة الخبرية أولا وبالاستثنائية ثانيا ومافى الاستثنائية من الوضع على وجه التوكيد أنواع من المبالغة المسجلة عليهم استحقاق أشد العقاب وأبلغه ثم قال {فَحَقَّ عِقَابِ} أى فوجب لذلك أن أعقابهم حق عقابهم عذابى وعقابى فى الحالين يعقوب(3/147)
وَمَا يَنْظُرُ هَؤُلَاءِ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ (15)
وَمَا يَنْظُرُ هَؤُلَاءِ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ (15)
{وَمَا يَنظُرُ هَؤُلآءِ} وما ينتظر أهل مكة ويجوز أن يكون إشارة إلى جميع الأحزاب {إِلاَّ صَيْحَةً واحدة} أي النفخة الأولى وهي الفزع الأكبر {مَّا لَهَا مِن فَوَاقٍ} وبالضم حمزة وعلى أى مالها من توقف مقدار فواق وهو ما بين حلبتي الحالب أي إذا جاء وقتها لم تستأخر هذا القدر من الزمان وعن ابن عباس رضى الله عنهما مالها من رجوع وترداد من أفاق المريض إذا رجع إلى الصحة وفواق الناقة ساعة يرجع الدر إلى ضرعها يريد أنها نفخة واحدة فحسب لا تثنى ولا تردد(3/147)
وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ (16)
وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ (16)
{وَقَالُواْ رَبَّنَا عَجِّل لَّنَا قِطَّنَا} حظنا من الجنة لأنه عليه السلام ذكر وعد الله المؤمنين الجنة فقالوا على سبيل الهزء عجل لنا نصيبنا منها أو نصيبنا من العذاب الذى وعدته كقوله ويستعجلونك بالعذاب وأصل القط القسط من الشيء لأنه قطعة منه من قطه إذا قطعه ويقال لصحيفة الجائزة قط لأنها قطعة من القرطاس {قَبْلَ يوم الحساب}(3/147)
اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ (17)
اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ (17)
{اصبر على مَا يَقُولُونَ} فيك وصن نفسك أن تزلّ فيما كلفت من مصابرتهم وتحمل أذاهم {واذكر عبدنا داود} وكرامته على الله كيف زل تلك الزلة اليسيرة فلقى من عقاب الله ما لقي {ذَا الأيد} ذا القوة فى الدين مما يدل على أن الأيد القوة في الدين قوله {إنه أواب} أى
ص (22 - 18)
رجاح إلى مرضاة الله تعالى وهو تعليل لذي الأيد رُوي أنه كان يصوم يوماً ويفطر يوماً وهو أشد الصوم ويقوم نصف الليل(3/147)
إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ (18)
إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ (18)
{إنّا سخّرنا} ذللنا {الجبال مَعَهُ} قيل كان تسخيرها أنها تسير معه(3/147)
إذا أراد سيرها إلى حيث يريد {يُسَبِّحْنَ} في معنى مسبحات على الحال واختار يُسَبّحْنَ على مسبحات ليدل على حدوث التسبيح من الجبال شيئاً بعد شيء وحالاً بعد حال {بالعشى والإشراق} أي فى طرفي النهار والعشي وقت العصر إلى الليل والإشراق وقت الإشراق وهو حين تشرق الشمس أي تضيء وهو وقت الضحى وأما شروقها فطلوعها تقول شرقت الشمس ولمَّا تُشْرِق وعن ابن عباس رضى الله عنهما ما عرفت صلاة الضحى إلا بهذه الآية(3/148)
وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ (19)
وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ (19)
{والطير مَحْشُورَةً} وسخرنا الطير مجموعة من كل ناحية وعن ابن عباس رضى الله عنهما كان إذا سبح جاوبته الجبال بالتسبيح واجتمعت إليه الطير فسبحت فذلك حشرها {كُلٌّ لَّهُ أَوَّابٌ} كل واحد من الجبال والطير لأجل داود أي لأجل تسبيحه مسبح لأنها كانت تسبح لتسبيحه ووضع الأواب موضع المسبح لأن الأواب وهو التواب الكثير الرجوع إلى الله وطلب مرضاته من عادته أن يكثر ذكر الله ويديم تسبيحه وتقديسه وقيل الضمير لله أي كل من داود والجبال والطير لله أواب أي مسبح مرجّع للتسبيح(3/148)
وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ (20)
وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ (20)
{وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ} قويناه قيل كان يبيت حول محرابه ثلاثة وثلاثون ألف رجل يحرسونه {وآتيناه الحكمة} الزبور وعلم الشرائع وقيل كل كلام وافق الحق فهو حكمة {وَفَصْلَ الخطاب} علم القضاء وقطع الخصام والفصل بين الحق والباطل والفصل هوالتمييز بين الشيئين وقيل للكلام البين فصل بمعنى المفصول كضرب الأمير وفصل الخطاب البين من الكلام الملخص الذي يتبينه من يخاطب به لا يلتبس عليه وجاز أن يكون الفصل بمعنى الفاصل كالصوم والزور والمراد بفصل الخطاب الفاصل من الخطاب الذي يفصل بين الصحيح والفاسد والحق والباطل وهو كلامه في القضايا والحكومات وتدابير الملك والمشورات وعن على رضى الله(3/148)
عنه هو الحكم بالبينة على المدعي واليمين على المدعي عليه وهو من الفصل بين الحق والباطل وعن الشعبي هو قوله أما بعد وهو أول من قال أما بعد فإن من تكلم في الأمر الذي له شأن يفتتح بذكر الله وتحميده فإذا أراد أن يخرج إلى الغرض المسوق له فصل بينه وبين ذكر الله بقوله أما بعد(3/149)
وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ (21)
وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ (21)
{وهل أتاك نبأ الخصم} ظاهره الاستفهام ومعناه الدلالة على أنه من الأنباء العجيبة والخصم الخصماء وهو يقع على الواحد والجمع لأنه مصدر في الأصل تقول خصمه خصماً وانتصاب {إِذْ} بمحذوف تقديره وهل أتاك نبأ تحاكم الخصم أو بالخصم لما فيه من معنى الفعل {تَسَوَّرُواْ المحراب} تصعدوا سوره ونزلوا إليه والسور الحائط المرتفع والمحراب الغرفة أو المسجد أو صدر المسجد(3/149)
إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لَا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ (22)
إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لَا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ (22)
{إِذْ} بدل من الأولى {دَخَلُواْ على دَاوُدَ ففزع منهم} روى أن الله
ص (23 - 22)
تعالى بعث إليه ملكين في صورة إنسانين فطلبا أن يدخلا عليه فوجداه في يوم عبادته فمنعهما الحرس فتسورا عليه المحراب فلم يشعر إلا وهما بين يديه جالسان ففزع منهم لأنهم دخلوا عليه المحراب في غير يوم القضاء ولأنهم نزلوا عليه من فوق وفي يوم الاحتجاب والحرس حوله لا يتركون من يدخل عليه {قَالُواْ لاَ تَخَفْ خَصْمَانِ} خبر مبتدأ محذوف أي نحن خصمان {بغى بَعْضُنَا على بَعْضٍ} تعدى وظلم {فاحكم بَيْنَنَا بالحق وَلاَ تُشْطِطْ} ولا تجر من الشطط وهو مجاوزة الحد وتخطى الحق {واهدنا إلى سواء الصراط} وارشدنا الا وسط الطريق ومحجته والمراد عين الحق ومحضه رُوي أن أهل زمان داود عليه السلام كان يسأل بعضهم بعضاً أن ينزل له عن امرأته فيتزوجها إذا أعجبته وكان لهم عادة في المواساة بذلك وكان الأنصار يواسون المهاجرين بمثل ذلك فاتفق أن داود عليه السلام وقعت عينه على امرأة(3/149)
أوريا فأحبها فسأله النزول له عنها فاستحى أن يرده ففعل فتزوجها وهي أم سليمان فقيل له إنك مع عظم منزلتك وكثرة نسائك لم يكن ينبغي لك أن تسأل رجلاً ليس له إلا امرأة واحدة النزول عنها لك بل كان الواجب عليك مغالبة هواك وقهر نفسك والصبر على ما امتحنت به وقيل خطبها أوريا ثم خطبها داود فآثره أهلها فكانت زلته أن خطب على خطبة أخيه المؤمن مع كثرة نسائه ومايحكى أنه بعث مرة بعد مرة أوريا إلى غزوة البلقاء وأحب أن يقتل ليتزوجها فلا يليق من المتسمين بالصلاح من أفناء المسلمين فضلاً عن بعض أعلام الأنبياء وقال علي رضى الله عنه من حدثكم بحديث داود عليه السلام على ما يرويه القصاص جلدته مائة وستين وهو حد الفرية على الأنبياء ورُوي أنه حدث بذلك عمر بن عبد العزيز وعنده رجل من أهل الحق فكذب المحدث وقال إن كانت القصة على ما في كتاب الله فما ينبغي أن يلتمس خلافها وأعظم بأن يقال غير ذلك وإن كانت على ما ذكرت وكف الله عنها ستراً على نبيه فما ينبغي إظهارها عليه فقال عمر لسماعي هذا الكلام أحب إلي مما طلعت عليه الشمس والذي يدل عليه المثل الذي ضربه الله بقصته عليه السلام ليس إلا طلبه إلى زوج المرأة أن ينزل له عنها فحسب وإنما جاءت على طريق التمثيل والتعريض دون التصريح لكونها أبلغ في التوبيخ من قبل أن التأمل إذا أداه إلى الشعور بالمعرض به كان أوقع في نفسه وأشد تمكناً من قلبه وأعظم أثراً فيه مع مراعاة حسن الأدب بترك المجاهرة(3/150)
إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ (23)
إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ (23)
{إِنَّ هَذَا أَخِى} هو بدل من هذا او خبر لان والمراد أخوة الدين أو إخوة الصداقة والألفة أو أخوة الشركة والخلطة لقوله وَإِنَّ كَثِيراً مّنَ(3/150)
الخلطاء {لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِى نَعْجَةٌ واحدة} وَلِيَ حفص والنعجة كناية عن المرأة ولما كان هذا تصوير للمسالة وفرضاً لها لا يمتنع أن يفرض الملائكة في أنفسهم كما تقول لي أربعون شاة ولك أربعون فخلطناها ومالكما من الاربعين إلا أربعة ولى ربعها {فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا} ملكنيها وحقيقته اجعلني أكفلها كما أكفل ما تحت يدى وعن عباس رضى الله عنهما اجعلها كفلى أى نصيبى {وعزني} وغلبنى يقال عزه ويعزه {فِى الخطاب} في الخصومة أي أنه كان أقدر على الاحتجاج منى وأراد
ص (26 - 24)
بالخطاب ممخاطبة المحاج المجادل أو أراد خطبت المرأة وخطبها هو فخاطبني خطاباً أي غالبني في الخطبة فغلبني حيث زوجها دوني ووجه التمثيل أن مثلت قصة أوريا مع داود بقصة رجل له نعجة واحدة ولخليطه تسع وتسعون فأراد صاحبه تتمة المائة فطمع في نعجة خليطة وأراد على الخروج من ملكها إليه وحاجّة في ذلك محاجة حريص على بلوغ مراده وإنما كان ذلك على وجه التحاكم إليه ليحكم بما حكم به من قوله(3/151)
قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ (24)
قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ (24)
{قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إلى نِعَاجِهِ} حتى يكون محجوجاً بحكمه وهذا جواب قسم محذوف وفي ذلك استنكار لفعل خليطه والسؤال مصدر مضاف إلى المفعول وقد ضمن معنى الإضافة فعدي تعديتها كأنه قيل بإضافة نعجتك إلى نعاجه على وجه السؤال والطلب وإنما ظلم الآخر بعد ما اعترف به خصمه ولكنه لم يحك في القرآن لأنه معلوم ويُروى أنه قال أنا أريد أن آخذها منه وأكمل نعاجي مائة فقال داود إن رمت ذلك ضربنا(3/151)
منك هذا وهذا وأشار إلى طرف الأنف والجبهة فقال يا داود أنت أحق أن يضرب منك هذا وهذا وأنت فعلت كيت وكيت ثم نظر داود فلم ير أحداً فعرف ما وقع فيه {وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ الخلطآء} الشركاء والأصحاب {لَيَبْغِى بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ إِلاَّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات} المستثنى منصوب وهو من الجنس والمستثنى منه بعضهم {وقليل ما هم} ما للابهام وهم مبتدا وقليل خبره {وَظَنَّ دَاوُدُ} أي علم وأيقن وإنما استعير له لأن الظن الغالب يداني العلم {أَنَّمَا فتناه} ابتليناه {فاستغفر رَبَّهُ} لزلته {وَخَرَّ رَاكِعاً} أي سقط على وجهه ساجداً لله وفيه دليل على أن الركوع يقوم مقام السجود في الصلاة إذا نوي لأن المراد مجرد ما يصلح تواضعاً عند هذه التلاوة والركوع في الصلاة يعمل هذا العمل بخلاف الركوع في غير الصلاة {وَأَنَابَ} ورجع إلى الله بالتوبة وقيل إنه بقي ساجداً أربعين يوماً وليلة لا يرفع رأسه إلا لصلاة مكتوبة أو مالا بد منه ولا يرقأ دمعه حتى نبت العشب من دمعه ولم يشرب ماء إلا وثلثاه دمع(3/152)
فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ (25)
فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ (25)
{فَغَفَرْنَا لَهُ ذلك} أي زلته {وَإِنَّ لَهُ عندنا لزلفى} لقربة {وحسن مآب} مرجع وهو الجنة(3/152)
يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ (26)
يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ (26)
{يا داود إِنَّا جعلناك خَلِيفَةً فِى الأرض} أي استخلفناك على الملك في الأرض أو جعلناك خليفة ممن كان قبلك من الأنبياء القائمين بالحق وفيه دليل على أن حاله بعد التوبة بقيت على ما كانت عليه لم تتغير {فاحكم بَيْنَ الناس بالحق} أي بحكم الله ان كنت خليفته أو بالعدل {وَلاَ تَتَّبِعِ الهوى} أى هوى النفس فى قضائك
ص (31 - 26)
{فَيُضِلَّكَ} الهوى {عَن سَبِيلِ الله إِنَّ الذين يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ الله} دينه {لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدُ بِمَا نَسُواْ يَوْمَ الحساب} أي بنسيانهم يوم الحساب(3/152)
وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ (27)
وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ (27)
{وَمَا خَلَقْنَا السمآء والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا} من الخلق باطلا خلقا باطلا لا لحمة بالغة أو مبطلين عابثين كقوله وَمَا خَلَقْنَا السماء والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا لاَعِبِينَ وتقديره ذوي باطل أو عبثاً فوضع باطلا موضعه أي ما خلقناهما وما بينهما للعبث واللعب ولكن للحق المبين وهو أنا خلقنا نفوساً أودعناها العقل ومنحناها التمكين وأزحنا عللها ثم عرضناها للمنافع العظيمة بالتكليف وأعددنا لها عاقبة وجزاءً على حسب أعمالهم {ذلك} إشارة إلى خلقها باطلاً {ظَنُّ الذين كَفَرُواْ} الظن بمعنى المظنون أي خلقها للعبث لا للحكمة هو مظنون الذين كفروا وإنما جعلوا ظانين أنه خلقها للعبث لا للحكمة مع إقرارهم بأنه خالق السموات والأرض وما بينهما لقوله وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خلق السموات والأرض ليقولن الله لأنه لما كان إنكارهم للبعث والحساب والثواب والعقاب مؤدياً إلى أن خلقها عبث وباطل جعلوا كأنهم يظنون ذلك ويقولونه لأن الجزاء هو الذي سبقت إليه الحكمة في خلق العالم فمن جحده فقد جحد الحكمة في خلق العالم {فَوَيْلٌ لّلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنَ النار}(3/153)
أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ (28)
أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ (28)
{أم نجعل الذين آمنوا وَعَمِلُواْ الصالحات كالمفسدين فِى الأرض أَمْ نَجْعَلُ المتقين كالفجار} أم منقطعة ومعنى الاستفهام فيها الإنكار والمراد أنه لو بطل الجزاء كما يقول الكفار لاستوت أحوال من أصلح وأفسد واتقى وفجر ومن سوّى بينهم كان سفيهاً ولم يكن حكيماً(3/153)
كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (29)
كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (29)
{كِتَابٌ} أي هذا كتاب {أنزلناه إِلَيْكَ} يعني القرآن {مبارك} صفة أخرى {ليدبروا آياته} وأصله ليتدبروا قرىء به ومعناه ليتفكروا فيها فيقفوا على ما فيه ويعملوا به وعن الحسن قد قرأ هذا القرآن عبيد وصبيان لا علم لهم بتأويله حفظوا حروفه وضيعوا حدوده لتدبروا(3/153)
على الخطاب بحذف إحدى التاءين يزيد {وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُواْ الألباب} وليتعظ بالقرآن أولوا العقول(3/154)
وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (30)
وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (30)
{ووهبنا لداود سليمان نِعْمَ العبد} أي سليمان وقيل داود وليس بالوجه فالمخصوص بالمدح محذوف {إِنَّهُ أَوَّابٌ} وعلل كونه ممدوحاً بكونه أواباً أي كثير الرجوع إلى الله تعالى(3/154)
إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ (31)
إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ (31)
{إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ} على سليمان {بالعشى} بعد الظهر {الصافنات} الخيول القائمة على ثلاث قوائم وقد أقامت الأخرى على طرف حافر {الجياد} السراع جمع جواد لأنه يجود بالركض وصفها بالصفون لأنه لا يكون فى الهجان
ص (35 - 32)
إنما هو فى العراب وقيل وصفها بالصفون والجودة ليجمع لها بين الوصفين المحمودين واقفة وجارية يعني إذا وقفت كانت ساكنة مطمئنة في مواقفها وإذا جرت كانت سراعاً خفافاً في جريها وقيل الجياد الطوال الأعناق من الجيد ورُوي أن سليمان عليه السلام غزا أهل دمشق ونصيبين فأصاب ألف فرس وقيل ورثها من أبيه وأصابها أبوه من العمالقة وقيل خرجت من البحر لها أجنحة فقعد يوما بعد ما صلى الظهر على كرسيه واستعرضها فلم تزل تعرض عليه حتى غربت الشمس وغفل عن العصر وكانت فرضاً عليه فاغتم لما فاته فاستردها وعقرها تقربا لله فبقى مائة فما في أيدي الناس من الجياد فمن نسلها وقيل لما عقرها أبدله الله خيراً منها وهي الريح تجري بأمره(3/154)
فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ (32)
فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ (32)
{فَقَالَ إِنِّى أَحْبَبْتُ حُبَّ الخير عَن ذِكْرِ رَبِىِّ} أي آثرت حب الخيل عن ذكر ربي كذا عن الزجاج فأحببت بمعنى آثرت كقوله تعالى فاستحبوا العمى على الهدى وعن بمعنى على وسمى الخيل خيراً كأنها نفس الخير لتعلق الخير بها كما قال عليه السلام الخيل معقود بنواصيها الخير إلى يوم القيامة وقال أبو علي أحببت بمعنى(3/154)
جلست من إحباب البعير وهو بروكه حب الخير أي المال مفعول له مضاف إلى المفعول {حتى تَوَارَتْ} الشمس {بالحجاب} والذي دل على أن الضمير للشمس مرور ذكر العشي ولا بد للضمير من جري ذكر أو دليل ذكر أوالضمير للصافنات أي حتى توارت بحجاب الليل يعني الظلام(3/155)
رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ (33)
رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ (33)
{رُدُّوهَا عَلَىَّ} أي قال للملائكة ردوا الشمس علي لأصلي العصر فردت الشمس له وصلى العصر أو ردوا الصافنات {فَطَفِقَ مَسْحاً بالسوق والأعناق} فجعل يمسح مسحاً أي يمسح السيف بسوقها وهي جمع ساق كدار ودور وأعناقها يعني يقطعها لأنها منعته عن الصلاة تقول مسح علاوته إذا ضرب عنقه ومسح السفر الكتاب إذا قطع أطرافه بسيفه وقيل إنما فعل ذلك كفارة لها أو شكراً لرد الشمس وكانت الخيل مأكولة في شريعته فلم يكن إتلافاً وقيل مسحها بيده استحساناً لها وإعجابا بها(3/155)
وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ (34)
وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ (34)
{وَلَقَدْ فَتَنَّا سليمان} ابتليناه {وَأَلْقَيْنَا على كُرْسِيِّهِ} سرير ملكه جسدا ثم أناب رجع الله قيل فتن سليمان بعد ما مالك عشرين سنة وملك بعد الفتنة عشرين سنة وكان من فتنة أنه ولد له ابن فقالت الشياطين إن عاش لم ننفك من السخرة فسبيلنا أن نقتله أو نخله فعلم ذلك سليمان عليه السلام فكان يغذوه في السحابة خوفا من مضرة الشياطين فألقى ولده ميتاً على كرسيه فتنبه على زلته في أن لم يتوكل فيه على ربه وروى عن النبى صلى الله عليه وسلم قال سليمان لأطوفن الليلة على سبعين امرأة كل واحدة منهن تأتي بفارس يجاهد في سبيل الله ولم يقل إن شاء الله فطاف عليهن فلم تحمل إلا امرأة واحدة جاءت بشق رجل فجيء به على كرسيه(3/155)
فوضع في حجره فوالذي نفس محمد بيده لو قال إن شاء الله لجاهدوا في سبيل الله فرساناً أجمعون وأما ما يُروى من حديث الخاتم والشيطان وعبادة الوثن في بيت سليمان عليه السلام فمن أباطيل اليهود(3/156)
قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (35)
قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (35)
{قَالَ رَبِّ اغفر لِى وَهَبْ لِى مُلْكاً} قدم الاستغفار على استيهاب الملك جرياً على عادة الأنبياء
عليهم السلام والصالحين في تقديم الاستغفار على السؤال لاَّ يَنبَغِى لا يتسهل ولا يكون لأَِحَدٍ مّن بَعْدِى أي دوني وبفتح الياء مدنى وأبو عمر وإنما سأل بهذه الصفة ليكون معجزة له لأحسدا وكان قبل ذلك لم يسخر له الريح والشياطين فلما دعا بذلك سخرت له الريح والشياطين ولن يكون معجزة حتى يخرق العادات {إِنَّكَ أَنتَ الوهاب}(3/156)
فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ (36)
فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ (36)
{فَسَخَّرْنَا لَهُ الريح} الرياح أبو جعفر تَجْرِى حال من الريح بأمره سليمان رُخَآءَ لينة طيبة لا تزعزع وهو حال من ضمير تَجْرِى حَيْثُ ظرف تَجْرِى أصاب قصد وأرد والعرب تقول أصاب الصواب فاخطأ الجواب(3/156)
وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ (37)
وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ (37)
{والشياطين} عطف على الريح أي سخرنا له الشياطين {كُلَّ بَنَّآءٍ} بدل من الشياطين كانوا يبنون له ما شاء من الأبنية وَغَوَّاصٍ أى ويغصون له في البحر لإخراج اللؤلؤ وهو أول من استخرج اللؤلو من البحر والمعنى وسخرنا له كل بناء وغواص من الشياطين(3/156)
وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ (38)
وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ (38)
{وآخرين} عطف على كُلَّ بَنَّاء داخل في حكم البدل {مُّقَرَّنِينَ فِى الأصفاد} وكان يقرن مردة الشياطين بعضهم مع بعض في القيود والسلاسل للتأديب والكف عن الفساد والصفد القيد وسمي به العطاء لأنه ارتباط للمنعم عليه ومنه قول على رضى الله عنه من برك فقد أسرك ومن جفاك فقد أطلقك(3/156)
هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (39)
هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (39)
{هذا} الذي أعطيناك من الملك والمال والبسطة عَطَآؤُنَا فامنن فأعط منه ما شئت من المنة وهي العطاء أَوْ أَمْسِكْ عن العطاء وكان إذا أعطى أجر وإن منع لم يأثم بخلاف غيره بغير حساب متعلق بعطاؤنا وقيل هو حال أي هذا عطاؤنا جماً كثيراً لا يكاد يقدر على حصره أو هذا التسخير عطاؤنا فامنن على ما شئت من الشياطين بالإطلاق أو أمسك من شئت منهم في الوثاق بغير حساب أي لاحساب عليك في ذلك(3/157)
وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ (40)
وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ (40)
{وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب} لزلفى اسم إن والخبر لَهُ والعامل في عند الخبر(3/157)
وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ (41)
وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ (41)
{واذكر عَبْدَنَآ أَيُّوبَ} هو بدل من عَبْدَنَا أو عطف بيان {إِذْ} بدل اشتمال منه {نادى ربه} دعاه {أني مسني} بأبي مسني حكاية لكلامة الذي ناداه بسببه ولو لم يحك لقال بأنه مسه لأنه غائب {الشيطان بِنُصْبٍ} قراءة العامة بِنُصُب يزيد تثقيل نصب ينصب كرشد ورشد يعقوب بِنصب على أصل المصدر هبيرة والمعنى واحد وهو التعب والمشقة {وَعَذَابٍ} يريد مرضه وما كان يقاسي فيه من أنواع الوصب وقيل أراد ما كان يوسوس به إليه فى مرضه من تعظيم مانزل به من البلاء ويغريه على الكراهة والجزع فالتجأ إلى الله في أن يكفيه ذلك بكشف البلاء أو بالتوفيق في دفعه ورده بالصبر الجميل ورُوي أنه كان يعوده ثلاثة من المؤمنين فارتد أحدهم فسأل عنه فقيل ألقى إليه الشيطان أن الله لا يبتلي الأنبياء والصالحين وذكر في سبب بلائه أنه ذبح شاة فأكلها وجاره جائع أو رأى منكراً فسكت عنه أو ابتلاه الله لرفع الدراجات بلا زلة سبقت منه(3/157)
ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ (42)
ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ (42)
{اركض برجلك}
حكاية ما أجيب به أيوب عليه السلام أي أرسلنا(3/157)
إليه جبريل عليه السلام فقال له اركض برجلك أي اضرب برجلك الأرض وهي أرض الجابية فضربها فنبعت عين فقيل {هذا مغتسل بارد وشراب} أى هذا ما تغتسل به وتشرب منه فيبرأ باطنك وظاهرك وقيل نبعت له عينان فاغتسل من إحداهما وشرب من الأخرى فذهب الداء من ظاهره وباطنه بإذن الله تعالى(3/158)
وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ (43)
وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ (43)
{وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَّعَهُمْ} قيل أحياهم الله تعالى بأعيانهم وزاده مثلهم {رَحْمَةً مّنَّا وذكرى لأُِوْلِى الألباب} مفعول لهما أي الهبة كانت للرحمة له ولتذكير أولى الألباب لأنهم إذا سمعوا بما أنعمنا به عليه لصبره رغبهم في الصبر على البلاء(3/158)
وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (44)
وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (44)
{وَخُذْ} معطوف على اركض {بِيَدِكَ ضِغْثاً} حزمة صغيرة من حشيش أو ريحان أو غير ذلك وعن ابن عباس رضى الله عنهما قبضة من الشجر {فاضرب بِهِ وَلاَ تَحْنَثْ} وكان حلف في مرضه ليضربن امرأته مائة إذا برأ فحلل الله يمينه بأهون شيء عليه وعليها لحسن خدمتها إياه وهذه الرخصة باقية ويجب أن يصيب المضروب كل واحدة من المائة والسبب في يمينه أنها أبطأت عليه ذاهبة فى حاجة فخرج صدره وقيل باعت ذؤابتيها برغيفين وكانتا متعلق أيوب عليه السلام إذا قام {إِنَّا وجدناه} علمناه {صَابِراً} على البلاء نعم قد شكا إلى الله مابه واسترحمه لكن الشكوى إلى الله لا تسمى جزعاً فقد قال يعقوب عليه السلام إِنَّمَا أشكو بني وحزنى إلى الله على أنه عليه السلام كان يطلب الشفاء خيفة على قومه من الفتنة حيث كان الشيطان يوسوس إليهم أنه لو كان نبياً لما ابتلي بمثل ما ابتلي به وإرادة القوة على الطاعة فقد بلغ أمره إلى أن لم يبق منه إلا القلب واللسان {نِعْمَ العبد} أيوب {إِنَّهُ أَوَّابٌ}(3/158)
وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ (45)
وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ (45)
{واذكر عِبَادَنَا} عَبْدَنَا مكي {إبراهيم وإسحاق وَيَعْقُوبَ} فمن جمع فإبراهيم ومن بعده عطف بيان على عِبَادِنَا ومن وحد فإبراهيم وحده عطف بيان له ثم عطف ذريته على عَبْدَنَا ولما كانت أكثر الأعمال تباشر بالأيدي غلبت فقيل في كل عمل هذا مما عملت أيديهم وإن كان عملاً لا تتأتى فيه المباشرة بالأيدي أو كان العمال جذماء لا أيدي لهم وعلى هذا ورد قوله {أُوْلِى الأيدى والأبصار} أي أولي الأعمال الظاهرة والفكر الباطنة كأن الذين لا يعملون أعمال الآخرة ولا يجاهدون في الله ولا يتفكرون أفكار ذوى الديات في حكم الزمني الذين لا يقدرون على إعمال جوارحهم والمسلوبي العقول الذين لا استبصار لهم وفيه تعريض بكل من لم يكن من عمال الله ولا من المستبصرين في دين الله وتوبيخ على تركهم المجاهدة والتأمل مع كونهم متمكنين منهما(3/159)
إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ (46)
إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ (46)
{إِنَّا أخلصناهم} جعلناهم لنا خالصين {بِخَالِصَةٍ} بخصلة خالصة لا شوب فيها {ذِكْرَى الدار} ذِكْرِى فى محل النصب
ص (54 - 47)
أو الرفع بإضمار أعني أو هي أو الجر على البدل من خَالِصَة والمعنى إنا أخلصناهم بذكرى الدار والدار هنا الدار الآخرة يعني جعلناهم لنا خالصين بأن جعلناهم يذكرون الناس الدار الآخرة ويزهدونهم فى الدنيا كما هو دين الأنبياء عليهم السلام أو معناه أنهم يكثرون ذكر الآخرة والرجوع إلى الله وينسون ذكر الدنيا بخالصة ذكرى الدار على الإضافة مدني ونافع وهى من إضافة الشىء إلى مايبينه لأن الخالصة تكون ذكرى وغير ذكرى وذكرى مصدر مضاف إلى المفعول أي بإخلاصهم ذكرى الدار وقيل خالصة بمعنى خلوص فهي مضافة إلى الفاعل أي بأن خلصت لهم ذكرى الدار على أنهم لا يشوبون ذكرى الدار بِهمٍ آخر إنما همهم ذكرى الدار لا غير وقيل ذكرى الدار الثناء الجميل في الدنيا وهذا شيء قد أخلصهم به فليس يذكر غيرهم في الدنيا بمثل ما يذكرون به يقويه قوله وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عليا(3/159)
وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ (47)
وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ (47)
{وَإِنَّهُمْ عِندَنَا لَمِنَ المصطفين} المختارين من بين أبناء جنسهم {الأخيار} جمع خير أو خير على التخفيف كأموات في جمع ميت أو ميت(3/160)
وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِنَ الْأَخْيَارِ (48)
وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِنَ الْأَخْيَارِ (48)
{واذكر إسماعيل واليسع} كأن حرف التعريف دخل على يسع {وَذَا الكفل وَكُلٌّ} التنوين عوض عن المضاف إليه أي وكلهم {مِّنَ الأخيار}(3/160)
هَذَا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ (49)
هَذَا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ (49)
{هذا ذكر وإن للمتقين لحسن مآب} أي هذا شرف وذكر جميل يذكرون به أبداً وإن لهم مع ذلك لحسن مرجع يعني يذكرون في الدنيا بالجميل ويرجعون في الآخرة إلى مغفرة رب جليل ثم بين كيفية حسن ذلك المرجع فقال(3/160)
جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوَابُ (50)
جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوَابُ (50)
{جنات عدن} بدل من حسن مآب {مُّفَتَّحَةً} حال من جنات لأنها معرفة لإضافتها إلى عَدْنٍ وهو علم والعامل فيها ما في لّلْمُتَّقِينَ من معنى الفعل {لَّهُمُ الأبواب} ارتفاع الأبواب بأنها فاعل مُّفَتَّحَةً والعائد محذوف أي مفتحة لهم الأبواب منها فحذف كما حذف في قوله فَإِنَّ الجحيم هِىَ المأوى أي لهم أو أبوابها إلا أن الأول أجود أو هي بدل من الضمير في مُّفَتَّحَةً وهو ضمير الجنات تقديره مفتحة هي الأبواب وهو من بدل الاشتمال(3/160)
مُتَّكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ (51)
مُتَّكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ (51)
{متكئين} حال من المحرور في لَهُمْ والعامل مُّفَتَّحَةً {فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بفاكهة كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ} أي وشراب كثير فحذف اكتفاء بالأول(3/160)
وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ (52)
وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ (52)
{وَعِندَهُمْ قاصرات الطرف} أي قصرن طرفهن على أزواجهن {أتراب} لذات أسنانهن كأسنانهم لأن التحاب بين الأقران أثبت كأن اللذات سمين أتراباً لأن التراب مسهن في وقت واحد(3/160)
هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسَابِ (53)
هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسَابِ (53)
{هذا ما توعدون} وبالياء مكى وأبو عمرو {لِيَوْمِ الحساب} أي ليوم تجزى كل نفس بما عملت(3/160)
إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ (54)
إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ (54)
{إِنَّ هذا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِن نَّفَادٍ} من انقطاع والجملة حال من الرزق والعامل الاشارة(3/161)
هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ (55)
هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ (55)
{هذا} خبر والمبتدأ محذوف أي الأمر هذا أو هذا كما ذكر
ص (63 - 55)
{وَإِنَّ للطاغين لَشَرَّ مَأَبٍ} مرجع(3/161)
جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمِهَادُ (56)
جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمِهَادُ (56)
{جَهَنَّمَ} بدل منه {يَصْلَوْنَهَا} يدخلونها {فَبِئْسَ المهاد} شبه ما تحتهم من النار بالمهاد الذي يفترشه النائم(3/161)
هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ (57)
هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ (57)
{هذا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ} أي هذا حميم وغساق فليذوقوه فهذا مبتدأ وحميم خبره وغساق عطف على الخبر فليذوقوه اعتراض أو العذاب هذا فليذوقوه ثم ابتدأ فقال هو حميم وَغَسَّاقٌ بالتشديد حمزة وعلي وحفص والغساق بالتشديد والتخفيف ما يغسق من صديد أهل النار يقال غسقت العين إذا سال دمعها وقيل الحميم يحرق بحره والغساق يحرق ببرده(3/161)
وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ (58)
وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ (58)
{وآخر} أي وعذاب آخر أو مذوق آخر {مِن شَكْلِهِ} من مثل العذاب المذكور وأَخر بصري أي ومذوقات أخر من شكل هذا المذوق فى الشدة والفظاعة {أزواج} صفة لآخر لأنه يجوز أن يكون ضروباً(3/161)
هَذَا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ لَا مَرْحَبًا بِهِمْ إِنَّهُمْ صَالُو النَّارِ (59)
هَذَا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ لَا مَرْحَبًا بِهِمْ إِنَّهُمْ صَالُو النَّارِ (59)
{هذا فَوْجٌ مُّقْتَحِمٌ مَّعَكُمْ} هذا جمع كثيف قد اقتحم معكم النار أي دخل النار في صحبتكم والاقتحام الدخول في الشيء بشدة والقحمة الشدة وهذه حكاية كلام الطاغين بعضهم مع بعض أي يقولون هذا والمراد بالفوج اتباعهم الذين اقتحموا معهم الضلالة فيقتحمون معهم العذاب {لاَ مَرْحَباً بِهِمْ} دعاء منهم على أتباعهم تقول لمن تدعو له مرحباً أي أتيت رحباً من البلاد لا ضيقا أو رحبت بلادك رحبائم تدخل عليه لا في(3/161)
دعاء السوء وبهم بيان للمدعو عليهم {إنهم صالوا النار} أي داخلوها وهو تعليل لاستيجابهم الدعاء عليهم وقيل هذا فَوْجٌ مُّقْتَحِمٌ كلام الخزنة لرؤساء الكفرة فى أتباعهم ولا مرحبا بهم أنهم صالوا النار كلام الرؤساء وقيل هذا كله كلام الخزنة(3/162)
قَالُوا بَلْ أَنْتُمْ لَا مَرْحَبًا بِكُمْ أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا فَبِئْسَ الْقَرَارُ (60)
قَالُوا بَلْ أَنْتُمْ لَا مَرْحَبًا بِكُمْ أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا فَبِئْسَ الْقَرَارُ (60)
{قَالُواْ} أي الأتباع {بَلْ أَنتُمْ لاَ مَرْحَباً بِكُمْ} أي الدعاء الذي دعوتم به علينا أنتم أحق به وعللوا ذلك بقوله {أَنتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا} والضمير للعذاب أو لصليهم أي انكم دعوتمونا إليه فكفرنا باتباعكم {فَبِئْسَ القرار} أى النار(3/162)
قَالُوا رَبَّنَا مَنْ قَدَّمَ لَنَا هَذَا فَزِدْهُ عَذَابًا ضِعْفًا فِي النَّارِ (61)
قَالُوا رَبَّنَا مَنْ قَدَّمَ لَنَا هَذَا فَزِدْهُ عَذَابًا ضِعْفًا فِي النَّارِ (61)
{قَالُواْ} أي الأتباع {رَبَّنَا مَن قَدَّمَ لَنَا هذا فَزِدْهُ عَذَاباً ضِعْفاً} أي مضاعفاً {فِى النار} ومعناه ذا ضعف ونحوه قوله رَبَّنَا هؤلاء أضلونا فآتهم عَذَابًا ضِعْفًا وهو أن يزيد على عذابه مثله(3/162)
وَقَالُوا مَا لَنَا لَا نَرَى رِجَالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرَارِ (62)
وَقَالُوا مَا لَنَا لَا نَرَى رِجَالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرَارِ (62)
{وَقَالُواْ} الضمير لرؤساء الكفرة {مَا لَنَا لاَ نرى رِجَالاً} يعنون فقراء المسلمين {كُنَّا نَعُدُّهُمْ} في الدنيا {مِّنَ الأشرار} من الأرذال الذين لا خير فيهم ولاجدوى(3/162)
أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصَارُ (63)
أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصَارُ (63)
{اتخذناهم سِخْرِيّاً} بلفظ الإخبار عراقي غير عاصم على أنه صفة لرجالا مثل كُنَّا نَعُدُّهُمْ مّنَ الأشرار وبهمزة الاستفهام غيرهم على أنه إنكار على أنفسهم في الاستسخار منهم سُخرِياً مدني وحمزة وعلي وخلف والمفضل {أَمْ زَاغَتْ} مالت {عَنْهُمُ الأبصار} هو متصل بقوله
ص (72 - 64)
مالنا أي ما لنا لا نراهم في النار كأنهم ليسوا فيها بل أزاغت عنهم(3/162)
أبصارنا فلا نراهم وهم فيها قسموا أمرهم بين أن يكونوا من أهل الجنة وبين أن يكونوا من أهل النار إلا أنه خفي عليهم مكانهم(3/163)
إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ (64)
إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ (64)
{إِنَّ ذلك} الذي حكينا عنهم {لَحَقٌّ} لصدق كائن لا محالة لا بد أن يتكلموا به ثم بين ماهو فقال هو تَخَاصُمُ أَهْلِ النار ولما شبه تقاولهم ومايجرى بينهم من السؤال والجواب بما يجري بين المتخاصمين سماه تخاصماً ولأن قول الرؤساء لاَ مَرْحَباً بِهِمْ وقول أتباعهم بَلْ أَنتُمْ لاَ مَرْحَباً بِكُمْ من باب الخصومة فسمى التقاول كله تخاصماً لاشتماله على ذلك(3/163)
قُلْ إِنَّمَا أَنَا مُنْذِرٌ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (65)
قُلْ إِنَّمَا أَنَا مُنْذِرٌ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (65)
{قُلْ} يا محمد لمشركي مكة {إِنَّمَا أَنَاْ مُنذِرٌ} ما أنا إلا رسول منذر أنذركم عذاب الله تعالى {وَمَا مِنْ إله إِلاَّ الله} وأقول لكم إن دين الحق توحيد الله وأن تعتقدوا أن لا إله إلا الله {الواحد} بلا ند ولاشريك {القهار} لكل شيء(3/163)
رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ (66)
رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ (66)
{رَّبُّ السماوات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا} له الملك والربوبية في العالم كله {العزيز} الذي لا يغلب إذا عاقب {الغفار} لذنوب من التجأ إليه(3/163)
قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ (67)
قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ (67)
{قُلْ هُوَ} أي هذا الذي أنبأتكم به من كوني رسولاً منذراً وأن الله واحد لا شريك له {نبأ عظِيمٌ} لا يعرض عن مثله إلا غافل شديد الغفلة ثم(3/163)
أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ (68)
أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ (68)
{أَنتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ} غافلون(3/163)
مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلَى إِذْ يَخْتَصِمُونَ (69)
مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلَى إِذْ يَخْتَصِمُونَ (69)
{مَا كَانَ لِىَ} حفص {مِنْ عِلْمٍ بالملإ الأعلى إِذْ يَخْتَصِمُونَ} احتج لصحة نبوته بأن ما ينبىء به عن الملإ الأعلى واختصامهم أمر ما كان له به من علم قط ثم علمه ولم يسلك الطريق الذي يسلكه الناس فى علم مالم يعلموا وهو الأخذ من أهل العلم وقراءة الكتب فعلم أن ذلك لم يحصل له إلا بالوحي من الله تعالى(3/163)
إِنْ يُوحَى إِلَيَّ إِلَّا أَنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (70)
إِنْ يُوحَى إِلَيَّ إِلَّا أَنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (70)
{إِن يوحى إِلَىَّ إِلاَّ أَنَّمَا أَنَاْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ} أي لأنما أنا نذير مبين ومعناه(3/163)
مايوحى إلي إلا للإنذار فحذف اللام وانتصب بإفضاء الفعل إليه ويجوز أن يرتفع على معنى ما يوحى إلي إلا هذا وهو أن أنذر وأبلغ ولا أفرط في ذلك أي ما أمر إلا بهذا الأمر وحده وليس لي غير ذلك وبكسر إِنَّمَا يزيد على الحكاية أي إلا هذا القول وهو أن أقول لكم إنما أنا نذير مبين ولا أدعي شيئاً آخر وقيل النبأ العظيم قصص آدم والأنبياء به من غير سماع من أحد وعن ابن عباس رضى الله عنهما القرآن وعن الحسن يوم القيامة والمراد بالملإ الأعلى أصحاب القصة الملائكة وآدم وإبليس لأنهم كانوا فى السماء وكان التقاول بينهم وإذ يَخْتَصِمُونَ متعلق بمحذوف إذ المعنى ما كان لي من علم بكلام الملإ الأعلى وقت اختصامهم(3/164)
إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ (71)
إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ (71)
{إِذْ قَالَ رَبُّكَ} بدل من إِذْ يَخْتَصِمُونَ أي في شأن آدم حين قال تعالى على لسان ملك {للملائكة إِنِّى خالق بَشَراً مِّن طِينٍ} وقال إِنّي جَاعِلٌ فِى الأرض خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا(3/164)
فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (72)
فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (72)
{فإذا سويته} فَإِذَا سَوَّيْتُهُ فإذا أتممت خلقته وعدلته {وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِى}
الذي خلقته وأضافه إليه تخصيصاً كبيت الله وناقة الله والمعنى أحييته وجعلته حساساً متنفساً {فَقَعُواْ} أمر من وقع يقع أي اسقطوا على الأرض والمعنى اسجدوا {لَهُ ساجدين} قيل كان انحناء يدل على التواضع وقيل كان سجدة لله أو كان سجدة التحية(3/164)
فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (73)
فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (73)
{فَسَجَدَ الملائكة كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ} كل للإحاطة وأجمعون للاجتماع فأفاد أنهم سجدوا عن آخرهم جميعهم في وقت واحد غير متفرقين في أوقات(3/164)
إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (74)
إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (74)
{إلا إبليس استكبر} تعظيم عن السجود وَكَانَ مِنَ الكافرين وصار من الكافرين بإباء الأمر(3/164)
قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ (75)
قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ (75)
{قال يا إبليس مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ} ما منعك عن السجود {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَىَّ}(3/164)
أي بلا واسطة امتثالاً لأمري وإعظاماً لخطابي وقد مر أن ذا اليدين يباشر أكثر أعماله بيده فغلبت العمل باليدين على سائر الأعمال التي تباشر بغيرهما حتى قيل في عمل القلب هو ماعملت يداك وحتى قيل لمن لا يدين له يداك أو كنا وفوك نفخ وحتى لم يبق فرق بين قولك هذا مما عملته وهذا مما عملته يداك ومنه قوله مِمَّا عَمِلَتْ أيدينا ولما خَلَقْتُ بِيَدَىَّ {أَسْتَكْبَرْتَ} استفهام إنكار {أَمْ كُنتَ مِنَ العالين} ممن علوت وفقت وقيل أستكبرت الآن أم لم تزل مذ كنت من المستكبرين(3/165)
قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (76)
قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (76)
{قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ} يعني لو كان مخلوقاً من نار لما سجدت له لأنه مخلوق مثلي فكيف أسجد لمن هو دوني لأنه من طين والنار تغلب الطين وتأكله وقد جرت الجملة الثانية من الأولى وهى خلقتي مِن نَّارٍ مجرى المعطوف عطف البيان والإيضاح(3/165)
قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (77)
قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (77)
{قَالَ فاخرج مِنْهَا} من الجنة أو من السموات أو من الخلقة التي أنت فيها لأنه كان يفتخر بخلقته فغير الله خلقته واسود بعد ما كان أبيض وقبح بعد ما كان حسنا واظلم بعد ما كان نورانياً {فَإِنَّكَ رَجِيمٌ} مرجوم أي مطرود تكبر إبليس أن يسجد لمن خلق من طين وزل عنه أن الله أمر به ملائكته واتبعوا أمره إجلالاً لخطابه وتعظيماً لأمره فصار مرجوماً ملعوناً بترك أمره(3/165)
وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ (78)
وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ (78)
{وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِى} بفتح الياء مدني أي إبعادي من كل الخير {إلى يَوْمِ الدين} أي يوم الجزاء ولا يظن أن لعنته غايتها يوم الدين ثم تنقطع لأن معناه أن عليه اللعنة في الدنيا وحدها فإذا كان يوم الدين اقترن بها العذاب فينقطع الانفراد أو لما كان عليه اللعنة في أوان الرحمة فأولى أن تكون عليه في غير أوانها وكيف تنقطع وقد قال الله تعالى فَأَذَّنَ مُؤَذّنٌ بَيْنَهُمْ أَن(3/165)
لَّعْنَةُ الله على الظالمين(3/166)
قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (79)
قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (79)
{قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِى} فأمهلني {إلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ}(3/166)
قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (80)
قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (80)
{قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ المنظرين}(3/166)
إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (81)
إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (81)
{إلى يَوْمِ الوقت المعلوم} الوقت المعلوم الوقت الذي تقع فيه النفخة الأولى ويومه اليوم الذى هو وقت النفخة جزء من أجزائه ومعنى
ص (88 - 82)
الزمر (2 - 1)
المعلوم أنه معلوم عند الله معين لا يتقدم ولا يتأخر(3/166)
قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82)
قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82)
{قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} أي أقسم بعزة الله وهي سلطانه وقهره(3/166)
إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (83)
إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (83)
{إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ المخلصين} وبكسر اللام مكي وبصرى وشامى(3/166)
قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ (84)
قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ (84)
{قَالَ فالحق} بالرفع كوفي غير عليّ على الابتداء أى الحق منى أو على الخبر أي أنا الحق وغيرهم بالنصب على أنه مقسم به كقوله الله لأفعلن كذا يعني حذف عنه الباء فانتصب وجوابه لأَمْلاَنَّ {والحق أَقُولُ} اعتراض بين المقسم به والمقسم عليه وهو منصوب بأقول ومعناه ولاأقول إلا الحق والمراد بالحق اما اسمه عز وجل الذي في قوله أَنَّ الله هُوَ الحق أو الحق الذي هو نقيض الباطل عظمه الله بإقسامه به(3/166)
لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ (85)
لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ (85)
{لأَمْلاَنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ} من جنسك وهم الشياطين {وَمِمَّن تَبِعَكَ مِنْهُمْ} من ذرية آدم {أَجْمَعِينَ} أي لأملأن جهنم من المتبوعين والتابعين أجمعين لا أترك منهم أحدا(3/166)
قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ (86)
قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ (86)
{قل ما أسألكم عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ} الضمير للقرآن أو للوحي {وَمَا أَنَا مِنَ المتكلفين} من الذين يتصنعون ويتحللون بما ليسوا من أهله وما عرفتموني قط متصنعاً ولا مدعياً بما ليس عندي حتى أنتحل النبوة وأتقول القرآن(3/166)
إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (87)
إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (87)
{إِنْ هُوَ} ما القرآن {إِلاَّ ذِكْرٌ} من الله {للعالمين} للثقلين أوحى إليّ فأنا أبلغه(3/166)
وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم للمتكلف ثلاث علامات ينازع من فوقه ويتعاطى مالا ينال ويقول مالا يعلم(3/167)
وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ (88)
وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ (88)
{ولتعلمن نبأه} نبأ القرآن ومافيه من الوعد والوعيد وذكر البعث والنشور {بَعْدَ حِينِ} بعد الموت أو يوم بدر أو يوم القيامة ختم السورة بالذكر كما افتتحها بالذكر والله الموفق(3/167)
سورة الزمر مكية وهى خمس وسبعون آية
بسم الله الرحمن الرحيم(3/168)
تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (1)
تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (1)
{تَنزِيلُ الكتاب} أي القرآن مبتدأ خبره {مِنَ الله} أى نزل من عند الله أو خبر مبتدأ محذوف والجار صلة التنزيل أو غير صلة بل هو خبر بعد خبر أو خبر مبتدإ محذوف تقديره هذا تنزيل الكتاب هذا من الله {العزيز} في سلطانه {الحكيم} في تدبيره(3/168)
إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ (2)
إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ (2)
{إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الكتاب بالحق} هذا ليس بتكرار
الزمر (5 - 2)
لأن الأول كالعنوان للكتاب والثاني لبيان ما في الكتاب {فاعبد الله مُخْلِصاً} حال {لَّهُ الدين} أي ممحضاً له الدين من الشرك والرياء بالتوحيد وتصفية السر فالدين منصوب بمخلصا وقرىء الدين بالرفع وحق من رفعه أن يقرأ مخلصا(3/168)
أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ (3)
أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ (3)
{أَلاَ لِلَّهِ الدين الخالص} أي هو الذي وجب اختصاصه بأن تخلص له الطاعة من كل شائبة كدر لاطلاعه على الغيوب والأسرار وعن قتادة الدين الخالص شهادة أن لا إله إلا الله وعن الحسن الإسلام {والذين اتخذوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ} أي آلهة وهو مبتدأ محذوف الخبر تقديره والذين(3/168)
عبدوا الأصنام يقولون {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى الله زُلْفَى} مصدر أي تقريباً {إِنَّ الله يَحْكُمُ بينهم} بين المسلمين والمشركين {فيما هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} قيل كان المسلمون إذا قالوا لهم من خلق السموات والأرض قالوا الله فإذا قالوا لهم فما لكم تعبدون الأصنام قالوا ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى والمعنى أن الله يحكم يوم القيامة بين المتنازعين من الفريقين {إِنَّ الله لاَ يَهْدِى مَنْ هُوَ كاذب كَفَّارٌ} أي لا يهدي من هو في علمه أنه يختار الكفر يعني لا يوفقه للهدى ولا يعينه وقت اختياره الكفر ولكنه يخذله وكذبهم قولهم في بعض من اتخذوا من دون الله أولياء بنات الله ولذا عقبه محتجاً عليهم بقوله(3/169)
لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لَاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (4)
لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لَاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (4)
{لَّوْ أَرَادَ الله أَن يَتَّخِذَ وَلَداً لاصطفى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ} أي لو جاز اتخاذ الولد على ما تظنون لاختار مما يخلق ما يشاء لا ما تختارون أنتم وتشاؤون {سبحانه} نزه ذاته عن أن يكون له أخذ ما نسبوا إليه من الأولياء والأولاد ودل على ذلك بقوله {هُوَ الله الواحد القهار} يعني أنه واحد متبريء عن انضمام الأعداد متعال عن التجزؤ والولاد قهار غلاب لكل شيء ومن الأشياء آلهتهم فأنى يكون له أولياء وشركاء ثم دل بخلق السموات والأرض وتكوير كل واحد من الملوين على الآخر وتسخير النيرين وجريهما لأجل مسمى وبث الناس على كثرة عددهم من نفس واحدة وخلق الأنعام على أنه واحد لا يشارك قهار لا يغالب بقوله(3/169)
خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أَلَا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ (5)
خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أَلَا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ (5)
{خلق السماوات والأرض بالحق يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل} والتكوير اللف واللي يقال كار العمامة على رأسه وكورها(3/169)
والمعنى أن كل واحد منهما يغيّب الآخر إذا طرأ عليه فشبه في تغييبه إياه بشيء ظاهر لف عليه ما غيبه عن مطامح الأبصار وأن هذا يكر على هذا كروراً متتابعاً فشبه ذلك بتتابع أكوار العمامة بعضها على أثر بعض {وَسَخَّرَ الشمس والقمر كُلٌّ يَجْرِى لأَجَلٍ مسمى}
أي يوم القيامة {إِلاَّ هُوَ العزيز} الغالب القادر على عقاب من لم يعتبر بتسخير الشمس والقمر فلم يؤمن بمسخرهما {الغفار} لمن فكر واعتبر فآمن بمدبرهما(3/170)
خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (6)
خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (6)
{خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ واحدة} أي آدم عليه السلام {ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا} أي حواء من قُصَيراه قيل أخرج ذرية آدم من ظهره كالذر ثم خلق بعد ذلك حواء {وَأَنزَلَ لَكُمْ مِّنَ الأنعام} أي جعل عن الحسن أو خلقها في الجنة مع آدم عليه السلام ثم أنزلها أو لأنها لا تعيش إلا بالنبات والنبات لا يقوم إلا بالماء وقد أنزل الماء فكأنه أنزلها {ثمانية أزواج} ذكر وأنثى من الإبل والبقر والضأن والمعز كما بين في سورة الأنعام والزوج اسم لواحد معه آخر فإذا انفرد فهو فرد ووتر {يَخْلُقُكُمْ فِى بُطُونِ أمهاتكم خَلْقاً مِّن بَعْدِ خَلْقٍ} نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم إلى تمام الخلق {فِى ظلمات ثلاث} ظلمة البطن والرحم والمشيمة أو ظلمة الصلب والبطن والرحم {ذلكم} الذي هذه مفعولاته هو {الله رَبُّكُمْ لَهُ الملك لا إله إِلاَّ هُوَ فأنى تصرفون} فكيف يعدل بكم عن عبادته إلى عبادة غيره ثم بين أنه غني عنهم بقوله(3/170)
إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (7)
إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (7)
{إِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ الله غَنِىٌّ عَنكُمْ} عن إيمانكم وأنتم محتاجون إليه(3/170)
لتضرركم بالكفر وانتفاعكم بالإيمان {وَلاَ يرضى لِعِبَادِهِ الكفر} لأن الكفر ليس برضا الله تعالى وإن كان بإرادته {وَإِن تَشْكُرُواْ} فتؤمنوا {يَرْضَهُ لَكُمْ} أي يرض الشكر لكم لأنه سبب فوزكم فيثيبكم عليه الجنة يرضه بضم الهاء والإشباع مكي وعلي يرضه بضم الهاء بدون الإشباع نافع وهشام وعاصم غير يحيى وحماد وغيرهم يرضه {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أخرى} أي لا يؤاخذ أحد بذنب آخر {ثُمَّ إلى رَبِّكُمْ مَّرْجِعُكُمْ} إلى جزاء ربكم رجوعكم {فَيُنَبّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} فيخبركم بأعمالكم ويجازيكم عليها {إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصدور} بخفيات القلوب(3/171)
وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ (8)
وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ (8)
{وَإِذَا مَسَّ الإنسان} هو أبو جهل أو كل كافر {ضُرٌّ} بلاء وشدة والمس في الأعراض مجاز {دَعَا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ} راجعاً إلى الله بالدعاء لا يدعو غيره {ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ} أعطاه {نِعْمَةً مِّنْهُ} من الله عز وجل {نَسِىَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِن قَبْلُ} أى
الزمر (10 - 8)
نسى ربه الذى كان يتضرع إليه وما بمعنى من كقوله وَمَا خَلَقَ الذكر والانثى أو نسي الضر الذي كان يدعو الله إلى كشفه {وَجَعَلَ لِلَّهِ أَندَاداً} أمثالاً {لِيُضِلَّ} ليضل مكى وأبوعمرو ويعقوب {عَن سَبِيلِهِ} أي الإسلام {قُلْ} يا محمد {تَمَتَّعَ} أمر تهديد {بِكُفْرِكَ قَلِيلاً} أي في الدنيا {إِنَّكَ مِنْ أصحاب النار} من أهلها(3/171)
أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (9)
أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (9)
{أَمَّنْ} قرأ بالتخفيف مكي ونافع وحمزة على إدخال همزة الاستفهام على من وبالتشديد غيرهم على ادخال أم عليه ومن مبتدأ خبره محذوف تقديره أمن {هُوَ قَانِتٌ} كغيره أي أمن هو مطيع كمن هو عاص والقانت المطيع لله وإنما حذف لدلالة الكلام عليه وهو جرى ذكر الكافر قبله وقوله بعده قُلْ هَلْ يَسْتَوِى الذين يَعْلَمُونَ والذين(3/171)
لاَ يَعْلَمُونَ {آناء الليل} ساعاته {ساجدا وَقَائِماً} حالان من الضمير في قانت {يحذر الآخرة} أى عذاب الآخرة {ويرجو رَحْمَةَ رَبِّهِ} أي الجنة ودلت الآية على أن المؤمن يجب أن يكون بين الخوف والرجاء يرجو رحمته لا عمله ويحذر عقابه لتقصيره في عمله ثم الرجاء إذا جاوز حده يكون أمناً والخوف إذا جاوز حده يكون أياما وقد قال الله تعالى فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ الله إِلاَّ القوم الخاسرون وقال إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون فيجب أن لا يجاوز أحدهما حده {قُلْ هَلْ يَسْتَوِى الذين يَعْلَمُونَ والذين لاَ يَعْلَمُونَ} أي يعلمون ويعملون به كأنه جعل من لا يعمل غير عالم وفيه ازدراء عظيم بالذين يقتنون العلوم ثم لا يقنتون ويفتنّون فيها ثم يفتنون بالدنيا فهم عند الله جهله حيث جعل الفانتين هم العلماء أو أريد به التشبيه أي كما لا يستوي العالم والجاهل كذلك لا يستوي المطيع والعاصي {إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ الألباب} جمع لب أي إنما يتعظ بوعظ الله أولوا العقول(3/172)
قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (10)
قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (10)
{قل يا عباد الذين آمنوا} بلا ياء عند الأكثر {اتقوا رَبَّكُمُ} بامتثال أوامره واجتناب نواهيه {لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ فِى هذه الدنيا حَسَنَةٌ} أي أطاعوا الله في الدنيا وفى يتعلق بأحسنوا لا بحسنة معناه الذين أحسنوا في هذه الدنيا فلهم حسنة في الآخرة وهي دخول الجنة أي حسنة لا توصف وقد علقه السدى بحسنة ففسر الحسنة بالصحة والعافية ومعنى {وَأَرْضُ الله وَاسِعَةٌ} أي لا عذر للمفرطين في الإحسان البتة حتى إن اعتلوا بأنهم لا يتمكنون في أوطانهم من التوفر على الإحسان قيل لهم فإن أرض الله واسعة وبلاده كثيرة فتحولوا إلى
الزمر (16 - 10)
بلاد أخر واقتدوا بالأنبياء والصالحين في مهاجرتهم إلى غير بلادهم ليزدادوا إحساناً إلى إحسانهم وطاعة إلى طاعتهم {إِنَّمَا يُوَفَّى الصابرون} على مفارقة أوطانهم وعشائرهم وعلى غيرها من تجرع(3/172)
الغصص واحتمال البلايا في طاعة الله وازدياد الخير {أَجْرَهُمْ بغير حساب} عن ابن عباس رضى الله عنهما لا يهتدي إليه حساب الحسّاب ولا يعرف وهو حال من الأجر أي موفراً(3/173)
قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ (11)
قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ (11)
{قُلْ إِنِّى أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ الله} بأن أعبد الله {مُخْلِصاً لَّهُ الدين} أي أمرت باخلاص الدين(3/173)
وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ (12)
وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ (12)
{وَأُمِرْتُ لأَِنْ أَكُونَ أَوَّلَ المسلمين} وأمرت بذلك لأجل أن أكون أول المسلمين أي مقدمهم وسابقهم في الدنيا والآخرة والمعنى أن الإخلاص له السبقة فى الدنيا فمن أخلص كان سابقاً فالأول أمر بالعبادة مع الإخلاص والثاني بالسبق فلاختلاف جهتيهما نزلاً منزلة المختلفين فصح عطف أحدهما على الآخر(3/173)
قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (13)
قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (13)
{قُلْ إِنّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} لمن دعاك بالرجوع إلى دين آبائك وذلك أن كفار قريش قالوا له عليه السلام الاتنظر إلى أبيك وجدك وسادات قومك يعبدون اللات والعزى فنزلت رداً عليهم(3/173)
قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي (14)
قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي (14)
{قُلِ الله أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَّهُ دِينِى} وهذه الآية إخبار بأنه يخص الله وحده بعبادته مخلصاً له دينه دون غيره والأولى إخبار بأنه مأمور بالعبادة والإخلاص فالكلام أولاً واقع في نفس الفعل وإثباته وثانياً فيما يفعل الفعل لأجله ولذلك رتب عليه قوله(3/173)
فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (15)
فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (15)
{فاعبدوا مَا شِئْتُمْ مِّن دُونِهِ} وهذا أمر تهديد وقيل له عليه السلام إن خالفت دين آبائك فقد خسرت فنزلت {قُلْ إِنَّ الخاسرين} أي الكاملين في الخسران الجامعين لوجوهه وأسبابه {الذين خَسِرُواْ أَنفُسَهُم} بإهلاكها في النار {وَأَهْلِيهِمْ} أي وخسروا أهليهم {يَوْمُ القيامة} لأنهم أضلوهم فصاروا إلى النار ولقد وصف خسرانهم بغاية الفظاعة في قوله {أَلاَ ذَلِكَ هُوَ الخسران المبين} حيث صدر(3/173)
الجملة بحرف التنبيه ووسط الفصل بين المبتدأ والخبر وعرف الخسران ونعته بالمبين وذلك لأنهم استبدلوا بالجنة ناراً وبالدرجات دركات(3/174)
لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ (16)
لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ (16)
{لَهُمْ مِّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ} أطباق {مِّنَ النار وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ} أطباق من النار وهي ظلل لآخرين أي النار محيطة بهم {ذلك الذي} وصف من العذاب أو ذلك الظلل {يُخَوِّفُ الله بِهِ عِبَادَهُ} ليؤمنوا به ويجتنبوا مناهيه {يا عباد فاتقون} ولا تتعرضوا لما يوجب سخطي خوّفهم بالنار ثم حذرهم نفسه(3/174)
وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ (17)
وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ (17)
{والذين اجتنبوا الطاغوت}
الشياطين فعلوت من الطغيان كالملكوت والرحموت إلا أن فيها قلباً بتقديم اللام على العين أطلقت على الشيطان أو الشياطين لكون الطاغوت مصدراً وفيها مبالغات وهي التسمية بالمصدر كأن عين الشيطان طغيان وأن البناء بناء مبالغة فإن الرحموت الرحمة الواسعة والملكوت الملك المبسوط والقلب وهو للاختصاص إذ لا تطلق على غير الشيطان والمراد بها ههنا الجمع وقريء الطواغيت {أَن يَعْبُدُوهَا} بدل الاشتمال من الطاغوت أي عبادتها {وَأَنَابُواْ} رجعوا {إِلَى الله لَهُمُ البشرى} هي البشارة بالثواب تتلقاهم الملائكة عند حضور الموت مبشرين وحين يحشرون {فَبَشِّرْ عِبَادِ}(3/174)
الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ (18)
الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ (18)
{الذين يَسْتَمِعُونَ القول فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ} هم الذين اجتنبوا وأنابوا وإنما أراد بهم أن يكونوا مع الاجتناب والإنابة على هذه الصفة فوضع الظاهر موضع الضمير أراد أن يكونوا نقاداً في الدين يميزون بين الحسن والأحسن والفاضل والأفضل فإذا اعترضهم أمران واجب وندب اختاروا الواجب وكذا المباح والندب حرصا على ما هو أقرب عند الله وأكثر ثواباً أو يستمعون القرآن وغيره فيتبعون القرآن أو يستمعون أوامر الله فيتبعون أحسنها نحو القصاص والعفو ونحو ذلك أو يستمعون الحديث مع(3/174)
القوم فيه محاسن ومساو فيحدث بأحسن ما سمع ويكف عما سواه {أُوْلَئِكَ الذين هَدَاهُمُ الله وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُواْ الألباب} أي المنتفعون بعقولهم(3/175)
أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ (19)
أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ (19)
{أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ العذاب أَفَأَنتَ تُنقِذُ مَن فِى النار} أصل الكلام أمن حق عليه كلمة العذاب أى وجب أفانت تنقذه جملة شرطية دخلت عليها همزة الانكار والفاء فاء الجزاء ثم دخلت الفاء التي في أولها للعطف على محذوف تقديره أأنت مالك أمرهم فمن حق عليه كلمة العذاب فأنت تنقذه والهمزة الثانية هي الأولى كررت لتوكيد معنى الانكار ووضع مَن فِى النار موضع الضمير أي تنقذه فالآية على هذا جملة واحدة أو معناه أفمن حق عليه كلمة العذاب ينجو منه أفأنت تنقذه أي لا يقدر أحد أن ينقذ من أضله الله وسبق في علمه أنه من أهل النار(3/175)
لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ (20)
لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ (20)
{لكن الذين اتقوا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِّن فَوْقِهَا غُرَفٌ} أي لهم منازل في الجنة رفيعة وفوقها منازل أرفع منها يعني للكفار ظلل من النار وللمتقين غرف {مَّبْنِيَّةٌ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأنهار} أي من تحت منازلها {وَعْدَ الله لاَ يُخْلِفُ الله الميعاد} وعد الله مصدر مؤكد لأن قوله لَهُمْ غُرَفٌ في معنى وعدهم الله ذلك(3/175)
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ (21)
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ (21)
{أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله أَنزَلَ مِنَ السمآء مَآءً} يعني المطر وقيل كل ماء في الأرض فهو من السماء ينزل منها إلى الصخرة ثم يقسمه الله {فَسَلَكَهُ} فادخله {يَنَابِيعَ فِى الأرض} عيوناً ومسالك ومجاري كالعروق في الأجساد وينابيع نصب على الحال أو على الظرف وفى الأرض صفة لينابيع {ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ} بالماء {زَرْعاً مُّخْتَلِفاً أَلْوَانُهُ}
هيئاته من خضرة وحمرة وصفرة وبياض أو أصنافه من بر وشعير وسمسم وغير ذلك {ثُمَّ يَهِيجُ} يجف {فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً} بعد نضارته وحسنه {ثُمَّ يَجْعَلُهُ حطاما} فتاتاً متكسراً(3/175)
فالحطام ما تفتت وتكسر من النبت وغيره {إِنَّ فِى ذلك} في إنزال الماء وإخراج الزرع {لذكرى لأُِوْلِى الألباب} لتذكيراً وتنبيهاً على أنه لا بد من صانع حكيم وأن ذلك كائن عن تقدير وتدبير لا عن إهمال وتعطيل(3/176)
أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (22)
أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (22)
{أَفَمَن شَرَحَ الله صَدْرَهُ} أي وسع صدره {للإسلام} فاهتدى وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشرح فقال إذا دخل النور القلب انشرح وانفسح فقيل فهل لذلك من علامة قال نعم الإنابة إلى دار الخلود والتجافي عن دار الغرور والاستعداد للموت قبل نزول الموت {فَهُوَ على نُورٍ مِّن رَّبّهِ} بيان وبصيرة والمعنى أفمن شرح الله صدره فاهتدى كمن طبع على قلبه فقسا قلبه فحذف لأن قوله {فَوَيْلٌ للقاسية قُلُوبُهُمْ} يدل عليه {مِّن ذِكْرِ الله} أي من ترك ذكر الله أو من أجل ذكر الله أي إذا ذكر الله عندهم أو آياته ازدادت قلوبهم قساوة كقوله فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إلى رِجْسِهِمْ {أُوْلَئِكَ فِى ضلال مُّبِينٍ} غواية ظاهرة(3/176)
اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (23)
اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (23)
{الله نَزَّلَ أَحْسَنَ الحديث} في إيقاع اسم الله مبتدا أو بناء نَزَّلَ عليه تفخيم لأحسن الحديث {كتابا} بدل من أَحْسَنَ الحديث أو حال منه {متشابها} يشبه بعضه بعضاً في الصدق والبيان والوعظ والحكمة والإعجاز وغير ذلك {مَّثانِىَ} نعت كتابا جمع مثنى بمعنى مردد ومكرر لما ثنى من قصصه وأنبائه وأحكامه وأوامره ونواهيه ووعده ووعيده ومواعظه فهو بيان لكونه متشابهاً لأن القصص المكررة وغيرهما لا تكون إلا متشابهة وقيل لأنه يثنّى في التلاوة فلا يمل وإنما جاز وصف الواحد بالجمع لأن الكتاب جملة ذات تفاصيل وتفاصيل الشيء هي جملته ألا تراك(3/176)
تقول القرآن أسباع وأخماس وسور وآيات فكذلك تقول أقاصيص وأحكام ومواعظ مكررات أو منصوب على التمييز من متشابها كما تقول رأيت رجلاً حسناً شمائل والمعنى متشابهة مثانية {تَقْشَعِرُّ} تضطرب وتتحرك {مِنْهُ جُلُودُ الذين يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ} يقال اقشعر الجلد إذا تقبض تقبضاً شديداً والمعنى أنهم إذا سمعوا بالقرآن وبآيات وعيده أصابتهم خشية تقشعر منها جلودهم وفي الحديث إذا اقشعر جلد المؤمن من خشية الله تحاتّت عنا ذنوبه كما يتحات عن الشجرة اليابسة ورقها {ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إلى ذِكْرِ الله} أي إذا ذكرت آيات الرحمة لانت جلودهم وقلوبهم وزال عنها ما كان بها من الخشية والقشعريرة وعدى بالى لتضمنه معنى فعل متعد بالى كأنه قيل اطمأنت إلى ذكر الله لينة غير منقبضة واقتصر على ذكر الله من غير ذكر الرحمة لأن رحمته سبقت غضبه فلا صالة رحمته إذا ذكر الله لم يخطر بالبال إلا كونه رؤوفا رحيما
الزمر (29 - 23)
وذكرت الجلود وحدها أولاً ثم قرنت بها القلوب ثانياً لأن محل الخشية القلب فكان ذكرها يتضمن ذكر القلوب {ذلك} إشارة إلى الكتاب وهو {هُدَى الله يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاءُ} مِنْ عِبَادِهِ وهو من علم منهم اختيار الاهتداء {وَمَن يُضْلِلِ الله} يخلق الضلالة فيه {فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} إلى الحق(3/177)
أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (24)
أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (24)
{أَفَمَن يَتَّقِى بِوَجْهِهِ سُوءَ العذاب يَوْمَ القيامة} كمن أمن من العذاب فحذف الخبر كما حذف في نظائره وسوء العذاب شدته ومعناه أن الإنسان إذا لقي مخوفاً من المخاوف استقبله بيده وطلب أن بقى بها وجهه لأنه أعز أعضائه عليه والذي يلقى في النار يلقى مغلولة يداه إلى عنقه فلا يتهيأ له أن يتقي النار إلا بوجهه الذي كان يتقي المخاوف بغيره وقاية له ومحاماة عليه(3/177)
{وقيل للظالمين} أن تقول لهم خزنة النار {ذُوقُواْ} وبال {مَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ} أي كسبكم(3/178)
كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ (25)
كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ (25)
{كَذَّبَ الذين مِن قَبْلِهِمْ} من قبل قريش {فأتاهم العذاب مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ} من الجهة التي لا يحتسبون ولا يخطر ببالهم أن الشر يأتيهم منها بينما هم آمنون إذا فوجئوا من مأمنهم(3/178)
فَأَذَاقَهُمُ اللَّهُ الْخِزْيَ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (26)
فَأَذَاقَهُمُ اللَّهُ الْخِزْيَ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (26)
{فَأَذَاقَهُمُ الله الخزى} الذل والصغار كالمسخ والخسف والقتل والجلاء ونحو ذلك من عذاب الله {فِى الحياة الدنيا وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَكْبْرُ} من عذاب الدنيا {لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ} لآمنوا(3/178)
وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (27)
وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (27)
{ولقد ضربنا لِلنَّاسِ فِي هذا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ لعلهم يتذكرون} ليتعظوا(3/178)
قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (28)
قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (28)
{قرآنا عَرَبِيّاً} حال مؤكدة كما تقول جاءني زيد رجلاً صالحاً وإنساناً عاقلاً فتذكر رجلاً أو إنساناً توكيداً أو نصب على المدح {غَيْرَ ذِى عِوَجٍ} مستقيماً بريئاً من التناقض والاختلاف ولم يقل مستقيماً للإشعار بأن لا يكون فيه عوج قط وقيل المراد بالعوج الشك {لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} الكفر(3/178)
ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (29)
ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (29)
{ضَرَبَ الله مَثَلاً رَّجُلاً} بدل {فِيهِ شُرَكَآءُ متشاكسون} متنازعون ومختلفون {وَرَجُلاً سَلَماً} مصدر سلم والمعنى ذا سلامة {لِرَجُلٍ} أي ذا خلوص له من الشركة سالماً مكي وأبو عمرو واى خالصاً له {هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً} صفة وهو تمييز والمعنى هل تستوي صفتاهما وحالاهما وإنما اقتصر في التمييز على الواحد لبيان الجنس وقريء مثلين {الحمد للَّهِ} الذي لا إله إلا هو {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} فيشركون به
الزمر (33 - 30)
غيره مثل الكافر(3/178)
ومعبوديه بعبد اشترك فيه شركاء بينهم تنازع واختلاف وكل واحد منهم يدعي أنه عبده فهم يتجاذبونه ويتعاورونه في مهن شتى وهو متحير لا يدري أيهم يرضي بخدمته وعلى أيهم يعتمد في حاجاته وممن يطلب رزقه وممن يلتمس رفقه فهمه شعاع وقلبه أوزاع والمؤمن بعبد له سيد واحد فهّمه واحد وقلبه مجتمع(3/179)
إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (30)
إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (30)
{إِنَّكَ مَيِّتٌ} أي ستموت {وَإِنَّهُمْ مَّيِّتُونَ} وبالتخفيف من حل به الموت قال الخليل أنشد أبو عمرو ... وتسألني تفسير ميت وميّت ... فدونك قد فسرت إن كنت تعقلُ ...
... فمن كان ذا روح فذلك ميت ... وما الميت إلا من إلى القبر يحملُ ...
كانوا يتربصون برسول الله صلى الله عليه وسلم موته فأخبر أن الموت يعمهم فلا معنى للتربص وشماتة الفاني بالفاني وعن قتادة نعى إلى نبيه نفسه ونعى إليكم أنفسكم أي إنك وإياهم في عداد الموتى لأن ما هو كائن فكأن قد كان(3/179)
ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ (31)
ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ (31)
{ثُمَّ إِنَّكُمْ} أي إنك وإياهم فغلب ضمير المخاطب على ضمير الغيب {يَوْمَ القيامة عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ} فتحتج أنت عليهم بأنك بلغت فكذبوا واجتهدت في الدعوة فلجّوا في العناد ويعتذرون بمالا طائل تحته تقول الأتباع أطعنا ساداتنا وكبراءنا وتقول السادات أغوتنا الشياطين وآباؤنا الأقدمون قال الصحابة رصى الله عنهم أجمعين ما خصومتنا ونحن إخوان فلما قتل عثمان رضى الله عنه قالوا هذه خصومتنا وعن أبي العالية نزلت في أهل القبلة وذلك في الدماء والمظالم التي بينهم والوجه هو الأوّل ألا ترى إلى قوله(3/179)
فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ (32)
فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ (32)
{فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَبَ علَى الله} وقوله والذى جَاء بالصدق وَصَدَّقَ(3/179)
بِهِ وما هو إلا بيان وتفسير للدين تكون بينهم الخصومة كَذَبَ علَى الله افترى عليه بإضافة الولد والشريك إليه (وَكَذَّبَ بالصدق) بالأمر الذي هو الصدق بعينه وهو ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم (إذ جاءه) فاجأه بالتكذيب لما سمع له من غير وقفة لإعمال روية أو اهتمام بتمييز بين حق وباطل كما يفعل أهل النصفة فيما يسمعون (أَلَيْسَ فِى جَهَنَّمَ مَثْوًى للكافرين) أي لهؤلاء الذين كذبوا على الله وكذبوا بالصدق وللام في الكافرين إشارة إليهم(3/180)
وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (33)
وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (33)
{والذى جَآءَ بالصدق وَصَدَّقَ بِهِ} هو رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء بالحق وآمن به وأراد به إياه ومن تبعه كما أراد بموسى إياه وقومه في قوله ولقد آتينا موسى الكتاب لعلهم يهتدون فلذا قال تعالى (أُوْلَئِكَ هُمُ المتقون) وقال الزجاج روى عن علي رضي الله عنه أنه قال والذي جاء بالصدق محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي صدق به أبو بكر الصديق رضي الله عنه ورُوي أن الذي جاء بالصدق محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي صدق
الزمر (39 - 34)
به المؤمنون والكل صحيح كذا له قاله والوجه في العربية أن يكون جاء وصدق لفاعل واحد لأن التغاير يستدعي إضمار الذي وذا غير جائز أو إضمار الفاعل من غير تقدم الذكر وذا بعيد(3/180)
لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ (34)
لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ (34)
{لهم ما يشاؤون عِندَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَآءُ المحسنين}(3/180)
لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ (35)
لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ (35)
{لِيُكَفِّرَ الله عَنْهُمْ أَسْوَأَ الذى عَمِلُواْ وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الذى كَانُواْ يَعْمَلُونَ} إضافة أسوأ وأحسن من إضافة الشيء إلى ما هو بعضه من غير تفضيل كقولك الأشج أعدل بني مروان(3/180)
أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (36)
أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (36)
{أَلَيْسَ الله بِكَافٍ} أدخلت همزة الإنكار على كلمة النفي فأفيد معنى إثبات الكفاية وتقريرها {عبده} أي محمدا صلى الله عليه وسلم عباده حمزة وعلي أي الأنبياء والمؤمنين وهو مثل انا كفيناك المستهزئين(3/180)
{وَيُخَوِّفُونَكَ بالذين مِن دُونِهِ} أي بالأوثان التي اتخذوها آلهة من دونه وذلك أن قريشاً قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم إنا نخاف أن تخبلك آلهتنا وإنا نخشى عليك مضرتها لعيبك إياها {وَمَن يُضْلِلِ الله فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ}(3/181)
وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُضِلٍّ أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقَامٍ (37)
وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُضِلٍّ أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقَامٍ (37)
{وَمَن يَهْدِ الله فَمَا لَهُ مِن مُّضِلٍّ أَلَيْسَ الله بِعَزِيزٍ} بغالب منيع {ذِى انتقام} ينتقم من أعدائه وفيه وعيد لقريش ووعد للمؤمنين بأنه ينتقم لهم منهم وينصرهم عليهم ثم أعلم بأنهم مع عبادتهم الأوثان مقرون بأن الله تعالى خلق السموات والأرض بقوله(3/181)
وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ (38)
وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ (38)
{وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ السماوات والأرض لَيَقُولُنَّ الله قُلْ أَفَرَايْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ الله إِنْ أَرَادَنِىَ الله} بفتح الياء سوى حمزة {بِضُرٍّ} مرض أو فقر أو غير ذلك {هَلْ هُنَّ كاشفات ضُرِّهِ} دافعات شدته ف {أَوْ أَرَادَنِى بِرَحْمَةٍ} صحة أو غنى أو نحوهما {هَلْ هُنَّ ممسكات رَحْمَتِهِ} كاشفات ضُرّهِ وممسكات رحمته بالتنوين على الأصل بصرى وفرض المسألة في نفسه دونهم لأنهم خوفوه معرة الأوثان وتخبيلها بأمر بأن يقررهم أولاً بأن خالق العالم هو الله وحده ثم يقول لهم بعد التقرير فإن أرادني خالق العالم الذي أقررتم به بضر أو برحمة هل يقدرون على خلاف ذلك فلما أفحمهم قل الله تعالى {قُلْ حَسْبِىَ الله} كافياً لمعرة أوثانكم {عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ المتوكلون} يُروى أن النبي صلى الله عليه وسلم سألهم فسكتوا فنزل قُلْ حَسْبِىَ الله وإنما قال كاشفات وممسكات على التأنيث بعد قوله وَيُخَوّفُونَكَ بالذين مِن دونه لانهن إناث وهو اللات والعزى ومناة وفيه تهكم بهم وبمعبوديهم(3/181)
قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (39)
قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (39)
{قل يا قوم اعملوا على مكانتكم} على حالكم
الزمر (42 - 40)
عمل {فسوف تعلمون} التي أنتم عليها وجهتكم من العداوة التي تمكنتم منها والمكانة بمعنى المكان فاستعيرت عن العين للمعنى كما يستعار هنا وحيث للزمان وهما للمكان {إِنِّى عامل} أي على مكانتي وحذف للاختصار ولما فيه من زيادة الوعيد والإيذان بأن حالته تزداد كل يوم قوّة لأن الله تعالى ناصره ومعينه ألا ترى إلى قوله {فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ}(3/182)
مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ (40)
مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ (40)
{مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُّقِيمٌ} كيف توعدهم بكونه منصوراً عليهم غالباً عليهم في الدنيا والآخرة لأنهم إذا أتاهم الخزي والعذاب فذاك عزه وغلبته من حيث إن الغلبة تتم له بعز بعزيز من أوليائه وبذل ذليل من أعدائه ويخزيه صفة للعذاب كمقيم أي عذاب مخزلة وهو يوم بدر وعذاب دائم وهو عذاب النار مكاناتكم أبو بكر وحماد(3/182)
إِنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (41)
إِنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (41)
{إِنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الكتاب} القرآن {لِلنَّاسِ} لأجلهم ولأجل حاجتهم إليه ليبشروا وينذروا فتقوى دواعيهم إلى اختيار الطاعة على المعصية {بالحق فَمَنِ اهتدى فَلِنَفْسِهِ} فمن اختار الهدى فقد نفع نفسه {وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا} ومن اختار الضلالة فقد ضرها {وَمَآ أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ} بحفيظ ثم أخبر بأنه الحفيظ القدير عليهم بقوله(3/182)
اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (42)
اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (42)
{الله يَتَوَفَّى الأنفس حِينَ مِوْتِهَا} الأنفس الجمل كما هي وتوفيها إماتتها وهو أن يسلب ما هي به حية حساسة دراكة {والتى لَمْ تَمُتْ فِى مَنَامِهَا} ويتوفى الأنفس التي لم تمت في منامها أي يتوفاها حين تنام تشبيها للقائمين بالموتى حيث لا يميزون ولا يتصرفون كما أن الموتى كذلك ومنه قوله تعالى وَهُوَ الذي يتوفاكم بالليل {فَيُمْسِكُ} الأنفس {التى قضى} قُضِىَ حمزة وعلي {عَلَيْهَا الموت} الحقيقي أي(3/182)
لا يردها في وقتها حية ( {وَيُرْسِلُ الأخرى} النائمة {إلى أَجَلٍ مُّسَمًّى} إلى وقت ضربه لموتها وقيل يتوفى الأنفس أي يستوفيها ويقبضها وهي الأنفس التي تكون معها الحياة والحركة ويتوفى الأنفس التي لم تمت في منامها وهي أنفس التمييز قالوا التي تتوفى في المنام هي نفس التمييز لا نفس الحياة لأن نفس الحياة إذا زالت زال معها النفسَ والنائم يتنفس ولكل إنسان نفسا إحداهما نفس الحياة وهي التي تفارق عند الموت والأخرى نفس التمييز وهي التي تفارقه إذا نام ورُوي عن ابن عباس رضى الله عنهما في ابن آدم نفس روح بينهما شعاع مثل شعاع الشمس فالنفس هي التي بها العقل والتمييز والروح هي التي بها النفس والتحرك فاذا انام العبد قبض الله نفسه ولم يقبض روحه وعن علي رضي الله عنه قال تخرج الروح عند النوم ويبقى شعاعها في الجسد فبذلك يرى الرؤيا فإذا انتبه من النوم عاد الروح إلى جسده بأسرع من لحظة وعنه ما رأت نفس النائم في السماء فهي الرؤيا الصادقة وما رأت بعد الإرسال فيلقنها الشيطان فهي كاذبة وعن سعيد بن جبير أن أرواح الأحياء وأرواح الأموات تلتقي
الزمر (46 - 42)
في المنام فيتعارف منها ما شاء الله أن يتعارف فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجسادها إلى انقضاء مدة حياتها ورُوي أن أرواح المؤمنين تعرج عند النوم في السماء فمن كان منهم طاهراً أذن له في السجود ومن لم يكن منهم طاهراً لم يؤذن له فيه {إِنَّ فِى ذَلِكَ} إن فى توفى الأنفس مائتة ونائمة وإمساكها وإرسالها إلى أجل {لآيَاتٍ} على قدرة الله وعلمه {لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} يجيلون فيه أفكارهم ويعتبرون(3/183)
أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلَا يَعْقِلُونَ (43)
أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلَا يَعْقِلُونَ (43)
{أَمِ اتخذوا} بل اتخذ قريش والهمزة للإنكار {مِن دُونِ الله} من دون إذنه {شُفَعَآءَ} حين قالوا هؤلاء شفعاؤنا عند الله ولا يشفع عنده أحد إلا بإذنه {قُلْ أولو كَانُواْ لاَ يَمْلِكُونَ شَيْئاً وَلاَ يَعْقِلُونَ} معناه أيشفعون ولو كانوا لا يملكون شيئاً قط ولا عقل لهم(3/184)
قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (44)
قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (44)
{قُل لِلَّهِ الشفاعة جَمِيعاً} أي هو مالكها فلا يستطيع أحد شفاء إلا بإذنه وانتصب جَمِيعاً على الحال {لَّهُ مُلْكُ السماوات والأرض} تقرير لقوله لِلَّهِ الشفاعة جَمِيعاً لأنه إذا كان له الملك كله والشفاعة من الملك كان مالكاً لها {ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} متصل بما يليه معناه له ملك السموات والأرض اليوم ثم إليه ترجعون يوم القيامة فلا يكون الملك في ذلك اليوم إلا له فله ملك الدنيا والآخرة(3/184)
وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (45)
وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (45)
{وَإِذَا ذُكِرَ الله وَحْدَهُ} مدار المعنى على قوله وَحْدَهُ أي إذا أفرد الله بالذكر ولم تذكر معه آلهتهم {اشمأزت} أي نفرت وانقبضت {قُلُوبُ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالآخرة وَإِذَا ذُكِرَ الذين مِن دُونِهِ} يعني آلهتهم ذكر الله معهم أو لم يذكر {إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} لافتتانهم بها وإذا قيل لا إله إلا الله وحده لا شريك له نفروا لأن فيه نفياً لآلهتهم ولقد تقابل الاستبشار والاشمئزاز إذ كل واحد منهما غاية في بابه فالاستبشار أن يمتلىء قلبه سروراً حتى تنبسط له بشرة وجهه ويتهلل والاشمئزاز أن يمتلىء غماً وغيظاً حتى يظهر الانقباض في أديم وجهه والعامل في إِذَا ذُكِرَ هو العامل في إذا المفاجأة تقديره وقت ذكر الذين من دونه فاجؤا وقت الاستبشار(3/184)
قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (46)
قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (46)
{قُلِ اللهم فَاطِرَ السماوات والأرض} أي يا فاطر وليس بوصف كما يقوله المبرد والفراء {عالم الغيب والشهادة} السر والعلانية {أَنتَ تَحْكُمُ}(3/184)
تقضى {بين عبادك فيما كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} من الهدى والضلالة وقيل هذه محاكمة من النبي للمشركين إلى الله وعن ابن المسيب لا أعرف آية قرئت فدعي عندها إلا أجيب سواها وعن الربيع بن خيثم وكان قليل
الزمر (49 - 47)
الكلام أنه أخبر بقتل الحسين رضى الله عنه وقالوا الآن يتكلم فما زاد أن قال آه أو قد فعلوا وقرأ هذه الآية ورُوي أنه قال على أثره قتل من كان صلى الله عليه وسلم يجلسه في حجره ويضع فاه على فيه(3/185)
وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ (47)
وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ (47)
{وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ مَا فِى الأرض جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ} الهاء تعود إلى ما {لاَفْتَدَوْاْ بِهِ مِن سُوءِ العذاب} شدته {يَوْمَ القيامة وَبَدَا لَهُمْ مِّنَ الله مَا لَمْ يَكُونُواْ يَحْتَسِبُونَ} وظهر لهم من سخط الله وعذابه مالم يكن قط في حسبانهم ولا يحدثون به نفوسهم وقيل عملوا أعمالاً حسبوها حسنات فإذا هي سيئات وعن سفيان الثوري أنه قرأها فقال ويل لأهل الرياء ويل لأهل الرياء وجزع محمد بن المنكدر عند موته فقيل له فقال أخشى آية من كتاب الله وتلاها فأنا أخشى أن يبدوا لى من الله مالم أحتسبه(3/185)
وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (48)
وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (48)
{وبدا لهم سيئات ما كسبوا} أى سيآت أعمالهم التى كسبوها أو سيآت كسبهم حين تعرض صحائف أعمالهم وكانت خافية عليهم أو عقاب ذلك {وَحَاقَ بِهِم} ونزل بهم وأحاط {ما كانوا به يستهزؤون} جزاء هزئهم(3/185)
فَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (49)
فَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (49)
{فَإِذَا مَسَّ الإنسان ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خولناه} أي أعطيناه تفضلاً يقال خولني إذا أعطاك على غير جزاء {نِعْمَةً مِّنَّا} ولا تقف عليه لأن جواب إذا {قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ على عِلْمٍ} مني أني سأعطاه لما فيّ من فضل واستحقاق أو على علم مني بوجوه الكسب كما قال قارون على علم عندى وإنما ذكر الضمير في أُوتِيتُهُ وهو للنعمة نظراً إلى المعنى لأن(3/185)
قوله نِعْمَةً مّنَّا شيئاً من النعمة وقسماً منها وقيل ما في إنما موصولة لا كافة فيرجع الضمير إليها أي إن الذي أوتيته على علم {بَلْ هِىَ فِتْنَةٌ} إنكار له كأنه قال ما خولناك من النعمة لما تقول بل هي فتنة أي ابتلاء وامتحان لك أتشكر أم تكفر ولما كان الخبر مؤنثاً أعني فتنة ساغ تأنيث المبتدأ لأجله وقريء بل هو فتنة على وفق إِنَّمَا أُوتِيتُهُ {ولكن أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} أنها فتنة والسبب في عطف هذه الآية بالفاء وعطف مثلها في أول السورة بالواو أن هذه وقعت مسببة عن قوله وَإِذَا ذُكِرَ الله وَحْدَهُ اشمأزت على معنى أنهم يشمئزون من ذكر الله ويستبشرون بذكر الآلهة فإذا مس أحدهم ضر دعا من اشمأز بذكره دون من استبشر بذكره وما بينهما من الآي اعتراض فإن قلت حق الاعتراض أن يؤكد المعترض بينه وبينه قلت ما في الاعتراض من دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم ربه بأمر من الله وقوله أَنتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ ثم ما عقبه من الوعيد العظيم تأكيد لإنكار اشمئزازهم واستبشارهم ورجوعهم إلى الله في الشدائد دون آلهتهم كأنه قيل قل يا رب لا يحكم بيني وبين هؤلاء الذين يجترؤون عليك مثل هذه الجراءة إلا أنت
الزمر (54 - 50)
وقوله ولو أن للذين ظلموا متناول لهم ولكل ظالم إن جعل عاماً أو إياهم خاصة إن عنينهم به كأنه قيل ولو أن لهؤلاء الظالمين مَّا فِي الأرض جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لاَفْتَدَوْاْ به حكم عليهم بسوء العذاب وأما الآية الأولى فلم تقع مسببة وما هي إلا جملة ناسبت جملة قبلها فعطفت عليها بالواو ونحو قام زيد وقعد عمرو وبيان وقوعها مسببة أنك تقول زيد يؤمن بالله فإذا مسه ضر التجأ إليه فهذا تسبيب ظاهر ثم تقول زيد كافر بالله فإذا مسه ضر التجأ إليه فتجيء بالفاء مجيئك بها ثمة كأن الكافر حين التجأ إلى الله التجاء المؤمن إليه مقيم كفره مقام الإيمان في جعله سبباً في الالتجاء(3/186)
قَدْ قَالَهَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (50)
قَدْ قَالَهَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (50)
{قَدْ قَالَهَا} هذه المقالة وهي قوله إِنَّمَا أُوتِيتُهُ على عِلْمٍ {الذين مِن قَبْلِهِمْ} أي قارون وقومه حيث قال إِنَّمَا أُوتِيتُهُ على علم عندى وقومه راضون بها فكأنهم قالوها ويجوز أن يكون في الأمم الخالية(3/186)
آخرون قائلون مثلها {فَمَآ أغنى عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} من متاع الدنيا وما يجمعون منها(3/187)
فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هَؤُلَاءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ (51)
فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هَؤُلَاءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ (51)
{فأصابهم سيئات ما كسبوا} أى جزاء سيآت كسبهم أو سمى جزاء السيئة سيئة للازدواج كقوله وجزاء سيئة سيئة مثلها {والذين ظَلَمُواْ} كفروا {مِنْ هَؤُلآءِ} أي من مشركي قومك {سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُواْ} أي سيصيبهم مثل ما أصاب أولئك فقتل صناديدهم ببدر وحبس عنهم الرزق فقحطوا سبع سنين {وَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ} بفائتين من عذاب الله ثم بسط لهم فمطروا سبع سنين فقيل لهم(3/187)
أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (52)
أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (52)
{أَوَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ الله يَبْسُطُ الرزق لِمَن يَشَآءُ وَيَقْدِرُ} ويضيق وقيل يجعله على قدر الفوت {إِنَّ فِى ذلك لآيات لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} بأنه لا قابض ولا باسط إلا الله عز وجل(3/187)
قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53)
قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53)
{قل يا عبادي الذين} وبسكون الياء بصري وحمزة وعلي {أَسْرَفُواْ على أَنفُسِهِمْ} جنوا عليها بالإسراف في المعاصي والغلو فيها {لاَ تَقْنَطُواْ} لا تيأسوا وبكسر النون علي وبصري {مِن رَّحْمَةِ الله إِنَّ الله يَغْفِرُ الذنوب جَمِيعاً} بالعفو عنها إلا الشرك وفي قراءة النبي عليه السلام يغفر الذنوب جميعاً ولا يبالي ونظير نفي المبالاة نفي الخوف في قوله وَلاَ يَخَافُ عقباها قيل نزلت فى وحشى قاتل حمزة رضى الله عنه وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أحب أن لي الدنيا وما فيها بهذه الآية {إِنَّهُ هُوَ الغفور} بستر عظائم الذنوب {الرحيم} بكشف فظائع الكروب(3/187)
وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ (54)
وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ (54)
{وأنيبوا إلى ربكم} وتوبوا إليه {وأسلموا} وأخلصوا له العمل {مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ العذاب ثم لا تنصرون}
الزمر (59 - 55)
إن لم تتوبوا قبل نزول العقاب(3/188)
وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (55)
وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (55)
{واتبعوا أَحْسَنَ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ} مثل قوله الذين يَسْتَمِعُونَ القول فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ وقوله {مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ العذاب بَغْتَةً وَأَنتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ} أي يفجؤكم وأنتم غافلون كأنكم لا تخشون شيئاً لفرط غفلتكم(3/188)
أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ (56)
أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ (56)
{أَن تَقُولَ} لئلا تقول {نَفْسٌ} إنما نكرت لأن المرد بها بعض الأنفس وهي نفس الكافر ويجوز أن يراد نفس متميزة من الأنفس إما بلجاج في الكفر شديد أو بعذاب عظيم ويجوز أن يراد التكثير {يا حسرتى} الألف بدل من ياء المتكلم وقرىء يا حسرتى على الأصل ويا حسرتاي على الجمع بين العوض والمعوض منه {على ما فرطت} قصرت وما مصدرية مثلها فى بما رحبت {فِى جَنبِ الله} في أمر الله أو في طاعة الله أو في ذاته وفي حرف عبد الله في ذكر الله والجنب الجانب يقال أنا في جنب فلان وجانبه وناحيته وفلان لين الجانب والجنب ثم قالوا فرط في جنبه وفي جانبه يريدون في حقه وهذا من باب الكناية لأنك إذا أثبت الأمر في مكان الرجل وحيزه فقد أثبته فيه ومنه الحديث من الشرك الخفي أن يصلي الرجل لمكان الرجل أي لأجله وقال الزجاج معناه فرط في طريق الله وهو توحيده والاقرار بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم {وَإِن كُنتُ لَمِنَ الساخرين} المستهزئين قال قتادة لم يكفه أن(3/188)
ضيع طاعة الله حتى سخر من أهلها ومحل وَإِن كُنتُ النصب على الحال كأنه قال فرطت وأنا ساخر أي فرطت في حال سخريتي(3/189)
أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (57)
أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (57)
{أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ الله هَدَانِى} أي أعطاني الهداية {لَكُنتُ مِنَ المتقين} من الذين يتقون الشرك قال الشيخ الإمام أبو منصور رحمه الله تعالى هذا الكافر أعرف بهداية الله من المعتزلة وكذا أولئك الكفرة الذين قالوا لأتباعهم لو هدانا الله لهديناكم يقولون لو وفقنا الله للهداية وأعطانا الهدى لدعوناكم إليه ولكن علم منا اختيار الضلالة والغواية فخذلنا ولم يوفقنا والمعتزلة يقولون بل هداهم وأعطاهم التوفيق لكنهم لم يهتدوا والحاصل أن عند الله لطفاً من أعطى ذلك اهتدى وهو التوفيق والعصمة ومن لم يعطه ضل وغوى وكان استحبابه العذاب وتضييعه الحق بعد ما مكن من تحصيله لذلك(3/189)
أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (58)
أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (58)
{أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى العذاب لَوْ أَنَّ لِى كَرَّةً} رجعة إلى الدنيا {فَأَكُونَ مِنَ المحسنين} من الموحدين(3/189)
بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ (59)
بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ (59)
{بلى قد جاءتك آياتي فَكَذَّبْتَ بِهَا واستكبرت وَكُنتَ مِنَ الكافرين} بلى رد من الله كأنه يقول بلى قد جاءتك آياتي وبينت لك الهداية من الغواية وسبيل الحق من الباطل ومكنتك من اختيار الهداية على الغواية واختيار الحق على الباطل ولكن تركت ذلك وضيعته واستكبرت عن قبوله وآثرت الضلالة على الهدى واشتغلت بضد ما أمرت
الزمر (63 - 60)
به فإنما جاء التضييع من قبلك فلا عذر لك وبلى جواب لنفي تقديري لأن المعنى لو أن الله هداني ما هديت وإنما لم يقرن الجواب به لأنه لا بد من حكاية أقوال النفس على ترتيبها ثم الجواب من بينها عما اقتضى الجواب(3/189)
وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ (60)
وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ (60)
{وَيَوْمَ القيامة تَرَى الذين كَذَبُواْ عَلَى الله} وصفوه بما لا يجوز عليه من(3/189)
إضافة الشريك والولد إليه ونفى الصفات عنه {وُجُوهُهُمْ} مبتدأ {مُّسْوَدَّةٌ} خبر والجملة في محل النصب على الحال إن كان ترى من رؤية البصر وإن كان من رؤية القلب فمفعول ثانٍ {أَلَيْسَ فِى جَهَنَّمَ مَثْوًى} منزل {لِّلْمُتَكَبِّرِينَ} هو إشارة إلى قوله واستكبرت(3/190)
وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (61)
وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (61)
{وَيُنَجِّى الله} وَيُنَجّى روح {الذين اتقوا} من الشرك {بِمَفَازَتِهِمْ} بفلاحهم يقال فاز بكذا إذا أفلح به وظفر بمراده منه وتفسير المفازة {لاَ يَمَسُّهُمُ السوء} النار {وَلاَ هُمْ يحزنون} كأنه قيل وما مفازتهم فقيل لا يمسهم السوء أي ينجيهم بنفي السوء والحزن عنهم أي لا يمس أبدانهم أذى ولا قلوبهم خزي أو بسبب منجاتهم من قوله تعالى فلا نحسبنهم بمفازة من العذاب أي بمنجاة منه لأن النجاة من أعظم الفلاح وسبب منجاتهم العمل الصالح ولهذا فسر ابن عباس رضى الله عنهما المفازة بالأعمال الحسنة ويجوز بسبب فلاحهم لأن العمل الصالح سبب الفلاح وهو دخول الجنة ويجوز أن يسمى العمل الصالح في نفسه مفازة لانه سببها ولا محل للايمسهم على التفسير الأول لأنه كلام مستأنف ومحله النصب على الحال على الثاني بمفازاتهم كوفي غير حفص(3/190)
اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (62)
اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (62)
{الله خالق كُلِّ شَىْءٍ} رد على المعتزلة والتنوبة وَهُوَ على كُلِّ شَىْءٍ وَكِيلٌ حافظ(3/190)
لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (63)
لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (63)
{له مقاليد السموات والأرض} أي هو مالك أمرها وحافظها وهو من باب الكناية لان حافظ الخزائن ومدير أمرها هو الذي يملك مقاليدها ومنه قولهم فلان القيت إليه الملك وهى المفاتيح وأحدها مقليد وقيل ولا واحدلها من لفظها والكلمة أصلها فارسية {والذين كَفَرُواْ بآيات الله أُوْلَئِكَ هُمُ الخاسرون} هو متصل بقوله وَيُنَجّى الله الذين اتقوا أي(3/190)
ينجي الله المتقين بمفازاتهم والذين كفروا هم الخاسرون واعترض بينهما بأنه خالق كل شيء فهو مهيمن عليه فلا يخفى عليه شيء من أعمال المكلفين فيها وما يجزون عليها أو بما يليه على ان كل شىء في السموات والأرض فالله خالقه وفاتح بابه والذين كفروا وجحدوا أن يكون الأمر كذلك أولئك هم الخاسرون وقيل سال عثمان رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تفسير قوله له مقاليد السموات والأرض فقال يا عثمان ما سألني عنها أحد قبلك تفسيرها لا إله إلا الله والله أكبر وسبحان الله وبحمده وأستغفر الله ولا حول ولا قوة إلا بالله هو الأول والآخر والظاهر والباطن بيده الخير يحيي ويميت
الزمر (67 - 64)
وهو على كل شيء قدير وتأويله على هذا أن لله هذه الكلمات يوحد بها ويمجد وهي مفاتيح خير السموات والأرض من تكلم بها من المتقين أصابه والذين كفروا بآيات الله وكلمات توحيده وتمجيده أولئك هم الخاسرون(3/191)
قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ (64)
قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ (64)
{قُلْ} لمن دعاك إلى دين آبائك {أَفَغَيْرَ الله تَأْمُرُونِّى أَعْبُدُ} تَأْمُرُونِّىَّ مكي تأمرونني على الأصل شامي تَأْمُرُونِىَ مدني وانتصب أَفَغَيْرَ الله باعبد وتامروني اعتراض ومعناه افغير الله اعبد يأمرك بعد هذا لبيان {أَيُّهَا الجاهلون} بتوحيد الله(3/191)
وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (65)
وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (65)
{وَلَقَدْ أُوْحِىَ إِلَيْكَ وَإِلَى الذين مِن قَبْلِكَ} من الأنبياء عليهم السلام {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عملك} الذى عملت قبل الشرك {وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الخاسرين} وإنما قال لَئِنْ أَشْرَكْتَ على التوحيد والموحى إليهم جماعة لأن معناه أوحي إليك لئن أشركت ليحبطنّ عملك وإلى الذين من قبلك مثله واللام الأولى موطئة للقسم المحذوف والثانية لام الجواب وهذا الجواب ساد مسد الجوابين اعني جواب القسم والشرط وإنما صح هذا الكلام مع علمه تعالى بأن رسله لا يشركون لأن(3/191)
الخطاب للنبي عليه السلام والمراد به غيره ولأنه على سبيل الفرض والمحالات يصح فرضها وقيل لئن طالعت غيري في السر ليحبطن ما بيني وبينك من السر(3/192)
بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (66)
بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (66)
{بل الله فاعبد} رد لما امروه به من عبادة آلهتهم كأنه قال لا تعبد ما أمروك بعبادته بل إن عبدت فاعبد الله فحذف الشرط وجعل تقديم المفعول عوضاً عنه {وَكُنْ مِّنَ الشاكرين} على ما أنعم به عليك من أن جعلك سيد ولد ادم(3/192)
وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (67)
وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (67)
{وَمَا قَدَرُواْ الله حَقَّ قَدْرِهِ} وما عظموه حق عظمته إذ دعوك إلى عبادة غيره ولما كان العظيم من الأشياء إذا عرفه الإنسان حق معرفته وقدره في نفسه حق تقديره عظمه حق تعظيمه قيل وما قدروا الله حق قدره ثم نبههم على عظمته وجلالة شأنه على طريقة التخييل فقال {والأرض جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ القيامة والسماوات مطويات بِيَمِينِهِ} والمراد بهذا الكلام إذا اخذته كما هو بجملتيه ومجموعه تصوير عظمته والتوقيف على كنه جلاله لا غير من غير ذهاب بالقبضة ولا باليمين الى جهة حقيقة أو جهة مجاز والمراد بالأرض الأرضون السبع يشهد لذلك قوله جميعا وقوله والسموات ولأن الموضع موضع تعظيم فهو مقتضٍ للمبالغة والارض مبتدأ وقبضته الخبر وجميعا منصوب على الحال أي والأرض إذا كانت مجتمعة قبضته يوم القيامة والقَبضة المرة من القبض والقُبضة المقدار المقبوض بالكف ويقال أعطني قبضة من كذا تريد معنى القبضة تسمية بالمصدر وكلا المعنيين محتمل والمعنى والأرضون جميعاً قبضته أي ذوات قبضته يقبضهن قبضة واحدة يعني أن الأرضين مع عظمهن وبسطهن لا يبلغن إلا قبضة واحدة من قبضاته كانه يقبضها
الزمر (71 - 68)
قبضة بكف واحدة كما تقول الجزور أكلة لقمان أي لا يفي بأكلة فذة من أكلاته وإذا أريد معنى القبضة فظاهر لأن المعنى أن الأرضين بجملتها مقدار ما يقبضه بكف واحدة والمطويات من الطي الذي هو ضد النشر كما قال(3/192)
يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب وعادة طاوي السجل أن يطويه بيمينه وقيل قبضته ملكه بلا مدافع ولا منازع وبيمينه بقدرته وقيل مطويات بيمينه مفنيات بقسمه لأنه أقسم أن يفنيها {سُبْحَانَهُ وتعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ} ما أبعد من هذه قدرته وعظمته وما أعلاه عما يضاف إليه من الشركاء(3/193)
وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ (68)
وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ (68)
{وَنُفِخَ فِى الصور فَصَعِقَ} مات {مَن فِى السماوات ومن فى الأرض إلا من شاء الله} أي جبريل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت وقيل هم حملة العرش أو رضوان والحور العين ومالك والزبانية {ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أخرى} هي في محل الرفع لأن المعنى ونفخ في الصور نفخة واحدة ثم نفخ فيه نفخة أخرى وإنما حذفت لدلالة أخرى عليها ولكونها معلومة بذكرها في غير مكان {فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ} يقلبون أبصارهم في الجهات نظر المبهوت إذا فاجأه خطب أو ينظرون أمر الله فيهم ودلت الآية على أن النفخة اثنتان الأولى للموت والثانية للبعث والجمهور على أنها ثلاث الأولى للفزع كما قال ونفخ في الصور ففزع والثانية للموت والثالثة للإعادة(3/193)
وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (69)
وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (69)
{وَأَشْرَقَتِ الأرض} أضاءت {بِنُورِ رَبِّهَا} أي بعدله بطريق الاستعارة يقال للملك العادل أشرقت الآفاق بعدلك وأضاءت الدنيا بقسطك كما يقال أظلمت البلاد بجور فلان وقال عليه الصلاة والسلام الظلم ظلمات يوم القيامة وإضافة اسمه إلى الأرض لأنه يزينها حيث ينشر فيها عدله وينصب فيها موازين قسطه ويحكم بالحق بين أهلها ولا ترى أزين للبقاع من العدل ولا أعمر لها منه وقال الإمام أبو منصور رحمه الله يجوز أن يخلق الله نوراً فينور به أرض الموقف وإضافته إليه تعالى للتخصيص كبيت الله(3/193)
وناقة الله {وَوُضِعَ الكتاب} أي صحائف الأعمال ولكنه اكتفى باسم الجنس أو اللوح المحفوظ {وجيء بالنبيين} ليسألهم ربهم عن تبليغ الرسالة وما أجابهم قومهم {والشهداء} الحفظة وقيل هم الأبرار في كل زمان يشهدون على أهل ذلك الزمان {وَقُضِىَ بَيْنَهُمْ} بين العباد {بالحق} بالعدل {وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ} ختم الآية بنفي الظلم كما افتتحها بإثبات العدل(3/194)
وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ (70)
وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ (70)
{وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ} أي جزاءه {وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ} من غير كتاب ولا شاهد وقيل هذه الآية تفسير قوله وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ أي ووفيت كل نفس ما عملت من خير وشر لا يزاد في شر ولا ينقص من خير(3/194)
وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ (71)
وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ (71)
{وَسِيقَ الذين كَفَرُواْ إلى جَهَنَّمَ} سوقاً عنيفاً كما يفعل بالاسارى
الزمر (73 - 71)
والخارجين على السلطان إذا سيقوا إلى حبس أو قتل {زُمَراً} حال أي أفواجاً متفرقة بعضها في اثر بعض {حتى إذا جاؤوها فتحت} بالتخفيف فيهماكوفى {أبوابها} وهي سبعة {وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا} أي حفظة جهنم وهم الملائكة الموكلون بتعذيب أهلها {أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ} من بني آدم {يتلون عليكم آيات رَبِّكُمْ وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَآءَ يَوْمِكُمْ هذا} أي وقتكم هذا وهو وقت دخولهم النار لا يوم القيامة {قَالُواْ بلى} أتونا وتلوا علينا {ولكن حَقَّتْ كَلِمَةُ العذاب عَلَى الكافرين} أي ولكن وجبت علينا كلمة الله لاملأن جهنم بسوء أعمالنا كما قالوا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وكنا قوما ضالين فذكروا عملهم الموجب لكلمة العذاب وهو الكفر والضلال(3/194)
قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (72)
قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (72)
{قِيلَ ادخلوا أبواب جَهَنَّمَ خالدين فِيهَا} حال مقدرة أي مقدرين الخلود {فَبِئْسَ مَثْوَى المتكبرين} اللام فيه للجنس لأن مَثْوَى المتكبرين(3/194)
فاعل بئس وبئس فاعلها اسم معروف بلام الجنس أو مضاف إلى مثله والمخصوص بالذم محذوف تقديره فبئس مثوى المتكبرين جهنم(3/195)
وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ (73)
وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ (73)
{وَسِيقَ الذين اتقوا رَبَّهُمْ إِلَى الجنة زُمَراً} المراد سوق مراكبهم لأنه لا يذهب بهم إلا راكبين إلى دار الكرامة والرضوان كما يفعل بمن يكرم ويشرف من الوافدين على بعض الملوك {حتى إذا جاؤوها} هي التي تحكى بعدها الجمل والجملة المحكية بعدها هي الشرطية إلا أن جزاءها محذوف وإنما حذف لأنه في صفة ثواب أهل الجنة فذل بحدفه على أنه شيء لا يحيط به الوصف وقال الزجاج تقديره حتى اذا جاؤوها {وَفُتِحَتْ أبوابها وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سلام عَلَيْكُمْ طبتم فادخلوها خالدين} دخلوها فحذف دخلوها لأن في الكلام دليلاً عليه وقال قوم حتى اذا جاؤوها جاؤوها وفتحت ابوابها فعندهم جاؤوها محذوف والمعنى حتى اذا جاؤوها وقع مجيئهم مع فتح أبوابها وقيل أبواب جهنم لا تفتح إلا عند دخول أهلها فيها وأما أبواب الجنة فمتقدم فتحها لقوله تعالى جنات عدن مفتحة لهم الابواب فلذلك جىء بالواو وكانه قال حتى اذا جاؤوها وقد فتحت أبوابها طبتم من دنس المعاصي وطهرتم من خبث الخطايا وقال الزجاج أي كنتم طيبين في الدنيا ولم تكونوا خبيثين أي لم تكونوا أصحاب خبائث وقال ابن عباس طاب لكم المقام وجعل دخول الجنة مسببا عن الطيب والطهارة لأنها دار الطيبين ومثوى الطاهرين قد طهرها الله من كل دنس وطيبها من كل قذر فلا يدخلها الا مناسب لها موصوف
الزمر (75 - 74)
غافر (3 - 1)
بصفتها(3/195)
وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (74)
وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (74)
{وَقَالُواْ الحمد للَّهِ الذى صَدَقَنَا وَعْدَهُ} أنجزنا ما وعدنا في الدنيا من نعيم العقبى {وَأَوْرَثَنَا الأرض} أرض الجنة وقد أورثوها أي ملكوها جعلوا ملوكها واطلق تصرفهم فيها كما يشاؤون تشبيهاً بحال الوارث وتصرفه فيما يرثه واتساعه فيه {نَتَبَوَّأُ} حال {مِنَ الجنة حَيْثُ نَشَآءُ}(3/195)
أي يكون لكل واحد منهم جنة لا توصف سعة وزيادة على الحاجة فيتبوأ أي فيتخذ متبوأ ومقراً من جنته حيث يشاء {فَنِعْمَ أَجْرُ العاملين} في الدنيا الجنة(3/196)
وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (75)
وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (75)
{وَتَرَى الملائكة حَآفِّينَ} حال من الملائكة {مِنْ حول العرش} أي محدقين من حوله ومن لابتداء الغاية أي ابتداء حفوفهم من حول العرش إلى حيث شاء الله {يُسَبِّحُونَ} حال من الضمير في {حَافّينَ} {بِحَمْدِ رَبِّهِمْ} أي يقولون سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر أو سبوح قدوس رب الملائكة والروح وذلك للتلذذ دون التعبد لزوال التكليف {وَقُضِىَ بَيْنَهُمْ} بين الأنبياء والأمم أو بين أهل الجنة والنار {بالحق} بالعدل {وَقِيلَ الحمد لِلَّهِ رَبِّ العالمين} أي يقول أهل الجنة شكراً حين دخولها وتم وعد الله لهم كما قال وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرا كل ليلة بني اسرائيل والزمر الحواميم السبع كلها مكية عن ابن عباس رضى الله عنهما(3/196)
سورة المؤمن مكية وهي خمس وثمانون اية
بسم الله الرحمن الرحيم(3/197)
حم (1)
حم (1)
{حم} وما بعده بالإمالة حمزة وعلي وخلف ويحيى وحماد وبين الفتح والكسر مدني وغيرهم بالتفخيم وعن ابن عباس أنه اسم الله الأعظم(3/197)
تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (2)
تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (2)
{تَنزِيلُ الكتاب} أي هذا تنزيل الكتاب {مِنَ الله العزيز} أي المنيع بسلطانه عن أن أي يتقول عليه متقول {العليم} بمن صدق به وكذب فهو تهديد للمشركين وبشارة للمؤمنين(3/197)
غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ (3)
غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ (3)
{غَافِرِ الذنب} ساتر ذنب المؤمنين {وَقَابِلِ التوب} قابل توبة الراجعين {شَدِيدِ العقاب} على المخالفين {ذِى الطول} ذي الفضل على العارفين أو ذي الغنى عني الكل وعن ابن عباس
غافر (5 - 3)
غافر الذنب وقابل التوب لمن قال لا إله إلا الله شديد العقاب لمن لا يقول لا إله إلا الله والتوب والثوب والاوب اخوات في معنى الرجوع والطول والغنى(3/197)
والفضل فإن قلت كيف اختلفت هذه الصفات تعريفاً وتنكيراً والموصوف معرفة قلت أما غافر الذنب وقابل التوب فمعرفتان لانه ثم يرد بهما حدوث الفعلين حتى يكونا في تقدير الانفصال فتكون إضافتهما غير حقيقية وإنما أريد ثبوت ذلك ودوامه وأما شديد العقاب فهو في تقدير شديد عقابه فتكون نكرة فقيل هو بدل وقيل لما وجدت هذه النكرة بين هذه المعارف آذنت بأن كلها أبدال غير أوصاف وإدخال الواو في وَقَابِلِ للتوب لنكتة وهي افادة الجمع المذنب التائب بين رحمتين بين أن يقبل توبته فيكتبها له طاعة من الطاعات وأن يجعلها محّاءة للذنوب كأن لم يذنب كأنه قال جامع المغفرة والقبول وروى ان عمر رضى الله عنه افتقد رجلاً ذا بأس شديد من أهل الشام فقيل له تتابع في هذا الشراب فقال عمر لكاتبه اكتب من عمر إلى فلان سلام عليك وأنا أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو بسم الله الرحمن الرحيم حم إلى قوله إِلَيْهِ المصير وختم الكتاب قال لرسوله لا تدفعه إليه حتى تجده صاحياً ثم أمر من عنده بالدعاء له بالتوبة فلما أتته الصحيفة جعل يقرؤها ويقول قد وعدني الله أن يغفر لي وحذرني عقابه فلم يبرح يرددها حتى بكى ثم نزع فأحسن النزوع وحسنت توبته فلما بلغ عمر أمره قال هكذا فاصنعوا إذا رأيتم أخاكم قد زل زلة فسددوه ووقفوه وادعوا له الله أن يتوب عليه ولا تكونوا أعواناً للشياطين عليه {لآ إله إلا هو} صفة ايضا لذى الطول ويجوز أن يكون مستأنفاً {إِلَيْهِ المصير} المرجع(3/198)
مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلَادِ (4)
مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلَادِ (4)
{ما يجادل في آيات الله إِلاَّ الذين كَفَرُواْ} ما يخاصم فيها بالتكذيب بها(3/198)
والإنكار لها وقد دل على ذلك في قوله وجادلوا بالباطل لِيُدْحِضُواْ بِهِ الحق فاما الجدال فيها لا يضاح ملتبسها وحل مشكلها واستنباط معانيها ورد أهل الزيغ بها فأعظم جهاد في سبيل الله {فَلاَ يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِى البلاد} بالتجارات النافقة والمكاسب المربحة سالمين غانمين فإن عاقبة أمرهم إلى العذاب ثم بين كيف ذلك فأعلم أن الأمم الذين كذبت قبلهم أهلكت فقال(3/199)
كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزَابُ مِنْ بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ (5)
كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزَابُ مِنْ بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ (5)
{كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ} نوحاً {والأحزاب} أي الذين تحزبوا على الرسل وناصبوهم وهم عادو ثمود وقوم لوط وغيرهم {مِّن بَعْدِهِمْ} من بعد قوم نوح {وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ} من هذه الأمم التي هي قوم نوح والأحزاب {بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ} ليتمكنوا منه فيقتلوه والأخيذ الأسير {وجادلوا بالباطل} بالكفر {لِيُدْحِضُواْ بِهِ الحق} ليبطلوا به الإيمان {فَأَخَذَتْهُمْ} مظهر مكي وحفص يعني أنهم قصدوا أخذه فجعلت جزاءهم على إرادة أخذ الرسل أن أخذتهم فعاقبتهم {فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ} وبالياء يعقوب أي فإنكم تمرون على بلادهم
غافر (7 - 6)
فتعاينون أثر ذلك وهذا تقرير فيه معنى التعجيب(3/199)
وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ (6)
وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ (6)
{وكذلك حقت كلمة رَبِّكَ عَلَى الذين كَفَرُواْ} كلمات رَبكَ مدني وشامي {أَنَّهُمْ أصحاب النار} في محل الرفع بدل من كلمة ربك أي مثل ذلك الوجوب وجب على الكفرة كونهم من أصحاب النار ومعناه كما وجب إهلاكهم في الدنيا بالعذاب المستأصل كذلك وجب إهلاكهم بعذاب النار في الآخرة أو في محل النصب بحذف لام التعليل وايصال الفعل والذين كَفَرُواْ قريش ومعناه كما وجب إهلاك أولئك الأمم كذلك وجب إهلاك(3/199)
هؤلاء لأن علة واحدة تجمعهم أنهم من أصحاب النار ويلزم الوقف على النار لأنه لو وصل لصار(3/200)
الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (7)
الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (7)
{الذين يَحْمِلُونَ العرش وَمَنْ حَوْلَهُ} يعني حاملي العرش والحافين حوله وهم الكروبيون سادة الملائكة صفة لاصحاب النار وفساده ظاهر روى أي حملة العرش ارجلهم في الارض السفلى رؤوسهم قد خرقت العرش وهم خشوع لا يرفعون طرفهم وفي الحديث إن الله تعالى أمر جميع الملائكة أن يغدوا ويروحوا بالسلام على حملة العرش تفضيلاً لهم على سائر الملائكة وقيل حول العرش سبعون ألف صف من الملائكة قيام قد وضعوا ايديهم على عواتقهم يهللون ويكبرون ومن ورائهم مائة ألف صف قد وضعوا الأيمان على الشمائل ما منهم أحد إلا وهو يسبح بما لا يسبح به الآخر {يُسَبِّحُونَ} خبر المبتدأ وهو الذين {بِحَمْدِ رَبِّهِمْ} أي مع حمده اذ الباء تدل على ان تسبيحهم بالحمد له {وَيُؤْمِنُونَ بِهِ} وفائدته مع علمنا بأن حملة العرش ومن حوله من الملائكة الذين يسبحون بحمده مؤمنون اظهارا شرف الإيمان وفضله والترغيب فيه كما وصف الأنبياء في غير موضع بالصلاح لذلك وكما عقب أعمال الخير بقوله ثُمَّ كَانَ مِنَ الذين امنوا فأبان بذلك فضل الإيمان وقد روعي التناسب في قوله ويؤمنون به {ويستغفرون للذين آمنوا} كأنه قيل ويؤمنون به ويستغفرون لمن في مثل حالهم وفيه دليل على أن الاشتراك في الإيمان يجب أن يكون أدعى شيء إلى النصيحة والشفقة وإن تباعدت الأجناس والأماكن {رَبَّنَا} أي يقولون ربنا وهذا المحذوف حال {وَسِعْتَ كُلَّ شَىْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْماً} والرحمة والعلم هما اللذان وسعا كل شيء في المعنى إذ الأصل وسع كل شيء رحمتك وعلمك ولكن أزيل الكلام عن أصله بأن(3/200)
أسند الفعل إلى صاحب الرحمة والعلم وأخرجا منصوبين على التمييز مبالغة في وصفه بالرحمة والعلم {فاغفر لِلَّذِينَ تَابُواْ} أي للذين علمت منهم التوبة لتناسب ذكر الرحمة والعلم {واتبعوا سَبِيلَكَ} أي طريق الهدى الذي دعوت إليه {وَقِهِمْ عذاب الجحيم ربنا}
غافر (11 - 8)(3/201)
رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (8)
رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (8)
{رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جنات عَدْنٍ التى وَعَدْتَّهُمْ وَمَن صلح من آبائهم} من في موضع نصب عطف على هم في وَأَدْخِلْهُمْ أو في وَعَدْتَّهُمْ والمعنى وعدتهم ووعدت من صلح من آبائهم {وأزواجهم وذرياتهم إِنَّكَ أَنتَ العزيز الحكيم} أي الملك الذي لا يغلب وأنت مع ملكك وعزتك لا تفعل شيئا خاليا عن الحكمة وموجب حكمتك أن تفي بوعدك(3/201)
وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (9)
وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (9)
{وَقِهِمُ السيئات} أي جزاء السيئات وهو عذاب النار {وَمَن تَقِ السيئات يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ} أي رفع العذاب {هُوَ الفوز العظيم}(3/201)
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ (10)
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ (10)
{إِنَّ الذين كَفَرُواْ يُنَادَوْنَ} أي يوم القيامة إذا دخلوا النار ومقتوا أنفسهم فيناديهم خزنة النار {لَمَقْتُ الله أَكْبَرُ مِن مَّقْتِكُمْ أَنفُسَكُمْ} أي لقمت الله أنفسكم أكبر من مقتكم أنفسكم فاستغنى بذكرها مرة والمقت أشد البغض وانتصاب {إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الإيمان} بالمقت الأول عند الزمخشري والمعنى أنه يقال لهم يوم القيامة كان الله بمقت أنفسكم الأمارة بالسوء والكفر حين كان الأنبياء يدعونكم إلى الإيمان فتأبون قبوله وتختارون عليه الكفر أشد مما تمقتونهن اليوم وأنتم في النار إذا وقعتم فيها باتباعكم هواهن وقيل معناه لمقت الله إياكم الآن أكبر من مقت بعضكم لبعض كقوله ويوم القيامة يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً واذ تَدْعُونَ تعليل وقال(3/201)
جامع العلوم وغيره إذ منصوب بفعل مضمر دل عليه لَمَقْتُ الله أي بمقتهم الله حين دعوا إلى الإيمان فكفروا ولا ينتصب بالمقت الأول لأن قوله لَمَقْتُ الله مبتدا وهو مصدرو خبره أَكْبَرُ مِن مَّقْتِكُمْ أَنفُسَكُمْ فلا يعمل في إِذْ تَدْعُونَ لأن المصدر إذا أخبر عنه لم يجز أن يتعلق به شيء يكون في صلته لأن الإخبار عنه يؤذن بتمامه وما يتعلق به يؤذن بنقصانه ولا بالثاني لاختلاف الزمانين وهذا لأنهم مقتوا أنفسهم في النار وقد دعوا إلى الإيمان في الدنيا {فَتَكْفُرُونَ} فتصرون على الكفر(3/202)
قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ (11)
قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ (11)
{قَالُواْ رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثنتين وَأَحْيَيْتَنَا اثنتين} أي إماتتين وإحياءتين أو موتتين وحياتين وأراد بالإماتتين خلقهم أمواتاً أولاً وإماتتهم عند انقضاء آجالهم وصح أن يسمى خلقهم أمواتاً إماتة كما صح أن يقال سبحان من صغر جسم البعوضة وكبر جسم الغيل وليس ثمة نقل من كبر إلى صغر ولا من صغر إلى كبر والسبب فيه أن الصغر والكبر جائزان على المصنوع الواحد فإذا اختار الصانع أحد الجائزين فقد صرف المصنوع عن الجائز الآخر فجعل صرفه عنه كنقله منه وبالاحياءتين الاحياة الأولى في الدنيا والإحياءة الثانية البعث ويدل عليه قوله وَكُنتُمْ أمواتا فأحياكم ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثم يحييكم
غافر (16 - 11)
وقيل الموتة الأولى في الدنيا والثانية في القبر بعد الإحياء للسؤال والإحياء الأول إحياؤه في القبر بعد موته للسؤال والثاني للبعث {فاعترفنا بذنوبنا} لما راوا الاماتة والاحياء تكررا عليهم علموا أن الله قادر على الإعادة كما هو قادر على الإنشاء فاعترفوا بذنوبهم التي اقترفوها من إنكار البعث وما تبعه من معاصيهم {فَهَلْ إلى خُرُوجٍ} من النار أي إلى نوع من الخروج سريع أو بطيء لنتخلص {مِّن سَبِيلٍ} قط أم اليأس واقع دون ذلك فلا خروج ولا سبيل إليه وهذا كلام من غلب عليه اليأس وإنما يقولون ذلك تحيراً ولهذا جاء الجواب على حسب ذلك وهو قوله(3/202)
ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ (12)
ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ (12)
{ذَلِكُم بِأَنَّهُ إِذَا دُعِىَ الله وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِن يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُواْ} أي ذلكم الذي أنتم فيه وأن لا سبيل لكم إلى خروج قط بسبب كفركم بتوحيد الله وإيمانكم بالإشراك به {فالحكم للَّهِ} حيث حكم عليكم بالعذاب السرمد {العلى} شأنه فلا يرد قضاؤه {الكبير} العظيم سلطانه فلا يحد جزاؤه وقيل كان الحرورية اخذوا قولهم حكم إلا لله من هذا وقال قتادة لما خرج اهل حروراء قال علي رضى الله عنه من هؤلاء قيل المحكمون أي يقولون لا حكم الا لله فقال علي رضى الله عنه كلمة حق أريد بها باطل(3/203)
هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقًا وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ (13)
هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقًا وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ (13)
{هو الذي يريكم آياته} من الريح والسحاب والرعد والبرق والصواعق ونحوها {وَيُنَزِّلُ لَكُم مِّنَ السماء} وبالتخفيف مكي وبصري {رِزْقاً} مطراً لأنه سبب الرزق {وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلاَّ مَن يُنِيبُ} وما يتعظ وما يعتبر بآيات الله إلا من يتوب من الشرك ويرجع إلى الله فإن المعاند لا يتذكر ولا يتعظ ثم قال للمنيبين(3/203)
فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (14)
فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (14)
{فادعوا الله} فاعبدوه {مُخْلِصِينَ لَهُ الدين} من الشرك {وَلَوْ كَرِهَ الكافرون} وإن غاظ ذلك أعداءكم ممن ليس على دينكم(3/203)
رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ (15)
رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ (15)
{رَفِيعُ الدرجات ذُو العرش يُلْقِى الروح} ثلاثة أخبار لقوله هو مرتبة على قوله الذى يريكم أو أخبار مبتدأ محذوف ومعنى رفيع الدرجات رافع السموات بعضها فوق بعض أو رافع درجات عباده في الدنيا بالمنزلة أو رافع منازلهم في الجنة وذو العرش مالك عرشه الذي فوق السموات خلقه مطافا للملائكة اظهار لعظمته مع استغنائه في مملكته(3/203)
والروح جبريل عليه السلام أو الوحي الذي تحيا به القلوب {مِنْ أَمْرِهِ} من أجل أمره أو بأمره {على مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنذِرَ} أي الله أو الملقى عليه وهو النبي عليه السلام ويدل عليه قراءة يعقوب لّتُنذِرَ {يَوْمَ التلاق} يوم القيامة لأنه يلتقي فيه أهل السماء وأهل الأرض والأولون والآخرون التلاقي مكى ويعقوب(3/204)
يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (16)
يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (16)
{يَوْمَ هُم بارزون} ظاهرون لا يسترهم شيء من جبل أو أكمة أو بناء {لاَ يخفى عَلَى الله مِنْهُمْ شَىْءٌ} أي من اعمالهم واحوالهم {لمن الملك اليوم}
غافر (21 - 17)
أي يقول الله تعالى ذلك حين لا أحد يجيبه ثم يجيب نفسه بقوله {للَّهِ الواحد الْقَهَّارِ} أي الذي قهر الخلق بالموت وينتصب اليوم بمدلول لمن اى لمن يثبت الملك في هذا اليوم وقيل ينادي منادٍ فيقول لمن الملك اليوم فيجيبه أهل المحشر لله الواحد القهار(3/204)
الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (17)
الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (17)
{اليوم تجزى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لاَ ظُلْمَ اليوم إِنَّ الله سَرِيعُ الحساب} لما قرر أن الملك لله وحده في ذلك اليوم عدد نتائج ذلك وهي أن كل نفس تجزى بما كسبت عملت في الدنيا من خير وشر وأن الظلم مأمون منه لأنه ليس بظلام للعبيد وأن الحساب لا يبطيء لأنه لا يشغله حساب عن حساب فيحاسب الخلق كله في وقت واحد وهو اسرع الحاسبين(3/204)
وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ (18)
وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ (18)
{وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الآزفة} أي القيامة سميت بها لأزوفها أي لقربها ويبدل من يوم الآزفة {إِذِ القلوب لَدَى الحناجر} أي التراقي يعني ترتفع قلوبهم عن مقارها فتلصق بحناجرهم فلا هي تخرج فيموتوا ولا ترجع إلى مواضعها فيتنفسوا ويتروّحوا {كاظمين} ممسكين بحناجرهم من كظم القربة شد رأسها وهو حال من القلوب محمول على اصحابها وانما جمع الكاظم جمع السلامة لأنه وصفها بالكظم الذي هو من أفعال العقلاء {مَا للظالمين}(3/204)
الكافرين {مِنْ حَمِيمٍ} محب مشفق {وَلاَ شَفِيعٍ يُطَاعُ} أي يشفع وهو مجاز عن الطاعة لأن الطاعة حقيقة لا تكون إلا لمن فوقك والمراد نفي الشفاعة والطاعة كما في قوله ولا ترى الضب بها ينجحر يريد به نفي الضب وانجحاره وإن احتمل اللفظ انتفاء الطاعة دون الشفاعة فعن الحسن والله ما يكون لهم شفيع البتة(3/205)
يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ (19)
يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ (19)
{يَعْلَمُ خَآئِنَةَ الأعين} مصدر بمعنى الخيانة كالعافية بمعنى المعافاة والمراد استراق النظر إلى ما يحل {وَمَا تُخْفِى الصدور} وما تسره من أمانة وخيانة وقيل هو أن ينظر إلى أجنبية بشهوة مسارقة ثم يتفكر بقلبه في جمالها ولا يعلم بنظرته وفكرته من بحضرته والله يعلم ذلك كله ويعلم خائنة الأعين خبر من أخبار هو في قوله هُوَ الذي يريكم اياته مثل يُلْقِى الروح ولكن يلقي الروح قد علل بقوله لِيُنذِرَ يَوْمَ التلاق ثم استطرد ذكر أحوال يوم التلاق إلى قوله وَلاَ شَفِيعٍ يُطَاعُ فبعد لذلك عن أخواته(3/205)
وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (20)
وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (20)
{والله يَقْضِى بالحق} أي والذي هذه صفاته لا يحكم إلا بالعدل {والذين يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَقْضُونَ بِشَىْءٍ} وآلهتهم لا يقضون بشيء وهذا تهكم بهم لأن ما لا يوصف بالقدرة لا يقال فيه يقضي أو لا يقضي تَدْعُونَ نافع {إِنَّ الله هُوَ السميع البصير} تقرير لقوله يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأعين وَمَا تُخْفِى الصدور ووعيد لهم بأنه يسمع ما يقولون ويبصر ما يعملون وأنه يعاقبهم عليه وتعريض بما يدعون من دونه وأنها لا تسمع ولا تبصر(3/205)
أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ (21)
أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ (21)
{أو لم يسيروا في الأرض فينظروا}
غافر (26 - 21)
{كَيْفَ كَانَ عاقبة الذين كَانُواْ مِن قَبْلِهِمْ} أي آخر أمر الذين كذبوا الرسل من قبلهم {كَانُواْ هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً} هم فصل وحقه أن يقع بين معرفتين إلا أن أشد منهم ضارع المعرفة في أنه لا تدخله الألف واللام فأجري مجراه مّنكُمْ شامى {وآثارا فِى الأرض} أي حصوناً وقصوراً {فَأَخَذَهُمُ الله بِذُنُوبِهِمْ} عاقبهم بسبب ذنوبهم {وَمَا كَانَ لَهُم مّنَ الله مِن وَاقٍ} ولم يكن لهم شيء يقيهم من عذاب الله(3/206)
ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَكَفَرُوا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ إِنَّهُ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ (22)
ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَكَفَرُوا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ إِنَّهُ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ (22)
{ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ} أي الأخذ بسبب أنهم {كَانَت تَّأْتِيهِمْ رُسُلُهُم بالبينات فَكَفَرُواْ فَأَخَذَهُمُ الله إِنَّهُ قَوِىٌّ} قادر على كل شيء {شَدِيدُ العقاب} اذا عاقب(3/206)
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ (23)
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ (23)
{ولقد أرسلنا موسى بأياتنا} التسع {وسلطان مُّبِينٍ} وحجة ظاهرة(3/206)
إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ (24)
إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ (24)
{إلى فِرْعَوْنَ وهامان وقارون فَقَالُواْ} هو {ساحر كَذَّابٌ} فسموا السلطان المبين سحراً وكذباً(3/206)
فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا اقْتُلُوا أَبْنَاءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِسَاءَهُمْ وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ (25)
فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا اقْتُلُوا أَبْنَاءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِسَاءَهُمْ وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ (25)
{فَلَمَّا جَآءَهُمْ بالحق} بالنبوة {مِنْ عِندِنَا قَالُواْ اقتلوا أبناء الذين آمنوا مَعَهُ} أي أعيدوا عليهم القتل كالذي كان أولاً {واستحيوا نِسَآءَهُمْ} للخدمة {وَمَا كَيْدُ الكافرين إِلاَّ فِى ضلال} ضياع يعني أنهم باشروا قتلهم أولاً فما أغنى عنهم ونفذ قضاء الله بإظهار من خافوه فما يغني عنهم هذا القتل الثاني وكان فرعون قد كف عن قتل الولدان فلما بعث موسى عليه السلام وأحس بأنه قد وقع أعاده عليهم غيظاً وظناً منه أنه يصدهم بذلك عن مظاهرة موسى عليه السلام وما علم أن كيده ضائع في الكرتين جميعاً(3/206)
وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ (26)
وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ (26)
{وقال فرعون} لك {ذَرُونِى أَقْتُلْ موسى} كان إذا همّ بقتله كفوه بقولهم ليس بالذى نخافه وهو أقل من ذلك وما هو إلا ساحر وإذا قتلته أدخلت الشبهة على الناس واعتقدوا أنك عجزت عن معارضته بالحجة والظاهر أن فرعون قد استيقن أنه نبي وأن ماجاء به آيات وما هو بسحر ولكن كان فيه خب وكان قتالاً سفاكاً للدماء في أهون شيء فكيف لا يقتل من أحس بأنه هو الذي يهدم ملكه ولكن كان يخاف إن هم بقتله أن يعاجل بالهلاك وقوله {وَلْيَدْعُ رَبَّهُ} شاهد صدق على فرط خوفه منه ومن دعوته ربه وكان قوله ذَرُونِى أَقْتُلْ موسى تمويهاً على قومه وإيهاماً أنهم هم الذين يكفونه وما كان يكفه إلا ما في نفسه من هول الفزع {إِنِّى أَخَافُ} إن لم أقتله {أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ} أن يغير ما أنتم عليه وكانوا يعبدونه ويعبدون الاصنام
غافر (28 - 26)
{أَوْ أَن يُظْهِرَ} موسى {فِى الأرض الفساد} بضم الياء ونصب الدال مدني وبصري وحفص وغيرهم بفتح الياء ورفع الدال والأول أولى لموافقة يبدل والفساد في الأرض التقاتل والتهايج الذي يذهب معه الأمن وتتعطل المزارع والمكاسب والمعايش ويهلك الناس قتلاً وضياعاً كأنه قال إني أخاف أن يفسد عليكم دينكم بدعوتكم إلى دينه أو يفسد عليكم دنياكم بما يظهر من الفتن بسببه وقرأ غير أهل الكوفة وان معناه إني أخاف فساد دينكم ودنياكم معاً(3/207)
وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ (27)
وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ (27)
{وَقَالَ مُوسَى} لما سمع بما أجراه فرعون من حديث قتله لقومه {إِنِّى عُذْتُ بِرَبِّى وَرَبِّكُمْ مِّن كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لاَّ يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الحساب} وفي قوله وَرَبِّكُمْ بعث لهم على أن يقتدوا به فيعوذوا بالله عياذه ويعتصموا بالتوكل عليه اعتصامه وقال مّن كُلّ مُتَكَبّرٍ لتشمل استعاذته فرعون وغيره من الجبابرة وليكون على طريقة التعريض فيكون أبلغ وأراد بالتكبر الاستكبار عن الاذعان للحق وهو أقبح استكبار وأدل على دناءة صاحبه وعلى فرط(3/207)
ظلمه وقال لاَّ يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الحساب لأنه إذا اجتمع في الرجل التكبر والتكذيب بالجزاء وقلة المبالاة بالعاقبة فقد استكمل أسباب القسوة والجراءة على الله وعباده ولم يترك عظيمة إلا ارتكبها وعذت ولذت أخوان وعت بالإدغام أبو عمرو وحمزة وعلي(3/208)
وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ (28)
وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ (28)
{وقال رجل مؤمن من آل فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إيمانه} قيل كان قبطياً ابن عم لفرعون امن بموسى سرا ومن ال فرعون صفة لرجل وقيل كان اسرائيليا من آل فرعون صلة ليكتم أي يكتم إيمانه من آل فرعون واسمه سمعان أو حبيب أو خربيل أو حزبيل والظاهر الأول {أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَن يَقُولَ} لأن يقول وهذا إنكار منه عظيم كأنه قيل أترتكبون الفعلة الشنعاء التي هي قتل نفس محرمة ومالكم علة في ارتكابها إلا كلمة الحق وهي قوله {رَبِّىَ الله} وهو ربكم أيضاً لا ربه وحده {وَقَدْ جَآءَكُمْ} الجملة حال {بالبينات مِن رَّبِّكُمْ} يعني أنه لم يحضر لتصحيح قوله ببينة واحدة ولكن ببينات من عند من اسب اليه الربوبية وهو استدراج لهم الى الاتعراف به {وَإِن يَكُ كاذبا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِن يَكُ صادقا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الذى يَعِدُكُمْ} احتج عليهم بطريق التقسيم فإنه لا يخلو من أن يكون كاذباً أو صادقاً فإن يك كاذباً فعليه وبال كذبه ولا يتخطاه وإن يك صادقاً يصبكم بعض الذي يعدكم من العذاب ولم يقل كل الذي يعدكم مع أنه وعد من نبي صادق القول مداراة لهم وسلوكاً لطريق الإنصاف فجاء بما هو أقرب إلى تسليمهم له وليس فيه نفي اصابه الكل فكانه قال لهم لعل ما يكون في صدقه أن يصيبكم بعض ما يعدكم وهو العذاب العاجل وفي ذلك هلاككم وكان وعدهم عذاب الدنيا والآخرة وتقديم
غافر (32 - 28)
الكاذب على الصادق من هذا القبيل أيضاً وتفسير البعض بالكل مزيف {إِنَّ الله لاَ يَهْدِى مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ} مجاوز للحد {كَذَّابٌ} في ادعائه وهذا أيضاً من باب المجاملة(3/208)
والمعنى انه كان مسرفاً كذاباً خذله الله وأهلكه فتتخلصون منه أو لو كان مسرفاً كذاباً لما هداه الله بالنبوة ولما عضده بالبينات وقيل اوهم أنه عنى بالمسرف موسى وهو يعني به فرعون(3/209)
يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ (29)
يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ (29)
{يا قوم لَكُمُ الملك اليوم ظاهرين} عالين وهو حال من كم في لَكُمْ {فِى الأرض} في أرض مصر {فَمَن يَنصُرُنَا مِن بَأْسِ الله إن جاءنا} عنى أن لكم ملك مصر وقد علوتم الناس وقهرتموهم فلا تفسدوا أمركم على أنفسكم ولا تتعرضوا لبأس الله أي عذابه فإنه لا طاقة لكم به إن جاءكم ولا يمنعكم منه احد وقال ينصرنا وجاءنا لأنه منهم في القرابة وليعلمهم بأن الذي ينصحهم به هو مساهم لهم فيه {قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلاَّ مَآ أرى} أي ما أشير عليكم برأي إلا بما أرى من قتله يعني لا أستصوب إلا قتله وهذا الذي تقولونه غير صواب {وَمَا أَهْدِيكُمْ} بهذا الرأي {إِلاَّ سَبِيلَ الرشاد} طريق الصواب والصلاح وما أعلمكم إلا ما أعلم من الصواب ولا أدخر منه شيئاً ولا أسر عنكم خلاف ما اظهر يعنى ان لسانه وقلبه متوطئان على ما يقول وقد كذب فقد كان مستشعراً للخوف الشديد من جهة موسى عليه السلام ولكنه كان يتجلد ولولا استشعاره لم يستشر أحداً ولم يقف الأمر على الإشارة(3/209)
وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ (30)
وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ (30)
{وقال الذي آمن يا قوم إِنِّى أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِّثْلَ يَوْمِ الأحزاب} أي مثل أيامهم لأنه لما أضافه إلى الأحزاب وفسرهم بقوله(3/209)
مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ (31)
مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ (31)
{مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ والذين مِن بَعْدِهِمْ} ولم يلتبس أن كل حزب منهم كان له يوم دمار اقتصر على الواحد من الجمع ودأب هؤلاء دؤبهم في عملهم من الكفر والتكذيب وسائر المعاصي وكون ذلك دائباً دائماً منهم لا يفترون عنه ولا بد من حذف مضاف أي مثل جزاء دأبهم وانتصاب(3/209)
مثل الثاني بأنه عطف بيان لمثل الأول {وَمَا الله يُرِيدُ ظُلْماً لِّلْعِبَادِ} أي وما يريد الله أن يظلم عباده فيعذبهم بغير ذنب أو يزيد على قدر ما يستحقون من العذاب يعني أن تدميرهم كان عدلاً لأنهم استحقوه بأعمالهم وهو أبلغ من قوله وما ربك بظلام للعبيد حيث جعل المنفي إرادة ظلم منكّر ومن بعد عن إرادة ظلم ما لعباده كان عن الظلم أبعد وأبعد وتفسير المعتزلة بأنه لا يريد لهم أن يظلموا بعيد لأن أهل اللغة قالوا إذا قال الرجل لآخر لا أريد ظلماً لك معناه لا أريد أن أظلمك وهذا تخويف بعذاب الدنيا ثم خوفهم من عذاب الاخرة بقوله(3/210)
وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ (32)
وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ (32)
{ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد}
غافر (36 - 33)
أي يوم القيامة التنادي مكي ويعقوب في الحالين وإثبات الياء هو الأصل وحذفها حسن لأن الكسرة تدل على الياء وآخر هذه الآي على الدال وهو ما حكى الله تعالى في سورة الأعراف وَنَادَى أصحاب الجنة اصحاب النار ونادى اصحاب النار اصحاب الجنة ونادى اصحاب الاعراف وقيل ينادي منادٍ ألا إن فلانا سعد سعادة لا يشقى بعدها أبداً ألا إن فلاناً شقي شقاوة لا يسعد بعدها أبداً(3/210)
يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (33)
يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (33)
{يوم تولون مدبرين} منصرفين عن موقف الحساب الى النار {ما لكم مِنَ الله} من عذاب الله {مِنْ عَاصِمٍ} مانع ودافع {وَمَن يُضْلِلِ الله فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} مرشد(3/210)
وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ (34)
وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ (34)
{وَلَقَدْ جَآءَكُمْ يُوسُفُ مِن قَبْلُ بالبينات} هو يوسف بن يعقوب وقيل يوسف ابن أفراييم بن يوسف بن يعقوب أقام فيهم نبياً عشرين سنة وقيل إن فرعون موسى هو فرعون يوسف عمر إلى زمنه(3/210)
وقيل هو فرعون آخر وبخهم بأن يوسف أتاكم من قبل موسى بالمعجزات {فَمَا زِلْتُمْ فِى شَكٍّ مِّمَّا جَآءَكُمْ بِهِ} نشككم فيها ولم تزالوا شاكين {حتى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَن يَبْعَثَ الله مِن بَعْدِهِ رَسُولاً} حكماً من عند أنفسكم من غير برهان أي أقمتم على كفركم وظننتم أنه لا يجدد عليكم ايجاب الحجة - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - {كَذَلِكَ يُضِلُّ الله مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُّرْتَابٌ} أي مثل هذا الإضلال يضل الله كل مسرف في عصيانه مرتاب شاك في دينه(3/211)
الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ (35)
الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ (35)
{الذين يجادلون} بدل من هو مسرف وجاز بداله منه وهو جمع لأنه لا يريد مسرفاً واحدا بل كل مسرف {في آيات الله} في دفعها وإبطالها {بِغَيْرِ سلطان} حجة {أتاهم كَبُرَ مَقْتاً} أي عظم بغضاً وفاعل كبر ضمير هُوَ مُسْرِفٌ وهو جمع معنى وموحد لفظاً فحمل البدل على معناه والضمير الراجع إليه على لفظه ويجوز أن يرفع الذين على الابتداء ولا بد في هذا الوجه من حذف مضاف يرجع إليه الضمير في كَبُرَ تقديره جدال الذين يجادلون كبر مقتاً {عِندَ الله وعند الذين آمنوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ الله على كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ} قَلْبٍ بالتنوين أبو عمرو وإنما وصف القلب التكبر والتجبر لأنه منبعهما كما تقول سمعت الأذن وهو كقوله فانه اثم قلبه وإن كان الآثم هو الجملة(3/211)
وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ (36)
وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ (36)
{وَقَالَ فِرْعَوْنُ} تمويهاً على قومه أو جهلاً منه {يا هامان ابن لِى صَرْحاً} أي قصراً وقيل الصرح البناء الظاهر الذي لا يخفى على الناظر وإن بعد ومنه يقال صرح الشيء إذا ظهر {لَّعَلِّى} وبفتح الياء حجازي وشامي وأبو عمرو {أبلغ الأسباب} ثم ابدل منها تفخيم شأنها وإبانة انه يقصد امر عظيما(3/211)
أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبَابٍ (37)
أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبَابٍ (37)
{أسباب السماوات} أي طرقها وأبوابها وما يؤدي اليها
غافر (42 - 37)
وكل ما أداك إلى شيء فهو سبب إليه كالرشاء ونحوه {فَأَطَّلِعَ} بالنصب حفص على جواب الترجي تشبيهاً للترجي بالتمني وغيره بالرفع عطفاً على أبلغ {إلى إله موسى} والمعنى فأنظر إليه {وَإِنِّى لأَظُنُّهُ} أي موسى {كاذبا} في قوله له إله غيري {وكذلك} ومثل ذلك التزيين وذلك الصد {زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءَ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السبيل} المستقيم وبفتح الصاد كوفي ويعقوب أي غيره صداً أو هو بنفسه صدوداً والمزين الشيطان بوسوسته كقوله وَزَيَّنَ لهم الشّيطان أعمالهم فصدّهم عن السّبيل أو الله تعالى ومثله زَيَّنَّا لَهُمْ أعمالهم فهم يعمهون {وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلاَّ فِى تَبَابٍ} خسران وهلاك(3/212)
وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ (38)
وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ (38)
{وقال الذي آمن يا قوم اتبعون} اتبعوني في الحالين مكي ويعقوب وسهل {أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرشاد} وهو نقيض الغي وفيه تعريض شبيه بالتصريح أن ما عليه فرعون وقومه سبيل الغي أجمل أولاً ثم فسر فافتتح بذم الدنيا وتصغير شأنها بقوله(3/212)
يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ (39)
يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ (39)
{يا قوم إِنَّمَا هذه الحياة الدنيا متاع} تمتع يسير فالإخلاد إليها أصل الشر ومنبع الفتن وثنى بتعظيم الآخرة وبين أنها هي الوطن والمستقر بقوله {وَإِنَّ الآخرة هِىَ دَارُ القرار} ثم ذكر الأعمال سيئها وحسنها وعاقبة كل منهما ليثبط عما يتلف وينشط لما يزلف بقوله
مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى(3/212)
مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ (40)
وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ (40)
{مَنْ عَمِلَ سَيَّئَةً فَلاَ يجزى إِلاَّ مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صالحا مّن ذَكَرٍ أَوْ أنثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الجنة يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ} يُدخلون مكي وبصري ويزيد وأبو بكر ثم وازن بين الدعوتين دعوته إلى دين الله الذي تمرته الجنات ودعوتهم إلى اتخاذ الأنداد الذي عاقبته النار بقوله(3/213)
وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ (41)
وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ (41)
{ويا قوم ما لي} وبفتح الياء حجازي وأبو عمرو {أَدْعُوكُمْ إِلَى النجاة} أي الجنة {وَتَدْعُونَنِى إِلَى النار}(3/213)
تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ (42)
تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ (42)
{تَدْعُونَنِى لأكْفُرَ بالله} هو بدل من تَدْعُونَنِى الأول يقال دعاه إلى كذا ودعاه له كما يقال هداه إلى الطريق وهداه له {وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِى بِهِ عِلْمٌ} اى بربوبيته والمراد بنفى العلم نفى للعلوم كأنه قال وأشرك به ما ليس بإله وماليس بإله كيف يصح أن يعلم إلهاً {وَأَنَاْ أَدْعُوكُمْ إِلَى العزيز الغفار} وهو الله سبحانه
غافر (47 - 43)
وتعالى وتكرير النداء لزيادة التنبيه لهم والإيقاظ عن سنة الغفلة وفيه أنهم قومه وأنه من آل فرعون وجيء بالواو في النداء الثالث دون الثاني ولان الثاني داخل على كلام هو بيان للمجمل وتفسير له بخلاف الثالث(3/213)
لَا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ (43)
لَا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ (43)
{لاَ جَرَمَ} عند البصريين لا رد لما دعاه اليه قومه وجرم فعل بمعنى حق وان مع ما في حيزه فاعله أي حق ووجب بطلان دعوته {أَنَّمَا تَدْعُونَنِى إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِى الدنيا وَلاَ فِى الآخرة} معناه ان ما تدعونني إليه ليس له دعوة إلى نفسه قط أي من حق المعبود بالحق أن يدعو العباد إلى طاعته وما تدعون إليه وإلى عبادته لا يدعو هو إلى ذلك ولا يدعي الربوبية أو معناه ليس له استجابة دعوة في الدنيا ولا في الآخرة دعوة مستجابة جعلت الدعوة التي لا استجابة لها ولا منفعة كلا دعوة أو سميت الاستجابة باسم الدعوة كما سمي الفعل المجازي عليه(3/213)
بالجزاء في قوله كما تدين تدان {وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى الله} وأن رجوعنا إليه {وَأَنَّ المسرفين} وأن المشركين {هُمْ أصحاب النار}(3/214)
فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (44)
فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (44)
{فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ} أي من النصيحة عند نزول العذاب {وَأُفَوِّضُ} وأسلم {أَمْرِى} وبفتح الياء مدني وأبو عمرو {إِلَى الله} لأنهم توعدوه {إِنَّ الله بَصِيرٌ بالعباد} بأعمالهم ومالهم(3/214)
فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ (45)
فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ (45)
{فَوقَاهُ الله سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُواْ} شدائد مكرهم وما هموا به من إلحاق أنواع العذاب بمن خالفهم وقيل إنه خرج من عندهم هارباً إلى جبل فبعث قريباً من ألف في طلبه فمنهم من أكلته السباع ومن رجع منهم صلبه فرعون {وَحَاقَ} ونزل {بِأَلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ العذاب}(3/214)
النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ (46)
النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ (46)
{النار} بدل من سُوءُ العذاب أو خبر مبتدأ محذوف كأنه قيل ما سوء العذاب قيل هو النار أو مبتدأ خبره {يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا} وعرضهم عليها إحراقهم بها يقال عرض الإمام الأسارى على السيف إذا قتلهم به {غُدُوّاً وَعَشِيّاً} أي في هذين الوقتين يعذبون بالنار وفيما بين ذلك إما أن يعذبوا بجنس آخر أو ينفس عنهم ويجوز أن يكون غدواً وعشياً عبارة عن الدوام هذا في الدنيا {وَيَوْمَ تَقُومُ الساعة} يقال لخزنة جهنم {أدخلوا آل فِرْعَوْنَ} من الإدخال مدني وحمزة وعلي وحفص خلف ويعقوب وغيرهم أدخلوا أي يقال لهم ادخلوا يا آل فرعون {أَشَدَّ العذاب} أي عذاب جهنم وهذه الآية دليل على عذاب القبر(3/214)
وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِنَ النَّارِ (47)
وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِنَ النَّارِ (47)
{وَإِذْ يَتَحَآجُّونَ} واذكر وقت تخاصمهم {فِى النار فيقول(3/214)
الضعفاء لِلَّذِينَ استكبروا} يعني الرؤساء {إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تبعا} تباعا كخدم في جمع خادم
غافر (55 - 47)
{فهل أنتم مغنون} دافعون {عنا نصيبا} جزءا {من النار}(3/215)
قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ (48)
قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ (48)
{قَالَ الذين استكبروا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا} التنوين عوض من المضاف إليه أي إنا كلنا فيها لا يغني أحد عن أحد {إِنَّ الله قَدْ حَكَمَ بَيْنَ العباد} قضى بينهم بأن أدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار(3/215)
وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ (49)
وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ (49)
{وَقَالَ الذين فِى النار لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ} للقُوَّام بتعذيب أهلها وإنما لم يقل لخزنتها لأن في ذكر جهنم تهويلاً وتفظيعاً ويحتمل أن جهنم هي أبعد النار قعراً من قولهم بئر جهنّام بعيدة القعر وفيها أعتى الكفار وأطغاهم فلعل الملائكة الموكلين بعذاب أولئك أجوب دعوة لزيادة قربهم من الله تعالى فلهذا تعمدهم أهل النار بطلب الدعوة منهم {ادعوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً} بقدر يوم من الدنيا {مِّنَ العذاب}(3/215)
قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ (50)
قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ (50)
{قَالُواْ} أي الخزنة توبيخاً لهم بعد مدة طويلة {أولم تك} اى او لم تك قصة وقوله {تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُم} تفسير للقصة {بالبينات} بالمعجزات {قَالُواْ} أي الكفار {بلى قَالُواْ} أي الخزنة تهكماً بهم {فادعوا} أنتم ولا استجابة لدعائكم {وما دعاء الكافرين إِلاَّ فِى ضلال} بطلان وهو من قول الله تعالى ويحتمل أن يكون من كلام الخزنة(3/215)
إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ (51)
إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ (51)
{إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا فِى الحياة الدنيا وَيَوْمَ يَقُومُ الأشهاد} أي في الدنيا والآخرة يعني أنه يغلبهم في الدارين جميعا بالحجة والظفر على(3/215)
مخالفيهم ولو بعد حين ويوم نصب محمول على موضع الجار والمجرور كما تقول جئتك في أمس واليوم والأشهاد جمع شاهد كصاحب وأصحاب يريد الأنبياء والحفظة فالأنبياء يشهدون عند رب العزة على الكفرة بالتكذيب والحفظة يشهدون على بني آدم بما عملوا من الأعمال تَقُومُ بالتاء الرازي عن هشام(3/216)
يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (52)
يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (52)
{يَوْمَ لاَ يَنفَعُ الظالمين مَعْذِرَتُهُمْ} هذا بدل من يَوْمَ يَقُومُ أي لا يقبل عذرهم لاينفع كوفي ونافع {وَلَهُمُ اللعنة} البعد من رحمة الله {وَلَهُمْ سُوءُ الدار} أي سوء دار الأخرة وهو عذابها(3/216)
وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْهُدَى وَأَوْرَثْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ (53)
وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْهُدَى وَأَوْرَثْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ (53)
{ولقد آتينا مُوسَى الهدى} يريد به جميع ما أتى به في باب الدين من المعجزات والتوراة والشرائع {وأورثنا بني إسرائيل الكتاب} أي التوراة والإنجيل والزبور لأن الكتاب جنس أي تركنا الكتاب من بعد هذا الى هذا(3/216)
هُدًى وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ (54)
هُدًى وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ (54)
{هُدًى وذكرى} إرشاداً وتذكرة وانتصابهما على المفعول له أو على الحال {لأُِوْلِى الألباب} لذوي العقول(3/216)
فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ (55)
فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ (55)
{فاصبر} على ما يجرعك قومك من الفصص {إِنَّ وَعْدَ الله حَقٌّ} يعني إن ما سبق به وعد من نصرتك واعلاء
غافر (60 - 55)
كلمتك حق {واستغفر لِذَنبِكَ} أي لذنب أمتك {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بالعشى والإبكار} أي دم على عبادة ربك والثناء عليه وقيل هما صلاتا العصر والفجر وقيل قل سبحان الله وبحمده(3/216)
إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (56)
إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (56)
{إن الذين يجادلون في آيات الله بِغَيْرِ سلطان أتاهم} لا وقف(3/216)
عليه لان خبران {إِن فِى صُدُورِهِمْ إِلاَّ كِبْرٌ} تعظم وهو إرادة التقدم والرياسة وأن لا يكون أحد فوقهم فلهذا عادوك ودفعوا آياتك خيفة أن تتقدمهم ويكونوا تحت يدك وأمرك ونهيك لأن النبوة تحتها كل ملك ورياسة أو إرادة أنت تكون لهم النبوة دونك حسدا وبغيا ويدل عليه قوله لَوْ كَانَ خَيْراً مَّا سَبَقُونَا اليه او ارادة دفع الآيات بالجدال {مَّا هُم ببالغيه} ببالغي موجب الكبر ومقتضيه وهو متعلق ارادتهم من الرياسة اوالنبوة او دفع الايات {فاستعذ بالله} التجى إليه من كيد من يحسدك ويبغي عليك {إنه هو السميع} لما تقول ويقولون {البصير} بما تعمل ويعملون فهو ناصرك عليهم وعاصمك من شرهم(3/217)
لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (57)
لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (57)
{لَخَلْقُ السماوات والأرض أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ الناس} لما كانت مجادلتهم في آيات الله مشتملة على إنكار البعث وهو أصل المجادلة ومدارها حجوا بخلق السموات والارض لأنهم كانوا مقرين بأن الله خالقها فإن من قدر على خلقها مع عظمها كان على خلق الإنسان مع مهانته أقدر {ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يَعْلَمُونَ} لأنهم لا يتأملون لغلبة الغفلة عليهم(3/217)
وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَلَا الْمُسِيءُ قَلِيلًا مَا تَتَذَكَّرُونَ (58)
وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَلَا الْمُسِيءُ قَلِيلًا مَا تَتَذَكَّرُونَ (58)
{وما يستوي الأعمى والبصير والذين آمنوا وَعَمِلُواْ الصالحات وَلاَ المسىء} لا زائدة {قَلِيلاً مَّا تَتَذَكَّرُونَ} تتعظون بتاءين كوفي وبياء وتاء غيرهم وقليلا صفة مصدر محذوف أي تذكراً قليلاً يتذكرون وما صلة زائدة(3/217)
إِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ (59)
إِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ (59)
{إِنَّ الساعة لآتِيَةٌ لاَّ رَيْبَ فِيهَا} لا بد من مجيئها وليس بمرتاب فيها(3/217)
لأنه لابد من جزاء لئلا يكون خلق الخلق للفناء خاصة {ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يُؤْمِنُونَ} لا يصدقون بها(3/218)
وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ (60)
وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ (60)
{وَقَالَ رَبُّكُمْ ادعونى} اعبدوني {أَسْتَجِبْ لَكُمْ} أثبكم فالدعاء بمعنى العبادة كثير في القرآن ويدل عليه قوله {إِنَّ الذين يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِى} وقال عليه السلام الدعاء هو العبادة وقرأ هذه الآية صلى الله عليه وسلم وعن ابن عباس رضي الله عنهما وحدوني أغفر لكم وهذا تفسير للدعاء بالعبادة ثم للعبادة بالتوحيد وقيل سلوني أعطكم {سَيَدْخُلُونَ جهنم} سيدخلون مكى وابو عمرو {داخرين}
غافر (66 - 61)
صاغرين(3/218)
اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ (61)
اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ (61)
{الله الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصرا} وهو من الإسناد المجازي أي مبصراً فيه لأن الابصار في الحقيقة لاهل النهار وقرن الليل بالمفعول له والنهار بالحال ولم يكونا حالين أو مفعولاً لهما رعاية لحق للقابلة لأنهما متقابلان معنى لأن كل واحد منهما يؤدي مؤدى الآخر ولأنه لو قيل لتبصروا فيه فاتت الفصاحة التي في الاسناد المجزى ولو قيل ساكناً لم تتميز الحقيقة من المجاز إذ الليل يوصف بالسكون على الحقيقة ألا ترى إلى قولهم ليل ساجٍ أي ساكن لا ريح فيه {إِنَّ الله لَذُو فَضْلٍ عَلَى الناس} ولم يقل لمفضل أو لمتفضل لأن المراد تنكير الفضل وأن يجعل فضلاً لا يوازيه فضل وذلك إنما يكون بالإضافة {ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يَشْكُرُونَ} ولم يقل ولكن اكثرهم حتى لا يتكرر ذكرالناس لأن في هذا التكرير تخصيصاً لكفران النعمة بهم وأنهم هم الذين يكفرون فضل الله ولا يشكرونه كقوله ان الانسان لكفور وقوله ان الانسان لظلوم كفار(3/218)
ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (62)
ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (62)
{ذلكم} الذي خلق لكم الليل والنهار {الله رَبُّكُمْ خالق كُلِّ شَىْءٍ لاَّ إله إِلاَّ هُوَ} أخبار مترادفة أي هو الجامع لهذه الأوصاف من الربوبية والإلهية وخلق كل شيء والوحدانية {فأنى تُؤْفَكُونَ} فكيف ومن أي وجه تصرفون عن عبادته إلى عبادة الأوثان(3/219)
كَذَلِكَ يُؤْفَكُ الَّذِينَ كَانُوا بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (63)
كَذَلِكَ يُؤْفَكُ الَّذِينَ كَانُوا بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (63)
{كذلك يؤفك الذين كانوا بآيات الله يَجْحَدُونَ} أي كل من جحد بآيات الله ولم يتأملها ولم يطلب الحق أفك كما افكوا(3/219)
اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (64)
اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (64)
{الله الذى جَعَلَ لَكُمُ الأرض قَرَاراً} مستقراً {والسمآء بِنَاءً} سقفاً فوقكم {وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ} قيل لم يخلق حيواناً أحسن صورة من الإنسان وقيل لم يخلقهم منكوسين كالبهائم {وَرَزَقَكُم مّنَ الطيبات} اللذيذات {ذَلِكُمُ الله رَبُّكُمْ فتبارك الله رَبُّ العالمين}(3/219)
هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (65)
هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (65)
{هُوَ الحى لاَ إله إِلاَّ هُوَ فادعوه} فاعبدوه {مُخْلِصِينَ لَهُ الدين} أي الطاعة من الشرك والرياء قائلين {الحمد للَّهِ رَبِّ العالمين} وعن ابن عباس رضى الله عنهما من قال لا إله إلا الله فليقل على أثرها الحمد لله رب العالمين(3/219)
قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَمَّا جَاءَنِيَ الْبَيِّنَاتُ مِنْ رَبِّي وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (66)
قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَمَّا جَاءَنِيَ الْبَيِّنَاتُ مِنْ رَبِّي وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (66)
ولما طلب الكفار منه عليه السلام عبادة الأوثان نزل {قُلْ إِنّى نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الذين تَدْعُونَ مِن دُونِ الله لَمَّا جَآءَنِى البينات مِن رَّبِّى} هي القرآن وقيل العقل والوحى {وأمرت أن أسلم} استقيم وانقاد
غافر (74 - 67)
{لرب العالمين}(3/219)
هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (67)
هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (67)
{هُوَ الذى خَلَقَكُمْ} أي أصلكم {مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً} اقتصر على الواحد لأن المراد بيان الجنس {ثُمَّ لِتَبْلُغُواْ أَشُدَّكُمْ} متعلق بمحذوف تقديره ثم يبقيكم لتبلغوا وكذلك {ثُمَّ لِتَكُونُواْ شُيُوخاً} وبكسر الشين مكي وحمزة وعلي وحماد ويحيى والأعشى {وَمِنكُمْ مَّن يتوفى مِن قَبْلُ} أي من قبل بلوغ الأشد أو من قبل الشيخوخة {وَلِتَبْلُغُواْ أَجَلاً مُّسَمًّى} معناه ويفعل ذلك لتبلغوا أجلاً مسمى وهو وقت الموت أو يوم القيامة {وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} ما في ذلك من العبر والحجج(3/220)
هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ فَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (68)
هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ فَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (68)
{هُوَ الذى يُحْيِى وَيُمِيتُ فَإِذَا قضى أَمْراً فإنما يقول له كن فيكون} اى فإنا يكون سريعاً من غير كلفة(3/220)
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ أَنَّى يُصْرَفُونَ (69)
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ أَنَّى يُصْرَفُونَ (69)
{ألم تر إلى الذين يجادلون في آيات الله أنى يُصْرَفُونَ} ذكر الجدال في هذه السورة في ثلاثة مواضع فجاز أن يكون في ثلاثة أقوام أو ثلاثة أصناف أو للتاكيد(3/220)
الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتَابِ وَبِمَا أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (70)
الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتَابِ وَبِمَا أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (70)
{الذين كَذَّبُواْ بالكتاب} بالقرآن {وَبِمَآ أَرْسَلْنَا بِهِ رسلنا} من الكتب {فسوف يعلمون}(3/220)
إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلَاسِلُ يُسْحَبُونَ (71)
إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلَاسِلُ يُسْحَبُونَ (71)
{إذ الأغلال في أعناقهم} اذ ظرف زمان ماضٍ والمراد به هنا الاستقبال كقوله فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ وهذا لأن الأمور المستقبلة لما كانت في أخبار الله تعالى مقطوعاً بها عبر عنها بلفظ ما كان ووجد والمعنى على الاستقبال {والسلاسل} عطف على الأغلال والخبر فِى أعناقهم والمعنى إذ الأغلال والسلاسل في أعناقهم {يُسْحَبُونَ}(3/220)
فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ (72)
فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ (72)
{فِى الحميم} يجرون(3/220)
في الماء الحار {ثُمَّ فِى النار يُسْجَرُونَ} من سجر التنور إذا ملأه بالوقود ومعناه أنهم في النار فهي محيطة بهم وهم مسجورون بالنار مملوءة بها اجوافهم(3/221)
ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ (73)
ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ (73)
{ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ} أي تقول لهم الخزنة {أَيْنَ مَا كُنتُمْ تُشْرِكُونَ}(3/221)
مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُو مِنْ قَبْلُ شَيْئًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ الْكَافِرِينَ (74)
مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُو مِنْ قَبْلُ شَيْئًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ الْكَافِرِينَ (74)
{مِن دُونِ الله} يعني الأصنام التي تعبدونها {قَالُواْ ضَلُّواْ عَنَّا} غابوا عن عيوننا فلا نراهم ولا ننتفع بهم {بَل لَّمْ نَكُنْ نَّدْعُواْ مِن قَبْلُ شَيْئاً} أي تبين لنا أنهم لم يكونوا شيئاً وما كنا نعبد بعبادتهم شيئاً كما تقول حسبت أن فلاناً شىء فاذا هو ليس بشى إذا خبرته فلم تر عنده خيراً {كَذَلِكَ يُضِلُّ الله الكافرين} مثل ضلال آلهتهم عنهم يضلهم عن آلهتهم حتى لو طلبوا الآلهة أو طلبتهم الآلهة لم يتصادقوا او كما اضل هؤلاء
غافر (80 - 75)
المجادلين يضل سائر الكافرين الذين علم منهم اختيار الضلالة على الذين(3/221)
ذَلِكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ (75)
ذَلِكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ (75)
{ذلكم} العذاب الذي نزل بكم {بِمَا كُنتُمْ تَفْرَحُونَ فِى الأرض بِغَيْرِ الحق وَبِمَا كُنتُمْ تَمْرَحُونَ} بسبب ما كان لكم من الفرح والمرح بغير الحق وهو الشرك وعبادة الأوثان فيقال لهم(3/221)
ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (76)
ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (76)
{ادخلوا أبواب جَهَنَّمَ} السبعة المقسومة لكم قال الله تعالى لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ منهم جزء مقسوم {خالدين فِيهَا} مقدرين الخلود {فَبِئْسَ مَثْوَى المتكبرين} عن الحق جهنم(3/221)
فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ (77)
فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ (77)
{فاصبر} يا محمد {إِنَّ وَعْدَ الله} بإهلاك الكفار {حَقٌّ} كائن {فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ} أصله فإن نريك وما مزيدة لتوكيد معنى الشرط ولذلك ألحقت النون بالفعل ألا تراك لا تقول إن تكرمني أكرمك ولكن(3/221)
إما تكرمني أكرمك {بَعْضَ الذى نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ} هذا الجزاء متعلق بنتوفينك وجزاء نُرِيَنَّكَ محذوف وتقديره وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الذي نَعِدُهُمْ من العذاب وهو القتل يوم بدر فذاك اوان نتوفينك قبل يوم بدر فإلينا يرجعون يوم القيامة فننتقم منهم أشد الانتقام(3/222)
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ فَإِذَا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ (78)
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ فَإِذَا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ (78)
{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ} إلى أممهم {مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ} قيل بعث الله ثمانية آلاف في أربعة آلاف من بني إسرائيل وأربعة آلاف من سائر الناس وعن علي رضى الله عنه إن الله تعالى بعث نبياً أسود فهو ممن لم تذكر قصته في القرآن {وَمَا كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله} وهذا جواب اقتراحم فمن الآيات عناداً يعني إنا قد أرسلنا كثيراً من الرسل وما كان لواحد منهم أن يأتى بآية إلا ياذن الله والآخرة وإذا ذكر الله إلا أن يشاء الله ويأذن في الإتيان بها {فَإِذَا جَآءَ أَمْرُ الله} أي يوم القيامة وهو وعيد ورد عقيب اقتراحهم الآيات {قُضِىَ بالحق وَخَسِرَ هُنَالِكَ المبطلون} المعاندون الذين اقترحوا الآيات عناداً(3/222)
اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعَامَ لِتَرْكَبُوا مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (79)
اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعَامَ لِتَرْكَبُوا مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (79)
{الله الذى جَعَلَ} خلق {لَكُمُ الأنعام} الإبل {لِتَرْكَبُواْ مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ} أي لتركبوا بعضها وتأكلوا بعضها(3/222)
وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْهَا حَاجَةً فِي صُدُورِكُمْ وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ (80)
وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْهَا حَاجَةً فِي صُدُورِكُمْ وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ (80)
{وَلَكُمْ فيِهَا منافع} أي الألبان والأوبار {وَلِتَبْلُغُواْ عَلَيْهَا حَاجَةً فِى صُدُورِكُمْ} أي لتبلغوا عليها ما تحتاجون إليه من الأمور {وَعَلَيْهَا} وعلى الأنعام {وَعَلَى الفلك تُحْمَلُونَ} أي على الأنعام وحدها لا تحملون ولكن عليها وعلى الفلك في البر
غافر (85 - 81)
والبحر(3/222)
وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَأَيَّ آيَاتِ اللَّهِ تُنْكِرُونَ (81)
وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَأَيَّ آيَاتِ اللَّهِ تُنْكِرُونَ (81)
{ويريكم آياته فأي آيات الله تنكرون} انها ليست من عند الله واى نصب بتنكرون وقد جاءت على اللغة المستفيضة وقولك فأية آيات الله قليل لأن التفرقة بين المذكر والمؤنث في الأسماء غير الصفات نحو حمار وحمارة غريب وهي في أي أغرب لإبهامه(3/223)
أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (82)
أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (82)
{أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِى الأرض فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عاقبة الذين مِن قَبْلِهِمْ كَانُواْ أَكْثَرَ مِنْهُمْ} عددا {وأشد قوة} بدنا {وآثارا فِى الأرض} قصوراً ومصانع {فَمَآ أغنى عَنْهُمْ} مانافية {مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ}(3/223)
فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (83)
فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (83)
{فَلَمَّا جَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بالبينات فَرِحُواْ بِمَا عِندَهُمْ مِّنَ العلم} يريد علمهم بأمور الدنيا ومعرفتهم بتدبيرها كما قال يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مّنَ الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون فلما جاءتهم الرسل بعلوم الديانات وهي أبعد شيء من علمهم لبعثها على رفض الدنيا والظلف عن الملاذ والشهوات لم يلتفتوا إليها وصغروها واستهزؤوا بها واعتقدوا أنه لا علم أنفع وأجلب للفوائد من علمهم ففرحوا به أو علم الفلاسفة والدهريين فإنهم كانوا إذا سمعوا بوحي الله دفعوه وصغروا علم الأنبياء إلى علمهم وعن سقراط أنه سمع بموسى عليه السلام وقيل له لو هاجرت إليه فقال نحن قوم مهذبون فلا حاجة بنا إلى من يهذبنا أو المراد فرحوا بما عند الرسل من العلم فرح ضحك منه واستهزاء به كأنه قال استهزؤوا بالبينات وبما جاؤوا به من علم الوحي فرحين مرحين ويدل عليه قوله {وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يستهزؤون} أو الفرح للرسل أي الرسل لما رأوا جهلهم(3/223)
واستهزائهم بالحق وعلموا سوء عاقبتهم وما يلحقهم من العقوبة على جهلهم واستهزائهم فرحوا بما اوتوا من العلم وشكروا الله عليه وحاق بالكافرين جزاء جهلهم واستهزائهم(3/224)
فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ (84)
فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ (84)
{فلما رأوا بأسنا} شدة عذابنا {قالوا آمنا بالله وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ}(3/224)
فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ (85)
فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ (85)
{فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إيمانهم لَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا} أي فلم يصح ولم يستقم أن ينفعهم ايمانهم {سنة الله} بمنزلة وعد الله ونحوه من المصادر المؤكدة {التى قَدْ خَلَتْ فِى عِبَادِهِ} أن الإيمان عند نزول العذاب لا ينفع وأن العذاب نازل بمكذبي الرسل {وَخَسِرَ هُنَالِكَ الكافرون} هنالك مكان مستعار للزمان والكافرون خاسرون في كل أوان ولكن يتبين خسرانهم إذا عاينوا العذاب وفائدة ترادف الفاآت في هذه الآيات أن فَمَا أغنى عَنْهُمْ نتيجة قوله كانوا اكثر منهم وفلما جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم كالبيان والتفسير لقوله فَمَا أغنى عَنْهُمْ كقولك رزق زيد المال فمنع المعروف فلم يحسن الى الفقراء وفلما رَأَوْاْ بَأْسَنَا تابع لقوله فَلَمَّا جَاءتْهُمْ كأنه قال فكفروا فلما رأوا بأسنا آمنوا وكذلك فلم يك ينفعهم ايمانهم تابع لايمانهم لمارأوا باس الله والله اعلم(3/224)
فصلت (5 - 1)
سورة فصلت
بسم الله الرحمن الرحيم(3/225)
حم (1) تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (2)
حم (1) تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (2)
{حم تنزيل من الرحمن الرحيم}
سورة فصلت مكية وهى ثلاث وخمسون آية
بسم الله الرحمن الرحيم
{حم} إن جعلته اسماً للسورة كان مبتدأ {تَنزِيلٌ} خبره وإن جعلته تعديداً للحروف كان تنزيل خبرا لمبتدا محذوف وكتاب بدل من تَنزِيل أو خبر بعد خبر أو خبر مبتدأ محذوف أو تنزيل مبتدأ {مِّنَ الرحمن الرحيم} صفته(3/225)
كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (3)
كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (3)
{كتاب} خبره {فصلت آياته} ميزت وجعلت تفاصيل في معانٍ مختلفة من احكام وأمثال ومواعظ وعد ووعيد وغير ذلك {قرآنا عَرَبِيّاً} نصب على الاختصاص والمدح أي أريد بهذا الكتاب المفصل قرآناً من صفته كيت وكيت أو على الحال أي فصلت آياته في حال كونه قرآناً عربياً {لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} أي لقوم عرب يعلمون ما نزل عليهم من الآيات المفصلة المبينة بلسانهم العربى ولقوم يتعلق بتنزيل او بفصلت أي تنزيل من الله لأجلهم أو فصلت آياته لهم والاظهر أن يكون صفة مثل ما قبله وما بعده أي قرآناً عربياً كائناً لقوم عرب(3/225)
بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ (4)
بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ (4)
{بشيرا ونذيرا} صفتان لقرانا {فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ} أي(3/225)
لا يقبلون من قولك تشفعت إلى فلان فلم يسمع قولي ولقد سمعه ولكنه لما لم يقبله ولم يعمل بمقتضاه فكأنه لم يسمعه(3/226)
وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ (5)
وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ (5)
{وقالوا قلوبنا في أكنة} اغطية جمع كيان وهو الغطاء {مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ} من التوحيد {وفي آذاننا وَقْرٌ} ثقل يمنع من استماع قولك {وَمِن بيننا وبينك حجاب} ستر وهذه تمثيلات ليو قلوبهم عن تقبل الحق واعتقاده كأنها في غلف وأغطية تمنع من نفوذه فيها ومج اسماعهم له كان بها صمماً عنه ولتباعد المذهبين والدينين كأن بينهم وماهم عليه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم وما هو عليه حجاباً ساتراً وحاجزاً منيعاً من جبل أو نحوه فلا تلاقي ولا ترائي {فاعمل} على دينك {إِنَّنَا عاملون} على ديننا أو فاعمل في إبطال أمرنا إننا عاملون في إبطال أمرك وفائدة زيادة من ان الحجاب ابتدأ
فصلت (10 - 6)
منا وابتدا منك فالمسألة المتوسطة لجهتنا وجهتك مستوعبة بالحجاب لا فراغ فيها ولو قيل بيننا وبينك حجاب لكان المعنى أن حجاباً حاصل وسط الجهتين(3/226)
قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ (6)
قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ (6)
{قُلْ إِنَّمَآ أَنَاْ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يوحى إِلَىَّ أَنَّمَا إلهكم إله وَاحِدٌ} هذا جواب لقولهم قُلُوبُنَا فِى أَكِنَّةٍ ووجهه أنه قال لهم إني لست بملك وإنما أنا بشر مثلكم وقد أوحي إلي دونكم فصحت نبوتي بالوحي إليّ وأنا بشر وإذا صحت نبوتي وجب عليكم اتباعي وفيما يوحى إليّ أن إلهكم إله واحد {فاستقيموا إِلَيْهِ} فاستووا إليه بالتوحيد وإخلاص العبادة غير ذاهبين يميناً ولا شمالاً ولا ملتفتين إلى ما يسول لكم الشيطان من اتخاذ الأولياء والشفعاء {واستغفروه} من الشرك {وويل للمشركين}(3/226)
الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (7)
الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (7)
{الذين لا يؤتون الزكاة} لا يؤمنون بوجوب الزكاة ولا يعطونها اولا يفعلون ما يكونون به أزكياء وهو الإيمان {وَهُم بالآخرة} بالبعث(3/226)
والثواب والعقاب {هُمْ كافرون} وإنما جعل منع الزكاة مقروناً بالكفر بالآخرة لأن أحب شيء إلى الإنسان ماله وهو شقيق روحه فإذا بذله في سبيل الله فذلك أقوى دليل على استقامته وصدق نيته ونصوع طويته وماخدع المؤلفة قلوبهم الا بظلمة من الدنيا فقرت عصبيتهم ولانت شكيمتهم وما ارتدت بنو حنيفة إلا بمنع الزكاة وفيه بعث للمؤمنين على أداء الزكاة وتخويف شديد من منعها(3/227)
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (8)
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (8)
{إن الذين آمنوا وَعَمِلُواْ الصالحات لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ} مقطوع قيل نزلت في المرضى والزمنى والهرمى إذا عجزوا عن الطاعة كتب لهم الأجر كأصح ما كانوا يعملون(3/227)
قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ (9)
قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ (9)
{قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بالذى خَلَقَ الأرض فِى يَوْمَيْنِ} الأحد والاثنين تعليماً للأناة ولو أراد أن يخلقها في لحظة لفعل {وَتَجْعَلُونَ لَهُ أندادا} شركاء واشتباها {ذلك} الذي خلق ما سبق {رَبُّ العالمين} خالق جميع الموجودات وسيدها ومربيها(3/227)
وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ (10)
وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ (10)
{وَجَعَلَ فِيهَا} في الأرض {رَوَاسِىَ} جبالاً ثوابت {مِّن فَوْقِهَا} إنما اختار إرساءها فوق الأرض لتكون منافع الجبال ظاهرة لطالبيها وليبصر أن الأرض والجبال أثقال على أثقال كلها مفتقرة الى ممسك وهو الله عز وجل {وبارك} بالماء والزرع والشجر ولاثمر {فيها} في الارض وقيل بارك فيها وأكثر خيرها {وَقَدَّرَ فِيهَآ أقواتها} أرزاق أهلها ومعايشهم وما يصلحهم وقرأ ابن مسعود رضى الله عنه وقسم فيها اقوالتها {فِى أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ} في تتمة أربعة أيام يريد بالتتمة اليومين تقول سرت من البصرة(3/227)
إلى بغداد في عشرة وإلى الكوفة في خمسة عشر اى تتمه خمسة ولا بد من هذاالتقدير لأنه لو أجرى على الظاهر لكانت ثمانية أيام لأنه قال خَلَقَ الأرض فِى يَوْمَيْنِ ثم قال واقدر فِيهَا أقواتها فِى أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ ثم قال
فصلت (12 - 11)
فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سموات فِى يَوْمَيْنِ فيكون خلاف قوله في ستة ايام في موضع آخر وفي الحديث إن الله تعالى خلق الأرض يوم الأحد والإثنين وخلق لاجبال يوم الثلاثاء وخلق يوم الأربعاء الشجر والماء والعمران والخراب فتلك أربعة أيام وخلق يوم الخميس السماء وخلق يوم الجمعة النجوم والشمس والقمر والملائكة وخلق آدم عليه السلام في آخر ساعة من يوم الجمعة قيل هي الساعة التي تقوم فيها القيامة {سَوَآءٍ} يعقوب صفة للأيام أي في أربعة أيام مستويات تامات سَوَآء بالرفع يزيد أي هي سواء غيرهما سَوَآء على المصدر أي استوت سواء أي استواء أو على الحال {للسائلين} متعلق بقدر اى قدر فيها الافوات لأجل الطالبين لها والمحتاجين إليها لأن كلاً يطلب القوت ويسأله أو بمحذوف كأنه قيل هذا الحصر لأجل من سأل في كم خلقت الأرض وما فيها(3/228)
ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ (11)
ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ (11)
{ثم استوى إلى السماء وهى دخان فقال لَهَا وَلِلأَرْضِ ائتيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَآئِعِينَ} هو مجاز عن إيجاد الله تعالى السماء على ما أراد تقول العرب فعل فلان كذا ثم استوى إلى عمل كذا يريدون أنه أكمل الأول وابتدأ الثاني ويفهم منه أن خلق السماء كان بعد خلق الارض وبه قال ابن عباس رضى الله عنهما وعنه أنه قال أول ما خلق الله تعالى جوهرة طولها وعرضها مسيرة ألف سنة في مسيرة عشرة آلاف سنة فنظر إليها بالهيبة فذابت واضطربت ثم ثار منها دخان بتسليط النار عليها فارتفع واجتمع زبد فقام فوق الماء فجعل الزبد أرضاً والدخان سماء(3/228)
ومعنى امر السماء والارض بالاتيان وامتثالهما اليه اراد ان يكونهما فلم يمتنعا عليه ووجدنا كما أرادهما وكانتا في ذلك كالمأمور المطيع إذا ورد عليه فعل الآمر المطاع وإنما ذكر الأرض مع السماء في الأمر بالإتيان والأرض مخلوقة قبل السماء بيومين لأنه قد خلق جرم الأرض أولاً غير مدحوة ثم دحاها بعد خلق السماء كما قال والأرض بعد ذلك دحاها فالمعنى ان ائتيا على ما ينبغى عليه ان تأتيا من الشكل والوصف ائتى يا ارض مدحو قرار اومهادا لأهلك وائتي يا سماء مقبية سقفاً لهم ومعنى الإتيان الحصول والوقوع كما تقول أتى عمله مرضياً وقوله طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لبيان تأثير قدرته فيهما وأن امتناعهما من تأثير قدرته محال كما تقول لمن تحت يدك لتفعلن هذا شئت أو أبيت ولتفعلنه طوعاً او كرها ونتصابها على الحال بمعنى طائعتين أو مكرهتين وإنما لم يقل طائعتين على اللفظ أو طائعات على المعنى لأنهما سموات وأرضون لأنهن لما جعلن مخاطبات ومجيبات ووصفن بالطوع والكره قيل طائعين في موضع طائعات كقوله ساجدين(3/229)
فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (12)
فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (12)
{فقضاهن} فاحكم خلقهن قال
وعليهما مسوردتان قضاهما والضمير يرجع إلى السماء لأن السماء للجنس ويجوز أن يكون ضميراً مبهماً مفسراً بقوله {سبع سماوات} والفرق بين النصيين في سبع سموات ان لاول على الحال والثاني على التمييز {فِى يَوْمَيْنِ} في يوم الخميس والجمعة {وأوحى فِى كُلِّ سَمَآءٍ أَمْرَهَا} ما أمر به فيها ودبره
فصلت (15 - 12)
من خلق الملائكة والنيران وغير ذلك {وَزَيَّنَّآ السمآء الدنيا} القريبة من الأرض {بمصابيح} بكواكب {وَحِفْظاً} وحفظناها من المسترقة بالكواكب حفظاً {ذلك تَقْدِيرُ العزيز} الغالب غير المغلوب {العليم} بمواقع الامور(3/229)
فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ (13)
فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ (13)
{فَإِنْ أَعْرَضُواْ} عن الإيمان بعد هذا البيان {فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ} خوفتكم {صاعقة} عذاباً شديد الوقع كأنه صاعقة وأصلها رعد معه نار {مِّثْلَ صاعقة عَادٍ وَثَمُودَ}(3/230)
إِذْ جَاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ قَالُوا لَوْ شَاءَ رَبُّنَا لَأَنْزَلَ مَلَائِكَةً فَإِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (14)
إِذْ جَاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ قَالُوا لَوْ شَاءَ رَبُّنَا لَأَنْزَلَ مَلَائِكَةً فَإِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (14)
{إِذْ جَآءَتْهُمُ الرسل مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ} أي أتوهم من كل جانب وعملوا فيهم كل حيلة فلم يروا منهم إلا الإعراض وعن الحسن أنذروهم من وقائع الله فيمن قبلهم من الأمم وعذاب الآخرة {أَن} بمعنى أي أو مخففة من الثقيلة أصله بانه {ألا تَعْبُدُواْ إِلاَّ الله قَالُواْ} أي القوم {لَوْ شَآءَ رَبُّنَا} إرسال الرسل فمفعول شَاء محذوف {لأَنزَلَ ملائكة فَإِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافرون} عناه فاذاانتم بشر ولستم بملائكة فإنا لا نؤمن بكم وبما جئتم به وقوله أُرْسِلْتُمْ بِهِ ليس باقرار بالارسال وانماهو على كلام الرسل وفيه تهكم كما قال فرعون إِنَّ رَسُولَكُمُ الذى أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ وقولهم فَإِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافرون خطاب منهم لهود وصالح ولسائر الأنبياء الذين دعوا إلى الإيمان بهم رُوي أن قريشاً بعثوا عقبة بن ربيعة وكان أحسنهم حديثاً ليكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم وينظر ما يريد فأتاه وهو في الحطيم فلم يسأل شيئاً إلا أجابه ثم قرأ عليه السلام السورة إلى قوله مّثْلَ صاعقة عاد وثمود فاشده بالرحم وارسلك على فيه ووثب مخافة أن يصب عليهم العذاب فأخبرهم به وقال لقد عرفت السحر والشعر فوالله ما هو بساحر ولا بشاعر فقالوا لقد صبأت أما فهمت منه كلمة فقال لا ولم أهتد إلى جوابه فقال عثمان بن مظعون ذلك والله لتعلموا أنه من رب العالمين ثم بين ما ذكر من صاعقة عاد وثمود فقال(3/230)
فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (15)
فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (15)
{فَأَمَّا عَادٌ فاستكبروا فِى الأرض بِغَيْرِ الحق} أي تعظموا فيها على أهلها(3/230)
بما لا يستحقون به التعظيم وهو القوة وعظم الأجرام أو استولوا على الأرض بغير استحقاق للولاية {وَقَالُواْ مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً} كانوا ذوي اجسام طوال وخلق عظيم وبلغ من قوتهم أن الرجل كان يقتلع الصخرة من الجبل بيده {أولم يروا} أو لم يعلموا علماً يقوم مقام العيان {أَنَّ الله الذى خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً} أوسع منهم قدرة لأنه قادر على كل شيء وهم قادرون على بعض الأشياء بإقداره {وَكَانُواْ بآياتنا يَجْحَدُونَ} معطوف على فاستكبروا أي كانوا يعرفون أنها حق ولكنهم جحدوها كما يجحد المودع
فصلت (19 - 16)
الوديعة(3/231)
فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنْصَرُونَ (16)
فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنْصَرُونَ (16)
{فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً} عاصفة تصرصر أي تصوت في هبوبها من الصرير أو باردة تحرق بشدة بردها تكرير لبناء الصر وهو البردقيل انها الدبور {في أيام نحسات} مشئومات عليهم نَّحِسَاتٍ مكي وبصري ونافع ونُحِس نحساً نقيض سعد سعداً وهو نحس وأما نحس فإما مخفف نحس أو صفة على فعل أو وصف بمصدر وكانت من الأربعاء في آخر شوال إلى الأربعاء وما عذب قوم إلا في الأربعاء {لِّنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الخزى فِى الحياة الدنيا} أضاف العذاب إلى الخزي وهو الذل على انه وصف العذاب كأنه قال عذاب خزي كما تقول فعل السوء تريد الفعل السيء ويدل عليه قوله {وَلَعَذَابُ الآخرة أخزى} وهو من الإسناد المجازي ووصف العذاب بالخزي أبلغ من وصفهم به فشتان ما بين قوليك هو شاعر وله شعر شاعر {وَهُمْ لاَ يُنصَرُونَ} من الأصنام التي عبدوها على رجاء النصر لهم(3/231)
وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (17)
وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (17)
{وأما ثمود} بالرفع على الابتداءوهو الفصيح لوقوعه بعد حرف الابتداء والخبر {فهديناهم} وبالنصب المفضّل بإضمار فعل يفسره فهديناهم أي بينا لهم الرشد {فاستحبوا العمى عَلَى الهدى} فاختاروا الكفر على الإيمان {فَأَخَذَتْهُمْ صاعقة العذاب} داهية العذاب {الهون} الهوان وصف(3/231)
به العذاب مبالغة اوابدله منه {بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} بكسبهم وهو شركهم ومعاصيهم وقال الشيخ أبو منصور يحتمل ما ذكر من الهداية التبيين كما بينا ويحتمل خلق الاهتداء فيهم فصاروا مهتدين ثم كفروا بعد ذلك وعقروا الناقة لأن الهدى المضاف الى الخلق يكون بمعنى البيان والتوفيق وخلق فعل لاهتداء فأما الهدى المضاف إلى الخلق يكون بمعنى البيان لا غير وقال صاحب الكشاف فيه فإن قلت أليس معنى قولك هديته جعلت فيه الهدى والدليل عليه قولك هديته فاهتدى بمعنى تحصيل البغية وحصولها كما تقول ردعته فارتدع فكيف ساغ استعماله في الدلالة المجردة قلت الدلالة على أنه مكنهم فأزاح عللهم ولم يبق لهم عذر فكأنه حصل البغية فيهم بتحصيل ما يوجبها ويقتضيها وانما فعل بهذا لأنه لا يتمكن من أن يفسره بخلق الاهتداء لأنه يخالف مذهبه الفاسد(3/232)
وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (18)
وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (18)
{ونجينا الذين آمنوا} أي اختاروا الهدى على العمى من تلك الصاعقة {وَكَانُواْ يَتَّقُونَ} اختيار العمى على الهدى(3/232)
وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (19)
وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (19)
{وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَآءُ الله إِلَى النار} أي الكفار من الأولين والآخرين نَحْشُرُ أَعْدَاءَ نافع ويعقوب {فهم يوزعون} بحبس أولهم على آخرهم أي يستوقف سوابقهم حتى يلحق بهم تواليهم
فصلت (25 - 20)
وهي عبارة عن كثرة أهل النار وأصله من وزعته أي كففته(3/232)
حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (20)
حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (20)
{حتى إذا ما جاؤوها} صاروا بحضرتها وما مزبدة للتأكيد ومعنى التأكيد أن وقت مجيئهم النار لا محالة أن يكون وقت الشهادة عليهم ولا وجه لأن يخلو منها {شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وأبصارهم وَجُلُودُهُم بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} شهادة الجلود بملامسة الحرام وقيل هى كناية عن الفروج(3/232)
وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (21)
وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (21)
{وَقَالُواْ لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا} لما تعاظمهم من شهادتها عليهم(3/232)
{قَالُواْ أَنطَقَنَا الله الذى أَنطَقَ كُلَّ شَىْءٍ} من الحيوان والمعنى أن نطقنا ليس بعجب من قدرة الله الذي قدر على إنطاق كل حيوان {وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} وهو قادر على إنشائكم أول مرة وعلى إعادتكم ورجوعكم إلى جزائه(3/233)
وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ (22)
وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ (22)
{وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَن يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلآ أبصاركم وَلاَ جُلُودُكُمْ} أي أنكم كنتم تستترون بالحيطان والحجب عند ارتكاب الفواحش وما كان استناركم ذلك خيفة أن يشهد عليكم جوارحكم لأنكم كنتم غير عالمين بشهادتها عليكم بل كنتم جاحدين بالبعث والجزاء أصلاً {ولكن ظَنَنتُمْ أَنَّ الله لاَ يَعْلَمُ كَثِيراً مِّمَّا تَعْمَلُونَ} ولكنكم إنما استترتم لظنكم أن الله لا يعلم كثيراً مما كنتم تعملون وهو الخفيات من اعمالكم(3/233)
وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ (23)
وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ (23)
{وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الذى ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ} وذلك الظن هو الذى اهلككم وذلكم مبتدأ وظنكم والذى ظننتم بربكم صفته وارداكم خبر ثانٍ أو ظَنُّكُمُ بدل من ذلكم وارداكم الخبر {فَأَصْبَحْتُمْ مِّنَ الخاسرين}(3/233)
فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ (24)
فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ (24)
{فَإِن يَصْبِرُواْ فالنار مَثْوًى لَّهُمْ} أي فإن يصبروا لم ينفعهم الصبر ولم ينفكوا به من الثواء في النار {لهم وَإِن يَسْتَعْتِبُواْ فَمَا هُم مِّنَ المعتبين} وإن يطلبوا الرضا فما هم من المرضيّين أو إن يسألوا العتبى وهي الرجوع لهم إلى ما يحبون جزعاً مما هم فيه لم يعتبوا لم يعطوا العتبى ولم يجابوا إليها(3/233)
وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ (25)
وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ (25)
{وَقَيَّضْنَا لَهُمْ} أي قدرنا لمشركي مكة يقال هذان ثوبان قيضان أي مثلان والمقايضة المعاوضة وقيل سلطنا عليهم {قرناء} اخذانا من الشياطين جمع قرين كقوله وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرحمن نُقَيّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ له(3/233)
قرين {فَزَيَّنُواْ لَهُم مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ} أي ما تقدم من أعمالهم وما هم عازمون عليها أو ما بين أيديهم من أمر الدنيا واتباع الشهوات وما خلفهم من امر العاقبة وان لا بعث ولا
فصلت (30 - 26)
حساب {وَحَقَّ عَلَيْهِمُ القول} كلمة العذاب {فِى أمم} في جملة ام ومحله النصب على الحال من الضمير في عَلَيْهِمْ أي حق عليهم القول كائنين في جملة أمم {قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمْ} قبل أهل مكة {مِّنَ الجن والإنس إِنَّهُمْ كَانُواْ خاسرين} هو تعليل لاستحقاقهم العذاب والضمير لهم وللامم(3/234)
وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ (26)
وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ (26)
{وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن} إذًّا قريء {والغوا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ} وعارضوه بكلام غير مفهوم حتى تشوشوا عليه وتغلبوا على قراءته واللغو الساقط من الكلام الذي لا طائل تحته(3/234)
فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذَابًا شَدِيدًا وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ (27)
فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذَابًا شَدِيدًا وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ (27)
{فَلَنُذِيقَنَّ الذين كَفَرُواْ عَذَاباً شَدِيداً} يجوز أن يريد بالذين كفروا هؤلاء اللاغين والآمرين لهم باللغو خاصة ولكن يذكر الذين كفروا عامة لينطووا تحت ذكرهم {وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الذى كَانُواْ يَعْمَلُونَ} أي أعظم عقوبة على أسوأ أعمالهم وهو الكفر(3/234)
ذَلِكَ جَزَاءُ أَعْدَاءِ اللَّهِ النَّارُ لَهُمْ فِيهَا دَارُ الْخُلْدِ جَزَاءً بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (28)
ذَلِكَ جَزَاءُ أَعْدَاءِ اللَّهِ النَّارُ لَهُمْ فِيهَا دَارُ الْخُلْدِ جَزَاءً بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (28)
{ذَلِكَ جَزَآءُ أَعْدَآءِ الله} ذلك إشارة إلى الأسوأ ويجب أن يكون التقدير أسوأ جزاء الذي كانوا يعملون حتى تستقيم هذه الإشارة {النار} عطف بيان للجزاء أو خبر مبتدأ محذوف {لَهُمْ فِيهَا دَارُ الخُلْدِ} أي النار في نفسها دار الخلد كما تقول لك في هذه الدار دار السرور وأنت تعني الدار بعينها {جَزَآءً} أي جوزوا بذلك جزاء {بما كانوا بآياتنا يجحدون}(3/234)
وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنَا أَرِنَا اللَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الْأَسْفَلِينَ (29)
وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنَا أَرِنَا اللَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الْأَسْفَلِينَ (29)
{وَقَال الَّذِينَ كَفَرُواْ رَبَّنَا أَرِنَا} وبسكون الراء لثقلى الكسرة كما قالوا في فخْذِ فَخْذ مكي وشامى وابو بكر وبالاختلاس ابو عمرو {الذين(3/234)
أضلانا} اى الشيطانين الذين أضلانا {مِّنَ الجن والإنس} لأن الشيطان على ضربين جنى وانسى قال الله تعالى {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلّ نِبِىّ عَدُوّاً شياطين الإنس والجن} نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الأسفلين في النار جزاء إضلالهم إيانا(3/235)
إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30)
إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30)
{إِنَّ الذين قَالُواْ رَبُّنَا الله} أي نطقوا بالتوحيد {ثُمَّ استقاموا} ثم ثبتوا على الإقرار ومقتضياته وعن الصديق رضى الله عنه استقاموا فعلاً كما استقاموا قولاً وعنه أنه تلاها ثم قال ما تقولون فيها قالوا لم يذنبوا قال حملتم الأمر على أشده قالوا فما تقول قال لم يرجعوا إلى عبادة الاوثان وعن عمر رضى الله عنه لم يروغوا روغان الثعالب أي لم ينافقوا وعن عثمان رضى الله عنه اخلصوا العمل وعن علي رضى الله عنه أدوا الفرائض وعن الفضيل زهدوا في الفانية ورغبوا في الباقية وقيل حقيقة الاستقامة القرار بعد الإقرار لا الفرار بعد الإقرار {تَتَنَزَّلُ}
فصلت (35 - 30)
{عليهم الملائكة} عند الموت أن بمعنى أي أو مخففة من الثقيلة واصله بانه {ألا تَخَافُواْ} والهاء ضمير الشأن أي لا تخافوا ما تقدمون عليه {وَلاَ تَحْزَنُواْ} على ما خلفتم فالخوف غم يلحق الإنسان لتوقع المكروه والحزن غم يلحق لوقوعه من فوات نافع أو حصول ضار والمعنى أن الله كتب لكم الأمن من كل غم فلن تذوقوه {وَأَبْشِرُواْ بالجنة التى كُنتُمْ تُوعَدُونَ} في الدنيا وقال محمد بن علي الترمذي تتنزل عليهم ملائكة الرحمن عند مفارقة الأرواح الأبدان أن لا تخافوا سلب الإيمان ولا تحزنوا على ما كان من العصيان وأبشروا بدخول الجنان التي كنتم توعدون في سالف الزمان(3/235)
نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31)
نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31)
{نَحْنُ أَوْلِيَآؤُكُمْ فِى الحياة الدنيا وَفِى الآخرة} كما أن الشياطين قرناء(3/235)
العصاة وإخوانهم فكذلك الملائكة اولياء المتقين واحباؤهم في الدراين {وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِى أَنفُسُكُمْ} من النعيم {وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ} تتمنون(3/236)
نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ (32)
نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ (32)
{نزلا} هو رزق النزيل وهو الضيف وانتصابه على الحال من الهاء المحذوفة اومن ما {مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ} نعت له(3/236)
وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33)
وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33)
{وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَآ إِلَى الله} إلى عبادته هو رسول الله دعا إلى التوحيد {وَعَمِلَ صالحا} خالصاً {وَقَالَ إِنَّنِى مِنَ المسلمين} تفاخرا بالاسلام او معتقدا له أو أصحابه عليه السلام أو المؤذنون أو جميع الهداة والدعاة إلى الله(3/236)
وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34)
وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34)
{وَلاَ تَسْتَوِى الحسنة وَلاَ السيئة ادفع بالتى هِىَ أَحْسَنُ} يعني أن الحسنة والسيئة متفاوتتان في أنفسهما فخذ بالحسنة التي هي أحسن من أختها إذا اعترضتك حسنتان فادفع بها السيئة التي ترد عليك من بعض أعدائك كما لو أساء إليك رجل إساءة فالحسنة أن تعفو عنه والتي هي أحسن أن تحسن إليه مكان إساءته إليك مثل أن يذمك فتمدحه او يقتل ولدك فتفتدى وله من يدعوه {فَإِذَا الذى بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِىٌّ حَمِيمٌ} فإنك إذا فعلت ذلك انقلب عدوك المشاق مثل الولي الحميم مصافاة لك ثم قال(3/236)
وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (35)
وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (35)
{وَمَا يُلَقَّاهَآ} أي وما يلقي هذه الخصلة التي هي مقابلة الإساءة بالإحسان {إِلاَّ الذين صَبَرُواْ} إلا أهل الصبر {وَمَا يُلَقَّاهَآ إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} إلا رجل خير وفق لحظ عظيم من الخير وإنما لم يقل فادفع بالتي هي احسن لانه تقدير قائل قال فكيف أصنع فقيل ادفع بالتى هِىَ أَحْسَنُ وقيل لا مزيدة للتأكيد والمعنى لا تستوى الحسنة والسيئة وكان
فصلت (39 - 36)
القياس على هذا التفسير أن يقال ادفع بالتي هي حسنة ولكن وضع التى هِىَ(3/236)
أَحْسَنُ موضع الحسنة ليكون أبلغ في الدفع بالحسنة لأن من دفع بالحسنى هان عليه الدفع بما دونها وعن ابن عباس رضى الله عنهما بالتي هى احسن الصبرعند الغضب والحلم عند الجهل والعفو عند الإساءة وفسر الحظ بالثواب وعن الحسن والله ما عظم حظ دون الجنة وقيل نزلت في أبي سفيان بن حرب وكان عدواً مؤذياً للنبى صلى الله عليه وسلم فصار ولياً مصافياً(3/237)
وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (36)
وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (36)
{وَإِمَّا يَنَزَغَنَّكَ مِنَ الشيطان نَزْغٌ} النزغ شبه النخس والشيطان ينزغ الإنسان كأنه ينخسه يبعثه على مالا ينبغي وجعل النزغ نازغاً كما قيل جد جده أو أريد وإما ينزغنك نازغ وصفاً للشيطان بالمصدر أو لتسويله والمعنى وإن صرفك الشيطان عما وصيت به من الدفع بالتي هي أحسن {فاستعذ بالله} من شره وامض على حلمك ولا تطعه {إِنَّهُ هُوَ السميع} لاستعاذتك {العليم} بنزغ الشيطان(3/237)
وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (37)
وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (37)
{ومن آياته} الدالة على وحدانيته {الليل والنهار} في تعاقبهما على حد معلوم وتناوبهما على قدر مقسوم {والشمس والقمر} في اختصاصهما بسير مقدر ونور مقرر {لاَ تَسْجُدُواْ لِلشَّمْسِ وَلاَ لِلْقَمَرِ} فإنهما مخلوقان وإن كثرت منافعهما {واسجدوا لِلَّهِ الذى خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} الضمير في خَلَقَهُنَّ للآيات أو الليل والنهار والشمس والقمر لأن حكم جماعة ما لا يعقل حكم الانثى او الاناث تقول الافلام بريتها وبريتهن ولعل ناساً منهم كانوا يسجدون للشمس والقمر كالصابئين في عبادتهم الكواكب ويزعمون انهم يقصدون بالسجود لهما السجود لله تعالى فنهوا عن هذه الواسطة وأمروا أن يقصدوا بسجودهم وجه الله خالصاً إن كانوا إياه يعبدون وكانوا موحدين غير مشركين فإن من عبد مع الله غيره لا يكون عابداً لله(3/237)
فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ (38)
فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ (38)
{فَإِنِ استكبروا فالذين عِندَ رَبِّكَ} أي الملائكة {يسبحون له بالليل(3/237)
والنهار وهم لا يسأمون} لا يملون والمعنى فإن استكبروا ولم يمتثلوا ما أمروا به وأبوا إلا الواسطة وأمروا أن يقصدوا بسجودهم وجه الله خالصاً فدعهم وشانهم فان الله تعالى لا يعدم عابدا وساجدا بالإخلاص وله العباد المقربون الذين ينزهونه بالليل والنهار عن الانداد وعند ربك عبارة عن الزافى والمكانة والكرامة وموضع السجدة عندنا لاَ يَسْئَمُونَ وعند الشافعى رحمه الله عند تبعدون والاول احوط(3/238)
وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِ الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (39)
وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِ الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (39)
{ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعة} يابسة مغيرة والخسوع التذلل فاستعير لحال الأرض إذا كانت قحطة لانبات فيها {فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا المآء} المطر {اهتزت} تحركت
فصلت (44 - 39)
بالنبات {وربت} انتفخت {إن الذي أحياها لمحيي الموتى إِنَّهُ على كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} فيكون قادراً على البعث ضرورة(3/238)
إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (40)
إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (40)
{إن الذين يلحدون في آياتنا} يميلون عن الحق في ادلتنا بالعطعن يقال ألحد الحافر ولحد إذا مال عن الاستقامة فحفر في شق فاستعير لحال الأرض اذا كانت ملحودة فاستعير لانحراف في تأويل آيات القرآن عن جهة الصحة والاستقامة يلحدون حمزة {لا يخفون علينا} وعيدلهم على التحريف {أَفَمَن يلقى فِى النار خَيْرٌ أم من يأتي آمنا يَوْمَ القيامة} هذا تمثيل للكافر والمؤمن {اعملوا مَا شِئْتُمْ} هذا نهاية في التهديد ومبالغة في الوعيد {إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} فيجازيكم عليه(3/238)
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (41)
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (41)
{إِنَّ الذين كَفَرُواْ بالذكر} بالقرآن لأنهم لكفرهم به طعنوا به وحرفوا تأويله {لَمَّا جَآءَهُمْ} حين جاءهم وخبر إن محذوف أي يعذبون أو هالكون أو اولئك ينادون من مكان بعيد وما بينها اعتراض {وَإِنَّهُ لكتاب عَزِيزٌ} أي منيع محمي بحماية الله(3/238)
لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (42)
لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (42)
{لاَّ يَأْتِيهِ الباطل} التبديل أو التناقض {مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ} أي بوجه من الوجوه {تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} مستحق للحمد(3/239)
مَا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ (43)
مَا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ (43)
{مَّا يُقَالُ لَكَ} ما يقول لك كفار قومك {إِلاَّ مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِن قَبْلِكَ} إلا مثل ما قال للرسل كفار قومهم من الكلمات المؤذية والمطاعن في الكتب المنزلة {إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةَ} ورحمة لأنبيائه {وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ} لأعدائهم ويجوز أن يكون ما يقول لك الله إلا مثل ما قال للرسل من قبلك والمقول هو قوله إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةَ وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ(3/239)
وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ (44)
وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ (44)
{ولو جعلناه} اى الذكر {قرآنا أَعْجَمِيَّاً} أي بلغة العجم كانوا لتعنتهم يقولون هلا نزل القرآن بلغة العجم فقيل في جوابهم لو كان كما يقترحون {لَّقَالُواْ لَوْلاَ فصلت آياته} أي بينت بلسان العرب حتى نفهمها تعنتاً {أأعجمي وَعَرَبِىٌّ} بهمزتين كوفي غير حفص والهمزة للإنكار يعنى لا نكروا وقالوا أقرآن أعجمي ورسول عربي أو مرسل إليه عربي الباقون بهمزة واحدة ممدودة مستفهمة والاعجمى الذى يفصح ولا يفهم كلامه سواء كان من العجم أو العرب والعجمي منسوب إلى أمة العجم فصيحاً كان أو غير فصيح والمعنى أن آيات الله على أي طريقة جاءتهم وجدوا فيها متعنتاً لأنهم غير طالبين للحق وانما يتبعون اهواءهم وفيه اشارة
فصلت (47 - 44)
على أنه لو أنزله بلسان العجم لكان قرآناً فيكون دليلا لابى حنيفة رضى الله عنه في جواز الصلاة اذ قرا بالفارسية {قل هو} اى القران الذين امنو {هُدًى} إرشاد إلى الحق {وَشِفَاءٌ} لما في الصدور من الشك إذ(3/239)
الشك مرض {والذين لا يؤمنون في آذانهم وَقْرٌ} في موضع الجر لكونه معطوفاً على الذين امنوا اى هو الذين امنوا هدى وشفاء وهو الذين لا يؤمنون في آذانهم وقر أي صمم إلا أن فيه عطفاً على عاملين وهو جائز عند الأخفش أو الرفع وتقديره والذين لا يؤمنون هو في آذانهم وقر على حذف المبتدأ أو في آذانهم منه وقر {وهو} اى القران {عليهم عمى} ظلم وشبهه {أولئك ينادون من مكان بعيد} بعنى أنهم لعدم قبولهم وانتفاعهم كأنهم ينادون إلى الإيمان بالقرآن من حيث لا يسمعون لبعد المسافة وقيل ينادون في القيامة من مكان بعيد باقبح الاسماء(3/240)
وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (45)
وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (45)
{ولقد آتينا موسى الكتاب فاختلف فِيهِ} فقال بعضهم هو حق وقال بعضهم هو باطل كما اختلف قومك في كتابك {وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ} بتأخير العذاب {لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ} لأهلكهم إهلاك استئصال وقيل الكلمة السابقة هي العدة بالقيامة وأن الخصومات تفصل في ذلك اليوم ولولا ذلك لقضى بينهم افي الدنا {وإِنَّهُمْ} وإن الكفار {لَفِى شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ} موقع في الريبة(3/240)
مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (46)
مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (46)
{مَّنْ عَمِلَ صالحا فَلِنَفْسِهِ} فنفسه نفع {وَمَنْ أَسَآءَ فَعَلَيْهَا} فنفسه ضر {وَمَا رَبُّكَ بظلام للعبيد} فيعذب غير المسى(3/240)
إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ وَمَا تَخْرُجُ مِنْ ثَمَرَاتٍ مِنْ أَكْمَامِهَا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكَائِي قَالُوا آذَنَّاكَ مَا مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ (47)
إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ وَمَا تَخْرُجُ مِنْ ثَمَرَاتٍ مِنْ أَكْمَامِهَا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكَائِي قَالُوا آذَنَّاكَ مَا مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ (47)
{إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ الساعة} أي علم قيامها يرد اليه اى يجب على المسئول أن يقول الله يعلم ذلك {وَمَا تَخْرُجُ مِن ثمرات} مدني وشامي وحفص وغيرهم بغير الف {من أكمامها} او عيتها قبل أن تنشق جمع كم {وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أنثى} حملها {وَلاَ تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ} أي ما يحدث شيء من خروج ثمرة ولا حمل حامل ولا وضع واضع إلا وهو عالم به يعلم عدد أيام الحمل(3/240)
وساعاته وأحواله من الخداج والتمام والذكورة والأنوثة والحسن والقبح وغير ذلك {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكَآئِى} أضافهم إلى نفسه على زعمهم وبيانه في قوله أَيْنَ شُرَكَائِىَ الذين زَعَمْتُمْ وفيه تهكم وتقريع {قالوا آذناك} أعلمناك وقيل أخبرناك وهو الأظهر إذ الله تعالى كان عالماً بذلك وإعلام العالم محال أما الإخبار للعالم بالشيء فيتحقق بما علم به إلا أن يكون المعنى إنك علمت من قلوبناالان انا لا نشهد تلك الشهادة الباطلة لأنه إذا علمه من نفوسهم فكانهم اعلموه
فصلت (51 - 47)
{ما منا من شهيد} اى مامنا أحد اليوم يشهد بأن لك شريكاً وما منا إلا من هو موحد لك أو ما منا من أحد يشاهدهم لأنهم ضلوا عنهم وضلت عنهم الهتهم لايبصرونها في ساعة التوبيخ وقيل هو كلام الشركاء اى مامنا من شهيد يشهد بما أضافوا إلينا من الشركة(3/241)
وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَدْعُونَ مِنْ قَبْلُ وَظَنُّوا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ (48)
وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَدْعُونَ مِنْ قَبْلُ وَظَنُّوا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ (48)
{وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَدْعُونَ} يعبدون {مِن قَبْلُ} في الدنيا {وَظَنُّواْ} وأيقنوا {مَا لَهُمْ من محيص} مهرب(3/241)
لَا يَسْأَمُ الْإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ (49)
لَا يَسْأَمُ الْإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ (49)
{لا يسأم} لا يمل {الإنسان} الكافر بدليل قوله وَمَا أَظُنُّ الساعة قَائِمَةً {مِن دُعَآءِ الخير} من طلب السعة في المال والنعمة والتقدير من دعائه الخير فحذف الفاعل وأضيف إلى المفعول {وَإِن مَّسَّهُ الشر} الفقر {فيؤوس} من الخير {قَنُوطٌ} من الرحمة بولغ فيه من طريقين من طريق بناء فعول ومن طريق التكرير والقنوط أن يظهر عليه أثر اليأس فيتضاءل وينكسر أي يقطع الرجاء من فضل الله وروحه وهذا صفة الكافر بدليل قوله تعالى إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون(3/241)
وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِمَا عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ (50)
وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِمَا عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ (50)
{وَلَئِنْ أذقناه رَحْمَةً مِّنَّا مِن بَعْدِ ضَرَّآءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هذا لِى} وإذا فرجنا عنه بصحة بعد مرض أو سعة بعد ضيق قال هذا لي أي هذا حقي وصل(3/241)
إليّ لأني استوجبته بما عندي من خير وفضل وأعمال بر أو هذا لي لا يزول عني {وَمَآ أَظُنُّ الساعة قَائِمَةً} أي ما أظنها تكون قائمة {وَلَئِن رُّجِعْتُ إلى رَبِّى} كما يقول المسلمون {إِنَّ لِى عِندَهُ} عند الله {للحسنى} أي الجنة أو الحالة الحسنى من الكرامة والنعمة قائساً أمر الآخرة على أمر الدنيا {فَلَنُنَبِّئَنَّ الذين كَفَرُواْ بِمَا عملوا} فلخبرنهم بحقيقة ما عملوا من الأعمال الموجبة للعذاب {وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ} شديد لا يفتر عنهم(3/242)
وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ (51)
وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ (51)
{وَإِذَآ أَنْعَمْنَا عَلَى الإنسان أَعْرَضَ} هذا ضرب آخر من طغيان الإنسان إذا أصابه الله بنعمة أبطرته النعمة فنسي المنعم وأعرض عن شكره {ونأى بجانبه} وتباعد عن ذكر الله ودعائه أو ذهب بنفسه وتكبر وتعظم وتحقيقه أن يوضع جانبه موضع نفسه لأن مكان الشيء وجهته ينزل منزلة نفسه ومنه قول الكتاب كتبت إلى جهته وإلى جانبه العزيز يريدون نفسه وذاته فكانه قال وتنأى بنفسه {وَإِذَا مَسَّهُ الشر} الضر والفقر {فَذُو دُعَاء عَرِيضٍ} كثير أي أقبل على دوام الدعا وأخذ في الابتهال والتضرع وقد استعير العرض لكثرة الدعاء ودوامه وهو من صفة الأجرام كما استعير الغلظ لشدة العذاب ولا منافاة بين قوله فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ وبين قوله فَذُو دُعَآءٍ عَرِيضٍ لأن الأول في قوم والثاني في قوم او قنوط
فصلت (54 - 52)
الشورى (3 - 1)
في البر ذو دعاء عريض في البحر أو قنوط بالقلب ذو دعاء عريض باللسان أو قنوط من الصنم ذو دعاء لله تعالى(3/242)
قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ (52)
قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ (52)
{قل أرأيتم} أخبروني {إِن كَانَ} القرآن {مِنْ عِندِ الله ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ} ثم جحدتم أنه من عند الله {من ضل} منه إلا أنه وضع قوله {مِمَّنْ هُوَ فِى شِقَاقٍ بَعِيدٍ} موضع منكم بياناً لحالهم وصفتهم(3/242)
سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (53)
سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (53)
{سنريهم آياتنا فِى الآفاق} من فتح البلاد شرقاً وغرباً {وَفِى أَنفُسِهِمْ} فتح مكة {حتى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الحق} أي القرآن أو الإسلام {أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ} موضع بِرَبّكَ الرفع على أنه فاعل والمعفول محذوف وقوله {أَنَّهُ على كُلّ شَىْءٍ شَهِيدٌ} يدل منه تقديره او لم يكفهم أن ربك على كل شيء شهيد اى او لم تكفهم شهادة ربك على كل شيء ومعناه أن هذا الموعود من إظهار آيات الله في الآفاق وفي أنفسهم سيرونه ويشاهدونه فيتبينون عند ذلك أن القرآن تنزيل عالم الغيب الذي هو على كل شيء شهيد(3/243)
أَلَا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَاءِ رَبِّهِمْ أَلَا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ (54)
أَلَا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَاءِ رَبِّهِمْ أَلَا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ (54)
{أَلاَ إِنَّهُمْ فِى مِرْيَةٍ} شك {مِّن لّقَآءِ رَبِّهِمْ أَلاَ إِنَّهُ بِكُلِّ شَىْءٍ مُّحِيطُ} عالم يحمل الأشياء وتفاصيلها وظواهرها وبواطنها فلا تخفى عليه خافية فيجازيهم على كفرهم ومريتهم في لقاء ربهم(3/243)
سورة شوى مكية وهى ثلاث وخمسون اية
بسم الله الرحمن الرحيم(3/244)
حم (1) عسق (2)
حم (1) عسق (2)
فصل {حم} من {عسق} كتابة مخالفا لكهيعص تلفيقا باخواتها ولانه ايتان وكهيعص اية واحدة(3/244)
كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (3)
كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (3)
{كَذَلِكَ يُوحِى إِلَيْكَ} أي مثل ذلك الوحي أو مثل ذلك الكتاب يوحي إليك {وَإِلَى الذين مِن قَبْلِكَ} وإلى الرسل من قبلك {الله} يعني أن ما تضمنته هذه السورة من المعاني قد أوحى الله إليك مثله في غيرها من السور وأوحاه إلى من قبلك يعني إلى رسله والمعنى أن الله كرر هذه المعانى في القرآن في جميع الكتب السماوية لما فيها من التنبيه البليغ واللطف العظيم لعباده وعن ابن عباس رضى الله عنهما ليس من بني صاحب كتاب الا اوحى اليه بحكم عسق يُوحَى بفتح الحاء مكي ورافع اسم الله على هذه القراءة ما دل عليه يُوحَى كأن قائلاً قال من الموحي فقيل الله {العزيز} الغالب بقهره
الشورى (7 - 4)
{الحكيم} المصيب في فعله وقوله(3/244)
لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (4)
لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (4)
{لَّهُ مَا فِى السماوات وَمَا فِى الأرض} ملكاً وملكاً {وَهُوَ العلى} شأنه {العظيم} برهانه(3/244)
تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَلَا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (5)
تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَلَا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (5)
{تَكَادُ السماوات} وبالياء نافع وعلي {يَتَفَطَّرْنَ مِن فَوْقِهِنَّ} يتشققن ينفطرن بصري وأبو بكر ومعناه يكدن ينفطرن من علو شان الله وعطمته يدل عليه مجيئه بعد قوله العلى العظيم وقيل من دعائهم له ولداً كقوله تَكَادُ السموات يتفطرن منه ومعنى مِن فَوْقِهِنَّ أي يبتدىء الانفطار من جهتهن الفوقانية وكان القياس أن يقال ينفطرن من تحتهن من الجهة التي جاءت منها كلمة الكفر لأنها جاءت من الذين تحت السموات ولكنه بولغ في ذلك فجعلت مؤثرة في جهة الفوق كأنه قيل يكدن ينفطرن من الجهة التى فوقهن دع الجهة التى تحتهن وقيل من فوفهن من فوق الأرض فالكناية راجعة إلى الأرض لأنه بمعنى الأرضين وقيل يتشققن لكثرة ما على السموات من الملائكة قال عليه السلام أطت السماء اطا وحق لها ان تئط مافيها موضع قدم إلا وعليه ملك قائم أو راكع أو ساجد {والملائكة يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ} خضوعاً لما يرون من عظمته {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَن فِى الأرض} أي للمؤمنين منهم كقوله وَيَسْتَغْفِرُونَ الذين امنوا خوفاً عليهم من سطواته أو يوحدون الله وينزهونه عما لا يجوز عليه من الصفات حامدين له على ما أولاهم من ألطافه متعجبين مما رأوا من تعرضهم لسخط الله تعالى ويستغفرون لمؤمنى اهل الارض الذين تبرؤا من تلك الكلمة أو يطلبون إلى ربهم أن يحلم عن أهل الأرض ولا يعاجلهم بالعقاب {أَلاَ إِنَّ الله هُوَ الغفور الرحيم} لهم(3/245)
وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (6)
وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (6)
{والذين اتخذوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ} أي جعلوا له شركاء وأنداداً {الله حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ} رقيب على أقوالهم وأعمالهم لا يفوته منها شيء فيجازيهم عليها {وَمَآ أَنتَ} يا محمد {عَلَيْهِم بوكيل} بموكل عليهم ومفوض إليك أمرهم إنما أنت منذر فحسب(3/245)
وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ (7)
وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ (7)
{وكذلك} ومثل ذلك {أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ} وذلك إشارة إلى معنى الآية التي قبلها من أن الله رقيب عليهم لا أنت بل أنت منذر لأن هذا المعنى كرره الله في كتابة او هو مفعول به لاوحينا {قرآنا عربيا} حال من المفعول به اي اوحينا إليك وهو قرآن عربي بيّن {لِّتُنذِرَ أُمَّ القرى} أي مكة لأن الأرض دحيت من تحتها او لانها أشرف البقاع والمراد أهل أم القرى {وَمَنْ حَوْلَهَا} من العرب {وَتُنذِرَ يَوْمَ الجمع} يوم القيامة لأن الخلائق تجتمع فيه {لاَ رَيْبَ فِيهِ} اعتراض لا محل له يقال أنذرته كذا وأنذرته بكذا وقد عدي لّتُنذِرَ أُمَّ القرى الى المفعول
الشورى (11 - 7)
الأول وَتُنذِرَ يَوْمَ الجمع إلى المفعول الثاني {فَرِيقٌ فِى الجنة وَفَرِيقٌ فِى السعير} أي منهم فريق في الجنة ومنهم فريق في السعير والضمير للمجموعين لأن المعنى يوم جمع الخلائق(3/246)
وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (8)
وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (8)
{وَلَوْ شَآءَ الله لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً واحدة} أي مؤمنين كلهم {ولكن يُدْخِلُ مَن يَشَآءُ فِى رَحْمَتِهِ} أي يكرم من يشاء بالإسلام {والظالمون} والكافرون {مَا لَهُمْ مِّن وَلِىٍّ} شافع {وَلاَ نصير} دافع(3/246)
أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِ الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (9)
أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِ الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (9)
{أَمِ اتخذوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ فالله هُوَ الولى} الفاء لجواب شرط مقدر كأنه قيل بعد انكار كل ولى سواء إن أرادوا أولياء بحق فالله هو الولي بالحق وهو الذي يجب أن يتولى وحده لاولى سواه {وهو يحيي الموتى وَهُوَ على كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ} فهو الحقيق بأن يتخذ ولياً دون من لا يقدر على شيء(3/246)
وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (10)
وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (10)
{وَمَا اختلفتم فِيهِ مِن شَىْءٍ} حكاية قول رسول الله صلى الله عليه وسلم للمؤمنين أي ما خالفتكم فيه الكفار من أهل الكتاب والمشركين فاختلفتم أنتم وهم فيه من أمر من أمور الدين {فَحُكْمُهُ} أي حكم ذلك المختلف فيه مفوض {إِلَى الله} وهو اثبات المحقين فيه من المؤمنين ومعاقبة المبطلين {ذلكم} الحاكم بينكم(3/246)
{الله رَبِّى عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ} فيه رد كيد أعداء الدين {وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} أرجع في كفاية شرهم وقيل وما وقع بينكم الخلاف فيه من العلوم التي لا تتصل بتكليفكم ولا طريق لكم إلى علمه فقولوا الله أعلم كمعرفة الروح وغيره(3/247)
فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11)
فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11)
{فاطر السماوات والأرض} ارتفاعه على أنه أحد أخبار ذلكم أو خبر مبتدأ محذوف {جَعَلَ لَكُمْ مِّنْ أَنفُسِكُمْ} خلق لكم منن جنسكم من الناس {أزواجا وَمِنَ الأنعام أزواجا} أي وخلق للأنعام أيضاً من أنفسها أزواجاً {يَذْرَؤُكُمْ} يكثركم يقال ذرأ الله الخلق بثهم وكثرهم {فِيهِ} في هذا التدبير وهو أن جعل الناس والأنعام أزواجاً حتى كان بين ذكورهم وإناثهم التوالد والتناسل واختير فِيهِ على به لأنه جعل هذا التدبير كالمنبع والمعدن للبث والتكثير والضمير في يَذْرَؤُكُمْ يرجع إلى المخاطبين والانعام مغلبا في المخاطبون العقلاء على الغيب مما لا يعقل {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ} قيل إن كلمة التشبيه كررت لتأكيد نفي التماثل وتقديره ليس مثله شيء وقيل المثل زيادة وتقديره ليس كهو شىء كقوله تعالى فان امنوا بمثل ما امنتم به وهذا لأن المراد نفي المثلية وإذا لم تجعل الكاف أو المثل زيادة كان إثبات المثل وقيل المراد ليس كذاته شيء لأنهم يقولون مثلك لا يبخل يريدون به نفي البخل عن ذاته ويقصدون المبالغة في ذلك بسلوك طريق الكناية لأنهم إذا نفوه عمن بسد مسدد فقد نفوه
الشورى (14 - 11)
عنه فإذا علم أنه من باب الكناية لم يقع فرق بين قوله ليس كالله شيء وبين قوله لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْء إلا ما تعطيه الكناية من فائدتها وكانهما عبارتان متعقبتان على معنى واحد وهو نفي المماثلة عن ذاته ونحوه بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ فمعناه بل هو جواد من غير تصور يد ولا بسط لها لأنها وقعت عبارة عن الجود حتى إنهم استعملوها فيمن لا يدله فكذلك استعمل هذا فيمن له مثل ومن لا مثل له {وَهُوَ السميع} لجميع(3/247)
المسموعات بلا أذن {البصير} لجميع المرئيات بلا حدقة وكأنه ذكرهما لئلا يتوهم أنه لا صفة له كما لا مثل له(3/248)
لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (12)
لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (12)
{لَّهُ مَقَالِيدُ السماوات والأرض} مر في الزمر {يَبْسُطُ الرزق لِمَنْ يَشَآءُ وَيَقَدِرُ} أي يضيق {إِنَّهُ بِكُلِّ شَىْءٍ عَلِيمٌ}(3/248)
شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ (13)
شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ (13)
{شَرَعَ} بين وأظهر {لَكُم مِّنَ الدين مَا وصى بِهِ نُوحاً والذى أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وموسى وعيسى} أي شرع لكم من الدين دين نوح ومحمد وما بينهما من الأنبياء عليهم السلام ثم فسر المشروع الذي اشترك هؤلاء الأعلام من رسله فيه بقوله {أَنْ أَقِيمُواْ الدين} والمراد إقامة دين الإسلام الذي هو توحيد الله وطاعته والإيمان برسله وكتبه وبيوم الجزاء وسائر ما يكون المرء باقامته مسلما وبم يرد به الشرائع فإنها مختلفة قال الله تعالى لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ومحل أَنْ أَقِيمُواْ نصب بدل من مفعول شَرَعَ والمعطوفين عليه أو رفع على الاستئناف كأنه قيل وما ذلك المشروع فقيل هو إقامة الدين {وَلاَ تَتَفَرَّقُواْ فِيهِ} ولا تختلفوا في الدين قال علي رضى الله عنه لا تتفرقوا فالجماعة رحمة والفرقة عذاب {كَبُرَ عَلَى المشركين} عظم عليهم وشق عليهم {مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ} من إقامة دين الله والتوحيد {الله يجتبي} يجلب ويجمع {إِلَيْهِ} إلى الدين بالتوفيق والتسديد {مَن يَشَآءُ وَيَهْدِى إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ} يقبل على طاعته(3/248)
وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (14)
وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (14)
{وَمَا تَفَرَّقُواْ} أي أهل الكتاب بعد أنبيائهم {إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ العلم} إلا من بعد أن علموا أن الفرقة ضلال وأمر متوعد عليه على ألسنة الأنبياء عليهم السلام {بَغْياً بَيْنَهُمْ} حسداً وطلباً للرياسة والاستطالة بغير(3/248)
حق {وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ إلى أَجَلٍ مُّسَمًّى} وهي بل الساعة موعدهم {لقضي بينهم} لاهلكوا حين اقترفوا لعظم ما اقترفوا {وَإِنَّ الذين أُورِثُواْ الكتاب مِن بَعْدِهِمْ} هم أهل الكتاب الذين كانوا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم {لَفِى شَكٍّ مِّنْهُ} من كتابهم لا يؤمنون به حق الإيمان {مُرِيبٍ} مدخل في الريبة وقيل وما تفرق اهل
الشورى (17 - 15)
الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم بمبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم كقوله تعالى وَمَا تَفَرَّقَ الذين أُوتُواْ الكتاب الا من بعد ماجاءتهم البينة وَإِنَّ الذين أُورِثُواْ الكتاب مِن بَعْدِهِمْ هم المشركون أورثوا القرآن من بعد ما اورث اهل الكتاب التوارة والانجيل(3/249)
فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (15)
فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (15)
{فَلِذَلِكَ} فلأجل ذلك التفرق ولما حدث بسببه من تشعب الكفر شعباً {فادع} إلى الاتفاق والائتلاف على الملة الحنيفية القوية {واستقم} عليها وعلى الدعوة إليها {كَمَا أُمِرْتَ} كما أمرك الله {ولا تتبع أهواءهم} المختلفة الباطلة {وقل آمنت بِمَا أَنزَلَ الله مِن كتاب} بأي كتاب صح أن الله تعالى أنزله يعني الإيمان بجميع الكتب المنزلة لأن المتفرقين آمنوا ببعض وكفروا ببعض كفوله وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ إلى قوله اولئك هم الكافرون حقا {وَأُمِرْتُ لأَِعْدِلَ بَيْنَكُمُ} في الحكم إذا تخاصمتم فتحاكمتم إليّ {الله رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ} أي كلنا عبيده {لنا أعمالنا ولكم أعمالكم} هو كفوله لكم دينكم ولى دين ويجوز أن يكون معناه إنا لا نؤاخذ بأعمالكم وأنتم لا تؤاخذون بأعمالنا {لاَ حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ} أي لا خصومة لأن الحق قد ظهر وصرتم محجوجين به فلا حاجة إلى المحاجة ومعناه لا إيراد حجة بيننا لأن المتحاجين يورد هذا حجته وهذا حجته {الله يَجْمَعُ بَيْنَنَا} يوم القيامة {وإليه المصير} المرجع لفصل لاقضاء فيفصل بيننا وينتقم لنا منكم(3/249)
وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ (16)
وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ (16)
{والذين يُحَآجُّونَ فِى الله} يخاصمون في دينه {من بعد ما استجيب له} من بعدما استجاب له الناس ودخلوا في الإسلام ليردوهم إلى دين الجاهلية كقوله وَدَّ كَثِيرٌ مّنْ أَهْلِ الكتاب لَوْ يَرُدُّونَكُم مِن بَعْدِ إيمانكم كفارا كان اليهود والنصارى يقولون للمؤمنين كتابنا قبل كتابكم ونبينا قبل نبيكم فنحن خير منكم واولى بالحق وقيل من بعد فاستجيب لمحمد عليه السلام دعاؤه على المشركين يوم بدر {حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ} باطلة وسماها حجة وإن كانت شبهة لزعمهم أنها حجة {عِندَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ} بكفرهم {وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ} في الاخرة(3/250)
اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ (17)
اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ (17)
{الله الذى أَنزَلَ الكتاب} أي جنس الكتاب {بالحق} بالصدق أو ملتبساً به {والميزان} والعدل والتسوية ومعنى انزال العدل انه انزل في كتبه المنزلة وقيل هو عين الميزان أنزله في زمن نوح عليه السلام {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ الساعة قَرِيبٌ} أي لعل الساعة تقريب منك وانت لا تدرى والمراد مجىء
الشورى (21 - 18)
الساعة والساعة في تاويل لابعث ووجه مناسبة اقتراب الساعة مع إنزال الكتب والميزان أن الساعة يوم الحساب ووضع الموازين بالقسط فكأنه قيل أمركم الله بالعدل والتسوية والعمل بالشرائع فاعملوا بالكتاب والعدل قبل أن يفاجئكم يوم حسابكم ووزن أعمالكم(3/250)
يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ أَلَا إِنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ (18)
يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ أَلَا إِنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ (18)
{يَسْتَعْجِلُ بِهَا الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بِهَا} استهزاء {والذين آمنوا مُشْفِقُونَ} خائفون {مِنْهَا} وجلون لهولها {وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الحق} الكائن لا محالة {أَلآ إِنَّ الذين يُمَارُونَ فَى الساعة} المماراة الملاحّة لأن كل واجدة منهما يرى ما عند صاحبه {لَفِى ضلال بَعِيدٍ} عن الحق لأن قيام الساعة غير مستبعد من قدرة الله تعالى وقد دل الكتاب والسنة على وقوعها والعقول تشهد على أنه لا بد من دار جزاء(3/250)
اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (19)
اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (19)
{الله لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ} في إيصال المنافع وصرف البلاء من وجه يلطف إدراكه وهو بر بليغ البر بهم قد توصل بره إلى جميعهم وقيل هو من لطف بالغوامض علمه وعظم عن الجرائم حلمه أو من ينشر المناقب ويستر المثالب أو يعفو عمن يهفو أو يعطي العبد فوق الكفاية ويكلفه الطاعة دون الطاعة وعن الجنيد لطف بأوليائه فعرفوه ولو لطف بأعدائه ما جحدوه {يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ} أي يوسع رزق من يشاء إذا علم مصلحته فيه في الحديث إن من عبادي المؤمنين من لا يصلح إيمانه إلا الغنى ولو أفقرته لأفسده ذلك وإن من عبادي المؤمنين من لا يصلح إيمانه إلا الفقر ولو أغنيته لأفسده ذلك {وَهُوَ القوى} الباهر القدرة الغالب على كل شيء {العزيز} المنيع الذي لا يغلب(3/251)
مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ (20)
مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ (20)
{مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخرة} سمى ما يعمله العامل مما يبتغي به الفائدة حرثاً مجازاً {نَزِدْ لَهُ فِى حَرْثِهِ} بالتوفيق في عمله أو التضعيف في إحسانه أو بأن ينال به الدنيا والآخرة {وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدنيا} أي من كان عمله للدنيا ولم يؤمن بالآخرة {نُؤْتِهِ مِنْهَا} أي شيئاً منها لأن من للتبعيض وهو رزقه الذي قسم له لا ما يريد ويبتغيه {وَمَا لَهُ فِى الآخرة مِن نَّصِيبٍ} وماله نصيب قط في الآخرة وله في الدنيا نصيب ولم يذكر في عامل الآخرة أن رزقه المقسوم يصل إليه للاستهانة بذلك إلى جنب ما هو بصدده من زكاء عمله وفوزه في المآب(3/251)
أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (21)
أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (21)
{أم لهم شركاء} قيل هي أم المنقطعة وتقديره بل ألهم شركاء وقيل هي المعادلة لألف الاستفهام وفي الكلام إضمار تقديره أيقبلون ما شرع الله من الدين أم لهم آلهة {شَرَعُواْ لَهُمْ مِّنَ الدين مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ الله}(3/251)
أي لم يأمر به {وَلَوْلاَ كَلِمَةُ الفصل} أي القضاء السابق بتأجيل الجزاء أي ولولا العدة بان الفصل يكون يوم
الشورى (23 - 21)
اليم القيامة {لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ} بين الكافرين والمؤمنين أو لعجلت لهم العقوبة {وَإِنَّ الظالمين لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} وإن المشركين لهم عذاب أليم في الآخرة وإن أخر عنهم في دار الدنيا(3/252)
تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (22)
تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (22)
{تَرَى الظالمين} المشركين في الآخرة {مُشْفِقِينَ} خائفين {مِمَّا كَسَبُواْ} من جزاء كفرهم {وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ} نازل بهم لا محالة أشفقوا أو لم يشفقوا {والذين آمنوا وَعَمِلُواْ الصالحات فِى روضات الجنات} كأن روضة جنة المؤمن أطيب بقعة فيها وأنزهها {لَهُم ما يشاؤون عند ربهم} عند نصب بالظرف لا بيشاءون {ذَلِكَ هُوَ الفضل الكبير} على العمل القليل(3/252)
ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ (23)
ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ (23)
{ذلك} أي الفضل الكبير {الذى يُبَشِّرُ الله} يَبْشُر مكي وأبو عمرو وحمزة وعلي {عِبَادَهُ الذين آمنوا وَعَمِلُواْ الصالحات} أي به عباده الذين آمنوا فحذف الجار كفولة واختار موسى قومه ثم حذف الراجع إلى الموصول كقوله أهذا الذى بعث الله رسولا ولما قال المشركون ايبتغى على تبليغ الرسالة أجراً نزل {قُل لاَّ أسألكم عَلَيْهِ} على التبليغ {أَجْراً إِلاَّ المودة فِى القربى} يجوز أن يكون استثناء متصلاً أي لا أسألكم عليه أجراً إلا هذا وهو أن تودوا أهل قرابتي ويجوز أن يكون منقطعا اى لا اسالكم أجراً قط ولكني أسألكم أن تودوا قرابتي الذين هم قرابتكم ولا تؤذوهم ولم يقل إلا مودة القربى أو المودة للقربى لأنهم جعلوا مكانا للمودة ومقرا لها كفولك لي في ال فلان موة ولي فيهم حب شديد تريد أحبهم وهم مكان حبى ومحله وليست في بصلة للمودة كاللام إذا قلت إلا المودة للقربى إنما هى متعلقة بمحذوف تعلق الظرف(3/252)
به في قولك المال في الكيس وتقديره إلا المودة ثابتة في القربى ومتمكنة فيها والقربى مصدر كالزلفى والبشرى بمعنى القرابة والمراد في أهل القربى ورُوي أنه لما نزلت قيل يا رسول الله من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودتهم قال علي وفاطمة وابناهما وقل معناه إلا أن تودوني لقرابتي فيكم ولا تؤذوني ولا تهيجوا علي إذ لم يكن من بطون قريش الا رسول الله وبينهم قرابة وقيل القربى التقرب إلى الله تعالى أي إلا أن تحبوا الله ورسوله في تقربكم إليه بالطاعة والعمل الصالح {وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً} يكتسب طاعة عن السدي أنها المودة في آل رسول الله صلى الله عليه وسلم نزلت في ابى بكر رضى الله عنه ومودته فيهم والظاهر العموم في أي حسنة كانت إلا أنها تتناول المودة تناولاً أولياً لذكرها عقيب ذكر المودة في القربى {نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً} أي نضاعفها كقوله مَّن ذَا الذى يُقْرِضُ الله قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ له اضعافا كثيرة وقرىء
الشورى (26 - 23)
شكور {حسنا} وهو مصدر كالبشرى والضمير يعود إلى الحسنة أو إلى الجنة {إِنَّ الله غَفُورٌ} لمن أذنب بطوله {شَكُورٌ} لمن أطاع بفضله وقيل قابل للتوبة حامل عليها وقيل الشكور في صفة الله تعالى عبارة عن الاعتداد بالطاعة وتوفية ثوابها والتفضل عن المثاب(3/253)
أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَإِنْ يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (24)
أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَإِنْ يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (24)
{أَمْ يَقُولُونَ افترى عَلَى الله كَذِباً} أم منقطعة ومعنى الهمزة فيه التوبيخ كأنه قيل اينما لكون أن ينسبوا مثله إلى الافتراء ثم إلى الافتراء على الله الذي هو أعظم الفرى وأفحشها {فَإِن يَشَإِ الله يَخْتِمْ على قَلْبِكَ} قا ل مجاهد أي يربط على قلبك بالصبر على أذاهم وعلى قولهم افترى عَلَى الله كَذِبًا لئلا تدخله مشقة في تكذيبهم {وَيَمْحُ الله الباطل} أي الشرك وهو كلام مبتدأ غير معطوف على يَخْتِمْ لأن محو الباطل غير متعلق بالشرط بل هو وعد مطلق دليله تكرار اسم الله تعالى ورفع وَيُحِقُّ وإنما سقطت الواو في الخط كما سقطت في وَيَدْعُ الإنسان بالشر دُعَاءهُ بالخير وسندع الزبانية على أنها مثبتة في مصحف نافع {وَيُحِقُّ الحق} ويظهر الاسلام ويثبته {بكلماته}(3/253)
بما أنزل من كتابه على لسان نبيه عليه السلام وقد فعل الله ذلك فمحا باطلهم وأظهر الإسلام {إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصدور} أي عليم بما في صدرك وصدورهم فيجزى الاجر على حسب ذلك(3/254)
وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ (25)
وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ (25)
{وَهُوَ الذى يَقْبَلُ التوبة عَنْ عِبَادِهِ} يقال قبلت منه الشيء إذا أخذته منه وجعلته مبدأ قبولي ويقال قبلته عنه أي عزلته عنه وأبنته عنه والتوبة أن يرجع عن القبيح والاحلال بالواجب بالندم عليهما والعزم على أن لا يعود وإن كان لعبد فيه حق لم يكن بد من التقصى على طريقة وقال علي رضى الله عنه هو اسم يقع على ستة معانٍ على الماضي من الذنوب الندامة ولتضييع الفرائض الإعادة ورد المظالم وإذابة النفس في الطاعة كما ربيتها ف المعصية واذاقة النفس مرارة الطاعة كما اذقتها حلاوة المعصية والبكاء يدل كل ضحك ضحكته وعن السدي هو صدق العزيمة على ترك الذنوب والإنابة بالقلب إلى علام الغيوب وعن غيره هو أن لا يجد حلاوة الذنب في القلب عند ذكره وعن سهل هو الانتقال من الأحوال المذمومة إلى الأحوال المحمودة وعن الجنيد هو الإعراض عما دون الله {ويعفو عن السيئات} وهو مادون الشرك يعفو لمن يشاء بلا توبة {وَيَعْلَمُ ما تفعلون} بالتاء كون غير أبي بكر أي من التوبة والمعصية ولا وقف عليه للعطف عليه واتصال المعنى(3/254)
وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَالْكَافِرُونَ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ (26)
وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَالْكَافِرُونَ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ (26)
{ويستجيب الذين آمنوا وَعَمِلُواْ الصالحات وَيَزِيدُهُم مِن فَضْلِهِ} أي إذا دعوه استجاب دعاءهم واعطاهم ما طلبوا وزادهم على مطلوبهم واستجاب وأجاب بمعنى والسين في مثله لتوكيد الفعل كقولك تعظم واستعظم والتقدير ويجيب الله الذين آمنوا وقيل معناه ويستجيب للذين فحذف اللام مَنَّ عَليهم بأن يقبل توبتهم اذا تابوا
الشورى (30 - 26)
{شديد}
ويعفو عن سيآتهم ويستجيب لهم إذا دعوه ويزيدهم على ما سألوه وعن إبراهيم بن ادهم انه قيل له(3/254)
ما بالنا ندعوه فلا نجاب قال لأنه دعاكم فلم تجيبوه {والكافرون لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ} في الآخرة(3/255)
وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ (27)
وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ (27)
{وَلَوْ بَسَطَ الله الرزق لِعِبَادِهِ} أي لو أغناهم جميعاً {لَبَغَوْاْ فِى الأرض} من البغي وهو الظلم أي لبغي هذا على ذاك وذاك على هذا لأن الغني مبطرة مأشرة وكفى بحال قارون وفرعون عبرة أو من البغي وهو الكبر أي لتكبّروا في الأرض {ولكن يُنَزِّلُ} بالتخفيف مكي وأبو عمرو {بِقَدَرٍ ما يشاء} بتقدير يقال قدره فدرا وقدراً {إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرُ بَصِيرٌ} يعلم أحوالهم فيقدر لهم ما تقتضيه حكمته فيفقر ويغني ويمنع ويعطي ويقبض ويبسط ولو أغناهم جميعاً لبغوا ولو أفقرهم لهلكوا وما ترى من البسط على من يبغي ومن البغي بدون البسط فهو قليل ولا شك أن البغي مع الفقر أقل ومع البسط أكثر وأغلب(3/255)
وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ (28)
وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ (28)
{وَهُوَ الذى يُنَزِّلُ الغيث} بالتشديد مدني وشامي وعاصم {مِن بَعْدِ مَا قَنَطُواْ} وقرىء قِنطواْ {وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ} أي بركات الغيث ومنافعه وما يحصل به من الخصب وقيل لعمر رضى الله عنه اشتد القحط وقنط الناس فقال مطروا إذا أراد هذه الآية أو أراد رحمته في كل شيء {وَهُوَ الولى} الذي يتولى عباده بإحسانه {الحميد} المحمود على ذلك يحمده أهل طاعته(3/255)
وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ (29)
وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ (29)
{ومن آياته} أي علامات قدرته {خَلْقُ السماوات والأرض} مع عظمها {وَمَا بَثَّ} فرق وَمَا يجوز أن يكون مرفوعا ومجرورا حملا عل المضاف او المضاف اليه {فيهما} من السموات والأرض {مِن دَابَّةٍ} الدواب تكون في الأرض وحدها لكن يجوز ان ينسب الشى الى جميع الذكور وان كان(3/255)
متلبسا ببعضه كما يقال بنو تميم فيهم شاعر مجيدو انما هو في فخذ من أفخاذهم ومنه قوله تعالى يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان وإنما يخرج من الملح ولا يبعد أن يخلق في السموات حيوانات يمشون فيها مشي الأناسي على الأرض أو يكون للملائكة مشي مع الطيران فوصفوا بالدبيب كما وصف به الأناسي {وَهُوَ على جَمْعِهِمْ} يوم القيامة {إِذَا يَشَآءُ قَدِيرٌ} إذا تدخل على المضارع كما تدخل على الماضي قال الله تعالى والليل اذا يغشى(3/256)
وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ (30)
وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ (30)
{وَمَآ أصابكم مِّن مُّصِيبَةٍ} غم وألم ومكروه {فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} أي بجناية كسبتموها عقوبة عليكم بما كسبت بغير الفاء مدتى وشامى على ان ما مبتدأ وبما كَسَبَتْ خبره من غير تضمين معنى الشرط ومن أثبت الفاء فعلى تضمين معنى الشرط وتعلق بهذه الآية من يقول بالتناسخ وقال لو لم يكن للأطفال حالة كانوا عليها قبل هذه الحالة لم تألموا وقلنا الاية
الشورى (37 - 30)
مخصوصة المكلفين بالسباق والسياق وهو {ويعفو عَن كَثِيرٍ} أي من الذنوب فلا يعاقب عليه أو عن كثير من الناس فلا يعالجهم بالعقوبة وقال ابن عطاء من لم يعلم أن ما وصل إليه من الفتن والمصائب باكتسابه وان ما عفا عنه ولاه أكثر كان قليل النظر في إحسان ربه إليه وقال محمد بن حامد العبد ملازم للجنايات في كل أوان وجناياته في طاعته اكثر من جناياته في معاصيه لان جنية المعصية من وجه وجناية الطاعة من وجوه والله يطهر عبده من جناياته انواع من المصائب ليخفف عنه أثقاله في القيامة ولولا عفوه ورحمته لهلك في أول خطوة وعن علي رضى الله عنه هذه ارحى آية للمؤمنين في القرآن لأن الكريم إذا عاقب مرة لا يعاقب ثانياً وإذا عفا لا يعود(3/256)
وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (31)
وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (31)
{وَمَآ أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِى الأرض} أي بفائتين ما قضى عليكم من المصائب(3/256)
{وَمَا لَكُم مِّن دُونِ الله مِن وَلِىٍّ} متول بالرحمة {وَلاَ نَصِيرٍ} ناصر يدفع عنكم العذاب إذا حل بكم(3/257)
وَمِنْ آيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ (32)
وَمِنْ آيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ (32)
{ومن آياته الجوار} جمع جارية وهي السفينة الجواري في الحالين مكي وسهل ويعقوب وافقهم مدني وأبو عمر وفي الوصل {فِى البحر كالاعلام} كالجبال(3/257)
إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (33)
إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (33)
{إِن يَشَأْ يُسْكِنِ الريح} الرياح مدني {فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ} ثوابت لا تجري {على ظَهْرِهِ} على ظهر البحر {إِنَّ فِى ذلك لآيات لّكُلّ صَبَّارٍ} على بلائه {شَكُورٍ} لنعمائه أي لكل مؤمن مخلص فالإيمان نصفان نصف شكر ونصف صبر أو صبار على طاعته شكور لنعمته(3/257)
أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ (34)
أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ (34)
{أَوْ يُوبِقْهُنَّ} يهلكهن فهو عطف على يُسْكِنِ والمعنى إن يشأ يسكن الريح فيركدن أو يعصفها فيغرقن بعصفها {بِمَا كَسَبُواْ} من الذنوب {وَيَعْفُ عَن كَثِيرٍ} منها فلا يجازي عليها وانما العفو في حكم الابباق حيث جزم جزمه لأن المعنى أو إن يشأ يهلك ناساً وينج ناساً على طريق العفو عنهم(3/257)
وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِنَا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ (35)
وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِنَا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ (35)
{وَيَعْلَمَ} بالنصب عطف على تعليل محذوف تقديره لينتقم منهم ويعلم {الذين يجادلون في آياتنا} اى في ابطالها ودفعها وَيَعْلَمُ مدني وشامي على الاستئناف {مَا لَهُم مِّن مَّحِيصٍ} مهرب من عذابه(3/257)
فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (36)
فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (36)
{فَمَآ أُوتِيتُمْ مِّن شَىْءٍ فمتاع الحياة الدنيا وَمَا عِندَ الله} من الثواب {خَيْرٌ وأبقى للذين آمنوا وعلى رَبّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} ما الأولى ضمنت معنى الشرط فجاءت الفا في جوابها بخلاف الثانية نزلت في أبي بكر الصديق رضى الله عنه حين تصدق بجميع ماله فلامه الناس(3/257)
وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ (37)
وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ (37)
{والذين يَجْتَنِبُونَ} عطف على الذين آمَنُواْ وكذا ما بعده {كبائر الإثم} أي الكبائر من هذا الجنس كَبِيرَ الإثم علي وحمزة وعن ابن عباس كبير
الشورى (42 - 37)
{يغفرون}
الإثم هو الشرك {والفواحش} قيل ما عظم قبحه فهو فاحشة كالزنا {وَإِذَا مَا غَضِبُواْ} من أمور دنياهم {هُمْ يَغْفِرُونَ} أي هم الأخصاء بالغفران في حال الغضب والمجيء بهم وايقاعه مبتدأ واسناد يغفرون اليه لهذه الفائد ومثله هُمْ يَنتَصِرُونَ(3/258)
وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (38)
وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (38)
{والذين استجابوا لِرَبِّهِمْ} نزلت في الأنصار دعاهم الله عز وجل للإيمان به وطاعته فاستجابوا له بأن آمنوا به واطاعوه {وأقاموا الصلاة} وأتموا الصلوات الخمس {وَأَمْرُهُمْ شورى بَيْنَهُمْ} أي ذو شورى لا يتفردون برأي حتى يجتمعوا عليه وعن الحسن ما تشاور قوم إلا هدوا لأرشد أمرهم والشورى مصدر كالفتيا بمعنى التشاور {وَمِمَّا رزقناهم يُنفِقُونَ} يتصدقون(3/258)
وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (39)
وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (39)
{والذين إِذَا أَصَابَهُمُ البغى} الظلم {هُمْ يَنتَصِرُونَ} ينتقمون ممن ظلمهم أي يقتصرون في الانتصار على ما جعله الله تعالى لهم ولا يعتدون وكانوا يكرهون أن يذلوا أنفسهم فيجتريء عليهم الفساق وإنما حمدوا على الانتصار لأن من انتصر وأخذ حقه ولم يجاوز في ذلك حلى الله فلم يسرف في القتل إن كان ولي دم فهو مطيع لله وكل مطيع محمود ثم بين حد الانتصار فقال(3/258)
وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (40)
وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (40)
{وجزاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا} فالأولى سيئة حقيقة والثانية لا وانما سميت سيئة لأنها مجازاة السوء أو لأنها تسوء من تنزل به ولأنه لو لم تكن الأولى لكانت الثانية سيئة لأنها إضرار وإنما صارت حسنة لغيرها او تسمية الثانية سيئة إشارة إلى أن العفو مندوب إليه والمعنى أنه يجب إذا قوبلت الإساءة أن تقابل بمثلها من غير زيادة {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ} بينه وبين خصمه بالعفو والإغضاء {فَأَجْرُهُ عَلَى الله} عدة مبهمة لا يقاس(3/258)
امرها في العظيم {إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الظالمين} الذين يبدءون بالظلم أو الذين يجاوزون حد الانتصار في الحديث ينادي منادٍ يوم القيامة من كان له أجر على الله فليقم فلا يقوم إلا من عفا(3/259)
وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (41)
وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (41)
{ولمن انتصر بعد ظلمه} أخذ حقه بعدما ظلم على إضافة المصدر إلى المفعول {فَأُوْلَئِكَ} إشارة إلى معنى من دون لفظه {مَا عَلَيْهِمْ مِّن سَبِيلٍ} للمعاقب ولا للمعاتب والمعايب(3/259)
إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (42)
إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (42)
{إنما السبيل على الذين يظلمون الناس} يبتدءونهم بالظلم {ويبغون في الأرض} يتكبرون فيها ويعلمون ويفسدون {بِغَيْرِ الحق أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} وفسر السبيل بالتبعة
الشورى (48 - 43)
والحجة(3/259)
وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (43)
وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (43)
{ولمن صبر} على الظلم والاذى {وغفر} ولمن ينتصر {إِنَّ ذلك} أي الصبر والغفران منه {لَمِنْ عَزْمِ الأمور} أي من الأمور التي ندب إليها أو مما ينبغي أن يوجبه العاقل على نفسه ولا يترخص في تركه وحذف الراجع أي منه لأنه مفهوم كما حذف من قولهم السمن منوان بدرهم وقال أبو سعيد القرشي الصبر على المكاره من علامات الانبياء فمن صبر على مكروه يصيبه ولم يجزع أورثه الله تعالى حال الرضا وهو أجل الأحوال ومن جزع من المصيبات وشكا وكله الله تعالى إلى نفسه ثم لم تنفعه شكواه(3/259)
وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلَى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ (44)
وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلَى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ (44)
{وَمَن يُضْلِلِ الله فَمَا لَهُ مِن وَلِىٍّ من بعده} فماله من أحد يلي هدايته من بعد إضلال الله إياه ويمنعه من عذابه {وَتَرَى الظالمين} يوم القيامة {لَمَّا رَأَوُاْ العذاب} حين يرون لا عذاب واختير لفظ الماضي للتحقيق {يَقُولُونَ هَلْ إلى مَرَدٍّ مِّن سَبِيلٍ} يسألون ربهم الرجوع إلى الدنيا ليؤمنوا به(3/259)
وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ وَقَالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُقِيمٍ (45)
وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ وَقَالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُقِيمٍ (45)
{وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا} على النار إذ العذاب يدل عليها {خاشعين} متضائلين متقاصرين مما يلحقهم {مِنَ الذل يَنظُرُونَ} إلى النار {مِن طَرْفٍ خَفِىٍّ} ضعيف بمسارقة كما ترى المصبور ينظر الى السيف {وقال الذين آمنوا إِنَّ الخاسرين الذين خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ القيامة} يوم متعلق بخسروا وقول المومنين واقع في الدنيا أو يقال أي يقولون يوم القيامة اذ رأوهم على تلك الصفة {أَلآ إِنَّ الظالمين فِى عَذَابٍ مُّقِيمٍ} دائم(3/260)
وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ أَوْلِيَاءَ يَنْصُرُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ سَبِيلٍ (46)
وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ أَوْلِيَاءَ يَنْصُرُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ سَبِيلٍ (46)
{وَمَا كَانَ لَهُم مِّنْ أَوْلِيَآءَ يَنصُرُونَهُم مِّن دُونِ الله} من دون عذابه {وَمَن يُضْلِلِ الله فَمَا لَهُ مِن سَبِيلٍ} إلى النجاة(3/260)
اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ (47)
اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ (47)
{استجيبوا لِرَبِّكُمْ} أي أجيبوه إلى ما دعاكم إليه {مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِىَ يَوْمٌ} أي يوم القيامة {لاَّ مَرَدَّ لَهُ مِنَ الله} من يتصل بلا مرد اى لا يرده الله بعد ما حكم به او بيأتى أي من قبل أن يأتي من الله يوم لا يقدر أحد على رده {مَا لَكُمْ مِّن مَّلْجَأٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُمْ مِّن نَّكِيرٍ} أي ليس لكم مخلص من العذاب ولا تقدرون ان تنكروا شيئا ما اقترفتموه ودوّن في صحائف أعمالكم والنكير الإنكار(3/260)
فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ كَفُورٌ (48)
فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ كَفُورٌ (48)
{فَإِنْ أَعْرَضُواْ} عن الإيمان {فَمَآ أرسلناك عَلَيْهِمْ حفيظا} رقيبا
الشورى (51 - 48)
{إِنْ عَلَيْكَ إِلاَّ البلاغ} ما عليك إلا تبليغ الرسالة وقد فعلت {وَإِنَّآ إِذَا أَذَقْنَا الإنسان} المراد الجمع لا الواحد {مِنَّا رَحْمَةً} نعمة وسعة وأمناً وصحة {فَرِحَ بِهَا} بطر لأجلها {وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ} بلاء كالمرض والفقر ونحوهما وتوحيد فرح(3/260)
باعتبار اللفظ والجمع في ان تُصِبْهُمْ باعتبار المعنى {بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ} بسبب معاصيهم {فَإِنَّ الإنسان كَفُورٌ} ولم يقل فإنه كفور ليسجل على أن هذا الجنس موسوم بكفران النعم كما قال إِنَّ الإنسان لَظَلُومٌ كفار والكفور البليغ الكفران والمعنى أنه يذكر البلاء وينسى النعم ويغمطها قيل اربد به كفران النعمة وقيل أريد به الكفر بالله تعالى(3/261)
لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ (49)
لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ (49)
{لِلَّهِ مُلْكُ السماوات والأرض يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ يَهَبُ لِمَن يَشَآءُ إناثا وَيَهَبُ لِمَن يَشَآءُ الذكور}(3/261)
أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (50)
أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (50)
{أَوْ يُزَوِّجُهُمْ} أي يقرنهم {ذُكْرَاناً وإناثا وَيَجْعَلُ مَن يَشَآءُ عَقِيماً} لما ذكر إذاقة الإنسان الرحمة وإصابته بضدها أتبع ذلك أن له تعالى الملك وأنه يقسم النعمة والبلاء كيف أراد ويهب لعباده من الأولاد ما يشاء فيخص بعضاً بالإناث وبعضاً بالذكور وبعضاً بالصنفين جميعاً ويجعل البعض عقيماً والعقيم التي لا تلد كذلك رجل عقيم الا إذا كان لا يولد له وقدم الإناث أولاً على الذكور لأن سياق الكلام أنه فاعل لما يشاؤه لا ما يشاؤه الإنسان فكان ذكر الاناث اللاتى من جملة مالا يشاؤه الإنسان أهم والأهم واجب التقديم وليلي الجنس الذي كانت العرب تعدّه بلاء ذكر البلاء ولما أخر الذكور وهم أحقاء بالتقديم تدارك تأخيرهم بتعريفهم لأن التعريف تنويه وتشهير ثم أعطى بعد ذلك كلا الجنسين حقه من التقديم والتأخير وعرّف أن تقديمهن لم يكن لنقدمهن ولكنن لمقتض آخر فقال ذُكْرَاناً وإناثا وقيل نزلت في الانبياء عليهم السلام حيث وهب لوط وشعيب اناثا ولابراهيم ذكورا ولمحمحد صلى الله عليه وسلم الله عليه وسلم ذكوراً وإناثاً وجعل يحيى وعيسى عليهما السلام عقيمين {إِنَّهُ عَلِيمٌ} بكل شيء {قَدِيرٌ} قادر على كل شيء(3/261)
وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ (51)
وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ (51)
{وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ} وما صح لأحد من البشر {أَن يُكَلّمَهُ الله إِلاَّ وَحْياً}(3/261)
أي الهاما كما روى نفث فى زوعى أو رؤيا في المنام كقوله عليه السلام رؤيا الأنبياء وحي وهو كأمر إبراهيم عليه السلام بذبح الولد {أَوْ مِن وَرَآءِ حِجَابٍ} أي يسمع كلاماً من الله كما سمع موسى عليه السلام من غير أن يبصر السامع من يكلمه وليس المراد به حجاب الله تعالى لان الله تعالى لا يجوز عليه ما يجوز على الأجسام من الحجاب ولكن المراد به ان لاسامع محجوب عن الرؤية في الدنيا {أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً} أي يرسل ملكاً {فَيُوحِىَ} أي الملك اليه قيل وحيا كما اوحى الى الرسل
الشورى (53 - 51)
الزخرف (3 - 1)
{بإذنه ما يشاء إنه علي حكيم {
سورة الزخرف
بسم الله الرحمن الرحيم
{حم والكتاب المبين إنا جعلناه قرآنا عربيا}
بواسطة الملائكة أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً أي نبياً كما كلم امم الانبياء على السنتهم ووحيا وان يُرْسِلَ مصدران واقعان موقع الحال لأن أَن يرسل في معنى ارسالا ومن وَرَاء حِجَابٍ ظرف واقع موقع الحال كقوله وعلى جنوبهم والتقدير وما صح أن يكلم أحداً إلا موحياً أو مسمعاً من وراء حجاب أو مرسلاً ويجوز أن يكون المعنى وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا بأن يوحي أو أن يسمع من وراء حجاب أو أن يرسل رسولاً وهو اختيار الخليل أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِىَ بالرفع نافع على تقدير أو هو يرسل {بِإِذْنِهِ} إذن الله {مَا يَشَآءُ} من الوحي {إِنَّهُ عَلِىٌّ} قاهر فلا يمانع {حَكِيمٌ} مصيب في أقواله وأفعاله فلا يعارض(3/262)
وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (52)
وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (52)
{وكذلك} أي كما أوحينا إلى الرسل قبلك أو كما وصفنا لك {أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ} إيحاء كذلك {رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا} يريد ما أوحى إليه لأن الخلق يحيون به في دينهم كما يحيا الجسد بالروح {مَا كُنتَ تَدْرِى} الجملة حال من الكاف في إِلَيْكَ {مَا الكتاب} القرآن {وَلاَ الإيمان} أي شرائعه أو ولا الإيمان بالكتاب لأنه إذا كان لا يعلم بأن الكتاب ينزل عليه لم يكن عالماً بذلك الكتاب وقيل الإيمان يتناول أشياء بعضها الطرق إليه العقل(3/262)
وبعضها الطريق إليه السمع فعنى به ما الطريق إليه السمع دون العقل وذاك ما كان له فيه علم حتى كسبه بالوحي {ولكن جعلناه} أي الكتاب {نُوراً نَّهْدِى بِهِ مَن نَّشَآءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِى} لتدعو وقرىء به {إلى صراط مُّسْتَقِيمٍ} الإسلام(3/263)
صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ (53)
صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ (53)
{صراط الله} بدل {الذى لَهُ مَا فِى السماوات وَمَا فِى الأرض} ملكاً وملكاً {أَلآ إِلَى الله تَصِيرُ الأمور} هو وعيد بالجحيم ووعد بالنعيم والله اعلم بالصواب(3/263)
سورة الزخرف تسع وثمانون اية مكية
بسم الله الرحمن الرحيم(3/264)
حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2)
حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2)
{حم والكتاب المبين} أقسم بالكتاب المبين وهو القران وجعل قوله(3/264)
إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (3)
إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (3)
{إنا جعلناه} صيرناه {قرآنا عَرَبِيّاً} جواباً للقسم وهو من الأيمان الحسنة البديعة لتناسب القسم والمقسم عليه والمبين
الزخرف (11 - 4)
البين للذين أنزل عليهم لأنه بلغتهم وأساليبهم أو الواضح للمتدبرين أو الذي أبان طرق الهدى من طرق الضلالة وأبان كل ما تحتاج إليه الأمة في أبواب الديانة {لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} لكي تفهموا معانيه(3/264)
وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ (4)
وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ (4)
{وَإِنَّهُ فِى أُمِّ الكتاب لَدَيْنَا} وإن القرآن مثبت عند الله في اللوح المحفوظ دليله قوله بل هو قران مجيد في لوح محفوظ وسمي أم الكتاب لأنه الأصل الذي أثبتت فيه الكتب منه تنقل وتستنسخ أُمُّ الكتاب بكسر الالف علي وحمزة {لعلي} خبران أي في أعلى طبقات البلاغة أو رفيع الشان في الكتب لكونه معجزا من بينا {حَكِيمٌ} ذو حكمة بالغة(3/264)
أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا أَنْ كُنْتُمْ قَوْمًا مُسْرِفِينَ (5)
أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا أَنْ كُنْتُمْ قَوْمًا مُسْرِفِينَ (5)
{أَفَنَضْرِبُ عَنكُمُ الذكر} أفننحي عنكم الذكر ونذوده عنكم(3/264)
على سبيل المجاز من قولهم ضرب الغرائب عن الحوض والفاء للعطف على محذوف تقديره انهملكم فنضر عنكم الذكر إنكاراً لأن يكون الأمر على خلاف ما قدم من إنزاله الكتاب وجعله قرآنا عربيا ليعقلوه وليعملوا بمواجبه {صَفْحاً} مصدر من صفح عنه إذا أعرض منتصب على أنه مفعول له على معنى أفنعزل عنكم إنزال القرآن وإلزام الحجة به إعراضاً عنكم ويجوز أن يكون مصدراً على خلاف المصدر لأنه يقال ضربت عنه أي أعرضت عنه كذا قاله الفراء {إِن كُنتُمْ} لأن كنتم مدني وحمزة وهو من الشرط الذي يصدر عن المدل بصحة الأمر المتحقق لثبوته كما يقول الاجيران كنت عملت لك فوفني حقي وهو عالم بذلك {قَوْماً مُّسْرِفِينَ} مفرطين في الجهالة مجاوزين الحد في الضلالة(3/265)
وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِنْ نَبِيٍّ فِي الْأَوَّلِينَ (6)
وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِنْ نَبِيٍّ فِي الْأَوَّلِينَ (6)
{وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِن نَّبِيٍّ فِى الأولين} أي كثيرا من الرسل ارسلنا الى من تقدمك(3/265)
وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (7)
وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (7)
{وَمَا يَأْتِيهِم مّنْ نَّبِىٍّ إِلاَّ كَانُواْ بِهِ يستهزؤون} هى حكاية حا ل ماضية مستمرة أي كانوا على ذلك وهذه تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم عن استهزاء قومه(3/265)
فَأَهْلَكْنَا أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشًا وَمَضَى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ (8)
فَأَهْلَكْنَا أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشًا وَمَضَى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ (8)
{فَأَهْلَكْنَا أَشَدَّ مِنْهُم بَطْشاً} تمييز والضمير للمسرفين لأنه صرف الخطاب عنهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبره عنهم {ومضى مَثَلُ الأولين} أي سلف في القرآن في غير موضع منه ذكر قصتهم وحالهم العجيبة التي حقها أن تسير مسير المثل وهذا وعد لرسول الله صلى الله عليه وسلم ووعيد لهم(3/265)
وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ (9)
وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ (9)
{وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ} أي المشركين {مَّنْ خَلَقَ السماوات والأرض لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ العزيز العليم}(3/265)
الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (10)
الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (10)
{الذى جَعَلَ لَكُمُ الأرض مَهْداً} كوفي(3/265)
وغيره مهاداً أي موضع قرار {وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلاً} طرقاً {لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} لكي تهتدوا في اسفاركم(3/266)
وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَنْشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ (11)
وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَنْشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ (11)
{والذى نَزَّلَ مِنَ السمآء مَآءً بِقَدَرٍ} بمقدار
الزخرف (16 - 11)
تسلم معه العباد ويحتاج إليه البلاد {فَأَنشَرْنَا} فأحيينا عدول من المغايبة إلى الإخبار لعلم المخاطب بالمراد {به بلدة ميتا} يزيد ميّتاً {كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ} من قبوركم أحياء تُخْرَجُونَ حمزة وعلي ولا وقف على العليم لأن الذى صفته وقد وقف عليه أبو حاتم على تقديره هو الذي لأن هذه الأوصاف ليست من مقول الكفار لأنهم ينكرون الإخراج من القبور فكيف يقولون كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ بل الآية حجة عليهم في إنكار البعث(3/266)
وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ (12)
وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ (12)
{والذى خَلَقَ الأزواج} الأصناف {كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنَ الفلك والأنعام مَا تَرْكَبُونَ} أي تركبونه يقال ركبوا في الفلك وركبوا الأنعام فغلب المتعدي بغير واسطة لقوته على المتعدي بواسطة فقيل تركبونه(3/266)
لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ (13)
لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ (13)
{لِتَسْتَوُواْ على ظُهُورِهِ} على ظهور ما تركبونه وهو الفلك والأنعام ثُمَّ تَذْكُرُواْ بقلوبكم {نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا استويتم عَلَيْهِ وَتَقُولُواْ} بألسنتكم {سبحان الذي سخر لنا هذا} ذال لنا هذا المركوب {وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ} مطيقين يقال أقرن الشيء إذا أطاقه وحقيقة أقرنه وجده قرينته لأن الصعب لا يكون قرينة للضعيف(3/266)
وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ (14)
وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ (14)
{وَإِنَّا إلى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ} لراجعون في المعاد قيل يذكرون عند ركوبهم مراكب الدنيا آخر مركبهم منها هو الجنازة وعن النبى صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا وضع رجله في الركاب قال بسم الله فإذا استوى على الدابة قال الحمد لله على كل حال سبحان الذى سخر لنا هذا غلى قوله لَمُنقَلِبُونَ وكبر ثلاثاً وهلل(3/266)
ثلاثاً وقالوا إذا ركب في السفينة قال بِسْمِ الله مجراها ومرساها إن ربى لغفور رحيم وحكي أن قوماً ركبوا وقالوا سبحان الذى سَخَّرَ لَنَا هذا الآية وفيهم رجل على ناقة لا تتحرك هزالاً فقال إني مقرن لهذه فسقط منها لو ثبتها واندقت عنقه وينبغي أن لا يكون ركوب العاقل للتنزه والتلذذ بل للاعتبار ويتأمل عنده أنه هالك لا محالة ومنقلب إى الله غير منفلت من قضائه(3/267)
وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ (15)
وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ (15)
{وَجَعَلُواْ لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءاً} متصل بقوله وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ أي ولئن سألتهم عن خالق السموات والأرض ليعترفن به وقد جعلوا له مع ذلك الاعتراف من عباده جزأ أي قالوا الملائكة بنات الله فجعلوهم جزأ له وبعضاً منه كما يكون الولد جزأ لوالده جزأ أبو بكر وحماد {إِنَّ الإنسان لَكَفُورٌ مُّبِينٌ} لجحود للنعمة ظاهر جحوده لأن نسبة الولد إليه كقر والكفر أصل الكفر ان كله(3/267)
أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُمْ بِالْبَنِينَ (16)
أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُمْ بِالْبَنِينَ (16)
{أَمِ اتخذ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وأصفاكم بالبنين} أى بل اتخذ والهمزة للانكار تجهيلا وتعجيا من شأنهم حيث ادعوا أنه اختار لنفسه المنزلة الأدني ولهم
الزخرف (20 - 16)
الاعلى(3/267)
وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلًا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (17)
وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلًا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (17)
{وَإِذَا بُشّرَ أَحَدُهُم بِمَا ضَرَبَ للرحمن مَثَلاً} بالجنس الذي جعله له مثلاً أي شبهاً لانه اذا جعل الملائكة جزا لله وبعضاً منه فقد جعله من جنسه ومماثلاً له لأن الولد لا يكون إلا من جنس الوالد {ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ} يعني أنهم نسبوا إليه هذا الجنس ومن حالهم أن أحدهم إذا قيل له قد ولدت لك بنت اغتم واربد وجهه غيظاً وتأسفاً وهو مملوء من(3/267)
الكرب والظلول بمعنى الصيرورة(3/268)
أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ (18)
أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ (18)
{أو من ينشأ فِى الحلية وَهُوَ فِى الخصام غَيْرُ مُبِينٍ} أي أو يجعل للرحمن من الولد من هذه الصفة المذمومة صفقه وهو انه ينسشأ في الحلية أي يتربى في الزينة والنعمة وهو اذا احتاج الى مجاثاة الخصوم ومجاراة الرجال كان غير مبين ليس عنده بيان ولا يأتي ببرهان وذلك لضعف عقولهن قال مقاتل لا تتكلم المرأة إلا وتأتي بالحجة عليها وفيه أنه جعل النشأة في الزينة من المعايب فعلى الرجل أن يجتنب ذلك ويتزين بلباس التقوى ومن منصوب المحل والمعنى أو جعلوا من ينشأ في الحلية يعنى البنات لله عزل وجل يُنَشَّأُ حمزة وعلي وحفص أي يربي قد جمعوا في كفرهم ثلاث كفرات وذلك أنهم نسبوا إلى الله الولد ونسبوا إليه أخس النوعين وجعلوه من الملائكة المكرمين فاستخفوا بهم(3/268)
وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ (19)
وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ (19)
{وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا} اى سمعوا وقالوا إنهم إناث عِندَ الرحمن مكي ومدني وشامي أي عندية منزلة ومكانة لا منزل ومكان والعباد جمع عبد وهو ألزم في الحجاج مع أهل العناد لتضاد بين العبودية والولاد {أَشَهِدُواْ خَلْقَهُمْ} وهذا تهكم بهم يعني أنهم يقولون ذلك من غير أن يستند قولهم إلى علم فإن الله لم يضطرهم إلى علم ذلك ولا تطرقوا إليه باستدلال ولا أحاطوا به عن خبر يوجب العلم ولم يشاهدوا خلقهم حتى يخبروا عن المشاهدة {سَتُكْتَبُ شهادتهم} التي شهدوا بها على الملائكة من انوثتهم {ويسألون} عنها وهذا وعيد(3/268)
وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ (20)
وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ (20)
{وَقَالُواْ لَوْ شَآءَ الرحمن مَا عبدناهم} أي الملائكة تعلقت المعتزلة بظاهر هذه الآية في أن الله تعالى لم يشأ الكفر من الكافر وإنما شاء الإيمان فإن(3/268)
الكفار ادعوا أن الله شاء منهم الكفر وما شاء منهم ترك عبادة الاصناف حيث قالوا لَوْ شَآءَ الرحمن مَا عبدناهم أي لو شاء منا أن نترك عبادة الأصنام لمنعنا عن عبادتها ولكن شاء منا عبادة الأصنام والله تعالى رد عليهم قولهم واعتقادهم بقوله {ما لهم بذلك} القول {مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ} أي يكذبون ومعنى الآية عندنا أنهم أرادوا بالمشيئة الرضا وقالوا لو لم يرض بذلك لعجل عقوبتنا أو لمنعنا عن عبادتها منع قهر واضطرار وإذ لم يفعل ذلك فقد رضي بذلك فرد الله تعالى عليهم بقوله مَّا لهم بذلك من علم الاية
الزخرف (27 - 21)
اوقالوا هذا القول استهزاء لاجدا واعتقاداً فأكذبهم الله تعالى فيه وجهلهم حيث لم يقولوا عن اعتقاد كما قال مخبراً عنهم أَنُطْعِمُ مَن لَّوْ يَشَاء الله أَطْعَمَهُ وهذا حق في الأصل ولكن لما قالوا ذلك استهزاءً كذبهم الله بقوله إِنْ أَنتُمْ الا في ضلال مبين وكذلك قال الله تعالى قَالُواْ نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ الله ثم قال والله يَشْهَدُ إِنَّ المنافقين لكاذبون لأنهم لم يقولوه عن اعتقاد وجعلوا المشيئة حجة لهم فيما فعلوا باختيارهم وظنوا أن الله لا يعاقبهم على شيء فعلوه بمشيئته وجعلوا وجعلوا أنفسهم معذورين في ذلك فرد الله تعالى عليهم(3/269)
أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ (21)
أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ (21)
{أم آتيناهم كتابا مِّن قَبْلِهِ} من قبل القرآن أو من قبل قولهم هذا {فَهُم بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ} آخذون عاملون وقيل فيه تقديم وتأخير تقديره أشهدوا خلقهم أم آتيناهم كتاباً من قبله فيه أن الملائكة إناث(3/269)
بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ (22)
بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ (22)
{بَلْ قَالُوآ} بل لا حجة لهم يتمسكون بها لا من حيث العيان ولا من حيث العقل ولا من حيث السمع إلا قولهم {إنا وجدنا آباءنا على أمة} على دين فقلدناهم وهي من الأم وهو القصد فالأمة الطريقة التي تؤم أي تقصد {وإنا على آثارهم مهتدون} الظرف صلة لمهتدون اوهما خبران(3/269)
وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ (23)
وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ (23)
{وَكَذَلِكَ مَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِى قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ} نبي {إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَآ} أي(3/269)
متنعموها وهم الذين أترفتهم النعمة أي أبطرتهم فلا يحبون إلا الشهوات والملاهي ويعافون مشاق الدين وتكاليفه {إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون} وهذا تسلية للنبى صلى الله عليه وسلم وبيان أن تقليد الآباء داء قديم(3/270)
قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (24)
قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (24)
{قال} شامي وحفص أي النذير قُلْ غيرهما أي قيل للنذير قل {أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم} أي أتتبعون آباءكم ولو جئتكم بدين أهدى من دين آبائكم {قَالُوآ إِنَّا بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافرون} إنا ثابتون على دين آبائنا وإن جئتنا بما هو أهدى وأهدى(3/270)
فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (25)
فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (25)
{فانتقمنا مِنْهُمْ} فعاقبناهم بما استحقوه على إصرارهم {فانظر كَيْفَ كَانَ عاقبة المكذبين}(3/270)
وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ (26)
وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ (26)
{وَإِذْ قَالَ إبراهيم لأَِبِيهِ وَقَوْمِهِ} أي واذكر إذ قال {إِنَّنِى بَرَآءٌ} أي بريء وهو مصدر يستوي فيه الواحد والاثنان والجمع والمذكر والمؤنث كما تقول رجل عدل وامرأة عدل وقوم عدل والمعنى ذو وذات عدل {مِّمَّا تَعْبُدُونَ}(3/270)
إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ (27)
إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ (27)
{إِلاَّ الذى فَطَرَنِى} استثناء منقطع كأنه قال لكن الذي فطرني {فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ} يثبتني على الهداية
وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (28)
{وجعلها}
الزخرف (33 - 28)
وجعل إبراهيم عليه السلام كلمة التوحيد التي تكلم بها وهي قوله إِنَّنِى بَرَاء مّمَّا تَعْبُدُونَ إِلاَّ الذى فَطَرَنِى {كَلِمَةً باقية فِى عَقِبِهِ} في ذريته فلا يزال فيهم من يوحد الله ويدعو إلى توحيده {لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} لعل من أشرك منهم يرجع بدعاء من وحد منهم والترجي لإبراهيم(3/270)
بَلْ مَتَّعْتُ هَؤُلَاءِ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى جَاءَهُمُ الْحَقُّ وَرَسُولٌ مُبِينٌ (29)
بَلْ مَتَّعْتُ هَؤُلَاءِ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى جَاءَهُمُ الْحَقُّ وَرَسُولٌ مُبِينٌ (29)
{بل متعت هؤلاء وآباءهم} يعني أهل مكة وهم من عقب إبراهيم(3/270)
بالمد في العمر النعمة فاعتروا بالمهلة وشغلوا بالتنعم واتباع الشهوات وطاعة الشيطان عن كلمة التوحيد {حتى جاءهم الحق} القران {ورسوله} أي محمد عليه السلام {مُّبِينٌ} واضح الرسالة بما معه من الآيات البينة(3/271)
وَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كَافِرُونَ (30)
وَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كَافِرُونَ (30)
{وَلَمَّا جَآءَهُمُ الحق} القرآن {قَالُواْ هذا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كافرون}(3/271)
وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ (31)
وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ (31)
{وَقَالُواْ} فيه متحكمين بالباطل {لَوْلاَ نُزِّلَ هذا القرآن} فيه استهانة به {على رَجُلٍ مِّنَ القريتين عَظِيمٍ} أي رجل عظيم من إحدى القريتين كقوله يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان أي من أحدهما والقريتان مكة والطائف وعنوا بعظيم مكة الوليد بن المغيرة وبعظيم الطائف عروة بن مسعود الثقفي وأرادوا بالعظيم من كان ذا مال وذا جاه ولم يعوفوا أن العظيم من كان عند الله عظيماً(3/271)
أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (32)
أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (32)
{أهم يقسمون رحمة ربك} أى النبوة الهمزة للإنكار المستقل بالتجهيل والتعجيب من تحكمهم في اختيار من يصلح للنبوة {نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَّعِيشَتَهُمْ} ما يعيشون به وهو أرزاقهم {فِى الحياة الدنيا} أي لم نجعل قسمة الا دون إليهم وهو الرزق فكيف النبوة أو كما فضلت البعض على البعض في الرزق فكذا أخص بالنبوة من أشاء {وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ درجات} أي جعلنا البعض أقوياء وأغنياء وموالي والبعض ضعفاء وفقراء وخدماء {لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً} ليصرف بعضهم بعضاً في حوائجهم ويستخدموهم في مهنهم ويتسخروهم في أشغالهم حتى يتعايشوا ويصلوا إلى منافعهم هذا بماله وهذا بأعماله {ورحمة رَبِّكَ} أي النبوة أو دين الله وما يتبعه من الفوز في المآب {خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ} مما يجمع هؤلاء من حطام الدنيا ولما قلل أمر الدنيا وصغرها أردفه بما يقرر قلة الدنيا عنده فقال(3/271)
وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ (33)
وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ (33)
{وَلَوْلآ أَن يَكُونَ الناس أُمَّةً واحدة} ولولا كراهة أن يجتمعوا على الكفر ويطبقوا عليه {لَّجَعَلْنَا} لحقارة الدنيا عندنا {لِمَن يَكْفُرُ بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة ومعارج}
الزخرف (39 - 34)
{عليها يظهرون}(3/272)
وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ (34) وَزُخْرُفًا وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ (35)
وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ (34) وَزُخْرُفًا وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ (35)
{ولبيوتهم أبوابا وسررا عليها يتكؤون وَزُخْرُفاً} أي لجعلنا للكفار سقوفاً ومصاعد وأبواباً وسرراً كلها من فضة وجعلنا لهم زخرفاً أي زينة من كل شيء والزخرف الذهب والزينة ويجوز أن يكون الأصل سقفاً من فضة وزخرف أي بعضها من فضة وبعضها من ذهب فنصب عطفاً على محل مِن فِضَّةٍ لبيوتهم بدل اشتمال من لِمَن يَكْفُرُ سَقْفاً على الجنس مكي وأبو عمرو ويزيد والمعارج جمع معرج وهي المصاعد إلى العلالي علها يظهرون على المعارج يظهرون السطوح أي يعلونها {وَإِن كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا متاع الحياة الدنيا} ان نافية ولما بمعنى إلا أي وما كل ذلك إلا متاع الحياة الدنيا وقد قرىء به وقرأ لَمَا غير عاصم وحمزة على أن اللام هى الفارقة بين أن المخففة والنافية وما صلة أي وأن كل ذ لك لمتاع الحياة الدنيا {والآخرة} أي ثواب الآخرة {عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ} لمن يتقي الشرك(3/272)
وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (36)
وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (36)
{وَمَن يَعْشُ} وقرىء وَمَن يعش والفرق بينهما أنه إذا حصلت الآفة في بصره قيل عشى يعشى واذا نظر العشي ولا آفة به قيل عشا يعشو ومعنى القراءة بالفتح ومن يعم {عَن ذِكْرِ الرحمن} وهو القرآن كقوله صُمٌّ بُكْمٌ عُمْىٌ ومعنى القراءة بالضم ومن يتعام عن ذكره أي يعرف أنه الحق وهو يتجاهل كقوله وجحدوا بها واستيقنتها(3/272)
انفسهم {نُقَيّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ} قال ابن عباس رضى الله عنهما نسلطه عليه فهو معه في الدنيا والآخرة يحمله على المعاصي وفيه إشارة إلى أن من داوم عليه لم يقرنه الشيطان(3/273)
وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (37)
وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (37)
{وَإِنَّهُمْ} أي الشياطين {لَيَصُدُّونَهُمْ} ليمنعون العاشين {عَنِ السبيل} عن سبيل الهدى {وَيَحْسَبُونَ} أي العاشون {أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ} وإنما جمع ضمير من وضمير الشيطان لأن من مبهم في جنس العاشي وقد فيض له شيطان مبهم في جنسه فجاز أيرجع الضمير إليهما مجموعاً(3/273)
حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ (38)
حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ (38)
{حتى إِذَا جَآءَنَا} على الواحد عراقي غير أبي بكر أي العاشي جاآنا غيرهم أي العاشى وقرينه {قال} لشيطانا {يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين} يريد المشرق وامغرب فغلب كما قيل العمران والقمران والمراد بعد المشرق من المغرب والمغرب من المشرق {فَبِئْسَ القرين} انت(3/273)
وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ (39)
وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ (39)
{وَلَن يَنفَعَكُمُ اليوم إِذ ظَّلَمْتُمْ} إذ صح ظلمكم أي كفركم وتبين لم يبق لكم ولا لأحد شبهة في أنكم كنتم ظالمين واذ بدل من اليوم {أَنَّكُمْ فِى العذاب مُشْتَرِكُونَ} أَنَّكُمْ في محل الرفع على الفاعلية أي ولن ينفعكم اشتراككم في العذاب أو كونكم مشتركين في العذاب كما كان عموم البلوى يطيب القلب في الدنيا كقول الخنساء
الزخرف (46 - 40)
... ولولا كثرة الباكين حولي على إخوانهم لقتلت نفسي ...
... ولا يبكون مثل أخي ولكن أعزي النفس عنه بالتأسي ...
أما هؤلاء فلا يؤسّيهم اشتراكهم ولا يروجهم لعظم ماهم فيه وقيل الفاعل مضمر أي ولن ينفعكم هذا التمني أو الاعتذار لأنكم في العذاب مشتركون لاشتراككم في سببه وهو الكفر ويؤيده قراءه من قرأ بالكسر(3/273)
أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (40)
أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (40)
{أَفَأَنتَ تُسْمِعُ الصم} أي من فقد سمع القبول {أَوْ تَهْدِى العمى} أي من فقد البصر {وَمَن كَانَ فِى ضلال مُّبِينٍ} ومن كان في علم الله أنه يموت على الضلال(3/274)
فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ (41)
فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ (41)
{فَإِمَّا} دخلت ما على إن توكيداً للشرط وكذا النون الثقيلة في {نَذْهَبَنَّ بِكَ} أي نتوفينك قبل أن ننصرك عليهم ونشفي صدور المؤمنين منهم {فَإِنَّا مِنْهُم مُّنتَقِمُونَ} أشد الانتقام في الآخرة(3/274)
أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ (42)
أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ (42)
{أو نرينك الذي وعدناهم} قبل أن نتوفينك يعني يوم بدر {فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُّقْتَدِرُونَ} قادرون وصفهم بشدة الشكيمة في الكفر والضلال بقوله أَفَأَنتَ تُسْمِعُ الصم الآية ثم أوعدهم بعذاب الدنيا والآخرة بقوله فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ الآيتين(3/274)
فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (43)
فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (43)
{فاستمسك} فتمسك {بالذى أُوحِىَ إِلَيْكَ} وهو القرآن واعمل به {إِنَّكَ على صراط مُّسْتَقِيمٍ} أي على الدين الذي لا عوج له(3/274)
وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ (44)
وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ (44)
{وَإِنَّهُ} وإن الذي أوحي إليك {لَذِكْرٌ لَّكَ} لشرف لك {ولقومك} ولأمتك {وسوف تسألون} عنه يوم القيامة وعن قيامكم بحقه وعن تعظيمكم له وعن شكركم هذه النعمة(3/274)
وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ (45)
وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ (45)
{واسأل مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَآ أَجَعَلْنَا من دون الرحمن آلهة يعبدون} ليس المراد بسوال الرسل حقيقة السؤال ولكنه مجاز عن النظر في أديانهم والفحص عن مللهم هل جاءت عبادة الأوثان قط في ملة من ملل الأنبياء وكفاه نظر او فحصا نظره في كتاب الله المعجز المصدق لما بين يديه وإخبار الله فيه بأنهم يعبدون مِن دُونِ الله مَا لَمْ يُنَزّلْ بِهِ سلطاناً وهذه الآية(3/274)
في نفسها كافية لا حاجة إلى غيرها وقيل إنه عليه السلام جمع له الأنبياء ليلة الإسراء فأمهم وقيل له سلهم فلم يشكك ولم يسأل وقيل معناه سل أمم من ارسلنا وهم أهل الكتابين أي التوراة والإنجيل وإنما يخبرونه عن كتب الرسل فإذا سألهم فكأنه سأل الأنبياء ومعنى هذا السؤال التقرير لعبدة الاوثان انهم على الباطل وسل بلا همزة مكي وعلي رُسُلُنَا أبو عمرو ثم سلى رسوله صلى الله عليه وسلم بقوله(3/275)
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَقَالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (46)
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَقَالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (46)
{ولقد أرسلنا موسى بآياتنا إلى فرعون وملئه}
الزخرف (51 - 46)
{فَقَالَ إِنِّى رَسُولُ رَبِّ العالمين} ما أجابوه به عند قوله إِنِّى رَسُولُ رَبِّ العالمين محذوف دل عليه قوله(3/275)
فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِآيَاتِنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَضْحَكُونَ (47)
فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِآيَاتِنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَضْحَكُونَ (47)
{فلما جاءهم بآياتنا} وهو مطالبتهم إياه بإحضار البينة على دعواه وإبراز الآية {إِذَا هُم مِّنْهَا يَضْحَكُونَ} يسخرون منها ويهزءون بها ويسمونها سحرا وإذا للمفاجأة وهو جواب فلما لأن فعل المفاجأة معها مقدر وهو عامل النصب في محل إذا كأنه قيل فلما جاءهم بآياتنا فاجؤا وقت ضحكهم(3/275)
وَمَا نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا وَأَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (48)
وَمَا نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا وَأَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (48)
{وما نريهم من آية إِلاَّ هِىَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا} قرينتها وصاحبتها التي كانت قبلها في نقض العادة وظاهر النظم يدل على أن اللاحقة أعظم من السابقة وليس كذلك بل المراد بهذا الكلام أنهن موصوفات بالكبر ولا يكدن يتفاوتن فيه وعليه كلام الناس يقال هما أخوان كل واحد منهما أكرم من الآخر {وأخذناهم بالعذاب} وهو ما قال تعالى ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين ونقص من الثمرات وأرسلنا عليهم الطوفان الآية {لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} عن الكفر إلى الإيمان(3/275)
وَقَالُوا يَا أَيُّهَ السَّاحِرُ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ (49)
وَقَالُوا يَا أَيُّهَ السَّاحِرُ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ (49)
{وقالوا يا أيها الساحر} كانوا يقولون للعالم الماهر ساحر لتعظيمهم(3/275)
على السحر يا ايه الساحر بضم الهاء بلا ألف شامي ووجهه أنها كانت مفتوحة لوقوعها قبل الألف فلما سقطت لالتقاء الساكنين اتبعت حركتها حركة ما قبلها {ادع لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ} بعهده عندكك من أن دعوتك مستجابة أو بعهده عندك وهو النبوة أو بما عهد عندك من كشف العذاب عمن اهتدى {إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ} مؤمنون به(3/276)
فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ (50)
فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ (50)
{فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ العذاب إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ} ينقضون العهد بالإيمان ولا يفون به(3/276)
وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ (51)
وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ (51)
{ونادى فِرْعَوْنُ} نادى بنفسه عظماء القبط أو أمر منادياً فنادى كقولك قطع الأمير اللص إذا أمر بقطعه {فِى قَوْمِهِ} جعلهم محلاً لندائه وموقعا له {قال يا قوم أَلَيْسَ لِى مُلْكُ مِصْرَ وهذه الأنهار} أي أنهار النيل ومعظمها أربعة {تَجْرِى مِن تَحْتِى} من تحت قصري وقيل بين يدي في جنائي والواو عاطفة للانهار على ملك مصر وتجرى نصب على الحال منها أو الواو للحال واسم الإشارة مبتدأ والأنهار صفة لاسم الإشارة وتجرى خبر للمبتدأ وعن الرشيد أنه لما قرأها قال لأولينها أخس عبيدي فولاها الخصيب وكان خادمه على وضوئه وعن عبد الله بن طاهر أنه وليها فخرج إليها فلما شارفها قال أهي القرية التي افتخر بها فرعون حتى قال أَلَيْسَ لِى مُلْكُ مِصْرَ والله لهي أقل عندي من أن أدخلها فثني عنانه {أَفلاَ تبصرون} فوتى وضعف موسى
الزخرف (57 - 52)
وغناى وفقره(3/276)
أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ (52)
أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ (52)
{أَمْ أَنَا خَيْرٌ} أم منقطعة بمعنى بل والهمزة كأنه قال أثبت عندكم وأستقر أني انا خير وهذه حالى {من هذا الذى هُوَ مَهِينٌ} ضعيف(3/276)
حقير {وَلاَ يَكَادُ يُبِينُ} الكلام لما كان به من الرته(3/277)
فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ (53)
فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ (53)
{فَلَوْلآ} فهلا {أُلْقِىَ عَلَيْهِ أَسُوِرَةٌ} حفص ويعقوب وسهل جمع سوار غيرهم أساورة جمع أسورة وأساوير جمع أسوار وهو السوار حذف الياء من أساوير وعوض منها التاء {مِّن ذَهَبٍ} اراد بالفاء الأسورة عليه إلقاء مقاليد الملك إليه لأنهم كانوا إذا أرادوا تسويد الرجل سوروه بسوار وطوقو بطوق من ذهب {أو جاء معه الملائكة مُقْتَرِنِينَ} يمشون معه يقترن بعضهم ببعض ليكونوا أعضاده وأنصاره وأعوانه(3/277)
فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (54)
فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (54)
{فاستخف قومه} استفزهم بالقول واستزلهم وعمل فيهم كلامه وقيل طلب منهم الخفة والطاعة وهي الإسراع {فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فاسقين} خارجين عن دين الله(3/277)
فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ (55)
فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ (55)
{فلما آسفونا انتقمنا مِنْهُمْ فأغرقناهم أَجْمَعِينَ} آسف منقول من أسف أسفاً إذا اشتد غضبه ومعناه أنهم أفرطوا في المعاصي فاستوجبوا أن يعجل لهم عذابنا وانتقامنا وأن لا نحلم عنهم(3/277)
فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلًا لِلْآخِرِينَ (56)
فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلًا لِلْآخِرِينَ (56)
{فجعلناهم سَلَفاً} جمع سالف كخادم وخدم سُلُفاً حمزة وعلي جمع سليف أي فريق قد سلف {وَمَثَلاً} وحديثاً عجيب الشأن سائراً مسير المثل يضرب بهم الأمثال ويقال مثلكم مثل قوم فرعون {لّلآخِرِينَ} لمن يجيء بعدهم ومعناه فجعلناهم قدوة للآخرين من الكفار يقتدون بهم في استحقاق مثل عقابهم ونزوله بهم لإتيانهم بمثل أفعالهم ومثلاً يحدثون به(3/277)
وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ (57)
وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ (57)
{وَلَمَّا ضُرِبَ ابن مَرْيَمَ مَثَلاً} لما قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم على قريش(3/277)
إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله حصب جهنم غضبوا فقال ابن الزبعري يا محمد أخاصة لنا ولآلهتنا أم لجميع الأمم فقال عليه السلام هو لكم ولآلهتكم ولجميع الأمم فقال ألست تزعم أن عيسى بن مريم نبي وتثني عليه وعلى أمه خيراً وقد علمت أن النصارى يعبدونهما وعزيز يعبد والملائكة يعبدون فإن كان هؤلاء في النار فقد رضينا ان نكون نحن وآلهتنا معهم فرحوا وضحكوا وسكت النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى إِنَّ الذين سَبَقَتْ لَهُمْ منا الحسنى اولئك عنها مبعدون ونزلت هذه الآية والمعنى ولما ضرب ابن الزبعرى عيسى ابن مريم مثلا لآلهتهم وجادل رسول الله صلى الله عليه وسلم بعبادة النصارى إياه {إِذَا قَوْمُكَ} قريش {مِنْهُ} من هذا المثل {يَصِدُّونَ} يرتفع لهم جلبة وضجيج فرحا وضحكا بما سمعوا منه اسكات النبى صلى الله عليه وسلم بجدله يَصدُونَ مدني وشامي والأعشى وعلي من الصدود أي من أجل هذا المثل يصدون عن الحق ويعرضون عنه وقيل من الصديد وهو الحلية وانهما لغتان نحو يعكف ويعكف
الزخرف (63 - 58)(3/278)
وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ (58)
وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ (58)
{وقالوا أآلهتنا خير أم هو} بعنون أن آلهتنا عندك ليست بخير من عيسى فإذا كان عيسى من حصب النار كان امر الهتنا هينا {ما ضربوه} اى ماضربوا هذا المثل {لَكَ إِلاَّ جَدَلاَ} إلا لأجل الجدل والغلبة في القول لا لطلب الميز بين الحق والباطل {بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ} لدشداد الخصومة دأبهم اللجاج وذلك أن قوله تعالى إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ لم يرد به إلا الأصنام لان ما لغير العقلاء الا أن ابن الزبعرى بخداعه ما رأى كلام الله محتملاً لفظه وجه العموم مع علمه بأن المراد به أصنامهم لا غير وجد للحيلة مساغاً فصرف اللفظ إلى الشمول والإحاطة بكل معبود غير الله على طريق اللجاج والجدال وحب المغالبة والمكابرة وتوقح في ذلك فتوقر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أجاب عنه ربه(3/278)
إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ (59)
إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ (59)
{إِنْ هُوَ} ما عيسى {إِلاَّ عَبْدٌ} كسائر العبيد {أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ} بالنبوة {وجعلناه مَثَلاً لِّبَنِى إسرائيل} وصيرناه عبرة عجيبة كالمثل السائر لبني إسرائيل(3/279)
وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلَائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ (60)
وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلَائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ (60)
{ولو نشاء لجعلنا منكم ملائكة فِى الأرض} أي بدلاً منكم كذا قاله الزجاج وقال جامع العلوم لجعلنا بدنكم ومن بمعنى البدل {يَخْلُفُونَ} يخلفونكم في الأرض أو يخلف الملائكة بعضهم بعضا وقيل لو نشاء لقدرتنا على عجائب الأمرو لجعلنا منكم لولّدنا منكم يا رجال ملائكة يخلفونكم في الأرض كما يخلفكم أولادكم كما ولّدنا عيسى من أنثى من غير فحل لتعرفوا تميزنا بالقدرة الباهرة ولتعلموا أن الملائكة اجسام لا تتولد إلا من أجسام والقديم متعالٍ عن ذلك(3/279)
وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (61)
وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (61)
{وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ} وإن عيسى مما يعلم به مجيء الساعة وقرأ ابن عباس لعلم للساعة وهو العلامة أي وإن نزوله علم للساعة {فَلاَ تَمْتَرُنَّ بِهَا} فلا تشكن فيها من المرية وهو الشك {واتبعون} وبالياء فيهما سهل ويعقوب أي واتبعوا هداي وشرعي أو رسو لى أو هو أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقوله {هذا صراط مُّسْتَقِيمٌ} أي هذا الذي أدعوكم إليه(3/279)
وَلَا يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيْطَانُ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (62)
وَلَا يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيْطَانُ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (62)
{وَلاَ يَصُدَّنَّكُمُ الشيطان} عن الإيمان بالساعة أو عن الاتباع {إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ} ظاهر العداوة اذ أخرج أباكم من الجنة نزع عنه لباس النور(3/279)
وَلَمَّا جَاءَ عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (63)
وَلَمَّا جَاءَ عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (63)
{وَلَمَّا جَآءَ عيسى بالبينات} بالمعجزات أو بآيات الإنجيل والشرائع البينات الواضحات {قَالَ قَدْ جِئْتُكُم بالحكمة} أي بالانجيل والشرائع {وَلابَيِّنَ لَكُم بَعْضَ الذى تَخْتَلِفُونَ فِيهِ} وهو أمر الدين لا أمر الدنيا {فاتقوا الله وأطيعون}(3/279)
إِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (64)
إِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (64)
{إِنَّ الله هُوَ رَبِّى وَرَبُّكُمْ فاعبدوه هذا صراط مُّسْتَقِيمٌ} هذا تمام كلام عيسى عليه السلام(3/280)
فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذَابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ (65)
فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذَابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ (65)
{فاختلف الأحزاب} الفرق المتحزبة بعد عيسى وهم اليعقوبية والنسطورية والملكانية والشمعونية {مِن بَيْنِهِمْ} من بين النصارى {فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ ظَلَمُواْ} حيث قالوا في عيسى ما كفروا به {مِنْ عَذَابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ} وهو يوم القيامة(3/280)
هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (66)
هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (66)
{هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ الساعة} الضمير لقوم عيسى أو للكفار {أَن تَأْتِيَهُم} بدل من الساعة أي هل ينظرون إلا إتيان الساعة {بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ} أي وهم غافلون لاشتغالهم بأمور دنياهم كقوله تأخذهم وهم يخصمون(3/280)
الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ (67)
الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ (67)
{الأخلاء} جمع خليل {يَوْمَئِذٍ} يوم القيامة {بَعْضُهُمْ لبعض عدو إلا المتقين} اى المؤمنين انتصاب يؤمئذ يعدو أى تتقطع في ذلك اليوم كله خلة بين المتخالين في غير ذات الله وتنقلب عداوة ومقتاً إلا خلة المتصادقين في الله فانها الخلة الباقية(3/280)
يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (68)
يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (68)
{يا عبادي} بالياء في الوصل والوقف مدني وشامي وأبو عمرو وبفتح الياء أبو بكر الباقون بحذف اياء {لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمُ اليوم وَلاَ أَنتُمْ تَحْزَنُونَ} هو حكاية لما ينادى به المتقون المتحابون في الله يومئذ(3/280)
الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ (69)
الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ (69)
{الذين} منصوب المحل صفة لعبادى لأنه منادى مضاف {آمنوا بآياتنا} صدقوا بآياتنا {وَكَانُواْ مُسْلِمِينَ} لله منقادين له(3/280)
ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ (70)
ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ (70)
{ادخلوا الجنة أَنتُمْ وأزواجكم} المؤمنات في الدنيا {تُحْبَرُونَ} تسرون سروراً يظهر حباره أي أثره على وجوهكم(3/281)
يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (71)
يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (71)
{يطاف عليهم بصحاف} جمع صحفة {مِّن ذَهَبٍ وأكواب} أي من ذهب أيضاً والكوب الكوز لا عروة له {وفيها} وفي الجنة {مَا تَشْتَهِيهِ الأنفس} مدني وشامي وحفص بإثبات الهاء العائدة إلى الموصول وحذفها غيرهم لطول الموصول بالفعل والفاعل والمفعول {وَتَلَذُّ الأعين} وهذا حصر لأنواع النعم لأنها إما مشتهيات في القلوب أو مستلذة في العيون {وَأَنتُمْ فِيهَا خالدون}(3/281)
وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (72)
وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (72)
{وَتِلْكَ الجنة التى أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} تِلْكَ إشارة إلى الجنة المذكورة وهي مبتدأ والجنة خير والتى أُورِثْتُمُوهَا صفة الجنة أو الجنة صفة للمبتدأ الذى هو اسم الاشارة والتي أُورِثْتُمُوهَا خبر المبتدأ أو التى أُورِثْتُمُوهَا صفة المبتدأ وبما كنتم تعملون الخبر والباء تتعلق نقص أي حاصلة أو كائنة كما في الظروف التى تقع
{لكم فيها فاكهة كثيرة منها تأكلون}
اخبارا وفي الوحه الأول تتعلق بأورثتموها وشبهت في بقائها على أهلها بالميراث الباقي على الورثة(3/281)
لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا تَأْكُلُونَ (73)
لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا تَأْكُلُونَ (73)
{لَكُمْ فِيهَا فاكهة كَثِيرَةٌ مِّنْهَا تَأْكُلُونَ} من للتبعيض أي لا تأكلون إلا بعضها وأعقابها باقية في شجرها فهي مزينة بالثمار أبداً وفي الحديث لاينزع رجل في الجنة من ثمرها إلا نبت مكانها مثلاها(3/281)
إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ (74)
إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ (74)
{إِنَّ المجرمين فِى عَذَابِ جَهَنَّمَ خالدون} خبر بعد خبر(3/281)
لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ (75)
لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ (75)
{لاَ يُفَتَّرُ عَنْهُمْ} خبر آخر أي لا يخفف ولا ينقص {وَهُمْ فِيهِ} في(3/281)
العذاب {مُّبْلِسُونَ} آيسون من الفرج متحيرون(3/282)
وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ (76)
وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ (76)
{وَمَا ظلمناهم} بالعذاب {ولكن كَانُواْ هُمُ الظالمين} هم فصل(3/282)
وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ (77)
وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ (77)
{ونادوا يا مالك} لما ايسوا من فتور العذاب نادوا يا مالك وهو خازن النار وقيل لابن عباس إن ابن مسعود قرأ يا مال فقال ما أشغل أهل النار عن الترخيم {ليقض علينا ربك} ليمتنا من قضى عليه إذا أماته فَوَكَزَهُ موسى فقضى عليه والمعنى سل ربك أن يقضي علينا {قَالَ إنكم ماكثون} في العذاب لا تتخلصون عنه بموت ولا فتور(3/282)
لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ (78)
لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ (78)
{لَقَدْ جئناكم بالحق} كلام الله تعالى ويجب أن يكون في قَالَ ضمير الله لما سألوا مالكا أن يسأل الله القضاء عليهم أجابهم الله بذلك وقيل هو متصل بكلام مالك والمراد بقوله جئناكم الملائكة إذ هم رسل الله وهو منهم {ولكن أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كارهون} لا تقبلونه وتنفرون منه لأن ومع الباطل الدعة ممع الحق التعب(3/282)
أَمْ أَبْرَمُوا أَمْرًا فَإِنَّا مُبْرِمُونَ (79)
أَمْ أَبْرَمُوا أَمْرًا فَإِنَّا مُبْرِمُونَ (79)
{أم أبرموا أمرا} أم أحكم مشركوا مكة أمر امن كيدهم ومكرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم {فَإِنَّا مُبْرِمُونَ} كيدنا كما أبرموا كيدهم وكانوا يتنادون فيتاجون في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في دار الندوة(3/282)
أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ (80)
أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ (80)
{أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم} حدث انفسهم {ونجواهم} ما يتحدثون فيما بينهم ويخفونه عن غيرهم {بلى} تسمعها ونطلع عليها {وَرُسُلُنَا} أي الحفظة {لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ} عندهم يكتبون ذلك وعن يحيى ابن معاذ من ستر من الناس ذنوبه وأبداها لمن لا تخفى عليه خافية فقد جعله أهون الناظرين إليه وهو من أمارات النفاق(3/282)
قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ (81)
قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ (81)
{قُلْ إِن كَانَ للرحمن وَلَدٌ} وصح ذلك ببرهان {فَأَنَاْ أَوَّلُ العابدين} فأنا أول من يعظم ذلك الولد وأسبقكم إلى طاعته والانقياد إليه كما يعظم لرجل ولد الملك لتعظيم أبيه وهذا كلام وارد على سبيل الفرض والمراد نفي الولد وذلك أنه علق العبادة بكينونة الولد وهي محال في
نفسها فكان المعلق بها محالاً مثلها ونظيره قول سعيد بن جبير للحجاج حين قال له والله لأبدلنك بالدنيا ناراً تلظى لو عرفت أن ذلك إليك ما عبدت إلهاً غيرك وقيل إن كان للرحمن ولد في زعمكم فأنا أول العابدين أي الموحدين لله المكذبين فولكم بإضافة الولد إليه وقيل إن كان للرحمن ولد في زعمكم فأنا أول الآنفين من أن يكون له ولد من عبد يعبد إذا اشتد أنفه فهو عبد وعابد وقرىء العبدين وقيل هي إن النافية أي ما كان للرحمن ولد فأنا أول من قال وعبد ووحد ورُوي أن النضر قال الملائكة بنات الله فنزلت فقال النضر ألا ترون أنه صدقني فقال له الوليد ما صدقك ولكن قال ما كان للرحمن ولد فأنا أول الموحدين من أهل مكة أن لا ولد له وُلْد حمزة وعلي ثم نزه ذاته عن اتخاذ الولد فقال(3/283)
سُبْحَانَ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (82)
سُبْحَانَ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (82)
{سبحان رَبِّ السماوات والأرض رَبِّ العرش عَمَّا يصفون} أي هو رب السموات والأرض والعرش فلا يكون جسماً إذ لو كان جسماً لم يقدر على خلقها وإذا لم يكن جسماً لا يكون له ولد لأن التولد من صفة الأجسام(3/283)
فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (83)
فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (83)
{فَذَرْهُمْ يَخُوضُواْ} في باطلهم {وَيَلْعَبُواْ} في دنياهم {حتى يلاقوا يَوْمَهُمُ الذى يُوعَدُونَ} أي القيامة وهذا دليل على أن ما يقولونه من باب الجهل والخوض واللعب(3/283)
وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (84)
وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (84)
{وَهُوَ الذى فِي السمآء إله وَفِي الأرض إله} ضمن اسمه تعالى معنى وصف فلذلك علق به الظرف في قوله فِى السماء وفي الأرض كما نقول هو حاتم(3/283)
في طيّ وحاتم في تغلب على تضمين معنى الجواد الذي شهر به كأنك قلت هو جواد في طيّ جواد في تغلب وقرىء وهو الذي فى السماء الله وفى الأرض الله ومثله قوله وَهُوَ الله في السموات والارض فكأنه ضمن معنى المعبود والراجع إلى الموصول محذوف لطول الكلام كفولهم ما أنا بالذي قائل لك شيئاً والتقدير وهو الذى هو في السماء اله واله يرتفع على أنه خبر مبتدأ مضمر ولا يرتفع إِلَه بالابتداء وخبره فِى السماء لخلو الصلة حينئذ من عائد يعود إلى الموصول {وهو الحكيم} في اقولاه وأفعاله {العليم} بما كان ويكون(3/284)
وَتَبَارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (85)
وَتَبَارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (85)
{وَتَبَارَكَ الذى لَهُ مُلْكُ السماوات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا وَعِندَهُ عِلْمُ الساعة} أي علم قيامها {وإليه ترجعون} يرجعون مكى وحمزة على(3/284)
وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (86)
وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (86)
{وَلاَ يَمْلِكُ} آلهتهم {الذين يَدْعُونَ} أي يدعونهم {مِن دُونِهِ} من دون الله {الشفاعة} كما زعمو أنهم شفعاؤهم عند الله {إِلاَّ مَن شَهِدَ بالحق} أي ولكن من شهد بالحق بكلمة التوحيد {وَهُمْ يَعْلَمُونَ} أن الله ربهم حقاً وعتقدون ذلك هو الذي يملك الشفاعة وهو استثناء منقطع(3/284)
وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (87)
وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (87)
{وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ} أي المشركين {مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ الله فأنى يؤفكون} {وقيله يا رب إن هؤلاء قوم لا يؤمنون} {فاصفح عنهم وقل سلام فسوف يعلمون}
أو متصل لأن في جملة الذين يدعون من دون الله الملائكة {وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ} أي المشركين {مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ الله} لا الأصنام والملائكة {فأنى يُؤْفَكُونَ} فكيف أو من أين يصرفون عن التوحيد مع هذا الإفرار(3/284)
وَقِيلِهِ يَا رَبِّ إِنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ لَا يُؤْمِنُونَ (88)
وَقِيلِهِ يَا رَبِّ إِنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ لَا يُؤْمِنُونَ (88)
{وقيله} بالجر عاصم وحمزه اى وعند علم الساعة وعلم قيله {يا رب} والهاء يعود الى محمد صلى الله عليه وسلم لتقدم ذكره في قوله قُلْ إِن كَانَ للرحمن ولد فَأَنَاْ أَوَّلُ العابدين وبالنصب الباقون عطفاً على محل الساعة أي يعلم الساعة ويعلم قيله أي قيل محمد يا رب والقيل والقول والقال والمقال واحد ويجوز أن يكون الجر والنصب على اضما حرف القسم(3/284)
وحذفه وجواب القسم {إِنَّ هَؤُلآءِ قَوْمٌ لاَّ يُؤْمِنُونَ} كأنه قيل وأقسم بقيله يا رب ان هؤلاء لا يؤمنون وإقسام الله بقيله رفع منه وتعظيم لدعائه والتجائه إليه(3/285)
فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (89)
فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (89)
{فاصفح عَنْهُمْ} فأعرض عن دعوتهم يائساً عن ايمانهم وودعهم وتاركهم {وَقُلْ} لهم {سلام} أي تسلم منكم ومتاركة {فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} وعيد من الله لهم وتسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم وبالتاء مدنى وشامى(3/285)
سورة الدخان تسع وخمسون آية مكية
بسم الله الرحمن الرحيم(3/286)
حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2)
حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2)
في الخبر من قرأها ليلة جمعة أصبح مغفوراً له {حم والكتاب المبين} أي القرآن الواو في والكتاب واو القسم إن جعلت حم تعديداً للحروف أو اسماً للسورة مرفوعاً على خبر الابتداء المحذو ف وواو العطف إن كانت حم مقسماً بها وجواب القسم(3/286)
إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ (3) فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (4)
إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ (3) فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (4)
{إِنَّآ أنزلناه فِى لَيْلَةٍ مباركة} أي ليلة القدر أو ليلة النصف من شعبان وقيل بينها وبين ليلة القدر أربعون ليلة والجمهور على الأول لقوله إِنَّا أنزلناه فِى لَيْلَةِ القدر وقوله شَهْرُ رَمَضَانَ الذى أُنزِلَ فِيهِ القرآن وليلة القدر في أكثر الأقاويل في شهر رمضان ثم قالوا أنزله جملة من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا ثم نزل به في وقت وقوع الحاجة الى نبيه صلى الله عليه وسلم وقيل ابتداء نزوله في ليلة القدر والمباركة الكثيرة الخير لما ينزل فيها من الخير والبركة ويستجاب من الدعاء ولو لم يوجد فيها(3/286)
إلا إنزال القرآن وحده لكفى به بركة {إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أمر}
{حكيم} {أمرا من عندنا إنا كنا مرسلين}
هما جملتان مستأنفتان ملفوفتان فسر بهما جواب القسم كأنه قيل أنزلناه لأن من شأننا الإنذار والتحذير من العقاب وكان إنزالنا إياه في هذه الليلة خصوصاً لأن إنزال القرآن من الامور الحكيمية وهذه الليلة مفرق كل أمر حكيم ومعنى يُفْرَقُ يفصل ويكتب كل أمر من أرزاق العباد وآجالهم وجميع أمورهم من هذه الليلة إلى ليلة القدر التي تجيء في السنة المقبلة {حَكِيمٍ} ذي حكمة أي مفعول على ما تقتضيه الحكمة وهو من الإسناد المجازي لان الحكم صفة صاحب الأمر على الحقيقة ووصف الأمر به مجازا(3/287)
أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (5)
أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (5)
{أَمْراً مِّنْ عِنْدِنَا} نصب على الاختصاص جعل كل أمر جزلاً فخماً بأن وصفه بالحكيم ثم زاده جزالة وفخامة بأن قال أعني بهذا الأمر أمراً حاصلاً من عندنا كما اقتضاه علمنا وتدبيرنا {إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ} بدل من إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ(3/287)
رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (6)
رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (6)
{رحمة من ربك} معفول له على معنى انا أنزلنا القرآن لأن من شأننا وعادتنا إرسال الرسل بالكتب إلى عبادنا لأجل الرحمة عليهم او تعليل لقوله امرا من عندنا ورحمة مفعول به وقد وصف الرحمة بالإرسال كما وصفها به في قوله وَمَا يُمْسِكْ فَلاَ مرسل له من بعده والأصل إنا كنا مرسلين رحمة منا فوضع الظاهر موضع الضمير إيذاناً بأن الربوبية تقتضي الرحمة على المربوبين {إِنَّهُ هُوَ السميع} لأقوالهم {العليم} بأحوالهم(3/287)
رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ (7)
رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ (7)
{رب} كو فى بدل من رَبَّكَ وغيرهم بالرفع أي هو ربٌ {السماوات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا إِن كُنتُمْ مُّوقِنِينَ} ومعنى الشرط أنهم كانوا يقرون بأن للسموات والأرض رباً وخالقاً فقيل لهم إن إرسال الرسل وإنزال الكتب رحمة من الرب ثم قيل إن هذا الرب هو السميع العليم الذي(3/287)
أنتم مقرّون به ومعترفون بأنه رب السموات والأرض وما بينهما إن كان إقراركم عن علم وإيقان كما تقول إن هذا إنعام زيد الذي تسامع الناس بكرمه إن بلغك حديثه وحدثت بقصته(3/288)
لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (8)
لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (8)
{لآ إله إِلاَّ هُوَ يُحْيِى وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ} اى هو ربكم {ورب آبائكم الأولين} عطف عليه ثم رد أن يكونوا موقنين بقوله(3/288)
بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ (9)
بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ (9)
{بَلْ هُمْ فِى شَكّ يَلْعَبُونَ} وإن إقرارهم غير صادر عن علم وتيقن بل قول مخلوط بهزؤ ولعب(3/288)
فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ (10)
فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ (10)
{فارتقب} فانتظر {يَوْمَ تَأْتِى السماء بِدُخَانٍ} يأتي من السماء قبل يوم القيامة يدخل في أسماع الكفرة حتى يكون رأس الواحد كالرأس الحنيذ ويعتري المؤمن منه كهيئة الزكام وتكون الأرض كلها كبيت أوقد فيه ليس فيه خصاص وقيل إن قريشاً لما استعصت على رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا عليهم فقال اللهم اشدد وطأتك على مضر واجعلها عليهم سنين كسني يوسف فأصابهم الجهد حتى أكلوا الجيف والعلهز وكان الرجل يرى بين السماء والأرض الدخان وكان يحدث الرجل فيسمع كلامه ولا يراه من الدخان {مُّبِينٍ} ظاهر حاله لا يشك أحد في أنه دخان(3/288)
يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ (11)
يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ (11)
{يَغْشَى الناس} يشملهم ويلبسهم وهو في محل الجر صفة
{هذا عَذَابٌ أَلِيمٌ} {رَبَّنا اكشف عَنَّا العذاب إنا مؤمنون}
لدخان وقوله {هذا عَذَابٌ أَلِيمٌ}(3/288)
رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ (12)
رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ (12)
{رَبَّنا اكشف عَنَّا العذاب إِنَّا مْؤْمِنُونَ} أي سنؤمن إن تكشف عنا العذاب منصوب المحل بفعل مضمر وهو يقولون ويقولون منصوب المحل على الحال أي قائلين ذلك(3/288)
أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ (13) ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ (14)
أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ (13) ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ (14)
{أنى لَهُمُ الذكرى} كيف يذكرون ويتعظون ويفون بما وعدوه من الإيمان عند كشف العذاب {وَقَدْ جَآءَهُمْ رَسُولٌ مُّبِينٌ ثُمَّ تَوَلَّوْاْ عَنْهُ وَقَالُواْ مُعَلَّمٌ مَّجْنُونٌ} أي وقد جاءهم ما هو أعظم وأدخل في وجوب الاذّكار من كشف الدخان وهو ما ظهر على رسول الله صلى الله عليه وسلم من الآيات والبينات من الكتاب المعجز وغيره فلم يذكروا وتولوا عنه وبهتوه بأن عدّاساً غلاماً أعجمياً لبعض ثقيف هو الذي علمه ونسبوه الى الجنون(3/289)
إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ (15)
إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ (15)
{إنا كاشفو العذاب قَلِيلاً} زماناً قليلاً أو كشفاً قليلاً {إِنَّكُمْ عَآئِدُونَ} إلى الكفر الذي كنتم فيه أو إلى العذاب(3/289)
يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ (16)
يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ (16)
{يَوْمَ نَبْطِشُ البطشة الكبرى} هي يوم القيامة أو يوم بدر {إِنَّا مُنتَقِمُونَ} أي ننتقم منهم في ذلك اليوم وانتصاب يَوْمَ نَبْطِشُ باذكروا بما دل عليه إِنَّا مُنتَقِمُونَ وهو ننتقم لا بمنتقمون لأن ما بعد إن لا يعمل فيما قبلها(3/289)
وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجَاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ (17)
وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجَاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ (17)
{وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ} قبل هؤلاء المشركين أي فعلنا بهم فعل المختبر ليظهر منهم ما كان باطناً قَوْمَ فِرْعَوْنَ {وَجَآءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ} على الله وعلى عباده المؤمنين أو كريم في نفسه حسيب نسيب لأن الله تعالى لم يبعث نبياً إلا من سراة قومه وكرامهم(3/289)
أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (18)
أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (18)
{أَنْ أَدُّوآ إِلَىَّ} هي أن المفسرة لأن مجيء الرسول إلى من بعث إليهم متضمن لمعنى القول لأنه لا يجيئهم الا مبشر اونذيرا وداعيا الى الله او ففة من الثقيلة ومعناه وجاءهم بأن الشأن والحديث أدوا إليَّ سلِّموا إلي {عِبَادَ الله} هو مفعول به وهم بنو إسرائيل يقول أدوهم الى وأرسلوهم معى كقوله ارسل معنا بنى اسرائيل ولا تعذبهم ويجوز أن يكون نداء لهم على معنى ادوا الى عباد الله وما هو واجب لي(3/289)
عليكم من الإيمان لي وقبول دعوتي واتباع سبيلي وعلل ذلك بقوله {إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ} أي على رسالتي غير متهم(3/290)
وَأَنْ لَا تَعْلُوا عَلَى اللَّهِ إِنِّي آتِيكُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (19)
وَأَنْ لَا تَعْلُوا عَلَى اللَّهِ إِنِّي آتِيكُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (19)
{وَأَن لاَّ تَعْلُواْ عَلَى الله} أن هذه مثل الأولى في وجهيها أي لا تستكبروا على الله بالاستهانة برسوله ووحيه أو لا تستكبروا على نبى الله {إني آتيكم بسلطان مبين} بحجة واصحة تدل على أني نبي(3/290)
وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ (20)
وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ (20)
{وَإِنِّى عُذْتُ} مدغم أبو عمرو وحمزة وعلي {بِرَبِّى وَرَبِّكُمْ أَن تَرْجُمُونِ} أن تقتلوني رجماً ومعناه أنه عائذ بربه متكل على أنه يعصمه منهم ومن كيدهم فهو غير مبالٍ بما كانوا يتوعدونه من الرجم والقتل(3/290)
وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ (21)
وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ (21)
{وَإِن لَّمْ تُؤْمِنُواْ لِى فاعتزلون} أي إن لم تؤمنوا الى فلا موالاة بيني وبين من لا يؤمن فتنحوا عنى او فخلونى كفافا لالى ولا على ولا تتعرضو الى بشركم واذا كم مليس جزاء من دعاكم الى مافيه فلاحكم ذلك ترجمونى فاعتزلوني في الحالتين يعقوب(3/290)
فَدَعَا رَبَّهُ أَنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ مُجْرِمُونَ (22)
فَدَعَا رَبَّهُ أَنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ مُجْرِمُونَ (22)
{فَدَعَا رَبَّهُ} شاكياً قومه {أَنَّ هَؤُلآءِ قَوْمٌ مُّجْرِمُونَ} بأن هؤلاء أي دعا ربه بذلك قيل كان دعاؤه اللهم عجل لهم ما يستحقونه باجرا مهم وقيل هو قوله رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لّلْقَوْمِ الظالمين وقرىء إِنَّ هَؤُلآء بالكسر على إضمار القول أي فدعا ربه فقال إن هؤلاء(3/290)
فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلًا إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ (23)
فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلًا إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ (23)
{فَأَسْرِ} من أسرى فَأَسْرِ بالوصل حجازي من سرى والقول مضمر بعد الفاء أي فقال أسر {بِعِبَادِى} أي بني إسرائيل {لَيْلاً إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ} أي دبر الله أن تتقدموا ويتبعكم فرعون وجنوده فينجي المتقدمين ويغرق التابعين(3/290)
وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ (24)
وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ (24)
{واترك البحر رَهْواً} ساكناً أراد موسى عليه السلام لما جاوز البحر أن يضربه بعصاه فينطبق فأمر بأن يتركه ساكناً على هيئته قاراً على حاله من انتصاب الماء وكون الطريق ببسالا يضربه بعصاه ولا يغير منه شيئاً ليدخله القبط فإذا حصلوا فيه أطبقه الله عليهم وقيل الرهو الفجوة الواسعة أي اتركه مفتوحاً على حاله منفرجاً {إِنَّهُمْ جُندٌ مُّغْرَقُونَ} بعد خروجكم من البحر وقرىء بالفتح أي لأنهم(3/291)
كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (25) وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (26)
كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (25) وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (26)
{كم} عبارة عن الكثرة منصوب بقوله {كم تَرَكُواْ مِن جنات وَعُيُونٍ وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ} عبارة عن الكثرة منصوب بقوله {تَرَكُواْ مِن جنات وَعُيُونٍ وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ} هو ما كان لهم من المنازل الحسنة وقيل المنابر(3/291)
وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ (27)
وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ (27)
{وَنَعْمَةٍ} تنعم {كَانُواْ فِيهَا فاكهين} متنعمين(3/291)
كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ (28)
كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ (28)
{كذلك} أي الأمر كذلك فالكاف في موضع الرفع لى أنه خبر مبتدأ مضمر {وأورثناها قوما آخرين} ليسوا منهم في شيء من قرابة ولا دين ولاء وهم بنو إسرائيل(3/291)
فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ (29)
فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ (29)
{فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السمآء والأرض} لأنهم ماتوا كفاراً والمؤمن إذا مات تبكي عليه السماء والأرض فيبكي على المؤمن من الأرض مصلاه ومن السماء مصعد عمله وعن الحسن أهل السماء والأرض {وَمَا كَانُواْ مُنظَرِينَ} أي لم ينظروا إلى وقت آخر ولم يمهلوا(3/291)
وَلَقَدْ نَجَّيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ الْعَذَابِ الْمُهِينِ (30)
وَلَقَدْ نَجَّيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ الْعَذَابِ الْمُهِينِ (30)
{ولقد نجينا بني إسرائيل مِنَ العذاب المهين} أي الاستخدام والاستعباد وقتل الأولاد(3/291)
مِنْ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كَانَ عَالِيًا مِنَ الْمُسْرِفِينَ (31)
مِنْ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كَانَ عَالِيًا مِنَ الْمُسْرِفِينَ (31)
{مِن فِرْعَوْنَ} بدل من العذاب المهين بإعادة الجار كأنه نفسه كان عذابا مهينا لأفراط في تعذبيهم وإهانتهم أو خبر مبتدأ محذوف أي ذلك من فرعون {إِنَّهُ كَانَ عَالِياً} متكبراً {مِّنَ المسرفين} خبر ثانٍ أي كان متكبراً مسرفاً(3/291)
وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ (32)
وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ (32)
{وَلَقَدِ اخترناهم} أي بني إسرائيل {على عِلْمٍ} حال من ضمير الفاعل أي عالمين بمكان الخيرة وبأنهم أحقاء بأن يختاروا {عَلَى العالمين} على عالمي زمانهم(3/292)
وَآتَيْنَاهُمْ مِنَ الْآيَاتِ مَا فِيهِ بَلَاءٌ مُبِينٌ (33)
وَآتَيْنَاهُمْ مِنَ الْآيَاتِ مَا فِيهِ بَلَاءٌ مُبِينٌ (33)
{وآتيناهم مِنَ الأيات} كفلق البحر وتظليل الغمام وإنزال المن والسلوى وغير ذلك {ما فيه بلاء مبين} نعمة ظاهرة أو اختيار ظاهر لننظر كيف تعملون(3/292)
إِنَّ هَؤُلَاءِ لَيَقُولُونَ (34)
إِنَّ هَؤُلَاءِ لَيَقُولُونَ (34)
{إِنَّ هَؤُلآءِ} يعني كفار قريش {لَيَقُولُونَ}(3/292)
إِنْ هِيَ إِلَّا مَوْتَتُنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ (35)
إِنْ هِيَ إِلَّا مَوْتَتُنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ (35)
{إِنْ هِىَ} ما الموتة {إِلاَّ مَوْتَتَنَا الأولى} والإشكال ان الكلام وقع في الحياة الثانية لافى الموت فهلا قيل إن هي إلا حياتنا الأولى وما معنى ذكر الأولى كأنهم وعدوا موتة أخرى حتى جحدوها وأثبتوا الأولى والجواب أنه قيل لهم إنكم تموتون موتة تتعقبها حياة كما تقدمتكم موتة قد تعقبتها حياة وذلك قوله تعالى وَكُنتُمْ أمواتا فأحياكم ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يحييكم فقالوا إن هي إلا موتتنا الأولى يريدون ما الموتة التي من شأنها أن يتعقبها حياة إلا الموتة الأولى فلا فرق إذاً بين هذا وبين قوله إِلاَّ حَيَاتُنَا الدنيا في المعنى ويحتمل أن يكون هذا إنكاراً لما في قوله رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثنتين وَأَحْيَيْتَنَا اثنتين {وَمَا نَحْنُ بِمُنشَرِينَ} بمبعوثين يقال أنشر الله الموتى ونشرهم اذا بعثهم(3/292)
فَأْتُوا بِآبَائِنَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (36)
فَأْتُوا بِآبَائِنَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (36)
{فأتوا بآبائنا} خطاب الذين كانوا يعدونهم النشور من رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين {إِن كُنتُمْ صادقين} أي إن صدقتم فيما تقولون نعجلوا لنا إحياء من مات من آبائنا بسؤالكم ربكم ذلك حتى يكون دليلاً على أن ما تعدونه من قيام الساعة وبعث الموتى حق(3/292)
أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ (37)
أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ (37)
{أهم خير} في القوة المنعة {أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ} هو تبع الحميري كان(3/292)
مؤمنا وقومه كافرين وقيل كان نبيا وفى الحديث ما أدرى أكان تبع نبياً أو غير نبي {والذين من قبلهم} مر فوع بالعطف على قَوْمُ تُبَّعٍ {أهلكناهم إِنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ} كافرين منكرين للبعث(3/293)
وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ (38)
وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ (38)
{وَمَا خَلَقْنَا السماوات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَآ} أي وما بين الجنسين {لاَعِبِينَ} حال ولو لم يكن بعث ولا حساب ولا ثواب كان خلق الخلق للقناء خاصة فيكون لعباً(3/293)
مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (39)
مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (39)
{مَا خلقناهمآ إِلاَّ بالحق} بالجد ضد اللعب {ولكن أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} أنه خلق لذلك(3/293)
إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ (40)
إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ (40)
{إِنَّ يَوْمَ الفصل} بين المحق والمبطل وهو يوم القيامة {ميقاتهم أَجْمَعِينَ} وقت موعدهم كلهم(3/293)
يَوْمَ لَا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئًا وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (41)
يَوْمَ لَا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئًا وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (41)
{يَوْمَ لاَ يُغْنِى مَوْلًى عَن مَّوْلًى شَيْئاً} أيّ ولي كان عن أي ولي كان شيئاً من إغناء أي قليلاً منه {وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ} الضمير للمولى لأنهم في المعنى كثير لتناول اللفظ على الإبهام والشياع كل مولى(3/293)
إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللَّهُ إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (42)
إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللَّهُ إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (42)
{إِلاَّ مَن رَّحِمَ الله} في محل الرفع على البدل من الواو في يُنصَرُونَ أي لا يمنع من العذاب إلا من رحمة الله {إِنَّهُ هُوَ العزيز} الغالب على أعدائه {الرحيم} لأوليائه(3/293)
إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ (43)
إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ (43)
{إن شجرة الزقوم} هى على صورة
{طعام الأثيم} {كالمهل يغلي في البطون}
شجر الدنيا لكنها في النار والزقوم ثمرها وهو كل طعام ثقيل(3/293)
طَعَامُ الْأَثِيمِ (44)
طَعَامُ الْأَثِيمِ (44)
{طَعَامُ الأثيم} هو الفاجر الكثير الآثام وعن أبي الدرداء أنه كان يقرىء رجلاً فكان يقول طعام اليتيم فقال قل طعام الفاجر يا هذا وبهذا تستدل على أن إبدال الكلمة مكان الكلمة جائز إذ كانت مؤذيه معناها ومنه اجاز ابو حنيفة رضى الله عنه القراءة بالفارسية بشرط أن يؤدي القارىء المعاني كلها على كمالها من غير أن يخرم منها شيئاً قالوا وهذه الشريطة تشهد أنها اجاز كلا إجازة لأن في كلام العرب خصوصاً في القرآن الذي هو معجز بفصاحته وغرابة نظمه واساليبه من لطائف المعانى والدقائق مالا يستقل بأدائه لسان من فارسية وغيرها ويُروى رجوعه إلى قولهما وعليه الاعتماد(3/294)
كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ (45)
كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ (45)
{كالمهل} هو دردي الزيت والكاف رفع خبر بعد خبر {يغلي في البطون} وبالياء مكى وحفص فالتاء للشجرة والياء للطعام(3/294)
كَغَلْيِ الْحَمِيمِ (46)
كَغَلْيِ الْحَمِيمِ (46)
{كَغَلْىِ الحميم} أي الماء الحار الذي انتهى غليانه ومعناه غلياً كغلي الحميم فالكاف منصوب المحل ثم يقل للزبانية(3/294)
خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ (47)
خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ (47)
{خُذُوهُ} أي الأثيم {فاعتلوه} فقودوه بعنف وغلظة فاعتلوه مكي ونافع وشامي وسهل ويعقوب {إلى سَوَآءِ الجحيم} إلى وسطها ومعظمها(3/294)
ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ (48)
ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ (48)
{ثُمَّ صُبُّواْ فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الحميم} المصبوب هو الحميم ل(3/294)
اعذابه إلا أنه اذا صب عليه الحميم لقد صب عليه عذابه وشدته وصب العذاب استعارة ويقال له(3/295)
ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ (49)
ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ (49)
{ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ العزيز الكريم} على سبيل الهزؤ والهكم إِنَّكَ أي لأنك عليّ(3/295)
إِنَّ هَذَا مَا كُنْتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ (50)
إِنَّ هَذَا مَا كُنْتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ (50)
{إِنَّ هَذَا} أي العذاب أو هذا الأمر هو {مَا كُنتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ} تشكون(3/295)
إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ (51)
إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ (51)
{إن المتقين في مقام} بالفتح وهو موضوع القيام والمراد المكان وهو من الخاص الذي وقع مستعملاً في معنى العموم وبالضم مدني وشامي وهو موضع الإقامة {أَمِينٍ} من أمن الرجل أمانة فهو أمين وهو ضد الخائن فوصف به المكان استعارة لأن المكان المخيف كانما يخوف صاحبه بما يلقى فيه من المكاره(3/295)
فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (52)
فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (52)
{فِى جنات وَعُيُونٍ} بدل من مَقَامٍ أَمِينٍ(3/295)
يَلْبَسُونَ مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ (53)
يَلْبَسُونَ مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ (53)
{يلبسون من سندس} مارق من الديباج {وإستبرق} ما غلظ وهو تعريب استبر واللفظ إذا عرب خرج من أن يكون أعجمياً لأن معنى التعريب أن يجعل عربياً بالتصرف فيه وتغييره عن منهاجه وإجرائه على أوجه الإعراب فساغ أن يقع في القرآن العربي {متقابلين} في مجالسهم وهو أتم للأنس(3/295)
كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (54)
كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (54)
{كذلك} الكاف مرفوعة أي الأمر كذلك {وزوجناهم} وقرناهم ولهذا عدي بالباء {بِحُورٍ} جمع حوراء وهى الشديده سواد العين والشدة بياضها {عِينٍ} جمع عيناء وهي الواسعة العين(3/295)
يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ (55)
يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ (55)
{يدعون فيها} يطلبون في الجنة {بكل فاكهة آمنين} من الزوال والانقطاع
{لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى {
سوة الجاثية
بسم الله الرحمن الرحيم
{حم تَنزِيلُ الكتاب مِنَ الله العزيز الحكيم}
وتولد الضرر من الإكثار(3/295)
لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (56)
لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (56)
{لاَ يَذُوقُونَ فِيهَا} أي في الجنة {الموت} البته {إلا الموتة الأولى} الا سوى الموتة الأولى التي ذاقوها في الدنيا وقيل لكن الموتة قد ذاقوها في الدنيا {ووقاهم عَذَابَ الجحيم}(3/296)
فَضْلًا مِنْ رَبِّكَ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (57)
فَضْلًا مِنْ رَبِّكَ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (57)
{فَضْلاً مِّن رَّبِّكَ} أي للفضل فهو مفعول له أو مصدر مؤكد لما قبله لأن قوله ووقاهم عذا الجحيم تفضل منه لهم لأن العبد لا يستحق على الله شيئاً {ذلك} أي صرف العذاب ودخول الجنة {هُوَ الفوز العظيم}(3/296)
فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (58)
فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (58)
{فَإِنَّمَا يسرناه} أي الكتاب وقد جرى ذكره في أول السورة {بلسانك لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} يتعظون(3/296)
فَارْتَقِبْ إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ (59)
فَارْتَقِبْ إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ (59)
{فارتقب} فانتظر ما يحل بهم {إِنَّهُمْ مُّرْتَقِبُونَ} منتظرون ما يحل بك من الدوائر(3/296)
سورة الجاثية مكية وهى سبع وثلاثون آية
بسم الله الرحمن الرحيم(3/297)
حم (1)
حم (1)
{حم} ان جعلتها اسما للسورة فهى مرفوعة بالابتداء والخبر(3/297)
تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (2)
تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (2)
{تَنزِيلُ الكتاب مِنَ الله} صلة للتنزيل وإن جعلتها تعديدا للحروف كان تنزيل الكتاب متبدأ والظرف خبر {العزيز} في انتقامه {الحكيم} في تدبيره(3/297)
إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ (3)
إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ (3)
{إِنَّ فِى السماوات والأرض لآيات} لدلالات على وحدانيته ويجوز أن يكون المعنى إن في خلق السموات والأرض لآيات {لِلْمُؤْمِنِينَ} دليله قوله(3/297)
وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (4)
وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (4)
{وَفِى خَلْقِكُمْ} ويعطف {وَمَا يَبُثُّ مِن دَآبَّةٍ} على الخلق المضاف لأن المضاف إليه ضمير مجرور ومتصل يقبح العطف عليه {آيات} حمزة وعلي بالنصب وغيرهما بالرفع مثل قولك إن زيداً في الدار وعمراً في السوق أو وعمرو في السوق {لِِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ}(3/297)
وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (5)
وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (5)
{واختلاف الليل والنهار وَمَا أَنَزَلَ الله مِنَ السمآء مَّن رِزْقٍ} أي مطر وسمي به لأنه سبب الرزق {فَأَحْيَا بِهِ الأرض بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرياح} الريح حمزة على {آيات لقوم يعقلون} بالنصب
{تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق}
علي وحمزة وغيرهما بالرفع وهذا من(3/297)
العطف على عاملين سواء نصبت أو رفعت فالعاملان اذا نصبت ان وفى أقيمت الواو مقامهما فعملت الجر في واختلاف الليل والنهار والنصب في آيات واذا رفعت فالعاملان الابتداء وفي عملت الواو الرفع في آيات والجر في واختلاف هذا مذهب الأخفش لأنه يجوز العطف على عاملين وأما سيبويه فإنه لا يجيزه وتخريج الآية عنده أن يكون على اضمار في والذى حسنه تقديم ذكر في الآيتين قبل هذه الآية ويؤيده قراءة ابن مسعود رضى الله عنه وفي اختلاف الليل والنهار ويجوز ان ينتصب آيات على الاختصاص بعد انقضاء المجرور ومعطوفا على ما قبله او على التكرير توكيد الآيات الاولى كانه قيل آيات آيات ورفعهما بإضمار هي والمعنى في تقديم الإيمان على الايقان وتوسيطه وتأخير الآخران المنصفين من العباد اذا نظروا في السموات والأرض نظراً صحيحاً علموا أنها مصنوعة وأنه لا بد لها من صانع فآمنوا بالله فإذا نظروا في خلق انفسهم وتقلها من حال إلى حال وفي خلق ما ظهر على لارض من صنوف الحيوان ازدادوا إيماناً وأيقنوا فإذا نظروا في سائر الحوادث التي تتجدد في كل وقت كاختلاف الليل والنهار ونزول الأمطار وحياة الأرض بها بعد موتها وتصريف الرياح جنوباً وشمالاً وقبولاً ودبوراً عقلوا واستحكم علمهم وخلص يقينهم(3/298)
تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ (6)
تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ (6)
{تِلْكَ} إشارة إلى الآيات المتقدمة أي تلك الآيات {آيات الله} وقوله {نَتْلُوهَا} في محل الحال أي متلوة {عليك بالحق} والعامل مادل عليه تلك من معنى الاشاة {فبأي حديث بعد الله وآياته} أي بعد آيات الله كقولهم أعجبني زيد وكرمه يريدون أعجبني كرم زيد {يُؤْمِنُونَ} حجازي وابو عمرو وسهل وحفص بالتاء غيرهم على تقدير قل يا محمد(3/298)
وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (7)
وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (7)
{وَيْلٌ لِّكُلِّ أَفَّاكٍ} كذاب {أَثِيمٍ} متبالغ في اقتراف الآثام(3/298)
يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (8)
يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (8)
{يسمع آيات الله} في موضع جر صفة {تتلى عَلَيْهِ} حال من آيات الله {ثُمَّ يُصِرُّ} يقبل على كفره ويقيم عليه {مُسْتَكْبِراً} عن الإيمان بالآيات والإذعان لما تنطق به من الحق مزدرياً لها معجباً بما عنده قيل نزلت في الضر بن الحرث وما كان يشتري من أحاديث العجم ويشغل بها الناس عن استماع القرآن والآية عامة في كل من كان مضاراً لدين الله وجىء بثم لأن الإصرار على الضلالة والاستكبار عن الإيمان عند سماع آيات القرآن مستبعد في العقول {كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا} كأن مخففة والأصل كأنه لم يسمعها والضمير ضمير الشأن ومحلة الجملة النصب على الحال اى يصير مثل غير السامع {فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} فأخبره خبراً يظهر أثره على البشرة(3/299)
وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آيَاتِنَا شَيْئًا اتَّخَذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (9)
وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آيَاتِنَا شَيْئًا اتَّخَذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (9)
{وإذا علم من آياتنا شَيْئاً} وإذا بلغه شيء من آياتنا وعلم أنه منها {اتخذها} اتخذ الآيات {هُزُواً} ولم يقل اتخذه للإشعار بأنه إذا أحس بشيء من الكلام أنه من جملة الآيات خاض في الاستهزاء
{أولئك لهم عذاب مهين}
يجمع الآيات ولم يقتصر على الاستهزاء بما بلغه ويجوز أن يرجع الضمير إلى شيء لأنه في معنى الآية كقول أبي العتاهية ... نفسي بشيء من الدنيا معلقة الله والقائم المهدي يكفيها ...
حيث أراد عتبة {أولئك} إشارة إلى كل أفاك أثيم لشموله الأفاكين {لَهُمْ عَذَابٌ مهين} مخز(3/299)
مِنْ وَرَائِهِمْ جَهَنَّمُ وَلَا يُغْنِي عَنْهُمْ مَا كَسَبُوا شَيْئًا وَلَا مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (10)
مِنْ وَرَائِهِمْ جَهَنَّمُ وَلَا يُغْنِي عَنْهُمْ مَا كَسَبُوا شَيْئًا وَلَا مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (10)
{مِّن وَرَآئِهِمْ} من قدامهم الوراء اسم للجهة التي يواريها الشخص من خلف أو قدام {جَهَنَّمُ وَلاَ يُغْنِى عَنْهُم مَّا كَسَبُواْ} من الأموال {شَيْئاً} من عذاب الله {وَلاَ مَا اتخذوا} ما فيهما مصدرية أو موصولة {مِن دُونِ الله} من الأوثان {أَوْلِيَآءَ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} في جهنم(3/299)
هَذَا هُدًى وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ (11)
هَذَا هُدًى وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ (11)
{هذا هُدًى} إشارة إلى القرآن ويدل عليه {والذين كفروا بآيات رَبِّهِمْ} لأن آيات ربهم هي القرآن أي هذا القرآن كامل في الهداية كما تقول زيد رجل أي كامل في الرجولية {لَهُمْ عَذَابٌ مِّن رِّجْزٍ} هو أشد العذاب {أَلِيمٌ} بالرفع مكى ويعقوب وحفص صفة لعذاب وغيرهم بالجر صفة لرجز(3/300)
اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (12)
اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (12)
{الله الذى سَخَّرَ لَكُمُ البحر لِتَجْرِىَ الفلك فِيهِ بِأَمْرِهِ} بإذنه {وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ} بالتجارة أو بالغوص على اللؤلؤ والمرجان واستخراج اللحم الطري {وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}(3/300)
وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (13)
وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (13)
{وَسَخَّرَ لَكُمْ مَّا فِى السماوات وَمَا فِى الأرض جميعا} هو تأكيد مافى السموات وهو مفعول سَخَّرَ وقيل جَمِيعاً نصب على الحال {مِّنْهُ} حال أي سخر هذه الأشياء كائنة منه حاصلة من عنده أو خبر مبتدأ محذوف أي هذه العم كلها منه أو صفة للمصدر أي تسخيراً منه {إِنَّ فِى ذلك لآيات لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}(3/300)
قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْمًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (14)
قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْمًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (14)
{قل للذين آمنوا يَغْفِرُواْ} أي قل لهم اغفروا يغفروا فحذف المقول لأن الجواب يدل عليه ومعنى يغفروا يعفوا ويصفحوا وقيل انه مجزوم بلام مضمرة تقديره ليغفروا فهو امر مستأنف وجاز حذف اللام لدلالة على الأمر {لِلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ أَيَّامَ الله} لا يتوقعون وقائع الله بأعدائه من قولم لوقائع العرب ايام العرب وقتل لا يؤملون الأوقات التي وقتها الله تعالى لثواب المؤمنين ووعدهم الفوز فيها قيل نزلت ي عمر رضى الله عنه حين شتمه رجل من المشركين من بني غفار فهم أن يبطش به {لِيَجْزِىَ} تعليل للأمر بالمغفرة أي إنما أمروا بأن يغفروا ليوفيهم جزاء مغفرتهم يوم القيامة وتنكير {قَوْماً} على المدح لهم كأنه قيل ليجزي أيما قوم
وقوما مخصوصين بصبرهم على أذى أعدائهم لنجزى شامي وحمزة وعلى(3/300)
ليجزى قَوْماً يزيد أي ليجزى الخير قوماً فأضمر الخير لدلالة الكلام عليه كما أضمر الشمس في قوله حتى توارث بالحجاب لان قوله اذا عرض عليه بالعشى دليلا على تواري الشمس وليس التقدير ليجزي الجزاء قوماً لأن المصدر لا يقوم مقام الفاعل ومعك مفعول صحيح أما إقامة المفعول الثاني مقام الفاعل فجائز وأنت تقول جزاك الله خيراً {بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} من الإحسان(3/301)
مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (15)
مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (15)
{مَّنْ عَمِلَ صالحا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا} أي لها الثواب وعليها العقاب {ثُمَّ إلى ربكم ترجعون} أى الى جزائه(3/301)
وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (16)
وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (16)
{ولقد آتينا بني إسرائيل الكتاب} التوراة {والحكم} الحكمة والفقه أو فصل الخصومات بين الناس لأن الملك كان فيهم {والنبوة} خصها بالذكر لكثرة الأنبياء عليهم السلام فيهم {وَرَزَقْنَاهُمْ مِّنَ الطيبات} مما أحل الله لهم وأطاب من الأرزاق {وفضلناهم عَلَى العالمين} على عالمى زمانهم(3/301)
وَآتَيْنَاهُمْ بَيِّنَاتٍ مِنَ الْأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (17)
وَآتَيْنَاهُمْ بَيِّنَاتٍ مِنَ الْأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (17)
{وآتيناهم بينات} آيات ومعجزات {مِّنَ الأمر} من أمر الدين {فما اختلفوا} فما وقع الخلاف بينم في الدين {إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ العلم بغيا بينهم} اى الامن من بعد ما جاءهم ما هو موجب لزوال الخلاف وهو العلم وإنما اختلفوا لبغي حدث بينهم أي لعداوة وحسد بينهم {إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِى بَيْنَهُمْ يَوْمَ القيامة فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} قيل المراد اختلافهم في أوامر الله ونواهيه في التوراة حسدا وطلبا وجلبا للرياسة لا عن جهل يكون الإنسان به معذورا(3/301)
ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (18)
ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (18)
{ثُمَّ جعلناك} بعد اختلاف أهل الكتاب {على شَرِيعَةٍ} على طريقة ومنهاج {مِّنَ الأمر} من أمر الدين {فاتبعها} فاتبع شريعتك الثابتة بالحجج والدلائل {وَلاَ تَتَّبِعْ(3/301)
أَهْوَآءَ الذين لاَ يَعْلَمُونَ} ولا تتبع مالا حجة عليه من أهواء الجهال ودينهم المبني على هوى وبدعة وهم رؤساء قريش حين قالوا ارجع إلى دين آبائك(3/302)
إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ (19)
إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ (19)
{إِنَّهُمْ} إن هؤلاء الكافرين {لَن يُغْنُواْ عَنكَ مِنَ الله شَيْئاً وَإِنَّ الظالمين بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ والله وَلِىُّ المتقين} وهم موالوه وما أبين الفضل بين الولايتين(3/302)
هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (20)
هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (20)
{هذا} أي القرآن {بصائر لِلنَّاسِ} جعل ما فيه من معالم الدين والشرائع بمنزلة البصائر في القلوب كما جعل روحاً وحياة {وَهُدَىً} من الضلالة {وَرَحْمَةٌ} من العذاب {لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} لمن آمن وأيقن
بالبعث(3/302)
أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (21)
أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (21)
{أَمْ حَسِبَ الذين} أم منقطعة ومعنى الهمزة فيها إنكار الحسبان {اجترحوا السيئات} اكتسبوا المعاصي والكفر ومنه الجوارح وفلان جارحة أهله أي كاسبهم {أَن نَّجْعَلَهُمْ} أن نصيرهم وهو من جعل المعتدى إلى مفعولين فأولهما الضمير والثاني الكاف في {كالذين آمنوا وَعَمِلُواْ الصالحات} والجملة التي هي {سَوَآءً محياهم ومماتهم} بدل من الكاف لأن الجملة تقع مفعولاً ثانياً فكانت في حكم المفرد سَوَآء علي وحمزة وحفص بالنصب على الحال من الضمير ي نجعلهم ويرتفع محياهم ومماتهم بسواء وقرأ الأعمش ومماتهم بالنصب جعل محياهم ومماتهم ظرفين كمقدم الحاج اى سواء في محايهم وفي مماتهم والمعنى إنكار أن يستوي المسيئون والمحسنون محياً وأن يستووا مماتاً لافتراق أحوالهم أحياء حيث عاش هؤلاء على القيام بالطاعات واولئك على اقتراف السيآت ومماتاً حيث مات هؤلاء على البشرى بالرحمة والكرامة وأولئك على اليأس من الرحمة والندامة وقيل معناه إنكار أن يستووا في الممات كما استووا في الحياة في الرزق والصحة وعن تميم الدارى رضى الله عنه أنه كان يصلي ذات ليلة عند المقام فبلغ هذه الآية فجعل يبكي ويردد إلى الصباح وعن الفضيل أنه بلغها(3/302)
فجعل يرددها ويبكي ويقول يا فضيل ليت شعري من أي الفريقين أنت {سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ} بئس ما يقضون إذا حسبوا أنهم كالمؤمنين فليس من أقعد على بساط الموافقة كمن أقعد على مقام المخالفة بل نفرق بينهم فنعلي المؤمنين ونخزي الكافرين(3/303)
وَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (22)
وَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (22)
{وَخَلَقَ الله السماوات والأرض بالحق} ليدل على قدرته {ولتجزى} معطوف على هذا المعلل المحذوف {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ}(3/303)
أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (23)
أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (23)
{أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتخذ إلهه هَوَاهُ} أي هو مطواع لهوى النفس يتبع ما تدعوه إليه فكأنه يعبده كما يعبد الرجل إلهه {وَأَضَلَّهُ الله على عِلْمٍ} منه باختياره الضلال أو أنشأ فيه فعل الضلال على علم منه بذ لك {وَخَتَمَ على سَمْعِهِ} فلا يقبل وعظاً {وَقَلْبِهِ} فلا ي عتقد حقاً {وَجَعَلَ على بَصَرِهِ غشاوة} فلا يبصر عبرة غشوة حمزة وعلي {فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ الله} من بعد إضلال الله إياه {أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ} بالتخفيف حمزة وعلي وحفص وغيرهم بالتشديد فأصل الشر متابعة الهوى والخير كله في مخالفته فنعم ما قال
إذا طلبتك النفس يوماً بشهوة وكان إليها للخلاف طريق ... فدعها وخالف ماهويت فإنما هواك عدو والخلاف صديق
...
} 33 {وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر}(3/303)
وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ (24)
وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ (24)
{وَقَالُواْ مَا هِىَ} أي ما الحياة لأنهم وعدوا حياة ثانية {إِلاَّ حَيَاتُنَا الدنيا} التي نحن فيها {نَمُوتُ وَنَحْيَا} نموت نحن ونحيا ببقاء أولادنا أو يموت بعض ويحيا بعض أو نكون مواتاً نطفاً في الأصلاب ونحيا بعد ذلك أو يصيبنا الأمران الموت والحياة يريدون الحياة في الدنيا والموت بعدها وليس وراء ذلك حياة وقيل هذا كلام من يقول بالتناسخ أي يموت الرجل ثم(3/303)
تجعل روحه في موات فيحيا به {وَمَا يُهْلِكُنَا إِلاَّ الدهر} كانوا يزعمون أن مرور الأيام والليالي هو المؤثر في هلاك الأنفس وينكرون ملك الموت وقبضه الأرواح بإذن الله وكانوا يضيفون كل حادثة تحدث إلى الدهر والزمان وترى أشعارهم ناطقة بشكوى الزمان ومنه قوله عليه السلام لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر أي فإن الله هو الآتي بالحوادث لا الدهر {وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ} وما يقولون ذلك من علم ويقين ولكن من ظن وتخمين(3/304)
وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ مَا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتُوا بِآبَائِنَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (25)
وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ مَا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتُوا بِآبَائِنَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (25)
{وإذا تتلى عليهم آياتنا} اى القرآن يعى مافيه من ذكر البعث {بينات مَّا كَانَ حُجَّتَهُمْ} وسمى قولهم حجة وإن لم يكن حجة لأنه في زعمهم حجة {إِلاَّ أَن قَالُواْ ائتوا بآبائنا} اى احيوهم {إن كنتم صادقين} في دعوى البعث وحجتهم خبر كان واسمها أَن قَالُواْ والمعنى ما كان حجتهم الا مقالتهم ائتوا بآياتنا وقرىء حُجَّتَهُمْ بالرفع على أنها اسم كان وان قالوا الخبر(3/304)
قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (26)
قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (26)
{قُلِ الله يُحْيِيكُمْ} في الدنيا {ثُمَّ يُمِيتُكُمْ} فيها عند انتهاء أعماركم {ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إلى يَوْمِ القيامة} أي يبعثكم يوم القيامة جميعاً ومن كان قادر على ذلك كان قادر على الإتيان بآبائكم ضرورة {لاَ رَيْبَ فِيهِ} أي في الجمع {ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يَعْلَمُونَ} قدرة الله على البعث لإعراضهم عن التفكر في الدلائل(3/304)
وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ (27)
وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ (27)
{وَلِلَّهِ مُلْكُ السماوات والأرض وَيَوْمَ تَقُومُ الساعة يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ المبطلون} عامل النصب في يَوْمٍ تقوم يخسر ويومئذ بدل من يَوْمٍ تَقُومُ(3/304)
وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (28)
وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (28)
{وترى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً} جالسة على الركب يقال جثا فلان يجثو اذا جلس عل ركبتيه وقيل جاثية مجتمعة {كُلُّ أُمَّةٍ} بالرفع على الابتداء(3/304)
كل بالفتح يعقوب عل الإبدال من كُلَّ أُمَّةٍ {تدعى إلى كتابها} إلى صحائف أعمالها فاكتفى باسم الجنس فيقال لهم {اليوم تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} في الدنيا(3/305)
هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (29)
هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (29)
{هذا كتابنا} أضيف الكتاب إليهم لملابسته إياهم لأن أعمالهم مثبتة فيه وإلى الله تعالى لأنه مالكه والآمر ملائكته أن يكتبوا فيه اعمال عباده {ينطق}
{عليكم بالحق إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون}
{عَلَيْكُم} يشهد عليكم بما عملتم {بالحق} من غير زيادة ولا نقصان {إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} أي نستكتب الملائكة أعمالكم وقيل نسخت واستنسخت بمعنى وليس ذلك بنقل من كتاب بل معناه نثبت(3/305)
فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ (30)
فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ (30)
{فأما الذين آمنوا وَعَمِلُواْ الصالحات فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِى رَحْمَتِهِ} جنته {ذَلِكَ هُوَ الفوز المبين}(3/305)
وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنْتُمْ قَوْمًا مُجْرِمِينَ (31)
وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنْتُمْ قَوْمًا مُجْرِمِينَ (31)
{وَأَمَّا الذين كَفَرُوآ} فيقال لهم {أَفَلَمْ تَكُنْ آياتي تتلى عَلَيْكُمْ} والمعنى ألم يأتكم رسلي فلم تكن آياتي تتلى عليكم فحذف المعطوف عليه {فاستكبرتم} عن الإيمان بها {وَكُنتُمْ قَوْماً مُّجْرِمِينَ} كافرين(3/305)
وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لَا رَيْبَ فِيهَا قُلْتُمْ مَا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ (32)
وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لَا رَيْبَ فِيهَا قُلْتُمْ مَا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ (32)
{وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وعْدَ الله} بالجزاء {حَقٌّ والساعة} بالرفع عطف على محل إن واسمها والساعة حمزة عطف على وَعَدَ الله {لاَ رَيْبَ فِيهَا قُلْتُم مَّا نَدْرِى مَا الساعة} أي شيء الساعة {إِن نَّظُنُّ إِلاَّ ظَنّاً} أصله نظن ظناً ومعناه إثبات الظن فحسب فأدخل حرف النفي والاستثناء ليفاد إثبات الظن مع نفي ما سواه وزيد نفي ما سوى الظن توكيداً بقوله {وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ}(3/305)
وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (33)
وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (33)
{وَبَدَا لَهُمْ} ظهر لهؤلاء الكفار {سَيِّئَاتُ مَا عملوا} قبائح اعمالهم او عقوبات اعمالهم السيآت كقوله وجزاء سيئة سيئة مثلها {وحاق بهم ما كانوا به يستهزؤون} ونزل بهم جزاء استهزائهم(3/305)
وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (34)
وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (34)
{وَقِيلَ اليوم نَنسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَآءَ يَوْمِكُمْ هذا} اى تترككم في العذاب كما تركتم عدة لقاء يومكم وهي الطاعة وإضافة اللقاء إلى اليوم كإضافة المكر في قوله الليل والنهار أي نسيتم لقاء الله تعالى في يومكم هذا ولقاء جزائه {وَمَأْوَاكُمُ النار} أي منزلكم {وَمَا لَكُمْ مِّن ناصرين}(3/306)
ذَلِكُمْ بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَغَرَّتْكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ لَا يُخْرَجُونَ مِنْهَا وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (35)
ذَلِكُمْ بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَغَرَّتْكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ لَا يُخْرَجُونَ مِنْهَا وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (35)
{ذلكم} العذاب {بأنكم} بسببب انكم {اتخذتم آيات الله هُزُواً وَغَرَّتْكُمُ الحياة الدنيا فاليوم لاَ يُخْرَجُونَ مِنْهَا} لاَ يَخْرُجُونَ حمزة وعلي {وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ} ولا يطلب منهم أن يعتبوا ربهم أي يرضوه(3/306)
فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (36)
فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (36)
{فَلِلَّهِ الحمد رَبِّ السماوات وَرَبِّ الأرض رَبِّ العالمين} أي فاحمدوا الله الذي هو ربكم ورب
كل شىء من السموات والأرض والعالمين فإن مثل هذه الربوبية العامة توجب الحمد والثناء على كل مربوب(3/306)
وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (37)
وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (37)
{وَلَهُ الكبريآء فِى السماوات والأرض} وكبّروه فقد ظهرت آثار كبريائه وعظمته في السموات والأرض {وَهُوَ العزيز} في انتقامه {الحكيم} في أحكامه(3/306)
سورة الأحقاف مكية وهي خمس وثلاثون آية
بسم الله الرحمن الرحيم(3/307)
حم (1) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (2)
حم (1) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (2)
{حم تَنزِيلُ الكتاب مِنَ الله العزيز الحكيم}(3/307)
مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ (3)
مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ (3)
{مَا خَلَقْنَا السماوات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَآ إِلاَّ بالحق} ملتبساً بالحق {وَأَجَلٍ مُّسَمًّى} وبتقدير أجل مسمى ينتهي إليه وهو يوم القيامة {والذين كفروا عما أنذروا} عما أنذوره من هول ذلك اليوم الذي لا بد لكل مخلوق من انتهائه إليه {مُّعْرِضُونَ} لا يؤمنون به ولا يهتمون بالاستعداد له ويجوز أن تكون ما مصدرية أي عن إذنذارهم ذلك اليوم(3/307)
قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (4)
قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (4)
{قل أرأيتم} أخبروني {مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ الله} تعبدونه من الأصنام {أَرُونِى مَاذَا خَلَقُواْ مِنَ الأرض} أي شيء خلقوا مما في الأرض إن كانوا آلهة {أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِى السماوات} شركة مع الله في خلق السموات والأرض {ائتونى بكتاب مِّن قَبْلِ هذا} أي من قبل هذا الكتاب وهو القرآن يعني أن هذا الكتاب ناطق بالتوحيد وإبطال الشرك وما من كتاب أنزل من قبله من كتب الله إلا وهو ناطق بمثل ذلك فائتوا بكتاب واحد منزل من قبله شاهد بصحة ما أنتم عليه من عبادة غير الله {أو أثارة من علم} أو بقية عليكم علم بقيت عليكم من علوم الأولين {إِن كُنتُمْ صادقين} أن الله أمركم بعبادة الأوثان(3/307)
وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ (5)
وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ (5)
{ومن أضل ممن يدعو مِن دُونِ الله مَن لاَّ يَسْتَجِيبُ لَهُ إلى يَوْمِ القيامة وَهُمْ عَن دُعَآئِهِمْ غافلون}
أي أبدا(3/308)
وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ (6)
وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ (6)
{وَإِذَا حُشِرَ الناس كَانُواْ لَهُمْ أَعْدَآءً} أي الأصنام لعبدتها {وَكَانُواْ} أي الأصنام {بِعِبَادَتِهِمْ} بعبادة عبدتهم {كافرين} يقولون ما دعوناهم إلى عبادتنا ومعنى الاستفهام في مَنْ أَضَلَّ إنكار أن يكون في الضلال كلهم أبلغ ضلالة من عبدة لأوثان حيث يتركون دعاء السميع المجيب القادر على كل شيء ويدعون من دونه جماد إلا يستجيب لهم ولا قدرة له على استجابة أحد منهم ما دامت الدنيا وإلى أن تقوم القيامة وإذا قامت القيامة وحشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا عليهم ضداً فليسوا في الدارين إلا على نكد ومضرة لا تتولاهم في الدنيا بالاستجابة وفي الآخرة تعاديهم وتجحد عبادتهم ولما أسند إليهم ما يسند إلى أولي العلم من الاستجابة والغفلة قيل من وهم ووصفهم بترك الاستجابة والغفلة طريقه طريق التهكم بها وبعبدتها او نحوه قوله تعالى ان تدعوهم لا يسمعوا د عاءكم وَلَوْ سَمِعُواْ مَا استجابوا لَكُمْ وَيَوْمَ القيامة يكفرون بشرككم(3/308)