تصرف فيه فقيل سكن الدار كما قيل تبوأها ويجوز أن يكون سكنوا من السكون أي قروا فيها واطمأنوا طيبي النفوس سائرين سيرة من قبلهم في الظلم والفساد لا يحدثونها بما لقي الأولون من أيام الله وكيف كان عاقبة ظلمهم فيعتبروا ويرتدعوا {وَتَبَيَّنَ لَكُمْ} بالأخبار أو المشاهدة وفاعل تبين مضمر دل عليه الكلام أي تبين لكم حالهم و {كَيْفَ} ليس بفاعل لأن الاستفهام لا يعمل فيه ما قبله وإنما نصب
إبراهيم (45 _ 48)
كيف بقوله {فَعَلْنَا بِهِمْ} أي أهلكناهم وانتقمنا منهم {وَضَرَبْنَا لَكُمُ الأمثال} أي صفات ما فعلوا وما فعل بهم وهي في الغرابة كالأمثال المضروبة لكل ظالم(2/179)
وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ (46)
وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ (46)
{وَقَدْ مَكَرُواْ مَكْرَهُمْ} أي مكرهم العظيم الذي استفرغوا فيه جهدهم وهو ما فعلوه من تأييد الكفر وبطلان الإسلام {وَعِندَ الله مَكْرهُمْ} وهو مضاف إلى الفاعل كالأول والمعنى ومكتوب عند الله مكرهم فهو مجازيهم عليه بمكر هو أعظم منه أو إلى المفعول أي وعند الله مكرهم الذي يمكرهم به وهو عذابهم الذي يأتيهم من حيث لا يشعرون {وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الجبال} بكسر اللام الأولى ونصب الثانية والتقدير وإن وقع مكرهم لزوال أمر النبي صلى الله عليه وسلم فعبر عن النبي عليه السلام بالجبال لعظم شأنه وكان تامة أو إن نافية واللام مؤكدة لها كقوله وَمَا كان الله ليعذبهم والمعنى ومحال أن تزول الجبال بمكرهم على ان الجبال بمكرهم على أن الجبال مثل لآيات الله وشرائعه لأنها بمنزلة الجبال الراسية ثباتاً وتمكناً دليله قراءة ابن مسعود وما كان مكرهم وبفتح اللام الأولى ورفع الثانية عليُّ أي وان كان مكرهم الشدة بحيث تزول منه الجبال وتنقطع عن أماكنها فان مخففة من إن واللام مؤكدة(2/179)
فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (47)
فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (47)
{فَلاَ تَحْسَبَنَّ الله مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ} يعني قوله انا لننصر رسلنا كتب الله لاغلبن أنا ورسلى مخلف مفعول(2/179)
ثان لتحسبن وأضاف مخلف إلى وعده وهو المفعول الثاني له والأول رسله والتقدير مخلف رسله وعده وإنما قدم المفعول الثاني على الأول ليعلم انه لا يخاف الوعد أصلاً كقوله إن الله لا يخلف الميعاد ثم قال رسله ليوذن أنه إذا لم يخلف وعده أحداً فكيف يخلفه رسله الذين هم خيرته وصفوته {إِنَّ الله عَزِيزٌ} غالب لا يماكر {ذُو انتقام} لأوليائه من أعدائه(2/180)
يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (48)
يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (48)
وانتصاب {يَوْمَ تُبَدَّلُ الأرض غَيْرَ الأرض والسماوات} على الظرف للانتقام أو على إضمار اذكر والمعنى يوم تبدل هذه الأرض التي تعرفونها أرضا أخرى غير هذه المعروفة وتبدل السموات غير السموات وإنما حذف لدلالة ما قبله عليه والتبديل التغيير وقد يكون في الذوات كقولك بدلت الدراهم دنانير وفي الأوصاف كقولك بدلت الحلقة خاتماً إذا أذبتها وسويتها خاتماً فنقلتها من شكل الى شكل واختلف واحتلف في تبديل الأرض والسموات فقيل تبدل أوصافها وتسير عن الأرض جبالها وتفجر بحارها وتسوى فلا ترى فيها عوجاً ولا أمتا وعن ابن عباس رضي الله عنهما هي تلك الأرض وإنما تغير وتبدل السماء بانتثار كواكبها وكسوف شمسها وخسوف قمرها وانشقاقها وكونها أبوابا وقيل تخلق بدلها ارض وسموات أخر وعن ابن مسعود رضي الله عنه يحشر الناس على أرض بيضاء لم يخطىء عليها أحد خطيئة وعن على رضي الله عنه تبدل أرضا من فضة وسموات من ذهب {وَبَرَزُواْ} وخرجوا من قبورهم {للَّهِ الواحد الْقَهَّارِ} هو كقوله لّمَنِ الملك اليوم لله الواحد القهار لأن حب (لماذا الون كك إلا يغا لغلا المب) فلا مستغاث لأحد إلى غيره كان الأمر في غاية الشدة
إبراهيم (49 _ 52)(2/180)
وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ (49)
وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ (49)
{وَتَرَى المجرمين} الكافرين {يَوْمَئِذٍ} يوم القيامة {مُقْرَِّنِينَ} قرن بعضهم مع بعض أو مع الشياطين أو قرنت أيديهم إلى أرجلهم مغللين(2/180)
{فِي الأصفاد} متعلق بمقرنين أي يقرنون في الأصفاد أو غير متعلق به والمعنى مقرنين مصفدين والأصفاد القيود أو الاغلال(2/181)
سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ (50)
سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ (50)
{سَرَابِيلُهُم} قمصهم {مّن قَطِرَانٍ} هو ما يتحلب من شجر يسمى الأبهل فيطبخ فيهنأ به الإبل الجربى فيحرق الجرب بحدته وحره ومن شأنه أن يسرع فيه اشتعال النار وهو أسود اللون منتن الريح فيطلى به جلود أهل النار حتى يعود طلاؤه لهم كالسرابيل ليجتمع عليهم لذع القطر ان وحرقته وإسراع النار في جلودهم واللون الوحش ونتن الريح على أن التفاوت بين القطرانين كالتفاوت بين النارين وكل ما وعده الله أو أوعد به في الآخرة فبينه وبين ما نشاهد من جلسه ما لا يقادر قدره وكأنه ما عندنا منه إلا الأسامي والمسميات ثمة نعوذ بالله من سخطه وعذابه من قطرآن زيد عن يعقوب نحاس مذاب بلغ حره اناه {وتغشى وجوههم النار} تعلوها باشتغالها - وخص الوجه لأنه أعز موضع في ظاهر البدن كالقلب في باطنه ولذا قال تطلع على الأفئدة(2/181)
لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (51)
لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (51)
{لِيَجْزِيَ الله كُلَّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ} أي يفعل بالمجرمين ما يفعل ليجزي كل نفس مجرمة ما كسبت أو كل نفس مجرمة أو مطيعة لأنه إذا عاقب المجرمين لإجرامهم علم أنه يثيب المؤمنين بطاعتهم {إِنَّ الله سَرِيعُ الحساب} يحاسب جميع العباد في أسرع من لمح البصر(2/181)
هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (52)
هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (52)
{هذا} أي ما وصفه في قوله ولا تحسبن إلى قوله سريع الحساب {بلاغ لّلنَّاسِ} كفاية في التذكير والموعظة {وَلِيُنذَرُواْ بِهِ} بهذا البلاغ وهو معطوف على محذوف أي لينصحوا ولينذروا {وَلِيَعْلَمُواْ أَنَّمَا هُوَ إله وَاحِدٌ} لأنهم إذا خافوا ما أنذروا به دعتهم المخافة إلى النظر حتى يتوصلوا إلى التوحيد لأن الخشية أم الخير كله {وَلِيَذَّكَّرَ أُوْلُواْ الألباب} ذوو العقول(2/181)
سورة الحجر تسع وتسعون آية مكية
بسم الله الرحمن الرحيم
الحجر (1)(2/182)
الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآنٍ مُبِينٍ (1)
الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآنٍ مُبِينٍ (1)
{الر تلك آيات الكتاب وقرآن مُّبِينٍ} تلك إشارة إلى ما تضمنته السورة من الآيات والكتاب والقرآن المبين السورة وتنكير القرآن للتفخيم والمعنى تلك آيات الكتاب الكامل في كونه كتابا
الحجر (2 _ 6)
وأي قرآن مبين كأنه قيل الكتاب الجامع للكمال وللغرابة في البيان(2/182)
رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ (2)
رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ (2)
{ربما} بالتخفيف مدنى وعاصم وبالتشديد غيرهما وما هي الكافة لأنها حرف يجر ما بعده ويختص بالاسم النكرة فإذا كفت وقع بعدها الفعل الماضي والاسم وإنما جاز {يَوَدُّ الذين كَفَرُواْ} لأن المترقب في أخبار الله تعالى بمنزلة الماضي المقطوع به في تحقيقه فكانه قيل ربما ود وودادتهم تكون عند النزاع أو يوم القيامة إذا عاينوا حالهم وحال المسلمين أو إذا رأوا المسلمين يخرجون من النار فيتمنى الكافر لو كان مسلماً كذا رُوى عن ابن عباس رضي الله عنهما {لَوْ كَانُواْ مَسْلِمِينَ} حكاية ودادتهم وإنما جيء بها على لفظ الغيبة لأنهم مخبر عنهم كقولك حلف بالله ليفعلن ولو قيل حلف لأفعلن ولو كنا مسلمين لكان حسنا وإنما قلل برب لأن أهوال القيامة تشغلهم على التمني فإذا أفاقوا من سكرات العذاب ودوا لو(2/182)
كانوا مسلمين وقول من قال إن رب يعني بها الكثرة سهو لأنه ضد ما يعرفه أهل اللغة لأنها وضعت للتقليل(2/183)
ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (3)
ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (3)
{ذَرْهُمْ} أمر إهانة أي اقطع طمعك من ارعوائهم ودعهم عن النهي عما هم عليه والصد عنه بالتذكرة والنصيحة وخلهم {يَأْكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ} بدنياهم {وَيُلْهِهِمُ الأمل} ويشغلهم أملهم وأمانيهم عن الإيمان {فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} سوء صنيعهم وفيه تنبيه على أن إيثار التلذذ والتنعم وما يؤدي إليه طول الأمل ليس من أخلاق المؤمنين(2/183)
وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَهَا كِتَابٌ مَعْلُومٌ (4)
وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَهَا كِتَابٌ مَعْلُومٌ (4)
{وَمَآ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلاَّ وَلَهَا كتاب معلوم} ولها كتاب جملة واقعة صفة لقرية والقياس أن لا يتوسط الواو بينهما كما في وَمَا أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلاَّ لَهَا منذرون وإنما توسطت لتأكيد لصوق الصفة بالموصوف إذ الصفة ملتصقة بالموصوف بلا واو وفجىء بالواو تأكيداً لذلك والوجه أن تكون هذه الجملة حالا لقرية لكونها في حكم الموصوفة كأنه قيل وما أهلكنا قرية من القرى لا وصفاً وقوله كتاب معلوم أي مكتوب معلوم وهو أجلها الذي كتب في اللوح المحفوظ وبين ألا ترى إلى قوله(2/183)
مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ (5)
مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ (5)
{مَّا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا} في موضع كتابها {وما يستأخرون} أي عنه وحذف لأنه معلوم وأنث الأمة أولاً ثم ذكرها آخراً حملاً على اللفظ والمعنى(2/183)
وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ (6)
وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ (6)
{وقالوا} أي الكفار {يا أيها الذى نُزِّلَ عَلَيْهِ الذكر} أي القرآن {إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ} يعنون محمداً عليه السلام وكان هذا النداء منهم على وجه الاستهزاء كما قال فرعون إِنَّ رَسُولَكُمُ الذى أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ وكيف يقرون بنزول الذكر عليه وينسبونه إلى الجنون والتعكيس في كلامهم للاستهزاء والتهكم سائغ ومنه فبشرهم بعذاب أليم إنك لأنت(2/183)
الحليم الرشيد والمعنى انك
الحجر (7 _ 14)
لنقول قول المجانين حيث تدعى أن الله نزل عليك الذكر(2/184)
لَوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلَائِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (7)
لَوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلَائِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (7)
{لو ما تأتينا بالملائكة إِن كُنتَ مِنَ الصادقين} لو ركبت مع لا وما لامتناع الشيء لوجود غيره أو للتحضيض وهل ركبت مع لا للتحضيض فحسب والمعنى هلا تأتينا بالملائكة يشهدون بصدقك أو هلا تأتينا بالملائكة للعقاب على تكذيبنا لك إن كنت صادقا(2/184)
مَا نُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَا كَانُوا إِذًا مُنْظَرِينَ (8)
مَا نُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَا كَانُوا إِذًا مُنْظَرِينَ (8)
{مَا نُنَزِّلُ الملائكة} كوفي غير أبي بكر تُنَزَّل الملائكة أبو بكر تَنَزَّل الملائكة أي تتنزل غيرهم {إِلاَّ بالحق} إلا تنزيلاً ملتبساً بالحكمة {وَمَا كَانُواْ إِذًا مُّنظَرِينَ} إذا جواب لهم وجزاء الشرط مقدر تقديره ولو نزلنا الملائكة ما كانوا مُّنظَرِينَ إذا جواب لهم وجزاء الشرط مقدر تقديره ولو نزلنا الملائكة ما كانوا منظرين إذاً وما أخر عذابهم(2/184)
إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9)
إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9)
{إنا نحن نزلنا الذكر} القرآن {وَإِنَّا لَهُ لحافظون} وهو رد لإنكارهم واستهزائهم في قولهم يا أيها الذي نزله محفوظاً من الشياطين وهو حافظه في كل وقت من الزيادة والنقصان والتحريف والتبديل بخلاف الكتب المتقدمة فإنه لم يتول حفظها وإنما استحفظها الربانيين والأحبار فاختلفوا فيما بينهم بغياً فوقع التحريف ولم يكل القرآن إلى غير حفظه وقد جعل قوله وإنا له لحافظون دليلاً على أنه منزل من عنده آية إذ لو كان من قول البشر أو غير آية لتطرق عليه الزيادة والنقصان كما يتطرق على كل كلام سواه أو الضمير في له لرسول الله صلى الله عليه وسلم كقوله والله يعصمك(2/184)
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي شِيَعِ الْأَوَّلِينَ (10)
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي شِيَعِ الْأَوَّلِينَ (10)
{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِى شِيَعِ الأولين} أي ولقد أرسلنا من قبلك رسلاً في الفرق الأولين والشيعة الفرقة إذا انفقوا على مذهب وطريقة(2/184)
وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (11)
وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (11)
{وما يأتيهم} حكاية حال ما ضية لأن ما لا تدخل على مضارع الا وهو في معنى الحال ولا على ماضٍ إلا وهو قريب من الحال {مِّن رسول إلا كانوا به يستهزؤون} يعزي نبيه عليه السلام(2/185)
كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ (12)
كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ (12)
{كذلك نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ} أي كما سلكنا الكفر أو الاستهزاء في شيع الأولين نسلكه أي الكفر أو الاستهزاء في قلوب المجرمين من أمتك من اختار ذلك يقال سلكت الخيط في الإبرة وأسلكته إذا أدخلته فيها وهو حجة على المعتزلة في الأصلح وخلق الافعال(2/185)
لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ (13)
لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ (13)
{لاَ يُؤْمِنُونَ بِهِ} بالله أو بالذكر وهو حال {وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الأولين} مضت طريقتهم التي سنها الله في إهلاكهم حين كذبوا رسله وهو وعيد لأهل مكة على تكذيبهم(2/185)
وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ (14)
وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ (14)
{وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَاباً مِنَ السمآء}
ولو أظهرنا لهم أوضح آية وهو فتح باب من السماء {فَظَلُّواْ فِيهِ يَعْرُجُونَ} يصعدون(2/185)
لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ (15)
لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ (15)
{لَقَالُواْ إِنَّمَا سُكِّرَتْ أبصارنا} حيرت أو حبست من الابصار من السكر أو من السكر سكِرت مكي أي حبست كما يحبس النهر من الجري والمعنى أن هؤلاء المشركين بلغ من غلوهم في العناد أن لو فتح لهم باب من أبواب السماء ويسر لهم معراج يصعدون فيه إليها ورأوا من العيان ما رأوا لقالوا هو شيء نتخايله لا حقيقة له ولقالوا {بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَّسْحُورُونَ} قد سحرنا محمد بذلك أو الضمير للملائكة أي لواريناهم الملائكة يصعدون في السماء عياناً لقالوا ذلك وذكر الظلول ليجعل عروجهم بالنهار ليكونوا مستوضحين لما يرون وقال إنما ليدل على أنهم يبتون القول بأن ذلك ليس إلا تسكيراً للابصار(2/185)
وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ (16)
وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ (16)
{وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِى السمآء} خلقنا فيها {بُرُوجاً} نجوماً أو قصوراً فيها الحرس أو منازل للنجوم {وزيناها} أي السماء {للناظرين}(2/186)
وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ (17)
وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ (17)
{وحفظناها} أي السماء {مِن كُلِّ شيطان رَّجِيمٍ} ملعون أو مرمي بالنجوم(2/186)
إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِينٌ (18)
إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِينٌ (18)
{إلا من استرق السمع} أي المسموع ومن في محل النصب على الاستثناء {فأتبعه شهاب} بحم ينقض فيعود {مُّبِينٌ} ظاهر للمبصرين قيل كانوا لا يحجبون عن السموات كلها فلما ولد عيسى عليه السلام منعوا من ثلاث سموات فلما ولد محمد صلى الله عليه وسلم منعوا من السموات كلها(2/186)
وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ (19)
وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ (19)
{والأرض مددناها} بسطناها من تحت الكعبة والجمهور على أنه تعالى مدها على وجه الماء {وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رواسي} في الأرض جبالاً ثوابت {وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْزُونٍ} وزن بميزان الحكمة وقدر بمقدار تقتضيه لا تصلح فيه زيادة ولا نقصان أو له وزن وقدر في أبواب المنفعة والنعمة أو ما يوزن كالزعفران والذهب والفضة والنحاس والحديد وغيرها وخص ما يوزن لانتهاء الكيل إلى الوزن(2/186)
وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ (20)
وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ (20)
{وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا} في الأرض {معايش} ما يعاش به من المطاعم جمع معيشة وهي بياء صريحة بخلاف الخبائث ونحوها فإن تصريح الياء فيها خطأ {وَمَن لَّسْتُمْ لَهُ برازقين} من في محل النصب بالعطف على معايش أو على محل لكم كأنه قيل وجعلنا لكم فيها معايش وجعلنا لكم من لستم له برازقين أو جعلنا لكم فيها معايش ولمن لستم له برازقين وأراد بهم العيال والمماليك والخدم الذين يظنون أنهم يرزقونهم ويخطئون فإن الله هو الرزاق يرزقهم وإياهم ويدخل فيه الأنعام والدواب ونحو ذلك(2/186)
ولا يجوز أن يكون محل من جر بالعطف على الضمير المجرور في لكم لأنه لا يعطف
الحجر (21 _ 29)
على الضمير المجرور إلا بإعادة الجار(2/187)
وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ (21)
وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ (21)
{وَإِن مِّن شَىْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ} ذكر الخزائن تمثيل والمعنى وما من شيء ينتفع به العباد إلا ونحن قادرون على إيجاده وتكوينه والإنعام به وما نعطيه إلا بمقدار معلوم فضرب الخزائن مثلاً لاقتداره على كل مقدور(2/187)
وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ (22)
وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ (22)
{وَأَرْسَلْنَا الرياح لَوَاقِحَ} جمع لاقحة أي وأرسلنا الرياح حوامل بالسحاب لأنها تحمل السحاب في جوفها كأنها لاقحة بها من لقحت الناقة حملت وضدها العقيم الريح حمزة {فَأَنزَلْنَا مِنَ السمآء مَآءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ} فجعلناه لكم سقياً {وَمَآ أنتم له بخازنين} نفي عنهممااثته عنه ما اثبته لنفسه في قوله وإن من شيء إلا عندنا خزائنه كأنه قال نحن الخازنون للماء على معنى نحن القادرون على خلقه في السماء وإنزاله منها وما أنتم عليه بقادرين دلالة عظيمة على قدرته وعجزهم(2/187)
وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ (23)
وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ (23)
{وإنا لنحن نحيي ونميت} أي نحي بالإيجاد ونميت بالإفناء أو نميت عند انقضاء الآجال ونحي لجزاء الأعمال على التقديم والتأخير إذ الواو للجمع المطلق {وَنَحْنُ الوارثون} الباقون بعد هلاك الخلق كلهم وقيل للباقي وارث استعارة من وارث الميت لأنه يبقى بعد فنائه(2/187)
وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ (24)
وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ (24)
{ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين} من تقدم ولادة وموتا من تأخر أو من خرج من أصلاب الرجال ومن لم يخرج بعد أو من تقدم في الإسلام أو في الطاعة أو في صف الجماعة أو صف الحرب ومن تأخر(2/187)
وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (25)
وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (25)
{وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ} أي هو وحده يقدر على حشرهم ويحيط بحصرهم {إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ} باهر الحكمة واسع العلم(2/188)
وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (26)
وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (26)
{وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان} أي آدم {مِن صلصال} طين يابس غير مطبوخ {مِّنْ حَمَإٍ} صفة لصلصال أي خلقه من صلصال كأن من حمإ أي طين أسود متغير {مَّسْنُونٍ} مصور وفي الأول كان تراباً فعجن بالماء فصار طيناً فمكث فصار حمأ فخلص فصار سلالة فصوِّر ويبس فصار صلصالاً فلا تناقض(2/188)
وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ (27)
وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ (27)
{والجان} أبا الجان كآدم للناس هو إبليس وهو منصوب بفعل مضمر يفسره {خلقناه مِن قَبْلُ} من قبل آدم {مِن نَّارِ السموم} من نار الحر الشديد النافذ في المسام قيل هذه السموم جزء من سبعين جزأ من سموم النار التي خلق الله منها الجان(2/188)
وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (28)
وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (28)
{وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ} واذكر وقت قوله {للملائكة إِنّى خالق بَشَرًا مِّن صلصال مّنْ حَمَإٍ مسنون}(2/188)
فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (29)
فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (29)
{فإذا سويته} أتممت
الحجر (29 _ 39)
خلقته وهيأتها لنفخ الروح فيها {وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِى} وجعلت فيه الروح وأحييته وليس ثمت نفخ وإنما هو تمثيل والإضافة للتخصيص {فَقَعُواْ لَهُ ساجدين} هو أمر من وقع يقع أي اسقطوا على الأرض يعني اسجدوا له ودخل الفاء لأنه جواب إذا وهو دليل على أنه يجوز تقدم الأمر عن وقت الفعل(2/188)
فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (30)
فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (30)
{فَسَجَدَ الملائكة كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ} فالملائكة جمع عام محتمل للتخصيص فقطع باب التخصيص بقوله كلهم وذكر الكل احتمل تأويل التفرق فقطعه بقوله أجمعون(2/188)
إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (31)
إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (31)
{إِلاَّ إِبْلِيسَ} ظاهر الإستثناء يدل على أنه كان من الملائكة لأن المستثنى يكون من جنس المستثنى منه وعن الحسن أن الاستثناء منقطع ولم يكن هو من الملائكة قلنا غير المأمور لا يصير بالترك ملعوناً وقال في الكشاف كان بينهم مأموراً معهم بالسجود فغلب اسم الملائكة ثم استثنى بعد التغليب كقولك رأيتهم إلا هنداً {أبى أَن يَكُونَ مَعَ الساجدين} امتنع أن يكون معهم وأبى استئناف على تقدير قول قائل يقول هلا سجد فقيل أبى ذلك واستكبر عنه وقيل معناه ولكن ابليس أبى(2/189)
قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (32)
قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (32)
{قال يا إبليس ما لك أَلاَّ تَكُونَ مَعَ الساجدين} حرف الجر مع أن محذوف تقديره مالك في أن لا تكون مع الساجدين أي أي غرض لك في إبائك السجود(2/189)
قَالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (33)
قَالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (33)
{قَالَ لَمْ أَكُن لأَسْجُدَ} اللام لتأكيد النفي أي أي لا يصح مني أن أسجد {لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِن صلصال مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ}(2/189)
قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (34)
قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (34)
{قَالَ فاخرج مِنْهَا} من السماء أو من الجنة أو من جملة الملائكة {فَإِنَّكَ رَجِيمٌ} مطرود من رحمة الله معناه ملعون لأن اللعنة هو الطرد من الرحمة والإبعاد منها(2/189)
وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ (35)
وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ (35)
{وَإِنَّ عَلَيْكَ اللعنة إلى يَوْمِ الدين} ضرب يوم الدين حد اللعنة لأنه أبعد غاية يضربها الناس في كلامهم والمراد به إنك مذموم مدعو عليك باللعنة في السموات والأرض إلى يوم الدين من غير أن تعذب فإذا جاء ذلك اليوم عذبت بما ينسى اللعن معه(2/189)
قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (36)
قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (36)
{قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِى} فأخرني {إلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ}
قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (37)(2/189)
قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (37) إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (38)
إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (38)
{قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ المنظرين إلى يَوْمِ الوقت المعلوم} يوم الدين ويوم يبعثون ويوم الوقت المعلوم في معنى واحد ولكن خولف بين العبارات سلوكاً بالكلام طريقة البلاغة وقيل إنما سأل الإنظار إلى اليوم الذي فيه يبعثون لئلا يموت لأنه لا يموت يوم البعث أحد فلم يجب إلى ذلك وانظر إلى آخر أَيام التكليف(2/190)
قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (39)
قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (39)
{قال رب بما أغويتني} الباء للقسم وما مصدرية وجواب القسم لأزينن لهم ومعنى أقسم باغوائك إياي {لأزينن لهم} المعاصى ونحوه قوله بما أغويتني
الحجر (39 _ 47)
لازينن لهم فبعزتك لاغوينهم في أنه إقسام إلا أن أحدهما إقسام بصفه الذات والثاني بصفة الفعل وقد فرق الفقهاء بينهما فقال العراقيون الحلف بصفة الذات كالقدرة والعظمة والعزة يمين والحلف بصفة الفعل كالرحمة والسخط ليس بيمين والأصح أن الأيمان مبنية على العرف فما تعارف الناس الحلف به يكون يمينا وما لا فلا والآية حجة على المعتزلة في خلق الأفعال وحملهم على التسبيب عدول عن الظاهر {فِى الأرض} في الدنيا التي هي دار الغرور وأراد إني أقدر على الاحتيال لآدم والتزيين له الأكل من الشجرة وهو في السماء فأنا على التزيين لأولاده في الأرض أقدر {وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ}(2/190)
إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (40)
إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (40)
{إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ المخلصين} وبكسر اللام بصري ومكى وشامى استثنى المخلصين لأنه علم أن كيده لا يعمل فيهم ولا يقبلونه منه(2/190)
قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ (41) إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ (42)
قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ (41) إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ (42)
{قَالَ هَذَا صراط عَلَىَّ مُسْتَقِيمٌ إِنَّ عِبَادِى لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سلطان إِلاَّ مَنِ اتبعك مِنَ الغاوين} أي هذا طريق حق عليَّ أن أراعيه وهو أن لا يكون لك سلطان على عبادي إلا من اختار اتباعك منهم لغوايته وقيل معنى على إلي على يعقوب من علو الشرف والفضل(2/190)
وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ (43)
وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ (43)
{وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ} الضمير للغاوين(2/190)
لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ (44)
لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ (44)
{لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِّنْهُمْ} من أتباع إبليس {جُزْءٌ مَّقْسُومٌ} نصيب معلوم مفرز قيل أبواب النار أطباقها وأدراكها فأعلاها للموحدين يعذبون بقدر ذنوبهم ثم يخرجون والثاني لليهود والثالث للنصارى والرابع للصابئين والخامس للمجوس والسادس للمشركين والسابع للمنافقين(2/191)
إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (45)
إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (45)
{إِنَّ المتقين فِى جنات وَعُيُونٍ} وبضم العين مدني وبصري وحفص المتقي على الإطلاق من يتقي ما يجب اتقاؤه مما نهى عنه وقال في الشرح ان دخل أهل الكتاب في قوله لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِّنْهُمْ جُزْء مقسوم فالمراد بالمتقين الذين اتقوا الكبائر وإلا فالمراد به الذين اتقوا الشرك(2/191)
ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ (46)
ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ (46)
{ادخلوها} أي يقال لهم ادخلوها {بِسَلامٍ} حال أي سالمين أو مسلماً عليكم تسلم عليكم الملائكة {آمنين} من الخروج منها والآفات فيها وهو حال أخرى(2/191)
وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ (47)
وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ (47)
{وَنَزَعْنَا مَا فِى صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ} وهو الحقد الكامن في القلب أي إن كان لأحدهم غل في الدنيا على آخر نزع الله ذلك في الجنة من قلوبهم وطيب نفوسهم وعن علي رضي الله عنه أرجو أن أكون أنا وعثمان وطلحة والزبير منهم وقيل معناه طهر الله قلوبهم من أن يتحاسدوا على الدرجات في الجنة ونزع منها كل غل وألقى فيها التوادد والتحابب {إِخْوَانًا} حال {على سُرُرٍ متقابلين} كذلك قيل تدور بهم الأسرة حيثما داروا فيكونون في جميع أحوالهم متقابلين يرى
الحجر (48 _ 56)
بعضهم بعضا(2/191)
لَا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ (48)
لَا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ (48)
{لاَ يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ} في الجنة تعب {وَمَا هُمْ مِّنْهَا بِمُخْرَجِينَ} فتمام النعمة بالخلود ولما أتم ذكر الوعد والوعيد أتبعه(2/192)
نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49) وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ (50)
نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49) وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ (50)
{نبئ عِبَادِى أَنِّي أَنَا الغفور الرحيم وَأَنَّ عَذَابِي هو العذاب الأليم} تقرير لما ذكر وتمكيناً له في النفوس قال عليه السلام لو يعلم العبد قدر عفو الله لما تورع عن حرام لا يعلم قدر عذابه لبخع نفسه في العبادة ولما أقدم على ذنب(2/192)
وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ (51)
وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ (51)
وعطف {ونبئهم} وأخبر أمتك على نبىء عبادي ليتخذوا ما أحل من العذاب بقوم لوط عبرة يعتبرون بها سخط الله وانتقامه من المجرمين ويتحققوا عنده أن عذابه هو العذاب الأليم {عَن ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ} أي أضيافه وهو جبريل عليه السلام مع أحد عشر ملكاً والضيف يجىء واحداً وجمعاً لأنه مصدر ضافه(2/192)
إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ (52)
إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ (52)
{إِذْ دَخَلُواْ عَلَيْهِ فَقَالُواْ سَلامًا} أي نسلم عليك سلاماً أو سلمنا سلاماً {قَالَ} أي إبراهيم {إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ} خائفون لامتناعهم من الأكل أو لدخولهم بغير إذن وبغير وقت(2/192)
قَالُوا لَا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ (53)
قَالُوا لَا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ (53)
{قَالُواْ لاَ تَوْجَلْ} لا تخف {إِنَّا نُبَشِّرُكَ} استئناف في معنى التعليل للنهي عن الوجل أي إنك مبشر آمن فلا توجل وبالتخفيف وفتح النون حمزة {بغلام عَلِيمٍ} هو إسحاق لقوله في سورة هود فبشرناها بإسحاق(2/192)
قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ (54)
قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ (54)
{قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِى على أَن مَّسَّنِىَ الكبر} أي أبشرتموني مع مس الكبر بأن يولد لي أي إن الولادة أمر مستنكر عادة مع الكبر {فَبِمَ تُبَشِّرُونَ} هي ما(2/192)
الاستفهامية دخلها معنى التعجب كأنه قيل فبأي أعجوبة تبشرون وبكسر النون والتشديد مكي والأصل تبشرونني فأدغم نون الجمع في نون العماد ثم حذفت الياء وبقيت الكسرة دليلاً عليها تبشرون بالتخفيف نافع والأصل تبشرونني فحذفت الياء اجتزاء بالكسرة وحذف نون الجمع(2/193)
قَالُوا بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْقَانِطِينَ (55)
قَالُوا بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْقَانِطِينَ (55)
{قَالُواْ بشرناك بالحق} باليقين الذي لا لبس فيه {فَلاَ تَكُن مّنَ القانطين} من الآيسين من ذلك(2/193)
قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ (56)
قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ (56)
{قال} إبراهيم {وَمَن يَقْنَطُ} وبكسر النون بصري وعلي {مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضآلون} إلا المخطئون طريق الصواب أو إلا الكافرون كقوله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون أي لم أستنكر ذلك قنوطاً من رحمته
الحجر (57 _ 65)
ولكن استبعاداً له في العادة التي أجراها(2/193)
قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ (57)
قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ (57)
{قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ} فما شأنكم {أَيُّهَا المرسلون}(2/193)
قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ (58)
قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ (58)
{قَالُواْ إِنَّآ أُرْسِلْنَآ إلى قَوْمٍ مُّجْرِمِينَ} أي قوم لوط(2/193)
إِلَّا آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ (59)
إِلَّا آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ (59)
{إلا آل لُوطٍ} يريد أهله المؤمنين والاستثناء منقطع لأن القوم موصفون بالإجرام والمستثني ليس كذلك أو متصل فيكون استثناء من الضمير في مجرمين كأنه قيل إلى قوم قد أجرموا كلهم إلا آل لوط وحدهم والمعنى يختلف باختلاف الاستثناءين لأن آل لوط مخرجون في المنقطع من حكم الإرسال يعنى أنهم ارسلوا إلى القوم المجرمين خاصة ولم يرسلوا إلى آل لوط أصلاً ومعنى ارسالهم إلى القوم المجرمين كإرسال السهم إلى المرمى في أنه في معنى التغذيب والإهلاك كأنه قيل إنا أهلكنا قوماً مجرمين ولكن آل لوط أنجيناهم وأما في المتصل فهم داخلون في حكم الإرسال يعني أن الملائكة أرسلوا إليهم جميعاً ليهلكوا هؤلاء وينجوا هؤلاء وإذا انقطع الاستثناء جرى {إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ} مجرى خبر لكن في(2/193)
الاتصال بآل لوط لأن المعنى لكن آل لوط منجون وإذا اتصل كان كلاماً مستأنفاً كأن إبراهيم عليه السلام قال لهم فما حال آل لوط فقالوا إنا لمنجوهم(2/194)
إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَا إِنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ (60)
إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَا إِنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ (60)
{إِلاَّ امرأته} مستثنى من الضمير المجرور في لمنجوهم وليس باستثناء من الاستثناء لأن الاستثناء من الاستثناء إنما يكون فيما اتحد الحكم فيه بأن يقول أهلكناهم إلا آل لوط إلا امرأته وهنا قد اختلف الحكمان لأن آل لوط متعلق بارسلنا أو بمجرمين وإلا امراته متعلق بمنجوهم فكيف يكون استثناء من استثناء لمنجوهم بالتخفيف حمزة وعلي {قَدَّرْنَآ} وبالتخفيف أبو بكر {إِنَّهَا لَمِنَ الغابرين} الباقين في العذاب قيل لو لم تكن اللام قى خبرها لوجب فتح إن لأنه مع اسمه وخبر مفعول قدرنا ولكنه كقوله وَلَقَدْ عَلِمَتِ الجنة أنهم لمحضرون وإنما أسند الملائكة فعل التقدير إلى أنفسهم ولم يقولوا قدر الله لقربهم كما يقول خاصة الملك أمرنا بكذا والآمر هو الملك(2/194)
فَلَمَّا جَاءَ آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ (61) قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (62)
فَلَمَّا جَاءَ آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ (61) قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (62)
{فلما جاء آل لُوطٍ المرسلون قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ} أي لا أعرفكم أي ليس عليكم زي السفر ولا أنتم من أهل الحضر فأخاف أن تطرقونى بشر(2/194)
قَالُوا بَلْ جِئْنَاكَ بِمَا كَانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ (63)
قَالُوا بَلْ جِئْنَاكَ بِمَا كَانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ (63)
{قَالُواْ بَلْ جئناك بِمَا كَانُواْ فِيهِ يَمْتَرُونَ} أي ما جئناك بما تنكرنا لأجله بل جئناك بما فيه سرورك وتشفيك من أعدائك وهو العذاب الذي كنت تتوعدهم بنزوله فيمترون فيه أي يشكون ويكذبونك(2/194)
وَأَتَيْنَاكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (64)
وَأَتَيْنَاكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (64)
{وأتيناك بالحق} باليقين من عذابهم {وِإِنَّا لصادقون} في الإخبار بنزوله بهم(2/194)
فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَاتَّبِعْ أَدْبَارَهُمْ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ (65)
فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَاتَّبِعْ أَدْبَارَهُمْ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ (65)
{فأسر بأهلك بقطع من الليل} في آخر الليل أو بعد
الحجر (65 _ 73)
ما يمضي شيء(2/194)
صالح من الليل {واتبع أدبارهم} وسر خلفهم لتكون مطلعاً عليهم وعلى أحوالهم {وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ} لئلا يروا ما ينزل بقومهم من العذاب فيرقوا لهم أو جعل النهي عن الالتفات كناية عن مواصلة السير وترك التواني والتوقف لأن من يلتفت لا بد له في ذلك من أدنى وقفة {وامضوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ} حيث أمركم الله بالمضي إليه وهو الشام أو مصر(2/195)
وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلَاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ (66)
وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلَاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ (66)
{وقضينا إليه ذلك الأمر} عدى قضينا بالى لأنه ضمن معنى أوحينا كأنه قيل وأوحينا إليه مقضياً مبتوتاً وفسر ذلك الأمر بقوله {أَنَّ دَابِرَ هَؤُلآْءِ مَقْطُوعٌ} وفي إبهامه وتفسيره تفخيم للأمر ودابرهم آخرهم أي يستأصلون عن آخرهم حتى لا يبقى منهم أحد {مُّصْبِحِينَ} وقت دخولهم في الصبح وهو حال من هؤلاء(2/195)
وَجَاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ (67)
وَجَاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ (67)
{وَجَآءَ أَهْلُ المدينة} سدوم التي ضرب بقاضيها المثل في الجور {يَسْتَبْشِرُونَ} بالملائكة طمعاً منهم في ركوب الفاحشة(2/195)
قَالَ إِنَّ هَؤُلَاءِ ضَيْفِي فَلَا تَفْضَحُونِ (68)
قَالَ إِنَّ هَؤُلَاءِ ضَيْفِي فَلَا تَفْضَحُونِ (68)
{قَالَ} لوط {إِنَّ هَؤُلآءِ ضَيْفِى فَلاَ تَفْضَحُونِ} بفضيحة ضيفي لأن من أساء إلى ضيفي فقد أساء إليّ(2/195)
وَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ (69)
وَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ (69)
{واتقوا الله ولا تخزون} أي ولا تذلون بإذلال ضيفي من الخزي وهو الهوان وبالياء فيها يعقوب(2/195)
قَالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ (70)
قَالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ (70)
{قالوا أو لم ننهك عن العالمين} عن أن نجير منهم أحد أو تدفع عنهم فإنهم كانوا يتعرضون لكل أحد وكان عليه السلام يقوم بالنهي عن المنكر والحجز بينهم وبين المتعرض له فأوعدوه وقالوا لئن لم تنته يا لوط لتكونن من المجرمين أو عن ضيافة الغرباء(2/195)
قَالَ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ (71)
قَالَ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ (71)
{قال هؤلاء بَنَاتِى} فانكحوهن وكان نكاح المؤمنات من الكفار جائزاً ولا تتعرضوا لهم {إِن كُنتُمْ فاعلين} إن كنتم تريدون قضاء الشهوة فيما أحل الله دون ما حرم فقالت الملائكة للوط عليه السلام(2/196)
لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ (72)
لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ (72)
{لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِى سَكْرَتِهِمْ} أي في غوايتهم التي أذهبت عقولهم وتمييزهم بين الخطإ الذي هم عليه وبين الصواب الذي تشير به عليهم من ترك البنين إلى البنات {يَعْمَهُونَ} يتحيرون فكيف يقبلون قولك ويصغون إلى نصيحتك أو الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قسم بحياته وما أقسم بحياة أحد قط تعظيماً له والعُمر والعَمر واحد وهو البقاء إلا أنهم خصوا القسم بالمفتوح إيثاراً للأخف لكثرة دور الحلف على ألسنتهم ولذا حذفوا الخبر وتقديره لعمرك قسمي(2/196)
فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ (73)
فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ (73)
{فَأَخَذَتْهُمُ الصيحة} صيحة جبريل عليه السلام {مُشْرِقِينَ} داخلين في الشروق وهو
الحجر (74 _ 85)
بزوغ الشمس(2/196)
فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ (74)
فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ (74)
{فَجَعَلْنَا عاليها سَافِلَهَا} رفعها جبريل عليه السلام إلى السماء ثم قلبها والضمير لقرى قوم لوط {وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مّن سِجِّيلٍ}(2/196)
إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ (75)
إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ (75)
{إِنَّ فِى ذَلِكَ لآيات لِلْمُتَوَسِّمِينَ} للمتفرسين المتأملين كأنهم يعرفون باطن الشيء بسمة ظاهرة(2/196)
وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ (76)
وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ (76)
{وَإِنَّهَا} وإن هذه القرى يعني آثارها {لَبِسَبِيلٍ مقيم} ثابت يسلكه الناس لم يندرس بعدوهم يبصرون تلك الآثار وهو تنبيه لقريش كقوله وانكم لتمرون عليهم مصبحين وبالليل(2/196)
إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ (77)
إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ (77)
{إِنَّ فِى ذَلِكَ لآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ} لأنهم المنتفعون بذلك(2/196)
وَإِنْ كَانَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ لَظَالِمِينَ (78)
وَإِنْ كَانَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ لَظَالِمِينَ (78)
{وَإِن كَانَ أصحاب الأيكة} وإن الأمر والشأن كان أصحاب الأيكة أي الغيضة {لظالمين} لكافرين وهم قوم شعيب عليه السلام(2/196)
فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُبِينٍ (79)
فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُبِينٍ (79)
{فانتقمنا مِنْهُمْ} فأهلكناهم لما كذبوا شعيباً {وَإِنَّهُمَا} يعني قرى قوم لوط والأيكة {لَبِإِمَامٍ مُّبِينٍ} لبطريق واضح والإمام اسم ما يؤتم به فسمى به الطريق ومِطمر البناء لأنهما مما يؤتم به(2/197)
وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ (80)
وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ (80)
{وَلَقَدْ كَذَّبَ أصحاب الحجر المرسلين} هم ثمود والحجر واديهم وهو بين المدينة والشام المرسلين يعني بتكذيبهم صالحاً لأن كل رسول كان يدعو إلى الإيمان بالرسل جميعاً فمن كذب واحداً منهم فكأنما كذبهم جميعاً أو أراد صالحاً ومن معه من المؤمنين كما قيل الخبيبيون في ابن الزبير واصحابه(2/197)
وَآتَيْنَاهُمْ آيَاتِنَا فَكَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ (81)
وَآتَيْنَاهُمْ آيَاتِنَا فَكَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ (81)
{وآتيناهم آياتنا فَكَانُواْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ} أي أعرضوا عنها ولم يؤمنوا بها(2/197)
وَكَانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا آمِنِينَ (82)
وَكَانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا آمِنِينَ (82)
{وَكَانُواْ يَنْحِتُونَ مِنَ الجبال بُيُوتًا} أي ينقبون في الجبال بيوتاً أو يبنون من الحجارة {آمنين} لوثاقة البيوت واستحكامها من أن تنهدم ومن نقب اللصوص والأعداء أو آمنين من عذاب الله يحسبون أن الجبال تحميهم منه(2/197)
فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ (83)
فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ (83)
{فَأَخَذَتْهُمُ الصيحة} العذاب {مُّصْبِحِينَ} في اليوم الرابع وقت الصبح(2/197)
فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (84)
فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (84)
{فَمَآ أغنى عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} من بناء البيوت الوثيقة واقتناء الأموال النفيسة(2/197)
وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ (85)
وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ (85)
{وَمَا خَلَقْنَا السماوات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَآ إِلاَّ بالحق} إلا خلقاً ملتبساً بالحق لا باطلاً وعبثا أو بسبب العدل والإنصاف يوم الجزاء على الأعمال {وَإِنَّ الساعة} أي القيامة لتوقعها كل ساعة {لآتِيَةٌ} وإن الله ينتقم لك فيها من أعدائك ويجازيك وإياهم على حسناتك وسيآتهم فإنه ما خلق السموات والأرض وما بينهما
الحجر (85 _ 91)
إلا لذلك {فاصفح الصفح الجميل} فأعرض عنهم إعراضاً(2/197)
جميلاً بحلم وإغضاء قيل هو منسوخ بآية السيف وإن أريد به المخالفة فلا يكون منسوخا(2/198)
إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ (86)
إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ (86)
{إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الخلاق} الذي خلقك وخلقهم {العليم} بحالك وحالهم فلا يخفي عليه ما يجرى بينكم وهو يحكم بينكم(2/198)
وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ (87)
وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ (87)
{ولقد آتيناك سَبْعًا} أي سبع آيات وهي الفاتحة أو سبع سور وهي الطوال واختلف في السابعة فقيل الأنفال وبراءة لأنهما في حكم سورة بدليل عدم التسمية بينهما وقيل سورة يونس أو أسباع القرآن {مِّنَ المثاني} هي من التثنية وهي التكرير لأن الفاتحة مما يتكرر في الصلاة أو من الثناء لاشتمالها على ما هو ثناء على الله الواحدة مثناة أو مثنية صفة لآية وأما السور الأسباع فلما وقع فيها من تكرير القصص والمواعظ والوعد والوعيد ولما فيها من الثناء كأنها تثني على الله وإذا جعلت السبع مثاني فمن للتبيين وإذا جعلت القرآن مثاني فمن للتبعيض {والقرآن العظيم} هذا ليس بعطف الشيء على نفسه لأنه إذا أريد بالسبع الفاتحة أو الطوال فما وراءهن ينطلق عليه اسم القرآن لأنه اسم يقع على البعض كما يقع على الكل دليله قوله بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هذا القرآن يعني سورة يوسف وإذا أريد به الأَسباع فالمعنى ولقد آتيناك ما يقال له السبع المثاني والقرآن العظيم أي الجامع لهذين النعتين وهو التثنية أو الثناء والعظم(2/198)
لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ (88)
لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ (88)
ثم قال لرسوله {لاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ} أي لا تطمح ببصرك طموح راغب 2 فيه متمن له {إلى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ} أصنافاً من الكفار كاليهود والنصارى والمجوس يعني قد أوتيت النعمة العظمى التي كل نعمة وإن عظمت فهي إليها حقيرة وهي القرآن العظيم فعليك أن تستغني به ولا تمدن عينيك إلى متاع الدنيا وفي الحديث ليس منا من لم يتغن بالقرآن وحديث أبي بكر(2/198)
من أوتي القرآن فرأى أن أحداً أوتي من الدنيا أفضل مما أوتي فقد صغّر عظيماً وعظم صغيراً {وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ} أي لا تتمن أموالهم ولا تحزن عليهم أنهم لم يؤمنوا فيتقوى بمكانهم الإسلام والمسلمون {واخفض جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ} وتواضع لمن معك من فقراء المؤمنين وطب نفساً عن إيمان الأغنياء(2/199)
وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ (89)
وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ (89)
{وَقُلْ} لهم {إِنِّى أَنَا النذير المبين} أنذركم ببيان وبرهان أن عذاب الله نازل بكم(2/199)
كَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ (90)
كَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ (90)
{كَمَآ أَنْزَلْنَا} متعلق بقوله ولقد آتيناك أي أنزلنا عليك مثل ما أنزلنا {عَلَى المقتسمين} وهم أهل الكتاب(2/199)
الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ (91)
الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ (91)
{الذين جعلوا القرآن عِضِينَ} أجزاء جمع عضة وأصلها عضوة فعلة من عضى الشاة إذا جعلها أعضاء حيث قالوا بعنادهم بعضه حق موافق للتوارة والإنجيل وبعضه باطل مخالف لهما فاقتسموه إلى حق وباطل وعضوه وقيل كانوا يستهزءون به فيقول بعضهم سورة البقرة لي ويقول
الحجر (91 _ 99)
الآخر سورة آل عمران لي أو أريد بالقرآن ما يقرءونه من كتبهم وقد اقتسموه فاليهود أقرت ببعض التوارة وكذبت ببعض والنصارى أقرت ببعض الإنجيل وكذبت ببعض ويجوز أن يكون الذين جعلوا القرآن عضين منصوبا بالنذير أي أنذر المعضين الذين يجزءون القرآن إلى سحر وشعر وأساطير مثل ما أنزلنا على المقتسمين وهم الاثنا عشر الذين اقتسموا مداخل مكة أيام الموسم فقعدوا في كل مدخل متفرقين لينفروا الناس عن الإيمان برسول الله صلى الله عليه وسلم يقول بعضهم لا تغتروا بالخارج منا فإنه ساحر ويقول الآخر كذاب والآخر شاعر فأهلكهم الله ولا تمدن عينيك على الوجه الآول اعترض بينهما لأنه لما كان ذلك تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم عن تكذيبهم وعداوتهم اعترض بما هو مدار لمعنى التسلية من النهي عن الإلتفات(2/199)
إلى دنياهم والتأسف على كفرهم ومن الأمر بأن يقبل بكليته عن المؤمنين(2/200)
فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (93)
فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (93)
{فوربك لنسألنهم أَجْمَعِينَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} أقسم بذاته وربوبيته ليسألن يوم القيامة واحداً واحداً من هؤلاء المقتسمين عما قالوه في رسول الله صلى الله عليه وسلم أو في القرآن أو في كتب الله(2/200)
فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (94)
فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (94)
{فاصدع بِمَا تُؤْمَرُ} فاجهر به وأظهره يقال صدع بالحجة إذا تكلم بها جهاراً من الصديع وهو الفجر أو فاصدع فافرق بين الحق والباطل من الصدع في الزجاجة وهو الإبانة بما تؤمر والمعنى بما تؤمر به من الشرائع فحذف الجار كقوله ... أمرتك الخير فافعل ما أمرت به ...
{وَأَعْرِضْ عَنِ المشركين} هو أمر استهانة بهم(2/200)
إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ (95)
إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ (95)
{إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمسْتَهْزِئينَ} الجمهور على أنها نزلت في خمسة نفر كانوا يبالغون في إيذاء رسول الله صلى الله عليه وسلم والاستهزاء به فأهلكهم الله وهم الوليد بن المغيرة مر بنبّال فتعلق بثوبه سهم فأصاب عرقاً في عقبه فقطعه فمات والعاص بن وائل دخل في أخمصه شوكة فانتفخت رجله فمات الأسود بن عبد المطلب عمى والأسود بن عبد يغوث جعل ينطح رأسه بالشجرة ويضرب وجهه بالشوك حتى مات والحرث بن قيس امتخط قيحاً ومات(2/200)
الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (96)
الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (96)
{الذين يجعلون مع الله إلها آخر فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} عاقبة أمرهم يوم القيامة(2/200)
وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ (97)
وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ (97)
{وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ} فيك أو في القرآن في الله(2/201)
فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (98)
فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (98)
{فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِّنَ الساجدين} فافزع فيما نابك إلى الله والفزع إلى الله هو الذكر الدائم وكثرة السجود يكفك ويكشف عنك الغم(2/201)
وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ (99)
وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ (99)
{واعبد رَبَّكَ} ودم على عبادة ربك {حتى يَأْتِيَكَ اليقين} أي الموت يعني ما دمت حيا فاشتغل بالعبادة وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حز به أمر فزع إلى الصلاة(2/201)
سورة النحل مكية وهي مائة وثمان وعشرون آية
بسم الله الرحمن الرحيم
النحل (1 _ 5)(2/202)
أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (1)
أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (1)
كانوا يستعجلون ما وعدوا من قيام الساعة ونزول العذاب بهم يوم بدر استهزاء وتكذيباً بالوعد فقيل لهم {أتى أَمْرُ الله} أي هو بمنزلة الآتى الواقع وان كان منتظر القرب وقوعه {فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ سبحانه وتعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ} تبرأ جل وعز عن أن يكون له شريك وعن إشراكهم فما موصولة أو مصدرية واتصال هذا باستعجالهم من حيث إن استعجالهم استهزاء وتكذيب وذلك من الشرك(2/202)
يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ (2)
يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ (2)
{ينزل الملائكة} وبالتحفيف مكي وأبو عمرو {بالروح} بالوحي أو بالقرآن لأن كلاً منهما يقوم في الدين مقام الروح في الجسد أو يحيي القلوب الميتة بالجهل {مِنْ أَمْرِهِ على مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُواْ} أن مفسرة لأن تنزيل الملائكة بالوحي فيه معنى القول ومعنى أنذروا {أَنَّهُ لآ إله إِلا أَنَاْ فاتقون} أعلموا بأن الأمر ذلك من نذرت بكذا إذا علمته والمعنى أعلموا الناس قولي لا إله إلَّا أنا فاتقون فخافون وبالياء يعقوب
خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (3)(2/202)
ثم(2/203)
خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (3)
دل على وحدانيته وأنه لا إله إلا هو بما ذكر مما لا يقدر عليه غيره من خلق السموات والأرض وهو قوله {خَلَقَ السماوات والأرض بالحق تعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ} وبالتاء في الموضعين حمزة وعلى(2/203)
خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (4)
خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (4)
وخلق الإنسان وما يكون منه وهو قوله {خَلَقَ الإنسان مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مبين} أي فاذا هو منطبق مجادل عن نفسه مكافح لخصومه مبين لحجته بعد ما كان نطفة لاحس به ولا حركة أو فإذا هو خصيم لربه منكر على خالقه قائل من يحيى العظام وهي رميم وهو وصف للإنسان بالوقاحة والتمادي في كفران النعمة(2/203)
وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (5)
وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (5)
وخلق ما لا بد له منه من خلق البهائم لأكله وركوبه وحمل أثقاله وسائر حاجاته وهو قوله {والأنعام خَلَقَهَا لكم} هي الأزواج الثمانية وأكثر ما يقع على الإبل وانتصابها بمضمر يفسره الظاهر كقوله والقمر قدرناه منازل أو بالعطف على الإنسان أي خلق الإنسان والأنعام ثم قال خلقها لكم أي ما خلقها إلا لكم يا جنس الإنسان
النحل (5 _ 9)
{فِيهَا دِفْءٌ} هو اسم ما يدفأ به من لباس معمول من صوف أو وبر أو شعر {ومنافع} وهي نسلها ودرها {وَمِنْهَا تأكلون} قدم الظرف وهو يؤذن بالاختصاص وقد يؤكل من غيرها لأن الأكل منها هو الأصل الذي يعتمده الناس في معايشهم وأما الأكل من غيرها كالدجاج والبط وصيد البر والبحر فكغير المعتد به وكالجاري مجرى التفكه(2/203)
وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ (6)
وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ (6)
{وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ} تردونها من مراعيها إلى مراحها بالعشي {وَحِينَ تَسْرَحُونَ} ترسلونها بالغداة إلى مسارحها من الله تعالى بالتجميل بها كما(2/203)
من بالانتفاع بها لأَنه من أغراض أصحاب المواشي لأَن الرعيان إذا روحوها بالعشي وسرحوها بالغداة تزينت باراحتها وتسريحها الافنية وفرحت أربابها وأكسبتهم الجاه والحرمة عند الناس وإنما قدمت الإراحة على التسريح لأَن الجمال في الإِراحة أظهر إذا أقبلت ملأى البطون حافلة الضروع(2/204)
وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (7)
وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (7)
{وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ} أحمالكم {إلى بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُواْ بالغيه إِلاَّ بِشِقِّ الأنفس} وبفتح الشين أبو جعفر وهما لغتان في معنى المشقة وقيل المفتوح مصدر شق الأمر عليه شقا وحقيقته راجعة إلى الشق الذي هو الصدع وأما الشق فالنصف كأنه يذهب نصف قوته لما ينال من الجهد والمعنى وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه لو لم تخلق الإبل إلا بجهد ومشقة فضلاً أن تحملوا أثقالكم على ظهورهم أو معناه لم تكونوا بالغيه بها إلا بشق الأنفس وقيل أثقالكم أبدانكم ومنه الثقلان للجن والانس ومنه وأخرجت الأرض اثقالها أي بني آدم {إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} حيث رحمكم بخلق هذه الحوامل وتيسير هذه المصالح(2/204)
وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (8)
وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (8)
{والخيل والبغال والحمير لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً} عطف على الأنعام أي وخلق هذه للركوب والزينة وقد احتج أبو حنيفة رحمه الله على حرمة أكل لحم الخيل لأنه علل خلقها للركوب والزينة ولم يذكر الأكل بعد ما ذكره في الأنعام ومنفعة الأكل أقوى والآية سيقت لبيان النعمة ولا يليق بالحكيم أن يذكر في مواضع المنة أدنى النعمتين ويترك أعلاهما وانتصاب زينة على المفعول له عطفاً على محل لتركبوها وخلق ما لا تعلمون من أصناف خلائقه وهو قوله {وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} ومنْ هذا وصفه يتعالى عن أن يشرك به غيره(2/204)
وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ (9)
وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ (9)
{وَعَلَى الله قَصْدُ السبيل} المراد به الجنس ولذا قال {وَمِنْهَا جَائِرٌ} والقصد مصدر بمعنى الفاعل وهو القاصد يقال سبيل قصد وقاصد(2/204)
أي مستقيم كأنه يقصد الوجه الذي يؤمه السالك لا يعدل عنه ومعناه أن هداية الطريق الموصل إلى الحق عليه كقوله إِنَّ علينا للهدى
النحل (9 _ 14)
وليس ذلك للوجوب إذ لا يجب على الله شيء ولكن يفعل ذلك تفضيلا وقيل معناه وإلى الله وقال الزجاج معناه وعلى الله تبيين الطريق الواضح المستقيم والدعاء إليه بالحجج ومنها جائر أي من السبيل مائل عن الاستقامة {وَلَوْ شَآءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ} أراد هداية اللطف بالتوفيق والانعام به الهدى العام(2/205)
هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ (10)
هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ (10)
{هُوَ الذي أَنْزَلَ مِنَ السماء مَآءً لَّكُم منه شراب} لكم متعلق بإنزال أو خبر لشراب وهو ما يشرب {وَمِنْهُ شَجَرٌ} يعني الشجر الذي ترعاه المواشي {فِيهِ تُسِيمُونَ} من سامت الماشية إذا رعت فهي سائمة وأسامها صاحبها وهو من السومة وهي العلامة لأنها تؤثر بالمرعى علامات في الأرض(2/205)
يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (11)
يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (11)
{يُنبِتُ لَكُمْ بِهِ الزرع والزيتون والنخيل والاعناب وَمِن كُلِّ الثمرات} ولم يقل كل الثمرات لأن كلها لا تكون إلا في الجنة وإنما أنبت في الأرض من كلها للتذكرة {إِنَّ فِى ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} فيستدلون بها عليه وعلى قدرته وحكمته والآية الدلالة الواضحة(2/205)
وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (12)
وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (12)
{وسخر لكم الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم مسخرات بِأَمْرِهِ} بنصب الكل عليّ وجعل النجوم مسخرات والنجوم مسخرات(2/205)
فقط حفص والشمسُ والقمرُ والنجومُ مسخرات شامي على الابتداء والخبر {إِنَّ فِى ذلك لآيات لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} جمع الآية وذكر العقل لأن الآثار العلوية أظهر دلالة على القدرة الباهرة وأبين شهادة للكبرياء والعظمة(2/206)
وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (13)
وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (13)
{وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِى الأرض} معطوف على الليل والنهار أي ما خلق فيها من حيوان وشجر وثمر وغير ذلك {مُخْتَلِفًا} حال {أَلْوَانُهُ إِنَّ فِى ذَلِكَ لآيَةً لّقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ} يتعظون(2/206)
وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (14)
وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (14)
{وَهُوَ الذى سَخَّرَ البحر لِتَأْكُلُواْ مِنْهُ لَحْمًا طَرِيّاً} هو السمك ووصفه بالطراوة لأن الفساد يسرع إليه فيؤكل سريعاً طرياً خيفة الفساد وإنما لا يحنث بأكله إذا حلف لا يأكل لحماً لأن مبني الإيمان على العرف ومن قال لغلامه اشتر بهذه الدراهم لحماً فجاء بالسمك كان حقيقاً بالإنكار {وَتَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ حلية} هي اللؤلؤة والمرجان {تَلْبَسُونَهَا} المراد بلبسهم لبس نسائهم ولكنهن إنما يتزين بها من أجلهم فكأنها زينتهم ولباسهم {وَتَرَى الفلك مَوَاخِرَ}
جوارى تجرى جريا وتشق الماء والمخر شق الماء بحيزومها {فِيهِ} في البحر {وَلِتَبْتَغوُا مِن فَضْلِهِ} هو عطف على محذوف أي لتعتبروا ولتبتغوا وابتغاء الفضل التجارة {وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} الله على ما أنعم عليكم به(2/206)
وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (15)
وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (15)
{وألقى فِى الأرض رَوَاسِيَ} جبالاً ثوابت {أَن تميد بكم} كراهية أن تميل بكم أو تضطرب أو لئلا تميد بكم لكن حذف المضاف أكثر قيل خلق الله الأرض فجعلت تميد فقالت الملائكة ما هي بمقر أحد على ظهرها(2/206)
فأصبحت وقد أرسيت بالجبال لم تدر الملائكة مم خلقت {وأنهارا} وجعل فيها أنهاراً لأن ألقى فيه معنى جعل {وَسُبُلاً} طرقاً {لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} إلى مقاصدكم أو إلى توحيد ربكم(2/207)
وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ (16)
وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ (16)
{وعلامات} هي معالم الطرق وكل ما يستدل به السابلة من جبل وغير ذلك {وبالنجم هُمْ يَهْتَدُونَ} المراد بالنجم الجنس أو هو التريا والفرقدان وبنات نعش والجدى فإن قلت وبالنجم هم يهتدون مخرج عن سنن الخطاب مقدم فيه النجم مقحم فيه هم كأنه قيل وبالنجم خصوصاً هؤلاء خصوصاً يهتدون فمن المراد بهم قلت كأنه أراد قريشاً فلهم اهتداء بالنجوم في مسايرهم ولهم بذلك علم لم يكن مثله لغيرهم فكان الشكر أوجب عليهم والاعتبار ألزم لهم فخصصوا(2/207)
أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (17)
أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (17)
{أَفَمَن يَخْلُقُ} أي الله تعالى {كَمَن لاَّ يخلق} أي الأصنام وجىء بمن الذي هو لأولي العلم لزعمهم حيث سموها آلهة وعبدوها فأجروها مجرى أولي العلم أو لأن المعنى أن من يخلق ليس كمن لا يخلق من أولي العلم فكيف بما لا علم عنده وإنما لم يقل أفمن لا يخلق كمن يخلق مع اقتضاء المقام بظاهره إياه لكونه إلزاماً للذين عبدوا الأوثان وسموها آلهة تشبيهاً بالله لأنهم حين جعلوا غير الله مثل الله في تسميته باسمه والعبادة له فقد جعلوا الله من جنس المخلوقات وشبيهاً بها فأنكر عليهم ذلك بقوله أفمن يخلق كمن لا يخلق وهو حجة على المعتزلة في خلق الأفعال {أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ} فتعرفون فساد ما أنتم عليه(2/207)
وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (18)
وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (18)
{وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها} لاتضبطوا عددها ولا تبلغه طاقتكم فضلاً أن تطيقوا القيام بحقها من أداء الشكر وإنما اتبع ذلك ما عدد من نعمه تنبيهاً على أن ما وراءها لا ينحصر ولا يعد {إِنَّ الله لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ} يتجاوز عن تقصيركم في أداء شكر النعمة ولا يقطعها عنكم لتفريطكم(2/207)
وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ (19)
وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ (19)
{والله يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ} من أقوالكم وأفعالكم وهو وعيد(2/208)
وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ (20)
وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ (20)
{والذين يدعون} والآلهة الذين
النحل (20 _ 26)
يدعوهم الكفار {مِن دُونِ الله} وبالتاء غير عاصم {لاَ يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ}(2/208)
أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (21)
أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (21)
{أَمْوَاتٌ} أي هم أموات {غَيْرُ أَحْيَآءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} نفى عنهم خصائص الإلهية بنفي كونهم خالقين وأحياء لا يموتون وعالمين بوقت البعث وأثبت لهم صفات الخلق بأنهم مخلوقون أموات جاهلون بالبعث ومعنى أموات غير أحياء أنهم لو كانوا آلهة على الحقيقة لكانوا أحياء غير أموات أي غير جائز عليها الموت وأمرهم بالعكس من ذلك والضمير في يبعثون للداعين أي لا يشعرون متى تبعث عبدتهم وفيه تهكم بالمشركين وأن آلهتم لا يعلمون وقت بعثهم فكيف يكون لهم وقت جزاء أعمالهم منهم على عبادتهم وفيه دلالة على أنه لا بد من البعث(2/208)
إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ (22)
إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ (22)
{إلهكم إله واحد} أي ثبت بما مر أن الإلهية لا تكون لغير الله وأن معبودكم واحد {فالذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالآخرة قُلُوبُهُم مُّنكِرَةٌ} للوحدانية {وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ} عنها وعن الإقرار بها(2/208)
لَا جَرَمَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ (23)
لَا جَرَمَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ (23)
{لاَ جَرَمَ} حقا {أَنَّ الله يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ} أي سرهم وعلانيتهم فيجازيهم وهو وعيد {إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ المستكبرين} عن التوحيد يعني المشركين(2/208)
وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (24)
وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (24)
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ} لِهؤلاء الكفار {مَّاذَا أَنزَلَ ربكم قالوا أساطير الأولين} ماذا منصوب بأنزل أي أيَّ شيء أنزل ربكم أو مرفوع على(2/208)
الابتداء أي أيُّ شيء أنزله ربكم وأساطير خبر مبتدأ محذوف قيل هو قول المقتسمين الذين اقتسموا مداخل مكة ينفّرون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سألهم وفود الحاج عما أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا أساطير الأولين أي أحاديث الأولين وأباطيلهم واحدتها أسطورة وإذا رأوا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبرونهم بصدقه وأنه نبي فهم الذين قالوا خيرا(2/209)
لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ (25)
لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ (25)
{لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ القيامة وَمِنْ أَوْزَارِ الذين يُضِلُّونَهُمْ} أي قالوا ذلك إضلالاً للناس فحملوا أوزار إضلالهم كاملة وبعض أوزار من ضل بضلالهم وهو وزر الإضلال لأن المضل والضال شريكان واللام للتعليل {بِغَيْرِ عِلْمٍ} حال من المفعول أي يضلون من لا يعلم أنهم ضلال {أَلاَ سَآءَ مَا يَزِرُونَ} محل ما رفع(2/209)
قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ (26)
قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ (26)
{قَدْ مَكَرَ الذين مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى الله بنيانهم من القواعد} أي من جهة
النحل (26 _ 30)
القواعد وهي الأساطين هذا تمثيل يعني أنهم سوّوا منصوبات ليمكروا بها رسل الله فجعل الله هلاكهم في تلك المنصوبات كحال قوم بنوا بنيانا وعمدوه بالأساطين بأن ضعضعت فسقط عليهم السقف وماتوا وهلكوا والجمهور على أن المراد به نمرود بن كنعان حين بني الصرح ببابل طوله خمسة آلاف ذراع وقيل فرسخان فأهب الله الريح فخر عليه وعلى قومه فهلكوا فأتى الله أي أمره بالاستئصال {فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السقف مِن فَوْقِهِمْ وأتاهم العذاب مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ} من حيث لا يحتسبون ولا يتوقعون(2/209)
ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُخْزِيهِمْ وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ قَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكَافِرِينَ (27)
ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُخْزِيهِمْ وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ قَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكَافِرِينَ (27)
{ثُمَّ يَوْمَ القيامة يُخْزِيهِمْ} يذلهم بعذاب الخزي سوى ما عذبوا به في الدنيا {وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَآئِيَ} على الإضافة إلى نفسه حكاية لإضافتهم(2/209)
ليوبخهم بها على طريق الاستهزاء بهم {الذين كُنتُمْ تشاقون فِيهِمْ} تعادون وتخاصمون المؤمنين في شأنهم تشاقون نافع أي تشاقونني فيهم لأن مشاقة المؤمنين كأنها مشاقة الله {قَالَ الذين أُوتُواْ العلم} أي الأنبياء والعلماء من أممهم الذين كانوا يدعونهم إلى الإيمان ويعظونهم فلا يلتفتون إليهم ويشاقونهم يقولون ذلك شماتة بهم أو هم الملائكة {إِنَّ الخزى اليوم} الفضيحة {والسوء} العذاب {عَلَى الكافرين}(2/210)
الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلَى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (28)
الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلَى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (28)
{الذين تتوفاهم الملائكة} وبالياء حمزة وكذا ما بعده {ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ} بالكفر بالله {فَأَلْقَوُاْ السلم} أي الصلح والاستسلام اي اخبتوا وجاءوا بخلاف ما كانوا عليه في الدنيا من الشقاق وقالوا {مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِن سُوءٍ} وجحدوا ما وجد منهم من الكفران والعدواة فرد عليهم أولوا العلم وقالوا {بلى إِنَّ الله عَلِيمٌ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} فهو يجازيكم عليه وهذا أيضاً من الشماتة وكذلك(2/210)
فَادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (29)
فَادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (29)
{فادخلوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خالدين فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى المتكبرين} جهنم(2/210)
وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْرًا لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ (30)
وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْرًا لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ (30)
{وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتقوا} الشرك {مَاذَا أَنزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ خَيْرًا} وإنما نصب هذا ورفع أساطير لأن التقدير هنا أنزل خيراً فأطبقوا الجواب على السؤال وثمة التقدير هو أساطير الأولين فعدلوا بالجواب عن السؤال {لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ فِى هذه الدنيا} أي آمنوا وعملوا الصالحات أو قالوا لا إله إلا الله {حَسَنَةٌ} بالرفع أي ثواب وأمن وغنيمة وهو بدل من خيرا لقول الذين اتقوا أي قالوا هذا القول فقدم عليه تسميته خيرا ثم حكاه
النحل (30 _ 35)
أو هو كلام مستأنف عدة للقائلين وجعل قولهم(2/210)
من جملة إحسانهم {وَلَدَارُ الاخرة خَيْرٌ} أي لهم في الآخرة ما هو خير عنها كقوله فآتاهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة {وَلَنِعْمَ دَارُ المتقين} دار الآخرة فحذف المخصوص بالمدح لتقدم ذكره(2/211)
جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ كَذَلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ (31)
جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ كَذَلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ (31)
{جنات عدن} خبر لمبتدأ محذوف أو هو مخصوص بالمدح {يَدْخُلُونَهَا} حال {تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأنهار لهم فيها ما يشاؤون كَذَلِكَ يَجْزِي اللهُ المتقين}(2/211)
الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (32)
الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (32)
{الذين تتوفاهم الملائكة طَيِّبِينَ} طاهرين من ظلم أنفسهم بالكفر لأنه في مقابلة ظالمي أنفسهم {يَقُولُونَ سلام عَلَيْكُمُ} قيل إذا أشرف العبد المؤمن على الموت جاءه ملك فقال السلام عليك يا ولي الله الله يقرأ عليك السلام ويبشره بالجنة ويقال لهم في الآخرة {ادخلوا الجنة بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} بعملكم(2/211)
هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (33)
هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (33)
{هَلْ يَنظُرُونَ} ما ينتظر هؤلاء الكفار {إِلا أَن تَأْتِيهُمُ الملائكة} لقبض أرواحهم وبالياء علي وحمزة {أَوْ يَأْتِىَ أَمْرُ رَبِّكَ} أي العذاب المستأصل أو القيامة {كذلك} مثل ذلك الفعل من مشرك والتكذيب {فَعَلَ الذين مِن قَبْلِهِمْ وَمَا ظَلَمَهُمُ الله} بتدميرهم {ولكن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} حيث فعلوا ما استحقوا به التدمير(2/211)
فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (34)
فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (34)
{فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُواْ} جزاء سيئات أعمالهم {وحاق بهم ما كانوا به يستهزؤون} وأحاط بهم جزاء استهزائهم(2/211)
وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (35)
وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (35)
{وَقَالَ الذين أَشْرَكُواْ لَوْ شَآءَ الله مَا عَبَدْنَا مِن دُونِهِ مِن شَىْءٍ نَّحْنُ وَلآ آباؤنا} هذا كلام صدر منهم استهزاء ولو قالوه اعتقاداً لكان صواباً {وَلاَ حَرَّمْنَا مِن دُونِهِ مِن شَىْءٍ} يعني البحيرة والسائبة ونحوهما {كَذَلِكَ فَعَلَ الذين مِن قَبْلِهِمْ} أي كذبوا الرسل وحرموا الحلال وقالوا مثل قولهم استهزاء {فَهَلْ عَلَى الرسل إِلاَّ البلاغ المبين} إلا أن يبلغوا الحق ويطّلعوا على بطلان الشرك وقبحه(2/212)
وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (36)
وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (36)
{وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِى كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعبدوا الله}
بأن وحدوه {واجتنبوا الطاغوت} الشيطان يعني طاعته {فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى الله} لاختيارهم الهدى {وَمِنْهُمْ مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضلالة} أي لزمته لاختياره إياها {فَسِيرُواْ فِى الأرض فانظروا كَيْفَ كَانَ عاقبة المكذبين} حيث أهلكهم الله وأخلى ديارهم عنهم(2/212)
إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (37)
إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (37)
ثم ذكر عناد قريش وحرص رسول الله صلى الله عليه وسلم على إيمانهم وأعلمه أنهم من قسم من حقت عليه الضلالة فقال {إِن تَحْرِصْ على هُدَاهُمْ فَإِنَّ الله لاَ يَهْدِى مَن يُضِلُّ} بفتح الياء وكسر الدال كوفي الباقون بضم الياء وفتح الدال والوجه فيه أن من يضل مبتدأ ولا يهدي خبره {وَمَا لَهُم مِّن ناصرين} يمنعونهم من جريان حكم الله عليهم ويدفعون عنهم عذابه الذي أعد لهم(2/212)
وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (38)
وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (38)
{وَأَقْسَمُواْ بالله جَهْدَ أيمانهم} معطوف على وقال الذين أشركوا {لاَ يَبْعَثُ الله مَن يَمُوتُ بلى} هو إثبات لما بعد النفي أي بل يبعثهم {وَعْدًا عَلَيْهِ حَقّا} وهو مصدر مؤكد لما دل عليه بلى لأن يبعث موعد من الله وبين أن(2/212)
الوفاء بهذا الوعد حق {ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يَعْلَمُونَ} أن وعده حق أو أنهم يبعثون(2/213)
لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ (39)
لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ (39)
{لِيُبَيِّنَ لَهُمُ} متعلق بما دل عليه بلى أي يبعثهم ليبين لهم والضمير لمن يموت وهو يشمل 2 المؤمنين والكافرين {الذى يَخْتَلِفُونَ فِيهِ} هو الحق {وَلِيَعْلَمَ الذين كَفَرُواْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كاذبين} في قولهم لا يبعث الله من يموت(2/213)
إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (40)
إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (40)
{إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَىْءٍ إِذَآ أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} أي فهو يكون وبالنصب شامي وعلي على جواب كن قولنا مبتدأ وأن نقول خبره وكن فيكون من كان التامة التي بمعنى الحدوث والوجود أي إذا أردنا وجود شيء فليس إلا أن نقول له أحدث فهو يحدث بلا توقف وهذه عبارة عن سرعة الإيجاد يبين أن مراداً لا يمتنع عليه وأن وجوده عند إرادته غير متوقف كوجود المأمور به عند أمر الآمر المطاع إذ أورد على المأمور المطيع الممتثل ولا قول ثَم والمعنى أن إيجاد كل مقدور على الله بهذه
النحل (41 _ 46)
السهولة فكيف يمتنع عليه البعث الذي هو من بعض المقدورات(2/213)
وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (41)
وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (41)
{والذين هاجروا فِى الله} في حقه ولوجهة {مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ} هم رسول الله وأصحابه ظلمهم أهل مكة ففروا بدينهم إلى الله منهم من هاجر إلى الحبشة ثم إلى المدينة فجمع بين الهجرتين ومنهم من هاجر إلى المدينة {لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِى الدنيا حَسَنَة} صفة للمصدر أي تبوئة حسنة أو لنبوئنهم مباءة حسنة وهي المدنية حيث آواهم أهلها ونصروهم {وَلأَجْرُ الآخرة أَكْبَرُ} الوقف لازم عليه لأن جواب {لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ} محذوف والضمير للكفار أي لو علموا ذلك لرغبوا في الدين أو للمهاجرين أي لو كانوا يعلمون لزادوا في اجتهادهم وصبرهم(2/213)
الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (42)
الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (42)
{الذين صَبَرُواْ} أي هم الذين صبروا أو أعني الذين صبروا وكلاهما مدح أي صبروا على مفارقة الوطن الذي هو حرم الله المحبوب في كل قلب فكيف بقلوب قوم هو مسقط رءوسهم وعلى المجاهدة وبذل الأرواح في سبيل الله {وعلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} أي يفوضون الأمر إلى ربهم ويرضون بما أصابهم في دين الله(2/214)
وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (43)
وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (43)
ولما قالت قريش الله أعظم من أن يكون رسوله بشراً نزل {وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قبلك إلا رجالا نوحي اليهم} على ألسنة الملائكة نوحي حفص {فاسألوا أَهْلَ الذكر} أهل الكتاب ليعلموكم أن الله لم يبعث إلى الأمم السالفة إلا بشراً وقيل للكتاب الذكر لأنه موعظة وتنبيه للغافلين {إِن كُنْتُم لاَ تَعْلَمُونَ}(2/214)
بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (44)
بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (44)
{بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ} أي بالمعجزات والكتب والباء يتعلق برجالا صفة له أي رجالاً ملتبسين بالبينات أو بأرسلنا مضمراً كأنه قيل بم أرسل الرسل فقيل بالبينات أو بيوحى أي يوحى اليهم بالبينات أو بلا تعلمون وقوله فاسئلوا أهل الذكر اعتراض على الوجوه المتقدمة وقوله {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذكر} القرآن {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} في الذكر مما أمروا به ونهوا عنه ووعدوا به وأوعدوا {وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} في تنبيهاته فينتبهوا(2/214)
أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ (45)
أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ (45)
{أفأمن الذين مكروا السيئات} أي المكرات والسيئات وهم أهل مكة وما مكروا به رسول الله عليه السلام {أَن يَخْسِفَ الله بِهِمُ الأرض} كما فعل بمن تقدمهم {أَوْ يَأْتِيَهُمُ العذاب مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ} أي بغتة(2/214)
أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ (46)
أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ (46)
{أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِى تَقَلُّبِهِمْ} متقلبين في مسايرهم ومتاجرهم {فَمَا هُم بِمُعْجِزِينَ}(2/215)
أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (47)
أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (47)
{أَوْ يَأْخُذَهُمْ على تَخَوُّفٍ}
متخوفين وهو أن يهلك قوماً قبلهم فيتخوفوا فيأخذهم العذاب وهم متخوفون متوقعون وهو خلاف قوله من حيث لا يشعرون {فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} حيث يحلم عنكم ولا يعاجلكم مع استحقاقكم والمعنى أنه إذا لم يأخذكم مع ما فيكم فإنما رأفته تقيكم ورحمته تحميكم(2/215)
أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّدًا لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ (48)
أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّدًا لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ (48)
{أو لم يَرَوْاْ} وبالتاء حمزة وعلي وأبو بكر {إلى ما خلق الله} ما موصولة بخلق الله وهو مبهم بيانه {من شيء يتفيأ ظلاله} أي يرجع من موضع إلى موضع وبالتاء بصري {عَنِ اليمين} أي الأيمان {والشمآئل} جمع شمال {سُجَّدًا لِلَّهِ} حال من الظلال عن مجاهد إذا زالت الشمس سجد كل شيء {وهم داخرون} صاغرون وهو خال من الضمير في ظلاله لأنه في معنى الجمع وهو ما خلق الله من كل شيء له ظل وجمع بالواو والنون لأن الدخور من أوصاف العقلاء أو لأن في جملة ذلك من يعقل فغلب والمعنى أو لم يروا إلى ما خلق الله من الأجرام التي لها ظلال متفيئة عن أيمانها وشمائلها أي ترجع الظلال من جانب إلى جانب منقادة لله تعالى غير ممتنعة عليه فيما سخرها له من التفيؤ والأجرام في أنفسها داخرة أيضاً صاغرة منقادة لأفعال الله فيها غير ممتنعة(2/215)
وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (49)
وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (49)
{وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِى السماوات وَمَا فِى الأرض مِن دَآبَّةٍ} من بيان لما في السموات وما في الأرض جميعاً على أن في السموات خلقاً يدبون فيها كما تدب الأناسي في الأرض أو بيان لما في الأرض وحده والمراد بما في السموات ملائكتهن وبقوله {والملائكة} ملائكة الأرض من الحفظة وغيرهم قيل المراد(2/215)
بسجود المكلفين طاعتهم وعبادتهم وبسجود غيرهم انقيادهم لإرادة الله ومعنى الانقياد يجمعهما فلم يختلفا فلذا أجاز أن يعبر عنهما بلفظ واحد وجىء بما إذ هو صالح للعقلاء وغيرهم ولو جيء بمن لتناول العقلاء خاصة {وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ}(2/216)
يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (50)
يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (50)
{يخافون رَبَّهُمْ} هو حال من الضمير في لا يستكبرون أي لا يستكبرون خائفين {مِّن فوقهم} ان علقته بيخافون فمعناه يخافونه أن يرسل عليهم عذاباً من فوقهم وان علقته بربهم حالاً منه فمعناه يخافون ربهم غالباً لهم قاهرا كقوله وهو القاهر فوق عباده {وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} وفيه دليل على أن الملائكة مكلفون مدارون على الأمر والنهي وأنهم بين الخوف والرجاء(2/216)
وَقَالَ اللَّهُ لَا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (51)
وَقَالَ اللَّهُ لَا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (51)
{وَقَالَ الله لاَ تَتَّخِذُواْ إلهين اثنين إِنَّمَا هُوَ إله وَاحِدٌ} فإن قلت إنما جمعوا بين العدد والمعدود فيما وراء الواحد والاثنين فقالوا عندي رجال ثلاثة لأن المعدود عار
النحل (51 _ 57)
عن الدلالة على العدد الخاص فأما رجل ورجلان فمعدودان فيهما دلالة على العدد فلا حاجة إلى أن يقال رجل واحد ورجلان اثنان قلت الاسم الحامل لمعنى الإفراد والتثنية دال على شيئين على الجنسية والعدد المخصوص فإذا أريدت الدلالة على أن المعنيّ به منهما هو العدد شفع بما يؤكده فدل به على القصد إليه والعناية به ألا ترى أنك لو قلت إنما هو إله ولم تؤكده بواحد لم يحسن وخيل أنك تثبت الإلهية لا الوحدانية {فإياي فارهبون} نقل الكلام عن الغيبة إلى التكلم وهو من طريقة الالتفات وهو أبلغ في الترغيب من قوله فاياه فارهبوا فارهبونى يعقوب(2/216)
وَلَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ (52)
وَلَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ (52)
{وله ما في السماوات والأرض وَلَهُ الدين} أي الطاعة {وَاصِبًا} واجباً ثابتاً لأن كل نعمة منه فالطاعة واجبة له على كل منعم عليه وهو حال عمل فيه(2/216)
الظرف أو وله الجزاء دائماً يعنى الثواب والعقاب {أفغير الله تتقون}(2/217)
وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ (53)
وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ (53)
{وَمَا بِكُم مّن نِّعْمَةٍ} وأي شيء اتصل بكم من نعمة عافية وغنى وخصب {فَمِنَ الله} فهو من الله {ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضر} المرض والفقر والجدب {فإليه تجأرون} فما تتضرعون إلا إليه والجؤار رفع الصوت بالدعاء والاستغاثة(2/217)
ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (54)
ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (54)
{ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضر عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ منكم بربهم يشركون} الخطاب في وما بكم من نعمة ان كان من نعمة إن كان عاماً فالمراد بالفريق الكفرة وإن كان الخطاب للمشركين فقوله منكم للبيان لا للتبعيض كأنه قال فإذا فريق كافر وهم أنتم ويجوز أن يكون فيهم من اعتبر كقوله فَلَمَّا نجاهم إِلَى البر فمنهم مقتصد(2/217)
لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (55)
لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (55)
{ليكفروا بما آتيناهم} من نعمة الكشف عنهم كأنهم جعلوا غرضهم في الشرك كفران النعمة ثم أوعدهم فقال {فَتَمَتَّعُواْ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} هو عدول إلى الخطاب على التهديد(2/217)
وَيَجْعَلُونَ لِمَا لَا يَعْلَمُونَ نَصِيبًا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ تَاللَّهِ لَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ (56)
وَيَجْعَلُونَ لِمَا لَا يَعْلَمُونَ نَصِيبًا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ تَاللَّهِ لَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ (56)
{وَيَجْعَلُونَ لِمَا لاَ يَعْلَمُونَ نَصِيبًا مِّمَّا رزقناهم} أي لآلهتم ومعنى لا يعلمون أنهم يسمونها آلهة ويعتقدون فيها أنها تضر وتنفع وتشفع عند الله وليس كذلك لأنها جماد لا تضر ولا تنفع أو الضمير في لا يعلمون للآلهة أي لأشياء غير موصوفة بالعلم ولا تشعر أجعلوا لها نصيباً في أنعامهم وزروعهم أم لا وكانوا يجعلون لهم ذلك تقرباً إليهم {تالله لتسألن} وعيد {عما كنتم تفترون} أنها آلهة وأنها أهل للتقرب إليها(2/217)
وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ (57)
وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ (57)
{وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ البنات} كانت خزاعة وكنانة تقول الملائكة بنات الله {سبحانه} تنزيه لذاته من نسبة الولد إليه أو تعجب من قولهم {وَلَهُمْ مَّا يَشْتَهُونَ} يعني البنين ويجوز في ما الرفع على الابتداء ولهم الخير والنصب على العطف على البنات
النحل (58 _ 62)
وسبحانه اعتراض بين المعطوف والمعطوف عليه أي وجعلوا لأنفسهم ما يشتهون من الذكور(2/218)
وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (58)
وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (58)
{وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بالأنثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدَّا} أي صار فظل وأمسى وأصح وبات تستعمل بمعنى الصيرورة لأن أكثر الوضع يتفق بالليل فيظل نهاره معتما مسود الوجه من الكآبة والحياء من الناس {وَهُوَ كَظِيمٌ} مملوء حنقاً على المرأة(2/218)
يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (59)
يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (59)
{يتوارى مِنَ القوم مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ} يستخفى منهم من أجل سوء المبشر به ومن أجل تعييرهم ويحدث نفسه وينظر {أَيُمْسِكُهُ على هُونٍ} أيمسك ما بشر به على هون وذل {أَمْ يَدُسُّهُ فِى التراب} أم يئده {أَلاَ سَآء مَا يَحْكُمُونَ} حيث يجعلون الولد الذي هذا محله عندهم لله ويجعلون لأنفسهم من هو على عكس هذا الوصف(2/218)
لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (60)
لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (60)
{لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بالآخرة مَثَلُ السوء} صفة السوء وهي الحاجة إلى الأولاد الذكور وكراهة الإناث ووأدهن خشية الإملاق {وَلِلَّهِ المثل الأعلى} وهو الغني عن العالمين والنزاهة عن صفات المخلوقين {وَهُوَ العزيز} الغالب في تنفيذ ما أراد {الحكيم} في إمهال العباد(2/218)
وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ (61)
وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ (61)
{وَلَوْ يُؤَاخِذُ الله الناس بِظُلْمِهِمْ} بكفرهم ومعاصيهم {مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا} على الأرض {مِن دَآبَّةٍ} قط ولأهلكها كلها بشؤم ظلم الظالمين عن أبي هريرة(2/218)
رضي الله عنه إن الحبارى لتموت في وكرها بظلم الظالم وعن ابن مسعود رضي الله عنه كاد الجعل يهلك في جحره بذنب ابن آدم وعن ابن عباس رضي الله عنهما من دابة من مشرك يدب {ولكن يُؤَخِرُهُمْ إلى أَجَلٍ مسمى} أي أجل كل أحد او وقت تقضيه الحكمة أو القيامة {فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ}(2/219)
وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنَى لَا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ (62)
وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنَى لَا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ (62)
{وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ} ما يكرهونه لأنفسهم من البنات ومن شركاء في رياستهم ومن الاستخفاف برسلهم ويجعلون له أرذل أموالهم ولأصنامهم أكرمها {وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الكذب} مع ذلك أي ويقولون الكذب {أَنَّ لَهُمُ الحسنى} عند الله وهي الجنة إن كان البعث حقاً كقوله وَلَئِن رُّجّعْتُ إلى رَبّى إِنَّ لِى عِندَهُ للحسنى وأن لهم الحسنى بدل من الكذب {لاَ جَرَمَ أن لهم النار وأنهم مفرطون} مفرطون
النحل (63 _ 66)
نافع مفرِّطون أبو جعفر فالمفتوح بمعنى مقدمون إلى النار معجلون إليها من أفرطت فلاناً فرطته في طلب الماء إذا قدمته أو منسيون متروكون من أفرطت فلاناً خلفي إذا خلفته ونسيته والمكسور المخفف من الإفراط في المعاصي والمشدد من التفريط في الطاعات أي التقصير فيها(2/219)
تَاللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (63)
تَاللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (63)
{تالله لَقَدْ أَرْسَلْنَآ إلى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ} أي أرسلنا رسلاً إلى من تقدمك من الأمم {فزين لهم الشيطان أَعْمَالَهُمْ} من الكفر والتكذيب بالرسل {فَهُوَ وَلِيُّهُمُ اليوم} أي قرينهم في الدنيا تولى إضلالهم بالغرور أو الضمير لمشركي قريش أي زين للكفار قبلهم أعمالهم فهو ولي هؤلاء لأنهم منهم(2/219)
أو هو على حذف المضاف أي فهو ولي أمثالهم اليوم {وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} في القيامة(2/220)
وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (64)
وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (64)
{وَمَآ أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الكتاب} القرآن {إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ} للناس {الذى اختلفوا فِيهِ} هو البعث لأنه كان فيهم من يؤمن به {وَهُدًى وَرَحْمَةً} معطوفان على محل لتبين إلا أنهما انتصبا على أنهما مفعول لهما لأنهما فعلا الذي أنزل الكتاب ودخلت اللام على لتبين لأنه فعل المخاطب لا فعل المنزل {لّقَوْمٍ يؤمنون}(2/220)
وَاللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (65)
وَاللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (65)
{والله أَنزَلَ مِنَ السمآء مَآءً فَأَحْيَا بِهِ الأَرض بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِى ذلك لآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ} سماع إنصاف وتدبر لأن من لم يسمع بقلبه فكأنه لا يسمع(2/220)
وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ (66)
وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ (66)
{وَإِنَّ لَكُمْ فِى الأنعام لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُمْ مِّمَّا فِى بُطُونِهِ} وبفتح النون نافع وشامي وأبو بكر قال الزجاج سقيته وأسقيته بمعنى واحد ذكر سيبويه الأنعام في الأسماء المفردة الواردة على أفعال ولذا رجع الضمير إليه مفرداً وأما في بطونها في سورة المؤمنين فلأن معناه الجمع وهو استئناف كأنه قيل كيف العبرة فقال تسقيكم مما في بطونه {مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَنًا خَالِصًا} أي يخلق الله اللبن وسيطاً بين الفرث والدم يكتفانه وبينه وبينهما برزخ لا يبغي أحدهما عليه بلون ولا طعم ولا رائحة بل هو خالص من ذلك كله قيل إذا أكلت البهيمة العلف فاستقر في كرشها وطبخته فكان أسفله فرثاً وأوسطه لبناً وأعلاه دماً والكبد مسلطة على هذه الأصناف الثلاثة تقسمها فتجري الدم في العروق واللبن في الضروع ويبقى الفرث في(2/220)
الكرش ثم ينحدر وفي ذلك عبرة لمن اعتبر وسئل شقيق عن الاخلاص فقال تميز العمل من العيوب كتميز اللبن من بين فرث ودم {سَآئِغًا لِلشَّارِبِينَ} سهل المرور في الحلق ويقال لم يغص أحد باللبن قط ومن الأولى للتبعيض لأن اللبن بعض ما في بطونها والثانية لابتداء الغاية ويتعلق
النحل (67 _ 69)(2/221)
وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (67)
وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (67)
{وَمِن ثمرات النخيل والأعناب} بمحذوف تقديره ونسقيكم من ثمرات النخيل والأعناب أي من عصيرهما وحذف لدلالة نسقيكم قبله عليه وقوله {تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا} بيان وكشف عن كنه الإسقاء أو تتخذون ومنه من تكرير الظرف للتوكيد والضمير في منه يرجع إلى المضاف المحذوف الذي هو العصير والسكر الخمر سميت بالمصدر من سكر سكراً وسكراً نحو رشد رشداً ورشداً ثم فيه وجهان أحدهما أن الآية سابقة على تحريم الخمر فتكون منسوخة وثانيهما أن يجمع بين العتاب والمنة وقيل السكر النبيذ وهو عصير العنب والزبيب والتمر إذا طبخ حتى يذهب ثلثاه ثم يترك حتى يشتد وهو حلال عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله إلى حد السكر ويحتجان بهذه الآية وبقوله عليه السلام الخمر حرام لعينها والسكر من كل شراب وبأخبار جمة {وَرِزْقًا حَسَنًا} هو الخل والرب والتمر والزبيب وغير ذلك {إِنَّ فِى ذلك لآيَةً لِّقَوْمٍ يعقلون}(2/221)
وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ (68)
وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ (68)
{وأوحى ربك إلى النحل} ولهم {أَنِ اتخذى مِنَ الجبال بُيُوتًا} هي أن المفسرة لأن الإيحاء فيه معنى القول قال الزجاج واحد النحل نحلة كنحل ونخلة والتأنيث باعتبار هذا ومن في من الجبال {وَمِنَ الشجر وَمِمَّا يَعْرِشُونَ}(2/221)
يرفعون من سقوف البيت أو ما يبنون للنحل في الجبال والشجر والبيوت من الأماكن التي تعسل فيها للتبعيض لأنها لا تبنى بيوتها في كل جبل وكل شجر وكل ما يعرش والضمير في يعرشون للناس وبضم الراء شامي وأبو بكر(2/222)
ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (69)
ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (69)
{ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثمرات} أي ابني البيوت ثم كلى كل ثمرة تشتهيها فإذا أكلتها {فاسلكى سُبُلَ رَبِّكِ} فادخلي الطرق التي ألهمك وأفهمك في عمل العسل أو إذا أكلت الثمار في المواضع البعيدة من بيوتك فاسلكي إلى بيوتك راجعة سبل ربك لا تضلين فيها {ذُلُلاً} جمع ذلول وهي حال من السبل لأن الله تعالى ذللها وسهلها أو من الضمير في فاسلكي أي وأنت ذلل منقادة لماامرت به غير ممتنعة {يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ} يريد العسل لأنه مما يشرب تلقيه من فيها {مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ} منه أبيض وأصفر وأحمر من الشباب والكهول والشيب أو على ألوان أغذيتها {فِيهِ شِفَآء لِلنَّاسِ} لأنه من جملة الأدوية النافعة وقل معجون من المعاجين لم يذكر الأطباء فيه العسل وليس الغرض أنه شفاء لكل مريض كما أن كل دواء كذلك وتنكيره لتعظيم الشفاء الذي فيه أو لأن فيه بعض الشفاء لأن
النحل (69 _ 72)
النكرة في الإثبات تخص وشكا رجل استطلاق بطن أخيه فقال عليه السلام اسقه عسلاً فجاءه وقال زاده شراً فقال عليه السلام صدق الله وكذب بطن أخيك اسقه عسلاً فسقاه فصح وعن ابن مسعود رضي الله عنه العسل شفاء من كل داء والقرآن شفاء لما في الصدور فعليكم بالشفاءين القرآن والعسل ومن بدع الروافض أن المراد بالنحل عليّ وقومه وعن بعضهم أن رجلاً قال عند المهدي إنما النحل بنو هاشم يخرج من بطونهم العلم فقال له رجل جعل الله طعامك وشرابك مما يخرج من بطونهم فضحك المهدي وحدث به المنصور فاتخذوه أضحوكة من أضاحيكهم 2 {إِنَّ فِى ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} في(2/222)
عجب أمرها فيعلمون أن الله أودعها علماً بذلك وفطنها كما أعطى أولي العقول عقولهم(2/223)
وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (70)
وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (70)
{والله خَلَقَكُمْ ثُمَّ يتوفاكم} بقبض أرواحكم من أبدانكم {وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إلى أَرْذَلِ العمر} إلى أخسه وأحقره وهو خمس وسبعون سنة أو ثمانون أو تسعون {لِكَىْ لاَ يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا} لينسى ما يعلم أو لئلا يعلم زيادة علم على علمه {إِنَّ الله عَلِيمٌ} بحكم التحويل إلى الأرذل من الأكمل أو إلى الإفناء من الإحياء {قَدِيرٌ} على تبديل ما يشاء كما يشاء من الأشياء(2/223)
وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (71)
وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (71)
{والله فَضَّلَ بَعْضَكُمْ على بَعْضٍ فِى الرزق} أي جعلكم متفاوتين في الرزق فرزقكم أفضل مما رزق مماليككم وهم بشر مثلكم {فَمَا الذين فُضِّلُواْ} في الرزق يعني الملاك {بِرَآدِّي} بمعطي {رِزْقِهِمْ على مَا مَلَكَتْ أيمانهم} فكان ينبغي أن تردوا فضل ما رزقتموه عليهم حتى تتساووا في الملبس والمطعم {فَهُمْ فِيهِ سَوَآءٌ} جملة اسمية وقعت في موضع جملة فعلية في موضع النصب لأنه جواب النفي بالفاء وتقديره فما الذين فضلوا برادي رزقهم على ما ملكت أيمانهم فيستووا مع عبيدهم في الرزق وهو مثل ضربه الله للذين جعلوا له شركاء فقال لهم أنتم لا تسوون بينكم وبين عبيدكم فيما أنعمت به عليكم ولا تجعلونهم فيه شركاء ولا ترضون ذلك لأنفسكم فكيف رضيتم أن تجعلوا عبيدي لي شركاء {أَفَبِنِعْمَةِ الله يَجْحَدُونَ} وبالتاء أبو بكر فجعل ذلك من جملة جحود النعمة(2/223)
وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ (72)
وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ (72)
{والله جَعَلَ لَكُمْ مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا} أي من جنسكم {وَجَعَلَ لَكُمْ مّنْ أزواجكم بَنِينَ وَحَفَدَةً} جمع حافد وهو الذي يحفد أي يسرع في الطاعة والخدمة ومنه قول القانت وإليك نسعى ونحفد واختلف فيه فقيل هم الأختان على البنات وقيل أولاد الأولاد والمعنى وجعل لكم حفدة(2/223)
أي خدما
النحل (72 _ 76)
يحفدون في مصالحكم ويعينونكم {وَرَزَقَكُم مِّنَ الطيبات} أي بعضها لأن كل الطيبات في الجنة وطيبات الدنيا أنموذج منها {أفبالباطل يُؤْمِنُونَ} هو ما يعتقدونه من منفعة الأصنام وشفاعتها {وبنعمة اللهِ} أي الإسلام {هُمْ يَكْفُرُونَ} أو الباطل الشيطان والنعمة محمد صلى الله عليه وسلم أو الباطل ما يسول لهم الشيطان من تحريم البحيرة والسائبة وغيرهما ونعمة الله ما أحل لهم(2/224)
وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقًا مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ شَيْئًا وَلَا يَسْتَطِيعُونَ (73)
وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقًا مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ شَيْئًا وَلَا يَسْتَطِيعُونَ (73)
{وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله مَا لاَ يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقًا مّنَ السماوات والأرض شَيْئًا} أي الصنم وهو جماد لا يملك أن يرزق شيئاً فالرزق يكون بمعنى المصدر وبمعنى ما يرزق فإن أردت المصدر نصبت به شيئاً أي لا يملك أن يرزق شيئاً وإن اردت المرزوق كان شيئا بدلا منه اى قليلا ومن السموات ة الأرض صلة للرزق إن كان مصدراً أي لا يرزق من السموات مطراً ولا من الأرض نباتاً وصفة إن كان اسماً لما يرزق والضمير في {ولاَ يَسْتَطِيعُونَ} لما لأنه في معنى الآلهة بعدما قال لا يملك على اللفظ والمعنى لا يملكون الرزق ولا يمكنهم أن يملكوه ولا يتأتى ذلك منهم(2/224)
فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (74)
فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (74)
{فَلاَ تَضْرِبُواْ لِلَّهِ الأمثال} فلا تجعلوا لله مثلًا فإنه لا مثل له أي فلا تجعلوا له شركاء {أَنَّ الله يَعْلَمُ} أنه لا مثل له من الخلق {وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} ذلك أو إن الله يعلم كيف يضرب الأمثال وأنتم لا تعلمون ذلك والوجه الأول(2/224)
ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (75)
ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (75)
ثم ضرب المثل فقال {ضَرَبَ الله مَثَلاً عَبْدًا} هو بدل من مثلاً {مَّمْلُوكًا لاَّ يَقْدِرُ على شَىْءٍ وَمَن رَّزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنفِقُ مِنْهُ سِرَّا وَجَهْرًا} مصدران في موضع الحال أي مثلكم في إشراككم بالله الأوثان مثل من سوى بين عبد مملوك عاجز عن التصرف وبين حر مالك قد رزقه الله ما لا فهو يتصرف فيه وينفق منه(2/224)
ما شاء وقيد بالمملوك ليميزه من الحر لأن اسم العبد يقع عليهما جمعيا إذ هما من عباد الله وبلا يقدر على شيء ليمتاز من المكاتب والمأذون فهما يقدران على التصرف ومن موصوفة أي وحراً رزقناه ليطابق عبداً أو موصولة {هَلْ يَسْتَوُونَ} جمع الضمير لإرادة الجمع أي لا يستوي القبيلان {الحمد لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} بأن الحمد والعبادة لله(2/225)
وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (76)
وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (76)
ثم زاد في البيان فقال {وَضَرَبَ الله مَثَلاً رَّجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لاَ يَقْدِرُ على شَىْءٍ} الأبكم الذي ولد أخرس فلا يفهم ولا
النحل (76 _ 79)
يفهم {وَهُوَ كَلٌّ على مَوْلاهُ} أي ثقل وعيال على من يلي أمره ويعوله {أَيْنَمَا يُوَجِّههُّ لاَ يَأْتِ بِخَيْرٍ} حيثما يرسله ويصرفه في مطلب حاجة أو كفاية مهم لم ينفع ولم يأت بنجح {هَلْ يَسْتَوِى هُوَ وَمَن يَأْمُرُ بالعدل} أي ومن هو سليم الحواس نفاع ذو كفايات مع رشد وديانة فهو يأمر الناس بالعدل والخير {وَهُوَ} في نفسه {على صراط مُّسْتَقِيمٍ} على سيرة صالحة ودين قويم وهذا مثل ثان ضربه لنفسه ولما يفيض على عباده من آثار رحمته ونعمته وللأصنام التي هي أموات لا تضر ولا تنفع(2/225)
وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (77)
وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (77)
{وَللَّهِ غَيْبُ السماوات والأرض} أي يختص به علم ما غاب فيهما عن العباد وخفي عليهم علمه أو اراد بغيب السموات والأرض يوم القيامة على أن علمه غائب عن اهل السموات والأرض لم يطلع عليه أحد منهم {وَمَآ أَمْرُ الساعة} في قرب كونها وسرعة قيامها {إِلاَّ كَلَمْحِ البصر} كرجع طرف وإنما ضرب به المثل لأنه لا يعرف زمان أقل منه {أَوْ هُوَ} أي الأمر {أَقْرَبُ} وليس هذا لشك المخاطب ولكن المعنى كونوا في كونها على هذا الاعتبار وقيل بل هو أقرب {إِنَّ الله على كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ} فهو يقدر(2/225)
على أن يقيم الساعة ويبعث الخلق لأنه بعض المقدورات(2/226)
وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (78)
وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (78)
ثم دل على قدرته بما بعده فقال {والله أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أمهاتكم} وبكسر الألف وفتح الميم عليّ اتباعاً لكسرة النون وبكسرهما حمزة والهاء مزيدة في أمهات للتوكيد كما زيدت في أراف فقيل أهراق وشذت زيادتها في الواحدة {لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا} حال أي غير عالمين شيئاً من حق المنعم الذي خلقكم في البطون {وَجَعَلَ لَكُمُ السمع والأبصار والأفئدة لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} أي وما ركب فيكم هذه الأشياء إلا آلات لإزالة الجهل الذي ولدتم عليه واجتلاب العلم والعمل به من شكر المنعم وعبادته والقيام بحقوقه والأفئدة في فؤاد كالأغربة في غراب وهو من جموع القلة التي جرت مجرى جموع الكثرة لعدم السماع في غيرها(2/226)
أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (79)
أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (79)
{أَلَمْ يَرَوْاْ} وبالتاء شامي وحمزة {إلى الطير مسخرات} مذللات للطيران بما خلق لها من الأجنحة والأسباب المواتية لذلك {فِى جَوِّ السمآء} هو الهواء المتباعد من الأرض في سمت العلو {مَا يُمْسِكُهُنَّ} في قبضهن وبسطهن ووقوفهن {إِلاَّ الله} بقدرته وفيه نفي لما يصوره الوهم عن خاصية القوى الطبيعية {إِنَّ فِى ذلك لآيات لقوم يؤمنون}
بأن الخلق لا غنى به عن الخالق(2/226)
وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ (80)
وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ (80)
{والله جَعَلَ لَكُمْ مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَنًا} هو فعل بمعنى مفعول أي ما يسكن إليه وينقطع إليه من بيت أو إلف {وَجَعَلَ لَكُمْ مِّن جُلُودِ الأنعام بُيُوتًا} هي قباب الأدم {تَسْتَخِفُّونَهَا} ترونها خفيفة المحمل في الضرب والنقض والنقل {يَوْمَ ظَعْنِكُمْ} بسكون العين كوفي وشامي وبفتح العين غيرهم(2/226)
والظعن بفتح العين وسكونها الارتحال {وَيَوْمَ إقامتكم} قراركم في منازلكم والمعنى أنها خفيفة عليكم في أوقات السفر والحضر على أن اليوم بمعنى الوقت {وَمِنْ أَصْوَافِهَا} أي أصواف الضأن {وَأَوْبَارِهَا} وأوبار الإبل {وَأَشْعَارِهَآ} وأشعار المعز {أَثَاثاً} متاع البيت {ومتاعا} وشيئاً ينتفع به {إلى حِينٍ} مدة من الزمان(2/227)
وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلَالًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ (81)
وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلَالًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ (81)
{والله جَعَلَ لَكُمْ مِّمَّا خَلَقَ ظلالا} كالأشجار والسقوف {وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنَ الجبال أكنانا} جمع كن وهو ما سترك من كهف أو غار {وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ} هي القمصان والثياب من الصوف والكتان والقطن {تَقِيكُمُ الْحَرَّ} وهي تقي البرد أيضاً إلا أنه اكتفى بأحد الضدين ولأن الوقاية من الحر أهم عندهم سكون البرد يسيراً محتملاً {وسرابيل تَقِيكُم بَأْسَكُمْ} ودروعاً من الحديد ترد عنكم سلاح عدوكم في قتالكم والبأس شدة الحرب والسربال وعام يقع على ما كان من حديد أو غيره {كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ} أي تنظرون في نعمته الفائضة فتؤمنون به وتنقادون له(2/227)
فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (82)
فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (82)
{فَإِن تَوَلَّوْاْ} أعرضوا عن الإسلام {فَإِنَّمَا عَلَيْكَ البلاغ المبين} أي فلا تبعة عليك في ذلك لأن الذي عليك هو التبليغ الظاهر وقد فعلت(2/227)
يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ (83)
يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ (83)
{يعرفون نعمة الله} التي عددناها بأقوالهم فإنهم يقولون إنها من الله {ثُمَّ يُنكِرُونَهَا} بأفعالهم حيث عبدوا غير المنعم أو في الشدة ثم في الرخاء {وَأَكْثَرُهُمُ الكافرون} أي الجاحدون غير المعترفين أو نعمة الله نبوة محمد صلى الله عليه وسلم كانوا يعرفونها ثم ينكرونها عناداً وأكثرهم الجاحدون المنكرون بقلوبهم وثم يدل على إنكارهم أمر مستبعد بعد حصول(2/227)
المعرفة لأن حق من عرف النعمة أن يعترف لا أن ينكر(2/228)
وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا ثُمَّ لَا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (84)
وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا ثُمَّ لَا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (84)
{ويوم} انتصابه باذكر {نبعث} نحشر
النحل (84 _ 89)
{مِْن كُلِّ أُمَةٍ شَهِيداً} نبياً يشهد لهم وعليهم بالتصديق والتكذيب والإيمان والكفر {ثُمَّ لاَ يُؤْذَنُ لِلِّذِيِنَ كَفَرُوا} في الاعتذار والمعنى لا حجة لهم فدل بترك الاذن على أن لا حجة لهم ولا عذر {وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ} ولا هم يسترضون أي لا يقال لهم ارضوا ربكم لأن الآخرة ليست بدار عمل ومعنى ثم أنهم يمنون أي يبتلون بعد شهادة الأنبياء عليهم السلام بما هو اطم وأغلب منها وهو أنهم يمنعون الكلام فلا يؤذن لهم في الفاء معذرة ولا ادلاء بحجة(2/228)
وَإِذَا رَأَى الَّذِينَ ظَلَمُوا الْعَذَابَ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (85)
وَإِذَا رَأَى الَّذِينَ ظَلَمُوا الْعَذَابَ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (85)
{وإذا رأى الذين ظَلَمُواْ} كفروا {العذاب فَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمْ} أي العذاب بعد الدخول {وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ} يمهلون قبله(2/228)
وَإِذَا رَأَى الَّذِينَ أَشْرَكُوا شُرَكَاءَهُمْ قَالُوا رَبَّنَا هَؤُلَاءِ شُرَكَاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُو مِنْ دُونِكَ فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ (86)
وَإِذَا رَأَى الَّذِينَ أَشْرَكُوا شُرَكَاءَهُمْ قَالُوا رَبَّنَا هَؤُلَاءِ شُرَكَاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُو مِنْ دُونِكَ فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ (86)
{وإذا رأى الذين أَشْرَكُواْ شُرَكَآءَهُمْ} أوثانهم التي عبدوها {قَالُواْ رَبَّنَا هَؤُلآءِ شُرَكَآؤُنَا} أي آلهتنا التي جعلناها شركاء {الذين كنا ندعو مِن دُونِكَ} أي نعبد {فَألْقَوْا إِلَيْهِمُ القول إِنَّكُمْ لكاذبون} أي أجابوهم بالتكذيب لأنها كانت جماداً لا تعرف من عبدها ويحتمل أنهم كذبوهم في تسميتهم شركاء وآلهة تنزيهاً لله عن الشرك(2/228)
وَأَلْقَوْا إِلَى اللَّهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (87)
وَأَلْقَوْا إِلَى اللَّهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (87)
{وَأَلْقَوْاْ} يعني الذين ظلموا {إلى الله يَوْمَئِذٍ السلم} إلقاء السلم الاستسلام لأمر الله وحكمه بعد الإباء والاستكبار في الدنيا {وَضَلَّ عَنْهُم} وبطل عنهم {مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ} من أن لله شركاء وأنهم ينصرونهم ويشفعون لهم حين كذبوهم وتبرءوا منهم(2/228)
الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ (88)
الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ (88)
{الذين كَفَرُواْ} في أنفسهم {وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ الله} وحملوا غيرهم على الكفر {زدناهم عَذَابًا فَوْقَ العذاب} أي عذاباً بكفرهم وعذاباً بصدهم عن سبيل الله {بِمَا كَانُواْ يُفْسِدُونَ} بكونهم مفسدين الناس بالصد(2/229)
وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلَاءِ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (89)
وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلَاءِ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (89)
{وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِى كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِّنْ أَنفُسِهِمْ} يعني نبيهم لأنه كان يبعث أنبياء الأمم فيهم منهم {وَجِئْنَا بِكَ} يا محمد {شَهِيدًا على هَؤُلآءِ} على أمتك {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الكتاب تِبْيَانًا} بليغاً {لّكُلِّ شَىْءٍ} من أمور الدين أما في الأحكام المنصوصة فظاهر وكذا فيما ثبت بالسنة أو بالإجماع أو بقول الصحابة أو بالقياس لأن مرجع الكل إلى الكتاب حيث أمرنا فيه باتباع رسوله عليه السلام وطاعته بقوله أَطِيعُواْ الله وَأَطِيعُواْ الرسول وحثنا على الإجماع فيه بقوله
النحل (89 _ 92)
ويتبع غير سبيل المؤمنين وقد رضى رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته باتباع أصحابه بقوله أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم وقد اجتهدوا وقاسوا ووطّئوا طرق الاجتهاد والقياس مع أنه أمرنا به بقوله فاعتبروا يا أولى الأبصار فكانت السنة والإجماع وقول الصحابي والقياس مستندة إلى تبيان الكتاب فنتبين أنه كان تبياناً لكل شيء {وَهُدًى وَرَحْمَةً وبشرى لِلْمُسْلِمِينَ} ودلالة إلى الحق ورحمة لهم وبشارة لهم بالجنة(2/229)
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90)
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90)
{إِنَّ الله يَأْمُرُ بالعدل} بالتسوية في الحقوق فيما بينكم وترك الظلم وإيصال كل ذي حق إلى حقه {والإحسان} إلى من أساء إليكم أو هما الفرض والندب لأن الفرض لا بد من أن يقع فيه تفريط فيجبره الندب {وَإِيتَآءِ ذِى القربى} وإعطاء ذي القرابة وهو صلة الرحم {وينهى عَنِ(2/229)
الفحشآء} عن الذنوب المفرطة في القبح {والمنكر} ما تنكره العقول {والبغي} طلب التطاول بالظلم والكبر {يَعِظُكُمُ} حال أو مستأنف {لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} تتعظون بمواعظ الله وهذه الآية سبب إسلام عثمان بن مظعون فإنه قال ما كنت أسلمت إلاحياء منه عليه السلام لكثرة ما كان يعرض علي الإسلام ولم يستقر الإيمان في قلبي حتى نزلت هذه الآية وأنا عنده فاستقر الإيمان في قلبي فقرأتها على الوليد بن المغيرة فقال والله إن له لحلاوة وإن عليه لطلاوة وإن أعلاه لمثمر وإن أسفله لمغدق وما هو بقول البشر وقال أبو جهل إن إلهه ليأمر بمكارم الأخلاق وهي أجمع آية القرآن للخير والشر ولهذه يقرؤها كل خطيب على المنبر في آخر كل خطبة لتكون عظة جامعة لكل مأمور ومنهي(2/230)
وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ (91)
وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ (91)
{وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ الله إِذَا عاهدتم} هي البيعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام إِنَّ الذين يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ الله {وَلاَ تَنقُضُواْ الأيمان} أيمان البيعة {بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} بعد توثيقها باسم الله وأكد ووكد لغتان فصيحتان والأصل الواو والهمزة بدل منها {وَقَدْ جَعَلْتُمُ الله عَلَيْكُمْ كَفِيلاً} شاهداً ورقيباً لأن الكفيل مراع لحال المكفول به مهيمن عليه {إِنَّ الله يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ} من البر والحنث فيجازيكم به(2/230)
وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (92)
وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (92)
{وَلاَ تَكُونُواْ} في نقض الأيمان {كالتى نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ} كالمرأة التي أنحت على غزلها بعد أن أحكمته وأبرمته فجعلته {أنكاثا} جمع نكث وهو ما ينكث فتله قيل هي ريطة وكانت حمقاء تغزل هي وجواربها من الغداة إلى الظهر
النحل (92 _ 96)
ثم تأمرهن فينقضن ما غزلن {تَتَّخِذُونَ أيمانكم} حال كأنكاثا {دَخَلاً} أحد مفعولي تتخذ أي ولا تنقضوا(2/230)
أيمانكم متخذيها دخلاً {بَيْنِكُمْ} أي مفسدة وخيانة {أَن تَكُونَ أُمَّةٌ} بسبب أن تكون أمة يعني جماعة قريش {هِىَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ} هي أزيد عدداً وأوفر مالاً من أمة من جماعة المؤمنين هي أربى مبتدأ وخبر في موضع الرفع صفة لأمة وأمة فاعل تكون وهي تامة وهي ليست بفصل لوقوعها بين نكرتين {إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ الله بِهِ} الضمير للمصدر أي إنما يختبركم بكونهم أربى لينظر أتتمسكون بحبل الوفاء بعهد الله وما وكدتم من أيمان البيعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم أم تغترون بكثرة قريش وثروتهم وقلة المؤمنين وفقرهم {وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ القيامة مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} إِذا جازاكم على أعمالكم بالثواب والعقاب وفيه تحذير عن مخالفة ملة الإسلام(2/231)
وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (93)
وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (93)
{وَلَوْ شَآءَ الله لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحدة} حنيفة مسلمة {ولكن يُضِلُّ مَن يَشَآءُ} من علم منه اختيار الضلالة {وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ} من علم منه اختيار الهداية {ولتسألن عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} يوم القيامة فتجزون به(2/231)
وَلَا تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (94)
وَلَا تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (94)
{وَلاَ تَتَّخِذُواْ أيمانكم دَخَلاً بَيْنَكُمْ} كرر النهي عن اتخاذ الإيمان دخلاً بينهم تأكيداً عليهم واظهار العظمة {فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا} فتزل أقدامكم عن محجة الإسلام بعد ثبوتها عليها وإنما وحدت القدم ونكرت الاستعظام أن تزل قدم واحدة عن طريق الحق بعد أن تثبت عليه فكيف بأقدام كثيرة {وَتَذُوقُواْ السوء} في الدنيا {بِمَا صَدَدتُّمْ} بصدودكم {عَن سَبِيلِ الله} وخروجكم عن الدين أو بصدكم غيركم لأنهم لو نقضوا أيمان البيعة وارتدوا لا تخذوا نقضها سنة لغيرهم يستنون بها {وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} في الآخرة(2/231)
وَلَا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا إِنَّمَا عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (95)
وَلَا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا إِنَّمَا عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (95)
{وَلاَ تَشْتَرُواْ} ولا تستبدلوا {بِعَهْدِ الله} وبيعة رسول الله صلى الله عليه وسلم {ثَمَناً(2/231)
قَلِيلاً} عرضاً من الدنيا يسيراً كأن قوماً ممن أسلم بمكة زين لهم الشيطان لجزعهم مما رأوا من غلبة قريش واستضعافهم المسلمين ولما كانوا يعدونهم إن رجعوا من المواعيد أن ينقضوا ما بايعوا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فثبتهم الله {إِنَّمَا عِنْدَ الله} من ثواب الآخرة {هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}(2/232)
مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (96)
مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (96)
{ما عندكم} من
النحل (96 _ 101)
أعراض الدنيا {يَنفَدُ وَمَا عِندَ الله} من خزائن رحمته {باق} لا ينفد / وليجزين / وبالنون مكي وعاصم {الذين صَبَرُواْ} على أذى المشركين ومشاق الإسلام {أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يعملون}(2/232)
مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (97)
مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (97)
{مَنْ عَمِلَ صالحا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أنثى} من مبهم يتناول النوعين إلا أن ظاهره للذكور فبين بقوله من ذكر أو أنثى ليعم الموعد النوعين {وَهُوَ مُؤْمِنٌ} شرط الإيمان لأن أعمال الكفار غير معتد بها وهو يدل على أن العمل ليس من الإيمان {فلنحيينه حياة طيبة} أي في الدنيا {وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} وعده الله ثواب الدنيا والآخرة كقوله فاتاهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة وذلك أن المؤمن مع العمل الصالح موسراً كان أو معسراً يعيش عيشاً طيباً إن كان موسراً فظاهر وإن كان معسراً فمعه ما يطيب عيشه وهو القناعة والرضا بقسمة الله تعالى وأما الفاجر فأمره بالعكس إن كان معسراً فظاهر وإن كان موسراً فالحرص لا يدعه أن يتهنأ بعيشه وقيل الحياة الطيبة القناعة أو حلاوة الطاعة أو المعرفة بالله وصدق المقام مع الله وصدق الوقوف على أمر الله والإعراض عما سوى الله(2/232)
فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (98)
فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (98)
{فإذا قرأت القرآن} فإذا أردت قراءة القرآن {فاستعذ بالله} فعبر عن إرادة الفعل بلفظ الفعل لأنها سبب له والفاء للتعقيب إذ القراءة المصدرة بالاستعاذة من العمل الصالح المذكور {مِنَ الشيطان} يعني إبليس {الرجيم} المطرود أو الملعون قال ابن مسعود رضي الله عنه قرأت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم فقال لي قل أعوذ بالله من الشيطان الرجيم هكذا أقرأنيه جبريل عليه السلام(2/233)
إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (99)
إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (99)
{إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ} لإبليس {سلطان} تسلط وولاية {على الذين آمنوا وعلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} فالمؤمن المتوكل لا يقبل منه وساوسه(2/233)
إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ (100)
إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ (100)
{إِنَّمَا سلطانه على الذين يَتَوَلَّوْنَهُ} يتخذونه ولياً ويتبعون وساوسه {والذين هُم بِهِ مُشْرِكُونَ} الضمير يعود إلى ربهم أو إلى الشيطان أي بسببه(2/233)
وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (101)
وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (101)
{وإذا بدلنا آية مكان آية} تبديل الآية مكان الآية هو النسخ والله تعالى ينسخ الشرائع بالشرائع لحكمة رآها وهو معنى قوله {والله أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ} وبالتخفيف
النحل (101 _ 105)
مكي وأبو عمرو {قَالُواْ إِنَّمَا أَنتَ مُفْتَرٍ} هو جواب إذا وقوله والله أعلم بما ينزل اعتراض كانوا يقولون إن محمداً يسخر بأصحابه يأمرهم اليوم بأمر وينهاهم عنه غداً فيأتيهم بما هو أهون ولقد افتروا فقد كان ينسخ الأشق بالأهون والأهون بالأشق {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} الحكمة في ذلك(2/233)
قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (102)
قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (102)
{قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ القدس} أي جبريل عليه السلام أضيف إلى إلى القدس وهو الطهر كما يقال حاتم الجود والمراد الروح والمقدس وخاتم الجواد والمقدس المطهر من المآثم {مِن رَبِّكَ} من عنده امره {بالحق} حال أي نزله ملتبساً بالحكمة {لِيُثَبِّتَ الذين آمنوا} ليبلوهم بالنسخ حتى إذا قالوا فيه هو الحق من ربنا والحكمة لأنه حكيم لا يفعل إلا ما هو حكمة وصواب حكم لهم بثبات القدم وصحة اليقين وطمأنينة القلوب {وَهُدًى وبشرى} مفعول لهما معطوفان على محل ليثبت والتقدير تثبيتاً لهم وإرشاداً وبشارة {لِلْمُسْلِمِينَ} وفيه تعريض بحصول أضداد هذه الخصال لغيرهم(2/234)
وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ (103)
وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ (103)
{وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلّمُهُ بَشَرٌ} أراودا به غلاما كان لحو يطب قد أسلم وحسن إسلامه اسمه عائش أو يعيش وكان صاحب كتب أو هو جبر غلام رومي لعامر بن الحضرمي أو عبدان جبر ويسار كانا يقرآن التوراة والإنجيل فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمع ما يقرآن أو سلمان الفارسي {لِّسَانُ الذى يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ} وبفتح الياء والحاء حمزة وعلي {أَعْجَمِىٌّ وهذا لِسَانٌ عَرَبِىٌّ مُّبِينٌ} أي لسان الرجل الذي يميلون قولهم عن الاستقامة إليه لسان أعجمي غير بيّن وهذا القرآن لسان عربي مبين ذو بيان وفصاحة رداً لقولهم وإبطالاً لطعنهم وهذه الجملة أعني لسان الذي يلحدون إليه أعجمي لا محل لها لأنها مستأنفة جواب لقولهم واللسان اللغة ويقال الحد القبر ولحده وهو وملحود وملحوذ إذا أمال حفره عن الاستقامة فحفر في شق منه ثم استعير لكل إمالة عن الاستقامة فقالوا ألحد فلان في قوله وألحد في دينه ومنه الملحد لأنه أمال مذهبه عن الأديان كلها(2/234)
إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ لَا يَهْدِيهِمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (104)
إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ لَا يَهْدِيهِمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (104)
{إِنَّ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بآيات الله} أي القرآن {لاَ يَهْدِيهِمُ الله} ما داموا مختارين الكفر {وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} في الآخرة على كفرهم(2/235)
إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ (105)
إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ (105)
{إِنَّمَا يَفْتَرِى الكذب} على الله {الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بآيات الله} أي إنما يليق افتراء الكذب بمن لا يؤمن لأنه
النحل (105 _ 107)
لا يترقب عقاباً عليه وهو رد لقولهم إنما أنت مفتر {وَأُوْلئِكَ} إشارة إلى الذين لا يؤمنون أي وأولئك {هُمُ الكاذبون} على الحقيقة الكاملون في الكذب لأن تكذيب آيات الله أعظم الكذب أو وأولئك هم الكاذبون في قولهم إنما أنت مفتر جوزوا أن يكون(2/235)
مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (106)
مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (106)
{مَن كَفَرَ بالله مِن بَعْدِ إيمانه} شرطاً مبتدأ أو حذف جوابه لأن جواب من شرح دال عليه كأنه قيل من كفر بالله فعليهم غضب {إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بالإيمان} ساكن به {ولكن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا} أي طاب به نفساً واعتقده {فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ الله وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} وأن يكون بدلاً من الذين لا يؤمنون بآيات الله على أن يجعل وأولئك هم الكاذبون اعتراضاً بين البدل والمبدل منه والمعنى إنما يفتري الكذب من كفر بالله من بعد إيمانه واستثنى منهم المكره فلم يدخل تحت حكم الإفتراء ثم قال ولكن من شرح بالكفر صدراً فعليهم غضب من الله وأن يكون بدلاً من المبتدأ الذي هو أولئك أي ومن كفر بالله من بعد إيمانه هم الكاذبون أو من الخبر الذي هو الكاذبون أي وأولئك هم من كفر بالله من بعد ايمانه وأن ينتصب على الذم رُوى أنَّ ناساً من أهل مكة فتنوا فارتدوا وكان فيهم من أكره فأجرى كلمة الكفر على لسانه وهو معتقد للإيمان منهم عمار وأما أبواه ياسر(2/235)
وسمية فقد قتلاوهما أول قتيلين في الإسلام فقيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم إن عماراً كفر فقال كلا إن عماراً ملىء إيماناً من قرنة إلى قدمه واختلط الايمان لحمه ودمه فأتى عمار رسول الله صلى عليه وسلم وهو يبكى فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح عينيه وقال مالك إن عادوا لك فعدهم بما قلت وما فعل أبو عمار أفضل لأن في الصبر على القتل إعزازاً للإسلام(2/236)
ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (107)
ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (107)
{ذلك} إشارة إلى الوعيد وهو لحوق الغضب والعذاب العظيم {بِأَنَّهُمُ استحبوا} آثروا {الحياة الدُّنْيَا على الآخِرَةِ} أي بسبب إيثارهم الدنيا على الآخرة {وَأَنَّ الله لاَ يَهْدِى القوم الكافرين} ما داموا مختارين للكفر(2/236)
أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ (108)
أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ (108)
{أُولَئِكَ الذين طَبَعَ الله على قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وأبصارهم} فلا يتدبرون ولا يصغون إلى المواعظ ولا يبصرون طريق الرشاد {وَأُولَئِكَ هُمُ الغافلون} أي الكاملون في الغفلة لأن الغفلة عن تدبر العواقب هي غاية الغفلة ومنتهاها
النحل (109 _ 112)(2/236)
لَا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْخَاسِرُونَ (109) ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (110)
لَا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْخَاسِرُونَ (109) ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (110)
{لاَ جَرَمَ أَنَّهُمْ فِى الآخرة هُمُ الخاسرون} {ثم إن ربك} ثم يدل على تباعد حال هؤلاء من حال أولئك {لِلَّذِينَ هاجروا} من مكة أي أنه لهم لا عليهم يعني أنه وليهم وناصرهم لا عدوهم وخاذلهم كما يكون الملك للرجل لا عليه فيكون محمياً منفوعاً غير مضرور(2/236)
{مِن بَعْدِ مَا فُتِنُواْ} بالعذاب والإكراه على الكفر فَتِنوا شامي أي بعد ما عذبوا المؤمنين ثم أسلموا {ثُمَّ جاهدوا} المشركين بعد الهجرة {وَصَبَرُوآ} على الجهاد {إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا} من بعد هذه الأفعال وهي الهجرة والجهاد والصبر {لَغَفُورٌ} لهم لما كان منهم من التكلم بكلمة الكفر تقية {رَّحِيمٌ} لا يعذبهم على ما قالوا في حالة الإكراه(2/237)
يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (111)
يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (111)
{يوم تأتي} منصوب برحيم أو باذكر {كُلُّ نَفْسٍ تجادل عَن نَّفْسِهَا} وإنما أضيفت النفس إلى النفس لأنه يقال لعين الشيء وذاته نفسه وفي نقيضه غيره والنفس الجملة كما هي فالنفس الأولى هي الجملة والثانية عينها وذاتها فكأنه قيل يوم يأتي كل إنسان يجادل عن ذاته لا يهمه شأن غيره كلٌّ يقول نفسي نفسي ومعنى المجادلة عنها الاعتذار كقولهم هؤلاء أضلونا ربنا انا أطعنا سادتنا وكبراءنا الآية والله ربنا ما كنا مشركين {وتوفى كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ} تعطى جزاء عملها وافياً {وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ} في ذلك(2/237)
وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (112)
وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (112)
{وَضَرَبَ الله مَثَلاً قَرْيَةً} أي جعل القرية التي هذه حالها مثلاً لكل قوم أنعم الله عليهم فأبطرتهم النعمة فكفروا وتولوا فأنزل الله بهم نقمته فيجوز أن يراد قرية مقدرة على هذه الصفة وأن تكون في قرى الأولين قرية كانت هذه حالها فضربها الله مثلا لمكة انذارا من مثل عاقبتها {كانت آمنة} من القتل والسبى {مُّطْمَئِنَّةً} لا يزعجها خوف لأن الطمأنينة مع الأمن والانزعاج والقلق مع الخوف {يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا} واسعاً {مِّن كُلِّ مَكَانٍ} من كل بلد {فَكَفَرَتْ} أهلها {بِأَنْعُمِ الله} جمع نعمة على ترك الاعتداد بالتاء كدرع وأدرع أو جمع نعم كبؤس وأبؤس {فَأَذَاقَهَا الله(2/237)
لِبَاسَ الجوع والخوف بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ} الإذاقة واللباس استعارتان والإذاقة المستعارة موقعة على اللباس المستعار ووجه صحة ذلك أن الإذاقة جارية عندهم مجرى الحقيقة لشيوعها في البلايا والشدائد وما يمس الناس منها فيقولون ذاق فلان البؤس والضر وأذاقه العذاب شبه ما يدرك من أثر الضرر والألم بما يدرك من طعم المر والبشع وأما اللباس
النحل (113 _ 116)
فقد شبه به لاشتماله على اللابس ما غشى الإنسان والتبس به من بعض الحوادث وأما إيقاع الإذاقة على لباس الجوع والخوف فلأنه لما وقع عبارة عما يغشى منهما ويلابس فكأنه قيل فأذاقهم ما غشيهم من الجوع والخوف(2/238)
وَلَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ (113)
وَلَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ (113)
{ولقد جاءهم رسول منهم} أي محمد صلى الله عليه وسلم {فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ العذاب وَهُمْ ظالمون} أي في حال التباسهم بالظلم قالوا إنه القتل بالسيف يوم بدر روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وجه إلى أهل مكة في سني القحط بطعام ففرق فيهم فقال الله لهم بعد أن أذاقهم الجوع(2/238)
فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (114)
فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (114)
{فَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ الله} على يدي محمد صلى الله عليه وسلم {حلالا طَيِّباً} بدلاً عما كنتم تأكلونه حراماً خبيثاً من الأموال المأخوذة بالغارات والغصوب وخبائث الكسوب {واشكروا نعمة الله إِن كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} تطيعون أو إن صح زعمكم أنكم تعبدون الله بعبادة الآلهة لأنها شفعاؤكم عنده(2/238)
إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (115)
إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (115)
ثم عدد عليهم محرمات الله ونهاهم عن تحريمهم وتحليلهم بأهوائهم فقال {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الميتة والدم وَلَحْمَ الخنزير وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ الله بِهِ فَمَنِ اضطر غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ} إنما للحصر أي المحرم هذا دون البحيرة وأخواتها وباقي الآية قد مر تفسيره(2/238)
وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ (116)
وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ (116)
{وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الكذب} هو منصوب بلا تقولوا أي ولا تقولوا الكذب لما تصفه ألسنتكم من البهائم بالحل والحرمة في قولكم مَا فِى بُطُونِ هذه الأنعام خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا من غير استناد ذلك الوصف إلى الوحي أو إلى القياس المستنبط منه واللام مثلها في قولك لا تقولوا لما أحل الله هو حرام وقوله {هذا حلال وهذا حَرَامٌ} بدل من الكذب ولك أن تنصب الكذب بتصف وتجعل ما مصدرية وتعلق هذا حلال وهذا حرام بلا تقولوا أي ولا تقولوا هذا حلال وهذا حرام وهذا لوصف ألسنتكم الكذب أي ولا تحوموا ولا تحللوا لأجل قول تنطق به ألسنتكم ويجول في أفواهكم لا لأجل حجة وبينة ولكن قول ساذج ودعوى بلا برهان وقوله تصف ألسنتكم الكذب من فصيح الكلام جعل قولهم كأنه عين الكذب فإذا نطقت به ألسنتهم فقد حلت الكذب بحليته وصورته بصورته كقولك وجهها يصف الجمال وعينها تصف السحر واللام في {لِّتَفْتَرُواْ على الله الكذب} من التعليل الذي لا يتضمن معنى الغرض {إِنَّ الذين يَفْتَرُونَ عَلَى الله الكذب لاَ يفلحون}(2/239)
مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (117)
مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (117)
{متاع قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}
هو خبر مبتدأ محذوف أي منفعتهم فيما هم عليه من أفعال الجاهلية منفعة قليلة وعذابها عظيم(2/239)
وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا مَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (118)
وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا مَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (118)
{وعلى الذين هَادُواْ حَرَّمْنَا مَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ مِن قَبْلُ} في سورة الأنعام يعني وَعَلَى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر الآية {وَمَا ظلمناهم} بالتحريم {ولكن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} فحرمنا عليهم عقوبة على معاصيهم(2/239)
ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (119)
ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (119)
{ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُواْ السوء بجهالة} في موضع الحال أي(2/239)
عملوا السوء جاهلين غير متدبرين للعاقبة لغلبة الشهوة عليهم ومرادهم لذة الهوى لاعصيان المولى {ثُمَّ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُواْ إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا} من بعد التوبة {لَغَفُورٌ} بتكفير ما كثروا قبل من الجرائم {رَّحِيمٌ} بتوثيق ما وثقوا بعد من العزائم(2/240)
إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (120)
إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (120)
{إِنَّ إبراهيم كَانَ أُمَّةً} إنه كان وحده أمة من الأمم لكماله في جميع صفات الخير كقوله
ليس على الله بمستنكر ... أن يجمع العالم في واحد
وعن مجاهد كان مؤمنا وحده الناس كلهم كفار أو كان أمة بمعنى مأموم يؤمه الناس ليأخذوا منه الخير {قَانِتاً لِلَّهِ} هو القائم بما أمره الله وقال ابن مسعود رضي الله عنه إن معاذاً كان أمة قانتاً لله فقيل له إنما هو إبراهيم عليه السلام فقال الأمة الذي يعلم الخير والقانت المطيع لله ورسوله وكان معاذ كذلك وقال عمر رضي الله عنه لو كان معاذ حياً لاستخلفته فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أبو عبيدة أمين هذه الأمة ومعاذ أمة الله قانت لله ليس بينه وبين الله يوم القيامة إلا المرسلون {حَنِيفاً} مائلاً عن الأديان إلى ملة الإسلام {وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} نفى عنه الشرك تكذيباً لكفار قريش لزعمهم أنهم على ملة أبيهم إبراهيم وحذف النون للتشبيه بحروف اللين(2/240)
شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (121)
شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (121)
{شَاكِراً لأَنْعُمِهِ} رُوى أنه كان لا يتغدى إلا مع ضيف فلم يجد ذات يوم ضيفاً فأخر غداءه فإذا هو بفوج من الملائكة في صورة البشر فدعاهم إلى الطعام فخيلوا له أن بهم جذاماً فقال الآن وجبت مؤاكلتكم(2/240)
شكراً لله على أنه عافاني وابتلاكم {اجْتَبَاهُ} اختصه واصطفاه للنبوة {وَهَدَاهُ إلى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} إلى ملة الإسلام(2/241)
وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (122)
وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (122)
{وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً} نبوة وأموالاً وأولاداً أو تنويه الله بذكره فكل أهل دين يتولونه أو قول المصلى منا
النحل (122 _ 126)
كما صليت على إبراهيم {وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ} لمن أهل الجنة(2/241)
ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (123)
ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (123)
{ثُمَّ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكين} في ثم تعظيم منزلة نبينا عليه السلام وإجلال محله والإيذان بأن أشرف ما أوتي خليل الله من الكرامة اتباع رسولنا ملته(2/241)
إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (124)
إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (124)
{إنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اختَلَفُوا فِيهِ} أي فرض عليهم تعظيمه وترك الاصطياد فيه {وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} رُوى أن موسى عليه السلام أمرهم أن يجعلوا في الأسبوع يوماً للعبادة وأن يكون يوم الجمعة فأبوا عليه وقالوا نريد اليوم الذي فرغ الله فيه من خلق السموات والأرض وهو السبت إلا شرذمة منهم قد رضوا بالجمعة فهذا اختلافهم في السبت لأن بعضهم اختاروه وبعضهم اختاروا عليه الجمعة فأذن الله لهم في السبت وابتلاهم بتحريم الصيد فأطاع أمر الله الرضوان بالجمعة فكانوا لا يصيدون وأعقابهم يصبروا عن الصيد فمسخهم الله دون أولئك وهو يحكم بينهم يوم القيامة فيجازي كل واحد من الفريقين بما هو أهله(2/241)
ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (125)
ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (125)
{ادع إلى سَبِيلِ رَبِّكَ} إلى الإسلام {بِالْحِكْمَةِ} بالمقالة الصحيحة المحكمة وهو الدليل الموضح للحق المزيل للشبهة {وَالمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} وهي التي لا يخفى عليهم أنك تناصحهم بها وتقصد ما ينفعهم فيها أو(2/241)
بالقرآن أي ادعهم بالكتاب الذي هو حكمة وموعظة حسنة والحكمة المعرفة بمراتب الأفعال والموعظة الحسنة أن يخلط الرغبة بالرهبة والإنذار بالبشارة {وَجَادِلُهُم بِالِّتِي هِيَ أَحْسَنُ} بالطريقة التي هي أحسن طرق المجادلة من الرفق واللين من غير فظاظة أو بما يوقظ القلوب ويعظ النفوس ويجلو العقول وهو رد على من يأبى المناظرة في الدين {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سبيله وَهُوَ أَعْلَمُ بالمهتدين} أي هو أعلم بهم فمن كان فيه خير كفاه الوعظ القليل ومن لا خير فيه عجزت عنه الحيل(2/242)
وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ (126)
وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ (126)
{وَإنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ} سمى الفعل الأول عقوبة والعقوبة هي الثانية لازدواج الكلام كقوله جزاء سيئة سيئة مثلها فالثانية ليست بسيئة والمعنى إن صنع بكم صنيع سوء من قتل أو نحوه فقابلوه بمثله ولا تزيدوا عليه رُوى أن المشركين مثلوا بالمسلمين يوم أحد بقروا بطونهم وقطعوا مذاكيرهم فرأى النبي عليه السلام حمزة
النحل (126 _ 128)
مبقور البطن فقال أما والذي أحلف به لأمثلن بسبعين مكانك فنزلت فكفر عن يمينه وكف عما أراده ولا خلاف في تحريم المثلة لورود الأخبار بالنهي عنها حتى بالكلب العقور {وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ} الضمير في له يرجع إلى مصدر صبرتم والمراد بالصابرين المخاطبون أي ولئن صبرتم لصبركم خير لكم فوضع الصابرين موضع الضمير ثناء من الله عليهم لأنهم صابرون على الشدائد(2/242)
وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (127)
وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (127)
ثم قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم {وَاصْبِرْ} أنت فعزم عليه بالصبر {وَمَا صبَرُكَ إِلاَّ بِاللَّهِ} أي بتوفيقه وتثبيته {وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ} على الكفار أن لم يؤمنوا وعلى المؤمنين(2/242)
وما فعل بهم الكفار فإنهم وصلوا إلى مطلوبهم {وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ} ضِيق مكي والضيق تخفيف الضيق أي في أمر ضيق ويجوز أن يكونا مصدرين كالقيل والقول والمعنى ولا يضيقن صدرك من مكرهم فإنه لا ينفذ عليك(2/243)
إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ (128)
إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ (128)
{إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوا والَّذِينَ هُم محسنون} أي هو ولى الذين اجتنبوا السيآت وولي العاملين بالطاعات قيل من اتقى في أفعاله وأحسن في أعماله كان الله معه في أحواله ومعينه نصرته في المأمور وعصمته في المحظور(2/243)
سورة بنى إسرائيل مكية وهي مائة وعشر آيات بصرى واحدى عشرة آية كوفي وشامى
بسم الله الرحمن الرحيم
الإسراء (1)(2/244)
سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (1)
سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (1)
{سُبْحَانَ} تنزيه الله عن السوء وهو علم للتسبيح كعثمان للرجل وانتصابه بفعل مضمر متروك إِظهاره تقديره أسبح الله سبحان ثم نزل سبحان منزلة الفعل فسد مسده ودل على التنزيه البليغ {الذي أسرى بعبده} محمد صلى الله عليه وسلم وسرى وأسرى لغتان {لَيْلاً} نصب على الظرف وقيده بالليل والإسراء لا يكون إلا بالليل للتأكيد أو ليدل بلفظ التنكير على تقليل مدة الإسراء وأنه أسرى به في بعض الليل من مكة إلى الشام مسيرة أربعين ليلة {مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} قيل أسري به من دار أم هانىء بنت أبي طالب والمراد بالمسجد الحرام الحرم لإحاطته بالمسجد والتباسه به وعن ابن عباس رضي الله عنهما الحرم كله مسجد وقيل هو المسجد الحرام بعينه وهوالظاهر فقد
الإسراء (1 _ 4)
قال عليه السلام بينما انا في المسجد الحرام في ال عند البيت بين النائم واليقظان إذ أتاني جبريل بالبراق وقد عرج بي إلى السماء في تلك الليلة وكان العروج به من بيت المقدس وقد أخبر قريشاً عن عيرهم وعدد جمالها وأحوالها وأخبرهم أيضاً بما رأى في السماء من(2/244)
العجائب وأنه لقي الأنبياء عليهم السلام وبلغ البيت المعمور وسدرة المنتهى وكان الإسراء قبل الهجرة بسنة وكان في اليقظة وعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت والله ما فقد جسد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن عرج بروحه وعن معاوية مثله وعلى الأول الجمهور إذ لا فضيلة للحالم ولا مزية للنائم {إلى المسجد الأقصى} هو بيت المقدس لأنه لم يكن حينئذ وراءه مسجد {الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ} يريد بركات الدين والدنيا لأنه متعبد الأنبياء عليهم السلام ومهبط الوحي وهو محفوف بالأنهار الجارية والأشجار المثمرة {لِنُرِيَهُ} أي محمداً عليه السلام {مِنْ آيَاتِنَا} الدالة على وحدانية الله وصدق نبوته وبرؤيته السموات وما فيها من الآيات {إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ} للأقوال {الْبَصِيرُ} بالأفعال ولقد تصرف الكلام على لفظ الغائب والمتكلم فقيل أسرى ثم باركنا ثم إنه هو وهي طريقة الالتفات التي هي من طريق البلاغة(2/245)
وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا (2)
وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا (2)
{وَآتَيْنَا مُوَسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ} أي الكتاب وهو التوارة {هُدًى لبني إِسْرَائِيلَ أَلاَّ تَتَّخِذُوا} أي لا تتخذوا وبالياء أبو عمرو أي لئلا يتخذوا {مِن دُونِي وَكِيلاً} رباً تكلون إليه أموركم(2/245)
ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا (3)
ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا (3)
{ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ} نصب على الاختصاص أو على النداء فيمن قرأ لا تتخذوا بالياء على النهي أي قلنا لهم لا تتخذوا من دوني وكيلاً يا ذرية من حملنا مع نوح {إِنَّهُ} إن نوحاً عليه السلام {كَانَ عَبْداً شَكُوراً} في السراء والضراء والشكر مقابلة النعمة بالثناء على المنعم وروي أنه كان لا يأكل ولا يشرب ولا يلبس إلا قال الحمد لله وأنتم ذرية من آمن به وحمل معه فاجعلوه أسوتكم كما جعله آباؤكم أسوتهم وآية(2/245)
رشد الأبناء صحة الاقتداء بسنة الآباء وقد عرفتم حال الآباء هنالك فكونوا أيها الأبناء كذلك(2/246)
وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا (4)
وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا (4)
{وقضينا إلى بني إسرائيل فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ} وأوحينا إليهم وحياً مقضياً أي مقطوعاً مبتوتاً بأنهم يفسدون في الأرض لا محالة والكتاب التوارة ولتفسدن جواب قسم محذوف أو جرى القضاء المبتوت مجرى القسم فيكون لتفسدن جواباً له كأنه قال وأقسمنا لتفسدن في الأرض {مَرَّتَيْنِ} أولاهما قتل زكرياء عليه السلام وحبس أرمياء عليه السلام حين أنذرهم سخط الله والأخرى قتل يحيى بن زكرياء عليهما السلام وقصد قتل عيسى عليه السلام {وَلَتَعْلُنَّ عُلُوَّاً كَبِيراً} ولتستكبرن عن طاعة الله من قوله إِن فرعون علا في الأرض والمراد به البغى والظلم وغلبة
الإسراء (5 _ 8)
المفسدين على المصلحين(2/246)
فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا (5)
فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا (5)
{فإذا جاء وعد أولاهما} أي وعد عقاب أولاهما {بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ} سلطنا عليكم {عِبَاداً لَّنَا أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدِ} أشداء في القتال يعني سنجاريب وجنوده أو بختنصر أو جالوت قتلوا علماءهم وأحرقوا التوارة وخربوا المسجد وسبوا منهم سبعين ألفاً {فَجَاسُوا خِلالَ الدِّيَارِ} ترددوا للغارة فيها قال الزجاج الجوس طلب الشيء بالاستقصاء {وَكَانَ وَعْداً مَّفْعُولاً} وكان وعد العقاب وعد الابدان يفعل(2/246)
ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا (6)
ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا (6)
{ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ} أي الدولة والغلبة {عَلَيْهِمْ} على الذين بعثوا عليكم حين تبتم ورجعتم عن الفساد والعلو قيل هي قتل بختنصر واستنقاذ بني إسرائيل أسراهم وأموالهم ورجوع الملك إليهم وقيل أعدنا لكم الدولة بملك طالوت وقتل داود جالوت {وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً} مما كنتم وهو تمييز جمع نفر وهو من ينفر مع الرجل من قومه(2/246)
إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا (7)
إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا (7)
{إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} قيل اللام بمعنى على كقوله وعليها ما اكتسبت والصحيح أنها على بابها لأن اللام للاختصاص والعامل مختص بجزاء عمله حسنة كانت أو سيئة يعنى أن الاحسان والاساءة تختص بأنفسكم لا يتعدى النفع والضرر إلى غيركم وعن على رضي الله عنه ما أحسنت إلى أحد ولا أسأت إليه وتلاها {فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ الآخِرَةِ} وعد المرة الآخرة بعثناهم {لِيَسوؤوا} أي هؤلاء {وُجُوهَكُمْ} وحذف لدلالة ذكره أولاً عليه أي ليجعلوها بادية آثار المساءة والكآبة فيها كقوله سيئت وجوه الذين كفروا ليسوء شامي وحمزة وأبو بكر والضمير لله عز وجل أو للوعد أو للبعث لنسوء علي {وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ} بيت المقدس {كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيراً} ما علوا مفعول لتبروا أي ليهلكوا كل شيء غلبوه واستولوا عليه أو بمعنى مدة علوهم(2/247)
عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا (8)
عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا (8)
{عسى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ} بعد المرة الثانية إن تبتم توبة أخرى وانزجرتم عن المعاصي {وَإِنْ عُدتُّمُ} مرة ثالثة {عُدْنَا} إلى عقوبتكم وقد عادوا فأعاد الله عليهم النقمة بتسليط الأكاسرة وضرب الإتاوة عليهم وعن ابن عباس رضي الله عنهما سلط عليهم المؤمنون إلى
الإسراء (8 _ 12)
يوم القيامة {وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيراً} محبساً يقال للسجن محصر وحصير(2/247)
إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا (9)
إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا (9)
{إِنَّ هذا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} للحالة التي هي أقوم الحالات وأسدها وهي توحيد الله والإيمان برسله والعمل بطاعته أو للملة أو للطريقة {ويُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ} ويَبْشر حمزة وعلي {أَنَّ لَهُمْ} بأن لهم {أَجْراً كَبِيراً} أي الجنة(2/247)
وَأَنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (10)
وَأَنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (10)
{وَأَنَّ الَّذِينَ} وبأن الذين {لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ أَعْتَدْنَا} أي أعددنا قلبت تاء {لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً} يعني النار والآية ترد القول بالمنزلة بين المنزلتين حيث ذكر المؤمنين وجزاءهم والكافرين وجزاءهم ولم يذكر الفسقة(2/248)
وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا (11)
وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا (11)
{وَيَدْعُ الإنسَانُ بِالشَّرِّ دُعَآءَهُ بِالْخَيْرِ} أي ويدعو الله عند غضبه بالشر على نفسه وأهله وماله وولده كما يدعو لهم بالخير أو يطلب النفع العاجل وإن قل بالضرر الآجل وإن جل {وَكَانَ الإنسَانُ عَجُولاً} يتسرع إلى طلب كل ما يقع في قلبه ويخطر بباله لا يأتى فيه تأني المتبصر أو أريد بالإنسان الكافر وأنه يدعوه بالعذاب استهزاء ويستعجل به كما يدعو بالخير إذا مسته الشدة وكان الإنسان عجولاً يعني أن العذاب آتيه لا محالة فما هذا الاستعجال وعن ابن عباس رضي الله عنهما هو النصر بن الحرث قال اللهم إِن كَانَ هذا هُوَ الحق مِنْ عِندِكَ الآية فأجيب فضربت عنقه صبراً وسقوط الواو من يدع في الخط على موافقة اللفظ(2/248)
وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا (12)
وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا (12)
{وَجَعَلْنَا الَّليْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ الَّليْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً} أي الليل والنهار آيتان في أنفسهما فتكون الإضافة في آية الليل وآية النهار للتبيين كإضافة العدد إلى المعدود أي فمحونا الآية التي هي الليل وجعلنا الآية التي هي النهار مبصرة أو وجعلنا نيرى الليل والنهار آيتيتن يريد الشمس والقمر فمحونا آية الليل التي هي القمر حيث لم يخلق له شعاعاً كشعاع الشمس فترى الأشياء به رؤية بينة وجعلنا الشمس ذات شعاع يبصر في ضوئها كل شيء {لِّتَبْتَغُوا فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ} لتتوصلوا ببياض النهار إلى التصرف في معايشكم {وَلِتَعْلَمُوا} باختلاف الجديدين {عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ} يعني حساب الآجال ومواسم الأعمال ولو كانا مثلين لما عرف الليل من النهار ولا استراح
الإسراء (12 _ 17)
حراص المكنسبين والتجار {وَكُلَّ شَيْءٍ} مما تفتقرون إليه في(2/248)
دينكم ودنياكم {فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً} بيناه بياناً غير ملتبس فأزحنا عللكم وما تركنا لكم حجة علينا(2/249)
وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا (13)
وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا (13)
{وَكُلَّ إنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ} عمله {فِي عُنُقِهِ} يعني أن عمله لازم له لزوم القلادة أو الغل للعنق لا يفك عنه {وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ} هو صفة لكتابا يُلقَّاه شامي {مَنْشوراً} حال من يلقاه يعني غير مطوي ليمكنه قراءته أو هما صفتان للكتاب ونقول له(2/249)
اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا (14)
اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا (14)
{اقْرَأْ كِتَابَكَ} أي كتاب أعمالك وكلٌّ يُبعث قارئاً {كفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ} الباء زائدة أي كفى نفسك {حَسِيباً} تمييز وهو بمعنى حاسب وعلى متعلق به من قولك حسب عليه كذا أو بمعنى الكافي وضع موضع الشهيد فعدي بعلى لأن الشاهد يكفي المدعى ما أهمه وإنما ذكر حسيباً لأنه بمنزلة الشهيد والقاضي والأمير إذ الغالب أن يتولى هذه الأمور الرجال فكأنه قيل كفى نفسك رجلاً حسيباً أو تؤوّل النفس بالشخص(2/249)
مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا (15)
مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا (15)
{مَّنِ اهتدى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا} أي فلها ثواب الاهتداء وعليها وبال الضلال {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أخرى} أي كل نفس حاملة وزراً فإنما تحمل وزرها لا وزر نفس أخرى {وَمَا كنا مُعَذِّبِينَ حتى نَبْعَثَ رَسُولاً} وما صح منا أن نعذب قوماً عذاب استئصال في الدنيا إلا بعد أن نرسل إليهم رسولاً يلزمهم الحجة(2/249)
وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا (16)
وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا (16)
{وَإِذَآ أَرَدْنَآ أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً} أي أهل قرية {أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا} متنعميها وجبابرتها بالطاعة عن أبي عمرو والزجاج {فَفَسَقُوا فِيهَا} أي خرجوا عن الأمر كقولك أمرته فعصى أو أمرنا كثرنا دليله قراءة يعقوب(2/249)
أمرنا ومنه الحديث خير المال سكة مأبورة ومهرة مأمورة أي كثيرة النسل {فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ} فوجب عليها الوعيد {فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً} فأهلكناها إهلاكاً(2/250)
وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا (17)
وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا (17)
{وَكَمْ} مفعول {أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ} بيان لكم {من بعد نوح} يعنى عادا وثمود وغيرهما {وكفى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خِبِيراً} وإن أخفوها في الصدور {بصيرا} وإن أرخوا
الإسراء (18 _ 22)
عليها الستور(2/250)
مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا (18)
مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا (18)
{مَن كَانَ يُريدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشآءُ} لا ما يشاء {لِمَن نُّرِيدُ} بدل من له بإعادة الجار وهو بدل البعض من الكل إذ الضمير يرجع إلى من أي من كانت العاجلة همه ولم يرد غيرها كالكفرة تفضلنا عليه من منافعها بما يشاء لمن نريد فقيد المعجل بمشيئته والمعجل له بإرادته وهكذا الحال ترى كثيراً من هؤلاء يتمنون ما يتمنون ولا يعطون إلا بعضاً منه وكثيراً منهم يتمنون ذلك البعض وقد حرموه فاجتمع عليهم فقر الدنيا وفقر الآخرة وأما المؤمن التقي فقد اختار غنى الآخرة فإن أوتي حظاً من الدنيا فبها وإلا فربما كان الفقر خيراً له {ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ} في الآخرة {يَصْلاهَا} يدخلها {مَذْمُوماً} ممقوتاً {مَّدْحُوراً} مطروداً من رحمة الله(2/250)
وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا (19)
وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا (19)
{وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وسعى لَهَا سَعْيَهَا} هو مفعول به أو حقها من السعي وكفاءها من الأعمال الصالحة {وَهُوَ مُؤْمِنٌ} مصدق لله في وعده ووعيده {فَأُوْلَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُوراً} مقبولاً عند الله مثاباً عليه عن بعض السلف من لم يكن معه ثلاث لم ينفعه عمله إيمان ثابت ونية صادقة(2/250)
وعمل مصيب وتلا الآية فإنه شرط فيها ثلاث شرائط في كون السعي مشكوراً إرادة الآخرة والسعي فيما كلف والإيمان الثابت(2/251)
كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا (20)
كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا (20)
{كُلاً} كل واحد من الفريقين والتنوين عوض عن المضاف إليه وهو منصوب بقوله {نُّمِدُّ هَؤُلآءِ} بدل من كلاً أي نمد هؤلاء {وهؤلاء} أي من أراد العاجلة ومن أراد الآخرة {من عطاء ربك} رزقه ومن تتعلق بنمد والعطاء اسم للمعطي أي نزيدهم من عطائنا ونجعل الآنف منه مدداً للسالف لا نقطعه فنرزق المطيع والعاصي جميعاً على وجه التفضل {وَمَا كَانَ عَطَآءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً} ممنوعاً عن عباده وإن عصوا(2/251)
انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا (21)
انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا (21)
{انظُرْ} بعين الاعتبار {كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ على بَعْضٍ} في المال والجاه والسعة والكمال {وَلَلآخِرَةُ أكبر درجات وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً} روي أن قوماً من الأشراف فمن دونهم اجتمعوا بباب عمر رضي الله عنه فخرج الإذن لبلال وصهيب فشق على أبي سفيان فقال سهيل بن عمرو إنما أتينا من قبلنا إنهم دعوا ودعينا يعني إلى الإسلام فأسرعوا وأبطأنا وهذا باب عمر فكيف التفاوت في الآخرة ولئن حسدتموهم على باب عمر لما أعد الله لهم في الجنة أكثر(2/251)
لَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَخْذُولًا (22)
لَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَخْذُولًا (22)
{لا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ} الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والمراد
الإسراء (22 _ 24)
به أمته {فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَّخْذُولاً} فتصير جامعاً على نفسك الذم والخذلان وقيل مشتوماً بالإهانة محروماً عن الإعانة إذ الخذلان ضد النصر والعون دليله قوله تعالى إن ينصركم الله فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده حيث ذكر الخذلان بمقابلة النصر(2/251)
وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23)
وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23)
{وقضى رَبُّكَ} وأمر أمراً مقطوعاً به {أَلاَّ تعبدوا إلا إياه} أن مفسرة ولا تعبدوا نهي أو بأن لا تعبدوا {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً} وأحسنوا(2/251)
بالوالدين إحساناً أو بأن تحسنوا بالوالدين إحساناً {إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ} إما هي ان الشرطية زيدت عليها ما تأكيداً لها ولذا دخلت النون المؤكدة في الفعل ولو أفردت إن لم يصح دهولها لا تقول إن تكرمن زيداً يكرمك ولكن إما تكرمنه {أَحَدُهُمَآ} فاعل يبلغن وهو في قراءة حمزة وعليّ يبلغان بدل من ألف الضمير الراجع إلى الوالدين {أَوْ كِلاهُمَا} عطف على أحدهما فاعلاً وبدلاً {فَلا تَقُل لَّهُمَآ أف} مدني وحفص أُفَّ مكي وشامي أُفِّ غيرهم وهو صوت يدل على تضجر فالكسر على أصل التقاء الساكنين والفتح للتخفيف والتنوين لإرادة التنكير أي أتضجر تضجراً وتركه لقصد التعريف أي أتضجر التضخير المعلوم {وَلا تَنْهَرْهُمَا} ولا تزجرهما عما يتعاطيانه مما لا يعجبك والنهي والنهر أخوان {وَقُل لَّهُمَا} بدل التأفيف والنهر {قَوْلاً كَرِيماً} جميلاً ليناً كما يقتضيه حسنِ الأدب أو هو أن يقول يا أبتاه يا أماه ولا يدعوهما بأسمائهما فإنه من الجفاء ولا بأس به في غير وجهه كما قالت عائشة رضي الله عنها نحلني أبو بكر كذا وفائدة عندك إنهما إذا صارا كلاً على ولدهما ولا كافل لهما غيره فهما عنده في بيته وكنفه وذلك أشق عليه فهو مأمور بأن يستعمل معهما لين الخلق حتى لا يقول لهما إذا أضجره ما يستقذر منهما ألف فضلاً عما يزيد عليه ولقد بالغ سبحانه في التوصية بهما حيث افتتحها بأن شفع الإحسان إليهما بتوحيده ثم ضيق الأمر في مراعاتهما حتى لم يرخص في أدنى كلمة تنفلت من المتضجر مع موجبات الضجر ومع أحوال لا يكاد يصبر الإنسان معها(2/252)
وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (24)
وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (24)
{وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ} أي اخفض لهما جناحك كما قال واخفض جناحك للمؤمنين فأضافه إلى الذل كما أضيف حاتم إلى الجود والمعنى واخفض لهما جناحك الذليل {مِنَ الرَّحْمَةِ} من فرط رحمتك لهما وعطفك عليهما لكبرهما وافتقارهما اليوم إلى من كان أفقر خلق الله(2/252)
إليهما بالأمس وقال الزجاج وألن جانبك متذللاً لهما من مبالغتك في الرحمة لهما {وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً} ولا تكتف برحمتك عليهما
الإسراء (25 _ 28)
التي لا بقاء لها وادع الله بأن يرحمهما رحمته الباقية واجعل ذلك جزاء لرحمتهما عليك في صغرك وتربيتهما لك والمراد بالخطاب غيره عليه السلام والدعاء مختص بالأبوين المسلمين وقيل إذا كانا كافرين له أن يسترحم لهما بشرط الإيمان وأن يدعوا الله لهما بالهداية وعن النبي صلى الله عليه وسلم رضا الله في رضا الوالدين وسخطه في سخطهما وروي يفعل البار ما شاء أن يفعل يفعل فلن يدخل النار ويفعل العاق ما شاء أن يفعل فلن يدخل الجنة وعنه عليه السلام إياكم وعقوق الوالدين فإن الجنة يوجد ريحها من مسيرة ألف عام ولا يجد ريحها عاق ولا قاطع رحم ولا شيخ زان ولا جارّ إزاره خيلاء إن الكبرياء لله رب العالمين(2/253)
رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا (25)
رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا (25)
{رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفِوسِكُمْ} بما في ضمائركم من قصد البر إلى الوالدين ومن النشاط والكرامة في خدمتهما {إِن تَكُونُوا صَالِحِينَ} قاصدين الصلاح والبر ثم فرطت منكم في حال الغضب وعند حرج الصدر هنة تؤدي إلى أذاهما ثم أبتم إلى الله واستغفرتم منها {فَإِنَّهُ كَانَ لِلأوَّابِينَ غَفُوراً} الأواب الذي إذا أذنب بادر إلى التوبة فجاز أن يكون هذا عاماً لكل من فرطت منه جناية ثم تاب منها ويندرج تحته الجاني على أبويه التائب من جنايته لوروده على أثره(2/253)
وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا (26)
وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا (26)
{وَآتِ ذَا القربى} منك {حَقَّهُ} أي النفقة إذا كانوا محارم فقراء {وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ} أي وآت هؤلاء حقهم من الزكاة {وَلا تُبَذِّرْ(2/253)
تَبْذِيراً} ولا تسرف إسرافاً قيل التبذير تفريق المال في غير الحل والمحل فعن مجاهد لو أنفق مداً في باطل كان تبذيراً وقد أنفق بعضهم نفقة في خير فأكثر فقال له صاحبه لا خير في السرف فقال لا سرف في الخير(2/254)
إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا (27)
إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا (27)
{إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوآ إِخوَانَ الشَّيَاطِينِ} أمثالهم في الشرارة وهي غاية المذمة لأنه لا شر من الشيطان أو هم إخوانهم وأصدقاؤهم لأنهم يطيعونهم فيما يأمرونهم به من الإسراف {وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً} فما ينبغي أن يطاع فإنه لا يدعو إلا إلى مثل فعله(2/254)
وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُورًا (28)
وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُورًا (28)
{وإما تعرضن عنهم} وان أغرضت عن ذي القربى والمسكين وابن السبيل حياء من الرد {ابْتِغَآءَ رَحْمَةٍ مِّن رَّبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُل لَّهُمْ قَوْلاً مَّيْسُوراً} أي وإن أعرضت عنهم لفقد رزق من ربك ترجو أن يفتح لك فسمى الرزق رحمة فردهم رداً جميلاً فوضع الابتغاء موضع الفقد لأن فاقد الرزق مبتغ له فكان الفقد سبب الابتغاء والابتغاء مسبباً عنه فوضع المسبب موضع السبب يقال يسر الأمر وعسر مثل سعد الرجل ونحس فهو مفعول وقيل معناه فقل لهم رزقنا الله وإياكم من فضله على أنه دعاء لهم ييسر عليهم فقرهم كأن معناه قولاً ذا ميسور وهو اليسر أي دعاء
الإسراء (29 _ 33)
فيه يسر وابتغاء مفعول له أو مصدر في موضع الحال وترجوها حال(2/254)
وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا (29)
وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا (29)
{ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تُبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ} كل نصب على المصدر لإضافته إليه وهذا تمثيل لمنع الشحيح وإعطاء المسرف أمر بالاقتصاد الذي هو بين الإسراف والتقتير {فَتَقْعُدَ مَلُوماً} فتصير ملوماً عند الله لأن المسرف غير مرضي عنده وعند الناس يقول الفقير أعطى فلاناً وحرمني ويقول الغني ما يحسن تدبير أمر المعيشة وعند نفسك إذا احتجت فندمت على ما فعلت {مَّحْسُوراً} منقطعاً بك لا شيء عندك من حسرة السفر إذا أثر فيه أثرا فيه أثراً بليغاً أو عارياً من حسر رأسه وقد خاطرت مسلمة ضرتها(2/254)
اليهودية في أنه يعني محمداً عليه السلام أجود من موسى عليه السلام فبعثت ابنتها تسأله قميصه الذي عليه فدفعه وقعد عرياناً فأقيمت الصلاة فلم يخرج للصلاة فنزلت(2/255)
إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا (30)
إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا (30)
ثم سلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأَن ذلك ليس لهوان منك عليه ولا لبخل به عليك ولكن لأن بسط الأرزاق وقدرها مفوض إلى الله تعالى فقال {إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَآءَ} فليس البسط إليك {وَيَقْدِرُ} أي هو يضيق فلا لوم عليك {إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيراً} بمصالحهم فيمضيها {بَصِيراً} بحوائجهم فيقضيها(2/255)
وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا (31)
وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا (31)
{وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ} قتلهم أولادهم وأدهم بناتهم {خَشْيَةَ إِمْلاقٍ} فقر {نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ} نهاهم عن ذلك وضمن أرزاقهم {إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خطأ كَبِيراً} إثماً عظيماً يقال خطىء خطأ كأثم اثما وخطأ وهو ضد الصواب اسم من أخطأ وقيل هو والخطأ كالحذر والحذر خطاء بالمد والكسر مكي(2/255)
وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا (32)
وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا (32)
{وَلا تَقْرَبُوا الزنى} القصر فيه أكثر والمدلغة وقد قرىء به وهو نهي عن دواعي الزنا كالمس والقبلة ونحوهما ولو أريد النهي عن نفس الزنا لقال ولا تزنوا {إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً} معصية مجاوزة حد الشرع والعقل {وَسَآءَ سَبِيلاً} وبئس طريقاً طريقه(2/255)
وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا (33)
وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا (33)
{ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بِالْحَقِّ} أي بارتكاب ما يبيح الدم {وَمَن قُتِلَ مَظْلوماً} غير مرتكب ما يبيح الدم {فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً} تسلطاً على القاتل في الاقتصاص منه {فَلا يسْرِف فِّي الْقَتْلِ} الضمير للولي أي فلا(2/255)
يقتل غير القاتل ولا اثنين والقاتل واحد كعادة أهل الجاهلية أو الاسراف المثلة والضمير للقاتل الأول فلا تسرف حمزة وعلي على خطاب الولي أو قاتل المظلوم {إِنَّهُ كَانَ منصورا}
الإسراء (34 _ 37)
الضمير للولي أي حسبه أن الله قد نصره بأن أوجب له القصاص فلا يستزد على ذلك أو للمظلوم أي الله ناصره حيث أوجب القصاص بقتله وينصره في الآخرة بالثواب أو للذي يقتله الولي بغير حق ويسرف في قتله فإنه كان منصوراً بإيجاب القصاص على المسرف وظاهر الآية يدل على أن القصاص يجري بين الحر والعبد وبين المسلم والذمي لأن أنفس أهل الذمة والعبيد داخلة في الآية لكونها محرمة(2/256)
وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا (34)
وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا (34)
{ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أَحْسَنُ} بالخصلة والطريقة التي هي أحسن وهي حفظه وتثميره {حتى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ} أي ثماني عشرة سنة {وَأَوْفُوا بِالْعَهْد} بأوامر الله تعالى ونواهيه {إن العهد كان مسؤولا} مطلوباً يطلب من المعاهد أن لا يضيعه ويفي به أو أن صاحب العهد كان مسئولا(2/256)
وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (35)
وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (35)
{وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ} بكسر القاف حمزة وعلي وحفص وهو كل ميزان صغير أو كبير من موازين الدراهم وغيرها وقيل هو القرسطون أي القبان {الْمُسْتَقِيمِ} المعتدل {ذَلِكَ خَيْرٌ} في الدنيا {وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} عاقبة وهو تفعيل من آل إذا رجع وهو ما يؤل إليه(2/256)
وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا (36)
وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا (36)
{وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} ولا تتبع ما لم تعلم أي لا تقل رأيت وما رأيت وسمعت وما سمعت وعن ابن الحنفية لا نشهد بالزور وعن ابن عباس لا ترم أحداً بما لا تعلم ولا يصح التثبت به لمبطل(2/256)
الاجتهاد لأن ذلك نوع من العلم فإن علمتموهن مؤمنات وأقام الشارع غالب الظن مقام العلم وأمر بالعمل به كما في الشهادات ولنا في العمل بخير الواحد لما ذكرنا {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كل أولئك كان عنه مسؤولا} أولئك إشارة إلى السمع والبصر والفؤاد لأن أولئك كما يكون إشارة إلى العقلاء يكون إشارة إلى غيرهم كقول جرير
ذم المنازل بعد منزلة اللوى ... والعيش بعد أولئك الأيام
وعنه في موضع الرفع بالفاعلية أي كل واحد منها كان مسئولا عنه فمسئول مسند إلى الجار والمجرور كالمغضوب في غَيْرِ المغضوب عليهم يقال للإنسان لم سمعت ما لم يحل لك سماعه ولم نظرت إلى ما لم يحل لك النظر إليه ولم عزمت على ما لم يحل لك العزم عليه كذا في الكشاف وفيه نظر لبعضهم لأن الجار والمجرور إنما يقومان مقام الفاعل إذا تأخرا عن الفعل فأما إذا تقدما فلا(2/257)
وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا (37)
وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا (37)
{وَلاَ تَمْشِ فِى الأرض مَرَحًا} هو حال أي ذا مرح {إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأرض} لن تجعل فيها خرقاً بدوسك لها وشدة وطئتك {ولن تبلغ الجبال طولا} بتطاولك وهوتهكم بالمختال
الإسراء (38 _ 42)
أو لن تحاذيها قوة وهو حال من الفاعل أو المفعول(2/257)
كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا (38)
كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا (38)
{كُلُّ ذلك كَانَ سَيّئُهُ} كوفي وشامي على إضافة سيىء إلى ضمير كل سيئة غيرهم {عِنْدَ رَبّكَ مَكْرُوهًا} ذكر مكروهاً لأن السيئة في حكم الأسماء بمنزلة الذنب والإثم زال عنه حكم الصفات فلا اعتبار بتأنيثه ألا تراك تقول الزنا سيئة كما تقول السرقة سيئة فإن قلت الخصال المذكورة بعضها سىء وبعضها حسن ولذلك قرأ من قرأ سيئة بالإضافة أي ما كان من المذكور سيئاً كان عند الله مكروهاً فما وجه قراءة من قرأ(2/257)
سيئة قلت كل ذلك إحاطة بما نهى عنه خاصة لا بجميع الخصال المعدودة(2/258)
ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَدْحُورًا (39)
ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَدْحُورًا (39)
{ذلك} إشارة إلى ما تقدم من قوله لا تجعل مع الله الها آخر إلى هذه الغاية {مِمَّا أوحى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الحكمة} مما يحكم العقل بصحته وتصلح النفس بأسوته {وَلاَ تَجْعَلْ مَعَ الله إلها آخر فتلقى فِى جَهَنَّمَ مَلُومًا مَّدْحُورًا} مطروداً من الرحمة عن ابن عباس رضي الله عنهما هذه الثماني عشرة آية كانت في ألواح موسى عليه السلام أولها لا تجعل مع الله إلها آخر وآخرها مدحوراً ولقد جعلت فاتحتها وخاتمتها والنهى عن الشرك لأن التوحيد رأس كل حكمة وملاكها ومن عدمه لم تنفعه حكمة وإن بذفيها الحكماء وحك بيافوخه السماء وما أعنت عن الفلاسفة أسفار الحكم وهم عن دين الله أضل من النعم(2/258)
أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ إِنَاثًا إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيمًا (40)
أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ إِنَاثًا إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيمًا (40)
ثم خاطب الذين قالوا الملائكة بنات الله بقوله {أَفأصفاكم رَبُّكُم بالبنين} الهمزة للإنكار يعني أفخصكم ربكم على وجه الخلوص والصفاء بأفضل الأولاد وهم البنون {واتخذ من الملائكة إِنَاثًا} واتخذ أدونهم وهي البنات وهذا خلاف الحكمة وما عليه معقولكم فالعبيد لا يؤثرون بأجود الأشياء وأصفاها ويكون أردؤها وأدونها للسادات {إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلاً عَظِيمًا} حيث أضفتم إليه الأولاد وهي من خواص الأجسام ثم فضلتم عليه أنفسكم حيث تجعلون له ما تكرهون(2/258)
وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا وَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا نُفُورًا (41)
وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا وَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا نُفُورًا (41)
{ولقد صرفنا في هذا القرآن} أي التنزيل والمراد ولقد صرفناه أي هذا المعنى في مواضع من التنزيل فترك الضمير لأنه معلوم {لّيَذْكُرُواْ} وبالتخفيف حمزة وعلي أي كررناه ليتعظوا {وَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ نُفُورًا} عن الحق(2/258)
وكان الثورى إذا قرأها يقول زادني لك خضوعاً ما زاد أعداءك نفورا(2/259)
قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لَابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا (42)
قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لَابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا (42)
{قل لو كان معه} مع الله {آلهة كَمَا يَقُولُونَ} وبالياء مكي وحفص {إِذًا لاَّبْتَغَوْاْ إلى ذِى العرش سَبِيلاً} يعني لطلبوا إلى من له
الإسراء (43 _ 47)
الملك والربوبية سبيلاً بالمغالبة كما يفعل الملوك بعضهم مع بعض أو لتقربوا إليه كقوله أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة وإذاً دالة على أن ما بعدها وهو لابتغوا جواب عن مقالة المشركين وجزاء للو(2/259)
سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا (43)
سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا (43)
{سبحانه وتعالى عما يقولون} وبالثاء حمزة وعلي {عَلَوْاْ} أي تعاليا والمراد البراءة من ذلك والنزاهة {كَبِيراً} وصف العلو بالكبر مبالغة في معنى البراءة والبعد مما وصفوه به(2/259)
تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (44)
تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (44)
{تُسَبّحُ} وبالتاء عراقي غير أبي بكر {لَهُ السماوات السبع والأرض وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مّن شَىْء إِلاَّ يُسَبّحُ بِحَمْدَهِ} أي يقول سبحان الله وبحمده عن السدي قال عليه السلام ما اصطيد حوت في البحر ولا طائر يطير إلا بما يضيع من تسبيح الله تعالى {ولكن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} لاختلاف اللغات أو لتعسر الإدراك أو سبب لتسبيح الناظر إليه والدال على الخير كفاعله والوجه الأول {إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا} عن جهل العباد {غَفُوراً} لذنوب المؤمنين(2/259)
وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا (45)
وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا (45)
{وإذا قرأت القرآن جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالآخرة حِجَابًا مَّسْتُورًا} ذا ستر أو حجاباً لا يرى فهو مستور(2/260)
وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا (46)
وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا (46)
{وَجَعَلْنَا على قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً} جمع كنان وهو الذي يستر الشيء {أَن يَفْقَهُوهُ} كراهة أن يفقهوه {وفي آذانهم وقراً} ثقلاً يمنع عن الاستماع {وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده} يقال وحد يحد وحداً وحدة نحو وعد يعد وعداً وعدة فهو مصدر سد مسد الحال أصله يحد وحده بمعنى وحدا {وَلَّوْاْ على أدبارهم} رجعوا على أعقابهم {نُفُورًا} مصدر بمعنى التولية أو جمع نافر كقاعد وقعود أي يحبون أن تذكر معه آلهتهم لأنهم مشركون فإذا سمعوا بالتوحيد نفروا(2/260)
نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوَى إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا (47)
نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوَى إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا (47)
{نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ} أي نحن أعلم بالحال أو الطريقة التي يستمعون القرآن به فالقرآن هو المستمع وهو محذوف وبه حال وبيان لما أن يستمعون القرآن هازئين لا جادين والواجب عليهم أن يستمعوه جادين {إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ} نصب بأعلم أي أعلم وقت استماعهم بما به يستمعون {وَإِذْ هُمْ نجوى} وبما يتناجون به إذ هم ذوو نجوى {إذ يقول الظالمون}
الإسراء (47 _ 54)
بدل من اذهم {إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَّسْحُورًا} سحر فجن(2/260)
انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا (48)
انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا (48)
{انظر كَيْفَ ضَرَبُواْ لَكَ الأمثال} مثلوك بالشاعر والساحر والمجنون {فَضَلُّواْ فَلاَ يَسْتَطِيعْونَ سَبِيلاً} أي فضلوا في جميع ذلك ضلال من يطلب في التيه طريقاً يسلكه فلا يقدر عليه فهو متحير في أمره لا يدري ما يصنع(2/260)
وَقَالُوا أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا (49)
وَقَالُوا أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا (49)
{وقالوا} أي منكروا البعث {أَئذَا كُنَّا عِظَاماً وَرُفَاتاً أَئنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جديدا} أي مجددا وخلقا حال أي مخلوقين(2/260)
قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا (50) أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُءُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا (51)
قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا (50) أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُءُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا (51)
{قُلْ كُونُواْ حِجَارَةً أَوْ حَدِيداً أَوْ خَلْقًا مما يكبر في صدوركم} أي السموات والأرض فإنها تكبر عندكم عن قبول الحياة {فَسَيَقُولُونَ مَن يُعِيدُنَا قُلِ} يعيدكم {الذى فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} والمعنى أنكم تستبعدون أن يجدد الله خلقكم ويرده إلى حال الحياة بعدما كنتم عظاماً يابسة مع أن العظام بعض أجزاء الحي بل هي عمود خلقه الذي يبنى عليه سائره فليس ببدع أن يردها الله بقدرته إلى الحالة الأولى ولكن لو كنتم أبعد شيء من الحياة هو أن تكونوا حجارة أو حديداً لكان قادراً على أن يردكم إلى حال الحياة {فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُوسَهُمْ} فسيحركونها نحوك تعجباً واستهزاءً {وَيَقُولُونَ متى هو} أي البعث استعبادا له ونفياً {قُلْ عسى أَن يَكُونَ قَرِيبًا} أي هو قريب وعسى للوجوب(2/261)
يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا (52)
يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا (52)
{يَوْمَ يَدْعُوكُمْ} إلى المحاسبة وهو يوم القيامة {فتستجيبون بحمده} أي تجبيبون حامدين والياء للحال عن سعيد بن جبير ينفضون التراب عن رءوسهم ويقولون سبحانك اللهم وبحمدك {وَتَظُنُّونَ إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً} أي لبثاً قليلاً أو زماناً قليلاً في الدنيا أو في القبر(2/261)
وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا (53)
وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا (53)
{وَقُل لّعِبَادِى} وقل للمؤمنين {يَقُولُواْ} للمشركين الكلمة {التى هِىَ أَحْسَنُ} وألين ولا يخاشنوهم وهي أن يقولوا يهديكم الله {إِنَّ الشيطان يَنزَغُ بينهم} يلقى بينهم الفساد وويغرى بعضهم على بعض ليوقع بينهم المشاقة والنزع إيقاع الشر وإفساد ذات البين وقرأ طلحة ينزغ بالكسر وهم لغتان {إِنَّ الشيطان كَانَ للإنسان عَدُوّا مُّبِينًا} ظاهر العداوة(2/261)
رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا (54)
رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا (54)
أو فسر التي هي أحسن بقوله {رَّبُّكُمْ أعلم بكم إن يشأ يرحمكم}(2/261)
بالهداية
الإسراء (54 _ 58)
والتوفيق {أَوْ إِن يَشَأْ يُعَذّبْكُمْ} بالخذلان أي يقولوا لهم هذه الكلمة ونحوها ولا يقولوا لهم إنكم من أهل النار وإنكم معذبون وما أشبه ذلك مما يغيظهم ويهيجهم على الشر وقوله ان الشيطان ينزغ بينهم اعتراض {وَمَا أرسلناك عَلَيْهِمْ وَكِيلاً} حافظاً لأعمالهم وموكولاً إليك أمرهم وإنما أرسلناك بشيراً ونذيراً فدارهم ومر أصحابك بالمداراة(2/262)
وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا (55)
وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا (55)
{وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِى السماوات والأرض} وبأحوالهم وبكل ما يستأهل كل واحد منهم {وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النبيين على بَعْضٍ} فيه إشارة الى تفضيل رسول الله صلى اله عليه وسلم وقوله {وآتينا داود زَبوراً} دلالة على وجه تفضيله وأنه خاتم الأنبياء وأن أمته خير الأمم لأن ذلك مكتوب في زبور داود قال الله تعالى وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِى الزبور مِن بَعْدِ الذكر أن الأرض يرثها عبادى الصالحون وهم محمد وأمته ولم يعرف الزبور هنا وعرفه في قوله ولقد كتبنا في الزبور لأنه كالعباس وعباس والفضل وفضل(2/262)
قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا (56)
قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا (56)
{قُلِ ادعوا الذين زَعَمْتُم} إنها آلهتكم {مِن دُونِهِ} من دون الله وهم الملائكة أو عيسى وعزير أو نفر من الجن عبدهم ناس من العرب ثم أسلم الجن ولم يشعروا {فَلاَ يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضر عَنْكُمْ وَلاَ تَحْوِيلاً} أي ادعوهم فهم لا يستطيعون أن يكشفوا عنكم الضر من مرض أو فقر أو عذاب ولا أن يحولوه من واحد الى آخر(2/262)
أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا (57)
أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا (57)
{أولئك} مبتدأ {الذين يَدْعُونَ} صفة أي يدعونهم آلهة أو يعبدونهم والخير {يَبْتَغُونَ إلى رَبّهِمُ الوسيلة} يعني أن آلهتهم أولئك يبتغون الوسيلة وهي القربة إلى الله عز وجل {أيهم} بدل من واو يبتغون وأي موصولة أي يبتغي من هو {أَقْرَبُ} منهم الوسيلة إلى الله فكيف بغير الأقرب أو ضمن يبتغون الوسيلة معنى يحرصون فكأنه قيل(2/262)
يحرصون أيهم يكون أقرب إِلى الله وذلك بالطاعة وازدياد الخير {وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ ويخافون عَذَابَهُ} كغيرهم من عباد الله فكيف يزعمون أنهم آلهة {إِنَّ عَذَابَ رَبّكَ كَانَ مَحْذُورًا} حقيقاً بأن يحذره كل أحد من ملك مقرب ونبي مرسل فضلاً عن غيرهم(2/263)
وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا (58)
وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا (58)
{وَإِن مّن قَرْيَةٍ إِلاَّ نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ القيامة أَوْ مُعَذّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا} قبل الهلاك للصالحة والعذاب للطالحة {كَانَ ذلك فِى الكتاب} في اللوح المحفوظ {مَسْطُورًا} مكتوباً وعن مقاتل وجدت
الإسراء (59)
في كتب الضحاك في تفسيرها أما مكة فيخربها الحبشة وتهلك المدنية بالجوع والبصرة بالغرق والكوفة بالترك والجبال بالصواعق والرواجف وأما خراسان فعذابها ضروب وأما بلخ فتصيبهم هدَّة فيهلك أهلها وأما بدخشان فيخربها أقوام وأماترمذ فأهلها يموتون بالطاعون وأما صغانيان الى واشجرد فيقتلون بقتل ذريع وأما سمرقند فيغلب عليها بنو قنطوراء فيقتلون أهلها قتلاً ذريعاً وكذا فرغانة والشاش واسبيجاب وخوارزم وأما بخارى فهي أرض الجبابرة فيموتون قحطاً وجوعاً وأما مرو فيغلب عليها الرمل ويهلك بها العلماء والعباد وأما هراة فيمطرون بالحيات فتأكلهم أكلاً وأما نيسابور فيصيب أهلها رعد وبرق وظلمة فيهلك أكثرهم وأما الري فيغلب عليها الطبرية والديلم فيقتلونهم وأما أرمينية وأذربيجان فيهلكها سنابك الخيول والجيوش والصواعق والرواجف وأما همذان فالديلم يدخلها ويخربها وأما حلوان فيمر بها ريح ساكنة وهم نيام فيصبح أهلها قردة وخنازير ثم يخرج رجل من جهينة فيدخل مصر فويل لأهلها ولأهل دمشق وويل لأهل إفريقية وويل لأهل الرملة ولا يدخل بيت المقدس وأما سجستان فيصيبهم ريح عاصف أياماً ثم هدة تأتيهم ويموت فيها العلماء وأما كرمان وأصبهان وفارس(2/263)
فيأتيهم عدو وصاحوا صيحة تنخلع القلوب وتموت الأبدان(2/264)
وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا (59)
وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا (59)
{وَمَا مَنَعَنَا أَن نُّرْسِلَ بالآيات إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا الأولون} استعير المنع لترك إرسال الآيات وأن الأولى مع صلتها في موضع النصب لأنها مفعول ثان لمنعا وأن الثانية مع صلتها في موضع الرفع لأنها فاعل منعنا والتقدير وما منعنا إرسال الآيات إلا تكذيب الأولين والمراد الآيات التي اقترحتها قريش من قلب الصفا ذهباً ومن إحياء الموتى وغير ذلك وسنة الله في الأمم أن من اقترح منهم آية فأجيب إليها ثم لم يؤمن أن يعاجل بعذاب الاستئصال والمعنى وما منعنا عن إرسال ما يقترحونه من الآيات إلا أن كذب بها الذين هم أمثالهم من المطبوع على قلوبهم كعاد وثمود وأنها لو أرسلت لكذبوا بها تكذيب أولئك وعذبوا العذاب المستأصل وقد حكمنا أن نؤخر أمر من بعثت إليهم إلى يوم القيامة ثم ذكر من تلك الآيات التي اقترحها الأولون ثم كذبوا بها لما أرسلت فأهلكوا واحدة وهي ناقة صالح عليه السلام لأن آثار هلاكهم قريبة من حدودهم يبصرها صادرهم وواردهم فقال {وآتينا ثمود الناقة} باقتراحهم {مُبْصِرَةً} آية بينة {فَظَلَمُواْ بِهَا} فكفروا بها {وَمَا نُرْسِلُ بالآيات} إن أراد بها الآيات المقترحة فالمعنى لا نرسلها {إِلاَّ تَخْوِيفًا} من نزول العذاب العاجل كالطليعة والمقدمة له فإن لم يخافوا وقع عليهم وإن أراد غيرها فالمعنى وما نرسل ما نرسل من الآيات كآيات القرآن وغيرها إلا تخويفا وانذار بعذاب الآخرة وهو مفعول
الإسراء (60 _ 61)
له(2/264)
وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا (60)
وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا (60)
{وإذ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بالناس وَمَا جعلنا الرؤيا التى أريناك إِلاَّ فِتْنَةً لّلنَّاسِ}(2/264)
واذكر إذ أوحيا إليك أن ربك أحاط بقريش علماً وقدرة فكلهم في قبضته فلا تبال بهم وامض لأمرك وبلغ ما أرسلت به أو بشرناك بوقعة بدر وبالنصرة عليهم وذلك قوله سَيُهْزَمُ الجمع وَيُوَلُّونَ الدبر قُلْ لّلَّذِينَ كَفَرُواْ سَتُغْلَبُونَ وتحشرون الى جهنم وبئس المهاد فجعله كأن قد كان ووجد فقال أحاط بالناس على سنته في إخباره ولعل الله تعالى أراه مصارعهم في منامه فقد كان يقول حين ورد ماء بدر والله لكأني أنظر إلى مصارع القوم وهو يومىء إلى الأرض ويقول هذا مصرع فلان فتسامعت قريش بمااوحى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أمر بدر وماارى في منامه مصارعهم فكانوا يضحكون ويسخرون ويستعجلون به استهزاء {والشجرة الملعونة في القرآن} أي وما جعلنا الشجرة الملعونة في القرآن إلا فتنة للناس فإنهم حين سمعوا بقوله ان شجرة الزقوم طعام الاثيم جعلوها سخرية وقالوا ان محمد يزعم أن الجحيم تحرق الحجارة ثم يقول تنبت فيها الشجرة وما قدروا الله حق قدره إذ قالوا ذلك فإنه لا يمتنع أن يجعل الله الشجرة من جنس لا تأكله النار فوبر السمندل وهو دويبة ببلاد الترك يتخذ منه مناديل إذا اتسخت طرحت في النار فذهب الوسخ وبقي المنديل سالماً لا تعمل فيه النار وترى النعامة تبتلع الجمر فلا يضرها وخلق في كل شجرة ناراً فلا تحرقها فجاز أن يخلق في النار شجرة لا تحرقها والمعنى أن الآيات إنما ترسل تخويفاً للعباد وهؤلاء قد خوفوا بعذاب الدنيا وهو القتل يوم بدر وخوفوا بعذاب الآخرة وبشجرة الزقوم فما أثر فيهم ثم قال {وَنُخَوّفُهُمْ} أي بمخاوف الدنيا والآخرة {فَمَا يَزِيدُهُمْ} التخويف {إِلاَّ طُغْيَانًا كَبِيرًا} فكيف يخاف قوم هذه حالهم بإرسال ما يقترحون من الآيات وقيل الرؤيا هي الإسراء والفتنة ارتداد من استعظم ذلك وبه تعلق من يقول كان الإسراء في المنام ومن قال كان في اليقظة فسر الرؤيا(2/265)
بالرؤيا وإنما سماها رؤيا على قول المكذبين حيث قالوا له لعلها رؤيا رأيتها استبعاداً منهم كما سمى أشياء بأساميها عند الكفرة كقوله فراغ الى آلهتهم أين شركائى أو هي رؤيا أنه سيدخل مكة والفتنة الصد بالحديبية فإن قلت ليس في القرآن ذكر لعن شجرة الزقوم قلت معناه والشجرة الملعون آكلها وهم الكفرة لأنه قال ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضالون المكذبون
لاَكِلُونَ مِن شَجَرٍ من زقوم فمالؤون منها البطون فوصفت بلعن أهلها على المجاز ولأن العرب تقول لكل اطعام مكروه ضار ملعون ولأن اللعن هو الايعاذ من الرحمة وهي في أصل الجحيم في أبعد مكان من الرحمة(2/266)
وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا (61)
وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا (61)
{وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لأدم فسجدوا إلا إبليس قال أأسجد لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا}
هو تمييز أو حال من الموصول والعامل فيه أأسجد على أأسجد له وهو طين أي أصله طين(2/266)
قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا (62)
قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا (62)
{قال أرأيتك هذا الذى} الكاف لا موضع لها لأنها ذكرت للخطاب تأكيداً هذا مفعول به والمعنى أخبرنى عن هذا الذي {كرمت علي} أن فضلته لم كرمته علي وأنا خَيْرٌ مّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طين فحذف ذلك اختصاراً لدلالة ما تقدم عليه ثم ابتدأ فقال {لئن أخرتن} وبلاياء كوفي وشامي واللام موطئة للقسم المحذوف {إلى يَوْمِ القيامة لأَحْتَنِكَنَّ ذُرّيَّتَهُ} لأستأصلنهم بإغوائهم {إِلاَّ قَلِيلاً} وهم المخلصون قيل من كل ألف واحد وإنما علم الملعون ذلك بالإعلام أو لأنه رأى أنه خلق شهواني(2/266)
قَالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُورًا (63)
قَالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُورًا (63)
{قَالَ اذهب} ليس من الذهاب الذي هو ضد المجيء وإنما معناه امض لشأنك الذي اخترته خذلاناً وتخلية ثم عقبه بذكر ما جره سوء اختياره فقال {فَمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ} والتقدير فإن جهنم جزاؤهم وجزاؤك ثم غلب المخاطب على الغائب فقيل جزاؤكم وانتصب {جزاء موفورا} أي موفورا باضمار تجازون(2/267)
وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا (64)
وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا (64)
{واستفزز} استزل أو استخف استفزه أي استخفه والفز الخفيف {مَنِ استطعت مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ} بالوسوسة أو بالغناء أو بالمزمار {وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم} اجمع وصح بهم من الجلبة وهو الصياح {بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ} بكل راكب وماش من أهل العيث فالخيل الخيالة والرجل اسم جمع للراجل ونظيره الركب والصحب ورجلك حفص على أن فعلاً بمعنى فاعل كتعب وتاعب ومعناه وجمعك الرِجل وهذا لأن أقصى ما يستطاع في طلب الأمور الخيل والرجل وقيل يجوز أن يكون لإبليس خيل ورجال {وَشَارِكْهُمْ فِى الأموال والأولاد} قال الزجاج كل معصية في مال وولد فإبليس شريكهم فيها كالربا والمكاسب المحرمة والبحيرة والسائبة والإنفاق في الفسوق والإسراف ومنع الزكاة والتوصل إلى الأولاد بالسبب الحرام والتسمية بعبد العزى وعبد شمس {وَعِدْهم} المواعيد الكاذبة من شفاعة الآلهة والكرامة على الله بالأنساب الشريفة وإيثار العاجل على الآجل ونحو ذلك {وَمَا يَعِدُهُمْ الشيطان إِلاَّ غُرُوراً} هو تزيين الخطأ بما يوهم أنه صواب(2/267)
إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلًا (65)
إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلًا (65)
{أَن عِبَادِى} الصالحين {لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سلطان} يد بتبديل الايمان(2/267)
ولكن بتسويل
الإسراء (65 _ 69)
العصيان {وكفى بِرَبّكَ وَكِيلاً} لهم يتوكلون به في الاستعاذة منك أو حافظاً لهم عنك والكل أمر تهديد فيعاقب به أو إهانة أي لا يخل ذلك بملكي(2/268)
رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (66)
رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (66)
{رَّبُّكُمُ الذى يُزْجِى} يجري ويسير {لَكُمُ الفلك فِى البحر لِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ} يعني الربح في التجارة {إِنَّهُ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا}(2/268)
وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا (67)
وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا (67)
{وَإِذَا مَسَّكُمُ الضر فِى البحر} أي خوف الغرق {ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلا إِيَّاهُ} ذهب عن أوهامكم كل من تدعونه في حوادثكم إلا إياه وحده فإنكم لا تذكرون سواه أو ضل من تدعون من الآلهة عن إغاثتكم ولكن الله وحده الذي ترجونه على الاستثناء المنقطع {فَلَمَّا نجاكم إِلَى البر أَعْرَضْتُمْ} عن الإخلاص بعد الخلاص {وَكَانَ الإنسان} أي الكافر {كَفُورًا} للنعم(2/268)
أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلًا (68)
أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلًا (68)
{أَفَأَمِنتُمْ} الهمزة للإنكار والفاء للعطف على محذوف تقديره أنجوتم فأمنتم فحملكم ذلك على الإعراض {أَن يخسف بكم جانب البر} انتصب جانب بيخسف مفعولاً به كالأرض في قوله فَخَسَفْنَا بِهِ وبداره الأرض وبكم حال والمعنى أن يخسف جانب البر أي يقلبه وأنتم عليه والحاصل أن الجوانب كلها في قدرته سواء وله في كل جانب برا كان أو بحرا سبب من أسباب الهلاك ليس جانب البحر وحده مختصاً به بل إن كان الغرق في جانب البحر ففي جانب البر الخسف وهو تغييب تحت التراب والغرق تغييب تحت الماء فعلى العاقل أن يستوي خوفه من الله في جميع الجوانب وحيث كان {أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا} هي الريح التي تحصب أي ترمي بالحصباء يعني أو إن لم يصبكم بالهلاك من تحتكم بالخسف أصابكم به من فوقكم بريح يرسلها عليكم فيها الحصباء {ثُمَّ لاَ تَجِدُواْ لَكُمْ وَكِيلاً} يصرف ذلك عنكم(2/268)
أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفًا مِنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُمْ بِمَا كَفَرْتُمْ ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا (69)
أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفًا مِنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُمْ بِمَا كَفَرْتُمْ ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا (69)
{أَمْ أَمِنتُمْ أَن يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أخرى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ} أي أم أمنتم أن يقوي دواعيكم يوفر حوائجكم إلى أن ترجعوا فتركبوا البحر الذي نجاكم منه فأعرضتم فينتقم منكم بأن يرسل عليكم {قَاصِفًا مّنَ الريح} وهي الريح التي لها قصيف وهو الصوت الشديد أو هو الكاسر للفلك {فَيُغْرِقَكُم بِمَا كَفَرْتُمْ} بكفرانكم النعمة وهو إعراضكم حين نجاكم {ثُمَّ لاَ تَجِدُواْ لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا} مطالباً من قوله فاتباع
الإسراء (70 _ 73)
بالمعروف أي مطالبة والمعنى إنا نفعل ما نفعل بهم ثم لا يجدوا أحداً يطالبنا بما فعلنا انتصاراً منا ودركاً للثأر من جهتنا وهذا نحو قوله وَلاَ يَخَافُ عقباها أن نخسف أو نرسل أن نعيدكم فنرسل فنغرقكم بالنون مكي وأبو عمرو(2/269)
وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا (70)
وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا (70)
{ولقد كرمنا بني آدم} بالعقل والنطق والخط والصورة الحسنة والقامة المعتدلة وتدبير أمر المعاش والمعاد والاستيلاء وتسخير الأشياء وتناول الطعام بالأيدي وعن الرشيد أنه أحضر طعاما فدعا بالملاعق وعنده أبو يوسف رحمه الله تعالى فقال له جاء في تفسير حدك ابن عباس رضي الله عنهما قوله تعالى ولقد كرمنا بنى آدم جعلنا لهم أصابع يأكلون بها فأحضرت الملاعق فردها وأكل بأصابعه {وحملناهم فِى البر} على الدواب {والبحر} على السفن {وَرَزَقْنَاهُمْ مّنَ الطيبات} باللذيذات أو بما كسبت أيديهم {وفضلناهم على كَثِيرٍ مّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً} أي على الكل كقوله وأكثرهم كاذبون قال الحسن أي كلهم وقوله وَمَا يَتَّبِعُ أكثرهم إلا ظنا ذكر في الكشاف أن المراد بالأكثر الجميع وعنه عليه السلام المؤمن أكرم على الله من الملائكة وهذا لأنهم مجبولون(2/269)
على الطاعة ففيهم عقل بلا شهوة وفي البهائم شهوة بلا عقل وفي الآدمي كلاهما فمن غلب عقله شهوته فهو أكرم من الملائكة ومن غلبت شهوته عقله فهو شر من البهائم ولأنه خلق الكل لهم وخلقهم لنفسه(2/270)
يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولَئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا (71)
يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولَئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا (71)
{يوم ندعوا} منصوب باذكر {كُلَّ أُنَاسٍ بإمامهم} الباء للحال والتقدير مختلطين بامهم أي بمن ائتموا به من نبي أو مقدم في الدين أو كتاب أو دين فيقال يا أتباع فلان يا أهل دين كذا أو كتاب كذا وقيل بكتاب أعمالهم فيقال يا أصحاب كتاب الخير ويا أصحاب كتاب الشر {فَمَنْ أُوتِىَ} من هؤلاء المدعوين {كتابه بيمينه فأولئك يقرؤون كتابهم} وإنما قيل أولئك لأن من في معنى الجمع {وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً} ولا ينقصون من ثوابهم أدنى شيء ولم يذكر الكفار وإيتاء كتبهم بشمالهم اكتفاء بقوله(2/270)
وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلًا (72)
وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلًا (72)
{وَمَن كَانَ فِى هذه} الدنيا {أعمى فَهُوَ فِى الآخرة أعمى} كذلك {وَأَضَلُّ سَبِيلاً} من الأعمى أي أضل طريقاً والأعمى مستعار ممن لا يدرك المبصرات لفساد حاسته لمن لا يهتدي إلى طريق النجاة أما في الدنيا فلفقد النظر وأما في الآخرة فلأنه لا ينفعه الاهتداء إليه وقد جوّزوا أن يكون الثاني بمعنى التفضيل بدليل عطف وأضل ومن ثم قرأ أبو عمرو والأول ممالاً والثاني مفخماً لأن أفعل التفضيل تمامه بمن فكانت ألفه في حكم الواقعة في وسط الكلمة فلا يقبل الإمالة وأما الأول فلم يتعلق به شيء فكانت ألفه واقعة في الطرف فقبلت الإمالة وأمالهما حمزة وعلي وفخمهما الباقون(2/270)
وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا (73)
وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا (73)
ولما قالت قريش اجعل آية رحمة آية عذاب وآية عذاب آية رحمة حتى نؤمن بك نزل {وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ} إن مخففة من الثقيلة واللام فارقة
الإسراء (73 _ 78)
بينها وبين النافية والمعنى إن الشأن قاربوا أن يفتنوك أي يخدعوك فاتنين {عَنِ الذى أوحينا إليك} من أوامرنا ونواهينا ووعيدنا(2/270)
{لِتفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ} لتتقول علينا ما لم نقل يعني ما اقترحوه من تبديل الوعد وعيداً والوعيد وعداً {وَإِذاً لآَّتَّخَذُوكَ خَلِيلاً} أي ولو اتبعت مرادهم لاتخذوك خليلا ولكنت لهم ولياً وخرجت من ولايتي(2/271)
وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا (74)
وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا (74)
{وَلَوْلاَ أَن ثبتناك} ولولا تثبيتنا وعصمتنا {لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ} لقاربت أن تميل إلى مكرهم {شَيْئًا قَلِيلاً} ركوناً قليلاً وهذا تهييج من الله له وفضل تثبيت(2/271)
إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا (75)
إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا (75)
{إِذَا} لو قاربت تركن إليهم أدنى ركنة {لأذقناك ضِعْفَ الحياة وَضِعْفَ الممات} لأذقناك عذاب الآخرة وعذاب القبر مضاعفين لعظيم ذنبك بشرف منزلتك ونبوتك كما قال يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة الآية وأصل الكلام لأذقناك عذاب الحياة وعذاب الممات لأن العذاب عذابان عذاب في الممات وهو عذاب القبر وعذاب في حياة الآخرة وهو عذاب النار والعذاب يوصف بالضعف كقوله فآتهم عذابا ضعفا من النار أي مضاعفاً فكأن أصل الكلام لأذقناك عذاباً ضعفاً في الحياة وعذاباً ضعفاً في الممات ثم حذف الموصوف وأقيمت الصفة مقامه وهو الضعف ثم أضيفت الصفة إضافة الموصوف فقيل ضعف الحياة وضعف الممات ويجوز أن يراد بضعف الحياة عذاب الحياة الدنيا وبضعف الممات ما يعقب الموت من عذاب القبر وعذاب النار وفي ذكر الكيدودة وتقليلها مع إتباعها الوعيد الشديد بالعذاب المضاعف في الدارين دليل على أن القبيح يعظم قبحه بمقدار عظم شأن فاعله ولما نزلت كان عليه السلام يقول اللهم لا تكلني إلى نفسي طرفة عين {ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا} معيناً لك يمنع عذابنا عنك(2/271)
وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا وَإِذًا لَا يَلْبَثُونَ خِلَافَكَ إِلَّا قَلِيلًا (76)
وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا وَإِذًا لَا يَلْبَثُونَ خِلَافَكَ إِلَّا قَلِيلًا (76)
{وَإِن كَادُواْ} أي أهل مكة {لَيَسْتَفِزُّونَكَ} ليزعجونك بعداوتهم ومكرهم {مّنَ الأرض} من أرض مكة {لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا وَإِذًا لاَّ يَلْبَثُونَ} لا يبقون {خلفك} بعدك أي بعد إخراجك خلافك كوفي غير أبي بكر وشامي بمعناه {إِلاَّ قَلِيلاً} زماناً قليلاً فإن الله مهلكهم وكان كما قال فقد أهلكوا ببدر بعد إخراجه بقليل أو معناه ولو أخرجوك لاستؤصلوا عن بكرة أبيهم ولم يخرجوه بل هاجر بأمر ربه وقيل من أرض العرب أو من أرض المدينة(2/272)
سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنَا وَلَا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلًا (77)
سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنَا وَلَا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلًا (77)
{سُنَّةَ مَن قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِن رُّسُلِنَا} يعني أن كل قوم أخرجوا رسولهم من بين ظهرانيهم فسنة الله أن يهلكهم ونصبت نصب المصدر المؤكد أي سن الله ذلك سنة {وَلاَ تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلاً} تبديلاً(2/272)
أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا (78)
أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا (78)
{أقم الصلاة لدلوك الشمس}
لزوالها وعلى هذه الآية جامعة للصلوات الخمس أو لغروبها وعلى هذا يخرج الظهر والعصر {إلى غَسقِ الليل} هو الظلمة وهو وقت صلاة العشاء {وقرآن الفجر} صلاة الفجر سميت قرآناً وهو القراءة لكونها ركناً كما سميت ركوعاً وسجوداً وهو حجة على الأَصم حيث زعم أن القراءة ليست بركن أو سميت قرآناً لطول قراءتها وهو عطف على الصلاة {إن قرآن الفجر كان مشهوداً} يشهده ملائكة الليل والنهار ينزل هؤلاء ويصعد هؤلاء فهو في آخر ديوان الليل وأول ديوان النهار أو يشهده الكثير من المصلين في العادة(2/272)
وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا (79)
وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا (79)
{ومن الليل} وعليك بعض الليل {فَتَهَجَّدْ} والتهجد ترك الهجود للصلاة ويقال في النوم أيضاً تهجد {بِهِ} بالقرآن {نَافِلَةً لَّكَ} عبادة زائدة لك على الصلوات الخمس وضع نافلة موضع تهجداً لأن التهجد عبادة زائدة فكان التهجد والنافلة يجمعهما معنى واحد والمعنى أن التهجد زيد لك على الصلوات المفروضة غنيمة لك أو فريضة عليك خاصة دون غيرك لأنه تطوع لهم {عسى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُودًا} نصب على الظرف أي عسى أن يبعثك يوم القيامة فيقيمك مقاماً محموداً أو ضمن يبعثك معنى يقيمك وهو مقام الشفاعة عند الجمهور ويدل عليه الأخبار أو هو مقام يعطى فيه لواء الحمد(2/273)
وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا (80)
وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا (80)
{وقل رب أدخلني مدخل صدق} وهو مصدر أي أدخلني القبر إدخالاً مرضياً على طهارة من الزلات {وَأَخْرِجْنِى مُخْرَجَ صِدْقٍ} أي أخرجني منه عند البعث إخراجاً مرضياً ملقى بالكرامة آمناً من الملامة دليله ذكره على أثر ذلك البعث وقيل نزلت حين أمر بالهجرة يريد إدخال المدينة والإخراج من مكة أو هو عام في كل ما يدخل فيه ويلابسه من أمر ومكان {واجعل لّي مِن لَّدُنْكَ سلطانا نَّصِيرًا} حجة تنصرني على من خالفني أو ملكاً وعزاً قوياً ناصراً للإسلام على الكفر مظهراً له عليه(2/273)
وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا (81)
وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا (81)
{وَقُلْ جَاء الحق} الإسلام {وَزَهَقَ} وذهب وهلك {الباطل} الشرك أو جاء القرآن وهلك الشيطان {إِنَّ الباطل كَانَ زَهُوقًا} كان مضمحلاً في كل أوان(2/273)
وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا (82)
وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا (82)
{وَنُنَزّلُ} وبالتخفيف أبو عمرو {مِن القرآن} من للتبيين {مَا هُوَ شِفَاء} من أمراض القلوب {ورحمة} لكروب وتفريج وتطهير للعيوب وتكفير للذنوب {لِلْمُؤْمِنِينَ} وفي الحديث من لم يستشف بالقرآن فلا شفاه(2/273)
الله {وَلاَ يَزِيدُ الظالمين} الكافرين {إَلاَّ خَسَارًا} ضلالاً لتكذيبهم به وكفرهم(2/274)
وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَئُوسًا (83)
وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَئُوسًا (83)
{وإذا أنعمنا على الإنسان} بالصحة والسعة
الإسراء (83 _ 86)
{أَعْرَضَ} عن ذكر الله أو أنعمنا بالقرآن أعرض {وَنَأَى بِجَانِبِهِ} تأكيد للإعراض لأن الإعراض عن الشيء أن يوليه عرض وجهه والنأي بالجانب أن يلوي عنه عطفه ويوليه ظهره أو أراد الاستكبار لأن ذلك من عادة المستكبرين نأى بالأمالة حمزة وبكسرها عليَّ {وَإِذَا مَسَّهُ الشر} الفقر والمرض أو نازلة من النوازل {كَانَ يؤوسا} شديد اليأس من روح الله(2/274)
قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلًا (84)
قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلًا (84)
{قُلْ كُلٌّ} أي كل أحد {يَعْمَلُ على شَاكِلَتِهِ} على مذهبه وطريقته التي تشاكل حاله في الهدى والضلال {فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أهدى سبيلا} أسد مذهبا وطريقة(2/274)
وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا (85)
وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا (85)
{ويسألونك عَنِ الروح قُلِ الروح مِنْ أَمْرِ رَبّى} أي من أمر يعلمه ربي الجمهور على أنه الروح الذي في الحيوان سألوه عن حقيقته فأخبر أنه من مر الله أي مما استأثر بعلمه وعن أبي هريرة لقد مضى النبي صلى الله عليه وسلم وما يعلم الروح وقد عجزت الأوائل عن إدراك ما هيته بعد إنفاق الأعمار الطويلة على الخوض فيه والحكمة في ذلك تعجيز العقل عن إدراك معرفة مخلوق مجاور له ليدل على أنه عن إدراك خالقه أعجز ولذا رد ما قيل في حده أنه جسم دقيق هوائي في كل جزء من الحيوان وقيل هو خلق عظيم روحاني أعظم من الملك وعن ابن عباس رضي الله عنهما هو جبريل عليه السلام نزل به(2/274)
الروح الأمين على قلبك وعن الحسن القرآن دليله وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ولأن به حياة القلوب ومن أمر ربي أي من وحيه وكلامه ليس من كلام البشر ورُوي أن اليهود بعثت إلى قريش أن سلوه عن أصحاب الكهف وعن ذي القرنين وعن الروح فإن أجاب عن الكل أوسكت عن الكل فليس بنبي وإن أجاب عن بعض وسكت عن بعض فهو نبي فبين لهم القصتين وأبهم أمر الروح وهو مبهم في التوارة فندموا على سؤالهم وقيل كان السؤال عن خلق الروح يعني أهو مخلوق أم لا وقوله من أمر ربي دليل خلق الروح فكان هذا جواباً {وَمَا أُوتِيتُم مّن العلم إِلاَّ قَلِيلاً} الخطاب عام فقد رُويَّ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قال لهم ذلك قالوا نحن مختصون بهذا الخطاب أم أنت معنا فيه فقال بل نحن وأنتم لم نؤت من العلم إلا قليلاً وقيل هو خطاب لليهود خاصة لأنهم قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم قد أوتينا التوارة وفيها الحكمة وقد تلوت وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فقد أوتى خيرا كثيرا فقيل لهم ان علم التوارة قليل في جنب علم الله فالقلة والكثرة من الأمور الإضافية فالحكمة التي أوتيها العبد خير كثير في نفسها إلا أنها إذا أضيفت إلى علم الله تعالى فهي قليلة(2/275)
وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلًا (86)
وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلًا (86)
ثم نبه على نعمة الوحى وعزاء بالصبر على أذى الجدال في السؤال بقوله {ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك}
الإسراء (86 _ 92)
لنذهبن جواب قسم محذوف مع نيابته عن جزاء الشرط واللام الداخلة على إن توطئة للقسم والمعنى إن شئنا ذهبنا بالقرآن ومحوناه من الصدور والمصاحف فلم نترك له أثراً {ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلاً} أي ثم لا تجد لك بعد الذهاب به من يتوكل علينا باسترداده وإعادته محفوظاً مسطورا(2/275)
إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّ فَضْلَهُ كَانَ عَلَيْكَ كَبِيرًا (87)
إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّ فَضْلَهُ كَانَ عَلَيْكَ كَبِيرًا (87)
{إِلاَّ رَحْمَةً مّن رَّبّكَ إِنَّ فَضْلَهُ كَانَ عَلَيْكَ كَبِيرًا} أي إلا إن يرحمك ربك فيرده عليك كأن رحمته تتوكل عليه بالرد أو يكون على الاستثناء المنقطع أي ولكن رحمة من ربك تركته غير مذهوب به وهذا امتنان من الله تعالى ببقاء القرآن محفوظاً بعد المنة العظيمة في تنزيله وتحفيظه ونزل جواباً لقول النضر لو نشاء لقلنا مثل هذا(2/276)
قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا (88)
قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا (88)
{قُل لَّئِنِ اجتمعت الإنس والجن على أَن يأتوا بمثل هذا القرآن لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظهيرا} معينا ولا يأتون جواب قسم محذوف ولولا اللام الموطئة لجاز أن يكون جواباً للشرط كقوله ... يقول لا غائب مالي ولا حرم ...
لأن الشرط وقع ماضياً أي لو تظاهروا على أن يأتوا بمثل هذا القرآن في بلاغته وحسن نظمه وتأليفه لعجزوا عن الإتيان بمثله(2/276)
وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا (89)
وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا (89)
{وَلَقَدْ صَرَّفْنَا} رددنا وكررنا {لِلنَّاسِ فِي هذا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ} من كل معنى هو كالمثل في غرابته وحسنه {فأبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُوراً} جحوداً وإنما جاز فأبى أكثر الناس إلا كفوراً ولم يجز ضربت إلا زيداً لأن أبى متأول بالنفي كأنه قيل فلم يرضوا إلا كفوراً ولما تبين إعجاز القرآن وانضمت إليه المعجزات الأخر ولزمتهم الحجة وغلبوا اقترحوا الآيات فعل المبهوت المحجوج المتحير(2/276)
وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا (90)
وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا (90)
{وَقَالُوا لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حتى تفْجُرَ لَنَا} وبالتخفيف كوفي {مِنَ الأرْضِ} أي مكة {يَنبُوعاً} عيناً غزيرة من شأنها أن تنبع بالماء لا تقطع يفعول من نبع الماء(2/276)
أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا (91)
أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا (91)
{أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ} والتشديد هنا مجمع عليه {الأنْهَارَ خَلالَهَا} وسطها {تفجيرا}(2/277)
أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا (92)
أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا (92)
{أَوْ تُسْقِطَ السَّمَآءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً} بفتح السين مدنى وعاصم أي
الإسراء (92 _ 96)
قطعاً يقال أعطني كسفة من هذا الثوب وبسكون السين غيرهما جمع كسفة كسدرة وسدر يعنون قوله إن نشأ نخسف بهم الأرض أو نسقط عليهم كسفا من السماء {أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلاً} كفيلاً بما تقول شاهداً بصحته والمعنى أو تأتي بالله قبيلا وبالملائكة قبيلا كقوله كنت منه ووالدي برياً أو مقابلاً كالعشير بمعنى المعاشر ونحوه لولا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربنا أو جماعة حالاً من الملائكة(2/277)
أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا (93)
أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا (93)
{أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ} ذهب {أَوْ ترقى في السَّمَآءِ} تصعد إليها {وَلَنْ نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ} لأجل رقيك {حتى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا} وبالتخفيف أبو عمرو {كِتاباً} أي من السماء فيه تصديقك {نقرؤه} صفة كتاب {قُلْ} قال مكي وشامي أي قال الرسول {سُبْحَانَ رَبِّي} تعجب من اقتراحاتهم عليه {هَلْ كُنْتُ إِلاَّ بَشَراً رَّسُولاً} أي أنا رسول كسائر الرسل بشر مثلهم وكان الرسل لا يأتون قومهم إلا بما يظهره الله عليهم من الآيات فليس أمر الآيات إلى إنما هو إلى الله فما بالكم تتخيرونها على(2/277)
وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلَّا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا (94)
وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلَّا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا (94)
{وَمَا مَنَعَ النَّاسَ} يعني أهل مكة ومحل {أن يؤمنوا} نصب بأنه مفعول ثان لمنع {إِذْ جَآءَهُمُ الهدى} النبي والقرآن {إِلاَّ أَن قَالُوا} فاعل منع والتقدير وما منعهم الإيمان بالقرآن وبنبوة محمد صلى اله عليه وسلم إلا قولهم {أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَراً رَّسُولاً} أي الاشبهة تمكنت في صدورهم وهي إنكارهم أن يرسل الله البشر والهمزة في أبعث الله للإنكار وما أنكروه ففي قضية حكمته منكر(2/278)
قُلْ لَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلَائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولًا (95)
قُلْ لَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلَائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولًا (95)
ثم رد الله عليهم بقوله {قُل لَّوْ كَانَ فِي الأرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ} على أقدامهم كما يمشي الإنس ولا يطيرون بأجنحتهم إلى السماء فيسمعوا من أهلها ويعلموا ما يجب عليهم {مُطْمَئِنِّينَ} حال أي ساكنين في الأرض قارين {لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم مِّنَ السَّمَآءِ مَلَكاً رَّسُولاً} يعلمهم الخير ويهديهم المراشد فأما الإنس فإنما يرسل الملك إلى مختار منهم للنبوة فيقوم ذلك المختار بدعوتهم وارشادهم وبشرا وملكا حالان من رسولاً(2/278)
قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا (96)
قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا (96)
{قُلْ كفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ} على أني بلغت ما أرسلت به إليكم وأنكم كذبتم وعاندتم شهيداً تمييز أو حال {إِنَّهُ كَان بعباده} المنذرين والمنذرين {خبيرا}
الإسراء (96 _ 100)
عالماً بأحوالهم {بَصِيراً} بأفعالهم فهو مجازيهم وهذه تسلية لرسول الله عليه السلام ووعيد للكفرة(2/278)
وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا (97)
وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا (97)
{وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ} وبالياء يعقوب وسهل وافقهما أبو عمرو ومدني في الوصل أي من وفقه الله لقبول ما كان من الهدى(2/278)
فهو المهتدي عند الله {وَمَنْ يُضْلِلْ} أي ومن يخذله ولم يعصمه حتى قبل وساوس الشيطان {فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِهِ} أي أنصاراً {وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ على وُجُوهِهِمْ} أي يسحبون عليها كقوله يوم يسحبون في النار على وجوههم وقيل لرسول الله عليه السلام كيف يمشون على وجوههم قال إن الذي أمشاهم على أقدامهم قادر على أن يمشيهم على وجوهم {عُمْياً وَبُكْماً وَصُمَّاً} كما كانوا في الدنيا لا يستبصرون ولا ينطقون بالحق ويتصامون عن استماعه فهم في الآخرة كذلك لا يبصرون ما يقر عينهم ولا يسمعون ما يلذ مسامعهم ولا ينطقون بما يقبل منهم {مَّأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ} طفىء لهبها {زِدْنَاهُمْ سَعِيراً} توقدا(2/279)
ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا وَقَالُوا أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا (98)
ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا وَقَالُوا أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا (98)
{ذَلِكَ جَزَآؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا وَقَالُوآ أَئذَا كُنَّا عِظَاماً وَرُفَاتاً أَئنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً} أي ذلك العذاب بسبب أنهم كذبوا بالإعادة بعد الإفناء فجعل الله جزاءهم أن سلط النار على أجزائهم تأكلها ثم يعيدها لا يزالون على ذلك ليزيد في تحسرهم على تكذيبهم البعث(2/279)
أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلًا لَا رَيْبَ فِيهِ فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلَّا كُفُورًا (99)
أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلًا لَا رَيْبَ فِيهِ فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلَّا كُفُورًا (99)
{أَوَ لَمْ يَرَوْا} أو لم يعلموا {أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ قَادِرٌ على أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ} من الإنس {وَجَعَلَ لَهُمْ أَجلاً لاَّ رَيْبَ فِيه} وهو الموت أو القيامة {فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلاَّ كَفُوراً} جحوداً مع وضوح الدليل(2/279)
قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفَاقِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ قَتُورًا (100)
قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفَاقِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ قَتُورًا (100)
{قُل لَّوْ أَنتُمْ تَمْلِكُونَ} تقديره لو تملكون أنتم لأن لو تدخل على الأفعال دون الأسماء فلا بد من فعل بعدها فأضمر تلك على شريطة التفسير وأبدل من الضمير المتصل وهو الواو ضمير منفصل وهو أنتم(2/279)
لسقوط ما يتصل به من اللفظ فأنتم فاعل الفعل المضمر وتملكون تفسيره وهذا هو الوجه الذي يقتضيه علم الإعراب وأما ما يقتضيه علم البيان فهو أن أنتم تملكون فيه دلالة على الاختصاص وأن الناس هم المختصون بالشح المتبالغ {خَزَآئِنَ رَحْمَةِ ربي} رزقه وسائر نعمه على خلقه {إِذاً لأمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الإنفَاقِ}
أي لبخلتم خشية أن يفنيه الإنفاق {وَكَانَ الإنْسانُ قَتُوراً} بخيلاً(2/280)
وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءَهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُورًا (101)
وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءَهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُورًا (101)
{وَلَقَدْ آتَيْنَا موسى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ} عن ابن عباس رضي الله عنهما هي العصا واليد والجراد والقمل والضفادع والدم والحجر والبحر والطور الذي نتقه على بني إسرائيل وعن الحسن الطوفان والسنون ونقص الثمرات مكان الحجر والبحر والطور {فاسأل بني إسرائيل} فقلنا له سل بني إسرائيل أي سلهم من فرعون وقل له أرسل معي بني إسرائيل وقوله {إِذْ جاءهم} متعلق بقوله المحذوف أي فقلنا له سلهم حين جاءهم {فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لأظنك يا موسى مَسْحُوراً} سحرت فخولط عقلك(2/280)
قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا (102)
قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا (102)
{قَالَ} أي موسى {لَقَدْ عَلِمْتَ} يا فرعون {مَآ أَنزَلَ هَؤُلاءِ} الآيات {إِلاَّ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ} خالقهما {بَصَآئِرَ} حال أي بينات مكشوفات لأنك معاند ونحوه وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلماً وعلوا علمت بالضم عليّ أي إني لست بمسحور كما وصفتني بل أنا عالم بصحة الأمر وان هذه الآيات منزلها رب السموات والأرض ثم قارع ظنه بظنه بقوله {وَإِنِّي لأظنك يا فرعون مَثْبُوراً} كأنه قال إن ظننتني مسحوراً فأنَا أظنك مثبورا وظني أصح من ظنك لأن له أمارة ظاهرة وهي إنكارك ما عرفت صحته ومكابرتك لآيات الله بعد وضوحها(2/280)
وأما ظنك فكذب بحت لأن قولك مع علمك بصحة أمري أنى لا أظنك مسحوراً قول كذب وقال الفراء مثبوراً مصروفاً عن الخير من قولهم ما ثبرك عن هذا أي ما منعك وصرفك(2/281)
فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعًا (103)
فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعًا (103)
{فأراد} فرعون {أَن يَسْتَفِزَّهُم} يخرجهم أي موسى وقومه {مِّنَ الأرْضِ} أي أرض مصر أو ينفيهم عن ظهر الأرض بالقتل والاستئصال {فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ جَمِيعاً} فحاق به مكره بأن استفزه الله بإغراقه مع قبطه(2/281)
وَقُلْنَا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا (104)
وَقُلْنَا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا (104)
{وقلنا من بعده} من بعده فرعون {لبني إِسْرَائِيلَ اسْكُنُوا الأرْضَ} التي أراد فرعون أن يستفزكم منها {فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ الآخرة} اي القيامة {جئنا بكم لفيفا} جميعا مختلطين إياكم وإياهم ثم نحكم بينكم ونميز بين سعدائكم وأشقيائكم واللفيف الجماعات من قبائل شتى(2/281)
وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (105)
وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (105)
{وبالحق أنزلناه وبالحق نزل} وما انزلنا
الإسراء (105 _ 109)
القرآن إلا بالحكمة وما نزل إلا ملتبساً بالحق والحكمة لاشتماله على الهداية إلى كل خير أو ما أنزلناه من السماء إلا بالحق محفوظاً بالرصد من الملائكة وما نزل على الرسول إلا محفوظاً بهم من تخليط الشياطين قال الراوي اشتكى محمد بن السماك فأخذنا ماءه وذهبنا به إلى طبيب نصراني فاستقبلنا رجل حسن الوجه طيب الرائحة نقي الثوب فقال لنا إلى أين فقلنا له إلى فلان الطبيب نريه ماء ابن السماك فقال سبحان الله تستعينون على ولي الله بعدو الله اضربوه على الأرض وارجعوا إلى ابن السماك وقولوا له ضع يدك على موضع الوجع وقل وبالحق أنزلناه وبالحق نزل ثم غاب عنا فلم نره فرجعنا إلى ابن السماك فأخبرناه بذلك فوضع يده على موضع الوجع وقال ما قال الرجل وعوفي في الوقت وقال كان ذلك الخضر عليه السلام {وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ مُبَشِّراً} بالجنة {وَنَذِيراً} من النار(2/281)
وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا (106)
وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا (106)
{وَقُرْآناً} منصوب بفعل يفسره {فَرَقْنَاهُ} أي فصلناه أو فرقنا فيه الحق من الباطل {لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ على مُكْثٍ} على تؤدة وتثبت {ونزلناه تنزيلا} على حسب الحوداث(2/282)
قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا (107)
قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا (107)
{قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا} أي اختاروا لأنفسكم النعيم المقيم أو العذاب الأليم ثم علل بقوله {إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ من قبله} أي التوارة من قبل القرآن {إِذَا يتلى عَلَيْهِمْ} القرآن {يُخِرُّونَ للأذْقَانِ سُجَّداً} حال(2/282)
وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا (108)
وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا (108)
{وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَآ إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً} لقوله آمنوا به أو لا تؤمنوا أي أعرض عنهم فإنهم إن لم يؤمنوا به ولم يصدقوا بالقرآن فإن خيراً منهم وهم العلماء الذين قرءوا الكتب قد آمنوا به وصدقوه فإذا تلي عليهم خروا سجداً وسبحوا الله تعظيماً لأمره ولإنجازه ما وعد في الكتب المنزلة وبشر به من بعثة محمد صلى الله عليه وسلم وإنزال القرآن عليه وهو المراد بالوعد المذكور ان بمعنى أنه هي تؤكد الفعل كما أن إن تؤكد الاسم وكما أكدت إن باللام في إنهم لمحضرون تأكدت إن باللام في لمفعولا(2/282)
وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا (109)
وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا (109)
{وَيَخِرُّونَ لِلأذْقَانِ يَبْكُونَ} ومعنى الخرور للذقن السقوط على الوجه وإنما خص الذقن لأن أقرب الأشياء من وجهه إلى الأرض عند السجود الذقن يقال خر على وجهه وعلى ذقنه وخر لوجهه ولذقنه أما معنى على فظاهر وأما معنى اللام فكأنه جعل ذقنه ووجهه للخرور واختصه به إذ اللام للاختصاص وكرر يخرون للأذقان لاختلاف الحالين وهما خرورهم في حال كونهم ساجدين وخرورهم في حال
الإسراء (109 _ 111)
كونهم باكين {وَيَزِيدُهُمْ} القرآن {خُشُوعاً} لين قلب ورطوبة عين(2/282)
قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا (110)
قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا (110)
{قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرحمن} لما سمعه أبو جهل يقول يا الله يا رحمن قال إنه نهانا أن نعبد إلهين وهو يدعو إلها آخر فنزلت وقيل إن أهل الكتاب قالوا إنك لتقل ذكر الرحمن وقد اكثر الله في التوارة هذا الاسم فنزلت والدعاء بمعنى التسمية لا بمعنى النداء وأو للتخيير أي سموا بهذا الاسم أو بهذا أو اذكروا إما هذا وإما هذا والتنوين في {أَيَّا مَّا تَدْعُوا} عوض من المضاف اليه وما زيدت للتوكيد وايا نصب بتدعوا وهو مجزوم بأي أي هذين الاسمين ذكرتم وسميتم {فَلَهُ الأسْمَآءُ الحسنى} والضمير في فله يرجع إلى ذات الله تعالى والفاء لأنه جواب الشرط أي أيَّاماً تدعوا فهو حسن فوضع موضعه قوله فله الأسماء الحسنى لأنه إذا حسنت أسماؤه كلها حسن هذان الاسمان لأنهما منها ومعنى كونها أحسن الأسماء إنها مستقلة بمعاني التمجيد والتقديس والتعظيم {ولا تجهر بصلاتك} بقراءة صلايك على حذف المضلف لأنه لا يلبس إذ الجهر والمخافتة تعتقبان على الصوت لا غير والصلاة أفعال وأذكار وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفع صوته بقراءته فإذا سمعها المشركون لغوا وسبوا فأمر بأن يخفض من صوته والمعنى ولا تجهر حتى تسمع المشركن {ولا تخافت بها} حتى تسمع من خلفك {وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ} بين الجهر والمخافتة {سبيلا} وسطا أو معناه لا تجهر بصلاتك كلها ولا تخافت بها كلها وابتغ بين ذلك سبيلاً بأن تجهر بصلاة الليل وتخافت بصلاو النهار أو بصلاتك بدعائك(2/283)
وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا (111)
وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا (111)
{وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً} كما زعمت اليهود والنصارى وبنو مليح {وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ} كما زعم المشركون {وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلِّ} أي لم يذل فيحتاج إلى ناصر أو لم يوال أحداً من أجل مذلة به ليدفعها بموالاته(2/283)
{وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً} وعظمه وصفه بأنه أكبر منان يكون له ولد أو شريك وسمى النبي عليه السلام الآية آية العز وكان إذا أفصح الغلام من بني عبد المطلب علمه هذه الآية(2/284)
الكهف (4 - 1)
سورة الكهف مكية وهي مائة وإحدى عشرة آية بصرى وعشر آيات كوفي
بسم الله الرحمن الرحيم(2/285)
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا (1)
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا (1)
{الحمد لِلَّهِ الذى أَنْزَلَ على عَبْدِهِ} محمد صلى الله عليه وسلم {الكتاب} القرآن لقن الله عباده وفقهم كيف يثنون عليه ويحمدونه على أجزل نعمائه عليهم وهي نعمة الإسلام وما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم من الكتاب الذي هو سبب نجاتهم {وَلَمْ يجعل له عوجا} أي شيئا من العوج والعوج في المعاني كالعوج في الأعيان يقال في رأيه عوج وفي عصاه عوج والمراد نفي الاختلاف والتناقض عن معانيه وخروج شيء منه من الحكمة(2/285)
قَيِّمًا لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا (2)
قَيِّمًا لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا (2)
{قَيِّماً} مستقيماً وانتصابه بمضمر وتقديره جعله قيماً لأنه إذا نفى عنه العوج فقد أثبت له الاستقامة وفائدة الجمع بين نفي العوج وإثبات الاستقامة وفي أحدهما غنى عن الآخر التأكيد فرب مستقيم مشهود له بالاستقامة ولا يخلو من أدنى عوج عند التصفح أو قيماً على سائر الكتب مصدقا لها شاهداً بصحتها {لّيُنذِرَ} أنذر متعدٍ إلى مفعولين كقوله إنا أنذرناكم عذابا قريبا فاقتصر على أحدهما وأصله لينذر الذين كفروا {بَأْسًا} عذاباً {شَدِيداً} وإنما اقتصر على أحد مفعولي أنذر لأن المنذر به هو المسوق إليه فاقتصر عليه {مِن لَّدُنْهُ} صادراً من عنده {وَيُبَشّرُ المؤمنين الذين يَعْمَلُونَ الصالحات أَنَّ لَهُمْ} أي بأن لهم {أَجْرًا حَسَنًا} أي الجنة ويبشر حمزه على(2/285)
مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا (3)
مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا (3)
{مَّاكِثِينَ} حال من هم في لهم {فِيهِ} في الأجر وهو الجنة {أَبَدًا}(2/286)
وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا (4)
وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا (4)
{وَيُنْذِرَ الذين قَالُواْ اتخذ الله وَلَدًا} ذكر المنذرين دون المنذر به بعكس الأول استغناء بتقديم ذكره(2/286)
مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا (5)
مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا (5)
{مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ} أي بالولد أو باتخاذه يعني أن قولهم هذا لم يصدر عن علم ولكن عن جهل مفرط فإن قلت إتخاذ الله ولداً في نفسه محال فكيف قيل مالهم به من علم قلت معناه مالهم به من علم لأنه ليس مما يعلم لاستحالته وانتفاء العلم
الكهف (10 - 5)
بالشيء إما للجهل بالطريق الموصل إليه أو لأنه في نفسه محال {ولا لآبائهم} المقلدين {كَبُرَتْ كَلِمَةً} نصب على التمييز وفيه معنى التعجب كانه قيل ما أكبره كلمة والضمير في كبرت يرجع إلى قولهم اتخذ الله ولدا وسميت كلمة كما يسمون القصيدة بها {تخرج من أفواههم} صفة لكلمة تفيد استعظاماً لاجترائهم على النطق بها وإخراجها من أفواههم فإن كثيراً مما يوسوسه الشيطان في قلوب الناس من المنكرات لايتما لكون أن يتفوهوا به بل يكظمون عليه فكيف بمثل هذا المنكر {إِن يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِبًا} ما يقولون ذلك إلا كذباً هو صفة لمصدر محذوف أي قولاً كذباً(2/286)
فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا (6)
فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا (6)
{فلعلك باخع نفسك} قاتل نفسك {على آثارهم} أي آثار الكفار شبهه وإياهم حين تولوا عنه ولم يؤمنوا به وما تداخله من الأسف على توليهم برجل فارقه أحبته فهو يتساقط حسرات على آثارهم ويبخع نفسه وجداً من الأسف على توليهم برجل فارقه أحبته فهو يتساقط حسرات على آثارهم ويبخع نفسه وجداً عليهم وتلهفا على فراقهم {إِن لَّمْ يُؤْمِنُواْ بهذا الحديث} بالقرآن {أَسَفاً} مفعول لهُ أي لفرط الحزن والأسف المبالغة في الحزن والغضب(2/286)
إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا (7)
إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا (7)
{إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأرض زِينَةً لَّهَا} أي ما يصلح أن يكون زينة لها(2/286)
ولأهلها من زخارف الدنيا وما يستحسن منها {لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُم أَحْسَنُ عَمَلاً} وحسن العمل الزهد فيها وترك الاغترار بها(2/287)
وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا (8)
وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا (8)
ثم زهد في الميل إليها بقوله {وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا} من هذه الزينة {صَعِيداً} أرضاً ملساء {جُرُزاً} يابساً لا نبات فيها بعد أن كانت خضراء معشبة والمعنى نعيدها بعد عمارتها خراباً بإماتة الحيوان وتجفيف النبات والأشجار وغير ذلك(2/287)
أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا (9)
أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا (9)
ولما ذكر من الآيات الكلية تزيين الأرض بما خلق فوقها من الأجناس التي لا حصر لها وإزالة ذلك كله كأن لم يكن قال {أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أصحاب الكهف والرقيم} يعني أن ذلك أعظم من قصة أصحاف الكهف وإبقاء حياتهم مدة طويلة والكهف الغار الواسع في الجبل والرقيم اسم كلبهم أو قريتهم أو اسم كتاب كتب في شأنهم أو اسم الجبل الذي فيه الكهف {كَانُواْ من آياتنا عَجَبًا} أي كانوا آية عجباً من آياتنا وصفاً بالمصدر أو على ذات عجب(2/287)
إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا (10)
إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا (10)
{إِذْ} أي اذكر إذ {أَوَى الفتية إِلَى الكهف فقالوا ربنا آتنا مِن لَّدُنكَ رحمةً} أي رحمة من خزائن رحمتك وهي المغفرة والرزق والأمن من الأعداء {وهيئ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا} أي الذي نحن عليه من مفارقة الكفار {رَشَدًا} حتى نكون بسببه راشدين مهتدين
الكهف (15 - 10)
أو اجعل أمرنا رشداً كله كقولك رأيت منك أسداً أو يسر لنا طريق رضاك(2/287)
فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا (11)
فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا (11)
{فضربنا على آذانهم فِى الكهف} أي ضربنا عليها حجاباً من النوم يعني أنمناهم إنامة ثقيلة لا تنبههم فيها الأصوات فحدف المفعول الذي هو الحجاب {سِنِينَ عَدَدًا} ذوات عدد فهو صفة لسنين قال الزجاج أي تعد عدداً لكثرتها لأن القليل يعلم مقداره من غير عدد فإذا كثر عُدَّ فأما(2/287)
دارهم معدودة فهي على القلة لأنهم كانوا يعدون القليل ويزنون الكثير(2/288)
ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا (12)
ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا (12)
{ثُمَّ بعثناهم} أيقظناهم من النوم {لِنَعْلَمَ أَيُّ الحزبين} المتخلفين منهم في مدة لبثهم لأنهم لما انتبهوا اختلفوا في ذلك وذلك قوله قَالَ قَائِلٌ مّنْهُمْ كَم لَبِثْتُمْ قَالُواْ لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُواْ رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ وكان الذين قالوا ربكم أعلم بما لبثتم هم الذين علموا أن لبثهم قد تطاول أو أي الحزبين المختلفين من غيرهم {أحصى لما لبثوا أمدا} غاية وأحصى فعل ماض وأمدا ظرف لأحصى أو مفعول به والفعل الماضي خبر المبتدأ وهو أي والمبتدا مع خبره سد مسد مفعولي نعلم والمعنى أيهم ضبط أمداً لأوقات لبثهم وأحاط علماً بأمد لبثهم ومن قال أحصى أفعل من الإحصاء وهو العد فقد زل لأن بناءه من غير الثلاثي المجرد ليس بقياس وإنما قال لنعلم مع أنه تعالى لم يزل عالماً بذلك لأن المراد ما تعلق به العلم من ظهور الأمر لهم ليزدادوا إيماناً واعتباراً وليكون لطفاً لمؤمني زمانهم وآية بينة لكفاره أو المراد لنعلم اختلافهما موجوداً كما علنماه قبل وجوده(2/288)
نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى (13)
نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى (13)
{نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نبَأَهُم بالحق} بالصدق {إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ} جمع فتى والفتوة بذل الندى وكف الأذى وترك الشكوى واجتناب المحارم واستعمال المكارم وقيل الفتى من لا يدعي قبل الفعل ولا يزكي نفسه بعد الفعل {آمنوا بِرَبّهِمْ وزدناهم هُدًى} يقينا وكانوا من خواص دقيانوس قد قذف الله في قلوبهم الإيمان وخاف بعضهم بعضاً وقالوا ليخل اثنان اثنان منا فيظهر كلاهما ما يضمر لصاحبه ففعلوا فحصل اتفاقهم على الإيمان(2/288)
وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا (14)
وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا (14)
{وَرَبَطْنَا على قُلُوبِهِمْ} وقويناها بالصبر على هجران الأوطان والفرار بالدين إلى بعض الغيران وجسرناهم على القيام بكلمة الحق والتظاهر بالإسلام {إِذْ قَامُواْ} بين يدي الجبار وهو دقيانوس من غير مبالاة به حين(2/288)
عاتبهم على ترك عبادة الأصنام {فَقَالُواْ رَبُّنَا رَبُّ السماوات والأرض} مفتخرين {لَن نَّدْعُوَاْ مِن دونه إلها} ولئن سيماهم آلهة {لَّقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا} قولاً ذا شطط وهو الإفراط في الظلم والإبعاد فيه من شط يشط ويشط إذا بعد(2/289)
هَؤُلَاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا (15)
هَؤُلَاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا (15)
{هَؤُلاء} مبتدأ {قَوْمُنَا} عطف بيان {اتخذوا مِن دونه آلهة} خير وهو اخبار في معنى الإنكار
الكهف (17 - 15)
{لَّوْلاَ يَأْتُونَ عَلَيْهِم} هلا يأتون على عبادتهم فحذف المضاف {بسلطان بَيّنٍ} بحجة ظاهرة وهو تبكيت لأن الإتيان بالسلطان على عبادة الأوثان محال {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افترى عَلَى الله كَذِبًا} بنسبة الشريك إليه(2/289)
وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقًا (16)
وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقًا (16)
{وإذ اعتزلتموهم} خطاب من بعضهم لبعض حيث صممت عزيمتهم على الفرار بدينهم {وَمَا يَعْبُدُونَ} نصب عطف على الضمير أي وإذا اعتزلتموهم واعتزلتم معبوديهم {إِلاَّ الله} استثناء متصل لأنهم كانوا يقرون بالخالق ويشركون معه غيره كأهل مكة أو منقطع أي وإذا اعتزلتم الكفار والأصنام التي يعبدونها من دون الله أو هو كلام معترض إخبار من الله تعالى عن الفتية أنهم لم يعبدوا غير الله {فَأْوُواْ إِلَى الكهف} صيروا إليه واجعلوا الكهف مأواكم {يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مّن رَّحْمَتِهِ} من رزقه {ويهيئ لَكُمْ مّنْ أَمْرِكُمْ مّرْفَقًا} مَرفقاً مدني وشامي وهو ما يرتفق به أي ينتفع وإنما قالوا ذلك ثقة بفضل الله وقوة في رجائهم لتوكلهم عليه ونصوع يقينهم أو أخبرهم به نبي في عصرهم(2/289)
وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا (17)
وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا (17)
{وترى الشمس إذا طلعت تزاور} بتخفيف الزاي كوفي تزور شامي تزواور غيرهم وأصله تتزاور فخفف بإدغام التاء في الزاي أو حذفها والكل من الزور وهو الميل ومنه زاره إذا مال إليه(2/289)
والزور الميل عن الصدق {عَن كَهْفِهِمْ} أي تميل عنه ولا يقع شعاعها عليهم {ذَاتَ اليمين} جهة اليمين وحقيقتها الجهة المسماة باليمين {وَإِذَا غَرَبَت تَّقْرِضُهُمْ} تقطعهم أي تتركهم وتعدل عنهم {ذَاتَ الشمال وَهُمْ فِى فَجْوَةٍ مّنْهُ} في متسع من الكهف والمعنى أنهم في ظل نهارهم كله لا تصيبهم الشمس في طلوعها ولا غروبها مع أنهم في مكان واسع منفتح معرض لإصابة الشمس لولا أن الله يحجبها عنهم وقيل منفسح من غارهم ينالهم فيه روح الهواء وبرد النسيم ولا يحسون كرب الغار {ذلك مِنْ آيات الله} أي ماصنعه الله بهم من إزورار الشمس وقرضها طالعة وغاربة آية من آيات الله يعني أن ما كان في ذلك السمت تصيبه الشمس ولا تصيبهم اختصاصاً لهم بالكرامة وقيل باب الكهف شمالي مستقبل لبنات نعش فهم في مقنأة أبداً ومعنى ذلك من آيات الله أن شأنهم وحديثهم من آيات الله {مَن يَهْدِ الله فَهُوَ المهتد} مثل ما مر في سبحان وهو ثناء عليهم بأنهم جاهدوا في الله وأسلموا له وجوههم فأرشدهم إلى نيل تلك الكرامة السنية {وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيّا مُّرْشِدًا} أي من أضله فلا هادي له(2/290)
وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا (18)
وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا (18)
{وتحسبهم} بفتح السين شامي
(الكهف (19 - 18)
وحمزة وعاصم غير الأعش وهو خطاب لكل أحد {أَيْقَاظًا} جمع يقظ {وَهُمْ رُقُودٌ} نيام قيل عيونهم مفتحة وهم نيام فيحسبهم الناظر لذلك أيقاظاً {وَنُقَلّبُهُمْ ذَاتَ اليمين وَذَاتَ الشمال} قيل لهم تقلّبتان في السنة وقيل تقلبة واحدة في يوم عاشوراء(2/290)
{وَكَلْبُهُمْ باسط ذِرَاعَيْهِ} حكاية حال ماضية لأن اسم الفاعل لا يعمل إذا كان في معنى المضي {بالوصيد} بالفناء أبو بالعتبة {لَوِ اطلعت عَلَيْهِمْ} لو أشرفت عليهم فنظرت إليهم {لَوْلَّيْتَ مِنْهُمْ} لأعرضت عنهم وهربت منهم {فِرَاراً} منصوب على المصدر لأن معنى وليت منهم فررت منهم {ولملئت منهم} وبتشديد اللام حجازي للمبالغة {رُعْبًا} تمييز وبضم العين شامي وعلي وهو الخوف الذي يرعب الصدر أي يملأه وذلك لما ألبسهم الله من الهيبة أو لطول أظفارهم وشعورهم وعظم أجرامهم وعن معاوية أنه غزا الروم فمر بالكهف فقال أريد أن أدخل فقال ابن عباس رضي الله عنهما لقد قيل لمن هو خير منك لوليت منهم فراراً فدخلت جماعة بأمره فأحرقتهم ريح(2/291)
وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا (19)
وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا (19)
{وكذلك بعثناهم} وكما أنمناهم تلك النومة كذلك أيقظناهم إظهاراً للقدرة على الإنامة والبعث جميعاً {لِيَتَسَاءلُوا بَيْنَهُمْ} ليسأل بعضهم بعضاً ويتعرفوا حالهم وما صنع الله بهم فيعتبروا ويستدلوا على عظم قدرة الله ويزدادوا يقيناً ويشكروا ما أنعم الله به عليهم {قَالَ قَائِلٌ مّنْهُمْ} رئيسهم {كَمْ لَبِثْتُمْ} كم مدة لبثكم {قَالُواْ لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ} جواب مبني على غالب الظن وفيه دليل على جواز الاجتهاد والقول بالظن الغالب {قَالُواْ رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ} بمدة لبثكم إنكار عليهم من بعضهم كأنهم قد علموا بالأدلة أو بإلهام أن المدة متطاولة وأن مقدارها لا يعلمه إلا الله ورُوي أنهم دخلوا الكهف غدوة وكان انتباههم بعد الزوال فظنوا أنهم في يومهم فلما نظروا إلى طوال أظفارهم وأشعارهم قالوا ذلك وقد استدل ابن عباس رضي الله عنه على أن الصحيح أن عددهم سبعة لأنه قد قال في الآية قال قائل منهم كم لبثتم وهذا واحد وقالوا في جوابه لبثنا يوماً أو بعض يوم وهو جمع وأقله ثلاثة ثم قال ربكم أعلم بما لبثتم وهذا(2/291)
قول جمع آخرين فصاروا سبعة {فابعثوا أَحَدَكُمْ} كأنهم قالوا ربكم أعلم بذلك لا طريق لكم إلى علمه فخذوا في شيء آخر مما يهمكم فابعثوا أحدكم أي تمليخا {بِوَرِقِكُمْ} هي الفضة مضروبة كانت أو غير مضروبة وبسكون الراء أبو عمرو وحمزة وأبو بكر {هذه إلى المدينة} هي طرسوس وحملهم الورق عند فرارهم دليل على أن حمل النفقة وما يصلح للمسافر هو رأي المتوكلين على الله دون المتكلين على الاتفاقات وعلى ما في أوعية
الكهف (21 - 19)
القوم من النفقات وعن بعض العلماء أنه كان شديد الحنين إلى بيت الله ويقول ما لهذا السفر إلا شيئان شد المحميان والتوكل على الرحمن {فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا} أي أهلها فحذف كما في واسئل القرية واي مبتدأ وخبره {أزكى} أحل وأطيب وأكثر وأرخص {طَعَامًا} تمييز {فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مّنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ} وليتكلف اللطف فيما يباشره من أمر المبايعة حتى لا يغبن أو في أمر التخفي حتى لا يعرف {وَلاَ يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا} ولا يفعلن ما يؤدي إلى الشعر بنا من غير قصد منه فسمى ذلك إشعاراً منه بهم لأنه سبب فيه(2/292)
إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا (20)
إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا (20)
والضمير في {أَنَّهُمْ} راجع إلى الأهل المقدر في أيها {إِن يَظْهَرُواْ عَلَيْكُمْ} يطلعوا عليكم {يَرْجُمُوكُمْ} يقتلوكم أخبث القتلة {أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِى مِلَّتِهِمْ} بالإكراه والعود بمعنى الصيرورة كثير في كلامهم {وَلَن تُفْلِحُواْ إِذًا أَبَدًا} إذاً يدل على الشرط أي ولن تفلحوا إن دخلتم في دينهم أبداً(2/292)
وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا (21)
وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا (21)
{وكذلك أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ} وكما أنمناهم وبعثناهم لما في ذلك من الحكمة أطلعنا عليهم {لِيَعْلَمُواْ} أي الذين أطلعناهم على حالهم {أَنَّ وَعْدَ الله} وهو البعث {حق} كأن لأن حالهم في نومهم وانتباههم بعدها(2/292)
كحال من يموت ثم يبعث {وَأَنَّ الساعة لاَ رَيْبَ فِيهَا} فإنهم يستدلون بأمرهم على صحة البعث {إذ يتنازعون} متعلق باعثرنا أي أعثرناهم عليهم حين يتنازع أهل ذلك الزمان {بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ} أمر دينهم ويختلفون في حقيقة البعث فكان بعضهم يقول تبعت الأرواح دون الأجساد وبعضم يقول تبعث الأجساد مع الأرواح ليرتفع الخلاف وليتبين أن الأجساد تبعث حية حساسة فيها أرواحها كما كانت قبل الموت {فَقَالُواْ} حين توفى الله أصحاب الكهف {ابنوا عَلَيْهِمْ بنيانا} أي على باب كهفهم لئلا يتطرق إليهم الناس ضناً بتربتهم ومحافظة عليها كما حفظت تربة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحظيرة {رَّبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ} من كلام المتنازعين كأنهم تذاكروا أمرهم وتناقلوا الكلام في أنسابهم وأحوالهم ومدة لبثهم فلما لم يهتدوا إلى حقيقة ذلك قالوا ربهم أعلم بهم أو من كلام الله عز وجل ردا لقول الخائضين في {قَالَ الذين غَلَبُواْ على أَمْرِهِمْ} من المسلمين وملكهم وكانوا أولى بهم وبالبناء عليهم {لَنَتَّخِذَنَّ} باب الكهف {مَّسْجِدًا} يصلي فيه المسلمون ويتبركون بمكانهم روى ان أهل الانجيل
الكهف (22)
عظمت فيهم الخطايا وطغت ملوكهم حتى عبدوا الأصنام وأكرهوا على عبادتها وممن شدد في ذلك دقيانوس فأراد فتية من أشراف قومه على الشرك وتوعدهم بالقتل فأبوا إلا الثبات على الإيمان والتصلب فيه ثم هربوا إلى الكهف ومروا بكلب فتبعهم فطردوا فأنطقه الله تعالى فقال ما تريدون مني إني أحب أحباء الله فناموا وأنا أحرسكم وقيل مرواً براعٍ معه كلب فتبعهم على دينهم ودخلوا الكهف فضرب الله على آذانهم وقبل أن يبعثهم الله مَلِكَ مدينتهم رجل صالح مؤمن وقد اختلف أهل مملكته في البعث معترفين وجاحدين فدخل الملك بيته وأغلق بابه ولبس مسحاً وجلس على رماد وسأل ربه أن يبين لهم الحق فألقى الله في نفس رجل من رعيانهم فهدم ما سد به فم الكهف ليتخذه حظيرة لغنمه ولما دخل المدينة من بعثوه لابتياع الطعام وأخرج الورق وكان من ضرب(2/293)
دقيانوس اتهموه بأنه وجد كنزاً فذهبوا به إلى الملك فقص عليه القصة فانطلق الملك وأهل المدينة معه وأبصروهم وحمدوا الله على الآية الدالة على البعث ثم قالت الفتية للملك نستودعك الله ونعيذك به من شر الجن والإنس ثم رجعوا إلى مضاجعهم وتوفى الله أنفسهم فألقى الملك عليهم ثيابه وأمر فجعل لكل واحد تابوت من ذهب فرآهم في المنام كارهين للذهب فجعلها من الساج وبنى على باب الكهف مسجدا(2/294)
سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا (22)
سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا (22)
{سَيَقُولُونَ ثلاثة رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بالغيب وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ} الضمير في سيقولون لمن خاض في قصتهم في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم من المؤمنين وأهل الكتاب سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهم فأخر الجواب إلى أن يوحى إليه فيهم فنزلت إخباراً بما سيجري بينهم من اختلافهم في عددهم وأن المصيب منهم من يقول سبعة وثامنهم كلبهم ويُروى أن السيد والعاقب وأصحابهما من أهل نجران كانوا عند النبي صلى الله عليه وسلم فجرى ذكر أصحاب الكهف فقال السيد وكان يعقوبيا كانوا ثلاثة رابعهم كلبهم وقال العاقب وكان نسطوريا كانوا خمسة سادسهم كلبهم وقال المسلمون كانوا سبعة وثامنهم كلبهم فحفق الله قول المسلمين وإنما عرفوا ذلك بإخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم وبما ذكرنا من قبل وعن علي رضي الله عنه هم سبعة نفر أسماؤهم بمليخا ومكشلينا ومشليينا هؤلاء أصحاب يمين الملك وكان عن بساره مرنوش ودبرنوش وشاذنوش وكان يستشير هؤلاء الستة في أمره والسابع الراعي الذي وافقهم حين هربوا من ملكهم دقيانوس واسم مدينتهم أفسوس واسم كلبهم قطمير وسين الاستقبال وإن دخل في الأول دون الآخرين فهما داخلان في حكم السين كقولك قد أكرم وأنعم تريد معنى التوقع في الفعلين جميعاً أو أريد بيفعل(2/294)
معنى الاستقبال الذي هو صالح له ثلاثة خبر متبدأ محذوف أي هم ثلاثة وكذلك خمسة وسبعة ورابعهم كلبهم جملة من مبتدأ وخبر واقعة صفة لثلاثة وكذلك سادسهم كلبهم وثامنهم كلبهم رجما
الكهف (24 - 22)
بالغيب رمياً بالخبر الخفي وإتيانا به كقوله ويقذفون بالغيب أي يأتون به أووضع الرجم موضع الظن مكانه قيل ظنا بالغيب لأنهم أكثروا أن يقولوا رجم بالظن مكان قولهم ظن حتى لم يبق عندهم فرق بين العبارتين والواو الداخلة على الجملة الثالثة هي الواو التي تدخل على الجملة الواقعة صفة للنكرة كما تدخل على الواقعة حالاً عن المعرفة في قولك جاءني رجل ومعه آخر ومررت بزيد وفي يده سيف وفائدتها توكيد لصوق الصفة بالموصوف والدلالة على أن اتصافه بها أمر ثابت مستقر وهذه الواو التي آذنت بأن الذين قالوا سبعة وثامنهم كلبهم قالوه عن ثبات علم ولم يرجموا بالظن كما رجم غيرهم دليله أن الله تعالى أتبع القولين الأولين قوله رجماً بالغيب وأتبع القول الثالث قوله {قُل رَّبّى أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم} أي قل ربي أعلم بعدّتهم وقد أخبركم بها بقوله سبعة وثامنهم كلبهم {مَّا يعلمهم إلا قليل} قال ابن عباس رضي الله عنهما أنا من ذلك القليل وقيل إلا قليل من أهل الكتاب والضمير في سيقولون على هذا الأهل الكتاب خاصة أي سيقولون أهل الكتاب فيهم كذا وكذا ولا علم بذلك إلا في قليل منهم وأكثرهم على ظن وتخمين {فَلاَ تُمَارِ فِيهِمْ} فلا تجادل أهل الكتاب في شأن أصحاب الكهف {إِلاَّ مراء ظاهرا} إلا جد الا ظاهراً غير متعمق فيه وهو أن تقص عليهم ما أوحى الله إليك فحسب ولا تزيد من غير تجهيل لهم أو بمشهد من الناس ليظهر صدقك {وَلاَ تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مّنْهُمْ أَحَداً} ولا تسأل أحداً منهم عن قصتهم سؤال متعنت له حتى يقول شيئاً فترده عليه وتزيف ما عنده ولا سؤال مسترشد لأن الله تعالى قد ارشد بأن أوحى إليك قصتهم(2/295)
وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (23)
وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (23)
{ولا تقولن لشيء} لأجل سيء تعزم عليه {إِنّى فَاعِلٌ ذلك} الشيء(2/295)
{غَداً} أي فيما يستقبل من الزمان ولم يرد الغد خاصة(2/296)
إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا (24)
إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا (24)
{إِلاَّ أَن يَشَاء الله} أن تقوله بأن يأذن لك فيه أو ولا تقولنه إلا بأن يشاء الله أي إلا بمشيئته وهو في موضع الحال أي إلا ملتبساً بمشيئة الله قائلاً إن شاء الله وقال الزجاج معناه ولا تقولن إني أفعل ذلك إلا بمشيئة الله تعالى لأن قول القائل أنا أفعل ذلك إن شاء الله معناه لا أفعله إلا بمشيئة الله وهذا نهى نهي تأديب من الله لنبيه حين قالت اليهود لقريش سلوه عن الروح وعن أصحاب الكهف وذي القرنين فسألوه فقال ائتوني غداً أخبركم ولم يستثن فأبطأ عليه الوحي حتى شق عليه {واذكر ربك} أي مشيئتة ربك وقل إن شاء الله {إِذَا نَسِيتَ} إذا فرط منك نسيان لذلك والمعنى إذا نسيت كلمة الاستثناء ثم تنبهت عليها فتداركها بالذكر عن الحسن ما دام في مجلس الذكر وعن ابن عباس رضي الله عنهما ولو بعد سنة وهذا محمول على تدارك التبرك بالاستثناء فأما الاستثناء المغير حكماً فلا يصح إلا متصلاً وحُكي أنه بلغ المنصور أن أبا حنيفة
الكهف (27 - 24)
رحمه الله خالف ابن عباس رضي الله عنهما في الاستثناء المنفصل فاستحضره لينكر عليه فقال له أبو حنيفة هذا يرجع عليك إنك تأخذ البيعة بالأيمان أفترضى أن يخرجوا من عندك فيستثنوا فيخرجوا عليك فاستحسن كلامه وأمر الطاعن فيه بإخراجه من عنده أو معناه واذكر ربك بالتسبيح والاستغفار إذا نسيت كلمة الاستثناء تشديداً في البعث على الاهتمام بها أو صلاة نسيتها إذا ذكرتها أو إذا نسيت شيئاً فاذكره ليذكرك المنسي {وَقُلْ عسى أَن يهدين رَبّى لأَِقْرَبَ مِنْ هذا رَشَدًا} يعني إذا نسيت شيئاً فاذكر ربك وذكر ربك عند نسيانه أن تقول عسى ربي أن يهديني لشيء آخر بدل هذا المنسي أقرب منه رشداً وأدنى خيراً ومنفعه أن يهدين إن ترن أن يؤتين أن تعلمن مكى في الحالين ووافقه أبو عمرو ومدني في الوصل(2/296)
وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا (25)
وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا (25)
{وَلَبِثُواْ فِى كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِاْئَةِ سِنِينَ} يريد لبثهم فيه أحياء مضروباً على آذانهم هذه المدة وهو بيان لما أجمل في قوله فضربنا عل آذانهم في الكهف سنين عدداً وسنين عطف بيان لثلثمائة ثلثمائة سنين بالإضافة حمزة وعليّ على وضع الجمع موضع الواحد في التمييز كقوله بالأخسرين أعمالا {وازدادوا تِسْعًا} أي تسع سنين لدلالة ما قبله عليه وتسعا مفعول به لأن زاد تقتضي مفعولين فازداد يقتضي مفعولاً واحداً(2/297)
قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا (26)
قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا (26)
{قُلِ الله أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُواْ} أي هو أعلم من الذين اختلفوا فيهم بمدة لبثهم الحق ما أخبرك به أو هو حكاية لكلام أهل الكتاب وقل الله أعلم رد عليهم والجمهور على أن هذا والحق ما أخبرك به أو هو حكاية لكلام أهل الكتاب وقل الله أعلم رد عليهم هور على أن هذا إخبار من الله سبحانه وتعالى أنهم لبثوا في كهفهم كذا مدة {لَهُ غَيْبُ السماوات والأرض} ذكر اختصاصه بعلم ما غاب في السموات والأرض وخفي فيها من أحوال أهلها {أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ} أي وأسمع به والمعنى ما أبصره بكل موجود وما أسمعه لكل مسموع {ما لهم} لأهل السموات والأرض {مّن دُونِهِ مِن وَلِىّ} من متول لأمورهم {وَلاَ يُشْرِكُ فِى حُكْمِهِ} في قضائه {أَحَدًا} منهم ولا تشرك على النهي شامي كانوا يقولون له ائت بقرآن غير هذا أو بدله فقيل له(2/297)
وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا (27)
وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا (27)
{واتل مَا أُوْحِىَ إِلَيْكَ مِن كتاب رَبّكَ} أي من القرآن ولا تسمع لما يهذون به من طلب التبديل فإنه {لاَ مُبَدّلَ لكلماته} أي لا يقدر أحد على تبديلها أو تغييرها إنما يقدر على ذلك هو وحده {ولن تجد من دونه ملتحدا} ملجأ تعدل إليه إن هممت بذلك(2/297)
وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا (28)
وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا (28)
ولما قال قوم من رؤساء الكفرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم نحِّ هؤلاء الموالي وهم صهيب وعمار وخباب وسلمان وغيرهم من فقراء المسلمين(2/297)
حتى نجالسك نزل {واصبر نَفْسَكَ مَعَ الذين يَدْعُونَ رَبَّهُم}
واحبسها معهم وثبتها {بالغداة والعشى} دائبين على الدعاء في كل وقت أو بالغداة لطلب التوفيق والتيسير والعشي لطلب عفو التقصير أو هما صلاة الفجر والعصر بالغُدوة شامي {يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} رضا الله {وَلاَ تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ} ولا تجاوز عداه إذا جاوزه وعدى بعن لنضمن عدا معنى نبا في قولك نبت عنه عينه وفائدة التضمين إعطاء مجموع معنيين وذلك أقوى من اعطاء معنى فذ {تُرِيدُ زِينَةَ الحياة الدنيا} في موضع الحال {وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا} من جعلنا قلبه غافلاً عن الذكر وهو دليل لنا على أنه تعالى خالق أفعال العباد {واتبع هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} مجاوزاً عن الحق(2/298)
وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا (29)
وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا (29)
{وَقُلِ الحق مِن رَّبّكُمْ} أي الإسلام أو القرآن والحق خبر مبتدأ محذوف أي هو {فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ} أي جاء الحق وزاحت العلل فلم يبق إلا اختياركم لأنفسكم ما شئتم من الأخذ في طريق النجاة أو في طريق الهلاك وجئ بلفظ الأمر والتخيير لأنه لما مكن من اختيار أيهما شاء فكأنه مخير مأمور بأن يتخير ما شاء من النجدين ثم ذكر جزاء من اختيار الكفر فقال إِنَّا أَعْتَدْنَا هيأنا للظالمين للكافرين فقيد بالسباق كما تركت حقيقة الأمر والتخيير بالسياق وهو قوله إنا أعتدنا للظالمين نارا أحاطبهم سُرَادِقُهَا شبه ما يحيط بهم من النار بالسرا دق وهي الحجرة التي تكون حول الفسطاط أو هو دخان يحيط بالكفار قبل دخولهم النار أو هو حائط من نار يطيف بهم وَإِن يَسْتَغِيثُواْ من العطش يُغَاثُواْ بِمَاء كالمهل هو دردي الزيت أو ما بِئْسَ الشراب(2/298)
ذلك وَسَاءتْ النار مُرْتَفَقًا متكأ من الرفق وهذه لمشاكلة قوله وحسنت مرتفقا وإلا فلا ارتفاق لأهل النار(2/299)
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا (30)
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا (30)
وبين جزاء من اختار الإيمان فقال {إِنَّ الذين آمنوا وَعَمِلُواْ الصالحات إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أحسن عملا(2/299)
أُولَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا (31)
أُولَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا (31)
{أُوْلَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ} كلام مستأنف بيان للأجر المبهم ولك أن تجعل إنَّا لا نضيع وأولئك خبرين معاً والمراد من أحسن منهم عملاً كقولك السمن منوان بدرهم أو لأن من أحسن عملا والذين آمنوا أو عملوا الصالحات ينتظمهما معنى واحد فأقام
الكهف (33 - 31)
من أحسن مقام الضمير {تَجْرِى مِن تَحْتِهِمُ الأنهار يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ} من للإبتداء وتنكير أساور وهي جمع أسورة التي هي جمع سوار لإبهام أمرها في الحسن مّن ذَهَبٍ من للتبيين وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مّن سندس مارق من الديباج وَإِسْتَبْرَقٍ ما غلظ منه أي يجمعون بين النوعين مُّتَّكِئِينَ فِيهَا على الأرائك خص الاتكاء لأنه هيئة المتنعمين والملوك على أسرتهم نِعْمَ الثواب الجنة وَحَسُنَتْ الجنة والأرائك مرتفقا متكأ(2/299)
وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا (32)
وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا (32)
{واضرب لهُمْ مَّثَلاً رَّجُلَيْنِ} ومثل حال الكافرين والمؤمنين بحال رجلين وكانا أخوين في بني إسرائيل أحدهما كافر اسمه قطروس والآخر مسلم اسمه يهوذا وقيل هما المذكوران في والصافات في قوله قَالَ قَآئِلٌ مِّنْهُمْ إِنِّى كَانَ لِى قَرِينٌ ورثا من ابيهما ثمانية آلاف دينار فجعلاهما شطرين فاشترى الكافر أرضاً بألف دينار فقال المؤمن اللهم إن أخي اشترى أرضاً بألف دينار وأنا أشتري منك أرضاً في الجنة بألف فتصدق به ثم بنى أخوه داراً بألف فتصدق به ثم تزوج أخوه امرأة بألف فقال اللهم إني جعلت ألفاً صداقاً للحور ثم اشترى أخوه خدما وستاعا بألف دينار فقال اللهم إني اشتريت منك دار في الجنة بألف فتصدق(2/299)
به ثم تزوج أخوه امرأة بألف فقال اللهم إني جعلت ألفاً صداقاً للحور ثم اشترى أخوه خدماً ومتاعاً بألف دينار فقال اللهم إني اشتريت منك الولدان المخلدين بألف فتصدق به ثم أصابته حاجة فجلس لأخيه على طريقه فمر به في حشمه فتعرض له فطرده وويخه على التصديق بماله {جَعَلْنَا لأَِحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أعناب} بساتين من كروم وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وجعلنا النخل محيطاً بالجنتين وهذا مما يؤثره الدهاقين في كرومهم أن يجعلوها مؤزرة بالأشجار المثمرة يقال حفوه إذا أطافوا به وحففته بهم أي جعلتهم حافين حوله وهو متعد إلى مفعول واحد فتزيده الباء مفعولاً ثانياً {وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا} جعلناها أرضاً جامعة للأقوات والفواكه ووصف العمارة بأنها متواصلة متشابكة لم يتوسطها ما يقطعها مع الشكل الحسن والترتيب الأنيق(2/300)
كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا (33)
كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا (33)
{كِلْتَا الجنتين اتَتْ} أعطت حمل على اللفظ لأن لفظ كلتا مفرد ولو قيل آتتا على المعنى لجاز {أُكُلُهَا} ثمرها {وَلَمْ تَظْلِمِ مّنْهُ} ولم تنقص من أكلها شَيْئًا وَفَجَّرْنَا خلالهما نَهَراً نعتهما بوفاء الثمار وتمام الأكل من غير نقص ثم بما هو أصل الخير ومادته من أمر الشرب فجعله أفضل ما يسقى به وهو النهر الجاري فيها(2/300)
وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا (34)
وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا (34)
{وَكَانَ لَهُ} لصاحب الجنتين ثَمَرٌ أنواع من المال من ثمر ماله إذا كثره أي
الكهف (39 - 34)
كانت له إلى الجنتين الموصوفتين الأموال الكثيرة من الذهب والفضة وغيرهما هاله ثمر وأحيط بثمره بفتح الميم والثاء عاصم وبضم الثاء وسكون الميم أبو عمرو وبضمهما غيرهما {فَقَالَ لصاحبه وَهُوَ يُحَاوِرُهُ} يراجعه الكلام من حار يحور إذا رجع يعني قطروس أخذ بيد المسلم يطوف به في الجنتين ويريه ما فيهما ويفاخره بما ملك من المال دونه {أَنَاْ أَكْثَرُ مِنكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَراً} أنصاراً وحشماً أو أولاداً ذكوراً لأنهم ينفرون معه دون الإناث(2/300)
وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا (35)
وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا (35)
{ودخل جنته} إحدى جنتيه أو سماهما جنة لا تحاد الحائط وجنتين للنهر الجاري بينهما وَهُوَ ظَالِمٌ لّنَفْسِهِ ضار لها بالكفر {قَالَ مَا أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هذه أَبَداً} أي أن تهلك هذه الجنة شك في بيدودة جنته لطول أمله وتمادي غفلته واغتراره بالمهلة وترى أكثر الأغنياء من المسلمين تنطق ألسنة أحوالهم بذلك(2/301)
وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا (36)
وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا (36)
{وَمَا أَظُنُّ الساعة قَائِمَةً} كائنة {وَلَئِن رُّدِدتُّ إلى رَبّى لأَجِدَنَّ خَيْراً مّنْهَا مُنْقَلَباً} إقسام منه على أنه إن رد إلى ربه على سبيل الفرض كما يزعم صاحبه ليجدن في الآخرة خيراً من جنته في الدنيا إدعاء لكرامته عليه ومكانته عنده منقلباً تمييز أي مرجعاً وعاقبة(2/301)
قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا (37)
قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا (37)
{قَالَ لَهُ صاحبه وَهُوَ يحاوره أَكَفَرْتَ بالذى خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ} أي خلق أُصلك لأن خلق أصله سبب في خلقه وكان خلقه خلقاله {ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ} أي خلقك من نطفة {ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً} عدلك وكملك إنساناً ذكراً بالغاً مبلغ الرجال جعله كافراً بالله لشكه في البعث(2/301)
لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا (38)
لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا (38)
{لَكُنَّا} بالألف في الوصل شامي الباقون بغير ألف وبالألف في الوقف اتفاق وأصله لكن أنا فحذفت الهمزة وألقيت حركتها على نون لكن فتلاقت النونان فأدغمت الأولى في الثانية بعد أن سكنت {هُوَ الله رَبّى} هو ضمير الشأن والشأن الله ربي والجملة خبر أنا والراجع منها إليه ياء الضمير وهو استدراك لقوله أكفرت قال لأخيه أنت كافر بالله لكني مؤمن وموحد كما تقول زيد غائب لكن عمراً حاضر وفيه حذف أي أقول هو الله بدليل عطف {وَلاَ أُشْرِكُ بِرَبّى أَحَدًا}(2/301)
وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا (39)
وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا (39)
{وَلَوْلاَ} وهلا {إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاء الله} ما موصولة مرفوعة المحل على أنها خبر مبتدأ محذوف تقديره الأمر ماشاء الله أو شرطية(2/301)
منصوبة الموضع والجزاء محذوف يعني أي شيء شاء الله كان والمعنى هلا قلت عند دخولها والنظر إلى ما رزقك الله منها الأمر ما شاء الله اعترافا بأنها وكل ما فيها إنما حصل بمشيئته الله وأن أمرها بيده إن شاء تركها عامرة وإن شاء خربها {لاَ قُوَّةَ إِلاَّ بالله} إقراراً بأن ما قويت به على عمارتها وتدبير أمرها هو بمعونته وتأييده
الكهف (43 - 39)
من قرأ {إِن تَرَنِ أَنَاْ أَقَلَّ مِنكَ مَالاً} بنصب أقل فقد جعل أنا فصلاً ومن رفع وهو الكسائي جعله مبتدأ وأقل خبره والجملة مفعولا ثانيا لترني وفي قوله {وَوَلَدًا} نصرة لمن فسر النفر بالأولاد في قوله وأعز نفرا(2/302)
فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا (40)
فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا (40)
{فعسى رَبّى أَن يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مّن جَنَّتِكَ} في الدنيا أو في العقبي {وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا} عذاباً {مِّنَ السماء فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا} أرضاً بيضاء يزلق عليها لملاستها(2/302)
أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا (41)
أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا (41)
{أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا} غائراً أي ذاهباً في الأرض {فَلَن تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا} فلا يتأنى منك طلبه فضلاً عن الوجود والمعنى إن ترن أفقر منك فأنا أتوقع من صنع الله ان يقلب ما بي وما بك من الفقر والغنى فيرزقني لإيماني جنة خيراً من جنتك ويسلبك لكفرك نعمته ويخرب بساتينك(2/302)
وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا (42)
وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا (42)
{وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ} هو عبارة عن إهلاكه وأصله من أحاط به العدو لأنه إذا أحاط به فقد ملكه واستولى عليه ثم استعمل في كل أهلاك {فأصبح} أي كافر {يقلب كفيه} يضرب احداهما على الأخرى ندماً وتحسراً وإنما صار تقليب الكفين كناية عن الندم والتحسر لأن النادم يقلب كفيه ظهر البطن كما كنى عن ذلك بِعَضِّ الكف والسقوط في اليد ولأنه في معنى الندم عُدي تعديته بعلي كأنه قيل فأصبح يندم {عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا} أي في عمارتها {وَهِىَ خَاوِيَةٌ على عروشها} يعني أن كرومها المعرشة سقطت عروشها على(2/302)
الأرض وسقطت فوقها الكروم {ويقول يا ليتني لَمْ أُشْرِكْ بِرَبّى أَحَدًا} تذكر موعظة أخيه فعلم أنه أتي من جهة كفره وطغيانه فتمنى لو لم يكن مشركاً حتى لا يهلك الله بستانه حين لم ينفعه التمني ويجوز أن يكون توبة من الشرك وندماً على ما كان منه ودخولاً في الإيمان(2/303)
وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنْتَصِرًا (43)
وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنْتَصِرًا (43)
{وَلَمْ تَكُن لَّهُ فِئَةٌ يَنصُرُونَهُ} يقدرون على نصرته {مِن دُونِ الله} أي هو وحده القادر على نصرته لا يقدر أحد غيره أن ينصره إلا أنه لم ينصره لحكمة {وَمَا كَانَ مُنْتَصِراً} وما كان ممتنعاً بقوته عن انتقام الله(2/303)
هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا (44)
هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا (44)
{هنالك الولاية لله الحق} يكن بالياء والولاية بكسر الواو حمزة وعلي فهي بالفتح النصرة والتولي وبالكسر السلطان والملك والمعنى هنالك أي في ذلك المقام وتلك الحال النصرة لله وحده لا يملكها غيره ولا يستطيعها أحد سواه تقريراً لقوله ولم تكن له فئة ينصرونه من دون الله أو هنالك السلطان والملك لله لا يغلب أو في مثل تلك الحال الشديدة يتولى الله ويؤمن به كل مضطر يعني أن قوله يا ليتني لم أشرك بربي أحداً كلمة ألجيء إليها فقالها جزعاً مما دهاه من شؤم كفره ولولا ذلك لم يقلها أو هنالك الولاية لله ينصر فيها اولياء المؤمنين على الكفرة
الكهف (48 - 44)
وينتقم لهم يعني أنه نصر فيما فعل بالكافر أخاه المؤمن وصدق قوله فعسى ربي أن يؤتيني خيراً من جنتك ويرسل عليها حسانا من السماء ويؤيده قوله {هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقباً} أي لأوليائه أو هنالك إشارة إلى الآخرة أي في تلك الدار الولاية لله كقوله لمن الملك اليوم الحق بالرفع أبو عمرو وعلى صفة للولاية أو خبر مبتدأ محذوف أي هي الحق أو هو الحق غيرهما بالجر صفة لله عقبا سكون القاف عاصم وحمزة وبضمها غيرهما وفي الشواذ عقبى على وزن فعلى وكلها بمعنى العاقبة(2/303)
وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا (45)
وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا (45)
{واضرب لَهُم مَّثَلَ الحياة الدنيا كَمَاء أنزلناه(2/303)
من السماء} أي هو كما أنزلناه {فاختلط بِهِ نَبَاتُ الأرض} فالتف بسببه وتكاثف حتى خالط بعضه بعضاً أو أثر في النبات الماء فاختلط به حتى روى {فَأَصْبَحَ هَشِيمًا} يابساً متكسراً الواحدة هشيمة {تَذْرُوهُ الرياح} تنسفه وتطيره الريح حمزة وعلي {وَكَانَ الله على كُلّ شَىْء} من الإنشاء والإفناء {مُّقْتَدِرًا} قادراً شبه حال الدنيا في نضرتها وبهجتها وما يتعقبها من الهلاك والإفناء بحال النبات يكون اخضر ثم يهج فتطيره الريح كأن لم يكن(2/304)
الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا (46)
الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا (46)
{المال والبنون زِينَةُ الحياة الدنيا} لا زاد القبر وعدة العقبى {والباقيات الصالحات} أعمال الخير التي تبقى ثمرتها للإنسان أو الصلوات الخمس أو سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر {خَيْرٌ عِندَ رَبّكَ ثَوَابًا} جزاء {وَخَيْرٌ أَمَلاً} لأنه وعد صادق وأكثر الآمال كاذبه يعني أن صاحبها يأمل في الدنيا ثواب الله ويصيبه في الآخرة(2/304)
وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا (47)
وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا (47)
{وَيَوْمَ} واذكر يوم {نُسَيّرُ الجبال} تُسيَّر الجبال مكي وشامي وأبو عمرو أي تسير في الجو أو يذهب بها بأن تجعل هباء منثوراً منبثاً {وَتَرَى الأرض بَارِزَةً} ليس عليها ما يسترها مما كان عليها من الجبال والأشجار {وحشرناهم} أي الموتى {فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أحدا} أي فلم نترك غدارة أي تركه ومنه الغدر ترك الوفاء والغدير ما غادره السيل(2/304)
وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا (48)
وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا (48)
{وَعُرِضُواْ على رَبّكَ صَفَّا} مصطفين ظاهرين ترى جماعتهم كما ترى كل واحد لا يحجب أحد أحداً شبهت حالهم بحال الجند المعروضين على السلطان {لَّقَدْ جئتمونا} أي قلنا لهم جئتمونا وهذا المضمر يجوز أن يكون عامل النصب في يوم نسير {كَمَا خلقناكم أَوَّلَ مَرَّةٍ} أي لقد بعثناكم كما أنشأناكم أول مرة أو جئتمونا عراة لا شيء معكم كما خلقناكم أولاً وإنما قال وحشرناهم ماضياً بعد نسير وترى للدلالة على حشرهم(2/304)
قبل التسيير
الكهف (51 - 48)
وقبل البروز ليعاينوا تلك الأهوال كأنه قيل وحشرناهم قبل ذلك {بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّن نَّجْعَلَ لَكُمْ مَّوْعِدًا} وقتاً لإنجاز ما وعدتم على ألسنة الأنبياء من البعث والنشور أو مكان وعد للمحاسبة(2/305)
وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا (49)
وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا (49)
{وَوُضِعَ الكتاب} أي صحف الأعمال {فَتَرَى المجرمين مُشْفِقِينَ} خائفين {مِمَّا فِيهِ} من الذنوب {وَيَقُولُونَ يا ويلتنا ما لهذا الكتاب لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً} أي لا يترك شيئاً من المعاصي {إِلاَّ أَحْصَاهَا} حصرها وضبطها {وَوَجَدُواْ مَا عَمِلُواْ حَاضِرًا} في الصحف عتيداً أو جزاء ما عملوا {وَلاَ يظلم ربك أحدا} فيكتب عليه مالم يعمل أو يزيد في عقابه أو يعذبه بغير جرم(2/305)
وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا (50)
وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا (50)
{وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم} سجود تحية أو سجود انقياد {فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ كان من الجن} وهو متسأنف كان قائلا قال ماله لم يسجد فقيل كان من الجن {فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبّهِ} خرج عما أمره ربه به من السجود وهو دليل على أنه كان مأمور بالسجود مع الملائكة {أفتتخذونه} هو {وَذُرّيَّتَهُ} الهمزة للإنكار والتعجب كأنه قيل أعقيب ما وجد منه تتخذونه وذريته {أَوْلِيَاء مِن دُونِى} وتستبدلونهم بي ومن ذريته لا قيس موسوس الصلاة والأعور صاحب الزنا وبتر صاحب الصائب ومطوس صاحب الاراجيف وداسم يدخل ويأكل مع من لم يسم الله تعالى {وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ} أعداء {بِئْسَ للظالمين بَدَلاً} بئس البدل من الله إبليس لمن استبدله فأطاعه بدل طاعة الله(2/305)
مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا (51)
مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا (51)
{مَّا أَشْهَدتُّهُمْ} أي إبليس وذريته {خَلَقَ السماوات والأرض} يعني(2/305)
أنكم اتخذتموهم شركاء لي في العبادة وإنما يكونون شركاء فيها لو كانوا شركاء في الالهية فنفي مشاركتهم في الالهية بقوله ما اشهدتهم خلق السموات والأرض لأعتضد بهم في خلقها أو أشاورهم فيه أي تفردت بخلق الأشياء فأفردوني في العبادة {وَلاَ خَلْقَ أَنفُسِهِمْ} أي ولا أشهدت بعضهم خلق بعض كقوله ولا تقتلوا أنفسكم {وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ المضلين} أي وما كنت متخذهم {عَضُداً} أي أعواناً فوضع المضلين موضع ضمير ذمالهم بالإضلال فإذا لم يكونوا عضداً لي في الخلق فما لكم تتخذونهم شركاء لي في العبادة(2/306)
وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُوا شُرَكَائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا (52)
وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُوا شُرَكَائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا (52)
{ويوم يقول} الله
الكهف (56 - 52)
للكفار وبالنون حمزة {نَادُواْ} ادعوا بصوت عالٍ {شُرَكَائِىَ الذين زَعَمْتُمْ} أنهم فيكم شركائي ليمنعوكم من عذابي وأراد الجن وأضاف الشركاء إليه على زعمهم توبيخاً لهم {فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُواْ لَهُمْ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُم مَّوْبِقاً} مهلكا من وبق يبق وبوقا إذا هلك أو مصدرا كالموعد أي وجعلنا بينهم وادياً من أودية جهنم وهو مكان الهلاك والعذاب الشديد مشتركاً يلهكون فيه جميعا أو للملائكة وعزيزا وعيسى والموبق البرزخ البعيد أي وجعلنا بينهم أمداً بعيداً لأنهم في قعر جهنم وهم في أعلى الجنان(2/306)
وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا (53)
وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا (53)
{وَرَأَى المجرمون النار فَظَنُّواْ} فَأيقنوا {أَنَّهُمْ مُّوَاقِعُوهَا} أي مخالطوها واقعون فيها {وَلَمْ يَجِدُواْ عَنْهَا} عن النار {مَصْرِفًا} معدلاً(2/306)
وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا (54)
وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا (54)
{ولقد صرفنا في هذا القرآن لِلنَّاسِ مِن كُلّ مَثَلٍ} يحتاجون إليه {وَكَانَ الإنسان أَكْثَرَ شَىء جَدَلاً} تمييز أي أكثر الأشياء التي يتأنى منها الجدل إن فصلتها واحداً بعد واحد خصومة ومماراة بالباطل يعني أن جدل الإنسان أكثر من جدل كل شيء(2/306)
وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلًا (55)
وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلًا (55)
{وَمَا مَنَعَ الناس أَن يُؤْمِنُواْ إِذْ جَاءهُمُ الهدى} أي سببه وهو الكتاب والرسول {وَيَسْتَغْفِرُواْ رَبَّهُمْ إِلاَّ أَن تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الأولين أَوْ يَأْتِيَهُمُ العذاب} أن الأولى نصب والثانية رفع وقبلها مضاف محذوف تقديره وما منع الناس الإيمان والاستغفار انتظار أن تأتيهم سنة الأولين وهي الإهلاك أو انتظار أن يأتيهم العذاب أي عذاب الآخرة {قُبُلاً} كوفي أي أنواعاً جمع قبيل الباقون قِبلا أي عياناً(2/307)
وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَمَا أُنْذِرُوا هُزُوًا (56)
وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَمَا أُنْذِرُوا هُزُوًا (56)
{وَمَا نُرْسِلُ المرسلين إِلاَّ مُبَشّرِينَ وَمُنذِرِينَ} يوقف عليه ويستأنف بقوله {ويجادل الذين كَفَرُواْ بالباطل} هو قولهم للرسل ما أنتم إلا بشر مثلنا ولو شاء الله لأنزل ملائكة ونحو ذلك {لِيُدْحِضُواْ بِهِ الحق} ليزيلوا ويبطلوا بالجدال النبوة {واتخذوا آياتي} القرآن {وَمَا أُنْذِرُواْ} ما موصولة والراجع من الصلة محذوف أي وما أنذروه من العقاب أو مصدرية أي انذرهم {هُزُواً} موضع استهزاء بسكون الزاي والهمزة حمزة بإبدال الهمزة واوا حفص وبضم الزاي والهمزة غيرهما(2/307)
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا (57)
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا (57)
{ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه}
بالقرآن ولذلك رجع الضمير إليها مذكراً في قوله أن يفقهوه {فَأَعْرَضَ عَنْهَا} فلم يتذكر حين ذكر ولم يتدبر {وَنَسِىَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ} عاقبة ما قدمت يداه من الكفر والمعاصي غير متفكر فيها ولا ناظر في أن المسيء والمحسن لا بد لهما من جزاء ثم علل إعراضهم ونسيانهم بأنهم مطبوع على قلوبهم بقوله {إِنَّا جَعَلْنَا على قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً} أغطية جمع كنان وهو الغطاء {أن يفقهوه وفي آذانهم وَقراً} ثقلاً عن استماع الحق وجمع بعد الإفراد حملاً على لفظ من ومعناه {وَإِن تَدْعُهُمْ} يا محمد(2/307)
{إِلَى الهدى} إلى الإيمان {فَلَنْ يَهْتَدُواْ} فلا يكون منهم اهتداء ألبتة {إِذَا} جزاء وجواب فدل على انتفاء اهتدائهم لدعوة الرسول بمعنى أنهم جعلوا ما يجب أن يكون سبب وجود الاهتداء سبباً في انتفائه وعلى انه جواب الرسول على تقدير قوله ما لي لا ادعوهم حرضا على إسلامهم فقيل وإن تدعهم إلى الهدى فلن يهتدوا إذاً {أَبَدًا} مدة التكليف كلها(2/308)
وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا (58)
وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا (58)
{وَرَبُّكَ الغفور} البليغ المغفرة {ذُو الرحمة} الموصوف بالرحمة {لَوْ يُؤَاخِذُهُم بِمَا كَسَبُواْ لَعَجَّلَ لَهُمُ العذاب} أي ومن رحمته ترك مؤاخذته أهل مكة عاجلا مع فرط عدواتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم {بل لهم موعد} وهو يوم بدر {لَّن يَجِدُواْ مِن دُونِهِ مَوْئِلاً} منجي ولا ملجأ يقال وآل إذا نجاوو أل إليه إذا لجأ إليه(2/308)
وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا (59)
وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا (59)
{وَتِلْكَ} مبتدأ {القرى} صفة لأن أسماء الإشارة توصف بأسماء الأجناس والخبر {أهلكناهم} أو تلك القرى نصب بإضمار أهلكنا على شريطة التفسير والمعنى وتلك اصحاب القرى والمراد قوم نوح وعاد وثمود {لَمَّا ظَلَمُواْ} مثل ظلم أهل مكة {وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِدًا} وضربنا لإهلاكهم وقتاً معلوماً لا يتأخرون عنه كما ضربنا لأهل مكة يوم بدر والمهلك الاهلاك ووقته بفتح الميم وكسر اللام حفص وبفتحها أبو بكر أي لوقت هلاكهم أو لهلاكهم والموعد وقت أو مصدر(2/308)
وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا (60)
وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا (60)
{وإذا} واذكر إذ {قَالَ موسى لفتاه} هو يوشع بن نون وإنما قيل فتاه لأنه كان يخدمه ويتبعه ويأخذ منه العلم {لا أَبْرَحُ} لا أزال وقد حذف الخبر لدلالة الحال والكلام عليه أما الأولى فلأنها كانت حال سفر وأما الثاني فلأن قوله {حتى أَبْلُغَ مَجْمَعَ البحرين} غاية مضروبة(2/308)
تستدعي ما هي غاية فلا بد أن يكون المعنى لا أبرح أسير حتى أبلغ مجمع البحرين وهو المكان الذي وعد فيه موسى لقاء الخضر
الكهف (64 - 61)
عليهما السلام وهو ملتقى بحر فارس والروم وسمى خضرا لأنه أينما يصل يخضر ما حوله {أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً} أو أسير زماناً طويلاً قيل ثمانون سنة رُوي أنه لما ظهر موسى عليه السلام على مصر مع بني إسرائيل واستقروا بها بعد هلاك القبط سأل ربه أي عبادك أحب إليك قال الذي يذكرني ولا ينساني قال فأي عبادك أقضى قال الذي يقضي بالحق ولا يتبع الهوى قال فأي عبادك أعلم قال الذي يبتغي علم الناس إلى علمه عسى أن يصيب كلمة تدل على هدى أو ترده عن ردى فقال إن كان في عبادك من هو أعلم مني فدلني عليه قال أعلم منك الخضر قال أين طلبه قال على الساحل عند الصخرة قال يا رب كيف لي به قال تأخذ حوتاً في مكتل فحيث فقدته فهو هناك فقال لفتاه إذا فقدت الحوت فأخبرني فذهبا يمشيان قرقد موسى فاضطرب الحوت ووقع في البحر فلما جاء وقت الغداء طلب موسى الحوت فأخبره فتاه بوقوعه في البحر فأتيا الصخرة فإذا رجل مسجى بثوبه فسلم عليه موسى فقال وأني يا رضنا السلام فعرفه نفسه فقال يا موسى أنا على علم علمنيه الله لا تعلمه أنت وأنت على علم علمكه الله لا أعلمه أنا(2/309)
فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا (61)
فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا (61)
{فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا} مجمع البحرين {نَسِيَا حُوتَهُمَا} أي نسي أحدهما وهو يوشع لأنه كان صاحب الزاد دليله فإني نسيت الحوت وهو كقولهم نسوا زادهم وإنما ينساه متعهدا الزاد قيل كان الحوت سمكة مملوحة فنزلا ليلة على شاطيء عين الحياة ونام موسى فلما أصاب السمكة روح الماء وبرده عاشت ووقعت في الماء {فاتخذ سَبِيلَهُ فِى البحر} أي اتخذ طريقاً له من البر إلى البحر {سَرَباً} نصب على المصدر أي سرب فيه سرباً يعني دخل فيه واستتر به(2/309)
فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا (62)
فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا (62)
{فَلَمَّا جَاوَزَا} مجمع البحرين ثم نزلا وقد سارا ما شاء الله {قَالَ} موسى {لفتاه آتنا غَدَاءنَا لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هذا نَصَباً} تعبا ولم يتعب ولا جاع قبل ذلك(2/310)
قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا (63)
قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا (63)
{قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصخرة} هي موضع الموعد {فَإِنّى نَسِيتُ الحوت} ثم اعتذر فقال {وَمَا أَنْسَانِيهُ} وبضم الهاء حفص {إِلاَّ الشيطان} بإلقاء الخواطر في القلب {أَنْ أَذْكُرَهُ} بدل من الهاء في أنسانيه أي وما أنساني ذكره إلا الشيطان {واتخذ سَبِيلَهُ فِى البحر عَجَبًا} وهو أن أثره بقي إلى حيث سار(2/310)
قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا (64)
قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا (64)
{قَالَ ذلك مَا كُنَّا نَبْغِ} نطلب وبالياء مكي وافقه أبو عمرو وعلي ومدني في الوصل وبغير ياء فيهما اتباعا لخط المصحف وذلك إشارة إلى اتخاذه سبيلاً أي ذلك الذي كنا نطلب لأن ذهاب الحوت كان علماً على لقاء الخضر عليه السلام {فارتدا على آثارهما} فرجعا في الطريق
الكهف (71 - 65)
الذي جاءا فيه {قَصَصًا} يقصان قصصاً أي يتبعان آثارهما اتباعاً قال الزجاج القصص اتباع الاثر(2/310)
فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا (65)
فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا (65)
{فَوَجَدَا عَبْدًا مّنْ عِبَادِنَا} أي الخضر راقداً تحت ثوب أو جالسا في البحر {آتيناه رَحْمَةً مّنْ عِندِنَا} هي الوحي والنبوة أو العلم أو طول الحياة {وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا} يعني الإخبار بالغيوب وقيل العلم اللدني ما حصل للعبد بطريق الإلهام(2/310)
قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا (66)
قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا (66)
{قَالَ لَهُ موسى هَلْ أَتَّبِعُكَ على أَن تُعَلّمَنِ مِمَّا عُلّمْتَ رُشْداً} أي علماً ذا رشد به في ديني رشدا أبو عمر وهما لغتان كالبخل والبخل وفيه دليل(2/310)
على أنه لا ينبغي لأحد أن يترك طلب العلم وأن كان قد بلغ نهايته وإن يتواضع لمن هو أعلم منه(2/311)
قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (67)
قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (67)
{قَالَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِىَ} وبفتح الياء حفص وكذا ما بعده في السورة {صَبْراً} أي عن الإنكار والسؤال(2/311)
وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا (68)
وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا (68)
{وَكَيْفَ تَصْبِرُ على مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً} تمييز نفي استطاعة الصبر معه على وجه التأكيد وعلل ذلك بأنه تولى أموراً هي في ظاهرها مناكير والرجل الصالح لا يتمالك أن يجزع إذا رأى ذلك فكيف إذا كان نبياً(2/311)
قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا (69)
قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا (69)
{قَالَ سَتَجِدُنِى إِن شَاء الله صَابِرًا} من الصابرين عن الانكار والاعتراض {وَلاَ أَعْصِى لَكَ أمْراً} في محل النصب عطف على صابراً أي ستجدني صابراً وغير عاص وهو عطف على ستجدني ولا محل له(2/311)
قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا (70)
قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا (70)
{قَالَ فَإِنِ اتبعتنى فَلاَ تَسْأَلْنى} بفتح اللام وتشديد النون مدني وشامي وبسكون اللام وتخفيف النون غيرهما والياء ثابتة فيهما إجماعاً {عَن شَىء حتى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً} أي فمن شرط اتباعك لي أنك إذا رأيت مني شيئاً وقد علمت أنه صحيح إلا أنه خفي عليك وجه صحته فأنكرت في نفسك ألا تفاتحني بالسؤال ولا تراجعني فيه حتى أكون أنا الفاتح عليك وهذا من أدب المتعلم مع العالم والمتبوع مع التابع(2/311)
فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا (71)
فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا (71)
{فانطلقا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِى السفينة خَرَقَهَا} فانطلقا على ساحل البحر يطلبان السفينة فلما ركباها قال أهلها هما من اللصوص وقال صاحب السفينة أرى وجوه الأنبياء فحملوهما بغير نول فلما لججوا أخذ الخضر الفأس(2/311)
فخرق السفينة بأن قلع لوحين من ألواحها مما يلي الماء فجعل موسى بسد الخرق بثيابه ثم {قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا} ليَغرق حمزة وعلي من غرق {لَقَدْ جِئْتَ شيئا إمرا}
الكهف (77 - 72)
أتيت شيئاً عظيماً من أمر الأمر إذا عظم(2/312)
قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (72)
قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (72)
{قَالَ} أي الخضر {أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً} فلما رأى موسى أن الخرق لا يدخله الماء ولم يفر من السفينة(2/312)
قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا (73)
قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا (73)
{قَالَ لاَ تُؤَاخِذْنِى بِمَا نَسِيتُ} بالذي نسيته أو بشيء نسيته أو بنسياني أراد أنه نسي وصيته ولا مؤاخذة على الناس أو أراد بالنسيان الترك أي لا تؤاخذني بما تركت من وصيتك أول مرة {وَلاَ تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِى عُسْراً} رهقه إذا غشيه وأرهقه إياه أي ولا تغشني عسراً من أمري وهو اتباعه إياه أي ولا تعسر على متابعتك ويسرها عليَّ بالإغضاء وترك المناقشة(2/312)
فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا (74)
فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا (74)
{فانطلقا حتى إِذَا لَقِيَا غُلاَمًا فَقَتَلَهُ} قيل ضرب برأسه الحائط وقيل أضجعه ثم ذبحه بالسكين وإنما قال فقتله بالفاء وقال خرقها بغير فاء لأن خرقها جعل جزاء للشرط وجعل قتله من جملة الشرط معطوفاً عليه والجزاء {قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا} وإنما خولف بينهما لأن خرق السفينة لم يتعقب الركوب وقد تعقب القتل لقاء الغلام {زَكِيَّةً} زاكية حجازي وأبو عمرو وهي الطاهرة من الذنوب إما لأنها طاهرة عنده لأنه لم يرها قد اذنبت أو لأنها صغيرة لم تبلغ الحنث {بِغَيْرِ نَفْسٍ} أي لم تقتل نفساً فيقتص منها وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن نجدة الحروري كتب إليه كيف جاز قتله وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل الولدان فكتب إليه إن علمت من حال الولدان ما علمه عالم موسى فلك أن تقتل {لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُّكْراً} وبضم الكاف حيث كان مدني وأبو بكر وهو المنكر وقيل النكر أقل من الإمر لأن قتل نفس واحدة أهون من إغراق أهل السفينة أو معناه(2/312)
جئت شيئاً أنكر من الأول لأن الخرق يمكن تداركه بالسد ولا يمكن تدارك القتل(2/313)
قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (75)
قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (75)
{قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَّكَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ معي صبرا} زاد ذلك هنا لأن النكر فيه أكثر(2/313)
قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا (76)
قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا (76)
{قَالَ إِن سَأَلْتُكَ عَن شَىْء بَعْدَهَا} بعد هذه الكرة أو المسألة {فَلاَ تُصَاحِبْنِى قَدْ بَلَغْتَ مِن لَّدُنّى عُذْراً} أعذرت فيما بيني وبينك في الفراق ولدني بتخفيف النون مدني وأبو بكر(2/313)
فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا (77)
فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا (77)
{فانطلقا حتى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ} هي انطاكية أو الأبلة وهي أبعد أرض الله من السماء {استطعما أَهْلَهَا} استضافاً {فَأَبَوْاْ أَن يُضَيّفُوهُمَا} ضيفه أنزله وجعله ضيفه قال عليه السلام كانوا أهل قرية لئاماً وقيل شر القرى التي تبخل بالقرى {فوجدا فيها}
الكهف (81 - 77)
في القرية {جِدَاراً} طوله مائة ذراع {يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ} يكاد يسقط استعيرت الإرادة للمداناة والمشارقة كما استعير الهم العزم لذلك {فَأَقَامَهُ} بيده أو مسحه بيده فقام واستوى أو نقضه وبناه كانت الحال حال اضطرار وافتقار إلى المطعم وقد لزتهما الحاجة إلى آخر كسب المرء وهو المسألة فلم يجدا مواسياً فلما أقام الجدار لم يتمالك موسى لما رآى من الحرمان ومساس الحاجة أن {قَالَ لَوْ شِئْتَ لاَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً} أي لطلبت على عملك جعلا حتى تستدفع به الضرورة لتخذت بتخفيف التاء وكسر الخاء وإدغام الذال بصري وبإظهارها مكي وبتشديد التاء وفتح الخاء وإظهار الذال حفص وبتشديد التاء وفتح الخاء وإدغام الذال في(2/313)
التاء غيرهم والتاء في تخذ أصل كما في تبع واتخذا افتعل منه كاتبع من تبع وليس من الأخذ في شيء(2/314)
قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا (78)
قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا (78)
{قَالَ هذا فِرَاقُ بَيْنِى وَبَيْنِكَ} هذا إشارة إلى السؤال الثالت أي هذا الاعتراض سبب الفراق والأصل هذا فراق بيني وبينك وقد قرئ به فأضيف المصدر إلى الظرف كما يضاف إلى المفعول به {سَأُنَبّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْراً}(2/314)
أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا (79)
أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا (79)
{أَمَّا السفينة فَكَانَتْ لمساكين يَعْمَلُونَ فِى البحر} قيل كانت لعشرة أخوة خمسة منهم زمنى وخمسة يعملون في البحر {فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا} أجعلها ذات عيب {وَكَانَ وَرَاءهُم مَّلِكٌ} أمامهم أو خلفهم وكان طريقهم في رجوعهم عليه وما كان عندهم خبرة أعلم الله به الخضر وهو جلندي {يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً} أي يأخذ كل سفينة صالحة لا عيب فيها غصباً وإن كانت معيبة تركها وهو مصدر أو مفعول له فإن قلت قوله فأردت أن أعيبها مسبب عن خوف الغضب عليها فكان حقه أن يتأخر عن السبب قلت المراد به التأخير وإنما قدم للعناية(2/314)
وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا (80)
وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا (80)
{وَأَمَّا الغلام} وكان اسمه الحسين {فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طغيانا وَكُفْراً} فخفنا أن يغشى الوالدين المؤمنين طغياناً عليهما وكفرا لنعمتهما بعقوقه وسوء صنيعه ويلحق بهما شراً وبلاء أو يعد بهما بدائه ويضلهما بضلاله فيرتدا بسببه وهو من كلام الخضر وإنما خشي الخضر منه ذلك لأنه تعالى أعلمه بحاله وأطلعه على سر أمره وإن كان من قول الله تعالى فمعنى فخشينا فعلمنا إن عاش أن يصير سبباً لكفر والديه(2/314)
فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا (81)
فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا (81)
{فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا} يبَدِّلهما ربهما مدني وابو عمرو {خيرا منه زكاة} طهارة ونقاء من الذنوب {وأقرب رحما} رحما وعطفا وزكاة(2/314)
وحرما تمييز روى أنه ولدت لهما جارية
الكهف (83 - 82)
تزوجها نبي فولدت نبيا أو أبدلهما ابنا مؤمنا مثلهما رحما شامي وهما لغتان(2/315)
وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا (82)
وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا (82)
{وَأَمَّا الجدار فَكَانَ لغلامين} أصرم وصريم {يَتِيمَيْنِ فِى المدينة} هي القرية المذكورة {وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا} أي لوح من ذهب مكتوب فيه عجبت لمن يؤمن بالقدر كيف يحزن وعجبت لمن يؤمن بالرزق كيف يتعب وعجبت لمن يؤمن بالموت كيف يفرح وعجبت لمن يؤمن بالحساب كيف يغفل وعجبت لمن يعرف الدنيا وتقلبها بأهلها كيف يطمئن إليها لا إله إلا الله محمد رسول الله أو مال مدفون من ذهب وفضة أو صحف فيها علم والأول أظهر وعن قتادة أحل الكنز لمن قبلنا وحرم علينا وحرمت الغنيمة عليهم وأحلت لنا {وَكَانَ أَبُوهُمَا} قيل جدهما السابع {صالحا} ممن يصحبني وعن الحسين بن علي رضي الله عنهما أنه قال لبعض الخوارج في كلام جرى بينهما بم حفظ الله الغلامين قال بصلاح أبيهما قال فأبي وجدي خير منه {فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا} أي الحلم {وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً} مفعول له أو مصدر منصوب بارادة ربك لأنه في معنى رحمهما {مّن رَّبّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ} وما فعلت ما رأيت {عَنْ أَمْرِى} عن اجتهادي وإنما فعلته بأمر الله والهاء تعود على الكل أو إلى الجدار {ذلك} أي الأجوبة الثلاثة {تَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْراً} حذف التاء تخفيفا وقد زال أقدام أقوام من الضلال في تفضيل الولي على النبي وهو كفر جلي حيث قالوا أمر موسى بالتعلم من الخضر وهو وليّ والجواب أن الخضر نبي وإن لم يكن كما زعم البعض فهذا ابتلاء في حق موسى عليه السلام على أن أهل الكتاب يقولون إن موسى هذا ليس موسى بن عمران إنما هو موسى بن مانان ومن المحال أن يكون الوليّ وليًّا إلا بإيمانه بالنبي ثم يكون النبي دون الوليّ ولا غضاضة في طلب موسى العلم لأن الزيادة في العلم مطلوبة وإنما ذكر(2/315)
أولاً فأردت لانه فساد في الظاهر وهو فعله وثالثاً فأراد ربك لأنه إنعام محض وغير مقدور البشر وثانياً فأردنا لأنه إفساد من حيث الفعل إنعام من حيث التبديل وقال الزجاج معنى فأردنا فاراد الله عز وجل ومثله في القرآن كثير(2/316)
وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا (83)
وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا (83)
{ويسألونك} أي اليهود على جهة الإمتحان أو أبو جهل وأشياعه {عَن ذِى القرنين} هو الإسكندر الذي ملك الدنيا قيل ملكها مؤمنان ذو القرنين وسليمان وكافران نمرود وبختنصر وكان بعد نمرود وقيل كان عبداً صالحاً ملّكه الله الأرض وأعطاه العلم والحكمة وسخر له النور والظلمة فإذا سرى يهديه النور من أمامه وتحوطه الظلمة من ورائه وقيل نبياً وقيل ملكا من الملائكة وعن علي رضي الله عنه أنه قال ليس بملك ولا نبي ولكن كان عبد صالحا فضرب عن قرنه الأمن في طاعة الله فمات ثم بعثه الله فضرب على قرنه الأيسر فمات فبعثه الله فسمي ذا القرنين وفيكم مثله أراد نفسه قيل كان يدعوهم إلى التوحيد فيقتلونه فيحييه الله تعالى وقال عليه السلام سمي ذا القرنين لانه طاف قرني
الكهف (88 - 83)
الدنيا يعني جانبيها شرقها وغربها وقيل كان له قرنان أي ضفيرتان أو انقرض في وقته قرنان من الناس أو لأنه ملك الروم وفارس أو الترك والروم أو كان لتاجه قرنان أو على رأسه ما يشبه القرنين أو كان كريم الطرفين أبا وأما وكان من الروم {قل سأتلو عَلَيْكُم مّنْهُ} من ذي القرنين {ذِكْراً}(2/316)
إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا (84)
إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا (84)
{إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِى الأرض} جعلنا له فيها مكان واعتلاء {وآتيناه مِن كُلّ شَىْء} أراده من أغراضه ومقاصده في ملكه {سَبَباً} طريقاً موصلاً إليه(2/316)
فَأَتْبَعَ سَبَبًا (85)
فَأَتْبَعَ سَبَبًا (85)
{فَأَتْبَعَ سَبَباً} والسبب ما يتوصل به إلى المقصود من علم أو قدرة(2/316)
فأراد بلوغ المغرب فأتبع سبباً يوصله إليه حتى بلغ وكذلك أراد المشرق فأتبع سبباً وأراد بلوغ السدين فأتبع سبباً فأتبع سبباً ثم أتبع كوفي وشامي الباقون بوصل الألف وتشديد التاء عن الأصمعي أتبع لحق واتبع اقتفى وإن لم يلحق(2/317)
حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْمًا قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا (86)
حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْمًا قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا (86)
{حتى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشمس} أي منتهى العمارة نحو المغرب وكذا المطلع قال صلى الله عليه وسلم بدء أمره أنه وجد في الكتب أن أحد أولاد سام يشرب من عين الحياة فيخلد فجعل يسير في طلبها والخضر وزيره وابن خالته فظفر فشرب ولم يظفر ذو القرنين {وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِى عَيْنٍ حَمِئَةٍ} ذات حمأة من حمئت البئر إذا صارت فيها الحمأة حامية شامي وكوفي غير حفص بمعنى حارة وعن أبي ذر كنت رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم على جمل فرأى الشمس حين غابت فقال أتدري يا أبا ذر أين تغرب هذه قلت الله ورسوله أعلم قال فإنها تغرب في عين حمئة وكان ابن عباس رضي الله عنهما عند معاوية فقرأ معاوية حامية فقال ابن عباس حمئة فقال معاوية لعبد الله بن عمر كيف تقرؤها فقال كما يقرأ أمير المؤمنين ثم وجه إلى كعب الأحبار كيف تجد الشمس تغرب قال في ماء وطين كذلك نجد في التوارة فوافق قول ابن عباس رضي الله عنهما ولا تنافي فجازان تكون العين جامعة للوصفين جميعاً {وَوَجَدَ عِندَهَا} عند تلك العين {قَوْماً} عراة من الثياب لباسهم جلود الصيد وطعامهم ما لفظ البحر وكانوا كفارا {قلنا يا ذا القرنين إِمَّا أَن تُعَذّبَ وَإِمَّا أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً} إن كان نبياً فقد أوحى الله إليه بهذا وإلا فقد أوحي إلى نبي فأمره النبي به أو كان إلهاماً خير بين أن يعذبهم بالقتل إن أصروا على أمرهم وبين أن يتخذ فيهم حسناً بإكرامهم وتعليم(2/317)
الشرائع إن آمنوا أو التعذيب القتل وإتخاذ الحسن الأسر لأنه بالنظر إلى القتل احسان(2/318)
قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا (87)
قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا (87)
{قَالَ} ذو القرنين {أَمَّا مَن ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ} بالقتل {ثُمَّ يُرَدُّ إلى رَبّهِ فَيُعَذّبُهُ عَذَاباً نُّكْراً} في القيامة يعني أما من دعوته إلى الإسلام فأبى إلا البقاء على الظلم العظيم وهو الشرك فذاك هو المعذب في الدارين(2/318)
وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا (88)
وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا (88)
{وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالحا} أي عمل ما يقتضيه الإيمان {فَلَهُ جَزَاء الحسنى} فله جزاء الفعلة الحسنى التي هي كلمة الشهادة جزاءً الحسنى كوفي غير أبي بكر أي فله الفعلة الحسنى جزاء {وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أمرنا يسرا}
أي ذا يسر أي لا نأمره بالصعب الشاق ولكن بالسهل المتيسر من الزكاة والخراج وغير ذلك(2/318)
ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا (89)
ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا (89)
{ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً}(2/318)
حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا (90)
حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا (90)
{حتى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشمس وَجَدَهَا تَطْلُعُ على قوم} وهم الزنج {لَّمْ نَجْعَل لَّهُمْ مّن دُونِهَا} من دون الشمس {سِتْراً} أي أبنية عن كعب أرضهم لا تمسك الأبنية وبها أسراب فإذا طلعت الشمس دخلوها فإذا ارتفع النهار خرجوا إلى معايشهم أو الستر اللباس عن مجاهد من لا يلبس الثياب من السودان عند مطلع الشمس أكثر من جميع أهل الأرض(2/318)
كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا (91)
كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا (91)
{كذلك} أي أمر ذي القرنين كذلك أي كما وصفناه تعظيماً لأمره {وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ} من الجنود والآلات وأسباب الملك {خُبْراً} نصب على المصدر لأن في أحطنا معنى خبرنا أو بلغ مطلع الشمس مثل ذلك أي كما بلغ مغربها أو تطلع على قوم مثل ذلك القبيل الذي تغرب عليهم يعني أنهم كفرة مثلهم وحكمهم مثل حكمهم في تعذيبه لمن بقي منهم على الكفر وإحسانه إلى من آمن منهم(2/318)
ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا (92)
ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا (92)
{ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً}(2/319)
حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا (93)
حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا (93)
{حتى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ} بين الجبلين وهما جبلان سد ذو القرنين ما بينهما السدين وسدا مكي وأبو عمرو وحفص السدين وسدا حمزة وعلي وبضمهما غيرهم قيل ما كان مسدوداً خلقة فهو مضموم وما كان من عمل العباد فهو مفتوح وانتصب بين على انه مفعول به لبلغ كما انجر بالإضافة في هذا فراق بيني وبينك وكما ارتفع في لقد تقطع بينكم لأنه من الظروف التي تستعمل أسماء وظروفاً هذا المكان في منقطع أرض الترك مما يلي الشرق {وَجَدَ مِن دُونِهِمَا} من ورائهما {قَوْماً} هم الترك {لاَّ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً} أي لا يكادون يفهمونه إلا بجهد ومشقة من إشارة ونحوها يفقهون حمزة وعلى أي لا يفهمون السامع كلامهم ولا يبينونه لأن لغتهم غريبة مجهولة(2/319)
قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (94)
قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (94)
{قالوا يا ذا القرنين إن يأجوج ومأجوج} هما اسمانا أعجميان بدليل منع الصرف وهمزهما عاصم فقط وهما من ولد يافث أو يأجوج من الترك ومأجوج من الجيل والديلم {مُفْسِدُونَ فِى الأرض} قيل كانوا يأكلون الناس وقيل كانوا يخرجون أيام الربيع فلا يتركون شيئاً أخضر إلا أكلوه ولا يابساً إلا احتملوه ولا يموت أحدهم حتى ينظر إلى ألف ذكر من صلبه كلهم قد حمل السلاح وقيل هم على صنفين طوال مفرطوا الطول وقصار مفرطوا القصر {فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً} خراجا حمزة وعلي أي جعلاً نخرجه من أموالنا ونظيرهما النول
الكهف (99 - 94)
والنوال {على أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدّا}(2/319)
قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا (95)
قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا (95)
{قال ما مكَّني} بالإدغام وبفكه مكي {فِيهِ رَبّى خَيْرٌ} أي ما جعلني فيه مكيناً من كثرة المال واليسار خير مما تبذلون لي من(2/319)
الخراج فلا حاجة لي إليه {فَأَعِينُونِى بِقُوَّةٍ} بفعلة وصناع يحسنون البناء والعمل وبالآلات {أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وبينهم ردما} جدار أو حاجزا حصينا موثقا والردم اكبر من السد(2/320)
آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا (96)
آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا (96)
{آتوني زُبَرَ الحديد} قطع الحديد والزبرة القطعة الكبيرة قيل حفر الأساس حتى بلغ الماء وجعل الأساس من الصخر والنحاس المذاب والبنيان من زبر الحديد بينها الحطب والفحم حتى سد ما بين الجبلين إلى أعلاهما ثم وضع المنافيخ حتى إذا صارت كالنار رصب النحاس المذاب على الحديد المحمى فاختلط والتصق بعضه ببعض وصار جبلا صلدا وقيل بعد ما بين السدين مائة فرسخ {حتى إِذَا ساوى بَيْنَ الصدفين} بفتحتين جانبي الجبلين لانهما يتصادقان أي يتقابلان الصُّدَفين مكى وبصرى وشامي الصُّدْفين أبو بكر {قَالَ انفخوا} أي قال ذو القرنين للعملة انفخوا في الحديد {حتى إِذَا جَعَلَهُ} أي المنفوخ فيه وهو الحديد {نَارًا} كالنار {قَالَ آتُونِى} أعطوني {أَفْرِغْ} أصب {عَلَيْهِ قِطْراً} نحاساً مذاباً لأنه يقطر وهو منصوب بافرغ وتقديره آتوني قطراً أفرغ عليه قطراً فحذف الأول لدلالة الثاني عليه قال ائتوني بوصل الألف حمزة وإذا ابتدأ كسر الألف أي جيئوني(2/320)
فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا (97)
فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا (97)
{فما استطاعوا} بحذف التاء للخفة لأن التاء قريبة المخرج من الطاء {أَن يَظْهَرُوهُ} أن يعلوا السد {وَمَا استطاعوا لَهُ نَقْبًا} أي لا حيلة لهم فيه من صعود لارتفاعه ولا نقب لصلابته(2/320)
قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا (98)
قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا (98)
{قَالَ هذا رَحْمَةٌ مّن رَّبّى} أي هذا السد نعمة من الله ورحمة على عباده أو هذا الإقدار والتمكين من تسويته {فَإِذَا جاء وعد ربي} فإذا دنى مجئ يوم(2/320)
القيامة وشارف أن يأتي {جَعَلَهُ} أي السد {دكا} أي مدكوكا مبسوطاً مسوى بالأرض وكل ما انبسط بعد ارتفاع فقد اندك دكاء كوفي أي أرضاً مستوية {وَكَانَ وَعْدُ رَبّى حَقّاً} آخر قول ذي القرنين(2/321)
وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا (99)
وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا (99)
{وَتَرَكْنَا} وجعلنا {بَعْضُهُمْ} بعض الخلق {يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ} يختلط {في بعض} أي يضطربون ويختلطون إنسهم وجنهم حيارى ويجوز أن يكون الضمير ليأجوج ومأجوج وأنهم يموجون حين يخرجون مما وراء السد مزدحمين في البلاد ورُوي أنهم يأتون البحر فيشربون ماءه ويأكلون دوابه ثم يأكلون الشجر ومن ظفروا به من الناس ولا يقدرون أن يأتوا مكة
الكهف (108 - 99)
والمدينة وبيت المقدس ثم يبعث الله نغفا في أقفائهم فيدخل في آذانهم فيموتون {وَنُفِخَ فِى الصور} لقيام الساعة {فجمعناهم} أي جمع الخلائق للثواب والعقاب {جَمْعاً} تأكيد(2/321)
وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكَافِرِينَ عَرْضًا (100)
وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكَافِرِينَ عَرْضًا (100)
{وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ للكافرين عَرْضاً} وأظهرناها لهم فرأوها وشاهدوها(2/321)
الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَكَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا (101)
الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَكَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا (101)
{الذين كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِى غِطَاء عَن ذِكْرِي} عن آياتي التي ينظر إليها أو عن القرآن فأذكره بالتعظيم أو عن القرآن وتأمل معانيه {وكانوا لا يستطيعون سمعا} أي كانوا صما عنه إلا أنه أبلغ إذ الأصم قد يستطيع السمع إذا صيح به وهؤلاء كأنهم أصميت أسماعهم فلا استطاعة بهم للسمع(2/321)
أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَ إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلًا (102)
أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَ إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلًا (102)
{أَفَحَسِبَ الذين كَفَرُواْ أَن يَتَّخِذُواْ عِبَادِى مِن دُونِى أَوْلِيَاء} أي أفظن الكفار اتخاذهم عبادي يعني الملائكة وعيسى عليهم السلام أولياء نافعهم بئس ما ظنوا وقيل أن بصلتها سد مسد مفعولي أفحسب وعبادي أولياء مفعولاً أن يتخذوا وهذا أوجه يعني أنهم لا يكونون لهم أولياء {إِنَّا أَعْتَدْنَا جهنم للكافرين نزلا} هو ما يقام للتنزيل وهو الضيف ونحوه فبشرهم بعذاب أليم(2/322)
قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103)
قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103)
{قُلْ هَلْ نُنَبّئُكُم بالأخسرين أعمالا} أعمالاً تمييز وإنما جمع والقياس أن يكون مفرداً لتنوع الأهواء وهم أهل الكتاب أو الرهبان(2/322)
الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (104)
الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (104)
{الذين ضَلَّ سَعْيُهُمْ} ضاع وبطل وهو في محل الرفع أي هم الذين {فِى الحياة الدنيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً}(2/322)
أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا (105)
أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا (105)
{أولئك الذين كفروا بآيات رَبّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلاَ نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ القيامة وَزْناً} فلا يكون لهم عندنا وزن ومقدار(2/322)
ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا (106)
ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا (106)
{ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ} هي عطف بيان لجزاؤهم {بما كفروا واتخذوا آياتي وَرُسُلِى هُزُواً} أي جزاؤهم جهنم بكفرهم واستهزائهم بآيات الله ورسله(2/322)
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا (107)
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا (107)
{إن الذين آمنوا وَعَمِلُواْ الصالحات كَانَتْ لَهُمْ جنات الفردوس نُزُلاً}(2/322)
خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا (108)
خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا (108)
{خالدين فِيهَا} حال {لاَ يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً} تحولا إلى غيرها رضا
الكهف (110 - 108)
بما أعطوا يقال حال من مكانه حولاً أي لا مزيد عليها حتى تنازعهم أنفسهم إلى أجمع لإغراضهم وأمانيهم أو هذه غاية الوصف لأن الإنسان في الدنيا في أي نعيم(2/322)
كان فهو طامح مائل الطرف إلى أرفع منه أو المراد نفي التحول وتأكيد الخلود(2/323)
قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا (109)
قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا (109)
{قُل لَّوْ كَانَ البحر} أي ماء البحر {مِدَاداً لكلمات رَبّى} قال أبو عبيدة المداد ما يكتب به أي لو كتبت كلمات علم الله وحكمته وكان البحر مداداً لها والمراد بالبحر الجنس {لَنَفِدَ البحر قَبْلَ أَن تَنفَدَ كلمات رَبّى وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ} بمثل البحر {مددا} لنفذ أيضا والكلمات غير نافذة مدداً تمييز نحو لي مثله رجلاً والمدد مثل المداد وهو ما يمد به ينفذ حمزة وعلي وقيل قال حيي بن أخطب في كتابكم ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا ثم تقرءون وما أوتيتم من العلم إلا قليلا فنزلت يعني أن ذلك خير كثير ولكنه قطرة من بحر كلمات الله(2/323)
قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا (110)
قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا (110)
{قُلْ إِنَّمَآ أَنَاْ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يوحى إِلَىَّ أَنَّمَا إلهكم إله وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبّهِ} فمن كان يأمل حسن لقاء ربه وأن يلقاه لقاء رضاً وقبول أو فمن كان يخاف سوء لقاء ربه والمراد باللقاء القدوم عليه وقيل رؤيته كما هو حقيقة اللفظ والرجاء على هذا مجرى على حقيقته {فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالحا} خالصاً لا يريد به إلا وجه ربه ولا يخلط به غيره وعن يحيى بن معاذ هو مالا يستحي منه {وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبّهِ أَحَدَا} هو نهي عن الشرك أو عن الرياء قال صلى الله عليه وسلم اتقوا الشرك الأصغر قالوا وما الشرك الأصغر قال الرياء قال صلى الله عليه وسلم عليه وسلم من قرأ سورة الكهف فهو معصوم ثمانية أيام من كل فتنة تكون فإن يخرج الدجال في تلك الثمانية عصمه الله من فتنة الدجال ومن قرأ قُلْ إِنَّمَآ أَنَاْ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يوحى إليَّ إلى آخرها عند مضجعه كان له نورا يتلألأ(2/323)
من مضجعه إلى مكة حشو ذلك النور ملائكة يصلون عليه حتى يقوم عن مضجعه وإن كان مضعجه بمكة فتلاها كان له نورا يتلألأ من مضجعه إلى البيت المعمور حشو ذلك النور ملائكة يصلون عليه ويستغفرون له حتى يستيقظ(2/324)
مريم (4 - 1)
سورة مريم
سورة مريم عليها السلام مكية وهي ثمان أو تسع وتسعون آية مدني وشامي
بسم الله الرحمن الرحيم(2/325)
كهيعص (1)
كهيعص (1)
{كهيعص} قال السدي هو اسم الله الأعظم وقيل هو اسم للسورة وقرأ علي ويحيى بكسر الهاء والياء ونافع بين الفتح والكسر وإلى الفتح أقرب وأبو عمرو بكسر الهاء وفتح الياء وحمزة بعكسه وغيرهم بفتحهما(2/325)
ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (2)
ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (2)
{ذكر رحمة رَبّكَ} خبر مبتدأ أي هذا ذكر {عَبْدَهِ} مفعول الرحمة {زَكَرِيَّا} بالقصر حمزة وعلي وحفص وهو بدل من عبده(2/325)
إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا (3)
إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا (3)
{إِذْ} ظرف للرحمة {نادى رَبَّهُ نِدَاء خَفِيّاً} دعاه دعاء سرا كما هو المأمور به وهو أبعد عن الرياء وأقرب إلى الصفاء أو أخفاه لئلا يلام على طلب الولد في أوان الكبر لأنه كان ابن خمس وسبعين أو ثمانين سنة(2/325)
قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا (4)
قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا (4)
{قَالَ رَبّ} هذا تفسير الدعاء وأصله يا ربي فحذف حرف النداء والمضاف اليه اختصار {إِنّى وَهَنَ العظم مِنّى} ضعف وخص العظم لأنه عمود البدن وبه قوامه فإذا وهن تداعى وتساقطت قوته ولأنه أشد ما فيه وأصلبه فإذا وهن كان ما وراءه أوهن ووحده لأن الواحد منه الجسد قد أصابه الوهن {واشتعل الرأس شيبا} تمييز أي فشا فى(2/325)
رأسي الشيب واشتعلت النار إذا تفرقت في التهابها وصارت شعلا شبه الشيب بشواظ النار في بياضه وانتشاره في الشعر وأخذه منه كل ما أخذ باشتعال النار ولا ترى كلاماً أفصح من هذا ألا ترى أن أصل الكلام يا رب قد شخت إذ الشيخوخة تشتمل على ضعف البدن وشيب الرأس المتعرض لها وأقوى منه ضعف بدني وشاب رأسي ففيه مزيد والتقرير للتفصيل وأقوى منه وهنت عظام بدني ففه عدول عن التصريح إلى الكناية فهي أبلغ منه وأقوى منه أنا وهنت عظام بدني وأقوى منه إني وهنت بدني وأقوى منه إني وهنت العظام من بدني ففيه سلوك طريقي الإجمال والتفصيل وأقوى منه إني وهنت العظام مني ففيه ترك توسيط البدن وأقوى منه إني وهن العظم مني لشمول الوهن العظام فرداً فرداً باعتبار ترك جمع العظم إلى الإفراد لصحه حصول وهن المجموع بالبعض دون كل فرد فرد ولهذا تركت الحقيقة في شاب رأسي إلى أبلغ وهي الاستعارة فحصل اشتعل شيب رأسي وأبلغ منه اشتعل رأسي شيباً لإسناد الاشتعال إلى مكان الشعر ومنبته وهو الرأس لإفادة شمول الاشتعال الرأس إذ وزان اشتعل
مريم (8 - 4)
شيب رأسي واشتعل رأسي شيباً وزان اشتعل النار في بيتي واشتعل بيتي ناراً والفرق نير ولأن فيه الإجمال والتفصيل كما عرف في طريق التمييز وأبلغ منه واشتعل الرأس مني شيباً لما مر وأبلغ منه واشتعل الرأس شيباً ففيه اكتفاء بعلم المخاطب إنه رأس زكريا بقرينة العطف على وهن العظم {ولم أكن بدعائك} مصدر ومضاف إلى المفعول أي بدعائي إياك {رَبّ شَقِيّاً} أي كنت مستجاب الدعوة قبل اليوم سعيداً به غير شقي فيه يقال سعد فلان بحاجته إذا ظفر بها ومشقي إذا خاب ولم ينلها وعن بعضهم أن محتاجاً سأله وقال أنا الذي أحسنت إلي وقت كذا فقال مرحباً بمن توسل بنا إلينا وقت حاجته وقضى حاجته(2/326)
وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (5)
وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (5)
{وَإِنّي خِفْتُ الموالى} هم عصبته أخوته وبنو عمه وكانوا شرار بني إسرائيل فخافهم أن يغيروا الدين وأن لا يحسنوا الخلافة على أمته فطلب عقباً صالحاً من صلبه يقتدي به في إحياء الدين {مِن وَرَائِى} بعد موتي وبالقصر(2/326)
وفتح الياء كهداي مكي وهذا الظرف لا يتعلق بخفت لأن وجود خوفه بعد موته لا يتصور ولكن بمحذوف أو بمعنى الولاية في الموالي أي خفت فعل الموالي وهو تبديلهم وسوء خلافتهم من ورائي أو خفت الذين يلون الأمر من ورائي {وَكَانَتِ امرأتى عَاقِرًا} عقيماً لا تلد {فَهَبْ لِى مِن لَّدُنْكَ} اختراعا منك بلا سبب لأن امرأتي لا تصلح للولادة {وَلِيّاً} ابنا يلي أمرك بعدي(2/327)
يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا (6)
يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا (6)
{يرثني ويرث} برفعهما صفة لوليا أي هب لي ولداً وارثاً مني العلم ومن آل يعقوب النبوة ومعنى وراثة النبوة أنه يصلح لأن يوحى إليه ولم يرد أن نفس النبوة تورث وبجزمهما أبو عمرو وعلي على أنه جواب للدعاء يقال ورثته وورثت منه {من آل يعقوب} يعقوب بن اسحق {واجعله رَبّ رَضِيّاً} مرضياً ترضاه أو راضياً عنك وبحكمك(2/327)
يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا (7)
يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا (7)
فأجاب الله تعالى دعائه وقال {يا زكريا إِنَّا نُبَشّرُكَ بغلام اسمه يحيى} تولى الله تسميته تشريفاً له نبشرك بالتخفيف حمزة {لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيّاً} لم يسم أحد بيحيى قبله وهذا دليل على أن الاسم الغريب جدير بالأثرة وقيل مثلاً وشبيها ولم يكن له مثل في أنه لم يعص ولم يهم بمعصية قط وأنه ولد بين شيخ وعجوز وأنه كان حصوراً فلما بشرته الملائكة به(2/327)
قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا (8)
قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا (8)
{قَالَ رَبّ أنّى} كيف {يَكُونُ لِي غلام} وليس هذا باستبعاد بل هو استكشاف أنه بأي طريق يكون أيوهب له وهو وامرأته بتلك الحال أم يحولان شابين {وَكَانَتِ امرأتى عَاقِراً وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الكبر عِتِيّاً} أي بلغت عتيا وهو اليبس والجساوة في المفاصل والعظام
مريم (16 - 9)
كالعود اليابس من أجل الكبر والطعن في السن العالية عتيا وصليا(2/327)
وجثيا وبكيا بكسر الأوائل حمزة وعلي وحفص إلا في بكيا(2/328)
قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا (9)
قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا (9)
{قَالَ كذلك} الكاف رفع أي الأمر كذلك تصديق له ثم ابتدأ {قَالَ رَبُّكِ} أو نصب بقال وذلك إشارة إلى مبهم يفسره {هُوَ عَلَىَّ هَيّنٌ} أي خلق يحيى من كبيرين سهل {وقد خلقتك من قبل} أوجدتك من قبل يحيى خلقناك حمزة وعلي {وَلَمْ تَكُ شَيْئاً} لأن المعدوم ليس بشيء(2/328)
قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا (10)
قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا (10)
{قال رب اجعل لي آية} علامة أعرف بها حبل امرأتي {قال آيتك أَلاَّ تُكَلِّمَ الناس ثَلاَثَ لَيَالٍ سَوِياً} حال من ضمير تكلم أي حال كونك سوى الأعضاء واللسان يعني علامتك أن تمنع الكلام فلا تطيقه وأنت سليم الجوراح ما بك خرس ولا بكم ودل ذكر الليالي هنا والأيام في آل عمران على أن المنع من الكلام استمر به ثلاثة أيام ولياليهن إذ ذكر الأيام يتناول ما بإزائها من الليالي وكذا ذكر الليالي يتناول ما بإزائها من الأيام عرفاً(2/328)
فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (11)
فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (11)
{فَخَرَجَ على قَوْمِهِ مِنَ المحراب} من موضع صلاته وكانوا ينتظرونه ولم يقدر أن يتكلم {فأوحى إِلَيْهِمْ} أشار بإصبعه {أَن سَبّحُواْ} صلوا وان هي المفسرة {بُكْرَةً وَعَشِيّاً} صلاة الفجر والعصر(2/328)
يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا (12)
يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا (12)
{يَا يحيى} أي وهبنا له يحيى وقلنا له بعد ولادته وأوان الخطاب يا يحيى {خُذِ الكتاب} التوراة {بِقُوَّةٍ} حال أي بجد واستظهار بالتوفيق والتأييد {وَآتَيْنَاهُ الحكم} الحكمة وهو فهم التوراة والفقه في الدين {صَبِيّاً} حال قيل دعاه الصبيان إلى اللعب وهو صبي فقال ما للعب خلقنا(2/328)
وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيًّا (13)
وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيًّا (13)
{وحنانا} شفقة ورحمة لابويه وغيرهما عطفا عى الحكم {من لدنا} من عندنا {وزكاة} طهارة وصلاحاً فلم يعمد بذنب {وَكَانَ تَقِيّا} مسلما مطيعا(2/329)
وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا (14)
وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا (14)
{وَبَرّا بوالديه} وباراً بهما لا يعصيهما {وَلَمْ يَكُن جَبَّاراً} متكبراً {عَصِيّاً} عاصياً لربه(2/329)
وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا (15)
وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا (15)
{وسلام عَلَيْهِ} أمان من الله له {يَوْمَ وُلِدَ} من أن يناله الشيطان {وَيَوْمَ يَمُوتُ} من فتاني القبر {وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَياً} من الفزع الأكبر قال ابن عيينة إنها أوحش المواطن(2/329)
وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا (16)
وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا (16)
{واذكر} يا محمد {فِى الكتاب} القرآن {مَرْيَمَ} أي اقرأ عليم في القرآن قصة مريم ليقفوا عليها ويعلموا ما جرى عليها {إِذْ} بدل من مريم بدل اشتمال إذ الأحيان
مريم (21 - 16)
مشتملة على ما فيها وفيه أن المقصود بذكر مريم ذكر وقتها هذا لوقوع هذه القصة العجيبة فيه {انتبذت مِنْ أَهْلِهَا} أي اعتزلت {مَكَاناً} ظرف {شَرْقِياً} أي تخلت للعبادة في مكان مما يلي شرقي بيت المقدس أومن دارها معتزلة عن الناس وقيل قعدت في مشرقه للاغتسال من الحيض(2/329)
فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا (17)
فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا (17)
{فاتخذت مِن دُونِهِم حِجَاباً} جعلت بينها وبين أهلها حجاباً يسترها لتغتسل وراءه {فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا روحنا} جبريل عليه السلام والإضافة للتشريف وإنما سمي روحاً لأن الدين يحيا به وبوحيه {فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً} أي فتمثل لها جبريل في صورة آدمي شاب أمرد وضئ الوجه جعد الشعر {سَوِيّاً} مستوى الخلق وإنما مثل لها في صورة الإنسان لتستأنس بكلامه ولا تنفر عنه ولو بدالها في صورة الملائكة لنفرت ولم تقدر على استماع كلامه(2/329)
قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا (18)
قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا (18)
{قَالَتْ إِنّى أَعُوذُ بالرحمن مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيّاً} أي إن كان يرجى منك أن تتقي الله فإني عائذة به منك(2/330)
قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا (19)
قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا (19)
{قَالَ} جبريل عليه السلام {إِنَّمَا أَنَاْ رَسُولُ رَبّكِ} أمنها مما خافت وأخبر أنه ليس بآدمي بل هو رسول من استعاذت به {لأَِهَبَ لَكِ} بإذن الله تعالى أو لأكون سببا في هبة الغلام بالنفخ في الدرع ليهب لك أي الله أبو عمرو ونافع {غلاما زكيا} طاهرا من الذنوب أو نامياً على الخير والبركة(2/330)
قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا (20)
قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا (20)
{قَالَتْ أنّى} كيف {يَكُونُ لِي غلام} ابن {وَلَمْ يَمْسَسْنِى بَشَرٌ} زوج بالنكاح {وَلَمْ أَكُ بَغِيّاً} فاجرة تبغي الرجال أي تطلب الشهوة من أي رجل كان ولا يكون الولد عادة إلا من أحد هذين والبغي فعول عند المبرد بغوي فقلبت الواو ياء وأدغمت وكسرت الغين إتباعاً ولذا لم تلحق تاء التأنيث كما لم تلحق في امرأة صبور وشكور وعند غيره هي فعيل ولم تلحقها الهاء لأنها بمعنى مفعولة وإن كانت بمعنى فاعلة فهو قد يشبه به مثل إن رحمة الله قريب(2/330)
قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا (21)
قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا (21)
{قَالَ} جبريل {كذلك} أي الأمر كما قلت لم يمسك رجل نكاحاً أو سفاحاً {قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَىَّ هَيّنٌ} أي إعطاء الولد بلا أب علي سهل {ولنجعله آية لّلْنَّاسِ} تعليل معلله محذوف أي ولنجعله آية للناس فعلنا ذلك أو هو معطوف على تعليل مضمر أي لنبين به قدرتنا ولنجعله آية للناس أي عبرة وبرهاناً على قدرتنا {وَرَحْمَةً مّنَّا} لمن أمن به {وَكَانَ} خلق عيسى {أَمْراً مَّقْضِيّاً} مقدراً مسطوراً في اللوح(2/330)
فلما اطمأنت إلى قوله منها فنفخ في جيب درعها
مريم (25 - 22)
فوصلت النفخة إلى بطنها(2/331)
فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا (22)
فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا (22)
{فحملته} اى الموهوب وكان سنها ثلاث عشرة سنه أو عشر أو عشرين {فانتبذت بِهِ} اعتزلت وهو في بطنها والجار والمجرور في موضع الحال عن ابن عباس رضى الله عنهما كانت مدة الحمل ساعة واحدة كما حملته نبذته وقيل ستة أشهر وقيل سبعة وقيل ثمانية ولم يعش مولود وضع لثمانية إلا عيسى وقيل حملته في ساعة ووضعته في ساعة {مكانا قصيا} بعيدا عن أهلها وراء الجبل وذلك لأنها لما أحست بالحمل هربت من قومها مخافة اللائمة(2/331)
فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا (23)
فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا (23)
{فَأَجَاءهَا} جاء بها وقيل ألجأها وهو منقول من جاء إلا أن استعماله قد تغير بعد النقل الى معنى الالجاء ألاتراك لا تقول جئت المكان وأجاء فيه زيد {المخاض} وجع الولادة {إلى جذع النخلة} اصلها وكانت يابسة وكان الوقت شتاء وتعريفها مشعر بأنها كانت نخلة معروفة وجاز أن يكون التعريف للجنس أي جذع هذه الشجرة كأنه تعالى أرشدها إلى النخلة ليطعمها منها الرطب لأنه خرسة النفساء أي طعامها ثم {قَالَتْ} جزعاً مما أصابها {يا ليتني مت قبل هذا} اليوم مدني وكوفي غير أبي بكر وغيرهم بالضم يقال مات يموت ومات يمات {وَكُنتُ نَسْياً مَّنسِيّاً} شيئاً متروكاً لا يعرف ولا يذكر بفتح النون حمزة وحفص بالكسر غيرهما ومعناهما واحد وهو الشيء الذي حقه أن يطرح وينسى لحقارته(2/331)
فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا (24)
فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا (24)
{فناداها من تحتها} أي الذي تحتها فمن فاعل وهو جبريل عليه السلام لأنِه كان بمكان منخفض عنها أو عيسى عليه السلام لأنه خاطبها مت تحت ذيلها من تحتها مدني وكوفي سوى أبي بكر والفاعل(2/331)
مضمر وهو عيسى عليه السلام أو جبريل والهاء في تحتها للنخلة ولشدة ما لقيت سليت بقوله {أَلاَّ تَحْزَنِى} لا تهتمي بالوحدة وعدم الطعام والشراب ومقالة الناس وان بمعنى أي {قد جعل ربك تحتك} قربك أو تحت أمرك إن أمرته أن يجري جري وإن أمرته أن يقف وقف {سَرِيّاً} نهرا صغيرا عند الجمهور وسئل النبي صلى الله عليه وسلم عن السري فقال هو الجدول وعن الحسن سيداً كريماً يعني عيسى عليه السلام وروي أن خالد بن صفوان قال له إن العرب تسمي الجدول سرياً فقال الحسن صدقت ورجع إلى قوله وقال ابن عباس رضي الله عنهما ضرب عيسى أو جبريل عليهما السلام بعقبه الأرض فظهرت عين ماء عذب فجرى النهر اليابس فاخضرت النخلة وأثمرت وأينعت ثمرتها فقيل لها(2/332)
وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا (25)
وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا (25)
{وَهْزِّي} حركي {إِلَيْكَ} إلى نفسك {بِجِذْعِ النخلة} قال أبو علي الباء زائدة أي هزي جذع النخلة {تساقط عَلَيْكِ} بإدغام التاء الأولى في الثانية مكي ومدني وشامي وأبو عمرو وعلي وأبو بكر والأصل تتساقط بإظهار التاءين وتساقط بفتح التاء والقاف وطرح التاء الثانية وتخفيف السين حمزة ويساقط بفتح الياء والقاف وتشديد السين يعقوب وسهل وحماد ونصير وتساقط حفص من المفاعلة وتسقط ويسقط
مريم (30 - 25)
وتَسقُطْ ويَسقُطْ التاء للنخلة والياء للجذع فهذه تسع قراآت {رُطَباً} تمييز أو مفعول به على حسب القراءة {جَنِيّاً} طرياً وقالوا التمر للنفساء عادة من ذلك الوقت وقيل ما للنفساء خير من الرطب ولا للمريض من العسل(2/332)
فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا (26)
فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا (26)
{فَكُلِى} من الجني {واشربى} من السري {وَقَرّى عينا} بالولد الرضي وعينا تمييز أي طيبي نفساً بعيسى وارفضي عنك ما أحزنك(2/332)
{فَإِمَّا} أصله إن ما فضمت إن الشرطية إلى ما وأدغمت فيها {تَرَيِنَّ مِنَ البشر أَحَداً فَقُولِى إِنّى نَذَرْتُ للرحمن صَوْماً} أي فإن رأيت آدمياً يسألك عن حالك فقولي إني نذرت للرحمن صمتاً وإمساكاً عن الكلام وكانوا يصومون عن الكلام كما يصومون عن الأكل والشرب وقيل صياماً حقيقة وكان صيامهم فيه الصمت فكان الزامه الزامه وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوم الصمت فصار ذلك منسوخاً فينا وإنما أمرت أن تنذر السكوت لأن عيسى عليه السلام يكفيها الكلام بما يبرئ به ساحتها ولئلا تجادل السفهاء وفيه دليل على أن السكوت عن السفيه واجب وما قُدعَ سفيه بمثل الإعراض ولا أطلق عنانه بمثل العراض وإنما أخبرتهم بأنها نذرت الصوم بالإشارة وقد تسمى الإشارة كلاماً وقولاً ألا ترى إلى قول الشاعر في وصف القبور ... وتكلمت عن أوجه تبلى ...
وقيل كان وجوب الصمت بعد هذا الكلام أو سوغ لها هذا القدر بالنطق {فَلَنْ أُكَلّمَ اليوم إِنسِيّاً} آدميا(2/333)
فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا (27)
فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا (27)
{فَأَتَتْ بِهِ} بعيسى {قَوْمَهَا} بعد ما طهرت من نفاسها {تَحْمِلُهُ} حال منها أي أقبلت نحوهم حاملة إياه فلما رأوه معها {قَالُواْ يا مريم لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيّاً} بديعاً عجيباً والفري القطع كأنه يقطع العادة(2/333)
يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا (28)
يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا (28)
{يا أخت هارون} وكان أخاها من أبيها ومن أفضل بني إسرائيل أو هو أخو موسى عليه السلام وكانت من أعقابه وبينهما ألف سنة وهذا كما يقال يا أخا همدان أي يا واحدا منهم أو رجل صال أو صالح في زمانها شبهوها به في الصلاح أو شتموها به {مَا كَانَ أَبُوكِ} عمران {امرأ سَوْء} زانياً {وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ} حنة {بَغِيّاً} زانية(2/333)
فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا (29)
فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا (29)
{فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ} إلى عيسى أن يجيبهم وذلك أن عيسى عليه السلام قال لها لا تحزني وأحيلي بالجواب علي وقيل أمرها جبريل بذلك ولما أشارت إليه غضبوا وتعجبوا و {قَالُواْ كَيْفَ نُكَلّمُ مَن كَانَ} حدث ووجد {فِى المهد} المعهود {صَبِيّاً} حال(2/334)
قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (30)
قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (30)
{قَالَ إِنّى عَبْدُ الله} ولما أسكتت بأمر الله لسانها الناطق أنطق الله اللسان الساكت حتى اعترف
مريم (36 - 30)
بالعبودية وهو ابن أربعين ليلة أو ابن يوم روي أنه أشار بسبابته وقال بصوت رفيع إني عبد الله وفيه رد لقول النصارى {آتاني الكتاب} الإنجيل {وَجَعَلَنِى نَبِيّاً} روي عن الحسن أنه كان في المهد نبياً وكلامه معجزته وقيل معناه أن ذلك سبق في قضائه أو جعل الآتي لا محالة كأنه وجد(2/334)
وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا (31)
وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا (31)
{وَجَعَلَنِى مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنتُ} نفاعاً حيث كنت أو معلماً للخير {وَأَوْصَانِى} وأمرني {بالصلاة والزكاة} إن ملكت مالاً وقيل صدقة الفطر أو تطهير البدن ويحتمل وأوصاني بأن آمركم بالصلاة والزكاة {مَا دُمْتُ حَياً} نصب على الظرف أي مدة حياتي(2/334)
وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا (32)
وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا (32)
{وَبَرّاً بِوَالِدَتِى} عطفاً على مباركاً أي باراً بها أكرمها وأعظمها {وَلَمْ يَجْعَلْنِى جَبَّاراً} متكبراً {شقيا} عاقا(2/334)
وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (33)
وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (33)
{والسلام عَلَىَّ يَوْمَ وُلِدْتُّ} يوم ظرف والعامل فيه الخبر وهو علي {وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً} أي ذلك السلام الموجه إلى يحيى في المواطن الثلاثة موجه إلي إن كان حرف التعريف للعهد وإن كان للجنس فالمعنى وجنس السلام علي وفيه تعريض باللعنة على أعداء مريم وابنها لأنه إذا قال وجنس السلام عليّ فقد عرض بأن ضده عليكم إذ المقام مقام مناكرة وعناد فكان مئنة لمثل هذا التعريض(2/334)
ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ (34)
ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ (34)
{ذلك} مبتدأ {عِيسَى} خبره {ابن مَرْيَمَ} نعته أو خبر ثان أي ذلك الذي قال أني كذا وكذا عيسى بن مريم لا كما قالت النصارى إنه إله أو ابن الله {قَوْلَ الحق} كلمة الله فالقول الكلمة والحق الله وقيل له كلمة الله لأنه ولد بقوله كن بلا واسطة أب وارتفاعه على أنه خبر بعد خبر أو خبر مبتدأ محذوف أو بدل من عيسى ونصبه شامي وعاصم على المدح أو على المصدر أي أقول قول الحق هو ابن مريم وليس بإله كما يدعونه {الذى فِيهِ يَمْتُرُونَ} يشكون من المرية الشك أو يختلفون من المراء فقالت اليهود ساحر كذاب وقالت النصارى ابن الله وثالث ثلاثة(2/335)
مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (35)
مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (35)
{مَا كَانَ للَّهِ} ما ينبغي له {أَن يتخذ من ولد} جيء بمن لتأكيد النفي {سبحانه} نزه ذاته عن اتخاذ الولد {إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ} بالنصب شامي أي كما قال لعيسى كن فكان من غير أب ومن كان متصفاً بهذا كان منزها أن يشبه الحيوان الوالد(2/335)
وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (36)
وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (36)
{وَإِنَّ الله رَبّى وَرَبُّكُمْ فاعبدوه} بالكسر شامي وكوفي على الابتداء وهو من كلام عيسى يعني كما أنا عبده فأنتم عبيده علي وعليكم أن نعبده ومن فتح عطف على بالصلاة أي وأوصاني بالصلاة
مريم (40 - 36)
وبالزكاة وبأن الله ربي وربكم أو علقه بما بعده أي ولأن الله ربي وربكم فاعبدوه {هذا} الذي ذكرت {صراط مُّسْتَقِيمٍ} فاعبدوه ولا تشركوا به شيئاً(2/335)
فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ (37)
فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ (37)
{فاختلف الأحزاب} الحزب الفرقة المنفردة برأيها عن غيرها وهم ثلاث فرق نسطورية ويعقوبية وملكانية {مِن بَيْنِهِمْ} من بين أصحابه أو من بين قومه أو من بين الناس وذلك أن النصارى اختلفوا في عيسى حين رفع ثم اتفقوا على أن يرجعوا إلى قول ثلاثة كانوا عندهم(2/335)
أعلم أهل زمانهم وهو يعقوب ونسطور وملكان فقال يعقوب هو الله هبط إِلى الأرض ثم صعد إلى السماء وقال نسطور كان ابن الله أظهره ما شاء ثم رفعه إليه وقال الثالث كذبوا كان عبداً مخلوقاً نبياً فتبع كل واحد منهم قوم {فَوَيْلٌ لّلَّذِينَ كَفَرُواْ} من الأحزاب إذ الواحد منهم على الحق {مِن مَّشْهِدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ} هو يوم القيامة أو من شهودهم هول الحساب والجزاء في يوم القيامة أو من شهادة ذلك اليوم عليهم وأن تشهد عليهم الملائكة والأنبياء جوارحهم بالكفر أو من مكان الشهادة أو وقتها أو المراد يوم اجتماعهم للتشاور فيه وجعله عظيماً لفظاعة ما شهدوا به في عيسى(2/336)
أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا لَكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (38)
أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا لَكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (38)
{أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا} الجمهور على أن لفظه أمر ومعناه التعجب والله تعالى لا يوصف بالتعجب ولكن المراد أن إسماعهم وإبصارهم جدير بأن يتعجب منهما بعد ما كانوا صما وعمياً في الدنيا قال قتادة إن عموا وصموا عن الحق في الدنيا فما أسمعهم وما أبصرهم بالهدى يوم لا ينفعهم وبهم مرفوع المحل على الفاعلية كأكرم بزيد فمعناه كرم زيد جداً {لكن الظالمون اليوم} أقيم الظاهر مقام المضمر أي لكنهم اليوم في الدنيا بظلمهم أنفسهم حيث تركوا الاستماع والنظر حين يجدي عليهم ووضعوا العبادة في غير موضعها {فِى ضلال} عن الحق {مُّبِينٌ} ظاهر وهو اعتقادهم عيسى إلها معبوداً مع ظهور آثار الحدث فيه شعار بأن لا ظلم أشد من ظلمهم(2/336)
وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (39)
وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (39)
{وَأَنذِرْهُمْ} خوفهم {يَوْمَ الحسرة} يوم القيامة لأنه يقع فيه الندم على ما فات وفي الحديث إذا رأوا منازلهم في الجنة أن لو آمنوا {إِذْ} بدل من يوم الحسرة أو ظرف للحسرة وهو مصدر {قُضِىَ الأمر} فرغ من الحساب وتصادر الفريقان إلى الجنة والنار {وَهُمْ فِى غَفْلَةٍ} هنا عن الاهتمام(2/336)
لذلك المقام {وَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ} لا يصدقون به وهم وهم حالان أي وأنذرهم على هذا الحال غافلين غير مؤمنين(2/337)
إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ (40)
إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ (40)
{إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الأرض وَمَنْ عَلَيْهَا} أي نتفرد بالملك والبقاء عند تعميم الهلك والفناء وذكر من لتغليب العقلاء {وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ} بضم الياء وفتح الجيم وفتح الياء يعقوب أي يردون فيجازون جزاء وفاقا
وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا (41)
{واذكر}
مريم (45 - 41)
لقومك {فِى الكتاب} القرآن {إِبْرَاهِيمَ} قصته مع أبيه {إنه كان صديقا نبيا} بغير همزه وهمزة نافع قيل الصادق المستقيم في الأفعال والصديق المستقيم في الأحوال فالصديق من أبنية المبالغة ونظيرة الضحيك والمراد فرط صدقه وكثرة ما صدق به من غيوب الله وآياته وكتبه ورسله أي كان مصدقاً لجميع الأنبياء وكتبهم وكان نبياً في نفسه وهذه الجملة وقعت اعتراضاً بين إبراهيم وبين ما هو بدل منه وهو(2/337)
إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا (42)
إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا (42)
{إذ قال} وجاز ان يتعلق إذ بكان او بصديقا نبياً أي كان جامعاً لخصائص الصديقين والأنبياء حين خاطب أباه بتلك المخاطبات والمراد بذكر الرسول إياه وقصته في الكتاب أن يتلو ذلك على الناس ويبلغه إياهم كقوله واتل عليهم نبأ إبراهيم وإلا فالله عزوعلا هو ذاكره ومورده فى تنزيله {لأبيه يا أبت} بكسر التاء وفتحها ابن عامر والتاء عوض من ياء الإضافة ولا يقال يا أبتي لئلا يجمع بين العوض والمعوض منه {لِمَ تَعْبُدُ مَا لاَ يَسْمَعُ وَلاَ يَبْصِرُ} المفعول فيهما منسي غير منوي ويجوز أن يقدر أي لا يسمع شيئاً ولا يبصر شيئاً {وَلاَ يُغْنِى عَنكَ شَيْئاً} يحتمل أن يكون شيئاً في موضع المصدر أي شيئاً من الاعناء وأن يكون مفعولاً به من قولك أغن عنى وجهك اى بعد(2/337)
يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا (43)
يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا (43)
{يا أبت إِنّى قَدْ جَاءنِى مِنَ العلم} الوحي أو معرفة الرب {مَا لَمْ يَأْتِكَ} ما في ما لا يسمع وما لم يأتك يجوز أن تكون موصولة أو موصوفة {فاتبعنى أَهْدِكَ} أرشدك {صِرَاطاً سَوِيّاً} مستقيماً(2/338)
يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا (44)
يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا (44)
{يا أبت لا تعبد الشيطان} لاتطعه فيما سوَّل من عبادة الصنم {إِنَّ الشيطان كان للرحمن عصيا} عاصيا(2/338)
يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا (45)
يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا (45)
{يا أبت إِنّى أَخَافُ} قيل أَعلم {أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مّنَ الرحمن فَتَكُونَ للشيطان وَلِيّاً} قرينا في النار تليه ويليك فانظر في نصيحته كيف راعى المجاملة والرفق والخلق الحسن كما أمر نفى الحديث أوحي إلى إبراهيم إنك خليلي حسن خلقك ولو مع الكفار تدخل مداخل الأبرار فطلب منه أولاً العلة في خطئه طلب منبه على تماديه موقظ لإفراطه وتناهيه لأن من يعبد أشرف الخلق منزلة وهم الأنبياء كان محكوما عليه بالعى المبين فكيف بمن يعبد حجراً أو شجراً لا يسمع ذكر عابده ولا يرى هيأت عبادته ولا يدفع عنه بلاء ولا يقضي له حاجة ثم ثنى بدعوته إلى الحق مترفقاً به متلطفاً فلم يسم أباه بالجهل المفرط ولا نفسه بالعلم الفائق ولكنه قال إن معي شيئاً من العلم ليس معك وذلك علم الدلالة على الطريق السوي فهب أني وإياك في مسير وعندي معرفة بالهداية دونك فاتبعني أنجك من أن تضل وتتيه ثم ثلث بنهيه عما كان عليه بأن الشيطان
مريم (51 - 46)
الذي عصى الرحمن الذي جميع النعم منه أوقعك في عبادة الصنم وزينها لك فأنت عابده في الحقيقة ثم ربَّع بتخويفه سوء العاقبة وما يجره ما هو فيه من التبعة(2/338)
والوبال مع مراعاة الأدب حيث لم يصرح بأن العقاب لاحق به وأن العذاب لاصق به بل قال أخاف أن يمسك عذاب بالتنكير المشعر بالتقليل كأنه قال إني أخاف أن يصيبك نَفَيان من عذاب الرحمن وجعل ولابه الشيطان ودخوله في جملة أشياعه وأوليائه أكبر من العذاب كما أن رضوان الله أكبر من الثواب في نفسه وصدر كل نصيحة بقوله ياأبت توسلاً إليه واستعطافاً وإشعاراً بوجوب احترام الأب وان كان كافرا ثم(2/339)
قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا (46)
قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا (46)
{قَالَ} آزر توبيخاً {أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ الِهَتِى يا إبراهيم} أي أترغب عن عبادتها فناداه باسمه ولم يقابل يا أبت بيا ابنى وقدم الخبر على المبتدء لأنه كان أهم عنده {لَئِن لَّمْ تَنتَهِ} عن شتم الأصنام {لأرجمنك} لأقتلنك بالرجام أولأضربنك بها حتى تتباعد أو لأشتمنك {واهجرنى} عطف على محذوف يدل عليه لأرجمنك تقديره فاحذرني واهجرني {مَلِيّاً} ظرف أي زماناً طويلاً من الملاوة(2/339)
قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا (47)
قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا (47)
{قَالَ سلام عَلَيْكَ} سلام توديع ومتاركة أو تقريب وملاطفة ولذا وعد بالاستغفار بقوله {سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِي} سأسأل الله أن يجعلك من أهل المغفرة بأن يهديك للإسلام {إِنَّهُ كَانَ بِى حَفِيّاً} ملطفاً بعموم النعم أو رحيماً أو مكرماً والحفاوة الرأفة والرحمة والكرامة(2/339)
وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا (48)
وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا (48)
{وَأَعْتَزِلُكُمْ} أراد بالاعتزال المهاجرة من أرض بابل إلى الشام {وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ الله} أي ما تعبدون من أصنامكم {وادعوا} وأعبد {رَبّى} ثم قال تواضعاً وهضماً للنفس ومعرضاً بشقاوتهم بدعاء آلهتهم {عَسَى أَلاَّ أَكُونَ بِدُعَاء رَبّى شَقِيّا} أي كما شقيتم أنتم بعبادة الأصنام(2/339)
فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا (49)
فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا (49)
{فَلَمَّا اعتزلهم وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله} ولما اعتزل الكفار ومعبودهم {وَهَبْنَا لَهُ إسحاق} ولداً {وَيَعْقُوبَ} نافلة ليستأنس بهما {وَكُلاًّ} كل واحد منهما {جَعَلْنَا نَبِيّاً} أي لما ترك الكفار الفجار لوجهه عوضه أولاداً مؤمنين أنبياء(2/340)
وَوَهَبْنَا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا (50)
وَوَهَبْنَا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا (50)
{وَوَهَبْنَا لَهْمْ مّن رَّحْمَتِنَا} هي المال والولد {وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ} ثناء حسناً وهو الصلاة على إبراهيم وآل إبراهيم في الصلوات وعبر باللسان عما يوجد باللسان كما عبر باليد عما يطلق باليد وهي العطية {عَلِيّاً} رفيعا مشهورا(2/340)
وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا (51)
وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا (51)
{واذكر فِى الكتاب موسى إِنَّهُ كَانَ مُخْلِصاً} كوفي غير المفضل أي أخلصه الله واصطفاه ومخلصا بالكسر غيرهم أي
مريم (57 - 51)
أخلص هو العبادة لله تعالى فهو مخلص بماله من السعادة بأصل الفطرة ومخلص فيما عليه من العبادة بصدق الهمة {وَكَانَ رَسُولاً نبيا} الرسول الذي معه كتاب الأنبياء والنبي الذي ينبيء عن الله عز وجل وإن لم يكن معه كتاب كيوشع(2/340)
وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا (52)
وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا (52)
{وناديناه} دعوناه وكلمناه ليلة الجمعة {مِن جَانِبِ الطور} هو جبل بين مصر ومدين {الأيمن} من اليمين أي من ناحية اليمين والجمهور على أن المراد أيمن موسى عليه السلام لأن الجبل لا يمين له والمعنى أنه حين أقبل من مدين يريد مصر نودي من الشجرة وكانت في جانب الجبل على يمين موسى عليه السلام {وَقَرَّبْنَاهُ} تقريب منزلة ومكانة لا منزل ومكان {نَجِيّاً} حال أي مناجياً كنديم بمعنى منادم(2/340)
وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا (53)
وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا (53)
{وَوَهَبْنَا لَهُ مِن رَّحْمَتِنَا} من أجل رحمتنا وترؤفنا عليه {أَخَاهُ} مفعول {هارون} بدل منه {نَبِيّاً} حال أي وهبنا له نبوة أخيه والا فهرون كان أكبر سناً منه(2/340)
وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا (54)
وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا (54)
{واذكر فِى الكتاب إسماعيل} هو ابن إبراهيم في الأصح {إِنَّهُ كَانَ صادق الوعد} وافيه وعد رجلاً أن يقيم مكانه حتى يعود اليه فانتظر سنة في مكانه حتى عادو ناهيك انه وعد من نسفه الصبر على الذبح فوفى وقيل لم يعدر به موعداً إلا أنجزه وإنما خصه بصدق الوعد وإن كان موجوداً في غيره من الأنبياء تشريفاً له ولأنه المشهور من خصاله {وَكَانَ رَسُولاً} إلى جرهم {نَبِيّاً} مخبراً منذراً(2/341)
وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا (55)
وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا (55)
{وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ} أمته لأن النبي أبو أمته وأهل بيته وفيه دليل على أنه لم يداهن غيره {بالصلاة والزكاة} يحتمل أنه إنما خصت هاتان العبادتان لأنهما أما العبادات البدنية والمالية {وكان عند ربه مرضيا} قريء مرضوا على الأصل(2/341)
وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا (56)
وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا (56)
{واذكر فِى الكتاب إِدْرِيسَ} هو أخنوخ أول مرسل بعد آدم عليه السلام وأول من خط بالقلم وخاط اللباس ونظر في علم النجوم والحساب واتخذ الموازين والمكاييل والأسلحة فقاتل بني قابيل وقولهم سمي به لكثرة دراسته كتب الله لا يصح لأنه لو كان أفعيلاً من الدرس لم يكن فيه إلا سبب واحد وهو العلمية وكان منصرفاً فامتناعه من الصرف دليل العجمة {إِنَّهُ كَانَ صِدّيقاً نَّبِيّاً} أنزل الله عليه ثلاثين صحيفة(2/341)
وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا (57)
وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا (57)
{وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّاً} هو شرف النبوة والزلفى عند الله وقيل معناه رفعته الملائكة إلى السماء الرابعة وقد رآه النبي صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج فيها وعن الحسن إلى الجنة لا شيء أعلى من الجنة وذلك أنه حبب لكثرة عبادته إلى الملائكة فقال لملك الموت أذقني الموت بهن عليّ ففعل ذلك بإذن الله فحيى وقال أدخلني النار أزدد رهبة ففعل ثم قال أدخلني الجنة أزدد رغبة ثم قال له اخرج فقال قد ذقت الموت ووردت النار فما أنا بخارج من الجنة فقال الله عز وجل بإذني فعل وبإذني دخل فدعه(2/341)
أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا (58)
أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا (58)
{أَوْلَئِكَ} إشارة إلى المذكورين في السورة من زكرياء
مريم (60 - 58)
إلى إدريس {الذين أَنْعَمَ الله عَلَيْهِم مّنَ النبيين} من للبيان لأن جميع الأنبياء منعم عليهم {من ذرية آدم} من للتبعيض وكان إدريس من ذرية آدم لقربه منه لأنه جد أبي نوح {وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ} إبراهيم من ذرية من حمل مع نوح لأنه ولد سام بن نوح {ومن ذرية إبراهيم} واسمعيل واسحق ويعقوب {وإسرائيل} أي ومن ذرية إسرائيل أي يعقوب وهم موسى وهرون وزكريا ويحيى وعيسى لأن مريم من ذريته {وَمِمَّن} يحتمل العطف على من الأولى والثانية {هَدَيْنَا} لمحاسن الإسلام {واجتبينا} من الأنام أو لشرح الشريعة وكشف الحقيقة {إذا تتلى عليهم آيات الرحمن} أي إذا تليت عليهم كتب الله المنزلة وهو كلام مستأنف إن جعلت الذين خبرا لأولئك وإن جعلته صفة له كان خبراً يتلى بالياء قتيبه لوجود الفاصل مع أن قتيبة لوجود الفاصل مع أن التأنيث غير حقيقي {خروا سجدا} سقطوا على وجوههم ساجدين رغبةً {وَبُكِيّاً} باكين رهبة جمع باكٍ كسجود وقعود في جمع ساجد وقاعد في الحديث اتلوا القرآن وابكوا وإن لم تبكوا فتباكوا وعن صالح المري قرأت القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام فقال لي يا صالح هذه القراءة فأين البكاء ويقول في سجود التلاوة سبحان ربي الأعلى ثلاثاً(2/342)
فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (59)
فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (59)
{فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ} فجاء من بعد هؤلاء المفضلين {خَلْفٌ} أولاد سوء وبفتح اللام العقب الخير عن ابن عباس هم اليهود {أَضاعُوا الصلاة} تركوا الصلاة المفروضة {واتبعوا الشهوات} ملاذ النفوس وعن علي رضي الله عنه من بنى الشديد وركب المنظور ولبس(2/342)
المشهور وعن قتادة رضي الله عنه هو في هذه الأمة {فَسَوْفَ يَلْقُونَ غَيّاً} جزاء غي وكل شر عند العرب غي وكل خير رشاد وعن ابن عباس وابن مسعود هو وادٍ في جهنم أعدّ للمصرين على الزن وشارب الخمر وآكل الربا والعاق وشاهد الزور(2/343)
إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا (60)
إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا (60)
{إِلاَّ مَن تَابَ} رجع عن كفره {وَآمَنَ} بشرطه {وَعَمِلَ صالحا} بعد إيمانه {فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الجنة} بضم الياء وفتح الخاء مكي وبصري وأبو بكر {وَلاَ يُظْلَمُونَ شَيْئاً} أي لا ينقصون شيئاً من جزاء أعمالهم ولا يمنعونه بل يضاعف لهم أو لا يظلمون شيئاً من الظلم(2/343)
جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا (61)
جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا (61)
{جنات} بدل من الجنة لأن الجنة تشتمل على جنات عدن لأنها جنس أو نصب عل المدح {عدن} معرفة لأنه علم لمعنى العدن وهو الإقامة أو علم لأرض الجنة لكونها
مريم (65 - 61)
مكان إقامة {التى وَعَدَ الرحمن عِبَادَهُ} أي عباده التائبين المؤمنين الذين يعلمون الصالحات كما سبق ذكرهم ولأنه أضافهم إليه وهو للاختصاص وهؤلاء أهل الاختصاص {بالغيب} أي وعدها وهي غائبة عنهم غير حاضرة أو هم غائبون عنها لا يشاهدونها {إِنَّهُ} ضمير الشأن أو ضمير الرحمن {كَانَ وَعْدُهُ} أي موعوده وهو الجنة {مَأْتِيّاً} أي هم يأتونها(2/343)
لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلَّا سَلَامًا وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (62)
لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلَّا سَلَامًا وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (62)
{لاَّ يَسْمَعُونَ فِيهَا} في الجنة {لَغْواً} فحشاً أو كذبا أو مالا طائل تحته من الكلام وهو المطروح منه وفيه تنبيه على وجوب تجنب اللغو واتقائه حيث نزه الله عنه داره التي لا تكليف فيها {إِلاَّ سلاما} أي لكن يسمعون سلام من الملائكة أو من بعضهم على بعض أو لا يسمعون فيها إلا قولاً يسلمون فيه من العيب والنقيصة فهو استثناء منقطع عند الجمهور وقيل(2/343)
معنى السلام هو الدعاء بالسلامة ولما كان أهل دار السلام أغنياء عن الدعاء بالسلامة كان ظاهره من باب اللغو وفضول الحديث لولا ما فيه من فائدة الإكرام {وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيّاً} أي يؤتون بأرزاقهم على مقدار طرفي النهار من الدنيا إذ لا ليل ولا نهار ثم لأنهم في النور أبداً وإنما يعرفون مقدار النهار برفع الحجب ومقدار الليل بإرخائها والرزق بالبكرة والعشي أفضل العيش عند العرب فوصف الله جنته بذلك وقيل أراد دوام الرزق كما تقول أنا عند فلان بكرة وعشياً تريد الدوام(2/344)
تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا (63)
تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا (63)
{تِلْكَ الجنة التى نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا} أي نجعلها ميراث أعمالهم يعني ثمرتها وعاقبتها وقيل يرثون المساكن التي كانت لأهل النار لو آمنوا لأن الكفر موت حكماً {مَن كَانَ تقيا} عن الشرك(2/344)
وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا (64)
وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا (64)
عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي عليه السلام قال يا جبريل ما منعك أن تزورنا أكثر مما تزورنا فنزل {وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأَمْرِ رَبّكَ} والتنزل على معنيين معنى النزول على مهل ومعنى النزول على الإطلاق والأول أليق هنا يعني أن نزولنا في الأحايين وقتاً غب وقت ليس إلا بأمر الله {لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذلك وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً} أي له ما قدامنا وما خلفنا من الأماكن وما نحن فيها فلا نتمالك أن ننتقل من مكان إلى مكان إلا بأمر الله ومشيئته وهو الحافظ العالم بكل حركة وسكون وما يحدث من الأحوال لا تجوز عليه الغفلة والنسيان فأنى لنا أن نتقلب في ملكوته إلا إذا أذن لنا فيه(2/344)
رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا (65)
رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا (65)
{رَّبُّ السماوات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا} بدل من ربك أو خبر مبتدأ محذوف أي هو رب السموات
مريم (68 - 65)
والأرض ثم قال لرسوله لما عرفت أنه(2/344)
متصف بهذه الصفات {فاعبده} فاثبت على عبادته {واصطبر لِعِبَادَتِهِ} أي اصبر على مكافأة الحسود لعبادة المعبود واصر على المشاق لأجل عبادة الخلاق أي لتتمكن من الإتيان بها ( {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً} شبيها ومثلاً أو هل يسمى أحد باسم الله غيره لأن مخصوص بالمعبود بالحق أي صح أن لا معبود يوجه إليه العبادة إلا هو وحده لم يكن بد من عبادته والاصطبار على مشاقها(2/345)
وَيَقُولُ الْإِنْسَانُ أَإِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا (66)
وَيَقُولُ الْإِنْسَانُ أَإِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا (66)
فتهافت أبيَّ بن خلف عظماً وقال أنبعث بعد ما صرا كذا فنزل {ويقول الإنسان أئذا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيّاً} والعامل في إذا ما دل عليه الكلام وهو أبعث أي إذا ما مت أبعث وانتصابه باخرج ممتنع لأن ما بد لام الابتداء لا يعمل فيها قبلها فلا تقول اليوم لزيد قائم ولام الابتداء الداخلة على المضارع تعطي معنى الحال وتؤكد مضمون الجملة فلما جامعت حرف الاستقبال خلصت للتوكيد واضمحل معنى الحال وما في إذا ما للتوكيد أيضاً فكأنه قال أحقًّا إنا سنخرج من القبور أحياء حين يتمكن فينا الموت والهلاك على وجه الاستنكار والاستبعاد وتقديم الظرف وإيلاؤه حرف الإنكار من قبل أن ما بعد الموت هو وقت كون الحياة منكرة ومنه جاء إنكارهم(2/345)
أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا (67)
أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا (67)
{أَوْ لاَ يَذْكُرُ إلإنسان} خفيف شامي ونافع وعاصم من الذكر والسائر بتشديد الذال والكاف وأصله يتذكر كقراءة أبيّ فأدغمت التاء في الذال أي أولا يتدبر والواو عطفت لا يذكر على يقول ووسطت همزة الإنكار بين المعطوف عليه وحرف العطف يعني أيقول ذلك ولا يتذكر حال النشأة الأولى حتى لا ينكر النشأة الأخرى فإن تلك أدل على قدرة الخالق حيث أخرج الجواهر والأعراض من العدم إلى الوجود وأما الثانية(2/345)
فليس فيها إلا تأليف الأجزاء الموجودة وردها إلى ما كَانتَ عليه مجموعة بعد التفريق {أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ} من قبل الحالة التي هو فيها وهي حالة بقائه {ولم يك شيئا} هو دليل على ما بينا وعلى أن المعدوم ليس بشيء خلافاً للمعتزلة(2/346)
فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا (68)
فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا (68)
{فَوَرَبّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ} أي الكفار المنكرين للبعث {والشياطين} الواو للعطف وبمعنى مع أوقع أي يحشرون مع قرنائهم من الشياطين الذين أغووهم يقرن كل كافر مع شيطان في سلسلة وفي إقسام الله باسمه مضافا إلى رسوله تفخيم لشأن رسوله {ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حول جهنم جثيا} حال جمع حاث أي بارك على الركب ووزنه فعول لأن أصله جثوو كسجود وساجد أي يعتلون من المحشر إلى شاطئ جهنم عتلا على حالهم التي كانوا عليها في الموقف جثاة على ركبهم غير مشاة على اقدامهم
مريم (72 - 69)(2/346)
ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا (69)
ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا (69)
{ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِن كُلّ شِيعَةٍ} طائفة شاعت أي تبعت غاوياً من الغواة {أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرحمن عِتِيّاً} جرأة أو فجوراً أي لنخرجن من كل طائفة من طوائف الغي أعتاهم فأعتاهم فإذا اجتمعوا طرحناهم في النار على الترتيب نقدم أولاهم بالعذاب فأولاهم وقيل المراد بأشدهم عتياً الرؤساء لتضاعف جرمهم لكونهم ضلالاً ومضلين قال سيبويه أيهم مبني على الضم لسقوط صدر الجملة التي هي صلته وهو هو من هو أشد حتى لو جئ به لأعرب بالنصب وقيل أيهم هو أشد وهذا لأن الصلة توضح الموصول وتبينه كما أن المضاف إليه يوضح المضاف ويخصصه فكما أن حذف المضاف إليه في من قبلُ يوجب بناء المضاف وجب أن يكون حذف الصلة أو شيء منها موجبا للبناء وموضعها نصب بننزع وقال الخليل هي معربة وهي مبتدأ وأشد خبره وهو رفع على الحكاية تقديره لننزعن الذين يقال فيهم أيهم أشد على الرحمن عتياً ويجوز أن يكون النزع واقعاً على من كل شيعة كقوله ووهبنا لهم من رحمتنا أي لننزعن بعض كل شيعة فكأن قائلاً قال من هم فقيل(2/346)
أيهم أشد عتيا وعلى يتعلق بأفعل أي عتوهم أشد على الرحمن(2/347)
ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلَى بِهَا صِلِيًّا (70)
ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلَى بِهَا صِلِيًّا (70)
{ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بالذين هُمْ أولى بِهَا} أحق بالنار {صليا} تمييز أي دخولا والباء تتعلق بأولى(2/347)
وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا (71)
وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا (71)
{وَإِن مّنكُمْ} أحد {إِلاَّ وَارِدُهَا} داخلها والمراد النار والورود الدخول عند علي وابن عباس رضي الله عنهم وعليه جمهور أهل السنة لقوله تعالى فأوردهم النار ولقوله تعالى لو كان هؤلاء آلهة ما وردوها ولقوله ثم ننجي الذين اتقوا إذ النجاة إنما تكون بعد الدخول ولقوله عليه السلام الورود الدخول لا يبقى بر ولا فاجر إلا دخلها فتكون على المؤمنين برداً وسلاماً كما كانت على إبراهيم وتقول النار للمؤمنين جزيا مؤمن فإن نورك أطفأ لهبي وقيل الورود بمعنى الدخول لكنه يختص بالكفار لقراءة ابن عباس وان منهم تحمل القراءة المشهورة على الإلتفات وعن عبد الله الورود الحضور لقوله تعالى ولما ورد ماء مدين وقوله أولئك عنها مبعدون وأجيب عنه بأن المراد عن عذابها وعن الحسن وقتادة الورود المرور على الصراط لأن الصراط ممدود عليها فيسلم أهل الجنة ويتقاذف أهل النار وعن مجاهد ورود المؤمن النار هو مس الحمى جسده في الدنيا لقوله عليه السلام الحمى حظ كل مؤمن من النار وقال رجل من الصحابة لآخر أيقنت بالورود قال نعم قال وأيقنت بالصدر قال لا قال ففيم الضحك وفيم التثاقل {كَانَ على رَبِّكَ حَتْماً مَّقْضِيّاً} أي كان ورودهم واجباً(2/347)
كائناً محتوماً والحتم مصدر حتم الأمر إذا أوجبه فسمى به الموجب كقولهم ضرب الأمير(2/348)
ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا (72)
ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا (72)
{ثُمَّ نُنَجّى} وعلي بالتخفيف {الذين اتقوا} عن الشرك وهم المؤمنون {وَّنَذَرُ الظالمين فِيهَا جِثِيّاً} فيه دليل على دخول الكل لأنه قال ونذر ولم يقل وندخل والمذهب ان
مريم (75 - 73)
صاحب الكبيرة قد يعاقب بقدر ذنبه ثم ينجو لا محاله وقالت المرجئة الخبيثة لا يعاقب لأن المعصية لا تضر مع الإسلام عندهم وقالت المعتزلة يخلد(2/348)
وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا (73)
وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا (73)
{وإذا تتلى عليهم آياتنا} أي القرآن {بينات} ظاهرات الإعجاز أو حججاً وبراهين حال مؤكدة كقوله وهو الحق مصدقاً إذ آيات الله لا تكون إلا واضحة وحججاً {قَالَ الذين كَفَرُواْ} أي مشركو قريش وقد رجلوا شعورهم وتكلفوا في زيهم {لِلَّذِينَ آمنوا} للفقراء ورءوسهم شعثة وثيابهم خشنة {أَىُّ الفريقين} نحن أم أنتم {خَيْرٌ مَّقَاماً} بالفتح وهو موضع القيام والمراد المكان والمسكن وبالضم مكي وهو موضع الإقامة والمنزل {وَأَحْسَنُ نَدِيّاً} مجلسا يجتمع القوم فيه للمشاورة ومعنى الآية أن الله تعالى يقول إذا أنزلنا آية فيها دلائل وبراهين أعرضوا عن التدبر فيها إلى الافتخار بالثروة والمال وحسن المنزل والحال فقال تعالى(2/348)
وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِئْيًا (74)
وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِئْيًا (74)
{وكم أهلكنا قبلهم من قرن} كم مفعول أهلكنا ومن تبيين لإبهامها أي كثيراً من القرون أهلكنا وكل أهل عصر قرن لمن بعدهم {من قرن} في محل النصب صفة لكم ألا ترى أنك لو تركتهم كان أحسن نصباً على الوصفية {أَثَاثاً} هو متاع البيت أو ماجد من الفرش {وَرِئياً} منظراً وهيئة فعل بمعنى مفعول من رأيت وريا بغير همز مشدداً نافع وابن عامر على قلب الهمزة ياء لسكونها وانكسار ما قبلها ثم الإدغام أو من الري الذي هو النعمة(2/348)
قُلْ مَنْ كَانَ فِي الضَّلَالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضْعَفُ جُنْدًا (75)
قُلْ مَنْ كَانَ فِي الضَّلَالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضْعَفُ جُنْدًا (75)
{قُلْ مَن كَانَ فِى الضلالة} الكفر {فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرحمن مَدّاً} جواب من لأنها شرطية وهذا الأمر بمعنى الخبر أي من كفر مد له الرحمن يعني أمهله وأملى له في العمر ليزداد طغياناً وضلالاً كقوله تعالى إنما نملي لهم ليزدادوا إثما وإنا أخرج على لفظ الأمر إيذاناً بوجوب ذلك وأنه مفعول لا محالة كالمأمور به الممتثل ليقطع معاذير الضلال {حتى إِذَا رَأَوْاْ مَا يُوعَدُونَ} هي متصلة بقوله خير مقاماً وأحسن ندياً وما بينهما اعتراض أي لا يزالون يقولون هذا القول إلى أن يشاهدوا الموعود رأي عين {إِمَّا العذاب} في الدنيا وهو تعذيب المسلمين إياهم بالقتل والأسر {وَإِمَّا الساعة} أي القيامة وما ينالهم من الخزي والنكال فهما بدلان مما يوعدون {فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَّكَاناً} منزلاً {وَأَضْعَفُ جُنداً} أعواناً وأنصاراً أي فحينئذٍ يعلمون أن الأمر على عكس ما قدروه وأنهم شر مكاناً وأضعف جنداً لا خير مقاماً وأحسن ندياً وأن المؤمنين على خلاف صفتهم وجاز أن تتصل بما يليها والمعنى إن الذين في الضلالة ممدود لهم في ضلالتهم لا ينفكون
مريم (80 - 76)
عن ضلالتهم إلى أن يعاينوا نصرة الله المؤمنين أو يشاهدوا الساعة وحتى هي التي يحكي بعدها الجمل ألا ترى أن الجملة الشرطية واقعة بعدها وهي قوله إذا رأوا ما يوعدون فسيعلمون(2/349)
وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ مَرَدًّا (76)
وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ مَرَدًّا (76)
{وَيَزِيدُ الله الذين اهتدوا هُدًى} معطوف على موضع فليمدد لوقوعه موضع الخبر تقديره من كان في الضلالة مد أو يمد له الرحمن ويريد أي يزيد في ضلال الضال بخدلانه ويزيد المهتدين أي المؤمنين هدى ثباتاً على الاهتداء أو يقينا وبصيرة بتوفيقه {والباقيات الصالحات} أعمال الآخرة كلها أو الصلوات الخمس أو سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر {خَيْرٌ عِندَ رَبّكَ ثَوَابًا} مما يفتخر به الكفار {وَخَيْرٌ مَّرَدّاً} أي مرجعاً وعاقبة تهكم بالكفار لأنهم قالوا للمؤمنين(2/349)
أي الفريقين خير مقاماً وأحسن ندياً(2/350)
أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا (77)
أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا (77)
{أفرأيت الذي كفر بآياتنا وَقَالَ لأُوتَيَنَّ مَالاً وَوَلَداً} ثم وبضم الواو وسكون اللام في أربعة مواضع ههنا وفي الزخرف ونوح حمزة وعلي جمع ولد كأسد في أسد أو بمعنى الولد كالعرب في العرب ولما كانت رؤية الأشياء طريقاً إلى العلم بها وصحة الخبر عنها استعملوا أرأيت في معنى أخبر والفاء أفادت التعقيب كأنه قال أخبر أيضاً بقصة هذا الكافر واذكر حديثه عقيب حديث أولئك وقوله لأولين جواب قسم مضمر(2/350)
أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا (78)
أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا (78)
{أَطَّلَعَ الغيب} من قولهم اطلع الجبل إذا ارتقى إلى أعلاه الهمزه للاستفهام وهمزة الوصل محذوفة أي انظر في اللوح المحفوظ فرأى منيته {أم اتخذ عند الرحمن عهدا} موثقا أن يؤتيه ذلك أو العهد كلمة الشهادة وعن الحس نزلت في الوليد بن المغيرة والمشهور أنها في العاص بن وائل فقد رُوي أن خباب بن الأرت صاغ للعاص بن وائل حلياً فاقتضاه الأجر فقال إنكم تزعمون أنكم تبعثون وأن في الجنة ذهباً وفضة فأنا أقضيك ثُم فإني أوتي مالاً وولداً حينئذ(2/350)
كَلَّا سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا (79)
كَلَّا سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا (79)
{كَلاَّ} ردع وتنبيه على الخطأ أي هو مخطئ فيما تصوره لنفسه فليرتدع عنه {سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ} أي قوله والمراد سنظهر له ونعلمه أنا كتبنا قوله لأنه كما قال كتب من غير تأخير قال الله تعالى مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ وهو كقوله ... إذا ما انتسبنا لم تلدني لئيمة ...
أي علم وتبين بالانتساب أني لست بابن لئيمة {وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ العذاب} نزيده من العذاب كما يزيد في الافتراء والاجتراء من المدد يقال مده وأمده(2/350)
بمعنى {مَدّاً} أكد بالمصدر لفرط غضبه تعالى(2/351)
وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْدًا (80)
وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْدًا (80)
{وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ} أي نزوي عنه ما زعم أنه يناله في الآخرة والمعنى مسمى ما يقول
مريم (87 - 80)
وهو المال والولد {وَيَأْتِينَا فَرْداً} حال أي بلا مال ولا ولد كقوله ولقد جئتمونا فرادى فما يجدي عليه تمنيه وتأليه(2/351)
وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا (81)
وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا (81)
{واتخذوا من دون الله آلهة} أي اتخذ هؤلاء المشركون أصناماً يعبدونها {لّيَكُونُواْ لهم عزا} أي ليعتزوا بآلهتهم ويكونوا له شفعاء وأنصاراً ينقذونهم من العذاب(2/351)
كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا (82)
كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا (82)
{كَلاَّ} ردع لهم عما ظنوا {سَيَكْفُرُونَ بعبادتهم} الضمير للآلهة أي سيجحدون عبادتهم وينكرونها ويقولون والله ما عبدتمونا وأنتم كاذبون أو للمشركين أي ينكرون أن يكونوا قد عبدوها كقوله والله ربنا ما كنا مشركين {وَيَكُونُونَ} أي المعبودون {عَلَيْهِمْ} على المشركين {ضِدّاً} خصما لأن الله تعالى ينطقهم فتقول يا رب عذب هؤلاء الذين عبدونا من دونك والضد يقع على الواحد والجمع وهو في مقابلة لهم عزاً والمراد ضد العز وهو الذل والهوان أي يكونون عليهم ضداً لما قصدوه اي يكونون عليهم ذلا لالهم عزاً وإن رجع الضمير في سيكفرون ويكونون إلى المشركين فالمعنى ويكونون عليهم أي أعداؤهم ضد أي كفرة بهم بعد أن كانوا يعبدونها ثم عجب نبيه عليه السلام بقوله(2/351)
أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا (83)
أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا (83)
{أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشياطين عَلَى الكافرين} أي خليناهم وإياهم من أرسلت البعير أطلقته أو سلطناهم عليهم بالإغواء {تَؤُزُّهُمْ أَزّاً} تغريهم على المعاصي اغراء وااز والهز اخوان ومعناهما التهيج وشدة الازعاج(2/351)
فَلَا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا (84)
فَلَا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا (84)
{فَلاَ تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ} بالعذاب {إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدّاً} أي(2/351)
أعمالهم للجزاء وأنفاسهم للفناء وقرأها ابن السماك عند المأمون فقال إذا كانت الأنفاس بالعدد ولم يكن لها مدد فما أسرع ما تنفد(2/352)
يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا (85)
يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا (85)
{يَوْمَ نَحْشُرُ المتقين إِلَى الرحمن وَفْداً} ركبانا على نوق رحالها ذهب وعلى نجائب سروجها ياقوت(2/352)
وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا (86)
وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا (86)
{وَنَسُوقُ المجرمين} الكافرين سوق الأنعام لأنهم كانوا أضل من الأنعام {إلى جَهَنَّمَ وِرْداً} عطاشاً لأن من يرد الماء لا يرده إلا لعطش وحقيقة الورود المسير إلى الماء فيسمى به الواردون فالورد جمع وارد كركب وراكب ونصب يوم بمضمر أي يوم نحشر ونسوق نفعل بالفريقين مالا يوصف أو اذكر يوم نحشر ذكر المتقون بأنهم يجمعون إلى ربهم الذي غمرهم برحمته كما يفد الوفود على الملوك تبجيلاً لهم والكافرون بأنهم مساقون إلى النار كانهم نعم عطش مساق إلى الماء استخفافاً بهم(2/352)
لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا (87)
لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا (87)
{لاَّ يَمْلِكُونَ الشفاعة} حال والواو إن جعل ضميرا فهو للعباد
مريم (92 - 87)
ودل عليه ذكر المتقين والمجرمين لأنهم على هذه القسمة ويجوز أن يكون علامة للجمع كالتي في أكلوني البراغيث والفاعل من اتخذ لأنه في معنى الجمع ومحل من اتخذ رفع على البدل من واو يملكون أو على الفاعلية أو نصب على تقدير حذف المضاف أي الأشفاعة من اتخذ والمراد لا يملكون أن يشفع لهم {إِلاَّ مَنِ اتخذ عِندَ الرحمن عَهْداً} بأن آمن في الحديث من قال لاإله إلا الله كان له عند الله عهد وعن ابن مسعود رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه ذات يوم أيعجز أحدكم أن يتخذ كل صباح ومساء عند الله عهد قالوا وكيف ذلك قال يقول(2/352)
كل صباح ومساء اللهم فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة إني أعهد إليك بأني أشهد أن لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك وأن محمداً عبدك ورسولك وإنك إن تكلني إلى نفسي تقربني من الشر وتباعدني من الخير وإني لا أثق إلا برحمتك فاجعل لي عهداً توفينيه يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد فإذا قال ذلك طبع عليه بطابع ووضع تحت العرش فإذا كان يوم القيامة نادى منادٍ أين الذين كان لهم عند الله عهد فيدخلون الجنة أو يكون من عهد الأمير إلى فلان بكذا إذا أمره به أي لا يشفع إلا المأمور بالشفاعة المأذون له فيها(2/353)
وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا (88)
وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا (88)
{وَقَالُواْ اتخذ الرحمن وَلَداً} أي النصارى واليهود ومن زعم أن الملائكة بنات الله(2/353)
لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا (89)
لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا (89)
{لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً} خاطبهم بهذا الكلام بعد الغيبة وهو التفات أو أمر نبيه عليه السلام بأن يقول لهم ذلك والإد العجب أو العظيم المنكر والإدة الشدة وأدّني الأمر اثقلتي وعظم عليّ أدًّا(2/353)
تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (90)
تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (90)
{تَكَادُ السماوات} تقرب وبالياء نافع وعليّ {يَتَفَطَّرْنَ} وبالنون بصري وشامي وحمزة وخلف وأبو بكر الانفطار من فطره إذا شقه والتقطر من فطره إذا شققه {مِنْهُ} من عظم هذا القول {وتنشق الأرض} تنخسف وتنصل أجزاؤها {وَتَخِرُّ الجبال} تسقط {هَدّاً} كسراً أو قطعاً أو هدماً والهدة صوت الصاعقة من السماء وهو مصدر أي تهد هدّا من سماع قولهم أو مفعول له حال أي مهدودة(2/353)
أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا (91)
أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا (91)
{أَن دَعَوْا} لأن سموا ومحله جر بدل من الهاء في منه أو نصب مفعول له علل الخرور بالهد والهد بدعاء الولد للرحمن أو رفع فاعل هداًّ أي هدها دعاؤهم {للرحمن وَلَداً}(2/353)
وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا (92)
وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا (92)
{وَمَا يَنبَغِى للرحمن أَن يَتَّخِذَ وَلَداً} انبغى مطاوع بغى إذا طلب أي ما يتأتي له اتخاذ الولد وما يتطلب لو طلب مثلاً لأنه محال غير داخل تحت الصحة وهذا لأن اتخاذ الولد لحاجة ومجانسة وهو منزه عنهما وفي اختصاص الرحمن وتكريره مرات بيان أنه الرحمن وحده لا يستحق هذا الاسم غيره لأن أصول النعم وفروعها منه فلينكشف عن بصرك غطاؤه فانت وجميع ما عندك عطاؤه فمن أضاف إليه ولداً فقد جعله كبعض خلقه واخرجه بذلك عن
مريم (98 - 93)
استحقاق اسم الرحمن(2/354)
إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا (93)
إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا (93)
{إِن كُلُّ مَن} نكرة موصوفة صفتها {فِى السماوات والأرض} وخبر كل {إلا آتي الرحمن} ووحد آتي وآتيه حملاً على لفظ كل وهو اسم فاعل من أى وهو مستقبل أي يأتيه {عَبْداً} حال أي خاضعاً ذليلاً منقاداً والمعنى ما كل من في السموات والأرض من الملائكة والناس إلا هو يأتي الله يوم القيامة مقراً بالعبودية والعبودية والبنوة تتنافيان حتى لوم ملك الأب ابنه يعتق عليه ونسبة الجميع إليه نسبة العبد إلى المولى فكيف يكون البعض ولداً والبعض عبداً وقرأ ابن مسعود آت الرحمن على أصله قبل الإضافة(2/354)
لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (94)
لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (94)
{لَّقَدْ أحصاهم وَعَدَّهُمْ عَدّاً} أي حصرهم بعلمه وأحاط بهم(2/354)
وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا (95)
وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا (95)
{وكلهم آتيه يَوْمَ القيامة فَرْداً} أي كل واحد منهم يأتيه يوم القيامة منفرداً بلا مال ولا ولد أو بلا معين ولا ناصر(2/354)
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا (96)
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا (96)
{إن الذين آمنوا وَعَمِلُواْ الصالحات سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرحمن وُدّاً} مودة في قلوب العباد قال الربيع يحبهم ويحببهم إلى الناس وفي الحديث يعطى المؤمن مِقَةً في قلوب الأبرار ومهابة في قلوب الفجار وعن قتادة وهرم(2/354)
ما أقبل العبد إلى الله إلا أقبل الله بقلوب العباد إليه وعن كعب ما يستقر لعبد ثناء في الأرض حتى يستقر له في السماء(2/355)
فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا (97)
فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا (97)
{فإنما يسرناه} سهلنا القرآن {بلسانك} لغتك حال {لِتُبَشّرَ بِهِ المتقين} المؤمنين {وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُّدّاً} شداداً في الخصومة بالباطل أي الذين يأخذون في كل لديد أي شق من المراء والجدال جمع ألد يريد به أهل مكْة(2/355)
وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا (98)
وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا (98)
{وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مّن قَرْنٍ} تخويف لهم وإنذار {هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مّنْ أَحَدٍ} أي هل تجد أو ترى أو تعلم والإحساس الإدراك بالحاسة {أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً} صوتاً خفياً ومنه الركاز أي لما أتاهم عذابنا لم يبق شخص يرى ولا صوت يسمع يعني هلكوا كلهم فكذا هؤلاء إن أعرضوا عن تدبر ما أنزل عليك فعاقبتهم الهلاك فليهن عليك أمرهم والله أعلم(2/355)
طه (7 - 1)
سورة طه
سورة طه صلى الله عليه وسلم مكية وهي مائة وخمس وثلاثون آية كوفي
بسم الله الرحمن الرحيم(2/356)
طه (1)
طه (1)
{طه} فخم الطاء لاستعلائها وأمال الهاء أبو عمرو وأمالهما حمزة وعلي وخلف وأبو بكر وفخمهما على الأصل غيرهم وما رُوي عن مجاهد والحسن والضحاك وعطاء وغيرهم أن معناه يا رجل فإن صح فظاهر وإلا فالحق ما هو المذكور في سورة البقرة(2/356)
مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى (2)
مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى (2)
{ما أنزلنا عليك القرآن} إن جعلت طه تعديداً لأسماء الحروف فهو ابتداء كلام وإن جعلتها اسماً للسورة احتملت أن تكون خبراً عنها وهي في موضع المبتدأ والقرآن ظاهرا وقع موقع المضمر لأنها قرآن وأن يكون جواباً لها وهي قسم {لتشقى} لتتعب لفرط تأسفك عليهم وعلى كفرهم وتحسرك على أن يؤمنوا أو بقيام الليل وأنه روى أنه عليه السلام صلى بالليل حت تورمت قدماه فقال له جبريل أبق على نفسك فإن لها عليك حقاً أي ما أنزلناه لتنهك نفسك بالعبادة وما بعثت إلا بالحنيفية السمحة(2/356)
إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى (3)
إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى (3)
{إِلاَّ تَذْكِرَةً} استثناء منقطع أي لكن أنزلناه تذكرة أو حال {لّمَن يخشى} لمن يخاف الله أو لمن يؤل أمره إلى الخشية(2/356)
تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى (4)
تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى (4)
{تَنْزِيلاً} بدل من تَذْكِرَةٌ إذا جعل حالاً ويجوزان ينتصب بنزل مضمرا أو على المدح أو يخشى مفعولا به أي أنزله الله تذكرة لمن يخشى تنزيل الله {مّمَّنْ خَلَق الأرض والسماوات} مِنْ يتعلق بتنزيلا صلة له {العلي} جمع العلياء تأنيث الاعلى ووصف السموات بالعلى دليل ظاهر على عظم قدرة خالقها(2/357)
الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (5)
الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (5)
{الرحمن} رفع على المدح أي هو الرحمن {عَلَى العرش} خبر مبتدأ محذوف {استوى} استولى عن الزجاج ونبه بذكر العرش وهو أعظم المخلوقات على غيره وقيل لما كان الاستواء على العرش وهو سرير الملك مما يردف الملك جعلوه كناية عن الملك فقالوا استوى فلان على العرش أي ملك وإن لم يقعد على السرير ألبتة وهذا كقولك يد فلان مبسوطة أي جواد وإن لم يكن له يد رأساً والمذهب قول علي رضي الله عنه الاستواء غير مجهول والتكييف غير معقول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة لأنه تعالى كان ولا مكان فهو على ما كان قبل خلق المكان لم يتغير عما كان(2/357)
لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى (6)
لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى (6)
{لَهُ مَا فِى السماوات وَمَا فِى الأرض} خبر ومبتدأ ومعطوف {وَمَا بَيْنَهُمَا} أي ذلك كله ملكه {وَمَا تَحْتَ الثرى} ما تحت سبع الأراضين أو هو الصخرة التي تحت الأرض السابعة(2/357)
وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى (7)
وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى (7)
{وإن تجهر بالقول}
طه (14 - 7)
ترفع صوتك {فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السر} ما أسررته إلى غيرك {وَأَخْفَى} منه وهو ما أخطرته ببالك أو ما أسررته في نفسك وما ستسره فيها(2/357)
اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى (8)
اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى (8)
{الله لا إله إِلاَّ هُوَ لَهُ الأسماء الحسنى} أي هو واحد بذاته وإن افترقت عبارات صفاته رد لقولهم إنك تدعو آلهة حين سمعوا اسماءه تعالى والحسنى تأنيث الاحسان(2/357)
وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى (9)
وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى (9)
{وَهَلْ} أي وقد {أَتَاكَ حَدِيثُ موسى} خبره قفاه بقصة موسى عليه السلام ليتأسى به في تحمل أعباء النبوة بالصبر على المكاره ولينال الدرجة العليا كما نالها موسى(2/358)
إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى (10)
إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى (10)
{إِذْ رَأَى} ظرف لمضمر أي حين رأى {نَارًا} كان كيت وكيت أو مفعول به لا ذكر رُوي أن موسى عليه السلام استأذن شعيباً في الخروج إلى أمه وخرج بأهله فولد له ابن في الطريق في ليلة مظلمة مثلجة وقد ضل الطريق وتفرقت ماشيته ولا ماء عنده وقدح فصلد زنده فرأى عند ذلك ناراً في زعمه وكان نوراً {فَقَالَ لأَِهْلِهِ امكثوا} أقيموا في مكانكم {إِنّى آنَسْتُ} أبصرت {نَارًا} والإيناس رؤية شيء يؤنس به {لعلي آتيكم منها} بنى الأمر على الرجاء لئلا يعد ما ليس يستيقن الوباء به {بقبس} نار مقتبس في رأس عود او فتبلة {أَوْ أَجِدُ عَلَى النار هُدًى} ذوي هدى أو قوماً يهدونني الطريق ومعنى الاستعلاء في عَلَى النار أن أهل النار يستعلون المكان القريب منها(2/358)
فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى (11)
فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى (11)
{فَلَمَّا أتاها} أي النار وجد ناراً بيضاء تتوقد في شجرة خضراء من أسفلها إلى أعلاها وكانت شجرة العناب أو العوسج ولم يجد عندها أحد أو روى أنه كلما طلبها بعدت عنه فإذا تركها قربت فبم منه {نُودِىَ} موسى {يَا موسى}(2/358)
إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى (12)
إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى (12)
{إني} بكسر الهمزة أي نودي فقيل يا موسى إني أولان النداء ضرب من القول فعومل معاملته واماطة الشبهة روى انها لما نودي يا موسى قال مَن المتكلم(2/358)
فقال الله عز وجل أنا ربك فعرف انه كلام الله عز وجل بأنه سمعه من جميع جهاته الست وسمعه بجميع أعضائه {فاخلع نَعْلَيْكَ} انزعهما لتصيب قدميك بركة الوادي المقدس أو لأنها كانت من جلد حمار ميت غير مدبوغ أو لأن الحفوة تواضع لله ومن ثم طاف السلف بالكعبة حافين والقرآن يدل على أن ذلك احترام للبقعة وتعظيم لها فجعلهما والقاهما من وراء الوداي {إِنَّكَ بالواد المقدس} المطهر أو المبارك {طُوًى} حيث كان منوّن شامي وكوفي لأنه اسم علم للوادي وهو بدل منه وغيرهم بغير تنوين بتأويل البقعة وقرأ أبو زيد بكسر الطاء بلا تنوين(2/359)
وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى (13)
وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى (13)
{وَأَنَا اخترتك} اصطفيتك للنبوة وإنا اخترناك حمزة {فاستمع لِمَا يُوحَى} إليك للذي يوحى أو للوحي واللام يتعلق باستمع أبو باخترتك(2/359)
إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (14)
إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (14)
{إِنَّنِى أَنَا الله لا إله إِلا أَنَاْ فاعبدني}
وحدني وأطعني {وأقم الصلاة لذكري} لتذكرني فيها لاشتمال الصلاة على الأدكار أو لأني ذكرتها في الكتب وأمرت بها أو لأن أذكرك بالمدح والثناء أو لذكري خاصة لا تشوبه بذكر غيري أو لتكون لي ذاكراً غير ناس أو لأوقات ذكري وهي مواقيت الصلاة لقوله إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا وقد حمل على ذكر الصلاة بعد نسيانها وذا يصح بتقدير حذف المضاف أي لذكر صلاتي وهذا دليل على أنه لا فريضة بعد التوحيد أعظم منها(2/359)
إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى (15)
إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى (15)
{إن الساعة آتية} لا محالة {أَكَادُ} أريد عن الأخفش وقيل صلة {أُخْفِيهَا} قيل هو من الأضداد أي أظهرها أو أسترها عن العباد فلا أقول هي آتية لإرادتي إخفاءها ولولا ما في الأخبار بإتيانها مع تعمية وقتها من الحكمة وهو أنهم إذا لم يعلموا متى تقوم كانوا على وجل منها(2/359)
في كل وقت لما اخبرت به {لتجزى} متعلق بآتية {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تسعى} بسعيها من خير أو شر(2/360)
فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى (16)
فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى (16)
{فَلاَ يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا} فلا يصرفنك عن العمل للساعة أو عن إقامة الصلاة أو عن الإيمان بالقيامة فالخطاب لموسى والمراد به أمته {مَن لاَّ يُؤْمِنُ بِهَا} لا يصدق بها {واتبع هَوَاهُ} في مخالفة أمره {فتردى} فتهلك(2/360)
وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى (17)
وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى (17)
{وما تلك بيمينك يا موسى} ما مبتدأ وتلك خبره هي بمعنى هذه وبيمينك حال عمل فيها معنى الإشارة أي قارة أو مأخوذة بيمينك أو تِلْكَ موصول صلته بِيَمِينِكَ والسؤال للتنبيه لتقع المعجزة بها بعد التثبت أو للتوطين لئلا يهول انقلابها حية أو للإيناس ورفع الهيبة للمكالمة(2/360)
قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى (18)
قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى (18)
{قال هي عصاي أتوكأ عَلَيْهَا} أعتمد عليها إذا أعييت أو وقفت على رأس القطيع وعند الطفرة {وَأَهُشُّ بِهَا على غَنَمِى} أخبط ورق الشجر على غنمي لتأكل {ولي فيها} حفص {مآرب} جمع مأربة بالحركات الثلاثة وهي بالحاجة {أخرى} والقياس أخر وإنما قال أخرى رداً إلى الجماعة أو لنسق الآي وكذا الكبرى ولما ذكر بعضها شكراً أجمل الباقي حياء من التطويل أو ليسأل عنها الملك العلام فيزيد في الإكرام والمآرب الأخر أنها كانت تماشيه وتحدثه وتحارب العدو والسباع وتصير رشاء فتطول بطول البئر وتصير شعبتاها دلواً وتكونان شمعتين بالليل وتحمل زاده ويركزها فتثمر ثمرة يشتهيها ويركزها فينبع الماء فإذا رفعها نضب وكانت تقيه الهوام والزيادة على الجواب لتعداد النعم شكراً أو لأنها جواب سؤال آخر لأنه لما قال هِىَ عَصَايَ قيل له ما تصنع بها فأخذ يعدد منافعها(2/360)
قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى (19)
قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى (19)
{قال ألقها يا موسى} اطرح عصاك لتفزع مما تتكئ عليه فلا تسكن إلا بنا وترى فيها كنه ما فيها من المآرب فتعتمد علينا في المطالب(2/361)
فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى (20)
فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى (20)
{فألقاها} فطرحها
طه (27 - 20)
{فَإِذَا هِىَ حَيَّةٌ تسعى} تمشي سريعاً قيل انقلبت ثعباناً يبتلع الصخر والشجر فلما رآها تبتلع كل شيء خاف وإنما وصف بالحية هنا وبالثعبان وهو العظيم من الحيات وبالجان وهو الدقيق في غيرها لأن الحية اسم جنس يقع على الذكر والأنثى والصغير والكبير وجاز أن تنقلب حية صفراء دقيقة ثم يتزايد جرمها حتى تصير ثعباناً فأريد بالجان أول حالها وبالثعبان مآلها أو لأنها كانت في عظم الثعبان وسرعة الجان وقيل كان بين لحييها أربعون ذراعاً ولما(2/361)
قَالَ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى (21)
قَالَ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى (21)
{قَالَ} له ربه {خُذْهَا وَلاَ تَخَفْ} بلغ من ذهاب خوفه أن أدخل يده في فمها وأخذ بلحييها {سَنُعِيدُهَا} سنردها {سِيَرتَهَا الأولى} تأنيث الأول والسيرة الحالة التي يكون عليها الإنسان غريزية كانت أو مكتسبة وهي في الأصل فعلة من السير كالركبة من الركوب ثم استعملت بمعنى الحالة والطريقة وانتصبت على الظرف أي سنعيدها في طريقتها الأولى أي في حال ما كانت عصا والمعنى نردها عصاً كما كانت وأرى ذلك موسى عند المخاطبة لئلا يفزع منها إذا انقلبت حية عند فرعون(2/361)
وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرَى (22)
وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرَى (22)
ثم نبه على آية أخرى فقال {واضمم يَدَكَ إلى جَنَاحِكَ} إلى جنبك تحت العضد وجناحا الإنسان جنباه والأصل المستعار منه جناحا الطائر سميا جناحين لأنه يجنحهما أي يميلهما عند الطيران والمعنى أدخلها تحت عضدك {تَخْرُجْ بَيْضَاء} لها شعاع كشعاع الشمس يغشى البصر {مِنْ غَيْرِ سُوء} برص {آيةً أُخرى} لنبوتك بيضاء وآية حالان معاً ومن غير سوء صلة بيضاء كقولك ابيضت من غير سوء وجازان ينتصب آية بفعل محذوف يتعلق به لام(2/361)
لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا الْكُبْرَى (23)
لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا الْكُبْرَى (23)
{لنريك من آياتنا الكبرى} أي خذ هذه الآية أيضاً بعد قلب العصا لنريك بهاتين الآيتين بعض آياتنا الكبرى العظمى أو نريك بهما الكبرى من آياتنا أو المعنى فعلنا ذلك لنريك من آياتنا الكبرى(2/362)
اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (24)
اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (24)
{اذهب إلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طغى} جاوز حد العبودية إلى دعوى الربوبية ولما أمره بالذهاب إلى فرعون الطاغي وعرف أنه كلف أمراً عظيماً يحتاج إلى صدر فسيح(2/362)
قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي (25)
قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي (25)
{قَالَ رَبّ اشرح لِي صَدْرِى} وسعه ليحتمل الوحي والمشاق وردئ الأخلاق من فرعون وجنده(2/362)
وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي (26)
وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي (26)
{ويسر لي أمري} وسهل ما أمرتني به من تبليغ الرسالة إلى فرعون واشرح لي صدري آكد من اشرح صدري لأنه تكرير للمعنى الواحد من طريقي الاجمالي والتفصيل لأنه بقول اشرح لي ويسر لي علم أن ثمة مشروحاً وميسراً ثم رفع الإبهام بذكر الصدر والأمر(2/362)
وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي (27)
وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي (27)
{واحلل} افتح {عُقْدَةً مّن لّسَانِي} وكان في لسانه رتة للجمرة التي وضعها على لسانه في صباه وذلك أن موسى أخذ لحية فرعون ولطمه لطمة شديدة في صغره فأراد قتله فقالت آسية أيها الملك إنه صغير لا يعقل فجعلت في طشت ناراً وفي طشت بواقيت ووضعتهما لدى موسى فقصد البواقيت فامال الملك
طه (39 - 28)
يده إلى النار فرفع جمرة فوضعها على لسانه فاحترق لسانه فصار لكنة منها وروي أن يداه احترقت واجتهد فرعون في علاجها فلم يبرأ ولما دعاه قال إلى أي رب تدعوني قال إلى الذي أبرأ يدي وقد عجزت عنها وعن لساني صفة لقعدة كأنه قيل عقدة من عقد لساني وهذا يشعر بأنه لم تزل العقدة بكمالها وأكثرهم على ذهاب جميعها(2/362)
يَفْقَهُوا قَوْلِي (28)
يَفْقَهُوا قَوْلِي (28)
{يَفْقَهُواْ قَوْلِي} عند تبليغ الرسالة(2/362)
وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي (29)
وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي (29)
{واجعل لّي وَزِيراً} ظهيراً اعتمد عليه من الوزر الثقل لأنه يتحمل عن الملك أوزاره ومؤنته الوزر والملجأ لأن الملك يعتصم برأيه ويلتجئ إليه في أموره أو معينا من المؤازرة وهي المعاونة فوزيرا مفعول أول لا جعل والثاني {من أهلي} او لي وزيرا مفعولاه(2/363)
هَارُونَ أَخِي (30)
هَارُونَ أَخِي (30)
وقوله {هارون} عطف بيان لوزيرا وقوله {أخي} بل أو عطف بيان أخر ووزيرا وهرون مفعولاه وقدم ثانيهما على أولهما عناية بأمر الوزارة(2/363)
اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (31)
اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (31)
{اشدد به أزري} أقو به ظهري وقيل الأزر القوة(2/363)
وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (32)
وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (32)
{وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي} اجعله شريكي في النبوة والرسالة واشدد واشركه على حكاية النفس شامي على الجواب والباقون على الدعاء والسؤال(2/363)
كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا (33)
كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا (33)
{كي نسبحك} نصلي لك وننرهك تسبيحا {كثيرا}(2/363)
وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا (34)
وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا (34)
{وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً} في الصلوات وخارجها(2/363)
إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا (35)
إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا (35)
{إِنَّكَ كُنتَ بِنَا بَصِيراً} عالماً بأحوالنا فأجابه الله تعالى حيث(2/363)
قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى (36)
قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى (36)
{قال قد أوتيت سؤلك يا موسى} اعطيت مسئولك فالسؤال الطلبة فعل بمعنى مفعول كخبر بمعنى مخبوز سولك بلا همز أبو عمرو(2/363)
وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَى (37)
وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَى (37)
{وَلَقَدْ مَنَنَّا} أنعمنا {عَلَيْكَ مَرَّةً} كرة {أخرى} قبل هذه(2/363)
إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى (38)
إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى (38)
ثم فسرها فقال {إِذْ أَوْحَيْنَا إلى أُمّكَ مَا يوحى} إلهاماً أو مناماً حين ولدت وكان فرعون يقتل أمثالك وإذا ظرف لمننا ثم فسر ما يوحى بقوله(2/363)
أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي (39)
أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي (39)
{أن اقذفيه} القيه {في التابوت} وان مفسرة لأن الوحي بمعنى القول {فاقذفيه فِى اليم} النيل {فَلْيُلْقِهِ اليم بالساحل} الجانب وسمي ساحلاً لأن الماء يسحله أي يقشره والصيغة أمر ليناسب ما تقدم ومعناه الإخبار أي يلقيه اليم بالساحل {يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لّي وَعَدُوٌّ له} يعني فرعون والضمائر كلها راجعة على موسى ورجوع بعضها إليه وبعضها إلى التابوت يفضي إلى تنابز النظم والمقذوف في البحر والملقى إلى الساحل وإن كان هو التابوت لكن موسى في جوف التابوت رُوي أنها جعلت في التابوت قطنا محلوجا فوضعته فيه وقبرته ثم ألقته في اليم وكان يشرع منه إلى بستان فرعون نهر كبير فبينما هو جالس على رأس بركة مع آسية إذا بالتابوت فأمر به فأخرج ففتح فإذا بصبي أصبح الناس وجها فأحبه فرعون حبا
طه (43 - 39)
شديداً فذلك قوله {وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مّنّى} يتعلق مني بالقيت يعني إني أحببتك ومن أحبه الله أحبته القلوب فما رآه أحد إلا أحبه قال قتادة كان في عيني موسى ملاحة ما رآه أحد إلا أحد به {وَلِتُصْنَعَ} معطوف على محذوف تقديره وألقيت عليك محبة لتحب ولتصنع {على عَيْنِى} أي لتربى بمرأى مني وأصله من صنع الفرس أي أحسن القيام عليه يعني أنا مراعيك ومراقبك كما يراعي الرجل الشيء بعينه إذا اعتنى به وَلِتُصْنَعَ بسكون اللام والجزم يزيد على أنه أمر منه(2/364)
إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَنْ يَكْفُلُهُ فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْسًا فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى (40)
إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَنْ يَكْفُلُهُ فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْسًا فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى (40)
{إِذْ تَمْشِى} بدل من إِذْ أَوْحَيْنَا لأن مشي أخته كان منة عليه {أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ على مَن يَكْفُلُهُ} رُوي أن أخته مريم جاءت متعرفة خبره فصادفهم يطلبون له مرضعة يقبل ثديها وكان لا يقبل ثدي امرأة فقالت(2/364)
هل أدلكم على من يضمه إلى نفسه فيربيه وأرادت بذلك المرضعة الأم وتذكير الفعل للفظ مِنْ فقالوا نعم فجاءت بالأم فقبل ثديها وذلك قوله {فرجعناك} فرددناك {إلى أمك} كما وعدناها بقولنا انا راده اليك {كَى تَقَرَّ عَيْنُها} بلقائك {وَلاَ تَحْزَنْ} على فراقك {وَقَتَلْتَ نَفْساً} قبطياً كافراً {فنجيناك مِنَ الغم} من القود قيل الغم القتل بلغة قريش وقيل اغتم بسبب القتل خوفاً من عقاب الله تعالى ومن اقتصاص فرعون فغفر الله له باستغفاره قَالَ رَبّ إِنّى ظَلَمْتُ نفسي فاغفر لي ونجاه من فرعون بأن ذهب به من مصر إلى مدين {وفتناك فُتُوناً} ابتليناك ابتلاء بإيقاعك في المحن وتخليصك منها والفتون مصدر كالعقود أو جمع فتنة أي فتناك ضروباً من الفتن والفتنة المحنة وكل ما يبتلي الله به عباده فتنة وَنَبْلُوكُم بالشر والخير فِتْنَةً {فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِى أَهْلِ مَدْيَنَ} هي بلدة شعيب عليه السلام على ثمان مراحل من مصر قال وهب لبث عند شعيب ثمانياً وعشرين سنة عشر منها مهر لصفوراء وأقام عنده ثمان عشرة سنة بعدها حتى ولد له أولاد {ثم جئت على قدر يا موسى} أي موعد ومقدار الرسالة وهو أربعون سنة(2/365)
وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي (41)
وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي (41)
{واصطنعتك لنفسي} اخترتك واصطفيتك لوحيي ورسالتي للتتصرف على إرادتي ومحبتي قال الزجاج اخترتك لأمري وجعلتك القائم بحجتي والمخاطب بيني وبين خلقي كأني أقمت عليهم الحجة وخاطبتهم(2/365)
اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي (42)
اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي (42)
{اذهب أنت وأخوك بآياتي} بمعجزاتي {وَلاَ تَنِيَا} تفترا من الونى وهو الفتور والتقصير {فِى ذِكْرِى} أي اتخذا ذكري جناحاً تطيران به أو(2/365)
أريد بالذكر تبليغ الرسالة فالذكر يقع على سائر العبادات وتبليغ الرسالة من أعظمها(2/366)
اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (43)
اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (43)
{اذهبا إلى فرعون} كرر لأن
طه (48 - 43)
الأول مطلق والثاني مقيد {إِنَّهُ طغى} جاوز الحد بإدعائه الربوبية(2/366)
فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى (44)
فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى (44)
{فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَّيّناً} الطفا له في القول لما له من حق تربية موسى أو كياه وهو من ذوي الكي الثلاث أبو العباس وأبو الوليد وأبو مرة أو عداه شباباً لا يهرم بعده وملكاً لا ينزع عنه إلا بالموت أو هو قوله هَل لَّكَ إلى أَن تزكى وَأَهْدِيَكَ إلى ربك فتخشى فظاهره الاستفهام والمشورة {لعله يتذكر} أي يتعظ ويتأمل فيذعن للحق {أو يخشى} أي يخاف أن يكون الأمر كما تصفان فيجره انكاره على الهلكة وإنما قال لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ مع علمه أنه لا يتذكر لأن الترجي لهما أي اذهبا على رجائكما وطمعكما وباشرا الأمر مباشرة من يطمع أن يثمر عمله وجدوى إرسالهما إليه مع العلم بأنه لن يؤمن إلزام الحجة وقطع المعذرة وقيل معناه لعله يتذكر متذكر أو يخشى خاش وقد كان ذلك من كثير من الناس وقيل لَعَلَّ من الله تعالى واجب وقد تذكر ولكن حين لم ينفعه التذكر وقيل تذكر فرعون وخشي وأراد اتباع موسى فمنعه هامان وكان لا يقطع أمراً دونه وتليت عند يحيى بن معاذ فبكى وقال هذا رفقك بمن يقول أنا إله فكيف بمن قال أنت الإله وهذا رفقك بمن قال أنا ربكم الأعلى فكيف بمن قال سبحان ربي الأعلى(2/366)
قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى (45)
قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى (45)
{قَالاَ رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَا} يعجل علينا بالعقوبة ومنه الفارط يقال فرط عليه أي عجل {أَوْ أَن يطغى} يجاوز الحد في الإساءة إلينا(2/366)
قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى (46)
قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى (46)
{قَالَ لاَ تَخَافَا إِنَّنِى مَعَكُمَا} أي حافظكما وناصركما {أَسْمِعْ} أقوالكما {وأرى} أفعالكما قال ابن عباس رضي الله عنهما أسمع دعاءكما فأجيبه وأرى ما يراد بكما فامتنع لست بغافل عنكما فلا تهتما(2/367)
فَأْتِيَاهُ فَقُولَا إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى (47)
فَأْتِيَاهُ فَقُولَا إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى (47)
{فَأْتِيَاهُ} أي فرعون {فَقُولا إِنَّا رَسُولاَ رَبّكَ} إليك {فأرسل معنا بني إسرائيل} أي اطلقهم على الاستبعاد والاسترقاق {وَلاَ تُعَذّبْهُمْ} بتكليف المشاق {قَدْ جئناك بآية مّن رَّبّكَ} بحجة على صدق ما ادعيناه وهذه الجملة جارية من الجملة الأولى وهي إِنَّا رَسُولاَ رَبّكَ مجرى البيان والتفسير والتفصيل لأن دعوى الرسالة لا تثبت إلا ببينتا وهي المجئ بالآي فقال فرعون وما هي فأخرج يده لها شعاع كشعاع الشمس {والسلام على مَنِ اتبع الهدى} أي سلم من العذاب من أسلم وليس بتحية وقيل وسلام الملائكة الذين هم خزنة الجنة على المهتدين(2/367)
إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (48)
إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (48)
{إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ العذاب} في الدنيا والعقبى {على مَن كَذَّبَ} بالرسل {وتولى} أعرض عن الإيمان وهي أرجى آي القرآن لأنه جعل جنس السلام للمؤمن وجنس العذاب على الكذب وليس وراء
طه (54 - 49)
الجنس شيء فانياه وأديا الرسالة وقالا له ما أمرا به(2/367)
قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى (49)
قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى (49)
{قال فمن ربكما يا موسى} خاطبهما ثم بادي أحدهما لأن موسى هو الأصل في النبوة وهرون نابعه(2/367)
قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى (50)
قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى (50)
{قَالَ رَبُّنَا الذى أعطى كُلَّ شَىء خَلْقَهُ} حلقه أول مفعولي أعطي أي أعطى حليقته كل شيء يحتاجون إليه ويرتفقون به أو ثانيهما أي أعطى كل شيء صورته وشكله الذي يطابق المنفعة المنوطة به كما أعطى العين الهيئة التي تطابق الإبصار والأذن الشكل الذي يوافق الاستماع وكذا الأنف(2/367)
والرجل واليد كل واحد منها مطابق للمنفعة المنوطة بها وقرأ نصير خَلَقَهُ صفة للمضاف أو للمضاف إليه أي أعطى كل شيء مخلوق عطاء {ثم هدى} عرف فكيف يرتمق بما أعطى للمعيشة في الدنيا والسعادة في العقبى(2/368)
قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى (51)
قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى (51)
{قَالَ فَمَا بَالُ القرون الأولى} فما حال الأمم الخالية والرمم البالية سأله عن حال من تقدم من القرون وعن شقاء من شقي منهم وسعادة من سعد(2/368)
قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى (52)
قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى (52)
{قَالَ} موسى مجيباً {عِلْمُهَا عِندَ رَبّى} مبتدأ وخبر {في الكتاب} أي اللوح خبر ثانٍ أي هذا سؤال عن الغيب وقد استأثر الله به لا يعلمه إلا هو وما أنا إلا عبد مثلك لا أعلم منه إلا ما أخبرني به علام الغيوب وعلم أحوال الفروق مكتوب عند الله في اللوح المحفوظ {لاَّ يضل ربي} أي لا يخطئ شيئا يقال صللت الشيء إذا أخطأته في مكانه فلم تهد له أي لا يخطئ في سعادة الناس وشقاوتهم {وَلاَ يَنسَى} ثوابهم وعقابهم وقيل لا ينسى ما علم فيذكره الكتاب ولكن ليعلم الملائكة أن معمول الخلق يوافق معلومه(2/368)
الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى (53)
الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى (53)
{الذي} مرفوع صفة لربي أو خبر مبتدأ محذوف أو منصوب على المدح {جَعَلَ لَكُمُ الأرض مَهْداً} كوفي وغيرهم مهادا وهما لغتان لما يبسط ويفرش {وَسَلَكَ} أي جعل {لكم فيها سبلا} طرفا {وَأَنزَلَ مِنَ السماء مَاء} أي مطراً {فَأَخْرَجْنَا بِهِ} بالماء نقل الكلام من الغيبة إلى لفظ المتكلم المطاع للإفتنان وقيل ثم كلام موسى ثم أخبر الله تعالى عن نفسه بقوله فَأَخْرَجْنَا بِهِ وقيل هذا كلام موسى أي فأخرجنا نحن بالحراثة والغرس {أزواجا} أصنافاً {مّن نبات} هو مصدر سمي به النبات فاستوى فيه الواحد والجمع {شتى} صفة للأزواج أو للنبات جمع شتيت كمريض ومرضى أي إنها مختلفة النفع واللون والرائحة والشكل بعضها للناس وبعضها للبهائم ومن نعمة الله تعالى أن أرزاقنا تحصل بعمل الأنعام وقد جعل(2/368)
الله علفها مما يفضل عن حاجتنا مما لا يقدر على أكله قائلين(2/369)
كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى (54)
كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى (54)
{كُلُواْ وارعوا أنعامكم} حال من الضمير في فَأَخْرَجْنَا والمعنى أخرجنا أصناف النبات آذنين في الانتفاع بها مبيحين أن تأكلوا بعضها وتعلموا بعضها
طه (59 - 54)
{إِنَّ فِى ذَلِكَ} في الذي ذكرت {لآيَاتٍ} لدلالات {لأُِوْلِي النهى} لذوي العقول واحدها نهية تنهى عن المحظور أو ينتهى إليها في الامور(2/369)
مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى (55)
مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى (55)
{مِنْهَا} من الأرض خلقناكم أي أباكم آدم عليه السلام وقيل يعجن كل نطفة بشيء من تراب مدفنه فيخلق من التراب والنطفة معاً أو لأن النطفة من الأغذية وهي من الأرض {وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ} إذا متم فدفنتم {وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ} عند البعث {تَارَةً أخرى} مرة أخرى والمراد بإخراجهم أنه يؤلف أجزاءهم المتفرقة المختلطة بالتراب ويردهم كما كانوا أحياء ويخرجهم إلى المحشر عدد الله عليهم ما علق بالأرض من مرافقهم حيث جعلها لهم فراشاً ومهاداً يتقلبون عليها وسوى لهم فيها مسالك يترددون فيها كيف شاءوا وانبت فيها أصناف النبات التي منها أفواتهم وعلوفات بهائمهم وهي أصلهم الذي منه تفرعوا وأمهم التي منها ولدوا وهي كفاتهم إذا ماتوا(2/369)
وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آيَاتِنَا كُلَّهَا فَكَذَّبَ وَأَبَى (56)
وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آيَاتِنَا كُلَّهَا فَكَذَّبَ وَأَبَى (56)
{ولقد أريناه} أي فرعون {آياتنا كلها} وهي تسع آيات العصا واليد وفلق البحر والحجر والجراد والقمل والضفادع والدم ونتق الجبل {فكذب} الآيات {وأبى} قبول الحق(2/369)
قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَى (57)
قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَى (57)
{قال} فرعون {أجئتنا لتخرجنا من أرضنا} مصر {بسحرك يا موسى} فيه دليل على أنه خاف منه خوفا شديدا وقوله بسحرك تعلل والافاي ساحر يقدر أن يخرج ملكا من أرضه(2/369)
فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لَا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنْتَ مَكَانًا سُوًى (58)
فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لَا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنْتَ مَكَانًا سُوًى (58)
{فلنأتينك بسحر مثله} فلنعارضك بسحر مثل سحرك {فاجعل بيننا(2/369)
وبينك موعدا} هو مصدر بمعنى الوعد ويقدر مضاف أي مكان موعد الضمير في {لا نخلفه} للموعد قرأ يزيد بالجزم على جواب الأمر وغيره بالرفع على الوصف للموعد {نحن ولا أنت مكانا} هو بدل من المكان المحذوف ويجوز أن لا يقدر مضاف ويكون المعنى اجعل بيننا وبينك وعدا لا نخلفه وانتصب مكانا بالمصدر أو بفعل يدل عليه المصدر {سوى} بالكسر حجازي وأبو عمرو وعلى وغيرهم الضم وهو نعت لمكانا أي منصفا بيننا وبينك وهو من الاستواء لأن المسافة من الوسط إلى الطرفين مستوية(2/370)
قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى (59)
قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى (59)
{قال موعدكم يوم الزينة} مبتدأ وخبر وهو يوم عيد كان لهم أو يوم النيروز أو يوم عاشوراء وإنما استقام الجواب بالزمان وان كان السؤال عن المكان على تأويل الأول لأن اجتماعهم يوم الزينة يكون في مكان لا محالة فبذكر الزمان علم المكان وعلى الثاني تقديره وعدكم وعد يوم الزينة {وأن يحشر الناس} أي تجمع في موضع رفع أو جر عطفا على يوم أو الزينة {ضحى} أي وقت الضحوة
طه (63 - 60)
لنكون أبعد عن الريبة وأبين لكشف الحق وليشيع في جميع اهل الوبر والمدر(2/370)
فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَى (60)
فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَى (60)
{فتولى فرعون} أدبر عن موسى معرضا {فجمع كيده} مكره وسحرته وكانوا اثنين وسبعين او اربعمائة أو سبعين ألفا {ثم أتى} للموعد(2/370)
قَالَ لَهُمْ مُوسَى وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى (61)
قَالَ لَهُمْ مُوسَى وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى (61)
{قال لهم موسى} أي للسحرة {ويلكم لا تفتروا على الله كذبا} لا تدعوا آياته ومعجزاته سحرا {فيسحتكم} كوفي غير أبي بكر يهلككم وبفتح الياء والحاء غيرهم والسحت والاسحاق بمعنى الإعدام وانتصب على جواب النهى {بعذاب} عظيم {وقد خاب من افترى} من كذب على الله(2/370)
فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى (62)
فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى (62)
{فتنازعوا} اختلفوا أي السحرة فقال بعضهم هو ساحر مثلنا وقال بعضهم ليس هذا بكلام السحرة أي لا يفتروا على الله كذبا بالآية {أمرهم بينهم وأسروا النجوى} أي تشاوروا في السر وقالوا ان كان ساحرا فسنغلبه وان كان من السماء فله أمر والنجوى يكون مصدرا واسم ثم لفقوا هذا الكلام يعني(2/371)
قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى (63)
قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى (63)
{قالوا إن هذان لساحران} يعني موسى وهرون قرأ أبو عمر إن هَذينِ لساحران وهو ظاهر ولكنه مخالف للإمام وابن كثير وحفص والخليل وهو أعرف بالنحو واللغة ان هذان لساحران بتخفيف إن مثل قولك إن زيد لمنطلق واللام هي الفارقة بين إن النافية والمخففة والثقيلة وقيل هي بمعنى ما واللام بمعنى إلا أي ما هذان إلا ساحران دليله قراءة أبي أن هذان إلا ساحران وغيرهم إن هذان لساحران قيل هي لغة بلحارث بن كعب وخثعم ومراد وكنانة فالتثنية في لغتهم بالألف أبداً فلم يقلبوها ياء في الجر والنصب كعصا وسعدى قال ... إن أباها وأبا أباها ... قد بلغ في المجد غايتاها ...
وقال الزجاج إن بمعنى نعم قال الشاعر ... ويقلن شيب قد علا ... ك وقد كبرت فقلت إنه ...
أي نعم والهاء للوقف وهذان مبتدأ وساحران خبر مبتدأ محذوف واللام داخلة على المبتدأ المحذوف تقديره هذان لهما ساحران فيكون دخولها في موضعها الموضع لها وهو الابتداء وقد يدخل اللام في الخبر كما يدل في المبتدأ قال ... خالي لأنت ومن جرير خاله ...(2/371)
قال فعرضته على المبرد فرضيه وقد زيفه أبو عليّ {يُرِيدَانِ أَن يُخْرِجَاكُمْ مّنْ أَرْضِكُمْ} مصر {بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ} بدينكم وشريعتكم {المثلى} الفضلى وتأنيث الامثل وهو الأفضل
طه (69 - 64)(2/372)
فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى (64)
فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى (64)
{فأجمعوا} فاحكموا أي جعلوه مجمعاً عليه حتى لا تختلفوا فَأَجْمِعُواْ أبو عمرو ويعضده فجمع كيده {كيدهم} هو ما يكاد به {ثُمَّ ائتوا صَفّاً} مصطفين حال أمر وابان يأتوا صفالانه أهيب في صدور الرائين {وَقَدْ أَفْلَحَ اليوم مَنِ استعلى} وقد فاز من غلب وهو اعتراض(2/372)
قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى (65)
قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى (65)
{قالوا} أي السحرة {يا موسى إِمَّا أَن تُلْقِيَ} عصاك أولاً {وَإِمَّا أَن نكون أول من ألقى} مامعنا وموضع أن مع ما بعده فيهما نصب بفعل مضمر أو رفع بأنه خبر مبتدأ محذوف معناه اختر أحد الأمرين أو الأمر إلقاؤك أو إلقاؤنا وهذا التخيير منهم استعمال أدب حسن معه وكأنه تعالى ألهمهم ذلك وقد وصلت إليهم بركته وعلم موسى اختيار إلقائهم أولاً حتى(2/372)
قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى (66)
قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى (66)
{قَالَ بَلْ أَلْقُواْ} أنتم أولاً ليبرزوا ما معهم من مكايد السحر ويظهر الله سلطانه ويقذف بالحق على الباطل فيدمغه ويسلط المعجزة على السحرة فتمحقه فيصير آية نيرة للناظرين وعبرة بينة للمعتبرين فألقوا {فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ} يقال في إِذَا هذه إذا المفاجأة والتحقيق أنها إذا الكائنة بمعنى الوقت الطالبة ناصباً لها وجملة تضاف إليها وخصت في بعض المواضع بأن يكون ناصبها فعلاً مخصوصاً وهو فعل المفاجأة والجملة ابتدائية لا غير والتقدير ففاجأ موسى وقت تخيل سعي حبالهم وعصيهم والمعنى على مفاجأته حبالهم وعصيهم مخيلة إليه السعي {يُخَيَّلُ} وبالتاء ابن ذكوان(2/372)
{إِلَيْهِ} إلى موسى {مِن سحرهم أنها تسعى} رفع بدل اشمال من الضمر في يُخَيَّلُ أي يخيل الملقى رُوي أنهم لطخوها بالزئبق فلما ضربت عليها الشمس اضطربت واهتزت فخيلت ذلك(2/373)
فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى (67)
فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى (67)
{فَأَوْجَسَ فِى نَفْسِهِ خِيفَةً موسى} أضمر في نفسه خوفا ظنا منه أيها تقصده للجبلة البشرية أو خاف أن يخالج الناس شك فلا يتبعوه(2/373)
قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى (68)
قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى (68)
{قُلْنَا لاَ تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الأعلى} الغالب القاهر وفي ذكر أن وأنت وحرف التعريف ولفظ العلو وهو الغلبة الظاهرة مبالغة بينه(2/373)
وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى (69)
وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى (69)
{وَأَلْقِ مَا فِى يَمِينِكَ تَلْقَفْ} بسكون اللام وافاء وتخفيف القاف حفص ابن ذكوان الباقون تَلْقَفْ {مَا صَنَعُواْ} زوراً وافتعلوا أي اطرح عصاك تبتلع عصيهم وحبالهم ولم يقل عصاك تعظيماً لها أي لا تحتفل بما صنعوا فإن ما في يمينك أعظم منها أو تحقيراً أي لا تبال بكثرة حبالهم وعصيهم وألق العويد الفرد الذي في يمينك فإنه بقدرتنا يتلقفها على وحدته وكثرتها {إِنَّمَا صَنَعُواْ كَيْدُ سَاحِرٍ} كوفي غير عاصم سحر بمعنى ذي سحر
طه (72 - 69)
أو ذوي سحر أو هم لتوغلهم في السحر كأنهم السحر وكيد بالرفع على القراءتين وما موصولة أو مصدرية وإنما وجد ساحر ولم يجمع لأن القصد في هذا الكلام إلى معنى الجنسية لا إلى معنى العدد فلوا جمع لخيل أن المقصود هو العدد ألا ترى إلى قوله {وَلاَ يُفْلِحُ الساحر} أي هذا الجنس {حَيْثُ أتى} أينما كان فألقى موسى عصاه فتلقفت ما صنعوا فلعظم ما رأوا من الآية وقعوا إلى السجود فذلك قوله(2/373)
فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى (70)
فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى (70)
{فَأُلْقِىَ السحرة سُجَّداً} قال الأخفش من سرعة ما سجدوا كأنهم ألقوا فما أعجب أمرهم قد ألقوا حبالهم وعصبهم للكفر والجحود ثم ألقوا رؤسهم بعد ساعة للشكر والسجود فما أعظم الفر بين الإلقاءين رُوي أنهم رأوا الجنة ومنازلهم فيها في السجود فرفعوا رؤسهم(2/373)
ثم {قَالُواْ امَنَّا بِرَبّ هارون وموسى} وإنما قدم هرون هنا وأخر في الشعراء محافظة للفاصلة ولأن الواو لا توجب ترتيبا(2/374)
قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى (71)
قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى (71)
{قال آمنتم} بغير مد حفص وبهمزة ممدودة بصري وشامي وحجازي وبهمزتين غيرهم {له قبل أن آذن لَكُمْ} أي لموسى يقال آمن له وآمن به {إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الذى عَلَّمَكُمُ السحر} لعظيمكم أو لمعلمكم تقول أهل مكة للمعلم أمرني كبيري {فَلأُقَطّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مّنْ خِلاَفٍ} القطع من خلاف أن تقطع اليد اليمنى والرجل اليسرى لأن كل واحد من العضوين يخالف الآخر بأن هذا يد وذاك رجل وهذا يمين وذاك شمال من لابتداء الغاية لان المقطع مبتدأ وناشئ من مخالفة العضو ومحل الجار والمجرور والنصب على الحال يعني لأقطعنها مختلفات لأنها إذا خالف بعضها بعضاً فقد اتصفت بالاختلاف شبه تمكن المصلوب في الجذع بتمكن المظروف في الظرف فلهذا قال {وَلأُصَلّبَنَّكُمْ فِى جُذُوعِ النخل} وخص النخل لطول جذوعها {وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عذابا} انا على إيمانكم بي أو رب موسى على ترك الايمان به وقيل يريد بنفسه لعنه الله وموسى صلوات الله وسلامه عليه بدليل قوله آمنتم له واللام مع الإيمان في كتاب الله لغير الله كقوله يُؤْمِنُ بالله ويؤمن للمؤمنين {وأبقى} ادوم(2/374)
قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (72)
قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (72)
{قَالُواْ لَن نُّؤْثِرَكَ} لن نختارك {على مَا جَاءنَا مِنَ البينات} القاطعة الدالة على صدق موسى {والذى فَطَرَنَا} عطف على مَا جَاءنَا أي لن نختارك على الذي جاءنا ولا على الذي خلقنا أو قسم وجوابه لَن يؤثر مقدم على القسم {فاقض مَا أَنتَ قَاضٍ} فاصنع ما أنت صانع من القتل والطلب قال(2/374)
طه (77 - 72)
وعليهما مسرودتان قضاهما
أي صنعهما أو احكم ما أنت حاكم {إنما تقضي هذه الحياة الدنيا} أي في هذه الحياة الدنيا فانتصب على الظروف أي إنما تحكم فينا مدة حياتنا(2/375)
إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (73)
إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (73)
{إنا آمنا بِرَبّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خطايانا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ} ما موصولة منصوبة بالعطف على خطايانا {مِنَ السحر} حال من ما روي أنهم قالوا لفرعون أرنا موسى نائما ففعل فوجدوه وتحرسه عصاه فقالوا ما هذا بسحر الساحر إذا نام بطل سحره فكرهوا معارضته خوف الفضيحة فأكرههم فرعون على الاتيان بالسحر إذا نام بطل سحره فكرهوا معارضته خوف الفضيحة فأكرههم فرعون على الإتيان بالسحر وضر فرغون جهله به ونفعهم علمهم بالسحر فكيف بعلم الشرع {والله خَيْرُ} ثواباً لمن أطاعه {وأبقى} عقاب المن عصاه وهو رد لقول فرعون وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَاباً وأبقى(2/375)
إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى (74)
إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى (74)
{أَنَّهُ} هو ضمير الشأن {مَن يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً} كافراً {فَإِنَّ لَهُ} للمجرم {جَهَنَّمَ لاَ يموت فيها} فيستربح بالموت {وَلاَ يحيى} حياة ينتفع بها(2/375)
وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى (75)
وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى (75)
{وَمَن يَأْتِهِ مُؤْمِناً} مات على الإيمان {قَدْ عَمِلَ الصالحات} بعد الإيمان {فَأُوْلَئِكَ لَهُمُ الدرجات العلى} جمع العلياء(2/375)
جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى (76)
جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى (76)
{جنات عَدْنٍ} بدل من الدرجات {تَجْرِى مِنْ تَحْتِهَا الأنهار خالدين فِيهَا} دائمين {وذلك جَزَاء من تزكى} تطهر من الشرك بقوله لا إله إلا الله قيل هذه الآيات الثلاث حكاية قولهم قيل خبر من الله تعالى لا على وجه الحكاية وهو أظهر(2/375)
وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى (77)
وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى (77)
{وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إلى موسى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِى} لما أراد الله تعالى إهلاك فرعون وقومه أمر موسى أن يخرج بهم من مصر ليلاً ويأخذ بهم طريق البحر {فاضرب لَهُمْ طَرِيقاً فِى البحر} اجعل لهم من قولهم ضرب له في ماله سهماً {يَبَساً} أي يابساً وهو مصدر وصف به يقال يبس يبسا ويبا {لاَّ تَخَافُ} حال من الضمير في فاضرب أي اضرب لهم طريقاً غير خائف لاَ تَخَفْ حمزة على الجواب {دَرَكاً} هو اسم من الإدراك أي لا يدركك فرعون وجنوده ولا يحلقونك {وَلاَ تخشى} الغرق وعلى قراءة حمزة وَلاَ تخشى استئاف أي وأنت لا تخشى أو يكون الألف للاطلاق كا في وتظنون بالله الظنونا فخرج بهم موسى من أول الليل وكانوا سبعين الفا وقد
طه (83 - 78)
استعاروا حليهم فركب فرعون في ستمائة ألف من القبط فقص أثرهم فذلك قوله(2/376)
فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ (78)
فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ (78)
{فأتبعهم فرعون بجنوده} وهو حال أي خرج خلفهم ومعه جنوده {فَغَشِيَهُمْ مّنَ اليم} أصابهم من البحر {مَا غَشِيَهُمْ} هو من جوامع الكلم التي تستقل مع قلتها بالمعاني الكثيرة أي غشيهم مالا يعلم كنهه إلا الله عز وجل(2/376)
وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى (79)
وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى (79)
{وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ} عن سبيل الرشاد {وَمَا هدى} وما أرشدهم إلى الحق والسداد وهذا رد لقوله وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرشاد(2/376)
يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى (80)
يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى (80)
ثم ذكر منته على بني إسرائيل بعدما أنجاهم من البحر وأهلك فرعون وقومه بقوله {يا بني إسرائيل} أي أوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي وقلنا يا بني إسرائيل {قَدْ أنجيناكم مّنْ عَدُوّكُمْ} أي فرعون {وواعدناكم} بإيتاء الكتاب {جَانِبِ الطور الأيمن} وذلك أن الله عز وجل وعد موسى أن يأتي هذا لمكان ويختار سبعين رجلاً يحضرون معه لنزول التوراة وإنما نسب إليهم المواعدة لأنها كانت لنبيهم ونقبائهم وإليهم رجعت منافعها التي قام بها شرعهم ودينهم والأيمن نصب لأنه صفة جانب وقرئ(2/376)
بالجر على الجوار {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ المن والسلوى} في التيه وقلنا لكم(2/377)
كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى (81)
كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى (81)
{كُلُواْ مِن طيبات} حلالات {مَا رزقناكم} أنجيتكم وواعدتك ورزقتكم كوفي غير عاصم {وَلاَ تَطْغَوْاْ فِيهِ} ولا تتعدوا حدود الله فيه بأن تكفروا النعم وتنفقوها في المعاصي أولا يظلم بعضكم بعضاً {فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِى} عقوبتي {وَمَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِى فَقَدْ هوى} هلك أو سقط سقوطا لا نهوض قرا على فيحل ويحلل والباون بكسرهما فالمسكور في معنى الوجوب من حل الدين بحل إذ وجب اداؤ وجب أداؤه والمضموم في معنى النزول(2/377)
وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى (82)
وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى (82)
{وإني لغفار لمن تاب} عن الشرك {وآمن} وحد الله تعالى وصدقه فيما أنزل {وَعَمِلَ صالحا} أدى الفرائض {ثُمَّ اهتدى} ثم استقام وثبت على الهدى وهو التوبة والإيمان والعمل الصالح(2/377)
وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسَى (83)
وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسَى (83)
{وما أعجلك} أي وأي شيء بك {عن قومك يا موسى} أي عن السبعين الذين اختارهم وذلك أن مضى معهم إلى الطور على الموعد
طه (87 - 84)
كلام ربه وأمرهم ان يتبعوه قال تعالى واما أعجلك أي أي شيء أوب عجلتك استفهام انكار وما مبتدأ وأعجلك الخبر(2/377)
قَالَ هُمْ أُولَاءِ عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى (84)
قَالَ هُمْ أُولَاءِ عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى (84)
{قَالَ هُمْ أُوْلاء على أَثَرِى} أي هم خلفي يلحقون بي وليس بيني وبين وبينهم الا مسافة يسيرة ثم كر موجب العجلة فقال {وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبّ} أي إلى الموعد الذي وعدت {لترضى} لتزداد عني رضاً وهذا دليل على جواز الاجتهاد(2/377)
قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ (85)
قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ (85)
{قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ} ألقيناهم في فتنة {مِن بَعْدِكَ} من بعد خروجك من بينهم والمراد بالقوم الذين خلفهم مع هرون {وَأَضَلَّهُمُ السامرى} بدعائه إياهم إلى عبادة العجل وإجاتهم له وهومنسوب إلى قبيلة من بني إسرائيل يقال لها السامرة وقيل كان علجاً من كرمان فاتخذ عجلاً واسمه موسى بن ظفر وكان منافقاً(2/378)
فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي (86)
فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي (86)
{فرجع موسى} من مناجاة ربه {إلى قَوْمِهِ غضبان أَسِفًا} شديد الغضب أو حزيناً {قَالَ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً} وعدهم الله أن يعطيهم التوراة التي فيها هدى ونور وكانت ألف سورة كل سوره ألف آية يحمل أسفارها سبعون جملاً ولا وعد أحسن من ذلك {أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ العهد} أي مدة مفارقتي إياكم والعهد والزمان يقال طال عهدي بك أي طال زماني بسبب مفارقتك {أَمْ أَرَدتُّمْ أَن يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مّن رَّبّكُمْ} أي أردتم أن تفعلوا فعلاً يجب به عليكم الغضب من ربكم {فَأَخْلَفْتُمْ مَّوْعِدِى} وعدوه أن يقيموا على أمره وما تركهم عليه من الآيات فأخلفوا موعده باتخاذ العجل(2/378)
قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ (87)
قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ (87)
{قالوا ما أخلفنا موعدك بملكنا} فتح الميم مدني وعاصم وبضمها حمزة وعلي وبكسرها غيرهم أي ما أخلفنا موعدك بأن ملكنا امرنا أي لو ملكنا أمرنا وخلينا وأرينا لما أخلفنا موعدك ولكن غلبنا من جهة السامري وكيده {ولكنا حُمّلْنَا} بالضم والتشديد حجازي وشامي وحفص وبفتح الحاء والميم مع التخفيف غيرهم {أَوْزَاراً مّن زِينَةِ القوم} أثقالاً من حلي القبط أو أرادوا بالاوزار أنها آثام وتبعات لأنهم قد استعارها ليلة الخروج من مصر بعلة أن لنا غداً عيداً فقال السامري إنما حبس موسى لشؤم حرمتها لأنهم كانوا معهم في حكم المستأمنين في دار الحرب وليس(2/378)
للمستأمن أن يأخذ مال الحربي على أن الغنائم لم تكن تحل حينئذ فأحرقوها فخبأ في حفرة النار قالب عجل فانصاغت عجلاً مجوفاً فخار بدخول الريح في مجار منها أشباه العروق وقيل نفخ فيه تراباً من موضع قوائم فرس جبريل عليه السلام يوم
طه (93 - 87)
الغرق وهو فرس حياة فحي فخار ومالت طباعهم إلى الذهب فعبدوه {فَقَذَفْنَاهَا} في نار السامري التي أوقدها في الحفرة وأمرنا أن نطرح فيها الحلي {فَكَذَلِكَ أَلْقَى السامرى} ما معه من الحلي في النار أو ما معه من التراب الذي أخذه من أثر حافر فرس جبريل عليه السلام(2/379)
فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ (88)
فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ (88)
{فَأَخْرَجَ لَهُمْ} السامري من الحفرة {عِجْلاً} خلقه الله تعالى من الحلي التي سبكتها النار ابتلاء {جَسَداً} مجسداً {لَّهُ خُوَارٌ} صوت وكان يخور كما تخور العجاجيل {فَقَالُواْ} أي السامري وأتباعه {هذا إلهكم وإله موسى} فأجاب عامتهم الا اثنى عشر ألفا {فنسي} موسى ربه هنا وذهب يطلبه عند الطور أو هو ابتداء كلام من الله تعالى أي نسي السامري ربه وترك ما كان عليه من الإيمان الظاهر أو نسي السامري الاستدلال على أن العجل لا يكون إلهاً بدليل قوله(2/379)
أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا وَلَا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا (89)
أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا وَلَا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا (89)
{أَفَلاَ يَرَوْنَ أَلاَّ يَرْجِعُ} أي أنه لا يرجع فان مخففة من الثقيلة {إِلَيْهِمْ قَوْلاً} أي لا يجيبهم {وَلاَ يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً} أي هو عاجز عن الخطاب والضر والنفع فكيف تتخذونه إلهاً وقيل إنه ما خار إلا مرة(2/379)
وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِنْ قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي (90)
وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِنْ قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي (90)
{وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ} لمن عبدوا العجل {هارون مِن قَبْلُ} من قبل رجوع موسى إليهم {يا قوم إِنَّمَا فُتِنتُمْ بِهِ} ابتليتم بالعجل فلا تعبدوه {وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرحمن} لا العجل {فاتبعونى} كونوا على ديني الذي هو الحق {وَأَطِيعُواْ أَمْرِى} في ترك عبادة العجل(2/379)
قَالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى (91)
قَالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى (91)
{قَالُواْ لَن نَّبْرَحَ عَلَيْهِ عاكفين} أي لن نزال مقيمين على العجل وعبادته {حتى يَرْجِعَ إِلَيْنَا موسى} فننظره هل يعبده كما عبدناه وهل صدق السامري أم لا فلما رجع موسى(2/380)
قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا (92)
قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا (92)
{قَالَ يَا هارون مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّواْ} بعبادة العجل(2/380)
أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي (93)
أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي (93)
{أَلاَّ تَتَّبِعَنِ} بالياء في الوصل والوقف مكي وافقه أبو عمرو ونافع في الوصل وغيرهم بلا ياء أي ما دعاك إلى أن لا تتبعني لوجود التعلق بين الصارف عن فعل الشيء وبين الداعي إلى تركه وقيل لا مزيدة المعنى أي شيء منعك أن تتبعني حين لم يقبلوا قولك وتلحق بي وبين الداعي إلى تركه وقيل لا مزيدة والمعنى أي شيء منعك أن تتبعني حين لم يقبلوا قولك وتحلق بي وتخبرني وما منعك أن تتبعني في الغضب لله وهلا قاتلت من كفر بمن آمن ومالك لم تباشر الأمر كما كنت أبشاره أنا لو كنت شاهداً {أَفَعَصَيْتَ أَمْرِى} أي الذي أمرتك به من القيام بمصالحهم ثم أخذ بشعر رأسه بيمينه ولحيته بشماله غضباً وإنكاراً عليه لأن الغيرة في الله ملكته(2/380)
قَالَ يَبْنَؤُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي (94)
قَالَ يَبْنَؤُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي (94)
{قال يا ابن أم} ويخفض الميم شامي وكوفي غير حفص وكان لأبيه وأمه عند الجمهور ولكنه ذكر الأم استعطافاً
طه (98 - 94)
وترفيقاً {لاَ تَأْخُذْ بِلِحْيَتِى وَلاَ بِرَأْسِى} ثم ذكر عذره فقال {إِنّى خَشِيتُ أَن تَقُولَ} إن قاتلت بعضهم ببعض {فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِى إسرائيل} أو خفت أن تقول إن فارقتهم واتبعتك ولحق بي فريق وتبع السامري فريق فَرَّقْتَ بين بني اسرائيل {وَلَمْ تَرْقُبْ} ولم تحفظ {قَوْلِي} اخلفني في قومي وأصلح وفيه دليل على جواز الاجتهاد(2/380)
قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ (95)
قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ (95)
ثم أقبل موسى على السامري منكراً عليه حيث حيث {قَالَ فَمَا خَطْبُكَ} ما أمرك الذي تخاطب عليه {يا سامري}(2/380)
قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي (96)
قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي (96)
{قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُواْ بِهِ} وبالتاء حمزة وعلى قال الزجاج بصر علم وأبصر نظر أي علمت ما لم يعلمه بنو اسرائيل قال موسى وماذك قال رأيت جبريل على فرس الحياة فألقي في نفسي أن أقبض من أثره فما ألقيته على شيء إلا صار له روح ولحم ودم {فَقَبَضْتُ قَبْضَةً} القبضة المرة من القبض وإطلاقها على المقبوض من تسمية المفعول بالمصدر كضرب الامير وقرئ فقبضت قبضة فالضاد بجميع الكف والصاد بأطراف الأصابع {مِّنْ أَثَرِ الرسول} أي من أثر فرس الرسول وقرئ بها {فَنَبَذْتُهَا} فطرحتها في جوف العجل {وكذلك سَوَّلَتْ} زينت {لِى نَفْسِى} أن أفعله ففعلته اتباعاً لهواي وهو اعتراف بالخطأ واعتذار(2/381)
قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لَا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَنْ تُخْلَفَهُ وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا (97)
قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لَا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَنْ تُخْلَفَهُ وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا (97)
{قَالَ} له موسى {فاذهب} من بيننا طريداً {فَإِنَّ لَكَ فِي الحياة} ما عشت {أَن تَقُولَ} لمن أراد مخالطتك جاهلاً بحالك {لاَ مِسَاسَ} أي لا يمسني أحد ولا أمسه فمنع مخالطة الانس منعا كليا وحرمع عليهم ملاقاته ومكالمته ومبايعته وإذا اتفق أن يماس أحداً حم الماس والممسوس وكان يهيم في البرية يصبح لا مساس ويقال إن ذلك موجود في أولاده إلى الآن وقيل أراد موسى عليه السلام أن يقتله فمنعه الله تعالى مه لسخائه {وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَّن تُخْلَفَهُ} أي لن يخلفك الله موعده الذي وعدك على الشرك والفساد في الأرض ينجزه لك في الآخرة بعدما عاقبك بذاك في الدنيا لَّن تُخْلَفَهُ مكي وأبو عمر وهذا من أخلفت الموعد إذا وجدته خلفاً {وانظر إلى إلهك الذى ظَلْتَ عَلَيْهِ} وأصله ظللت فحذف اللام الأولى تخفيفاً {عَاكِفاً} مقيماً {لَّنُحَرّقَنَّهُ} بالنار {ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ} لنذرينه {فِى اليم نَسْفاً} فحرقه وذراه في البحر فشرب بعضهم من مائه حباله فظهرت على شفاهم صفرة الذهب(2/381)
إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا (98)
إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا (98)
{إِنَّمَا إلهكم الله الذى لا إله إِلاَّ هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَىْء عِلْماً} تمييز أي وسع علمه كل شيء(2/382)
كَذَلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْرًا (99)
كَذَلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْرًا (99)
ومحل الكاف في {كذلك} نصب أي مثل ما اقتصصنا عليك قصة
طه (105 - 99)
موسى وفرعون {نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاء مَا قَدْ سَبَقَ} من أخبار الأمم الماضية تكثيراً لبيناتك وزيادة في معجزاتك {وَقَدْ آتيناك} أي أعطيناك {مّن لَّدُنَّا} من عندنا {ذِكْراً} قرآناً فهو ذكر عظيم وقرآن كريم فيه النجاة لمن أقبل عليه وهو مشتمل على الأقاصيص والأخبار الحقيقة بالتفكر والاعتبار(2/382)
مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا (100)
مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا (100)
{مَّنْ أَعْرَضَ عَنْهُ} عن هذا الذكر وهو القرآن ولم يؤمن به {فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ القيامة وِزْراً} عقوبة ثقيلة سماها وزراً تشبيهاً في ثقلها على المعاقب وصعوبة احتمالها بالحمل الثقيل الذي ينقض ظهره ويلقى عليه بهره أو لأنها جزاء الوزر وهو الإثم(2/382)
خَالِدِينَ فِيهِ وَسَاءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلًا (101)
خَالِدِينَ فِيهِ وَسَاءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلًا (101)
{خالدين} حال من الضمير في يَحْمِلُ وإنما جمع على المعنى ووحد في فَإِنَّهُ حملاً على لفظ من {فِيهِ} في الوزر أي في جزاء الوزر وهو العذاب {وَسَاء لَهُمْ يَوْمَ القيامة حِمْلاً} ساء في حكم بئس وفيه ضمير مبهم يفسره حملا وهو تمييز اللام في لهم للبيان كما في هيتك لك والمخصوص بالذم محذوف لدلالة الوزر السابق عليه تقديره ساء الحمل حملاً وزرهم(2/382)
يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا (102)
يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا (102)
{يوم ينفخ} بدل من يوم القيامة تنفخ أبو عمرو {فِى الصور} القرن أو هو جمع صورة أي ننفخ الأرواح فيها دليله قراءة قتادة الصور بفتح الوّاو جمع صورة {وَنَحْشُرُ المجرمين يَوْمِئِذٍ زُرْقاً} حال أي عمياً كما قال وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ القيامة على وُجُوهِهِمْ عميا وهذا لأن حدقة من يذهب نور بصره تزرق(2/382)
يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْرًا (103)
يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْرًا (103)
{يتخافتون} يتسارون {بينهم} أي يقول لبعضم سراً لهول ذلك اليوم {إِن لَّبِثْتُمْ} ما لبثتم في الدنيا {إِلاَّ عَشْراً} أي عشر ليال يستقصرون مدة لبثهم في القبور أو في الدنيا لما يعاينون من الشدائد التي تذكرهم أيام النعمة والسرور فيتأسفون عليها ويصفونها بالقصر لأن أيام السرور قصار أو لأنها ذهبت عنهم والذاهب وإن طالت مدته قصير بالانتهاء ولا استطالتهم الآخرة لأنها أبداً يستقصر إليها عمر الدنيا ويقال لبث أهلها فيها بالقياس إلى لبثهم في الآخرة وقد رجح الله قول من يكون اشد تقالا منه بقوله(2/383)
نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْمًا (104)
نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْمًا (104)
{نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً} أعد لهم قولاً {إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ يَوْماً} وهو كقوله قَالُواْ لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بعض يوم فاسأل العادين(2/383)
وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا (105)
وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا (105)
{ويسألونك عن الجبال} سألوا النبي صلى الله عليه وسلم ما يصنع بالجبال يوم القيامة وقيل لم يسأل وتقديره إن سألوك {فَقُلْ} ولذا قرن بالفاء بخلاف سائر السؤالات مثل قوله وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ المحيض قل هو اذى وقوله وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ اليتامى قُلْ إصلاح لهم خير يسئلونك عَنِ الخمر والميسر قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ يسئلونك عن الساعة ايان مرساها
طه (111 - 105)
قل أنما علمها عند ربي ويسئلونك عن الروح قل الروح ويسئلونك عن ذي القرنين قل سأتلو لأنها سؤالات تقدمت فورد جوابها ولم يكن فيها معنى الشرط فلم يذكر الفاء {يَنسِفُهَا رَبّى نَسْفاً} أي يجعلها كالرمل ثم يرسل عليها الرياح فيفرقها كما يذرى الطعام وقال الخليل يقلعها(2/383)
فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا (106)
فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا (106)
{فَيَذَرُهَا} فيذر مقارها أو يجعل الضمير للأرض للعلم بها كقوله مَا تَرَكَ على ظَهْرِهَا {قَاعاً صَفْصَفاً} مستوية ملساء(2/383)
لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا (107)
لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا (107)
{لاَّ ترى فِيهَا عِوَجاً} انخفاضاً {وَلا أَمْتاً} ارتفاعا والعوج بالكسر وإن كان في المعاني كما أن المفتوح في الأعيان والأرض عين ولكن لما استوت الأرض استواء لا يمكن أن يوجد فيها اعوجاج بوجه ما وان دقت الحيلة ولطفت جرب مجرى المعاني(2/384)
يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا (108)
يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا (108)
{يَوْمَئِذٍ} أضاف اليوم إلى وقت نسف الجبال أي يوم إذ نسفت وجاز أن يكون بدلا بعد من يوم القيامة {يَتَّبِعُونَ الداعى} إلى المحشر أي صوت الداعي وهو اسرافيل حي ينادي على صخرة بيت المقدس أيتها العظام البالية والجلود المتمزقة واللحوم المتفرقة هلمي إلى عرض الرحمن فيقبلون من كل أوب على صوبه لا يعدلون عنه {لاَ عِوَجَ لَهُ} أي لا يعوج له مدعو بل يستوون إليه من غير انحراف متبعين لصوته {وَخَشَعَتِ} وسكنت {الأصوات للرحمن} هيبة وإجلالاً {فَلاَ تَسْمَعُ إِلاَّ هَمْساً} صوتاً خفيفاً لتحريك الشفاه وقيل هو من همس الإبل وهو صوت أخفافها إذا مشت أي لا تسمع إلا خفق الأقدام ونقلها إلى المحشر(2/384)
يَوْمَئِذٍ لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا (109)
يَوْمَئِذٍ لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا (109)
{يَوْمَئِذٍ لاَّ تَنفَعُ الشفاعة إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرحمن} محل من رفع على البدل من الشفاعة بتقدير حذف المضاف أي لا تنفع الشفاعة إلا شفاعة من أذن له الرحمن أي أذن للشافع في الشفاعة {وَرَضِىَ له قولا} أي رضي الله تعالى عنه قولاً لأجله بأن يكون المشفوع له مسلماً أو نصب على المدح لانه مفعول تنفع(2/384)
يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا (110)
يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا (110)
{يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ} أي يعلم تقدمهم من الأحوال وما يستقبلونه {وَلاَ يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً} أي بما أحاط به علم الله فيرجع الضمير إلى أو يرجع الضمير إلى الله لأنه تعالى ليس بمحاط(2/384)
وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا (111)
وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا (111)
{وَعَنَتِ} خضعت وذلت ومنه قيل للأسير عانٍ {الوجوه}(2/384)
أي أصحابها {لِلْحَىّ} الذي لا يموت وكل حياة يتعقبها الموت فهي كأن لم تكن {القيوم} الدائم القائم عل كل نفس بما كسبت أو القائم بتدبير الخلق {وَقَدْ خَابَ} يئس من رحمة الله {مَنْ حَمَلَ ظُلْماً} من حمل إلى موقف القيامة شركاً لأن الظلم وضع الشيء في غير موضعه ولا ظلم أشد من جعل
طه (116 - 112)
المخلوق شريك من خلقه(2/385)
وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا (112)
وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا (112)
{وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصالحات} الصالحات الطاعات {وَهُوَ مُؤْمِنٌ} مصدق بما جاء به محمد عليه السلام وفيه دليل أنه يستحق اسم الإيمان بدون الأعمال الصالحة وأن الإيمان شرط قبولها {فَلاَ يَخَافُ} أي فهو لا يخاف فَلاَ يخف عن النهي مكي {ظلما} أن يزاد في سيآته {وَلاَ هَضْماً} ولا ينقص من حسناته وأصل الهضم النقص والكسر(2/385)
وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا (113)
وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا (113)
{وكذلك} عطف على كذلك نقص أي ومثل ذلك الا يزال {أَنْزَلْنَاهُ قُرْانًا عَرَبِيّا} بلسان العرب {وَصَرَّفْنَا} كررنا {فِيهِ مِنَ الوعيد لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} يجتنبون الشرك {أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ} الوعيد أو القرآن {ذِكْراً} عظة أو شرفاً بإيمانهم به وقيل أو بمعنى الواو(2/385)
فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا (114)
فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا (114)
{فتعالى الله} ارتفع عن فنون الظنون وأوهام الأفهام وتنزه عن مضاهاة الأنام ومشابهة الأجسام {الملك} الذي يحتاج إليه الملوك {الحق} المحق في الألوهية ولما ذكر القرآن وإنزاله قال استطراداً وإذا لقنك جبريل ما يوحى إليك من القرآن فتأن عليك ريثما يسمعك ويفهمك {ولا تعجل بالقرآن} بقراءته {مِن قَبْلِ إَن يقضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ} من قبل أن يفرغ جبريل من الإبلاغ {وَقُل رَّبّ زِدْنِى عِلْماً} بالقرآن ومعانيه وقيل ما أمر الله رسوله بطلب الزيادة في شيء إلا في العلم(2/385)
وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا (115)
وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا (115)
{ولقد عهدنا إلى آدم} أي أوحينا إليه أن لا يأكل من الشجرة يقال في أوامر الملوك ووصاياهم تقدم الملك إلى فلان وأوصى إليه وعزم عليه وعهد إليه فعطف قصة آدم على وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الوعيد والمعنى وأقسم قسماً لقد أمرنا أباهم آدم ووصيناه أن لا يقرب الشجرة {مِن قَبْلُ} من قبل وجودهم فخالف إلى ما نهي عنه كما أنهم يخالفون يعني أن أساس أمر بني آدم على ذلك وعرقهم راسخ فيه {فَنَسِىَ} العهد أي النهي والأنبياء عليهم السلام يؤاخذون بالنسيان الذي لو تكلفوا لحفظوه وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً قصداً إلى الخلاف لأمره أو لم يكن آدم من أولي العزم. والوجود بمعنى العلم ومفعولاه لَهُ عَزْماً أو بمعنى نقيض العدم أي وعد مناله عزما وله متعلق بنجد(2/386)
وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى (116)
وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى (116)
{وإذ قلنا} منصوب باذكر {للملائكة اسجدوا لآِدَمَ} قيل هو السجود اللغوي الذي هو الخضوع والتذلل أو كان آدم كالقبلة لضرب تعظيم له فيه {فَسَجَدُواْ إِلاَّ إبليس} عن ابن عباس رضي الله عنهما أن إبليس كان ملكاً من جنس المستثنى منهم وقال الحسن الملائكة لباب الخليفة
طه (123 - 117)
من الأرواح ولا يتناسلون وإبليس من نار السموم وإنما صح استثناؤه منهم لأنه كان يصحبهم ويعبد الله معهم {أبى} جملة مستأنفة كأنه جواب لمن قال لم لم يسجدوا والوجه أن لا يقدر له مفعول وهو السجود المدلول عليه بقوله فسجد وأن يكون معناه أظهر الإباء وتوقف(2/386)
فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى (117)
فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى (117)
{فقلنا يا آدم إن هذا عدو لك ولزوجك} حين لم يسجد ولم يرفضك {فلا يخرجنكما من الجنة} فلا يكون سببا لاحراجكما {فتشقى} فتتعب فى طلب الموت ولم يعل فتشقيا سراعاه لرؤس الاى او ادخلت تبعاً أو لأن الرجل هو الكافل لنفقة المرأة وروي أنه أهبط إلى آدم ثور أحمر وكان يحرث عليه ويمسح العرق من جبينه(2/386)
إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى (118)
إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى (118)
{إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيهَا} في الجنة {وَلاَ تعرى} عن الملابس لأنها معدة أبداً فيها(2/387)
وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى (119)
وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى (119)
{وَأَنَّكَ} بالكسر نافع وأبو بكر عطفاً على ان الآولى وغيرهما بالفتح عطفا على أن لا تجوع ومحله نصب بأن وجاز للفصل كما تقول إن في علمي أنك جالس {لا تظمأ فِيهَا} لا تعطش لوجود الأشربة فيها {وَلاَ تضحى} لا يصيبك حر الشمس إذ ليس فيها شمس فأهلها في ظل ممدود(2/387)
فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى (120)
فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى (120)
{فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشيطان} أي أنهى إليه الوسوسة كاسر إليه {قال يا آدم هَلْ أَدُلُّكَ على شَجَرَةِ الخلد} أضاف الشجرة إلى الخلد وهو الخلود لأن من أكل منها خلد بزعمه ولا يموت {وَمُلْكٍ لاَّ يبلى} لا يفنى(2/387)
فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى (121)
فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى (121)
{فَأَكَلاَ} أي آدم وحواء {مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سوآتهما} عورتهما {وطفقا} قفق يفعل كذا مثل جعل يفعل وهو ككاد في وقوع الخبر فعلاً مضارعاً إلا أنه للشروع فى أول الآمر وكاد للدنومه {يخصفان عليهما من ورق الجنة} أي يلزمان الورق بسوأتهما للتستر وهو الورق التين {وعصى آدم رَبَّهُ فغوى} ضل عن الرأي وعن ابن عيسى خاب والحاصل أن العصيان وقوع الفعل على خلاف الأمر والنهي وقد يكون عمداً فيكون دينا وقد لا يكون عمدا فيكون ذله ولم وصف فعله بالعصيان خرج فعله من أن يكون رشدا فكان غيالان لعى خلاف الرشد وفى التصريح بقوله وعصر أدم ربه فغوى والعدول عن قوله وذل آدم مزجرة بليغة وموعظة كافة للمكلفين كأنه قيل لهم انظروا أو اعتبروا كيف نعيت على النبي(2/387)
المعصوم حبيب الله زلته بهذه الغلطه فلانها ونوا بما يفرط منكم من الصغائر فضلاً عن الكبائر(2/388)
ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى (122)
ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى (122)
{ثم اجتباه ربه} قربه إليه واصطفاه وفرى وبه واصل الكلمة الجمع بفال جى إلى كذا فاجتبيته {فتاب عليه} قبل توبيه {وهدى} وهداهإلى الاعتذار والاستغفار(2/388)
قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (123)
قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (123)
{قَالَ اهبطا مِنْهَا جَمِيعاً} يعني آدم وحواء {بعضكم} يا ذرية أدم {لبعض}
طه (129 - 123)
عَدُوٌّ بالتحاسد في الدنيا والاختلاف في الدين {فإما يأتينكم مني هدى} كتاب وشريعا {فَمَنِ اتبع هُدَاىَ فَلاَ يَضِلُّ} في الدنيا {وَلاَ يشقى} في العقبى قال ابن عباس رضى الله عنهما ضمن الله لمن اتبع القرأن الا يضل فى الدنيا ولا يشقى فى الآخرى يعنى ان الشقاء فى الآخرى هو عقاب من ضل في الدنيا عن طريق الدين فمن اتبع كتاب الله وامتثل أوامره وانتهى عن نواهيه نجا من الضلال ومن عقابه(2/388)
وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124)
وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124)
{وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِى} عن القرآن {فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً} ضيقاً وهو مصدر يستوي فى الوصف به المذكر والمونث عن ابن جبير يسلبه القناعة حتى لا يشبع فمع الدين التسليم والقناعة والتوكل فتكون حياته طيبة ومع الإعراض الحرص والشح فعيشه ضنك وحاله مظلمة كما قال بعض المتصوفة لا يعرض أحدكم عن ذكر ربه إلا أظلم عليه وقته وتشوش عليه رزقه {وَنَحْشُرُهُ يوم القيامة أعمى} من الحجة عن ابن عباس أعمى البصر وهو كقوله وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ القيامة على وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وهو الوجه(2/388)
قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا (125)
قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا (125)
{قَالَ رَبّ لِمَ حَشَرْتَنِى أعمى وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً} في الدنيا(2/388)
قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى (126)
قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى (126)
{قَالَ كذلك} أي مثل ذلك فعلت أنت ثم فسر فقال {أَتَتْكَ اياتنا فَنَسِيتَهَا وكذلك اليوم تنسى} أي أتتك آياتنا واضحة فلم تنظر إليها بعين المعتبر وتركتها وعميت عنها فكذلك اليو نتركك على عمالك ولا يزيل غطاءه عن عينيك(2/389)
وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى (127)
وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى (127)
{وكذلك نجزي من أسرف ولم يؤمن بآيات رَبّهِ وَلَعَذَابُ الآخرة أَشَدُّ وأبقى} لما توعد المعرض عن ذكره بعقوبتين المعيشة الضنك في الدنيا وحشره أعمى في العقبى ختم آيات الوعيد بقوله ولعذاب الآخرة أشد وأبقى أي للحشر على العمى الذي لا يزول أبدا أشد من ضيق العيش المقضي(2/389)
أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى (128)
أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى (128)
{أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ} أي الله بدليل قراءة زيد عن يعقوب بالنون {كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مّنَ القرون يَمْشُونَ} حال من الضمير المجرور لهم {في مساكنهم} يريدان قريشاً يمشون في مساكن عاد وثمود وقوم لوط ويعانون آثار هلاكهم {إِنَّ فِى ذَلِكَ لأَيَاتٍ لأِوْلِى النهى} لذوي العقول إذا تفكر واعلموا أن استئصالهم لكفرهم فلا يفعلون مثل ما فعلوا(2/389)
وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكَانَ لِزَامًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى (129)
وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكَانَ لِزَامًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى (129)
{وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبّكَ} أي الحكم بتأخير العذاب عن أمة محمد صلى الله عليه وسلم {لكان لزاما} لازما للزرام مصدر لزم فوصف به {وَأَجَلٌ مُّسَمًّى} القيامة وهو معطوف
طه (132 - 130)
على كلمة والمعنى ولولا حكم سبق بتأخير العذاب عنهم وأجل مسمى وهو القيامة لكان العذاب لازماً لهم في الدنيا كما لزم القرون الماضية الكافرة(2/389)
فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى (130)
فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى (130)
{فاصبر على مَا يَقُولُونَ} فيك {وَسَبّحْ} وصل {بِحَمْدِ رَبّكَ} في موضع الحال وأنت حامد لربك على أن وفقك للتسبيح وأعانك عليه(2/389)
{قَبْلَ طُلُوعِ الشمس} يعني صلاة الفجر {وَقَبْلَ غُرُوبِهَا} يعني الظهر والعصر لأنهما واقعتان في النصف الأخير من النهار بين زوال الشمس وغروبها {ومن آناء الليل فسبّح وأطراف النهار} أي وتعهد أناء أي ساعاته وأطراف النهار مختصاً لها بصلاتك وقد تناول التبسيح في آناء الليل صلاة العتمة وفي أطراف النهار صلاة المغرب وصلاة الفجر على التكرار إرادة الاختصاص كما اختصت في قوله والصلاة الوسطى عند البعض وإنام جمع أطراف النهار وهما طرفان لا من الإلباس وهو عطف على قبل {لَعَلَّكَ ترضى} لعل المخاطب أي اذكر الله في هذه الأوقات رجاء أن تنال عند الله ما به ترضى نفسك ويسر قلبك وترضى علي وأبو بكر أي يرضيك ربك(2/390)
وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى (131)
وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى (131)
{وَلاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ} أي نظر عينيك ومد النظر تطويله وأن لا يكاد يرده استحساناً للمنظور إليه وإعجاباً به وفيه أن النظر غير الممدود معفو عنه وذلك أن يبادر الشيء بالنظر ثم بغض الطرف ولقد شدد المتقون في وجوب غض البصر عنابنية الظلمة وعدد الفسقة في ملابسهم ومراكبهم حتى قال الحسن لا تنظروا إلى دقدقة هما ليج الفسقة ولكن انظروا كيف يلوح ذل العصية من تلك الرقاب وهذا لا يهما إنما اتخذوا هذه الأشياء لعيون النظارة فالناظر إليها محصل لعرهم ومغر لهم على اتخاذها {إلى مَا مَتَّعْنَا به أزواجا منهم} أصنافا من الكفرة ويجوزان ينصب حالاً من هاء الضمير والفعل واقع على منهم كأنه قال إلى الذي متعنا به وهو أصناف بعضهم وناساً منهم {زَهْرَةَ الحياة الدنيا} زينتها وبهجتها وانتصب على الذم وعلى ابداله محل به أو على إبداله من أزواجا على تقدير ذوي زهرة {لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ} لنبلوهم حتى يستوجبوا العذاب لوجود(2/390)
الكفران منهم أو لتعذبهم في الآخرة بسببه {وَرِزْقُ رَبّكَ} ثوابه وهو الجنة أو الحلال الكافي {خير وأبقى} فما رزقوا(2/391)
وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى (132)
وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى (132)
{وَأْمُرْ أَهْلَكَ} أمتك أو أهل بيتك {بالصلاة واصطبر} أنت داوم {عَلَيْهَا لاَ نَسْأَلُكَ رِزْقاً} أي لا نسألك أن ترزق نفسك ولا أهلك {نَّحْنُ نَرْزُقُكَ} واياهم فلا تهتم لأمر الرزق وفرغ باك الامر والآخرة لأن من كان في عمل الله كان الله في عمله وعن عروة بن الزبير أنه كان إذا رأى ما عند السلاطين فرأ ولا تمدن عينيك الآية ثم ينادي الصلاة الصلاة رحمكم الله وكان بكر بن عبد الله المزني إذا أصاب أهله خصاصة قال قوموا فصلوا بهذا أمر الله ورسوله
طه (135 - 132)
الأنبياء (1)
وعن مالك بن دينار مثله في بعض المسانيد أنه عليه السلام كان إذا اصاب اهله ضرا أمرهم بالصلاة وتلا هذه الآية {والعاقبة للتقوى} أي وحسن العاقبة لأهل التقوى بحذف المضافين(2/391)
وَقَالُوا لَوْلَا يَأْتِينَا بِآيَةٍ مِنْ رَبِّهِ أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ مَا فِي الصُّحُفِ الْأُولَى (133)
وَقَالُوا لَوْلَا يَأْتِينَا بِآيَةٍ مِنْ رَبِّهِ أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ مَا فِي الصُّحُفِ الْأُولَى (133)
{وقالوا} أي الكافرون {لولا يأتينا بآية مّن رَّبّهِ} هلا يأتينا محمد بآية من ربه تدل على صحة نبوته / أَوَ لَمْ يأتهم / أو لم تأتهم مدني وحفص وبصري {بَيّنَةُ مَا فِى الصحف الأولى} أي الكتب المتقدمة يعني أنهم اقترحوا على عادتهم في التعنت آية على النبوة فقيل لهم أو لم أنكم آية هي أم الآيات وأعظمها في باب الإعجاز يعني القرآن من قبل أن القرآن برهان ما في سائر الكتب المنزلة ودليل صحته لأنه معجزة وتلك ليست بمعجزات فهي مفتقرة إلى شهادته على صحة ما فيها(2/391)
وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى (134)
وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى (134)
{وَلَوْ أَنَّا أهلكناهم بِعَذَابٍ مّن قَبْلِهِ} من قبل الرسول والقرآن {لَقَالُواْ رَبَّنَا لَوْلا} هلا {أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فنتبع} بالنصب علي جواب(2/391)
الاستفهام بالفاء {آياتك مِن قَبْلِ أَن نَّذِلَّ} بنزول العذاب {ونخزى} في العقبى(2/392)
قُلْ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَاطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدَى (135)
قُلْ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَاطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدَى (135)
{قُلْ كُلٌّ} أي كل واحد منا ومنكم {متربص} منتظر للعقابة ولما يؤل اليه أمرنا وامركم {فتربصوا} أنتم {فستعلمون} إذا جاءت القيامة {مِنْ أصحاب} مبتدأ وخبر ومحلهما نصب {الصراط السوي} المستقيم {وَمَنِ اهتدى} الى النعيم المقيم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقرأ أهل الجنة إلى سورة طه ويس الله أعلم بالصواب(2/392)
سورة الانبياء وهي مائة واثنتا عشرة آية كوفي واحدى عشرة آية مدني وبصري
بسم الله الرحمن الرحيم(2/393)
اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ (1)
اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ (1)
{اقترب} دنا {للناس} اللام صلة لاقترب عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن المراد بالناس المشركون لأن ما يتلوه من صفات المشركين {حِسَابَهُمْ} وقت محاسبة الله إياهم ومجازاته على أعمالهم يعني يوم القيامة وإنما وصفه بالاقتراب لقلة ما بقي بالإضافة إلى ما مضى ولأن كل آتٍ قريب {وَهُمْ فِى غَفْلَةٍ} عن حسابهم وعما يفعل بهم ثم {مُّعْرِضُونَ} عن التأهب لذلك اليوم فالاقتراب عام والغفلة والإعراض يتفاوتان بتفاوت المكلفين فرب غافل عن حسابه لاستغراقه في دنياه وإعراضه عن مولاه مورب غافل عن حسابه لاستهلاكه في مولاه وإعراضه عن دنياه فهو لا يفيق إلا برؤية المولى والأول انما يفيق في
الأنبياء (5 - 2)
عسكر الموتى فالواجب عليك أن تحاسب نفسك قبل أن تحاسب وتتنبه للعرض قبل أن تنبه وتعرض عن الغافلين وتشتغل بذكري خالق الخلق أجمعين لنفوز بلقاء رب العالمين(2/393)
مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ (2)
مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ (2)
{مَا يَأْتِيهِمْ مّن ذِكْرٍ} شيء من القرآن {مّن رَّبّهِمْ مُّحْدَثٍ} في التنزيل إتيانه مبتدأة تلاوته قريب عهده باستماعهم والمراد به الحروف المنظومة ولا خلاف في حدوثها {إِلاَّ استمعوه} من النبي صلى الله عليه وسلم أو غيره ممن يتلوه {وهم يلعبون} يستهزؤون به(2/393)
لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ (3)
لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ (3)
{لاهية} حال من ضمير يعلبون أو وهم يلعبون ولاهية حالان من الضمير في اسمتعوه ومن قرأ لاهية بالرفع يكون خبر ابعد خبر لقوله وهم وارتفعت {قلوبهم} بلا هية وهي من لها عنه إذا ذهل وغفل والمعنى قلوبهم غافلة عما يراد بها ومنها قال أبو بكر الوراق القلب اللاهي المشغول بزينة الدنيا وزهرتها الغافل عن الآخرة وأهوالها {وَأَسَرُّواْ} وبالغوا في إخفاء {النجوى} وهي اسم من التناجي ثم أبدل {الذين ظَلَمُواْ} من واو وأسروا إيذاناً بأنهم الموسومون بالظلم فيما أسروبا به أو جاء على لغة من قال أكلوني البراغيث أو هو مجرور المحل لكونه صفة أو بدلاً من الناس أو هو منصوب المحل على الذم أو هو مبتدأ خبرا أسروا النجوى فقدم عليه أي والذين ظلموا أسروا النجوى {هَلْ هذا إِلاَّ بَشَرٌ مّثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السحر وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ} هذا الكلام كله في محل نصب بدل من النجوى أي وأسروا هذا الحديث ويجوز أن يتعلق بقالوا مضمراً والمعنى أنهم اعتقدوا أن الرسول لا يكون إلا ملكاً وأن كل من ادعى الرسالة من البشر وجاء بالمعجزة فهو ساحر ومعجزته سحر فلذلك قالوا على سبيل الإنكار افتحضرون السحر وانتم تشاهدون تعاينون انه سحر(2/394)
قَالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (4)
قَالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (4)
{قَالَ رَبّى} حمزة وعلي وحفص أي قال محمد وغيرهم قل ربي أي قل يا محمد للذين أسروا النجوى {يَعْلَمُ القول فِى السماء والأرض} أي يعلم قول كل قائل هو في السماء والارض سراً كان أو جهراً {وَهُوَ السميع} لأقوالهم {العليم} بما في ضمائرهم(2/394)
بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ (5)
بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ (5)
{بَلْ قَالُواْ أضغاث أَحْلاَمٍ بَلِ افتراه بَلْ هُوَ شَاعِرٌ} أضربوا عن قولهم هو سحر إلى أنه تخاليط أحلام رآها في نومه فتوهمها وحياً من الله إليه ثم إلى(2/394)
أنه كلام مفترى من عنده ثم إلى أنه قول شاعر وهكذا الباطل لجلج والمبطل رجاع غير ثابت على قوله واحد ثم قالوا ان كان صادق في دعواه وليس الأمر كما يظن {فليأتنا بآية} بمعجزة {كَمَا أُرْسِلَ الأولون} كما أرسل من قبله باليد البيضاء والعصا وإبراء الأكمه وإحياء الموتى وصحة التشبيه في قوله كما أرسل الأولون من حيث إنه في معنى كما أتى الأولون بالآيات لأن إرسال الرسل متضمن للاتيان بالآيات الا
الأنبياء (12 - 6)
ترى أنه لا فرق بين قولك أرسل محمد وبين قولك ان محمد بالمعجزة فرد الله عليهم قولهم بقوله(2/395)
مَا آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ (6)
مَا آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ (6)
{ما آمنت قَبْلَهُمْ مِن قَرْيَةٍ} من أهل قرية {أهلكناها} صفة لقرية عند مجئ الآيات المقترحة لأنهم طلبوها نعتا {أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ} أي أولئك لم يؤمنوا بالآيات لما أتتهم أيؤمن هؤال المقترحون مع انهم اعتى منهم والمعنى أن أهل القرى اقترحوا على أنبيائهم الآيات وعاهدوا أنهم يؤمنون عندها فلما جاءتهم نكثوا وخالفوا فاهلكم الله فلوا اعطيناه هؤلاء ما يقترحون لنكثوا أيضاً(2/395)
وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (7)
وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (7)
{وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجَالاً} هذا جواب قولهم هل هذا إلا بشر مثلكم {نُّوحِى إِلَيْهِمْ} نُوحِى حفص {فاسألوا أَهْلَ الذكر} العلماء بالكتابين فإنهم يعرفون أن الرسل الموحى إليهم كانوا بشراً ولم يكونوا ملائكة وكان أهل مكة يعتمدون على قولهم {إِن كُنْتُم لاَ تعلمون} ذلك(2/395)
وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لَا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ (8)
وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لَا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ (8)
ثم بين كمن تقدمه من الأنبياء بقوله(2/395)
{وَمَا جعلناهم جَسَداً} وحد الجسد لإرادة الجنس {لاَّ يَأْكُلُونَ الطعام} صفة لجسد يعني وما جعلنا الأنبياء قبله ذوي جسد غير طامعين {وَمَا كَانُواْ خالدين} كأنهم قالوا هلا كان ملكاً لا يطعم ويخلد إما معتقدين أن الملائكة لا يموتون أو مسمين بقاءهم الممتد وحياتهم المتطاولة خلودا(2/396)
ثُمَّ صَدَقْنَاهُمُ الْوَعْدَ فَأَنْجَيْنَاهُمْ وَمَنْ نَشَاءُ وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ (9)
ثُمَّ صَدَقْنَاهُمُ الْوَعْدَ فَأَنْجَيْنَاهُمْ وَمَنْ نَشَاءُ وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ (9)
{ثم صدقناهم الوعد} بأبحاثهم والأصل في الوعد مثل واختار موسى قَوْمَهُ أي من قومه {فأنجيناهم} مما حل بقومهم {وَمَن نَّشَاء} هم المؤمنون {وَأَهْلَكْنَا المسرفين} المجاوزين الحد بالكفر ودل الاحبار بإهلاك المسرفين على ان من يشاء غيرهم(2/396)
لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (10)
لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (10)
{لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ} يا معشر قريش {كتابا فِيهِ ذِكْرُكُمْ} شرفكم إن عملتم به أو لأنه بلسانكم أو فيه موعظتكم أو فيه ذكر دينكم ودنياكم والجملة أي فيه ذكركم صفة لكتابا {أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} ما فضلتكم به على غيركم فتؤمنوا(2/396)
وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ (11)
وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ (11)
{وَكَمْ} نصب بقوله {قَصَمْنَا} أي أهلكنا {مِن قَرْيَةٍ} أي أهلها بدليل قوله {كَانَتْ ظالمة} كافرة وهي واردة عن غضب شديد وسخط عظيم لأن القصم أفظع الكسر وهو الكسر الذي يبين تلاؤم الاجزاء بخلاف المفصم فإنه كسر بلا إبانة {وَأَنشَأْنَا} خلقنا {بَعْدَهَا قوما آخرين} فسكنوا مساكنهم(2/396)
فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ (12)
فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ (12)
{فَلَمَّا أَحَسُّواْ} أي المهلكون {بَأْسَنَا} عذابنا أي علموا علم حسن ومشاهدة {إذا هم منها} من القرية وإذا للمفاجأة وهم مبتدأ والخبر {يَرْكُضُونَ} يهربون مسرعين والركض ضرب الدابة بالرجل فيجوز أن يركبوا دوابهم يركضونها هاربين من قريتهم لما أدركتهم مقدمة العذاب
الأنبياء (18 - 13)
أو شبهوا في سرعة عدوهم على أرجلهم بالراكبين الراضين لدوابهم فقيل لهم(2/396)
لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ (13)
لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ (13)
{لاَ تَرْكُضُواْ} والقائل بعض الملائكة {وارجعوا إلى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ} نعمتم فيه من الدنيا ولين العيش قال الخليل المترف الموسع عليه عيشه القليل فيه همه {ومساكنكم لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ} أي يقال لهم استهزاء بهم ارجعوا إلى نعيمكم ومساكنكم لعلكم تسألون غداً عما جرى عليك ونزل بأموالكم فتجيبوا السائل عن علم ومشاهدة أو اجلسوا كما كنتم في مجالسكم حتى يسألكم عبيدكم ومن ينفذ فيه أمركم ونهيكم ويقولوا لكم بم تأمرون وكيف نأتي ونذر كعادة المنعمين المخدمين أو يسألكم الناس في أنديتكم المعاون في نوازل الخطوب أو يسألكم الوافدون عليكم والطماع ويستمطرون سحاب أكفكم وقال بعضهم لبعض لا تركضوا أو ارجعوا إلى منازلكم وأموالكم لعلكم تسألون مالاً وخراجاً فلا تقتلون فنودي من السماء يالثارات الأنبياء وأخذتهم السيوف فثم(2/397)
قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (14)
قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (14)
{قالوا يا ويلنا إِنَّا كُنَّا ظالمين} اعترافهم بذلك حين لا ينفعهم الاعتراف(2/397)
فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ (15)
فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ (15)
{فَمَا زَالَت تِلْكَ} هي إشارة إلى يا ويلنا {دعواهم} دعاءهم وتلك مرفوع على أنه اسم زالت ودعواهم الخير ويجوز العكس {حتى جعلناهم حَصِيداً} مثل الحصيد أي الزرع المحصود ولم يجمع كما لم يجمع المقدر {خامدين} ميتين خمود النار وحصيدا خامدين مفعول ثان لجعل أي جعلناهم جامعين لمماثلة الحصد والخمود كقولك جعلته حلواً حامضاً أي جعلته جامعاً للطعمين(2/397)
وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ (16)
وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ (16)
{وَمَا خَلَقْنَا السماء والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا لاَعِبِينَ} اللعب فعل يروق أوله ولا ثبات له ولاعبين حال من فاءل خلقنا والمعنى وما سوينا هذا السقف المرفوع وهذا المهاد الموضوع وما بينهما من أصناف الخلق للهو واللعب وإنما سويناها ليستدل بها على قدرة مدبراه ولنجازي المحسن والمسيء على ما تقتضيه حكمتنا(2/397)
لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لَاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ (17)
لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لَاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ (17)
ثم نزه ذاته عن سمات الحدوث بقوله {لَوْ أَرَدْنَا أَن نَّتَّخِذَ لَهْواً} أي ولداً أو امرأة كأنه رد على من قال عيسى ابنه ومريم صاحبته {لاتخذناه مِن لَّدُنَّا} من الولدان أو الحور {إِن كُنَّا فاعلين} أي إن كنا ممن يفعل ذلك ولسنا ممن يفعله لاستحالته في حقنا وقيل هو نفي كقوله وان أدري أي ما كنا فاعلين(2/398)
بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ (18)
بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ (18)
{بَلْ نَقْذِفُ} بل إضراب عن اتخاذ اللهو وتنزيه منه لذاته كأنه قال سبحاننا أن نتخذ اللهو بل من سنتنا أن نقذف أي نرمي ونسلط {بالحق} بالقرآن {عَلَى الباطل} الشيطان أو بالإسلام على الشرك أو بالجد على اللعب {فَيَدْمَغُهُ} فيكسره ويدحض الحق الباطل
الأنبياء (23 - 18)
وهذه استعارة لطيفة لأن أصل استعمال القذف والدمغ في الاجسام ثم استيعر القذف لإيراد الحق على الباطل والدمغ لإذهاب الباطل فالمستعار منه حتى والمستعار له عقلي فكأنه قيل بل نورد الحق الشبيه بالجسم القوي على الباطل الشبيه بالجسم الضعيف فيبطله إبطال الجسم القوي الضعيف {فَإِذَا هُوَ} أي الباطل {زَاهِقٌ} هالك ذاهب {وَلَكُمُ الويل مِمَّا تَصِفُونَ} الله به من الولد ونحوه(2/398)
وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ (19)
وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ (19)
{وَلَهُ مَن فِى السماوات والأرض} خلقاً وملكاً فأبى يكون شيء منه ولداً له وبينهما تنافٍ ويوقف على الأرض لأن {ومن عنده} منزلة ومكانة لا منزلاً ولا مكاناً يعني الملائكة مبتدأ خبره {لاَ يَسْتَكْبِرُونَ} لا يتعظمون {عَنْ عِبَادَتِهِ وَلاَ يَسْتَحْسِرُونَ} ولا يعيون(2/398)
يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ (20)
يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ (20)
{يُسَبّحُونَ الليل والنهار لاَ يَفْتُرُونَ} حال من فاعل يسبحون أي تسبيحهم متصل دائم في جميع أوقاتهم لا تتخلله فتر بفراغ أو بشغل آخر فتسبيحهم جارٍ مجرى التنفس منا(2/398)
أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ (21)
أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ (21)
ثم أضرب عن المشركين منكراً عليهم وموبخاً فجاء بأم التي بمعنى بل والهمزة فقال {أَمِ اتخذوا الِهَةً مّنَ الأرض هُمْ يُنشِرُونَ} يحيون الموتى ومن الأرض صفة الآلهة لان آلهتهم كانتك متخذة من جواهر الأرض كالذهب والفضة والحجر وتعبد في الأرض فنسبت إليها كقولك فلان من المدينة أي مدني أو متعلق باتخذوا ويكون فيه بيان غاية الاتخاذ وفي قوله هم ينشرون زيادة توبيخ وإن لم يدعوا أن أصنامهم تحي الموتى وكيف يدعون ومن أعظم المنكرات أن ينشر الموتى بعض الموات انه يلزم من دعوى الألوهية لها دعوى الإنشار لأن العاجز عنه لا يصح أن يكون إلهاً إذ لا يستحق هذا الاسم إلا القادر على كل مقدور والإنشار من جملة المقدورات وقرأ الحسن ينشرون بفتح الياء وهما لغتان ابشر الله الموتى ونشرها أي أحياها(2/399)
لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (22)
لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (22)
{لَوْ كَانَ فِيهِمَا الِهَةٌ إِلاَّ الله} أي غير اله وصفت آلهة بالا كما وصتفت بغير لو قيل الهة غير الله ولا يجوز رفعه على البدل لأن لو بمنزلة إن في أن الكلام معه موجب والبدل لا يسوغ إلا في الكلام غير الموجب كقوله تعالى ولا يلتفت منك أحد الا امرأتك ولا يجوز نصبه استثناء لأن الجمع إذا كان منكراً لا يجوز أن يستثنى منه عند المحققين لأنه لا عموم له بحيث يدخل فيه المستثنى لولا الاستثناء والمعنى لو كان يدبر امر السموات والأرض آلهة شتى غير الواحد الذي هو فاطرهما {لَفَسَدَتَا} لخربتا لوجود التمانع وقد قررناه في أصول الكلام ثم نزه ذاته فقال {فسبحان الله رَبّ العرش عَمَّا يَصِفُونَ} من الولد والشريك(2/399)
لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ (23)
لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ (23)
{لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ} لأنه المالك على الحقيقة ولو اعترض على السلطان بعض عبيده مع وجود التجانس وجوز الخطأ عليه وعدم الملك الحقيقي
الأنبياء (29 - 23)
لاستقبح ذلك وعد سفهاً فمن هو مالك الملوك ورب الأرباب وفعله صواب كله أولى بأن لا يعترض عليه {وهم يسألون} لأنهم مملوكون خطاءون(2/399)
فما أخلقهم بأن يقال لهم لم فعلتم في كل شيء فعلوه وقيل هم يسألون يرجع إلى المسيح والملائكة أي هم مسئولون فكيف يكونون آلهة والألوهية تنافي الجنسية والمسئولية(2/400)
أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ (24)
أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ (24)
{أم اتخذوا من دونه آلهة} الإعادة لزيادة الإفادة فالأول للإنكار من حيث العقل والاثني من حيث النقل أي وصفتم الله تعالى بأن يكون له شريك فقيل لمحمد {قُلْ هَاتُواْ برهانكم} حجتكم على ذلك وذا عقلي وهو يأباه كما مر أو نقلي وهو الوحي وهو أيضاً يأباه فإنكم لا تجدون كتاباً من الكتب السماوية إلا وفيه توحيده وتنزيهه عن الانذار {هذا} أي القرآن {ذِكْرُ مَن مَّعِىَ} يعني أمته {وَذِكْرُ مَن قَبْلِى} يعني أمم الأنبياء من قبلي وهو وراد في توحيد الله ونفي الشركاء عنه معي حفص فلمالم يمتنعوا عن كفرهم أضرب عنهم فقال {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ الحق} أي القرآن وهو نصب بيعلمون وقرئ الحق أي هو الحق {فهم} أجل ذلك {مُّعْرِضُونَ} عن النظر فيما يجب عليهم(2/400)
وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (25)
وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (25)
{وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاَّ نُوحِى إِلَيْهِ} إِلاَّ نُوحِى كوفي غير أبي بكر وحماد {أَنَّهُ لا إله إِلاَّ أَنَاْ فاعبدون} وحدوني فهذه الآية مقررة لما سبقها من آي التوحيد(2/400)
وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ (26)
وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ (26)
{وَقَالُواْ اتخذ الرحمن وَلَداً سُبْحَانَهُ} نزلت في خزاعة حيث قالوا الملائكة بنات الله فنزه ذاته عن ذلك ثم أخبر عنهم بأنهم عباد بقوله {بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ} أي بل هم عباد مكرمون مشرفون مقربون وليسوا بأولاد إذ العبودية تنافي الولادة(2/400)
لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ (27)
لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ (27)
{لاَ يَسْبِقُونَهُ بالقول} أي بقولهم فأنيبت اللام مناب الإضافة والمعنى أنهم يتبعون قوله فلا يسبق قولهم قوله ولا يتقدمون قوله بقولهم {وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ} أي كما أن قولهم تابع لقوله فعملهم أيضاً مبني على أمره لا يعملون عملا لم يؤمروا به(2/401)
يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ (28)
يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ (28)
{يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ} أي ما قدموا وأخروا من أعمالهم {وَلاَ يَشْفَعُونَ إلا لمن ارتضى} أي من رضي الله تعالى عنه الله عنه وقال لا إله إلا الله {وَهُمْ مّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ} خائفون(2/401)
وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (29)
وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (29)
{وَمَن يَقُلْ مِنْهُمْ} من الملائكة {إِنّى إله مّن دُونِهِ} من دون الله إني مدني وأبو عمرو {فَذَلِكَ} مبتدأ أي فذلك القائل خيره {نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ} وهو جواب الشرط {كذلك نَجْزِى الظالمين}
الكافرين الذين وضعوا الإلهية في غير موضعها وهذا على سبيل الفرض والتمثيل لتحقق عصمتهم وقال ابن عباس رضي الله عنهما وقتادة والضحاك قد تحقق الوعيد في إبليس فان ادعى الالهية لنفسه ودعا على طاعة نفسه وعبادته(2/401)
أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ (30)
أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ (30)
{أَوَلَمْ يَرَ الذين كَفَرُواْ} ألم ير مكي {أن السماوات والأرض كانتا} أي جماعة السموات وجماعة الأرض فلذا لم يقل كن {رَتْقاً} بمعنى المفعول أي كانتا مرتوقتين وهو مصدر فلذا صلح أن يقع موقع مرتوقتين {ففتقناهما} فشققناهما والفتق الفصل بين الشيئين والرتق ضد الفتق فإن قيل متى رأوهما رتقاً حتى جاء تقريرهم بذلك قلنا إنه وارد في القرآن الذي هو معجزة فقام مقام المرئي المشاهد ولأن الرؤية بمعنى العلم وتلاصق الأرض والسماء وتباينهما جائزان في العقل فالاختصاص بالتباين دون التلاصق لا بد له من مخصص وهو القديم(2/401)
وقيل كانت السموات مرتتقة طبقة واحدة ففتقها الله تعالى وجعلها سبع سموات وكذلك الارض كانت مرتتقة طبقة واحد ففتقها وجعلها سبع أرضين وقيل كانت السماء رتقا لا تمطر والأرض رتبا لا تنبت ففتق السماء بالمطر والأرض بالنبات {وَجَعَلْنَا مِنَ الماء كُلَّ شَىْء حَىّ} أي خلقنا من الماء كل حيوان كقوله والله خلق كل دابة من ماء أو كأنما خلقناه من الماء لفرط احتياجه إليه وحبه له وقلة صبر عنه كقوله خلق السموات من عجل {أَفَلاَ يُؤْمِنُونَ} يصدقون بما يشاهدون(2/402)
وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (31)
وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (31)
{وَجَعَلْنَا فِى الأرض رَوَاسِىَ} جبالاً ثوابت من رسا إذا ثبت {أَن تَمِيدَ بِهِمْ} لئلا تضطرب بهم فحذف لا واللام وإنما جاز حذف لا لعدم الالتباس كما تزاد لذلك في لئلا يعلم أهل الكتاب {وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجاً} أي طرقاً واسعة جمع فج وهو الطريق الواسع ونصب على الحال من {سُبُلاً} متقدمة فإن قلت أي فرق بين قوله تعالى لّتَسْلُكُواْ مِنْهَا سُبُلاً فِجَاجاً وبين هذه قلت الأول للإعلام بأنه جعل فيها طرقاً واسعة والثاني لبيان أنه حين خلقها خلقها على تلك الصفة فهو بيان لما أبهم ثم {لَّعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ} ليهتدوا بها إلى البلاد المقصدوة(2/402)
وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ (32)
وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ (32)
{وَجَعَلْنَا السماء سَقْفاً مَّحْفُوظاً} في موضعه عن السقوط كما قال وَيُمْسِكُ السماء أَن تَقَعَ على الأرض بإذنه أو محفوظا بالهشب عن الشياطين كام قال وحفظناها من كل شيطان رجيم {وهم} أي الكفار {عن آياتها} عن الادلة التي فها كالشمس والقمر والنجوم {مُّعْرِضُونَ} غير متفكرين فيها فيؤمنون(2/402)
وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (33)
وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (33)
{وهو الذي خلق الليل} لتسكنوا فيه {والنهار} لتتصرفوا
الأنبياء (37 - 33)
فيه {والشمس}
{والشمس} لتكون سراج النهار {والقمر} ليكون سراج الليل {كُلٌّ} التنوين فيه عوض عن المضاف إليه أي كلهم والضمير للشمس والقمر المراد(2/402)
بهما جنس الطوالع وجمع جمع العقلاء للوصف بفعلهم وهو السباحة {فِى فَلَكٍ} عن ابن عباس رضي الله عنهما الفلك السماء والجمور على أن الفلك موج مكفوف تحت السماء تجري فيه الشمس والقمر والنجوم وكل مبتدأ خبره {يَسْبَحُونَ} يسيرون أي يدورون والجملة في محل النصب على الحال من الشمس والقمر(2/403)
وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ (34)
وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ (34)
{وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مّن قَبْلِكَ الخلد} البقاء الدائم {أفإن مِتَّ} بكسر الميم مدني وكوفي غير أبي بكر {فَهُمُ الخالدون} والفاء الأول لعطف جملة على جملة والثاني لجزاء الشرط كانوا يقدرون أنه سيموت فنفى الله عنه الشماتة بهذا أي قضي الله أن لا يخلد في الدنيا بشرا فإن مت أنت أيبقى هؤلاء(2/403)
كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (35)
كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (35)
{كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الموت وَنَبْلُوكُم} ونختبركم سمي ابتلاء وإن كان عالماً بما سيكون من أعمال العاملين قبل وجودهم لأنه في صورة الاختبار {بالشر} بالفقر والضر {والخير} الغني والنفع {فتنة} مصدر مؤكد لنبلوكم من غير لفظه {وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} فنجازيكم على حسب ما يوجد منكم من الصبر والشكر وعن ابن ذكوان ترجعون(2/403)
وَإِذَا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ هُمْ كَافِرُونَ (36)
وَإِذَا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ هُمْ كَافِرُونَ (36)
{وَإِذَا رَاكَ الذين كَفَرُواْ إِن يَتَّخِذُونَكَ} ما يتخذونك {إلا هزوا} مفعول ثان ليتخذونك نزلت في أبي جهل مربه النبي صلى الله عليه وسلم فضحك وقال هذا نبي بني عبد مناف {أهذا الذي يذكر} يعيب {آلهتكم} والذكر يكون بخير وبخلافه فإن كان الذاكر صديقاً فهو ثناء وإن كان عدواً فذم {وَهُمْ بِذِكْرِ الرحمن} أي بذكر الله وما يجب أن يذكر به من الوحدانية {هُمْ كافرون} لا يصدقون به أصلافهم أحق أن يتخذوا هزواً منك فإنك محق وهم مبطلون وقيل بذكر الرحمن أي(2/403)
بما أنزل عليك من القرآن هم كافرون جاحدون والجملة في موضع الحال أي يتخذونك هزواً وهم على حال هي أصل الهزء والسخرية وهي الكفر بالله تعالى وكررهم للتأكيد أو لأن الصلة حالت بينه وبين الخبرا فأعيد المبتدأ(2/404)
خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ (37)
خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ (37)
{خُلِقَ الإنسان مِنْ عَجَلٍ} فسر بالجنس وقيل نزلت حين كان النضر بن الحرث يستعجل بالعذاب والعجل العجلة مصدران وهو تقديم الشيء على وقته والظاهر أن المراد الجنس وأنه ركب فيه العجلة فكأنه خلق من العجل ولأنه يكثر منه والعرب تقول لمن يكثر منه الكرم خلق من الكرم فقدم أولاً ذم الإنسان على إفراط العجلة وأنه مطبوع عليها ثم منعه وزجره كانه قال ليس منه أن
الأنبياء (43 - 37)
يستعجل فانه مجبول على ذلك هو طبعه وسجيته فقد ركب فيه وقيل العجل الطين بلغه حمير قال شاعرهم والنخل ينبت بين الماء والعجل وإنما منع عن الاستعجال وهو مطبوع عليه كما أمره بقمع الشهوة وقد ركبها فيه لأنه أعطاه القوة التي يستطيع بها قمع الشهوة وترك العجلة ومن عجل حال أي عجلا {سأريكم آياتي} نقماتي {فَلاَ تَسْتَعْجِلُونِ} بالإتيان بها وهو بالياء عند يعقوب وافقه سهل وعياش في الوصل(2/404)
وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (38)
وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (38)
{وَيَقُولُونَ متى هذا الوعد} إتيان العذاب أو القيامة {إِن كُنتُمْ صادقين} قيل هو أحد وجهي استعجالهم(2/404)
لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لَا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلَا عَنْ ظُهُورِهِمْ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (39)
لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لَا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلَا عَنْ ظُهُورِهِمْ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (39)
{لَوْ يَعْلَمُ الذين كَفَرُواْ حِينَ لاَ يَكُفُّونَ عَن وُجُوهِهِمُ النار وَلاَ عَن ظُهُورِهِمْ وَلاَ هم ينصرون} جواب لو محذوف وحين مفعول به ليعلم أي لو يعلمون الوقت الذي يستعجلونه بقولهم متى هذا الوعد وهو وقت تحيط(2/404)
بهم فيه النار من وراء وقدام فلا يقدرون على دفعها ومنعها من أنفسهم ولا يجدون ناصراً ينصرهم لما كانوا بتلك الصفة من الكفر والاستهزاء والاستعجال ولكن جهلهم به هو الذي هونه عندهم(2/405)
بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (40)
بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (40)
{بَلْ تَأْتِيهِم} الساعة {بَغْتَةً} فجأة {فَتَبْهَتُهُمْ} فتحيرهم أي لا يكفونها بل تفجأهم فتغليهم {فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا} فلا يقدرون على دفعها {ولا هم ينظرون} يمهلون(2/405)
وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (41)
وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (41)
{ولقد استهزئ برسل من قبلك فحاق} فحاق ونزل {بالذين سَخِرُواْ مِنْهُمْ} جزاء {مَّا كَانُواْ به يستهزؤون} سلي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن استهزائهم به بأن له في الأنبياء أسوة وأن ما يفعلونه به يحيق بهم كما حاق بالمستهزئين بالأنبياء ما فعلوا(2/405)
قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ (42)
قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ (42)
{قل من يكلؤكم} يحفظكم {بالليل والنهار مِنَ الرحمن} أي من عذابه إن أتاكم ليلاً أو نهاراً {بَلْ هُمْ عَن ذِكْرِ رَبّهِمْ مُّعْرِضُونَ} أي بل هم معرضون عن ذكره ولا يخطرونه ببالهم فضلاً أن يخافوا بأسه حتى إذا رزقوا الكلاءة منه عرفوا من الكلي وصلحوا للسؤال عنه والمعنى أنه أمر رسوله بسؤالهم عن الكالئ ثم بين أنهم لا يصلحون لذلك لإعراضهم عن ذكر من يكلؤهم ثم أضرب عن ذلك بقوله(2/405)
أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنَا لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ وَلَا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ (43)
أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنَا لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ وَلَا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ (43)
{أَمْ لَهُمْ الِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مّن دُونِنَا} لما في أم من معنى بل فقال ألهم الهة تمنعهم من العذاب تتجاوز منعنا وحفظنا ثم استأنف بقوله {لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ ولا هم منا يصحبون} فبين ما ليس بقادر على نصر نفسه ومنعها ولا بمصحوب من الله بالنصر والتأييد كيف يمنع غيره
الأنبياء (47 - 44)
وينصره(2/405)
بَلْ مَتَّعْنَا هَؤُلَاءِ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى طَالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ أَفَلَا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا أَفَهُمُ الْغَالِبُونَ (44)
بَلْ مَتَّعْنَا هَؤُلَاءِ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى طَالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ أَفَلَا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا أَفَهُمُ الْغَالِبُونَ (44)
ثم قال(2/405)
{بل متعنا هؤلاء وآباءهم حتى طَالَ عَلَيْهِمُ العمر} أي ما هم فيه من الحفظ والكلاءة إنما هو هو منا لا من مانع يمنعهم من اهلا كنا وما كلأناهم وآباءهم الماضين إلا تمتيعاً لهم بالحياة الدنيا وإمهالاً كما متعنا غيرهم من الكفار وأمهلناهم حتى طال عليهم الأمد فقست قلوبهم وظنوا أنهم دائمون على ذلك وهو أمل كاذب {أَفَلاَ يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِى الأرض ننقصها من أطرافها} أي ننقص أرض الكفر ونحذف أطرافها بتسليط المسلمين عليها واظهارهم على أهلاه وردها دار إسلام وذكر نَأْتِى يشير بأن الله يجر به على أيدي المسلمين وأن عساكرهم كانت تغزوة أرض المشركين وتأتيها غالبة عليها ناقصة من أطرافها {أَفَهُمُ الغالبون} أفكفار مكة يغلبون بعد أن نقصنا من أطراف أرضهم أي ليس كذلك بل يغلبهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه بنصرنا(2/406)
قُلْ إِنَّمَا أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ وَلَا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعَاءَ إِذَا مَا يُنْذَرُونَ (45)
قُلْ إِنَّمَا أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ وَلَا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعَاءَ إِذَا مَا يُنْذَرُونَ (45)
{قُلْ إِنَّمَا أُنذِرُكُم بالوحى} أخوفكم من العذاب بالقرآن {وَلاَ يَسْمَعُ الصم الدعاء} بفتح الياء والميم ورفع الصم ولا تسمع الصم شامي على خطاب النبي صلى الله عليه وسلم {إِذَا مَا يُنذَرُونَ} يخوفون واللام في الصم للعهد وهو إشارة إلى هؤلاء المنذرين والأصل ولا يسمعون اذا ما ينرون فوضع الظاهر موضع المضمر للدلالة على تصامهم وسدهم أسماعهم إذا ما أنذروا(2/406)
وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذَابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (46)
وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذَابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (46)
{وَلَئِن مَّسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ} دفعة يسيرة {مّنْ عَذَابِ ربك} صفة لنفحة {ليقولن يا ويلنا إِنَّا كُنَّا ظالمين} أي ولئن مسهم من هذا الذي ينذرون به أدنى شيء لذلوا ودعوا بالويل على انفسه موأقروا أنهم ظلموا أنفسهم حيث تصاموا وأعرضوا وقد بولغ حيث ذكر المس النفحة لأن النفح يدل على قلة يقال نفحه بعطية رضخه بها مع أن بناءها للمرة وفي المس والنفحة ثلاث مبالغات لأن النفح في معنى القلة يقال نفحه بعطية رضخه بها مع أن بناءها للمرة وفي المس والنفحة ثلاث مبالغات لأن المنفح في معنى القلة والنزراة يقال نفحته الدابة وهو رمح لين ونفحه بعطية رضخه وابناء للمر ة(2/406)
وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ (47)
وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ (47)
{وَنَضَعُ الموازين} جمع ميزان وهو ما يوزن به الشيء فتعرف كميته عن الحسن هو ميزان له كفتان ولسان وإنما جمع الموازين بالقسط وهو العدل مبالغة كأنها في نفسها قسط أو على حذف المضاف أي ذوات القسط {لِيَوْمِ القيامة} لأهل يوم القيامة أي لأجلهم {فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً} من الظلم {وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ} وإن كان الشيء مثقال حبة مثقال بالرفع مدني وكذا في لقمان على كان التامة {مّنْ خَرْدَلٍ}
الأنبياء (55 - 47)
صفة لحية {أتينا بها} احضرناها وأنث ضمير المثقال لإضافته إلى الحبة كقولهم ذهبت بعض أصابعه {وكفى بِنَا حاسبين} عالمين حافظين عن ابن عباس رضي الله عنهما لأن من حفظ شيئا حسبه وعلمه(2/407)
وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْرًا لِلْمُتَّقِينَ (48)
وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْرًا لِلْمُتَّقِينَ (48)
{ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان وَضِيَاء وَذِكْراً} قيل هذه الثلاثة هي التوراة فهي فرقان بين الحق والباطل وضياء يستضاء به ويتوصل به إلى السبيل النجاة وذكر أي شرف أو وعظ وتنبيه أو ذكر ما يحتاج الناس إليه في مصالح دينهم ودخلت الواو على الصفات كما في قوله ويدا وحصورا ونبيا وتقول مررت بزيد الكريم والعالم والصالح ولم اانتفع بذلك المتقون خصهم بقوله {لّلْمُتَّقِينَ}(2/407)
الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ (49)
الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ (49)
ومحل {الذين} جر على الوصفية أو نصب على المدح أو رفع عليه {يَخْشَوْنَ رَبَّهُم} يخافون {بالغيب} حال أي يخافونه في الخلاء {وَهُمْ من الساعة} القيامة وأهو الها {مشفقون} خائفون(2/407)
وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنْزَلْنَاهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (50)
وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنْزَلْنَاهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (50)
{وهذا} القرآن {ذِكْرٌ مُّبَارَكٌ} كثير الخير غزير النفع {أنزلناه} على محمد {أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنكِرُونَ} استفهام توبيخ أي جادون أنه منزل من عند الله(2/407)
وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ (51)
وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ (51)
{ولقد آتينا إبراهيم رُشْدَهُ} هداه {مِن قَبْلُ} من قبل موسى وهرون أو من قبل محمد عليه السلام {وكنا به} ابراهيم أو برشده {عالمين} أي علمنا أنه أهل لما آتيناه(2/408)
إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ (52)
إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ (52)
{إذ} اما ان تتعلق بآتينا أو برشده {قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هذه التماثيل} أي الاصنام المصورة على صورة السباع والطيور والانسن وفيه تجاهل لهم ليحقوا آلهتهم مع علمه بتعظيمهم لها {التى أَنتُمْ لَهَا عاكفون} أي لأجل عبادتها مقيمون فلما عجزوا عن الإتيان بالدليل على ذلك(2/408)
قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ (53)
قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ (53)
{قالوا وجدنا آباءنا لَهَا عابدين} فقلدناهم(2/408)
قَالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (54)
قَالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (54)
{قَالَ} إبراهيم {لَقَدْ كُنتُمْ أنتم وآباؤكم فِى ضلال مُّبِينٍ} أراد أن المقلدين والمقلدين منخرطون في سلك ضلال ظاهر لا يخفى على عامل وأكد بأنتم ليصح العطف لأن العط فعلى ضميره وفي حكم بعض الفعل ممتنع(2/408)
قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ (55)
قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ (55)
{قَالُواْ أَجِئْتَنَا بالحق} بالجد {أَمْ أَنتَ مِنَ اللاعبين} أي أجاد أنت فيما تقول أم لا عب استعظاماً منهم إنكاره عليهم واستبعاداً لأن يكون ما هم عليه ضلالاً(2/408)
قَالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (56)
قَالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (56)
فثم أضرب عنهم مخبراً بأنه جاد فيما قال غير لاعب مثتبا لربوبية
الأنبياء (63 - 56)
الملك العلام وحدوث الأصنام بقوله {قَالَ بَل رَّبُّكُمْ رَبُّ السماوات والأرض الذى فطَرَهُنَّ} أي التماثيل فأنى يعبد المخلوق ويترك الخالق {وَأَنَاْ على ذلكم} المذكور من التوحيد شاهد {من الشاهدين}(2/408)
وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ (57)
وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ (57)
{وتالله} أصله والله في التاء معنى التعجب من تسهيل الكيد على يده مع صعوبته وتعذره لقوة سلطة نمرود {لاكِيدَنَّ أصنامكم} لأكسرنها {بَعْدَ أَن تُوَلُّواْ مُدْبِرِينَ} بعد ذهابكم عنها إلى عيدكم قال ذلك سراً من قومه فسمعه رجل واحد فعرض بقوله اني سقيم أي سأسقم ليتخلف فرجع إلى بيت الأصنام(2/409)
فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ (58)
فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ (58)
{فجعلهم جذاذا} قطعا من الجذو هو القطع جمع جذاذة كزجاجة وزرجاج جذاذا بالكسر علي جمع جذيذ أي مجذوذ كخفيف وخاف {إِلاَّ كَبِيراً لَّهُمْ} للأصنام أو للكفار أي فكسرها كلها بفأس في يده إلا كبيرا فعلق الفأس في عنقه {لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ} إلى الكبير {يرجعون} فيسألونه عن كاسرها فيتبين لهم عجزه أو إلى إبراهيم ليحتج عليهم أو إلى الله لما رأوا عجز آلهتهم(2/409)
قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ (59)
قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ (59)
{قَالُواْ} أي الكفار حين رجعوا من عيدهم ورأوا ذلك {من فعل هذا بآلهتنا إنه لمن الظالمين} أي إن من فعل هذا الكسر لشديد الظلم لجراءته على الآلهة الحقيقية عندهم بالتوقير والتعظيم(2/409)
قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ (60)
قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ (60)
{قَالُواْ سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إبراهيم} الجملتان صفتان لفتى إلا أن الأول وهو يذكرهم أي يعيبهم لا بد منه للسمع لأنك لا تقول سمعت زيداً وتسكت حتى تذكر شيئاً مما سيمع بخلاف الاثاني وارتفاع إبراهيم بأنه فاعل يقال فالمراد الاسم لا المسمى أي الذي يقال له هذا الاسم(2/409)
قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ (61)
قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ (61)
{قالوا} أي نمرود وأشراف قومه {فَأْتُواْ بِهِ} أحضروا إبراهيم {على أَعْيُنِ الناس} في محل الحال بمعنى معايناً مشاهداً أي بمرأى منهم ومنظر {لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ} عليه بما سمع منه أو بما فعله كأنهم كرهوا(2/409)
عقابه بلا بينة أو يحضرون عقوبتنا فلا احضروه(2/410)
قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ (62) قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ (63)
قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ (62) قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ (63)
{قالوا أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم قَالَ} إبراهيم {بَلْ فَعَلَهُ} عن الكسائي إنه يقف عليه أي فعله من فعله وفيه حذف الفاعل وأنه لا يجوز وجاز أن يكون الفاعل مسنداً إلى الفتى المذكور في قوله سمعنا فتى يذكرهم والي إبراهيم في قوله يا إبراهيم ثم قال {كَبِيرُهُمْ هذا} وهو مبتدأ وخبر والأكثر أنه لا وقف والفاعل كبيرم وهذا وصف أو بدل ونسب الفعل إلى كبيرهم وقصده تقريره لنفسه واثباته لها على أسلونب تعريضي تبكيتا لهم وإلزاما للحجة
الأنبياء (68 - 63)
عليهم لأنهم إذا نظروا والنظر الصحيح علموا عجز كبيرهم وأنه لا يصلح إلهاً وهذا كما لو قال لك صاحبك وقد كتبت كتابا بخط شيق أنيق أأنت كتبت هذا وصاحبك أمي فقلت له بل كتبته أنت كان قصدك بهذا الجواب تقريره لك مع الاستهزاء به لا نفيه عنك وإثباته للأمي لأن إثباته للعاجز منكما والأمر كائن بينكما استهزاء به وإثبات للقادر ويمكن أن يقال غاظته تلك الأصنام حين أبصرها مصطفة وكان غيظ كبيرها أشد لما رأى من زيادة تعظيمهم له فاستند الفعل كما يسند إلى مباشره يسند إلى الحامل عليه ويجوز أن يكن حكاية لما يقود إلى تجويزه مذهبم كأنه قال لهم ما تنكرون أن يفعله كبيرهم فان من حق من بعيد ويدعى إلهاً أن يقدر على هذا ويحكى أنه قال غضب أن تعبد هذه الصغار مه وهو أكبر منها فكسرهن أو هو متعلق بشرط لا يكون وهو نطق الأصنام فيكون نفياً للمخبر عنه أي بل فعله كبيرهم إن كانوا ينطقون وقوله فَاسْئَلُوهُمْ اعتراض وقيل عرض بالكبير لنفسه انما اضاف نفسه اليهم لاشتراكهم في الحضور {فاسألوهم} عن حالهم {إِن كَانُواْ يِنْطِقُونَ} وأنتم تعلمون عجزهم عنه(2/410)
فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ (64)
فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ (64)
{فَرَجَعُواْ إلى أَنفُسِهِمْ} فرجعوا إلى عقولهم وتفكروا بقلوبهم لما(2/410)
أخذ بمخالفتهم {فَقَالُواْ إِنَّكُمْ أَنتُمُ الظالمون} على الحقيقة بعبادة ما ينطق لا من ظلمتموه حين قلتم من فعل هذا بآلهتنا إنه لمن الظالمين فإن من لا يدفع عن رأسه الفاس كيف يدفع عن عابديه البأس(2/411)
ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ (65)
ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ (65)
{ثُمَّ نُكِسُواْ على رُؤُوسَهُمْ} قال أهل التفسير أجرى الله تعالى الحق على لسانهم في القول الأول ثم أدركتهم الشقاوة أي ردوا إلى الكفر بعد أن أقروا على أنفسهم بالظلم يقال نكسته قلبته فجعلت أسفله أعلاه أي استقاموا حين رجعوا إلى أنفسهم وجاءوا بالفكرة الصالحة ثم انقلبوا عن تلك الحالة فأخذا في المجادلة بالباطل والمكابرة وقالوا {لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلاء يَنطِقُونَ} فكيف تأمرنا بسؤالها والجملة سدت مسد مفعولي علمت والمعنى لقد علمت عجزعم عن النطق فكيف نسألهم(2/411)
قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ (66)
قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ (66)
{قَالَ} محتجاً عليهم {أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله مَا لاَ يَنفَعُكُمْ شَيْئاً} هو في موضع المصدر أي نفعاً {وَلاَ يَضُرُّكُمْ} إن لم تعبدوه(2/411)
أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (67)
أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (67)
{أُفّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله} أف صوت إذا صوت به علم أن صاحبه متضجر ضجر مما رأى من ثباتهم على عبادتها بعد انقطاع عذرهم وبعد وضوح الحق فتأفف بهم واللام لبيان المتأفف به أي لكم ولآلهتكم هذا التأفف أف مدني وحفص أُفَّ مكي وشامي أُفِّ غيرهم {أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} أن من هذا وصفه لا يجوز أن يكون إلهاً فلما لزمتهم الحجة وعجزوا عن الجواب(2/411)
قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ (68)
قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ (68)
{قَالُواْ حَرّقُوهُ} بالنار لأنها أهول ما يعاقب به وافظع {وانصروا آلهتكم} بالانتقام منه {إِن كُنتُمْ فاعلين} أي إن كنتم ناصرين آلهتكم نصراً مؤزراً فاختاروا له اهول
الأنبياء (74 - 69)
المعاقبات وهو الإحراق بالنار وإلا فرطتم في نصرتها(2/411)
والذي أشار باحراقه نمرود أو رجل من أكراد فارس وقيل إنهم حين هموا بإحراقه حبسوه ثم بنوا بيتاً بكوثى وجمعوا شهرا اصناف الخشب ثم اشتعلوا ناراً عظيمة كادت الطير تحترق في الجو من وهجها ثم وضعوه في المنجنيق مقيداً مغلولاً فرموا به فيها وهو يقول حسبي الله ونعم الوكيل وقال لله جبريل هل لك حاجة فقال أما إليك فلا قال فسل ربك قال حسبي من سؤالي علمه بحالي وما أحرقت النار إلا وثاقه وعن ابن عباس إنما نجا بقوله حسبي الله ونعم الوكيل(2/412)
قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ (69)
قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ (69)
{قُلْنَا يَا نَارُ كُونِى بَرْداً وسلاما} أي ذات برد وسلام فبولغ في ذلك كأن ذاتها بردا ولام {على إبراهيم} أراد بردى فيسلم منك ابراهيم وعن ابن عباس رضي الله عنهما لو لم يقل ذلك لأهلكته ببردها والمعنى أن الله تعالى نزع عنها طبعها الذي طبعها عليها من الحر والإحراق وأبقاها على الإضاءة والإشراق كما كانت هو على كل شيء قدير(2/412)
وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ (70)
وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ (70)
{وَأَرَادُواْ بِهِ كَيْداً} إحراقاً {فجعلناهم الأخسرين} فأرسل على نمرود وقومه البعوض فأكلت لحومهم وشربت دماءهم ودخلت بعوضة في دماغ نمرود فاهلكته(2/412)
وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ (71)
وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ (71)
{ونجيناه} أي ابراهيم {ولوطا} ابن اخيه هارن من العراق {إِلَى الأرض التى بَارَكْنَا فِيهَا للعالمين} أي أرض الشام بركتها أن أكثر الأنبياء منها فانتشرت في العالمين آثارهم الدينية وهي أرض خصب يطيب فيها عيش الغني والفقير وقيل ما من ماء عذب في الأرض إلا وينبع أصله من صخرة بيت المقدس روي أنه نزل بفلسطين ولوطا بالمؤتفكه بينهما مسيرة يوم وليلة وقال عليه السلام اناه ستكون هجرة بعد هجرة فخيار الناس لي منهاجر ابراهيم(2/412)
وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ (72)
وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ (72)
{وَوَهَبْنَا لَهُ إسحاق وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً} قيل هو مصدر كالعافية من غير لفظ الفعل السابق أي وهبنا له هبة وقيل هي ولد الولد وقد سأل ولداً فأعطيه وأعطي يعقوب نافلة أي زيادة وفضلا من غير سؤال وهي حال من يعقوب {وَكُلاًّ} أي إبراهيم وإسحق ويعقوب وهو المفعول الأول لقوله {جَعَلْنَا} والثاني {صالحين} في الدين والنبوة(2/413)
وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ (73)
وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ (73)
{وجعلناهم أَئِمَّةً} يقتدى بهم في الدين {يَهْدُونَ} الناس {بِأَمْرِنَا} بوحينا {وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الخيرات} وهي جميع الأعمال الصالحة وأصله أن تفعل الخيرات ثم فعلا الخيرات ثم فعل الخيرات وكذا قوله {وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة} والأصل وإقامة الصلاة إلا أن المضاف إليه جعل بدلاً من الهاء {وَكَانُواْ لَنَا عابدين} لا للإصنام فأنتم يا معشر العرب أولاد إبراهيم فاتبعوه في ذلك(2/413)
وَلُوطًا آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ تَعْمَلُ الْخَبَائِثَ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ (74)
وَلُوطًا آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ تَعْمَلُ الْخَبَائِثَ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ (74)
{وَلُوطاً} انتصب بفعل يفسره {آتَيْنَاهُ حُكْمًا} حكمة وهي ما يجب فعله من العمل
الأنبياء (79 - 74)
أو فصلاً بين الخصوم أو نبوة {وَعِلْماً} فقهاً {ونجيناه مِنَ القرية} من أهلها وهي سدوم {التي كانت تعمل الخبائث} اللواطة والضراطة وحذف المارة بالحصى وغيرها {إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْمَ سَوْء فاسقين} خارجين عن طاعة الله(2/413)
وَأَدْخَلْنَاهُ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (75)
وَأَدْخَلْنَاهُ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (75)
{وأدخلناه فِى رَحْمَتِنَا} في أهل رحمتنا أو في الجنة {إِنَّهُ مِنَ الصالحين} أي جزاء له على صلاحه كام أهلكنا قومه عقاباً على فسادهم(2/413)
وَنُوحًا إِذْ نَادَى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (76)
وَنُوحًا إِذْ نَادَى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (76)
{وَنُوحاً} أي واذكر نوحاً {إِذْ نادى} أي دعا على قومه بالهلاك {مِن قَبْلُ} من قبل هؤلاء المذكورين {فاستجبنا لَهُ} أي دعاءه(2/413)
{فنجيناه وَأَهْلَهُ} أي المؤمنين من ولده وقومه {مِنَ الكرب العظيم} من الطوفان وتكذيب أهل الطغيان(2/414)
وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ (77)
وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ (77)
{ونصرناه من القوم الذين كذبوا بآياتنا} منعناه منهم أي من أذاهم {إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْمَ سَوْء فأغرقناهم أَجْمَعِينَ} صغيرهم وكبيرهم ذكرهم وانثاهم(2/414)
وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ (78)
وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ (78)
{وداود وسليمان} أي واذكرهما {إِذْ} بدل منهما {يَحْكُمَانِ في الحرث} في الرزع أو الكرم {إذ} ظرف ليحكمان {نَفَشَتْ} دخلت {فِيهِ غَنَمُ القوم} ليلاً فأكلته وأفسدته والنفش انتشار الغنم ليلاً بلا راع {وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ} أرادهما والمتحاكمين إليهما {شاهدين} أي كان ذلك بلعمنا ومرأى منا(2/414)
فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ (79)
فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ (79)
{ففهمناها} أي الحكوم أو الفتوى {سليمان} وفيه دليل على أن الصواب كان مع سليمان صلوات الله عليه وقصته أن الغنم رعت الحرث وأفسدته بلا راع ليلا فتحا كما إلى داود فحكم بالغنم لأهل الحرث وقد استوت قيمتاهما أي قيمة الغنم كانت على قدر النقصان من الحرث فقال سليمان هو ابن إحدى عشرة سنة غير هذا أرفق بالفريقين فعزم عليه ليحكمن فقال أي أن تدفع الغنم إلى أهل الحرث ينتفعون بألبانها وأولادها وأصوافها والحرث إلى رب الغنم حتى يصلح الحرث ويعود كهيئة يوم أفسد ثم يترادان فقال القضاء ما قضيت وأمضى الحكم بذلك وكان ذلك باجتهاد منهما وهذا كان مع البهيمة سائق أو قائد وعند الشافعي رحمه الله يجب الضمان بالليل وقال الجصاص إنما ضمنوا لانهم أرسلوها أو نسخ الضمان بقوله عليه الصلاة(2/414)
والسلام العجماء جبار وقال مجاهد كان هذا صلحاً وما فعله داود كان حكماً والصلح خير {وَكُلاًّ} من داود وسليمان {آتيناه حكما} نبوة
الأنبياء (84 - 79)
{وَعِلْماً} معرفة بموجب الحكم {وَسَخَّرْنَا} وذللنا {مَّعَ داود الجبال يُسَبّحْنَ} وهو حال بمعنى مسبحات أو استئناف كأن قائلاً قال كيف سخرهن فقال يسبحن {والطير} معطوف على الجبال أو مفعول معه وقدمت الجبال على الطير لأن تسخيرها وتسبيحها أعجب وأغرب وأدخل في الإعجاز لأنها جماد روى أنه ان يمر بالجبال مسبحا وهي تجاوبه وقيل كانت تسير معه حيث سار {وَكُنَّا فاعلين} بالأنبياء مثل ذلك وإن كان عجباً عندكم(2/415)
وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ (80)
وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ (80)
{وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ} أي عمل اللبوس والدروع واللبوس اللباس والمراد الدرع {لِتُحْصِنَكُمْ} شامي وحفص أي الصنعة وبالنون أبو بكر وحماد أي الله عز وجل وبالياء غيرهم أي اللبوس أو الله عز وجل {مّن بَأْسِكُمْ} من حرب عدوكم {فَهَلْ أَنتُمْ شاكرون} استفهام بمعنى الأمر أي فاشكروا الله على ذلك(2/415)
وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ (81)
وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ (81)
{ولسليمان الريح} أي وسخرنا له الريح {عَاصِفَةً} حال أي شديدة الهبوب ووصفت في موضع آخر بالرخاء لأنها تجري باحتياره فكانت في وقت رخاء وفي وقت عاصة لهبوبها على حكم إرادته {تَجْرِى بِأَمْرِهِ} بأمر سليمان {إِلَى الأرض التى بَارَكْنَا فِيهَا} بكثرة الأنهار والأشجار والثمار والمراد الشام وكان منزله بها وتحمله الريح من نواحي الأرض إليها {وَكُنَّا بِكُلّ شَىْء عالمين} وقد أحاط علمنا بكل شيء فتجري الأشياء كلهاعلى ما يقتضيه علمنا(2/415)
وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذَلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ (82)
وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذَلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ (82)
{وَمِنَ الشياطين} أي وسخرنا منهم {مَن يَغُوصُونَ لَهُ} في البحار بأمره لاستخراج الدر وما يكون فيها {وَيَعْمَلُونَ عَمَلاً دُونَ ذلك} أي دون الغوص وهو بناء المحاريب والتماثيل والقصور والقدور والجفان {وكنا لهم حافظين} أي يزبغوا عن أمره أو يبدلوا أو يوجد منهم عناد فيما هم مسخرون فيه(2/416)
وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83)
وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83)
{وَأَيُّوبَ} أي واذكر أيوب {إِذْ نادى رَبَّهُ أَنّى} أي دعا بأني {مَسَّنِىَ الضر} الضر بالفتح الضرر في كل شيء وبالضم الضرر في النفس من مرض أو هزال {وَأَنتَ أرحم الراحمين} ألطف في السؤال حيث ذكر نفسه بما يوجب الرحمة ن وذكر ربه بغاية الرحمة ولم يصرح بالمطلوب فكأنه قال أنت أهل أن ترحم وأيوب أهل أن يرحم فارحمه واكشف عنه الضيم الذي مسه عن أنس رضي الله عنه أخبر عن ضعفه حين لم يقدر على النهوض إلى الصلاة ولم يشتك وكيف يشكون من قيل له إِنَّا وجدناه صَابِراً نّعْمَ العبد وقيل إنما شكا إليه تلذذا بالنجوة لا نمه تضرراً بالشكوى والشكاية إليه غاية القرب كما أن الشكاية منه غاية البعد(2/416)
فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ (84)
فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ (84)
{فاستجبنا لَهُ} أجبنا دعاءه {فَكَشَفْنَا مَا بِهِ من ضر} فكشفنا ضره نعاما عليه {وآتيناه أهله ومثلهم معهم}
روي أن أيوب عليه السلام كان رومياً من ولد اسحق بن إبراهيم عليه السلام وله سبعة بنين وسبع بنات وثلاثة آلاف بعير وسبعة الاف شاة وخمسمائة فدان يتبعها خمسمائة عبد لكل عبد امرأة وولد ونخيل فابتلاه الله تعالى بذهاب ولده وماله وبمرض في بدنه ثماني عشرة سنة أو ثلاث عشرة سنة أو ثلاث سنين(2/416)
قالت له امرأته يوما لو دعوت الله عز وجل فقال كما كانت مدة الرخاء فقالت ثمانين سنة فقال أنا أستحي من الله أن أدعوه وما بلغت مدة بلائي مدة رخائي فلما كشف الله عنه أحيا ولده بأعيانهم ورزقه مثلهم معهم {رَحْمَةً مّنْ عِندِنَا} هو مفعول له {وذكرى للعابدين} يعني رحمة لأيوب وتذكرة لغيره من العبادين ليصبروا كصبره فيثابوا به(2/417)
وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ (85)
وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ (85)
{وإسماعيل} بن ابراهيم {وإدريس} بن شيث بن آدم {وَذَا الكفل} أي اذكرهم وهو الياس أو زكريا أو يوشع بن نون وسمي به لأنه ذو الحظ من الله والكفل الحظ {كُلٌّ مّنَ الصابرين} أي هؤلاء المذكورون كلهم موصوفون بالصبر(2/417)
وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ (86)
وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ (86)
{وأدخلناهم فِى رَحْمَتِنَا} نبوتنا أو النعمة في الآخرة {إِنَّهُمْ مّنَ الصالحين} أي ممن لا يشوب صالاحهم كدر الفساد(2/417)
وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87)
وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87)
{وَذَا النون} أي اذكر صاحب الحوت والنون الحوت فأضيف إليه {إِذ ذَّهَبَ مغاضبا} حال أي مراغما لقومه ومعن مغاضبته لقومه أن أغضبهم بمفارقته لخوفهم حلول العقاب عليهم عندها روي أنه برم بقومه لطول ما ذكرهم فلم يتعظوا وأقاموا على كفرهم فراغمهم وظن أن ذلك يسوغ حيث لم يفعله إلا غضباً لله وبغضاً للكفر وأهله وكان عليه ان يصابروا وينتظر الإذن من الله تعالى في المهاجرة عنهم فابتلي ببطن الحوت {فَظَنَّ أَن لَّن نقدر} نضيق {عليه} وعنى ابن ابن عباس رضي الله عنهما أنه دخل يوماً على معاوية فقال لقد ضربتني أمواج القرآن البارحة فغرقت فيها فلم أجد لنفسي خلاصاً إلا بك قال وما هي يا معاوية فقرأ الآية فقال أو يظن نبي الله أن لا يقدر عليه قال هذا من القدر لا من القدرة {فنادى فِى الظلمات} أي في الظلمة الشديدة المتكائفة في بطن الحوت كقوله ذَهَبَ الله بِنُورِهِمْ وتركهم في ظلمات أو ظلمة الليل والبحر بطن الحوت(2/417)
{أن} أي بأنه {لاَّ إله إِلاَّ أَنتَ} أو بمعنى أي {سبحانك إِنّى كُنتُ مِنَ الظالمين} لنفسي في خروجي من قومي قبل أن تأذن لي في الحديث ما من مكروب يدعو بهذا الدعاء إلا استجيب له وعن الحسن ما نجاه الله الا باقراره على نفسه بالظلم(2/418)
فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (88)
فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (88)
{فاستجبنا لَهُ ونجيناه مِنَ الغم} غم الزلة والوحشة والوحدة {وكذلك نُنجِى المؤمنين} إذا دعونا واستغاثوا بنا نجى شامي وأبو بكر بإدغام
الأنبياء (93 - 89)
النون في الجيم عند البعض لأن النون لا تدغم في الجيم وقيل تقديره النجاء للمؤمنين فسكن الياء تخفيفاً وأسند الفعل إلى المصدر ونصب المؤمنين بالنجاء لكن فيه إقامة المصدر مقام الفاعل مع وجود المفعول وهذا لا يحوز وفيه تسكين الياء وبابه الضرورات وقيل أصله ننجى من التنجية فحذفت النون الثانية لاجتماع النونين كما حذفت إحدى التاءين في تَنَزَّلُ الملائكة(2/418)
وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ (89)
وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ (89)
{وَزَكَرِيَّا إِذْ نادى رَبَّهُ رَبّ لاَ تَذَرْنِى فَرْداً} سأل ربه أن يرزقه ولداً يرثه ولا يدعه وحيداً بلا وارث ثم رد أمره إلى الله مستسلماً فقال {وَأَنتَ خَيْرُ الوارثين} أي فان لم ترزقني من يرثني فلا أبالي فإنك خير وارث أي باق(2/418)
فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ (90)
فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ (90)
{فاستجبنا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يحيى} ولداً {وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ} جعلناها صالحة للولادة بعد العقار أي بعد عقرها أو حسنة وكانت سيئة الخلق {إنهم} أي الأنبياء المذكورين {كَانُواْ يُسَارِعُونَ فِى الخيرات} أي أنهم إنما استحقوا الإجابة إلى طلباتهم لمبادرتهم أبواب الخير ومسارعتهم في تحصيلها(2/418)
{وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً} أي طمعاً وخوفاً كقوله يحذر الآخرة ويرجو لنا رحمة ربه وهما مصدران في موضع الحال أو المفعول له أي للرغبة فينا والرهبة منا {وَكَانُواْ لَنَا خاشعين} متواضعين خائفين(2/419)
وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ (91)
وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ (91)
{والتى} أي واذكر التي {أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا} حفظته من الحلال والحرام {فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا} أجرينا فيها روح المسيح أو أمرنا جبريل فنفخ في جيب درعها فأحدثنا بذلك النفخ عيسى في بطنها وإضافة الروح إليه تعالى لتشريف عيسى عليه السلام {وجعلناها وابنها آية} مفعول ثان {للعالمين} وإنما لم يقل آيتين كما قال وجعلنا الليل والنهار آيتين لأن حالهما بمجموعها آية واحدة وهي ولادتها إياه من غير فحل أو التقدير وجعلناها آية وابنها كذلك فآية مفعول المعطوفي عليه ويدل عليه قراءة من قرأ آيتين(2/419)
إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ (92)
إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ (92)
{إن هذه أمتكم أمة واحدة} الأمة الملة وهذه إشارة إلى ملة الإسلام وهي ملة جميع الأنبياء وأمة واحدة حال أي متوحدة غير متفرقة والعامل ما دل عليه اسم الإشارة أي أن ملة الإسلام هي ملتكم التي يجب أن تكونوا عليها لا تنحرفون عنها يشار إليها ملة واحدة غير مختلفة {وَأَنَاْ رَبُّكُمْ فاعبدون} أي ربيتكم اختياراً فاعبدوني شكراً وافتخاراً والخطاب للناس كافة(2/419)
وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ (93)
وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ (93)
{وَتَقَطَّعُواْ أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ} أصل الكلام وتقطعتم إلا أن الكلام صرف إلى الغيبة على طريقة
الأنبياء (98 - 93)
الالتفات والمعنى وجعلوا أمر دينهم فيما بينهم قطعاً وصاروا فرقاً وأحزاباً ثم توعدهم بأن هؤلاء الفرق المختلفة {كُلٌّ إِلَيْنَا راجعون} فنجازيهم على أعمالهم(2/419)
فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ (94)
فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ (94)
{فَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصالحات} شيئاً {وَهُوَ مُؤْمِنٌ} بما يجب الإيمان به {فَلاَ كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ} أي فإن سعيه مشكور مقبول والكفران مثل في حرمان الثواب كما أن الشكر مثل في إعطائه وقد نفى نفي الجنس ليكون أبلغ {وَإِنَّا لَهُ} للسعي أي الحفظة بأمرنا {كاتبون} في صحيفة عمله فنثيبه به(2/420)
وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ (95)
وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ (95)
{وَحَرَامٌ} وحرم كوفي غير حفص وخلف وهما لغتان كحل وحلال وزنا وضده ومعنى المراد بالحرام الممتنع وجوده {على قَرْيَةٍ أهلكناها أَنَّهُمْ لا يرجعون} والمعنى ممتنع على أو حكمنا بإهلاكهم ذلك وهو المذكور في الآية المتقدمة من العمل الصالح والسعي المذكور غير المكفور أنهم لا يرجعون من الكفر إلى الاسلام(2/420)
حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ (96)
حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ (96)
{حتى} هي التي يحكى بعدها الكلام والكلام المحكي الجملة من الشرط والجزاء أعني {إِذَا} وما في حيزها {فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ} أي فتح سدهما فحذف المضاف كما حذف المضاف إلى قرية فتّحت شامي وهما قبيلتان من جنس الإنس يقال الناس عشرة أجزاء تسعة منها يأجوج ومأجوج {وَهُمْ} راجع إلى الناس المسوقين إلى المحشر وقيل هم يأجوج ومأجوج يخرجون حين يفتح السد {مّن كُلّ حَدَبٍ} نشز من الأرض أي ارتفاع {يَنسِلُونَ} يسرعون(2/420)
وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ (97)
وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ (97)
{واقترب الوعد الحق} أي القيامة وجواب إذا {فَإِذَا هِىَ} وهي إذا المفاجأة وهي تقع في المجازاة سادة مسد الفاء كقوله إِذَا هم يقنطون فإذا جاءت الفاء معها تعاونتاً على وصل الجزاء بالشرط فيتأكد ولو قيل فهي شاخصة أو إذا هي شاخصة كان سديداً(2/420)
وهي ضمير مبهم يوضحه الأبصار ويفسره {شاخصة أبصار الذين كَفَرُواْ} أي مرتفعة الأجفان لا تكاد تطرف من هول ما هم فيه {يا ويلنا} متعلق بمحذوف تقديره يقولون يا ويلنا ويقولون حال من الذين كفروا {قَدْ كُنَّا فِى غَفْلَةٍ مّنْ هذا} اليوم {بَلْ كُنَّا ظالمين} بوضعنا العبادة في غير موضعها(2/421)
إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ (98)
إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ (98)
{إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله} يعني الأصنام وإبليس وأعوانه لأنهم بطاعتهم لهم واتباعهم خطواتهم
الأنبياء (104 - 98)
في حكم عبدتهم {حصب} حطب وقرئ حطب {جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ} فيها داخلون(2/421)
لَوْ كَانَ هَؤُلَاءِ آلِهَةً مَا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ (99)
لَوْ كَانَ هَؤُلَاءِ آلِهَةً مَا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ (99)
{لو كان هؤلاء آلهة} كما زعمتم {مَّا وَرَدُوهَا} ما دخلوا النار {وَكُلٌّ} أي العابد والمعبود {فِيهَا} في النار {خالدون لَهُمْ} للكفار(2/421)
لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لَا يَسْمَعُونَ (100)
لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لَا يَسْمَعُونَ (100)
{فِيهَا زَفِيرٌ} أنين وبكاء وعويل {وَهُمْ فِيهَا لا يسمعون} شيئا لأنهم صاروا صماً وفي السماع نوع أنس فلم يعطوه(2/421)
إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ (101)
إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ (101)
{إِنَّ الذين سَبَقَتْ لَهُمْ مّنَّا الحسنى} الخصلة المفضلة في الحسن تأنيث الأحسن وهي السعادة أو البشرى بالثواب أو التوفيق للطاعة نزلت جوابا بالقول ابن الزبعري عند تلاوته عليه السلام على صناديد قريش إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله إلى قوله خالدون أليس اليهود عبدوا عزيراً والنصارى المسيح وبنو مليح الملائكة على أن قوله وما تعبدون لايتنا ولهم لأن مالمن لا يعقل إلا أنهم أهل عناد فزيد(2/421)
في البيان {أولئك} يعني عزيراً والمسيح والملائكة {عَنْهَا} عن جهنم {مُبْعَدُونَ} لأنهم لم يرضوا بعبادتهم وقيل المراد بقوله إن الذين سبقت لهم منا الحسنى جميع المؤمنين لما روي ان عليا رضي الله عنه قرأ هذه الآية ثم قال أنا منهم وأبو بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير وسعد وعبد الرحمن بن عوف وقال الجنيد رحمه الله سبقت لهم منا العناية في البداية فظهرت لهم الولاية في النهاية(2/422)
لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ (102)
لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ (102)
{لاَ يَسْمَعُونَ حَسِيَسَهَا} صوتها الذي يحس وحركة تلهبها وهذه مبالغة في الإبعاد عنها أي لا يقربونها حتى لا يسمعوا صوتها وصوت من فيها {وَهُمْ فِى مَا اشتهت أَنفُسُهُمْ} من النعيم {خالدون} مقيمون والشهوة طلب النفس اللذة(2/422)
لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (103)
لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (103)
{لاَ يَحْزُنُهُمُ الفزع الأكبر} النفخة الأخيرة {وتتلقاهم الملائكة} أي تستقبلهم الملائكة مهنئين على أبواب الجنة يقولون {هذا يَوْمُكُمُ الذى كُنتُمْ تُوعَدُونَ} أي هذا وقت ثوابكم الذي وعدكم ربكم في الدنيا(2/422)
يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ (104)
يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ (104)
العامل في {يَوْمَ نَطْوِى السماء} لا يحزنهم أو تتلقاهم تطوى السماء يزيد وطيها تكوير نجومها ومحو رسومها أو هو ضد النشر نجمعها ونطويها {كطي السجل} أي الصحيفة {لِلْكُتُبِ} حمزة وعلي وحفص أي للمكتوبات أي لما يكتب فيه من المعاني الكثيرة وغيرهم الكتاب أي كما يطوي الطومار للكتابة أي لما يكتب فيه لأن الكتاب أصله المصدر كالبناء ثم يوقع على المكتوب وقيل السجل ملك يطوي كتب بن آدمي إذا رفعت إليه وقيل كاتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم والكتاب على هذا اسم الصحيفة المكتوب فيها والطي مضاف إلى الفاعل وعلى الأول إلى المفعول {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ}
انتصب الكاف بفعل(2/422)
مضمر يفسره نعيده ما موصولة أي نعيده مثل الذي بدأناه نعيده وأول خلق ظرف لبدأنا أي أول ما خلق أو حال من ضمير الموصول الساقط من اللفظ الثابت في المعنى وأول الخق إيجاده أي فكما أوجده أو لا يعيده ثانياً تشبيهاً للإعادة بالإبداء في تناول القدرة لهما على السواء والتنكير في خلق مثله في قولك هو أول رجل جاءني تريد أول الرجال ولكنك وحدته ونكرته إرادة تفصيلهم رجلاً رجلاً فكذلك معنى أول خلق أول الخق بمعنى أول الخلائق لأن الخق مصدر لا يجمع {وعدا} ت مصدر مؤكد لأن قوله نعيده عدة للاعادة {علينا} أي عدا كائناً لا محالة {إِنَّا كُنَّا فاعلين} ذلك أي محققين هذا الوعد فاستعدوا له وقدموا صالح الأعمال للخلاص من هذه الأهوال(2/423)
وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ (105)
وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ (105)
{وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِى الزبور} كتاب داود عليه السلام {مِن بَعْدِ الذكر} التوراة {أن الأرض} أي الشام {يَرِثُهَا عِبَادِىَ} ساكنة الياء حمزة غيره بفتح الياء {الصالحون} أي أمة محمد عليه السلام أو الزبور بمعنى المزبور أي المكتوب يعني ما أنزال على الأنبياء من الكتب والذكر أم الكتاب يعني اللوح لأن الكل أخذوا منه ليله قراءة حمزة وخلف بضم الزاي على جمع الزبر بمعنى المزبور والأرض أرض الجنة(2/423)
إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ (106)
إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ (106)
{إِنَّ فِى هذا} أي القرآن أو في المذكور في هذه السورة من الأخبار والوعد الوعيد والمواعظ {لبلاغا} لكفاية واصله ما يبلغ به البغية {لّقَوْمٍ عابدين} موحدين وهم أمة محمد عليه السلام(2/423)
وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107)
وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107)
{وَمَا أرسلناك إِلاَّ رَحْمَةً} قال عليه السلام إنما أنا رحمة مهداة {للعالمين} لأنه جاء بما يسعدهم إن اتبعوه ومن لم يتبع فانما أتى من عند(2/423)
نفسه حيث ضيع نصيبه منها وقيل هو رحمة للمؤمنين في الدارين والكافرين في الدنيا بتأخير عذاب الاستئصال والمسخ والخسف ورحمة مفعول له أو حال أي ذا رحمة(2/424)
قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (108)
قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (108)
{قُلْ إِنَّمَا} إنما لقصر الحكم على شيء أو لقصر الشيء على حكم نحو إنما زيد قائم وإنما يقوم زيد وفاعل {يوحى إِلَىَّ أَنَّمَا إلهكم إله وَاحِدٌ} والتقدير يوحي إليَّ وحدانية إلهي ويجوز أن يكون المعنى أن الذي يوحي إليّ فتكون ما موصولة {فَهَلْ أَنتُمْ مُّسْلِمُونَ} استفهام بمعنى الأمر أي اسلموا(2/424)
فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ آذَنْتُكُمْ عَلَى سَوَاءٍ وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ مَا تُوعَدُونَ (109)
فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ آذَنْتُكُمْ عَلَى سَوَاءٍ وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ مَا تُوعَدُونَ (109)
{فإن تولوا} عن الاسلام {فقل آذنتكم} اعلمتكم ما امرت {على سَوَاء} حال أي مستوين في الإعلام به ولم أخصص بعضكم وفيه دليل بطلان مذهب الباطنية {وَإِنْ أَدْرِى أَقَرِيبٌ أَم بَعِيدٌ ما توعدون}
الأنبياء (112 - 110)
الحج (2 - 1)
أي لا أدري متى يكون يوم القيامة لأن الله تعالى لم يطلعني عليه ولكني اعلم بانه كائن لا محالة ولا أدري متى يحل بكم العذاب إن لم تؤمنوا(2/424)
إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ (110)
إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ (110)
{إِنَّهُ يَعْلَمُ الجهر مِنَ القول وَيَعْلَمُ مَا تكتمون} أي إنه عالم بكل شيء يعلم ما تجاهرونني به من الطعن في الإسلام وما تكتمونه في صدوركم من الأحقاد للمسلمين وهو مجازيكم عليه(2/424)
وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (111)
وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (111)
{وَإِنْ أَدْرِى لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَّكُمْ} وما أدري لعل تأخير العذاب عنكم في الدنيا امتحان لكم لينظر كيف تعملون {ومتاع إلى حِينٍ} وتمتيع لكم إلى الموت ليكون ذلك حجة عليكم(2/424)
قَالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ (112)
قَالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ (112)
{قَالَ رَبّ احكم بالحق} اقض بيننا وبين أهل مكة بالعدل أو بما يحق عليهم من العذاب ولا تحابهم وشدد عليهم كما قال واشدد وطأتك على(2/424)
مضر قال رب حفص على حكاية قول رسول الله صلى الله عليه وسلم رب احكم يزيد ربي أحكم زيد عن يعقوب {وَرَبُّنَا الرحمن} العاطف على خلقه {المستعان} المطلوب منه المعونة {على مَا تَصِفُونَ} وعن ابن ذكوان بالياء كانوا يصفون الحال على خلاف ما جرت عليه وكانوا يطمعون أن تكون الشوكة لهم والغلبة فكذب الله ظنونهم وخيب امالهم ونصر رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين وخذلهم أي الكفار وهو المستعان على ما يصفون(2/425)
سورة الحج مكية وهي ثمان وسبعون اية
بسم الله الرحمن الرحيم(2/426)
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (1)
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (1)
{يا أيها الناس اتقوا رَبَّكُمُ} أمر بني آدم بالتقوى ثم علل وجوبها عليهم بذكر الساعة ووصفها بأهول صفة بقوله {إِنَّ زَلْزَلَةَ الساعة شَىْء عظيم} لينظروا إلى تلك الصفة ببصائرهم ويتصورها بعقولهم حتى يبقوا على أنفسهم ويرحموها من شدائد ذلك اليوم بامتثال ما أمرهم به ربهم من التردي بلباس التقوى الذي يؤمنهم من تلك الأفزاع والزلزلة شدة التحريك والإزعاج وإضافة الزلزلة إلى الساعة إضافة المصدر إلى فاعله كأنها هي التي تزلزل الأرض على المجاز الحكمي أو إلى الظرف لأنها تكون فيها كقوله بل مكر الليل والنهار ووقتها يكون يوم القيامة أو عند طلوع الشمس من مغربها ولا حجة فيها للمعتزلة في تسمية المعدوم شيئاً فإن هذا اسم لها حال وجودها(2/426)
يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ (2)
يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ (2)
وانتصب {يَوْمَ تَرَوْنَهَا} أي الزلزلة أو الساعة بقوله {تَذْهَلُ} تغفل والذهول الغفلة {كُلُّ مُرْضِعَةٍ عما أرضعت} عن
الحج (5 - 2)
أو عن الذي أرضعته وهو الطفل وقيل مرضعة ليدل على أن ذلك الهول حدث وقد ألقمت الرضيع ثديها نزعته عن فيه لما يحلقها من الدهشة(2/426)
إذ المرضعة هي التي في حال الإرضاع ملقمة ثديها الصبي والمرضع التي شأنها أن ترضع وإن لم تباشر الإرضاع في حال وصفها به {وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ} أي حبلى {حِمْلِهَا} ولدها قبل تمامه عن الحس تذهل المرضعة عن ولدها لغير فطام وتضع الحامل ما في بطنها لغير تمام {وَتَرَى الناس} أيه الناظر {سكارى} على التشبيه لما شاهدوا بساط العزة وسلطنة الجبروت وسرادق الكبرياء حتى قال كل نبي نفسي نفسي {وَمَا هُم بسكارى} على التحقيق {ولكن عَذَابَ الله شَدِيدٌ} فخوف عذاب الله هو الذي أذهب عقولهم وطير تمييزهم وردهم في نحو حال من يذهب السكر بعقله وتمييزه وعن الحسن وترى الناس سكارى من الخوف وما هم بسكارى من الشراب سكرى فيهما بالامالة حمة وعلى وهو كعطش في عطشان رُوي أنه نزلت الآيتان ليلاً في غزوة بني المصطلق فقرأهما النبي عليه السلام فلم ير أكثر باكياً من تلك الليلة(2/427)
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ (3)
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ (3)
{وَمِنَ الناس مَن يجادل فِى الله} في دين الله في دين الله {بِغَيْرِ عِلْمٍ} حال نزلت في النضر بن الحرث وكان جدلاً يقول الملائكة بنات الله والقرآن أساطير الأولين والله غير قادر على إحياء من بلي أو هي عامة في كل من يخاصم في الدين بالهوى {وَيَتَّبِعْ} في ذلك {كُلَّ شيطان مَّرِيدٍ} عاتٍ مستمر في الشر ولا وقف في مريد لأن ما بعده صفته(2/427)
كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ (4)
كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ (4)
{كتب عليه} قضى على الشيطان {يُضِلُّهُ} عن سواء السبيل {وَيَهْدِيهِ إلى عَذَابِ السعير} النار قال الزجاج الفاء(2/427)
في فإنه للعطف وإن من مكرر للتأكيد ورد عليه أبو علي وقال إن من إن كان للشرط فالفاء دخل لجزاء الشرط وإن كان بمعنى الذي فالفاء دخل على خبر المبتدأ والتقدير فالأمر أنه يضله قال والعطف التأكيد يكون بعد تمام الأول والمعنى كتب على الشيطان إضلال من تولاه وهدايته إلى النار(2/428)
يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (5)
يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (5)
ثم ألزم الحجة على منكري البعث فقال {يا أيها الناس إِن كُنتُمْ فِى رَيْبٍ مّنَ البعث} يعني إن ارتبتم في البعث فمزيل ريبكم أن تنظروا في بدء خلقكم وقد كنتم في الابتداء قرابا وماء وليس سبب إنكاركم البعث إلا هذا وهو صيرورة الخلق تراباً وماء {فَإِنَّا خلقناكم} أي
الحج (7 - 5)
أباكم {مّن تُرَابٍ ثُمَّ} خلقتم {مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ} أي قطعة دم جامدة {ثم من مضغة} أي لحمة صغسيرة قدر ما يمضغ {مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ} المخلقة المسواة الملساء من النقصان والعيب كأن الله عز وجل يخلق المضغ متفاوتة منها ما هو كامل الخلقة أملس من العيوب ومنها ما هو على عكس ذلك فيتبع ذلك التفاوت تفاوت الناس في خلقهم وصورهم وطولهم وقصرهم وتمامهم ونقصانهم وإنما نقلنا كم من حال إلى حال ومن خلقة إلى خلقة {لّنُبَيّنَ لَكُمْ} بهذا التدريج كمال قدرتنا وحكمتنا وأن من قدر على خلق البشر من تراب أولا ثم نطفة ثانياً ولا مناسبة بين التراب والماء وقد ر أن يجعل النطفة علقة والعلقة مضغة والمضغة عظاما قدر على إعادة ما بدأه {وَنُقِرُّ} بالرفع عند غير المفضل مستأنف بعد وقف أي نحن نثبت {فِى الأرحام مَا نَشَاء} ثبوته {إلى أجل مسمى} أي وقت الولادة ومالم نشأ ثبوته أي أسقطته الأرحام {ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ} من الرحم {طِفْلاً} حال وأريد به الجنس فلذا لم يجمع أو أريد به ثم نخرج كل واحد منكم طفلاً {ثُمَّ لِتَبْلُغُواْ} ثم نربيكم لتبلغوا {أَشُدَّكُمْ} كمال عقلكم وقوتكم وهو من ألفاظ الجموع التي لا يستعمل(2/428)
لها واحد {وَمِنكُمْ مَّن يتوفى} عند بلوغ الأشد أو قبله أبو بعده {وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إلى أَرْذَلِ العمر} أخسه يعني الهرم والخرف {لِكَيْلاَ يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً} أي لكيلا يعلم شيئاً من بعد ما كان يعلمه أو لكيلا يستفيد علماً وينسى ما كان عالماً به ثم ذكر دليلاً آخر على البعث فقال {وَتَرَى الأرض هَامِدَةً} ميتة يابسة {فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الماء اهتزت} تحركت بالنبات {وَرَبَتْ} وانتفخت وربأت حيث كان يزيد ارتفعت {وَأَنبَتَتْ مِن كل زوج} صنف {بهيج} حسن سار للناظرين إليه(2/429)
ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (6)
ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (6)
{ذلك} مبتدأ خبره {بِأَنَّ الله هُوَ الحق} أي ذلك الذي ذكرنا من خلق بني آدم وإحياء الأرض مع ما في تضاعيف ذلك من أصناف الحكم حاصل بهذا وهو أن الله هو الحق أي الثابت الوجود {وأنه يحيي الموتى} كما أحيا الأرض {وَأَنَّهُ على كُلّ شيء قدير} قادر(2/429)
وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ (7)
وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ (7)
{وأن الساعة آتية لاَّ رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ الله يَبْعَثُ مَن فِى القبور} أي أنه حكيم لا يخلف الميعاد وقد وعد الساعة
الحج (12 - 8)
والبعث فلا بد أن يفي بما وعد(2/429)
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ (8)
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ (8)
{وَمِنَ الناس مَن يجادل فِى الله} في صفاته فيصفه ما هو له نزلت في أبي جهل {بِغَيْرِ عِلْمٍ} ضروري {وَلاَ هُدًى} أي استدلال لأنه يهدي إلى المعرفة {وَلاَ كتاب مُّنِيرٍ} أي وحي والعلم للإنسان من أحد هذه الوجوه الثلاثة(2/429)
ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ (9)
ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ (9)
{ثاني عطفه} حال أي لا وياعنقه عن طاعة الله اكبرا وخيلاء(2/429)
وعن الحسن ثاني عطفه بفتح العين أي مانع تعطفه إلى غيره {لِيُضِلَّ} تعليل للمجادلة ليضل مكي وأبو عمرو {عَن سَبِيلِ الله} دينه {لَهُ فِى الدنيا خِزْىٌ} أي القتل يوم بدر {وَنُذِيقُهُ يَوْمَ القيامة عَذَابَ الحريق} أي جمع له عذاب الدارين(2/430)
ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (10)
ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (10)
{ذلك بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ} أي السبب في عذاب الدارين هو ما قدمت نفسه من الكفر والتكذيب وكنى عنها باليد لأن اليد آلة الكسب {وَأَنَّ الله لَيْسَ بظلام لّلْعَبِيدِ} فلا يأخذ أحداً بغير ذنب ولا بذنب غيره وهو عطف على بما أي وبأن الله وذكر الظلام بلفظ المبالغة لاقترانه بلفظ الجمع وهو العبيد ولأن قليل الظلم منه مع علمه بقبحه واستغنائه كالكثير منها(2/430)
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (11)
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (11)
{وَمِنَ الناس مَن يَعْبُدُ الله على حَرْفٍ} على طرف من الدين لا في وسطه وقلبه وهذا مثل لكونهم على قلق واضطراب في دينهم لا على سكون وطمأنينة وهو حال أي مضطرباً {فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ} صحة في جسمه وسعة في معيشته {اطمأن} سكن واستقر {بِهِ} بالخير الذي أصابه أو بالدين فعبد الله {وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ} شر وبلاء في جسده وضيق في معيشته {انقلب على وَجْهِهِ} جهته أي ارتد ورجع إلى الكفر كالذي يكون على طرف من العسكر فإن أحس بظفر وغنيمة قر واطمأن وإلا فر وطار على وجهه قالوا نزلت في أعاريب قدموا المدينة مهاجرين وكان أحدهم إذا صح بدنه ونتجت فرسه مهراً سوياً وولدت امرأته غلاماً سوياً وكثر ماله وماشيته قال ما أصبت منذ دخلت في ديني هذا إلا خيراً واطمأن وإن كان الأمر بخلافه قال ما أصبت إلا شراً وانقلب عن دينه {خَسِرَ الدنيا والآخرة} حال وقد مقدرة دليله قراءة روح وزيد خاسر الدنيا والآخرة والخسران في الدنيا بالقتل فيها وفي الآخرة بالخلود في النار(2/430)
{ذلك} أي خسران الدارين {هُوَ الخسران المبين} الظاهر الذي لا يخفى على أحد(2/431)
يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُ وَمَا لَا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ (12)
يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُ وَمَا لَا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ (12)
{يدعو مِن دُونِ الله} يعني الصنم فإنه بعد الردة يفعل كذلك {مَا لاَ يَضُرُّهُ} إن لم يعبده {وَمَا لاَ يَنفَعُهُ} إن عبده {ذلك هو الضلال البعيد} من
الحج (17 - 12)
الصواب(2/431)
يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ (13)
يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ (13)
{يدعو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِن نَّفْعِهِ} والإشكال أنه تعالى نفى الضر والنفع عن الأصنام قبل هذه الآية وأثبتهما لها هنا والجواب أن المعنى إذا فهم ذهب هذا الوهم وذلك أن الله تعالى سفه الكافر بأنه يعبد جماد لا يملك ضراً ولا نفعاً وهو يعتقد فيه أنه ينفعه ثم قال يوم القيامة يقول هذا الكافر بدعاء وصراخ حين يرى استضراره بالأصنام ولا يرى لها أثر الشفاعة لمن ضره أقرب من نفعه {لَبِئْسَ المولى} أي الناصر الصاحب {ولبئس العشير} المصاحب أو كرر يدعو كأنه قال يدعو يدعو من دون الله مالا يضره ومالا ينفعه ثم قال لمن ضره بكونه معبوداً أقرب من نفعه بكونه شفيعاً(2/431)
إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ (14)
إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ (14)
{إن الله يدخل الذين آمنوا وَعَمِلُواْ الصالحات جنات تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأنهار إِنَّ الله يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ} هذا وعد لمن عبد الله بكل حال لا لمن عبد الله على حرف(2/431)
مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ (15)
مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ (15)
{مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ الله فِى الدنيا والآخرة} المعنى أن الله ناصر رسوله في الدنيا والآخرة فمن ظن من أعاديه غير ذلك {فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ} بحبل {إِلَى السماء} إلى سماء بيته {ثُمَّ لْيَقْطَعْ} ثم ليختنق به وسمي الاختناق قطعاً لأن المختنق يقطع نفسه بحبس مجاريه وبكسر اللام بصري وشامي {فَلْيَنْظُرْ(2/431)
هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ} أي الذي يغيظه أو ما مصدرية أي غيظه والمعنى فليصور في نفسه أنه إن فعل ذلك هل يذهب نصر الله الذي يغيظه سمي فعله كيداً على سبيل الاستهزاء لأنه لم يكد به محسوده إنما كاديه نفسه والمراد ليس في يده إلا ما ليس بمذهب لما يغيظ(2/432)
وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَأَنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يُرِيدُ (16)
وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَأَنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يُرِيدُ (16)
{وكذلك أنزلناه} ومثل ذلك الا نزال أنزل القرآن كله {آيات بينات} واضحات {وَأَنَّ الله يَهْدِى مَن يُرِيدُ} أي ولأن الله يهدي به الذين يعلم أنهم يؤمنون أو يثبت الذين آمنوا ويزيدهم هدى أنزله كذلك مبيّناً(2/432)
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (17)
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (17)
{إن الذين آمنوا والذين هَادُواْ والصابئين والنصارى والمجوس والذين أَشْرَكُواْ} قبل الاديان خمسة أربعة للشيطان وواحد للرحمن الصابئون نوع من النصارى فلا تكون ستة {إِنَّ الله يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ القيامة} في الأحوال والأماكن فلا يجازيهم جزاء واحدا ولا يجمعمه في موطن واحد وخبر إن الذين آمنوا إن الله يفصل بينهم كما تقول إن زيداً إن أباه قائم {إِنَّ الله على كُلّ شَىْء شَهِيدٌ} عالم به حافظ له فلينظر كل امرئ معتقده وقوله وفعله
الحج (22 - 18)
وهو أبلغ وعيد(2/432)
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ (18)
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ (18)
{ألم تر} ألم تعلم يا محمد علما يقوم مقام العيان {أَنَّ الله يَسْجُدُ لَهُ مَن فِى السماوات وَمَن فِى الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب} قيل إن الكل يسجد له ولكنا لا نقف عليه كما لا نقف على تسبيحها قال الله تعالى وَإِن مّن شَىْء إِلاَّ يُسَبّحُ بِحَمْدَهِ ولكن لا تفقهون تسبيحهم وقيل سمي مطاوعة غير المكلف له فيما يحدث من أفعاله وتسخيره له سجوداً له تشبيهاً لمطاوعته بسجود المكلف الذي كل خضوع دونه {وَكَثِيرٌ مّنَ(2/432)
الناس} أي ويسجد له كثير من الناس سجود طاعة وعبادة أو هو مرفوع على الابتداء ومن الناس صفة له والخبر محذوف وهن مثاب ويدل عليه قوله {وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ العذاب} أي وكثير منهم حق عليه العذاب بكفره وإبائه السجود {وَمَن يُهِنِ الله} بالشقاوة {فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ} بالسعادة {إِنَّ الله يَفْعَلُ مَا يَشَاء} من الإكرام والإهانة وغير ذلك وظاهر هذه الآية والتي قبلها ينقض على المعتزلة قولهم لأنهم يقولون شاء أشياء ولم يفعل وهو يقول ما يشاء(2/433)
هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ (19)
هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ (19)
{هذان خَصْمَانِ} أي فريقان مختصمان فالخصم صفة وصف بها الفريق وقوله {اختصموا} للمعنى وهذان للفظ والمراد المؤمنون والكافرون وقال ابن عباس رضي الله عنهما رجع إلى أهل الأديان المذكورة فالمؤمنون وسائر الخمسة خصم {فِى رَبّهِمْ} في دينه وصفاته ثم بين جزاء كل خصم بقوله {فالذين كَفَرُواْ} وهو فصل الخصومة المعنى بقوله إن الله يفصل بينهم يوم القيامة {قُطّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مّن نَّارِ} كأن الله يقدر لهم نيرانا على مقادير جثتهم تشتمل عليه كما نقطع الثياب الملبوسة واختير لفظ الماضي لأنه كائن لا محالة فهو كالثابت المتحقق {يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُؤُوسَهُمْ} بكسر الهاء والميم بصري وبضمهما حمزة وعلى منه نقطة على جبال الدنيا لأذابتها(2/433)
يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ (20)
يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ (20)
{يُصْهَرُ} يذاب {بِهِ} بالحميم {مَا فِى بُطُونِهِمْ والجلود} أي يذيب أمعاءهم وأحشاءهم كما يذيب جلودهم فيؤثر في الظاهر والباطن(2/433)
وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ (21)
وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ (21)
{وَلَهُمْ مَّقَامِعُ} سياط مختصة بهم {مِنْ حَدِيدٍ} يضربون بها(2/433)
كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (22)
كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (22)
{كُلَّمَا أَرَادُواْ أَن يَخْرُجُواْ مِنْهَا} من النار {من غم} بدل
الحج (25 - 22)
الاشتمال من منها بإعادة الجار أو الأولى لابتداء الغابة والثانية بمعنى من أجل يعني كلما أرادوا الخروج من النار من أجل غم يلحقهم فخرجوا {أُعِيدُواْ فِيهَا} بالمقامع ومعنى الخروج عند الحسن أن النار تضربهم بلهبها فتلقيهم إلى أعلاها فضربوا بالمقامع فهووا فيهما سبعين خريفاً والمراد إعادتهم إلى معظم النار لا أنه ينفصلون عنها بالكلية ثم يعودون إليها {وَذُوقُواْ} أي وقيل لهم ذوقوا {عَذَابَ الحريق} هو الغلبظ من النار المنتشر العظيم الإهلاك(2/434)
إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ (23)
إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ (23)
ثم ذكر جزاء الخصم الآخر فقال {إِنَّ الله يدخل الذين آمنوا وَعَمِلُواْ الصالحات جنات تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأنهار يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ} جمع أسورة جمع سوار {مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً} بالنصب مدني وعاصم وعلي ويؤتون لؤلؤاً وبالجر غيرهم عطفاً على من ذهب وبترك الهمزة الأولى في كل القرآن أبو بكر وحماد {وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ} ابريسم(2/434)
وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ (24)
وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ (24)
{وَهُدُواْ إِلَى الطيب مِنَ القول وَهُدُواْ إلى صراط الحميد} أي أرشد هؤلاء في الدنيا إلى كلمة التوحيد وإلى صراط الحميد أي الإسلام أو هداهم الله في الآخرة الهمهم أن يقولوا الحمد لله الذي صدقنا وعده وهداهم إلى طريق الجنة والحميد الله المحمود بكل لسان(2/434)
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (25)
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (25)
{إِنَّ الذين كَفَرُواْ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ الله} أي يمنعون عن الدخول في الإسلام ويصدون حال من فاعل كفروا أي وهم يصدون أي الصدود منهم دائم متسمر كما يقال فلان يحسن إلى الفقراء فإنه يراد(2/434)
به استمرار وجود الإحسان منه في الحال والاستقبال {والمسجد الحرام} أي ويصدون عن المسجد الحرام والدخول فيه {الذى جعلناه لِلنَّاسِ} مطلقاً من غير فرق بين حاضر وبادٍ فإن أريد بالمسجد الحرام مكة ففيه دليل على أنه لا تباع دور مكة وأن أريد به البيت فالمعنى أنه قلة لجميع الناس سَوَآء بالنصب حفص مفعول ثانٍ لجلناه أي جعلناه مستوياً {العاكف فِيهِ والباد} وغير المقيم بالياء مكي وافقه أبو عمرو في الوصل وغيره بالرفع على أنه خير والمبتدأ مؤخر أي العاكف فيه والباد سواء والجملة مفعول ثان وللناس حال {وَمَن يُرِدْ فِيهِ} في المسجد الحرام {بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ} حالان مترادفان ومفعول يرد متروك ليتناول كل متناول كأنه قال ومن يرد فيه مراداً ما عادلاً عن القصد ظالماً فالإلحاد العدول عن القصد {نُّذِقْهُ مِنْ}
{عذاب أليم وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت أن لا تشرك بي شيئا}
عذاب أليم فى الآخرة وخبران محذوف لدلالة جواب الشرط عليه تقديره إن الذين كفروا ويصدون عن المسجد الحرام نذيقهم من عذاب أليم وكل من ارتكب فيه ذنباً فهو كذلك(2/435)
وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (26)
وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (26)
{وَإِذْ بَوَّأْنَا لإبراهيم مَكَانَ البيت} واذكر يا محمد حين جعلنا لإبراهيم مكان البيت مباءة أي مرجعاً يرجع إليه للعمارة والعبادة وقد رفع البيت إلى السماء أيام الطوفان وكان من ياقوتة حمراء فأعلم الله إبراهيم مكانه بريح أرسلها فكنست مكان البيت فبناه على أسه القديم {أن} هي المفسرة للقول المقدر أي قائلين له {لاَّ تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَطَهّرْ بَيْتِىَ} من الأصنام والأقذار وبفتح الياء مدني وحفص {لِلطَّائِفِينَ} لمن يطوف به {والقائمين} والمقيمين بمكة {والركع السجود} المصلين جمع راكع وساجد(2/435)
وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27)
وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27)
{وَأَذّن فِى الناس بالحج} ناد فيهم والحج هو القصد البليغ إلى مقصد منيع ورُوي أنه صعد أبا قبيس فقال يا أيها الناس حجوا بيت ربكم فأجاب من قدر له أن يحج من الأصلاب والأرحام بلبيك اللهم لبيك وعن الحسن أنه خطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أن يفعل ذلك في حجة الوداع والأول أظهر وجواب الأمر {يَأْتُوكَ رِجَالاً} مشاة وجمع راجل كقائم وقيام {وعلى كُلّ ضَامِرٍ} حال معطوفة على رجال كأنه قال رجالاً وركباناً والضامر البعير المهزول وقدم الرجال على الركبان اظهارا لفضيلة المشاة كما ورد فى الحديث {يأتين} صفة لكل ضامر لأنه في معنى الجمع وقرأ عبد الله يأتون صفة للرجال والركبان {مِن كُلّ فَجّ} طريق {عَميِقٍ} بعيد قال محمد بن ياسين قال لي شيخ في الطواف من أين أنت فقلت من خراسان قال كم بينكم وبين البيت قلت مسيرة شهرين أو ثلاثة قال فأنتم جيران البيت فقلت أنت من أين جئت قال من مسيرة خمس سنوات وخرجت وأنا شاب فاكتهلت قلت والله هذه الطاعة الجميلة والمحبة الصادقة فقال
زر من هويت وإن شطت بك الدار
وحال من دونه حجب وأستار ... لا يمنعنك بعدٌ عن زيارته
إن المحب لمن يهواه زوّار(2/436)
لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ (28)
لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ (28)
واللام فى {ليشهدوا} ليحضروا معلق بأذن أو بيأتوك {منافع لَهُمْ} نكرها لأنه أراد منافع مختصة بهذه العبادة دينية ودنيوية لا توجد في غيرها من العبادة وهذا لأن العبادة شرعت للابتلاء بالنفس كالصلاة والصوم أو بالمال كالزكاة وقد اشتمل الحج عليهما مع ما فيه من تحمل الأثقال وركوب الأهوال وخلع الأسباب وقطيعة الأصحاب وهجر البلاد والأوطان وفرقة الأولاد والخلان والتنبيه على ما يستمر عليه إذا انتقل من دار الفناء إلى دار البقاء فالحج
الحج (29 - 28)
{ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام} إذا دخل البادية لا يتكل فيها إلا على عتاده ولا يأكل إلا من زاده فكذا المرء إذا خرج من شاطئ الحياة وركب(2/436)
بحر الوفاة لاينفع وحدته إلا ما سعى في معاشه لمعاده ولا يؤنس وحشته إلا ما كان يأنس به من أوراده وغسل من يحرم وتأهبه ولبسه غير المخيط وتطيبه مرآة لما سيأتي عليه من وضعه على سريره لغسله وتجهيزه مطيباً بالحنوط ملففاً في كفن غير مخيط ثم المحرم يكون أشعث حيران فكذا يوم الحشر يخرج من القبر لهفان ووقوف الحجيج بعرفات آملين رغباً ورهباً سائلين خوفاً وطمعاً وهم من بين مقبول ومخذول كموقف العرصات لاَ تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وسعيد والإفاضة إلى المزدلفة بالمساء هو السوق لفصل القضاء ومنى هو موقف المنى للمذنبين إلى شفاعة الشافعين وحلق الرأس والتنظيف كالخروج من السيئات بالرحمة والتخفيف والبيت الحرم الذي من دخله كان آمناً من الإيذاء والقتال أنموذج لدار السلام التي هي من نزلها بقي سالماً من الفناء والزوال غير أن الجنة حفت بمكاره النفس العادية كما أن الكعبة حفت بمتالف البادية فمرحباً بمن جاوز مهالك البوادي شوقاً إلى اللقاء يوم التنادي {وَيَذْكُرُواْ اسم الله} عند الذبح {فِى أَيَّامٍ معلومات} هي عشر ذي الحجة عند أبى حنيفة رحمه الله وآخرها يوم النحر وهو قول ابن عباس رضى الله عنهما وأكثر المفسرين رحمهم الله وعند صاحبيه هي أيام النحر وهو قول ابن عمر رضى الله عنهما {على مَا رَزَقَهُمْ مّن بَهِيمَةِ الأنعام} أي على ذبحه وهو يؤيد قولهما والبهيمة في كل ذات أربع في البر والبحر فبيتت بالأنعام وهي الإبل والبقر والضأن والمعز {فَكُلُواْ مِنْهَا} من لحومها والأمر للإباحة ويجوز الأكل من هدي التطوع والمتعة والقران لأنه دم نسك فأشبه الأضحية ولا يجوز الأكل من بقية الهدايا {وَأَطْعِمُواْ البائس} الذي أصابه بؤس أي شدة الفقير الذي أضعفه الإعسار(2/437)
ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ (29)
ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ (29)
{ثُمَّ لْيَقْضُواْ تَفَثَهُمْ} ثم ليزيلوا عنهم أدرانهم كذا قاله نفطويه قيل قضاء التفث قص الشارب والأظافر ونتف الإبط والاستحداد(2/437)
والتفث الوسخ والمراد قضاء إزالة التفث وقال ابن عمر وابن عباس رضى الله عنهما قضاء التفث مناسك الحج كلها {وَلْيُوفُواْ نُذُورَهُمْ} مواجب حجهم والعرب تقول لكل من خرج عما وجب عليه وفى بنذره وإن لم ينذر أو ما ينذرونه من أعمال البر في حجهم وليوفوا بسكون اللام والتشديد أبو بكر {وَلْيَطَّوَّفُواْ} طواف الزيارة الذي هو ركن الحج ويقع به تمام التحلل اللامات الثلاث ساكنة عند غير ابن عياش وأبي عمرو {بالبيت العتيق} القديم لأنه أول بيت يوضع للناس بناه آدم ثم جدده إبراهيم أو الكريم ومنه عتاق الخيل لكرائمها وعتاق الرقيق لخروجه من ذل العبودية إلى كرم الحرية أو لأنه أعتق من الغرق لأنه رفع زمن الطوفان أو من أيدي الجبابرة كم من جبار سار إليه ليهدمه فمنعه الله أو من أيدي الملاك فلم يملك قط وهو مطاف أهل الغبراء كما أن العرش مطاف أهل السماء فإن الطالب إذا هاجته
الحج (31 - 30)
{ذلك ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه وأحلت لكم الأنعام} معية الطرب وجذبته جواذب الطلب جعل يقطع مناكب الأرض مراحل ويتخذ مسالك المهالك منازل فإذا عاين البيت لم يزده التسلي به إلا اشتياقاً ولم يفده التشفي باستلام الحجر إلا احتراقاً فيرده الأسف لهفان ويردده اللهف حوله فى الدوران وطواف الزيارة آخره فرائض الحج الثلاث وأولها الإحرام وهو عقد الالتزام يشبه الاعتصام بعروة الإسلام حتى لا يرتفض بارتكاب ما هو محظور فيه ويبقى عقده مع ما يفسده وينافيه كما أن عقد الإسلام لا ينحل بازدحام الآثار وترتفع ألف حوبة بتوبة وثانيا الوقوف بعرفات بسمة الابتهال وصدق الاعتزال عن دفع الاتكال على مراتب الأعمال وشواهد الأحوال(2/438)
ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (30)
ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (30)
{ذلك} خبر مبتدأ محذوف أي الأمر ذلك أو تقديره(2/438)
ليفعلوا ذلك {وَمَن يُعَظّمْ حرمات الله} الحرمة ما لا يحل هنكه وجميع ما كلفه الله عز وجل بهذه الصفة من مناسك الحج وغيرهما فيحتمل أن يكون عاماً في جميع تكاليفه ويحتمل أن يكون خاصاً بما يتعلق بالحج وقيل حرمات الله البيت الحرام والمشعر الحرام والشهر الحرام والبلد الحرام والمسجد الحرام {فَهُوَ} أي التعظيم {خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبّهِ} ومعنى التعظيم العلم بأنها واجبة المراعاة والحفظ والقيام بمراعاتها {وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الأنعام} أي كلها {إِلاَّ مَا يتلى عَلَيْكُمْ} آية تحريمه وذلك قوله حرمت عليكم الميتة الآية والمعنى أن الله تعالى أحل لكم الأنعام كلها إلا ما بيّن في كتابه فحافظوا على حدوده ولا تحرموا شيئاً مما أحل كتحريم البعض البحيرة ونحوها ولا تحلوا مما حرم كاحلات لهم أكل الموقوذة والميتة وغيرهما ولما حث على تعظيم حرماته أتبعه الأمر باجتناب الأوثان وقول الزور بقوله {فاجتنبوا الرجس مِنَ الأوثان واجتنبوا قَوْلَ الزور} لأن ذلك من أعظم الحرمات واسبقها خطوا ومن الاوثان بيان للرجس مبهم يتناول غير شئ كأنه قيل فاجتنبوا الرجس الذي هو الأوثان وسمى الأوثان رجساً على طريقة التشبيه يعني أنكم تنفرون بطباعكم عن الرجس فعليكم أن تنفروا عنها وجمع بين الشرك وقول الزور أي الكذب والبهتان أو شهادة الزور وهو من الزور وهو الانحراف لأن الشرك من باب الزور إذ المشرك زاعم أن الوثن يحق له العبادة(2/439)
حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ (31)
حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ (31)
{حُنَفَاء للَّهِ} مسلمين {غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ} حال كحنفاء {وَمَن يُشْرِكْ بالله فَكَأَنَّمَا خَرَّ} سقط {مّنَ السماء} إلى الأرض {فَتَخْطَفُهُ الطير} أي تسلبه بسرعة فتخطّفه أي تتخطفه مدني {أَوْ تَهْوِي بِهِ الريح} أي تسقطه(2/439)
والهوي السقوط {في مكان سحيق} بعيد يجوز أن
الحج (35 - 32)
يكون هذا تشبيهاً مركباً ويجوز أن يكون مفرقاً فإن كان تشبيهاً مركباً فكأنه قال من أشرك بالله فقد أهلك نفسه أهلا كاليس بعده بأن صور حاله بصورة حال من خر من السماء فاختطفته الطير فتفرق قطعاً في حواصلها أو عصفت به الريح حتى هوت به في بعض المهالك البعيدة وإن كان مفرقاً فقد شبه الإيمان في علوه بالسماء والذي أشرك بالله بالساقط من السماء والاهواء المردية بالطير المختلفة والشيطان الذي هو يوقعه في الضلال بالريح التي تهوي بما عصفت به في بعض المهاوى المتلفة(2/440)
ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ (32)
ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ (32)
{ذلك} أي الأمر ذلك {وَمَن يُعَظّمْ شعائر الله} تعظيم الشعائر وهي الهدايا لأنها من معالم الحج أن يختارها عظام الأجرام حساناً سمانا غالية الأثمان {فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى القلوب} أي فإن تعظيمها من أفعال ذوي تقوى القلوب فحذفت هذه المضافات وإنما ذكرت القلوب لأنها مراكز التقوى(2/440)
لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ (33)
لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ (33)
{لَكُمْ فِيهَا منافع} من الركوب عند الحاجة وشرب ألبانها عند الضرورة {إلى أَجَلٍ مُّسَمًّى} إلى أن تنحر {ثُمَّ مَحِلُّهَا} أي وقت وجوب نحرها منتهية {إلى البيت العتيق} والمراد نحرها في الحرم الذي هو في حكم البيت إذا لحرم حريم البيت ومثله في الاتساع قولك بلغت البلد العتيق يأباه(2/440)
وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ (34)
وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ (34)
{وَلِكُلّ أُمَّةٍ} جماعة مؤمنة قبلكم {جَعَلْنَا مَنسَكًا} حيث كان بكسر السين بمعنى الموضع علي وحمزة أي موضع قربان وغيرهما بالفتح على المصدر أي إراقة الدماء وذبح القرابين {لّيَذْكُرُواْ اسم الله} دون غيره {مَا رَزَقَهُمْ مّن بَهِيمَةِ الأنعام} أي عند نحرها وذبحها(2/440)
{فإلهكم إله واحد} أي اذكروا على الذبح اسم الله وحده فإن إلهكم إله واحد وفيه دليل على أن ذكر اسم الله شرط الذبح يعني أن الله تعالى شرع لكل أمة أن ينسكوا له أي يذبحوا له على وجه التقرب وجعل القلة فى ذلك أن يذكر اسمه تقدمت أسماؤه على النسائك وقوله {فَلَهُ أَسْلِمُواْ} أي أخلصوا له الذكر خاصة واجعلوه له سالماً أي خالصاً لا تشوبوه بإشراك {وَبَشّرِ المخبتين} المطمئنين بذكر الله أوالمتواضعين الخاشعين من الخبث وهو المطمئن من الأرض وعن ابن عباس رضى الله عنهما الذى لا يظلمون وإذا ظلموا لم ينتصروا وقيل تفسيره ما بعده أي(2/441)
الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (35)
الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (35)
{الذين إِذَا ذُكِرَ الله وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} خافت منه هيبة {والصابرين على مَا أَصَابَهُمْ} من المحن والمصائب {والمقيمي الصلاة} في أوقاتها {وَمِمَّا رزقناهم يُنفِقُونَ} يتصدقون(2/441)
وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (36)
وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (36)
{والبدن} جمع بدنة سميت لعظم بدنها وفي الشريعة يتناول الابل والبقر وقرئ برفعها وهو كقوله والقمر قدرناه
الحج (39 - 36)
{جعلناها لَكُمْ مّن شعائر الله} أي من أعلام الشريعة التي شرعها الله وإضافتها إلى اسمه تعظيم لها ومن شعائر الله ثاني مفعولي جعلنا {لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ} النفع في الدنيا والأجر في العقبى {فاذكروا اسم الله عَلَيْهَا} عند نحرها {صَوَافَّ} حال من الهاء أي قائمات قد صففن أيديهن وأرجلهن {فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا} وجوب الجنوب وقوعها على الأرض من وجب الحائط وجبة إذا سقط أي إذا سقطت جنوبها على الأرض بعد نحرها وسكنت حركتها {فَكُلُواْ مِنْهَا} إن شئتم {وَأَطْعِمُواْ القانع} السائل من قنعت إليه إذا خضعت له وسألته(2/441)
قنوعاً {والمعتر} الذي يريك نفسه ويتعرض ولا يسأل وقيل القانع الراضي بما عنده وبما يعطي من غير سؤال من قنعت قنعاً وقناعة والمعتر المتعرض للسؤال {كذلك سخرناها لَكُمْ} أي كما أمرناكم بنحرها لكم أو هو كقوله ذلك ومن يعظم ثم استأنف فقال سخرناها لكم أي ذللناها لكم مع قوتها وعظم أجرامها لتتمكنوا من نحرها {لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} لكي تشكروا إنعام الله عليكم(2/442)
لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ (37)
لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ (37)
{لَن يَنَالَ الله لُحُومُهَا وَلاَ دِمَاؤُهَا ولكن يَنَالُهُ التقوى مِنكُمْ} أي لن يتقبل الله اللحوم والدماء ولكن يتقبل التقوى أو لن يصيب رضا الله اللحوم المتصدق بها ولا الدماء المراقة بالنحر والمراد أصحاب اللحوم والدماء والمعنى لن يرضى المضحكون والمقربون ربهم إلا بمراعاة النية والإخلاص ورعاية شروط التقوى وقيل كان أهل الجاهلية إذا نحروا الإبل نضحوا الدماء حول البيت ولطخوه بالدم فلما حج المسلمون أرادوا مثل ذلك فنزلت {كذلك سَخَّرَهَا لَكُمْ} أي البدن {لِتُكَبّرُواْ الله} لتسموا الله عند الذبح أو لتعظموا الله {على مَا هَدَاكُمْ} على ما أرشدكم إلى {وبشر المحسنين} الممثلين أوامره بالثواب(2/442)
إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ (38)
إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ (38)
{إن الله يدافع} مكي وبصري وغيرهما يدافع أي يبالغ في الدفع عنهم {عن الذين آمنوا} أى يدفع غائلة المشرين عن المؤمنين ونحوه إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا والذين آمنوا ثم علل ذلك بقوله {إِنَّ الله لاَ يحب كل خوان} فى أمانة الله {كفورا} لنعمة الله أى(2/442)
لأنه لايحب أضدادهم وهم الخونة الذين يخونون الله والرسول ويخونون أماناتهم ويكفرون بنعم الله ويغمطونها(2/443)
أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39)
أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39)
{أُذِنَ} مدني وبصري وعاصم {لِلَّذِينَ يقاتلون} بفتح التاء مدني وشامي وحفص والمعنى أذن لهم في القتال فحذف المأذون فيه لدلالة يقاتلون عليه {بأنهم ظلموا} بسبب كونهم
الحج (42 - 39)
مظلومين وهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كان مشركوا مكة يؤذونهم أذىً شديداً وكانوا يأتون رسول الله صلى الله عليه وسلم من بين مضروب إليه فيقول لهم اصبروا فإني لم أومر بالقتال حتى هاجر فأنزلت هذه الآية أذن فيها بالقتال بعد ما نهى عنه في نيف وسبعين آية {وَإِنَّ الله على نَصْرِهِمْ} على نصر المؤمنين {لَقَدِيرٌ} قادر وهو بشارة المؤمنين بالنصرة وهو مثل قوله إن الله يدافع عن الذين آمنوا(2/443)
الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40)
الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40)
{الذين} في محل جر بدل من الذين أو نصب بأعنى أو رفع بإضمارهم {أُخْرِجُواْ مِن ديارهم} بمكة {بِغَيْرِ حَقّ إِلاَّ أَن يَقُولُواْ رَبُّنَا الله} أي بغير موجب سوى التوحيد الذي ينبغي أن يكون موجب التمكن لا موجب الإخراج ومثله هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّا إلا أن آمنا بالله ومحل أن يقولوا جر بدلا من حق والمنعى ما أخرجوا من ديارهم إلا بسبب قولهم {وَلَوْلاَ دَفْعُ الله} دفاع مدني ويعقوب {الناس بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّهُدّمَتْ} وبالتخفيف حجازي {صوامع وَبِيَعٌ وصلوات ومساجد} أي لولا إظهاره وتسليطه المسلمين على الكافرين بالمجاهدة لا ستولى المشركون على أهل الملل المختلفة في أزمنتهم وعلى متعبداتهم فهدموها ولم يتركوا للنصارى بيعاً(2/443)
ولا للمسلمين مساجد أو لغلب المشركون في أمة محمد صلى الله عليه وسلم على المسلمين وعلى أهل الكتاب الذين في ذمتهم وهدموا متعبدات الفريقين وقدم غير المساجد عليها لتقدمها وجوداً أو لقربها من التهديم {يُذْكَرُ فِيهَا اسم الله كَثِيراً} في المساجد أو في جميع ما تقدم {وَلَيَنصُرَنَّ الله من ينصره} أى ينصر دينه وأولياءه {إن الله لقوي} على نصرأوليائه {عَزِيزٌ} على انتقام أعدائه(2/444)
الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ (41)
الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ (41)
{الذين} محله نصب بدل من من ينصره أو جر تابع للذين أخرجوا {إِنْ مكناهم فِى الأرض أَقَامُواْ الصلاة وآتوا الزكاة وَأَمَرُواْ بالمعروف وَنَهَوْاْ عَنِ المنكر} هو إخبار من الله عما ستكون عليه سيرة المهاجرين إن مكنهم في الأرض وبسط لهم في الدنيا وكيف يقومون بأمر الدين وفيه دليل صحة أمر الخلفاء الراشدين لأن الله عز وجل أعطاهم التمكين ونفاذ الأمر مع السيرة العادلة وعن الحسن هم أمة محمد صلى الله عليه وسلم {وَلِلَّهِ عاقبة الأمور} أي مرجعها إلى حكمه وتقديره وفيه تأكيد لما وعده من إظهار أوليائه وإعلاء كلمته(2/444)
وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَثَمُودُ (42)
وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَثَمُودُ (42)
{وإن يكذبوك} هذه تسلية لمحمد صلى الله عليه وسلم من تكذيب أهل مكة إياه أي لست باوحدى فى
الحج (46 - 42)
التكذيب {فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ} قبل قومك {قَوْمُ نُوحٍ} نوحاً {وَعَادٌ} هوداً {وَثَمُودُ} صالحاً(2/444)
وَقَوْمُ إِبْرَاهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ (43)
وَقَوْمُ إِبْرَاهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ (43)
{وَقَوْمِ إبراهيم} إبراهيم {وَقَوْمُ لُوطٍ} لوطاً(2/444)
وَأَصْحَابُ مَدْيَنَ وَكُذِّبَ مُوسَى فَأَمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ (44)
وَأَصْحَابُ مَدْيَنَ وَكُذِّبَ مُوسَى فَأَمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ (44)
{وأصحاب مَدْيَنَ} شعيباً {وَكُذّبَ موسى} كذبه فرعون والقبط ولم(2/444)
يقل وقوم موسى لأن موسى ما كذبه قومه بنو إسرائيل وإنما كذبه غير قومه أو كأنه قيل بعد ما ذكر تكذيب كل قوم رسولهم وكذب موسى أيضاً مع وضوح آياته وظهور معجزاته فما ظنك بغيره {فَأمْلَيْتُ للكافرين} أمهلتهم وأخرت عقوبتهم {ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ} عاقبتهم على كفرهم {فَكَيْفَ كَانَ نكير} انكاري وتعبيري حيث أبدلتهم بالنعم نقماً وبالحياة هلاكاً وبالعمارة خراباً نكيري بالياء في الوصل والوقف يعقوب(2/445)
فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ (45)
فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ (45)
{فَكَأَيّن مّن قَرْيَةٍ أهلكناها} أهلكتها بصري {وَهِىَ ظالمة} حال أي وأهلها مشركون {فَهِىَ خَاوِيَةٌ} ساقطة من خوى النجم إذا سقط {على عروشها} يتعلق بخاوية والمعنى أنها ساقطة على سقوفها أي خرت سقوفها على الأرض ثم تهدمت حيطانها فسقطت فوق السقوف ولا محل لفهى خاوية من الإعراب لأنها معطوفة على أهلكناها وهذا الفعل ليس له محل وهذا إذا جعلنا كأين منصوب المحل على تقدير كثيراً من القرى أهلكناها {وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ} أي متروكة لفقد دلوها ورشائها وفقد تفقدها أو هي عامرة فيها الماء ومعها آلات الاستقاء إلا أنها عطلت أي تركت لا يستقي منها لهلاك أهلها {وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ} مجصص من الشيد الجص أو مرفوع البنيان من شاد البناء رفعه والمعنى كم قرية أهلكناها وكم بئر عطلناها عن سقاتها وقصر مشيد أخليناه عن ساكنيه أي أهلكنا البادية والحاضرة جميعاً فخلت القصور عن اربابها والآبار عن واردها والاظهران البئر والقصر على العموم(2/445)
أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (46)
أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (46)
{أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِى الأرض} هذا حث على السفر ليروا مصارع من أهلكم الله بكفرهم ويشاهدوا آثارهم فيعتبروا {فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يعقلون بها أو آذان يَسْمَعُونَ بِهَا} أي يعقلون ما يجب أن يعقل من التوحيد ونحوه ويسمعون(2/445)
ما يجب سماعه من الوحي {فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى الأبصار ولكن تعمى القلوب التى فِى الصدور} الضمير في فإنها ضمير القصة أو ضمير مبهم يفسره الأبصار أي فما عميت أبصارهم عن الإبصار بل قلوبهم عن الاعتبار ولكل إنسان أربع أعين عينان في رأسه وعينان في قلبه فإذا أبصر ما في القلب وعمي ما في الرأس لم يضره وإن أبصر ما في الرأس وعمي ما في القلب لم ينفعه وذكر الصدور لبيان أن محل العلم القلب
الحج (52 - 47)
ولئلا يقال إن القلب يعني به غير هذا العضو كما يقال القلب لب كل شئ(2/446)
وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (47)
وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (47)
{وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بالعذاب} الآجل استهزاء {وَلَن يُخْلِفَ الله وَعْدَهُ} كأنه قال ولم يستعجلونك به كأنهم يجوزون الفوت وإنما يجوز ذلك على ميعاد من يجوز عليه الخلف ولن يخلف الله وعده وما وعده ليصيبنهم ولو بعد حين {وَإِنَّ يَوْماً عِندَ رَبّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مّمَّا تَعُدُّونَ} يعدون مكي وكوفي غير عاصم أي كيف يستعجلون بعذاب من يوم واحد من أيام عذابه في طول ألف سنة من سنيكم لأن أيام الشدائد طوال(2/446)
وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ (48)
وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ (48)
{وَكَأَيّن مّن قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِىَ ظالمة} أي وكم من أهل قرية كانوا مثلكم ظالمين قد أنظرتهم حيناً {ثُمَّ أَخَذْتُهَا} بالعذاب {وَإِلَيَّ المصير} أي المرجع إلي فلا يفوتني شئ وإنما كانت الأولى أي فكأين معطوفة بالفاء وهذه أى وكأين بالواو ولأن الأولى وقعت بدلاعن فكيف كان نكيرو أما هذه فحكمها حكم ما تقدمها من الجملتين المعطوفتين بالواو وهما وَلَن يُخْلِفَ الله وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْماً عِندَ رَبّكَ(2/446)
قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (49)
قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (49)
{قُلْ يا أَيُّهَا الناس إِنَّمَا أَنَاْ لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ} وإنما لم يقل بشير ونذير لذكر(2/446)
الفريقين بعده لأن الحديث مسوق إلى المشركين ويا أيها الناس نداءلهم وهم الذين قيل فيهم أفلم يسيروا ووصفوا بالاستعجال وإنما أفحم المؤمنون وثوابهم ليغاظوا أو تقديره نذير مبين وبشير فبشر أولا فقال(2/447)
فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (50)
فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (50)
{فالذين آمنوا وَعَمِلُواْ الصالحات لَهُمْ مَّغْفِرَةٌ} لذنوبهم {وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} اى حسن ثم أنذار فقال(2/447)
وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (51)
وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (51)
{والذين سَعَوْاْ} سعى في أمر فلان إذا أفسده بسعيه {في آياتنا} أي القرآن {معاجزين} حال معجزين حيث كان مكى وأبو عمر ووعاجزه سابقه كأن كل واحد منهما في طلب إعجاز الآخر عن اللحاق به فإذا سبقه قيل أعجزه وعجزه والمعنى سعوا في معناها بالفساد من الطعن فيها حيث سموها سحراً وشعراً وأساطير مسابقين في زعمهم وتقديرهم طامعين أن كيدهم للاسلام يتم لهم {أولئك أصحاب الجحيم} أي النار الموقدة(2/447)
وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (52)
وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (52)
{وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ} من لابتداء الغاية {مِن رَّسُولٍ} من زائدة لتأكيد النفي {وَلاَ نَبِيّ} هذا دليل بين على ثبوت التغاير بين الرسول والنبي بخلاف ما يقول البعض انهما واحد وسئل النبى صلى الله عليه وسلم عن الأنبياء فقال مائة ألف وأربعة وعشرون ألفاً فقيل فكم الرسل منهم فقال ثلثمائة وثلاثة عشر والفرق بينهما أن الرسول من جمع إلى المعجزة الكتاب المنزل عليه والنبي من لم ينزل عليه كتاب وإنما أمر أن يدعو إلى شريعة من قبله وقيل الرسول واضع شرع والنبي حافظ شرع غيره {إلا إذا تمنى} قرأ قال
الحج (54 - 52)
... تمنى كتاب الله أول ليلة تمنى داود الزبور على رسل ...
{أَلْقَى الشيطان فِى أُمْنِيَّتِهِ} تلاوته قالوا انه عليه السلام كان(2/447)
نادي قومه يقرأ والنجم فلما بلغ قوله ومناة الثالثة الأخرى جرى على لسانه تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى ولم يفطن له حتى أدركته العصمة فتنبه عليه وقيل نبهه جبريل عليه السلام فأخبرهم أن ذلك كان من الشيطان وهذا القول غير مرضى لأنه لا يخلو إما أن يتكلم النبي عليه السلام بها عمدا وأه لا يجوز لأنه كفر ولأنه بعث طاعناً للاصنام لا مادحالها أو أجرى الشيطان ذلك على لسان النبي عليه الصلاة والسلام جبراً بحيث لا يقدر على الامتناع منه وهو ممتنع لأن الشيطان لا يقدر على ذلك على لسانه سهوا وغلفة وهو مردود أيضاً لأنه لا يجوز مثل هذه الغفلة عليه في حال تبليغ الوحي ولو جاز ذلك لبطل الاعتماد على قوله ولأنه تعالى قال في صفة المنزل عليه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وقال إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذكر وَإِنَّا لَهُ لحافظون فلما بطلت هذه الكلمات متصلا بقراءة النبى صلى الله عليه وسلم فوقع عند بعضهم أنه عليه السلام هو الذي تكلم بها فيكون هذا إلقاء في قراءة النبى صلى الله عليه وسلم وكان الشيطان يتكلم في زمن النبي عليه السلام ويسمع كلامه فقد رُوي أنه نادى يوم أحد ألا إن محمداً قد قتل وقال يوم بدر لاَ غَالِبَ لَكُمُ اليوم مِنَ الناس وَإِنّي جارلكم {فَيَنسَخُ الله مَا يُلْقِي الشيطان} أي يذهب به ويبطله ويخبر أنه من الشيطان {ثُمَّ يحكم الله آياته} أي يثبتها ويحفظها من لحوق الزيادة من الشيطان {والله عَلِيمٌ} بما أوحى إلى نبيه وبقصد الشيطان {حَكِيمٌ} لا يدعه حتى يكشفه ويزيله(2/448)
لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ (53)
لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ (53)
ثم ذكر أن ذلك ليفتن الله تعالى به قوماً بقوله(2/448)
{لّيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشيطان فِتْنَةً} محنة وابتلاء {لّلَّذِينَ فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ} شك ونفاق {والقاسية قُلُوبُهُمْ} هم المشركون المكذبون فيزدادوا به شكاً وظلمة {وَإِنَّ الظالمين} أي المنافقين والمشركين وأصله وأنهم فوضع الظاهر موضع الضمير قضاء عليهم بالظلم {لَفِي شِقَاقٍ} خلاف {بَعِيدٍ} عن الحق(2/449)
وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (54)
وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (54)
{وَلِيَعْلَمَ الذين أُوتُواْ العلم} بالله وبدينه وبالآيات {أَنَّهُ} أي القرآن {الحق مِن رَّبّكَ فَيُؤْمِنُواْ بِهِ} بالقرآن {فَتُخْبِتَ} فتطمئن {لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الله لهاد الذين آمنوا إلى صراط مُّسْتَقِيمٍ}
فيتأولون ما يتشابه في الدين بالتأويلات الصحيحة ويطلبون لما أشكل منه المحمل الذي تقتضيه الأصول المحكمة حتى لا تلحقهم حيرة ولا تعتريهم شبهة(2/449)
وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ (55)
وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ (55)
{وَلاَ يَزَالُ الذين كَفَرُواْ فِى مِرْيَةٍ} شك {مِنْهُ} من القرآن أو من الصراط المستقيم {حتى تَأْتِيَهُمُ الساعة بَغْتَةً} فجأة {أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ} يعني يوم بدر فهو عقيم عن أن يكون للكافرين فيه فرج أو راحة كالريح العقيم لا تأتي بخير أو شديد لا رحمة فيه أو لا مثل له في عظم أمره لقتال الملائكة فيه وعن الضحاك أنه يوم القيامة وأن المراد بالساعة مقدماته(2/449)
الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (56) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (57)
الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (56) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (57)
{الملك يَوْمَئِذٍ} أي يوم القيامة والتنوين عوض عن الجملة أي يوم يؤمنون أو يوم تزول مريتهم {لِلَّهِ} فلا منازع له فيه {يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ} أي يقضي ثم بين حكمه فيهم بقوله {فالذين آمنوا وَعَمِلُواْ الصالحات فِى جنات النعيم(2/449)
والذين كَفَرُواْ وكذبوا بآياتنا فَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ}(2/450)
وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقًا حَسَنًا وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (58)
وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقًا حَسَنًا وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (58)
ثم خص قوماً من الفريق الأول بفضيلة فقال {والذين هَاجَرُواْ فِى سَبِيلِ الله} خرجوا من أوطانهم مجاهدين {ثم قتلوا} في الجهاد قُتِلُواْ شامي {أَوْ مَاتُواْ} حتف أنفهم {لَيَرْزُقَنَّهُمُ الله رِزْقاً حَسَناً} قيل الرزق الحسن الذي لا ينقطع أبداً {وَإِنَّ الله لَهُوَ خَيْرُ الرازقين} لأنه المخترع للخلق بلا مثال المتكفل للرزق بلا مال(2/450)
لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلًا يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ (59)
لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلًا يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ (59)
{لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُّدْخَلاً} بفتح الميم مدني والمراد الجنة {يَرْضَوْنَهُ} لأن فيها ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين {وَإِنَّ الله لَعَلِيمٌ} بأحوال من قضى نحبه مجاهداً وآمال من مات وهو ينتظر معاهداً {حَلِيمٌ} بإمهال من قاتلهم معانداً رُوي أن طوائف من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم قالوا يا نبى الله هؤلاء لاذين قتلوا قد علمنا ما أعطاهم الله من الخير ونحن نجاهد معك كما جاهدوا فما لنا إن متنا معك فأنزل الله هاتين الآيتين(2/450)
ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (60)
ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (60)
{ذلك} أي الأمر ذلك وما بعده مستأنف {وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ} سمي الابتداء بالجزاء عقوبة لملابسته له من حيث إنه سبب وذلك مسبب عنه {ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنصُرَنَّهُ الله} أي من جازى بمثل ما فعل به من الظلم ثم ظلم بعد ذلك فحق على الله
الحج (64 - 60)
أن ينصره {إِنَّ الله لَعَفُوٌّ} يمحو آثار الذنوب {غفور} يستر أنواع العيوب وتقريب الوصفين بسياق الآية أن المعاقب مبعوث من عند الله على العفو وترك العقوبة بقوله فمن عفا وأصلح فاجره على الله وان تعفوا أقرب للتقوى فحيث لم يؤثر ذلك وانتصر فهو تارك للأفضل وهو ضامن لنصره في(2/450)
الكرة الثانية إذا ترك العفو وانتقم من الباغى وعرض مع ذلك بما كان أولى به من العفو يذكر هاتين الصفتين أو دل بذكر العفو والمغفرة على أنه قادر على العقوبة إذ لا يوصف بالعفو إلا القادر على ضده كما قيل العفو عند القدرة(2/451)
ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (61)
ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (61)
{ذلك بأن الله يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وَأَنَّ الله سَمِيعٌ بَصِيرٌ} أي ذلك النصر للمظلوم بسبب أنه قادر على ما يشاء ومن آيات قدرته أنه يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل أي يزيد من هذا في ذلك ومن ذلك في هذا أو بسبب أنه خالق الليل والنهار ومصرفهما فلا يخفى عليه ما يجري فيهما على أيدي عباده من الخير والشر والبغي والإنصاف وأنه سميع لما يقولون ولا يشغله سمع عن سمع وإن اختلفت في النهار الأصوات بفنون اللغات بصير مما يفعلون ولا يستتر عنه شيء بشيء في الليالي وإن توالت وإن توالت الظلمات(2/451)
ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (62)
ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (62)
{ذلك بِأَنَّ الله هُوَ الحق وَأَنَّ مَا يدعون} عرقى غير أبي بكر {مِن دُونِهِ هُوَ الباطل وَأَنَّ الله هُوَ العلى الكبير} أي ذلك الوصف بخلقه الليل والنهار وإحاطته بما يجري فيهما وإدراكه قولهم وفعلهم بسبب أن الله الحق الثابت إلهيته وأن كل ما يدعى إلهاً دونه باطل الدعوة وأنه لا شئ أعلى منه شأناً وأكبر سلطاناً(2/451)
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (63)
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (63)
{أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله أَنزَلَ مِنَ السمآء ماء} مطرا {فتصبح الأرض مخضرة} بالنبات بعد ما كانت مسودة يابسة وإنما صرف إلى لفظ المضارع ولم يقل فأصبحت ليفيد بقاء أثر المطر زمانا بعد زمان كما تقول أنعم عليّ فلان فاروح وأغدو شاكرا له ولو نصب لبطل الغرض وهذا لأن معناه إثبات الاخضرار(2/451)
فينقلب بالنصب جواباً للاستفهام لأنه لو نصب لبطل الغرض وهذا لأن معناه إثبات الاخضرار فينقلب بالنصب إلى نفي الاخضرار كما تقول لصاحبك ألم تر أنى أنعمت عليك فتشكر إن نصبته نفيت شكره وشكوت من تفريطه فيه وإن رفعته أثبت شكره {إِنَّ الله لَطِيفٌ} واصل عمله أو فضله إلى كل شئ {خَبِيرٌ} بمصالح الخلق ومنافعهم أو اللطيف المختص بدقيق التدبير الخبير المحيط بكر قليل وكثير(2/452)
لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (64)
لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (64)
{لَهُ مَا فِى السماوات وَمَا فِى الأرض} مُلكاً وملكاً {وَإِنَّ الله لَهُوَ الغني} المستغني بكمال
الحج (69 - 65)
{الحميد ألم تر أَنَّ الله سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي الأرض} قدرته بعد فناء ما فى السموات وما فى الأ رض {الحميد} المحمود بنعمته قبل ثناء من في السموات ومن فى الأرض(2/452)
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (65)
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (65)
{ألم تر أَنَّ الله سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي الأرض} من البهائم مذللة للركوب في البر {والفلك تَجْرِى فِى البحر بِأَمْرِهِ} أي ومن المراكب جارية في البحر ونصب الفلك عطفاً على ما وتجرى حالها أي وسخر لكم الفلك في حال جريها {وَيُمْسِكُ السماء أَن تَقَعَ عَلَى الأرض} أي يحفظها من أن تقع {إِلاَّ بِإِذْنِهِ} بأمره أو بمشيئته {إِنَّ الله بالناس لَرَؤُوفٌ} بتسخير ما في الأرض {رَّحِيمٌ} بإمساك السماء لئلا تقع على الأرض عدد آلاءه مقرونة بأسمائه ليشكروه على آلائه ويذكروه بأسمائه وعن أبى حنيفة رحمه الله أن اسم الله الأعظم في الآيات الثمانية يستجاب لقرائها ألبتة(2/452)
وَهُوَ الَّذِي أَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَكَفُورٌ (66)
وَهُوَ الَّذِي أَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَكَفُورٌ (66)
{وَهُوَ الذى أَحْيَاكُمْ} في أرحام أمهاتكم {ثُمَّ يُمِيتُكُمْ} عند انقضاء آجالكم {ثُمَّ يُحْيِيكُمْ} لإيصال جزائكم {إِنَّ الإنسان لَكَفُورٌ} لجحود لما أفاض عليه من ضروب النعم ودفع عنه من صنوف النقم أو(2/452)
لا يعرف نعمة الإنشاء المبدئ للوجود ولا الإفناء المقرب إلى الموعود ولا الإحياء الموصل إلى المقصود(2/453)
لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ فَلَا يُنَازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُسْتَقِيمٍ (67)
لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ فَلَا يُنَازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُسْتَقِيمٍ (67)
{لكل أمة} أهل دين {جعلنا منسكا} من بيانه وهو رد لقول من يقول إن الذبح ليس بشريعة الله إذ هو شريعة كل أمة {هُمْ نَاسِكُوهُ} عاملون به {فَلاَ ينازعنك} فلا يجادلنك والمعنى فلا تلتفت إلى قولهم ولا تمكنهم من أن ينازعوك {فِى الأمر} أمر الذبائح أو الدين نزلت حين قال المشركون للمسلمين ما لكم تأكلون ما قتلتم ولا تأكلون ما قتله الله يعني الميتة {وادع} الناس {إلى رَبّكَ} إلى عبادة ربك {إِنَّكَ لعلى هُدًى مُّسْتَقِيمٍ} طريق قويم ولم يذكرا لوا وفى لِكُلّ أُمَّةٍ بخلاف ما تقدم لأن تلك وقعت مع أباعد عن معناها فلم تجد معطفا(2/453)
وَإِنْ جَادَلُوكَ فَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ (68)
وَإِنْ جَادَلُوكَ فَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ (68)
{وَإِن جادلوك} مراء وتعنتاً كما يفعله السفهاء بعد اجتهادك أن لا يكون بينكم وبينهم تنازع وجدال {فَقُلِ الله أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ} أي فلا تجادلهم وادفعهم بهذا القول والمعنى أن الله أعلم بأعمالكم وما تستحقون عليها من الجزاء فهو مجازيكم به وهذا وعيد وإنذار ولكن برفق ولين وتأديب يجاب به كل متعنت(2/453)
اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (69)
اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (69)
{الله يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ القيامة فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} هذا خطاب من الله للمؤمنين والكافرين أي يفصل بينكم بالثواب والعقاب ومسلاة لرسول
الحج (73 - 70)
الله صلى الله عليه وسلم مما كان يلقى منهم(2/453)
أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (70)
أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (70)
{أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ الله يَعْلَمُ مَا فِى السماء والأرض} أي كيف يخفى عليه ما تعملون ومعلوم عند العلماء بالله أنه يعلم كل ما يحدث فى السموات والأرض {إِنَّ ذلك} الموجود فيهما {فِى كتاب} في اللوح المحفوظ {إِنَّ ذلك(2/453)
عَلَى الله يَسِيرٌ} أي علمه بجميع ذلك عليه يسير(2/454)
وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ (71)
وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ (71)
ثم أشار إلى جهالة الكفار لعبادتهم غير المستحق لها بقوله {وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله مَا لَمْ يُنَزّلْ بِهِ} ينْزل مكي وبصري {سلطانا} حجة وبرهاناً {وَمَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ} أي لم يتمسكوا في عبادتهم لها ببرهان سماوي من جهة الوحي ولا حملهم عليها دليل عقلى {وما للظالمين من أنصار} وما الذين ارتكبوا مثل هذا الظلم من أحد ينصرهم ويصوب مذهبهم(2/454)
وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكُمُ النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (72)
وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكُمُ النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (72)
{وإذا تتلى عليهم آياتنا بَيّنَاتٍ} يعني القرآن {تَعْرِفُ فِى وُجُوهِ الذين كَفَرُواْ المنكر} الإنكار بالعبوس والكراهة والمنكر مصدر {يكادون يَسْطُونَ} يبطشون والسطو الوثب والبطش {بالذين يتلون عليهم آياتنا} هم النبى صلى الله عليه وسلم وأصحابه {قُلْ أَفَأُنَبّئُكُم بِشَرّ مّن ذلكم} من غيظكم على التالين وسطوكم عليهم أو مما أصابكم من الكراهة والضجر بسبب ما تلي عليكم {النار} خبر مبتدأ محذوف كأن قائلاً قال ما هو فقيل النار أي هو النار {وَعَدَهَا الله الذين كَفَرُواْ} استئناف كلام {وَبِئْسَ المصير} النار(2/454)
يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ (73)
يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ (73)
ولما كانت دعواهم بأن الله تعالى شريكاً جارية في الغرابة والشهرة مجرى الامثال المسيرى قال الله تعالى {يا أيها الناس ضُرِبَ} بين {مَثَلٌ فاستمعوا لَهُ} لضرب هذا المثل {أَنَّ الذين تَدْعُونَ} يَدَّعُونَ سهل ويعقوب {مِن دُونِ الله} آلهة باطلة {لَن يخلقوا ذبابا} لن لتأكيد نفي المستقبل وتأكيده هنا للدلالة على أن خلق الذباب منهم مستحيل كأنه قال محال أن يخلقوا وتخصيص الذباب لمهانته وذعفه واستقداره وسمي ذباباً لأنه كلما ذب(2/454)
لاستقذاره آب لاستكباره {وَلَوِ اجتمعوا لَهُ} لخلق الذباب ومحله النصب على الحال كأنه قيل مستحيل منهم أن يخلقوا الذباب مشروطاً عليهم اجتماعهم جميعاً لخلقه وتعاونهم عليه وهذا من أبلغ ما أنزل فى تجهيل قريش حيث وصفوا بالإلهية التي تقتضي الاقتدار على المقدورات كلها والإحاطة بالمعلومات عن آخرها صوراً وتماثيل يستحيل منها أن تقدر على أقل ما خلقه الله تعالى واذله
الحج (77 - 73)
ولو اجتمعوا لذلك {وإن يسلبهم الذباب شَيْئاً} ثاني مفعولي يَسْلُبْهُمُ {لاَّ يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ} أي هذا الخلق الأقل الأذل لو اختطف منهم شيئاً فاجتمعوا على أن يستخلصوه منه لم يقدروا عن ابن عباس رضى الله عنهما انهم كانوا يطلونها بالزعفران ورءوسها بالعسل فإذا سلبه الذباب عجز الأصنام عن أخذه {ضَعُفَ الطالب} أي الصنم بطلب ما سلب منه {والمطلوب} الذباب بما سلب وهذا كالتسوية بينهم وبين الذباب في الضعف ولو حققت وجدت الطالب أضعف وأضعف فإن الذباب حيوان وهو جماد وهو غالب وذاك مغلوب(2/455)
مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (74)
مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (74)
{ما قدروا الله حق} ما عرفوه حق معرفته حيث جعلوا هذا الصنم الضعيف شريكاً له {إِنَّ الله لْقَوِيٌ عَزِيزٌ} أي إن الله قادر وغالب فكيف يتخذ العاجز المغلوب شبيهاً به أو لقوي بنصر أوليائه عزيز ينتقم من أعدائه(2/455)
اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (75)
اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (75)
{الله يَصْطَفِى} يختار {مِنَ الملائكة رُسُلاً} كجبريل وميكائيل وإسرافيل وغيرهم {وَمِنَ الناس} رسلاً كإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد وغيرهم عليهم السلام هذا رد لما أنكروه من أن يكون الرسول من البشر وبيان أن رسل الله على ضربين ملك وبشر وقيل نزلت حين قالوا أنزل عليه الذكر من بيننا {إِنَّ الله سَمِيعٌ} لقولهم {بَصِيرٌ} بمن يختاره لرسالته أو سميع لأقوال الرسل فيما تقبله العقول(2/455)
بصير بأحوال الأمم في الرد والقبول(2/456)
يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (76)
يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (76)
{يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ} ما مضى {وَمَا خَلْفَهُمْ} ما لم يأت أو ما عملوه وما سيعملوه أو أمر الدنيا وأمر الآخرة {وإلى الله ترجع الأمور} أى إليه ترجع الأمور كلها والذي هو بهذه الصفات لا يسأل عما يفعل وليس لأحد أن يعترض عليه فى حكمه وتدابيره واختياره رسله ترجع شامى وحمزة وعلى(2/456)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (77)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (77)
{يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا} في صلاتكم وكان أول ما أسلموا يصلون بلا ركوع وسجود فأمروا أن تكون صلاتهم بركوع وسجود وفيه دليل على أن الأعمال ليست من الإيمان وأن هذه السجدة للصلاة لا للتلاوة {وَاعْبُدُواْ رَبَّكُمْ} واقصدوا بركوعكم وسجودكم وجه الله لا الصنم {وافعلوا الخير} قيل لما كان للذكر مزية على غيره من الطاعات دعا المؤمنين أولاً إلى الصلاة التي هي ذكر خالص لقوله تعالى وأقم الصلاة لذكرى ثم إلى العبادة بغير الصلاة كالصوم والحج وغيرهما ثم عم الحث على سائر الخيرات وقيل أريد به صلة الأرحام ومكارم الأخلاق {لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} أي كي تفوزوا وافعلوا هذا كله وأنتم راجون للفلاح غير مستيقنين ولا تتكلوا على أعمالكم(2/456)
وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (78)
وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (78)
{وجاهدوا} أمر الغزو أو مجاهدة النفس والهوى وهو الجهاد الأكبر أو هو كلمة حق عند أمير جائر {في الله} أى فى
الحج (78)
ذات الله ومن أجله {حَقَّ جهاده} وهو أن لا يخاف في الله لومة لائم يقال هو حق عالم وجد عالم أى حقاً وجداً ومنه حق جهاده وكان القياس حق الجهاد فيه أو حق جهادكم فيه لكن الإضافة تكون بأدنى ملابسة واختصاص فلما كان الجهاد مختصاً بالله من حيث إنه مفعول لوجهه ومن أجله صحت إضافته إليه ويجوز أن يتسع في الظرف كقوله(2/456)
ويوم شهدنا سليماً وعامراً هُوَ {اجتباكم} اختاركم لدينه ونصرته {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكمْ فِى الدين مِنْ حَرَجٍ} ضيق بل رخص لكم في جميع ما كلفكم من الطهارة والصلاة والصوم والحج بالتيمم بالايماء وبالقصد والإفطار لعذر السفر والمرض وعدم الزاد والراحلة {مّلَّةَ أَبِيكُمْ إبراهيم} أي اتبعوا ملة أبيكم أو نصب على الاختصاص أي أعني بالدين ملة أبيكم وسماه أباً وإن لم يكن أباً للأمة كلها لأنه أبو رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان أباً لأمته لأن أمة الرسول في حكم أولاده قال عليه السلام إنما أنا لكم مثل الوالد {هُوَ سماكم المسلمين} أي الله بدليل قراءة أبى الله سماكم {مِن قَبْلُ} في الكتب المتقدمة {وَفِى هذا} أي في القرآن أي فضلكم على سائر الأمم وسماكم بهذا الاسم الأكرم {لِيَكُونَ الرسول شَهِيداً عَلَيْكُمْ} أنه قد بلغكم رسالة ربكم {وَتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى الناس} بتبليغ الرسل رسالات الله إليهم وإنما خصكم بهذه الكرامة والأثرة {فأقيموا الصلاة} بواجباتها {وآتوا الزكاة} بشرائطها {واعتصموا بالله} وثقوا بالله وتوكلوا عليه لا بالصلاة والزكاة {هُوَ مولاكم} أي مالككم وناصركم ومتولي أموركم {فَنِعْمَ المولى} حيث لم يمنعكم رزقكم بعصيانكم {وَنِعْمَ النصير} أي الناصر هو أعانكم على طاعتكم وقد أفلح من هو مولاه وناصره والله الموفق للصواب(2/457)
المؤمنون (6 - 1)
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة المؤمنون مكية وهي مائة وثمان عشرة آية
بسم الله الرحمن الرحيم(2/458)
قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1)
قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1)
{قد أفلح المؤمنون} قد نقضية لما هي تثبت المتوقع ولما تنفيه وكان المؤمنين يتوقعون مثل هذه البشارة وهي الإخبار بثبات الفلاح لهم فخوطبوا بمادل على ثبات ما توقعوه والفلاح الظفر بالمطلوب والنجاة من المرهوب أي فازوا بما طلبوا أونجوا مما هربوا والإيمان في اللغة التصديق والمؤمن المصدق لغة وفي الشرع كل من نطق بالشهادتين موطئا قلبه لسانه فهو مؤمن قال عليه السلام خلق الله الجنة فقال لها تكلمي فقالت قد أفلح المؤمنون ثلاثاً أنا حرام على كل بخيل مراء لأنه بالرياء أبطل العبادات البدنية وليس له عبادة مالية(2/458)
الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2)
الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2)
{الذين هُمْ فِى صَلاَتِهِمْ خاشعون} خائفون بالقلب ساكنون بالجوارح وقيل الخشوع في الصلاة جمع الهمة لها والإعراض عما سواها وأن لا يجاوز بصره لا يجاوز بصره مصلاه وأن لا يلتفت ولا يبعث ولا يسدل ولا يفرقع أصابعه ولا يقلب الحصى ونحو ذلك وعن أبى الدرداء هواخلاص المقال وإعظام المقام واليقين التام وجمع الاهتمام وأضيفت الصلاة إلى المصلين لا إلى(2/458)
المصلى له لانتفاع المصلي بها وحده وهي عدته وذخيرته وأما المصلى له فغني عنها(2/459)
وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3)
وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3)
{والذين هُمْ عَنِ اللغو مُّعْرِضُونَ} اللغو كل كلام ساقط حقه أن يلغى كالكذب والشتم والهزل يعني أن لهم من الجد ما شغلهم عن الهزل ولما وصفهم بالخشوع في الصلاة أتبعه الوصف بالإعراض عن اللغو ليجمع لهم الفعل والترك الشاقين على الأنفس اللذين هما قاعدتا بناء التكليف(2/459)
وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ (4)
وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ (4)
{والذين هم للزكاة فاعلون} مؤدون وبفظ فاعلون يدل على المداومة بخلاف مؤدون وقيل الزكاة اسم مشترك يطلق على العين وهو القدر الذي يخرجه المزكي من النصاب إلى الفقير وعلى المعنى وهو فعل المزكي الذي هو التزكية وهو المراد هنا فجعل المزكين فاعلين له لأن لفظ الفعل يعم جميع الأفعال كالضرب والقتل ونحوهما تقول للضارب والقاتل والمزكي فعل الضرب والقتل والتزكية ويجوز أن يراد بالزكاة العين ويقدر مضاف محذوف وهو الأداء ودخل اللام لتقدم المفعول وضعف اسم الفاعل عمل الفى فانك تقول هذا ضارب لزيد ولاتقول ضرب لزيد(2/459)
وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5)
وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5)
{والذين هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافظون} الفرج يشمل سوءة الرجل والمرأة(2/459)
إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6)
إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6)
{إِلاَّ على أزواجهم} موضع الحال أى إلاوالين على أزواجهم أو قوامين عليهن من قولك كان زياد على البصرة أي والياً عليها والمعنى أنهم لفروجهم حافظون في جميع الأحوال إلا في حال تزوجهم أو تسريهم أو تعلق على بمحذوف يدل عليه غير ملومين كانه قيل
المؤمنون (13 - 6)
{أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين}
يلامون إلا على أزواجهم أي يلامون على كل مباشرة إلا على ما أطلق لهم فإنهم غير ملومين عليه وقال الفراء إلا من أزواجهم أي زوجاتهم {أَوْ مَا مَلَكَتْ أيمانهم} أي إمائهم ولم يقل من لأن المملوك جرى(2/459)
مجرى غير العقلاء ولهذا يباع كما تباع البهائم {فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} أي لا لوم عليهم إن لم يحفظوا فروجهم عن نسائهم وإمائهم(2/460)
فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (7)
فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (7)
{فَمَنِ ابتغى وَرَاء ذلك} طلب قضاء شهوة من غير هذين {فَأُوْلَئِكَ هُمُ العادون} الكاملون في العدوان وفيه دليل تحريم المتعة والاستمتاع بالكف لإرادة الشهوة(2/460)
وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (8)
وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (8)
{والذين هم لأماناتهم وعهدهم} لأمانتهم وعهدهم لأمانتهم مكى وسهل سمى الشئ المؤتمن عليه والمعاهد عليه أمانة وعهداً ومنه قوله تعالى إِنَّ الله يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأمانات إلى أهلها وإنما تؤدى العيون لا المعاني والمراد به العموم في كل ما ائتمنوا عليه وعوهدوا من جهة الله عز وجل ومن جهة الخلق {راعون} حافظون والراعي القائم على الشئ بحفظ وإصلاح كراعي الغنم(2/460)
وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (9)
وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (9)
{والذين هُمْ على صلواتهم} صَلاَتِهِمْ كوفي غير أبي بكر {يُحَافِظُونَ} يداومون في أوقاتها وإعادة ذكر الصلاة لأنها أهم ولأن الخشوع فيها غير المحافظة عليها أو لأنها وحدت أولاً ليفاد الخشوع في جنس الصلاة أية صلاة كانت وجمعت آخراً ليفاد المحافظة على أنواعها من الفرائض والواجبات والسنن والنوافل(2/460)
أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ (10)
أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ (10)
{أولئك} الجامعون لهذه الأوصاف {هُمُ الوارثون} الأحقاء بأن يسموا ورّاثاً دون من عداهم ثم ترجم الوارثين بقوله(2/460)
الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (11)
الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (11)
{الذين يَرِثُونَ} من الكفار في الحديث ما منكم من أحد الاوله منزلان منزل في الجنة ومنزل في النار فإن مات ودخل الجنة ورث أهل النار(2/460)
منزله وإن مات ودخل النار ورث أهل الجنة منزله {الفردوس} هو البستان الواسع الجامع لأصناف الثمر وقال قطرب هو أعلى الجنان {هُمْ فِيهَا خالدون} أنث الفردوس بتأويل الجنة(2/461)
وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ (12)
وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ (12)
{وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان} أي آدم {مِن سلالة} من للابتداء والسلالة الخاصة لأنها تسل من بين الكدر وقيل إنما سمى التراب الذي خلق آدم منه سلالة لأنه سل من كل تربة {مِن طِينٍ} من البيان كقوله من الاوثان(2/461)
ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (13)
ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (13)
{ثُمَّ جعلناه} أي نسله فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه لأن آدم عليه السلام لم يصر نطفة وهو كقوله وَبَدَأَ خَلْقَ الإنسان مِن طِينٍ ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سلالة من ماء مهين وقيل الإنسان بنو آدم والسلالة النطفة والعرب تسمى النطفة سلالة أي ولقد خلقنا الإنسان من سلالة يعني من نطفة مسلولة من طين أي من مخلوق من طين وهو آدم عليه السلام {نُّطْفَةٍ} ماء قليلاً {فِى قَرَارٍ} مستقر يعنى الرحم {مكين} حصين
المؤمنون (19 - 14)(2/461)
ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (14)
ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (14)
{ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة} {ثُمَّ خَلَقْنَا النطفة} أي صيرناها بدلالة تعديه إلى مفعولين والخلق يتعدى إلى مفعول واحد {عَلَقَةٍ} قطعة دم والمعنى أحلنا النطفة البيضاء علقة حمراء {فَخَلَقْنَا العلقة مُضْغَةً} لحماً قدر ما يمضغ {فَخَلَقْنَا المضغة عظاما} فصيرناها عظاماً {فَكَسَوْنَا العظام لَحْماً} فأنبتنا عليها اللحم فصار لها كاللباس عظما العظم شامى وأبوبكر عظماً العظام زيد عن يعقوب عظاما العظم عن أبي زيد وضع الواحد موضع الجمع(2/461)
لعدم اللبس إذ الإنسان ذو عظام كثيرة {ثم أنشأناه} الضمير يعود إلى الانسان أوإلى المذكور {خلقا آخر} أى خلقنا مبايناً للخلق الأول حيث جعله حيواناً وكان جماداً وناطقاً وسميعاً وبصيراً وكان بضد هذه الصفات ولهذا قلنا إذا غصب بيضة فأفرخت عنده يضمن اليضة ولا يرد الفرخ لأنه خلق آخر سوى البيضة {فَتَبَارَكَ الله} فتعالى أمره في قدرته وعلمه {أَحْسَنُ} بدل أو خبر مبتدأ محذوف وليس بصفة لأنه نكرة وإن أضيف لأن المضاف إليه عوض من من {الخالقين} المقدرين أي أحسن المقدرين تقديراً فترك ذكر الممين لدلالة الخالقين عليه وقيل إن عبد الله بن سعد بن أبو سرح كان يكتب للنبي عليه السلام فنطق بذلك قبل إملائه فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم اكتب هكذا نزلت فقال عبد الله إن محمد نبينا يوحى إليه فأنا نبي يوحى إلي فارتد ولحق بمكة ثم أسلم يوم الفتح وقيل هذه الحكاية غير صحيحة لأن ارتداده كان بالمدينة وهذه السورة مكية وقيل القائل عمر أو معاذ رضى الله عنهما(2/462)
ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ (15)
ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ (15)
{ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذلك} بعد ما ذكرنا من أمركم {لَمَيّتُونَ} عند انقضاء آجالكم(2/462)
ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ (16)
ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ (16)
{ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ القيامة تُبْعَثُونَ} تحيون للجزاء(2/462)
وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ (17)
وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ (17)
{وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ} جمع طريقة وهى السموات كأنه قال خلقناها فوقكم وما كنا غافلين عن حفظها أو أراد به الناس وأنه إنما خلقنا فوقهم ليفتح عليهم الأرزاق والبركات منها وما كان غافلاً عنهم وعما يصلحهم(2/462)
وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ (18)
وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ (18)
{وَأَنزَلْنَا مِنَ السماء مَاءً} مطراً {بِقَدَرٍ} بتقدير يسلمون معه من المضرة ويصلون إلى المنفعة أو بمقدار ما علمنا من حاجاتهم {فَأَسْكَنَّاهُ فِى الأرض} كقوله فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِى الأرض وقيل جعلناه ثابتاً في الأرض فماء الأرض كله من السماء ثم استأدى شكرهم بقوله {وَإِنَّا على ذَهَابٍ بِهِ لقادرون} أي كما قدرنا على إنزاله نقدر على إذهابه فقيدوا هذه النعمة بالشكر(2/463)
فَأَنْشَأْنَا لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ لَكُمْ فِيهَا فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (19)
فَأَنْشَأْنَا لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ لَكُمْ فِيهَا فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (19)
{فَأَنشَأْنَا لَكُمْ بِهِ} بالماء {جنات مّن نَّخِيلٍ}
المؤمنون (23 - 19)
{وأعناب لَّكُمْ فِيهَا} في الجنات {فواكه كَثِيرَةٌ} سوى النخيل والأعناب {وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ} أي من الجنات أي من ثمارها ويجوز أن هذا من قولهم فلان يأكل من حرفة يحترفها ومن صنعة يغتلها أي أنها طعمته وجهته التي منها يحصل رزقه كأنه قال وهذه الجنات وجوه أرزاقكم ومعايشكم منها ترزقون وتتعيشون(2/463)
وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ (20)
وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ (20)
{وَشَجَرَةً} عطف على جنات وهي شجرة الزيتون {تخرج من طور سيناء} طور سيناء وطور سنين لا يخلو إما أن يضاف الطور إلى بقعة اسمها سيناء وسيتون وإما أن يكون اسماً للجبل مركباً من مضاف ومضاف اليه كامرئ القيس وهو جبل فلسطين وسيناء غير منصرف بكر حال مكسور السين كقراءة الحجازي وأبي عمرو للتعريف والعجمة أو مفتوحها كقراءة غيرهم لأن الألف للتأنيث كصحراء {تَنبُتُ بالدهن} قال الزجاج الباء للحال أي تنبت ومعها الدهن تُنبت مكي وأبو عمرو إما لأن أنبت بمعنى نبت كقوله حتى إذا أنبت البقل أن لأن مفعوله محذوف أي تنبت زيتونها وفيه الدهن {وَصِبْغٍ لّلآكِلِيِنَ} أي إدام لهم قال مقاتل جعل الله تعالى في هذه إداماً ودهناً فالإدام الزيتون والدهن الزيت(2/463)
وقيل هي أول شجرة نبتت بعد الطوفان وخص هذه الأنواع الثلاثة لأنها أكرم الشجر وأفضلها وأجمعها للمنافع(2/464)
وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهَا وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (21)
وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهَا وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (21)
{وَإِنَّ لَكُمْ فِى الأنعام} جمع نعم وهي الإبل والبقر والغنم {لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُمْ} وبفتح النون شامي ونافع وأبو بكر وسقى وأسقى لغتان {مّمَّا فِى بُطُونِهَا} أي نخرج لكم من بطونها لبناً سائغاً {وَلَكُمْ فيِهَا منافع كَثِيرَةٌ} سوى الألبان وهي منافع الأصواف والأوبار والأشعار {وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ} أي لحومها(2/464)
وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ (22)
وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ (22)
{وَعَلَيْهَا} وعلى الأنعام في البر {وَعَلَى الفلك} في البحر {تُحْمَلُونَ} في أسفاركم وهذا يشير إلى أن المراد بالأنعام الإبل لأنها هي المحمول عليها في العادة فلذا قرنها بالفلك التي هي السفائن لأنها سفائن البر قال ذو الرمة
سفينة بر تحت خدي زمامها
يريد ناقته(2/464)
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ (23)
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ (23)
{ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه فقال يَا قََوْم اعبدوا الله} وحدوه {مَا لَكُم من إله} معبود {غيره} بالرافع على المحل وبالجر على اللفظ والجملة استئناف تجري مجرى التعليل للأمر بالعبادة {أَفَلاَ تَتَّقُونَ} أفلا تخافون عقوبة الله الذي هو ربكم وخالقكم إذا عبدتم غيره مما ليس من استحقاق
المؤمنون (27 - 24)(2/464)
فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَنْزَلَ مَلَائِكَةً مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ (24)
فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَنْزَلَ مَلَائِكَةً مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ (24)
{فقال الملأ الذين كفروا من قومه}
العبادة فى شئ {فقال الملأ الذين كَفَرُواْ مِن قِوْمِهِ} أي أشرافهم لعوامهم {مَا هذا إِلاَّ بَشَرٌ مّثْلُكُمْ} يأكل ويشرب {يُرِيدُ أَن يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ} أي يطلب الفضل عليكم(2/464)
ويترأس {وَلَوْ شَاء الله} إرسال رسول {لأَنزَلَ ملائكة} لأرسل ملائكة {مَّا سَمِعْنَا بهذا} أي بإرسال بشر رسولاً أو بما يأمرنا به من التوحيد وسب آلهتنا والعجب منهم أنهم رضوا بالألوهية للحجر ولم يرضوا بالنبوة للبشر {في آبائنا الأولين}(2/465)
إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ (25)
إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ (25)
{إِنْ هُوَ إِلاَّ رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ} جنون {فَتَرَبَّصُواْ بِهِ حتى حِينٍ} فانتظروا واصبروا عليه إلى زمان حتى ينجلي أمره فإن أفاق من جنونه وإلا قتلتموه(2/465)
قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ (26)
قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ (26)
{قَالَ رَبّ انصرنى بِمَا كَذَّبُونِ} فلما أيس من إيمانهم دعا الله بالانتقام منهم والمعنى أهلكهم بسبب تكذيبهم ايادى غذ في نصرته إهلاكهم أو انصرني بدل ما كذبون كقولك هذا بذاك أي بدل ذاك والمعنى أبدلنى من غم تكذيبهم سلوة النصرة عليهم(2/465)
فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا فَإِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ فَاسْلُكْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ (27)
فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا فَإِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ فَاسْلُكْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ (27)
{فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ} أي أجبنا دعاءه فأوحينا إليه {أَنِ اصنع الفلك بِأَعْيُنِنَا} أي تصنعه وأنت واثق بحفظ الله لك ورؤيته إياك أو بحفظنا وكلاءتنا كأن معك من الله حفاظاً يكلؤونك بعيونهم لئلا يتعرض لك ولا يفسد عليك مفسد عملك ومنه قولهم عليه من الله عين كالئة {وَوَحْيِنَا} أمرنا وتعليمنا إياك صنعتها رُوي أنه أوحي إليه أن يصنعها على مثال جؤجؤ الطائر {فَإِذَا جَاء أَمْرُنَا} أي عذابنا بأمرنا {وَفَارَ التنور} أي فار الماء من تنور الخبر أي أخرج سبب الغرق من موضع الحرق ليكون أبلغ في الإنذار والاعتبار روي أنه قيل لنوح إذا رأيت الماء يفور من التنور فاركب أنت ومن معك في السفينة فلما نبع الماء من التنور من التنور أخبرته امرأته فركب وكان تنور آدم فصار إلى نوح وكان من حجارة واختلف في مكانه فقيل في مسجد الكوفة وقيل بالشام وقيل بالهند {فاسلك فِيهَا} فأدخل(2/465)
في السفينة {مِن كُلّ زَوْجَيْنِ} من كلّ أمة زوجين وهما أمة الذكر وأمة الأنثى كالجمال والنوق والحصن والرماك {اثنين} واحدين مزدوجين كالجمل والناقة والحصان والرمكة وروى أنه لم يحمل إلا ما يلد ويبيض من كل حفص والمفضل أي من كل أمة زوجين اثنين واثنين تأكيد وزيادة بيان {وَأَهْلَكَ} ونساءك وأولادك {إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ القول} من الله بإهلاكه وهو ابنه واحدى زوجتيه فجئ بعلى مع سبق الضار كما جئ باللام مع سبق النافع في قوله وَلَقَدْ
المؤمنون (33 - 27)
{مِنْهُمْ وَلاَ تُخَاطِبْنِى فِى الذين ظَلَمُواْ إِنَّهُمْ مغرقون} سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين ونحوها لها ما كسبت وعليها ما اكبسبت {مِنْهُمْ وَلاَ تُخَاطِبْنِى فِى الذين ظَلَمُواْ إِنَّهُمْ مغرقون} ولا تسألنى تجاه الذين كفروا فإني أغرقهم(2/466)
فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (28)
فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (28)
{فَإِذَا استويت أَنتَ وَمَن مَّعَكَ عَلَى الفلك} فإذا تمكنتم عليها راكبين {فَقُلِ الحمد للَّهِ الذى نَجَّانَا مِنَ القوم الظالمين} أمر بالحمد على هلاكهم والنجاة منهم ولم يقل فقولوا وإن كان فإذا استويت أنت ومن معك في معنى إذا استويتم لأنه نبيهم وإمامهم فكان قوله قولهم مع ما فيه من الإشعار بفضل النبوة(2/466)
وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبَارَكًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ (29)
وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبَارَكًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ (29)
{وَقُلْ} حين ركبت على السفينة أو حين خرجت منها {رَّبّ أَنزِلْنِى مُنزَلاً} أي إنزالاً أو موضع انزلت منزلاً أبو بكر أي مكاناً {مُّبَارَكاً وَأَنتَ خَيْرُ المنزلين} والبركة في السفينة النجاة فيها وبعد الخروج منها كثرة النسل وتتابع الخيرات(2/466)
إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ (30)
إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ (30)
{إن في ذلك} فيما فعل بنوح وقومه {لآيات} لعبروا مواعظ {وَإِنْ} هي المخففة من المثقلة واللام هي الفارقة بين النافية وبينها والمعنى وإن الشأن والقصة {كُنَّا لَمُبْتَلِينَ} مصيبين قوم نوح ببلاء عظيم وعقاب شديد أو مختبرين بهذه الآيات عادنا لننظر من يعتبر ويذكر كقوله تعالى وَلَقَدْ تركناها آية فهل من مذكر(2/467)
ثُمَّ أَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ (31)
ثُمَّ أَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ (31)
{ثُمَّ أَنشَأْنَا} خلقنا {مّن بَعْدِهِمْ} من بعد قوم نوح {قرنا آخرين} هم عاد وقوم هود ويشهد له قول هود واذكروا إِذْ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح ومجئ قصة هود على أثر قصة نوح في الاعراف وهود والشعراء(2/467)
فَأَرْسَلْنَا فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ (32)
فَأَرْسَلْنَا فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ (32)
{فأرسلنا فيهم} الارسال يعدى بالى ولم يعد بفى هنا وفي قوله كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِى أُمَّةٍ وما أرسلنا فى قرية ولكن الأمة والقرية جعلت موضعا للارسال كقوله رؤبة
أرسلت فيها مصعباً ذا إقحام
{رَسُولاً} هو هود {مِنْهُمْ} من قومهم {أَنِ اعبدوا الله ما لكم من إله غيره أفلا تتقون} أن مفسرة لأرسلنا أي قلنا لهم على لسان الرسول اعبدوا الله(2/467)
وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقَاءِ الْآخِرَةِ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ (33)
وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقَاءِ الْآخِرَةِ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ (33)
{وَقَالَ الملأ مِن قَوْمِهِ} ذكر مقالة قوم هود في جوابه في الأعراف وهود بغير واو لأنه على تقدير سؤال سائل قال فما قومه فقيل له قالوا كيت وكيت وههنا مع الواو لأنه عطف لما قالوه على ما قاله الرسول ومعناه أنه اجتمع في الحصول هذا الحق وهذا الباطل وليس بجواب للنبى صلى الله عليه وسلم متصل بكلامه ولم يكن بالفاء وجئ بالفاء في قصة نوح لأنه جواب لقوله واقع عقيبه {الذين كفروا} صفة للملأ أولقومه {وَكَذَّبُواْ بِلِقَاء الآخرة}(2/467)
أي بلقاء ما فيها من الحساب والثواب والعقاب وغير ذلك
المؤمنون (41 - 33)
{وأترفناهم} ونعمناهم {في الحياة الدنيا} بكثرة الأموال والأولاد {مَا هذا} أي النبي {إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ} أي منه فحذف لدلالة ما قبله عليه أي من أين يدعي رسالة الله من بينكم وهو مثلكم(2/468)
وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَرًا مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ (34)
وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَرًا مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ (34)
{ولئن أطعتم بشرا مثلكم} أى فيما يأمركم به وينهاكم عنه {إِنَّكُمْ إِذاً} واقع فى جزاء الشرط وجواب للذين فاولوهم من قومهم {لخاسرون} بالانقياد لمثلكم ومن حمقهم أنهم أبوا اتباع مثلهم وعبدوا أعجز منهم(2/468)
أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ (35)
أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ (35)
{أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتٌّمْ} بالكسر نافع وحمزة وعلى حفص وغيرهم بالضم {وَكُنتُمْ تُرَاباً وعظاما أَنَّكُمْ مُّخْرَجُونَ} مبعوثون للسؤال والحساب والثواب والعقاب وثنى أنكم للتأكيد وحسن ذلك للفصل بين الأول والثاني بالظرف ومخرجون خبر عن الأول والتقدير أيعدكم أنكم مخرجون إذا متم وكنتم تراباً وعظاماً(2/468)
هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ (36)
هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ (36)
{هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ} وبكسر التاء يزيد ورُوي عنه بالكسر والتنوين فيهما والكسائي يقف بالهاء وغيره بالتاء وهو اسم للفعل واقع موقع بعد فاعلها مضمر أي بعد ما توعدون من البعث(2/468)
إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ (37)
إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ (37)
{إِنْ هِىَ} هذا ضمير لا يعلم ما يعنى به غلا بما يتلوه من بيانه وأصله إن الحياة {إِلاَّ حَيَاتُنَا الدنيا} ثم وضع هي موضع الحياة لأن الخبر يدل عليها ويبينها والمعنى لا حياة إلا هذه الحياة التي نحن فيها ودنت منا وهذا لأن إن النافية دخلت على هي التي في معنى الحياة الدالة على الجنس فنفتها فوازنت لا التي لنفي الجنس {نَمُوتُ وَنَحْيَا} أي يموت(2/468)
بعض ويولد بعض ينقوض قرن فيأتي قرن آخر أو فيه تقديم وتأخير أي نحيا ونموت وهو قراءة أبي وابن مسعود رضى الله عنهما {وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ} بعد الموت(2/469)
إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا وَمَا نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ (38)
إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا وَمَا نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ (38)
{إِنْ هُوَ إِلاَّ رَجُلٌ افترى على الله كَذِباً} أي ما هو إلا مفتر على الله فيما يدعيه من استنبائه له وفيما يعدنا من البعث {وَمَا نَحْنُ لَهُ بمؤمنين} بمصدقين(2/469)
قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ (39)
قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ (39)
{قَالَ رَبّ انصرنى بِمَا كَذَّبُونِ} فأجاب الله دعاء الرسول بقوله(2/469)
قَالَ عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ (40)
قَالَ عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ (40)
{قَالَ عَمَّا قَلِيلٍ} قليل صفة للزمان كقديم وحديث في قولك ما رأيته قديماً ولا حديثا وفى معناه عن قريب وما زائدة أو بمعنى شئ أو زمن وقليل بدل منها وجواب القسم المحذوف {لَّيُصْبِحُنَّ نادمين} إذا عاينوا ما يحل بهم(2/469)
فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَاءً فَبُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (41)
فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَاءً فَبُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (41)
{فَأَخَذَتْهُمُ الصيحة} أي صيحة جبريل صاح عليهم فدمرهم
المؤمنون (49 - 41)
{بالحق} بالعدل من الله يقال فلان يقضي بالحق أي بالعدل {فجعلناهم غُثَاء} شبههم في دمارهم بالغثاء وهو حميل السيل مما بلى واسودّ من الورق والعيدان {فَبُعْداً} فهلاكاً يقال بعد بعدا وأبعد هلك وهو من المصادر المنصوبة بأفعال لا يستعمل إظهارها {لّلْقَوْمِ الظالمين} بيان لمن دعي عليه بالبعد نحو هيت لك(2/469)
ثُمَّ أَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قُرُونًا آخَرِينَ (42)
ثُمَّ أَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قُرُونًا آخَرِينَ (42)
{ثم أنشأنا من بعدهم قرونا آخرين} قوم صالح ولوط وشعيب وغيرهم(2/469)
مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ (43)
مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ (43)
{مَّا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ} من صلة أي ما تسبق أمة {أَجَلُهَا} المكتوب لها والوقت الذى حد لهلاكها وكتب {وما يستأخرون} لا يتأخرون عنه(2/469)
ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى كُلَّ مَا جَاءَ أُمَّةً رَسُولُهَا كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُمْ بَعْضًا وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ فَبُعْدًا لِقَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ (44)
ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى كُلَّ مَا جَاءَ أُمَّةً رَسُولُهَا كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُمْ بَعْضًا وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ فَبُعْدًا لِقَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ (44)
{ثم أرسلنا رسلنا تترا} فعلى والألف للتأنيث كسكرى لأن الرسل جماعة ولذا لا ينون لأنه غير منصرف تترى بالتنوين مكي وأبو عمرو ويزيد على أن الألف للإلحاق كأرطى وهو نصب على الحال في القراءتين(2/469)
أي متتابعين واحداً بعد واحد وتاؤها فيهما بدل من الواو والاصل وترى من الوتر وهو الفرد فقلبت الواو تاء كتراث {كل ما جَاء أُمَّةً رَّسُولُهَا كَذَّبُوهُ} الرسول يلابس المرسل والمرسل إليه والإضافة تكون بالملابسة فتصح إضافته إليهما {فَأَتْبَعْنَا} الأمم والقرون {بَعْضُهُم بَعْضاً} في الهلاك {وجعلناهم أَحَادِيثَ} أخباراً يسمع بها ويتعجب منها والأحاديث تكون اسم جمع للحديث ومنه أحاديث النبى عليه الصلاة والسلام وتكون جمعا للأحدوثة وهو ما يتحدث به الناس تليها وتعجباً وهو المراد هنا {فَبُعْداً لّقَوْمٍ لاَّ يؤمنون}(2/470)
ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَى وَأَخَاهُ هَارُونَ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ (45)
ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَى وَأَخَاهُ هَارُونَ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ (45)
{ثُمَّ أَرْسَلْنَا موسى وَأَخَاهُ هارون} بدل من أخاه {بأياتنا} التسع {وسلطان مُّبِينٍ} وحجة ظاهرة(2/470)
إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا عَالِينَ (46)
إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا عَالِينَ (46)
{إلى فرعون وملئه فاستكبروا} امتنعوا عن قبول الإيمان ترفعاً وتكبراً {وَكَانُواْ قَوْماً عالين} متكبرين مترفعين(2/470)
فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ (47)
فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ (47)
{فقالوا أنؤمن لبشرين مثلنا} البشر يكون واحد جميعا ومثل وغير يوصف بهما الاثنان والجمع والمذكر والمؤنث {وَقَوْمُهُمَا} أي بنو إسرائيل {لَنَا عابدون} خاضعون مطيعون وكل من دان الملك فهو عابد له عند العرب(2/470)
فَكَذَّبُوهُمَا فَكَانُوا مِنَ الْمُهْلَكِينَ (48)
فَكَذَّبُوهُمَا فَكَانُوا مِنَ الْمُهْلَكِينَ (48)
{فكذبوهما فكانوا من المهلكين} بالغرق(2/470)
وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (49)
وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (49)
{ولقد آتينا موسى} أى
المؤمنون (54 - 49)
قوم موسى {الكتاب} التوراة {لَّعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ} يعملون بشرائعها ومواعظها(2/470)
وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ (50)
وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ (50)
{وجعلنا ابن مريم وأمه آية} تدل على قدرتنا على ما نشاء لأنه خلق من غير نطفة وحدلان الأعجوبة فيهما واحدة أو المراد وجعلنا ابن مريم آية وأمه آية فحذفت الأولى لدلالة الثانية عليها {وآويناهما} جعلنا(2/470)
مأواهما أي منزلهما {إلى رَبْوَةٍ} شامي وعاصم ربوة غيرهما أى أرض مستوية منبسطة أو ذات ثمار وماء يعني أنه لأجل الثمار يستقر فيها ساكنوها {ومعين} ماء ظاهر جار على وجه الأرض أوانه مفعول أي مدرك بالعين بظهوره من عانه إذا أدركه بعينه أو فعيل أنه نفاع بظهوره وجريه من الماعون وهو المنفعة(2/471)
يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (51)
يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (51)
{يا أيها الرسل كُلُواْ مِنَ الطيبات} هذا النداء والخطاب ليسا على ظاهرهما لأنهم أرسلوا متفرقين في أزمنة مختلفة وإنما المعنى الإعلام بأن كل رسول في زمانه نودي بذلك ووصى به ليعتقد السامع أن أمراً نودي له جميع الرسل ووصوابه حقيق أن يؤخذ به ويعمل عليه أو هو خطاب لمحمد عليه الصلاة والسلام لفضله وقيامه مقام الكل في زمانه وكان يأكل من الغنائم أو لعيسى عليه السلام لاتصال الآية بذكره وكان يأكل من غزل أمه وهو أطيب الطيبات والمراد بالطيبات ما حل والأمر للتكليف أو ما يستطاب ويستلذ والأمر للترفيه والإباحة {واعملوا صالحا} موافقاً للشريعة {إِنّى بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} فأجازيكم على أعمالكم(2/471)
وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ (52)
وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ (52)
{وَإِنَّ هذه} كوفي على الاستئناف وأن حجازي وبصرى بمعنى ولان اى فاتقون ى ن هذه أو معطوف على ما قبله أي بما تعملون عليهم وبأن هذه أو تقديره واعلموا أن هذه {أُمَّتُكُمْ} أي ملتكم وشريعتكم التي أنتم عليها {أُمَّةً وَاحِدَةً} ملة واحدة وهي شريعة الاسلام وانتصاب أمة على الحال والمعنى وإن الدين دين واحد وهو الاسلام ومثله إِنَّ الدّينَ عند الله الإسلام {وَأَنَاْ رَبُّكُمْ} وحدي {فاتقون} فخافوا عقابي في مخالفتكم أمرى(2/471)
فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (53)
فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (53)
{فَتَقَطَّعُواْ أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ} تقطع بمعنى قطع أي قطعوا أمر دينهم(2/471)
{زُبُراً} جمع زبور أي كتباً مختلفة يعني جعلوا دينهم أدياناً وقيل تفرقوا في دينهم فرقاً كلٍ فرقة تنتحل كتاباً وعن الحسن قطعوا كتاب الله قطعاً وحرفوه وقرئ زَبرا جمع زبرة أي قطعاً {كُلُّ حِزْبٍ} كل فرقة من فرق هؤلاء المختلفين المتقطعين دينهم {بِمَا لَدَيْهِمْ} من الكتاب والدين أو من الهوى والرأي {فَرِحُونَ} مسرورون معتقدون أنهم على الحق(2/472)
فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ (54)
فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ (54)
{فذرهم في غمرتهم}
المؤمنون (63 - 54)
جهالتهم وغفلتهم {حتى حِينٍ} أي إلى أن يقتلوا أو يموتوا(2/472)
أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ (55)
أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ (55)
{أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ} ما بمعنى الذي وخبر أن(2/472)
نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَلْ لَا يَشْعُرُونَ (56)
نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَلْ لَا يَشْعُرُونَ (56)
{نسارع لهم في الخيرات} والعائد من خبران إلى اسمها محذوف أي نسارع لهم به والمعنى أن هذا الإمداد ليس إلا استدراجاً لهم إلى المعاصي وهم يحسبونه مسارعة لهم في الخيرات ومعالجة بالثواب جزاء على حسن صنيعهم وهذه الآية حجة على المعتزلة في مسألة الأصلح لأنهم يقولون إن الله لا فعل بأحد من الخلق إلا ما هو أصلح له في الدين وقد أخبر أن ذلك ليس بخير لهم في الدين ولا أصلح {بَل لاَّ يَشْعُرُونَ} بل استدراك لقوله أيحسبون أى أنهم أشباه البهائم لاشعور لهم حتى يتأملوا في ذلك أنه استدراج أو مسارعة في الخير(2/472)
إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (57)
إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (57)
ثم بين ذكر أوليائه فقال {إِنَّ الذين هُم مّنْ خَشْيةِ رَبّهِمْ مُّشْفِقُونَ} أي خائفون(2/472)
وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (58)
وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (58)
{والذين هم بآيات رَبَّهِمْ يُؤْمِنُونَ} أي بكتب الله كلها لا يفرقون بين كتبه كالذين تقطعوا أمرهم بينهم وهم أهل الكتاب(2/472)
وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ (59)
وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ (59)
{والذين هُم بِرَبّهِمْ لاَ يُشْرِكُونَ} كمشركي العرب(2/472)
وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ (60)
وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ (60)
{والذين يؤتون ما آتوا} أي يعطون ما أعطوا من الزكاة والصدقات وقرئ يؤتون ما أتوا بالقصر أي يفعلون ما فعلوا {وقلوبهم وجلة} خائفة أن لا تقبل منهم لتقصيرهم {أَنَّهُمْ إلى رَبّهِمْ راجعون} الجمهور على أن التقدير لأنهم وخبر ان الذين(2/473)
أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ (61)
أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ (61)
{أُوْلَئِكَ يسارعون فِى الخيرات} يرغبون في الطاعات فيبادرونها {وَهُمْ لَهَا سابقون} أي لأجل الخيرات سابقون إلى الجنات أو لأجلها سبقوا الناس(2/473)
وَلَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (62)
وَلَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (62)
{وَلاَ نُكَلّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا} أي طاقتها يعني أن الذي وصف به الصالحون غير خارج عن حد الوسع والطاقة وكذلك كل ما كلفه عباده وهو رد على من جوز تكليف ما لا يطاق {وَلَدَيْنَا كِتَابٌ} أي اللوح أو صحيفة الأعمال {يَنطِقُ بالحق وهم لا يظلمون} لا يقرءون منه يوم القيامة إلا ما هو صدق وعدل لا زيادة فيه ولا نقصان ولا يظلم منهم أحد بزيارة عقاب أو نقصان ثواب أو بتكليف مالا وسع له به(2/473)
بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هَذَا وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِنْ دُونِ ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ (63)
بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هَذَا وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِنْ دُونِ ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ (63)
{بَلْ قُلُوبُهُمْ فِى غَمْرَةٍ مّنْ هذا} بل قلوب الكفرة في غفلة غامرة لها مما عليه هؤلاء الموصوفون من المؤمنين {وَلَهُمْ أعمال مّن دُونِ ذلك} أي ولهم أعمال خبيثة متجاوزة
المؤمنون (71 - 63)
متخطية لذلك أي لما وصف به المؤمنون {هم لها عاملون} وعليها مقيمون لايفطمون عنها حتى يأخذهم الله بالعذاب(2/473)
حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذَابِ إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ (64)
حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذَابِ إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ (64)
{حتى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ} متنعميهم {بالعذاب} عذاب الدنيا وهوالقحط سبع سنين حين دعا عليهم النبى عليه الصلاة والسلام أو قتلهم يوم بدر وحتى هي التي يبتدأ بعدها الكلام والكلام الجملة الشرطية {إذا هم يجأرون} يصرخون استغاثة والجؤار الصراخ باستغاثة فيقال لهم(2/473)
لَا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ إِنَّكُمْ مِنَّا لَا تُنْصَرُونَ (65)
لَا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ إِنَّكُمْ مِنَّا لَا تُنْصَرُونَ (65)
{لا تجأروا اليوم} فإن الجؤار غير نافع لكم {إِنَّكُمْ مّنَّا لاَ تُنصَرُونَ} أي من جهتنا لا يلحقكم نصرا ومعونة(2/474)
قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنْكِصُونَ (66)
قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنْكِصُونَ (66)
{قد كانت آياتي تتلى عَلَيْكُمْ} أي القرآن {فَكُنتُمْ على أعقابكم تَنكِصُونَ} ترجعون القهقرى والنكوص أن يرجع القهقرى وهو أقبح مشية لأنه لا يرى ما وراءه(2/474)
مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِرًا تَهْجُرُونَ (67)
مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِرًا تَهْجُرُونَ (67)
{مُسْتَكْبِرِينَ} متكبرين على المسلمين حال من تنكصون {به} بالبيت أوبالحرم لأنهم يقولون لا يظهر علينا أحد لأنا أهل الحرم والذي سوغ هذا الإضمار شهرتهم بالاستكبار بالبيت أو بآياتى لأنها في معنى كتابي ومعنى استكبارهم بالقرآن تكذيبهم به استكباراً ضمن مستكبرين معنى مكذبين فعدى تعديته أو يتعلق الياء بقوله {سامرا} تسمرون بذكر القرآن وبالطعن فيه وكانوا يجتمعون حول البيت يسمرون وكانت عامة سمرهم ذكر القرآن وتسميته شعراً وسحراً والسامر نحو الحاضر فى الإطلاق على الجمع وقرئ سمّارا أو بقوله {تَهْجُرُونَ} وهو من الهجر الهذيان تهجرون نافع من أهجر في منطقه إذا أفحش(2/474)
أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ (68)
أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ (68)
{أَفَلَمْ يَدَّبَّرُواْ القول} أفلم يتدبروا القرآن ليعلموا أنه الحق المبين فيصدقوا به وبمن جاء به {أم جاءهم ما لم يأت آباءهم الأولين} بل أجاءهم ما لم يأت آباءهم الأولين فلذلك أنكروه واستبدعوه(2/474)
أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (69)
أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (69)
{أَمْ لَمْ يَعْرِفُواْ رَسُولَهُمْ} محمداً بالصدق والأمانة ووفور العقل وصحة النسب وحسن الأخلاق أي عرفوه بهذه الصفات {فَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ} بغياً وحسدا(2/474)
أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ (70)
أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ (70)
{أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ} جنون وليس كذلك لأنهم يعلمون أنه أرجحهم(2/474)
عقلاً وأثقبهم ذهناً {بَلْ جَاءهُمْ بالحق} الأبلج والصراط المستقيم وبما خالف شهواتهم وأهواءهم وهو التوحيد والإسلام ولم يجدوا له مرداً ولا مدفعاً فلذلك نسبوه إلى الجنون {وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقّ كارهون} وفيه دليل على أن أقلهم ما كان كارهاً للحق بل كان تاركاً للإيمان به أنفة واستنكافاً من توبيخ قومه وأن يقولوا صبأ وترك دين آبائه كأبي طالب(2/475)
وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ (71)
وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ (71)
{ولو اتبع الحق} أى الله {أهواءهم} فيما يعتقدون من الآلهة {لفسدت السماوات}
المؤمنون (77 - 71)
{والأرض} كما قال لَوْ كَانَ فِيهِمَا الِهَةٌ إلا الله لفسدتا {وَمَن فِيهِنَّ} خص العقلاء بالذكر لأن غيرهم تبع {بَلْ أتيناهم بِذِكْرِهِمْ} بالكتاب الذي هو ذكرهم أي وعظهم أو شرفهم لأن الرسول منهم والقرآن بلغتهم أو بالذكر الذي كانوا يتمنونه ويقولون لو أن عندنا ذكرا من الأولين الآية {فَهُمْ عَن ذِكْرِهِمْ مُّعْرِضُونَ} بسوء اختيارهم(2/475)
أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجًا فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (72)
أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجًا فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (72)
{أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً فَخَرَاجُ رَبّكَ خَيْرٌ} حجازي وبصرى وعاصم خرجا فخرج على وحمزة شامى خراجا فخراج وهو ما تخرجه إلى الإمام من زكاة أرضك وإلى كل عامل من أجرته وجعله والخرج أخص من الخراج تقول خراج القرية وخرج الكوفة فزيادة اللفظ لزيادة المعنى ولذا حسنت القراءة الأولى يعني أم تسألهم على هدايتك لهم قليلاً من عطاء الخلق فالكثير من الخالق خير من {وَهُوَ خَيْرُ الرازقين} أفضل المعطين(2/475)
وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (73)
وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (73)
{وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إلى صراط مُّسْتَقِيمٍ} وهو دين الإسلام فحقيق أن يستجيبوا لك(2/476)
وَإِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ (74)
وَإِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ (74)
{وَإِنَّ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالآخرة عَنِ الصراط لناكبون} لعادلون عن هذا الصراط المذكور وهو الصراط المستقيم(2/476)
وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (75)
وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (75)
{وَلَوْ رحمناهم وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مّن ضُرّ} لما أخذهم الله بالسنين حتى أكلوا العلهز جاء أبو سفيان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له أنشدك الله والرحم ألست تزعم أنك بعثت رحمة للعالمين فقال بلى فقال قتلت الآباء بالسيف والأبناء بالجوع فنزلت الآية والمعنى لو كشف الله عنهم هذا الضر وهو القحط الذي أصابهم برحمته لهم ووجدوا الخصب {لَّلَجُّواْ} أي لتمادوا {فِي طغيانهم يَعْمَهُونَ} يترددون يعني لعادوا إلى ما كانوا عليه من الاستكبار وعداوة رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين ولذهب عنهم هذا التملق بين يديه(2/476)
وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ (76)
وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ (76)
{ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا} استفعل من الكون أي انتقل من كون إلى كون كما قيل استحال إذا انتقل من حال إلى حال(2/476)
حَتَّى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ (77)
حَتَّى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ (77)
{حتى إِذَا فَتَحْنَا} فتّحنا يزيد {عَلَيْهِمْ بَاباً ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ} أي باب(2/476)
الجوع الذي هو أشد من الأسر والقتل {إِذَا هُمْ فيه مبلسون} متحيرون آيسون
المؤمنون (87 - 78)
من كل خير وجاء أعتاهم وأشدهم شكيمة في العناد ليستعطفك أو محناهم بكل محنة من القتل والجوع فما رؤي فيهم لين مقادة وهم كذلك حتى إذا عذبوا بنار جهنم فحينئذ يبلسون كقوله وَيَوْمَ تَقُومُ الساعة يبلس المجرمون(2/477)
وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ (78)
وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ (78)
{وَهُوَ الذى أَنْشَأَ لَكُمُ السمع والأبصار والأفئدة} خصها بالذكر لأنها تتعلق بها من المنافع الدينية والدنيوية ما لا يتعلق بغيرها {قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ} أي تشكرون شكرا قليلا وما مزيدة للتأكيد بمعنى حقاً والمعنى إنكم لم تعرفوا عظيم هذه النعم ووضعتموها غير مواضعها فلم تعملوا أبصاركم وأسماعكم في آيات الله وأفعاله ولم تستدلوا بقلوبكم فتعرفوا المنعم ولم تشكروا له شيئا(2/477)
وَهُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (79)
وَهُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (79)
{وَهُوَ الذى ذَرَأَكُمْ} خلقكم وبثكم بالتناسل {فِى الأرض وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} تجمعون يوم القيامة بعد تفرقكم(2/477)
وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ وَلَهُ اخْتِلَافُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (80)
وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ وَلَهُ اخْتِلَافُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (80)
{وهو الذي يحيي وَيُمِيتُ} أي يحيى النسم بالإنشاء ويميتها بالإفناء {وله اختلاف الليل والنهار} أى مجئ أحدهما عقيب الآخر واختلافهما في الظلمة والنور أو في الزيادة والنقصان وهو مختص به ولا يقدر على تصريفهما غيره {أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} فتعرفوا قدرتنا على البعث أو فتستدلوا بالصنع على الصانع فتؤمنوا(2/477)
بَلْ قَالُوا مِثْلَ مَا قَالَ الْأَوَّلُونَ (81)
بَلْ قَالُوا مِثْلَ مَا قَالَ الْأَوَّلُونَ (81)
{بَلْ قَالُواْ} أي أهل مكة {مِثْلَ مَا قَالَ الأولون} أي الكفار قبلهم ثم بين ما قالوا بقوله(2/477)
قَالُوا أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (82)
قَالُوا أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (82)
{قالوا أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لَمَبْعُوثُونَ} متنا نافع وحمزة وعلي وحفص(2/478)
لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا هَذَا مِنْ قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (83)
لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا هَذَا مِنْ قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (83)
{لقد وعدنا نحن وآباؤنا هذا} أى البعث {من قبل} مجئ محمد {إِنْ هذا إِلاَّ أساطير الأولين} جمع أسطار جمع سطر وهي ما كتبه الأولون مما لا حقيقة له وجمع أسطور أوفق(2/478)
قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (84)
قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (84)
ثم أمر نبيه عليه الصلاة والسلام بإقامة الحجة على المشركين بقوله {قُل لّمَنِ الأرض وَمَن فِيهَا إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} فإنهم(2/478)
سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (85)
سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (85)
{سَيَقُولُونَ لِلَّهِ} لأنهم مقرون بأنه الخالق فإذا قالوا {قُلْ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ} فتعلموا أن من فطر الأرض ومن فيها كان قادراً على إعادة الخلق وكان حقيقاً بأن لا يشرك به بعض خلقه في الربوبية أفلا تذكرون بالتخفيف حمزة وعلي وحفص وبالتشديد غيرهم(2/478)
قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (86) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ (87)
قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (86) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ (87)
{قُلْ مَن رَّبُّ السماوات السبع وَرَبُّ العرش العظيم سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ} أفلا تخافونه فلا تشركوا به أو أفلا تتقون فى جحودكم
المؤمنون (94 - 88)
قدرته على البعث مع اعترافكم بقدرته على خلق هذه الأشياء(2/478)
قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (88)
قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (88)
{قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلّ شَىْء} الملكوت الملك والواو والتاء للمبالغة فتنبئ عن عظم الملك {وَهُوَ يُجْيِرُ وَلاَ يُجَارُ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} أجرت فلاناً على فلان إذا أغثته منه ومنعته يعني وهو يغيث من يشاء ممن يشاء ولا يغيث أحد منه أحداً(2/478)
سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ (89)
سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ (89)
{سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فأنى تُسْحَرُونَ} تخدعون عن الحق أو عن توحيده وطاعته والخادع هو الشيطان والهوى الأول لله بالإجماع إذ السؤال لمن وكذا الثاني والثالث عند غير أهل البصرة على المعنى لأنك إذا قلت من رب هذا فمعناه لمن هذا فيجاب لفلان كقول الشاعرة ... إذا قيل من رب المزالف والقرى ورب الجياد الجرد قيل لخاد ...
أي لمن المزالف ومن قرأ بحذفه فعلى الظاهر لأنك إذا قلت من رب هذا فجوابه فلان(2/479)
بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِالْحَقِّ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (90)
بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِالْحَقِّ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (90)
{بَلْ أتيناهم بالحق} بأن نسبة الولد إليه محال والشرك باطل {وَإِنَّهُمْ لكاذبون} في قولهم اتخذ الله ولداً ودعائهم الشريك ثم أكد كذبهم بقوله(2/479)
مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (91)
مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (91)
{مَا اتخذ الله مِن وَلَدٍ} لأنه منزه عن النوع والجنس وولد الرجل من جنسه {وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إله} وليس معه شريك في الألوهية {إِذاً لَّذَهَبَ كُلُّ إله بِمَا خَلَقَ} لانفرد كل واحد من الآلهة بالذى خلقه فاستبد به ولتميز ملك كل واحد منهم عن الآخر {وَلَعَلاَ بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ} ولغلب بعضهم بعضاً كما ترون حال ملوك الدنيا مما لكهم متمايزة وهم متغالبون وحين لم تروا أثراً لتمايز الممالك وللتغالب فاعلموا أنه إله واحد بيده ملكوت كل شئ ولا يقال إذاً لا تدخل إلا على كلام هو جزاء وجواب وههنا وقع لذهب جزاء وجواباً ولم يتقدمه شرط ولا سؤال سائل لأن الشرط محذوف وتقديره ولو كان معه آلهة لدلالة وما كان معه من إله عليه وهو جواب لمن حآجه من المشركين {سبحان الله عَمَّا يَصِفُونَ} من الأنداد والأولاد(2/479)
عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (92)
عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (92)
{عالم} بالجر صفة لله وبالرفع مدني وكوفي غير حفص خبر(2/479)
مبتدأ محذوف {الغيب والشهادة} السر والعلانية {فتعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ} من الأصنام وغيرها(2/480)
قُلْ رَبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي مَا يُوعَدُونَ (93)
قُلْ رَبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي مَا يُوعَدُونَ (93)
{قل رب إما تريني ما يوعدون} اما والنون مؤكدان أى إن كان لابد من أن تريني ما تعدهم من العذاب في الدنيا أو في الآخرة(2/480)
رَبِّ فَلَا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (94)
رَبِّ فَلَا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (94)
{رَبّ فَلاَ تَجْعَلْنِى فِى القوم الظالمين} أي فلا تجلعنى قريناً لهم ولا تعذبني بعذابهم عن الحسن رضى الله عنه أخبره الله
المؤمنون (100 - 95)
{وَإِنَّا على أَن نُّرِيَكَ مَا نَعِدُهُمْ لقادرون}
أن له في أمته نقمة ولم يخبره متى وقتها فأمر أن يدعو هذا الدعاء ويجوز أن يسأل النبى المعصوم صلى الله عليه وسلم ربه ما علم أنه يفعله وأن يستعيذ به مما علم أه لا يفعله إظهاراً للعبودية وتواضعاً لربه واستغفاره عليه الصلاة والسلام إذ قام من مجلسه سبعين مرة لذلك والفاء فى فلا لجواب الشرط ورب اعتراض بينهما للتأكيد(2/480)
وَإِنَّا عَلَى أَنْ نُرِيَكَ مَا نَعِدُهُمْ لَقَادِرُونَ (95)
وَإِنَّا عَلَى أَنْ نُرِيَكَ مَا نَعِدُهُمْ لَقَادِرُونَ (95)
{وَإِنَّا على أَن نُّرِيَكَ مَا نَعِدُهُمْ لقادرون} كانوا ينكرون الموعد بالعذاب ويضحكون منه فقيل لهم إن الله قادر على إنجاز ما وعد إن تأملتم فما وجه هذا الإنكار(2/480)
ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ (96)
ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ (96)
{ادفع بالتى} بالخصلة التي {هِىَ أَحْسَنُ السيئة} هو أبلغ من أن يقال بالحسنة السيئة لما فيه من التفصيل كأنه قال ادفع بالحسنة السيئة والمعنى أصفح عن إساءتهم ومقابلتها بما أمكن من الإحسان وعن ابن عباس رضى الله عنهما هي شهادة أن لا إله إلا الله والسيئة الشرك أو الفحش بالسلام أو المنكر بالموعظة وقيل هي منسوخة بآية السيف وقيل محكمة إذ المداراة محثوث عليها مالم تؤد إلى ثلم دين {نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ} من الشرك أو بوصفهم لك وسوء ذكرهم فنجازيهم عليه(2/480)
وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ (97)
وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ (97)
{وَقُلْ رَّبّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشياطين} من وساوسهم ونخساتهم والهمزة النخس والهمزات جمع الهمزة ومنه مهماز الرائض والمعنى أن(2/480)
الشياطين يحثون الناس على المعاصي كما تهمز الراضة الدواب حثالها على المشى(2/481)
وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ (98)
وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ (98)
{وَأَعُوذُ بِكَ رَبّ أَن يَحْضُرُونِ} أمر بالتعوذ من نخساتهم بلفظ المبتهل إلى ربه المكرر لندائه وبالتعوذ من أن يحضروه أصلاً أو عند تلاوة القرآن أو عند النزع(2/481)
حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99)
حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99)
{حتى إذا جاء أحدهم الموت} حتى يتعلق بيصفون أى لا يزالون يشركون إلى وقت مجئ الموت أو لا يزالون على سوء الذكر إلى هذا الوقت وما بينهما مذكور على وجه الاعتراض والتأكيد للإغضاء عنهم مستعيناً بالله على الشيطان أن يستزله عن الحلم ويغريه على الانتصار منهم {قَالَ رَبّ ارجعون} أي ردوني إلى الدنيا خاطب الله بلفظ الجمع للتعظيم كخطاب الملوك(2/481)
لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100)
لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100)
{لَعَلّى أَعْمَلُ صالحا فِيمَا تَرَكْتُ} في الموضع الذي تركت وهو الدنيا لأنه ترك الدنيا وصار إلى العقبى قال قتادة ما تمنى أن يرجع إلى أهل ولا إلى عشيرة ولكن ليتدارك ما فرط لعلي ساكنة الياء كوفي وسهل ويعقوب {كَلاَّ} ردع عن طلب الرجعة وإنكار واستبعاد {إِنَّهَا كَلِمَةٌ} المراد بالكلمة الطائفة من الكلام المنتظم بعضها مع بعض وهو قوله رب ارجعون لعلي أعمل صالحاً فيما تركت {هُوَ قَائِلُهَا} لا محالة لا يخليها ولا يسكت عنها لاستيلاء الحسرة والندم عليه {وَمِن وَرَائِهِمْ} أي أمامهم والضمير للجماعة {برزخ} حائل بينهم وبين
المؤمنون (108 - 100)
الرجوع إلى الدنيا {إلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} لم يرد أنهم يرجعون يوم البعث وإنما هو إقناط كلي لما علم أن لا رجوع بعد البعث إلا إلى الآخرة(2/481)
فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ (101)
فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ (101)
{فَإِذَا نُفِخَ فِى الصور} قيل إنها النفخة الثانية {فَلاَ أنساب بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ} وبالإدغام أبو عمر ولا جتماع المثلين وإن كانا من كلمتين يعني يقع التقاطع بينهم حيث يتفرقون مثابين ومعاقبين ولا يكون التواصل بينهم بالأنساب إذ يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه وإنما يكون بالأعمال {وَلاَ يَتَسَاءلُونَ} سؤال تواصل كما كانوا يتساءلون في الدنيا لأن كلاً مشغول عن سؤال صاحبه بحاله ولا تناقض بين هذا وبين قوله وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ يتساءلون فللقيامة مواطن ففي موطن يشتد عليهم الخوف فلا يتساءلون وفي موطن يفيقون فيتساءلون(2/482)
فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (102)
فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (102)
{فَمَن ثَقُلَتْ موازينه} جمع موزون وهي الموزونات من الأعمال الصالحة التي لها وزن وقدر عندالله تعالى من قوله فلا نقيم لها يوم القيامة وزنا {فَأُوْلَئِكَ هُمُ المفلحون}(2/482)
وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ (103)
وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ (103)
{وَمَنْ خَفَّتْ موازينه} بالسيئات والمراد الكفار {فأولئك الذين خَسِرُواْ أَنفُسَهُم} غبنوها {فِى جَهَنَّمَ خالدون} يدل من خسروا أنفسهم ومحل للبدل والمبدل منه لأنه الصلة لا محل لها أو خبر بعد خبر لأولئك أو خبر مبتدأ محذوف(2/482)
تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ (104)
تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ (104)
{تَلْفَحُ} أي تحرق {وُجُوهَهُمُ النار وَهُمْ فِيهَا كالحون} عابسون فيقال لهم(2/482)
أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ (105)
أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ (105)
{ألم تكن آياتي} أي القرآن {تتلى عَلَيْكُمْ} في الدنيا {فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذّبُونَ} وتزعمون أنها ليست من الله تعالى(2/482)
قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ (106)
قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ (106)
{قَالُواْ رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا} ملكتنا {شِقْوَتُنَا} شقاوتنا حمزة وعلي وكلاهما مصدر أي شقينا بأعمالنا السيئة التي عملناها وقول أهل التأويل(2/482)
غلب علينا ما كتب علينا من الشقاوة لا يصح لأنه إنما يكتب ما يفعل العبد وما يعلم أنه يختاره ولا يكتب غير الذي علم أنه يختاره فلا يكون مغلوباً ومضطرا فى في الفعل وهذا لأنهم إنما يقولون ذلك القول اعتذاراً لما كان منهم من التفريط في أمره فلا يجمل أن يطلبوا لأنفسهم عذراً فيما كان منهم {وَكُنَّا قَوْماً ضَالّينَ} عن الحق والصواب(2/483)
رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ (107)
رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ (107)
{رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا} أي من النار {فَإِنْ عُدْنَا} إلى الكفر والتكذيب {فَإِنَّا ظالمون} لأنفسنا(2/483)
قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ (108)
قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ (108)
{قال اخسؤوا فِيهَا} اسكتوا سكوت ذلة وهوان {وَلاَ تُكَلّمُونِ}
المؤمنون (115 - 108)
في رفع العذاب عنكم فإنه لا يرفع ولا يخفف قيل هو آخر كلام يتكلمون به ثم ولا كلام بعد ذلك إلاالشهيق والزفير أن يحضروني ارجعوني ولا تكلموني بالياء في الوصل والوقف يعقوب وغيره بلا ياء(2/483)
إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (109)
إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (109)
{إِنَّهُ} إن الأمر والشأن! كَانَ فَرِيقٌ مّنْ عبادي يقولون ربنا آمنا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الراحمين}(2/483)
فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ (110)
فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ (110)
{فاتخذتموهم سِخْرِيّاً} مفعول ثان وبالضم مدني وحمزة وعلي وكلاهما مصدر سخر كالسخر إلا أن في ياء النسبة مبالغة قيل هم الصحابة رضى الله عنهم وقيل أهل الصفة خاصة ومعناه اتخذتموهم هزؤا وتشاغلتم بهم ساخرين {حتى أَنسَوْكُمْ} بتشاغلكم بهم على تلك الصفة {ذِكْرِى} فتركتموه أي كان التشاغل بهم سبباً لنسيانكم ذكري {وَكُنْتُمْ مّنْهُمْ تَضْحَكُونَ} استهزاء بهم(2/483)
إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ (111)
إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ (111)
{إِنِى جَزَيْتُهُمُ اليوم بِمَا صَبَرُواْ} بصبرهم {أَنَّهُمْ} أي لأنهم {هُمُ الفائزون} ويجوز أن يكون مفعولاً ثانياً أي جزيتهم اليوم فوزهم لأن جزى يتعدى إلى اثنين وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُواْ جنة إنهم حمزة(2/483)
وعلي على الاستئناف أي إنهم هم الفائزون لا أنتم(2/484)
قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ (112)
قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ (112)
{قال} أى الله أو والمأمور بسؤالهم من الملائكة قل مكي وحمزة وعلي أمر لمالك أن يسألهم {كَمْ لَبِثْتُمْ فِى الأرض} فى الدنيا {عدد السنين} أي كم عدد سنين لبثتم فكم نصب بلبثتم وعدد تمييز(2/484)
قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ (113)
قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ (113)
{قَالُواْ لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ} استقصروا مدة لبثهم فى الدنيا بالاضافى إلى خلودهم ولما هم فيه من عذابها لأن الممتحن يستطيل أيام محنته ويستقصر ما مر عليه من أيام الدعة {فَاسْأَلِ العادين} أي الحساب أو الملائكة الذين يعدون أعمار العباد وأعمالهم فسل بلا همز مكي وعلي(2/484)
قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (114)
قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (114)
{قال إن لبثتم إلا قليلا} أى مالبثتم فى الدنيا وبخهم على غفلتهم التي كانوا عليها قل إن حمزة وعلى(2/484)
أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (115)
أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (115)
{أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خلقناكم عَبَثاً} حال أي عابثين أو مفعول له أي للعبث {وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا ترجعون} بفتح التاء وكسر الجيم حمزة وعلى يعقوب وهو معطوف على أَنَّمَا خلقناكم أو على عبثاً أي للعبث ولنترككم غير مرجوعين بل خلقناكم للتكليف ثم للرجوع من دار التكليف إلى دار الجزاء فنثيب المحسن ونعاقب المسيء
المؤمنون (118 - 116)
(2/484)
فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ (116)
فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ (116)
{فتعالى الله} عن أن يخلق عبثاً {الملك الحق} الذي يحق له الملك لأن كل شئ منه وإليه أو الثابت الذي لا يزول ولا يزول ملكه {لاَ إله إِلاَّ هُوَ رَبُّ العرش الكريم} وصف العرش بالكرم لأن الرحمة تنزل منه أو لنسبته إلى أكرم الأكرمين وقرئ شاذاً برفع الكريم صفة للرب تعالى(2/484)
وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ (117)
وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ (117)
{ومن يدع مع الله إلها آخر لاَ بُرْهَانَ} أي لا حجة {لَهُ بِهِ} اعتراض بين الشرط والجزاء كقولك من أحسن إلى زيد لا أحق بالإحسان منه فإن الله مثيبه أو صفة لازمة جئ بها للتوكيد كقوله يطير بجناحيه لا أن يكون في الآلهة ما يجوز أن يقوم عليه برهان {فَإِنَّمَا حِسَابُهُ} أي جزاؤه وهذا جزاء الشرط {عِندَ رَبّهِ} أي فهو يجازيه لا محالة {إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الكافرون} جعل فاتحة السورة قد أفلح المؤمنون وخاتمتها إنه لا يفلح الكافرون فشتان ما بين الفاتحة والخاتمة ثم علمنا سؤال المغفرة والرحمة بقوله(2/485)
وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (118)
وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (118)
{وَقُل رَّبّ اغفر وارحم} ثم قال {وَأَنتَ خير الراحمين} لأن رحمته إذا أدركت أحداً أغنته عن رحمة غيره ورحمة غيره لا تغنيه عن رحمته(2/485)
سورة النور مدينة وهي ستون وأربع آيات
بسم الله الرحمن الرحيم(2/486)
سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنْزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (1)
سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنْزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (1)
{سُورَةٌ} خبر مبتدأ محذوف أي هذه سورة {أنزلناها} صفة لها وقرأ طلحة سورةً على زيد اضربته أوعلى اتل سورة والسورة الجامعة لجمل آيات بفاتحة لها وخاتمة واشتقاقها من سور المدينة {وفرضناها} أى أحكامها التي فيها وأصل الفرض القطع أي جعلناها مقطوعاً بها وبالتشديد مكي وأبو عمرو للمبالغة في الإيجاب وتوكيده أو لأن فيها فرائض شتئ أو لكثرة المفروض عليهم من السلف ومن بعدهم {وَأَنزَلْنَا فِيهَآ آيَاتٍ بَيِْنَاتٍ} أي دلائل واضحات {لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} لكي تتعظوا وبتخفيف الذال حمزة وعلي وخلف وحفص ثم فصل أحكامها فقال(2/486)
الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (2)
الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (2)
{الزانية والزاني} رفعها على الابتداء والخبر محذوف أي فيما فرض عليكم الزانية والزانى أى
النور (3 - 2)
{فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة وَلاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِى دِينِ الله}
جلدهما أو الخبر فاجلدوا ودخلت الفاءلكون الألف واللام بمعنى الذي وتضمينه معنى الشرط وتقديره التي زنت والذي زنى فاجلدوهما كما تقول من زنى فاجلدوه وكقوله والذين يَرْمُونَ المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهما وقرأ عيسى بن عمر بالنصب على إضمار فعل يفسره الظاهر وهو أحسن من سورة أنزلناها لأجل الأمر {فاجلدوا كُلَّ وَاحِدٍ مّنْهُمَا مِاْئَةَ جَلْدَةٍ} الجلد ضرب الجلد وفيه إشارة إلى(2/486)
أنه يبالغ ليصح الألم إلى اللحم والخطاب للأئمة لأن إقامة الحد من الدين وهي على الكل إلا أنهم لا يمكنهم الاجتماع فينوب الإمام منابهم وهذا حكم حر ليس بمحصن إذ حكم المحصن الرجم وشرائط إحصان الرجم الحرية والعقل والبلوغ والإسلام والتزوج بنكاح صحيح والدخول وهذا دليل على أن التغريب غير مشروع لأن الفاء إنما يدخل على الجزاء وهو اسم الكافى والتغريب المروي منسوخ بالآية كما نسخ الحبس والأذى في قوله فَأَمْسِكُوهُنَّ فِى البيوت وقوله فآذوهما بهذه الآية {وَلاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ} أي رحمة والفتح لغة وهي قراءة مكي وقيل الرأفة في دفع المكروه والرحمة في إيصال المحبوب والمعنى أن الواجب على المؤمنين أن يتصلبوا في دين الله ولا يأخذهم اللين فى استيفاء حدوده فيعطلوا الحدود أو يخلفوا الضرب {فِى دِينِ الله} أي في طاعة الله أو حكمه {إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بالله واليوم الآخر} من باب التهيج وإلهاب الغضب لله ولدينه وجواب الشرط مضمر أي فاجلدوا ولا تعطلوا الحد {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا} وليحضر موضع حدهما وتسمية عذاباً دليل على أنه عقوبة {طَائِفَةٌ} فرقة يمكن أن تكون حلقة ليعتبروا وينزجر هو وأقلها ثلاثة أو أربعة وهي صفة غالبة كانها الجماعة الحافة حول شئ وعن ابن عباس رضى الله عنهما أربعة إلى أربعين رجلاً {مِنَ المؤمنين} من المصدقين بالله(2/487)
الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (3)
الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (3)
{الزانى لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً والزانية لاَ يَنكِحُهَا إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ} أي الخبيث الذي من شأنه الزنا لا يرغب في نكاح الصوالح من النساء وإنما يرغب في خبيثة من شكله أو في مشركة والخبيثة المسافحة كذلك لا يرغب في نكاحها الصلحاء من الرجال وإنما يرغب فيها من هو من شكلها من الفسقة أوالمشركين فالآية تزهيد في نكاح البغايا إذ الزنا عديل الشرك في القبح والإيمان قرين العفاف والتحصن وهو نظير قوله الخبيثات(2/487)
للخبيثين وقيل كان نكاح الزانية محرماً في أول الإسلام ثم نسخ بقوله وَأَنْكِحُواْ الأيامى مِنْكُمْ وقيل المراد بالنكاح الوطء لأن غير الزاني يستقذر الزانية ولا يشتهيها وهو صحيح لكنه يؤدي إلى قولك الزاني لا يزني إلا بزانية والزانية لا يزنى بها إلا زان وسئل صلى الله عليه وسلم عمن زنى بامرأة ثم تزوجها فقال أوله سفاح وآخره نكاح ومعنى الجملة صفة الزاني بكونه غير راغب في العفائف
النور (6 - 3)
{وحرم ذلك على المؤمنين}
ولكن في الفواجر ومعنى الثانية صفة الزانية بكونها غير مرغوب فيها للأعفاء ولكن للزناة وهما معنيان مختلفان وقدمت الزانية على الزاني أولاً ثم قدم عليها ثانياً لأن تلك الآية سبقت لعقوبتها على ما جنيا والمرأة هي المادة التي منها نشأت تلك الجناية لأنها لو لم تطمع الرجل ولم تومض له تمكنه لم يطمع ولم يتمكن فلما كانت أصلا فى ذلك بدئ بذكرها وأما الثانية فمسوقة لذكر النكاح والرجل أصل فيه لأنه الخاطب ومنه بدء الطلب وقرئ لا ينكح بالجزم على معنى أن عادتهما جارية على ذلك وعلى المؤمن أن لا يدخل نفسه تحت هذه العادة ويتصون عنها {وَحُرِّمَ ذلك عَلَى المؤمنين} أي الزنا أو نكاح البغايا لقصد التكسب بالزنا أو لما فيه من التشبه بالفساق وحضور مواقع التهمة والتسبب لسوء المقالة فيه والغيبة ومجالسة الخاطئين كم فيها من التعرض لاقتراف الآثام فكيف بمزاوجة الزواني والقحاب(2/488)
وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (4)
وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (4)
{والذين يَرْمُونَ المحصنات} وبكسر الصاد علي أي يقذفون بالزنا الحرائر والعفائف المسلمات المكلفات والقذف يكون بالزنا وبغيره والمراد هنا قذفهن بالزنا بأن يقول يا زانية لذكر المحصنات عقيب الزواني ولاشتراط أربعة شهداء بقوله {ثُمَّ لَمْ يَأْتُواْ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء} أي ثم لم يأتوا بأربعة شهود يشهدون على الزنا لأن القذف بغير الزنا بأن يقول يا فاسق يا آكل الربا يكفي فيه شاهدان وعليه التعزير وشروط إحصان القذف الحرية(2/488)
والعقل والبلوغ والإسلام والعفة عن الزنا والمحصن كالمحصنة في وجوب حد القذف {فاجلدوهم ثَمَانِينَ جَلْدَةً} إن كان القاذف حرا ونصب ثمانين نصب المصادركما نصب مائة جلدة وجلدة نصب على التمييز {وَلاَ تَقْبَلُواْ لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً} نكر شهادة في موضع النفي فتعم كل شهادة ورد الشهادة من الحد عندنا ويتعلق باستيفاء الحد أو بعضه على ما عرف وعند الشافعى رحمه الله تعالى يتعلق رد شهادته بنفس القذف فعندنا جزاء الشرط الذي هو الرمي الجلد ورد الشهادة على التأبيد وهو مدة حياتهم {وَأُوْلَئِكَ هُمُ الفاسقون} كلام مستأنف غير داخل في حيز جزاء الشرط كأنه حكاية حال الرامين عندالله تعالى بعد انقضاء الجملة الشرطية(2/489)
إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5)
إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5)
وقوله {إِلاَّ الذين تَابُواْ مِن بَعْدِ ذلك} أى القذف {وأصلحوا} أحوالهم استثناء أن يكون منصوباً عندنا لأنه عن موجب وعند من جعل الاستثناء متعلقاً بالجملة الثانية أن يكون مجروراً بدلاً من هم في لهم(2/489)
وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (6)
وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (6)
ولما ذكر حكم قذف الأجنبيات بينحكم قذف الزوجات فقال {والذين يرمون أزواجهم}
النور (11 - 6)
أي يقذفون زوجاتهم بالزنا {وَلَمْ يَكُنْ لَّهُمْ شُهَدَاء} أي لم يكن لهم على تصديق قولهم من يشهد لهم به {إِلاَّ أَنفُسُهُمْ} يرتفع على البدل من شهداء {فشهادة أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ} بالرفع كوفي غير أبي بكر على أنه خبر المبتدأ فشهادة أحدهم وعلى هذا خبره محذوف تقديره فواجب شهادة أحدهم أربع {شهادات بالله إِنَّهُ لمن الصادقين} فيما رماها به من الزنا(2/489)
وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (7)
وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (7)
{والخامسة} لاخلاف في رفع الخامسة هنا في المشهور والتقدير والشهادة الخامسة {أَنَّ لَعْنَةَ الله عَلَيْهِ} فهي مبتدأ وخبر {إِن كَانَ مِنَ الكاذبين} فيما رماها به من الزنا(2/490)
وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ (8)
وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ (8)
{ويدرأ عَنْهَا العذاب} ويدفع عنها الحبس وفاعل يدرأ {أَن تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بالله إِنَّهُ} إن الزوج {لَمِنَ الكاذبين} فيما رماني به من الزنا(2/490)
وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ (9)
وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ (9)
{والخامسة أَنَّ غَضَبَ الله عَلَيْهَا إِن كَانَ} أي الزوج {مِنَ الصادقين} فيما رماني به من الزنا ونصب حفص الخامسة عطفاً على أربع شهادات وغيره بالابتداء وأن غضب الله خبره وخفف نافع أن لعنة الله وأن غضب الله بكسر الضاد وهما في حكم المثقلة وأن غضب الله سهل ويعقوب وحفص وجعل الغضب في جانبها لأن النساء يستعملن اللعن كثيراً كما ورد به الحديث فربما يجترئن على الاقدام لكثرة جرى اللعن على ألسنتهن وسقوط وقوعه عن قلوبهن فذكر الغضب في جانبهن ليكون رادعاً لهن والأصل أن اللعان عندنا شهادات مؤكدات بالإيمان مقرونة باللعن قائمة مقام حد القذف في حقه ومقام حد الزنا في حقها لأن الله تعالى سماه شهادة فإذا قذف الزوج زوجته بالزنا وهما من أهل الشهادة صح اللعان بينهما وإذا التعنا كما بين في النهر لا تقع الفرقة حتى يفرق القاضي بينهما وعند زفر رحمه الله تعالى تقع بتلاعنهما والفرقة تطليقة بائنة وعند أبى يوسف وزفر الشافعى تحريم مؤبد ونزلت آية اللعان في هلال بن أمية أو عويمر حيث قال وجدت على بطن امرأتى خملة شريك بن سحماء فكذبته فلاعن النبى صلى الله عليه وسلم بينهما(2/490)
وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ (10)
وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ (10)
{وَلَوْلاَ فَضْلُ الله} تفضله {عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ} نعمته {وَأَنَّ الله تَوَّابٌ حَكِيمٌ} جواب لولا محذوف أي لفضحكم أو لعاجلكم بالعقوبة(2/491)
إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ (11)
إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ (11)
{إن الذين جاؤوا بالإفك} هو أبلغ ما يكون من الكذب والافتراء وأصله
النور (12 - 11)
الأفك وهو القلب لأنه قول مأفوك عن وجهه والمراد ما أفك به على عائشة رضى الله عنها قالت عائشة فقدت عقداً في غزوة بني المصطلق فتخلفت ولم يعرف خلو الهودج لخفتي فلما ارتحلوا أناخ لي صفوان بن المعطل بعيره وساقه حتى أتاهم بعد ما نزلوا فهلك فى من هلك فاعللت شهرا وكان عليه الصلاة والسلام يسأل كيف أنت ولا أرى منه لطفاً كنت أراه حتى عثرت خالة أبي أم مسطح فقالت تعس مسطح فأنكرت عليها فأخبرتني بالإفك فلما سمعت ازددت مرضاً وبت عند أبوي لا يرقأ لي دمع وما أكتحل بنوم وهما يظنان أن الدمع فالق كبدي حتى قال عليه الصلاة والسلام ابشري يا حميراء فقد أنزل الله براءتك فقلت بحمد الله لا بحمدك {عُصْبَةٌ} جماعة من العشرة إلى الأربعين واعصو صبوا اجتمعوا وهم عبد الله بن أبي رأس النفاق وزيد بن رفاعة وحسان بن ثابت ومسطح بن أثاثة وحمنة بنت جحش ومن ساعدهم {مّنكُمْ} من جماعة المسلمين وهم ظنوا أن الإفك وقع من الكفار دون من كان من المؤمنين {لاَ تَحْسَبُوهُ} أي الإفك {شَرّاً لَّكُمْ} عند الله {بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ} لأن الله أثابكم عليه وأنزل في البراءة منه ثماني عشرة آية والخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعائشة وصفوان ومن ساءه ذلك من المؤمنين {لكل امرئ مّنْهُمْ مَّا اكتسب مِنَ الإثم} أي على كل امرئ من العصبة جزاء أئمة على مقدار خوضه فيه وكان بعضهم ضحك وبعضهمم تكلم فيه وبعضهم سكت {والذى تولى كِبْرَهُ} أي عظمه(2/491)
عبد الله بن أبيّ {مِنْهُمْ} أي من العصبة {لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ} أي جهنم يحكى أن صفوان مر بهودجا عليه وهو في ملأ من قومه فقال من هذه فقالوا عائشة فقال والله ما نجت منه ولا نجا منها ثم وبخ الخائضين فقال(2/492)
لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ (12)
لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ (12)
{لَوْلاَ} هلا {إِذْ سَمِعْتُمُوهُ} أي الإفك {ظَنَّ المؤمنون والمؤمنات بِأَنفُسِهِمْ} بالذين منهم فالمؤمنون كنفس واحدة وهو كقوله ولا تلمزوا أنفسكم {خَيْرًا} عفافاً وصلاحاً وذلك نحو ما يروى أن عمر رضى الله عنه قال لرسول الله عليه الصلاة والسلام أنا قاطع بكذب المنافقين لأن الله عصمك من وقوع الذباب على جلدك لأنه يقع النجاسات فيتلطخ بها فلما عصمك الله من ذلك القدر من الذر فكيف لا يعصمك عن صحبة من تكون متلطخة بمثل هذه الفاحشة وقال عثمان إن الله ما أوقع ظلم على الأرض لئلا يضع إنسان قدمه على ذلك الظل فلما لم يمكن أحداً من وضع القدم على ظلك كيف يمكن أحداً من تلويث عرض زوجتك وكذا قال علي رضى الله عنه إن جبريل أخبرك أن على نعليك قذراً وأمرك بإخراج النعل عن رجلك بسبب ما التصق به من القذر فكيف لا يأمرك باخراجها بتقدير أن تكون متلطخة بشئ من الفواحش وروي أن أبا أيوب الأنصاري قال لا مرأته ألا ترين ما يقال فقالت لو كنت بدل صفوان أكنت تظن بحرم رسول الله سوأ فقال لا قالت لو كنت أنا بدل عائشة ماخنت رسول الله فعائشة خير مني وصفوان خير منك وإنما عدل عن الخطاب إلى الغيبة وعو الضمير إلى الظاهر
النور (16 - 12)
{وقالوا هذا إفك مبين لولا جاؤوا عليه بأربعة}
ولم يقل ظننتم بأنفسكم خيراً وقلتم ليبالغ في التوبيخ بطريق الالتفات وليدل التصريح بلفظ الإيمان على أن الاشراك فيه يقتضي أن لا يصدق مؤمن على أخيه ولا مؤمنة على أختها قول عائب ولا طاعن وهذا من الأدب الحسن الذي قل القائم به الحافظ له وليتك تجد من يسمع فيسكت ولا يشيع ما سمعه بإخوانه {وَقَالُواْ هذا إِفْكٌ مُّبِينٌ} كذب ظاهر لا يليق بهما(2/492)
لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ (13)
لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ (13)
{لولا جاؤوا عليه بأربعة شهداء} هلا جاؤا على القذف لو كانوا صادقين بأربعة شهداء {فَإِذْ لَمْ يَأْتُواْ بِالشُّهَدَاء} الأربعة {فَأُوْلَئِكَ عِندَ الله} أي في حكمه وشريعته {هُمُ الكاذبون} أى القاذقون لأن الله تعالى جعل التفصلة بين الرمي الصادق والكاذب ثبوت شهادة الشهود الاربعة وانتفاؤها والذين رموا عائشة رضى الله عنها لم يكن لهم بينة على قولهم فكانوا كاذبين(2/493)
وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (14)
وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (14)
{وَلَوْلاَ فَضْلُ الله عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِى الدنيا والآخرة لمسكم فيما أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} لولا هذه لامتناع الشئ لوجود غيره بخلاف ما تقدم أي ولولا أني قضيت أن أتفضل عليكم في الدنيا بضروب النعم التي من جملتها الإمهال للتوبة وأن أترحم عليكم في الآخرة في العفو والمغفرة لعاجلتكم بالعقاب على ما خضتم فيه من حديث الإفك يقال أفاض في الحديث وخاض واندفع(2/493)
إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ (15)
إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ (15)
{إذ} ظرف لمسكم أو لأفضتم {تَلَقَّوْنَهُ} يأخذه بعضكم من بعض يقال تلقى القول وتلقنه وتلقفه {بِأَلْسِنَتِكُمْ} أي أن بعضكم كان يقول لبعض هل بلغك حديث عائشة حتى شاع فيما بينهم وانتشر فلم يبق بيت ولا ناد الاطار فيه {وَتَقُولُونَ بأفواهكم مَّا لَّيْسَ لَكُمْ بِهِ علم} إنما قيد بالافواه مع أنا القول لا يكون إلا بالفم لأن الشئ المعلوم يكون علمه في القلب ثم يترجم عنه اللسان وهذا الإفك ليس إلا قولاً يدور في أفواهكم من غير ترجمة عن علم به في القلب كقوله يَقُولُونَ بأفواههم ماليس فى قلوبهم {وتحسبونه} أى خوضكم فى عائشة رضى الله عنها {هَيّناً} صغيرة {وَهُوَ عِندَ الله عَظِيمٌ} كبيرة جزع بعضهم عند الموت فقيل له في ذلك فقال أخاف ذنباً لم يكن مني على بال وهو عند الله عظيم(2/493)
وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ (16)
وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ (16)
{وَلَوْلاَ} وهلا {إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بهذا} فصل بين لولا وقلتم الظرف لأن للظروف شأناً وهو تنزلها من الأشياء منزلة أنفسها لوقوعها فيها وأنها لا تنفك عنها فلذا يتسع فيها ما لا يتسع في غيرها وفائدة تقديم الظرف أنه كان الواجب عليهم أن يتفادوا أول ما سمعوا بالإفك عن التكلم به فلما كان ذكر الوقت أهم قدم والمعنى
النور (21 - 16)
{سبحانك هذا بهتان عظيم يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبدا إن كنتم مؤمنين}
هلا قلتم إذ سمعتم الإفك ما يصح لنا أن نتكلم بهذا {سبحانك} للتعجب من عظم الأمر ومعنى التعجب في كلمة التسبيح أن الأصل ان يسبح الله عند رؤبة العجيب من صنائعه ثم كثر حتى استعمل في كل متعجب منه أو لتنزيه الله من أن تكون حرمة نبيه فاجرة وإنما جاز أن تكون امرأة النبي كافرة كامرأة نوح ولوط ولم يجز أن تكون فاجرة لأن النبي مبعوث إلى الكفار ليدعوهم فيجب أن لا يكون معه ما ينفرهم عنه والكفر غير منفر عندهم وأما الكشخنة فمن أعظم المنفرات {هذا بهتان} زوريبهت من يسمع {عظِيمٌ} وذكر فيما تقدم هذا إفك مبين ويجوز أن يكونوا أمروا بهما مبالغة في التبري(2/494)
يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (17)
يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (17)
{يَعِظُكُمُ الله أَن تَعُودُواْ} في أن تعودوا {لِمِثْلِهِ} لمثل هذا الحديث من القذف أو استماع حديثه {أبدا} مادمتم أحياء مكلفين {إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} فيه تهييج لهم ليتعظوا وتذكير بما يوجب ترك العود وهو الإيمان الصادّ عن كل قبيح(2/494)
وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (18)
وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (18)
{وَيُبَيّنُ الله لَكُمُ الآيات} الدلالات الواضحات وأحكام الشرائع والآداب الجميلة {والله عَلِيمٌ} بكم وبأعمالكم {حَكِيمٌ} يجزي على وفق أعمالكم أو علم صدق نزاهتها وحكم ببراءتها(2/494)
إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (19)
إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (19)
{إِنَّ الذين يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الفاحشة فِى الذين آمنوا} أي ما قبح جداً والمعنى يشيعون الفاحشة عن قصد الإشاعة ومحبة لها {لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِى الدنيا} بالحد ولقد ضرب النبي صلى الله عليه وسلم ابن أبى وحسافا ومسطحاً الحد {والآخرة} بالنار وعدها إن لم يتوبوا {والله يَعْلَمُ} بواطن الأمور وسرائر الصدور {وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} أي أنه قد علم محبة من أحب الإشاعة وهو معاقبه عليها(2/495)
وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (20)
وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (20)
{وَلَوْلاَ فَضْلُ الله عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ} لعجل لكم العذاب وكرر المنة بترك المعاجلة بالعقاب مع حذف الجواب مبالغة في المنة عليهم والتوبيخ لهم {وأن الله رؤوف} حيث أظهر براءة المقذوف وأثاب {رَّحِيمٌ} بغفرانه جناية القاذف إذا تاب(2/495)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (21)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (21)
{يا أيها الذين آمنوا لاَ تَتَّبِعُواْ خطوات الشيطان} أي آثاره ووساوسه بالإصغاء إلى الإفك والقول فيه {وَمَن يَتَّبِعْ خطوات الشيطان فَإِنَّهُ} فإن الشيطان {يَأْمُرُ بالفحشاء} ما أفرط قبحه {والمنكر} ما تنكره النفوس فتنفر عنه ولا ترتضيه {وَلَوْلاَ فَضْلُ الله عليكم ورحمته ما زكا مِنكُم مّنْ أَحَدٍ أَبَداً} ولولا أن الله
النور (25 - 21)
{ولكن الله يزكي من يشاء والله سميع عليم}
تفضل عليكم بالتوبة الممحصة لما طهر منكم أحد آخر الدهر من إثم الإفك {ولكن الله يُزَكّى مَن يَشَاء} يطهر التائبين بقبول توبتهم إذا محضوها {والله سَمِيعٌ} لقولهم {عَلِيمٌ} بضمائرهم وإخلاصهم(2/495)
وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (22)
وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (22)
{وَلاَ يَأْتَلِ} ولا يحلف من ائتلى إذا حلف افتعال من الألية أولا يقصر من الألو {أُوْلُواْ الفضل مِنكُمْ} في الدين {والسعة} فى الدنيا {أن يؤتوا} إن كان من الألية {أُوْلِى القربى والمساكين والمهاجرين فِى سَبِيلِ الله} أي لا يحلفوا على أن لا يحسنوا(2/495)
إلى المستحقين للاحسان أولا يقتصروا في أن يحسنوا إليهم وإن كانت بينهم وبينهم شحناء لجناية اقترفوها {وَلْيَعْفُواْ وَلْيَصْفَحُواْ} العفو الستر والصفح الاعراض أى ولنجاوزوا عن الجفاء وليعرضوا عن العقوبة {أَلاَ تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ الله لَكُمْ} فليفعلوا بهم ما يرجون أن يفعل بهم ربهم مع كثرة خطاياهم {والله غَفُورٌ رَّحِيمٌ} فتأدبوا بأدب الله واغفروا وارحموا نزلت في شأن أبي بكر الصديق رضى الله عنه حين حلف أن لا ينفق على مسطح ابن خالته لخوضه فى عائشة رضى الله عنها وكان مسكيناً بدرياً مهاجراً ولما قرأها النبي صلى الله عليه وسلم على أبي بكر قال بلى أحب أن يغفر الله لي ورد إلى مسطح نفقته(2/496)
إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (23)
إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (23)
{إِنَّ الذين يَرْمُونَ المحصنات} العفائف {الغافلات} السليمات الصدور النقيات القلوب اللاتي ليس فيهن دهاء ولا مكر لانهن لم يجربن الأمور {المؤمنات} بما يجب الايمان به عن ابن عباس رضى الله عنهما هن أزواجه عليه الصلاة والسلام وقيل هن جميع المؤمنات إذ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب وقيل أريدت عائشة رضى الله عنها وحدها وإنما جمع لأن من قذف واحدة من نساء النبى عليه الصلاة والسلام فكأنه قذفهن {لُعِنُواْ فِى الدنيا والآخرة وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} جعل القذفة ملعونين في الدارين وتوعدهم بالعذاب العظيم في الآخرة إن لم يتوبوا(2/496)
يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (24)
يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (24)
والعامل في {يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ} يعذبون وبالياء جمزة وعلي {أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} أي بما أفكوا أو بهتوا(2/496)
يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ (25)
يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ (25)
والعامل في {يَوْمَئِذٍ يُوَفّيهِمُ الله دِينَهُمُ الحق} بالنصب صفة للدين وهو الجزاء ومعنى الحق الثابت الذي هم أهله وقرأ مجاهد بالرفع صفة كقراءة أبى وفيهم الله الحق دينهم وعلى قراءة النصب يجوز أن يكون الحق وصفاً لله بأن ينتصب على المدح {ويعلمون} عند
النور (26 - 25)
ذلك {أَنَّ الله هُوَ الحق المبين}(2/496)
لارتفاع الشكوك وحصول العلم الضرورى ولم يغلط الله تعالى فى القرآن فى شئ من المعاصى تغليظه فى افك عائشة رضى الله عنها فأوجز في ذلك وأشبع وفصل وأجمل وأكد وكرر وما ذلك إلا لأمر وعن ابن عباس رضى الله عنه من أذنب ذنباً ثم تاب منه قبلت توبته إلا من خاض أمر عائشة وهذا منه تعظيم ومبالغة في أمر الافك ولقديرا الله تعالى أربعة برأ يوسف عليه السلام بشاهد من أهلها وموسى عليه السلام من قول اليهود فيه بالحجر الذى ذهب بثوبه ومريم رضى الله عنها بانطاق ولدها وعائشة رضى الله عنها بهذه الآي العظام في كتابه المعجز المتلو على وجه الدهر بهذه المبالغات فانظركم بينها وبين تبرئة أولئك وما ذلك إلا لا ظهار علو منزلة رسوله والتنبيه على إنافة محله صلى الله عليه وسلم وعلى آله(2/497)
الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (26)
الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (26)
{الخبيثات} من القول تقال {لِلْخَبِيثِينَ} من الرجال والسناء {والخبيثون} منهم يتعرضون {للخبيثات} من القول وكذلك {والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات أولئك مبرؤون مما يقولون} إشارة إلى الطيبين وأنهم مبرءون مما يقول الخبيثون من خبيثات الكلم وهو كلام جار مجرى المثل لعائشة رضى الله عنها وما رميت به من قول لا يطابق حالها في النزاهة والطيب ويجوز أن يكون إشارة إلى هل البيت وأنهم مبرءون مما يقول أهل الإفك وأن يراد بالخبيثات والطيبات النساء الخبائث يتزوجن الخباث والخباث تتزوج الخبائث وكذا أهل الطيب {لَهُم مَّغْفِرَةٌ} مستأنف أو خبر بعد خبر {وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} في الجنة ودخل ابن عباس رضى الله عنهما على عائشة رضى الله عنها في مرضها وهي خائفة من القدوم على الله تعالى فقال لا تخافي لأنك لا تقدمين إلا على مغفرة ورزق كريم وتلا الآية فغشي عليها فرحاً بما تلا وقالت عائشة رضى الله عنها لقد أعطيت تسعاً ما أعطيتهن امرأة نزل جبريل بصورتي في راحته حين أمر(2/497)
عليه السلام ورأسه في حجري وقبر في بيتي وينزل عليه الوحي وأنا في لحافه وأنا ابنة خليفته وصديقه ونزل عذري من السماء وخلقت طيبة عند طيب ووعدت مغفرة ورزقاً كريماً وقال حسان متعذرا في حقها
حصانٌ رزانٌ ما تزن بريبة
وتصبح غرثى من لحوم الغوافل ... حليلة خير الناس ديناً ومنصباً
نبي الهدى والمكرمات الفواضل ... عقيلة حيّ من لؤي بن غالب
كرام المساعي مجدها غير زائل ... مهذبة قد طيب الله خيمها
وطهرها من كل شين وباطل
النور (30 - 27)(2/498)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (27)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (27)
{يا أيها الذين آمنوا لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حتى تَسْتَأْنِسُواْ}
{يا أيها الذين آمنوا لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ} أي بيوتاً لستم تملكونها ولا تسكنونها {حتى تَسْتَأْنِسُواْ} أي تستأذنوا عن ابن عباس رضى الله عنهما وقد قرأبه والاستئناس فى الأصل الاستعلام واستكشاف استفعال من أنس الشئ إذا أبصره ظاهراً مكشوفاً أي حتى تستعلموا أيطلق لكم الدخول أم لا وذلك بتسبيحة أو بتكبيرة أو بتحميدة أو بتنحنح {وَتُسَلّمُواْ على أَهْلِهَا} والتسليم أن يقول السلام عليكم أأدخل ثلاث مرات فإن أذن له وإلا رجع وقيل إن تلاقيا يقدم التسليم وإلا فالاستئذان {ذلكم} أى استئذان والتسليم {خَيْرٌ لَّكُمْ} من تحية الجاهلية والدمور وهو الدخول بغير إذن فكأن الرجل من أهل الجاهلية إذا دخل بيت غيره يقول حييتم صباحاً وحييتم مساء ثم يدخل فربما أصاب الرجل مع امرأته في لحاف واحد {لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} أي قيل لكم هذا لكي تذكروا وتتعظوا وتعملوا ما أمرتم به في باب الاستئذان(2/498)
فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (28)
فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (28)
{فَإِن لَّمْ تَجِدُواْ فِيهَا} في البيوت {أَحَدًا} من الآذنين {فَلاَ تَدْخُلُوهَا حتى(2/498)
يُؤْذَنَ لَكُمُ} حتى تجدوا من يأذن لكم أو فإن لم تجدوا فيها أحدا من أهلها ولكك فيها حاجة فلا تدخلوها إلا بإذن أهلها لأن التصرف في ملك الغير لا بد من أن يكون برضاه {وَإِن قِيلَ لَكُمْ ارجعوا} أي إذا كان فيه قوم فقالوا ارجعوا {فارجعوا} ولا تلحوا في إطلاق الإذن ولا تلجوا في تسهيل الحجاب ولا تقفوا على الأبواب لأن هذا مما يجلب الكراهة فإذا نهى عن ذلك لأدائه إلى الكراهة وجب الانتهاء عن كل ما يؤدي إليها من قرع الباب بعنف والتصييح بصاحب الدار وغير ذلك وعن أبي عبيد ما قرعت باباً على عالم قط {هُوَ أزكى لَكُمْ} أي الرجوع أطيب وأطهر لما فيه من سلامة الصدور والبعد عن الريبة أو أنفع وأنمى خيراً {والله بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} وعيد للمخاطبين بأنه عالم بما يأتون وما يذرون مما خوطبوا به فموف جزاءه عليه(2/499)
لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ (29)
لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ (29)
{لَّيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَدْخُلُواْ} في أن تدخلوا {بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ} استثنى من البيوت التي يجب الاستئذان على داخلها ما ليس بمسكون منها كالخانات والربط وحوانيت النجار {فِيهَا مَتَاعٌ لَّكُمْ} أي منفعة كالاستكنان من الجر والبرد إيواء الرحال والسلع والشراء والبيع وقيل الخربات يتبرز فيها والمتاع التبرز {والله يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ} وعيد للذين يدخلون الخربات والدور الخالية من أهل الريبة(2/499)
قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30)
قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30)
{قُلْ لّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنْ أبصارهم} من للتبعيض والمراد
النور (31 - 30)
{ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون}
غض البصر عما يحرم والاقتصار به على ما يحل {وَيَحْفَظُواْ فُرُوجَهُمْ} عن الزنا ولم يدخل من هنا لأن الزنا لارخصة فيه بوجه ويجوز النظر إلى وجه الأجنبية وكفها وقدميها في رواية وإلى رأس المحارم والصدر والساقين والعضدين {ذلك} أي غض البصر وحفظ الفرج {أزكى لَهُمْ} أي أطهر من دنس الاثم {إِنَّ الله خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} فيه ترغيب وترهيب يعني أنه خبير(2/499)
بأحوالهم وأفعالهم وكيف يجيلون أبصارهم يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور فعليهم إذا عرفوا ذلك أن يكونوا منه على تقوى وحذر في كل حركة وسكون(2/500)
وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (31)
وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (31)
{وَقُل للمؤمنات يَغْضُضْنَ مِنْ أبصارهن وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} أمر بغض الابصار فال يحل للمرأة أن تنظر من الأجنبي إلى ما تحت سرته إلى ركبتيه وإن اشتهت غضت بصرها رأساً ولا تنظر إلى المرأة إلا إلى مثل ذلك وغض بصرها من الأجانب أصلاً أولى بها وإنما قدم غض الأبصار على حفظ الفروج لأن النظر بريد الزنا ورائد الفجور فبذر الهوى طموح العين {وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ} الزينة ما تزينت به المرأة من حلي أو كحل أو خضاب والمعنى ولا يظهرن مواضع الزينة إذ إظهار عين الزينة وهى الحلى ونحو مباح فالمراد بها مواضعها أو إظهارها وهي فى مواضعها لاظهار مواضعها لإظهار أعيانها ومواضعها الرأس والأذن والعنق والصدور والعضدان والذراع والساق فهى للاكليل والقرط القلادة والوشاح والدملج والسوار والخلخال {إِلاَّ مَا ظَهَرَ منها} إلا ماجرت العادة والجبلة على ظهوره وهو الوجه والكفان والقدمان ففي سترها حرج بين فإن المرأة لا تجديدا من مزاولة الأشياء بيديها ومن إلى كشف وجهها خصوصاً في الشهادة والمحاكمة والنكاح وتضطر إلى المشي في الطرقات وظهور قدميها وخاصة الفقيرات منهن {وَلْيَضْرِبْنَ} وليضعن من قولك ضربت بيدي على الحائط إذا وضعتها عليه {بِخُمُرِهِنَّ} جمع خمار {على جُيُوبِهِنَّ} بضم الجيم مدني وبصري وعاصم كانت جيوبهن واسعة تبدو منها صدورهن وما حواليها وكن يسدلن الخمر من ورائهن فتبقى مكشوفة فأمرن بأن يسدلنها من قدامهن حتى تغطينها {إلا لبعولتهن} لأزواجهن جمع بعل {أو آبائهن} ويدخل فيهم الأجداد {أو آباء(2/500)
بعولتهن} فقد صاروا محارم {أَوْ أَبْنَائِهِنَّ} ويدخل فيهم النوافل {أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ} فقد صاروا محارم أيضاً {أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِى إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِى أخواتهن} ويدخل فيهم النوافل
النور (32 - 31)
{أو نسائهن أو ما ملكت أيمانهن أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال} وسائر المحارم كالأعمام والأخوال وغيرهم دلالة {أَوْ نِسَائِهِنَّ} أي الحرائر لأن مطلق هذا اللفظ يتناول الحرائر {أَوْ مَا مَلَكَتْ أيمانهن} أي امائهن ولا يحل لعبدها أن ينظر إلى هذه المواضع منها خصياً كان أو عنيناً أو فحلاً وقال سعيد بن المسيب لا تغرنكم سورة النور فإنها فى الاماء دون الذكور وعن عائشة رضى الله عنها أنها أباحت النظر إليها لعبدها {أَوِ التابعين غَيْرِ} بالنصب شامي ويزيد وأبو بكر على الاستثناء أو الحال وغيرهم بالجر على البدل أو على الوصفية {أُوْلِى الإربة} الحاجة إلى النساء قيل هم الذين يتبعونكم ليصيبوا من فضل طعامكم ولا حاجة لهم إلى النساء لأنهم بله لا يعرفون شيئاً من أمرهن أو شيوخ صلحاء أو العنين أو الخصي أو المخنث وفى الأثر أنه الجبوب والأول الوجه {مِنَ الرجال} حال {أَوِ الطفل الذين} هو جنس فصلح أن يراد به الجمع {لَمْ يَظْهَرُواْ على عورات النساء} أي لم يطلعوا لعدم الشهوة من ظهر على الشئ إذا اطلع عليه أو لم يبلغوا أو ان القدرة على الوطء من ظهر على فلان إذا قوي عليه {وَلاَ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ} كانت المرأة تضرب الأرض برجليها إذا مشت لتسمع قعقعة خلخالها فيعلم أنها ذات خلخال فنهين عن ذلك إذ سماع صوت الزينة كإظهارها ومنه سمي صوت الحلى وسواما {وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون} أَيُّهُ شامي إتباعاً للضمة قبلها بعد حذف الألف لالتقاء الساكنين وغيره على فتح الهاء ولأن بعدها ألفافى التقدير {لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}(2/501)
العبد لا يخلو عن سهو وتقصير في أوامره ونواهيه وإن اجتهد فلذا وصى المؤمنين جميعاً بالتوبة وبتأميل الفلاح إذا تابوا وقيل أحوج الناس إلى التوبة من توهم أنه ليس له حاجة بالتوبة وظاهر الآية يدل على أن العصيان لا ينافى الإيمان(2/502)
وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (32)
وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (32)
{وَأَنْكِحُواْ الأيامى مِنْكُمْ} الأيامى جمع أيم وهو من لا زوج له رجلا كان أو امرأة بكراً كان أو ثيباً وأصله أيائم فقلبت {والصالحين} أي الخيرين أو المؤمنين والمعنى زوجوا من تأيم منكم من الأحرار والحرائر ومن كان فيه صلاح {مِنْ عِبَادِكُمْ وإمائكم} أى من غلمانكم وجواريكم ولامر للندب إذ النكاح مندوب إليه {إِن يَكُونُواْ فُقَرَاء} من المال {يُغْنِيَهُمُ الله مِن فَضْلِهِ} بالكفاية والقناعة أو باجتماع الرزقين وفي الحديث التمسوا الرظق بالنكاح وعن عمر رضى الله عنه روي مثله {والله واسع} غني ذو سعة لا يرزؤه إغناء الخلائق {عَلِيمٌ} يبسط الرزق لمن
النور (33)
يشاء ويقدر وقيل في الآية دليل على أن تزويج النساء والأيامى إلى الأولياء كما أن تزويج العبيد والإماء إلى الموالي قلنا الرجل لا يلي على الرجل الأيم إلا بإذنه فكذا لا يلي على المرأة إلا بإذنها لأن الايم ينتظمها(2/502)
وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ (33)
وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ (33)
{وَلْيَسْتَعْفِفِ الذين} وليجتهدوا في العفة كأن المستعف طالب من نفسه العفاف {لاَ يَجِدُونَ نِكَاحاً} استطاعة تزوج من المهر والنفقة {حتى يُغْنِيَهُمُ الله مِن فَضْلِهِ} حتى يقدرهم على المهر والنفقة قال عليه الصلاة والسلام يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فانه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء فانظر كيف رتب هذه الأوامر(2/502)
فأمر أولاً بما يعصم من الفتنة ويبعد عن مواقعة المعصية وهو غض البصر ثم بالنكاح المحصن للدين المغنى عن الاحرام ثم بعزة النفس الأمارة بالسوء عن الطموح إلى الشهوة عند العجز عن النكاح إلى أن تقدر عليه {والذين يَبْتَغُونَ الكتاب مِمَّا مَلَكَتْ أيمانكم} أي المماليك الذين يطلبون الكتابة فالذين مرفوع بالابتداء أو منصوب بفعل يفسره {فكاتبوهم} وهو للندب ودخلت الفاء لتضمنه معنى الشرط والكتاب والمكاتبة كالعتاب والمعاتبة وهو أن يقول لمملوكه كاتبتك على ألف درهم فإن أداها عتق ومعناه كتبت لك على نفسي أن تعتق مني إذا وفيت بالمال وكتبت لي على نفسك أن تفي بذلك أو كتبت عليك الوفاء بالمال وكتبت عليّ العتق ويجوز حالاً ومؤجلاً ومنجماً وغير منجم لإطلاق الأمر {إِنْ عَلِمُتُمْ فِيهِمْ خَيْراً} قدرة على الكسب أو أمانة وديانة والندبية معلقة بهذا الشرط {وآتوهم من مال الله الذي آتاكم} أمر للمسلمين على وجه الوجوب بإعانة المكاتبين وإعطائهم سهمهم من الزكاة لقوله تعالى وَفِي الرقاب وعند الشافعى رحمه الله معناه حطوا من بدل الكتابة ربعاً وهذا عندنا على وجه الندب والأول الوجه لأن الإيتاء هو التمليك فلا يقع على الحط سأل صبيح مولاه حويطباً أن يكاتبه فأبى فنزلت واعلم أن العبيد أربعة قن مقتنى للخدمة ومأذون فى التجارة وكاتب وآبق فمثال الأول ولي العزلة الذي حصل العزلة بإيثار الخلوة وترك العشرة والثاني ولي العشيرة فهو نجي الحضرة يخالط الناس للخبرة وينظر إليهم بالعبرة ويأمرهم بالعبرة فهو خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم يحكم بحكم الله ويأخذ لله ويعطي في الله ويفهم عن الله ويتكلم مع الله فالدنيا سوق تجارته والعقل رأس بضاعته والعدل في الغضب والرضا ميزانه والقصد في الفقر والغنى عنوانه والعلم مفزعه ومنحاه والقرآن كتاب الإذن من مولاه هو كائن فى الناس
النور (33)
بظواهره بائن منهم بسرائره فقد هجرهم فيما له عليم في الله باطناً ثم وصلهم فيما لهم عليه لله ظاهراً ...(2/503)
وما هو منهمو بالعيش فيهم ... ولكن معدن الذهب الرغام ...
يأكل ما يأكلون ويشرب ما يشربون وما يدريهم أنه ضيف الله يرى السموات والأرض قائمات بأمره وكأنه قيل فيه ... فإن تفق الأنام وأنت منهم ... فإن المسك بعض دم الغزال ...
فحال ولي العزلة أصفى وأحلى وحال ولى العشرة أو فى وأعلى ونزل الأول من الثاني في حضرة الرحمن منزلة النديم من الوزير عند السلطان أما النبى عليه الصلاة والسلام فهو كريم الطرفين ومعدن الشذرين ومجمع الحالين ومنبع الزلالين فباطن أحواله مهتدي ولي العزلة وظاهر أعماله مقتدى ولي العشرة والثالث المجاهد المحاسب العامل المطالب بالضرائب كنجوم المكاتب عليه فى اليوم والليلة خمس وفى المائتين درهما خمسة وفي السنة شهر وفي العمر زورة فكأنه اشترى نفسه من ربه بهذه النجوم المرتبة فيسعى في فكاك رقبته خوفاً من البقاء في ربقة العبودية وطمعاً في فتح باب الحرية ليسرح في رياض الجنة فيتمتع بمبياه ويفعل ما يشاؤه ويهواه والرابع الإباق فما أكثرهم فمنهم القاضى الجائر والعالم غير العامل والعامل المرائي والواعظ الذي لا يفعل ما يقول ويكون أكثر أقواله الفضول وعلى كل ما لا ينفعه يصول فضلا عن السارق والزاني والغاصب فعنهم أخبر النبي عليه الصلاة والسلام ان الله لينصر هذا الدين بقوم لاخلاق لهم في الآخرة {وَلاَ تُكْرِهُواْ فتياتكم عَلَى البغاء} كان لابن أبيّ ست جوار معاذة ومسكية وأميمة وعمرة وأروى وقتيلة يكرههن على البغاء وضرب عليهم الضرائب فشكت ثنتان منهن إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام فنزلت ويكنى بالفتى والفتاة عن العبد والأمة والبغاء الزنا للنساء خاصة وهو مصدر لبغت {إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً} تعففاً عن الزنا وإنما قيده بهذا الشرط لأن الإكراه لا يكون الامع إرادة التحصن فآمر المطيعة للبغاء(2/504)
لا يسمى مكرهاً ولا أمره إكراهاً ولأنها نزلت على سبب فوقع النهي على تلك الصفة وفيه توبيخ للموالي أي إذا رغبن في التحصن فأنتم أحق بذلك {لّتَبْتَغُواْ عَرَضَ الحياة الدنيا} أي لتبتغوا بإكراههن على الزنا أجورهن وأولادهن {وَمَن يُكْرِههُنَّ فِإِنَّ الله مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} أي لهن وفي مصحف ابن مسعود كذلك وكان الحسن يقول لهن والله لهن والله ولعل الإكراه كان دون ما اعتبرته الشريعة وهو الذى
النور (35 - 34)
يخاف منه التلف فكانت آثمة أولهم إذا تابوا(2/505)
وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ وَمَثَلًا مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (34)
وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ وَمَثَلًا مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (34)
{ولقد أنزلنا إليكم آيات مبينات} بفتح الياء حجازي وبصري وأبو بكر وحماد والمراد الآيات التي بينت في هذه السورة وأوضحت في معاني الأحكام والحدود وجاز أن يكون الأصل مبيناً فيها فاتسع في الظرف أي أجري مجرى المفعول به كقوله ويوم شهدناه وبكسرها غيرهم أي بينت هي الأحكام والحدود جعل الفعل لها مجازاً أو من بين يمعنى تبين ومنه المثل
قد بين الصبح لذي عينين
{وَمَثَلاً مّنَ الذين خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُمْ} ومثلاً من أمثال من قبلكم أي قصة عجيبة من قصصهم كقصة يوسف ومريم يعني قصة عائشة رضى الله عنها {وَمَوْعِظَةً} ما وعظ به من الآيات والمثل من نحو قوله تعالى وَلاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِى دِينِ الله لَّوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ يَعِظُكُمُ الله أَن تَعُودُواْ لِمِثْلِهِ أَبَداً {لّلْمُتَّقِينَ} أي هم المنتفعون بها وإن كانت موعظة للكل نظير قوله(2/505)
اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (35)
اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (35)
{الله نُورُ السماوات والأرض} مع قوله مَثَلُ نوره ويهدى الله لِنُورِهِ قولك زيد كرم وجود ثم تقول ينعش الناس يكرمه وجوده والمعنى ذو نور السموات ونور السموات والأرض الحق شبهه بالنور في ظهوره وبيانه كقوله الله ولى الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور أي من الباطل إلى الحق وأضاف النور اليهما للدلالة(2/505)
على سعة اشراقه وفشوا إضاءته حتى تصئ له السموات والأرض وجاز أن المراد أهل السموات والأرض وأنهم يستضيئون به {مَثَلُ نُورِهِ} أي صفة نوره العجيبة الشأن في الإضاءة {كَمِشْكَاةٍ} كصفة مشكاة وهى الكوفى في الجدار غير النافذة {فِيهَا مِصْبَاحٌ} أي سراج ضخم ثاقب {المصباح فِى زُجَاجَةٍ} في قنديل من زجاج شامي بكسر الزاي {الزجاجة كأنها كوكب دري} مضئ بضم الدال وتشديد الياء منسوب إلى الدرلفرط ضيائه وصفائه وبالكسر والهمزة عمرو وعلي كأنه يدرأ الظلام بضوئه وبالضم والهمزة أبو بكر وحمزة شبه فى زهرته بأحد الكواكب الدراري كالمشتري والزهرة ونحوهما {يُوقَدُ} بالتخفيف حمزة وعلى وابو بكر الزجاجة ويوقد بالتخفيف شامى ونافع وحفص ويوقد بالتشديد مكي وبصري أي هذا المصباح {مِن شجرة} أى ابتداء ثقوبه من زيت شجرة الزيتون يعني رويت زبالته بزيتها {مباركة} كثيرة المنافع أو لأنها نبتت في الأرض التي بورك فيها للعالمين وقيل بارك فيها سبعون نبياً منهم إبراهيم عليه السلام {زَيْتُونَةٍ} بدل من شجرة نعتها {لاَّ شَرْقِيَّةٍ وَلاَ غَرْبِيَّةٍ} أي منبتها الشام يعني ليست من المشرق ولا من المغرب بل فى الوسط منهما وهو الشام
النور (37 - 35)
وأجود الزيتون زيتون الشام وقيل ليست مما تطلع عليه الشمس في وقت شروقها أو غروبها فقط بل تصيبها بالغداة والعشى جميعا فهي شرقية وغربية {يَكَادُ زَيْتُهَا} دهنها {يُضِىء وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ} وصف الزيت بالصفاء(2/506)
والوميض وأنه لتلألؤه يكاد يضئ من غير نار {نُّورٌ على نُورٍ} أي هذا النور الذي شبه به الحق نور متضاعف قد تناصر فيه المشكاة والزجاجة والمصباح والزيت حتى لم تبق بقية مما يقوي النور وهذا لأن المصباح إذا كان في مكان متضايق كالمشكاة كان أجمع لنوره بخلاف المكان الواسع فإن الضوء ينتشر فيه والقنديل أعون شئ على زيادة الإنارة وكذلك الزيت وصفاؤه وضرب المثل يكون بدنئ محسوس معهود لا بعلي غير معاين ولا مشهود فأيوتمام لما قال في المأمون ... إقدام عمرو في سماحة حاتم ... في حلم أحنف في ذكاء اياس ...
قيل له إن الخليفة فرق من مثلته بهم فقال مرتجلاً ... لا تنكروا ضربى من دونه ... مثلاً شروداً في الندى والباس ...
... فالله قد ضرب الأقل لنوره ... مثلاً من المشكاة والنبراس ...
{يَهْدِى الله لِنُورِهِ} أي لهذا النور الثاقب {مَن يَشَآء} من عباده أي يوفق لإصابة الحق من يشاء من عباده بالهام من الله أو ينظره في الدليل {وَيَضْرِبُ الله الأمثال لِلنَّاسِ} تقريباً إلى أفهامهم ليعتبروا فيؤمنوا {والله بِكُلّ شَيْء عليم} فيبين كل شئ بما يمكن أن يعلم به وقال ابن عباس رضى الله عنه مثل نوره أي نور الله الذي هدى به المؤمن وقرأ ابن مسعود رحمه الله مثل نوره في قلب المؤمن كمشكاة وقرأ أبيّ مثل نور المؤمن(2/507)
فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (36)
فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (36)
{فِى بُيُوتٍ} يتعلق بمشكاة أي كمشكاة في بعض بيوت الله وهي المساجد كأنه قيل مثل نوره كما يرى فى المسجد له رجال فى بيوت وفيها تكرير فيه توكيد نحو زيد في الدار جالس فيها أو بمحذوف أي سبحوا في بيوت {أَذِنَ الله} أي أمر {أَن تُرْفَعَ} تبنى كقوله بناها رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا وَإِذْ يرفع إبراهيم القواعد أو تعظم من(2/507)
الرفعة وعن الحسن ما أمر الله أن نرفع بالبناء ولكن بالتعظيم {وَيُذْكَرَ فِيهَا اسمه} يتلى فيها كتابه أو هو عام في كل ذكر {يُسَبّحُ لَهُ فِيهَا بالغدو والآصال} أي يصلي له فيها بالغداة صلاة الفجر وبالآصال صلاة الظهر والعصر والعشاءين وإنما وحد الغدو لأن صلاته صلاته صلاة واحدة وفي الآصال صلوات والآصال جمع أصل جمع أصيل وهو العشي(2/508)
رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ (37)
رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ (37)
{رِجَالٌ} فاعل يسبح يسبح شامي وأبو بكر ويسند إلى أحد الظروف الثلاثة أعني له فيها بالغدو ورجال مرفوع بمادل عليه يسبح أي يسبح له {لاَّ تُلْهِيهِمْ}
النور (39 - 37)
لا تشغلهم {تجارة} في السفر {وَلاَ بَيْعٌ} في الحضر وقيل التجارة الشراء إطلاقاً لاسم الجنس على النوع أو خص البيع بعد ماعم لأنه أو غل في الإلهاء من الشراء لأن الربح في البيعة الرابحة متيقن وفي الشراء مظنون {عَن ذِكْرِ الله} باللسان والقلب {وَإِقامِ الصلاة} أي عن إقامة الصلاة التاء في إقامة عوض من العين الساقطة للأعلال الأصل إقوام فلما قلبت الواو ألفاً اجتمع ألفان فحذفت أحدهما لالتقاء الساكنين فأدخلت التاء عوضاً عن المحذوف فلما أضيفت أقيمت الإضافة مقام التاء فأسقطت {وَإِيتاء الزكاة} أي وعن إيتاء الزكاة والمعنى لا تجارة لهم حتى تلهيهم كأولياء العزلة أو يبيعون ويشترون ويذكرون الله مع ذلك وإذا حضرت الصلاة قاموا إليها غير متثاقلين كأولياء العشرة {يخافون يَوْماً} أي يوم القيامة ويخافون حال من الضمير في تلهيهم أو صفة أخرى لرجال {تتقلب فيه القلوب} ببلوغها إلى الجناجر {والأبصار} بالشخوص والزرقة أو تتقلب القلوب إلى الإيمان بعد الكفران والأبصار إلى العيان بعد إنكاره للطغيان كقوله فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءكَ فَبَصَرُكَ اليوم حديد(2/508)
لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (38)
لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (38)
{لِيَجْزِيَهُمُ الله أَحْسَنَ مَا عَمِلُواْ وَيَزِيدَهُم مّن فَضْلِهِ} أي يسبحون ويخافون(2/508)
ليجزيهم الله أحسن جزاء أعمالهم أي ليجزيهم ثوابهم مضاعفاً ويزيدهم على الثواب الموعود على العمل تفضلاً {والله يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ} أي يثيب من يشاء ثواباً لا يدخل في حساب الخلق هذه صفات المهتدين بنور الله فأما الذين ضلوا عنه فالمذكورون في قوله(2/509)
وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ (39)
وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ (39)
{والذين كفروا أعمالهم كسراب} هو مايرى في الفلاة من ضوء الشمس وقت الظهر يسرب على وجه الأرض كأنه ماء يجري {بقيعة} بقاع أو جمع قاع وهوالمنبسط المستوي من الأرض كجيرة في جار {يَحْسَبُهُ الظمان} يظنه العطشان {مَاءً حتى إِذَا جَاءهُ} أى جاء إلى ماتوهم أنه ماء {لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً} كما ظنه {وَوَجَدَ الله} أي جزاء الله كقوله يجد الله غفورا رحيما أي يجد مغفرته ورحمته {عِندَهُ} عند الكافر {فوفاه حِسَابَهُ} أي أعطاه جزاء عمله وافياً كاملا وحد بعد الجمع حملاً على كل واحد من الكفار {والله سَرِيعُ الحساب} لأنه لا يحتاج إلى عد وعقد ولا يشغله حساب عن حساب أو قريب حسابه لأن ما هو آتٍ قريب شبه ما يعمله من لا يعتقد الإيمان ولا يتبع الحق من الأعمال الصالحة التى يحسبها تنفعه عندالله وتنجيه من عذابه ثم يخيب في العاقبة أمله ويلقى خلاف ما قدر بسراب يراه الكافر بالساهرة
النور (43 - 40)
وقد غلبه عطش يوم القيامة فيحسبه ماء فيأتيه فلا يجد ما رجاه ويجد زبانية الله عنده يأخذونه فيعتلونه إلى جهنم فيسقونه الحميم والغساق وهم الذين قال الله فيهم عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا قيل نزلت في عتبة بن ربيعة بن أمية كان يترهب ملتمساً للدين في الجاهلية فلما جاء الإسلام كفر(2/509)
أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ (40)
أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ (40)
{أو كظلمات في بحر} أو هنا كأوفى أَوْ كَصَيّبٍ {لُّجّىّ} عميق كثير الماء منسوب إلى اللج وهو معظم ماء البحر(2/509)
{يغشاه} يغشى البحر أو من فيه أى يعلوه ويغطيه {موج} هوما ارتفع من الماء {مّن فَوْقِهِ مَوْجٌ} أي من فوق الموج وظلمة السحاب على الموج {إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ} أي الواقع فيه {لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا} مبالغة في لم يرها أي لم يقرب أن يراها فضلاً عن أن يراها شبه أعمالهم أولاً في فوات نفعها وحضور ضررها بسراب لم يجده من خدعه من بعيد شيئاً ولم يكفه خيبة وكمدا ان يجد شيئاً كغيره من السراب حتى وجد عنده الزبانية تعتليه إلى النار وشبهها ثانياً في ظلمتها وسوادها لكونها باطلة وفي خلوها عن نور الحق بظلمات متراكمة من لج البخر والأمواج والسحاب {وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ الله لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِن نُورٍ} من لم يهده الله لم يهتد عن الزجاج في الحديث خلق الله الخلق ظلمة ثم رش عليهم من نوره فمن أصابه من ذلك النور اهتدى ومن أخطأه ضل(2/510)
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ (41)
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ (41)
{ألم تر} ألم تعلم يا محمد علما يقوم مقام العيان في الإيقان {أَنَّ الله يُسَبّحُ لَهُ مَن فِى السماوات والأرض والطير} عطف على من {صافات} حال من الطير أي يصففن أجنحتهن في الهواء {كُلٌّ قَدْ علم صلاته وتسبيحه} الضمير فى علم لكل أو الله وكذا في صلاته وتسبيحه والصلاة الدعاء ولم يبعد أن يلهم الله الطير دعاءه وتسبيحه كما ألهمها سائر العلوم الدقيقة التى لا يكاد العقلاء يهتدون إليها {والله عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ} لا يعزب عن علمه شئ(2/510)
وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (42)
وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (42)
{ولله ملك السماوات والأرض} لأنه خالقها ومن ملك شيئاً فبتمليكه إياه {وإلى الله المصير} مرجع الكل(2/510)
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ (43)
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ (43)
{أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله يُزْجِى} يسوق إلى حيث يريد {سَحَابًا} جمع سحابة دليله {ثُمَّ يُؤَلّفُ بَيْنَهُ} وتذكيره للفظ أي يضم بعضه إلى بعض {ثم يجعله ركاما} مترا كما بعضه فوق بعض
النور (45 - 43)
{فَتَرَى الودق} المطر {يَخْرُجُ مِنْ خِلاَلِهِ} من فتوقه ومخارجه جمع خلل كجبال {وَيُنَزّلُ} وينزل مكي ومدني وبصري {مّنَ السماء} لابتداء الغاية لأن الابتداء الإنزال من السماء {مِن جِبَالٍ} من للتبعيض لأن ما ينزله الله بعض تلك الجبال التي {فِيهَا} في السماء {مِن بَرَدٍ} للبيان أو الأوليان للابتداء والآخرة للتبعيض ومعناه أنه ينزل البرد من السماء من جبال فيها وعلى الأول مفعول ينزل من جبال أي بعض جبال فيها ومعنى من جبال فيها من برد أن يخلق الله في السماء جبال برد كما خلق في الأرض جبال حجر أو يريد الكثرة بذكر الجبال كما يقال فلان يملك جبالاً من ذهب {فَيُصِيبُ بِهِ} بالبرد {مَن يَشَآء} أي يصيب الإنسان وزرعه {ويصرفه عن من يشاء} فلا يصيبه أو يعذب من يشاء ويصرفه عمن يشاء فال يعذبه {يكاد سنا برقه} ضوئه {يذهب بالأبصار} يخطفها يَذْهَبُ يزيد على زيادة الباء(2/511)
يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ (44)
يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ (44)
{يقلب الله الليل والنهار} يصرفها في الاختلاف طولاً وقصراً والتعاقب {إِنَّ فِى ذلك} فى إزجاء السحاب إلى وإنزال الودق والبرد وتقليب الليل والنهار {لَعِبْرَةً لأَِوْلِى الأبصار} لذوي العقول وهذا من تعديد الدلائل على ربوبيته حيث ذكر تسبيح من فى السموات والارض وما يطير بينهما ودعاء هم له وتسخير السحاب إلى آخر ما ذكر فهى براهين لائحة على وجوده دلائل واضحة على صفاته لم نظر وتدبير ثم بين دليلاً آخر فقال تعالى(2/511)
وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (45)
وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (45)
{والله خَلَقَ كُلَّ} خالق كل حمزة وعلي {دَابَّةٍ} كل حيوان(2/511)
يدب على وجه الأرض {مِن مَّاء} أي من نوع من الماء مختص بتلك الدابة أومن ماء مخصوص وهو النطفة ثم خالف بين المخلوقات منالنطفة فمنها هوام ومنها بهائم ومنها أناسي وهو كقوله يسقى بِمَاء واحد وَنُفَضّلُ بَعْضَهَا على بعض فى الأكل وهذا دليل على أن لها خالقا ومدبرا والالم نختلف لاتفاق الأصل وإنماعرف الماء في قوله وَجَعَلْنَا مِنَ الماء كُلَّ شئ حى لأن المقصود ثم أن أجناس الحيوان مخلوقة من جنس الماء وأنه هو الأصل وإن تخللت بينه وبينها وسائط قالوا إن أول ما خلق الله الماء فخلق من النار والريح والطين فخلق من النارالجن ومن الريح الملائكة ومن الطين آدم ودواب الأرض ولما كانت الدابة تشمل المميز وغير المميز غلب المميز فأعطى ماراءه حكمه كأن الدواب كلهم مميزون فمن ثم قيل {فَمِنْهُمْ مَّن يَمْشِى على بَطْنِهِ} كالحية والحوت وسمي الزحف على البطن مشياً استعارة كما يقال في الأمر المستمر قد مشى هذا الأمر أو على طرائق المشاكلة لذكر الزاحف مع الماشين {وَمِنهُمْ مَّن يَمْشِى على رجلين} كالإنسان
النور (50 - 45)
والطير {وَمِنْهُمْ مَّن يَمْشِى على أَرْبَعٍ} كالبهائم وقدم ما هوأعرق في القدرة وهو الماشي بغير آلة مشي من أرجل أو غيرها ثم الماشي على رجلين ثم الماشي على أربع {يَخْلُقُ الله مَا يَشَاء} كيف يشاء {إِنَّ الله على كل شيء قدير} لا يتعذر عليه شئ(2/512)
لَقَدْ أَنْزَلْنَا آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (46)
لَقَدْ أَنْزَلْنَا آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (46)
{لقد أنزلنا آيات مبينات والله يَهْدِى مَن يَشَاء} بلطفه ومشيئته {إلى صراط مُّسْتَقِيمٍ} إلى دين الإسلام الذي يوصل إلى جنته والآيات لإلزام حجته لما ذكر إنزال الآيات ذكر بعدها افتراق الناس إلى ثلاث فرق فرقة صدقت ظاهراً وكذبت باطناً وهم المنافقون وفرقة صدقت ظاهراً وباطناً وهم المخلصون وفرقة كذبت ظاهراً وباطناً وهم الكافرون على هذا الترتيب وبدأ بالمنافقين فقال(2/512)
وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (47)
وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (47)
{وَيِقُولُونَ امَنَّا بالله وبالرسول} بألسنتهم {وَأَطَعْنَا} الله(2/512)
والرسول {ثم يتولى} يعرض على الانقياد لحكم الله ورسوله {فَرِيقٌ مّنْهُمْ مّن بَعْدِ ذلك} أي من بعد قولهم آمنا بالله وبالرسول وأطعنا {وَمَا أُوْلَئِكَ بالمؤمنين} أي المخلصين وهو إشارة إلى القائلين آمنا وأطعنا لا إلى الفرق المتولي وحده وفيه إعلام من الله بأن جميعهم منتفٍ عنهم الإيمان لاعتقادهم ما يعتقد هؤلاء والاعتراض وإن كان من بعضهم فالرضا بالإعراض من كلهم(2/513)
وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ (48)
وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ (48)
{وَإِذَا دُعُواْ إِلَى الله وَرَسُولِهِ} أي إلى رسول الله كقولك أعجبني زيد وكرمه تريد زيد وكرمه تريد كرم زيد {لِيَحْكُمَ} الرسول {بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مّنْهُمْ مُّعْرِضُونَ} أي فاجأ من فريق منهم الإعراض نزلت في بشر المنافق إلى كعب بن الأشرف ويقول إن محمداً يحيف علينا(2/513)
وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ (49)
وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ (49)
{وَإِن يَكُنْ لَّهُمُ الحق} أي إذا كان الحق لهم على غيرهم {يَأْتُواْ إِلَيْهِ} إلى الرسول {مُذْعِنِينَ} حال أي مسرعين في الطاعة طلبا لحقهم لارضا بحكم رسولهم قال الزجاج الإذعان الإسراع مع الطاعة والمعنى أنهم لمعرفتهم أنه ليس معك إلا الحق المر والعدل البحث يمتنعون عن المحاكمة إليك إذا ركبهم الحق لئلا تنتزعه من احداقهن بقضائك عليهم لخصومهم وإن ثبت له حق على خصم أسرعوا إليك ولم يرضوا إلا بحكومتك لتأخذ لهم ما وجب لهم في ذمة الخصم(2/513)
أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (50)
أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (50)
{أَفِى قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ أَمِ ارتابوا أَمْ يَخَافُونَ أن}
النور (53 - 50)
{يَحِيفَ الله عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ} قسم الأمر في صدورهم عن حكومته إذا كان الحق عليهم بأن يكونوا مرضى القلوب منافقين أو مرتابين في أمر نبوته أو خائفين الحيف في قضائه ثم أبطل خوفهم حيفه بقوله {بَلْ أُوْلَئِكَ هم الظالمون} أى يخافون أو يحيف عليهم لمعرفتهم(2/513)
بحاله وإنما هم ظالمون يريدون أن يظلموا من له الحق عليهم وذلك شئ لا يستطيعونه فى مجلس رسول الله عليه الصلاة والسلام قمن ثم يأبون المحاكمة إليه(2/514)
إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (51)
إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (51)
{إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ المؤمنين} وعن الحسن قول بالرفع والنصب أفرى لأن أولى الاسمين بكونه إسما لكان أوعليهما في التعريف وأن يقولوا أوغل بخلاف قول المؤمنين {إِذَا دُعُواْ إِلَى الله وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ} النبى عليه الصلاة والسلام ليحكم أي ليفعل الحكم {بَيْنَهُمْ} بحكم الله الذي أنزل عليه {أَن يَقُولُواْ سَمِعْنَا} قوله {وَأَطَعْنَا} أمره {وأولئك هُمُ المفلحون} الفائزون(2/514)
وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ (52)
وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ (52)
{وَمَن يُطِعِ الله} في فرائضه {وَرَسُولُهُ} في سننه {وَيَخْشَ الله} على ما مضى من ذنوبه {وَيَتَّقْهِ} فيما يستقبل {فَأُوْلَئِكَ هُمُ الفائزون} وعن بعض الملوك أنه سأل عن آية كافية فتليت له هذه الآية وهي جامعة لأسباب الفوز ويتقه بسكون الهاء أبو عمرو وأبو بكر بنية الوقف وبسكون القاف وبكسر الهاء مختلسة حفص وبكسر القاف والهاء غيرهم(2/514)
وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ قُلْ لَا تُقْسِمُوا طَاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (53)
وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ قُلْ لَا تُقْسِمُوا طَاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (53)
{وَأَقْسَمُواْ بالله جَهْدَ أيمانهم} أي حلف المنافقون بالله جهد اليمين لأنهم بذلوا فيها مجهودهم وجهد يمينه مستعار من جهد نفسه إذا بلغ أقصى وسعها وذلك إذا بالغٍ في اليمين وبلغ غاية شدتها ووكادتها وعن ابن عباس رضى الله عنهما من قال بالله فقد جهد يمينه وأصل أقسم جهد اليمين أقسم بجهد اليمين جهداً فجذف الفعل وقدم المصدر فوضع موضعه مضافاً إلى المفعول كقوله فضرب الرقاب وحكم هذا المنصوب حكم الحال كأنه قال جاهدين أيمانهم {لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ} أي لئن أمرنا محمد بالخروج إلى الغزو لغزونا أو بالخروج من ديارنا لخرجنا {قُل لاَّ تُقْسِمُواْ} لا تحلفوا كاذبين لأنه معصية {طَاعَةٌ مَّعْرُوفَةٌ} أمثل وأولى بكم من هذه الأيمان الكاذبة مبتدأ محذوف(2/514)
الخبر أو خبر مبتدأ محذوف أي الذي يطلب منكم طاعة معروفة معلومة لا يشك فيها ولا يرتاب كطاعة الخلص من المؤمنين لا أيمان تقسمون بها بأفواهكم وقلوبكم على خلافها {إِنَّ الله خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} يعلم ما في ضمائركم ولا يخفى عليه شئ من سرائركم وانه
النور 55 - 54)
فاضحكم لا محالة ومجازيكم على نفاقكم(2/515)
قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (54)
قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (54)
{قُلْ أَطِيعُواْ الله وَأَطِيعُواْ الرسول} صرف الكلام عن الغيبة إلى الخطاب على طريق الالتفات هو أبلغ في تبكيتهم {فَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمّلَ وَعَلَيْكُمْ مَّا حُمّلْتُمْ} يريد فإن تتولوا فما ضررتموه وإنما ضررتم أنفسكم فإن الرسول ليس عليه إلا ما حمله الله تعالى وكلفه من أداء الرسالة فإذا أدى فقد خرج عن عهدة تكليفه وأما أنتم فعليكم ما كلفتم من التلقي بالقبول والإذعان فإن لم تفعلوا وتوليتم فقد عرضتم نفوسكم لسخط الله وعذابه {وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُواْ} أي وإن أطعتموه فيما يأمركم وينهاكم فقد أحرزتم نصيبكم من الهدى فالضرر في توليكم والنفع عائدان إليكم {وَمَا عَلَى الرسول إِلاَّ البلاغ المبين} وما على الرسول إلا أن يبلغ ماله نفع في قلوبكم ولا عليه ضرر في توليكم والبلاغ بمعنى التبليغ كالأداء بمعنى التأدية والمبين الظاهر لكونه مقروناً بالآيات والمعجزات ثم ذكر المخلصين فقال(2/515)
وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (55)
وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (55)
{وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات} الخطاب للنبى عليه الصلاة والسلام ولمن معه منكم للبيان وقيل المراد به المهاجرون ومن للتبعيض {لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِى الأرض} أي أرض الكفار وقيل أرض الكفار وقيل أرض المدينة والصحيح أنه عام لقوله عليه الصلاة والسلام ليدخلن هذا الدين على ما دخل عليه الليل {كما استخلف} استخلف أبوبكر {الذين مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكّنَنَّ لَهُمْ(2/515)
دِينَهُمُ الذى ارتضى لَهُمْ وَلَيُبَدّلَنَّهُمْ} وليبدلنهم بالتخفيف مكي وأبو بكر {مّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً} وعدهم الله أن ينصر الاسلام على الكفر ويورثهم الأرض ويجعلهم فيها خلفاء كما فعل ببني إسرائيل حين أورثهم مصر والشام بعد إهلاك الجبابرة وأن يميز الدين المرتضى وهو دين الاسلام وتمكينه تثبيته وتعضيده وأن يؤمن سربهم ويزيل عنهم الخوف الذي كانوا عليه وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه مكثوا بمكة عشر ينين خائفين ولما ولما هاجروا كانوا بالمدينة يصبحون في السلاح ويمسون فيه حتى قال رجل ما يأتي علينا يوم نأمن فيه ونضع السلاح فنزلت فقال عليه الصلاة والسلام لا تغبرون إلا يسيرا حتى يجلس الرجل منكم في الملأ العظيم محتبياً ليس معه حديدة فأنجز الله وعده وأظهرهم على جزيرة العرب وافتتحوا أبعد بلاد المشرق والمغرب ومزقوا ملك الأكاسرة وملكوا خزائنهم واستولوا على الدنيا والقسم المتلقى باللام والنون في ليستخلفنهم محذوف تقديره وعدهم الله وأقسم
النور (58 - 55)
ليستخلفنهم أو نزل وعد الله في تحققه منزلة القسم فتلقى بما يتلقى به القسم كأنه أقسم الله ليستخلفنهم {يَعْبُدُونَنِى} إن جعلته استئنافاً فلا محل له كأنه قيل ما لهم يستخلفون ويؤمنون فقال يعبدونني موحدين ويجوز أن يكون حالاً بدلاً من الحال الأولى وإن جعلته حالا عن وعدهم الله ذلك في حال عبادتهم فمحله النصب {لاَ يُشْرِكُونَ بِى شَيْئاً} حال من فاعل يعبدون أي يعبدونني موحدين ويجوز أن يكون حالاً بدلاً من الحال الأولى {وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذلك} أي بعد الوعد والمراد كفران النعمة كقوله تعالى فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ الله {فَأُوْلَئِكَ هُمُ الفاسقون} هم الكاملون في فسقهم حيث كفروا تلك النعمة الجسيمة وجسروا على غمطها قالوا أول من كفر هذه النعمة قتلة عثمان رضى الله عنه فاقتتلوا(2/516)
بعدما كانوا إخواناً وزال عنهم الخوف والآية أوضح دليل على صحة خلافة الخلفاء الراشدين رضى الله عنهم أجمعين لأن المستخلفين الذين آمنوا وعملوا الصالحات هم هم(2/517)
وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (56)
وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (56)
{واقيموا الصلاة} معطوف على أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ولا يضر الفصل وإن طال {وَاتُواْ الزكاة وَأَطِيعُواْ الرسول} فيما يدعوكم إليه وكررت طاعة الرسول تأكيداً لوجوبها {لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} أي لكي ترحموا فإنها من مستجلبات الرحمة ثم ذكر الكافرين فقال(2/517)
لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُ (57)
لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُ (57)
{لاَ تَحْسَبَنَّ الذين كَفَرُواْ مُعْجِزِينَ في الأرض} أى فائنين الله بأن لا يقدر عليهم فيها فالتاء خطاب للنبى عليه الصلاة والسلام وهو الفاعل والمفعولان الذين كفروا ومعجزين بالياء شامى وحمزة والفاعل النبى صلى الله عليه وسلم لتقدم ذكره والمفعولان الذين كفروا ومعجزين {وَمَأْوَاهُمُ النار} معطوف على لاَ تَحْسَبَنَّ الذين كَفَرُواْ مُعْجِزِينَ كَأَنَّهُ قِيلَ الذين كَفَرُواْ لاَ بفوتون الله وَمَأْوَاهُمُ النار {وَلَبِئْسَ المصير} أي المرجع النار(2/517)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (58)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (58)
{يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم} أمربأن يستأذن العبيد والإماء {والذين لَمْ يَبْلُغُواْ الحلم منكم} أى الأطفال الذين لم يحتملوا من الأحرار وقرئ بسكون اللام تخفيفاً {ثَلاَثَ مَرَّاتٍ} في اليوم والليلة وهي {مّن قَبْلِ صلاة الفجر} لأنه وقت القيام من المضاجع وطرح ما ينام فيه من الثياب ولبس ثياب اليقظة {وَحِينَ تَضَعُونَ ثيابكم مّنَ الظهيرة} وهي نصف النهار في القيظ لأنها وقت وضع الثياب للقيلولة {وَمِن بَعْدِ صلاة العشاء} لأنه وقت التجرد من ثياب اليقضة والالتحاف بثياب النوم
النور (59 - 58)
{ثلاث عورات لكم} أى هى أوقات ثلاث عورات فحذف المبتدأ والمضاف وبالنصب كوفي غير حفص(2/517)
بدلاً من ثلاث مرات أي أوقات ثلاث عورات وسمي كل واحد من هذه الأحوال عورة لأن الإنسان يختل تستره فيها والعورة الخلل ومنها الأعور المختل العين دخل غلام من الأنصار يقال له مدلج وددت أن الله نهى عن الدخول في هذه الساعات إلا بالإذن فانطلق إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقد نزلت عليه الآية ثم عذرهم في ترك الاستئذان وراء هذه المرات بقوله {لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلاَ عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ} أي لا اثم عليكم وعلى المذكورين في الدخول بغير استئذان بعدهن ثم بين العلة في ترك الاستئذان في هذه الأوقات بقوله {طَوافُونَ عَلَيْكُمْ} أي هم طوافون بحوائج البيت {بَعْضُكُمْ} مبتدأ خبره {على بَعْضٍ} وتقديره بعضكم طائف على بعض فحذف طائف لدلالة طوافون عليه ويجوز أن تكون الجملة بدلاً من التي قبلها وأن تكون مبينة مؤكدة يعني أن بكم وبهم حاجة إلى المخالطة والمداخلة يطوفون عليكم للخدمة وتطوفون عليهم للاستخدام فلو جزم الأمر بالاستئذان في كل وقت لأفضى إلى الحرج وهو مدفوع فى الشرع بالنص {كذلك يُبيّنُ الله لَكُمُ الآيات} أي كما بين حكم الاستئذان يبين لكم غيره من الآيات التي احتجتم إلى بيانها {والله عَلِيمٌ} بمصالح عباده {حَكِيمٌ} في بيان مراده(2/518)
وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (59)
وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (59)
{وَإِذَا بَلَغَ الأطفال مِنكُمُ} أي الأحرار دون المماليك {الحلم} أي الاحتلام أي إذا بلغوا وأرادوا الدخول عليكم {فَلْيَسْتَأْذِنُواْ} في جميع الأوقات {كَمَا استأذن الذين مِن قَبْلِهِمْ} أي الذين بلغوا الحلم من قبلهم وهم الرجال أو الذين ذكروا من قبلهم فى قوله يا أيها الذين آمنوا لاَ تَدْخُلُواْ(2/518)
بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حتى تَسْتَأْنِسُواْ وَتُسَلّمُواْ الآية والمعنى أن الأطفال مأذون لهم في الدخول بغير إذن إلا في العورات الثلاث فإذا اعتاد الأطفال ذلك ثم بلغوا بالاحتلام أو بالسن وجب أن يفطموا عن تلك العادة وتحملوا على أن يستأذنوا في جميع الأوقات كالرجال الكبار الذين لم يعتادوا الدخول عليكم إلا بإذن والناس عن هذا غافلون وعن ابن عباس رضى الله عنه ثلاث آيات جحدهن الناس الإذن كله وقوله إن أكرمكم عند الله أتقاكم وإذا حضر القسمة وعن سعيد بن جبير يقولون هي منسوخة والله ما هي بمنسوخة وقوله {كذلك يُبَيّنُ الله لكم آياته والله عليم} بمصالح الأنام {حكيم} فيما تبين من الأحكام(2/519)
وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (60)
وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (60)
{والقواعد} جمع قاعد لأنها من الصفات المختصة بالنساء كالطالق والحائض
النور (61 - 60)
أي اللاتي قعدن عن الحيض والولد لكبرهن {مّنَ النساء} حال {اللاتى لاَ يَرْجُونَ نِكَاحاً} يطعمن فيه وهى فى محل الرفع صفة للمبتدأ وهي القواعد والخبر {فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ} إثم ودخلت الفاء لما في المبتدأ من معنى الشرط بسبب الألف واللام {أَن يَضَعْنَ} في أن يضعن {ثِيَابَهُنَّ} أي الظاهرة كالملحفة والجلباب الذي فوق الخمار {غَيْرِ} حال {متبرجات بِزِينَةٍ} أي غير مظهرات زينة يريد الزينة الخفية كالشعر والنحر والساق ونحو ذلك أي لا يقصدن بوضعها التبرج ولكن التخفيف وحقيقة التبرج تكلف اظهار ما يجب إخفاؤه {وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ} أي يطلبن العفة عن وضع الثياب فيستترن وهو مبتدأ خبره {خَيْرٌ لَّهُنَّ والله سَمِيعٌ} لما يعلن {عَلِيمٌ} بما يقصدن(2/519)
لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالَاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (61)
لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالَاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (61)
{لَّيْسَ عَلَى الأعمى حَرَجٌ وَلاَ عَلَى الأعرج حَرَجٌ وَلاَ عَلَى المريض حَرَجٌ} قال(2/519)
سعيد ابن المسيب كان المسلمون إذا خرجوا إلى الغزوة مع النبى صلى الله عليه وسلم وضعوا مفاتيح بيوتهم عند الأعمى والمريض والأعرج وعند اقاربهم ويأتونهم أن يأكلوا من بيوتهم وكانوا بتحرجون من ذلك ويقولون نخشى أن لا تكون أنفسهم بذلك طيبة فنزلت الآية رخصة لهم {وَلاَ على أَنفُسِكُمْ} أي حرج {أَن تَأْكُلُواْ مِن بُيُوتِكُمْ} أي بيوت أولادكم لأن ولد الرجل بعضه وحكمه حكم نفسه ولذا لم يذكر الأولاد فى الآية وقد قال عليه الصلاة والسلام أنت ومالك لأبيك أو بيوت أزواجكم لأن الزوجين صارا كنفس واحدة فصار بيت المرأة كبيت الزوج {أو بيوت آبائكم أو بيوت أمهاتكم أو بيوت إخوانكم أو بيوت أخواتكم أو بيوت أعمامكم أو بيوت عماتكم أو بيوت أخوالكم أو بيوت خالاتكم} لأن الاذن من هؤلاء ثابت دلالة {أو ما ملكتم مّفاتحة} جمع مفتح وهو ما يفتح به الغلق قال ابن عباس رضى الله عنه هو وكيل الرجل وقيمه فى ضيعته وما شيته له أن يأكل من ثمر ضيعته ويشرب من لبن من ماشيته أريد بملك المفاتيح كونها في يده وحفظه وقيل أريد به بيت عبده لأن العبدو ما في يده لمولاه {أَوْ صَدِيقِكُمْ} يعني أو بيوت أصدقائكم والصديق يكون واحد أو جمعا وهو من يصدقك مودته وكان الرجل من السلف يدخل دارٍ صديقه وهو غائب فيسأل جاريته كيسه فيأخذ ما شاء فاذا حضر مولاها
النور (62 - 61)
فاخبرته اعتقها سرور بذلك فأما الآن فقد غلب الشح على الناس فلا يأكل إلا بإذن {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَأْكُلُواْ جَمِيعاً} مجتمعين {أَوْ أَشْتَاتاً} متفرقين جمع(2/520)
شت نزلت في بني ليث بن عمرو وكانوا يتحرجون أن يأكل الرجل وحده فربما قعد منتظر انهاره إلى الليل فإن لم يجد من يؤاكله أكل ضرورة أو في قوم من الأنصار إذا نزل بهم ضيف لا يأكلون إلا مع ضيفهم أو تحرجوا عن الاجتماع على الطعام لاختلاف اناس في الأكل وزيادة بعضهم على بعض {فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً} من هذه البيوت لتأكلوا {فَسَلّمُواْ على أنفسكم} اى فابدءوا بالسلام على أهلها الذين هم منكم ديناً وقرابة أو بيوتا فارغة أو مسجد فقولوا السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين {تحية} نصب بسلموا لأنها في معنى تسليماً نحو قعدت جلوساً {مِنْ عِندِ الله} أي ثابتة بأمره مشروعة من لدنه أو لأن التسليم والتحية طلب سلامة وحياة للمسلم عليه والمحيا من عند الله {مباركة طَيّبَةً} وصفها بالبركة والطيب لأنها دعوة مؤمن لمؤمن يرجى بها من الله زيادة الخير وطيب الرزق {كَذَلِكَ يُبَيّنُ الله لكم الآيات لعلكم تعقلون} لكى تعقلوا أو تفهموا(2/521)
إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (62)
إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (62)
{إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُواْ مَعَهُ على أَمْرٍ جَامِعٍ} أي الذي يجمع له الناس نحو الجهاد والتدبير في الحرب وكل اجتماع في الله حتى الجمعة والعيدين {لَّمْ يَذْهَبُواْ حتى يستأذنوه} أى ويأذن لهم ولما أراد الله عز وجل أن يريهم عظم الجناية في ذهاب الذاهب عن مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم بغير إذنه إذا كانوا معه على أمر جامع جعل ترك ذهابهم حتى يستأذنوه ثالث الإيمان بالله والإيمان برسوله وجعلهما كالتشبيب له والبساط لذكره وذلك مع تصدير الجملة بأنما وإيقاعٍ المؤمنين مبتدأ مخبراً عنه بموصول أحاطت صلته بذكر الإيمانين ثم عقبه بما يزيده توكيداً وتشديداً حيث أعاده على أسلوب آخر وهو قوله {إن الذين يستأذنونك أُوْلَئِكَ الذين يُؤْمِنُونَ بالله وَرَسُولِهِ} وضمنه شيئاً آخر وهو أنه جعل الاستئذان كالصداق لصحة(2/521)
الإيمانين وعرض بحال المنافقين وتسالهم لو اذا {فإذا استأذنوك} في الانصراف {لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ} أمرهم {فَأْذَن لّمَن شئت منهم} فيه رفع شأنه عليه الصلاة والسلام {واستغفر لَهُمُ الله إِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ} وذكر الاستغفار للمستأذنين دليل على أن الأفضل أن لا يستأذن قالوا وينبغي أن يكون الناس
النور (64 - 62)
كذلك مع أئمتهم مقدميهم فى الدين والعلم يظاهرونهم ولا يفرقون عنهم إلا بإذن قيل نزلت يوم الخندق كان المنافقون يرجعون إلى منازلهم من غير استئذان(2/522)
لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (63)
لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (63)
{لاَّ تَجْعَلُواْ دُعَاء الرسول بَيْنَكُمْ كَدُعَاء بَعْضِكُمْ بعضا} اى إذا احتاج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اجتماعكم عنده لأمر فدعاكم فلا تقربوا منه إلا بإذنه ولا تقيسوا دعاءه إياكم على دعاء بعضكم بعضاً ورجوعكم عن المجمع بغير إذن الداعي أو لا تجعلوا تسميته ونداءه بينكم كما يسمي بعضكم بعضاً ويناديه باسمه الذي سماه به أبواه فلا تقولوا يا محمد ولكن يا نبي الله يا رسول الله مع التوفير والتعظيم والصوت المخفوض {قَدْ يَعْلَمُ الله الذين يَتَسَلَّلُونَ} يخرجون قليلاً قليلاً {مِنكُمْ لِوَاذاً} حال أي ملاوذين اللواذ والملاوذة هو أن يلوذ هذا بذاك وذاك بهذا أي ينسلون عن الجماعة في الخفية على سبيل الملاوذة واستتار بعضهم ببعض {فَلْيَحْذَرِ الذين يخالفون عَنْ أَمْرِهِ} أي الذين يصدون عن أمره دون المؤمنين وهم المنافقون يقال له خالفه إلى الأمر إذا ذهب إليه دونه ومنه وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إلى مَا أنها كم عنه وخالفه عن الأمر إذا صد عنه دونه والضمير فى أمر الله سبحانه أو للرسول عليه الصلاة والسلام والمعنى عن طاعته ودينه ومفعول يحذر {أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ} محنة في الدنيا أو قتل أو زلازل وأهوال أو تسليط سلطان جائر أو قسوة القلب عن معرفة الرب(2/522)
أو إسباغ النعم استدراجاً {أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} في الآخرة والآية تدل على أن الأمر للايجاب(2/523)
أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (64)
أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (64)
{أَلا إِنَّ للَّهِ مَا فِى السماوات والأرض} ألا تنبيه على أن لا يخالفوا أمر من له ما فى السموات والأرض {قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ} أدخل قد ليؤكد علمه بما هم عليه من المخالفة عن الدين ويرجع توكيد العلم إلى توكيد الوعيد والمعنى أن جميع ما في السموات والأرض مختص به خلقاً وملكاً وعلماً فكيف تخفى عليه أحوال المنافقين وإن كانوا يجتهدون فى سترها {ويوم يرجعون إليه} وبفتح الباء وكسر الجيم يعقوب أي ويعلم يوم يردون إلى جزائه وهو يوم القيامة والخطاب والغيبة في قوله قد يعلم ما أنتم عليه ويوم يرجعون إليه يجوز أن يكونا جميعاً للمنافقين على طريق الالتفات ويجوز أن يكون ما أنتم عليه عاما ويرجعون إليه يجوز أن يكونا جميعا للمنافقين {فَيُنَبّئُهُمْ} يوم القيامة {بِمَا عَمِلُواْ} بما أبطنوا من سوء أعمالهم ويجازيهم حق جزائهم {والله بِكُلّ شَيْء عَلِيمٌ} فلا يخفي عليه خافية وروى أن ابن عباس رضى الله عنه قرأ سورة النور على المنبر في الموسم وفسرها على وجه لو سمعت الروم به لا سلمت والله أعلم(2/523)
الفرقان (3 - 1)
بسم الله الرحمن الرحيم(2/524)
تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا (1)
تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا (1)
{تبارك} تفاعل من البركة وهى كثرة الخبر وزيادته ومعنى تبارك الله تزايد خبره وتكاثر أو تزايد عن كل شيء وتعالى عنه في صفاته وأفعاله وهي كلمة كلمة تعظيم لم تستعمل إلا لله وحده والمستعمل منه الماضي فحسب {الذى نَزَّلَ الفرقان} هو مصدر فرق بين الشيئين إذا فصل بينهما وسمي به القرآن لفصله بين الحق والباطل والحلال والحرام أو لأنه لم ينزل جملة ولكن مفرقاً مفصولاً بين بعضه وبعض فى الانزال ألا ترى إلى قوله وقرآنا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى الناس على مُكْثٍ ونزلناه تنزيلا {على عبده} محمد عليه الصلاة والسلام {لِيَكُونَ} العبد أو الفرقان {للعالمين} للجن والإنس وعموم الرسالة من خصائصه عليه الصلاة والسلام {نَذِيراً} منذراً أي مخوفاً أو إنذاراً كالنكير بمعنى الإنكار ومنه قوله تعالى فَكَيْفَ كَانَ عذابى ونذر(2/524)
الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا (2)
الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا (2)
{الذى} رفع على أنه خبر مبتدأ محذوف أو على الإبدال من الذي نزل وجوز الفصل بين البدل والمبدل منه بقوله ليكون لان المبدل صلته نزل وليكون تعليل له فكأنه المبدل منه لم يتم إلا به أو نصب على المدح {لَّهُ مُلْكُ السماوات والأرض} على الخلوص {وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً} كما زعم اليهود والنصارى في عزير والمسيح عليهما السلام {ولم يكن له شريك في الملك}(2/524)
كما زعمت الثنوية {وَخَلَقَ كُلَّ شَىْء} أي أحدث كل شئ وحده لا كما يقوله المجوس والثنوية من النور والظلمة ويزدان واهر من ولا شبهة فيه لمن يقول إن الله شئ ويقول بخلق القرآن لأن الفاعل بجميع صفاته لا يكون مفعولاً له على أن لفظ شئ اختص بما يصح أن يخلق بقرينة وخلق وهذا أوضح دليل لنا على المعتزلة في خلق أفعال العباد {فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً} فهيأه لما يصلح له بلا خلل فيه كما أنه الإنسان على هذا الشكل الذي تراه فقدره للتكاليف والمصالح المنوطة به في الدين والدنيا أوقدره للبقاء إلى أمد معلوم(2/525)
وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا (3)
وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا (3)
{واتخذوا} الضمير للكافرين لا ندراجهم تحت العالمين أو لدلالة نذيراً عليهم لأنهم المنذرون {من دونه آلهة} أي الأصنام {لاَ يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ} أي أنهم آثروا على عبادة من هو منفرد بالألوهية والملك والخلق والتقدير عبادة عجزة لا يقدرون على خلق شئ وهم يخلقون {ولا يملكون}
الفرقان (8 - 3)
{لأَِنفُسِهِمْ ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً} ولا يستطيعون لأنفسهم دفع ضرر عنها ولا جلب نفع إليها {وَلاَ يَمْلِكُونَ مَوْتاً} إماتة {ولا حياة} أي إحياء {وَلاَ نُشُوراً} إحياء بعد الموت وجعلها كالعقلاء لزعم عابديها(2/525)
وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا (4)
وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا (4)
{وَقَالَ الذين كَفَرُواْ إِنْ هذا} ما هذا القرآن {إِلاَّ إِفْكٌ} كذب {افتراه} اختلقه واخترعه محمد من عند نفسه {وَأعانَهُ عليه قومٌ آخرون} أي اليهود وعداس ويسار وأبو فكيهة الرومى قاله النضر بن الحرث {فقد جاؤوا ظُلْماً وَزُوراً} هذا إخبار من الله رد للكفرة فيرجع الضمير إلى الكفار وجاء يستعمل في معنى فعل فيعدى تعديتها أو حذف الجار وأوصل الفعل أي بظلم وزور وظلمهم أن جعلوا العربي يتلقن من(2/525)
العجمي الرومي كلاماً عربياً أعجز بفصاحته جميع فصحاء العرب والزور أن بهتوه بنسبة ما هو برئ منه إليه(2/526)
وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (5)
وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (5)
{وقالوا أساطير الأولين} أو هو أحاديث المتقدمين وما سطروه كرستم وغيره جمع أسطار وأسطورة كأحدوثة {اكتتبها} كتبها لنفسه {فَهِىَ تملى عَلَيْهِ} أي تلقى عليه من كتابه {بُكْرَةً} أول النهار {وَأَصِيلاً} آخره فيحفظ ما يملى عليه ثم يتلوه علينا(2/526)
قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (6)
قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (6)
{قُلْ} يا محمد {أَنزَلَهُ} أي القرآن {الذى يَعْلَمُ السر فِى السماوات والأرض} أي يعلم كل سر خفى فى السموات والأرض يعني أن القرآن لما اشتمل على علم الغيوب التي يستحيل عادة أن يعلمها محمد عليه الصلاة والسلام من غير تعليم دل ذلك على أنه من عند علام الغيوب {إِنَّهُ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً} فيمهلهم ولا يعاجلهم بالعقوبة وإن استوجبوها بمكابرتهم(2/526)
وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا (7)
وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا (7)
{وقالوا ما لهذا الرسول} وقعت اللام في المصحف مفصولة عن الهاء وخط المصحف سنة لا تغير وتسميتهم إياه بالرسول سخرية منهم كأنهم قالوا أي شئ لهذا الزاعم إنه رسول {يَأْكُلُ الطعام وَيَمْشِى فِى الأسواق} حال والعامل فيها هذا {لَوْلا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً}(2/526)
أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا (8)
أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا (8)
{أَوْ يُلْقِى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا} أي إن صح أنه رسول الله فما باله يأكل الطعام كما نأكل ويتردد في الأسواق لطلب المعاش كما نتردد يعنون أنه كان يجب أن يكون ملكاً مستغنياً عن الأكل والتعيش ثم نزلوا عن ذلك الاقتراح إلى أن يكون إنساناً معه ملك حتى بتساندا في الإنذار والتخويف ثم نزلوا إلى أن يكون مرفودا بكنز يلقى إليه
الفرقان (113 - 8)
من السماء يستظهر به ولا يحتاج إلى تحصيل المعاش ثم نزلوا إلى أن يكون رجلاله بستان يأكل هو منه كالمياسير أو نأكل نحن(2/526)
كقراءة علي وحمزة وحسن عطف المضارع وهو يلقى وتكون على أَنَزلَ وهو ماض لدخول المضارع وهو فَيَكُونُ بينهما وانتصب فَيَكُونُ على القراءة المشهورة لأنه جواب لَوْلاَ بمعنى هلا وحكمه حكم الاستفهام وأراد بالظالمين في قوله {وَقَالَ الظالمون} إياهم بأعيانهم غير أنه وضع الظاهر موضع المضمر تسجيلاً عليهم بالظلم فيما قالوا وهم كفار قريش {إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَّسْحُورًا} سحر فجن أو ذا سحر وهو الرئة عنوا أنه بشر لا ملك(2/527)
انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا (9)
انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا (9)
{انظر كَيْفَ ضَرَبُواْ} بينوا {لَكَ الأمثال} الأشباه أي قالوا فيك تلك الأقوال واخترعوا لك الصفات والأحوال من المفتري والمملي عليه والمسحور {فُضّلُواْ} عن الحق {فَلاَ يَسْتَطِيعْونَ سَبِيلاً} فلا يجدون طريقاً إليه(2/527)
تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُورًا (10)
تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُورًا (10)
{تَبَارَكَ الذى إِن شَاء جَعَلَ لَكَ خَيْراً مّن ذلك جنات تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار وَيَجْعَل لَّكَ قُصُوراً} أي تكاثر خير الذي إن شاء وهب لك في الدنيا خيراً مما قالوا وهو أن يعجل لك مثل ما وعدك في الآخرة من الجنات والقصور وجنات بدل من خيرا ويجعل بالرفع مكي وشامي وأبو بكر لأن الشرط إذا وقع ماضياً زفى جزائه الجزم والرفع(2/527)
بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنَا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيرًا (11)
بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنَا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيرًا (11)
{بَلْ كَذَّبُواْ بالساعة} عطف على ما حكى عنهم يقول بل أتوا بأعجب من ذلك كله وهو تكذيبهم بالساعة أو متصل بما يليه كأنه قال بل كذبوا بالساعة فكيف يلتفتون إلى هذا الجواب وكيف يصدقون بتعجيل مثل ما وعدك في الآخرة وهم لا يؤمنون بها {وَأَعْتَدْنَا لِمَن كَذَّبَ بالساعة سَعِيراً} وهيأنا للمكذبين بها ناراً شديدة في الاستعار(2/527)
إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا (12)
إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا (12)
{إِذَا رَأَتْهُمْ} أي النار أي قابلتهم {مِن مكان بعيد} أى إذا كانت منهم يمر أى الناظرين في البعد {سَمِعُواْ لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً} أي سمعوا صوت(2/527)
غليانها وشبه ذلك بصوت المتغيظ والزافر أو إذا رأتهم زبانيتها تغيظوا وزفروا غضباً على الكفار(2/528)
وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا (13)
وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا (13)
{وإِذَا أُلْقُواْ مِنْهَا} من النار {مَكَاناً ضَيّقاً} مكي فإن الكرب مع الضيق كما أن الروح مع السعة ولذا وصفت الجنة بأن عرضها السموات والأرض وعن ابن عباس رضى الله عنه أنه يضيق عليهم كما يضيق الزج في الرمح {مُقْرِنِينَ} أي وهم مع ذلك الضيق مسلسلون مقرّنون في السلاسل قرنت أيديهم إلى أعناقهم في الأغلال أو يقرن مع كل كافر شيطانه في سلسلة وفي أرجلهم الأصفاد {دَعَوْاْ هُنَالِكَ} حينئذ {ثُبُوراً} هلاكاً أي قالوا أو اثبوراه
الفرقان (18 - 15)
أي تعال يا ثبور فهذا حينك فيقال لهم(2/528)
لَا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا (14)
لَا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا (14)
{لاَّ تَدْعُواْ اليوم ثُبُوراً واحدا وادعوا ثُبُوراً كَثِيراً} أي إنكم وقعتم فيما ليس ثبوركم فيه واحداً إنما هو ثبور كثير(2/528)
قُلْ أَذَلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كَانَتْ لَهُمْ جَزَاءً وَمَصِيرًا (15)
قُلْ أَذَلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كَانَتْ لَهُمْ جَزَاءً وَمَصِيرًا (15)
{قُلْ أذلك خَيْرٌ} أي المذكور من صفة النار خير {أَمْ جَنَّةُ الخلد التى وَعِدَ المتقون} أي وعدها فالراجع إلى الموصول محذوف وإنما قال أذلك خير في النار توبيخاً للكفار {كَانَتْ لَهُمْ جَزَاء} ثواباً {وَمَصِيراً} مرجعاً وإنما قيل كانت لأن ما وعد الله كأنه كان لتحققه أو كان ذلك مكتوباً في اللوح قبل أن خلقهم(2/528)
لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ خَالِدِينَ كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْدًا مَسْئُولًا (16)
لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ خَالِدِينَ كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْدًا مَسْئُولًا (16)
{لهم فيها ما يشاؤون} أى ما يشاءونه {خالدين} حال من الضمير فى يشاءون والضمير فى {كان} لما يشاءون {على ربك وعدا} أى موعودا {مسؤولا} مطلوباً أو حقيقاً أن يسأل أو قد سأله المؤمنون والملائكة فى دعواتهم ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ربنا آتنا فى الدنيا حسنة وفى الآخرة حسنة رَبَّنَا(2/528)
وَأَدْخِلْهُمْ جنات عَدْنٍ التى وَعَدْتَّهُمْ(2/529)
وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ (17)
وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ (17)
{ويوم نحشرهم} للبعث عند الجمهور وبالياء مكة ويزيد ويعقوب وحفص {وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله} يريد المعبودين من الملائكة والمسبح وعزيز وعن الكلبي يعني الأصنام ينطقها الله وقيل عام وما يتناول العقلاء وغيرهم لأنه أريد به الوصف كأنه قيل ومعبوديهم {فَيَقُولُ} وبالنون شامى {أأنتم أَضْلَلْتُمْ عِبَادِى هَؤُلاَء أَمْ هُمْ ضَلُّوا السبيل} والقياس ضلوا عن السبيل إلا أنهم تركوا الجار كما تركوه فى هذا الطريق والأصل إلى الطريق أو للطريق وضل مطاوع أضله والمعنى أأنتم أو قعتموهم في الضلال عن طريق الحق بإدخال الشبه أم هم ضلوا عنه بأنفسهم وإنما لم يقل أأضللتم عبادي هؤلاء أم ضلوا السبيل وزد أنتم وهم لأن السؤال ليس عن الفعل ووجوده لأنه لولا وجوده لما توجه هذا العتاب وإنما هو عن متوليه فلا بد من ذكره وإيلائه حرف الاستفهام ليعلم أنه المسئول عنه وفائدة سؤالهم مع علمه تعالى بالمسئول عنه أن يجيبوا بما أجابوا به حتى يبكت عبدتهم بتكذيبهم إياهم فنزيد حسرتهم(2/529)
قَالُوا سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا (18)
قَالُوا سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا (18)
{قَالُواْ سبحانك} تعجب منهم مما قيل لهم وقصدوا به تنزيهه عن الأنداد وأن يكون له نبي أو ملك أو غيرهما نداً ثم قالوا {مَا كَانَ يَنبَغِى لَنَا أَن نَّتَّخِذَ مِن دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاء} أي ما كان يصح لنا ولا يستقيم أن نتولى أحداً دونك فكيف يصح لنا أن نحمل غيرنا على أن يتولونا دونك نتخذ يزيد واتخذ يتعدى إلى مفعول واحد نحو اتخذ ولياً وإلى مفعولين نحو اتخذنا فلانا وليا قال
الفرقان (20 - 18)
الله تعالى أَمِ اتخذوا الِهَةً مّنَ الأرض(2/529)
وقال واتخذ الله ابراهيم خليلا فالقراءة الاولى من المتعدى لواحد وهو من أولياء والأصل أن نتخذ أولياء وزيدت من لتأكيد معنى النفى والقراءة الثانية من المتعدي إلى المفعولين فالمفعول الأول ما بني له الفعل والثانى من أولياء ومن للتبعيض أي لا نتخذ بعض أولياء لأن من لا تزاد في المفعول الثاني بل في الأول تقول ما اتخذت من أحد ولياً ولا تقول ما اتخذت أحداً من ولى {ولكن متعتهم وآباءهم} بالأموال والأولاد وطول العمر والسلامة من العذاب {حتى نَسُواْ الذكر} أي ذكر الله والإيمان به والقرآن والشرائع {وَكَانُواْ} عند الله {قَوْماً بُوراً} أي هلكى جمع بائر كعائذ وعوذ ثم يقال للكفار بطريق الخطاب عدولاً عن الغيبة(2/530)
فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفًا وَلَا نَصْرًا وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا (19)
فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفًا وَلَا نَصْرًا وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا (19)
{فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ} وهذه المفاجأة بالاحتجاج والإلزام حسنة رائعة وخاصة إذا انضم إليها الالتفات وحذف القول ونظيرها يا أهل الكتاب قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيّنُ لَكُمْ على فَتْرَةٍ مَّنَ الرسل إلى قوله فَقَدْ جَاءكُمْ بشير ونذير قول القائل ... قالوا خراسان أقصى ما يراد بنا ثم ... القفول قد جئنا خراساناً ...
{بِمَا تَقُولُونَ} بقولكم فيهم إنهم آلهة والباء على هذا كقوله بَلْ كَذَّبُواْ بالحق والجار والمجرور يدل من الضمير كأنه قيل فقد كذبوا بما تقولون وعن قنبل بالياء ومعناه فقد كذبوكم بقولهم سبحانك ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك من أولياء والباء على هذا كقولك كتبت بالقلم {فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفاً ولا نصرا} أى قما يستطيع آلهتكم أن يصرفوا عنكم العذاب أو ينصروكم وبالتاء حفص أي فما(2/530)
تستطيعون أنتم يا كفار صرف العذاب عنكم ولا نصر أنفسكم ثم خاطب المكلفين على العموم بقوله {وَمَن يَظْلِم مّنكُمْ} أي يشرك لأن الظلم وضع الشئ في غير موضعه ومن جعل المخلوق شريك خالقه فقد ظلم يؤيده قوله تعالى إِنَّ الشرك لظلم عظيم {نُذِقْهُ عَذَاباً كَبِيراً} فسر بالخلود في النار وهو يليق بالمشرك دون الفاسق الأعلى قول المعتزلة والخوارج(2/531)
وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا (20)
وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا (20)
{وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ المرسلين إِلاَّ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطعام وَيَمْشُونَ فِى الأسواق} كسرت إن لأجل اللام في الخبر والجملة بعد إلا صفة لموصوف محذوف والمعنى وما أرسلنا قبلك أحداً من المرسلين إلا آكلين وماشين وإنما حذف اكتفاء بالجار والمجرور أي من المرسلين ونحوه وَمَا مِنَّا إِلاَّ لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ أَيُّ وَمَا مِنَّا أَحَدٌ قِيلَ هو احتجاج على من قال ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشى فى الأسواق وتسلية للنبى عليه الصلاة والسلام {وجعلنا بعضكم}
الفرقان (23 - 20)
{لِبَعْضٍ فِتْنَةً} أي محنة وابتلاء وهذا تصبير لرسول الله صلى الله عليه وسلم عما عيروه به من الفقر ومشيه في الأسواق يعني أنه جعل الأغنياء فتنة للفقراء فيغني من يشاء ويفقر من يشاء {أَتَصْبِرُونَ} على هذه الفتنة فتؤجروا أم لا تصبرون فيزداد غمكم وحكي أن بعض الصالحين تبرم بضنك عيشه فخرج ضجرا افرأى خصيا فى مواكب ومراكب فخطر بباله شئ فإذا بمن يقرأ هذه الآية فقال بلى فصبراً ربنا أو جعلتك فتنة لهم لأنك لو كنت غينا صاحب كنوز وجنان لكانت طاعتهم لك للدنيا أو ممزوجة بالدنيا فإنما بعثناك فقيراً لتكون طاعى من يطيعك خالصة لنا {وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيراً} عالماً بالصواب فيما يبتلي به أو بمن يصبر ويجزع(2/531)
وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا (21)
وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا (21)
{وَقَالَ الذين لاَ يَرْجُونَ} لا يأملون {لِقَاءنَا} بالخبر لأنهم كفرة لا يؤمنون بالبعث أو لا يخافون عقابنا إما لأن الراجي قلق فيما يرجوه كالخائف أو لأن الرجاء في لغة تهامة الخوف {لولا} هلا {أنزل علينا الملائكة} رسلاً دون البشر أو شهوداً على نبوته ودعوى رسالته {أَوْ نرى رَبَّنَا} جهرة فيخبرنا برسالته واتباعه {لَقَدِ استكبروا فِى أَنفُسِهِمْ} أي أضمروا الاستكبار عن الحق وهو الكفر والعناد فى قلوبهم {وعتوا} وتجاوزوا الحد في الظلم {عُتُوّاً كَبِيراً} وصف العتو بالكبر فبالغ في إفراطه أي أنهم لم يجسروا على هذا القول العظيم إلا أنهم بلغوا غاية الاستكبار وأقصى العتو واللام في لقد جواب قسم محذوف(2/532)
يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ لَا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا (22)
يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ لَا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا (22)
{يوم يرون الملائكة} أى يوم الموت أو يوم البعث ويوم منصوب بمادل عليه {لاَ بشرى} أي يوم يرون الملائكة يمنعون البشرى وقوله {يومئذ} مؤكد ليوم يرون أو بإضمار اذكر أي اذكر يوم يرن الملائكة ثم أخبر فقال لا بشرى بالجنة يومئذ ولا ينتصب بيرون لأن المضاف إليه لا يعمل في المضاف ولا ببشرى لأنها مصدر والمصدر لا يعمل فيما قبله ولأن المنفي بلا لا يعمل فيما قبل لا {لّلْمُجْرِمِينَ} ظاهر في موضع ضمير أو عام يتناولهم بعمومه وهم الذين اجترموا الذنوب والمراد الكافرون لأن مطلق الأسماء يتناول أكمل المسميات {وَيَقُولُونَ} أي الملائكة {حِجْراً مَّحْجُوراً} حراماً محرماً عليكم البشرى أي جعل الله ذلك حراما عليكم انما البشرى للمؤمنين والحجر مصدروالكسر والفتح لغتان وقرئ بهما وهو من حجره إذا منعه وهو من المصادر المنصوبة بأفعال متروك إظهارها(2/532)
ومحجور التأكيد معنى الحجر كما قالوا موت مائت(2/533)
وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا (23)
وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا (23)
{وَقَدِمْنَا إلى مَا عَمِلُواْ مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هباء منثورا}
الفرقان (27 - 23)
هو صفة ولا قدوم هنا ولكن مثلت حال هؤلاء وأعمالهم التي عملوها في كفرهم من صلة رحم وإغاثة ملهوف وقرى ضيف ونحو ذلك بحال من خالف سلطانه وعصاه فقدم إلى أشيائه وقصد إلى ما تحت يديه فأفسدها ومزقها كل ممزق ولم يترك لها أثر او الهباء ما يخرج من الكوة مغ ضوء الشمس شبيها بالغار والمنثور المفرق وهو استعارة عن جعله بحيث لا يقبل الاجتماع ولا يقع به الانتفاع(2/533)
أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا (24)
أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا (24)
ثم بين فضل أهل الجنة على أهل النار فقال {أصحاب الجنة يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرّاً} تمييز المستقر المكان الذي يكونون فيه في أكثر أوقاتهم يتجالسون ويتحادثون {وَأَحْسَنُ مَقِيلاً} مكاناً يأوون إليه للاسترواح إلى أزواجهم ولا نوم في الجنة ولكنه سمي مكان استراحتهم إلى الحور مقيلاً على طريق التشبيه وروي أنه يفرغ من الحساب في نصف ذلك اليوم فيقيل أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار وفى لفظ الا حسن تهكم بهم(2/533)
وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنْزِيلًا (25)
وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنْزِيلًا (25)
{وَيَوْمَ} واذكر يوم {تَشَقَّقُ السماء} والأصل تتشقق فحذف التاء كوفي وأبو عمرو وغيرهم أدغمها في الشين {بالغمام} لما كان انشقاق السماء بسبب طلوع الغمام منها جعل الغمام كأنه الذي تشقق به السماء كما تقول شققت السنام بالشفرة فانشق بها {وَنُزّلَ الملائكة تَنزِيلاً} ونزل الملائكة مكي وتنزيلاً على هذا مصدر من غير لفظ العقل والمعنى أن السماء تنفتح بغمام أبيض يخرج منها وفى الغمام الملائكة ينزلون فى أيديهم صحائف أعمالهم العباد(2/533)
الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا (26)
الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا (26)
{الملك} مبتدأ {يَوْمَئِذٍ} ظرفه {الحق} نعته ومعناه الثابت(2/533)
لأن كل ملك يزول يومئذ فلا يبقى إلا ملكه {للرحمن} خبره {وَكَانَ} ذلك اليوم {يَوْماً عَلَى الكافرين عَسِيراً} شديداً يقال عسر عليه فهو عسير وعسر ويفهم منه يسره على المؤمنين ففي الحديث يهون يوم القيامة على المؤمنين حتى يكون عليهم أخف من صلاة مكتوبة صلوها في الدنيا(2/534)
وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27)
وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27)
{وَيَوْمَ يَعَضُّ الظالم على يَدَيْهِ} عض اليدين كناية عن الغيظ والحسرة لأنه من روادفها فتذكر الرادفة ويدل بها على المردوف فيرتفع الكلام به في طبقة الفصاحة ويجد السامع عنده فى نفسه من الروعة مالا يجده عند لفظ المكنّى عنه واللام في الظالم للعهد وأريد به عقبة لما تبين أو للجنس فيتناول عقبة وغيره من الكفار {يقول يا ليتني اتخذت} فى الدنيا {مع الرسول} محمد عليه الصلاة والسلام {سبيلا} طريقا إلى النجاى والجنة وهو الايمان(2/534)
يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا (28)
يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا (28)
{يا ويلتى} وقرئ يا ويلتي بالياء وهو الأصل لأن الرجل ينادي ويلته وهي هلكته يقول لها تعالي
الفرقان (32 - 28)
فهذا أوانك وإنما قلبت الياء ألفاً كما فى صحارى ومدارى {لَيْتَنِى لَمْ أَتَّخِذْ فُلاَناً خَلِيلاً} فلان كناية عن الأعلام فإن أريد بالظالم عقبة لما روى أنه اتخذ ضيافة فدعا رسول الله عليه الصلاة والسلام فأبى أن يأكل من طعامه حتى ينطق بالشهادتين ففعل فقال له أبيّ بن خلف وهو خليله وجهي من وجهك حرام إلا أن ترجع فارتد فالمعنى يا ليتني لم أتخذ أبياً خليلاً فكنى عن اسمه وإن أريد به الجنس فكل من اتخذ من المضلين خليلاً كان لخليله اسم علم لا محالة فجعل كناية عنه وقيل وهو كناية عن الشيطان(2/534)
لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا (29)
لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا (29)
{لَّقَدْ أَضَلَّنِى عَنِ الذكر} أي عن ذكر الله أو القرآن أو الإيمان {بَعْدَ إِذْ جَاءنِى} من الله {وَكَانَ الشيطان} أي خليله سماه شيطاناً(2/534)
لأنه أضله كما يضله الشيطان أو إبليس لأنه الذى حمله على مخالفة المضل ومخالفة الرسول {للإنسان} المطيع له {خَذُولاً} هو مبالغة من الخذلان إى محمد من عادة الشيطان ترك من يواليه وهذا حكاية كلام الله أو كلام الظالم(2/535)
وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا (30)
وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا (30)
{وقال الرسول} أى عليه الصلاة والسلام فى الدنيا {يا رب إن قومي} قريشا {اتخذوا هذا القرآن مَهْجُوراً} متروكاً أي تركوه ولم يؤمنوا به من الهجران وهو مفعول ثان لا تخذوا وفى هذا تعظيم للشكاية وتخويف لقومه لأن الأنبياء إذا شكوا إليه قومهم حل بهم العذاب ولم ينظروا ثم أقبل عليه مسلياً ووعده النصرة عليهم فقال(2/535)
وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا (31)
وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا (31)
{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلّ نَبِىّ عَدُوّاً مّنَ المجرمين وكفى بِرَبّكَ هَادِياً وَنَصِيراً} أي كذلك كان كل نبى قبلك مبتلى مبتلى بعداوة قومه وكفاك بي هادياً إلى طريق قهرهم والانتصار منهم وناصراً لك عليهم والعدو يجوز أن يكون واحدا وجميعا والباء زائدة أي وكفى ربك هادياً وهو تمييز(2/535)
وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا (32)
وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا (32)
{وَقَالَ الذين كَفَرُواْ} أي قريش أو اليهود {لولا نزل عليه القرآن جُمْلَةً} حال من القرآن أي مجتمعاً {واحدة} يعني هلا أنزل عليه دفعة واحدة في وقت واحد كما أنزلت الكتب الثلاثة وماله أنزل على التفاريق وهو فضول من القول ومماراة بما لا طائل تحته لأن أمر الاعجاز الاحتجاج به لا يختلف بنزوله جملة واحدة أو متفرقا ونزل هنا بمعنى أنزل وإلا لكان متدافعاً بدليل جملة واحدة وهذا اعتراض فاسد لأنهم تحدوا بالإتيان بسورة واحدة من أصغر السور فأبرزوا صفحة عجزهم حتى لا ذوا بالمناصبة وفرعوا إلى المحاربة وبذلوا المهج ومالوا إلى الحجج {كذلك} جواب لهم أي كذلك أنزل مفرقاً في عشرين سنة أو في ثلاث وعشرين وذلك في كذلك إشارة إلى مدلول قوله لولا نزل عليه القرآن جملة لأن معناه(2/535)
لم أنزل عليك القرآن مفرقا
الفرقان (35 - 32)
فأعلم أن ذلك {لِنُثَبّتَ بِهِ} بتفريقه {فُؤَادَكَ} حتى تعيه ونحفظه لأن المتلقن إنما يقوى قلبه على حفظ العلم شيئا بعد شئ وجزا ولو ألقي عليه جملة واحدة لعجز عن حفظه أو لنثبت به فؤادك عن الضجر بتواتر الوصول وتتابع الرسول لأن قلب المحب يسكن بتواصل كتب المحبوب {وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً} معطوف على الفعل الذي تعلق به كذلك كأنه قال كذلك فرقناه ورتلناه أي اقرأه بترسل وتثبت أو بيناه تبييناً والترتيل التبيين في ترسل وتثبت(2/536)
وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا (33)
وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا (33)
{وَلاَ يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ} بسؤال عجيب من سؤالاتهم الباطلة كأنه مثل في البطلان {إِلاَّ جئناك بالحق} إلا أتيناك بالجواب الحق الذي لا محيد عنه {وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً} وبما هو أحسن معنى ومؤدى من مثلهم أي من سؤالهم وإنما حذف من مثلهم لأن في الكلام دليلاً عليه كما لو قلت رأيت زيداً وعمرا وإن كان عمرو أحسن وجها فيه دليل على أنك تريد من زيد ولما كان التفسير هو التكشيف عما يدل عليه الكلام وضع موضع معناه فقالوا تفسير هذا الكلام كيت وكيت كما قيل معناه كذا وكذا أو لا يأتونك بحال وصفة عجيبة يقولون هلا أنزل عليك القرآن جملة إلا أعطيناك من الأحوال ما يحق لك في حكمتنا أن تعطاه وما هو أحسن تكشيفاً لما بعثت عليه ودلالة على صحته يعنى أن تنزيله مفرقا وتحديهم بأن يأتوا ببعض تلك التفاريق كلما نزل شئ منها أدخل في الإعجاز من أن ينزل كله جملة(2/536)
الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلَى جَهَنَّمَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ سَبِيلًا (34)
الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلَى جَهَنَّمَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ سَبِيلًا (34)
{الذين يُحْشَرُونَ على وُجُوهِهِمْ إلى جَهَنَّمَ أُوْلَئِكَ شر} الذين مبتدأ ثان وشر خبر أولئك وأولئك مع شر خبر الذين أو التقدير هم الذين أو أعنى الذين وأولئك(2/536)
مستأنف {مَكَاناً} أي مكانة ومنزلة أو مسكناً ومنزلاً {وَأَضَلُّ سَبِيلاً} أي وأخطأ طريقاً وهو من الإسناد المجازي والمعنى إن حاملكم على هذه السؤالات أنكم تضلون سبيله وتحتقرون مكانه ومنزلته ولو نظرتم بعين الإنصاف وأنتم من المسحوبين على وجوههم إلى جهنم لعلمتم أن مكانكم شر من مكانه ومنزلة سبيلكم أضل من سبيله وفي طريقته قوله قُلْ هل أنبئكم بشر من ذلك مثورة عِندَ الله مَن لَّعَنَهُ الله وَغَضِبَ عَلَيْهِ الآية وعن النبى صلى الله عليه وسلم يحشر الناس يوم القيامة على ثلاثة أصناف صنف على الدواب وصنف على أرجلهم وصنف على وجوههم قيل يا رسول الله كيف يمشون على وجوههم فقال عليه الصلاة والسلام الذى أمشاكم على أقدامكم يمشيهم على وجوههم(2/537)
وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيرًا (35)
وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيرًا (35)
{ولقد آتينا موسى الكتاب} التوراة كما آتيناك القرآن {وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هارون} بدل أو عطف بيان {وَزِيراً} هو في اللغة من يرجع إليه من الوزر وهو الملجأ والوزارة لا تنافي النبوة فقد كان يبعث فى الزمن
الفرقان (40 - 36)
الواحد أنبياء ويؤمرون بأن يؤازر بعضهم بعضا(2/537)
فَقُلْنَا اذْهَبَا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَدَمَّرْنَاهُمْ تَدْمِيرًا (36)
فَقُلْنَا اذْهَبَا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَدَمَّرْنَاهُمْ تَدْمِيرًا (36)
{فقلنا اذهبا إلى القوم الذين كذبوا بآياتنا} إلى فرعون وقومه وتقديره فذهبا إليهم وأنذرا فكذبوهما {فدمرناهم تَدْمِيراً} التدمير الإهلاك بأمر عجيب أراد اختصار القصة فذكر أولها وآخرها لأنهما المقصود من القصة أعني إلزام الحجة ببعثة الرسل واستحقاق التدمير بتكذيبهم(2/537)
وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَابًا أَلِيمًا (37)
وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَابًا أَلِيمًا (37)
{وَقَوْمَ نُوحٍ} أي ودمرنا قوم نوح {لَّمَّا كذبوا الرسل} يعنى نوحا وادريس وشيئا أو كان تكذيبهم لواحد منهم تكذيباً للجميع {أغرقناهم} بالطوفان {وجعلناهم} وجعلنا إغراقهم أو(2/537)
قصتهم {للناس آية} عبرة يعتبرون بها {وَأَعْتَدْنَا} وهيأنا {للظالمين} لقوم نوح وأصله وأعتدنا لهم إلا أنه أراد تظليمهم فأظهر أو هو عام لكل من ظلم ظلم شرك ويتناولهم بعمومه {عَذَاباً أَلِيماً} أى النار(2/538)
وَعَادًا وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا (38)
وَعَادًا وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا (38)
{وَعَاداً} دمرنا عاداً {وَثَمُودَ} حمزة وحفص على تأويل القبيلة وغيرهما وثموداً على تأويل الحي أو لأنه اسم الأب الأكبر {وأصحاب الرس} هم قوم شعيب كانوا يعبدون الأصنام فكذبوا شعيباً فبيناهم حول الرس وهي البئر غير مطوية انهارت بهم فخسف بهم وبديارهم وقيل الرس قرية قتلوا نبيهم فهلكوا أو هم أصحاب الأخدود والرس الأخدود {وَقُرُوناً} وأهلكنا أمماً {بَيْنَ ذلك} المذكور {كَثِيراً} لا يعلمها إلا الله أرسل إليهم فكذبوهم فأهلكوا(2/538)
وَكُلًّا ضَرَبْنَا لَهُ الْأَمْثَالَ وَكُلًّا تَبَّرْنَا تَتْبِيرًا (39)
وَكُلًّا ضَرَبْنَا لَهُ الْأَمْثَالَ وَكُلًّا تَبَّرْنَا تَتْبِيرًا (39)
{وَكُلاًّ ضَرَبْنَا لَهُ الأمثال} بينا له القصص العجيبة من قصص الأولين {وَكُلاًّ تَبَّرْنَا تَتْبِيراً} أي أهلكنا إهلاكاً وَكُلاًّ الأول منصوب بما دل عليه ضَرَبْنَا لَهُ الأمثال وهو أنذرنا أو حذرنا والثانى بتبرنا لأنه فارغ له(2/538)
وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَهَا بَلْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ نُشُورًا (40)
وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَهَا بَلْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ نُشُورًا (40)
{وَلَقَدْ أَتَوْا} يعني أهل مكة {عَلَى القرية} سدوم وهي أعظم قرى قوم لوط وكانت خمساً أهلك الله أربعاً مع أهلها وبقيت واحدة {التى أُمْطِرَتْ مَطَرَ السوء} أي أمطر الله عليها الحجارة يعني أن قريشاً مروا كثيرة في متاجرهم إلى الشام على تلك القرية التي أهلكت بالحجارة من السماء ومطر السوء مفعول ثانٍ والأصل أمطرت القرية مطراً أو مصدر محذوف الزوائد أي إمطار السوء {أَفَلَمْ يَكُونُواْ يَرَوْنَهَا} أما شاهدوا ذلك بأبصارهم عند سفرهم الشام فيتفكروا فيؤمنوا {بَلْ كَانُواْ لاَ يَرْجُونَ نُشُوراً} بل كانوا قوماً كفرة بالبعث لا يخافون بعثا فلا يؤمنون أو(2/538)
لا يأملون نشورا كما يأمله المؤمنون لطعمهم فى الوصول إلى ثواب
الفرقان (44 - 41)
أعمالهم(2/539)
وَإِذَا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا (41)
وَإِذَا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا (41)
{وَإِذَا رَأَوْكَ إِن يَتَّخِذُونَكَ} إن نافية {إِلاَّ هزوا} اتخذه هزؤا فى معنى استهزأ به والأصل اتخذه موضع هزؤا ومهزوءا به {أهذا الذي} محكى بعد القول المضمر وهذا استصغار واستهزاء أى قائلين أهذا الذي {بَعَثَ الله رَسُولاً} والمحذوف حال والعائد إلى الذى محذوف أي بعثه(2/539)
إِنْ كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلَا أَنْ صَبَرْنَا عَلَيْهَا وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذَابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلًا (42)
إِنْ كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلَا أَنْ صَبَرْنَا عَلَيْهَا وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذَابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلًا (42)
{إن كاد ليضلنا عن آلهتنا لَوْلاَ أَن صَبْرَنَا عَلَيْهَا} أن مخففة من الثقيلة واللام فارغة وهو دليل على فرط مجاهدة رسول الله صلى الله عليه وسلم في دعوتهم وعرض المعجزات عليهم حتى شارفوا بزعمهم أن يتركوا دينهم إلى دين الإسلام لولا فرط لجاجهم ولستمساكهم بعبادة آلهتهم {وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ العذاب} هو وعيد ودلالة على أنهم لا يفوتونه وإن طالت مدة الإمهال {مَنْ أَضَلُّ سَبِيلاً} هو كالجواب عن قولهم إن كاد ليضلنا لأنه نسبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الضلال إذ لا يضل غيره إلا من هو ضال فى نفسه(2/539)
أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا (43)
أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا (43)
{أرأيت مَنِ اتخذ إلهه هَوَاهُ} أي من أطاع هواه فيما يأتي ويذر فهو عابد هواه وجاعله إلهه فيقول الله تعالى لرسوله هذا الذي لا يرى معبوداً إلا هواه كيف تستطيع أن تدعوه إلى الهدى يروى أن الواحد من أهل الجاهلية كان يعبد الحجر فإذا مر بحجر أحسن منه ترك الأوّل وعبد الثاني وعن الحسن هو في كل متع هواه {أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً} أي حفيظاً تحفظه من متابعة هواه وعبادة ما يهواه أفأنت تكون عليه موكلاً فتصرفه عن الهوى إلى الهدى عرفه أن إليه التبليغ فقط(2/539)
أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا (44)
أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا (44)
{أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلاَّ كالأنعام بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً} أم منقطعة معناه بل أتحسب كأن هذه المذمة أشد من التي تقدمتها حتى حقت بالاضراب عنها اليها وهى كونهم مسلوبي الأسماع والعقول لأنهم لا يلقون إلى استماع الحق أذناً ولا إلى تدبره عقلاً ومشبهين بالأنعام التي هي مثل في الغفلة والضلالة فقد ركبهم الشيطان بالاستدلال لتركهم الاستدلال ثم هم أرجح ضلالة منها لأن الأنعام تسبح ربها وتسجد له وتطيع من يعلفها وتعرف من يحسن إليها ممن يسئ إليها وتطلب ما ينفعها وتجتنب ما يضرها وتهتدي لمراعيها ومشاربها وهؤلاء لا ينقادون لربهم ولا يعرفون إحسانه إليهم من إساءة الشيطان الذي هو عدوهم ولا يطلبون الثواب الذي هو أعظم المنافع ولا يتقون العقاب الذي هو أشد المضار والمهالك ولا يهتدون للحق الذي هو المشرع الهني والعذب الروي وقالوا للملائكة روح وعقل والبهائم نفس وهوى والآدمي مجمع الكل ابتلاء فإن غلبته النفس والهوى فضلته الأنعام وإن غلبته الروح والعقل فضل الملائكة الكرام وإنما
الفرقان (48 - 45)
ذكر الأكثر لأن فيهم من لم يصده عن الإسلام إلا حب الرياسة وكفى به داء عضالاً ولأن فيهم من آمن(2/540)
أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا (45)
أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا (45)
{أَلَمْ تَرَ إلى رَبّكَ} ألم تنظر إلى صنع ربك وقدرته {كَيْفَ مَدَّ الظل} أي بسطه فعم الأرض وذلك من حين طلوع الفجر إلى وقت طلوع الشمس في قول الجمهور لأنه ظل ممدود لا شمس معه ولا ظلمة وهو كما قال في ظل الجنة وظل ممدود لا شمس معه ولا ظلمة {وَلَوْ شَاء لَجَعَلَهُ سَاكِناً} أي دائماً لا يزول ولا نذهبه الشمس {ثُمَّ جَعَلْنَا الشمس عَلَيْهِ} على الظل {دَلِيلاً} لأنه بالشمس يعرف الظل ولولا الشمس لما عرف الظل فالأشياء تعرف بأضدادها(2/540)
ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا (46)
ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا (46)
{ثُمَّ قبضناه} أي أخذنا ذلك الظل الممدود {إِلَيْنَا} إلى حيث أردنا(2/540)
{قَبْضاً يَسِيراً} سهلاً غير عسير أو قليلا قليلا أى جزأ فجزأ بالشمس التى تأتى عليه وجاء بثم لتفاضل ما بين الأمور فكأن الثاني أعظم من الأول والثالث أعظم من الثاني شبه تباعد ما بينهما في الفضل بتباعد ما بين الحوادث في الوقت(2/541)
وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا (47)
وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا (47)
{وهو الذي جعل لكم الليل لِبَاساً} جعل الظلام الساتر كاللباس {والنوم سُبَاتاً} راحة لأبدانكم وقطعاً لأعمالكم والسبت القطع والنائم مسبوت لأنه انقطع عمله وحركته وقيل السبات الموت المسبوت الميت لأنه مقطوع الحياة وهو كقوله تعالى وهو الذى يتوفاكم بالليل ويعضده ذكر النشور في مقابلته {وَجَعَلَ النهار نشورا} إذا لنشور انبعاث من النوم كنشور الميت أى ينشر فيه الخلق للمعاش وهذه الآية مع دلالتها على قدرة الخالق فيها إظهار لنعمته والحياة عبرة لمن اعتبر وقال لقمان لابنه كما تنام فتوعظ كذلك تموت فتنشر(2/541)
وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا (48)
وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا (48)
{وَهُوَ الذى أَرْسَلَ الرياح} الريح مكي والمراد الجنس {بُشَرًا} تخفيف بشر جمع بشور {بَيْنَ يَدَىْ رَحْمَتِهِ} أي قدام المطر لأنه ريح ثم سحاب ثم مطر وهذه استعارة ملحية {وأنزلنا من السماء ماء} مطر {طَهُوراً} بليغاً في طهارته والطهور صفة كقولك ماء طهور أي طاهر واسم كقولك لما يتطهر به طهور كالوضوء والوقود لما يتوضأ به وتوقد به النار ومصدر بمعنى التطهر كقولك تطهرت طهورا حسنا ومنه قوله عليه الصلاة والسلام إلا بطهور أي بطهارة وما حكي عن ثعلب هو(2/541)
ما كان طاهراً في نفسه مطهرا لغيره وهو مذهب الشافعى رحمه الله تعالى ان كان هذا زيادة بيان الطهارة فحسن ويعضده قوله تعالى وَيُنَزّلُ عَلَيْكُم من السماء ليطهركم به وإلا فليس فعول من التفعيل فى شئ وقياسه على ما هو مشتق من الأفعال المعتدية كقطوع ومنوع غير سديد لأن بناء
الفرقان (52 - 49)
الفعول للمبالغة فإن كان الفعل متعدياً فالفعول متعدوان كان لازماً فلازم(2/542)
لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا (49)
لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا (49)
{لّنُحْيِىَ بِهِ} بالمطر {بَلْدَةً مَّيْتاً} ذكّر ميتاً على إرادة البلد أو المكان {وَنُسْقِيَهِ مِمَّا خلقنا أنعاما وأناسي كثيرا} أى نسقى الماء البهائم والناس ومما خلقنا حال من أنعاماً وأناسي أي أنعاماً وأناسى مما خلقنا وسقى وأسقى لغتان وقرأ المفضل والبرجمي ونسقيه والأناسي جمع انسى على القياس ككرسى وكراسى وإنسان وأصله أناسين كسرحان وسراحين فأبدلت النون ياء وأدغمت وقدم إحياء الأرض على سقي الأنعام والأناسي لأن حياتها سبب لحياتهما وتخصيص الأنعام من الحيوان الشارب لأن عامة منافع الأناسي متعلقة بها فكأن الانعام عليهم بسقى الانعام كالأنعام بسقيهم وتنكير البلدة لأنه يريد بعض بلاد هؤلاء المتبعدين على مظان الماء ولما كان سقي الأناسي من جملة ما أنزل له الماء وصفه بالطهورية شرط الاحياء(2/542)
وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا (50)
وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا (50)
{وَلَقَدْ صرفناه بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُواْ} ليذكروا حمزة وعلي يريد ولقد صرفنا هذا القول بين الناس في القرآن وفي سائر الكتب المنزلة على الرسل وهو ذكر إنشاء السحاب وإنزال القطر ليتفكروا ويعتبروا ويعرفوا حق النعمة(2/542)
فيه فيشكروا {فأبى أَكْثَرُ الناس إِلاَّ كُفُورًا} فأبى أكثرهم إلا كفران النعمة وجحودها وقلة الا كتراث لها أو صرفنا المطر بينهم في البلدان المختلفة والأوقات المتغايرة وعلى الصفات المتفاوتة من وابل وطل وجود ورذاذ وديمة فأبوا إلا الكفور وأن يقولوا مطر نابنوء كذا ولا يذكروا صنع الله تعالى ورحمته وعن ابن عباس رضى الله عنهما ما من عام أقل مطراً من عام ولكن الله يصرفه حيث يشاء وقرأ الآية وروي أن الملائكة يعرفون عدد المطر ومقداره في كل عام لأنه لا يختلف ولكن يختلف فيه البلاد وينتزع من هنا جواب في تنكير البلدة والأنعام والأناسي ومن نسب الأمطار إلى الأنواء وجحد أن تكون هي والانواء من خلق الله تعالى كفروان رأى أن الله تعالى خالقها وقد نصب الأنواء أمارات ودلالات عليها لم يكفر(2/543)
وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيرًا (51) فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا (52)
وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيرًا (51) فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا (52)
{ولو شئنا لبعثنا فى كل قرية نذيرا فَلاَ تُطِعِ الكافرين} أي لو شئنا لخففنا عنك أعباء نذارة جميع القرى ولبعثنا في كل قرية نبيا ينذؤها ولكن شئنا أن نجمع لك فضائل جميع المرسلين بالرسالة إلى كافة العالمين فقصرنا الأمر عليك وعظمناك به فتكون وحدك ككلهم ولذا خوطب بالجمع يا أيها الرسل فقابل ذلك بالشكر والصبر والتشدد ولا تطع الكافرين فيما يدعونك إليه من موافقتهم ومداهنتهم وكما آثرتك على
الفرقان (57 - 52)
جميع الأنبياء فآثر رضائي على جميع الأهواء وأريد بهذا تهييجه وتهييج المؤمنين وتحريكهم {وجاهدهم بِهِ} أي بالله يعني بعونه وتوفيقه أو بالقرآن أي جادلهم به وقرعهم بالعجز عنه {جِهَاداً كَبيراً} عظيماً موقعه عند الله لما يحتمل فيه من المشاق ويجوز أن يرجع الضمير في به إلى ما دل عليه ولو شئنا لبعثنا فى كل قرية نذيرا من كونه نذير كافة القرى لأنه لو بعث فى كل قرية نذير لوجب على كل نذير مجاهدة قريته فاجتمعت على رسول الله تلك المجاهدات فكبر جهاده من أجل ذلك وعظم فقال له وجاهدهم بسبب كونك نذير كافة القرى جهاداً كبيراً جامعاً لكل مجاهدة(2/543)
وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا (53)
وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا (53)
{وَهُوَ الذى مَرَجَ البحرين} خلاّهما متجاورين متلاصقين تقول مرجت الدابة إذا خليتها ترعى وسمى الماءين الكثيرين الواسعين بحرين {هذا} أي أحدهما {عذب فرات} صفة لعذب أي شديد العذوبة حتى يقرب إلى الحلاوة {وهذا ملح أجاج} صفة لملح أي شديد الملوحة {وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخاً} حائلاً من قدرته يفصل بينهما ويمنعهما التمازج فهما فى الظاهر مختلفان وفي الحقيقة منفصلان {وَحِجْراً مَّحْجُوراً} وستراً ممنوعاً عن الأعين كقوله حجابا مستورا(2/544)
وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا (54)
وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا (54)
{وَهُوَ الذى خَلَقَ مِنَ الماء} أي النطفة {بَشَرًا} إنساناً {فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً} أراد تقسيم البشر قسمين ذوي نسب أي ذكوراً ينسب إليهم فيقال فلان بن فلان وفلانة بنت فلان وذوات صهر أي إناثاً يصاهر بهن كقوله تعالى فَجَعَلَ مِنْهُ الزوجين الذكر والأنثى {وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيراً} حيث خلق من النطفة الواحدة بشراً نوعين ذكراً وأنثى وقيل فجعله نسباً أي قرابة وصهراً مصاهرة يعني الوصلة بالنكاح من باب الأنساب لأن التواصل يقع بها وبالمصاهرة لأن التوالد يكون بهما(2/544)
وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُهُمْ وَلَا يَضُرُّهُمْ وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيرًا (55)
وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُهُمْ وَلَا يَضُرُّهُمْ وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيرًا (55)
{وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله مَا لاَ يَنفَعُهُمْ} إن عبدوه {وَلاَ يَضُرُّهُمْ} إن تركوه {وَكَانَ الكافر على رَبّهِ} على معصية ربه {ظَهِيرًا} معيناً ومظاهراً وفعيل بمعنى مفاعل غير عزيز والظهير والمظاهر كالعوين والمعاون والمظاهرة المعاونة والمعنى أن الكافر بعبادة الصنم يتابع الشيطان ويعاونه على معصية الرحمن(2/544)
وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (56)
وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (56)
{وما أرسلناك إلا مبشرا} للمؤمنين {ونذيرا} للكافرين(2/544)
قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا (57)
قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا (57)
{قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ} على التبليغ {مِنْ أَجْرٍ} جعل {إِلاَّ مَن شَاء(2/544)
أَن يَتَّخِذَ إلى ربه سبيلا} والمراد الافعل من شاء واستثناؤه من الأجر قول ذي شفقه
الفرقان (59 - 58)
عليك قد سعى لك في تحصيل مال ما أطلب منك ثواباً على ما سعيت إلا أن تحفظ هذا المال ولا تضيعه فليس حفظك المال لنفسك من جنس الثواب ولكن صورة بصورة الثواب كأنه يقول إن حفظت مالك اعتدّ حفظك بمنزلة الثواب لي ورضائي به كرضا المثاب بالثواب ولعمري إنه عليه الصلاة والسلام مع أمته بهذا الصدد ومعنى اتخاذهم إلى الله سبيلاً تقربهم إليه بالإيمان والطاعة أو بالصدقة والنفقة وقيل المراد ولكن من شاء أن يتخذ بالإنفاق إلى رضاء ربه سبيلاً فليفعل وقيل تقديره لا أسألكم على ما أدعوكم إليه أجراً إلا اتخاذ المدعو سبيلا إلى ربه بطاعته فذلك أجزى لأن الله يأجرني عليه(2/545)
وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا (58)
وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا (58)
{وَتَوَكَّلْ عَلَى الحى الذى لاَ يَمُوتُ} اتخذ من لا يموت وكيلاً لا يكلك إلى من يموت ذليلاً يعني ثق به وأسند أمرك إليه في استكفاء شرورهم ولا تتكل على حي يموت وقرأها بعض الصالحين فقال لا يصح لذي عقل أن يثق بعدها بمخلوق والتوكل والاعتماد عليه فى كل أمر {وسبح} عن أن يكل إلى غيره من توكل عليه {بِحَمْدِهِ} بتوفيقه الذي يوجب الحمد أو قل سبحان الله وبحمده أو نزهه عن كل العيوب بالثناء عليه {وكفى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيراً} أي كفى الله خبيراً بذنوب عباده يعني أنه خبير بأحوالهم كافً في جزاء أعمالهم(2/545)
الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا (59)
الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا (59)
{الّذي خلق السّماوات والأرض وما بينهما في سِتَّةِ أَيَّامٍ} أي في مدة مقدار هذه المدة لأنه لم يكن حينئذ ليل ونهار روى عن مجاهد أولها يوم الأحد وآخرها يوم الجمعة وإنما خلقها في ستة أيام وهو يقدر على أن يخلقها في لحظة تعليماً لخلقه الرفق والتثبت {ثُمَّ استوى عَلَى العرش الرحمن} أي هو الرحمن فالرحمن خبر مبتدأ محذوف أو بدل من الضمير فى استوى(2/545)
أو الذى خلق مبتدأ والرحمن خبره {فاسأل} بلا همزة مكي وعلي {بِهِ} صلة سل كقوله سأل سائل بعذاب واقع كما تكون صلة في قوله تعالى ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النعيم فسأل به كقوله اهتم به واشتغل به وسأل عنه كقولك بحث عنه وفتش عنه أو صلة {خَبِيراً} ويكون خبيراً مفعول سل أي فاسأل عنه رجلاً عارفاً يخبرك برحمته أو فاسأل رجلاً خبيرا به وبرحمته أوالرحمن اسم من أسماء الله تعالى مذكور في الكتب المتقدمة ولم يكونوا يعرفونه فقيل فاسأل بهذا الاسم من يخبرك من أهل الكتب حتى تعرف من ينكره ومن ثم كانوا يقولون ما نعرف الرحمن إلا الذي باليمامة يعنون مسيلمة وكان يقال له رحمان اليمامة(2/546)
وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا (60)
وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا (60)
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ} أي إذا قال محمد عليه الصلاة والسلام للمشركين {اسجدوا للرحمن} صلوا لله واخضعوا له {قَالُواْ وَمَا الرحمن} أي لا نعرف الرحمن فنسجد له فهذا سؤال عن
الفرقان (63 - 60)
المسمى به لأنهم ما كانوا يعرفونه بهذا الاسم والسؤال عن المجهول بما أو عن معناه لأنه لم يكن مستعملاً في كلامهم كما استعمل الرحيم والراحم والرحوم {أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا} للذي تأمرنا بالسجود له أو لأمرك بالسجود يا محمد من غير علم منا به يأمرنا علي وحمزة كأن بعضهم قال لبعض أنسجد لما يأمرنا محمد أو يأمرنا المسمى بالرحمن ولا نعرف ما هو فقد عاندوا لأن معناه عند أهل اللغة ذو الرحمة التي لا غاية بعدها في الرحمة لأن فعلان من أبنية المبالغة تقول رجل عطشان إذا كان في نهاية العطش {وَزَادَهُمْ} قوله اسجدوا للرحمن {نُفُورًا} تباعداً عن الإيمان(2/546)
تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا (61)
تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا (61)
{تَبَارَكَ الذى جَعَلَ فِى السماء بُرُوجاً} هي منازل الكواكب السيارة لكل كوكب بيتان يقوي حاله فيهما وللشمس بيت وللقمر بيت فالحمل والعقرب بيتا المريخ والثور والميزان بيتا الزهرة والجوزاء والسنبلة بيتا(2/546)
عطارد والسرطان بيت القمر والأسد بيت الشمس والقوس والحوت بيتا المشتري والجدي والدلو بيتا زحل وهذه البروج مقسومة على الطبائع الأربع فيصيب كل واحد منها ثلاثة بروج فالحمل والأسد والقوس مثلثة نارية والثور والسنبلة والجدي مثلثة أرضية والجوازء والميزان والدلو مثلثة هوائية والسرطان والعقرب والحوت مثلثة مائية سميت المنازل بالبروج التي هي القصور العالية لأنها لهذه الكواكب كالمنازل لسكانها وانشقاق البروج من التبرج لظهوره وقال الحسن وقتادة ومجاهد البروج هي النجوم الكبار لظهورها {وَجَعَلَ فِيهَا} في السماء {سِرَاجاً} يعني الشمس لتوقدها سرجا حمزة وعلى أي نجوماً {وَقَمَراً مُّنِيراً} مضيئا بالليل(2/547)
وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا (62)
وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا (62)
{وهو الذي جعل الليل والنهار خِلْفَةً} فعلة من خلف كالركبة من ركب وهي الحالة التي يخلف عليها الليل والنهار كل واحد منهما الآخر والمعنى جعلهما ذوي خلفة يخلف أحدهما الآخر عند مضيه أو يخلفه في قضاء ما فاته من الورد {لّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ} يتدبر في تسخيرهما واختلافهما فيعرف مدبرهما يذكر حمزة وخلف أي يذكر الله أو المنسي فيقضي {أَوْ أَرَادَ شُكُوراً} أي يشكر نعمة ربه عليه فيهما(2/547)
وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا (63)
وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا (63)
{وعباد الرّحمن} مبتدأ خبره {الذين يمشون} أو أولئك يجزون والذين يمشون وما بعدهما صفة والإضافة إلى الرحمن للتخصيص والتفضيل وصف أولياءه بعدما وصف أعداءه {على الأرض هوناً} حال أو صفة للمشي أي هينين أو مشياً هيناً والهون الرفق واللين أي يمشون بسكينة ووقار وتواضع دون
الفرقان (67 - 63)
مرح واختيال وتكبر فلا يضربون بأقدامهم ولا يخفقون بنعالهم أشراً وبطراً ولذا كره بعض العلماء الركوب في الأسواق ولقوله ويمشون في الأسواق {وإذا خاطبهم الجاهلون} أي السفهاء بما يكرهون {قالوا سلاماً} سداداً من القول(2/547)
يسلمون فيه من الإيذاء والإفك أو تسلماً منكم نتارككم ولا تجاهلكم فأقيم السلام مقام التسلم وقيل نسختها آية القتال ولا حاجة إلى ذلك فالإغضاء عن السفهاء مستحسن شرعاً ومروءة هذا وصف نهارهم ثم وصف ليلهم بقوله(2/548)
وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا (64)
وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا (64)
{والذين يبيتون لربّهم سجّداً} جمع ساجد {وقياماً} جمع قائم والبيتوتة خلاف الظلول وهي أن يدركك الليل نمت أو لم تنم وقالوا من قرأ شيئاً من القرآن في صلاة وإن قل فقد بات ساجداً وقائماً وقيل هما الركعتان بعد المغرب والركعتان بعد العشاء والظاهر أنه وصف لهم بإحياء الليل أو أكثره(2/548)
وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا (65)
وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا (65)
{والذين يقولون ربّنا اصرف عنّا عذاب جهنّمّ إنّ عذابها كان غراماً} هلاكاً لازماً ومنه الغريم لملازمته وصفهم بإحياء الليل ساجدين قائمين ثم عقبه بذكر دعوتهم هذه إيذاناً بأنهم مع اجتهادهم خائفون مبتهلون متضرعون إلى الله في صرف العذاب عنهم(2/548)
إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (66)
إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (66)
{إنّها ساءت مستقرًّا ومقاماً} أي إن جهنم وساءت في حكم بئست وفيها ضمير مبهم يفسره مستقراً والمخصوص بالذم محذوف معناه ساءت مستقراً ومقاماً هي وهذا الضمير هو الذي ربط الجملة باسم إن وجعلها خبراً لها أو بمعنى أحزنت وفيها ضمير اسم ان ومستقرا حال أو تمييز ويصح أن يكون التعليلان متداخلين ومترادفين وأن يكونا من كلام الله تعالى وحكاية لقولهم(2/548)
وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا (67)
وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا (67)
{والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا} لم يجاوزوا الحد في النفقة أو لم يأكلوا للتنعم ولم يلبسوا للتصلف وعن ابن عباس رضى الله عنهما لم ينفقوا في المعاصي فالإسراف مجاوزة القدر وسمع رجل رجلاً(2/548)
يقول لا خير في الإسراف فقال لا إسراف في الخير وقال عليه الصلاة والسلام من منع حقاً فقد قتر ومن أعطى في غير حق فقد أسرف {ولم يقتروا} بضم التاء كوفي وبضم الياء وكسر التاء مدني وشامي وبفتح الياء وكسر التاء مكي وبصرى والفتر والإفتار والتقتير والتضييق الذي هو نقيض الإسراف {وكان} إنفاقهم {بين ذلك} أى الإصراف والإقتار {قواماً} أي عدلاً بينهما فالقوام العدل بين الشيئين والمنصوبان أي بين ذلك قواماً خبران وصفهم بالقصد الذي هو بين الغلو والتقصير وبمثله أمر عليه الصلاة والسلام ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك الآية وسأل عبد الملك بن مروان عمر عبد العزيز عن نفقته
الفرقان (72 - 68)
حين زوجه ابنته فقال الحسنة بين السيئتين فعرف عبد الملك أنه أراد ما في هذه الآية وقيل أولئك أصحاب محمد عليه الصلاة والسلام كانوا لا يأكلون طعاماً للتنعم واللذة ولا يلبسون ثيابهم للجمال والزينة ولكن لسد الجوعة وسترالعورة ودفع الحر والقر وقال عمر رضى الله عنه كفى سرفاً أن لا يشتهي الرجل شيئاً إلا أكله(2/549)
وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68)
وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68)
{والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر} أي لا يشركون {ولا يقتلون النّفس التي حرّم الله} أي حرمها يعني حرم قتلها {إلاّ بالحقّ} بقود أو رجم أو ردة أو شرك أو سعي في الأرض بالفساد وهو متعلق بالقتل المحذوف أو بلا يقتلون {ولا يزّنون} ونفى هذه الكبائر عن عباده الصالحين تعريض لما كان عليه أعداؤهم من قريش وغيرهم كانه قيل والذين طهرهم الله مما أنتم عليه {ومن يفعل ذلك} أي المذكور {يلق أثاماً} جزاء الإثم(2/549)
يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69)
يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69)
{يضاعف} بدل من يلق لأنهما في معنى واحد إذ مضاعفة العذاب هي لقاء الآثام كقوله ...(2/549)
متى تأتنا تلمم بنا في ديارنا ... تجد حطباً جزلاً وناراً تأججا ...
فجزم تلمم لأنه بمعنى تأتنا إذ الإتيان هو الإلمام يضعّف مكي ويزيد ويعقوب يضعّف شامي يضاعف أبو بكر على الاستئناف أو على الحال ومعنى يضاعف {له العذاب يوم القيامة} أي يعذب على مرور الأيام في الآخرة عذاباً على عذاب وقيل إذا ارتكب المشرك معاصي مع الشرك عذب على الشرك وعلى المعاصي جميعا فتضاعف العقوبة لمضاعفة العذاب المعاقب عليه {ويخلد} جزمه جازم يضاعف ورفعه رافعه لأنه معطوف عليه {فيه} في العذاب فيهي مكي وحفص بالإشباع وإنما خص حفص الإشباع بهذه الكلمة مبالغة في الوعيد والعرب تمد للمبالغة مع أن الأصل في هاء الكناية الإشباع {مهاناً} حال أي ذليلاً(2/550)
إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (70)
إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (70)
{إلاّ من تاب} عن الشرك وهو استثناء من الجنس في موضع النصب {وآمن} بمحمد عليه الصلاة والسلام {وعمل عملاً صالحاً} بعد توبته {فأولئك يبدّل الله سيّئاتهم حسناتٍ} أي يوفقهم للمحاسن بعد القبائح أو يمحوها بالتوبة ويثبت مكانها الحسنات الإيمان والطاعة ولم يرد به أن السيئة بعينها حسنة ولكن المراد ما ذكرنا يبدل مخففا البرجمى {وكان الله غفورا} يكفر السيآت {رّحيماً} يبدلها بالحسنات(2/550)
وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا (71)
وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا (71)
{ومن تاب وعمل صالحاً فإنّه يتوب إلى الله متاباً} أي ومن تاب وحقق التوبة بالعمل الصالح فإنه يتوب بذلك إلى الله تعالى متاباً مرضياً عنده مكفراً للخطايا محصلاً للثواب(2/550)
وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا (72)
وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا (72)
{والذين لا يشهدون الزّور} أي الكذب يعني ينفرون عن محاضر الكذابين ومجالس الخطائين فلا
الفرقان (75 - 72)
يقربونها تنزهاً عن مخالطة الشر وأهله(2/550)
إذ مشاهدة الباطل شركة فيه وكذلك النظارة إلى ما لم تسوغه الشريعة هم شركاء فاعليه فى الآثام لأن حضورهم ونظرهم دليل الرضا وسبب وجود الزيادة فيه وفي مواعظ عيسى عليه السلام إياكم ومجالسة الخاطئين أو لا يشهدون شهادة الزور على حذف المضاف وعن قتادة المراد مجالس الباطل وعن ابن الحنفية لا يشهدون اللهو والغناء {وإذا مرّوا باللّغو} بالفحش وكل ما ينبغي أن يلغى ويطرح والمعنى وإذا مروا بأهل اللغو والمشتغلين به {مروا كراما} معرضين مكرمين أنفسهم عن التلوث به كقوله وإذا سمعوا اللغو عرضوا عنه وعن الباقر رضى الله عنه إذا ذكروا الفروج كنوا عنها(2/551)
وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا (73)
وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا (73)
{والذين إذا ذكروا بآيات ربهم} أى قرئ عليهم القرآن أووعظوا بالقرآن {لم يخرّوا عليها صمًّا وعمياناً} هذا ليس بنفى الخرور بل هو إثبات له ونفى الصم والعمى ونحوه لا يلقاني زيد مسلماً هو نفي للسلام لا للقاء يعني أنهم إذا ذكروا بها خروا سجداً وبكياً سامعين بآذان واعية مبصرين بعيون راعية لما أمروا به ونهوا عنه لا كالمنافقين وأشباههم دليله قوله تعالى وممن هدينا واجتبينا إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجداً وبكياً(2/551)
وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا (74)
وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا (74)
{والذين يقولون ربّنا هب لنا من أزواجنا} من البيان كأنه قيل هب لنا قرة أعين ثم بينت القرة وفسرت بقوله من أزواجنا {وذرّيّاتنا} ومعناه أن يجعلهم الله لهم قرة أعين وهو من قولهم رأيت منك أسداً أي أنت أسد أو للابتداء على معنى هب لنا من جهنم ما تقربه عيوننا من طاعة وصلاح وذريتنا أبو عمرو وكوفي غير حفص لإرادة الجنس وغيرهم ذرياتنا {قرّة أعينٍ} وإنما نكر لأجل تنكير القرة لأن المضاف لا سبيل إلى تنكيره إلا بتنكير المضاف إليه كأنه قال هب لنا منهم(2/551)
سروراً وفرحاً وإنما قيل أعين على القلة دون عيون لأن المراد أعين المتقين وهي قليلة بالإضافة إلى عيون غيرهم قال الله تعالى وقليل من عبادى الشكور ويجوز أن يقال في تنكير أعين إنها أعين خاصة وهي أعين المتقين والمعنى أنهم سألوا ربهم أن يرزقهم أزواجاً وأعقاباً عمالاً لله تعالى بسرون بمكانهم وتقربهم عيونهم وقيل ليس شئ أقر لعين المؤمن من أن يرى زوجته وأولاده مطيعين لله تعالى وعن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما هو الولد إذا رآه يكتب الفقه {واجعلنا للمتّقين إماماً} أي أئمة يقتدون بنا في الدين فاكتفى بالواحد لدلالته على الجنس ولعدم اللبس أو واجعل كل واحد منا إماماً قيل في الآية ما يدل على أن الرياسة في الدين يجب أن تطلب ويرغب فيها(2/552)
أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا (75)
أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا (75)
{أولئك يجزون الغرفة} أي الغرفات وهي العلالي في الجنة فوحد اقتصاراً على الواحد الدال على الجنس دليله وهم فى الغرفات آمنون {بما صبروا} أي بصبرهم على الطاعات وعن الشهوات وعلى أذى الكفار
الفرقان (77 - 75)
الشعراء (4 - 1)
ومجاهدتهم وعلى الفقر وغير ذلك {ويلقّون فيها} ويلقون كوفي غير حفص {تحيّةً} دعاء بالتعمير {وسلاماً} ودعاء بالسلامة يعني أن الملائكة يحيونهم ويسلمون عليهم أو يحيي بعضهم بعضاً ويسلم عليه(2/552)
خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (76)
خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (76)
{خالدين فيها} حال {حسنت} أي الغرفة {مستقرّا ومقاماً} موضع قرار وإقامة وهي في مقابلة ساءت مستقرا ومقاما(2/552)
قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا (77)
قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا (77)
{قل ما يعبأ بكم ربّي لولا دعاؤكم} ما متضمنة لمعنى الاستفهام وهي في محل النصب ومعناه ما يصنع بكم ربي لولا دعاؤه إياكم إلى الإسلام أو لولا عبادتكم له أي أنه خلقكم لعبادته كقوله وما خلقت الجن والإنس الا ليعبدون أي الاعتبار عند ربكم لعبادتكم أو ما يصنع(2/552)
بعذابكم لولا دعاؤكم معه آلهة وهو كقوله تعالى ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم {فقد كذّبتم} رسولي يا أهل مكة {فسوف يكون} العذاب {لزاماً} أي ذا لزام أو ملازماً وضع مصدر لازم موضع اسم الفاعل وقال الضحاك ما يعبأ ما يبالي بمغفرتكم لولا دعاؤكم معه الها آخر(2/553)
سورة الشعراء مكية وهي مائتان وعشرون وسبع آيات
بسم الله الرحمن الرحيم(2/554)
طسم (1)
طسم (1)
{طسم} طس ويس وحم ممالة كوفي غير الأعشى والبرجمي وحفص ويظهر النون عند الميم يزيد وحمزة وغيرهما يدغمها(2/554)
تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (2)
تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (2)
{تلك آيات الكتاب المبين} الظاهر إعجازه وصحة أنه من عند الله والمراد به السورة أو القرآن والمعنى آيات هذا المؤلف من الحروف المبسوطة تلك آيات الكتاب المبين(2/554)
لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (3)
لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (3)
{لعلّك باخعٌ} قاتل ولعل للإشفاق {نّفسك} من الحزن يعني أشفق على نفسك أن تقتلها حسرة وحزناً على ما فاتك من إسلام قومك {ألاّ يكونوا مؤمنين} لئلا يؤمنوا أو لا متناع إيمانهم أو خيفة أن لا يؤمنوا(2/554)
إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ (4)
إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ (4)
{إن نّشأ} إيمانهم {ننزّل عليهم مّن السّماء آيةً} دلالة واضحة {فظلّت} أي فتظل لأن الجزاء يقع فيه لفظ الماضي في معنى المستقبل تقول إن زرتني أكرمتك أي أكرمك كذا قاله الزجاج {أعناقهم} رؤساؤهم ومقدموهم أو جماعتهم يقال جاءنا عنق من الناس لفوج منهم {لها خاضعين} منقادين وعن ابن عباس رضى الله عنهما نزلت فينا وفي بني أمية فتكون لنا عليهم الدولة
الشعراء (13 - 5)
فتذل لنا أعناقهم بعد صعوبة ويلحقهم هوان بعد عزة(2/554)
وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ (5)
وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ (5)
{وما يأتيهم مّن ذكرٍ مّن الرّحمن محدثٍ ألاّ كانوا عنه معرضين} أي وما يجدد لهم الله(2/554)
بوحيه موعظة وتذكيراً إلا جددوا اعراضا عنه وكفروا به(2/555)
فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (6)
فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (6)
{فقد كذبوا} محمدا صلى الله عليه وسلم فيما أتاهم به {فسيأتيهم} فيسعلمون {أنباء} أخبار {ما كانوا به يستهزؤون} وهذا وعيد لهم وإنذار بأنهم سيعلمون إذا مسهم عذاب الله يوم بدر أو يوم القيامة ما الشئ الذى كانوا يستهزءون به وهو القرآن وسيأتيهم أنباؤه وأحواله التي كانت خافية عليهم(2/555)
أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (7)
أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (7)
{أو لم يروا إلى الأرض كم أنبتنا} كم نصب بانبتنا {فيها من كلّ زوجٍ} صنف من النبات {كريمٍ} محمود كثير المنفعة يأكل منه الناس والأنعام كالرجل الكريم الذي نفعه عام وفائدة الجمع بين كلمتي الكثرة والإحاطة أن كلمة كل تدل على الإحاطة بأزواج النبات على سبيل التفصيل وكم تدل على أن هذا المحيط متكاثر مفرط الكثرة وبه نبه هلى كمال قدرته(2/555)
إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (8)
إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (8)
{إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مّؤمنين} أي إن في إنبات تلك الأصناف لآية على أن منبتها قادر على إحياء الموتى وقد علم الله أن أكثرهم مطبوع على قلوبهم غير مرجى إيمانهم(2/555)
وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (9)
وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (9)
{وإنّ ربّك لهو العزيز} في انتقامه من الكفرة {الرّحيم} لمن آمن منهم ووحد آية مع الإخبار بكثرتها لأن ذلك مشار به إلى مصدر أنبتنا والمراد أن في كل واحدى من تلك الأزواج لآية أي آية(2/555)
وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (10)
وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (10)
{وإذ} مفعول به أي اذكر إذ {نادى} دعا ربّك موسى أن ائت إن بمعنى أي {القوم الظّالمين} أنفسهم بالكفر وبني إسرائيل بالاستعباد وذبح الأولاد سجل عليهم بالظلم ثم عطف(2/555)
قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلَا يَتَّقُونَ (11)
قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلَا يَتَّقُونَ (11)
{قوم فرعون} عليهم عطف البيان كأن معنى القوم الظالمين وترجمته قوم فرعون وكأنهما عبارتان تعتقبان على مؤدى واحد {ألا يتّقون} أي ائتهم زاجراً فقد آن لهم أن يتقوا وهي كلمة حث وإغراء ويحتمل أنه حال من الضمير فى الظالمين أى يظلموا غير متقين الله وعقابه فأدخلت همزة الإنكار على الحال(2/555)
قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (12)
قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (12)
{قال ربّ إنّي أخاف} الخوف غم يلحق الإنسان لأمر سيقع {أن يكذّبون}(2/556)
وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلَا يَنْطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ (13)
وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلَا يَنْطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ (13)
{ويضيق صدري} بتكذيبهم
الشعراء (18 - 13)
إياي مستأنف أو عطف على أخاف {ولا ينطلق لساني} بأن تغلبني الحمية على ما أرى من المحال وأسمع من الجدال وبنصبهما يعقوب عطفاً على يكذبون فالخوف متعلق بهذه الثلاثة على هذا التقدير وبالتكذيب وحده بتقدير الرفع {فأرسل إلى هارون} أي أرسل إليه جبريل واجعله نبياً يعينني على الرسالة وكان هرون بمصر حين بعث موسى نبياً بالشام ولم يكن هذا الالتماس من موسى عليه السلام توقفاً في الامتثال بل التماس عون في تبليغ الرسالة وتمهيد العذر في التماس المعين على تنفيذ الأمر ليس بتوقف في امتثال الأمر وكفى بطلب العون دليلاً على التقبل لا على التعلل(2/556)
وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (14)
وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (14)
{ولهم عليّ ذنبٌ} أي تبعة ذنب بقتل القبطي فحذف المضاف أو سمى تبعة الذنب ذنباً كما سمى جزاء السيئة سيئة {فأخاف أن يقتلون} أي يقتلوني به قصاصاً وليس هذا تعللاً أيضاً بل استدفاع للبلية المتوقعة وفرق من أن يقتل قبل أداء الرسالة ولذا وعده بالكلاءة والدفع بكلمة الردع وجمع له الاستجابتين معاً في قوله(2/556)
قَالَ كَلَّا فَاذْهَبَا بِآيَاتِنَا إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ (15)
قَالَ كَلَّا فَاذْهَبَا بِآيَاتِنَا إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ (15)
{قال كلاّ فاذهبا} لأنه استدفعه بلاءهم فوعده الله الدفع بردعه عن الخوف والتمس منه رسالة أخيه فأجابه بقوله اذهبا أي جعلته رسولاً معك فاذهبا وعطف فاذهبا على الفعل الذي يدل عليه كلا كأنه قيل ارتدع يا موسى عما تظن فاذهب أنت وهرون {بأياتنا} مع آياتنا وهي اليد والعصا وغير ذلك {إنّا معكم} أي معكما بالعون والنصرة ومع من أرسلتما إليه بالعلم والقدرة {مّستمعون} خبر لان ومعكم لغو أو هما خبران أي سامعون والاستماع في غير هذا الإصغاء للسماع يقال استمع فلان حديثه أي أصغى إليه ولا يجوز حمله ههنا على ذلك فحمل على السماع(2/556)
فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (16)
فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (16)
{فأتيا فرعون فقولا إنّا رسول ربّ العالمين} لم يثن الرسول كما ثنى في قوله انا رسولا ربك لأن الرسول يكون بمعنى المرسل وبمعنى الرسالة فجعل ثمة بمعنى المرسل فلم يكن بد من تثنيته وجعل هنا بمعنى الرسالة فيستوي فى الوصف به الواحد والتثنية والجمع ولانهما لاتحادهما واتفاقهما على شريعة واحدة كأنهما رسول واحد أو أريد إن كل واحد منا(2/557)
أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ (17)
أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ (17)
{أن أرسل} بمعنى أرسل لتضمن الرسول معنى الإرسال وفيه معنى القول {معنا بني إسرائيل} يريد خلهم يذهبوا معنا إلى فلسطين وكانت مسكنهما فأتيا بابه فلم يؤذن لهما سنة حتى قال البواب إن ههنا إنساناً يزعم أنه رسول رب العالمين فقال ائذن له لعلنا نضحك منه فأديا إليه الرسالة فعرف فرعون موسى فعند ذلك(2/557)
قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ (18)
قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ (18)
{قال ألم نربّك فينا وليداً} وإنما حذف فأتيا فرعون فقالا اختصاراً والوليد الصبي لقرب عهده من الولادة أى ألم تكن
الشعراء (24 - 18)
صغيراً فربيناك {ولبثت فينا من عمرك سنين} قيل ثلاثين سنة(2/557)
وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ (19)
وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ (19)
{وفعلت فعلتك التي فعلت} يعني قتل القبطي فعرض إذ كان ملكاً {وأنت من الكافرين} بنعمتي حيث قتلت خبازي أو كنت على ديننا الذي تسميه كفراً وهذا افتراء منه عليه لأنه معصوم من الكفر وكان يعايشهم بالتقية(2/557)
قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ (20)
قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ (20)
{قال فعلتها إذاً} أي إذ ذاك {وأنا من الضّالّين} الجاهلين بأنها تبلغ القتل والضال عن الشئ هو الذاهب عن معرفته أو الناسين من قوله أن تضل احداهما فتذاكر إحداهما الأخرى فدفع وصف الكفر عن نفسه ووضع الضالين موضع الكافرين واذا جواب وجزاء معاً وهذا الكلام وقع جواباً لفرعون وجزاء له لأن قول فرعون وفعلت فعلتك معناه أنك جازيت نعمتي بما فعلت فقال له موسى نعم(2/557)
فعلتها مجازياً لك تسليماً لقوله لأن نعمته كانت جديرة بأن تجازى بنحو ذلك الجزاء(2/558)
فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ (21)
فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ (21)
{ففررت منكم} إلى مدين {لمّا خفتكم} أن تقتلوني وذلك حين قال له مؤمن من آل فرعون إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج الآية {فوهب لي ربّي حكماً} نبوة وعلماً فزال عني الجهل والضلالة {وجعلني من المرسلين} من جملة رسله(2/558)
وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ (22)
وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ (22)
{وتلك نعمةٌ تمنّها عليّ أن عبّدتّ بني إسرائيل} كر على امتنانه عليه بالتربية فأبطله من أصله وأبي أن تمسى نعمة لأنها نقمة حيث بين أن حقيقة إنعامه عليه تعبيد بني إسرائيل لأن تعبيدهم وقصدهم بذبح أبنائهم هو السبب في حصوله عنده وتربيته ولو تركهم لرباه أبواه فكأن فرعون امتن على موسى بتعبيد قومه وإخراجه من حجر أبويه إذا حققت وتعبيدهم تذليلهم واتخاذهم عبيدا ووحد الضمير فى تمنها وعبدت وجمع فى منكم وخفتكم لأن الخوف والفرار لم يكونا منه وحده ولكن منه ومن ملته المؤتمرين بقتله بدليل قوله إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك وأما الامتنان فمنه وحده وكذا التعبيد وتلك إشارة إلى خصلة شنعاء مبهمة لا يدري ما هي إلا بتفسيرها ومحل أن عبدت الرفع عطف بيان لتلك أي تعبيدك بني إسرائيل نعمة تمنها علي(2/558)
قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ (23)
قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ (23)
{قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ العالمين} أي إنك تدعي أنك رسول رب العالمين فما صفته لأنك إذا أردت السؤال عن صفة زيد تقول ما زيد تعني أطويل أم قصير أفقيه أم طبيب نص عليه صاحب الكشاف وغيره(2/558)
قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ (24)
قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ (24)
{قَالَ} موسى مجيباً له على وفق سؤاله {رَبّ السماوات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَآ} أي وما بين الجنسين {إِن كُنتُمْ مُّوقِنِينَ} أي إن كنتم تعرفون الأشياء(2/558)
بالدليل فكفى خلق
الشعراء (30 - 25)
هذه الأشياء دليلا أو ان يرجى منكم الإيقان الذي يؤدي إليه النظر الصحيح نفعكم هذا الجواب والالم ينفع والإيقان العلم الذي يستفاد بالاستدلال ولذا لا يقال الله موقن(2/559)
قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلَا تَسْتَمِعُونَ (25)
قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلَا تَسْتَمِعُونَ (25)
{قَالَ} أي فرعون {لِمَنْ حَوْلَهُ} من أشراف قومه وهم خمسمائة رجل عليهم الأساور وكانت للملوك خاصة {أَلاَ تَسْتَمِعُونَ} معجباً قومه من جوابه لأنهم يزعمون قدمهما وينكرون حدوثهما وأن لهما رباً فاحتاج موسى إلى أن يستدل بما شاهدوا حدوثه وفناءه فاستدل حيث(2/559)
قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (26)
قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (26)
{قال ربكم ورب آبائكم الأولين} أي هو خالقكم وخالق آبائكم فإن لم تستدلوا بغيركم فبأنفسكم وإنما قال رَبّ آبائكم لأن فرعون كان يدعي الربوبية على أهل عصره دون من تقدمهم(2/559)
قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ (27)
قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ (27)
{قَالَ} أي فرعون {إِنَّ رَسُولَكُمُ الذى أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ} حيث يزعم أن في الوجود إلهاً غيري وكان فرعون ينكر إلهية غيره(2/559)
قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (28)
قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (28)
{قَالَ رَبُّ المشرق والمغرب وَمَا بَيْنَهُمَا إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ} فتستدلون بما أقول فتعرفون ربكم وهذا غاية الإرشاد حيث عمم أولاً بخلق السموات والأرض وما بينهما ثم خصص من العام البيان أنفسهم وآباءهم لأن أقرب المنظور فيه من العاقل نفسه ومن ولد منه وما شاهد من أحواله من وقت ميلاده إلى وقت وفاته ثم خصص المشرق والمغرب لأن طلوع الشمس من أحد الخافقين وغروبها في الآخر على تقدير مستقيم في فصول السنة وحساب مستومن أظهر ما استدل به ولظهوره انتقل إلى الاحتجاج به خليل الرحمن عن الاحتجاج بالأحياء والاماتة على نمرودين كنعان وقيل سأله فرعون عن الماهية جاهلاً عن حقيقة سؤاله فلما أجاب موسى بحقيقة الجواب وقع عنده أن موسى حاد عن الجواب حيث سأله عن الماهية وهو يجيب عن ربوبيته(2/559)
وآثار صنعه فقال معجباً لهم من جواب موسى ألا تستمعون فعاد موسى إلى مثل قوله الأول فجننه فرعون زاعماً أنه حائد عن الجواب فعاد ثالثاً إلى مثل كلامه الأول مبيناً أن الفرد الحقيقي إنما يعرف بالصفات وأن السؤال عن الماهية محال وإليه الإشارة في قوله تعالى إِنْ كُنتُمْ تَعْقِلُونَ أي إن كان لكم عقل علمكم أنه لا تمكن معرفته إلا بهذا الطريق فلما تحير فرعون ولم يتهيأ له أن يدفع ظهور آثار صنعه(2/560)
قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ (29)
قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ (29)
{قَالَ لَئِنِ اتخذت إلها غَيْرِى} أي غيري إلهاً {لأجْعَلَنَّكَ مِنَ المسجونين} أي لأجعلنك واحداً ممن عرفت حالهم في سجوني وكان من عادته أن يأخذ من يريد سجنه فيطرحه في هوة ذاهبة في الأرض بعيدة العمق فرداً لا يبصر فيها ولا يسمع فكان ذلك أشد من القتل ولو قيل لأسجننك لم يؤد هذا المعنى وإن كان أخصر(2/560)
قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ (30)
قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ (30)
{قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ} الواو للحال دخلت عليها همزة الاستفهام أى أتفعل
الشعراء (39 - 30)
بي ذلك ولو جئتك {بِشَىء مُّبِينٍ} أي جائيا بالمعجزة(2/560)
قَالَ فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (31)
قَالَ فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (31)
{قَالَ فَأْتِ بِهِ} بالذي يبين صدقك {إِن كُنتَ مِنَ الصادقين} أن لك بينة وجواب الشرط مقدر أي فأحضره(2/560)
فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ (32)
فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ (32)
{فألقى عَصَاهُ فَإِذَا هِىَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ} ظاهر الثعبانية لا شئ يشبه الثعبان كما تكون الأشياء المزورة بالشعوذة والسحر روي أن العصا ارتفعت في السماء قدر ميل ثم الخطت مقبلة إلى فرعون وجعلت تقول يا موسى مرني بما شئت ويقول فرعون أسألك بالذي أرسلك إلا أخذتها فأخذها فعادت عصا(2/560)
وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ (33)
وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ (33)
{وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِىَ بَيْضَاء للناظرين} فيه دليل على أن بياضها كان شئ يجتمع النظارة على النظر إليه لخروجه عن العادة وكان بياضها نورياً روي أن(2/560)
فرعون لما أبصر الآية الأولى قال فهل غيرها فأخرج يده فقال لفرعون ما هذه قال فرعون يدك فأدخلها في إبطه ثم نزعها ولها شعاع يكاد يغشي الأبصار ويسد الأفق(2/561)
قَالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ (34)
قَالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ (34)
{قَالَ} أي فرعون {لِلْمَلإِ حَوْلَهُ} هو منصوب نصبين نصب في اللفظ والعامل فيه ما يقدر في الظرف ونصب في المحل وهو النصب على الحال من الملأ أي كائنين حوله والعامل فيه قال {إِنَّ هذا لساحر عَلِيمٌ} بالسحر ثم أغوى قومه على موسى بقوله(2/561)
يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ (35)
يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ (35)
{يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُمْ مّنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَمَاذَا} منصوب لأنه مفعول به من قولك أمرتك الخير {تَأْمُرُونَ} تشيرون في أمره من حبس أو قتل من المؤامرة وهي المشاورة أو من الأمر الذي هو ضد النهي لما تحير فرعون برؤية الآيتين وزل عنه ذكر دعوى الالهية وحط عن منكبيه كبرياء الربوبية وارتعدت فرائضه خوفا طفق يؤامر قومه الذين هم بزعمه عبيده وهو إلههم أو جعلهم آمرين ونفسه مأموراً(2/561)
قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (36)
قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (36)
{قَالُواْ أَرْجِهْ وَأَخَاهُ} أخر أمرهما ولا تباغت قتلهما خوفاً من الفتنة {وابعث فِى المدائن حاشرين} شرطاً يحشرون السحرة وعارضوا قول فرعون إن هذا لساحر عليم بقولهم(2/561)
يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ (37)
يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ (37)
{يَأْتُوكَ بِكُلّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ} فجاءوا بكلمة الإحاطة وصيغة المبالغة ليسكنوا بعض قلقه(2/561)
فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (38)
فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (38)
{فَجُمِعَ السحرة لميقات يَوْمٍ مَّعْلُومٍ} أي يوم الزينة وميقاته وقت الضحى لأنه الوقت الذي وقته لهم موسى عليه السلام من يوم الزينة في قوله تعالى مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزينة وأن يحشر الناس ضحى والميقات ما وقت به أحد أي حدد من زمان أو مكان ومنه مواقيت الإحرام(2/561)
وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ (39)
وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ (39)
{وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنتُمْ مُّجْتَمِعُونَ} أي اجتمعوا وهو استبطاء لهم في الاجتماع والمراد منه استعجالهم
الشعراء (49 - 40)(2/562)
لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ (40)
لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ (40)
{لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السحرة} في دينهم {إِن كَانُواْ هُمُ الغالبين} أي غلبوا موسى في دينه وليس غرضهم اتباع السحرة وإنما الغرض الكلي أن لا يتبعوا موسى فساقوا الكلام مساق الكناية لأنهم إذا اتبعوهم لم يكونوا متبعين لموسى(2/562)
فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالُوا لِفِرْعَوْنَ أَئِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ (41) قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذًا لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (42)
فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالُوا لِفِرْعَوْنَ أَئِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ (41) قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذًا لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (42)
{فلما جاء السحرة قالوا لفرعون أئن لَنَا لأَجْراً إِن كُنَّا نَحْنُ الغالبين قَالَ نَعَمْ} وبكسر العين علي وهما لغتان {وَإِنَّكُمْ إِذاً لَّمِنَ المقربين} أي قال فرعون نعم لكم أجر عندي وتكونون مع ذلك من المقربين عندي في المرتبة والجاه فتكونون أول من يدخل علي وآخر من يخرج ولما كان قولهم أئن لنا لأجراً في معنى جزاء الشرط لدلالته عليه وكان قوله وإنكم إذا لمن المقربين معطوفاً عليه دخلت إذا قارة فى مكانها الذى تقتضيه من الجواب والجزاء(2/562)
قَالَ لَهُمْ مُوسَى أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ (43)
قَالَ لَهُمْ مُوسَى أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ (43)
{قَالَ لَهُمْ موسى أَلْقُواْ مَا أَنتُمْ مُّلْقُونَ} من السحر فسوف ترون عاقبته(2/562)
فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ (44)
فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ (44)
{فَأَلْقَوْاْ حبالهم} سبعين ألف حبل {وَعِصِيَّهُمْ} سبعين ألف عصا وقيل كانت الحبال اثنين وسبعين ألفاً وكذا العصي {وَقَالُواْ بِعِزَّةِ فِرْعَونَ إِنَّا لَنَحْنُ الغالبون} أقسموا بعزته وقوته وهو من أيمان الجاهلية(2/562)
فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ (45)
فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ (45)
{فألقى موسى عصاه فَإِذَا هِىَ تَلْقَفُ} تبتلع {مَا يَأْفِكُونَ} ما يقلبونه عن وجهه وحقيقته بسحرهم ويزوّرونه ويخيلون في حبالهم وعصيهم أنها حيات تسعى(2/562)
فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ (46)
فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ (46)
{فَأُلْقِىَ السحرة ساجدين} عبر عن الخرور بالإلقاء بطريق المشاكلة لأنه(2/562)
ذكر مع الالقاآت ولأنهم لسرعة ما سجدوا صاروا كأنهم ألقوا(2/563)
قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (47)
قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (47)
{قالوا آمنا برب العالمين} عن عكرمة رضى الله عنه أصبحوا سحرة وأمسوا شهداء(2/563)
رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ (48)
رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ (48)
{رب موسى وهارون} عطف بيان لرب العالمين لأن فرعون كان يدعي الربوبية فأرادوا أن يعزلوه وقيل إن فرعون لما سمع منهم آمنا برب العالمين قال إياي عنيتم قالوا رب موسى وهرون(2/563)
قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (49)
قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (49)
{قال آمنتم له قبل أن آذن لَكُمْ} بذلك {إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الذى عَلَّمَكُمُ السحر} وقد تواطأتم على أمر ومكر {فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} وبال ما فعلتم ثم صرح فقال {لأقَطّعَنَّ أيديكم وأرجلكم من خلاف}
الشعراء (56 - 49)
من أجل خلاف ظهر منكم {وَلأصَلّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ} كأنه أراد به ترهيب العامة لئلا يتبعوهم فى الإيمان(2/563)
قَالُوا لَا ضَيْرَ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ (50)
قَالُوا لَا ضَيْرَ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ (50)
{قَالُواْ لاَ ضَيْرَ} لا ضرر وخبر لا محذوف أي في ذلك أو علينا {إِنَّا إلى رَبّنَا مُنقَلِبُونَ}(2/563)
إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ (51)
إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ (51)
{إِنَّا نَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خطايانا أَن كُنَّا} لأن كنا {أَوَّلُ المؤمنين} من أهل المشهد أو من رعية فرعون أرادوا لا ضرر علينا في ذلك بل لنا أعظم النفع لما يحصل لنا في الصبر عليه لوجه الله من تكفير الخطايا أو لا ضير علينا فيما تتوعدنا به إنه لا بد لنا من الانقلاب إلى ربنا بسبب من أسباب الموت والقتل أهون أسبابه وأرجاها أو لا ضير علينا في قتلك إنك إن قتلتنا انقلبنا إلى ربنا إنقلاب من يطمع في مغفرته ويرجو رحمته لما رزقنا من السبق إلى الإيمان(2/563)
وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ (52)
وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ (52)
{وَأَوْحَيْنَا إلى موسى أَنْ أَسْرِ} وبوصل الهمزة حجازي {بِعِبَادِى} بني إسرائيل سماهم عباده لإيمانهم بنبيه أى سربهم ليلاً وهذا بعد سنين من(2/563)
إيمان السحرة {إنكم متبعون} يتبعكم فرعون وقوله علل الأمر بالإسراء باتباع فرعون وجنوده آثارهم يعني إني بنيت تدبير أمركم وأمرهم على أن تتقدموا ويتبعوكم حتى يدخلوا مدخلكم من طريق البحر فأهلكهم وروي أنه مات في تلك الليلة في كل بيت من بيوتهم ولد فاشتغلوا بموتاهم حتى خرج موسى بقومه وروي أن الله تعالى أوحى إلى موسى أن اجمع بني إسرائيل كل أربعة أبيات في بيت ثم اذبح الجداء واضربوا بدمائها على أبوابكم فإني سآمر الملائكة أن لا يدخلوا بيتاً على بابه دم وسآمرهم بقتل أبكار القبط واخبزوا خبزاً فطيراً فإنه أسرع لكم ثم أسر بعبادي حتى تنتهي إلى البحر فيأتيك أمري(2/564)
فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (53)
فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (53)
{فَأَرْسَلَ فِرْعَونُ فِى المدائن حاشرين} أي جامعين للناس بعنف فلما اجتمعوا قال(2/564)
إِنَّ هَؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ (54)
إِنَّ هَؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ (54)
{إِنَّ هَؤُلاء لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ} والشرذمة الطائفة القليلة ذكرهم بالاسم الدال على القلة ثم جعلها قليلا بالوصف ثم جمع القليل فجمع كل حزب منهم قليلاً واختار جمع السلامة الذى هو للقلة وأراد بالقلة الذلة لا قلة العدد أي أنهم لقلتهم لا يبالي بهم ولا تتوقع غلبتهم وإنما استقل قوم موسى وكانوا ستمائة ألف وسبعين ألفاً لكثرة من معه فعن الضحاك كانوا سبعة الآف ألف(2/564)
وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ (55)
وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ (55)
{وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ} أي أنهم يفعلون أفعالاً تغيظنا وتضيق صدورنا وهي خروجهم من مصرنا وحملهم علينا وقتلهم أبكارنا(2/564)
وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ (56)
وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ (56)
{وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حاذرون} شامي وكوفي وغيرهم حذرون فالحذر المتيقظ والحاذر الذي يجدد حذره وقيل المؤدي في السلاح وإنما يفعل ذلك حذراً واحتياطاً لنفسه يعني ونحن قوم من عادتنا التيقظ والحذر(2/564)
واستعمال الحزم في الأمور فإذا خرج علينا خارج سارعنا إلى حسم فساده وهذه معاذير اعتذر بها إلى أهل المدائن لئلا يظن به العجز
الشعراء (66 - 57)
والفتور(2/565)
فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (57)
فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (57)
{فأخرجناهم مّن جنات} بساتين {وَعُيُونٍ} وأنهار جارية(2/565)
وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (58)
وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (58)
{وَكُنُوزٍ} وأموال ظاهرة من الذهب والفضة وسماها كنوزاً لأنهم لا ينفقون منها في طاعة الله تعالى {وَمَقَامٍ} ومنزل {كَرِيمٌ} بهي بهيج وعن ابن عباس رضى الله عنهما المنابر(2/565)
كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ (59)
كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ (59)
{كذلك} يحتمل النصب على أخرجناهم مثل ذلك الآخراج الذي وصفنا والرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف أي الأمر كذلك {وأورثناها بَنِى إسرائيل} عن الحسن لما عبروا النهر رجعوا وأخذوا ديارهم وأموالهم(2/565)
فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ (60)
فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ (60)
{فَأَتْبَعُوهُم} فلحقوهم فاتبعوهم يزيد {مُشْرِقِينَ} حال أي داخلين في وقت شروق الشمس وهو طلوعها أدرك قوم فرعون موسى وقومه وقت طلوع الشمس(2/565)
فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61)
فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61)
{فلما تراءى الجمعان} أي تقابلا بحيث يرى كل فريق صاحبه والمراد بنو إسرائيل والقبط {قَالَ أصحاب موسى إنا لمدركون} أى قرب أن يلحقنا عدونا وأمامنا البحر(2/565)
قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ (62)
قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ (62)
{قَالَ} موسى عليه السلام ثقة بوعد الله إياه {كَلاَّ} ارتدعوا عن سوء الظن بالله فلن يدركوكم {إِنَّ مَعِىَ} مَعِىَ حفص {رَبّى سَيَهْدِينِ} أي سيهديني طريق النجاة من إدراكهم وإضرارهم سيهديني بالياء يعقوب(2/565)
فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ (63)
فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ (63)
{فَأَوْحَيْنَا إلى مُوسَى أَنِ اضرب بّعَصَاكَ البحر} أي القلزم أو النيل {فانفلق} أي فضرب فانفلق وانشتى فصار اثني عشر فرقاً على عدد الأسباط {فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ} أي جزء تفرق منه {كالطود العظيم} كالجبل المنطاد في السماء(2/565)
وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ (64)
وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ (64)
{وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ} حيث انفلق البحر {الآخرين} قوم فرعون أي قربناهم من بني إسرائيل أو من البحر(2/566)
وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ (65)
وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ (65)
{وَأَنجَيْنَا موسى وَمَن مَّعَهُ أَجْمَعِينَ} من الغرق(2/566)
ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ (66)
ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ (66)
{ثُمَّ أَغْرَقْنَا الآخرين} فرعون وقومه وفيه إبطال القول بتأثير الكواكب في الآجال وغيرها من الحوادث فإنهم اجتمعوا في الهلاك مع اختلاف طوالعهم روي أن جبريل عليه السلام كان بين بني إسرائيل وبين آل فرعون فكان يقول لبني إسرائيل ليلحق آخركم بأولكم ويستقبل القبط فيقول رويدكم يلحق آخركم بأولكم فلما انتهى موسى إلى البحر قال يوشع لموسى أين أمرت فهذا البحر أمامك وغشيك آل فرعون قال موسى ههنا فخاض يوشع الماء وضرب موسى بعصاه البحر فدخلوا وروي أن موسى عليه الصلاة والسلام قال عند ذلك يا من كان قبل كل شئ والمكون لكل شئ والكائن بعد كل شئ(2/566)
إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (67)
إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (67)
{إن في ذلك} أى فيما فعلنا
الشعراء (79 - 67)
بموسى وفرعون {لآيَةً} لعبرة عجيبة لا توصف {وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ} أي المغرقين {مُّؤْمِنِينَ} قالوا لم يؤمن منهم إلا آسية وحزقيل مؤمن آل فرعون ومريم التي دلت موسى على قبر يوسف(2/566)
وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (68)
وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (68)
{وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ العزيز} بالانتقام من أعدائه {الرحيم} بالإنعام على أوليائه(2/566)
وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ (69)
وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ (69)
{واتل عَلَيْهِمْ} على مشركي قريش {نَبَأَ إبراهيم} خبره(2/566)
إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ (70)
إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ (70)
{إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ} قوم إبراهيم أو قوم الأب {مَا تَعْبُدُونَ} أي أي شيء تعبدون وإبراهيم عليه السلام يعلم أنهم عبدة الأصنام ولكنه سألهم ليريهم أن ما يعبدونه ليس بمستحق للعبادة(2/566)
قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ (71)
قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ (71)
{قَالُواْ نَعْبُدُ أَصْنَاماً} وجواب مَا تَعْبُدُونَ أَصْنَاماً كيسئلونك ماذا ينفقون قل العفو ماذا قال ربكم قالوا الحق(2/566)
لأنه سؤال عن المعبود لا عن العبادة وإنما زادوا نعبد في الجواب افتخاراً ومباهاة بعبادتها ولذا عطفوا على نعبد {فَنَظَلُّ لَهَا عاكفين} فقيم على عبادتها طول النهار وإنما قالوا فنظل لأنهم كانوا يعبدونها بالنهار دون الليل أو معناه الدوام(2/567)
قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ (72)
قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ (72)
{قَالَ} أي إبراهيم {هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ} هل يسمعون دعاءكم على حذف المضاف لدلالة {إِذْ تَدْعُونَ} عليه(2/567)
أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ (73)
أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ (73)
{أَوْ يَنفَعُونَكُمْ} إن عبدتموها {أَوْ يَضُرُّونَ} إن تركتم عبادتها(2/567)
قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ (74)
قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ (74)
{قَالُواْ بَلْ} إضراب أي لا تسمع ولا تنفع ولا تضر ولا نعبدها لشئ من ذلك ولكن {وجدنا آباءنا كذلك يفعلون} فقلدناهم(2/567)
قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (75)
قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (75)
{قال أفرأيتم ما كنتم تعبدون}(2/567)
أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ (76)
أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ (76)
{أنتم وآباؤكم الأقدمون} الأولون(2/567)
فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ (77)
فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ (77)
{فإنهم} أى الأصنام {عدو لي} والعدو والصديق يجيئان في معنى الوحدة والجماعة يعني لو عبدتهم لكانوا أعداء لي في يوم القيامة كقوله سَيَكْفُرُونَ بعبادتهم وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدّاً وقال الفراء هو من المقلوب أي فإني عدوهم وفي قوله عدو لي دون لكم زيادة نصح ليكون أدعى لهم إلى القبول ولو قال فإنهم عدو لكم لم يكون بتلك المثابة {إِلاَّ رَبَّ العالمين} استثناء منقطع لأنه لم يدخل تحت الأعداء كأنه قال لكن رب العالمين(2/567)
الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78)
الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78)
{الذى خَلَقَنِى} بالتكوين في القرار المكين {فَهُوَ يَهْدِينِ} لمناهج الدنيا ولمصالح الدين والاستقبال في يهديني مع سبق العناية لأنه يحتمل يهديني للأهم الأفضل والأتم الأكمل أو الذي خلقني لأسباب خدمته فهو يهديني إلى آداب خلته(2/567)
وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (79)
وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (79)
{والذى هُوَ يُطْعِمُنِى} أضاف الإطعام إلى ولي الإنعام لأن لركون إلى الأسباب عادة الأنعام {وَيَسْقِينِ} قال ابن عطاء هو الذي يحييني بطعامه ويرويني بشرابه
الشعراء (89 - 80)(2/568)
وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80)
وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80)
{وَإِذَا مَرِضْتُ} وإنما لم يقل أمرضني لأنه قصد الذكر بلسان الشكر فلم يضف إليه ما يقتضي الضر قال ابن عطاء وإذا مرضت برؤية الخلق {فَهُوَ يَشْفِينِ} بمشاهدة الحق قال الصادق إذا مرضت برؤية الأفعال فهو يشفين بكشف منة الإفضال(2/568)
وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (81)
وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (81)
{والذى يُمِيتُنِى ثُمَّ يُحْيِينِ} ولم يقل إذا مت لأنه الخروج من حبس البلاء ودار الفناء إلى روض البقاء لوعد اللقاء وأدخل ثم في الإحياء لتراخيه عن الإفناء وأدخل الفاء في الهداية والشفاء لأنهما يعقبان الخلق والمرض لامعاً معاً(2/568)
وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ (82)
وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ (82)
{والذى أَطْمَعُ} طمع العبيد في الموالي بالإفضال لا على الاستحقاق بالسؤال {أَن يَغْفِرَ لِى خطيئتي} قيل هو قوله انى سقيم بل فعله كبيرهم هذا ربى للبازغ هي أختي لسارة وما هي إلا معاريض جائزة وليست بخطايا يطلب لها الاستغفار واستغفار الأنبياء تواضع منهم لربهم وهضم لأنفسهم وتعليم للأمم في طلب المغفرة {يَوْمَ الدين} يوم الجزاء(2/568)
رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (83)
رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (83)
{رَبّ هَبْ لِى حُكْماً} حكمة أو حكماً بين الناس بالحق أو نبوة لأن النبي عليه السلام ذو حكمة وذو حكم بين عباد الله {وَأَلْحِقْنِى بالصالحين} أي الأنبياء ولقد أجابه حيث قال وَإِنَّهُ فِى الآخرة لَمِنَ الصالحين(2/568)
وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ (84)
وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ (84)
{واجعل لّى لِسَانَ صِدْقٍ فِى الآخرين} أي ثناء حسناً وذكراً جميلاً في الأمم التي تجئ بعدي فأعطي ذلك فكل أهل دين يتولونه ويثنون عليه ووضع اللسان موضع القول لأن القول يكون به(2/569)
وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ (85)
وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ (85)
{واجعلنى مِن} يتعلق بمحذوف أي وارثاً من {وَرَثَةِ جَنَّةِ النعيم} أي من الباقين فيها(2/569)
وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ (86)
وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ (86)
{واغفر لأبِى} اجعله أهل المغفرة بإعطاء الإسلام وكان وعده الإسلام يوم فارقه {إِنَّهُ كَانَ من الضالين} الكافرين(2/569)
وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ (87)
وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ (87)
{ولا تحزني} الإخزاء من الخزي وهو الهوان أو من الخزاية وهو الحياء وهذا نحو الاستغفار كما بينا {يَوْمِ يُبْعَثُونَ} الضمير فيه للعباد لأنه معلوم أو للضالين وأن يجعل من جملة الاستغفار لأبيه أي ولا تخزني في يوم يبعث الضالون وأبي فيهم(2/569)
يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88)
يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88)
{يَوْمَ لاَ يَنفَعُ مَالٌ} هو بدل من يوم الأول {وَلاَ بَنُونَ} أحداً(2/569)
إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89)
إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89)
{إِلاَّ مَنْ أَتَى الله بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} عن الكفر والنفاق فقلب الكافر والمنافق مريض لقوله تعالى فِى قُلُوبِهِمْ مرض أي إن المال إذا صرف في وجوه البر وبنوه صالحون فإنه ينتفع به وبهم سليم القلب أو جعل المال والبنون في معنى الغني كأنه قيل يوم لا ينفع غنى إلا غنى من أتى الله بقلب سليم لأن غنى الرجل في دينه بسلامة قلبه كما أن غناه في دنياه بماله وبينه وقد جعل من مفعولا لينفع أي لا ينفع مال ولا بنون إلا رجلا قلبه مع ماله حيث أنفقه في طاعة الله ومع بنيه
الشعراء (101 - 90)
حيث أرشدهم إلى الدين وعلمهم الشرائع ويجوز على هذا إلا من أتى الله بقلب سليم من فتنة المال والبنين وقد صوب الجليل استثناء الخليل إكراماً له ثم جعله صفة له في قوله وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ لإبراهيم إِذْ جاء ربه بقلب سليم وما أحسن ما رتب عليه السلام من كلامه(2/569)
مع المشركين حيث سألهم أولاً عما يعبدون سؤال مقرر لا مستفهم ثم أقبل على آلهتهم فأبطل أمرها بأنها لا تضر ولا تنفع ولا تسمع وعلى تقليدهم آباءهم الأقدمين فأخرجه من أن يكون شبهة فضلاً عن أن يكون حجة ثم صور المسألة في نفسه دونهم حتى تخلّص منها إلى ذكر الله تعالى فعظم شأنه وعدد نعمته من حين إنشائه إلى وقت وفاته مع ما يرجّي في الآخرة من رحمته ثم أتبع ذلك أن دعا بدعوات المخلصين وابتهل اليه ابتهال الأدب ثم وصله بذكر يوم القيامة وثواب الله وعقابه وما يدفع إليه المشركون يومئذ من الندم والحسرة على ما كانوا فيه من الضلال وتمني الكرة إلى الدنيا ليؤمنوا ويطيعوا(2/570)
وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ (90)
وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ (90)
{وَأُزْلِفَتِ الجنة لِلْمُتَّقِينَ} أي قربت عطف جملة على جملة أي تزلف من موقف السعداء فينظرون اليها(2/570)
وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ (91)
وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ (91)
{وَبُرّزَتِ الجحيم} أي أظهرت حتى يكاد يأخذهم لهبها {لِلْغَاوِينَ} للكافرين(2/570)
وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (92) مِنْ دُونِ اللَّهِ هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ أَوْ يَنْتَصِرُونَ (93)
وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (92) مِنْ دُونِ اللَّهِ هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ أَوْ يَنْتَصِرُونَ (93)
{وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله هَلْ يَنصُرُونَكُمْ أَوْ يَنتَصِرُونَ} يوبخون على إشراكهم فيقال لهم أين آلهتكم هل ينفعونكم بنصرتهم لكم أو هل ينفعون أنفسهم بانتصارهم لأنهم وآلهتهم وقود النار(2/570)
فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ (94)
فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ (94)
{فكبكبوا} انكسوا وطرح بعضهم بعض {فِيهَا} في الجحيم {هُمْ} أي الآلهة {والغاوون} وعبدتهم الذين برزت لهم والكبكبة تكرير الكب جعل التكرير في اللفظ دليلاً على التكرير في المعنى كأنه إذا ألقي في جهنم ينكب مرة إثر مرة حتى يستقر في قعرها نعوذ بالله منها(2/570)
وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ (95)
وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ (95)
{وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ} شياطينه أو متبعوه من عصاة الإنس والجن(2/570)
قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ (96)
قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ (96)
{قَالُواْ وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ} يجوز أن ينطق الله الأصنام حتى يصح(2/570)
التقاول والتخاصم ويجوز أن يجري ذلك بين العصاة والشياطين(2/571)
تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (97)
تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (97)
{تالله إِن كُنَّا لَفِى ضلال مُّبِينٍ}(2/571)
إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (98)
إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (98)
{إِذْ نُسَوّيكُمْ} نعدلكم أيها الأصنام {بِرَبّ العالمين} في العبادة(2/571)
وَمَا أَضَلَّنَا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ (99)
وَمَا أَضَلَّنَا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ (99)
{وَمَا أَضَلَّنَا إِلاَّ المجرمون} أي رؤساؤهم الذين أضلوهم أو إبليس وجنوده ومن سن الشرك(2/571)
فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ (100)
فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ (100)
{فَمَا لَنَا مِن شافعين} كما للمؤمنين من الأنبياء والأولياء والملائكة(2/571)
وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ (101)
وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ (101)
{وَلاَ صَدِيقٍ حَمِيمٍ} كما نرى لهم أصدقاء إذ لا يتصادق في الآخرة إلا المؤمنون وأما أهل النار فبينهم التعادي الأخلاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إلا المتقين أو فما لنا من شافعين
الشعراء (111 - 102)
ولا صديق حميم من الذين كنا نعدهم شفعاء وأصدقاء لأنهم كانوا يعتقدون في أصنامهم أنهم شفعاؤهم عند الله وكان لهم الأصدقاء من شياطين الإنس والحميم من الاحتمام وهو الاهتمام الذي يهمه ما يهمك أو من الحامّة بمعنى الخاصة وهو الصديق الخاص وجمع الشافع ووحد الصديق لكثرة الشفعاء في العادة وأما الصديق وهو الصادق في ودادك الذي يهمه ما أهمك فقليل وسئل حكيم عن الصديق فقال اسم لا معنى له وجاز أن يراد بالصديق الجمع(2/571)
فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (102)
فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (102)
{فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً} رجعة إلى الدنيا {فَنَكُونَ مِنَ المؤمنين} وجواب لو محذوف وهو لفعلنا كيت وكيت أو لو في مثل هذا بمعنى التمني كأنه قيل فليت لنا كرة لما بين معنى لو وليت من التلاقى(2/571)
إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (103)
إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (103)
{إِنَّ فِى ذَلِكَ} فيما ذكر من الأنباء {لآيَةً} أي لعبرة لمن اعتبر {وَمَا كَانَ أكثرهم مؤمنين} فيقال فريقاً منهم آمنوا(2/571)
وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (104)
وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (104)
{وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ العزيز} المنتقم ممن كذب إبراهيم بنار الجحيم(2/571)
{الرحيم} المسلم كل ذي قلب سليم إلى جنة النعيم(2/572)
كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ (105)
كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ (105)
{كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ المرسلين} القوم يذكر ويؤنث قيل ولد نوح في زمن آدم عليه السلام ونظير قوله المرسلين والمراد نوح عليه السلام قولك فلان يركب الدواب ويلبس البرود وماله إلا دابة أو برد أو كانوا ينكرون بعث الرسل أصلاً فلذا جمع أو لأن من كذب واحداً منهم فقد كذب الكل لأن كل رسول يدعو الناس إلى الإيمان بجميع الرسل وكذا جميع ما في هذه السورة(2/572)
إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلَا تَتَّقُونَ (106)
إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلَا تَتَّقُونَ (106)
{إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ} نسباً لا ديناً {نُوحٌ أَلاَ تَتَّقُونَ} خالق الأنام فتتركوا عبادة الأصنام(2/572)
إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (107)
إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (107)
{إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ} كان مشهوراً بالأمانة فيهم كمحمد عليه الصلاة والسلام فى قريش(2/572)
فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (108)
فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (108)
{فاتقوا الله وَأَطِيعُونِ} فيما آمركم به وأدعوكم إليه من الحق(2/572)
وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (109)
وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (109)
{وما أسألكم عَلَيْهِ} على هذا الأمر {مِنْ أَجْرٍ} جزاء {إن أجري} بالفتح مدني وشامي وأبو عمرو وحفص {إِلاَّ على رَبّ العالمين} فلذلك أريده(2/572)
فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (110)
فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (110)
{فاتقوا الله وَأَطِيعُونِ} كرره ليقرره في نفوسهم مع تعليق كل واحد منهما بعلة فعلة الأول كونه أمينا فبما بينهم وعلة الثاني حسم طمعه منهم كأنه قال إذا عرفتم رسالتي وأمانتي فاتقوا الله ثم إذا عرفتم احترازي من الأجر فاتقوا الله(2/572)
قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ (111)
قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ (111)
{قالوا أنؤمن لك واتبعك} الواو للحال وقد مضمرة بعدها دليله قراءة يعقوب وأتباعك جمع تابع كشاهد وأشهاد أو تبع كبطل وأبطال {الأرذلون} السفلة والرذلة الخسة والدناءة وإنما استرذلوهم(2/572)
لا تضاع نسبهم وقلة نصيبهم من الدنيا وقيل كانوا من أهل الصناعات الدنيئة والصناعة لا تزري بالديانة فالغنى غنى الدين والنسب نسب التقوى ولا يجوز
الشعراء (127 - 112)
أن يسمى المؤمن رذلاً وإن كان أفقر الناس وأوضعهم نسباً وما زالت أتباع الأنبياء كذلك(2/573)
قَالَ وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (112)
قَالَ وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (112)
{قال وما علمي} وأي شيء وأعلم {بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} من الصناعات إنما أطلب منهم الايمان وقيل إنهم طعنوا مع استرذالهم في إيمانهم وقالوا إن الذين آمنوا بك ليس في قلوبهم ما يظهرونه فقال ما علي إلا اعتبار الظواهر دون التفتيش عن السرائر(2/573)
إِنْ حِسَابُهُمْ إِلَّا عَلَى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ (113)
إِنْ حِسَابُهُمْ إِلَّا عَلَى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ (113)
{إِنْ حِسَابُهُمْ إِلاَّ على رَبّى لَوْ تَشْعُرُونَ} أن الله يحاسبهم على ما في قلوبهم(2/573)
وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الْمُؤْمِنِينَ (114)
وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الْمُؤْمِنِينَ (114)
{وَمَا أَنَاْ بِطَارِدِ المؤمنين} أي ليس من شأني أن أتبع شهواتكم بطرد المؤمنين طمعاً في إيمانكم(2/573)
إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ (115)
إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ (115)
{إِنْ أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ مُّبِينٌ} ما علي إلا أن أنذركم إنذاراً بيناً بالبرهان الصحيح الذي يتميز به الحق من الباطل ثم أنتم أعلم بشأنكم(2/573)
قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ (116)
قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ (116)
{قَالُواْ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ يا نُوحُ} عما تقول {لَتَكُونَنَّ مِنَ المرجومين} من المقتولين بالحجارة(2/573)
قَالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ (117)
قَالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ (117)
{قَالَ رَبّ إِنَّ قَوْمِى كَذَّبُونِ} ليس هذا إخباراً بالتكذيب لعلمه أن عالم الغيب والشهادة أعلم ولكنه أراد أنهم كذبوني في وحيك ورسالتك(2/573)
فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحًا وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (118)
فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحًا وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (118)
{فافتح بيني وبينهم فتحا} أي فاحكم بيني وبينهم حكما والفتاحة الحكوم والفتاح الحاكم لأنه يفتح المستغلق كما سمي فيصلاً لأنه يفصل بين الخصومات {وَنَجّنِى وَمَن مَّعِى} معي حفص {مِنَ المؤمنين} من عذاب عملهم(2/573)
فَأَنْجَيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (119)
فَأَنْجَيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (119)
{فأنجيناه وَمَن مَّعَهُ فِى الفلك} الفلك السفينة وجمعه فلك فالواحد بوزن قفل والجمع بوزن أسد {المشحون} المملوء ومنه شحنة البلد أي الذي يملؤه كفاية(2/574)
ثُمَّ أَغْرَقْنَا بَعْدُ الْبَاقِينَ (120)
ثُمَّ أَغْرَقْنَا بَعْدُ الْبَاقِينَ (120)
{ثُمَّ أَغْرَقْنَا بَعْدُ} أي بعد إنجاء نوح ومن آمن {الباقين} من قومه(2/574)
إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (121)
إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (121)
{إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين}(2/574)
وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (122)
وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (122)
{وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ العزيز} المنتقم بإهانة من جحد وأصر {الرحيم} المنعم بإعانة من وحد واقر(2/574)
كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ (123)
كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ (123)
{كَذَّبَتْ عَادٌ المرسلين} هي قبيلة وفي الأصل اسم رجل هو ابوالقبيلة(2/574)
إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلَا تَتَّقُونَ (124)
إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلَا تَتَّقُونَ (124)
{إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلاَ تَتَّقُونَ}(2/574)
إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (125)
إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (125)
{إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ}(2/574)
فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (126)
فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (126)
{فاتقوا الله} في تكذيب الرسول الأمين {وَأَطِيعُونِ}(2/574)
وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (127)
وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (127)
{وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين}(2/574)
أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ (128)
أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ (128)
{أتبنون بكل ريع}
مكان مرتفع {آية} برج حمام أو بناء يكون لارتفاعه كالعلامة يسخرون بمن مر بهم {تَعْبَثُونَ} تلعبون(2/574)
وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ (129)
وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ (129)
{وتتخذون مصانع} مآخذ الماء أو قصور مشيدة أو حصوناً {لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ} ترجون الخلود فى الدنيا(2/574)
وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ (130)
وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ (130)
{وإذا بطشتم} أخذتم أخذ العقوبة {بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ} قتلاً بالسيف وضرباً بالسوط والجبار الذي يقتل ويضرب على الغضب(2/574)
فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (131)
فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (131)
{فاتقوا الله} في البطش {وَأَطِيعُونِ} فيما أدعوكم إليه(2/574)
وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ (132)
وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ (132)
{واتقوا الذى أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ} من النعم ثم عددها عليهم فقال(2/574)
أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ (133)
أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ (133)
{أمدكم بأنعام وبنين} قرن البنين الأنعام لأنهم يعينونهم على حفظها والقيام عليها(2/575)
وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (134)
وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (134)
{وجنات وعيون}(2/575)
إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (135)
إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (135)
{إِنّى أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} إن عصيتمونى(2/575)
قَالُوا سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْوَاعِظِينَ (136)
قَالُوا سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْوَاعِظِينَ (136)
{قَالُواْ سَوَآءٌ عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ من الواعظين} أى لا يقبل كلامك ودعوتك وعظت أم سكت ولم يقل أم لم تعظ لرءوس الآى(2/575)
إِنْ هَذَا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ (137)
إِنْ هَذَا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ (137)
{إِنْ هذا إِلاَّ خُلُقُ الأولين} ما هذا الذى نحن عليه من الحياة والموت واتخاذا لا بتناء إلا عادة الأولين أو ما نحن عليه دين الأولين إلا خلق الأولين مكي وبصري ويزيد وعلى أى ما جئت به اختلاف الأولين وكذب المتنبئين قبلك كقولهم أساطير الأولين أو خلقنا كخلق الأولين نموت ونحيا كما حيوا(2/575)
وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (138)
وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (138)
{وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ} في الدنيا ولا بعث ولا حساب(2/575)
فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (139)
فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (139)
{فَكَذَّبُوهُ} أي هوداً {فأهلكناهم} بريح صرصر عاتية {إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين}(2/575)
وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (140)
وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (140)
{وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ العزيز الرحيم}(2/575)
كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ (141)
كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ (141)
{كَذَّبَتْ ثَمُودُ المرسلين}(2/575)
إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ أَلَا تَتَّقُونَ (142)
إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ أَلَا تَتَّقُونَ (142)
{إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صالح أَلا تَتَّقُونَ}(2/575)
إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (143)
إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (143)
{إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ}(2/575)
فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (144)
فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (144)
{فاتقوا الله وأطيعون}(2/575)
وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (145)
وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (145)
{وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين}(2/575)
أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَا آمِنِينَ (146)
أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَا آمِنِينَ (146)
{أَتُتْرَكُونَ} إنكار لأن يتركوا خالدين في نعيمهم لا يزالون عنه {في ما ها هنا} فى الذى استقر
الشعراء (157 - 147)
فى هذا المكان من النعيم {آمنين} من العذاب والزوال والموت ثم فسره بقوله(2/575)
فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (147)
فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (147)
{فِى جنات وَعُيُونٍ} وهذا أيضاً إجمال ثم تفصيل(2/576)
وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ (148)
وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ (148)
{وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ} وعطف نخل على جنات مع أن الجنة تتناول النخل أول شيء تفضيلاً للنخل على سائر الشجر {طَلْعِهَا} هو ما يخرج من النخل كنصل السيف {هَضِيمٌ} لين خضيج كأنه قال ونخل قد أرطب ثمره(2/576)
وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ (149)
وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ (149)
{وَتَنْحِتُونَ} تنقبون {مِنَ الجبال بُيُوتاً فارهين} شامي وكوفي حاذقين حال وغيرهم فرهين أشرين والفراهة الكيس والنشاط(2/576)
فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (150)
فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (150)
{فاتقوا الله وَأَطِيعُونِ}(2/576)
وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ (151)
وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ (151)
{وَلاَ تُطِيعُواْ أَمْرَ المسرفين} الكافرين أو التسعة الذين عقروا الناقة جعل الأمر مطاعاً على المجاز الحكمي والمراد الامر وهو كل جملة أخرجت الحكم المفاد بها عن موضوعه في العقل لضرب من التأول كقولهم أنبت الربيع البقل(2/576)
الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ (152)
الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ (152)
{الذين يُفْسِدُونَ فِى الأرض} بالظلم والكفر {وَلاَ يُصْلِحُونَ} بالإيمان والعدل والمعنى أن فسادهم مصمت ليس معه شيء من الصلاح كما تكون حال بعض المفسدين مخلوطة ببعض الصلاح(2/576)
قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ (153)
قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ (153)
{قَالُواْ إِنَّمَا أَنتَ مِنَ المسحرين} المسحر الذي سحر كثيراً حتى غلب على عقله وقيل هو من السحر الرئة وأنه بشر(2/576)
مَا أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا فَأْتِ بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (154)
مَا أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا فَأْتِ بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (154)
{ما أنت إلا بشر مثلنا فأت بآية إِن كُنتَ مِنَ الصادقين} في دعوى الرسالة(2/576)
قَالَ هَذِهِ نَاقَةٌ لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (155)
قَالَ هَذِهِ نَاقَةٌ لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (155)
{قَالَ هذه نَاقَةٌ لَّهَا شِرْبٌ} نصيب من الماء فلا تزاحموها فيه {وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ} لا تزاحمكم هي فيه روي أنهم قالوا نريد ناقة عشراء تخرج(2/576)
من هذه الصخرة فتلد سقباً فجعل صالح يتفكر فقال له جبريل صل ركعتين واسأل ربك الناقة ففعل فخرجت الناقة ونتجت سقباً مثلها في العظم وصدرها ستون ذراعاً وإذا كان يوم شربها شربت ماءهم كله وإذا كان يوم شربهم لا تشرب فيه الماء وهذا دليل على جواز المهايأة لأن قوله لها شرب ولكم شرب يوم معلوم من المهايأة(2/577)
وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ (156)
وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ (156)
{وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوء} بضرب أو عقر أو غير ذلك {فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ} عظم اليوم لحلول العذاب فيه ووصف اليوم به أبلغ من وصف العذاب لأن الوقت إذا عظم بسببه كان موقعه من العظم أشد(2/577)
فَعَقَرُوهَا فَأَصْبَحُوا نَادِمِينَ (157)
فَعَقَرُوهَا فَأَصْبَحُوا نَادِمِينَ (157)
{فَعَقَرُوهَا} عقرها قدار ولكنهم راضون به فأضيف إليهم روي أن عاقرها قال لا أعقرها حتى ترضوا أجمعين فكانوا يدخلون على المرأة في خدرها فيقولون أترضين فتقول نعم وكذلك صبيانهم {فَأَصْبَحُواْ نادمين} على عقرها خوفاً من نزول العذاب بهم لاندم توبة أو ندموا حين لا ينفع الندم وذلك
الشعراء (171 - 158)
عند معاينة العذاب أو على ترك الولد(2/577)
فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (158)
فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (158)
{فَأَخَذَهُمُ العذاب} المقدم ذكره {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُّؤْمِنِينَ}(2/577)
وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (159)
وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (159)
{وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ العزيز الرحيم}(2/577)
كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ (160)
كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ (160)
{كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ المرسلين}(2/577)
إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلَا تَتَّقُونَ (161)
إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلَا تَتَّقُونَ (161)
{إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلا تَتَّقُونَ}(2/577)
إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (162)
إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (162)
{إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ}(2/577)
فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (163)
فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (163)
{فاتقوا الله وأطيعون}(2/577)
وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (164)
وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (164)
{وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين}(2/577)
أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ (165)
أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ (165)
{أَتَأْتُونَ الذكران مِنَ العالمين} أراد بالعالمين الناس(2/577)
أتطئون الذكور من الناس مع كثرة الإناث أو أتطئون أنتم من بين عداكم من العالمين الذكر ان أي أنتم مختصون بهذه الفاحشة والعالمين على هذا كل ما ينكح من الحيوان(2/578)
وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ (166)
وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ (166)
{وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مّنْ أزواجكم} من تبيين لما خلق أو تبعيض والمراد بما خلق العضو المباح منهن وكانوا يفعلون مثل ذلك بنسائهم وفيه دليل على تحريم أدبار الزوجات والمملوكات ومن أجازه فقد أخطأ خطأ عظيماً {بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ} العادي المتعدي في ظلمه المتجاوز فيه الحد أي بل أنتم قوم أحق بأن توصوا بالعدوان حيث ارتكبتم مثل هذه العظيمة(2/578)
قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ (167)
قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ (167)
{قالوا لئن لم تنته يا لوط} عن إنكارك علينا وتقبيح أمرنا {لَتَكُونَنَّ مِنَ المخرجين} من جملة من أخرجناه من بين أظهرنا وطردناه من بلدنا ولعلهم كانوا يخرجون من أخرجوه على أسوأ حال(2/578)
قَالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقَالِينَ (168)
قَالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقَالِينَ (168)
{قَالَ إِنّى لِعَمَلِكُمْ مّنَ القالين} هو أبلغ من أن يقول قال فقولك فلان من العلماء أبلغ من قولك فلان عالم لأنك تشهد بأنه مساهم لهم في العلم والقلى البغض يقلي الفؤاد والكبد وفيه دليل على عظم المعصية لأن قلاه من حيث الدين(2/578)
رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ (169)
رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ (169)
{رَبّ نَّجِنِى وَأَهْلِى مِمَّا يَعْمَلُونَ} من عقوبة عملهم(2/578)
فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ (170)
فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ (170)
{فنجيناه وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ} يعني بناته ومن آمن معه(2/578)
إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ (171)
إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ (171)
{إِلاَّ عَجُوزاً} هي امرأة لوط وكانت راضية بذلك والرضى بالمعصية في حكم العاصي واستثناء الكافرة من الأهل وهم مؤمنون للاشتراك فى هذا الاثم وإن لم تشاركهم في الإيمان {فِى الغابرين} صفة لها أى في الباقين في العذاب فلم تنج منه والغابر في اللغة الباقي كأنه قيل(2/578)
إلا عجوزا غابرة أى مقدارا غبورها إذ الغبور لم يكن
الشعراء (184 - 172)
صفتها وقت تنجيهم(2/579)
ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ (172)
ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ (172)
{ثُمَّ دَمَّرْنَا الآخرين} والمراد بتدميرهم الائتفاك بهم(2/579)
وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ (173)
وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ (173)
{وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَّطَرًا} عن قتادة أمطر الله على شذاذ القوم حجارة من السماء فأهلكهم الله وقيل لم يرض بالائتفاك حتى أتبعه مطراً من حجارة {فَسَاء} فاعله {مَطَرُ المنذرين} والمخصوص بالذم وهو مطرهم محذوف ولم يرد بالمنذرين قوماً بأعيانهم بل المراد جنس الكافرين(2/579)
إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (174)
إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (174)
{إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين}(2/579)
وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (175)
وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (175)
{وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ العزيز الرحيم}(2/579)
كَذَّبَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ (176)
كَذَّبَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ (176)
{كذب أصحاب الأيكة} بالهمزة والجر هي غيضة تنبت ناعم الشجر عن الخليل ليكة حجازي وشامي وكذا في ص علم لبلد قيل أصحاب الأيكة هم أهل مدين التجئوا إلى غيضة إذ ألح عليهم الوهج والأصح أنها غيرهم نزلوا غيضة بعينها بالبادية وأكثر شجرهم المقل بدليل أنه لم يقل هنا أخوهم شعيب لأنه لم يكن من نسبهم بل ك كان من نسب أهل مدين فغي الحديث أن شعيباً أخا مدين أرسل إليهم وإلى أصحاب الأيكة {المرسلين}(2/579)
إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلَا تَتَّقُونَ (177)
إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلَا تَتَّقُونَ (177)
{إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلاَ تَتَّقُونَ}(2/579)
إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (178)
إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (178)
{إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ}(2/579)
فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (179)
فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (179)
{فاتقوا الله وأطيعون}(2/579)
وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (180)
وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (180)
{وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين}(2/579)
أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ (181)
أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ (181)
{أَوْفُواْ الكيل} أتموه {وَلاَ تَكُونُواْ مِنَ المخسرين} ولا تنقصوا الناس حقوقهم فالكيل وافٍ وهو مأمور به وطفيف وهو منهي عنه وزائد وهو مسكوت عنه فتركه دليل على أنه ان فعل فقد أحسن وإن لم يفعل فلا شيء عليه(2/579)
وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ (182)
وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ (182)
{وَزِنُواْ بالقسطاس المستقيم} وبكسر القاف كوفي غير أبي بكر وهو الميزان أو القبان فإن كان من القسط وهو العدل وجعلت العين مكررة فوزنه فعلاس وإلا فهو رباعي(2/580)
وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (183)
وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (183)
{وَلاَ تَبْخَسُواْ الناس} يقال بخسته حقه إذا نقصته إياه {أشياءهم} دراهمهم ودنانيرهم بقطع أطرافها {وَلاَ تَعْثَوْاْ فِى الأرض مُفْسِدِينَ} ولا تبالغوا فيهم في الإفساد نحو قطع الطريق والغارة وإهلاك الزروع وكانوا يفعلون ذلك فنهوا عنه يقال عنا فى الارض إذا أفسد وعن في الأرض لغة في عثا(2/580)
وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ (184)
وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ (184)
{واتقوا الذى خَلَقَكُمْ والجبلة} الجبلة عطف على كم أى اتقوا الذى
الشعراء (195 - 185)
خلقكم وخلق الجبلة {الأولين} الماضين(2/580)
قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ (185)
قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ (185)
{قَالُواْ إِنَّمَا أَنتَ مِنَ المسحرين}(2/580)
وَمَا أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ (186)
وَمَا أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ (186)
{وَمَا أَنتَ إِلاَّ بَشَرٌ مّثْلُنَا} إدخال الواو هنا ليفيد معنيين كلاهما مناف للرسالة عندهم التسحير والبشرية وتركها في قصة ثمود ليفيد معنى واحداً وهو كونه مسحراً ثم قرر بكونه بشراً مثلهم {وَإِن نَّظُنُّكَ لَمِنَ الكاذبين} إن مخففة من الثقيلة واللام دخلت الفرق بينهما وبين النافية وإنما تفرقنا على فعل الظن وثاني مفعوليه لأن أصلهما أن يتفرقا على المبتدأ والخبر كقولك إن زيد المنطلق فلما كان بابا كان وظننت من جنس باب المبتدأ والخبر فعل ذلك فى البابين فقيل ان فإن زيد لمنطلقا وان ظننته لمنطلقنا(2/580)
فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (187)
فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (187)
{فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفاً} كِسُفا حفص وهما جمعا كسفة وهي(2/580)
القطعة وكسفه قطعه {مّنَ السماء} أي السحاب أو الظلة {إِن كُنتَ مِنَ الصادقين} أي إن كنت صادقاً أنك نبي فادع الله أن يسقط علينا كسفاً من السماء أي قطعاً من السماء عقوبة(2/581)
قَالَ رَبِّي أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ (188)
قَالَ رَبِّي أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ (188)
{قال ربي} بفتح الياء حجازى وأبو عمروا وبسكونها غيرهم {أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ} أي إن الله أعلم بأعمالكم وبما تستحقون عليها من العذاب فإن أراد أن يعاقبكم بإسقاط كسف من السماء فعل وإن أراد عقاباً آخر فإليه الحكم والمشيئة(2/581)
فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (189)
فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (189)
{فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظلة} هي سحابة أظلتهم بعد ما حبست عنهم الريح وعذبوا بالحر سبعة أيام فاجتمعوا تحتها مستجيرين بها مما نالهم من الحر فأمطرت عليهم ناراً فاحترقوا {إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ}(2/581)
إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (190)
إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (190)
{إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين}(2/581)
وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (191)
وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (191)
{وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ العزيز الرحيم} وقد كرر في هذه السورة في أول كل قصة وآخرها ما كرر تقرير المعانيها في الصدور ليكون أبلغ في الوعظ والزجر ولأن كل قصة منها كتنزيل برأسه وفيها من الاعتبار مثل ما في غيرها فكانت جديرة بأن تفتتح بما افتتحت به صاحبتها وأن تحتم بما اختتمت به(2/581)
وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192)
وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192)
{وَإِنَّهُ} أي القرآن {لَتَنزِيلُ رَبّ العالمين} منزل منه(2/581)
نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193)
نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193)
{نَزَلَ بِهِ} مخفف والفاعل {الروح الأمين} أي جبريل لأنه أمين على الوحي الذي فيه الحياة حجازي وأبو عمرو وزيد وحفص وغيرهم بالتشديد ونصب الروح والفاعل هو الله تعالى أي جعل الله الروح نازلاً به والباء على القراءتين للتعدية(2/581)
عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (194)
عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (194)
{على قَلْبِكَ} أي حفظك وفهمك إياه وأثبته فى قلبك إثبات مالا ينسى كقوله سنقرئك فلا تنسى {لتكون من المنذرين}(2/582)
بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (195)
بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (195)
{بلسان عربي} بلغة
الشعراء (199 - 195)
قريش وجرهم {مبين} فصيح ومصحح عما صفحته العامة والباء إما أن يتعلق بالمنذرين أي لتكون من الذين أنذروا بهذا اللسان وهم هود وصالح وشعيب وإسماعيل عليهم السلام أو بنزل أي نزله بلسان عربي لتنذر به لأنه لو نزله بلسان أعجمي لتجافوا عنه أصلاً ولقالوا ما نصنع بما لا نفهمه فيتعذر الإنذار به وفي هذا الوجه أن تنزيله بالعربية التي هي لسانك ولسان قومك تنزيل له على قلبك لأنك تفهمه وتفهّمه قومك ولو كان أعجمياً لكان نازلاً على سمعك دون لبك لأنك تسمع أجراس حروف لا تفهم معانيها ولا تعيها وقد يكون الرجل عارفاً بعدة لغات فإذا كلم بلغته التي نشأ عليها لم يكن قلبه ناظراً إلا إلى معاني الكلام وإن كلم بغيرها كان نظره أولاً في ألفاظها ثم في معانيها وإن كان ماهرا بمعرفتها فهذا تقريرا أنه نزل على قلبه لنزوله بلسان عربي مبين(2/582)
وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ (196)
وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ (196)
{وَإِنَّهُ} وإن القرآن {لَفِى زُبُرِ الأولين} يعني ذكره مثبت في سائر الكتب السماوية وقيل إن معانيه فيها دليل أالقرآن قرآن إذا ترجم بغير العربية فيكون دليلاً على جواز قراءة القرآن بالفارسية في الصلاة(2/582)
أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ (197)
أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ (197)
{أو لم يكن لهم آيةٌ} شامي جعلت آية اسم كان وخبره {أَن يَعْلَمَهُ} أي القرآن لوجود ذكره في التوراة وقيل في تكن ضمير القصة وآية خبر مقدم والمبتدأ أن يعلمه والجملة خبر كان وقيل كان تامة والفاعل آية(2/582)
وأن يعلمه هو الاسم وتقديره أو لم يكن لهم علم علماه بنى إسرائيل آية {علماء بني إسرائيل} كعبد الله بن سلام وغيره قال الله تعالى وإذا يتلى عليهم قالوا آمنا بِهِ إِنَّهُ الحق مِن رَّبّنَا إنَّا كُنَّا من قبله مسلمين وخط فى المصحف علمؤا بواو قبل الألف(2/583)
وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ (198)
وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ (198)
{وَلَوْ نزلناه على بَعْضِ الأعجمين} جمع أعجم وهو الذي لا يفصح وكذلك الأعجمي إلا أن فيه لزيادة ياء النسبة زيادة تأكيد ولما كان من يتكلم بلسان غير لسانهم لا يفقهون كلامه قالوا له أعجم وأعجمي شبهوه بمن لا يفصح ولا يبين والعجمي الذي من جنس العجم أفصح أو لم يفصح وقرأ الحسن الأعجمين وقيل الأعجمين تخفيف الأعجميين كما قالوا الأشعرون أي الأشعريون بحذف ياء النسبة ولولا هذا التقدير لم يجوز أن يجمع جمع السلامة لأن مؤنثه عجماء(2/583)
فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ مَا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ (199)
فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ مَا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ (199)
{فَقَرَأَهُ عَلَيْهِم مَّا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ} والمعنى أنا أنزلناه القرآن على رجل عربي مبين ففهموه وعرفوا فصاحته وأنه معجزوا انضم إلى ذلك اتفاق علماء أهل الكتعاب قبله على أن البشارة بإنزاله وصفته في كتبهم وقد تضمنت معانيه وقصصه وصح بذلك أنها من عند الله وليست بأساطير كما زعموا فلم يؤمنوا به وسموه شعراً تارة وسحراً أخرى وقالوا هذا من افتراء محمد عليه الصلاة السلام ولو نزلناه على بعض الأعاجم الذي لا يحسن العربية فضلاً أن يقدر على نظم مثله فقرأ عليهم هكذا معجزاً لكفروا به كما كفروا ولتحملوا لجحودهم عذرا وسموه سحراً ثم قال(2/583)
كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ (200)
كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ (200)
{كذلك سلكناه}
أي أدخلنا التكذيب أو الكفر وهو مدلول قوله ما كانوا به مؤمنين {فِى قُلُوبِ المجرمين} الكافرين الذين علمنا منهم اختيار الكفر والإصرار عليه يعني مثل هذا السلك سلكناه في قلوبهم(2/583)
وقررناه فيها فكيفما فعل بهم وعلى أي وجه دبر أمرهم فلا سبيل إلى أن يتغيروا عما هم عليه من الكفر به والتكذيب له كما قال وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كتابا فِى قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الذين كَفَرُواْ إِنْ هذا إِلاَّ سِحْرٌ مبين وهو حجتنا على المغتزلة في خلق أفعال العباد خيرها وشرها وموقع قوله(2/584)
لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (201)
لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (201)
{لاَ يُؤْمِنُونَ بِهِ} بالقرآن من قوله سلكناه في قلوب المجرمين موقع الموضح والملخص لأنه مسوق لثبات كونه مكذباً مجحوداً في قلوبهم فاتبع ما يقرر هذا المعنى من أنهم لا يزالون على التكذيب به وجحوده حتى يعاينوا الوعيد ويجوز أن يكون حالاً أي سلكناه فيها غير مؤمن به {حتى يَرَوُاْ العذاب الأليم} المراد معاينة العذاب عند الموت ويكون ذلك إيمان يأس فلا ينفعهم(2/584)
فَيَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (202)
فَيَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (202)
{فَيَأْتِيَهُم بَغْتَةً} فجأة {وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ} بإتيانه(2/584)
فَيَقُولُوا هَلْ نَحْنُ مُنْظَرُونَ (203)
فَيَقُولُوا هَلْ نَحْنُ مُنْظَرُونَ (203)
{فَيَقُولُواْ} وفيأتيهم معطوفان على يروا {هَلْ نَحْنُ مُنظَرُونَ} يسألون النظرة والإمهال طرفة عين فلا يجابون إليها(2/584)
أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ (204)
أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ (204)
{أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ} توبيخ لهم وإنكار عليهم قولهم فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مّنَ السماء أَوِ ائتنا بعذاب أليم ونحو ذلك(2/584)
أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ (205)
أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ (205)
{أَفَرَأَيْتَ إِن متعناهم سِنِينَ} قيل هي سنو مدة الدنيا(2/584)
ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ (206)
ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ (206)
{ثم جاءهم ما كَانُواْ يُوعَدُونَ} من العذاب(2/584)
مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ (207)
مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ (207)
{مَا أغنى عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يُمَتَّعُونَ} به في تلك السنين والمعنى أن استعجالهم بالعذاب إنما كان لاعتقادهم أنه غير كائن ولا لاحق بهم وأنهم ممتعون بأعمار طوال في سلامة وأمن فقال الله تعالى أفبعذابنا يستعجلون أشراً وبطراً واستهزاء واتكالاً على الأمل الطويل ثم قال هب أن الأمر كما(2/584)
يعتقدون من تمتيعهم وتعميرهم فإذا لحقهم الوعيد بعد ذلك ما ينفعهم حينئذ ما مضى من طول أعمارهم وطيب معايشهم وعن ميمون بن مهران أنه لقي الحسن في الطواف وكان يتمنى لقاءه فقال عظني فلم يزده على تلاوة هذه الآية فقال ميمون قد وعظت فأبلغت وعن عمر بن عبد العزيز إنه كان يقرؤها عند جلوسه للحكم(2/585)
وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا لَهَا مُنْذِرُونَ (208)
وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا لَهَا مُنْذِرُونَ (208)
{وَمَا أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلاَّ لَهَا مُنذِرُونَ} رسل ينذرونهم ولم تدخل الواو على الجملة بعد إلا كما في وَمَآ أَهْلَكْنَا مِن قرية إلا ولها كتاب معلوم لأن الأصل عدم الواو إذ الجملة صفة لقرية وإذا زيدت فلتأكيد وصل الصفة
الشعراء (218 - 209)
بالموصوف(2/585)
ذِكْرَى وَمَا كُنَّا ظَالِمِينَ (209)
ذِكْرَى وَمَا كُنَّا ظَالِمِينَ (209)
{ذِكْرِى} منصوبة بمعنى تذكرة لأن أنذر وأذكر متقاربان فكأنه قيل مذكرون تذكرة أو حال من الضمير فى منذرون أي ينذرونهم ذوي تذكرة أو مفعول له أي ينذرون لأجل التذكرة والموعظة أو المرفوعة على أنها خبر مبتدأ محذوف بمعنى هذه ذكرى والجملة اعتراضية أو صفة بمعنى منذرون ذوو ذكرى أو تكون ذكرى متعلقة بأهلكنا مفعولاً له والمعنى وما أهلكنا من أهل قرية ظالمين إلا بعد ما ألزمناهم الحجة بإرسال المنذرين إليهم ليكون إهلاكهم تذكرة وعبرة لغيرهم فلا يعصوا مثل عصيانهم {وَمَا كُنَّا ظالمين} فنهلك قوماً غير ظالمين(2/585)
وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ (210)
وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ (210)
ولما قال المشركون إن الشياطين تلقى القرآن على محمد أنزل {وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ} أي القرآن {الشياطين}(2/585)
وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ (211)
وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ (211)
{وَمَا يَنبَغِى لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ} وما يتسهل لهم ولا يقدرون عليه(2/585)
إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ (212)
إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ (212)
{إِنَّهُمْ عَنِ السمع لَمَعْزُولُونَ} لممنوعون بالشهب(2/585)
فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ (213)
فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ (213)
{فَلاَ تدع مع الله إلها آخر فَتَكُونَ مِنَ المعذبين} مورد النهي لغيره على التعريض والتحريك له على زيادة الاخلاص(2/586)
وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (214)
وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (214)
{وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الاقربين} خصهم لنفي التهمة إذ الإنسان يساهل قرابته أو ليعلموا أنه لا يغني عنهم من الله شيئاً وأن النجاة في اتباعه دون قربة ولما نزلت صعد الصفا ونادى فالاقرب فالقرب وقال يا بني عبد المطلب يا بني هاشم يا بني عبد مناف يا عباس عم النبي يا صفية عمة رسول الله إني لا أملك لكم من الله شيئاً(2/586)
وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (215)
وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (215)
{واخفض جَنَاحَكَ} وألن جانبك وتواضع وأصله أن الطائر إذا أراد أن ينحط للوقوع كسر جناحه وخفضه وإذا أراد أن ينهض للطيران رفع جناحه فجعل خفض جناحه عند الانحطاط مثلاً في التواضع ولين الجانب {لِمَنِ اتبعك مِنَ المؤمنين} من عشيرتك وغيرهم(2/586)
فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (216)
فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (216)
{فإن عصوك} يعني أنذر قومك فإن اتبعوك وأطاعوك فاخفض جناحك لهم وإن عصوك ولم يتبعوك فتبرأ منهم ومن أعمالهم من الشرك بالله وغيره(2/586)
وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (217)
وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (217)
{وتوكل على العزيز الرحيم} على الذى يقهر أعداءك بعزته وينصرك عليهم برحمته يكفك شر من يعصيك منهم ومن غيرهم والتوكل تفويض الرجل أمره إلى من يملك أمره ويقدر على نفعه وضره وقالوا المتوكل من إذا دهمه أمر لم يحاول دفعه عن نفسه بما هو معصية لله وقال الجنيدر رضى الله عنه التوكل أن تقبل بالكلية على ربك وتعرض بالكلية عما دونه فإن حاجتك إليه في الدارين فتوكل مدني وشامي عطف على فقل أو فلا تدع(2/586)
الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ (218)
الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ (218)
{الذى يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ} متهجداً(2/587)
وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ (219)
وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ (219)
{وتقلبك} أى ويرى
الشعراء (224 - 219)
فقلبك {في الساجدين} فى المصلين أتبع كونه رحيماً على رسوله ما هو من أسباب الرحمة وهو ذكر ما كان يفعله في جوف الليل من قيامه للتهجد وتقلبه في تصفح أحوال المتهجدين من أصحابه ليطلع عليهم من حيث لا يشعرون وليعلم كيف يعبدون الله ويعملون لآخرتهم وقيل معناه يراك حين تقوم للصلاة بالناس جماعة وتقلبه في الساجدين تصرفه فيما بينهم بقيامه وركوعه وسجوده وقعوده إذا أمهم وعن مقاتل أنه سأل أبا حنيفة هل تجد الصلاة بالجماعة فى القرآن فقال لا يحضرنى فتلاله هذه الآية(2/587)
إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (220)
إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (220)
{إِنَّهُ هُوَ السميع} لما تقوله {العليم} بما تنويه وتعمله هوّن عليه معاناة مشاق العبادات حيث أخبر برؤيته له إذ لا مشقة على من يعلم أنه يعمل بمرأى مولاه وهو كقوله ... بعينى ما يتحمل المتحملون من أجلى ...
ونزل جواباً لقول المشركين إن الشياطين تلقى السمع على محمد صلى الله عليه وسلم(2/587)
هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ (221)
هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ (221)
{هَلْ أُنَبّئُكُمْ} أي هل أخبركم أيها المشركون على مَن تَنَزَّلُ الشياطين ثم نبأ فقال(2/587)
تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (222)
تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (222)
{تَنَزَّلُ على كُلّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ} مرتكب للآثام وهم الكهنة والمتنبئة كسطيح وطليحة ومسيلمة ومحمد صلى الله عليه وسلم يشتم الأفاكين ويذمهم فكيف تنزل الشياطين عليه(2/587)
يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ (223)
يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ (223)
{يُلْقُونَ السمع} هم الشياطين كانوا قبل أن يحجبوا بالرجم يستمعون إلى الملأ الأعلى فيحفظون بعض ما يتكلمون به مما اطلعوا عليه من الغيوب ثم يوحون به إلى أوليائهم ويلقون حال أي تنزل ملقين السمع أو صفة لكل أفاك لأنه في معنى الجمع فيكون في محل الجزاء(2/587)
أو استئناف فلا يكون له محل كأنه قيل لم تنزل على الااكين فقيل يفعلون كيت وكيت {وَأَكْثَرُهُمْ كاذبون} فيما يوحون به إليهم لأنهم يسمعونهم ما لم يسمعوا وقيل يلقون إلى أوليائهم السمع أي المسموع من الملائكة وقيل الأفاكون يلقون السمع إلى الشياطين ويتلقون وحيهم إليهم أو يلقون المسموع من الشياطين إلى الناس وأكثر الافاكين كاذبون يفترون على الشياطين ما لم يوحوا إليهم والأفاك الذي يكثر الإفك ولا يدل ذلك على أنهم لا ينطقون إلا بالإفك فأراد أن هؤلاء الأفاكين قل من يصدق منهم فيما يحكي عن الجني وأكثرهم مفتر عليه وعن الحسن وكلهم وإنما فرق بين وإنه لتنزيل رب العالمين وما تنزلت به الشياطين هل أنبئكم على من تنزل الشياطين وهن أخوات لأنه إذا فرق بينهن بآيات ليست منهن ثم رجع إليهن مرة بعد مرة دل ذلك على شدة العناية بهن كما إذا حدثت حديثاً وفي صدرك اهتمام بشيء فتعيد ذكره ولا تنفك عن الرجوع إليه ونزل فيمن كان يقول الشعر ويقول نحن نقول كما يقول محمد صلى الله عليه وسلم واتبعهم غواة من قومهم يستمعون أشعارهم(2/588)
وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ (224)
وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ (224)
{والشعراء} مبتدأ خبره {يَتَّبِعُهُمُ الغاوون} أي لا يتبعهم على باطلهم وكذبهم وتمزيق الأعراض والقدح في الانسان ومدح من لا يستحق المدح ولا يستحسن ذلك منهم إلا
الشعراء (227 - 225)
الغاوون أي السفهاء أو الراوون أو الشياطين أو المشركون قال الزجاج إذا مدح أو هجا شاعر بما لا يكون وأحب ذلك قوم وتابعوه فهم الغاوون يتبعهم نافع(2/588)
أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ (225)
أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ (225)
{أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِى كُلّ وَادٍ} من الكلام {يَهِيمُونَ} خبر أن أي في كل فن من الكذب يتحدثون أو في كل لغو وباطل يخوضون والهائم الذاهب على وجه لا مقصد له وهو تمثيل لذهابهم في كل شعب من القول واعتسافهم حتى يفضلوا أجبن الناس على عنترة وأبخلهم على حاتم عن الفرزدق أن سليمان بن عبد الملك سمع قوله ...(2/588)
فبتن بجانبيّ مصرعات ... وبت أفض أغلاق الختام ...
فقال وجب عليك الحد فقال قد درأ الله عني الحد بقوله(2/589)
وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ (226)
وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ (226)
{وأنهم يقولون ما لا يَفْعَلُونَ} حيث وصفهم بالكذب والخلف في الوعد ثم استثنى الشعراء المؤمنين الصالحين بقوله(2/589)
إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ (227)
إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ (227)
{إلا الذين آمنوا وَعَمِلُواْ الصالحات} كعبد الله بن رواحة وحسان بن ثابت وكعب بن زهير وكعب بن مالك رضي الله عنهم {وَذَكَرُواْ الله كَثِيراً} أي كان ذكر الله وتلاوة القرآن أغلب عليهم من الشعر وإذا قالوا شعراً قالوه في توحيد الله تعالى والثناء عليه والحكمة والموعظة والزهد والأدب ومدح رسول الله والصحابة وصلحاء الأمة ونحو ذلك مما ليس فيه ذنب وقال أبو يزيد الذكر الكثير ليس بالعدد والغفلة لكنه بالحضور {وانتصروا} وهجوا من بعد ما ظَلَمُواْ هجوا أي ردوا هجاء من هجا رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين وأحق الخلق بالهجاء من كذب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهجاه وعن كعب بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له اهجهم فوالذي نفسي بيده لهو أشد عليهم من النبل وكان يقول لحسان وقل وروح القدس معك ختم السورة بما يقطع أكباد المتدبرين وهو قوله {وَسَيَعْلَمْ} وما فيه من الوعيد البليغ وقوله {الذين ظلموا} واطلافه وقوله {أَىَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ} وإبهامه وقد تلاها أبو بكر لعمر رضي الله تعالى عنه حين عهد إليه وكان السلف يتواعظو بها قال ابن عطاء سيعلم المعرض عنا ما الذي فاته منا وأي منصوب ينقلبون على المصدر لا بيعلم لأن أسماء الاستفهام لا يعمل فيها ما قبلها أي يتقلبون أي الانقلاب(2/589)
النمل (5 - 1)
سورة النمل
سورة النمل مكية وهي ثلاث وتسعون آية
بسم الله الرحمن الرحيم(2/590)
طس تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ (1)
طس تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ (1)
{طس تلك آيات القرآن وكتاب مبين} أي آيات كتاب مبين وتلك إشارة إلى آيات السورة والكتاب المبين اللوح وآياته أنه قد خط فيه كل ما هو كائن فهو يبين للناظرين فيه آياته أو القرآن وآياته إنه يبين ما أودع فيه من العلوم والحكم وعلى هذا عطفه على القرآن كعطف إحدى الصفتين على الأخرى نحو هذا فعل السخي والجواد ونكر الكتاب ليكون أفخم له وقيل إنما نكر الكتاب هنا وعرفه في الحجر وعرف القرآن هنا ونكره ثمّ لأن القرآن والكتاب اسمان علمان للمنزل على محمد صلى الله عليه وسلم ووصفان له لأنه يقرأ ويكتب فحيث جاء بلفظ التعريف فهو العلم وحيث جاء بلفظ التنكير فهو الوصف(2/590)
هُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (2)
هُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (2)
{هُدًى وبشرى} في محل النصب على الحال من آيات أي هداية وبشارة فالعامل فيها ما في تلك من معنى الإشارة أو الجر على أنه بدل من كتاب أو صفة له أو الرفع على هي هدى وبشرى أو على البدل من آيات أو على أن يكون خبرا بعد خبر لتلك أي تلك آيات وهادية من الضلالة ومبشرة بالجنة وقيل هدى لجميع الخلق وبشرى {لِلْمُؤْمِنِينَ} خاصة(2/590)
الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (3)
الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (3)
{الذين يُقِيمُونَ الصلاة} يديمون على فرائضها وسننها {ويؤتون الزكاة} يؤدون زكاة أموالهم {وَهُم بالآخرة هُمْ يُوقِنُونَ} من جملة صلة الموصول ويحتمل أن تتم الصلة عنده وهو استئناف كأنه قيل وهؤلاء الذين يؤمنون ويعملون الصالحات من إقامة الصلاة وإتياء الزكاة هم الموقنون بالآخرة ويدل عليه أنه عقد جملة اسمية وكرر فيها المبتدأ الذي هو هم حتى صار معناه وما يوقن بالآخرة حتى الإيقان إلا هؤلاء الجامعون بين الإيمان والعمل الصالح لأن خوف العاقبة يحملهم على تحمل المشاق(2/591)
إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ (4)
إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ (4)
{إِنَّ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالآخرة زَيَّنَّا لَهُمْ أعمالهم} يخلق الشهوة حتى رأوا ذلك حسناً كما قال افمن زين له سوء عمله فرآه حسنا {فَهُمْ يَعْمَهُونَ} يترددون في ضلالتهم كما يكون حال الضال عن الطريق(2/591)
أُولَئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذَابِ وَهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ (5)
أُولَئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذَابِ وَهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ (5)
{أُوْلَئِكَ الذين لَهُمْ سُوء العذاب} القتل والأسر يوم بدر بما كان منهم من سوء الأعمال {وَهُمْ فِى الآخرة هُمُ الأخسرون} أشد الناس خسراناً لأنهم لو آمنوا لكانوا من الشهداء على جميع الأمم
النمل (9 - 6)
فخسروا ذلك مع خسران النجاة وثواب الله(2/591)
وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ (6)
وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ (6)
{وإنك لتلقى القرآن} لتؤتاه وتلقنه {مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ} من عند أيّ حكيم وأيّ عليم وهذا معنى تنكيرهما وهذه الآية بساط وتمهيد لما يريد أن يسوق بعدها من الأقاصيص وما في ذلك من لطائف حكمته ودقائق علمه(2/591)
إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ نَارًا سَآتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (7)
إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ نَارًا سَآتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (7)
{إذ} منصوب باذكر كأنه قال على أثر ذلك خذ من آثار حكمته وعلمه قصة موسى عليه السلام {قَالَ موسى لاِهْلِهِ} لزوجته ومن معه عند مسير ممن مدين إلى مصر {امكثوا إني آنست} أبصرت {نارا سآتيكم مّنْهَا بِخَبَرٍ} عن حال الطريق لأنه كان قد ضله {أو آتيكم بشهابٍ} بالتنوين كوفي أي شعلة مضيئة قَبَسٍ نار مقبوسة بدل أو صفة وغيرهم بشهاب قبس على(2/591)
الإضافة لأنه يكون قبساً وغير قبس ولا تدافع بين قوله سآتيكم هنا ولعلي آتيكم في القصص مع أن أحدهما زج والآخر تيقن لأن الراجي إذا قوي رجاؤه يقول سأفعل كذا وسيكون كذا مع تجويزه الخيبة ومجيئه بسين التسويف عدة لأهله أنه يأتيهم به وإن أبطأ أو كانت المسافة بعيدة وبأو لأنه بنى الرجاء على أنه إن لم يظفر بحاجته جميعا لم يعد واحدة منها إما هداية الطريق وإما اقتباس النار ولم يدر أنه ظافر على النار بحاجتيه الكليتين وهما عز الدنيا والآخرة واختلاف الألفاظ في هاتين الصورتين والقصة واحدة دليل عن جواز نقل الحديث بالمعنى وجواز النكاح بغير لفظ التزوج {لَّعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ} تستدفئون بالنار من البرد الذي أصابكم والطاء بدل من تاء افتعل لأجل الصاد(2/592)
فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (8)
فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (8)
{فَلَمَّا جَاءهَا} أي النار التي أبصرها نُودِىَ موسى {أَن بُورِكَ} مخففة من الثقيلة وتقديره نودى بأن بورك والضمير ضمير الشأن وجاز ذلك من غير عوض وإن منعه الزمخشري لأن قوله بورك دعاء والدعاء يخالف غيره في أحكام كثيرة ومفسرة لأن في النداء معنى القول أي قيل له بورك أي قدس أو جعل فيه البركة والخير {مَن فِى النار وَمَنْ حَوْلَهَا} أي بورك من في مكان النار وهم الملائكة ومن حول مكانها أي موسى لحدوث أمر ديني فيها وهو تكليم الله موسى واستنباؤه له وإظهار المعجزات عليه {وسبحان الله رَبّ العالمين} هو من جملة ما نودي فقد نزه ذاته عما لا يليق به من التشبيه وغيره(2/592)
يَا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (9)
يَا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (9)
{يا موسى إِنَّهُ أَنَا الله العزيز الحكيم} الضمير في أنه للشأن والشأن أنا الله مبتدأ وخبر العزيز الحكيم صفتان للخبر أو يرجع إلى ما دل عليه ماقبله أي إن مكلمك أنا والله بيان لأنا والعزيز الحكيم صفتان للمبين وهو تمهيد لما أراد أن يظهر على يده من المعجزات(2/592)
وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ (10)
وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ (10)
{وَأَلْقِ عَصَاكَ} لتعلم معجزتك فتأنس بها وهو عطف على بورك
النمل (14 - 10)
لأن المعنى نودي أن بورك من في النار وأن ألق عصاك كلاهما تفسير لنودى والمعنى قيل له بورك من في النار وقيل له ألق عصاك ويدل عليه ما ذكر في سورة القصص وأن ألق عصاك بعد قوله أن يا موسى إني على تكرير حرف التفسير {فلما رآها تهتز} تتحرك حال من الهاء في رآها {كَأَنَّهَا جَانٌّ} حية صغيرة حال من الضمير في تهتز {وَلِىُّ} موسى {مُدْبِراً} أدبر عنها وجعلها تلى ظهره خوفا من ثوب الحية عليه {ولم يعقب} ولم يلتفت أو لم يرجع يقال قد عقب فلان إذا رجع يقاتل بعد أن ولى فنودى {يا موسى لاَ تَخَفْ إِنّى لاَ يَخَافُ لَدَىَّ المرسلون} أي لا يخاف عندي المرسلون حال خطابي اياهم أو لا يخاف لدي المرسلون من غيري(2/593)
إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (11)
إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (11)
{إَلاَّ مَن ظَلَمَ} أي لكن من ظلم من غيرهم لأن الأنبياء لا يظلمون أو لكن من ظلم منهم من زل من المرسلين فجاء غير ما أذنت له مما يجوز على الأنبياء كما فرط آدم ويونس وداود وسليمان عليهم السلام {ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً} أي أتبع توبة {بَعْدَ سُوء} زلة {فَإِنّى غَفُورٌ رَّحِيمٌ} أقبل توبته وأغفر زلته وأرحمه كم فأحقق أمنيته وكأنه تعريض بما قال موسى حين قتل القبطي رَبّ إِنّى ظَلَمْتُ نَفْسِى فاغفر لِى فَغَفَرَ لَهُ(2/593)
وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (12)
وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (12)
{وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِى جَيْبِكَ} جيب قميصك وأخرجها {تَخْرُجْ بَيْضَاء} نيرة تغلب نور الشمس {مِنْ غَيْرِ سُوء} برص وبيضاء ومن غير سوء حالان {في تسع آيات} كلام مستأنف وفي يتعلق بمحذوف أي اذهب في تسع آيات أو وألق عصاك وأدخل يدك في جملة تسع آيات {إلى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ} إلى يتعلق بمحذوف أي مرسلاً إلى فرعون(2/593)
وقومه {إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فاسقين} خارجين عن أمر الله كافرين(2/594)
فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (13)
فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (13)
{فلما جاءتهم آياتنا} أي معجزاتنا {مُبْصِرَةً} حال أي ظاهرة بينة جعل الإبصار لها وهو في الحقيقة لمتأمليها لملابستهم إياها بالنظر والتفكر فيها أو جعلت كأنها تبصر فتهدي لأن الأعمى لا يقدر على الاهتداء فضلاً أن يهدي غيره ومنه قولهم كلمة عمياء وعوراء لأن الكلمة الحسنة ترشد والسيئة تغوي {قالوا هذا سحر مبين} ظاهر لمن نأمله وقد قوبل بين المبصرة والمبين(2/594)
وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (14)
وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (14)
{وَجَحَدُواْ بِهَا} قيل الجحود لا يكون إلا من علم من الجاحد وهذا ليس بصحيح لأن الجحود هو الإنكار وقد يكون الإنكار للشيء للجهل به وقد يكون بعد المعرفة تعنتا كذا ذكر في الشرح التأويلات وذكر في الديوان يقال جحد حقه وبحقه بمعنى والواو في {واستيقنتها} للحال وقد بعدها مضمرة والاستيقان أبلغ من الإيقان {أَنفُسِهِمْ}
النمل (16 - 14)
أي جحدوا بألسنتهم واستيقنوها في قلوبهم وضمائرهم {ظُلْماً} حال من الضمير في جحدوا وأي ظلم أفحش من ظلم من استيقن أنها آيات من عند الله ثم سماها سحراً بيناً {وَعُلُوّاً} ترفعاً عن الإيمان بما جاء به موسى {فانظر كَيْفَ كَانَ عاقبة المفسدين} وهو الإغراق هنا والإحراق ثمة(2/594)
وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ (15)
وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ (15)
{ولقد آتينا} أعطينا {داود وسليمان علماً} طائفة من العلم أو علماً سنياً غزيراً والمراد علم الدين والحكم {وقالا الحمد لله الذي فضّلنا على كثيرٍ مّن عباده المؤمنين} والآيات حجة لنا على المعتزلة في ترك الأصلح وهنا محذوف ليصح عطف الواو عليه ولولا تقدير المحذوف لكان الوجه الفاء كقولك أعطيته فشكر وتقديره آتيناهما علماً فعملا به وعلماء وعرفا حق النعمة فيه وقالا الحمد لله الذي فضلنا والكثير المفضل عليه من لم يؤت علماً أو من لم يؤت مثل علمهما وفيه أنهما فضلا على كثير وفضل عليهما كثير وفي الآية دليل على شرف العلم وتقدم حملته وأهله وأن نعمة(2/594)
العلم من أجلّ النعم وأن من أوتيه فقد أوتي فضلاً على كثير من عباده وما سماهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورثة الأنبياء إلا لمداناتهم لهم في الشرف والمنزلة لأنهم القوام بما بعثوا من أجله وفيها أنه يلزمهم لهذه النعمة الفاضلة أن يحمدوا الله على ما أتوه وأن يعتقد العالم أنه إن فضل على كثير فقد فضل عليه مثلهم وما أحسن قوله عمر رضي الله عنه كل الناس أفقه من عمر رضي الله عنه(2/595)
وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ (16)
وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ (16)
{وورث سليمان داود} ورث من النبوة والملك دون سائر بنيه وكانوا تسعة عشر قالوا أوتي النبوة مثل أبيه فكأنه ورثه وإلا فالنبوة لا تورث {وقال يا أيّها النّاس علّمنا منطق الطّير} تشهيراً لنعمة الله تعالى واعترافاً بمكانها ودعاء للناس إلى التصديق بذكر المعجزة التي هي علم منطق الطير والمنطق كل ما يصوت به من المفرد والمؤلف المفيد وغير المفيد وكان سليمان عليه السلام يفهم منهم كما يفهم بعضها من بعض روي أنه صاحت فاختة فأخبر أنها تقول ليت ذا الخلق لم يخلقوا وصاح طاوس فقال يقول كما تدين تدان وصاح هدهد فقال يقول استغفروا الله يا مذنبين وصاح خطاف فقال يقول قدموا خيراً تجدوه وصاحت رحمة فقال تقول سبحان ربي الأعلى ملء سمائه وأرضه وصاح قمري فأخبر أنه يقول سبحان ربي الأعلى وقال الحدأة تقول كل شيء هالك إلا الله والقطاة تقول من سكت سلم والديك يقول في البعد من الناس أنس والضفدع يقول سبحان ربي القدوس {وأوتينا من كلّ شيءٍ} المراد به كثرة(2/595)
ما أوتي كما تقول فلان يعلم كل شيء ومثله وأوتيت من كل شيء {إنّ هذا لهو الفضل المبين}
النمل (18 - 17)
قوله وارد على سبيل الشكر كقوله أنا سيد ولد آدم ولا فخر أي اقول هذا القول شكرا ولا أقوله فخر أو النون في علمنا وأوتينا نون الواحد المطاع وكان ملكاً مطاعاً فكلم أهل طاعته على الحال التي كان عليها وليس التكبر من لوازم ذلك(2/596)
وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (17)
وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (17)
{وحشر} وجمع {لسليمان جنوده من الجنّ والإنس والطّير} روي أن معسكره كان مائة فرسخ في مائة فرسخ وعشرون للجن وخمسة وعشرون للإنس وخمسة وعشرون للطير وخمسة وعشرون للوحش وكان له ألف بيت من قوارير على الخشب فيها ثلثمائة منكوحة وسبعمائة سرية قد نسجت له الجن بساطاً من ذهب وابريسم فرسخاً في فرسخ وكان يوضع منبره في وسطه وهو من ذهب وفضة وحولهم الناس وحول الناس الجن والشياطين وتظله الطير باجنحتها حتى لا يقع كليه حر الشمس وترفع ريح الصبا فتسير به مسيرة شهر ويروى أنه كان يأمر الريح العاصف تحمله ويأمر الرخاء تسيره فأوحى الله تعالى إليه وهو يسير بين السماء والأرض إني قد زدت في ملكك أن لا يتكلم أحد بشيء إلا ألقته الريح في سمعك فيحكى أنه مر بحراث فقال لقد أوتى آل دواد ملكاً عظيماً فألقته الريح في أذنه فنزل ومشى إلى الحراث وقال إني جئت إليك لئلا تتمنى ما لا تقدر عليه قال لتسبيحة واحدة يقبلها الله تعالى خير مما أوتي آل داود {فَهُمْ يُوزَعُونَ} يحبس أولهم على آخرهم أي يوقف سلاف(2/596)
العسكر حتى بلحقهم التوالي ليكونوا مجتمعين وذلك للكثرة العظيمة والوزع المنع ومنه قول عثمان رضي الله عنه ما يوزع السلطان أكثر مما يزع القرآن(2/597)
حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (18)
حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (18)
{حتى إذا أتوا على وادي النّمل} أي ساروا حتى إذا بلغوا وادي النمل وهو واد بالشام كثير النمل وعدي بعلى لأن اتيانهم كان من فوق فأنى بحرف الاستعلاء {قالت نملةٌ} عرجاء تسمى طاخية أو منذرة وعن قتادة أنه دخل الكوفة فالتف عليه الناس فقال سلوا عما شئتم فسأله ابو حنيفة رضي الله عنه وهو شاب عن نملة سليمان أكانت ذكراً أم أنثى فافحم فقال أبو حنيفة رضي الله عنه كانت أنثى فقيل له بماذا عرفت فقال بقوله قالت نملة ولو كانت ذكراً لقال قال نملة وذلك أن النملة مثل الحمامة في وقوعها على الذكر والأنثى فيميز بينهما بعلامة نحو قولهم حمامة ذكر وحمامة أنثى وهو وهي {يا أيها النّمل ادخلوا مساكنكم} ولم يقل ادخلن لأنه لما جعلها قائلة والنمل مقولاتهم كما يكون في أولي العقل أجرى خطابهن مجرى خطابهم {لا يحطمنكم} لا يكسر نكم والحطم الكسر وهو نهي مستأنف وهو في الظاهر نهي لسليمان عن الحطم وفي الحقيقة نهي لهن عن البروز والوقوف على طريقة لا أرينك ههنا أي لا تحضر هذا الموضع وقيل هو جواب الأمر وهو ضعيف يدفعه نون التأكيد لأنه من ضرورات الشعر {سليمان وجنوده} قيل أراد يحطمنكم جنود سليمان
النمل (21 - 19)
فجاء بما هو أبلغ {وهم لا يشعرون} لا يعلمون بمكانكم أي لو شعروا لم يفعلوا قالت ذلك على وجه العذر واصفة سليمان وجنوده بالعدل فسمع سليمان قولها من ثلاثة أميال(2/597)
فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ (19)
فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ (19)
{فتبسّم ضاحكاً مّن قولها} متعجباً من حذرها واهتدائها لمصالحها(2/597)
ونصيحتها للنمل أو فرحاً لظهور عدله وضاحكا حال مؤكدة لأن تبسم بمعنى ضحك وأكثر ضحك الأنبياء التبسم كذا قاله الزجاج {وقال رب أوزعني} ألهمني وحقيقة كفني عن الأشياء إلا عن شكر نعمتك {أن أشكر نعمتك التي أنعمت عليّ} من النبوة والملك والعلم {وعلى والديّ} لأن الإنعام على الوالدين إنعام على الولد {وأن أعمل صالحاً ترضاه} في بقية عمري وأدخلني برحمتك وادخلني الجنة برحمتك لا بصالح عملي إذلا يدخل يدخل الجنة أحد إلا برحمته كما جاء في الحديث {في عبادك الصّالحين} أي في زمرة أنبيائك المرسلين أو مع عبادك الصالحين روي أن النملة أحست بصوت الجنود ولا تعلم أنهم في الهواء فأمر سليمان الريح فوقفت لئلا يذعرن حتى دخلن مساكنهن ثم دعا بالدعوة(2/598)
وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ (20)
وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ (20)
{وتفقد الطير فقال ما لي} مكي وعلي وعاصم وغيرهم بسكون الياء والتفقد طلب ما غاب عنك {لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين} أم بمعنى بل والمعنى أنه تعرف الطير فلم يجد فيها الهدهد فقال مالي لا أراه على معنى أنه لا يراه وهو حاضر لساتر ستره أو غيرذلك ثم لاح له أنه غائب فأضرب عن ذلك وأخذ يقول بل هو غائب وذكر أن سليمان عليه السلام لما حج خرج إلى اليمن فوافى صنعاء وقت الزوال فنزل ليصلي فلم يجد الماء وكان الهدهد قنّاقنه وكان يرى الماء من تحت الأرض كما يرى الماء في الزجاجة فتستخرج الشياطين الماء فتفقده لذلك وذكر أنه وقعت نفحة من الشمس على رأس سليمان فنظر فإذا موضع الهدهد خال فدعا عريف الطير وهو النسر فسأله عنه فلم يجد عنده(2/598)
علمه ثم قال لسيد الطير وهو العقاب عليّ به فارتفع فنظر فإذا هو مقبل فقصده فناشده الله فتركه فلما قرب من سليمان أرخى ذنبه وجناحيه يجرهما على الأرض وقال يا نبي الله اذكر وقوفك بين يدي الله فارتعد سليمان وعفا عنه(2/599)
لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (21)
لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (21)
{لأعذّبنّه عذاباً شديداً} بنتف ريشه وإلقائه في الشمس أو بالتفريق بينه وبين ألغه أو بإلزامه خدمة أقرآنه أو بالحبس مع أضداده وعن بعضهم أضيق السجون معاشرة الأضداد أو بإيداعه القفص أو بطرحه بين يدي النمل ليأكله وحل له تعذيب الهدهد لما رأى فيه من المصلحة كما حل ذبح البهائم والطيور للأكل وغيره من المنافع وإذا سخر له الطير لم يتم التسخير إلا بالتأديب والسياسة {أو لأذبحنّه أو ليأتينّي} بالنون الثقيلة ليشاكل قوله لأعذبنه وحذف
النمل (24 - 21)
نون العماد للتخفيف ليأتيني بنونين مكي الأولى للتأكيد والثانية للعماد {بسلطانٍ مّبينٍ} بحجة له فيها عذر ظاهر على غيبته والإشكال أنه حلف على أحد ثلاثة أشياء اثنان منها فعله ولا مقال فيه والثالث فعل الهدهد وهو مشكل لأنها من أين درى أنه يأتي بسلطان حتى قال والله ليأتيني بسلطان وجوابه أن معنى كلامه ليكونن أحد الأمور يعني إن كان الإتيان بسلطان لم يكن تعذيب ولا ذبح وإن لم يكن كان أحدهما وليس في هذا ادعاء دراية(2/599)
فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ (22)
فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ (22)
{فمكث} الهدهد بعد تفقد سليمان إياه وبضم الكاف غير عاصم وسهل ويعقوب وهما لغتان {غير بعيدٍ} أي مكثاً غير طويل أو غير زمان بعيد كقوله عن قريب ووصف مكثه بقصر المدة للدلالة على إسراعه خوفاً من سليمان فلما رجع سأله عما لقي في غيبته {فقال أحطت} علمت شيئاً من جميع جهاته {بما لم تحط به} ألهم الله الهدهد(2/599)
فكافح سليمان بهذا الكلام مع ما أوتي من فضل النبوة والعلوم الجمة ابتلاء له في علمه وفيه دليل بطلان قوله الرافضة أن الإمام لا يخفى عليه شيء ولا يكون في زمانه أحد أعلم منه {وجئتك من سبإٍ} غير منصرف أبو عمرو وجعله اسماً للقبيلة أو المدينة وغيره بالتنوين جعله اسماً للحي أو الأب الأكبر {بنبإٍ يقينٍ} النبأ الخبر الذي له شأن وقوله من سبأ بنبإٍ من محاسن الكلام ويسمى البديع وقد حسن وبدع لفظا ومعنى ههنا ألا ترى أنه لو وضع مكان بنبإ بخبر لكان المعنى صحيحاً وهو كما جاء أصح لما في النبإ من الزيادة التي يطابقها وصف الحال(2/600)
إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ (23)
إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ (23)
{إنّي وجدتّ امرأةً} هي بلقيس بنت شراحيل وكان أبوها ملك أرض اليمن ولم يكن له ولد غيرها فغلبت على الملك وكانت هي وقومها مجوساً يعبدون الشمس والضمير في {تملكهم} راجع إلى سبأ على تأويل القوم أو أهل المدينة {وأوتيت} حال وقد مقدرة {من كلّ شيءٍ} من أسباب الدنيا ما لا يليق مجالها {ولها عرش} سرير {عظيمٌ} كبير قيل كان ثمانين ذراعاً في ثمانين ذراعاً وطوله في الهواء ثمانون ذراعاً وكان من ذهب وفضة وكان مرصع بأنواع الجواهر وقوائمه من ياقوت أحمر وأخضر ودر وزمرد وعليه سبعة أبيات على كل بيت باب مغلق واستصغر حالها إلى حال سليمان فاستعظم عرشها لذلك وقد أخفى الله تعالى على سليمان ذلك لمصلحة رآها كما أخفى مكان يوسف على يعقوب عليهما السلام(2/600)
وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ (24)
وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ (24)
{وجدتّها وقومها يسجدون للشّمس من دون الله وَزَيَّنَ لَهُمُ الشيطان أعمالهم فَصَدَّهُمْ عَنِ السبيل} أي سبيل التوحيد {فهم لا يهتدون} إلى الحق ولا يبعد من(2/600)
الهدهد التهدي إلى معرفة الله تعالى ووجوب السجود له وحرمة السجود للشمس إلهاما من الله له ألهمه وغيره من الطيور وسائر الحيوان المعارف اللطيفة التي لايكاد
النمل (29 - 25)
العقلاء الرجاح العقول يهتدون لها(2/601)
أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ (25)
أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ (25)
{ألاّ يسجدوا} بالتشديد أي فصدهم عن السبيل لئلا يسجدوا فحذف الجار مع أن وأدغمت النون في اللام ويجوز أن تكون لا مزيدة ويكون المعنى فهم لا يهتدون إلى أن يسجدوا وبالتخفيف يزيد وعلى تقديره ألا يا هؤلاء اسجدوا فألا للتنبيه ويا حرف نداء ومناداه محدوف فمن شدد لم يقف إلا على العرش العظيم ومن خفف وقف على فهم لا يهتدون ثم ابتدأ ألا يسجدوا أو وقف على إلا ياتم أبتداء اسجدوا وسجدة التلاوة واجبة في القراءتين جميعاً بخلاف ما يقوله الزجاج إنه لا يجب السجود مع التشديد لأن مواضع السجدة إما أمر بها أو مدح أو ذم لتاركها وإحدى القراءتين أمر والآخرى ذم للتارك {لله الذي يخرج الخبء} سمى المخبوء بالمصدر {في السّماوات والأرض} قتادة خبء السماء المطر وخبء الأرض النبات {ويعلم ما تخفون وما تعلنون} وبالتاء فيهما على حفص(2/601)
اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (26)
اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (26)
{الله لا إله إلاّ هو ربّ العرش العظيم} وصف الهدهد عرش الله العظيم تعظيم له بالنسبة إلى سائر ما خلق من السموات والأرض ووصفه عرش بلقيس تعظيم له بالإضافة إلى عروش أبناء جنسها من الملوك إلى ههنا كلام الهدهد فلما فرغ من كلامه(2/601)
قَالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (27)
قَالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (27)
{قال} سليمان للهدهد {سننظر} من النظر الذي هو التأمل {أصدقت} فيما أخبرت {أم كنت من الكاذبين} وهذا(2/601)
أبلغ من أم كذبت لأنه إذا كان معروفاً بالانخراط في سلك الكاذبين كان كاذباً لا محالة وإذا كان كاذباً اتهم بالكذب فيما أخبر به فلم يوثق به ثم كتب سليمان كتاباً صورته من عبد الله سليمان بن داود إلى بلقيس ملكة سبأ بسم الله الرحمن الرحيم السلام على من اتبع الهدى أما بعد فلا نعلوا علي وأتوني مسلمين وطبعه بالمسك وختمه بخاتمه وقال للهدهد(2/602)
اذْهَبْ بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ (28)
اذْهَبْ بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ (28)
{اذهب بّكتابي هذا فألقه} بسكون الهاء تخفيفاً أبو عمرو وعاصم وحمزة ويختلسها كسر التدل الكسرة على الياء المحذوفة يزيد وقالون ويعقوب قالفهى بإثبات الياء غيرهم {إليهم} إلى بلقيس وقومها لأنه ذكرهم معها في قوله وجدتها وقومها يسجدون للشمس وبني الخطاب في الكتاب على لفظ الجمع لذلك {ثمّ تولّ عنهم} تنح عنهم إلى مكان قريب بحيث تراهم ولا يرونك ليكون ما يقولونه بمسمع عنك {فانظر ماذا يرجعون} ما الذي يرونه من الجواب فأخذ الهدهد الكتاب بمنقاره ودخل عليها من كوة فطرح الكتاب على نحرها وهي راقدة وتوارى في الكوة فانتبهت فزعة أو أتاها الجنود حواليها فرفرف ساعة وألقى الكتاب في حجرها وكانت قارئة فلما رأت الخاتم(2/602)
قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ (29)
قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ (29)
{قالت} لقومها خاضعة خائفة {يا أيها الملأ إنّي} وبفتح الياء مدني {ألقي إليّ كتابٌ كريم} حسن مضمومه وما فيه مختوم قال عليه الصلاة والسلام كرم الكتاب ختمه وقبل من كتب أخيه كتاباً ولم يختمه فقد استخف به أو مصدر ببسم الله الرحمن الرحيم أو لأنه
النمل (35 - 30)
من عند ملك كريم(2/602)
إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (30)
إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (30)
{إنّه من سليمان وإنّه بسم الله الرّحمن الرّحيم} هو تبيين لما ألقى إليها كأنها لما قالت إني ألقي إلى كتاب كريم قيل لها ممن هو وما هو فقالت أنه من سليمان وانه كيت وكيت(2/602)