هَذِه الْآيَة (وَإِذا جَاءَهُم أَمر من الْأَمْن أَو الْخَوْف أذاعوا بِهِ وَلَو ردُّوهُ إِلَى الرَّسُول وَإِلَى أولي الْأَمر مِنْهُم لعلمه الَّذين يستنبطونه مِنْهُم) فَكنت أَنا استنبطت ذَلِك الْأَمر وَأنزل الله آيَة التَّخْيِير
قَوْله تَعَالَى: {وَصَالح الْمُؤمنِينَ}
أخرج ابْن عَسَاكِر من طَرِيق الْكَلْبِيّ عَن أبي صَالح رَضِي الله عَنهُ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ أبي يقْرؤهَا {وَصَالح الْمُؤمنِينَ} أَبُو بكر وَعمر
وَأخرج ابْن عَسَاكِر من طَرِيق عبد الله بن بُرَيْدَة عَن أَبِيه رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وَصَالح الْمُؤمنِينَ} قَالَ: أَبُو بكر وَعمر رَضِي الله عَنْهُمَا
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن عِكْرِمَة وَمَيْمُون بن مهْرَان مثله
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن الْحسن الْبَصْرِيّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وَصَالح الْمُؤمنِينَ} قَالَ: أَبُو بكر عمروعلي رَضِي الله عَنْهُم
وَأخرج ابْن عَسَاكِر من طَرِيق مَالك بن أنس رَضِي الله عَنهُ عَن ابْن زيد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {فقد صغت قُلُوبكُمَا} قَالَ: مَالَتْ وَفِي قَوْله: {وَصَالح الْمُؤمنِينَ} قَالَ: الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله {وَصَالح الْمُؤمنِينَ} قَالَ: صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من صَالح الْمُؤمنِينَ أَبُو بكر وَعمر رَضِي الله عَنْهُمَا
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم فِي فَضَائِل الصَّحَابَة عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَول الله: {وَصَالح الْمُؤمنِينَ} قَالَ: صَالح الْمُؤمنِينَ أَبُو بكر وَعمر وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عمر وَابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {وَصَالح الْمُؤمنِينَ} قَالَا: نزلت فِي أبي بكر وَعمر رَضِي الله عَنْهُمَا
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن سعد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن عَسَاكِر عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله: {وَصَالح الْمُؤمنِينَ} قَالَ: نزلت فِي عمر بن الْخطاب خَاصَّة(8/223)
وَأخرج عَن ابْن مَسْعُود عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَول الله: {وَصَالح الْمُؤمنِينَ} قَالَ: صَالح الْمُؤمنِينَ أَبُو بكر وَعمر
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عمر وَابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وَصَالح الْمُؤمنِينَ} قَالَا: نزلت فِي أبي بكر وَعمر
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن سعد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن عَسَاكِر عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله: {وَصَالح الْمُؤمنِينَ} قَالَ: نزلت فِي عمر خَاصَّة
وَأخرج الْحَاكِم عَن أبي أُمَامَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله: {وَصَالح الْمُؤمنِينَ} قَالَ: أَبُو بكر وَعمر
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم بِسَنَد ضَعِيف عَن عَليّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله: {وَصَالح الْمُؤمنِينَ} قَالَ: هُوَ عليّ بن أبي طَالب
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أَسمَاء بنت عُمَيْس: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: {وَصَالح الْمُؤمنِينَ} قَالَ: عليّ بن أبي طَالب
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه وَابْن عَسَاكِر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وَصَالح الْمُؤمنِينَ} قَالَ: هُوَ عليّ بن أبي طَالب
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن الْعَلَاء بن زِيَاد فِي قَوْله: {وَصَالح الْمُؤمنِينَ} قَالَ: الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {وَصَالح الْمُؤمنِينَ} قَالَ: الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام
الْآيَة 5 - 7(8/224)
عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا (5) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (6) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (7)
أخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة وَأبي مَالك وَقَتَادَة فِي قَوْله: {قانتات} قَالَ: مطيعات وَفِي قَوْله: {سائحات} قَالُوا: صائمات(8/224)
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن أَنه قَرَأَ سيحات مثقلة بِغَيْر ألف
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن المردويه عَن بُرَيْدَة فِي قَوْله: {ثيبات وأبكاراً} قَالَ: وعد الله نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي هَذِه الْآيَة أَن يزوّجه بِالثَّيِّبِ آسِيَة امْرَأَة فِرْعَوْن وبالبكر مَرْيَم بنت عمرَان
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالْفِرْيَابِي وَسَعِيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْمدْخل عَن عليّ بن أبي طَالب فِي قَوْله: {قوا أَنفسكُم وأهليكم نَارا} قَالَ: علمُوا أَنفسكُم وأهليكم الْخَيْر وأدبوهم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {قوا أَنفسكُم وأهليكم نَارا} قَالَ: اعلموا بِطَاعَة الله وَاتَّقوا معاصي الله وَأمرُوا أهليكم بِالذكر ينجيكم الله من النَّار
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله: {قوا أَنفسكُم وأهليكم نَارا} قَالَ: وأهليكم فليقوا أنفسهم
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن زيد بن أسلم قَالَ: تَلا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَذِه الْآيَة {قوا أَنفسكُم وأهليكم نَارا} فَقَالُوا: يَا رَسُول الله كَيفَ نقي أهلنا نَارا قَالَ: تأمرونهم بِمَا يُحِبهُ الله وتنهونهم عَمَّا يكره الله
وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {قوا أَنفسكُم وأهليكم نَارا} قَالَ: أدبوا أهليكم
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {قوا أَنفسكُم وأهليكم نَارا} قَالَ: أوصوا أهليكم بتقوى الله
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {قوا أَنفسكُم وأهليكم نَارا} قَالَ: مُرُوهُمْ بِطَاعَة الله وانهوهم عَن مَعْصِيّة الله
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن عبد الْعَزِيز بن أبي رواد قَالَ: مر عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام بجبل مُعَلّق بَين السَّمَاء وَالْأَرْض فَدخل فِيهِ وَبكى وتعجب مِنْهُ ثمَّ خرج مِنْهُ إِلَى من حوله فَسَأَلَ: مَا قصَّة هَذَا الْجَبَل فَقَالُوا: مالنا بِهِ علم كَذَلِك أدركنا آبَاءَنَا فَقَالَ: يَا رب ائْذَنْ لهَذَا الْجَبَل يُخْبِرنِي مَا قصَّته فَأذن لَهُ فَقَالَ: لما قَالَ الله: {نَارا وقودها النَّاس وَالْحِجَارَة} اضْطَرَبَتْ خفت أَن أكون من وقودها فأدع الله أَن(8/225)
يؤمنني فَدَعَا الله تَعَالَى فَأَمنهُ فَقَالَ: الْآن قررت فقرَّ على الأَرْض
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَابْن قدامَة فِي كتاب الْبكاء والرقة عَن مُحَمَّد بن هَاشم قَالَ: لما نزلت هَذِه الْآيَة {وقودها النَّاس وَالْحِجَارَة} قَرَأَهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَسَمعَهَا شَاب إِلَى جنبه فَصعِقَ فَجعل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَأسه فِي حجره رَحْمَة لَهُ فَمَكثَ مَا شَاءَ الله أَن يمْكث ثمَّ فتح عَيْنَيْهِ فَإِذا رَأسه فِي حجر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: بِأبي أَنْت وَأمي مثل أَي شَيْء الْحجر فَقَالَ: أما يَكْفِيك مَا أَصَابَك على أَن الْحجر مِنْهَا لَو وضع على جبال الدُّنْيَا لذابت مِنْهُ وَإِن مَعَ كل إِنْسَان مِنْهُم حجرا أَو شَيْطَانا وَالله أعلم
قَوْله: تَعَالَى: {عَلَيْهَا مَلَائِكَة غِلَاظ شَدَّاد لَا يعصون الله مَا أَمرهم}
وَأخرج عبد الله بن أَحْمد فِي زَوَائِد الزّهْد عَن أبي عمرَان الْجونِي قَالَ: بلغنَا أَن خَزَنَة النَّار تِسْعَة عشر مَا بَين منْكب أحدهم مسيرَة مِائَتي خريف لَيْسَ فِي قُلُوبهم رَحْمَة إِنَّمَا خلقُوا للعذاب وَيضْرب الْملك مِنْهُم الرجل من أهل النَّار الضَّرْبَة فيتركه طحناً من لدن قرنه إِلَى قدمه
وَأخرج ابْن جرير عَن كَعْب قَالَ: مَا بَين منْكب الخازن من خزنتها مسيرَة مَا بَين سنة مَعَ كل وَاحِد مِنْهُم عَمُود وشعبتان يدْفع بِهِ الدفعة يصدع فِي النَّاس سَبْعمِائة ألف
الْآيَة 8 - 10(8/226)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (8) يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (9) ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ (10)
أخرج عبد الرَّزَّاق وَالْفِرْيَابِي وَسَعِيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة وهناد وَابْن منيع وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن النُّعْمَان بن بشير أَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ سُئِلَ عَن التَّوْبَة النصوح قَالَ: أَن يَتُوب الرجل من الْعَمَل السيء ثمَّ لَا يعود إِلَيْهِ أبدا
وَأخرج أَحْمد وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: التَّوْبَة من الذَّنب لَا تعود إِلَيْهِ أبدا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان بِسَنَد ضَعِيف عَن أبيّ بن كَعْب قَالَ: سَأَلت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن التَّوْبَة النصوح فَقَالَ: هُوَ النَّدَم على الذَّنب حِين يفرط مِنْك فتستغفر الله بندامتك عِنْد الْحَافِر ثمَّ لَا تعود إِلَيْهِ أبدا
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ معَاذ بن جبل يَا رَسُول الله: مَا التَّوْبَة النصوح قَالَ: أَن ينْدَم العَبْد على الذَّنب الَّذِي أصَاب فيعتذر إِلَى الله ثمَّ لَا يعود إِلَيْهِ كَمَا لَا يعود اللَّبن إِلَى الضَّرع
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {تَوْبَة نصُوحًا} قَالَ: التَّوْبَة النصوح أَن يَتُوب العَبْد من الذَّنب ثمَّ لَا يعود إِلَيْهِ أبدا
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {تَوْبَة نصُوحًا} قَالَ: يَتُوب ثمَّ لَا يعود
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {تَوْبَة نصُوحًا} قَالَ: هُوَ أَن يَتُوب ثمَّ لَا يعود
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ مثله
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {تَوْبَة نصُوحًا} قَالَ: النصوح الصادقة الناصحة
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: التَّوْبَة النصوح تكفر كل سَيِّئَة وَهُوَ فِي الْقُرْآن ثمَّ قَرَأَ {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا تُوبُوا إِلَى الله تَوْبَة نصُوحًا عَسى ربكُم أَن يكفر عَنْكُم سيئآتكم}
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم رَضِي الله عَنهُ أَنه قَرَأَ {نصُوحًا} بِرَفْع النُّون(8/227)
أخرج الْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {يَوْم لَا يخزي الله النَّبِي وَالَّذين آمنُوا مَعَه نورهم يسْعَى} قَالَ: لَيْسَ أحد من الْمُوَحِّدين إِلَّا يعْطى نورا يَوْم الْقِيَامَة فَأَما الْمُنَافِق فيطفأ نوره وَالْمُؤمن يشفق مِمَّا يرى من إطفاء نور الْمُنَافِق فَهُوَ يَقُول: {رَبنَا أتمم لنا نورنا}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {رَبنَا أتمم لنا نورنا} قَالَ: قَول الْمُؤمنِينَ حِين يطفأ نور الْمُنَافِقين
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالْفِرْيَابِي وَسَعِيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن أبي الدُّنْيَا وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ من طرق عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {فَخَانَتَاهُمَا} قَالَ: مازنتا أما خِيَانَة امْرَأَة نوح فَكَانَت تَقول للنَّاس: إِنَّه مَجْنُون وَأما خِيَانَة امْرَأَة لوط فَكَانَت تدل على الضَّيْف فَتلك خيانتها
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن أَشْرَس الْخُرَاسَانِي رَضِي الله عَنهُ يرفعهُ إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: مَا بَغت امْرَأَة نَبِي قطّ
وَأخرج ابْن عدي وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان وَابْن عَسَاكِر عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {فَخَانَتَاهُمَا} قَالَ: كَانَتَا كافرتين مخالفتين وَلَا يَنْبَغِي لامْرَأَة تَحت نَبِي أَن تفجر
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: مَا بَغت امْرَأَة نَبِي قطّ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ {فَخَانَتَاهُمَا} قَالَ: فِي الدّين
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ قَالَ: امْرَأَة النَّبِي إِذا زنت لم يغْفر لَهَا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {ضرب الله مثلا} الْآيَة قَالَ: يَقُول لن يُغني صَلَاح هذَيْن عَن هَاتين شَيْئا وَامْرَأَة فِرْعَوْن لم يَضرهَا كفر فِرْعَوْن وَالله تَعَالَى أعلم
الْآيَة 11 - 12(8/228)
وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (11) وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ (12)
أخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الْإِيمَان عَن سلمَان رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَت امْرَأَة فِرْعَوْن تعذب بالشمس فَإِذا انصرفوا عَنْهَا أظلتها الْمَلَائِكَة بأجنحتها وَكَانَت ترى بَيتهَا فِي الْجنَّة
وَأخرج أَبُو يعلى وَالْبَيْهَقِيّ بِسَنَد صَحِيح عَن أبي هُرَيْرَة أَن فِرْعَوْن وتد لامْرَأَته أَرْبَعَة أوتاد فِي يَديهَا ورجليها فَكَانُوا إِذا تفَرقُوا عَنْهَا أظلتها الْمَلَائِكَة عَلَيْهِم السَّلَام فَقَالَت: {رب ابْن لي عنْدك بَيْتا فِي الْجنَّة} فكشف لَهَا عَن بَيتهَا فِي الْجنَّة
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ أَن فِرْعَوْن وتد لامْرَأَته أَرْبَعَة أوتاد وأضجعها على صدرها وَجعل على صدرها رحى واستقبل بهما عين الشَّمْس فَرفعت رَأسهَا إِلَى السَّمَاء فَقَالَت: {رب ابنِ لي عنْدك بَيْتا فِي الْجنَّة} إِلَى {الظَّالِمين} فَفرج الله عَن بَيتهَا فِي الْجنَّة فرأته
وَأخرج أَحْمد والطراني وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أفضل نسَاء أهل الْجنَّة خَدِيجَة بنت خويلد وَفَاطِمَة بنت مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَرْيَم بنت عمرَان وآسية بنت مُزَاحم امْرَأَة فِرْعَوْن مَعَ مَا قصّ الله علينا من خبرهما فِي الْقُرْآن {قَالَت رب ابنِ لي عنْدك بَيْتا فِي الْجنَّة}
وَأخرج وَكِيع فِي الْغرَر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {ونجني من فِرْعَوْن وَعَمله} قَالَ: من جمَاعه
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {فنفخنا فِيهِ من رُوحنَا} قَالَ: فِي جيبها وَفِي قَوْله: {وَكَانَت من القانتين} قَالَ: من المطيعين
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ {وصدقت بِكَلِمَات رَبهَا} بِالْألف وَكتابه وَاحِد
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن سعد بن جُنَادَة قَالَ: قَالَ رسو ل الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن الله زَوجنِي فِي الْجنَّة مَرْيَم بنت عمرَان وَامْرَأَة فِرْعَوْن وَأُخْت مُوسَى(8/229)
67
سُورَة الْملك
وآياتها ثَلَاثُونَ أخرج ابْن الضريس وَالْبُخَارِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: نزلت بِمَكَّة تبَارك الْملك
وَأخرج ابْن جرير فِي تَفْسِيره عَن الضَّحَّاك عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: أنزلت تبَارك الْملك فِي أهل مَكَّة إِلَّا ثَلَاث آيَات
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
الْآيَة 1 - 6(8/230)
تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2) الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ (3) ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ (4) وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ (5) وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (6)
أخرج أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَابْن الضريس وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرديه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن سُورَة من كتاب الله مَا هِيَ إِلَّا ثَلَاثُونَ آيَة شفعت لرجل حَتَّى غفر لَهُ {تبَارك الَّذِي بِيَدِهِ الْملك}(8/230)
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَابْن مرْدَوَيْه والضياء فِي المختارة عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: سُورَة من الْقُرْآن خَاصَمت عَن صَاحبهَا حَتَّى أدخلته الْجنَّة {تبَارك الَّذِي بِيَدِهِ الْملك}
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَالْحَاكِم وَابْن مرْدَوَيْه وَابْن نصر وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: ضرب بعض أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فتاة على قبر وَهُوَ لَا يحْسب أَنه قبر فَإِذا هُوَ بِإِنْسَان يقْرَأ سُورَة الْملك حَتَّى خَتمهَا فَأتى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأخْبرهُ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: هِيَ الْمَانِعَة هِيَ المنجية تنجيه من عَذَاب الْقَبْر وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: سُورَة تبَارك هِيَ الْمَانِعَة من عَذَاب الْقَبْر
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن رَافع بن خديج وَأبي هُرَيْرَة أَنَّهُمَا سمعا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: أنزلت عليّ سُورَة تبَارك وَهِي ثَلَاثُونَ آيَة جملَة وَاحِدَة وَقَالَ: هِيَ الْمَانِعَة فِي الْقُبُور وَإِن قرأءة قل هُوَ الله أحد فِي صَلَاة تعدل قِرَاءَة ثلث الْقُرْآن وَإِن قِرَاءَة قل يَا أَيهَا الْكَافِرُونَ فِي صَلَاة تعدل ربع الْقُرْآن وَإِن قِرَاءَة إِذا زلزلت فِي صَلَاة تعدل نصف الْقُرْآن
وَأخرج عبد بن حميد فِي مُسْنده وَاللَّفْظ لَهُ وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ لرجل: أَلا أتحفك بِحَدِيث تفرح بِهِ قَالَ: بلَى قَالَ اقْرَأ {تبَارك الَّذِي بِيَدِهِ الْملك} وَعلمهَا أهلك وَجَمِيع ولدك وصبيان بَيْتك وَجِيرَانك فَإِنَّهَا المنجية والمجادلة يَوْم الْقِيَامَة عِنْد رَبهَا لِقَارِئِهَا وتطلب لَهُ أَن تنجيه من عَذَاب النَّار وينجو بهَا صَاحبهَا من عَذَاب الْقَبْر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَوَدِدْت أَنَّهَا فِي قلب كل إِنْسَان من أمتِي
وَأخرج ابْن عَسَاكِر بِسَنَد ضَعِيف عَن الزُّهْرِيّ عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن رجلا مِمَّن كَانَ قبلكُمْ مَاتَ وَلَيْسَ مَعَه شَيْء من كتاب الله إِلَّا تبَارك الَّذِي بِيَدِهِ الْملك فَلَمَّا وضع فِي حفرته أَتَاهُ الْملك فثارت السُّورَة فِي وَجهه فَقَالَ لَهَا: إِنَّك من كتاب الله وَأَنا أكره شقاقك وَإِنِّي لَا أملك لَك وَلَا لَهُ وَلَا لنَفْسي ضراً وَلَا نفعا فَإِن أردْت هَذَا بِهِ فانطلقي إِلَى الربّ فاشفعي لَهُ فَانْطَلَقت إِلَى الرب فَتَقول: يَا رب إِن فلَانا عمد إليّ من بَين كتابك فتعلمني وتلاني أفمحرقه أَنْت بالنَّار ومعذبه وَأَنا فِي جَوْفه فَإِن كنت فَاعِلا بِهِ فامحني من كتابك فَيَقُول: أَلا(8/231)
أَرَاك غضِبت فَتَقول: وَحقّ لي أَن أغضب فَيَقُول: اذهبي فقد وهبته لَك وشفعتك فِيهِ فتجيء سُورَة الْملك فَيخرج كاسف البال لم يحل مِنْهُ شَيْء فتجيء فتضع فاها على فِيهِ فَتَقول: مرْحَبًا بِهَذَا الْفَم فَرُبمَا تلاني وَتقول: مرْحَبًا بِهَذَا الصَّدْر فَرُبمَا وعاني ومرحباً بِهَاتَيْنِ الْقَدَمَيْنِ فَرُبمَا قامتا بِي وتؤنسه فِي قَبره مَخَافَة الوحشة عَلَيْهِ فَلَمَّا حدث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَذَا الحَدِيث لم يبْق صَغِير وَلَا كَبِير وَلَا حر وَلَا عبد إِلَّا تعلمهَا وسماها رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم المنجية
وَأخرج ابْن الضريس وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: يُؤْتى الرجل فِي قَبره فَيُؤتى من قبل رجلَيْهِ فَتَقول رِجْلَاهُ: لَيْسَ لكم على مَا قبلي سَبِيل قد كَانَ يقوم علينا بِسُورَة الْملك ثمَّ يُؤْتى من قبل صَدره فَيَقُول: لَيْسَ لكم على مَا قبلي سَبِيل قد كَانَ وعى فيّ سُورَة الْملك ثمَّ يُؤْتى من قبل رَأسه فَيَقُول: لَيْسَ لكم على مَا قبلي سَبِيل قد كَانَ يقْرَأ بِي سُورَة الْملك فَهِيَ الْمَانِعَة تمنع من عَذَاب الْقَبْر وَهِي فِي التَّوْرَاة سُورَة الْملك من قَرَأَهَا فِي لَيْلَة فقد أَكثر وَأطيب
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه بِسَنَد جيد عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: كُنَّا نسميها فِي عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَانِعَة وَإِنَّهَا لفي كتاب الله سُورَة الْملك من قَرَأَهَا فِي لَيْلَة فقد أَكثر وَأطيب
وَأخرج أَبُو عبيد وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل من طَرِيق مرّة عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: إِن الْمَيِّت إِذا مَاتَ أَو قدت حوله نيران فتأكل كل نَار يَليهَا إِن لم يكن لَهُ عمل يحول بَينه وَبَينهَا وَإِن رجلا مَاتَ وَلم يكن يقْرَأ من الْقُرْآن إِلَّا سُورَة ثَلَاثِينَ آيَة فَأَتَتْهُ من قبل رَأسه فَقَالَت: إِنَّه كَانَ يقرؤني فَأَتَتْهُ من قبل رجلَيْهِ فَقَالَت: إِنَّه كَانَ يقوم بِي فَأَتَتْهُ من قبل جَوْفه فَقَالَت: إِنَّه كَانَ وعاني فأنجته
قَالَ: فَنَظَرت أَنا ومسروق فِي الْمُصحف فَلم نجد سُورَة ثَلَاثِينَ آيَة إلاتبارك
وَأخرجه الدَّارمِيّ وَابْن الضريس عَن مرّة مُرْسلا
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور عَن عَمْرو بن مرّة قَالَ: كَانَ يُقَال: إِن فِي الْقُرْآن سُورَة تجَادل عَن صَاحبهَا فِي الْقَبْر تكون ثَلَاثِينَ آيَة فنظروا فوجدوها تبَارك
وَأخرج الديلمي عَن أنس مَرْفُوعا قَالَ: يبْعَث رجل يَوْم الْقِيَامَة لم يتْرك شَيْئا من الْمعاصِي إِلَّا ركبهَا إِلَّا أَنه كَانَ يوحد الله وَلم يكن يقْرَأ من الْقُرْآن إِلَّا سُورَة وَاحِدَة(8/232)
فَيُؤْمَر بِهِ إِلَى النَّار فطار من جَوْفه شَيْء كالشهاب فَقَالَت: اللَّهُمَّ إِنِّي مِمَّا أنزلت على نبيك صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَانَ عَبدك هَذَا يقرؤني فَمَا زَالَت تشفع حَتَّى أدخلته الْجنَّة وَهِي المنجية {تبَارك الَّذِي بِيَدِهِ الْملك}
وَأخرج عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقْرَأ فِي صَلَاة الْجُمُعَة بِسُورَة الْجُمُعَة (وَسبح اسْم رَبك الْأَعْلَى) (سُورَة الْأَعْلَى 1) وَفِي صَلَاة الصُّبْح يَوْم الْجُمُعَة (ألم تَنْزِيل) (سُورَة السَّجْدَة) و {تبَارك الَّذِي بِيَدِهِ الْملك}
وَأخرج الديلمي بِسَنَد واهٍ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: اني لأجد فِي كتاب الله سُورَة هِيَ ثَلَاثُونَ آيَة من قَرَأَهَا عِنْد نَومه كتب لَهُ مِنْهَا ثَلَاثُونَ حَسَنَة ومحي عَنهُ ثَلَاثُونَ سَيِّئَة وَرفع لَهُ ثَلَاثُونَ دَرَجَة وَبعث الله إِلَيْهِ ملكا من الْمَلَائِكَة ليبسط عَلَيْهِ جنَاحه ويحفظه من كل شَيْء حَتَّى يَسْتَيْقِظ وَهِي المجادلة تجَادل عَن صَاحبهَا فِي الْقَبْر وَهِي {تبَارك الَّذِي بِيَدِهِ الْملك}
وَأخرج الديلمي بِسَنَد واهٍ عَن أنس رَضِي الله عَنهُ رَفعه لقد رَأَيْت عجبا رَأَيْت رجلا مَاتَ كَانَ كثير الذُّنُوب مُسْرِفًا على نَفسه فَكلما توجه إِلَيْهِ الْعَذَاب فِي قَبره من قبل رجلَيْهِ أَو من قبل رَأسه أَقبلت السُّورَة الَّتِي فِيهَا الطير تجَادل عَنهُ الْعَذَاب أَنه كَانَ يحافظ عليّ وَقد وَعَدَني رَبِّي أَنه من واظب عليّ أَن لَا يعذبه فَانْصَرف عَنهُ الْعَذَاب بهَا وَكَانَ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَار يتعلمونها وَيَقُولُونَ: المغبون من لم يتعلمها وَهِي سُورَة الْملك
وَأخرج ابْن الضريس عَن مرّة الهمذاني قَالَ: أَتَى رجل من جَوَانِب قَبره فَجعلت سُورَة من الْقُرْآن ثَلَاثُونَ آيَة تجَادل عَنهُ حَتَّى منعته من عَذَاب الْقَبْر فَنَظَرت أَنا ومسروق فَلم نجدها إِلَّا تبَارك
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق أبي الصَّباح عَن عبد الْعَزِيز عَن أَبِيه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: دخل رجل الْجنَّة بشفاعة سُورَة من الْقُرْآن وَمَا هِيَ إِلَّا ثَلَاثُونَ آيَة تنجيه من عَذَاب الْقَبْر {تبَارك الَّذِي بِيَدِهِ الْملك}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عَائِشَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يقْرَأ (ألم تَنْزِيل) السَّجْدَة و {تبَارك الَّذِي بِيَدِهِ الْملك} كل لَيْلَة لَا يَدعهَا فِي سفر وَلَا حضر(8/233)
قَوْله تَعَالَى: {تبَارك الَّذِي بِيَدِهِ الْملك وَهُوَ على كل شَيْء قدير الَّذِي خلق الْمَوْت والحياة} الْآيَتَيْنِ
أخرج ابْن عَسَاكِر عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ مَرْفُوعا كَلِمَات من قالهن عَن وَفَاته دخل الْجنَّة لَا إِلَه إِلَّا الله الْحَلِيم الْكَرِيم ثَلَاث مَرَّات الْحَمد لله رب الْعَالمين ثَلَاث مَرَّات {تبَارك الَّذِي بِيَدِهِ الْملك وَهُوَ على كل شَيْء قدير}
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن السّديّ فِي قَوْله: {الَّذِي خلق الْمَوْت والحياة ليَبْلُوكُمْ أَيّكُم أحسن عملا} قَالَ: أَيّكُم أحسن للْمَوْت ذكرا وَله اسْتِعْدَادًا وَمِنْه خوفًا وحذراً
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {الَّذِي خلق الْمَوْت والحياة} قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: إِن الله أذلّ بني آدم بِالْمَوْتِ وَجعل الدُّنْيَا دَار حَيَاة ثمَّ دَار موت وَجعل الْآخِرَة دَار جَزَاء ثمَّ دَار بَقَاء
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {الَّذِي خلق الْمَوْت والحياة} قَالَ: الْحَيَاة فرس جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام وَالْمَوْت كَبْش أَمْلَح
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن وهب بن مُنَبّه قَالَ: خلق الله الْمَوْت كَبْشًا أَمْلَح مستتراً بسواد وَبَيَاض لَهُ أَرْبَعَة أَجْنِحَة جنَاح تَحت الْعَرْش وَجَنَاح فِي الثرى وَجَنَاح فِي الْمشرق وَجَنَاح فِي الْمغرب
وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {سبع سماوات طباقاً} قَالَ: بَعْضهَا فَوق بعض
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج مثله
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {مَا ترى فِي خلق الرَّحْمَن من تفَاوت} قَالَ: مَا يفوت بعضه بَعْضًا مفاوت: مفرق
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {مَا ترى فِي خلق الرَّحْمَن من تفَاوت} قَالَ: من اخْتِلَاف {فَارْجِع الْبَصَر هَل ترى من فطور} قَالَ: من خلل {ثمَّ ارْجع الْبَصَر كرتين يَنْقَلِب إِلَيْك الْبَصَر خاسئاً} قَالَ: صاغراً {وَهُوَ حسير} قَالَ: يَعْنِي ل اترى فِي خلق الرَّحْمَن تَفَاوتا وَلَا خللاً
وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن مَسْعُود أَنه قَرَأَ مَا ترى فِي خلق الرَّحْمَن من تفوت(8/234)
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور عَن عَلْقَمَة أَنه كَانَ يقْرَأ مَا ترى فِي خلق الرَّحْمَن من تفوت
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {من تفَاوت} قَالَ: تشقق وَفِي قَوْله: {هَل ترى من فطور} قَالَ: شقوق وَفِي قَوْله: {خاسئاً} قَالَ: ذليلاً {وَهُوَ حسير} قَالَ: كليل
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الفطور الوهي
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن السّديّ فِي قَوْله: {من فطور} قَالَ: من خلل
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {من فطور} قَالَ: تشقق أَو خلل وَفِي قَوْله: {يَنْقَلِب إِلَيْك الْبَصَر خاسئاً} قَالَ: يرجع إِلَيْك {خاسئاً} قَالَ: صاغراً {وَهُوَ حسير} قَالَ: يعي وَلَا يرى شَيْئا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس {خاسئاً} قَالَ: ذليلاً {وَهُوَ حسير} قَالَ: مترجع
الْآيَة 7 - 14(8/235)
إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ (7) تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (8) قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ (9) وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ (10) فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ (11) إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (12) وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (13) أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (14)
أخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله: {سمعُوا لَهَا شهيقاً} قَالَ: صياحاً
وَأخرج عبد بن حميد عَن يحيى قَالَ: إِن الرجل ليجر إِلَى النَّار فتنزوي وينقبض بَعْضهَا إِلَى بعض فَيَقُول لَهَا الرَّحْمَن: مَالك قَالَت: إِنَّه كَانَ يستحي مني فَيَقُول: أرْسلُوا عَبدِي قَالَ: وَإِن العَبْد ليجر إِلَى النَّار فَيَقُول يَا رب مَا كَانَ هَذَا الظَّن بك قَالَ: فَمَا كَانَ ظَنك قَالَ: كَانَ ظَنِّي أَن تسعني رحمتك فَيَقُول: أرْسلُوا(8/235)
عَبدِي قَالَ: وَإِن الرجل ليخر إِلَى النَّار فتشهق إِلَيْهِ شهيق البغلة إِلَى الشّعير ثمَّ تزفر زفرَة لايبقى أحد إِلَّا خَافَ
وَأخرج هناد بن حميد عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {وَهِي تَفُور} قَالَ: تَفُور بهم كَمَا يفور الْحبّ الْقَلِيل فِي المَاء الْكثير
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر فِي قَوْله: {تكَاد تميز} قَالَ: تتفرق
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {تكَاد تميز} قَالَ: يُفَارق بَعْضهَا بَعْضًا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس {فسحقاً} قَالَ: بعدا
وَأخرج الطستي فِي مسَائِله عَن ابْن عَبَّاس أَن نَافِع بن الْأَزْرَق سَأَلَهُ عَن قَوْله: {فسحقاً} قَالَ: بعدا قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم أما سَمِعت قَول حسان: أَلا من مبلغ عني أَبَيَا فقد ألقيت فِي سحق السعير وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله: {فسحقاً لأَصْحَاب السعير} قَالَ: سحق وَاد فِي جَهَنَّم
قَوْله تَعَالَى: {إِن الَّذين يَخْشونَ رَبهم بِالْغَيْبِ} الْآيَة وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {إِن الَّذين يَخْشونَ رَبهم بِالْغَيْبِ} قَالَ: أَبُو بكر وَعمر وَعلي وَأَبُو عُبَيْدَة بن الْجراح
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {لَهُم مغْفرَة وَأجر كَبِير} قَالَ: الْجنَّة
الْآيَة 15 - 29(8/236)
هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (15) أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ (16) أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ (17) وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ (18) أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ (19) أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ (20) أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ (21) أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (22) قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ (23) قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24) وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (25) قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (26) فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَقِيلَ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ (27) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللَّهُ وَمَنْ مَعِيَ أَوْ رَحِمَنَا فَمَنْ يُجِيرُ الْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (28) قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (29)
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {مناكبها} قَالَ: جبالها
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {مناكبها} قَالَ: أطرافها
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة أَن بشير بن كَعْب قَرَأَ هَذِه الْآيَة {فامشوا فِي مناكبها} فَقَالَ لجاريته: إِن دَريت مَا مناكبها فَأَنت حرَّة لوجه الله قَالَت: فَإِن مناكبها جبالها فَسَأَلَ أَبَا الدَّرْدَاء رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ: دع مَا يريبك إِلَى مَا لَا يريبك
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {مناكبها} قَالَ: أطرافها وفجاجها
وَأخرج الْخَطِيب فِي تَارِيخه وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من اشْتَكَى ضرسه فليضع أُصْبُعه عَلَيْهِ وليقرأ هَذِه الْآيَة {قل هُوَ الَّذِي أنشأكم وَجعل لكم السّمع والأبصار والأفئدة قَلِيلا مَا تشكرون}
وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ فِي الْأَفْرَاد عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من اشْتَكَى ضرسه فليضع أُصْبُعه عَلَيْهِ وليقرأ هَاتين الْآيَتَيْنِ سبع مَرَّات (وَهُوَ الَّذِي(8/237)
أنشأكم من نفس وَاحِدَة فمستقر) (سُورَة الْأَنْعَام 98) إِلَى قَوْله: (يفقهُونَ) {هُوَ الَّذِي أنشأكم وَجعل لكم السّمع} إِلَى {تشكرون} فَإِنَّهُ يبرأ بِإِذن الله تَعَالَى
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن عدي وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان والحكيم التِّرْمِذِيّ عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن الله يحب العَبْد الْمُؤمن المحترف وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن الله يحب العَبْد محترفاً
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ عَن مُعَاوِيَة بن قُرَّة قَالَ: مر عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ بِقوم فَقَالَ: من أَنْتُم قَالُوا: المتوكلون فَقَالَ: أَنْتُم المتأكلون إِنَّمَا المتَوَكل رجل ألْقى حبه فِي بطن الأَرْض وتوكل على ربه
أخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {أأمنتم من فِي السَّمَاء} قَالَ: الله تَعَالَى وَفِي قَوْله: {فَإِذا هِيَ تمور} قَالَ: يمور بَعْضهَا فَوق بعض واستدارتها وَفِي قَوْله: {أولم يرَوا إِلَى الطير فَوْقهم صافات} قَالَ: يبسطن أجنحتهن {ويقبضن} قَالَ: يضربن بأجنحتهن
وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَن نَافِع بن الْأَزْرَق سَأَلَهُ عَن قَوْله: {إِلَّا فِي غرور} قَالَ: فِي بَاطِل
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم أما سَمِعت قَول حسان: تمنتك الْأَمَانِي من بعيد وَقَول الْكفْر يرجع فِي غرور وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {بل لجوا فِي عتو ونفور} قَالَ: فِي الضلال
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {بل لجوا فِي عتو ونفور} قَالَ: كفور وَفِي قَوْله: {أَفَمَن يمشي مكبا على وَجهه} قَالَ: فِي الضَّلَالَة {أم من يمشي سويّاً على صِرَاط مُسْتَقِيم} قَالَ: على الْحق الْمُسْتَقيم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {أَفَمَن يمشي مكبّاً} قَالَ: فِي الضلال {أم من يمشي سويّاً} قَالَ: مهتدياً(8/238)
وَأخرج عبد بن حميد وَعبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {أَفَمَن يمشي مكباً على وَجهه} قَالَ: هُوَ الْكَافِر عمل بِمَعْصِيَة الله فحشره الله يَوْم الْقِيَامَة على وَجهه {أم من يمشي سويّاً على صِرَاط مُسْتَقِيم} يَعْنِي الْمُؤمن عمل بِطَاعَة الله يحشره الله على طَاعَته وَفِي قَوْله: {فَلَمَّا رَأَوْهُ} قَالَ: لما رَأَوْا عَذَاب الله {زلفة سيئت وُجُوه الَّذين كفرُوا} قَالَ: ساءت بِمَا رَأَتْ من عَذَاب الله وهوانه
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {فَلَمَّا رَأَوْهُ زلفة} قَالَ: قد اقْترب
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن أَنه قَرَأَ {وَقيل هَذَا الَّذِي كُنْتُم بِهِ تدعون} مُخَفّفَة
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي بكر بن عَيَّاش عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ {تدعون} مثقلة قَالَ أَبُو بكر: تَفْسِير تدعون تَسْتَعْجِلُون
الْآيَة 30(8/239)
قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ (30)
أخرج ابْن الْمُنْذر والفاكهي عَن ابْن الْكَلْبِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: نزلت هَذِه الْآيَة {قل أَرَأَيْتُم إِن أصبح ماؤكم غوراً} فِي بِئْر زَمْزَم وبئر مَيْمُون بن الْحَضَر وَكَانَت جَاهِلِيَّة
قَالَ الفاكهي: وَكَانَت آبار مَكَّة تغور سرَاعًا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {إِن أصبح ماؤكم غوراً} قَالَ: دَاخِلا فِي الأَرْض {فَمن يأتيكم بِمَاء معِين} قَالَ: الْجَارِي
وَأخرج ابْن الْمُنْذر من طَرِيق ابْن جريج عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {إِن أصبح ماؤكم غوراً} قَالَ: يرجع فِي الأَرْض
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {غوراً} قَالَ: ذَاهِبًا وَفِي قَوْله: {بِمَاء معِين} قَالَ: الْجَارِي
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {بِمَاء معِين} قَالَ: ظَاهر
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد وَعِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ مثله
وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {بِمَاء معِين} قَالَ: عذب(8/239)
68
سُورَة الْقَلَم
مَكِّيَّة وآياتها اثْنَتَانِ وَخَمْسُونَ أخرج ابْن الضريس عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: كَانَت إِذا نزلت فَاتِحَة سُورَة بِمَكَّة كتبت بِمَكَّة ثمَّ يزِيد الله فِيهَا مَا شَاءَ وَكَانَ أول مَا نزل من الْقُرْآن ( {اقْرَأ باسم رَبك} ثمَّ (المزمل) ثمَّ (المدثر)
وَأخرج النّحاس وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: نزلت سُورَة {ن والقلم} بِمَكَّة
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
الْآيَة 1 - 9(8/240)
ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ (1) مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ (2) وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ (3) وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4) فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ (5) بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ (6) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (7) فَلَا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ (8) وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ (9)
أخرج عبد الرَّزَّاق وَالْفِرْيَابِي وَسَعِيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات والخطيب فِي تَارِيخه والضياء فِي المختارة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: إِن أول شَيْء خلق الله الْقَلَم فَقَالَ لَهُ: اكْتُبْ فَقَالَ: يارب وَمَا أكتب قَالَ: اكْتُبْ الْقدر فَجرى من ذَلِك الْيَوْم مَا هُوَ كَائِن إِلَى أَن تقوم السَّاعَة ثمَّ طوي الْكتاب وارتفع الْقَلَم وَكَانَ عَرْشه على المَاء فارتفع بخار المَاء ففتقت مِنْهُ السَّمَوَات ثمَّ خلق النُّور فبسطت الأَرْض عَلَيْهِ وَالْأَرْض على ظهر النُّون فاضطرب النُّون(8/240)
فمادت الأَرْض فأثبتت بالجبال فَإِن الْجبَال لتفخر على الأَرْض إِلَى يَوْم الْقِيَامَة ثمَّ قَرَأَ ابْن عَبَّاس {ن والقلم وَمَا يسطرون}
وَأخرج ابْن جرير وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن أول مَا خلق الله الْقَلَم والحوت قَالَ: اكْتُبْ قَالَ: مَا أكتب قَالَ: كل شَيْء كَائِن إِلَى يَوْم الْقِيَامَة ثمَّ قَرَأَ {ن والقلم وَمَا يسطرون} فالنون الْحُوت والقلم الْقَلَم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه عَن عبَادَة بن الصَّامِت سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: إِن أول مَا خلق الله الْقَلَم فَقَالَ لَهُ: اكْتُبْ فَجرى بِمَا هُوَ كَائِن إِلَى الْأَبَد
وَأخرج ابْن جرير عَن مُعَاوِيَة بن قُرَّة عَن أَبِيه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: {ن والقلم وَمَا يسطرون} قَالَ: لوح من نور وقلم من نور يجْرِي بِمَا هُوَ كَائِن إِلَى يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: إِن الله خلق النُّون وَهِي الدواة وَخلق الْقَلَم فَقَالَ: اكْتُبْ قَالَ: مَا أكتب قَالَ: اكْتُبْ مَا هُوَ كَائِن إِلَى يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج الرَّافِعِيّ فِي تَارِيخ قزوين من طَرِيق جُوَيْبِر عَن الضَّحَّاك عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: النُّون اللَّوْح الْمَحْفُوظ والقلم من نور سَاطِع
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: إِن أول شَيْء خلق الله الْقَلَم ثمَّ خلق النُّون وَهِي الدواة ثمَّ قَالَ لَهُ: اكْتُبْ قَالَ: وَمَا أكتب قَالَ: مَا كَانَ وَمَا هُوَ كَائِن إِلَى يَوْم الْقِيَامَة من عمل أَو أثر أَو رزق فَكتب مَا يكون وَمَا هُوَ كَائِن إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وَذَلِكَ قَوْله: {ن والقلم وَمَا يسطرون} ثمَّ ختم على فِي الْقَلَم فَلم ينْطق وَلَا ينْطق إِلَى يَوْم الْقِيَامَة ثمَّ خلق الله الْعقل فَقَالَ: وَعِزَّتِي لأكملنك فِيمَن أَحْبَبْت ولأنقصنك فِيمَن أبغضت
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {ن والقلم} قَالَ: ن الدواة والقلم الْقَلَم
وَأخرج عَن ابْن عَبَّاس قَوْله: {ن} أشبها هَذَا قسم الله وَهِي من أَسمَاء الله
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة وَالْحسن فِي قَوْله: {ن} قَالَا: الدواة(8/241)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله: {ن} قَالَ: هُوَ الْحُوت الَّذِي عَلَيْهِ الأَرْض
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد قَالَ: الْحُوت الَّذِي تَحت الأَرْض السَّابِعَة والقلم الَّذِي كتب بِهِ الذّكر
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: أول مَا خلق الله الْقَلَم فَأَخذه بِيَمِينِهِ وكلتا يَدَيْهِ يَمِين وَخلق النُّون وَهِي الدواة وَخلق اللَّوْح فَكتب فِيهِ ثمَّ خلق السَّمَوَات فَكتب مَا يكون من حِينَئِذٍ فِي الدُّنْيَا إِلَى أَن تكون السَّاعَة من خلق مَخْلُوق أَو عمل مَعْمُول بر أَو فجور وكل رزق حَلَال أَو حرَام رطب أَو يَابِس
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة قَالَ: الْقَلَم نعْمَة من الله عَظِيمَة لَوْلَا الْقَلَم مَا قَامَ دين وَلم يصلح عَيْش وَالله أعلم بِمَا يصلح خلقه
وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {ن والقلم وَمَا يسطرون} قَالَ: خلق الله الْقَلَم فَقَالَ: أجره فَجرى بِمَا هُوَ كَائِن إِلَى يَوْم الْقِيَامَة ثمَّ خلق الْحُوت وَهُوَ النُّون فكبس عَلَيْهَا الأَرْض ثمَّ قَالَ: {ن والقلم وَمَا يسطرون}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {ن والقلم} قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: النُّون السَّمَكَة الَّتِي عَلَيْهَا قَرَار الْأَرْضين والقلم الَّذِي خطّ بِهِ رَبنَا عز وَجل الْقدر خَيره وشره ونفعه وضره {وَمَا يسطرون} قَالَ: الْكِرَام الكاتبون
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْحَاكِم وَصَححهُ من طرق عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وَمَا يسطرون} قَالَ: وَمَا يَكْتُبُونَ وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد وَقَتَادَة مثله
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وَمَا يسطرون} قَالَ: وَمَا يعْملُونَ
قَوْله تَعَالَى: {مَا أَنْت بِنِعْمَة رَبك بمجنون} الْآيَة
أخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج قَالَ: كَانُوا يَقُولُونَ للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّه لمَجْنُون بِهِ شَيْطَان فَنزلت {مَا أَنْت بِنِعْمَة رَبك بمجنون}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {وَإِن لَك لأجراً غير ممنون} قَالَ: غير مَحْسُوب(8/242)
قَوْله تَعَالَى: {وَإنَّك لعلى خلق عَظِيم} أخرج ابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم فِي الدَّلَائِل والواحدي عَن عَائِشَة قَالَت: مَا كَانَ أحد أحسن خلقا من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا دَعَاهُ أحد من أَصْحَابه وَلَا من أهل بَيته إِلَّا قَالَ لبيْك فَلذَلِك أنزل الله تَعَالَى {وَإنَّك لعلى خلق عَظِيم}
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَمُسلم وَابْن الْمُنْذر وَالْحَاكِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن سعد بن هِشَام قَالَ: أتيت عَائِشَة فَقلت يَا أم الْمُؤمنِينَ: أَخْبرنِي بِخلق رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَت: كَانَ خلقه الْقُرْآن أما تقْرَأ الْقُرْآن {وَإنَّك لعلى خلق عَظِيم}
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن أبي الدَّرْدَاء قَالَ: سَأَلت عَائِشَة عَن خلق رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَت: كَانَ خلقه الْقُرْآن يرضى لرضاه ويسخط لسخطه
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عبد الله بن شَقِيق الْعقيلِيّ قَالَ: أتيت عَائِشَة فسألتها عَن خلق رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَت: كَانَ أحسن النَّاس خلقا كَانَ خلقه الْقُرْآن
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي عبد الله الجدلي قَالَ: قلت لعَائِشَة: كَيفَ كَانَ خلق رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَت: لم يكن فَاحِشا وَلَا متفحشا وَلَا سخاباً فِي الْأَسْوَاق وَلَا يجزى بِالسَّيِّئَةِ السَّيئَة وَلَكِن يعفوا ويصفح
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن زَيْنَب بنت يزِيد بن وسق قَالَت: كنت عِنْد عَائِشَة إِذا جاءها نسَاء أهل الشَّام فَقُلْنَ يَا أم الْمُؤمنِينَ: أَخْبِرِينَا عَن خلق رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَت: كَانَ خلقه الْقُرْآن وَكَانَ أَشد النَّاس حَيَاء من الْعَوَاتِق فِي خدرها
وَأخرج ابْن الْمُبَارك وعبدبن حميد وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن عَطِيَّة الْعَوْفِيّ فِي قَوْله: {وَإنَّك لعلى خلق عَظِيم} قَالَ: على أدب الْقُرْآن
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس {وَإنَّك لعلى خلق عَظِيم} قَالَ: الْقُرْآن وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وَإنَّك لعلى خلق عَظِيم} قَالَ: الدّين
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي مَالك {وَإنَّك لعلى خلق عَظِيم} قَالَ: الإِسلام
وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن ابزى وَسَعِيد بن جُبَير قَالَا: على دين عَظِيم
وَأخرج الخرائطي فِي مَكَارِم الْأَخْلَاق عَن ثَابت عَن أنس قَالَ: خدمت رَسُول الله صلى(8/243)
الله عَلَيْهِ وَسلم إِحْدَى عشرَة سنة مَا قَالَ لي قطّ أَلا فعلت هَذَا أَو لم فعلت هَذَا
قَالَ ثَابت: فَقلت يَا أَبَا حَمْزَة إِنَّه كَمَا قَالَ الله تَعَالَى: {وَإنَّك لعلى خلق عَظِيم} وَأخرج الخرائطي عَن أنس قَالَ: خدمت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَنا ابْن ثَمَان سِنِين فَمَا لامني على شَيْء يَوْمًا من الْأَيَّام فَإِن لامني لائم قَالَ: دَعوه فَإِنَّهُ لَو قضى شَيْء لَكَانَ
وَأخرج ابْن سعد عَن مَيْمُونَة قَالَت: خرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَات لَيْلَة من عِنْدِي فأغلقت دونه الْبَاب فجَاء يستفتح الْبَاب فأبيت أَن أفتح لَهُ فَقَالَ: أَقْسَمت عَلَيْك إِلَّا فتحت لي فَقلت لَهُ: تذْهب إِلَى أَزوَاجك فِي لَيْلَتي قَالَ: مَا فعلت وَلَكِن وجدت حَقنا من بولِي
قَوْله تَعَالَى: {فستبصر ويبصرون} الْآيَات
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {فستبصر ويبصرون} قَالَ: تعلم ويعلمون يَوْم الْقِيَامَة {بأيكم الْمفْتُون} قَالَ: الشَّيْطَان كَانُوا يَقُولُونَ: إِنَّه شَيْطَان مَجْنُون
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {فستبصر ويبصرون بأيكم الْمفْتُون} يَقُول: يتَبَيَّن لكم الْمفْتُون
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {فستبصر ويبصرون بأيكم الْمفْتُون} يَقُول: بأيكم الْمَجْنُون
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن سعيد بن جُبَير وَابْن أَبْزَى {بأيكم الْمفْتُون} بأيكم الْمَجْنُون
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد {بأيكم الْمفْتُون} قَالَ: بأيكم الْمَجْنُون
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن {بأيكم الْمفْتُون} قَالَ: الْمَجْنُون
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي الجوزاء {بأيكم الْمفْتُون} قَالَ: الشَّيْطَان
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن قَتَادَة {بأيكم الْمفْتُون} قَالَ: أَيّكُم أولى بالشيطان
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الْحسن {فستبصر ويبصرون بأيكم الْمفْتُون} قَالَ: أَيّكُم أولى بالشيطان فَكَانُوا أولى بالشيطان مِنْهُ
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {ودوا لَو تدهن فيدهنون}(8/244)
قَالَ: لَو ترخص لَهُ فيرخصون
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد {ودوا لَو تدهن فيدهنون} يَقُول: لَو تركن إِلَيْهِم وتترك مَا أَنْت عَلَيْهِ من الْحق فيمالئونك
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة {ودوا لَو تدهن فيدهنون} قَالَ: ودوا لَو يدهن نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن هَذَا الْأَمر فيدهنوا عَنهُ
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة {ودوا لَو تدهن فيدهنون} قَالَ: لَو تكفر فيكفرون
الْآيَة 10 - 41(8/245)
وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ (10) هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ (11) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (12) عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ (13) أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ (14) إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (15) سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ (16) إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ (17) وَلَا يَسْتَثْنُونَ (18) فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ (19) فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ (20) فَتَنَادَوْا مُصْبِحِينَ (21) أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَارِمِينَ (22) فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ (23) أَنْ لَا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ (24) وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ (25) فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ (26) بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (27) قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ (28) قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (29) فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ (30) قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ (31) عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ (32) كَذَلِكَ الْعَذَابُ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (33) إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (34) أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (35) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (36) أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ (37) إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ (38) أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ (39) سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذَلِكَ زَعِيمٌ (40) أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ فَلْيَأْتُوا بِشُرَكَائِهِمْ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ (41)
أخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي عُثْمَان النَّهْدِيّ قَالَ: قَالَ مَرْوَان بن الحكم لما بَايع النَّاس ليزِيد سنة أبي بكر عمر فَقَالَ عبد الرَّحْمَن بن أبي بكر: إِنَّهَا لَيست بِسنة أبي بكر وَعمر وَلكنهَا سنة هِرقل فَقَالَ مَرْوَان: هَذَا الَّذِي أنزلت فِيهِ (وَالَّذِي لوَالِديهِ أفٍّ لَكمَا) قَالَ: فَسمِعت ذَلِك عَائِشَة فَقَالَت: إِنَّهَا لم تنزل فِي عبد الرَّحْمَن وَلَكِن نزلت فِي أَبِيك {وَلَا تُطِع كل حلاف مهين هماز مشاء بنميم}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس {وَلَا تُطِع كل حلاف} الْآيَة قَالَ: يَعْنِي الْأسود بن عبد يَغُوث
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَامر الشّعبِيّ {وَلَا تُطِع كل حلاف} الْآيَة قَالَ: هُوَ رجل من ثَقِيف يُقَال لَهُ: الْأَخْنَس بن شريق
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر عَن الْحسن فِي قَوْله: {وَلَا تُطِع كل حلاف مهين} يَقُول: مكثار فِي الْحلف {مهين} يَقُول: ضَعِيف
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد {وَلَا تُطِع كل حلاف مهين} قَالَ: ضَعِيف الْقلب {عتل} قَالَ: شَدِيد الْأسر {زنيم} قَالَ: مُلْحق فِي النّسَب زعم ابْن عَبَّاس
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة {وَلَا تُطِع كل حلاف مهين} قَالَ: المهين المكثار فِي الشَّرّ {هماز} قَالَ: يَأْكُل لُحُوم النَّاس {مناع للخير} قَالَ: فَلَا يُعْطي خيرا {مُعْتَد} قَالَ: مُعْتَد فِي قَوْله: متعمد فِي عمله {أثيم} بربه {عتل} هُوَ الْفَاجِر اللَّئِيم الضريبة وَذكر لنا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَا تقوم السَّاعَة حَتَّى يظْهر الْفُحْش والتفحش وَسُوء الْجوَار وَقَطِيعَة الرَّحِم
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي أُمَامَة فِي قَوْله: {عتل بعد ذَلِك زنيم} قَالَ: هُوَ الْفَاحِش اللَّئِيم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن الْحسن وَأبي الْعَالِيَة مثله
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن عَسَاكِر عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {زنيم} قَالَ: هُوَ الدعيّ أما سَمِعت قَول الشَّاعِر: زنيم تداعاه الرِّجَال زِيَادَة كَمَا زيد فِي عرض الْأَدِيم أكارعه(8/246)
وَأخرج ابْن الْأَنْبَارِي فِي الْوَقْف والابتداء عَن عِكْرِمَة أَنه سُئِلَ عَن الزنيم قَالَ: هُوَ ولد الزِّنَا وتمثل بقول الشَّاعِر: زنيم لَيْسَ يعرف من أَبوهُ بغيّ الْأُم ذُو حسب لئيم وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد قَالَ: العتل الزنيم رجل ضخم شَدِيد كَانَت لَهُ زنمة زَائِدَة فِي يَده وَكَانَت علامته
وَأخرج عبد بن حميد عَن شهر بن حَوْشَب قَالَ: العتل الصَّحِيح الأكول الشروب والزنيم الْفَاجِر
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله: {عتل بعد ذَلِك زنيم} قَالَ: يعرف الْكَافِر من الْمُؤمن مثل الشَّاة الزنماء والزنماء الَّتِي فِي حلقها كالمتعلقتين فِي حلق الشَّاة
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد قَالَ: الزنيم يعرف بِهَذَا الْوَصْف كَمَا تعرف الشَّاة الزنماء من الَّتِي لَا زنمة لَهَا
وَأخرج عبد بن حميد عَن سعيد بن الْمسيب فِي قَوْله: {عتل بعد ذَلِك زنيم} قَالَ: هُوَ الملزق فِي الْقَوْم لَيْسَ مِنْهُم
وَأخرج عبد بن حميد عَن شهر بن حَوْشَب عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: سِتَّة لَا يدْخلُونَ الْجنَّة أبدا: الْعَاق والمدمن والجعشل والجوّاظ والقتات والعتل الزنيم
فَقلت يَا ابْن عَبَّاس: أما اثْنَتَانِ فقد علمت فَأَخْبرنِي بالأربع قَالَ: أما الجعشل فالفظّ الغليظ وَأما الجواظ فَمن يجمع المَال وَيمْنَع وَأما القَتَّات فَمن يَأْكُل لُحُوم النَّاس وَأما العتل الزنيم فَمن يمشي بَين النَّاس بالنميمة
وَأخرج أَحْمد وَعبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَابْن عَسَاكِر عَن شهر بن حَوْشَب قَالَ: حَدثنِي عبد الرَّحْمَن بن غنم أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَا يدْخل الْجنَّة جواظ وَلَا جعظري وَلَا العتل الزنيم فَقَالَ لَهُ رجل من الْمُسلمين: مَا الجواظ الجعظري والعتل الزنيم فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أما الجوّاظ فَالَّذِي جمع وَمنع تَدعُوهُ (لظى نزاعة للشوى) (سُورَة المعارج 16) وَأما الجعظري فالفظّ الغليظ قَالَ الله: (فبمَا رَحْمَة من الله لنت لَهُم وَلَو كنت فظّاً غليظ الْقلب لانفضوا من حولك) (سُورَة آل عمرَان 159) وَأما العتل(8/247)
الزنيم فشديد الْخلق رحيب الْجوف مصحح شروب وَاجِد للطعام وَالشرَاب ظلوم للنَّاس
وَأخرج ابْن سعد وَعبد بن حميد عَن عَامر أَنه سُئِلَ عَن الزنيم قَالَ: هُوَ الرجل تكون لَهَا زنمة من الشَّرّ يعرف بهَا وَهُوَ رجل من ثَقِيف يُقَال لَهُ: الْأَخْنَس بن شريق
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْأَنْبَارِي فِي الْوَقْف والابتداء عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الزنيم الدعيّ الْفَاحِش اللَّئِيم الملزق ثمَّ أنْشد قَول الشَّاعِر: زنيم تدعاه الرِّجَال زِيَادَة كَمَا زيد فِي عرض اللَّئِيم الأكارع وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله: {وَلَا تُطِع كل حلاف مهين} قَالَ: نزلت فِي الْأَخْنَس بن شريق
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر عَن الْكَلْبِيّ مثله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {وَلَا تُطِع كل حلاف مهين} قَالَ: هُوَ الْأسود بن عبد يَغُوث
وَأخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: نزلت على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وَلَا تُطِع كل حلاف مهين هماز مشاء بنميم} فَلم يعرف حَتَّى نزل عَلَيْهِ بعد ذَلِك {زنيم} فعرفناه لَهُ زنمة كزنمة الشَّاة
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَابْن مرْدَوَيْه عَن حَارِثَة بن وهب: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: أَلا أخْبركُم بِأَهْل الْجنَّة كل ضَعِيف متضعف لَو أقسم على الله لَأَبَره أَلا أخْبركُم بِأَهْل النَّار كل عتل جوّاظ جعظ متكبر
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن المنذرعن زيد بن أسلم قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تبْكي السَّمَاء من عبد أصح الله جِسْمه وأرحب جَوْفه وَأَعْطَاهُ من الدُّنْيَا فَكَانَ للنَّاس ظلوماً فَذَلِك العتل الزنيم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْقَاسِم مولى مُعَاوِيَة ومُوسَى بن عقبَة قَالَا: سُئِلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن العتل الزنيم قَالَ: هُوَ الْفَاحِش اللَّئِيم
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه والديلمي عَن أبي الدَّرْدَاء عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي(8/248)
قَوْله: {بعد ذَلِك زنيم} قَالَ: العتل كل رحيب الْجوف وثيق الْخلق أكول شروب جموع لِلْمَالِ منوع لَهُ
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مَرْوُدَيْهِ عَن عبد الله بن عمر عَن عبد الله بن عمر وَأَنه تَلا {منّاع للخير} إِلَى {زنيم} فَقَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: أهل النَّار كل جعظري جوّاظ مستكبر مناع وَأهل الْجنَّة الضُّعَفَاء المغلوبون
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: العتل هُوَ الدعيّ والزنيم هُوَ الْمُرِيب الَّذِي يعرف بِالشَّرِّ
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر والخرائطي فِي مساوئ الْأَخْلَاق وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {عتل بعد ذَلِك زنيم} قَالَ: هُوَ الرجل يعرف بِالشَّرِّ كَمَا تعرف الشَّاة بزنمتها
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الزنيم هُوَ الرجل يمر على الْقَوْم فَيَقُولُونَ رجل سوء
وَأخرج البُخَارِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {عتل بعد ذَلِك زنيم} قَالَ: رجل من قُرَيْش كَانَت لَهُ زنمة زَائِدَة مثل زنمة الشَّاة يعرف بهَا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي الْآيَة قَالَ: نعت فَلم يعرف حَتَّى قيل {زنيم} وَكَانَت لَهُ زنمة فِي عُنُقه يعرف بهَا
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الزنيم الملحق النّسَب
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {زنيم} قَالَ: ظلوم
وَأخرج الطستي فِي مسَائِله عَن ابْن عَبَّاس إِن نَافِع بن الْأَزْرَق سَأَلَهُ عَن قَوْله: {زنيم} قَالَ: ولد الزِّنَا
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم أما سَمِعت قَول الشَّاعِر: زنيم تداعته الرِّجَال زِيَادَة كَمَا زيد فِي عرض الْأَدِيم الأكارع وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن عَليّ بن أبي طَالب قَالَ: الزنيم هُوَ الهجين الْكَافِر
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {مهين} قَالَ: الْكذَّاب {هماز} يَعْنِي الاغتياب {عتل} قَالَ: الشَّديد(8/249)
الفاتك {زنيم} الدعيّ وَفِي قَوْله: {سنسمه على الخرطوم} فقاتل يَوْم بدر فخطم بِالسَّيْفِ فِي الْقِتَال
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {سنسمه على الخرطوم} قَالَ: سِيمَا على أَنفه لَا تُفَارِقهُ
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {سنسمه على الخرطوم} قَالَ: سنسمه بسيما لَا تُفَارِقهُ آخر مَا عَلَيْهِ
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ {أَن كَانَ ذَا مَال وبنين} بهمزتين يستفهم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن عبد الله بن عمر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: من مَاتَ همازاً لمازاً ملقباً للنَّاس كَانَ علامته يَوْم الْقِيَامَة أَن يسمه الله على الخرطوم من كلا الشدقين
قَوْله: تَعَالَى: {إِنَّا بلوناهم} الْآيَات
أخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {إِنَّا بلوناهم كَمَا بلونا أَصْحَاب الْجنَّة} قَالَ: هَؤُلَاءِ نَاس قصّ الله عَلَيْكُم حَدِيثهمْ وبيّن لكم أَمرهم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن حريج أَن أَبَا جهل قَالَ يَوْم بدر: خذوهم أخذا فاربطوهم فِي الْجبَال وَلَا تقتلُوا مِنْهُم أحدا فَنزل {إِنَّا بلوناهم كَمَا بلونا أَصْحَاب الْجنَّة} يَقُول: فِي قدرتهم عَلَيْهِم كَمَا اقتدر أَصْحَاب الْجنَّة على الْجنَّة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {كَمَا بلونا أَصْحَاب الْجنَّة} قَالَ: كَانُوا من أهل الْكتاب
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {كَمَا بلونا أَصْحَاب الْجنَّة} قَالَ: هم نَاس من الْحَبَشَة كَانَت لأبيهم جنَّة وَكَانَ يطعم مِنْهَا السَّائِلين فَمَاتَ أبوهم فَقَالَ بنوه: إِن كَانَ أَبونَا لأحمق يطعم الْمَسَاكِين فَأَقْسَمُوا ليصرمنّها مصبحين وَأَن لَا يطعموا مِسْكينا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن قَتَادَة قَالَ: كَانَت الْجنَّة لشيخ من بني إِسْرَائِيل وَكَانَ يمسك قوت سنته وَيتَصَدَّق بِالْفَضْلِ كَانَ بنوه ينهونه عَن الصَّدَقَة فَلَمَّا مَاتَ أبوهم غدوا عَلَيْهَا فَقَالُوا لَا يدخلنها الْيَوْم عَلَيْكُم مِسْكين {وغدوا على حرد قَادِرين} يَقُول: على جد من أَمرهم(8/250)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله: {كَمَا بلونا أَصْحَاب الْجنَّة} قَالَ: هِيَ أَرض بِالْيمن يُقَال لَهَا ضرّ وَإِن بَينهَا وَبَين صنعاء سِتَّة أَمْيَال
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن أبي صَالح فِي قَوْله: {وَلَا يستثنون} قَالَ: كَانَ استثناؤهم سُبْحَانَ الله
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {فَطَافَ عَلَيْهَا طائف من ربكْ} قَالَ: هُوَ أَمر من الله
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله: {فَطَافَ عَلَيْهَا طائف من رَبك} قَالَ: عَذَاب: عنق من النَّار خرجت من وَادي جَهَنَّم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {فَطَافَ عَلَيْهَا طائف من رَبك وهم نائمون} قَالَ: أَتَاهَا أَمر الله لَيْلًا {فَأَصْبَحت كالصريم} قَالَ: كالليل المظلم
وَأخرج عبد بن حميد عَن قطر بن مَيْمُون مثله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إيَّاكُمْ والمعاصي إِن العَبْد ليذنب فينسى بِهِ الْبَاب من الْعلم وَإِن العَبْد ليذنب الذَّنب فَيحرم بِهِ قيام اللَّيْل وَإِن العَبْد ليذنب الذَّنب فينسى فَيحرم بِهِ رزقا قد كَانَ هيئ لَهُ ثمَّ تَلا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {فَطَافَ عَلَيْهَا طائف من رَبك وهم نائمون فَأَصْبَحت كالصريم} قد حرمُوا خير جنتهم بذنبهم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {كالصريم} قَالَ: مثل اللَّيْل الْأسود
وَأخرج الطستي فِي مسَائِله عَن ابْن عَبَّاس أَن نَافِع بن الْأَزْرَق سَأَلَهُ عَن قَوْله: {كالصريم} قَالَ: الذَّهَب قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم أما سَمِعت قَول الشَّاعِر: غَدَوْت عَلَيْهِ غدْوَة فَوَجَدته قعُودا لَدَيْهِ بالصريم عواذله وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: أَن {اغدوا على حَرْثكُمْ} قَالَ: كَانَ عنباً(8/251)
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وهم يتخافتون} قَالَ: الإِسرار وَالْكَلَام الْخَفي
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {وهم يتخافتون} قَالَ: يسرون بَينهم أَن لَا يدخلنها الْيَوْم عَلَيْكُم مِسْكين {وغدوا على حرد قَادِرين} قَالَ: غَدا الْقَوْم وهم محردون إِلَى جنتهم قادرون عَلَيْهَا فِي أنفسهم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {على حرد قَادِرين} يَقُول: ذُو قدرَة
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد عَن مُجَاهِد قَالَ: {وغدوا على حرد قَادِرين} قَالَ: غدوا على أَمر قد قدرُوا عَلَيْهِ وَأَجْمعُوا عَلَيْهِ فِي أنفسهم أَن لَا يدْخل عَلَيْهِم مِسْكين
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله: {وغدوا على حرد} قَالَ: غيظ
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن فِي قَوْله: {وغدوا على حرد} يَعْنِي الْمَسَاكِين بجد
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {قَالُوا إِنَّا لضالون} قَالَ: أضللنا مَكَان جنتنا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {إِنَّا لضالون} قَالَ: أَخْطَأنَا الطَّرِيق مَا هَذِه جنتنا وَفِي قَوْله: {بل نَحن محرومون} قَالَ: بل حورفنا فحرمناها وَفِي قَوْله: {قَالَ أوسطهم} قَالَ: أعدل الْقَوْم وَأحسن الْقَوْم فَزعًا وَأَحْسَنهمْ رَجْعَة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله: {بل نَحن محرومون} قَالَ: لما تبينوا وَعرفُوا معالم جنتهم قَالُوا {بل نَحن محرومون} محارفون وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن معمر قَالَ: قُلْنَا لِقَتَادَة أَمن أهل الْجنَّة هم أم من أهل النَّار قَالَ: لقد كلفتني تعباً
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد فِي وَقَوله: {قَالَ أوسطهم} قَالَ: أعدلهم
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله: {قَالَ أوسطهم} يَعْنِي أعدلهم وكل شَيْء فِي كتاب الله أَوسط فَهُوَ أعدل(8/252)
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {قَالَ أوسطهم} قَالَ: أعدلهم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّري فِي قَوْله: {ألم أقل لكم لَوْلَا تسبحون} قَالَ: كَانَ استثناؤهم فِي ذَلِك الزَّمَان التَّسْبِيح
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله: {لَوْلَا تسبحون} قَالَ: لَوْلَا تستثنون عِنْد قَوْلهم ليصرمنّها مصبحين وَلَا يستثنون عِنْد ذَلِك وَكَانَ التَّسْبِيح استثناؤهم كَمَا نقُول نَحن إِن شَاءَ الله
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {كَذَلِك الْعَذَاب} قَالَ: عُقُوبَة الدُّنْيَا {ولعذاب الْآخِرَة} قَالَ: عُقُوبَة الْآخِرَة وَفِي قَوْله: {سلهم أَيهمْ بذلك زعيم} قَالَ: أَيهمْ كَفِيل بِهَذَا الْأَمر
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله: {تدرسون} قَالَ: تقرؤون وَفِي قَوْله: {أَيْمَان علينا بَالِغَة} قَالَ: عهد علينا
الْآيَة 42 - 52(8/253)
يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ (42) خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ (43) فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ (44) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (45) أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ (46) أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ (47) فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ (48) لَوْلَا أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ (49) فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (50) وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ (51) وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (52)
أخرج البُخَارِيّ وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي سعيد سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: يكْشف رَبنَا عَن سَاقه فَيسْجد لَهُ كل مُؤمن ومؤمنة وَيبقى من كَانَ يسْجد فِي الدُّنْيَا رِيَاء وَسُمْعَة فَيذْهب ليسجد فَيَعُود ظَهره طبقًا وَاحِدًا(8/253)
وَأخرج ابْن مندة فِي الرَّد على الْجَهْمِية عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: {يَوْم يكْشف عَن سَاق} قَالَ: يكْشف الله عز وَجل عَن سَاقه وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن مَنْدَه عَن ابْن مَسْعُود فِي قَوْله: {يَوْم يكْشف عَن سَاق} قَالَ: عَن سَاقيه تبَارك وَتَعَالَى
قَالَ ابْن مَنْدَه: لَعَلَّه فِي قِرَاءَة ابْن مَسْعُود يكْشف بِفَتْح الْيَاء وَكسر الشين
وَأخرج أَبُو يعلى وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات وَضَعفه وَابْن عَسَاكِر عَن أبي مُوسَى عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله: {يَوْم يكْشف عَن سَاق} قَالَ: عَن نور عَظِيم فَيَخِرُّونَ لَهُ سجدا
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَسَعِيد بن مُصَور وَابْن مَنْدَه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات من طَرِيق إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ فِي قَوْله: {يَوْم يكْشف عَن سَاق} قَالَ: قَالَ ابْن عَبَّاس يكْشف عَن أَمر عَظِيم ثمَّ قَالَ: قد قَامَت الْحَرْب على سَاق قَالَ: وَقَالَ ابْن مَسْعُود: يكْشف عَن سَاقه فَيسْجد كل مُؤمن ويعصو ظهر الْكَافِر فَيصير عظما وَاحِدًا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات من طَرِيق عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس أَنه سُئِلَ عَن قَوْله: {يَوْم يكْشف عَن سَاق} قَالَ: إِذا خَفِي عَلَيْكُم شَيْء من الْقُرْآن فابتغوه فِي الشّعْر فَإِنَّهُ ديوَان الْعَرَب أما سَمِعْتُمْ قَول الشَّاعِر: أَصْبِر عنَاق أَنه شَرّ بَاقٍ قد سنّ لي قَوْمك ضرب الْأَعْنَاق وَقَامَت الْحَرْب بِنَا على سَاق قَالَ ابْن عَبَّاس: هَذَا يَوْم كرب وَشدَّة
وَأخرج الطستي فِي مسَائِله عَن ابْن عَبَّاس إِن نَافِع بن الْأَزْرَق سَأَلَهُ عَن قَوْله: {يَوْم يكْشف عَن سَاق} قَالَ: عَن شدَّة الْآخِرَة قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم أما سَمِعت قَول الشَّاعِر: قد قَامَت الْحَرْب بِنَا على سَاق وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن ابْن عَبَّاس {يَوْم يكْشف عَن سَاق} قَالَ: هُوَ الْأَمر الشَّديد المفظع من الهول يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج ابْن مندة عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {يَوْم يكْشف عَن سَاق} قَالَ: عَن شدَّة الْآخِرَة(8/254)
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن مَنْدَه عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {يَوْم يكْشف عَن سَاق} قَالَ: عَن شدَّة الْأَمر وجده قَالَ: وَكَانَ ابْن عَبَّاس يَقُول: هِيَ أَشد سَاعَة تكون يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَرَأَ {يَوْم يكْشف عَن سَاق} قَالَ: يُرِيد الْقِيَامَة والساعة لشدتها
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {يَوْم يكْشف عَن سَاق} قَالَ: حِين يكْشف الْأَمر وتبدو الْأَعْمَال وكشفه دُخُول الْآخِرَة وكشف الْأَمر عَنهُ
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن مَنْدَه من طَرِيق عَمْرو بن دِينَار قَالَ: كَانَ ابْن عَبَّاس يقْرَأ يَوْم يكْشف عَن سَاق بِفَتْح التَّاء قَالَ أَبُو حَاتِم السجسْتانِي: أَي تكشف الْآخِرَة عَن سَاقهَا يستبين مِنْهَا مَا كَانَ غَائِبا
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ {يَوْم يكْشف عَن سَاق} بِالْيَاءِ وَرفع الْيَاء
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن عِكْرِمَة أَنه سُئِلَ عَن قَوْله: {يَوْم يكْشف عَن سَاق} قَالَ: إِن الْعَرَب كَانُوا إِذا اشْتَدَّ الْقِتَال فيهم وَالْحَرب وَعظم الْأَمر فيهم قَالُوا لشدَّة ذَلِك: قد كشفت الْحَرْب عَن سَاق فَذكر الله شدَّة ذَلِك الْيَوْم بِمَا يعْرفُونَ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن سعيد بن جُبَير أَنه سُئِلَ عَن قَوْله: {يَوْم يكْشف عَن سَاق} فَغَضب غَضبا شَدِيدا وَقَالَ: إِن أَقْوَامًا يَزْعمُونَ أَن الله يكْشف عَن سَاقه وَإِنَّمَا يكْشف عَن الْأَمر الشَّديد
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وَقد كَانُوا يدعونَ إِلَى السُّجُود وهم سَالِمُونَ} قَالَ: هم الْكفَّار كَانُوا يدعونَ فِي الدُّنْيَا وهم آمنون فاليوم يدعونَ وهم خائفون ثمَّ أخبر الله سُبْحَانَهُ أَنه حَال بَين أهل الشّرك وَبَين طَاعَته فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة فَأَما فِي الدُّنْيَا فَإِنَّهُ قَالَ: مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السّمع وَهِي طَاعَته وَمَا كَانُوا يبصرون وَأما الْآخِرَة فَإِنَّهُ قَالَ: لَا يَسْتَطِيعُونَ خاشعة أَبْصَارهم
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي الْآيَة قَالَ: أخبرنَا أَن بَين كل مُؤمنين منافقاً يَوْم الْقِيَامَة فَيسْجد المؤمنان وتقسو ظُهُور الْمُنَافِقين فَلَا يَسْتَطِيعُونَ السُّجُود ويزدادون لسجود الْمُؤمنِينَ توبيخاً وحسرة وندامة(8/255)
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد {يَوْم يكْشف عَن سَاق} قَالَ: عَن بلَاء عَظِيم
وَأخرج عبد بن حميد عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ {يَوْم يكْشف عَن سَاق} قَالَ: عَن أَمر عَظِيم الشدَّة
وَأخرج عبد بن حميد عَن الرّبيع بن أنس {يَوْم يكْشف عَن سَاق} قَالَ: عَن الغطاء فَيَقَع من كَانَ آمن بِهِ فِي الدُّنْيَا فيسجدون لَهُ ويدعى الْآخرُونَ إِلَى السُّجُود فَلَا يَسْتَطِيعُونَ لأَنهم لم يَكُونُوا آمنُوا بِهِ فِي الدُّنْيَا وَلَا يبصرونه وَلَا يَسْتَطِيعُونَ السُّجُود وهم سَالِمُونَ فِي الدُّنْيَا
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {يَوْم يكْشف عَن سَاق} قَالَ: أَمر فظيع جليل {وَيدعونَ إِلَى السُّجُود فَلَا يَسْتَطِيعُونَ} قَالَ: ذَلِكُم يَوْم الْقِيَامَة ذكر لنا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَقُول: يُؤذن للْمُؤْمِنين يَوْم الْقِيَامَة فِي السُّجُود فَيسْجد الْمُؤْمِنُونَ وَبَين كل مُؤمنين مُنَافِق فيتعسر ظهر الْمُنَافِق عَن السُّجُود وَيجْعَل الله سُجُود الْمُؤمنِينَ عَلَيْهِم توبيخاً وصغاراً وذلاً وندامة وحسرة وَفِي قَوْله: {وَقد كَانُوا يدعونَ إِلَى السُّجُود وهم سَالِمُونَ} قَالَ: فِي الصَّلَوَات
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن كَعْب الحبر قَالَ: وَالَّذِي أنزل التَّوْرَاة على مُوسَى والإِنجيل على عِيسَى وَالزَّبُور على دَاوُد وَالْفرْقَان على مُحَمَّد أنزلت هَذِه الْآيَات فِي الصَّلَوَات المكتوبات حَيْثُ يُنَادي بِهن {يَوْم يكْشف عَن سَاق} إِلَى قَوْله: {وَقد كَانُوا يدعونَ إِلَى السُّجُود وهم سَالِمُونَ} الصَّلَوَات الْخمس إِذا نُودي بهَا
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله: {وَقد كَانُوا يدعونَ إِلَى السُّجُود} قَالَ: الصَّلَوَات فِي الْجَمَاعَات
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وَقد كَانُوا يدعونَ إِلَى السُّجُود} قَالَ: الرجل يسمع الْأَذَان فَلَا يُجيب الصَّلَاة
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يجمع الله الْخَلَائق يَوْم الْقِيَامَة ثمَّ يُنَادي مُنَاد: من كَانَ يعبد شَيْئا فليتبعه فَيتبع كل قوم مَا كَانُوا يعْبدُونَ وَيبقى الْمُسلمُونَ وَأهل الْكتاب فَيُقَال للْيَهُود: مَا كُنْتُم تَعْبدُونَ فَيَقُولُونَ الله ومُوسَى فَيُقَال(8/256)
لَهُم: لَسْتُم من مُوسَى وَلَيْسَ مُوسَى مِنْكُم فَيصْرف بهم ذَات الشمَال ثمَّ يُقَال لِلنَّصَارَى: مَا كُنْتُم تَعْبدُونَ فَيَقُولُونَ: الله وَعِيسَى فَيُقَال لَهُم: لَسْتُم من عِيسَى وَلَيْسَ عِيسَى مِنْكُم ثمَّ يصرف بهم ذَات الشمَال وَيبقى الْمُسلمُونَ فَيُقَال لَهُم: مَا كُنْتُم تَعْبدُونَ فَيَقُولُونَ: الله فَيُقَال لَهُم: هَل تعرفونه فَيَقُولُونَ: إِن عرّفنا نَفسه عَرفْنَاهُ فَعِنْدَ ذَلِك يُؤذن لَهُم فِي السُّجُود بَين كل مُؤمنين مُنَافِق فتقصم ظُهُورهمْ عَن السُّجُود ثمَّ قَرَأَ هَذِه الْآيَة {وَيدعونَ إِلَى السُّجُود فَلَا يَسْتَطِيعُونَ}
وَأخرج إِسْحَق بن رَاهَوَيْه فِي مُسْنده وَعبد بن حميد وَابْن أبي الدُّنْيَا وَالطَّبَرَانِيّ والآجري فِي الشَّرِيعَة وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي الرُّؤْيَة وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن عبد الله بن مَسْعُود عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: يجمع الله النَّاس يَوْم الْقِيَامَة وَينزل الله فِي ظلل من الْغَمَام فينادي مُنَاد ياأيها النَّاس أَلا ترضوا من ربكُم الَّذِي خَلقكُم وصوّركم ورزقكم أَن يولي كل إِنْسَان مِنْكُم مَا كَانَ يعبد فِي الدُّنْيَا ويتولى أَلَيْسَ ذَلِك من ربكُم عدلا قَالُوا: بلَى
قَالَ: فَينْطَلق كل إِنْسَان مِنْكُم إِلَى مَا كَانَ يعبد فِي الدُّنْيَا ويتمثل لَهُم مَا كَانُوا يعْبدُونَ فِي الدُّنْيَا فيتمثل لمن كَانَ يعبد عِيسَى شَيْطَان عِيسَى ويتمثل لمن كَانَ يعبد عُزَيْرًا شَيْطَان عُزَيْر حَتَّى يمثل لَهُم الشَّجَرَة وَالْعود وَالْحجر وَيبقى أهل الإِسلام جثوماً فيتمثل لَهُم الرب عز وَجل فَيَقُول لَهُم: مَا لكم لم تنطلقوا كَمَا انْطلق النَّاس فَيَقُولُونَ: إِن لنا ربّاً مَا رَأَيْنَاهُ بعد فَيَقُول: فيمَ تعرفُون ربكُم إِن رَأَيْتُمُوهُ قَالُوا: بَيْننَا وَبَينه عَلامَة إِن رَأَيْنَاهُ عَرفْنَاهُ
قَالَ: وَمَا هِيَ قَالَ: {يكْشف عَن سَاق} فَيكْشف عِنْد ذَلِك عَن سَاق فيخر كل من كَانَ يسْجد طَائِعا سَاجِدا وَيبقى قوم ظُهُورهمْ كصياصي الْبَقر يُرِيدُونَ السُّجُود فَلَا يَسْتَطِيعُونَ ثمَّ يؤمرون فيرفعوا رؤوسهم فيعطون نورهم على قدر أَعْمَالهم فَمنهمْ من يعْطى نوره مثل الْجَبَل بَين يَدَيْهِ وَمِنْهُم من يعْطى نوره فَوق ذَلِك وَمِنْهُم من يعْطى نوره مثل النَّخْلَة بِيَمِينِهِ وَمِنْهُم من يعْطى نوره دون ذَلِك بِيَمِينِهِ حَتَّى يكون آخر ذَلِك من يعْطى نوره على إِبْهَام قَدَمَيْهِ يضيء مرّة ويطفأ مرّة فَإِذا أَضَاء قدم قدمه وَإِذا طفئ قَامَ
فيمر ويمرون على الصِّرَاط والصراط كحدّ السَّيْف دحض مزلة فَيُقَال لَهُم: انجوا على قدر نوركم فَمنهمْ من يمر كانقضاض الْكَوْكَب وَمِنْهُم من يمر كالطرف وَمِنْهُم من يمر كَالرِّيحِ وَمِنْهُم من يمر كشد الرجل ويرمل رملاً يَمرونَ على قدر أَعْمَالهم حَتَّى يمرالذي نوره على إِبْهَام قدمه يجر يدا ويعلق يدا ويجر رجلا ويعلق رجلا وتصيب جوانبه النَّار فيخلصون فَإِذا خلصوا قَالُوا: الْحَمد لله(8/257)
الَّذِي نجانا مِنْك بعد الَّذِي أراناك
لقد أَعْطَانَا الله مَا لم يُعْط أحدا
فَيَنْطَلِقُونَ إِلَى ضحضاح عِنْد بَاب الْجنَّة فيغتسلون فَيَعُود إِلَيْهِم ريح أهل الْجنَّة وألوانهم ويرون من خلل بَاب الْجنَّة وَهُوَ يصفق منزلا فِي أدنى الْجنَّة فَيَقُولُونَ: رَبنَا أعطنا ذَلِك الْمنزل
فَيَقُول لَهُم: أتسألون الْجنَّة وَقد نجيتكم من النَّار
فَيَقُولُونَ: رَبنَا أعطنا حل بَيْننَا وَبَين النَّار هَذَا الْبَاب لَا نسْمع حَسِيسهَا
فَيَقُول لَهُم: لَعَلَّكُمْ إِن أُعْطِيتُمُوهُ أَن تسألوا غَيره فَيَقُولُونَ: لَا وَعزَّتك لَا نسْأَل غَيره وَأي منزل يكون أحسن مِنْهُ قَالَ: فَيدْخلُونَ الْجنَّة وَيرْفَع لَهُم منزل أَمَام ذَلِك كَانَ الَّذِي رَأَوْا قبل ذَلِك حلم عِنْده فَيَقُولُونَ: رَبنَا أعطنا ذَلِك الْمنزل
فَيَقُول: لَعَلَّكُمْ إِن أعطيتكموه أَن تسألوا غَيره فَيَقُولُونَ: لَا وَعزَّتك لَا نسْأَل غَيره وَأي منزل أحسن مِنْهُ فيعطونه ثمَّ يرفع لَهُم أَمَام ذَلِك منزل آخر كَانَ الَّذِي رَأَوْا قبل ذَلِك حلم عِنْد هَذَا الَّذِي رَأَوْا فَيَقُولُونَ: رَبنَا أعطنا ذَلِك الْمنزل
فَيَقُول: لَعَلَّكُمْ إِن أعطيتكموه أَن تسألوا غَيره فيقولن: لَا وَعزَّتك لَا نسْأَل غَيره وَأي منزل أحسن مِنْهُ ثمَّ يسكتون فَيَقُول لَهُم: مَا لكم لَا تسْأَلُون فَيَقُولُونَ: رَبنَا قد سألناك حَتَّى استحينا
فَيُقَال لَهُم: ألم ترضوا أَن أُعْطِيكُم مثل الدُّنْيَا مُنْذُ يَوْم خلقتها إِلَى يَوْم أفنيتها وَعشرَة أضعافها فَيَقُولُونَ: أتستهزئ بِنَا وَأَنت رب الْعَالمين قَالَ مَسْرُوق: فَمَا بلغ عبد الله هَذَا الْمَكَان من الحَدِيث إِلَّا ضحك وَقَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يحدثه مرَارًا فَمَا بلغ هَذَا الْمَكَان من الحَدِيث إِلَّا ضحك حَتَّى تبدو لهواته ويبدو آخر ضرس من أَضْرَاسه يَقُول: الْأَسْنَان
قَالَ: فَيَقُول لَا وَلَكِنِّي على ذَلِك قَادر فاسألوني
قَالَ: رَبنَا ألحقنا بِالنَّاسِ
فَيُقَال لَهُم: الحقوا النَّاس
فَيَنْطَلِقُونَ يرملون فِي الْجنَّة حَتَّى يبدوا لرجل مِنْهُم فِي الْجنَّة قصر درة مجوّف فيخر سَاجِدا فَيُقَال لَهُ: ارْفَعْ رَأسك فيرفع رَأسه فَيَقُول: رَأَيْت رَبِّي فَيُقَال لَهُ: إِنَّمَا ذَلِك منزل من منازلك
فَينْطَلق ويستقبله رجل فيتهيأ للسُّجُود فَيُقَال لَهُ مَالك فَيَقُول: رَأَيْت ملكا فَيُقَال لَهُ: إِنَّمَا ذَلِك قهرمان من قهارمتك عبد بن عبيدك
فيأتيه فَيَقُول: إِنَّمَا أَنا قهرمان من قهارمتك على هَذَا الْقصر تَحت يَدي ألف قهرمان كلهم على مَا أَنا عَلَيْهِ
فَينْطَلق بِهِ عِنْد ذَلِك حَتَّى يفتح لَهُ الْقصر وَهِي درة مجوّفة سقائفها وأغلاقها وأبوابها ومفاتيحها مِنْهَا
قَالَ: فَيفتح لَهُ الْقصر فتستقبله جَوْهَرَة خضراء مبطنة بِحَمْرَاء سَبْعُونَ ذِرَاعا فِيهَا سِتُّونَ بَابا كل بَاب يُفْضِي إِلَى جَوْهَرَة على غير لون صاحبتها فِي كل جَوْهَرَة سرر وأدراج(8/258)
ونصائف وَقَالَ: وصائف
فَيدْخل فَإِذا هُوَ بحوراء عيناء عَلَيْهَا سَبْعُونَ حلةٍ يُرَى مخ سَاقهَا من وَرَاء حللها كَبِدهَا مرآته وكبده مرآتها إِذا أعرض عَنْهَا إعراضة ازدادت فِي عينه سبعين ضعفا عَمَّا كَانَت قبل ذَلِك وَإِذا أَعرَضت عَنهُ إعراضة ازْدَادَ فِي عينهَا سبعين ضعفا عَمَّا كَانَ قبل ذَلِك فَتَقول: لقد ازددت فِي عينين سبعين ضعفا وَيَقُول لَهَا مثل ذَلِك
قَالَ: فيشرف على ملكه مد بَصَره مسيرَة مائَة عَام قَالَ: فَقَالَ عمر بن الْخطاب عِنْد ذَلِك: أَلا تسمع يَا كَعْب مَا يحدثنا بِهِ ابْن أم عبد عَن أدنى أهل الْجنَّة مَا لَهُ فَكيف بأعلاهم قَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ مَا لَا عين رَأَتْ وَلَا أذن سَمِعت إِن الله كَانَ فَوق الْعَرْش وَالْمَاء فخلق لنَفسِهِ دَارا بِيَدِهِ فزينها بِمَا شَاءَ وَجعل فِيهَا مَا شَاءَ من الثمرات وَالشرَاب ثمَّ أطبقها فَلم يرهَا أحد من خلقه مُنْذُ خلقهَا جِبْرِيل وَلَا غَيره من الْمَلَائِكَة ثمَّ قَرَأَ كَعْب (فَلَا تعلم نفس مَا أُخْفِي لَهُم من قُرَّة أعين) (سُورَة السَّجْدَة الْآيَة 17) الْآيَة وَخلق دون ذَلِك جنتين فزينهما بِمَا شَاءَ وَجعل فيهمَا مَا ذكر من الْحَرِير والسندس والاستبرق وأراهما من شَاءَ من خلقه من الْمَلَائِكَة فَمن كَانَ كِتَابه فِي عليين نزل تِلْكَ الدَّار فَإِذا ركب الرجل من أهل عليين فِي ملكه لم يبقِ خيمة من خيام الْجنَّة إلاّ دَخلهَا من ضوء وَجهه حَتَّى إِنَّهُم ليستنشقون رِيحه وَيَقُولُونَ: واهاً وَهَذِه الرّيح الطّيبَة
وَيَقُولُونَ: لقد أشرف علينا الْيَوْم رجل من أهل عليين
فَقَالَ عمر: وَيحك يَا كَعْب إِن هَذِه الْقُلُوب قد استرسلت فاقبضها
فَقَالَ كَعْب: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِن لِجَهَنَّم زفرَة مَا من ملك وَلَا نَبِي إلاّ يخر لركبته حَتَّى يَقُول إِبْرَاهِيم خَلِيل الله: رب نَفسِي نَفسِي
وَحَتَّى لَو كَانَ لَك عمل سبعين نَبيا إِلَى عَمَلك لظَنَنْت أَن لن تنجو مِنْهَا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث والنشور عَن ابْن مَسْعُود أَنه ذكر عِنْده الدَّجَّال فَقَالَ: يفْتَرق ثَلَاث فرق تتبعه فرقة تتبعه وَفرْقَة تلْحق بِأَرْض آبائها منابت الشَّيْخ وَفرْقَة تَأْخُذ شط الْفُرَات فيقاتلهم ويقاتلونه حَتَّى يجْتَمع الْمُؤْمِنُونَ بقرى الشَّام فيبعثون إِلَيْهِ طَلِيعَة فيهم فَارس على فرس أشقر أَو أبلق فيقتلون لَا يرجع إِلَيْهِم شَيْء ثمَّ إِن الْمَسِيح ينزل فيقتله ثمَّ يخرج يَأْجُوج وَمَأْجُوج فيموجون فِي الأَرْض فيفسدون فِيهَا ثمَّ قَرَأَ عبد الله(8/259)
(وهم من كل حدب يَنْسلونَ) (سُورَة الْأَنْبِيَاء الْآيَة 96) ثمَّ يبْعَث الله عَلَيْهِم دَابَّة مثل هَذِه النغفة فَتدخل فِي أسماعهم ومناخرهم فيموتون مِنْهَا فتنتن الأَرْض مِنْهُم فيجأر أهل الأَرْض إِلَى الله فَيُرْسل الله مَاء فيطهرها مِنْهُم ثمَّ يبْعَث ريحًا فِيهَا زمهرير بَارِدَة فَلَا تدع على وَجه الأَرْض [] إِلَّا كفئت بِتِلْكَ الرّيح ثمَّ تقوم السَّاعَة على شرار النَّاس ثمَّ يقوم ملك الصُّور بَين السَّمَاء وَالْأَرْض فينفخ فِيهِ فَلَا يبْقى خلق الله فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض إِلَّا مَاتَ إِلَّا من شَاءَ رَبك ثمَّ يكون بَين النفختين مَا شَاءَ الله أَن يكون فَلَيْسَ من ابْن آدم خلق إِلَّا وَفِي الأَرْض مِنْهُ شَيْء ثمَّ يُرْسل الله مَاء من تَحت الْعَرْش منياً كمني الرِّجَال فتنبت جسمانهم ولحمانهم من ذَلِك المَاء كَمَا تنْبت الأَرْض من الثرى ثمَّ قَرَأَ عبد الله (الله الَّذِي يُرْسل الرِّيَاح فتثير سحاباً فسقناه إِلَى بلد ميت فأحيينا بِهِ الأَرْض بعد مَوتهَا كَذَلِك النشور) (سُورَة الرّوم الْآيَة 48) ثمَّ يقوم ملك بالصور بَين السَّمَاء وَالْأَرْض فينفخ فِيهِ فتنطلق كل نفس إِلَى جَسدهَا حَتَّى تدخل فِيهِ فَيقومُونَ فيجيئون مجيئة رجل وَاحِد قيَاما لرب الْعَالمين ثمَّ يتَمَثَّل الله لِلْخلقِ فيلقاهم فَلَيْسَ أحد من الْخلق يعبد من دون الله شَيْئا إِلَّا هُوَ مُتبع لَهُ يتبعهُ فَيلقى الْيَهُود فَيَقُول: مَا تَعْبدُونَ فَيَقُولُونَ: نعْبد عُزَيْرًا فَيَقُول: هَل يسركم المَاء قَالُوا: نعم فيريهم جَهَنَّم كَهَيئَةِ السراب ثمَّ قَرَأَ عبد الله (وعرضنا جَهَنَّم يَوْمئِذٍ للْكَافِرِينَ عرضا) (سُورَة الْكَهْف الْآيَة 100) ثمَّ يلقى النَّصَارَى فَيَقُولُونَ: مَا كُنْتُم تَعْبدُونَ قَالُوا: الْمَسِيح فَيَقُول: هَل يسركم المَاء قَالُوا: نعم فيريهم جَهَنَّم كَهَيئَةِ السراب وَكَذَلِكَ كل من يعبد من دون الله شَيْئا ثمَّ قَرَأَ عبد الله (وقفوهم إِنَّهُم مسؤولون) (سُورَة الصافات الْآيَة 24) حَتَّى يمر الْمُسلمُونَ فيلقاهم فَيَقُول: من تَعْبدُونَ فَيَقُولُونَ: نعْبد الله وَلَا نشْرك بِهِ شَيْئا فينتهرهم مرّة أَو مرَّتَيْنِ من تَعْبدُونَ فَيَقُولُونَ: نعْبد الله وَلَا نشْرك بِهِ شَيْئا فَيَقُول: هَل تعرفُون ربكُم فَيَقُولُونَ: سُبْحَانَ الله إِذا تعرف لنا عَرفْنَاهُ فَعِنْدَ ذَلِك {يكْشف عَن سَاق} فَلَا يبْقى مُؤمن إلاّ خر لله سَاجِدا وَيبقى المُنَافِقُونَ ظُهُورهمْ طبق وَاحِد كَأَنَّمَا فِيهَا السَّفَافِيد فَيَقُولُونَ: رَبنَا فيفول: (قد كُنْتُم تدعون إِلَى السُّجُود وَأَنْتُم سَالِمُونَ) ثمَّ يُؤمر بالصراط فَيضْرب على جَهَنَّم فتمر النَّاس بأعمالهم يمر أوائلهم كلمح الْبَصَر أَو كلمح الْبَرْق ثمَّ كمر الرّيح ثمَّ كمر الطير ثمَّ(8/260)
كأسرع الْبَهَائِم ثمَّ كَذَلِك يَجِيء الرجل سعياً حَتَّى يَجِيء الرجل مشياً حَتَّى يَجِيء آخِرهم رجل يَتَكَفَّأ على بَطْنه فَيَقُول: يَا رب أَبْطَأت بِي فَيَقُول: إِنَّمَا أَبْطَأَ بك عَمَلك ثمَّ يَأْذَن الله فِي الشَّفَاعَة فَيكون أول شَافِع جِبْرِيل ثمَّ إِبْرَاهِيم خَلِيل الله ثمَّ مُوسَى أَو قَالَ عِيسَى ثمَّ يقوم نَبِيكُم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَابِعا لَا يشفع أحد بعده فِيمَا يشفع فِيهِ وَهُوَ الْمقَام الْمَحْمُود الَّذِي وعده الله (عَسى أَن يَبْعَثك رَبك مقَاما مَحْمُودًا) (سُورَة الْإِسْرَاء الْآيَة 79) فَلَيْسَ من نفس إِلَّا تنظر إِلَى بَيت فِي الْجنَّة وَبَيت فِي النَّار وَهُوَ يَوْم الْحَسْرَة فَيرى أهل النَّار الْبَيْت الَّذِي فِي الْجنَّة فَيُقَال: لَو عملتم وَيرى أهل الْجنَّة الْبَيْت الَّذِي فِي النَّار فَيُقَال: لَوْلَا أَن منّ الله عَلَيْكُم ثمَّ يشفع الْمَلَائِكَة والنبيون وَالشُّهَدَاء والصالحون والمؤمنون فيشفعهم الله ثمَّ يَقُول: أَنا أرْحم الرَّاحِمِينَ فَيخرج من النَّار أَكثر مِمَّا أخرج من جَمِيع الْخلق برحمته حَتَّى مَا يتْرك فِيهَا أحدا فِيهِ خير
ثمَّ قَرَأَ عبد الله (يَا أَيهَا الْكفَّار مَا سلككم فِي سقر قَالُوا لم نك من الْمُصَلِّين) (سُورَة المدثر الْآيَة 42) إِلَى قَوْله: (وَكُنَّا نكذب بِيَوْم الدّين) (سُورَة المدثر الْآيَة 46) قَالَ: ترَوْنَ فِي هَؤُلَاءِ أحدا فِيهِ خير لَا وَمَا يتْرك فِيهَا أحدا فِيهِ خير فَإِذا أَرَادَ الله أَن لَا يخرج مِنْهَا أحدا غير وُجُوههم وألوانهم فَيَجِيء الرجل من الْمُؤمنِينَ فَيشفع فَيُقَال لَهُ: من عرف أحدا فيخرجه فَيَجِيء الرجل فَينْظر فَلَا يعرف أحدا فَيَقُول الرجل للرجل: يَا فلَان أَنا فلَان فَيَقُول: مَا أعرفك فَيَقُولُونَ: (رَبنَا أخرجنَا مِنْهَا فَإِن عدنا فَإنَّا ظَالِمُونَ) (سُورَة الْمُؤْمِنُونَ الْآيَة 107) فَيَقُول: (اخسؤوا فِيهَا وَلَا تكَلمُون) (سُورَة الْمُؤْمِنُونَ الْآيَة 108) فَإِذا قَالَ ذَلِك أطبقت عَلَيْهِم فَلم يخرج مِنْهُم بشر
أخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله: {وَلَا تكن كصاحب الْحُوت} قَالَ: تغاضب كَمَا غاضب يُونُس
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَأحمد فِي الزّهْد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة {وَلَا تكن كصاحب الْحُوت} قَالَ: لَا تعجل كَمَا عجل وَلَا تغاضب كَمَا غاضب(8/261)
وَأخرج الْحَاكِم عَن وهب قَالَ: كَانَ فِي خلق يُونُس ضيق فَلَمَّا حملت عَلَيْهِ أثقال النُّبُوَّة مِنْهَا تفسخ الرّبع فقذفها من يَدَيْهِ وهرب قَالَ تَعَالَى لنَبيه {وَلَا تكن كصاحب الْحُوت إِذْ نَادَى وَهُوَ مكظوم}
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وَهُوَ مكظوم} قَالَ: مغموم وَفِي قَوْله: {وَهُوَ مَذْمُوم} قَالَ: مليم
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {وَهُوَ مكظوم} قَالَ: مغموم
قَوْله تَعَالَى: {وَإِن يكَاد الَّذين كفرُوا} الْآيَة
أخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {ليزلقونك بِأَبْصَارِهِمْ} قَالَ: ينفذونك بِأَبْصَارِهِمْ
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد {ليزلقونك بِأَبْصَارِهِمْ} لينفذونك بِأَبْصَارِهِمْ
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة {ليزلقونك بِأَبْصَارِهِمْ} قَالَ: لينفذونك بِأَبْصَارِهِمْ معاداة لكتاب الله وَلذكر الله
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه عَن عَطاء قَالَ: كَانَ ابْن عَبَّاس يقْرَأ {وَإِن يكَاد الَّذين كفرُوا ليزلقونك بِأَبْصَارِهِمْ} قَالَ: يَقُول: ينفذونك بِأَبْصَارِهِمْ من شدَّة النّظر إِلَيْك قَالَ ابْن عَبَّاس: فَكيف يَقُولُونَ أزلق السهْم أَو زهق السهْم
وَأخرج أَبُو عُبَيْدَة فضائله وَابْن جرير عَن ابْن مَسْعُود أَنه قَرَأَ ليزهقونك بِأَبْصَارِهِمْ
وَأخرج البُخَارِيّ عَن ابْن عَبَّاس أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: الْعين حق
وَأخرج أَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن جَابر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: الْعين تدخل الرجل الْقَبْر والجمل الْقدر
وَأخرج الْبَزَّار عَن جَابر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: أَكثر من يَمُوت من أمتِي بعد قَضَاء الله وَقدره بِالْعينِ(8/262)
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
69
سُورَة الحاقة
مَكِّيَّة وآياتها اثْنَتَانِ وَخَمْسُونَ
مُقَدّمَة السُّورَة أخرج ابْن الضريس والنحاس وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: نزلت سُورَة الحاقة بِمَكَّة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن الزبير مثله
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن أبي بَرزَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يقْرَأ فِي الْفجْر بالحاقة وَنَحْوهَا
وَأخرج أَحْمد عَن عمر بن الْخطاب قَالَ: خرجت أتعرض لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قبل أَن أسلم فَوَجَدته قد سبقني إِلَى الْمَسْجِد فَقُمْت خَلفه فَاسْتَفْتَحَ سُورَة الحاقة فَجعلت أعجب من تأليف الْقُرْآن فَقلت: هَذَا وَالله شَاعِر كَمَا قَالَت قُرَيْش فَقَرَأَ {إِنَّه لقَوْل رَسُول كريم وَمَا هُوَ بقول شَاعِر قَلِيلا مَا تؤمنون} قلت: كَاهِن قَالَ: {وَلَا بقول كَاهِن قَلِيلا مَا تذكرُونَ تَنْزِيل} إِلَى آخر السُّورَة فَوَقع الْإِسْلَام فِي قلبِي كل موقع
الْآيَة 1 - 13(8/263)
الْحَاقَّةُ (1) مَا الْحَاقَّةُ (2) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ (3) كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ (4) فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ (5) وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ (6) سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ (7) فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ (8) وَجَاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكَاتُ بِالْخَاطِئَةِ (9) فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رَابِيَةً (10) إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ (11) لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ (12) فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ (13)
أخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {الحاقة} قَالَ: من أَسمَاء يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَالْحَاكِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {الحاقة} يَعْنِي السَّاعَة أحقت لكل عَامل عمله {وَمَا أَدْرَاك مَا الحاقة} قَالَ: تَعْظِيمًا ليَوْم الْقِيَامَة كَمَا تَسْمَعُونَ وَفِي قَوْله: {كذبت ثَمُود وَعَاد بالقارعة} قَالَ: بالساعة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {الحاقة} قَالَ: حققت لكل عَامل عمله لِلْمُؤمنِ إيمَانه وللمنافق نفَاقه وَفِي قَوْله: {بالقارعة} قَالَ: يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {فأهلكوا بالطاغية} قَالَ: بِالذنُوبِ وَكَانَ ابْن عَبَّاس يَقُول: الصَّيْحَة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {فأهلكوا بالطاغية} قَالَ: أرسل الله عَلَيْهِم صَيْحَة وَاحِدَة فأهمدتهم فأهلكوا فِي قَوْله: {برِيح صَرْصَر عَاتِيَة} قَالَ: عَتَتْ عَلَيْهِم حَتَّى نقبت أفئدتهم
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: مَا أرسل الله شَيْئا من ريح إِلَّا بِمِكْيَال وَلَا قَطْرَة من مطر إِلَّا بِمِكْيَال إِلَّا يَوْم نوح وَيَوْم عَاد فَأَما يَوْم نوح فَإِن المَاء طَغى على خزانه فَلم يكن لَهُم عَلَيْهِ سَبِيل ثمَّ قَرَأَ {إِنَّا لما طَغى المَاء} وَأما يَوْم عَاد فَإِن الرّيح عَتَتْ على خزانها فَلم يكن لَهُم عَلَيْهَا سَبِيل ثمَّ قَرَأَ {برِيح صَرْصَر عَاتِيَة} وَأخرج ابْن جرير عَن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لم تنزل قَطْرَة من مَاء إِلَّا بِمِكْيَال على يَدي ملك إِلَّا يَوْم نوح فَإِنَّهُ أذن للْمَاء دون الْخزَّان فطغى المَاء على الْخزَّان فَخرج فَذَلِك قَوْله: {إِنَّا لما طَغى المَاء} وَلم ينزل شَيْء من الرّيح إِلَّا بكيل على يَدي ملك إِلَّا يَوْم عَاد فَإِنَّهُ أذن لَهَا دون الْخزَّان فَخرجت فَذَلِك قَوْله: {برِيح صَرْصَر عَاتِيَة} عَتَتْ على الْخزَّان
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: نصرت بالصبا وأهلكت عَاد بالدبور قَالَ: مَا أَمر الْخزَّان أَن يرسلوا على عَاد إِلَّا مثل مَوضِع الْخَاتم من الرّيح فعتت على الْخزَّان فَخرجت من نواحي(8/264)
الْأَبْوَاب فَذَلِك قَوْله: {برِيح صَرْصَر عَاتِيَة} قَالَ: عتوها عَتَتْ على الْخزَّان فَبَدَأت بِأَهْل الْبَادِيَة مِنْهُم فحملتهم بمواشيهم وَبُيُوتهمْ فَأَقْبَلت بهم إِلَى الْحَاضِرَة (فَلَمَّا رَأَوْهُ عارضاً مُسْتَقْبل أَوْدِيَتهمْ قَالُوا هَذَا عَارض مُمْطِرنَا) (سُورَة الْأَحْقَاف الْآيَة 24) فَلَمَّا دنت الرّيح وأظلتهم استبق النَّاس والمواشي فِيهَا فَأَلْقَت الْبَادِيَة على أهل الْحَاضِرَة تقصفهم فهلكوا جَمِيعًا
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ فِي العظمة وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي الْأَفْرَاد وَابْن مرْدَوَيْه وَابْن عَسَاكِر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا أنزل الله من السَّمَاء كفا من مَاء إِلَّا بِمِكْيَال وَلَا كفا من ريح إِلَّا بِمِكْيَال إِلَّا يَوْم نوح فَإِن المَاء طَغى على الْخزَّان فَلم يكن لَهُم عَلَيْهِ سُلْطَان قَالَ لله تَعَالَى: {إِنَّا لما طَغى المَاء حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَة} وَيَوْم عَاد فَإِن الرّيح عَتَتْ على الْخزَّان قَالَ الله: {برِيح صَرْصَر عَاتِيَة} قَالَ: الْغَالِبَة
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: الصرصر الْبَارِدَة {عَاتِيَة} قَالَ: حَيْثُ عَتَتْ على خزانها
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {عَاتِيَة} قَالَ: شَدِيدَة وَفِي قَوْله: {حسوماً} قَالَ: متتابعة
وَأخرج ابْن عَسَاكِر من طَرِيق ابْن شهَاب عَن قبيصَة بن ذُؤَيْب قَالَ: مَا يخرج من الرّيح شَيْء إِلَّا عَلَيْهَا خزان يعلمُونَ قدرهَا وعددها ووزنها وكيلها حَتَّى كَانَت الرّيح الَّتِي أرْسلت على عَاد فاندفق مِنْهَا شَيْء لَا يعلمُونَ وَزنه وَلَا قدره وَلَا كَيْله غَضبا لله وَلذَلِك سميت عَاتِيَة وَالْمَاء كَذَلِك حِين كَانَ أَمر نوح فَلذَلِك سمي طاغياً
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الرّبيع بن أنس فِي قَوْله: {سخرها عَلَيْهِم سبع لَيَال وَثَمَانِية أَيَّام} قَالَ: كَانَ أَولهَا الْجُمُعَة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالْفِرْيَابِي وَسَعِيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن مَسْعُود فِي قَوْله: {حسوماً} قَالَ: مُتَتَابِعَات
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير من طرق عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {حسوماً} قَالَ: تبعا وَفِي لفظ مُتَتَابِعَات(8/265)
وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس أَن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله: {حسوماً} قَالَ: دائمة شَدِيدَة يَعْنِي محسومة بالبلاء قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم
أما سَمِعت أُميَّة بن أبي الصَّلْت وَهُوَ يَقُول: وَكم كُنَّا بهَا من فرط عَام وَهَذَا الدَّهْر مقتبل حسوم وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {سخرها عَلَيْهِم سبع لَيَال وَثَمَانِية أَيَّام حسوماً} قَالَ: كَانُوا سبع لَيَال وَثَمَانِية أَيَّام أَحيَاء فِي عَذَاب الله من الرّيح فَلَمَّا أَمْسوا الْيَوْم الثَّامِن مَاتُوا فاحتملتهم الرّيح فألقتهم فِي الْبَحْر فَذَلِك قَوْله: {فَهَل ترى لَهُم من بَاقِيَة} وَقَوله: {فَأَصْبحُوا لَا يرى إِلَّا مساكنهم} قَالَ: وأخبرت أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: عذبهم بكرَة وكشف عَنْهُم فِي الْيَوْم الثَّانِي حَتَّى كَانَ اللَّيْل
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد وَعِكْرِمَة رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {حسوماً} قَالَ: متتابعة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {حسوماً} قَالَ: دائمات وَفِي قَوْله: {كَأَنَّهُمْ أعجاز نخل خاوية} قَالَ: هِيَ أصُول النّخل قد بقيت أُصُولهَا وَذَهَبت أعاليها
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {كَأَنَّهُمْ أعجاز نخل} قَالَ: أُصُولهَا وَفِي قَوْله: {خاوية} قَالَ: خربة
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم رَضِي الله عَنهُ أَنه قَرَأَ {وَجَاء فِرْعَوْن وَمن قبله} بِنصب الْقَاف
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج {وَجَاء فِرْعَوْن وَمن قبله} قَالَ: وَمن مَعَه وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {والمؤتفكات} قَالَ: هم قوم لوط ائتفكت بهم أَرضهم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {بالخاطئة} قَالَ: بالخطايا وَفِي قَوْله: {أَخْذَة رابية} قَالَ: شَدِيدَة وَفِي قَوْله: {إِنَّا لما طَغى المَاء} قَالَ: كثر وَفِي قَوْله: {حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَة} قَالَ: السَّفِينَة وَفِي قَوْله: {وَتَعيهَا أذن وَاعِيَة} قَالَ: حافظة وَفِي لفظ: سامعة
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {إِنَّا لما طَغى المَاء} قَالَ: طَغى على خزانه فَنزل وَلم ينزل من السَّمَاء مَاء إِلَّا بِمِكْيَال أَو ميزَان إِلَّا زمن(8/266)
نوح فَإِنَّهُ طَغى على خزانه فَنزل من غير كيل وَلَا وزن
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: لم ينزل من السَّمَاء قَطْرَة قطّ إِلَّا بِعلم الْخزَّان إِلَّا حَيْثُ طَغى المَاء فَإِنَّهُ غضب لغضب الله فطغى على الْخزَّان فَخرج مَا لَا يعلمُونَ مَا هُوَ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {طَغى المَاء} قَالَ: بَلغنِي أَنه طَغى فَوق كل شَيْء خَمْسَة عشر ذِرَاعا
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر عَن السّديّ فِي قَوْله: {حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَة} قَالَ: السَّفِينَة وَفِي قَوْله: {لنجعلها لكم تذكرة} أَي تذكرُونَ ماصنع بهم حَيْثُ عصوا نوحًا {وَتَعيهَا} يَقُول: وتحصيها {أذن وَاعِيَة} يَقُول: أذن حافظة يَعْنِي حَدِيث السَّفِينَة
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن مَكْحُول قَالَ: لما نزلت {وَتَعيهَا أذن وَاعِيَة} قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: سَأَلت رَبِّي أَن يَجْعَلهَا أذن عليَّ قَالَ مَكْحُول: فَكَانَ عليّ يَقُول: مَا سَمِعت من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شَيْئا فَنسيته
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم والواحدي وَابْن مرْدَوَيْه وَابْن عَسَاكِر وَابْن البُخَارِيّ عَن بُرَيْدَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعليّ: إِن الله أَمرنِي أَن أدنيك وَلَا أقصيك وَأَن أعلمك وَأَن تعي وَحقّ لَك أَن تعي فَنزلت هَذِه الْآيَة {وَتَعيهَا أذن وَاعِيَة}
وَأخرج أَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن عليّ قَالَ: قَالَ رسو ل الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يَا عليّ إِن الله أَمرنِي أَن أدنيك وأعلمك لتعي فأنزلت هَذِه الْآيَة {وَتَعيهَا أذن وَاعِيَة} فَأَنت أذن وَاعِيَة لعلمي
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله: {لنجعلها لكم تذكرة} قَالَ: لأمة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكم من سفينة قد هَلَكت وَأثر قد ذهب يَعْنِي مَا بَقِي من السَّفِينَة حَتَّى أَدْرَكته أمة مُحَمَّد فرأوه كَانَت ألواحها ترى على الجودي
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {لنجعلها لكم تذكرة} قَالَ: عِبْرَة وَآيَة أبقاها الله حَتَّى نظرت إِلَيْهَا هَذِه الْأمة وَكم من سفينة غير سفينة نوح صَارَت رمماً(8/267)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عمرَان فِي قَوْله: {أذن وَاعِيَة} قَالَ: أذن عقلت عَن الله
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {وَتَعيهَا أذن وَاعِيَة} قَالَ سَمِعت وعقلت مَا سَمِعت وأوعت
الْآيَة 14 - 26(8/268)
وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً (14) فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ (15) وَانْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ (16) وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ (17) يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ (18) فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ (19) إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ (20) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (21) فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (22) قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ (23) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ (24) وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ (25) وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ (26)
أخرج الْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث والنشور عَن أبيّ بن كَعْب فِي قَوْله: {وحملت الأَرْض وَالْجِبَال فدكتا دكة وَاحِدَة} قَالَ: يصيران غبرة على وُجُوه الْكفَّار لَا على وُجُوه الْمُؤمنِينَ وَذَلِكَ قَوْله: (ووجوه يَوْمئِذٍ عَلَيْهَا غبرة ترهقها قترة) (سُورَة عبس الْآيَة 40)
وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس أَن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله: {فدكتا دكة وَاحِدَة} قَالَ: زَلْزَلَة شَدِيدَة عِنْد النفحة الْآخِرَة قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم أما سَمِعت عدي بن زيد وَهُوَ يَقُول: ملك ينْفق الخزائن الذَّم ة [الذِّمَّة] قد دكها وكادت تبور وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر عَن الزُّهْرِيّ فِي قَوْله: {فدكتا دكة وَاحِدَة} قَالَ: بَلغنِي أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: يقبض الله الأَرْض ويطوي السَّمَاء بِيَمِينِهِ ثمَّ يَقُول: لمن الْملك أَيْن مُلُوك الأَرْض(8/268)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن المنذرعن ابْن جريج فِي قَوْله: {وانشقت السَّمَاء} قَالَ: ذَلِك قَوْله: (وَفتحت السَّمَاء فَكَانَت أبوابا) (سُورَة النبأ الْآيَة 19)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {فَهِيَ يَوْمئِذٍ واهية} قَالَ: متخرقة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {وَالْملك على أرجائها} قَالَ: الْمَلَائِكَة على أطرافها
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن الرّبيع بن أنس فِي قَوْله: {وَالْملك على أرجائها} قَالَ: الْمَلَائِكَة على شقها ينظرُونَ إِلَى أهل الأَرْض وَمَا أَتَاهُم من الْفَزع
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن سعيد بن جُبَير وَالضَّحَّاك فِي قَوْله: {وَالْملك على أرجائها} قَالَ: على مَا لم ينشق مِنْهَا
وَأخرج عبد بن حميد عَن الضَّحَّاك وَقَتَادَة وَسَعِيد بن جُبَير فِي قَوْله: {وَالْملك على أرجائها} قَالُوا: على حافات السَّمَاء
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وَالْملك على أرجائها} قَالَ: على حافاتها على مَا لم يه مِنْهَا
أخرج عبد بن حميد وَعُثْمَان بن سعيد والدارمي فِي الرَّد على الْجَهْمِية وَأَبُو يعلى وَابْن الْمُنْذر وَابْن خُزَيْمَة وَابْن مرْدَوَيْه وَالْحَاكِم وَصَححهُ والخطيب تالي التَّلْخِيص عَن الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب فِي قَوْله: {وَيحمل عرش رَبك فَوْقهم يَوْمئِذٍ ثَمَانِيَة} قَالَ: ثَمَانِيَة أَمْلَاك على صُورَة الأوعال
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم من طرق عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وَيحمل عرش رَبك فَوْقهم يَوْمئِذٍ ثَمَانِيَة} قَالَ: ثَمَانِيَة صُفُوف من الْمَلَائِكَة لَا يعلم عدتهمْ إِلَّا الله
وَأخرج عبد بن حميد عَن الضَّحَّاك {وَيحمل عرش رَبك فَوْقهم يَوْمئِذٍ ثَمَانِيَة} قَالَ: يُقَال ثَمَانِيَة صُفُوف لَا يعلم عدتهمْ إِلَّا الله يُقَال ثَمَانِيَة أَمْلَاك رؤوسهم عِنْد الْعَرْش فِي السَّمَاء السَّابِعَة وأقدامهم فِي الأَرْض السُّفْلى وَلَهُم قُرُون كقرون الوعلة مَا بَين أصل قرن أحدهم إِلَى منتهاه مسيرَة خَمْسمِائَة عَام(8/269)
وَأخرج عبد بن حميد عَن الرّبيع {وَيحمل عرش رَبك فَوْقهم يَوْمئِذٍ ثَمَانِيَة} قَالَ: ثَمَانِيَة من الْمَلَائِكَة
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن زيد قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يحملهُ الْيَوْم أَرْبَعَة وَيَوْم الْقِيَامَة ثَمَانِيَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد قَالَ: لم يسم حَملَة الْعَرْش إِلَّا إسْرَافيل قَالَ: وَمِيكَائِيل لَيْسَ من حَملَة الْعَرْش
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَتَمام الرَّازِيّ فِي فَوَائده وَابْن عَسَاكِر عَن أبي الزَّاهِرِيَّة قَالَ: أنبئت أَن لبنان أحد حَملَة الْعَرْش الثَّمَانِية يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن كَعْب قَالَ: لبنان أحد الثَّمَانِية تحمل الْعَرْش يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن ميسرَة فِي قَوْله: {وَيحمل عرش رَبك فَوْقهم يَوْمئِذٍ ثَمَانِيَة} قَالَ: أَرجُلهم فِي التخوم ورؤوسهم عَن الْعَرْش لَا يَسْتَطِيعُونَ أَن يرفعوا أَبْصَارهم من شُعَاع النُّور
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن وهب بن مُنَبّه قَالَ: أَرْبَعَة أَمْلَاك يحملون الْعَرْش على أكتافهم لكل وَاحِد مِنْهُم أَرْبَعَة وُجُوه: وَجه ثَوْر وَوجه أَسد وَوجه نسر وَوجه إِنْسَان لكل وَاحِد مِنْهُم أَرْبَعَة أَجْنِحَة: أما جَنَاحَانِ فعلى وَجهه من أَن ينظر إِلَى الْعَرْش فيصعق وَأما جَنَاحَانِ فيصفق بهما وَفِي لفظ: فيطير بهما أَقْدَامهم فِي الثرى وَالْعرش على أكتافهم لَيْسَ لَهُم كَلَام إِلَّا أَن يَقُولُوا: قدسوا الله الْقوي مَلَأت عَظمته السَّمَوَات وَالْأَرْض
أخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {يَوْمئِذٍ تعرضون} قَالَ: تعرضون ثَلَاث عرضات فَأَما عرضتان ففيهما الْخُصُومَات والمعاذير وَأما الثَّالِثَة فتطاير الصُّحُف فِي الْأَيْدِي
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة {يَوْمئِذٍ تعرضون لَا تخفى مِنْكُم خافية} قَالَ: ذكر لنا أَن نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَقُول: تعرض النَّاس ثَلَاث عرضات يَوْم الْقِيَامَة فَأَما عرضتان ففيهما خصومات ومعاذير وجدال وَأما العرضة الثَّالِثَة فتطير الصُّحُف فِي الْأَيْدِي اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِمَّن تؤتيه كِتَابه بِيَمِينِهِ
قَالَ: وَكَانَ بعض أهل الْعلم يَقُول: إِنِّي وجدت أَكيس النَّاس من قَالَ: {هاؤم اقرؤوا كِتَابيه إِنِّي ظَنَنْت أَنِّي ملاق حسابية} قَالَ: ظن ظنا يَقِينا فنفعه الله بظنه
قَالَ: وَذكر أَن نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم(8/270)
كَانَ يَقُول: من اسْتَطَاعَ أَن يَمُوت وَهُوَ يحسن الظَّن بِاللَّه فَلْيفْعَل
وَأخرج أَحْمد وَعبد بن حميد التِّرْمِذِيّ وَابْن ماجة وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي مُوسَى قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يعرض النَّاس يَوْم الْقِيَامَة ثَلَاث عرضات فَأَما عرضتان فجدال ومعاذير وَأما الثَّالِثَة فَعِنْدَ ذَلِك تطاير الصُّحُف فِي أَيدي فآخذ بِيَمِينِهِ وآخذ بِشمَالِهِ
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه من وَجه آخر عَن أبي مُوسَى قَالَ: سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: فِي قَوْله: {يَوْمئِذٍ تعرضون لَا تخفى مِنْكُم خافية} قَالَ: عرضتان فيهمَا الْخُصُومَة والجدال والعرضة الثَّالِثَة تطير الصُّحُف فِي أَيدي الرِّجَال
وَأخرج ابْن جرير وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن ابْن مسعد قَالَ: يعرض النَّاس يَوْم الْقِيَامَة ثَلَاث عرضات فَأَما عرضتان فجدال ومعاذير وَأما العرضة الثَّالِثَة فتطاير الْكتب بالأيمان وَالشَّمَائِل
وَأخرج ابْن الْمُبَارك عَن عمر قَالَ: حاسبوا أَنفسكُم قبل أَن تحاسبوا فَإِنَّهُ أيسر لحسابكم وزنوا أَنفسكُم قبل أَن توزنوا وتجهزوا للعرض الْأَكْبَر {يَوْمئِذٍ تعرضون لَا تخفى مِنْكُم خافية}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عبد الله بن حَنْظَلَة غسيل الْمَلَائِكَة قَالَ: إِن الله يقف عَبده يَوْم الْقِيَامَة فيبدي سيئاته فِي ظهر صَحِيفَته فَيَقُول لَهُ: أَنْت عملت هَذَا فَيَقُول: نعم أَي رب فَيَقُول لَهُ: إِنِّي لم أفضحك بِهِ وَإِنِّي غفرت لَك فَيَقُول عِنْد ذَلِك: {هاؤم اقرؤوا كِتَابيه إِنِّي ظَنَنْت أَنِّي ملاق حسابيه} حِين نجا من فضيحته يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج ابْن الْمُبَارك فِي الزّهْد وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر والخطيب عَن أبي عُثْمَان النَّهْدِيّ قَالَ: إِن الْمُؤمن ليُعْطى كِتَابه فِي ستر من الله فَيقْرَأ سيئاته فيتغير لَونه ثمَّ يقْرَأ حَسَنَاته فَيرجع إِلَيْهِ لَونه ثمَّ ينظر فَإِذا سيئاته قد بُدِّلَتْ حَسَنَات فَعِنْدَ ذَلِك يَقُول: {هاؤم اقرؤوا كِتَابِيَّة}
وَأخرج أَحْمد عَن أبي الدَّرْدَاء قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِنَّا أول من يُؤذن لَهُ فِي السُّجُود يَوْم الْقِيَامَة وَأَنا أول من يُؤذن لَهُ أَن يرفع رَأسه فَأنْظر إِلَى بَين يَدي فأعرف أمتِي من بَين الْأُمَم وَمن خَلْفي مثل ذَلِك وَعَن يَمِيني مثل ذَلِك وَعَن شمَالي مثل ذَلِك فَقَالَ رجل: يَا رَسُول الله كَيفَ تعرف أمتك من بَين الْأُمَم فِيمَا بَين(8/271)
نوح إِلَى أمتك قَالَ: هم غر محجلون من أثر الْوضُوء لَيْسَ أحد كَذَلِك غَيرهم وأعرفهم أَنهم يُؤْتونَ كتبهمْ بأيمانهم وأعرفهم يسْعَى نورهم بَين أَيْديهم ذُرِّيتهمْ
وَأخرج جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {إِنِّي ظَنَنْت} قَالَ: أيقنت
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن أبي حَاتِم عَن الْبَراء بن عَازِب فِي قَوْله: {قطوفها دانية} قَالَ: قريبَة
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة {قطوفها دانية} قَالَ: دنت فَلَا يرد أَيْديهم عَنْهَا بعد وَلَا شوك
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن الْبَراء فِي قَوْله: {قطوفها دانية} قَالَ: يتَنَاوَل الرجل مِنْهَا من فواكهها وَهُوَ قَائِم
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله: {قطوفها} قَالَ: ثَمَرهَا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن سلمَان الْفَارِسِي: لَا يدْخل الْجنَّة أحد إِلَّا بجوار بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم هَذَا كتاب من الله لفُلَان بن فلَان أدخلوه جنَّة عالية {قطوفها دانية}
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة {كلوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أسلفتم فِي الْأَيَّام الخالية} قَالَ: أيامكم هَذِه أَيَّام خَالِيَة فانية تُؤدِّي إِلَى أَيَّام بَاقِيَة فاعملوا فِي هَذِه الْأَيَّام وَقدمُوا خيرا إِن اسْتَطَعْتُم وَلَا قوّة إِلَّا بِاللَّه
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن يُوسُف بن يَعْقُوب الْحَنَفِيّ قَالَ: بَلغنِي أَنه إِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة يَقُول الله تَعَالَى: يَا أوليائي طَال مَا نظرت إِلَيْكُم فِي الدُّنْيَا وَقد قلصت شفاهكم عَن الْأَشْرِبَة وَغَارَتْ أعينكُم وجفت بطونكم كونُوا الْيَوْم فِي نعيمكم وكلوا وَاشْرَبُوا {هَنِيئًا بِمَا أسلفتم فِي الْأَيَّام الخالية}
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن عدي فِي الْكَامِل وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن عبد الله بن رفيع فِي قَوْله: {بِمَا أسلفتم فِي الْأَيَّام الخالية} قَالَ: الصَّوْم
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن نَافِع قَالَ: خرج ابْن عمر فِي بعض نواحي الْمَدِينَة وَمَعَهُ أَصْحَاب لَهُ وَوَضَعُوا سفرة لَهُم فَمر بهم راعي غنم فَسلم فَقَالَ ابْن عمر: هَلُمَّ يَا راعي هَلُمَّ فأصب من هَذِه السفرة فَقَالَ لَهُ: إِنِّي صَائِم فَقَالَ ابْن عمر: أتصوم فِي مثل هَذَا الْيَوْم الْحَار الشَّديد سمومه وَأَنت فِي هَذِه الْجبَال ترعى هَذِه الْغنم فَقَالَ لَهُ: إِنِّي وَالله أبادر أيامي الخالية فَقَالَ لَهُ ابْن عمر وَهُوَ يُرِيد أَن يختبر(8/272)
ورعه: فَهَل لَك أَن تبيعنا شَاة من غنمك هَذِه فنعطيك ثمنهَا ونعطيك من لَحمهَا فتفطر عَلَيْهِ فَقَالَ: إِنَّهَا لَيست لي بِغنم إِنَّهَا غنم سَيِّدي
فَقَالَ لَهُ ابْن عمر: فَمَا عَسى سيدك فَاعِلا إذافقدها فَقلت أكلهَا الذِّئْب فولى الرَّاعِي عَنهُ وَهُوَ رَافع إصبعه إِلَى السَّمَاء وَهُوَ يَقُول: فَأَيْنَ الله قَالَ: فَجعل ابْن عمر يردد قَول الرَّاعِي وَهُوَ يَقُول: قَالَ الرَّاعِي: فَأَيْنَ الله فَلَمَّا قدم الْمَدِينَة بعث إِلَى مَوْلَاهُ فَاشْترى مِنْهُ الْغنم والراعي فَأعتق الرَّاعِي ووهب مِنْهُ الْغنم
الْآيَة 27 - 34(8/273)
يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ (27) مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ (28) هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ (29) خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (30) ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (31) ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ (32) إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ (33) وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (34)
أخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {يَا ليتها كَانَت القاضية} قَالَ: تمنوا الْمَوْت وَلم يكن شَيْء فِي الدُّنْيَا أكره عِنْدهم من الْمَوْت وَفِي قَوْله: {هلك عني سلطانيه} قَالَ: أما وَالله مَا كل من دخل النَّار كَانَ أَمِير قَرْيَة وَلَكِن الله خلقهمْ وسلطهم على أبدانهم وَأمرهمْ بِطَاعَتِهِ ونهاهم عَن مَعْصِيَته
وَأخرج هناد عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله: {يَا ليتها كَانَت القاضية} قَالَ: يَا ليتها كَانَت موتَة لَا حَيَاة بعْدهَا
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد {هلك عني سلطانيه} قَالَ: حجتي
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة {هلك عني سلطانيه} قَالَ: يَعْنِي حجَّته
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور عَن مُحَمَّد بن كَعْب فِي قَوْله: {يَا ليتها كَانَت القاضية} قَالَ: حجتي
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {هلك عني سلطانيه} قَالَ: ضلت عني كل بَيِّنَة فَلم تغن عني شَيْئا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله: {خذوه فغلوه} قَالَ: أخْبرت أَنه أَبُو جهل
وَأخرج ابْن الْمُبَارك وهناد فِي الزّهْد وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن نوف الشَّامي(8/273)
فِي قَوْله: {ثمَّ فِي سلسلة ذرعها سَبْعُونَ ذِرَاعا} قَالَ: الذِّرَاع سَبْعُونَ باعاً والباع مَا بَيْنك وَبَين مَكَّة وَهُوَ يَوْمئِذٍ بِالْكُوفَةِ
وَأخرج ابْن الْمُبَارك وَعبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن كَعْب قَالَ: إِن حلقه من السلسلة الَّتِي ذكر الله فِي كِتَابه مثل جَمِيع حَدِيد الدُّنْيَا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث والنشور عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {فاسلكوه} قَالَ: تسلك فِي دبره حَتَّى تخرج من مَنْخرَيْهِ حَتَّى لَا يقوم على رجلَيْهِ
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن جريج فِي قَوْله: {فاسلكوه} قَالَ: قَالَ ابْن عَبَّاس: السلسلة تدخل فِي استه ثمَّ تخرج من فِيهِ ثمَّ ينظمون فِيهَا كَمَا ينظم الْجَرَاد فِي الْعود ثمَّ يشوى
وَأخرج ابْن الْمُنْذر من طَرِيق ابْن جريج عَن مُجَاهِد قَالَ: بَلغنِي أَن السلسلة تدخل من مَقْعَده حَتَّى تخرج من فِيهِ يوثق بهَا بعد أَو من فِيهِ حَتَّى تخرج من معدته
وَأخرج أَبُو عبيد وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن أبي الدَّرْدَاء قَالَ: إِن لله سلسلة لم تزل تغلي فِيهَا مراجل النَّار مُنْذُ خلق الله جَهَنَّم إِلَى يَوْم الْقِيَامَة تلقى فِي أَعْنَاق النَّاس وَقد نجانا الله من نصفهَا بإيماننا بِاللَّه الْعَظِيم فحضّي على طَعَام الْمِسْكِين يَا أم الدَّرْدَاء
الْآيَة 35 - 52(8/274)
فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ (35) وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ (36) لَا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِئُونَ (37) فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ (38) وَمَا لَا تُبْصِرُونَ (39) إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (40) وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ (41) وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (42) تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (43) وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (44) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (46) فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ (47) وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (48) وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ (49) وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكَافِرِينَ (50) وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ (51) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (52)
أخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الْقَاسِم الزجاجي النَّحْوِيّ فِي أَمَالِيهِ من طَرِيق مُجَاهِد عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: مَا أَدْرِي مَا الغسلين وَلَكِنِّي أَظُنهُ الزقوم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الغسلين الدَّم وَالْمَاء الَّذِي يسيل من لحومهم
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عَليّ بن أبي طَلْحَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الغسلين صديد أهل النَّار
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَو أَن دلواً من غسلين يراق فِي الدُّنْيَا لأنتن بِأَهْل الدُّنْيَا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر من طَرِيق ابْن جريج عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الغسلين اسْم طَعَام من أطْعمهُ النَّار
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الضَّحَّاك قَالَ: غسلين شَجَرَة فِي النَّار
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن صعصعة بن صوحان قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِي إِلَى عليّ بن أبي طَالب فَقَالَ: كَيفَ هَذَا الْحَرْف لَا يَأْكُلهُ أَلا الخاطون كل وَالله يخطو فَتَبَسَّمَ عليّ وَقَالَ: يَا أَعْرَابِي {لَا يَأْكُلهُ إِلَّا الخاطئون} صدقت وَالله يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ مَا كَانَ الله ليسلم عَبده ثمَّ الْتفت عليّ إِلَى أبي الْأسود فَقَالَ: إِن الْأَعَاجِم قد دخلت فِي الدّين كَافَّة فضع للنَّاس شَيْئا يستدلون بِهِ على صَلَاح ألسنتهم فرسم لَهُ الرّفْع وَالنّصب والخفض
وَأخرج عبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ فِي تَارِيخه من طَرِيق أبي الدهْقَان عَن عبد الله أَنه قَرَأَ {لَا يَأْكُلهُ إِلَّا الخاطئون} مَهْمُوزَة
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور عَن مُجَاهِد أَنه كَانَ يقْرَأ لَا يَأْكُلهُ إِلَّا الخاطون لَا يهمز
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ من طَرِيق أبي الْأسود الدؤَلِي وَيحيى بن يعمر عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: مَا الخاطون إِنَّمَا هُوَ الخاطئون مَا الصابون إِنَّمَا هُوَ الصائبون
أخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {فَلَا أقسم بِمَا تبصرون وَمَا لَا تبصرون} يَقُول: بِمَا ترَوْنَ وَمَا لَا ترَوْنَ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {وَمَا هُوَ بقول شَاعِر} قَالَ: طهره الله وَعَصَمَهُ {وَلَا بقول كَاهِن} قَالَ: طهره من الكهانة وَعَصَمَهُ مِنْهَا(8/275)
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن يزِيد بن عَامر السوَائِي أَنهم بَيْنَمَا هم يطوفون بالطاغية إِذا سمعُوا متكلماً وَهُوَ يَقُول: {وَلَو تَقول علينا بعض الْأَقَاوِيل لأخذنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثمَّ لقطعنا مِنْهُ الوتين} ففزعنا لذَلِك وَقُلْنَا مَا هَذَا الْكَلَام الَّذِي لَا نعرفه فَنَظَرْنَا فَإِذا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم منطلق
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {لأخذنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ} قَالَ: بقدرة
وَأخرج عبد بن حميد عَن الحكم فِي قَوْله: {لأخذنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ} قَالَ: بِالْحَقِّ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الوتين عرق الْقلب
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَسَعِيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {ثمَّ لقطعنا مِنْهُ الوتين} قَالَ: هُوَ حَبل الْقلب الَّذِي فِي الظّهْر
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {ثمَّ لقطعنا مِنْهُ الوتين} قَالَ: كُنَّا نُحدث أَنه حَبل الْقلب
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد قَالَ: الوتين الْحَبل الَّذِي فِي الظّهْر
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة قَالَ: الوتين نِيَاط الْقلب
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن حُصَيْن بن عبد الرَّحْمَن قَالَ: قَالَ ابْن عَبَّاس: إِذا احْتضرَ الإِنسان أَتَاهُ ملك الْمَوْت فغمز وتينه فَإِذا انْقَطع الوتين خرج روحه فهناك حِين يشخص بَصَره ويتبعه روحه
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة قَالَ: إِذا انْقَطع الوتين لَا إِن جَاع عرق وَلَا إِن شبع عرق
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله: {وَإنَّهُ لتذكرة} لَك {وَإنَّهُ لحسرة} {وَإنَّهُ لحق الْيَقِين} قَالَ: الْقُرْآن
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {وَإنَّهُ لتذكرة لِلْمُتقين} قَالَ: يَعْنِي هَذَا الْقُرْآن وَفِي قَوْله: {وَإنَّهُ لحسرة على الْكَافرين} قَالَ: ذاكم يَوْم الْقِيَامَة(8/276)
70
سُورَة المعارج
مَكِّيَّة وآياتها أَربع وَأَرْبَعُونَ أخرج ابْن الضريس والنحاس وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: نزلت سُورَة سَأَلَ بِمَكَّة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن الزبير مثله
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
الْآيَة 1 - 5(8/277)
سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ (1) لِلْكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ (2) مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ (3) تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (4) فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا (5)
أخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَالنَّسَائِيّ وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {سَأَلَ سَائل} قَالَ: هُوَ النَّضر بن الْحَارِث قَالَ: اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَذَا هُوَ الْحق من عنْدك فَأمْطر علينا حِجَارَة من السَّمَاء وَفِي قَوْله: {بِعَذَاب وَاقع} قَالَ: كَائِن {للْكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافع من الله ذِي المعارج} قَالَ: ذِي الدَّرَجَات
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن زيد بن أسلم مثله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله: {سَأَلَ سَائل} قَالَ: نزلت بِمَكَّة فِي النَّضر بن الْحَارِث وَقد قَالَ: اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَذَا هُوَ الْحق من عنْدك الْآيَة وَكَانَ عَذَابه يَوْم بدر
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله: {بِعَذَاب وَاقع} قَالَ: يَقع فِي الْآخِرَة قَوْلهم فِي الدُّنْيَا: اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَذَا هُوَ الْحق من عنْدك هُوَ النَّضر بن(8/277)
الْحَارِث
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الْحسن قَالَ: {سَأَلَ سَائل بِعَذَاب وَاقع} فَقَالَ النَّاس: على من يَقع الْعَذَاب فَأنْزل الله {للْكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافع}
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {سَأَلَ سَائل} قَالَ: دَعَا دَاع وَفِي قَوْله: {بِعَذَاب وَاقع} قَالَ: يَقع فِي الْآخِرَة وَهُوَ قَوْلهم: اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَذَا هُوَ الْحق من عنْدك فَأمْطر علينا حِجَارَة من السَّمَاء أَو ائتنا بِعَذَاب أَلِيم
أخرج عبد بن حميد عَن عَطاء قَالَ: رجل من عبد برار وَيُقَال لَهُ الْحَارِث بن عَلْقَمَة: اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَذَا هُوَ الْحق من عنْدك فَأمْطر علينا حِجَارَة من السَّمَاء أَو ائتنا بِعَذَاب أَلِيم فَقَالَ الله: (وَقَالُوا رَبنَا عجل لنا قطنا قبل يَوْم الْحساب) (سُورَة ص الْآيَة 86) وَقَالَ الله: (وَلَقَد جئتمونا فُرَادَى) (سُورَة الْأَنْعَام الْآيَة 94) وَقَالَ الله: {سَأَلَ سَائل بِعَذَاب وَاقع} هُوَ الَّذِي قَالَ: إِن كَانَ هَذَا هُوَ الْحق من عنْدك فَأمْطر وَهُوَ الَّذِي قَالَ: (رَبنَا عجل لنا قطنا) وَهُوَ الَّذِي سَأَلَ عذَابا هُوَ وَاقع بِهِ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {سَأَلَ سَائل} قَالَ: سَأَلَ وادٍ فِي جَهَنَّم
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {ذِي المعارج} قَالَ: ذِي الْعُلُوّ والفواضل
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {ذِي المعارج} قَالَ: معارج السَّمَاء
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {ذِي المعارج} قَالَ: ذِي الْفَضَائِل وَالنعَم
وَأخرج أَحْمد وَابْن خُزَيْمَة عَن سعد بن أبي وَقاص أَنه سمع رجلا يَقُول: لبيْك ذِي المعارج فَقَالَ: إِنَّه لذُو المعارج وَلَكنَّا كُنَّا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يَقُول ذَلِك
أخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم رَضِي الله عَنهُ أَنه قَرَأَ {تعرج الْمَلَائِكَة} بِالتَّاءِ(8/278)
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي إِسْحَق رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ عبد الله يقْرَأ يعرج الْمَلَائِكَة بِالْيَاءِ
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {فِي يَوْم كَانَ مِقْدَاره خمسين ألف سنة} قَالَ: مُنْتَهى أمره من أَسْفَل الْأَرْضين إِلَى مُنْتَهى أمره من فَوق سبع سموات {مِقْدَاره خمسين ألف سنة} وَيَوْم كَانَ مِقْدَاره ألف سنة يَعْنِي بذلك نزُول الْأَمر من السَّمَاء إِلَى الأَرْض وَمن الأَرْض إِلَى السَّمَاء فِي يَوْم وَاحِد فَذَلِك مِقْدَاره ألف سنة لِأَن مَا بَين السَّمَاء وَالْأَرْض مسيرَة خَمْسمِائَة عَام
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: غلظ كل أَرض خَمْسمِائَة عَام فَذَلِك أَرْبَعَة عشر ألف عَام وَبَين السَّمَاء السَّابِعَة وَبَين الْعَرْش مسيرَة سِتَّة وَثَلَاثِينَ ألف عَام فَذَلِك قَوْله: {فِي يَوْم كَانَ مِقْدَاره خمسين ألف سنة}
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث والنشور عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {فِي يَوْم كَانَ مِقْدَاره ألف سنة مِمَّا تَعدونَ} قَالَ: هَذَا فِي الدُّنْيَا {تعرج الْمَلَائِكَة وَالروح إِلَيْهِ فِي يَوْم كَانَ مِقْدَاره خمسين ألف سنة} وَفِي قَوْله: {فِي يَوْم كَانَ مِقْدَاره خمسين ألف سنة} فَهَذَا يَوْم الْقِيَامَة جعله الله على الْكَافرين مِقْدَار خمسين ألف سنة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {فِي يَوْم كَانَ مِقْدَاره خمسين ألف سنة} قَالَ: لَو قدرتموه لَكَانَ خمسين ألف سنة من أيامكم قَالَ: يَعْنِي يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: سَأَلَ رجل ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا مَا هَؤُلَاءِ الْآيَات {فِي يَوْم كَانَ مِقْدَاره خمسين ألف سنة} وَيُدبر الْأَمر من السَّمَاء إِلَى الأَرْض ثمَّ يعرج إِلَيْهِ {فِي يَوْم كَانَ مِقْدَاره ألف سنة مِمَّا تَعدونَ} {ويستعجلونك بِالْعَذَابِ وَلنْ يخلف الله وعده وَإِن يَوْمًا عِنْد رَبك كألف سنة مِمَّا تَعدونَ} قَالَ: يَوْم الْقِيَامَة حِسَاب خمسين ألف سنة وَخلق السَّمَوَات وَالْأَرْض فِي سِتَّة أَيَّام كل يَوْم ألف سنة وَيُدبر الْأَمر من السَّمَاء إِلَى الأَرْض ثمَّ يعرج إِلَيْهِ {فِي يَوْم كَانَ مِقْدَاره ألف سنة} قَالَ: ذَلِك مِقْدَار الْمسير
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن مُجَاهِد وَعِكْرِمَة رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {فِي يَوْم كَانَ مِقْدَاره خمسين ألف سنة} قَالَا: هِيَ الدُّنْيَا أَولهَا إِلَى آخرهَا يَوْم مِقْدَاره خَمْسُونَ ألف سنة يَوْم الْقِيَامَة(8/279)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن وهب بن مُنَبّه رَضِي الله عَنهُ قَالَ: هُوَ مَا بَين أَسْفَل الأَرْض إِلَى الْعَرْش
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {فِي يَوْم كَانَ مِقْدَاره خمسين ألف سنة} قَالَ: ذَلِك يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج أَحْمد وَأَبُو يعلى وَابْن جرير وَابْن حبَان وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: سُئِلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن {يَوْم كَانَ مِقْدَاره خمسين ألف سنة} مَا أطول هَذَا الْيَوْم فَقَالَ: وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ إِنَّه ليخفف على الْمُؤمن حَتَّى يكون أَهْون عَلَيْهِ من صَلَاة مَكْتُوبَة يُصليهَا فِي الدُّنْيَا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قدر يَوْم الْقِيَامَة على الْمُؤمن قدر مَا بَين الظّهْر إِلَى الْعَصْر
وَأخرج عبد بن حميد عَن عبد الله بن عَمْرو رَضِي الله عَنهُ قَالَ: يشْتَد كرب يَوْم الْقِيَامَة حَتَّى يلجم الْكَافِر الْعرق قيل: فَأَيْنَ الْمُؤْمِنُونَ يَوْمئِذٍ قَالَ: يوضع لَهُم كراسي من ذهب ويظلل عَلَيْهِم الْغَمَام وَيقصر ذَلِك الْيَوْم عَلَيْهِم ويهون حَتَّى يكون كَيَوْم من أيامكم هَذِه
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ قَالَ: يكون عَلَيْهِم كَصَلَاة الْمَكْتُوبَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ مَرْفُوعا قَالَ: مَا قدر طول يَوْم الْقِيَامَة على الْمُؤمنِينَ إِلَّا كَقدْر مَا بَين الظّهْر إِلَى الْعَصْر
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {صبرا جميلاً} قَالَ: لَا تَشْكُو إِلَى أحد غَيره
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ عَن عبد الْأَعْلَى بن الْحجَّاج فِي قَوْله: {فاصبر صبرا جميلاً} يكون صَاحب الْمُصِيبَة فِي الْقَوْم لَا يعرف من هُوَ
الْآيَة 6 - 18(8/280)
إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا (6) وَنَرَاهُ قَرِيبًا (7) يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ (8) وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ (9) وَلَا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا (10) يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ (11) وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ (12) وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ (13) وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنْجِيهِ (14) كَلَّا إِنَّهَا لَظَى (15) نَزَّاعَةً لِلشَّوَى (16) تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى (17) وَجَمَعَ فَأَوْعَى (18)
أخرج عبد بن حميد عَن الْأَعْمَش رَضِي الله عَنهُ {إِنَّهُم يرونه بَعيدا} قَالَ: السَّاعَة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {إِنَّهُم يرونه بَعيدا} قَالَ: بتكذيبهم {ونراه قَرِيبا} قَالَ: صدقا كَائِنا
وَأخرج أَحْمد وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر والخطيب فِي الْمُتَّفق والمفترق والضياء فِي المختارة عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {يَوْم تكون السَّمَاء كَالْمهْلِ} قَالَ: إِنَّهَا الْآن خضراء وَإِنَّهَا تحول يَوْم الْقِيَامَة لوناً آخر إِلَى الْحمرَة
وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس إِن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله: {يَوْم تكون السَّمَاء كَالْمهْلِ} قَالَ: كدرديّ الزَّيْت وَسَوَاد الْعرق من خوف يَوْم الْقِيَامَة قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم أما سَمِعت قَول الشَّاعِر: تنادى بِهِ الْقسم السمُوم كَأَنَّهَا تبطنت الأقراب من عرق مهلا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {يَوْم تكون السَّمَاء كَالْمهْلِ} قَالَ: عكر الزَّيْت {وَتَكون الْجبَال كالعهن} قَالَ: كالصوف وَفِي قَوْله: {يبصرونهم} قَالَ: الْمُؤْمِنُونَ يبصرون الْكَافرين
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وَلَا يسْأَل حميم حميماً} قَالَ: شغل كل إِنْسَان بِنَفسِهِ عَن النَّاس {يبصرونهم} قَالَ: تعلمن وَالله ليعرفن يَوْم الْقِيَامَة قوم قوما وَالنَّاس أنَاس {يود المجرم لَو يفتدي} الْآيَة قَالَ: يتَمَنَّى يَوْم الْقِيَامَة لَو يفتدي بالأحب فالأحب وَالْأَقْرَب فَالْأَقْرَب من أَهله وعشيرته لتشديد ذَلِك الْيَوْم
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {يبصرونهم} قَالَ: يعرف بَعضهم بَعْضًا وتعارفون ثمَّ يفر بَعضهم من بعض
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ {وفصيلته} قَالَ: عشيرته
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن مُحَمَّد بن كَعْب رَضِي الله عَنهُ {وفصيلته الَّتِي تؤويه} قَالَ: قبيلته الَّتِي ينتسب إِلَيْهَا(8/281)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وفصيلته} قَالَ: قبيلته وَفِي قَوْله: {نزاعة للشوى} قَالَ: لجلود الرَّأْس {تَدْعُو من أدبر وَتَوَلَّى} قَالَ: عَن الْحق {وَجمع فأوعى} قَالَ: جمع المَال
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {نزاعة للشوى} قَالَ: تنْزع أم الرَّأْس
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {نزاعة للشوى} قَالَ: لهامته وَمَكَارِم وَجهه {تَدْعُو من أدبر} قَالَ: عَن طَاعَة الله تَعَالَى {وَتَوَلَّى} قَالَ: عَن كتاب الله وَعَن حَقه {وَجمع فأوعى} قَالَ: كَانَ جموعاً للخبيث
وَأخرج عبد بن حميد عَن قُرَّة بن خَالِد رَضِي الله عَنهُ {نزاعة للشوى} قَالَ: نزاعة للهام تحرق كل شَيْء مِنْهُ وَيبقى فُؤَاده نضجاً
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {نزاعة للشوى} الشوى الْأَطْرَاف
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ {نزاعة للشوى} قَالَ: فَرْوَة الرَّأْس
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ثَابت رَضِي الله عَنهُ {نزاعة للشوى} قَالَ: لمكارم وَجه ابْن آدم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن أبي صَالح رَضِي الله عَنهُ {نزاعة للشوى} قَالَ: للحم السَّاقَيْن
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن أبي صَالح رَضِي الله عَنهُ {نزاعة للشوى} قَالَ: الْأَطْرَاف
وَأخرج ابْن سعد عَن الحكم رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ عبد الله بن حَكِيم لَا يرْبط كيسه قَالَ: سَمِعت الله يَقُول: {وَجمع فأوعى}
الْآيَة 19 - 44(8/282)
إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا (21) إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22) الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ (23) وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (24) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (25) وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (26) وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (27) إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ (28) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (29) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (30) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (31) وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (32) وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ (33) وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (34) أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ (35) فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ (36) عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ (37) أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ (38) كَلَّا إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ (39) فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ (40) عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْرًا مِنْهُمْ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (41) فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (42) يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ (43) خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ (44)
أخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: سُئِلَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا عَن الهلوع فَقَالَ: هُوَ كَمَا قَالَ الله: {إِذا مَسّه الشَّرّ جزوعاً وَإِذا مَسّه الْخَيْر منوعاً} فَهُوَ الهلوع
وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس إِن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله عزَّ وَجل: {إِن الإِنسان خلق هلوعاً} قَالَ: ضجوراً جزوعاً نزلت فِي أبي جهل بن هِشَام قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم
أما سَمِعت بشر بن أبي حَازِم وَهُوَ يَقُول: لَا مَانِعا للْيَتِيم بخلقه وَلَا مكباً بخلقه هلعاً وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الْحسن أَنه سُئِلَ عَن قَوْله: {إِن الإِنسان خلق هلوعاً} قَالَ: اقْرَأ مَا بعْدهَا فَقَرَأَ {إِذا مَسّه الشَّرّ جزوعاً وَإِذا مَسّه الْخَيْر منوعاً} قَالَ: هَكَذَا خلق
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله: {هلوعاً} قَالَ: شحيحاً جزوعاً(8/283)
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ {هلوعاً} قَالَ: الضجر
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {هلوعاً} قَالَ: جزوعاً
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {هلوعاً} قَالَ: الشره وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن حُصَيْن بن عبد الرَّحْمَن {هلوعاً} قَالَ: الْحَرِيص
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الضَّحَّاك {هلوعاً} قَالَ: الَّذِي لايشبع من جمع المَال
وَأخرج الديلمي عَن عليّ مَرْفُوعا يكْتب أَنِين الْمَرِيض فَإِن كَانَ صَابِرًا كَانَ أنينه حَسَنَات وَإِن كَانَ جزوعاً كتب هلوعاً لَا أجر لَهُ
أخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {إِلَّا الْمُصَلِّين الَّذين هم على صلَاتهم دائمون} قَالَ: ذكر لنا أَن دانيال نعت أمة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يصلونَ صَلَاة لَو صلاهَا قوم نوح مَا أغرقوا أَو عَاد مَا أرْسلت عَلَيْهِم الرّيح الْعَقِيم أَو ثَمُود مَا أخذتهم الصَّيْحَة
قَالَ قَتَادَة: فَعَلَيْكُم بِالصَّلَاةِ فَإِنَّهَا خلق من خلق الْمُؤمنِينَ حسن
وَأخرج عبد بن حميد عَن إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {الَّذين هم على صلَاتهم دائمون} قَالَ: الصَّلَاة الْمَكْتُوبَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة فِي المُصَنّف عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ {الَّذين هم على صلَاتهم دائمون} قَالَ: على مواقيتها
وَأخرج عبد بن حميد عَن مَسْرُوق رَضِي الله عَنهُ مثله
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر عَن عمرَان بن حُصَيْن رَضِي الله عَنهُ {الَّذين هم على صلَاتهم دائمون} قَالَ: الَّذِي لَا يلْتَفت فِي صلَاته
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن عقبَة بن عَامر رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {الَّذين هم على صلَاتهم دائمون} قَالَ: هم الَّذين إِذا صلوا لم يلتفتوا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن أبي الْخَيْر أَن عقبَة بن عَامر رَضِي الله عَنهُ قَالَ لَهُم: من الَّذين هم على صلَاتهم دائمون قُلْنَا الَّذين لَا يزالون يصلونَ فَقَالَ: لَا وَلَكِن الَّذين إِذا صلوا لم يلتفتوا عَن يَمِين وَلَا شمال(8/284)
وَأخرج ابْن حبَان عَن أبي سَلمَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: حَدَّثتنِي عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: خُذُوا من الْعَمَل مَا تطيقون فَإِن الله لَا يمل حَتَّى تملوا قَالَت: وَكَانَ أحب الْأَعْمَال إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا دووم عَلَيْهِ وَإِن قل وَكَانَ إِذا صلى صَلَاة دَامَ عَلَيْهَا
قَالَ أَبُو سَلمَة رَضِي الله عَنهُ: قَالَ الله: {الَّذين هم على صلَاتهم دائمون}
وَأخرج عبد بن حميد عَن إِبْرَاهِيم رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وَالَّذين فِي أَمْوَالهم حق مَعْلُوم} قَالَ: كَانُوا إِذا خرجت الأعطية أعْطوا مِنْهَا
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {فَمَال الَّذين كفرُوا قبلك مهطعين} قَالَ: ينظرُونَ {عَن الْيَمين وَعَن الشمَال عزين} قَالَ: الْغَضَب من النَّاس عَن يَمِين وشمال معرضين يستهزئون بِهِ
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {فَمَال الَّذين كفرُوا قبلك مهطعين} قَالَ: عَامِدين {عَن الْيَمين وَعَن الشمَال عزين} قَالَ: فرقا حول نَبِي الله لَا يرغبون فِي كتاب الله وَلَا ذكره
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ {فَمَال الَّذين كفرُوا قبلك مهطعين} قَالَ: منطلقين {عَن الْيَمين وَعَن الشمَال عزين} قَالَ: مُتَفَرّقين يَأْخُذُونَ يَمِينا وَشمَالًا يَقُولُونَ: مَا يَقُول هَذَا الرجل
وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله عزَّ وَجل: {عَن الْيَمين وَعَن الشمَال عزين} قَالَ: الْحلق الرفاق
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم
أما سَمِعت عبيد بن الْأَحْوَص وَهُوَ يَقُول: فجاؤا مهرعين إِلَيْهِ حَتَّى يَكُونُوا حول منبره عزين وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {عَن الْيَمين وَعَن الشمَال} قَالَ: عَن يَمِين النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعَن شِمَاله {عزين} قَالَ: مجَالِس محتبين نفر قَلِيل قَلِيل
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {عزين} قَالَ: الْحلق الْمجَالِس(8/285)
وَأخرج عبد بن حميد عَن عبَادَة بن أنس قَالَ: دخل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَسْجِد فَقَالَ: مَالِي أَرَاكُم {عزين} حلقا حلق الْجَاهِلِيَّة قعد رجل خلف أَخِيه
وَأخرج عبد بن حميد وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن جَابر بن سَمُرَة قَالَ: دخل علينا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَسْجِد وَنحن حلق متفرقون فَقَالَ: مَا لي أَرَاكُم {عزين}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: خرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه جُلُوس حلقا حلقا فَقَالَ: مَالِي أَرَاكُم {عزين}
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ {أيطمع كل امْرِئ مِنْهُم أَن يدْخل جنَّة} بِرَفْع الْيَاء
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي معمر أَنه قَرَأَ {أَن يدْخل} بِنصب الْيَاء وَرفع الْخَاء
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله: {أيطمع كل امْرِئ مِنْهُم أَن يدْخل جنَّة نعيم} قَالَ: كلا لست فَاعِلا ثمَّ ذكر خلقهمْ فَقَالَ: {إِنَّا خلقناهم مِمَّا يعلمُونَ} يَعْنِي النُّطْفَة الَّتِي خلق مِنْهَا الْبشر
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة {كلا إِنَّا خلقناهم مِمَّا يعلمُونَ} قَالَ: إِنَّمَا خلقت من قذر يَا ابْن آدم فَاتق الله
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن بشير قَالَ: قَرَأَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَذِه الْآيَة {فَمَال الَّذين كفرُوا قبلك مهطعين} إِلَى قَوْله: {كلا إِنَّا خلقناهم مِمَّا يعلمُونَ} ثمَّ بزق رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على كَفه وَوضع عَلَيْهَا إصبعه وَقَالَ: يَقُول الله ابْن آدم أَنى تعجزني وَقد خلقتك من مثل هَذَا حَتَّى إِذا سوّيتك وعدلتك مشيت بَين بردين وللأرض مِنْك وئيد فَجمعت ومنعت حَتَّى إِذا بلغت التراقي قلت أَتصدق وأنى أَوَان الصَّدَقَة
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {فَلَا أقسم بِرَبّ الْمَشَارِق والمغارب} قَالَ: للشمس كل يَوْم مطلع تطلع فِيهِ ومغرب تغرب فِيهِ غير مطْلعهَا بالْأَمْس وَغير مغْرِبهَا بالْأَمْس
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله: {بِرَبّ الْمَشَارِق والمغارب} قَالَ: الْمنَازل الَّتِي تجْرِي فِيهَا الشَّمْس وَالْقَمَر(8/286)
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {كَأَنَّهُمْ إِلَى نصب يوفضون} قَالَ: إِلَى علم يسعون
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد {إِلَى نصب} قَالَ: غَايَة {يوفضون} قَالَ: يَسْتَبقُونَ
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي الْعَالِيَة مثله
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن {كَأَنَّهُمْ إِلَى نصب يوفضون} قَالَ: يبتدرون نصِيبهم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة {يَوْم يخرجُون من الأجداث} قَالَ: الْقُبُور {كَأَنَّهُمْ إِلَى نصب يوفضون} قَالَ: إِلَى علم يسعون {ذَلِك الْيَوْم الَّذِي كَانُوا يوعدون} قَالَ: ذَلِك يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي الْعَالِيَة أَنه قَرَأَ {إِلَى نصب يوفضون} على معنى الْوَاحِد
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ {إِلَى نصب} خَفِيفَة مَنْصُوبَة النُّون على معنى وَاحِدَة
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي الْأَشْهب عَن الْحسن أَنه كَانَ يقرأُها خَاشِعًا أَبْصَارهم قَالَ: وَكَانَ أَبُو رَجَاء يَقْرَأها {خاشعة أَبْصَارهم} وَالله أعلم(8/287)
71
سُورَة نوح
مَكِّيَّة وآياتها ثَمَان وَعِشْرُونَ أخرج ابْن الضريس والنحاس وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: نزلت سُورَة نوح بِمَكَّة
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
الْآيَة 1 - 9(8/288)
إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (1) قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (2) أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ (3) يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لَا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (4) قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا (5) فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا (6) وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا (7) ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا (8) ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا (9)
أخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عبد الله بن الزبير قَالَ: نزلت سُورَة {إِنَّا أرسلنَا نوحًا} بِمَكَّة
وَأخرج الْحَاكِم عَن ابْن عَبَّاس رفع الحَدِيث إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن الله يَدْعُو نوحًا وَقَومه يَوْم الْقِيَامَة أول النَّاس فَيَقُول: مَاذَا أجبتم نوحًا فَيَقُولُونَ: مَا دَعَانَا وَمَا بلغنَا وَمَا نصحنا وَلَا أمرنَا وَلَا نَهَانَا فَيَقُول نوح: دعوتهم يَا رب دُعَاء فاشياً فِي الْأَوَّلين والآخرين أمة بعد أمة حَتَّى انْتهى إِلَى خَاتم النَّبِيين أَحْمد فانتسخه وقرأه وآمن بِهِ وَصدقه فَيَقُول للْمَلَائكَة: ادعوا أَحْمد وَأمته فَيَأْتِي رَسُول(8/288)
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأمته يسْعَى نورهم بَين أَيْديهم فَيَقُول نوح لمُحَمد وَأمته: هَل تعلمُونَ أَنِّي بلغت قومِي الرسَالَة وَاجْتَهَدت لَهُم بِالنَّصِيحَةِ وجهدت أَن استنقذهم من النَّار سرا وجهراً فَلم يزدهم دعائي إِلَّا فِرَارًا فَيَقُول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأمته: فَإنَّا نشْهد بِمَا نَشَدتنَا أَنَّك فِي جَمِيع مَا قلت من الصَّادِقين فَيَقُول نوح: وأنى علمت هَذَا أَنْت وَأمتك وَنحن أول الْأُمَم وَأَنْتُم آخر الْأُمَم فَيَقُول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم {إِنَّا أرسلنَا نوحًا إِلَى قومه} حَتَّى خم السُّورَة فَإِذا خَتمهَا قَالَت أمته: نشْهد أَن هَذَا لَهو الْقَصَص الْحق وَمَا من إِلَه إِلَّا الله وَإِن الله لَهو الْعَزِيز الْحَكِيم فَيَقُول الله عِنْد ذَلِك: (وامتازوا الْيَوْم أَيهَا المجرمون) (سُورَة يس الْآيَة 59)
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {إِن اعبدوا الله واتقوه وأطيعون} قَالَ: بهَا أرسل الله الْمُرْسلين أَن يعبد الله وَحده وَأَن تتقى مَحَارمه وَأَن يطاع أمره
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله: {يغْفر لكم من ذنوبكم} قَالَ: الشّرك {ويؤخركم إِلَى أجل مُسَمّى} قَالَ: بِغَيْر عُقُوبَة {إِن أجل الله إِذا جَاءَ لَا يُؤَخر} قَالَ: الْمَوْت
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {ويؤخركم إِلَى أجل مُسَمّى} قَالَ: مَا قد خطّ من الْأَجَل فَإِذا جَاءَ أجل الله لم يُؤَخر
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {فَلم يزدهم دعائي إِلَّا فِرَارًا} قَالَ: بَلغنِي أَنه كَانَ يذهب الرجل بِابْنِهِ إِلَى نوح فَيَقُول لِابْنِهِ: احذر هَذَا لَا يغرنك فَإِن أبي قد ذهب بِي وَأَنا مثلك فحذرني كَمَا حذرتك
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {جعلُوا أَصَابِعهم فِي آذانهم} قَالَ: لِئَلَّا يسمعوا مَا يَقُول {واستغشوا ثِيَابهمْ} قَالَ: لِأَن يتنكروا لَهُ فَلَا يعرفهُمْ {واستكبروا استكباراً} قَالَ: تركُوا التَّوْبَة
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {واستغشوا ثِيَابهمْ} قَالَ: غطوا بهَا وُجُوههم لكَي لَا يرَوا نوحًا وَلَا يسمعوا كَلَامه
وَأخرج عبد بن حميد عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله: {واستغشوا ثِيَابهمْ} قَالَ: تسجوا بهَا(8/289)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {ثمَّ إِنِّي دعوتهم جهاراً} قَالَ: الْكَلَام الْمُعْلن بِهِ وَفِي قَوْله: {ثمَّ إِنِّي أعلنت لَهُم} قَالَ: صحت {وأسررت لَهُم إسراراً} قَالَ: النَّجَاء نجاء لرجل
الْآيَة 10 - 16(8/290)
فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا (12) مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا (13) وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا (14) أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا (15) وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا (16)
أخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن سلمَان قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَكْثرُوا من الاسْتِغْفَار فَإِن الله لم يعلمكم الاسْتِغْفَار إِلَّا وَهُوَ يُرِيد أَن يغْفر لكم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {وَيجْعَل لكم جنَّات وَيجْعَل لكم أَنهَارًا} قَالَ: رأى نوح عَلَيْهِ السَّلَام قوما تجزعت أَعْنَاقهم حرصاً على الدُّنْيَا فَقَالَ: هلموا إِلَى طَاعَة الله فَإِن فِيهَا دَرك الدُّنْيَا وَالْآخِرَة
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {مَا لكم لَا ترجون لله وقاراً} قَالَ: لَا تعلمُونَ لله عَظمَة
وَأخرج ابْن جرير وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {مَا لكم لَا ترجون لله وقاراً} قَالَ: عَظمَة وَفِي قَوْله: {وَقد خَلقكُم أطواراً} قَالَ: نُطْفَة ثمَّ علقَة ثمَّ مُضْغَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {مَا لكم لَا ترجون لله وقاراً} قَالَ: لَا تعرفُون لله حق عَظمته
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {مَا لكم لَا ترجون لله وقاراً} قَالَ: لَا تخافون لله عَظمَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {مَا لكم لَا ترجون لله وقاراً} قَالَ: لَا تخشون لَهُ عقَابا وَلَا ترجون لَهُ ثَوابًا
وَأخرج الطستي فِي مسَائِله عَن ابْن عَبَّاس إِن نَافِع بن الْأَزْرَق سَأَلَهُ عَن قَوْله:(8/290)
{مَا لكم لَا ترجون لله وقاراً} قَالَ: لَا تخشون لله عَظمَة
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم
أما سَمِعت قَول أبي ذُؤَيْب: إِذا لسعته النَّحْل لم يرج [] لسعها وخالفها فِي بَيت نوب عوامل وَأخرج عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف عَن عَليّ بن أبي طَالب أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رأى نَاسا يغتسلون عُرَاة لَيْسَ عَلَيْهِم أزر فَوقف فَنَادَى بِأَعْلَى صَوته {مَا لكم لَا ترجون لله وقاراً}
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ عَن الْحسن فِي قَوْله: {مَا لكم لَا ترجون لله وقاراً} قَالَ: لَا تعرفُون لله حَقًا وَلَا تشكرون لَهُ نعْمَة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن مطر فِي قَوْله: {وَقد خَلقكُم أطواراً} قَالَ: نُطْفَة ثمَّ علقَة ثمَّ مُضْغَة ثمَّ عظاماً طوراً بعد طور وخلقاً بعد خلق
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن قَتَادَة مثله
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَالْبَيْهَقِيّ عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {مَا لكم لَا ترجون لله وقاراً} قَالَ: لَا تبالون لله عَظمَة {وَقد خَلقكُم أطواراً} قَالَ: من تُرَاب ثمَّ من نُطْفَة ثمَّ من علقَة ثمَّ مَا ذكر حَتَّى يتم خلقه
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن يحيى بن رَافع فِي قَوْله: {خَلقكُم أطواراً} قَالَ: نُطْفَة ثمَّ علقَة ثمَّ مُضْغَة
أخرج ابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن الْحسن فِي قَوْله: {خلق سبع سماوات طباقاً} قَالَ: بَعضهنَّ فَوق بعض بَين: كل أَرض وسماء خلق وَأمر وَفِي قَوْله: {وَجعل الْقَمَر فِيهِنَّ نورا وَجعل الشَّمْس سِرَاجًا} قَالَ: وُجُوههمَا فِي السَّمَاء وَظُهُورهمَا إِلَيْكُم
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله: {وَجعل الْقَمَر فِيهِنَّ نورا} قَالَ: إِنَّه يضيء نور الْقَمَر فِيهِنَّ كُلهنَّ كَمَا لَو كَانَ سبع زجاجات أَسْفَل مِنْهَا شهَاب أَضَاءَت كُلهنَّ فَكَذَلِك نور الْقَمَر فِي السَّمَوَات كُلهنَّ لصفائهن
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن عبد الله بن عَمْرو قَالَ: إِن الشَّمْس وَالْقَمَر وُجُوههمَا قبل السَّمَاء وَأَقْفِيَتهمَا قبل الأَرْض وَأَنا أَقرَأ بذلك عَلَيْكُم آيَة من كتاب الله {وَجعل الْقَمَر فِيهِنَّ نورا وَجعل الشَّمْس سِرَاجًا}(8/291)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن عَطاء فِي قَوْله: {وَجعل الْقَمَر فِيهِنَّ نورا} قَالَ: يضيء لأهل السَّمَوَات كَمَا يضيء لأهل الأَرْض
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وَجعل الْقَمَر فِيهِنَّ نورا} قَالَ: وَجهه يضيء السَّمَوَات وظهره يضيء الأَرْض
وَأخرج عبد بن حميد عَن شهر بن حَوْشَب قَالَ: اجْتمع عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ وَكَعب الْأَحْبَار وَكَانَ بَينهمَا بعض العتب فتعاتبا فَذهب ذَلِك فَقَالَ عبد الله بن عَمْرو لكعب: سلني عَمَّا شِئْت وَلَا تَسْأَلنِي عَن شَيْء إِلَّا أَخْبَرتك بِتَصْدِيق قولي من الْقُرْآن فَقَالَ لَهُ: أَرَأَيْت ضوء الشَّمْس وَالْقَمَر أهوَ فِي السَّمَوَات السَّبع كَمَا هُوَ فِي الأَرْض قَالَ: نعم ألم تروا إِلَى قَول الله: {خلق سبع سماوات طباقاً} {وَجعل الْقَمَر فِيهِنَّ نورا}
وَأخرج عبد بن حميد وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس {وَجعل الْقَمَر فِيهِنَّ نورا} قَالَ: وَجهه فِي السَّمَاء إِلَى الْعَرْش وَقَفاهُ إِلَى الأَرْض
وَأخرج عبد بن حميد من طَرِيق الْكَلْبِيّ عَن أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس {وَجعل الْقَمَر فِيهِنَّ نورا} قَالَ: خلق فِيهِنَّ حِين خَلقهنَّ ضِيَاء كَأَهل الأَرْض وَلَيْسَ فِي السَّمَاء من ضوئه شَيْء
الْآيَة 17 - 28(8/292)
وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا (17) ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا (18) وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطًا (19) لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلًا فِجَاجًا (20) قَالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا (21) وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا (22) وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا (23) وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلَالًا (24) مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصَارًا (25) وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا (26) إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا (27) رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا (28)
أخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله: {وَالله أنبتكم من الأَرْض نباتاً} قَالَ: خلق آدم من أَدِيم الأَرْض كلهَا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {سبلاً فجاجاً} قَالَ: طرقاً مُخْتَلفَة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {سبلاً فجاجاً} قَالَ: طرقاً مُخْتَلفَة وأعلاماً
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ أَنه كَانَ يقْرَأ {مَاله وَولده}
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور عَن الْحسن وَأبي رَجَاء أَنَّهُمَا كَانَا يقرآن {مَاله وَولده}
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْأَعْمَش أَنه كَانَ يقْرؤهَا فِي نوح والزخرف وَمَا بعد السَّجْدَة من مَرْيَم ولد وَقَالَ: الْوَلَد الْكَبِير وَالْولد الْوَاحِد
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {ومكروا مكراً كبارًا} قَالَ عَظِيما
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس {وَلَا تذرن ودّاً وَلَا سواعاً وَلَا يَغُوث ويعوق ونسراً} قَالَ: هَذِه أصنام كَانَت تعبد فِي زمن نوح
وَأخرج البُخَارِيّ وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرديه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: صَارَت الْأَصْنَام والأوثان الَّتِي كَانَت فِي قوم نوح فِي الْعَرَب بعد أما ودّ فَكَانَت لكَلْب بدومة الجندل وَأما سواع فَكَانَت لهذيل وَأما يَغُوث فَكَانَت لمراد ثمَّ لبني غطيف عِنْد سبأ وَأما يعوق فَكَانَت لهمدان وَأما نسر فَكَانَت لحمير لآل ذِي الكلاع وَكَانُوا أَسمَاء رجال صالحين من قوم نوح فَلَمَّا هَلَكُوا أوحى الشَّيْطَان إِلَى قَومهمْ أَن انصبوا إِلَى مجَالِسهمْ الَّتِي كَانُوا يَجْلِسُونَ أنصاباً وسموها بِأَسْمَائِهِمْ فَفَعَلُوا فَلم تعبد حَتَّى إِذْ هلك أُولَئِكَ وَنسخ الْعلم عبدت
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عُرْوَة قَالَ: اشْتَكَى آدم عَلَيْهِ السَّلَام وَعِنْده بنوه ود ويغوث ويعوق وسراع ونسر وَكَانَ ود أكبرهم وأبرّهم بِهِ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي عُثْمَان قَالَ: رَأَيْت يَغُوث صنماً من رصاص يحمل على جمل أجرد فَإِذا برك قَالُوا: قد رَضِي ربكُم هَذَا الْمنزل(8/293)
وَأخرج الفاكهي عَن عبيد الله بن عبيد بن عُمَيْر قَالَ: أول مَا حدثت الْأَصْنَام على عهد نوح وَكَانَت الْأَبْنَاء تبرّ الْآبَاء فَمَاتَ رجل مِنْهُم فجزع عَلَيْهِ فَجعل لَا يصبر عَنهُ فَاتخذ مِثَالا على صورته فَكلما اشتاق إِلَيْهِ نظره ثمَّ مَاتَ فَفعل بِهِ كَمَا فعل ثمَّ تتابعوا على ذَلِك فَمَاتَ الْآبَاء فَقَالَ الْأَبْنَاء: مَا اتخذ هَذِه آبَاؤُنَا إِلَّا أَنَّهَا كَانَت آلِهَتهم فعبدوها
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُحَمَّد بن كَعْب رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وَلَا يَغُوث ويعوق ونسراً وَقد أَضَلُّوا كثيرا} قَالَ: كَانُوا قوما صالحين بَين آدم ونوح فَنَشَأَ قوم بعدهمْ يَأْخُذُونَ كأخذهم فِي الْعِبَادَة فَقَالَ لَهُم إِبْلِيس: لَو صوّرتم صورهم فكنتم تنْظرُون إِلَيْهِم فصوروا ثمَّ مَاتُوا فَنَشَأَ قوم بعدهمْ فَقَالَ لَهُم إِبْلِيس: إِن الَّذين كَانُوا من قبلكُمْ كَانُوا يعبدوها
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ قَالَ: كَانَ لآدَم خَمْسَة بَنِينَ ود وسواع ويغوث ويعوق ونسر فَكَانُوا عبّاداً فَمَاتَ رجل مِنْهُم فَحَزِنُوا عَلَيْهِ حزنا شَدِيدا فَجَاءَهُمْ الشَّيْطَان فَقَالَ: حزنتم على صَاحبكُم هَذَا قَالُوا: نعم قَالَ: هَل لكم أَن أصوّر لكم مثله فِي قبلتكم إِذا نظرتم إِلَيْهِ ذكرتموه قَالُوا: لَا نكره أَن تجْعَل لنا فِي قبلتنا شَيْئا نصلي إِلَيْهِ
فأجعله فِي مُؤخر الْمَسْجِد
قَالُوا: نعم فصوّره لَهُم حَتَّى مَاتَ خمستهم فصوّر صورهم فِي مُؤخر الْمَسْجِد [] وَأخرج الْأَشْيَاء حَتَّى تركُوا عبَادَة الله وعبدوا هَؤُلَاءِ فَبعث الله نوحًا فَقَالُوا: {وَلَا تذرن ودا} إِلَى آخر الْآيَة
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي مطهر قَالَ: ذكرُوا عِنْد أبي جَعْفَر يزِيد بن الْمُهلب فَقَالَ: إِمَّا أَنه قتل فِي أول أَرض عبد فِيهَا غير الله ثمَّ ذكر ودا قَالَ: وَكَانَ ود رجلا مُسلما وَكَانَ محبباً فِي قومه فَلَمَّا مَاتَ عسكروا حول قَبره فِي أَرض بابل وجزعوا عَلَيْهِ فَلَمَّا رأى إِبْلِيس جزعهم عَلَيْهِ تشبه فِي صُورَة إِنْسَان ثمَّ قَالَ: أرى جزعكم على هَذَا فَهَل لكم أَن أصور لكم مثله فَيكون فِي ناديكم فتذكرونه بِهِ قَالُوا: نعم فصوّر لَهُم مثله فوضعوه فِي ناديهم وَجعلُوا يذكرُونَهُ فَلَمَّا رأى مَا بهم من ذكره قَالَ: هَل لكم أَن أجعَل لكم فِي منزل كل رجل مِنْكُم تمثالاً مثله فَيكون فِي بَيته فتذكرونه قَالُوا: نعم فصوّر لكل أهل بَيت تمثالاً مثله فَأَقْبَلُوا فَجعلُوا يذكرُونَهُ بِهِ قَالَ: وَأدْركَ أبناؤهم فَجعلُوا يرَوْنَ مَا يصنعون بِهِ وتناسلوا ودرس أَمر(8/294)
ذكرهم إِيَّاه حَتَّى اتخذواه إِلَهًا يعبدونه من دون الله
قَالَ: وَكَانَ أول مَا عبد غير الله فِي الأَرْض ود الصَّنَم الَّذِي سموهُ بود
وَأخرج عبد بن حميد عَن السّديّ سمع مرّة يَقُول فِي قَول الله: {وَلَا يَغُوث ويعوق ونسراً} قَالَ: أَسمَاء آلِهَتهم
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ {وَولده} بِنصب الْوَاو {وَلَا تذرن ودا} بِنصب الْوَاو {وَلَا سواعاً} بِرَفْع السِّين
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن أبي أُمَامَة قَالَ: لم ينحسر أحد من الْخَلَائق كحسرة آدم ونوح فَأَما حسرة آدم فحين أخرج من الْجنَّة وَأما حسرة نوح فحين دَعَا على قومه فَلم يبْق شَيْء إِلَّا غرق إِلَّا مَا كَانَ مَعَه فِي السَّفِينَة فَلَمَّا رأى الله حزنه أوحى إِلَيْهِ يَا نوح لَا تتحسر فَإِن دعوتك وَافَقت قدري
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله: {رب لَا تذر على الأَرْض من الْكَافرين ديارًا} قَالَ: وَاحِدًا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {رب لَا تذر على الأَرْض من الْكَافرين ديارًا} قَالَ: أما وَالله مَا دَعَا عَلَيْهِم نوح حَتَّى أوحى الله إِلَيْهِ أَنه لن يُؤمن من قَوْمك إِلَّا من قد آمن فَعِنْدَ ذَلِك دَعَا عَلَيْهِم ثمَّ دَعَا دَعْوَة عَامَّة فَقَالَ: {رب اغْفِر لي ولوالدي وَلمن دخل بَيْتِي مُؤمنا وَلِلْمُؤْمنِينَ وَالْمُؤْمِنَات وَلَا تزد الظَّالِمين إِلَّا تباراً}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله: {رب اغْفِر لي ولوالدي} قَالَ: يَعْنِي أَبَاهُ وجده
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله: {وَلمن دخل بَيْتِي مُؤمنا} قَالَ: مَسْجِدي
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {وَلَا تزد الظَّالِمين إِلَّا تباراً} قَالَ: خسارا(8/295)
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
72
سُورَة الْجِنّ
مَكِّيَّة وآياتها ثَمَان وَعِشْرُونَ
مُقَدّمَة السُّورَة أخرج ابْن الضريس والنحاس وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: نزلت سُورَة الْجِنّ بِمَكَّة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن الزبير مثله
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عَائِشَة قَالَت: نزلت سُورَة {قل أُوحِي} بِمَكَّة
الْآيَة 1 - 10(8/296)
قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا (1) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا (2) وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا (3) وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا (4) وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا (5) وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا (6) وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَمَا ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَدًا (7) وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا (8) وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا (9) وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا (10)
أخرج أَحْمد وَعبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَبَان الْمُنْذر وَالْحَاكِم وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم وَالْبَيْهَقِيّ مَعًا فِي الدَّلَائِل عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: انْطلق النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي طَائِفَة من أَصْحَابه عَامِدين إِلَى سوق عكاظ وَقد حيل بَين الشَّيَاطِين وَبَين خبر السَّمَاء وَأرْسلت عَلَيْهِم الشهب فَرَجَعت الشَّيَاطِين إِلَى قَومهمْ فَقَالُوا: مَا لكم فَقَالُوا: أُحِيل بَيْننَا وَبَين خبر السَّمَاء وَأرْسلت علينا الشهب(8/296)
فَقَالُوا: مَا حَال بَيْنكُم وَبَين خبر السَّمَاء إِلَّا شَيْء حدث فاضربوا مَشَارِق الأَرْض وَمَغَارِبهَا فانظروا مَا الَّذِي حَال بَيْنكُم وَبَين خبر السَّمَاء فَانْصَرف أُولَئِكَ الَّذين ذَهَبُوا نَحْو تهَامَة إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ بنخلة عَامِدين إِلَى سوق عكاظ وَهُوَ يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ صَلَاة الْفجْر فَلَمَّا سمعُوا الْقُرْآن اسْتَمعُوا لَهُ فَقَالُوا: هَذَا وَالله الَّذِي حَال بَيْنكُم وَبَين خبر السَّمَاء فهنالك رجعُوا إِلَى قَومهمْ فَقَالُوا: يَا قَومنَا {إِنَّا سمعنَا قُرْآنًا عجبا يهدي إِلَى الرشد فَآمَنا بِهِ وَلنْ نشْرك بربنا أحدا} فَأنْزل الله على نبيه {قل أُوحِي إِلَيّ أَنه اسْتمع نفر من الْجِنّ} وَإِنَّمَا أوحى إِلَيْهِ قَول الْجِنّ
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن عبد الْملك قَالَ: لم تحرس الْجِنّ فِي الفترة بَين عِيسَى وَمُحَمّد فَلَمَّا بعث الله مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حرست السَّمَاء الدُّنْيَا ورميت الْجِنّ بِالشُّهُبِ فاجتمعت إِلَى إِبْلِيس فَقَالَ: لقد حدث فِي الأَرْض حدث فتعرفوا فأخبرونا مَا هَذَا الْحَدث فَبعث هَؤُلَاءِ النَّفر إِلَى تهَامَة وَإِلَى جَانب الْيمن وهم أَشْرَاف الْجِنّ وسادتهم فوجدوا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي صَلَاة الْغَدَاة بنخلة فسمعوه يَتْلُوا الْقُرْآن فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالَ: أَنْصتُوا فَلَمَّا قضى يَعْنِي بذلك أَنه فرغ من صَلَاة الصُّبْح ولوا إِلَى قَومهمْ منذرين مُؤمنين لم يشْعر بهم حَتَّى نزل {قل أُوحِي إِلَيّ أَنه اسْتمع نفر من الْجِنّ} يُقَال: سَبْعَة من أهل نَصِيبين
وَأخرج ابْن الْجَوْزِيّ فِي كتاب صفوة الصفوة بِسَنَدِهِ عَن سهل بن عبد الله قَالَ: كنت فِي نَاحيَة ديار عَاد إِذا رَأَيْت مَدِينَة من حجر منقورة فِي وَسطهَا قصر من حِجَارَة تأويه الْجِنّ فَدخلت فَإِذا شيخ عَظِيم الْخلق يُصَلِّي نَحْو الْكَعْبَة وَعَلِيهِ جُبَّة صوف فِيهَا طراوة فَلم أتعجب من عظم خلقته كتعجبي من طراوة جبته فَسلمت عَلَيْهِ فَرد عليّ السَّلَام وَقَالَ: يَا سهل إِن الْأَبدَان لَا تخلق الثِّيَاب وَإِنَّمَا يخلقها رَوَائِح الذُّنُوب ومطاعم السُّحت وَإِن هَذِه الْجُبَّة عليَّ مُنْذُ سَبْعمِائة سنة لقِيت بهَا عِيسَى ومحمداً عَلَيْهِمَا السَّلَام فآمنت بهما فَقلت لَهُ: وَمن أَنْت قَالَ: أَنا من الَّذين نزلت فيهم {قل أُوحِي إِلَيّ أَنه اسْتمع نفر من الْجِنّ} قَالَ: كَانُوا من جن نَصِيبين
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {تَعَالَى جد رَبنَا} قَالَ: الْأَمر وعظمته
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى: {وَأَنه تَعَالَى جد رَبنَا} قَالَ: أمره وَقدرته(8/297)
وَأخرج الطستي فِي مسَائِله عَن ابْن عَبَّاس إِن نَافِع بن الْأَزْرَق سَأَلَهُ عَن قَوْله: {تَعَالَى جد رَبنَا} قَالَ: عَظمته
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم
أما سَمِعت قَول أُميَّة بن أبي الصَّلْت الشَّاعِر وَهُوَ يَقُول: لَك الْحَمد والنعماء وَالْملك رَبنَا وَلَا شَيْء أَعلَى مِنْك جدا وأمجدا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لَو علمت الْجِنّ أَيَّة يكون فِي الإِنس مَا قَالُوا {تَعَالَى جد رَبنَا}
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن فِي قَوْله: {تَعَالَى جد رَبنَا} قَالَ: غنى رَبنَا وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {تَعَالَى جد رَبنَا} قَالَ: تعالت عَظمته
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله: {تَعَالَى جد رَبنَا} قَالَ: جلال رَبنَا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله تَعَالَى: {وَأَنه تَعَالَى جد رَبنَا} قَالَ: ذكره وَفِي قَوْله: {وَأَنه كَانَ يَقُول سفيهنا} قَالَ: هُوَ إِبْلِيس
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه والديلمي بِسَنَد واه عَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ مَرْفُوعا {وَأَنه كَانَ يَقُول سفيهنا} قَالَ: إِبْلِيس
وَأخرج عبد بن حميد عَن عُثْمَان بن حَاضر مثله
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة {وَأَنه كَانَ يَقُول سفيهنا على الله شططاً} قَالَ: عَصَاهُ سَفِيه الْجِنّ كَمَا عَصَاهُ سَفِيه الإِنس
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَلْقَمَة أَنه كَانَ يقْرَأ الَّتِي فِي الْجِنّ وَالَّتِي فِي النَّجْم وَأَن وَأَنه بِالنّصب
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم والعقيلي فِي الضُّعَفَاء وَالطَّبَرَانِيّ وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة وَابْن عَسَاكِر عَن كردم بن أبي السَّائِب الْأنْصَارِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: خرجت مَعَ أبي إِلَى الْمَدِينَة فِي حَاجَة وَذَلِكَ أول مَا ذكر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَكَّة فآوانا الْمبيت إِلَى راعي غنم فَلَمَّا انتصف اللَّيْل جَاءَ ذِئْب فَأخذ حملا من الْغنم فَوَثَبَ الرَّاعِي فَقَالَ: يَا عَامر الْوَادي أَنا جَار دَارك فَنَادَى منادٍ لَا ترَاهُ يَا سرحان(8/298)
أرْسلهُ فَأتى الْحمل يشْتَد حَتَّى دخل فِي الْغنم وَأنزل الله على رَسُوله بِمَكَّة {وَأَنه كَانَ رجال من الإِنس يعوذون بِرِجَال من الْجِنّ} الْآيَة
وَأخرج ابْن سعد عَن أبي رَجَاء العطاردي من بني تَمِيم قَالَ: بعث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقد رعيت على أَهلِي وكفيت مهنتهم فَلَمَّا بعث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خرجنَا هراباً فأتينا على فلاة من الأَرْض وَكُنَّا إِذا أمسينا بِمِثْلِهَا قَالَ شَيخنَا: إِنَّا نَعُوذ بعزيز هَذَا الْوَادي من الْجِنّ اللَّيْلَة فَقُلْنَا ذَاك فَقيل لنا: إِنَّمَا سَبِيل هَذَا الرجل شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله فَمن أقرّ بهَا أَمن على دَمه وَمَاله فرجعنا فَدَخَلْنَا فِي الإِسلام قَالَ أَبُو رَجَاء: إِنِّي لأرى هَذِه الْآيَة نزلت فيّ وَفِي أَصْحَابِي {وَأَنه كَانَ رجال من الإِنس يعوذون بِرِجَال من الْجِنّ فزادوهم رهقاً}
وَأخرج أَبُو نصر السجْزِي فِي الإِبانة من طَرِيق مُجَاهِد عَن ابْن عَبَّاس أَن رجلا من بني تَمِيم كَانَ جريئاً على اللَّيْل وَالرِّجَال وَأَنه سَار لَيْلَة فَنزل فِي أَرض مجنة فاستوحش فعقل رَاحِلَته ثمَّ توسد ذراعيها وَقَالَ: أعوذ بِسَيِّد هَذَا الْوَادي من شَرّ أَهله فأجاره شيخ مِنْهُم وَكَانَ مِنْهُم شَاب وَكَانَ سيداً فِي الْجِنّ فَغَضب الشَّاب لما أجاره الشَّيْخ فَأخذ حَرْبَة لَهُ قد سَقَاهَا السم لينحر نَاقَة الرجل بهَا فَتَلقاهُ الشَّيْخ دون النَّاقة فَقَالَ: [] يَا مَالك بن مهلهل مهلا فَذَلِك محجري وإزاري عَن نَاقَة الإِنسان لَا تعرض لَهَا واختر إِذا ورد المها أثواري إِنِّي ضمنت لَهُ سَلامَة رَحْله فَاكْفُفْ يَمِينك راشداً عَن جاري وَلَقَد أتيت إِلَى مَا لم أحتسب إِلَّا رعيت قَرَابَتي وجواري تسْعَى إِلَيْهِ بِحَرْبَة مَسْمُومَة أفّ لقربك يَا أَبَا اليقطاري لَوْلَا الْحيَاء وان أهلك جيرة لتمزقتك بِقُوَّة أظفاري فَقَالَ لَهُ الْفَتى: أَتُرِيدُ أَن تعلوا وتخفض ذكرنَا فِي غير مزرية أَبَا الْعيزَار متنحلاً أمرا لغيرك فَضله فارحل فَإِن الْمجد للمرار من كَانَ مِنْكُم سيداً فِيمَا مضى إِن الْخِيَار هم بَنو الأخيار فاقصد لقصدك يَا معيكر إِنَّمَا كَانَ المجير مهلهل بن وبار فَقَالَ الشَّيْخ: صدقت كَانَ أَبوك سيدنَا وأفضلنا دع هَذَا الرجل لَا أنازعك(8/299)
بعده أحدا فَتَركه فَأتى الرجل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقص عَلَيْهِ الْقِصَّة فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِذا أصَاب أحدا مِنْكُم وَحْشَة أَو نزل بِأَرْض مجنة فَلْيقل: أعوذ بِكَلِمَات الله التامات الَّتِي لَا يجاوزهن بر وَلَا فَاجر من شَرّ مَا يلج فِي الأَرْض وَمَا يخرج مِنْهَا وَمَا ينزل من السَّمَاء وَمَا يعرج فِيهَا وَمن فتن اللَّيْل وَمن طوارق النَّهَار إِلَّا طَارِقًا يطْرق بِخَير فَأنْزل الله فِي ذَلِك {وَأَنه كَانَ رجال من الإِنس يعوذون بِرِجَال من الْجِنّ فزادوهم رهقاً} قَالَ أَبُو نصر: غَرِيب جدا لم نَكْتُبهُ إِلَّا من هَذَا الْوَجْه
وَأخرج الخرائطي فِي كتاب الهواتف عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ أَن رجلا من بني تَمِيم يُقَال لَهُ: رَافع بن عُمَيْر حدث عَن بَدْء إِسْلَامه قَالَ: إِنِّي لأسير برمل عالج ذَات لَيْلَة إِذا غلبني النّوم فَنزلت عَن رَاحِلَتي وأنختها ونمت وَقد تعوذت قبل نومي فَقلت: أعوذ بعظيم هَذَا الْوَادي من الْجِنّ فَرَأَيْت رجلا فِي مَنَامِي بِيَدِهِ حَرْبَة يُرِيد أَن يَضَعهَا فِي نحر نَاقَتي فانتبهت فَزعًا فَنَظَرت يَمِينا وَشمَالًا فَلم أر شَيْئا فَقلت: هَذَا حلم
ثمَّ عدت فغفوت فَرَأَيْت مثل ذَلِك فانتبهت فَدرت حول نَاقَتي فَلم أر شَيْئا فَإِذا نَاقَتي ترْعد
ثمَّ غفوت فَرَأَيْت مثل ذَلِك فنتبهت فَرَأَيْت نَاقَتي تضطرب والتفتّ فَإِذا أَنا بِرَجُل شَاب كَالَّذي رَأَيْته فِي الْمَنَام بِيَدِهِ حَرْبَة وَرجل شيخ مُمْسك بِيَدِهِ يردهُ عَنْهَا فَبَيْنَمَا هما يتنازعان إِذْ طلعت ثَلَاثَة أثوار من الْوَحْش فَقَالَ الشَّيْخ للفتى: قُم فَخذ أَيهَا شِئْت فدَاء لناقة جاري الإِنسي
فَقَامَ الْفَتى فَأخذ مِنْهَا ثوراً عَظِيما وَانْصَرف ثمَّ الْتفت إِلَى الشَّيْخ وَقَالَ: يَا هَذَا إِذا نزلت وَاديا من الأودية فَخفت هوله فَقل: أعوذ بِاللَّه رب مُحَمَّد من هول هَذَا الْوَادي ولاتعذ بِأحد من الْجِنّ فقد بَطل أمرهَا
فَقلت لَهُ: وَمن مُحَمَّد هَذَا قَالَ: نَبِي عَرَبِيّ لاشرقي وَلَا غربي بعث يَوْم الأثنين
قلت: فَأَيْنَ مَسْكَنه قَالَ: يثرب ذَات النّخل
فركبت رَاحِلَتي حِين برق الصُّبْح وجددت السّير حَتَّى أتيت الْمَدِينَة فرآني رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَحَدثني بحديثي قبل أَن أذكر لَهُ مِنْهُ شَيْئا وَدَعَانِي إِلَى الإِسلام فَأسْلمت
قَالَ سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ: وَكُنَّا نرى أَنه هُوَ الَّذِي أنزل الله فِيهِ {وَأَنه كَانَ رجال من الإِنس يعوذون بِرِجَال من الْجِنّ فزادوهم رهقاً}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وَأَنه كَانَ رجال من الإِنس يعوذون بِرِجَال من الْجِنّ} قَالَ: كَانَ رجال من الإِنس يبيت أحدهم فِي الْجَاهِلِيَّة بالوادي فَيَقُول: أعوذ بعزيز هَذَا الْوَادي {فزادوهم رهقاً} قَالَ: إِثْمًا(8/300)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن الْحسن فِي قَوْله: {وَأَنه كَانَ رجال من الإِنس يعوذون بِرِجَال من الْجِنّ} قَالَ: كَانَ أحدهم إِذا نزل الْوَادي يَقُول: أعوذ بعزيز هَذَا الْوَادي من شَرّ سُفَهَاء قومه فَيَأْمَن فِي نَفسه ليلته أَو يَوْمه
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {وَأَنه كَانَ رجال من الإِنس يعوذون بِرِجَال من الْجِنّ} قَالَ: كَانُوا يَقُولُونَ إِذا هَبَطُوا وَاديا: نَعُوذ بعظيم هَذَا الْوَادي {فزادوهم رهقاً} قَالَ: زادوا الْكفَّار طغياناً
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {وَأَنه كَانَ رجال من الإِنس يعوذون بِرِجَال من الْجِنّ} قَالَ: كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّة إِذا نزلُوا منزلا قَالُوا: نَعُوذ بعزيز هَذَا الْمَكَان {فزادوهم رهقاً} يَقُول: خَطِيئَة وإثماً
وَأخرج عبد بن حميد عَن إِبْرَاهِيم {وَأَنه كَانَ رجال من الإِنس يعوذون بِرِجَال من الْجِنّ فزادوهم رهقاً} قَالَ: كَانَ الْقَوْم إِذا نزلُوا وَاديا قَالُوا: نَعُوذ بِسَيِّد أهل هَذَا الْوَادي فَقَالُوا: نَحن لَا نملك لنا وَلَا لكم ضراً وَلَا نفعا وَهَؤُلَاء يخافونا فاحتووا عَلَيْهِم
وَأخرج عبد بن حميد عَن الرّبيع بن أنس {وَأَنه كَانَ رجال من الإِنس يعوذون بِرِجَال من الْجِنّ فزادوهم رهقاً} قَالَ: كَانُوا يَقُولُونَ: فلَان رب هَذَا الْوَادي من الْجِنّ فَكَانَ أحدهم إِذا دخل ذَلِك الْوَادي يعوذ بِرَبّ الْوَادي من دون الله فيزيده بذلك {رهقاً} أَي خوفًا
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة قَالَ: إِن نَاسا فِي الْجَاهِلِيَّة كَانُوا إِذا أَتَوْ وَاديا للجن نَاد مُنَادِي الإِنس إِلَى خِيَار الْجِنّ أَن احْبِسُوا عَنَّا سفهاءكم فَلم يُغْنِهِم مَا وعظوا بِهِ {فزادوهم رهقاً}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَ الْقَوْم فِي الْجَاهِلِيَّة إذانزلوا بالوادي قَالُوا: نَعُوذ بِسَيِّد هَذَا الوادجي من شَرّ مَا فِيهِ فَلَا يكونُونَ بِشَيْء أَشد ولعاً مِنْهُم بهم فَذَلِك قَوْله: {فزادوهم رهقاً}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق مُعَاوِيَة بن قُرَّة عَن أَبِيه قَالَ: ذهبت لأسلم حِين بعث الله حمدا مَعَ رجلَيْنِ أَو ثَلَاثَة فِي الإِسلام فَأتيت المَاء حَيْثُ يجْتَمع النَّاس فَإِذا النَّاس براعي الْقرْيَة الَّذِي يرْعَى لَهُم أغنامهم فَقَالَ: لَا أرعى لكم أغنامكم
قَالُوا: لم قَالَ: يَجِيء الذِّئْب كل لَيْلَة يَأْخُذ شَاة وصنمكم هَذَا رَاقِد لَا يضر وَلَا(8/301)
ينفع وَلَا يقر وَلَا يُنكر فَذَهَبُوا وَأَنا أرجوا أَن يسلمُوا فَلَمَّا أَصْبَحْنَا جَاءَ الرَّاعِي يشْتَد يَقُول: الْبُشْرَى الْبُشْرَى قد جِيءَ بالذئب وَهُوَ مقموط بَين يَدي الصَّنَم بِغَيْر قماط فَذَهَبُوا وَذَهَبت مَعَهم فَقَتَلُوهُ وسجدوا لَهُ وَقَالُوا: هَكَذَا فَاصْنَعْ فَدخلت على مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَحَدَّثته هَذَا الحَدِيث فَقَالَ: لعب بهم الشَّيْطَان
أخرج عبد بن حميد فِي قَوْله: {وَأَنا لمسنا السَّمَاء فَوَجَدْنَاهَا ملئت حرساً شَدِيدا وشهباً} قَالَ: كَانَت الْجِنّ تسمع سمع السَّمَاء فَلَمَّا بعث الله مُحَمَّدًا حرست السَّمَاء منعُوا ذَلِك فتفقدت الْجِنّ ذَلِك من أَنْفسهَا
قَالَ: وَذكر لنا أَن أَشْرَاف الْجِنّ كَانُوا بنصيبين من أَرض المموصل فطلبوا وصوبوا النّظر حَتَّى سقطوا على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ عَامِدًا إِلَى عطاظ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَعبد بن حميد وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم وَالْبَيْهَقِيّ مَعًا فِي دَلَائِل النُّبُوَّة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَ الشَّيَاطِين لَهُم مقاعد فِي السَّمَاء يَسْتَمِعُون فِيهَا الْوَحْي فَإِذا سمعُوا الْكَلِمَة زادوا فِيهَا تسعا فَأَما الْكَلِمَة فَتكون حَقًا وَأما مَا زادوا فَيكون بَاطِلا فَلَمَّا بعث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم منعُوا مَقَاعِدهمْ فَذكرُوا ذَلِك لإِبليس وَلم تكن النُّجُوم يَرْمِي بهَا قبل ذَلِك فَقَالَ لَهُم إِبْلِيس: مَا هَذَا الْأَمر إِلَّا لأمر حدث فِي الأَرْض فَبعث جُنُوده فوجدوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَائِما يُصَلِّي بَين جبلي نَخْلَة فَأتوهُ فأخبروه فَقَالَ: هَذَا الْحَدث الَّذِي حدث فِي الأَرْض
وَأخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَ للجن مقاعد فِي السَّمَاء يَسْتَمِعُون الْوَحْي فَبَيْنَمَا هم كَذَلِك إِذا بعث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فدحرت الشَّيَاطِين من السَّمَاء ورموا بالكواكب فَجعل لَا يصعد أحد مِنْهُم إِلَّا احْتَرَقَ وفزع أهل الأَرْض لما رَأَوْا من الْكَوَاكِب وَلم يكن قبل ذَلِك وَقَالَ إِبْلِيس: حدث فِي الأَرْض حدث فَأتى من كل أَرض بتربة فشمها فَقَالَ لتربة تهَامَة: هُنَا حدث الْحَدث فصرف إِلَيْهِ نَفرا من الْجِنّ فهم الَّذين اسْتَمعُوا الْقُرْآن
وَأخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لم تكن سَمَاء الدُّنْيَا تحرس فِي الفترة بَين عِيسَى وَمُحَمّد عَلَيْهِمَا السَّلَام وَكَانُوا يَقْعُدُونَ مِنْهَا مقاعد للسمع فَلَمَّا بعث الله مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حرست السَّمَاء شَدِيدا ورجمت الشَّيَاطِين فانكروا ذَلِك فَقَالُوا: {لَا نَدْرِي أشر أُرِيد بِمن فِي الأَرْض أم أَرَادَ بهم رَبهم رشدا}(8/302)
فَقَالَ إِبْلِيس: لقد حدث فِي الأَرْض حدث فاجتمعت إِلَيْهِ الْجِنّ فَقَالَ: تفَرقُوا فِي الأَرْض فَأَخْبرُونِي مَا هَذَا الْحَدث الَّذِي حدث فِي السَّمَاء وَكَانَ أول بعث بعث ركب من أهل نَصِيبين وهم أَشْرَاف الْجِنّ وساداتهم فبعثهم إِلَى تهَامَة فاندفعوا حَتَّى بلغُوا الْوَادي وَادي نَخْلَة فوجدوا نَبِي الله يُصَلِّي صَلَاة الْغَدَاة وَلم يكن نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم علم أَنهم اسْتَمعُوا إِلَيْهِ وَهُوَ يقْرَأ الْقُرْآن فَلَمَّا قضى يَقُول: لما فرغ من الصَّلَاة ولوا إِلَى قَومهمْ منذرين يَقُول: مُؤمنين
وَأخرج الْوَاقِدِيّ وَأَبُو نعيم فِي الدَّلَائِل عَن ابْن عَمْرو قَالَ: لما كَانَ الْيَوْم الَّذِي تنبأ فِيهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم منعت الشَّيَاطِين من السَّمَاء ورموا بِالشُّهُبِ
وَأخرج الْوَاقِدِيّ وَأَبُو نعيم عَن أبيّ بن كَعْب قَالَ: لم يرم بِنَجْم مُنْذُ رفع عِيسَى حَتَّى تنبأ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رمى بهَا
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن الزُّهْرِيّ قَالَ: إِن الله حجب الشَّيَاطِين عَن السّمع بِهَذِهِ النُّجُوم انْقَطَعت الكهنة فَلَا كهَانَة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وَأَنا كُنَّا نقعد مِنْهَا مقاعد للسمع} قَالَ: حرست بِهِ السَّمَاء حِين بعث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لكيلا يسترق السّمع فأنكرت الْجِنّ ذَلِك فَكَانَ كل من اسْتمع مِنْهُم قذف
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَت الْجِنّ قبل أَن يبْعَث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَسْتَمِعُون من السَّمَاء فَلَمَّا بعث حرست فَلم يستطيعوا فجاؤوا إِلَى قَومهمْ يَقُولُونَ للَّذين لم يستمعوا فَقَالُوا: {وَأَنا لمسنا السَّمَاء فَوَجَدْنَاهَا ملئت حرساً شَدِيدا} وهم الْمَلَائِكَة {وشهباً} وَهِي الْكَوَاكِب {وَأَنا كُنَّا نقعد مِنْهَا مقاعد للسمع فَمن يستمع الْآن يجد لَهُ شهاباً رصداً} يَقُول: نجماً قد أوصد لَهُ يَرْمِي بِهِ
قَالَ: فَلَمَّا رموا بِالنَّجْمِ قَالُوا لقومهم: {وَأَنا لَا نَدْرِي أشر أُرِيد بِمن فِي الأَرْض أم أَرَادَ بهم رَبهم رشدا}
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله: {يجد لَهُ شهاباً} قَالَ: من النُّجُوم {رصداً} قَالَ: من الْمَلَائِكَة وَفِي قَوْله: {وَأَنا لَا نَدْرِي أشر أُرِيد بِمن فِي الأَرْض} قَالُوا: لَا نَدْرِي لم بعث هَذَا النَّبِي لِأَن يُؤمنُوا بِهِ ويتبعوه فيرشدوا أَو لِأَن يكفروا بِهِ ويكذبوه فيهلكوا كَمَا هلك من قبلهم من الْأُمَم وَالله أعلم(8/303)
الْآيَة 12 - 18(8/304)
وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا (11) وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعْجِزَ اللَّهَ فِي الْأَرْضِ وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَبًا (12) وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى آمَنَّا بِهِ فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلَا يَخَافُ بَخْسًا وَلَا رَهَقًا (13) وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا (14) وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا (15) وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا (16) لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا (17) وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا (18)
أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وَأَنا منا الصالحون وَمنا دون ذَلِك} يَقُول: منا الْمُسلم وَمنا الْمُشرك {كُنَّا طرائق قدداً} قَالَ: أهواء شَتَّى
وَأخرج الطستي فِي مسَائِله عَن ابْن عَبَّاس أَن نَافِع بن الْأَزْرَق سَأَلَهُ عَن قَوْله تَعَالَى: {طرائق قدداً} قَالَ: المنقطعة فِي كل وَجه
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم
أما سَمِعت الشَّاعِر وَهُوَ يَقُول: وَلَقَد قلت وَزيد حاسر يَوْم ولت خيل زيد قدداً وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {كُنَّا طرائق قدداً} قَالَ: أهواء مُخْتَلفَة
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {كُنَّا طرائق قدداً} قَالَ: مُسلمين وكافرين
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن السّديّ فِي قَوْله: {كُنَّا طرائق قدداً} يَعْنِي الْجِنّ هم مثلكُمْ قدرية ومرجئة ورافضة وشيعة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله: {وَأَنا ظننا أَن لن نعجز الله فِي الأَرْض} الْآيَة قَالُوا: لن نمتنع مِنْهُ فِي الأَرْض وَلَا هرباً
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {فَلَا يخَاف بخساً وَلَا رهقاً} قَالَ: لَا يخَاف نقصا من حَسَنَاته {وَلَا رهقاً} وَلَا أَن يحمل عَلَيْهِ ذَنْب غَيره(8/304)
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وَمنا القاسطون} قَالَ: الْعَادِلُونَ عَن الْحق
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {وَمنا القاسطون} قَالَ: هم الظَّالِمُونَ
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {وَمنا القاسطون} قَالَ: هم الجائرون وَفِي قَوْله: {وَإِن لَو استقاموا على الطَّرِيقَة لأسقيناهم مَاء غدقاً} قَالَ: لَو آمنُوا كلهم {لأسقيناهم} لأوسعنا لَهُم من الدُّنْيَا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس {وَأَن لَو استقاموا على الطَّرِيقَة} قَالَ: أَقَامُوا مَا أمروا بِهِ {لأسقيناهم مَاء غدقاً} قَالَ: معينا
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن فِي قَوْله: {وَإِن لَو استقاموا على الطَّرِيقَة لأسقيناهم} الْآيَة قَالَ: يَقُول لَو استقاموا على طَاعَة الله وَمَا أمروا بِهِ لأكْثر الله لَهُم من الْأَمْوَال حَتَّى يغتنوا بهَا ثمَّ يَقُول الْحسن: وَالله إِن كَانَ أَصْحَاب مُحَمَّد لكذلك كَانُوا سَامِعين لله مُطِيعِينَ لَهُ فتحت عَلَيْهِم كنوز كسْرَى وَقَيْصَر فتنُوا بهَا فَوَثَبُوا بإمامهم فَقَتَلُوهُ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {وَأَن لَو استقاموا على الطَّرِيقَة} قَالَ: طَريقَة الإِسلام {لأسقيناهم مَاء غدقاً} قَالَ: لأعطيناهم مَالا كثيرا
وَأخرج الطستي فِي مسَائِله عَن ابْن عَبَّاس أَن نَافِع بن الْأَزْرَق سَأَلَهُ عَن قَوْله: {مَاء غدقاً} قَالَ: كثيرا جَارِيا
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم أما سَمِعت الشَّاعِر يَقُول: تدني كراديس ملتفاً حدائقها كالنبت جَادَتْ بِهِ أنهارها غدقاً وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن السّري قَالَ: قَالَ عمر {وَأَن لَو استقاموا على الطَّرِيقَة لأسقيناهم مَاء غدقاً} قَالَ: لأعطيناهم مَالا كثيرا
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي مَالك {لأسقيناهم مَاء غدقاً} قَالَ: كثيرا وَالْمَاء المَال
وَأخرج عبد بن حميد عَن الرّبيع بن أنس فِي قَوْله: {مَاء غدقاً} قَالَ: عَيْشًا رغداً(8/305)
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {لنفتنهم فِيهِ} قَالَ: لنبتليهم بِهِ
وَفِي قَوْله: {وَمن يعرض عَن ذكر ربه يسلكه عذَابا صعداً} قَالَ: مشقة الْعَذَاب يصعد فِيهَا
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {لنفتنهم فِيهِ} قَالَ: لنبتليهم حَتَّى يرجِعوا إِلَى مَا كتب عَلَيْهِم وَفِي قَوْله: {عذَابا صعداً} قَالَ: مشقة من الْعَذَاب
وَأخرج هناد وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {يسلكه عذَابا صعداً} قَالَ: جبلا فِي جَهَنَّم
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {عذَابا صعداً} قَالَ: صعُودًا من عَذَاب الله ل اراحة فِيهِ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {عذَابا صعداً} قَالَ: صعُودًا من عَذَاب الله لَا رَاحَة فِيهِ
وَأخرج هناد عَن مُجَاهِد وَعِكْرِمَة فِي قَوْله: {عذَابا صعداً} قَالَ: مشقة من الْعَذَاب
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ يسلكه بِالْيَاءِ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وَأَن الْمَسَاجِد لله} قَالَ: لم يكن يَوْم نزلت هَذِه الْآيَة فِي الأَرْض مَسْجِد إِلَّا الْمَسْجِد الْحَرَام وَمَسْجِد إيليا بَيت الْمُقَدّس
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْأَعْمَش قَالَ: قَالَت الْجِنّ: يَا رَسُول الله ائْذَنْ لنا فنشهد مَعَك الصَّلَوَات فِي مسجدك فَأنْزل الله {وَأَن الْمَسَاجِد لله فَلَا تدعوا مَعَ الله أحدا} يَقُول: صلوا لَا تخالطوا النَّاس
وَأخرج ابْن جرير عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: قَالَت الْجِنّ للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: كَيفَ لنا أَن نأتي الْمَسْجِد وَنحن ناؤون عَنْك أَو كَيفَ نشْهد الصَّلَاة وَنحن ناؤون عَنْك فَنزلت {وَأَن الْمَسَاجِد لله} الْآيَة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله: {وَأَن الْمَسَاجِد لله} الْآيَة قَالَ: إِن الْيَهُود وَالنَّصَارَى إِذا دخلُوا بيعهم وكنائسهم أشركوا برَبهمْ فَأَمرهمْ أَن يوحدوه
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {وَأَن الْمَسَاجِد لله فَلَا تدعوا مَعَ الله أحدا} قَالَ: كَانَت الْيَهُود وَالنَّصَارَى إِذا دخلُوا بيعهم وكنائسهم أشركوا بِاللَّه فَأمر الله نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن يخلص الدعْوَة لله إِذا دخل الْمَسْجِد(8/306)
الْآيَة 19 - 28(8/307)
وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا (19) قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا (20) قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا (21) قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا (22) إِلَّا بَلَاغًا مِنَ اللَّهِ وَرِسَالَاتِهِ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا (23) حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ نَاصِرًا وَأَقَلُّ عَدَدًا (24) قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ مَا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَدًا (25) عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (26) إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا (27) لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا (28)
أخرج أَبُو نعيم فِي الدَّلَائِل عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: خرج علينا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قبل الْهِجْرَة إِلَى نواحي مَكَّة فَخط لي خطا وَقَالَ: لَا تحدثن شَيْئا حَتَّى آتِيك ثمَّ قَالَ: لَا يهولنك شَيْء ترَاهُ فَتقدم شَيْئا ثمَّ جلس فَإِذا رجال سود كَأَنَّهُمْ رجال الزطّ وَكَانُوا كَمَا قَالَ الله تَعَالَى: {كَادُوا يكونُونَ عَلَيْهِ لبداً}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وَأَنه لما قَامَ عبد الله يَدعُوهُ كَادُوا يكونُونَ عَلَيْهِ لبداً} قَالَ: لما سمعُوا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَتْلُوا الْقُرْآن كَادُوا يركبونه من الْحِرْص لما سَمِعُوهُ يَتْلُو الْقُرْآن ودنوا مِنْهُ فَلم يعلم بهم حَتَّى أَتَاهُ الرَّسُول فَجعل يقرئه {قل أُوحِي إِلَيّ أَنه اسْتمع نفر من الْجِنّ}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الزبير بن الْعَوام مثله
وَأخرج عبد بن حميد وَالتِّرْمِذِيّ وَالْحَاكِم وصححاه وَابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه والضياء فِي المختارة عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وَأَنه لما قَامَ عبد الله يَدعُوهُ كَادُوا يكونُونَ عَلَيْهِ لبداً} قَالَ: لما أَتَى الْجِنّ على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ يَرْكَعُونَ بركوعه ويسجدون بسجوده فعجبوا من طواعية أَصْحَابه لَهُ فَقَالُوا لقومهم: {لما قَامَ عبد الله يَدعُوهُ كَادُوا يكونُونَ عَلَيْهِ لبداً}(8/307)
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وَأَنه لما قَامَ عبد الله يَدعُوهُ} أَي يَدْعُو إِلَيْهِ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {وَإنَّهُ لما قَامَ عبد الله يَدعُوهُ كَادُوا يكونُونَ عَلَيْهِ لبداً} قَالَ: لما قَامَ نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تلبدت الإِنس وَالْجِنّ على هَذَا الْأَمر ليطفئوه فَأبى الله إِلَّا أَن ينصره ويظهره على من ناوأه
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن الْحسن {وَأَنه لما قَامَ عبد الله يَدعُوهُ} قَالَ: لما قَامَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: لَا إِلَه إِلَّا الله وَيَدْعُو النَّاس إِلَى رَبهم كَادَت الْعَرَب تلبد عَلَيْهِ جَمِيعًا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {كَادُوا يكونُونَ عَلَيْهِ لبداً} قَالَ: أعواناً
وَأخرج عبد بن حميد من طَرِيق أبي بكر عَن أبي عَاصِم أَنه قَرَأَ {يكونُونَ عَلَيْهِ لبداً} بِكَسْر اللَّام وَنصب الْبَاء وَفِي (لَا أقسم بِهَذَا الْبَلَد) (مَالا لبدا) بِرَفْع اللَّام وَنصب الْبَاء وفسرها أَبُو بكر فَقَالَ: (لبداً) كثيرا و (لبداً) بَعْضهَا على بعض
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ {قل إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي} بِغَيْر ألف
وَأخرج ابْن جرير عَن حضرمي
قَالَ: ذكر لنا أَن جنياً من الْجِنّ من أَشْرَافهم ذَا تبع قَالَ: إِنَّمَا يُرِيد مُحَمَّد أَن نجيره وَأَنا أجيره فَأنْزل الله {قل إِنِّي لن يجيرني من الله أحد} الْآيَة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: انْطَلَقت مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْلَة الْجِنّ حَتَّى أَتَى الْحجُون فَخط عَليّ خطا ثمَّ تقدم إِلَيْهِم فازدحموا عَلَيْهِ فَقَالَ سيدهم يُقَال لَهُ وردان: الا أَرجُلهم عَنْك يَا رَسُول الله قَالَ: {إِنِّي لن يجيرني من الله أحد}
وَأخرج عبد بن حميد عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله: {وَلنْ أجد من دونه ملتحداً} قَالَ: ملْجأ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {وَلنْ أجد من دونه ملتحداً} قَالَ: ملْجأ وَلَا نَصِيرًا إِلَّا بلاغاً من الله ورسالاته
قَالَ: هَذَا الَّذِي يملك(8/308)
بلاغاً من الله ورسالاته وَفِي قَوْله: {عَالم الْغَيْب فَلَا يظْهر على غيبه أحدا إِلَّا من ارتضى من رَسُول} قَالَ: فَإِنَّهُ إِذا ارتضى الرَّسُول اصطفاه وأطلعه على مَا شَاءَ من غيبه وانتخبه
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {فَلَا يظْهر على غيبه أحدا إِلَّا من ارتضى من رَسُول} قَالَ: أعلم الله الرُّسُل من الْغَيْب الْوَحْي وأظهرهم عَلَيْهِ فِيمَا أُوحِي إِلَيْهِم من غيبه وَمَا يحكم الله فَإِنَّهُ لَا يعلم ذَلِك غَيره
وَأخرج ابْن حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {إِلَّا من ارتضى من رَسُول فَإِنَّهُ يسْلك من بَين يَدَيْهِ وَمن خَلفه رصداً} قَالَ: هِيَ مُعَقِّبَات من الْمَلَائِكَة يَحْفَظُونَهُ من الشَّيْطَان حَتَّى يبين الَّذِي أرسل إِلَيْهِم بِهِ وَذَلِكَ حِين يَقُول أهل الشّرك قد أبلغوا رسالات رَبهم
وَأخرج عبد بن حميد عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله: {إِلَّا من ارتضى من رَسُول} قَالَ: جِبْرِيل
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عَبَّاس قَالَ: مَا أنزل الله على نبيه آيَة من الْقُرْآن إِلَّا وَمَعَهَا أَرْبَعَة من الْأَمْلَاك يحفظونها حَتَّى يؤدوها إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ قَرَأَ {عَالم الْغَيْب فَلَا يظْهر على غيبه أحدا إِلَّا من ارتضى من رَسُول فَإِنَّهُ يسْلك من بَين يَدَيْهِ وَمن خَلفه رصداً} يَعْنِي الْمَلَائِكَة الْأَرْبَعَة ليعلم أَن قد أبلغوا رسالات رَبهم
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {إِلَّا من ارتضى من رَسُول} قَالَ: كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قبل أَن يلقى الشَّيْطَان فِي أمْنِيته يدنون مِنْهُ فَلَمَّا ألْقى الشَّيْطَان فِي أمْنِيته أَمرهم أَن يتنحوا عَنهُ قَلِيلا ليعلم أَن الْوَحْي إِذا نزل من عِنْد الله
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن سعيد بن جُبَير فَبِي قَوْله: {فَإِنَّهُ يسْلك من بَين يَدَيْهِ وَمن خَلفه رصداً} قَالَ: أَرْبَعَة حفظَة من الْمَلَائِكَة مَعَ جِبْرِيل ليعلم مُحَمَّد {أَن قد أبلغوا رسالات رَبهم} قَالَ: وَمَا جَاءَ جِبْرِيل إِلَّا وَمَعَهُ أَرْبَعَة من الْمَلَائِكَة حفظَة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ فِي قَوْله: {فَإِنَّهُ يسْلك من بَين يَدَيْهِ وَمن خَلفه رصداً} قَالَ: الْمَلَائِكَة يَحْفَظُونَهُ من الْجِنّ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن الضَّحَّاك بن مُزَاحم فِي قَوْله: {إِلَّا من ارتضى من رَسُول فَإِنَّهُ يسْلك من بَين يَدَيْهِ وَمن خَلفه رصداً} قَالَ: كَانَ الن(8/309)
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا بعث إِلَيْهِ الْملك بِالْوَحْي بعث مَعَه نَفرا من الْمَلَائِكَة يحرسونه من بَين يَدَيْهِ وَمن خَلفه أَن يتشبه الشَّيْطَان على صُورَة الْملك
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {إِلَّا من ارتضى من رَسُول} قَالَ: يظهره من الْغَيْب على مَا شَاءَ إِذا ارْتَضَاهُ وَفِي قَوْله: {فَإِنَّهُ يسْلك من بَين يَدَيْهِ وَمن خَلفه رصداً} قَالَ: من الْمَلَائِكَة وَفِي قَوْله: {ليعلم أَن قد أبلغوا رسالات رَبهم} قَالَ: ليعلم نَبِي الله أَن الرُّسُل قد بلغت عَن الله وَأَن الله حفظهَا وَدفع عَنْهَا
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {ليعلم} قَالَ: ليعلم ذَلِك من كذب الرُّسُل {أَن قد أبلغوا رسالات رَبهم}(8/310)
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
73
سُورَة المزمل
مَكِّيَّة وآياتها عشرُون
مُقَدّمَة السُّورَة أخرج ابْن الضريس وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: نزلت {يَا أَيهَا المزمل} بِمَكَّة
وَأخرج ان مرْدَوَيْه عَن ابْن الزبير مثله
وَأخرج النّحاس عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: نزلت سُورَة المزمل بِمَكَّة إِلَّا آيَتَيْنِ {إِن رَبك يعلم أَنَّك تقوم أدنى}
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيّ فِي السّنَن عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: بتّ عِنْد خَالَتِي مَيْمُونَة فَقَامَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي من اللَّيْل فصلى ثَلَاث عشرَة رَكْعَة مِنْهَا رَكعَتَا الْفجْر فحزرت قِيَامه فِي كل رَكْعَة بِقدر {يَا أَيهَا المزمل} وَالله أعلم
الْآيَة 1 - 10(8/311)
يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا (4) إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا (5) إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا (6) إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا (7) وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا (8) رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا (9) وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا (10)
أخرج الْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَأَبُو نعيم فِي الدَّلَائِل عَن جَابر قَالَ: اجْتمعت قُرَيْش فِي دَار الندوة فَقَالُوا: سموا هَذَا الرجل اسْما تصدر النَّاس عَنهُ فَقَالُوا: كَاهِن قَالُوا: لَيْسَ بكاهن قَالُوا: مَجْنُون
قَالُوا: لَيْسَ بمجنون
قَالُوا:(8/311)
سَاحر قَالُوا: لَيْسَ بساحر
قَالُوا: يفرق بَين الحبيب وحبيبه فَتفرق الْمُشْركين على ذَلِك فَبلغ ذَلِك النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فتزمل فِي ثِيَابه وتدثر فِيهَا فَأَتَاهُ جِبْرِيل فَقَالَ: {يَا أَيهَا المزمل} {يَا أَيهَا المدثر}
وَأخرج أَحْمد وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَمُحَمّد بن نصر فِي كتاب الصَّلَاة وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن سعد بن هِشَام قَالَ: قلت لعَائِشَة: أَنْبِئِينِي عَن قيام رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَالَت: أَلَسْت تقْرَأ هَذِه السُّورَة {يَا أَيهَا المزمل} قلت: بلَى قَالَت: فَإِن الله قد افْترض قيام اللَّيْل فِي أول هَذِه السُّورَة فَقَامَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه حولا حَتَّى انتفخت أَقْدَامهم وَأمْسك الله خاتمتها فِي السَّمَاء اثْنَي عشر شهرا ثمَّ أنزل الله التَّخْفِيف فِي آخر هَذِه السُّورَة فَصَارَ قيام اللَّيْل تَطَوّعا من بعد فَرِيضَة
وَأخرج بَان جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن عَائِشَة قَالَت: نزل الْقُرْآن {يَا أَيهَا المزمل قُم اللَّيْل إِلَّا قَلِيلا} حَتَّى كَانَ الرجل يرْبط الْحَبل وَيتَعَلَّق فَمَكَثُوا بذلك ثَمَانِيَة أشهر فَرَأى الله مَا يَبْتَغُونَ من رضوانه فَرَحِمهمْ وردهم إِلَى الْفَرِيضَة وَترك قيام اللَّيْل
وَأخرج مُحَمَّد بن نصر فِي كتاب الصَّلَاة وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن جُبَير بن نفير قَالَ: سَأَلت عَائِشَة عَن قيام رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِاللَّيْلِ فَقَالَت: أَلَسْت تقْرَأ {يَا أَيهَا المزمل} قلت: بلَى
قَالَت: هُوَ قِيَامه
وَأخرج عبد الله بن أَحْمد فِي زَوَائِد الزّهْد وَمُحَمّد بن نصر فِي كتاب الصَّلَاة عَن عَائِشَة قَالَت: كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَلما ينَام من اللَّيْل لما قَالَ الله لَهُ: {قُم اللَّيْل إِلَّا قَلِيلا}
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم وَمُحَمّد بن نصر وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وصحه وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لما نزلت أول المزمل كَانُوا يقومُونَ نَحوا من قيامهم فِي شهر رَمَضَان حَتَّى نزل آخرهَا وَكَانَ بَين أَولهَا وَآخِرهَا نَحْو من سنة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن نصر عَن أبي عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ قَالَ: نزلت {يَا أَيهَا المزمل} قَامُوا حولا حَتَّى ورمت أَقْدَامهم وسوقهم حَتَّى نزلت {فاقرؤوا مَا تيَسّر مِنْهُ} فاستراح النَّاس
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: لمانزلت {يَا أَيهَا المزمل قُم اللَّيْل إِلَّا قَلِيلا} مكث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على هَذِه الْحَال عشر(8/312)
سِنِين يقوم اللَّيْل كَمَا أمره الله وَكَانَت طَائِفَة من أَصْحَابه يقومُونَ مَعَه فَأنْزل الله بعد عشر سِنِين {إِن رَبك يعلم أَنَّك تقوم} إِلَى قَوْله: {فأقيموا الصَّلَاة} فَخفف الله عَنْهُم بعد عشر سِنِين
وَأخرج أَبُو دَاوُد فِي ناسخه وَمُحَمّد بن نصر وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي السّنَن من طَرِيق عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ فِي المزمل: {قُم اللَّيْل إِلَّا قَلِيلا نصفه} الْآيَة الَّتِي فِيهَا {علم أَن لن تحصوه فَتَابَ عَلَيْكُم} {فاقرؤوا مَا تيَسّر مِنْهُ} وناشئة اللَّيْل أَوله كَانَت صلَاتهم أول اللَّيْل يَقُول: هُوَ أَجْدَر أَن تُحْصُوا مَا فرض الله عَلَيْكُم من قيام اللَّيْل وَذَلِكَ أَن الإِنسان إِذا نَام لم يدر مَتى يَسْتَيْقِظ وَقَوله: {وأقوم قيلاً} يَقُول: هُوَ أَجْدَر أَن تفقه قِرَاءَة الْقُرْآن وَقَوله: {إِن لَك فِي النَّهَار سبحاً طَويلا} يَقُول: فراغاً طَويلا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ فِي قَوْله: {يَا أَيهَا المزمل} قَالَ: نزلت وَهُوَ فِي قطيفة
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {يَا أَيهَا المزمل} قَالَ: زملت هَذَا الْأَمر فَقُمْ بِهِ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن نصر عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله: {يَا أَيهَا المزمل} قَالَ: زملت هَذَا الْأَمر فَقُمْ بِهِ وَفِي قَوْله: {يَا أَيهَا المدثر} قَالَ: دثرت هَذَا الْأَمر فَقُمْ بِهِ
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {يَا أَيهَا المزمل} قَالَ: النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يتدثر بالثياب
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن نصر عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {يَا أَيهَا المزمل} قَالَ: هُوَ الَّذِي تزمل بثيابه
وَأخرج عبد بن حميد عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله: {يَا أَيهَا المزمل} قَالَ: النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج الْفرْيَابِيّ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {ورتل الْقُرْآن ترتيلاً} قَالَ: يقْرَأ آيَتَيْنِ ثَلَاثَة ثمَّ يقطع لَا يهذرم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن منيع فِي مُسْنده وَمُحَمّد بن نصر وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {ورتل الْقُرْآن ترتيلاً} قَالَ: بَينه تبييناً(8/313)
وَأخرج أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَالنَّسَائِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن عبد الله بن عَمْرو عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: يُقَال لصَاحب الْقُرْآن يَوْم الْقِيَامَة اقْرَأ وأرق ورتل كَمَا كنت ترتل فِي الدُّنْيَا فَإِن منزلتك عِنْد آخر آيَة تقرؤها
وَأخرج الديلمي بِسَنَد واهٍ عَن ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا إِذا قَرَأت الْقُرْآن فرتله ترتيلاً وَبَينه تبييناً وَلَا تنثره نثر الدقل وَلَا تهذه هَذَا الشعرة قفوا عِنْد عجائبه وحركوا بِهِ الْقُلُوب وَلَا يكونن هم أحدكُم آخر السُّورَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن نصر وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن إِبْرَاهِيم قَالَ: قَرَأَ عَلْقَمَة على عبد الله فَقَالَ: رتله فَإِنَّهُ يزين الْقُرْآن
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {ورتل الْقُرْآن ترتيلاً} قَالَ: ترسل فِيهِ ترسيلاً
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن نصر وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {ورتل الْقُرْآن ترتيلاً} قَالَ: بلغنَا أَن عَامَّة قِرَاءَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَت الْمَدّ
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {ورتل الْقُرْآن ترتيلاً} قَالَ: بَينه تبييناً
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن فِي قَوْله: {ورتل الْقُرْآن ترتيلاً} قَالَ: اقرأه قِرَاءَة بَيِّنَة
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن نصر وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {ورتل الْقُرْآن ترتيلاً} قَالَ: بعضه على أثر بعض
وَأخرج عبد بن حميد عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله: {ورتل الْقُرْآن ترتيلاً} قَالَ: فسره تَفْسِيرا
وَأخرج العسكري فِي المواعظ عَن عَليّ: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سُئِلَ عَن قَول الله: {ورتل الْقُرْآن ترتيلاً} قَالَ: بَينه تبييناً وَلَا تنثره نثر الدقل وَلَا تهذه هَذَا الشّعْر قفوا عِنْد عجائبه وحركوا بِهِ الْقُلُوب وَلَا يكن هم أحدكُم آخر السُّورَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي مليكَة عَن بعض أَزوَاج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنَّهَا سُئِلت عَن قِرَاءَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَت: إِنَّكُم لَا تستطيعونها فَقيل لَهَا: أَخْبِرِينَا بهَا فَقَرَأت قِرَاءَة ترسلت فِيهَا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن طَاوس قَالَ: سُئِلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَي النَّاس(8/314)
أحسن قِرَاءَة قَالَ: الَّذِي إِذا سمعته يقْرَأ رَأَيْت أَنه يخْشَى الله
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الْحسن قَالَ: مر رجل من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على رجل يقْرَأ آيَة ويبكي ويرددها فَقَالَ: ألم تسمعوا إِلَى قَول الله: {ورتل الْقُرْآن ترتيلاً} هَذَا الترتيل
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الضريس عَن أبي هُرَيْرَة أَو أبي سعيد قَالَ: يُقَال لصَاحب الْقُرْآن يَوْم الْقِيَامَة اقْرَأ وأرق فَإِن منزلتك عِنْد آخر آيَة تقرؤها
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الضريس عَن مُجَاهِد قَالَ: الْقُرْآن يشفع لصَاحبه يَوْم الْقِيَامَة يَقُول: يَا رب جَعَلتني فِي جَوْفه فأسهرت ليله ومنعته من كثير من شهواته وَلكُل عَامل من عمله عماله فَيُقَال لَهُ: أبسط يدك فَيمْلَأ من رضوَان فَلَا يسْخط عَلَيْهِ بعده ثمَّ يُقَال لَهُ: اقْرَأ وأرقه فيرفع بِكُل آيَة دَرَجَة وَيُزَاد بِكُل آيَة حَسَنَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الضَّحَّاك بن قيس قَالَ: يَا أَيهَا النَّاس علمُوا أَوْلَادكُم وأهاليكم الْقُرْآن فَإِنَّهُ من كتب لَهُ من مُسلم يدْخلهُ الله الْجنَّة أَتَاهُ ملكان فاكتنفاه فَقَالَا لَهُ: اقْرَأ وارتق فِي درج الْجنَّة حَتَّى ينزلا بِهِ حَيْثُ انْتهى علمه من الْقُرْآن
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الضريس عَن بُرَيْدَة قَالَ: سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: إِن الْقُرْآن يلقى صَاحبه يَوْم الْقِيَامَة حِين ينشق عَنهُ قَبره كَالرّجلِ الشاحب فَيَقُول لَهُ: هَل تعرفنِي فَيَقُول: مَا أعرفك فَيَقُول: أَنا صَاحبك الْقُرْآن الَّذِي أظمأتك فِي الهواجر وأسهرت ليلك وَإِن كل تَاجر من وَرَاء تِجَارَته وَإنَّك الْيَوْم من وَرَاء كل تِجَارَة
قَالَ: فَيعْطى الْملك بِيَمِينِهِ والخلد بِشمَالِهِ وَيُوضَع على رَأسه تَاج الْوَقار ويكس وَالِده حلتين لَا يقوم لَهما أهل الدُّنْيَا فَيَقُولَانِ: بِمَ كسينا هَذَا فَيُقَال لَهما: بِأخذ ولدكما الْقُرْآن
ثمَّ يُقَال لَهُ: اقْرَأ واصعد درج الْجنَّة وَعرفهَا فَهُوَ فِي صعُود مَا دَامَ يقْرَأ هَذَا كَانَ أَو ترتيلاً
أخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن نصر عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {إِنَّا سنلقي عَلَيْك قولا ثقيلاً} قَالَ: يثقل من الله فَرَائِضه وحدوده
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن نصر عَن الْحسن فِي قَوْله: {قولا ثقيلاً} قَالَ: الْعَمَل بِهِ
وَأخرج ابْن نصر وَابْن الْمُنْذر عَن الْحسن فِي قَوْله: {قولا ثقيلاً} قَالَ: ثقيل فِي الْمِيزَان يَوْم الْقِيَامَة(8/315)
وَأخرج أَحْمد وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن نصر وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن عَائِشَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا أوحى إِلَيْهِ وَهُوَ على نَاقَته وضعت جِرَانهَا فَمَا تَسْتَطِيع أَن تتحوّل حَتَّى يسري عَنهُ وتلت {إِنَّا سنلقي عَلَيْك قولا ثقيلاً}
وَأخرج أَحْمد عَن عبد الله بن عَمْرو قَالَ: سَأَلت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقلت: يَا رَسُول الله هَل تحس بِالْوَحْي فَقَالَ: أسمع صلاصل ثمَّ أسكت عِنْد ذَلِك فَمَا من مرّة يُوحى إليّ إِلَّا ظَنَنْت أَن نَفسِي تقبض
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا أُوحِي إِلَيْهِ لم يسْتَطع أحد منا أَن يرفع إِلَيْهِ طرفه حَتَّى يَنْقَضِي الْوَحْي
أخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن نصر وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {إِن ناشئة اللَّيْل} قَالَ: قيام اللَّيْل بِلِسَان الْحَبَشَة إِذا قَامَ الرجل قَالُوا: نَشأ
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن أبي مليكَة قَالَ: سَأَلت ابْن عَبَّاس وَابْن الزبير عَن ناشئة اللَّيْل قَالَا: قيام اللَّيْل
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: ناشئة اللَّيْل أوّله
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن الضريس عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: اللَّيْل كُله ناشئة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن مَسْعُود فِي قَوْله: {إِن ناشئة اللَّيْل} قَالَ: هِيَ بالحبشية قيام اللَّيْل
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي مَالك {إِن ناشئة اللَّيْل} قَالَ: قيام اللَّيْل بِلِسَان الْحَبَشَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن نصر عَن أبي ميسرَة قَالَ: هُوَ بِلِسَان الْحَبَشَة نَشأ أَي: قَامَ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن نصر عَن أبي مليكَة قَالَ: سُئِلَ ابْن عَبَّاس عَن قَوْله: {ناشئة اللَّيْل} قَالَ: أَي اللَّيْل قُمْت فقد أنشأت
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة {إِن ناشئة اللَّيْل} قَالَ: كل شَيْء بعد الْعشَاء الْآخِرَة ناشئة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن نصر وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن الْحسن قَالَ: كل صَلَاة بعد الْعشَاء الْآخِرَة فَهُوَ ناشئة اللَّيْل(8/316)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن نصر عَن أبي مجلز {إِن ناشئة اللَّيْل} قَالَ: مَا كَانَ بعد الْعشَاء الْآخِرَة إِلَى الصُّبْح فَهُوَ ناشئة
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن نصر عَن مُجَاهِد {إِن ناشئة اللَّيْل} قَالَ: أَي سَاعَة تهجدت فِيهَا فتهجد من اللَّيْل
وَأخرج ابْن أبي شيبَة فِي المُصَنّف وَابْن نصر وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن أنس بن مَالك فِي قَوْله: {إِن ناشئة اللَّيْل} قَالَ: مَا بَين الْمغرب وَالْعشَاء
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن سعيد بن جُبَير مثله
وَأخرج ابْن نصر وَالْبَيْهَقِيّ عَن عليّ بن حُسَيْن قَالَ: {ناشئة اللَّيْل} قيام مَا بَين الْمغرب وَالْعشَاء
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن حُسَيْن بن عليّ أَنه رُؤِيَ يُصَلِّي فِيمَا بَين الْمغرب وَالْعشَاء فَقيل لَهُ: فِي ذَلِك فَقَالَ: إِنَّهَا من الناشئة
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ {ناشئة اللَّيْل} مَهْمُوزَة الْيَاء هِيَ {أَشد وطأ} بِنصب الْوَاو وَجزم الطَّاء يَعْنِي المواطاة
وَأخرج أَبُو يعلى وَابْن جرير وَمُحَمّد بن نصر وَابْن الْأَنْبَارِي فِي الْمَصَاحِف عَن أنس بن مَالك أَنه قَرَأَ هَذِه الْآيَة إِن ناشئة اللَّيْل هِيَ أَشد وطأ وأصوب قيلاً فَقَالَ لَهُ رجل: انا نقرؤها {وأقوم قيلاً} فَقَالَ: إِن أصوب وأقوم وأهيأ وَأَشْبَاه هَذَا وَاحِد
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن نصر وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد {هِيَ أَشد وطأ} قَالَ: مواطاة لَك فِي القَوْل {وأقوم قيلاً} قَالَ: افرغ لقلبك
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن مُجَاهِد {أَشد وطأ} قَالَ: أَن توطئ سَمعك وبصرك وقلبك بعضه بَعْضًا {وأقوم قيلاً} قَالَ: أثبت للْقِرَاءَة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن نصر عَن قَتَادَة {أَشد وطأ} قَالَ: أثبت فِي الْخَيْر {وأقوم قيلاً} أجرأ على الْقِرَاءَة
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وأقوم قيلاً} قَالَ: أدنى من أَن يفقه الْقُرْآن وَفِي قَوْله: {إِن لَك فِي النَّهَار سبحاً طَويلا} قَالَ: فزاغا وَفِي قَوْله: {وتبتل إِلَيْهِ تبتيلاً} قَالَ: أخْلص لله إخلاصاً
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن نصر وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم فِي الكني(8/317)
عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {إِن لَك فِي النَّهَار سبحاً طَويلا} قَالَ: السبح الْفَرَاغ للْحَاجة وَالنَّوْم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن نصر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {سبحاً طَويلا} قَالَ: فراغاً
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي مَالك وَالربيع مثله
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن نصر وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة {سبحاً طَويلا} قَالَ: فراغاً طَويلا {وتبتل إِلَيْهِ تبتيلاً} قَالَ: أخْلص لَهُ الدعْوَة وَالْعِبَادَة
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن نصر وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن مُجَاهِد {وتبتل إِلَيْهِ تبتيلاً} قَالَ: أخْلص لَهُ الْمَسْأَلَة وَالدُّعَاء إخلاصاً
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن {وتبتل إِلَيْهِ تبتيلاً} قَالَ: أخْلص لَهُ إخلاصاً
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ {رب الْمشرق وَالْمغْرب} بخفض رب
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة {رب الْمشرق وَالْمغْرب} قَالَ: وَجه اللَّيْل وَوجه النَّهَار
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله: {واهجرهم هجراً جميلاً} قَالَ: اصفح {وَقل سَلام} قَالَ: هَذَا قبل السَّيْف وَالله أعلم
الْآيَة 11 - 16(8/318)
وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا (11) إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالًا وَجَحِيمًا (12) وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ وَعَذَابًا أَلِيمًا (13) يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَهِيلًا (14) إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا (15) فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلًا (16)
أخرج أَبُو يعلى وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن عَائِشَة قَالَت: لما نزلت {وذرني والمكذبين أولي النِّعْمَة ومهلهم قَلِيلا} لم يكن إِلَّا قَلِيل حَتَّى كَانَت وقْعَة بدر(8/318)
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله: {وذرني والمكذبين أولي النِّعْمَة} قَالَ: بلغنَا أَن نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن فُقَرَاء الْمُؤمنِينَ يدْخلُونَ الْجنَّة قبل أغنيائهم بِأَرْبَعِينَ عَاما ويحشر أغنياؤهم جثاة على ركبهمْ وَيُقَال لَهُم: إِنَّكُم كُنْتُم مُلُوك أهل الدُّنْيَا وحكامهم فَكيف عملتم فِيمَا أَعطيتكُم وَفِي قَوْله: {ومهلهم قَلِيلا} قَالَ: إِلَى السَّيْف
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {وذرني والمكذبين أولي النِّعْمَة ومهلهم قَلِيلا} قَالَ: إِن لله فيهم طلبة وحاجة وَفِي قَوْله: {إِن لدينا أَنْكَالًا} قَالَ: قيوداً
وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن مَسْعُود {إِن لدينا أَنْكَالًا} قَالَ: قيوداً
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد {إِن لدينا أَنْكَالًا} قَالَ: قيوداً
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد عَن عِكْرِمَة مثله
وَأخرج عبد بن حميد عَن حَمَّاد وطاووس مثله
وَأخرج ابْن جرير وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن الْحسن قَالَ: الأنكال قيود من النَّار
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن سُلَيْمَان التَّيْمِيّ {إِن لدينا أَنْكَالًا} قَالَ: قيوداً وَالله ثقالاً لَا تفك أبدا ثمَّ بَكَى
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي عمرَان الْجونِي قَالَ: قيوداً وَالله لَا تحل عَنْهُم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي صفة النَّار وَعبد الله فِي زَوَائِد الزّهْد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وَطَعَامًا ذَا غُصَّة} قَالَ: لَهُ شوك وَيَأْخُذ بِالْحلقِ لَا يدْخل وَلَا يخرج
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وَطَعَامًا ذَا غُصَّة} قَالَ: شَجَرَة الزقوم
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد مثله
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد وهناد وَعبد بن حميد وَمُحَمّد بن نصر عَن حمْرَان أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَرَأَ {إِن لدينا أَنْكَالًا وَجَحِيمًا وَطَعَامًا ذَا غُصَّة وَعَذَابًا أَلِيمًا} فَلَمَّا بلغ أَلِيمًا صعق
وَأخرج أَبُو عبيد فِي فضائله وَأحمد فِي الزّهْد وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي نعت الْخَائِفِينَ وَابْن(8/319)
جرير وَابْن أبي دَاوُد فِي الشَّرِيعَة وَابْن عدي فِي الْكَامِل وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان من طَرِيق حمْرَان بن أعين أبي حَرْب بن أبي الْأسود أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سمع رجلا يقْرَأ {إِن لدينا أَنْكَالًا وَجَحِيمًا} فَصعِقَ
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {كثيباً مهيلاً} قَالَ: المهيل الَّذِي إِذا أخذت مِنْهُ شَيْئا تبعك آخِره
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {كثيباً مهيلاً} قَالَ: الرمل السَّائِل وَفِي قَوْله: {أخذا وبيلاً} قَالَ: شَدِيدا
وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس إِن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله: {أخذا وبيلاً} قَالَ: أخذا شَدِيدا لَيْسَ لَهُ ملْجأ قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم
أما سَمِعت قَول الشَّاعِر: خزي الْحَيَاة وخزي الْمَمَات وكلا أرَاهُ طَعَاما وبيلا
الْآيَة 17 - 20(8/320)
فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا (17) السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولًا (18) إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا (19) إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (20)
أخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة {فَكيف تَتَّقُون إِن كَفرْتُمْ يَوْمًا يَجْعَل الْولدَان شيباً} قَالَ: تَتَّقُون ذَلِك الْيَوْم إِن كَفرْتُمْ قَالَ: وَالله مَا أتقى ذَلِك الْيَوْم قوم كفرُوا بِاللَّه وعصوا رَسُوله(8/320)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن الْحسن {فَكيف تَتَّقُون إِن كَفرْتُمْ يَوْمًا} قَالَ: بِأَيّ صَلَاة تَتَّقُون بِأَيّ صِيَام تَتَّقُون
وَأخرج أَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن خَيْثَمَة فِي قَوْله: {يَوْمًا يَجْعَل الْولدَان شيباً} قَالَ: يُنَادي مُنَاد يَوْم الْقِيَامَة يخرج بعث النَّار من كل ألف تِسْعمائَة وَتِسْعَة وَتسْعُونَ فَمن ذَلِك يشيب الْولدَان
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن مَسْعُود فِي قَوْله: {يَوْمًا يَجْعَل الْولدَان شيباً} قَالَ: إِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة فَإِن رَبنَا يَدْعُو آدم فَيَقُول: يَا آدم أخرج بعث النَّار فَيَقُول: أَي رب لَا علم لي إِلَّا مَا علمتني فَيَقُول الله: أخرج بعث النَّار من كل ألف تِسْعمائَة وَتِسْعَة وَتِسْعين يساقون إِلَى النَّار سوقاً مُقرنين زرقاً [] كالحين فَإِذا خرج بعث النَّار شَاب كل وليد
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَرَأَ {يَوْمًا يَجْعَل الْولدَان شيباً} قَالَ: ذَلِك يَوْم الْقِيَامَة وَذَلِكَ يَوْم يَقُول الله لآدَم: قُم فَابْعَثْ من ذريتك بعثاً إِلَى النَّار قَالَ: من كم يَا رب قَالَ: من كل ألف تِسْعمائَة وَتِسْعَة وَتِسْعين وينجو وَاحِد فَاشْتَدَّ ذَلِك على الْمُسلمين فَقَالَ: حِين أبْصر ذَلِك فِي وُجُوههم: إِن بني آدم كثير وَإِن يَأْجُوج وَمَأْجُوج من ولد آدم وَإنَّهُ لَا يَمُوت رجل مِنْهُم حَتَّى يَرِثهُ لصلبه ألف رجل ففيهم وَفِي أشباههم جند لكم
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن فِي قَوْله: {السَّمَاء منفطر بِهِ} قَالَ: مثقلة بِيَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة {السَّمَاء منفطر بِهِ} قَالَ: مثقلة بِهِ
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {السَّمَاء منفطر} قَالَ: ممتلئة بِهِ بِلِسَان الْحَبَشَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق مُجَاهِد عَن ابْن عَبَّاس {السَّمَاء منفطر بِهِ} قَالَ: مثقلة موقرة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق الْعَوْفِيّ عَن ابْن عَبَّاس {منفطر بِهِ} قَالَ: يَعْنِي تشقق السَّمَاء
وَأخرج الطستي فِي مسَائِله عَن ابْن عَبَّاس إِن نَافِع بن الْأَزْرَق سَأَلَهُ عَن قَوْله: {منفطر بِهِ} قَالَ: منصدع من خوف يَوْم الْقِيَامَة قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب(8/321)
ذَلِك قَالَ: نعم
أما سَمِعت قَول الشَّاعِر: طباهن حَتَّى أعرض اللَّيْل دونهَا أفاطير وسمى رواء جذورها وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد {السَّمَاء منفطر بِهِ} قَالَ: مثقلة بِاللَّه
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة {السَّمَاء منفطر بِهِ} قَالَ: مثقلة بذلك الْيَوْم من شدته وهوله وَفِي قَوْله: {إِن رَبك يعلم أَنَّك تقوم} الْآيَة قَالَ: أدنى من ثُلثي اللَّيْل وَأدنى من نصفه وَأدنى من ثلثه
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن الْحسن وَسَعِيد بن جُبَير {علم أَن لن تحصوه} قَالَ: لن تطيقوه
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد {فاقرؤوا مَا تيَسّر مِنْهُ} قَالَ: أرخص عَلَيْهِم فِي الْقيام {علم أَن لن تحصوه} قَالَ: أَن لن تُحْصُوا قيام اللَّيْل {فَتَابَ عَلَيْكُم} قَالَ: ثمَّ أَنبأَنَا الله عَن خِصَال الْمُؤمنِينَ فَقَالَ: {علم أَن سَيكون مِنْكُم مرضى} إِلَى آخر الْآيَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن نصر عَن قَتَادَة قَالَ: فرض قيام اللَّيْل فِي أول هَذِه السُّورَة فَقَامَ أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى انتفخت أَقْدَامهم وَأمْسك الله خاتمتها حولا ثمَّ أنزل التَّخْفِيف فِي آخرهَا فَقَالَ: {علم أَن سَيكون مِنْكُم مرضى} إِلَى قَوْله: {فاقرؤوا مَا تيَسّر مِنْهُ} فنسخ مَا كَانَ قبلهَا فَقَالَ: {وَأقِيمُوا الصَّلَاة وَآتوا الزَّكَاة} فريضتان واجبتان لَيْسَ فيهمَا رخصَة
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن قَالَ: لما نزلت على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {يَا أَيهَا المزمل قُم اللَّيْل إِلَّا قَلِيلا} قَامَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَامَ الْمُسلمُونَ مَعَه حولا كَامِلا حَتَّى تورمت أَقْدَامهم فَأنْزل الله بعد الْحول {إِن رَبك يعلم} إِلَى قَوْله: {مَا تيَسّر مِنْهُ} قَالَ: الْحسن: فَالْحَمْد لله الَّذِي جعله تَطَوّعا بعد فرضة وَلَا بُد من قيام اللَّيْل
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة {يَا أَيهَا المزمل قُم اللَّيْل} الْآيَة قَالَ: لَبِثُوا بذلك سنة فشق عَلَيْهِم وتورمت أَقْدَامهم ثمَّ نسخهَا آخر السُّورَة {فاقرؤوا مَا تيَسّر مِنْهُ}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم والطراني وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {فاقرؤوا مَا تيَسّر مِنْهُ} قَالَ: مائَة آيَة(8/322)
وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي السّنَن وحسناه عَن قيس بن أبي حَازِم قَالَ: صليت خلف ابْن عَبَّاس فَقَرَأَ فِي أول رَكْعَة بِالْحَمْد لله وَأول آيَة من الْبَقَرَة ثمَّ ركع فَلَمَّا انْصَرف أقبل علينا فَقَالَ: إِن الله يَقُول: {فاقرؤوا مَا تيَسّر مِنْهُ} وَأخرج أَحْمد وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن أبي سعيد قَالَ: أمرنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن نَقْرَأ بِفَاتِحَة الْكتاب وَمَا تيَسّر
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن عمر بن الْخطاب قَالَ: مَا من حَال يأتيني عَلَيْهِ الْمَوْت بعد الْجِهَاد فِي سَبِيل الله أحب إليّ من أَن يأتيني وَأَنا بَين شعبتين رحلي ألتمس من فضل الله ثمَّ تَلا هَذِه الْآيَة {وَآخَرُونَ يضْربُونَ فِي الأَرْض يَبْتَغُونَ من فضل الله وَآخَرُونَ يُقَاتلُون فِي سَبِيل الله}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عبد الله بن مَسْعُود قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا من جالب يجلب طَعَاما إِلَى بلد من بِلَاد الْمُسلمين فيبيعه بِسعْر يَوْمه إِلَّا كَانَت مَنْزِلَته عِنْد الله منزلَة الشَّهِيد ثمَّ قَرَأَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وَآخَرُونَ يضْربُونَ فِي الأَرْض يَبْتَغُونَ من فضل الله وَآخَرُونَ يُقَاتلُون فِي سَبِيل الله}(8/323)
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
74
سُورَة المدثر
مَكِّيَّة وآياتها سِتّ وَخَمْسُونَ
الْآيَة 1 - 10(8/324)
يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ (2) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (3) وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4) وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (5) وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ (6) وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ (7) فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ (8) فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ (9) عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ (10)
أخرج ابْن الضريس وَابْن مرْدَوَيْه والنحاس وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: نزلت سُورَة المدثر بِمَكَّة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن الزبير مثله
وَأخرج الطَّيَالِسِيّ وَعبد الرَّزَّاق وَأحمد وَعبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن الضريس وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه وَابْن الْأَنْبَارِي فِي الْمَصَاحِف قَالَ: سَأَلت أَبَا سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن عَن أول مَا نزل من الْقُرْآن فَقَالَ: يَا أَيهَا المدثر قلت: يَقُولُونَ {اقْرَأ باسم رَبك الَّذِي خلق} فَقَالَ أَبُو سَلمَة: سَأَلت جَابر بن عبد الله عَن ذَلِك قلت لَهُ مثل مَا قلت
قَالَ جَابر: لَا أحَدثك إِلَّا مَا حَدثنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: جَاوَرت بحراء فَلَمَّا قضيت جواري فنوديت فَنَظَرت عَن يَمِيني فَلم أرَ شَيْئا وَنظرت عَن شمَالي فَلم أرَ شَيْئا وَنظرت خَلْفي فَلم أرَ شَيْئا فَرفعت رَأْسِي فَإِذا الْملك الَّذِي جائني بحراء جَالس على كرْسِي بَين السَّمَاء وَالْأَرْض فجثثت مِنْهُ رعْبًا فَرَجَعت فَقلت دَثرُونِي فَدَثَّرُونِي فَنزلت {يَا أَيهَا المدثر قُم فَأَنْذر} إِلَى قَوْله: {وَالرجز فاهجر}(8/324)
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه بِسَنَد ضَعِيف عَن ابْن عَبَّاس أَن الْوَلِيد بن الْمُغيرَة صنع لقريش طَعَاما فَلَمَّا أكلُوا قَالَ: مَا تَقولُونَ فِي هَذَا الرجل فَقَالَ بَعضهم: سَاحر وَقَالَ بَعضهم: لَيْسَ بساحر وَقَالَ بَعضهم: كَاهِن وَقَالَ بَعضهم: لَيْسَ بكاهن وَقَالَ بَعضهم: شَاعِر وَقَالَ بَعضهم لَيْسَ بشاعر وَقَالَ بَعضهم: سحر يُؤثر فَاجْتمع رَأْيهمْ على أَنه سحر يُؤثر فَبلغ ذَلِك النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَخرج وقنع رَأسه وتدثر فَأنْزل الله {يَا أَيهَا المدثر} إِلَى قَوْله: {ولربك فاصبر}
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {يَا أَيهَا المدثر} قَالَ: دثرت هَذَا الْأَمر فَقُمْ بِهِ
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ رَضِي الله عَنهُ {يَا أَيهَا المدثر} قَالَ: كَانَ متدثراً فِي قطيف يَعْنِي شملة صَغِيرَة الخمل {وثيابك فطهر} قَالَ: من الإِثم {وَالرجز فاهجر} قَالَ: الإِثم {وَلَا تمنن تستكثر} قَالَ: لَا تعط شَيْئا لتعطى أَكثر مِنْهُ {ولربك فاصبر} قَالَ: إِذا أَعْطَيْت عَطِيَّة فأعطها لِرَبِّك واصبر حَتَّى يكون هُوَ الَّذِي يثيبك
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {يَا أَيهَا المدثر} قَالَ: المتدثر فِي ثِيَابه {قُم فَأَنْذر} قَالَ: أنذر عَذَاب رَبك وَوَقَائعه فِي الْأُمَم وَشدَّة نقمته إِذا انتقم {وثيابك فطهر} يَقُول: طهرهَا من الْمعاصِي وَهِي كلمة عَرَبِيَّة كَانَت الْعَرَب إِذا نكث الرجل وَلم يوف بعهده قَالُوا: إِن فلَانا لدنس الثِّيَاب وَإِذا أوفى وَأصْلح قَالُوا: إِن فلَانا لطاهر الثِّيَاب {وَالرجز فاهجر} قَالَ: هما صنمان كَانَا عِنْد الْبَيْت أساف ونائلة يمسح وُجُوههمَا من أَتَى عَلَيْهِمَا من الْمُشْركين فَأمر الله نبيه مُحَمَّدًا أَن يهجرهما ويجانبهما {وَلَا تمنن تستكثر} قَالَ: لَا تعط شَيْئا لمثابة الدُّنْيَا وَلَا لمجازاة النَّاس
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن أبي مَالك رَضِي الله عَنهُ {وَرَبك فَكبر} قَالَ: عظم {وثيابك فطهر} قَالَ: عَنى نَفسه {وَالرجز فاهجر} قَالَ: الشَّيْطَان والأوثان
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ: قُلْنَا يَا رَسُول الله كَيفَ نقُول إِذا دَخَلنَا فِي الصَّلَاة فَأنْزل الله {وَرَبك فَكبر} فَأمرنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن نفتتح الصَّلَاة بِالتَّكْبِيرِ(8/325)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {يَا أَيهَا المدثر} قَالَ: النَّائِم {وثيابك فطهر} قَالَ: لَا تكن ثِيَابك الَّتِي تلبس من مكسب بَاطِل {وَالرجز فاهجر} قَالَ: الْأَصْنَام {وَلَا تمنن تستكثر} قَالَ: لَا تعط عَطِيَّة تلتمس بهَا أفضل مِنْهَا
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {وثيابك فطهر} قَالَ: من الإِثم قَالَ: وَهِي فِي كَلَام الْعَرَب نقي الثِّيَاب
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {وثيابك فطهر} قَالَ: من الْغدر وَلَا تكن غداراً
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن الْأَنْبَارِي فِي الْوَقْف والابتداء وَابْن مرْدَوَيْه عَن عِكْرِمَة أَن ابْن عَبَّاس سُئِلَ عَن قَوْله: {وثيابك فطهر} قَالَ: لَا تلبسها على غدرة وَلَا فجرة ثمَّ قَالَ: أَلا تَسْمَعُونَ قَول غيلَان بن سَلمَة: إِنِّي بِحَمْد الله لَا ثوب فَاجر لبست وَلَا من غدرة أتقنع وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ الرجل فِي الْجَاهِلِيَّة إِذا كَانَ غدراً قَالُوا: فلَان دنس الثِّيَاب
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن أبي رزين {وثيابك فطهر} قَالَ: عَمَلك أصلحه كَانَ أهل الْجَاهِلِيَّة إِذا كَانَ الرجل حسن الْعَمَل قَالُوا: فلَان طَاهِر الثِّيَاب
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وثيابك فطهر} قَالَ: وعملك فَأصْلح
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {وثيابك فطهر} قَالَ: لست بكاهن وَلَا سَاحر فَأَعْرض عَنهُ {وَالرجز فاهجر} قَالَ: الْأَوْثَان {وَلَا تمنن تستكثر} قَالَ: لَا تعط مصانعة رَجَاء أفضل مِنْهُ من الثَّوَاب {ولربك فاصبر} قَالَ: على مَا أوذيت
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي مَالك رَضِي الله عَنهُ {وثيابك فطهر} قَالَ: عَنى نَفسه(8/326)
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {وثيابك فطهر} قَالَ: لَيْسَ ثِيَابه الَّذِي يلبس
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وثيابك فطهر} قَالَ: خلقك فَحسن
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن يزِيد بن مرْثَد فِي قَوْله: {وثيابك فطهر} أَنه ألْقى على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سلا شَاة
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ أَنه قَرَأَ على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وَالرجز فاهجر} بِالْكَسْرِ
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه عَن جَابر رضى الله عَنهُ قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: {وَالرجز فاهجر} بِرَفْع الرَّاء وَقَالَ: هِيَ الْأَوْثَان وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن حَمَّاد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَرَأت فِي مصحف أبي وَلَا تمنن تستكثر
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ {وَلَا تمنن تستكثر} يَقُول: لَا تعط شَيْئا لتعطى أَكثر مِنْهُ وَإِنَّمَا نزل هَذَا فِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج عبد بن حميد عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ {وَلَا تمنن تستكثر} قَالَ: لَا تعط شَيْئا لتعطى أَكثر مِنْهُ وَهِي للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَاصَّة وَالنَّاس موسع عَلَيْهِم
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {وَلَا تمنن تستكثر} قَالَ: لَا تعط الرجل عَطاء رَجَاء أَن يعطيك أَكثر مِنْهُ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {وَلَا تمنن تستكثر} قَالَ: لَا تعظم عَمَلك فِي عَيْنك أَن تستكثر من الْخَيْر
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {وَلَا تمنن تستكثر} قَالَ: لَا تقل قد دعوتهم فَلم يقبل مني عد فادعهم {ولربك فاصبر} على ذَلِك
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {فَإِذا نقر فِي الناقور} قَالَ: الصُّور {يَوْم عسير} قَالَ: شَدِيد
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {فَإِذا نقر فِي الناقور} قَالَ: فَإِذا نفخ فِي الصُّور
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ وَأبي مَالك وعامر مثله(8/327)
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: الناقور الصُّور شَيْء كَهَيئَةِ البوق
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: نزلت {فَإِذا نقر فِي الناقور} قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: كَيفَ أنعم وَصَاحب الصُّور قد الْتَقم الْقرن وحنى جَبهته يستمع مَتى يُؤمر قَالُوا: كَيفَ نقُول يَا رَسُول الله قَالَ: قُولُوا حَسبنَا الله وَنعم وَالْوَكِيل على الله توكلنا
وَأخرج ابْن سعد وَالْحَاكِم عَن بهز بن حَكِيم قَالَ: أمنا زُرَارَة بن أوفى فَقَرَأَ المدثر فَلَمَّا بلغ {فَإِذا نقر فِي الناقور} خر مَيتا فَكنت فِيمَن حمله
وَأخرج عبد حميد عَن قَتَادَة {فَذَلِك يَوْمئِذٍ يَوْم عسير} قَالَ: ثمَّ بَين على من مشقته وعسره فَقَالَ: {على الْكَافرين غير يسير}
الْآيَة 11 - 37(8/328)
ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا (11) وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُودًا (12) وَبَنِينَ شُهُودًا (13) وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيدًا (14) ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ (15) كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيدًا (16) سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا (17) إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (18) فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (19) ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (20) ثُمَّ نَظَرَ (21) ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ (22) ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ (23) فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ (24) إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ (25) سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (26) وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ (27) لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ (28) لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ (29) عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ (30) وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا وَلَا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ (31) كَلَّا وَالْقَمَرِ (32) وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ (33) وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ (34) إِنَّهَا لَإِحْدَى الْكُبَرِ (35) نَذِيرًا لِلْبَشَرِ (36) لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ (37)
أخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة {ذَرْنِي وَمن خلقت وحيداً} قَالَ: هُوَ الْوَلِيد بن الْمُغيرَة أخرجه الله من بطن أمه وحيداً لَا مَال لَهُ وَلَا ولد فرزقه الله المَال وَالْولد والثروة والنماء {كلاّ إِنَّه كَانَ لآياتنا عنيداً} قَالَ: كفوراً بآيَات الله جحُودًا بهَا {إِنَّه فكر وَقدر} قَالَ: ذكر لنا أَنه قَالَ: لقد نظرت فِيمَا قَالَ هَذَا الرجل فَإِذا هُوَ لَيْسَ بِشعر وَإِن لَهُ لحلاوة وَإِن عَلَيْهِ لطلاوة وَإنَّهُ ليعلوا وَمَا يعلى وَمَا أَشك أَنه سحر فَأنْزل الله فِيهِ {فَقتل كَيفَ قدر} إِلَى قَوْله: {وَبسر} قَالَ: كلح
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس {ذَرْنِي وَمن خلقت وحيداً} قَالَ: الْوَلِيد بن الْمُغيرَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد {ذَرْنِي وَمن خلقت وحيداً} قَالَ: نزلت فِي الْوَلِيد بن الْمُغيرَة {وحيداً} قَالَ: خلقته وَحده لَا مَال لَهُ وَلَا ولد {وَجعلت لَهُ مَالا ممدوداً} قَالَ: ألف دِينَار {وبنين} قَالَ: كَانُوا عشرَة {شُهُودًا} قَالَ: لَا يغيبون {ومهدت لَهُ تمهيداً} قَالَ: بسطت لَهُ من المَال وَالْولد {ثمَّ يطْمع أَن أَزِيد كلا} قَالَ: فَمَا زَالَ يرى النُّقْصَان فِي مَاله وَولده حَتَّى هلك {إِنَّه كَانَ لآياتنا عنيداً} قَالَ: معانداً عَنْهَا مجانباً لَهَا {سَأُرْهِقُهُ صعُودًا} قَالَ: مشقة من الْعَذَاب
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن أبي مَالك {ذَرْنِي وَمن خلقت وحيداً} قَالَ: الْوَلِيد بن الْمُغيرَة {وبنين شُهُودًا} قَالَ: كَانُوا ثَلَاثَة عشر {ثمَّ يطْمع أَن أَزِيد كلا} قَالَ: فَلم يُولد لَهُ بعد يَوْمئِذٍ وَلم يَزْدَدْ لَهُ من المَال إِلَّا مَا كَانَ {إِنَّه كَانَ لآياتنا عنيداً} قَالَ: مشاقاً
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير {ذَرْنِي وَمن خلقت وحيداً} الْآيَات قَالَ: هُوَ الْوَلِيد بن الْمُغيرَة بن هِشَام المَخْزُومِي وَكَانَ لَهُ ثَلَاثَة عشر ولدا كلهم رب بَيت فَلَمَّا نزلت {إِنَّه كَانَ لآياتنا عنيداً} لم يزل فِي إدبار من الدُّنْيَا فِي نَفسه وَمَاله وَولده حَتَّى أخرجه من الدُّنْيَا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس {وَجعلت لَهُ مَالا ممدوداً} قَالَ: ألف دِينَار
وَأخرج عبد بن حميد عَن سُفْيَان {وَجعلت لَهُ مَالا ممدوداً} قَالَ: ألف ألف(8/329)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه والدينوري فِي المجالسة عَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ أَنه سُئِلَ عَن قَوْله: {وَجعلت لَهُ مَالا ممدوداً} قَالَ: غلَّة شهر بِشَهْر
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن النُّعْمَان بن سَالم فِي قَوْله: {وَجعلت لَهُ مَالا ممدوداً} قَالَ: الأَرْض
وَأخرج هناد عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ فِي قَوْله: {سَأُرْهِقُهُ صعُودًا} قَالَ: هُوَ جبل فِي النَّار يكلفون أَن يصعدوا فِيهِ فَكلما وضعُوا أَيْديهم عَلَيْهِ ذَابَتْ فَإِذا رفعوها عَادَتْ كَمَا كَانَت
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل من طَرِيق عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس أَن الْوَلِيد بن الْمُغيرَة جَاءَ إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَرَأَ عَلَيْهِ الْقُرْآن فَكَأَنَّهُ رق لَهُ فَبلغ ذَلِك أَبَا جهل فَأَتَاهُ فَقَالَ: يَا عَم إِن قَوْمك يُرِيدُونَ أَن يجمعوا لَك مَالا ليعطوه لَك فَإنَّك أتيت مُحَمَّدًا لتعرض لما قبله
قَالَ: قد علمت قُرَيْش أَنِّي من أَكثر مَالا
قَالَ: فَقل فِيهِ قولا يبلغ قَوْمك أَنَّك مُنكر أَو أَنَّك كَارِه لَهُ
قَالَ: وماذا أَقُول فوَاللَّه مَا فِيكُم رجل أعلم بالشعر مني وَلَا برجزه وَلَا بقصيده مني وَلَا بشاعر الْجِنّ وَالله مَا يشبه الَّذِي يَقُول شَيْئا من هَذَا وَوَاللَّه إِن لقَوْله: الَّذِي يَقُول لحلاوة وَإِن عَلَيْهِ لطلاوة وَإنَّهُ لمثمر أَعْلَاهُ مغدق أَسْفَله وَإنَّهُ ليعلوا وَمَا يعلى وَإنَّهُ ليحطم مَا تَحْتَهُ
قَالَ: لَا يرضى عَنْك قَوْمك حَتَّى تَقول فِيهِ
قَالَ: فَدَعْنِي حَتَّى أفكر
ففكر
فَلَمَّا فكر قَالَ: هَذَا سحر يُؤثر يأثره عَن غَيره فَنزلت {ذَرْنِي وَمن خلقت وحيدا}
وَأخرجه ابْن جرير وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية وَعبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة مُرْسلا
وَأخرج أَبُو نعيم فِي الدَّلَائِل من طَرِيق مُجَاهِد عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لما بعث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جمع الْوَلِيد بن الْمُغيرَة قُريْشًا فَقَالَ: مَا تَقولُونَ فِي هَذَا الرجل فَقَالَ بَعضهم: هُوَ شَاعِر وَقَالَ بَعضهم: هُوَ كَاهِن فَقَالَ الْوَلِيد: سَمِعت قَول شَاعِر وَسمعت قَول الكهنة فَمَا هُوَ مثله
قَالُوا: فَمَا تَقول أَنْت قَالَ: فَنظر سَاعَة {إِنَّه فكر وَقدر فَقتل كَيفَ قدر} إِلَى قَوْله: {سحر يُؤثر}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: دخل الْوَلِيد بن الْمُغيرَة على أبي بكر فَسَأَلَهُ عَن الْقُرْآن فَلَمَّا أخبرهُ خرج على قُرَيْش فَقَالَ: يَا عجبا لما يَقُول ابْن(8/330)
أبي كَبْشَة فوَاللَّه مَا هُوَ بِشعر وَلَا بِسحر وَلَا بهذي من الْجُنُون وَإِن قَوْله: لمن كَلَام الله
فَلَمَّا سمع النَّفر من قُرَيْش ائْتَمرُوا وَقَالُوا: وَالله لَئِن صَبأ الْوَلِيد لتصبأن قُرَيْش فَلَمَّا سمع بذلك أبوجهل قَالَ: وَالله أَنا أكفيكم شَأْنه
فَانْطَلق حَتَّى دخل عَلَيْهِ بَيته
فَقَالَ للوليد: ألم تَرَ قَوْمك قد جمعُوا لَك الصَّدَقَة فَقَالَ: أَلَسْت أَكْثَرهم مَالا وَولدا فَقَالَ لَهُ أَبُو جهل: يتحثون أَنَّك إِنَّمَا تدخل على ابْن أبي قُحَافَة لتصيب من طَعَامه
فَقَالَ الْوَلِيد: تحدث بِهَذَا عشيرتي فوَاللَّه لَا أقرب ابْن أبي قُحَافَة وَلَا عمر وَلَا ابْن أبي كَبْشَة وَمَا قَوْله: إِلَّا سحر يُؤثر فَأنْزل الله {ذَرْنِي وَمن خلقت وحيداً} إِلَى قَوْله: {لَا تبقي وَلَا تذر}
وَأخرج ابْن جرير وهناد بن السّري فِي الزّهْد وَعبد بن حميد عَن ابْن عَبَّاس {عنيداً} قَالَ: جحُودًا
وَأخرج أَحْمد وَابْن الْمُنْذر وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي صفة النَّار وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن حبَان وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: الصعُود جبل فِي النَّار يصعد فِيهِ الْكَافِر سبعين خَرِيفًا ثمَّ يهوي وَهُوَ كَذَلِك فِيهِ أبدا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَسَعِيد بن مَنْصُور وَالْفِرْيَابِي وَعبد بن حميد وَابْن أبي الدُّنْيَا وَابْن الْمُنْذر وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ من وَجه آخر عَن أبي سعيد قَالَ: إِن {صعُودًا} صَخْرَة فِي جَهَنَّم إِذا وضعُوا أَيْديهم عَلَيْهَا ذَابَتْ فَإِذا رفعوها عَادَتْ واقتحامها (فك رَقَبَة أَو إطْعَام فِي يَوْم ذِي مسغبة) (سُورَة الْبَلَد الْآيَة 14)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: صعُود صَخْرَة فِي جَهَنَّم يسحب عَلَيْهَا الْكَافِر على وَجهه
وَأخرج ابْن الْمُنْذر من طَرِيق عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس قي قَوْله: {سَأُرْهِقُهُ صعُودًا} قَالَ: جبل فِي النَّار
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن فِي قَوْله: {صعُودًا} قَالَ: جبلا فِي جَهَنَّم
وَأخرج عبد بن حميد عَن الضَّحَّاك {سَأُرْهِقُهُ صعُودًا} قَالَ: صَخْرَة ملساء فِي جَهَنَّم يكلفون الصعُود عَلَيْهَا(8/331)
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد {سَأُرْهِقُهُ صعُودًا} قَالَ: مشقة من الْعَذَاب
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {عبس وَبسر} قَالَ: قبض مَا بَين عَيْنَيْهِ وكلح
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن أبي رزين {إِن هَذَا إِلَّا سحر يُؤثر} قَالَ: يأثره عَن غَيره
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: {سقر} أَسْفَل الْجَحِيم نَار فِيهَا شَجَرَة الزقوم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {لَا تبقي وَلَا تذر} قَالَ: لَا تحيي وَلَا تميت
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس {لَا تبقي} إِذا أخذت فيهم لم تبْق مِنْهُم شَيْئا وَإِذا بدلُوا جلدا جَدِيدا لم تذر أَن تباردهم سَبِيل الْعَذَاب الأول
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الضَّحَّاك {لَا تبقي وَلَا تذر} تَأْكُله كُله فَإِذا تبدى خلقه لم تذره حَتَّى تقوم عَلَيْهِ
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن بريد {لَا تبقي وَلَا تذر} قَالَ: تَأْكُل اللَّحْم والعظم والعرق والمخ وَلَا تذره على ذَلِك
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {لواحة للبشر} قَالَ: حراقة للجلد
وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن عَبَّاس {لواحة للبشر} قَالَ: تلوح الْجلد فتحرقه فيتغير لَونه فيصر أسود من اللَّيْل
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد عَن أبي رزين {لواحة للبشر} قَالَ: تلوح جلده حَتَّى تَدعه أَشد سواداً من اللَّيْل
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عَليّ عَن ابْن عَبَّاس {لواحة} محرقة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن الْبَراء أَن رهطاً من الْيَهُود سَأَلُوا رجلا من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن خَزَنَة جَهَنَّم فَقَالَ: الله وَرَسُوله أعلم فجَاء فَأخْبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَنزل عَلَيْهِ ساعتئذ {عَلَيْهَا تِسْعَة عشر}(8/332)
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن جَابر قَالَ: قَالَ نَاس من الْيَهُود لِأُنَاس من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: هَل يعلم نَبِيكُم عدد خَزَنَة جَهَنَّم قَالَ: هَكَذَا وَهَكَذَا فِي مرّة عشرَة وَفِي مرّة تِسْعَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ قَالَ: لما نزلت {عَلَيْهَا تِسْعَة عشر} قَالَ رجل من قُرَيْش يدعى أَبَا الأشدين: يَا معشر قُرَيْش لَا يهولنكم التِّسْعَة عشر أَنا أدفَع عَنْكُم بمنكبي الْأَيْمن عشرَة وبمنكبي الْأَيْسَر التِّسْعَة فَأنْزل الله {وَمَا جعلنَا أَصْحَاب النَّار إِلَّا مَلَائِكَة}
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لما سمع أَبُو جهل {عَلَيْهَا تِسْعَة عشر} قَالَ لقريش: ثكلتكم أُمَّهَاتكُم أسمع ابْن أبي كَبْشَة يُخْبِركُمْ أَن خَزَنَة النَّار تِسْعَة عشر وَأَنْتُم الدهم أفيعجز كل عشرَة مِنْكُم أَن يبطشوا بِرَجُل من خَزَنَة جَهَنَّم فَأوحى الله إِلَى نبيه أَن يَأْتِي أَبَا جهل فَيَأْخُذ بِيَدِهِ فِي بطحاء مَكَّة فَيَقُول لَهُ: {أولى لَك فَأولى ثمَّ أولى لَك فَأولى}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {عَلَيْهَا تِسْعَة عشر} قَالَ: ذكر لنا أَن أَبَا جهل حِين أنزلت هَذِه الْآيَة قَالَ: يَا معشر قُرَيْش مَا يَسْتَطِيع كل عشرَة مِنْكُم أَنِّي يغلبوا وَاحِدًا من خَزَنَة النَّار وَأَنْتُم ألدهم
وَأخرج ابْن الْمُبَارك وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث من طَرِيق الْأَزْرَق بن قيس عَن رجل من بني تَمِيم قَالَ: كُنَّا عِنْد أبي الْعَوام فَقَرَأَ هَذِه الْآيَة {عَلَيْهَا تِسْعَة عشر} فَقَالَ: مَا تَقولُونَ أتسعة عشر ملكا أَو تِسْعَة عشر ألفا قلت: لَا بل تِسْعَة عشر ملكا فَقَالَ: وَمن أَيْن علمت ذَلِك قُلْنَا: لِأَن الله يَقُول: {وَمَا جعلنَا عدتهمْ إِلَّا فتْنَة للَّذين كفرُوا} قَالَ: صدقت هم تِسْعَة عشر ملكا بيد كل ملك مِنْهُم مرزبة من حَدِيد لَهُ شعبتان فَيضْرب بهَا الضَّرْبَة يهوي بهَا فِي جَهَنَّم سبعين ألفا بَين مَنْكِبي كل ملك مِنْهُم مسيرَة كَذَا وَكَذَا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {عَلَيْهَا تِسْعَة عشر} قَالَ: جعلُوا فتْنَة
قَالَ: قَالَ أَبُو الأشدين الجُمَحِي: لَا يبلغون رتوتي حَتَّى أجهضهم عَن جَهَنَّم
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس {وَمَا جعلنَا عدتهمْ إِلَّا فتْنَة للَّذين كفرُوا} قَالَ: قَالَ أَبُو الأشدين: خلوا بيني وَبَين خَزَنَة جَهَنَّم أَنا أكفيكم مؤنتهم
قَالَ:(8/333)
وَحدثت أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وصف خزان جَهَنَّم فَقَالَ: كَأَن أَعينهم الْبَرْق وَكَأن أَفْوَاههم الصَّيَاصِي يجرونَ أشفارهم لَهُم مثل قُوَّة الثقلَيْن يقبل أحدهم بالأمة من النَّاس يسوقهم على رقبته جبل حَتَّى يَرْمِي بهم فِي النَّار فَيَرْمِي بِالْجَبَلِ عَلَيْهِم
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج {ليستيقن الَّذين أُوتُوا الْكتاب} أَنهم يَجدونَ عدتهمْ فِي كِتَابهمْ تِسْعَة عشر {ويزداد الَّذين آمنُوا إِيمَانًا} فيؤمنوا بِمَا فِي كِتَابهمْ من عدتهمْ فيزدادوا بذلك إِيمَانًا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {ليستيقن الَّذين أُوتُوا الْكتاب} قَالَ: يستيقن أهل الْكتاب حِين وَافق عدد خَزَنَة النَّار مَا فِي كِتَابهمْ
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد {ليستيقن الَّذين أُوتُوا الْكتاب} قَالَ: يجدونه مَكْتُوبًا عِنْدهم عدَّة خَزَنَة النَّار
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة {ليستيقن الَّذين أُوتُوا الْكتاب ويزداد الَّذين آمنُوا إِيمَانًا} قَالَ: صدق الْقُرْآن الْكتب الَّتِي خلت قبله التَّوْرَاة والإِنجيل أَن خَزَنَة جَهَنَّم تِسْعَة عشر {وليقول الَّذين فِي قُلُوبهم مرض} قَالَ: الَّذين فِي قُلُوبهم النِّفَاق وَالله أعلم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {وَمَا يعلم جنود رَبك إِلَّا هُوَ} قَالَ: من كثرتهم
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج مثله
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات من طَرِيق ابْن جريج عَن رجل عَن عُرْوَة بن الزبير أَنه سَأَلَ عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ أَي الْخلق أعظم قَالَ: الْمَلَائِكَة
قَالَ: من مَاذَا خلقت قَالَ: من نور الذراعين والصدر
قَالَ: فَبسط الذراعين
فَقَالَ: كونُوا ألفي أَلفَيْنِ
قيل لِابْنِ جريج: مَا ألفي أَلفَيْنِ قَالَ: مَا لَا يُحْصى كثرته
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَدثهمْ عَن لَيْلَة الإِسراء قَالَ: فَصَعدت أَنا وَجِبْرِيل إِلَى السَّمَاء الدُّنْيَا فَإِذا أَنا بِملك يُقَال لَهُ اسماعيل وَهُوَ صَاحب سَمَاء الدُّنْيَا وَبَين يَدَيْهِ سَبْعُونَ ألف ملك مَعَ كل ملك مِنْهُم جنده مائَة ألف وتلا هَذِه الْآيَة {وَمَا يعلم جنود رَبك إِلَّا هُوَ}
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد {وَمَا هِيَ إِلَّا ذكرى للبشر} قَالَ: النَّار(8/334)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة مثله
وَأخرج أَبُو عبيد وَسَعِيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَرَأَ: اللَّيْل إِذا دبر فَجعل الْألف مَعَ إِذا
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد عَن ابْن الزبير أَنه كَانَ يقْرَأ: وَاللَّيْل إِذا دبر
وَأخرج أَبُو عبيد وَابْن الْمُنْذر عَن سعيد بن جُبَير أَنه قَرَأَهَا: دبر مثل قِرَاءَة ابْن عَبَّاس
وَأخرج أَبُو عبيد وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن الْحسن أَنه قَرَأَهَا: إِذا بِغَيْر ألف {أدبر} بِأَلف
وَأخرج أَبُو عبيد وَابْن الْمُنْذر عَن هرون قَالَ: إِنَّهَا فِي حرف أبي وَابْن مَسْعُود / إِذا أدبر / يَعْنِي بِأَلفَيْنِ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس {وَاللَّيْل إِذْ أدبر} قَالَ: دبوره ظلامه
وَأخرج مُسَدّد فِي مُسْنده وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد قَالَ: سَأَلت ابْن عَبَّاس عَن قَوْله: {وَاللَّيْل إِذْ أدبر} فَسكت عني حَتَّى إِذا كَانَ من آخر اللَّيْل وَسمع الْأَذَان الأول ناداني: يَا مُجَاهِد هَذَا حِين دبر اللَّيْل
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة {وَالصُّبْح إِذا أَسْفر} قَالَ: إِذا أَضَاء {إِنَّهَا لإِحدى الْكبر} قَالَ: النَّار
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد {إِنَّهَا لإِحدى الْكبر} قَالَ: النَّار
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن أبي رزين {إِنَّهَا لإِحدى الْكبر نذيراً للبشر} قَالَ: هِيَ جَهَنَّم
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي ذمّ الأمل عَن حُذَيْفَة قَالَ: مَا من صباح وَلَا مسَاء إِلَّا ومنادٍ يُنَادي: يَا أَيهَا النَّاس الرحيل الرحيل وَإِن تَصْدِيق ذَلِك فِي كتاب الله {إِنَّهَا لإِحدى الْكبر نذيراً للبشر لمن شَاءَ مِنْكُم أَن يتَقَدَّم} قَالَ: الْمَوْت {أَو يتَأَخَّر} قَالَ: الْمَوْت
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس {لمن شَاءَ مِنْكُم أَن يتَقَدَّم أَو يتَأَخَّر} قَالَ: من شَاءَ اتبع طَاعَة الله وَمن شَاءَ تَأَخّر عَنْهَا(8/335)
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة {لمن شَاءَ مِنْكُم أَن يتَقَدَّم} قَالَ: فِي طَاعَة الله {أَو يتَأَخَّر} قَالَ: فِي مَعْصِيّة الله
آيَة 28 - 56(8/336)
كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (38) إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ (39) فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ (40) عَنِ الْمُجْرِمِينَ (41) مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (44) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ (45) وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (46) حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ (47) فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ (48) فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ (49) كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ (50) فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ (51) بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتَى صُحُفًا مُنَشَّرَةً (52) كَلَّا بَلْ لَا يَخَافُونَ الْآخِرَةَ (53) كَلَّا إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ (54) فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ (55) وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ (56)
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {كل نفس بِمَا كسبت رهينة} قَالَ: مَأْخُوذَة بعملها
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة {كل نفس بِمَا كسبت رهينة إِلَّا أَصْحَاب الْيَمين} قَالَ: علق النَّاس كلهم إِلَّا أَصْحَاب الْيَمين
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {كل نفس بِمَا كسبت رهينة إِلَّا أَصْحَاب الْيَمين} قَالَ: لَا يحاسبون
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {إِلَّا أَصْحَاب الْيَمين} قَالَ: هم الْمُسلمُونَ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالْفِرْيَابِي وَسَعِيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن عَليّ بن أبي طَالب فِي قَوْله: {إِلَّا أَصْحَاب الْيَمين} قَالَ: هم أَطْفَال الْمُسلمين
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عمر فِي قَوْله: {إِلَّا أَصْحَاب الْيَمين} قَالَ: هم أَطْفَال الْمُسلمين(8/336)
أخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَعبد الله بن أَحْمد فِي زَوَائِد الزّهْد وَابْن أبي دَاوُد وَابْن الْأَنْبَارِي مَعًا فِي الْمَصَاحِف وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن عَمْرو بن دِينَار قَالَ: سَمِعت عبد الله بن الزبير يقْرَأ {فِي جنَّات يتساءلون عَن الْمُجْرمين} يَا فلَان {مَا سلككم فِي سقر} قَالَ عَمْرو: وَأَخْبرنِي لَقِيط قَالَ: سَمِعت ابْن الزبير قَالَ: سَمِعت عمر بن الْخطاب يقْرؤهَا كَذَلِك
وَأخرج أَبُو عبيد فِي فضائله وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن مَسْعُود أَنه قَرَأَ: يَا أَيهَا الْكفَّار مَا سلككم فِي سقر
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {وَكُنَّا نَخُوض مَعَ الخائضين} قَالَ: يَقُولُونَ: كلما غوى غاو غوينا مَعَه وَفِي قَوْله: {فَمَا تنفعهم شَفَاعَة الشافعين} قَالَ: تعلمُوا أَن الله يشفّع الْمُؤمنِينَ يَوْم الْقِيَامَة بَعضهم فِي بعض
قَالَ: وَذكر لنا أَن نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن فِي أمتِي رجلا ليدخلن الله الْجنَّة بِشَفَاعَتِهِ أَكثر من بني تَمِيم وَقَالَ الْحسن: أَكثر من ربيعَة وَمُضر
قَالَ: وَكُنَّا نُحدث أَن الشَّهِيد يشفع فِي سبعين من أهل بَيته
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس {حَتَّى أَتَانَا الْيَقِين} قَالَ: الْمَوْت
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد {فَمَا تنفعهم شَفَاعَة الشافعين} قَالَ: لَا تنالهم شَفَاعَة من يشفع
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ليخرجن بشفاعتي من أهل الإِيمان من النَّار حَتَّى لَا يبْقى فِيهَا أحد إِلَّا أهل هَذِه الْآيَة {مَا سلككم فِي سقر} إِلَى قَوْله: {شَفَاعَة الشافعين}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عبد الرَّحْمَن بن مَيْمُون أَن كَعْبًا دخل يَوْمًا على عمر بن الْخطاب فَقَالَ لَهُ عمر: حَدثنِي إِلَى مَا تَنْتَهِي شَفَاعَة مُحَمَّد يَوْم الْقِيَامَة فَقَالَ كَعْب: قد أخْبرك الله فِي الْقُرْآن إِن الله يَقُول: {مَا سلككم فِي سقر} إِلَى قَوْله: {الْيَقِين} قَالَ كَعْب: فَيشفع يَوْمئِذٍ حَتَّى يبلغ من لم يصل صَلَاة قطّ وَيطْعم مِسْكينا قطّ وَمن لم يُؤمن ببعث قطّ فَإِذا بلغت هَؤُلَاءِ لم يبْق أحد فِيهِ خير
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أنس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: يُؤْتى بِأَدْنَى أهل النَّار منزلَة يَوْم الْقِيَامَة فَيَقُول الله لَهُ: تفتدى بملء الأَرْض ذَهَبا وَفِضة فَيَقُول: نعم إِن قدرت عَلَيْهِ فَيَقُول: كذبت قد كنت أَسأَلك مَا هُوَ أيسر عَلَيْك من أَن تَسْأَلنِي(8/337)
فأعطيك وتستغفرني فَأغْفِر لَك وتدعوني فأستجيب لَك فَلم تخفني سَاعَة قطّ من ليل ونهار وَلم ترج مَا عِنْدِي قطّ وَلم تخش عقابي سَاعَة قطّ وَلَيْسَ وَرَاءه أحد إِلَّا وَهُوَ شَرّ مِنْهُ فَيُقَال لَهُ: {مَا سلككم فِي سقر قَالُوا لم نك من الْمُصَلِّين} إِلَى قَوْله: {حَتَّى أَتَانَا الْيَقِين} يَقُول الله: {فَمَا تنفعهم شَفَاعَة الشافعين}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن صُهَيْب الْفَقِير قَالَ: كُنَّا بِمَكَّة وَمَعِي طلق بن حبيب وَكُنَّا نرى رَأْي الْخَوَارِج فَبَلغنَا أَن جَابر بن عبد الله يَقُول فِي الشَّفَاعَة فأتيناه فَقُلْنَا لَهُ: بلغنَا عَنْك فِي الشَّفَاعَة قَول الله مُخَالف لَك فِيهَا فِي كِتَابه فَنظر فِي وُجُوهنَا فَقَالَ: من أهل الْعرَاق أَنْتُم قالنا: نعم
فَتَبَسَّمَ وَقَالَ: وَأَيْنَ تَجِدُونَ فِي كتاب الله قلت: حَيْثُ يَقُول: (رَبنَا إِنَّك من تدخل النَّار فقد أخزيته) (سُورَة آل عمرَان الْآيَة 192) و (يُرِيدُونَ أَن يخرجُوا من النَّار وَمَا هم بِخَارِجِينَ مِنْهَا) (سُورَة الْمَائِدَة الْآيَة 37) و (كلما أروادوا أَن يخرجُوا مِنْهَا أعيدوا فِيهَا) (سُورَة السَّجْدَة الْآيَة 20) وَأَشْبَاه هَذَا من الْقُرْآن فَقَالَ: أَنْتُم أعلم بِكِتَاب الله أم أَنا قُلْنَا: بل أَنْت أعلم بِهِ منا
قَالَ: فوَاللَّه لقد شهِدت تَنْزِيل هَذَا على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وشفاعة الشافعين وَلَقَد سَمِعت تَأْوِيله من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَإِن الشَّفَاعَة لنَبيه فِي كتاب الله قَالَ فِي السُّورَة الَّتِي تذكر فِيهَا المدثر: {مَا سلككم فِي سقر قَالُوا لم نك من الْمُصَلِّين} الْآيَة أَلا ترَوْنَ أَنَّهَا حلت لمن مَاتَ لم يُشْرك بِاللَّه شَيْئا سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: إِن الله خلق خلقا وَلم ستعن على ذَلِك وَلم يشاور فِيهِ أحدا فَأدْخل من شَاءَ الْجنَّة برحمته وَأدْخل من شَاءَ النَّار ثمَّ إِن الله تَحَنن على الْمُوَحِّدين فَبعث الْملك من قبله بِمَاء وَنور فَدخل النَّار فنضح فَلَمَّا يصب إِلَّا من شَاءَ وَلم يصب إِلَّا من خرج من الدُّنْيَا لم يُشْرك بِاللَّه شَيْئا فَأخْرجهُمْ حَتَّى جعلهم بِفنَاء الْجنَّة ثمَّ رَجَعَ إِلَى ربه فأمده بِمَاء وَنور ثمَّ دخل فنضح فَلم يصب إِلَّا من شَاءَ الله ثمَّ لم يصب إِلَّا من خرج من الدُّنْيَا لم يُشْرك بِاللَّه شَيْئا فَأخْرجهُمْ حَتَّى جعلهم بِفنَاء الْجنَّة ثمَّ أذن الله للشفعاء فشفعوا لَهُم فأدخلهم الله الْجنَّة برحته وشفاعة الشافعين
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: يعذب الله قوما من أهل الإِيمان ثمَّ يخرجهم بشفاعة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى لَا يبْقى إِلَّا من ذكر الله {مَا سلككم فِي سقر} إِلَى قَوْله: {شَفَاعَة الشافعين}(8/338)
أخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة {فَمَا لَهُم عَن التَّذْكِرَة معرضين} قَالَ: عَن الْقُرْآن
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ {كَأَنَّهُمْ حمر} مثقلة {مستنفرة} بخفض الْفَاء
وَأخرج أَبُو عبيد وَابْن الْمُنْذر عَن الْحسن وَأبي رَجَاء أَنَّهُمَا قرآ {مستنفرة} يَعْنِي بِنصب الْفَاء
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم عَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ فِي قَوْله: {فرت من قسورة} قَالَ: هم الرُّمَاة رجال القنص
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: القسورة الرِّجَال الرُّمَاة رجال القنص
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي جَمْرَة قَالَ: قلت لِابْنِ عَبَّاس قَالَ: القسورة الْأسد
فَقَالَ: مَا أعلمهُ بلغَة أحد من الْعَرَب الْأسد هم عصبَة الرِّجَال
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة {كَأَنَّهُمْ حمر مستنفرة فرت من قسورة} قَالَ: وحشية فرت من رماتها
وَأخرج عبد بن حميد عَن سعيد بن جُبَير {فرت من قسورة} قَالَ: القناص
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد {فرت من قسورة} قَالَ: القناص الرُّمَاة
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي مَالك قَالَ: القسورة الرُّمَاة وَأخرج الْخَطِيب فِي تَارِيخه عَن عَطاء بن أبي رَبَاح مثله
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن قَتَادَة قَالَ: القسورة النبل
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس {من قسورة} قَالَ: من حبال الصيادين
وَأخرج سُفْيَان بن عُيَيْنَة فِي تَفْسِيره وَعبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس {من قسورة} قَالَ: هُوَ ركز النَّاس يَعْنِي أَصْوَاتهم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {من قسورة} قَالَ: هُوَ بِلِسَان الْعَرَب الْأسد وبلسان الْحَبَشَة قسورة وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن أبي هُرَيْرَة فِي قَوْله: {فرت من قسورة} قَالَ: الْأسد(8/339)
أخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن السّديّ عَن أبي صَالح قَالَ: قَالُوا: إِن كَانَ مُحَمَّدًا صَادِقا فليصبح تَحت رَأس كل رجل منا صحيفَة فِيهَا بَرَاءَته وأمنته من النَّار فَنزلت {بل يُرِيد كل امْرِئ مِنْهُم أَن يُؤْتى صحفاً منشرة}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {بل يُرِيد كل امْرِئ مِنْهُم أَن يُؤْتى صحفاً منشرة} قَالَ: إِلَى فلَان بن فلَان من رب الْعَالمين يصبح عِنْد رَأس كل رجل صحيفَة مَوْضُوعَة يقْرؤهَا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {بل يُرِيد كل امْرِئ مِنْهُم أَن يُؤْتى صحفاً منشرة} قَالَ: قد قَالَ قَائِلُونَ من النَّاس لمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن سرك أَن نتابعك فائتنا بِكِتَاب خَاصَّة يَأْمُرنَا باتباعك وَفِي قَوْله: {كلا بل لَا يخَافُونَ الْآخِرَة} قَالَ: ذَلِك الَّذِي أضْحك بالقوم وأفسدهم أَنهم كَانُوا لَا يخَافُونَ الْآخِرَة وَلَا يصدقون بهَا وَفِي قَوْله: {كلا إِنَّهَا تذكرة} قَالَ: هَذَا الْقُرْآن وَفِي قَوْله: {هُوَ أهل التَّقْوَى وَأهل الْمَغْفِرَة} قَالَ: إِن رَبنَا محقوق أَن تتقى مَحَارمه وَهُوَ أهل أَن يغْفر الذُّنُوب الْكَثِيرَة لِعِبَادِهِ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ {كلا بل لَا يخَافُونَ الْآخِرَة} قَالَ: هَذَا الَّذِي فضحهم
وَأخرج أَحْمد والدارمي وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَالْبَزَّار وَأَبُو يعلى وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن عدي وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَرَأَ هَذِه الْآيَة {هُوَ أهل التَّقْوَى وَأهل الْمَغْفِرَة} فَقَالَ: قد قَالَ ربكُم أَنا أهل أَن أُتَّقَى فَمن لم يَجْعَل معي إِلَهًا فَأَنا أهل أَن أَغفر لَهُ
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عبد الله بن دِينَار قَالَ: سَمِعت أَبَا هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ وَابْن عمر وَابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُم يَقُولُونَ: سُئِلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن قَول الله: {هُوَ أهل التَّقْوَى وَأهل الْمَغْفِرَة} قَالَ: يَقُول الله أَنا أهل أَن أتقى فَلَا يَجْعَل معي شريك فَإِذا اتَّقَيْت وَلم يَجْعَل معي شريك فَأَنا أهل أَن أَغفر مَا سوى ذَلِك
وَأخرج الْحَكِيم وَالتِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: قَالَ الله أَنا أكْرم وَأعظم عفوا من أَن أستر على عبد لي فِي الدُّنْيَا ثمَّ أفضحه بعد أَن سترته وَلَا أَزَال أَغفر لعبدي مَا استغفرني قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يَقُول الله تَعَالَى: إِنِّي لأجدني استحي من عَبدِي يرفع يَدَيْهِ إليّ ثمَّ أردهما
قَالَت(8/340)
الْمَلَائِكَة: إلهنا لَيْسَ لذَلِك بِأَهْل
قَالَ الله: لكني أهل التَّقْوَى وَأهل الْمَغْفِرَة أشهدكم أَنِّي قد غفرت لَهُ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: وَيَقُول الله: إِنِّي لأَسْتَحي من عَبدِي وَأمتِي يشيبان فِي الإِسلام ثمَّ أعذبهما بعد ذَلِك فِي النَّار(8/341)
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
75
سُورَة الْقِيَامَة
مَكِّيَّة وآياتها أَرْبَعُونَ
الْآيَة 1 - 13(8/342)
لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ (1) وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ (2) أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ (3) بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ (4) بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ (5) يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ (6) فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ (7) وَخَسَفَ الْقَمَرُ (8) وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ (9) يَقُولُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ (10) كَلَّا لَا وَزَرَ (11) إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ (12) يُنَبَّأُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ (13)
أخرج ابْن الضريس والنحاس وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل من طرق عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: نزلت سُورَة الْقِيَامَة وَفِي لفظ: نزلت {لَا أقسم بِيَوْم الْقِيَامَة} بِمَكَّة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عبد الله بن الزبير قَالَ: نزلت سُورَة {لَا أقسم} بِمَكَّة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة قَالَ: حَدثنَا أَن عمر بن الْخطاب قَالَ: من سَأَلَ عَن يَوْم الْقِيَامَة فليقرأ هَذِه السُّورَة وَالله أعلم
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله: {لَا أقسم بِيَوْم الْقِيَامَة} يَقُول: أقسم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: سَأَلت ابْن عَبَّاس عَن قَوْله: {لَا أقسم بِيَوْم الْقِيَامَة} قَالَ: يقسم رَبك بِمَا شَاءَ من خلقه قلت: {وَلَا أقسم بِالنَّفسِ اللوّامة} قَالَ: من النَّفس الملومة
قلت: {أيحسب الْإِنْسَان ألن نجمع عِظَامه بلَى قَادِرين على أَن نسوي بنانه} قَالَ: لَو شَاءَ لجعله خفاً أَو حافراً
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة {لَا أقسم بِيَوْم الْقِيَامَة} قَالَ: يقسم الله بِمَا شَاءَ من خلقه {وَلَا أقسم بِالنَّفسِ اللوّامة} الْفَاجِرَة قَالَ: يقسم بهَا(8/342)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {بِالنَّفسِ اللوّامة} قَالَ: المذمومة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس {بِالنَّفسِ اللوامة} قَالَ: الَّتِي تلوم على الْخَيْر وَالشَّر تَقول لَو فعلت كَذَا وَكَذَا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس {بِالنَّفسِ اللوامة} قَالَ: تندم على مَا فَاتَ وتلوم عَلَيْهِ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد {بِالنَّفسِ اللوامة} قَالَ: تندم على مَا فَاتَ وتلوم عَلَيْهِ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي محاسبة النَّفس عَن الْحسن {وَلَا أقسم بِالنَّفسِ اللوامة} قَالَ: إِن الْمُؤمن لَا ترَاهُ إِلَّا يلوم نَفسه مَا أردْت بكلمتي مَا أردْت بأكلتي مَا أردْت بحديثي نَفسِي وَلَا أرَاهُ إِلَّا يعاتبها وَإِن الْفَاجِر يمْضِي قدماً لَا يُعَاتب نَفسه
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور عَن ابْن عَبَّاس {بلَى قَادِرين على أَن نسوي بنانه} قَالَ: نَجْعَلهَا كفا لَيْسَ فِيهِ أَصَابِع
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس {بلَى قَادِرين على أَن نسوي بنانه} قَالَ: لَو شَاءَ لجعله كخف الْبَعِير أَو كحافر الْحمار وَلَكِن جعله الله خلقا سوياً حسنا جميلاً تقبض بِهِ وتبسط بِهِ يَا ابْن آدم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد {على أَن نسوي بنانه} قَالَ: يَجْعَل رجلَيْهِ كخف الْبَعِير فَلَا يعْمل بهَا شَيْئا
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة {على أَن نسوي بنانه} قَالَ: إِن شَاءَ رده مثل خف الْبَعِير حَتَّى لَا ينْتَفع
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن الضَّحَّاك {على أَن نسوي بنانه} قَالَ: يَجْعَل رجلَيْهِ كخف الْبَعِير فَلَا يعْمل بهما شَيْئا
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة {على أَن نسوي بنانه} قَالَ: إِن شَاءَ رده مثل خف الْجمل حَتَّى لَا ينْتَفع بِهِ
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الضَّحَّاك {على أَن نسوي بنانه} قَالَ: على أَن نجْعَل يَدَيْهِ وَرجلَيْهِ مثل خف الْبَعِير(8/343)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ أَنه قَرَأَ هَذِه الْآيَة {بلَى قَادِرين على أَن نسوي بنانه} فَقَالَ: إِن الله أعف مطعم ابْن آدم وَلم يَجعله خفاً وَلَا حافراً فَهُوَ يَأْكُل بيدَيْهِ فيتقي بهَا وَسَائِر الدَّوَابّ إِنَّمَا يَتَّقِي الأَرْض بفمه
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {بل يُرِيد الإِنسان ليفجر أَمَامه} قَالَ: يمْضِي قدماً
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {بل يُرِيد الإِنسان ليفجر أَمَامه} قَالَ: هُوَ الْكَافِر يكذب بِالْحِسَابِ
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {بل يُرِيد الإِنسان ليفجر أَمَامه} يَعْنِي الأمل يَقُول: أعمل ثمَّ أَتُوب
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي ذمّ الأمل وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {بل يُرِيد الإِنسان ليفجر أَمَامه} قَالَ: يقدم الذَّنب وَيُؤَخر التَّوْبَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {بل يُرِيد الإِنسان ليفجر أَمَامه} قَالَ: يمْضِي أَمَامه رَاكِبًا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن الْحسن {بل يُرِيد الإِنسان ليفجر أَمَامه} قَالَ: يمشي قدماً فِي معاصي الله
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة {بل يُرِيد الإِنسان ليفجر أَمَامه} قَالَ: لَا تلقى ابْن آدم إِلَّا تنْزع نَفسه إِلَى مَعْصِيّة الله قدماً قدماً إِلَّا من عصم الله وَفِي قَوْله: {يسْأَل أَيَّانَ يَوْم الْقِيَامَة} يَقُول: مَتى يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {بل يُرِيد الإِنسان ليفجر أَمَامه} قَالَ: يَقُول سَوف أَتُوب {يسْأَل أَيَّانَ يَوْم الْقِيَامَة} قَالَ: يَقُول مَتى يَوْم الْقِيَامَة
قَالَ: فَبين لَهُ {فَإِذا برق الْبَصَر} وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {فَإِذا برق الْبَصَر} يَعْنِي الْمَوْت
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {فَإِذا برق الْبَصَر} يَعْنِي الْمَوْت
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة {فَإِذا برق الْبَصَر} قَالَ: شخص الْبَصَر {وَخسف الْقَمَر} يَقُول: ذهب ضوءه(8/344)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {فَإِذا برق الْبَصَر} قَالَ: عِنْد الْمَوْت {وَخسف الْقَمَر وَجمع الشَّمْس وَالْقَمَر} قَالَ: كورا يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله: {وَجمع الشَّمْس وَالْقَمَر} قَالَ: كورا يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن عَطاء بن يسَار فِي قَوْله: {وَجمع الشَّمْس وَالْقَمَر} قَالَ: يجمعان يَوْم الْقِيَامَة ثمَّ يقذفان فِي الْبَحْر فَيكون نَار الله الْكُبْرَى
وَأخرج أَبُو عبيد وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن عبد الله بن خَالِد قَالَ: قَرَأَهَا ابْن عَبَّاس {أَيْن المفر} بِنصب الْمِيم وَكسر الْفَاء
قَالَ: وَقرأَهَا يحيى بن وثاب {أَيْن المفر} بِنصب الْمِيم وَالْفَاء
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب الْأَهْوَال وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم من طرق عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {لَا وزر} قَالَ: لَا حصن وَلَا ملْجأ وَفِي لفظ لَا حرز وَفِي لفظ لَا جبل
وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس إِن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله: {لَا وزر} قَالَ: الْوزر الملجأ
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم
أما سَمِعت عَمْرو بن كُلْثُوم وَهُوَ يَقُول: لعمرك مَا إِن لَهُ صَخْرَة لعمرك مَا إِن لَهُ من وزر وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي الْأَهْوَال وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن مَسْعُود فِي قَوْله: {لَا وزر} قَالَ: لَا حصن
وَأخرج عبد بن حميد عَن سعيد بن جُبَير وعطية وَأبي قلَابَة مثله
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن فِي قَوْله: {كلا لَا وزر} قَالَ: كَانَت الْعَرَب إِذا نزل بهم الْأَمر الشَّديد قَالُوا: الْوزر الْوَزير فَلَمَّا أَن جَاءَ الله بالإِسلام قَالَ: {كلا لَا وزر} قَالَ: لَا جبل
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن الْحسن قَالَ: كَانَ الرجل يكون فِي مَاشِيَته فَتَأْتِيه الْخَيل بَغْتَة فَيَقُول لَهُ صَاحبه: الْوزر الْوَزير أَي أقصد الْجَبَل فتحصن بِهِ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {لَا وزر} قَالَ: لَا جبل(8/345)
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي قلَابَة {لَا وزر} قَالَ: لَا غَار لَا ملْجأ
وَأخرج عبد بن حميد عَن الضَّحَّاك {لَا وزر} قَالَ: لَا جبل محرزة
وَأخرج ابْن جرير عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله: {لَا وزر} قَالَ: لَا وزر يَعْنِي الْجَبَل بلغَة حمير
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جريرعن مطرف {لَا وزر} قَالَ: لَا جبل
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة قَالَ {لَا وزر} قَالَ: لَا جبل وَلَا حرز وَلَا ملْجأ وَلَا منجى {إِلَى رَبك يَوْمئِذٍ المستقر} قَالَ: الْمُنْتَهى {ينبأ الإِنسان يَوْمئِذٍ بِمَا قدم} قَالَ: من طَاعَة الله {وَأخر} قَالَ: وَمَا ضيع من حق الله
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد وَإِبْرَاهِيم {ينبأ الإِنسان يَوْمئِذٍ بِمَا قدم وَأخر} قَالَ: بِأول عمله وَآخره
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة فِي الْآيَة قَالَ: بِمَا قدم من الذُّنُوب وَالشَّر والخطايا وَمَا أخر من الْخَيْر
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن مَسْعُود فِي قَوْله: {ينبأ الإِنسان يَوْمئِذٍ بِمَا قدم وَأخر} بِمَا قدم من عمله وَمَا أخر من سنة عمل بهَا من بعده من خير أَو شَرّ
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس {ينبأ الإِنسان يَوْمئِذٍ بِمَا قدم وَأخر} قَالَ: بِمَا عمل قبل مَوته وَمَا يسن فَعمل بِهِ بعد مَوته
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن أبي صَالح فِي قَوْله: {ينبأ الإِنسان يَوْمئِذٍ بِمَا قدم وَأخر} قَالَ: قدم من حَسَنَة أَو أخر من سنة حَسَنَة عمل بهَا بعده علما علمه صَدَقَة أَمر بهَا
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {ينبأ الإِنسان يَوْمئِذٍ بِمَا قدم وَأخر} يَقُول: بِمَا قدم من الْمعْصِيَة وَأخر من الطَّاعَة فينبأ بذلك
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب المحتضرين عَن الْحسن فِي قَوْله: {ينبأ الإِنسان يَوْمئِذٍ بِمَا قدم وَأخر} قَالَ: ينزل ملك الْمَوْت عَلَيْهِ مَعَ حفظَة فَيعرض عَلَيْهِ الْخَيْر وَالشَّر فَإِذا رأى حَسَنَة هش وأشرق وَإِذا رأى سَيِّئَة غض وقطب
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن مُجَاهِد قَالَ: بلغنَا أَن نفس الْمُؤمن لَا تخرج حَتَّى يعرض عَلَيْهِ عمله خَيره وشره(8/346)
الْآيَة 14 - 19(8/347)
بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (14) وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ (15) لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (17) فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (18) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ (19)
أخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر من طَرِيق عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {بل الإِنسان على نَفسه بَصِيرَة} قَالَ: الإِنسان شَهِيد على نَفسه وَحده {وَلَو ألْقى معاذيره} قَالَ: وَلَو اعتذر
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن سعيد بن جُبَير مثله
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {بل الإِنسان على نَفسه بَصِيرَة} قَالَ: شَاهد عَلَيْهَا بعملها {وَلَو ألْقى معاذيره} قَالَ: وَاعْتذر يَوْمئِذٍ بباطل لم يقبل الله ذَلِك مِنْهُ يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد {على نَفسه بَصِيرَة وَلَو ألْقى معاذيره} قَالَ: لَو جادل عَنْهَا هُوَ بَصِير عَلَيْهَا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الضَّحَّاك {وَلَو ألْقى معاذيره} قَالَ: حجَّته
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن عمرَان بن جُبَير قَالَ: قلت لعكرمة: {بل الإِنسان على نَفسه بَصِيرَة وَلَو ألْقى معاذيره} فَسكت وَكَانَ يستاك فَقلت: إِن الْحسن قَالَ: يَا ابْن آدم عَمَلك أَحَق بك قَالَ: صدقت
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة {بل الإِنسان على نَفسه بَصِيرَة} قَالَ: إِذا شِئْت رَأَيْته بَصيرًا بعيون النَّاس غافلاً عَن عَيبه قَالَ: وَكَانَ يُقَال فِي الإِنجيل: مَكْتُوب يَا ابْن آدم أتبصر القذاة فِي عين أَخِيك وَلَا تبصر الجذل الْمُعْتَرض فِي عَيْنك
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس {بل الإِنسان على نَفسه بَصِيرَة} قَالَ: سَمعه وبصره وَيَده وَرجلَيْهِ وجوارحه {وَلَو ألْقى معاذيره} قَالَ: وَلَو تجرد من ثِيَابه
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الضَّحَّاك {وَلَو ألْقى معاذيره} قَالَ: ستوره بلغَة أهل الْيمن(8/347)
أخرج الطَّيَالِسِيّ وَأحمد وَعبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن الْأَنْبَارِي فِي الْمَصَاحِف وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم وَالْبَيْهَقِيّ مَعًا فِي الدَّلَائِل عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يعالج من التَّنْزِيل شدَّة وَكَانَ يُحَرك بِهِ لِسَانه وشفتيه مَخَافَة أَن يتلفت مِنْهُ يُرِيد أَن يحفظه فَأنْزل الله {لَا تحرّك بِهِ لسَانك لتعجل بِهِ إِن علينا جمعه وقرآنه} قَالَ: يَقُول إِن علينا أَن نجمعه فِي صدرك ثمَّ تقرؤه {فَإِذا قرأناه} يَقُول: إِذا أَنزَلْنَاهُ عَلَيْك {فَاتبع قرآنه} فاستمع لَهُ وأنصت {ثمَّ إِن علينا بَيَانه} بَينه بلسانك وَفِي لفظ علينا أَن نقرأه فَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعد ذَلِك إِذا أَتَاهُ جِبْرِيل أطرق
وَفِي لفظ اسْتمع فَإِذا ذهب قَرَأَ كَمَا وعده الله عز وَجل
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا نزل عَلَيْهِ الْقُرْآن تعجل بقرَاءَته ليحفظه فَنزلت هَذِه الْآيَة {لَا تحرّك بِهِ لسَانك} وَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يعلم ختم سُورَة حَتَّى ينزل عَلَيْهِ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يفتر عَن الْقُرْآن مَخَافَة أَن ينساه فَقَالَ الله: لَا تحرّك بِهِ لسَانك {إِن علينا جمعه} أَن نجمعه لَك {وقرآنه} أَن تَقْرَأهُ فَلَا تنسى {فَإِذا قرأناه} عَلَيْك {فَاتبع قرآنه} يَقُول: إِذا يُتْلَى عَلَيْك فَاتبع مَا فِيهِ {ثمَّ إِن علينا بَيَانه} يَقُول: حَلَاله وَحَرَامه فَذَلِك بَيَانه
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس {فَإِذا قرأناه} قَالَ: بَيناهُ {فَاتبع قرآنه} يَقُول: اعْمَلْ بِهِ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {لَا تحرّك بِهِ لسَانك} قَالَ: كَانَ يستذكر الْقُرْآن مَخَافَة النسْيَان فَقيل لَهُ: كفيناكه يَا مُحَمَّد
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة {لَا تحرّك بِهِ لسَانك لتعجل بِهِ} قَالَ: كَانَ نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُحَرك لِسَانه بِالْقُرْآنِ مَخَافَة النسْيَان
فَأنْزل الله مَا تسمع {إِن علينا جمعه وقرآنه} يَقُول: إِن علينا حفظه وتأليفه {فَإِذا قرأناه فَاتبع قرآنه} يَقُول اتبع حَلَاله واجتنب حرَامه {ثمَّ إِن علينا بَيَانه} قَالَ: بَيَان حَلَاله وَحَرَامه وطاعته ومعصيته(8/348)
الْآيَة 20 - 25(8/349)
كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ (20) وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ (21) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ (24) تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ (25)
أخرج سعيد بن مَنْصُور عَن مُجَاهِد أَنه كَانَ يقْرَأ / كلا بل يحبونَ العاجلة ويذرون الْآخِرَة /
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ كلا بل تحبون العاجلة بِالتَّاءِ وتذرون الْآخِرَة بِالتَّاءِ
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله: / كلا بل يحبونَ العاجلة ويذرون الْآخِرَة / قَالَ: اخْتَار أَكثر النَّاس العاجلة إِلَّا من رحم الله وعصم
وَأخرج عبد الله بن أَحْمد فِي زَوَائِد الزّهْد عَن ابْن مَسْعُود فِي قَوْله: {كلا بل تحبون العاجلة} قَالَ: عجلت لَهُم الدُّنْيَا سناها وَخَيرهَا وغيبت عَنْهُم الْآخِرَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وُجُوه يَوْمئِذٍ ناضرة} قَالَ: ناعمة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر والآجري فِي الشَّرِيعَة واللالكائي فِي السّنة وَالْبَيْهَقِيّ فِي الرُّؤْيَة عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وُجُوه يَوْمئِذٍ ناضرة} قَالَ: يَعْنِي حسنها {إِلَى رَبهَا ناظرة} قَالَ: نظرت إِلَى الْخَالِق
وَأخرج ابْن الْمُنْذر والآجري عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ فِي قَوْله: {وُجُوه يَوْمئِذٍ ناضرة} قَالَ: نضر الله تِلْكَ الْوُجُوه وحسنها للنَّظَر إِلَيْهِ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم واللالكائي عَن مُجَاهِد {وُجُوه يَوْمئِذٍ ناضرة} قَالَ: مسرورة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن أبي صَالح {وُجُوه يَوْمئِذٍ ناضرة} قَالَ: بهجة لما هِيَ فِيهِ من النِّعْمَة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الضَّحَّاك {وُجُوه يَوْمئِذٍ ناضرة} قَالَ: النضارة الْبيَاض والصفاء {إِلَى رَبهَا ناظرة} قَالَ: ناظرة إِلَى وَجه الله
وَأخرج ابْن الْمُنْذر والآجري واللالكائي وَالْبَيْهَقِيّ عَن عِكْرِمَة {وُجُوه يَوْمئِذٍ ناضرة} قَالَ: ناضرة من النَّعيم {إِلَى رَبهَا ناظرة} قَالَ: تنظر إِلَى الله نظرا(8/349)
وَأخرج الدارقطنى والآجري واللالكائي وَالْبَيْهَقِيّ عَن الْحسن فِي الْآيَة قَالَ: النضرة الْحسن نظرت إِلَى رَبهَا فنضرت بنوره
وَأخرج ابْن جرير عَن الْحسن {وُجُوه يَوْمئِذٍ ناضرة} يَقُول: حَسَنَة {إِلَى رَبهَا ناظرة} قَالَ: تنظر إِلَى الْخَالِق
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله: {وُجُوه يَوْمئِذٍ ناضرة} قَالَ: مسرورة {إِلَى رَبهَا ناظرة} قَالَ: انْظُر مَا أعْطى الله عَبده من النُّور فِي عَيْنَيْهِ أَن لَو جعل نور أعين جَمِيع خلق الله من الإِنس وَالْجِنّ وَالدَّوَاب وكل شَيْء خلق الله فَجعل نور أَعينهم فِي عَيْني عبد من عباده ثمَّ كشف عَن الشَّمْس سترا وَاحِدًا ودونها سَبْعُونَ سترا مَا قدر على أَن ينظر إِلَى الشَّمْس وَالشَّمْس جُزْء من سبعين جُزْءا من نور الْكُرْسِيّ والكرسي جُزْء من سبعين جُزْءا من نور الْعَرْش وَالْعرش جُزْء من سبعين جُزْءا من نور السّتْر
قَالَ عِكْرِمَة: انْظُرُوا مَاذَا أعْطى الله عَبده من النُّور فِي عَيْنَيْهِ أَن نظر إِلَى وَجه الرب الْكَرِيم عيَانًا
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وُجُوه يَوْمئِذٍ ناضرة إِلَى رَبهَا ناظرة} قَالَ: تنظر إِلَى وَجه رَبهَا
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أنس بن مَالك قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَول الله: {وُجُوه يَوْمئِذٍ ناضرة إِلَى رَبهَا ناظرة} قَالَ: ينظرُونَ إِلَى رَبهم بِلَا كَيْفيَّة وَلَا حد مَحْدُود وَلَا صفة مَعْلُومَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر والآجري فِي الشَّرِيعَة وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي الرُّؤْيَة وَالْحَاكِم وَابْن مرْدَوَيْه واللالكائي فِي السّنة وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن أدنى أهل الْجنَّة منزلا لمن ينظر إِلَى جناته وأزواجه ونعيمه وخدمه وسرره مسيرَة ألف سنة وَأكْرمهمْ على الله من ينظر إِلَى وَجهه غدْوَة وَعَشِيَّة ثمَّ قَرَأَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: {وُجُوه يَوْمئِذٍ ناضرة} قَالَ: الْبيَاض والصفاء {إِلَى رَبهَا ناظرة} قَالَ: تنظر كل يَوْم فِي وَجه الله
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَأحمد وَعبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالنَّسَائِيّ وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي الرُّؤْيَة وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ النَّاس يَا رَسُول الله هَل نرى رَبنَا يَوْم الْقِيَامَة قَالَ: هَل تضَارونَ فِي الشَّمْس لَيْسَ دونهَا سَحَاب قَالُوا: لَا يَا رَسُول الله
قَالَ: فَإِنَّكُم تَرَوْنَهُ يَوْم الْقِيَامَة كَذَلِك يجمع الله النَّاس(8/350)
فَيَقُول من كَانَ يعبد شَيْئا فليتبعه فَيتبع من كَانَ يعبد الشَّمْس الشَّمْس وَيتبع منكان يعبد الْقَمَر الْقَمَر وَيتبع من كَانَ يعبد الطواغيت الطواغيت وَتبقى هَذِه الْأمة فِيهَا منافقوها فيأتيهم الله فِي غير الصُّورَة الَّتِي يعْرفُونَ فَيَقُول: أَنا ربكُم فَيَقُولُونَ: نَعُوذ بِاللَّه مِنْك هَذَا مَكَاننَا حَتَّى يأتينا رَبنَا فَإِذا أَتَانَا رَبنَا عَرفْنَاهُ فيأتيهم الله فِي الصُّورَة الَّتِي يعْرفُونَ فَيَقُول: أَنا ربكُم فَيَقُولُونَ: أَنْت رَبنَا فيتبعونه
وَيضْرب جسر جَهَنَّم قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: فَأَكُون أول من يُجِيز وَدُعَاء الرُّسُل يَوْمئِذٍ اللَّهُمَّ سلم سلم وَفِيه كلابيب مثل شوك السعدان غير أَنه لَا يعلم قدر عظمتها إِلَّا الله فتخطف النَّاس بأعمالهم مِنْهُم الموبق بِعَمَلِهِ وَمِنْهُم المخردل ثمَّ ينجو حَتَّى إِذا فرغ الله من الْقَضَاء بَين عباده وَأَرَادَ أَن يخرج من النَّار من أَرَادَ أَن يُخرجهُ مِمَّن كَانَ يشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله أَمر الْمَلَائِكَة أَن يخرجوهم فيعرفونهم بآثار السُّجُود فيخرجونهم قد امتحشوا فَيصب عَلَيْهِم مَاء يُقَال لَهُ مَاء الْحَيَاة فينبتون نَبَات الْحبَّة فِي جميل السَّيْل
وَيبقى رجل مقبل بِوَجْهِهِ على النَّار فَيَقُول: يَا رب قد قشبني رِيحهَا وأحرقني ذكاؤها فأصرف وَجْهي عَن النَّار فَلَا يزَال يدعوا الله فَيَقُول لعَلي: إِن أَعطيتك ذَلِك تَسْأَلنِي غَيره فَيَقُول: لَا وَعزَّتك لَا أَسأَلك غَيره
فَيصْرف وَجهه عَن النَّار ثمَّ يَقُول بعد ذَلِك: يَا رب قربني إِلَى بَاب الْجنَّة فَيَقُول: أَلَيْسَ قد زعمت لَا تَسْأَلنِي غَيره وَيلك يَا ابْن آدم مَا أغدرك فَلَا يزل يَدْعُو فَيَقُول لعَلي: إِن أَعطيتك ذَلِك تَسْأَلنِي غَيره فَيَقُول: لَا وَعزَّتك لَا أَسأَلك غَيره
فيعطي الله من عهود ومواثيق أَن لَا يسْأَله غَيره فيقربه إِلَى بَاب الْجنَّة فَإِذا رأى مَا فِيهَا سكت مَا شَاءَ الله أَن يسكت فَيَقُول: رب أدخلني الْجنَّة
فَيَقُول: أَلَيْسَ قد زعمت أَن لَا تَسْأَلنِي غَيره وَيلك يَا ابْن آدم مَا أغدرك
فَيَقُول: رب لَا تجعلني أَشْقَى خلقك فَلَا يزَال يَدْعُو حَتَّى يضْحك الله عز وَجل فَإِذا ضحك مِنْهُ أذن لَهُ فِي الدُّخُول فِيهَا فَإِذا دخل فِيهَا قيل لَهُ: تمنّ من كَذَا فيتمنى ثمَّ يُقَال لَهُ: تمنَّ من كَذَا فيتمنى حَتَّى تَنْقَطِع بِهِ الْأَمَانِي فَيَقُول: هَذَا لَك وَمثله مَعَه
قَالَ أَبُو هُرَيْرَة: وَذَلِكَ الرجل آخر أهل الْجنَّة دُخُولا الْجنَّة
قَالَ: وَأَبُو سعيد الْخُدْرِيّ جَالس مَعَ أبي هُرَيْرَة لَا يُغير عَلَيْهِ شَيْئا من حَدِيثه حَتَّى انْتهى إِلَى قَوْله: هَذَا لَك وَمثله مَعَه
قَالَ أَبُو سعيد: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: هَذَا لَك وَعشرَة أَمْثَاله قَالَ أَبُو هُرَيْرَة: حفظت وَمثله مَعَه(8/351)
وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ فِي الرُّؤْيَة عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: سَأَلَ النَّاس رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالُوا يَا رَسُول الله: هَل نرى رَبنَا يَوْم الْقِيَامَة قَالَ: هَل تضَارونَ فِي رُؤْيَة الْقَمَر لَيْلَة الْبَدْر لَيْسَ فِي سَحَاب قَالُوا: لَا يَا رَسُول الله قَالَ: فَهَل تضَارونَ فِي رُؤْيَة الشَّمْس عِنْد الظهيرة لَيست فِي سَحَاب قَالُوا: لَا يَا رَسُول الله
قَالَ: فوالذي نَفسِي بِيَدِهِ لَا تضَارونَ فِي رُؤْيَة ربكُم عز وَجل كَمَا لَا تضَارونَ فِي رُؤْيَتهمَا فَيلقى العَبْد فَيَقُول: يَا عَبدِي ألم أكرمك ألم أسودك ألم أزَوجك ألم أسخر لَك الْخَيل والإِبل وأتركك ترأس وتربع فَيَقُول: بلَى يَا رب
قَالَ: فاليوم أنساك مَا نسيتني ثمَّ يلقى الثَّانِي فَيَقُول: ألم أسودك ألم أزَوجك ألم أسخر لَك الْخَيل والإِبل وأتركك ترأس وتربع فَيَقُول: بلَى يَا رب
قَالَ: أفننت أَنَّك ملاقي قَالَ: لايارب
قَالَ: فاليوم أنساك كَمَا نسيتني
قَالَ: ثمَّ يلقى الثَّالِث فَيَقُول: مَا أَنْت فَيَقُول: أَنا عَبدك آمَنت بك وبنبيك وبكتابك وَصمت وَصليت وتصدقت ويثني بِخَير مَا اسْتَطَاعَ فَيُقَال لَهُ: أَلا نبعث عَلَيْك شَاهدا فيفكر فِي نَفسه من الَّذِي يشْهد عَليّ قَالَ: فيختم على فِيهِ وَيُقَال لفخذه انْطِقِي فينطق فَخذه ولحمه وعظمه بِمَا كَانَ يعْمل ذَلِك الْمُنَافِق وَذَلِكَ بِعُذْر من نَفسه وَذَلِكَ الَّذِي يسْخط الله عَلَيْهِ ثمَّ يُنَادي منادٍ: أَلا اتبعت كل أمة مَا كَانَت تعبد فَيتبع أَوْلِيَاء الشَّيْطَان الشَّيْطَان وَاتَّبَعت الْيَهُود وَالنَّصَارَى أولياءهم إِلَى جَهَنَّم ثمَّ نبقى أَيهَا الْمُؤْمِنُونَ فَيَأْتِينَا رَبنَا عز وَجل وَهُوَ رَبنَا فَيَقُول: علام هَؤُلَاءِ قيام فَيَقُولُونَ: نَحن عباد الله الْمُؤْمِنُونَ عبدناه وَهُوَ رَبنَا وَهُوَ آتَيْنَا ومثيبنا وَهَذَا مقامنا فَيَقُول الله عز وَجل: أَنا ربكُم فامضوا فَيُوضَع الجسر وَعَلِيهِ كلاليب من نَار تخطف النَّاس فَعِنْدَ ذَلِك حلت الشَّفَاعَة أَي اللَّهُمَّ سلم فَإِذا جَاوز الجسر فَمن أنْفق زوجا من المَال مِمَّا يملك فِي سَبِيل الله وكل خَزَنَة الْجنَّة يَدعُوهُ يَا عبد الله يَا مُسلم هَذَا خير فتعال
قَالَ أَبُو بكر: يَا رَسُول الله إِن ذَلِك العَبْد لَا ترى عَلَيْهِ يدع بَابا ويلج من آخر فَضرب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَنْكِبَيْه وَقَالَ: وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ إِنِّي لأرجو أَن تكون مِنْهُم
وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ فِي الرُّؤْيَة عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِذا جمع الله الْأَوَّلين والآخرين يَوْم الْقِيَامَة جَاءَ الرب عز وَجل إِلَى الْمُؤمنِينَ فَوقف عَلَيْهِم والمؤمنون على كوم فَيَقُول: هَل تعرفُون ربكُم عز وَجل فَيَقُولُونَ: إِن عرفنَا نَفسه عَرفْنَاهُ
فَيَقُول لَهُم الثَّانِيَة: هَل تعرفُون ربكُم فَيَقُولُونَ: إِن عرفنَا نَفسه عَرفْنَاهُ(8/352)
فتجلى لَهُ عز وَجل فيضحك فِي وُجُوههم فَيَخِرُّونَ لَهُ سجدا
وَأخرج النَّسَائِيّ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَصَححهُ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قُلْنَا يَا رَسُول الله هَل نرى رَبنَا قَالَ: هَل ترَوْنَ الشَّمْس فِي قوم لاغيم فِيهِ وترون الْقَمَر فِي لَيْلَة لَا غيم فِيهَا قُلْنَا: نعم قَالَ: فَإِنَّكُم سَتَرَوْنَ ربكُم عز وَجل حَتَّى إِن أحدكُم ليحاضر ربه محاضرة فَيَقُول عَبدِي: هَل تعرف ذَنْب كَذَا وَكَذَا فَيَقُول: ألم تغْفر لي فَيَقُول: بمغفرتي صرت إِلَى هَذَا
وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ عَن أبي هُرَيْرَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: ترَوْنَ الله عز وَجل يَوْم الْقِيَامَة كَمَا ترَوْنَ الْقَمَر لَيْلَة الْبَدْر أَو كَمَا ترَوْنَ الشَّمْس لَيْسَ دونهَا سَحَاب
وَأخرج أَحْمد وَعبد بن حميد وَالدَّارَقُطْنِيّ عَن جَابر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَن الله ليتجلى للنَّاس عَامَّة وتجلى لأبي بكر خَاصَّة
وَأخرج أَحْمد وَعبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: قُلْنَا يَا رَسُول الله: هَل نرى رَبنَا يَوْم الْقِيَامَة قَالَ: هَل تضَارونَ فِي رُؤْيَة الشَّمْس بالظهيرة صحواً لَيْسَ فِيهِ سَحَاب قُلْنَا: لَا يَا رَسُول الله
قَالَ: هَل تضَارونَ فِي رُؤْيَة الْقَمَر لَيْلَة الْبَدْر صحواً لَيْسَ فِيهِ سَحَاب قَالُوا: لَا يَا رَسُول الله قَالَ: مَا تضَارونَ فِي رُؤْيَته يَوْم الْقِيَامَة إِلَّا كَمَا تضَارونَ فِي رُؤْيَة أَحدهمَا
وَأخرج عبد بن حميد وَالدَّارَقُطْنِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يجمع الله الْأُمَم يَوْم الْقِيَامَة بصعيد وَاحِد فَإِذا أَرَادَ الله عزوجل أَن يصدع بَين خلقه مثل لكل قوم مَا كَانُوا يعْبدُونَ فيتبعونهم حَتَّى يقحموهم النَّار ثمَّ يأتينا رَبنَا عز وَجل وَنحن على مَكَان رفيع فَيَقُول: من أَنْتُم فَيَقُولُونَ: نَحن الْمُسلمُونَ فَيَقُول: مَا تنتظرون فَيَقُولُونَ: نَنْتَظِر رَبنَا عز وَجل
فَيَقُول: وَهل تعرفونه إِن رَأَيْتُمُوهُ فَيَقُولُونَ: نعم فَيَقُول: كَيفَ تعرفونه وَلم تروه فَيَقُولُونَ: نعرفه إِنَّه لَا عدل لَهُ
فيتجلى لنا ضَاحِكا ثمَّ يَقُول: أَبْشِرُوا يَا معشر الْمُسلمين فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْكُم أحد إِلَّا جعلت لَهُ مَكَانَهُ فِي النَّار يَهُودِيّا أَو نَصْرَانِيّا
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن أبي مُوسَى: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: إِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة مثل لكل قوم مَا كَانُوا يعْبدُونَ فِي الدُّنْيَا وَيبقى أهل التَّوْحِيد فَيُقَال لَهُم: مَا تنتظرون وَقد ذهب النَّاس فَيَقُولُونَ: إِن لنا لرباً كُنَّا نعبده فِي الدُّنْيَا لم نره
قَالَ: وتعرفونه إِذا رَأَيْتُمُوهُ فَيَقُولُونَ: نعم فَيُقَال لَهُم: وَكَيف تعرفونه وَلم تروه(8/353)
قَالُوا: إِنَّه لَا شَبيه لَهُ
قَالَ: فَيكْشف لَهُم الْحجاب فَيَنْظُرُونَ إِلَى الله تبَارك وَتَعَالَى فَيَخِرُّونَ لَهُ سجدا وَيبقى فِي ظُهُورهمْ مثل صياصي الْبَقر يُرِيدُونَ السُّجُود فَلَا يَسْتَطِيعُونَ فَذَلِك قَول الله عز وَجل: (يَوْم يكْشف عَن سَاق وَيدعونَ إِلَى السُّجُود فَلَا يَسْتَطِيعُونَ) (سُورَة الْقَلَم الْآيَة 42) وَيَقُول الله عز وَجل: عبَادي ارْفَعُوا رؤوسكم فقد جعلت بدل وَفِي لفظ فدَاء كل رجل مِنْكُم رجلا من الْيَهُود أَو النَّصَارَى فِي النَّار
وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ عَن بُرَيْدَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا من أحد إِلَّا ويخلو الله بِهِ كَمَا يَخْلُو أحدكُم بالقمر لَيْلَة الْبَدْر
وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ عَن عبد الله بن عَمْرو قَالَ: ليخلون الله عز وَجل بكم يَوْم الْقِيَامَة وَاحِدًا وَاحِدًا فِي الْمَسْأَلَة حَتَّى تَكُونُوا فِي الْقرب مِنْهُ أقرب من هَذَا وَأَشَارَ إِلَى شَيْء قريب
وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ عَن ابْن عمر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُقَال: يَوْم الْقِيَامَة أول يَوْم نظرت فِيهِ عين إِلَى الله عز وَجل
وَأخرج أَحْمد وَمُسلم وَالدَّارَقُطْنِيّ من طَرِيق أبي الزبير أَنه سمع جَابر بن عبد الله يسْأَل عَن الْوُرُود فَقَالَ: نَحن يَوْم الْقِيَامَة على كوم فَوق النَّاس فَتُدْعَى الْأُمَم بأوثانها وَمَا كَانَت تعبد الأول فَالْأول ثمَّ يأتينا رَبنَا بعد ذَلِك فَيَقُول: مَا تنتظرون فَيَقُولُونَ: نَنْتَظِر رَبنَا
فَيَقُول: أَنا ربكُم
فَيَقُولُونَ: حَتَّى نَنْظُر إِلَيْك فتجلى لَهُم يضْحك فَينْطَلق بهم ويتبعونه وَيُعْطى كل إِنْسَان مِنْهُم نورا
وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يتجلى لنا رَبنَا عز وَجل ينظرُونَ إِلَى وَجهه فَيَخِرُّونَ لَهُ سجدا فَيَقُول: ارْفَعُوا رؤوسكم فَلَيْسَ هَذَا بِيَوْم عبَادَة
وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ عَن جَابر قَالَ: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن الله ليتجلى للنَّاس عَامَّة ويتجلى لأبي بكر الصّديق خَاصَّة
وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ والخطيب عَن أنس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اقرأه هَذِه الْآيَة {وُجُوه يَوْمئِذٍ ناضرة إِلَى رَبهَا ناظرة} قَالَ: وَالله مَا نسختها مُنْذُ أنزلهَا يزورون رَبهم تبَارك وَتَعَالَى فيطعمون ويسقون ويتطيبون وَيحلونَ وَيرْفَع الْحجاب بَينه وَبينهمْ فَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ وَينظر إِلَيْهِم عز وَجل وَذَلِكَ قَوْله: عز وَجل (لَهُم رزقهم فِيهَا بكرَة وعشياً) (سُورَة مَرْيَم الْآيَة 62)(8/354)
وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة رأى الْمُؤْمِنُونَ رَبهم عز وَجل فاحدثم عهدا بِالنّظرِ إِلَيْهِ فِي كل جُمُعَة وَيَرَاهُ الْمُؤْمِنَات يَوْم الْفطر وَيَوْم النَّحْر
وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ عَن أنس قَالَ: بَيْنَمَا نَحن حول رَسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا قَالَ [إِذْ قَالَ] : أَتَانِي جِبْرِيل وَفِي يَده كالمرآة الْبَيْضَاء فِي وَسطهَا كالنكتة السَّوْدَاء قلت يَا جِبْرِيل: مَا هَذَا قَالَ: هَذَا يَوْم الْجُمُعَة يعرض عَلَيْك رَبك ليَكُون لَك عيداً وَلِأُمَّتِك من بعْدك
قلت يَا جِبْرِيل: فَمَا هَذِه النُّكْتَة السَّوْدَاء قَالَ: هَذِه السَّاعَة وَهِي تقوم فِي يَوْم الْجُمُعَة وَهُوَ سيد أَيَّام الدُّنْيَا وَنحن نَدْعُوهُ فِي الْجنَّة يَوْم الْمَزِيد
قلت يَا جِبْرِيل: وَلم تَدعُونَهُ يَوْم الْمَزِيد قَالَ: لِأَن الله عز وَجل اتخذ فِي الْجنَّة وَاديا أفيح من مسك أَبيض فَإِذا كَانَ يَوْم الْجُمُعَة ينزل رَبنَا على كرْسِي إِلَى ذَلِك الْوَادي وَقد حف الْعَرْش بمنابر من ذهب مكللة بالجوهر وَقد حفت تِلْكَ المنابر بكراسي من نور ثمَّ يَأْذَن لأهل الغرفات فيقبلون يَخُوضُونَ كثائب الْمسك إِلَى الركب عَلَيْهِم أسورة الذَّهَب وَالْفِضَّة وَثيَاب السندس وَالْحَرِير حَتَّى ينْتَهوا إِلَى ذَلِك الْوَادي فَإِذا اطمأنوا فِيهِ جُلُوسًا نبعث الله عز وَجل عَلَيْهِم ريحًا يُقَال لَهَا المثيرة فثارت ينابيع الْمسك الْأَبْيَض فِي وُجُوههم وثيابهم وهم يَوْمئِذٍ جرد مكعلون أَبنَاء ثَلَاث وَثَلَاثِينَ يضْرب جمامهم إِلَى سررهم على صُورَة آدم يَوْم خلقه الله عز وجلز فينادي رب الْعِزَّة تبَارك وَتَعَالَى رضوَان وَهُوَ خَازِن الْجنَّة فَيَقُول: يَا رضوَان ارْفَعْ الْحجب بيني وَبَين عبَادي وزواري فَإِذا رفع الْحجب بَينه وَبينهمْ فَرَأَوْا بهاءه ونوره هبوا لَهُ سجوداً فيناديهم عز وَجل بِصَوْت: ارْفَعُوا رؤوسكم فَإِنَّمَا كَانَت الْعِبَادَة فِي الدُّنْيَا وَأَنْتُم الْيَوْم دَار الْجَزَاء سلوني مَا شِئْتُم فَأَنا ربكُم الَّذِي صدقتكم وعدي وَأَتْمَمْت عَلَيْكُم نعمتي فَهَذَا مَحل كَرَامَتِي فسلوني مَا شِئْتُم
فَيَقُولُونَ: رَبنَا وأيّ خير لم تَفْعَلهُ بِنَا أَلَسْت الَّذِي أعنتنا على سَكَرَات الْمَوْت وآنست منا الوحشة فِي ظلمات الْقُبُور وَآمَنت روعتنا عِنْد النفخة فِي الصُّور أَلَسْت أقلتنا عثراتنا وسترت علينا الْقَبِيح من فعلنَا وَثَبت على جسر جَهَنَّم أقدامنا أَلَسْت الَّذِي ادنيتنا فِي جوارك وأسمعتنا من لذادة منطقك وتجليت لنا بنورك فَأَي خير لم تَفْعَلهُ بِنَا فَيَعُود عز وَجل فيناديهم بِصَوْتِهِ فَيَقُول: أَنا ربكُم الَّذِي صدقتكم وعدي وَأَتْمَمْت عليكمن نعمتي فسلوني فَيَقُولُونَ: نَسْأَلك رضاك
فَيَقُول: رضاي عَنْكُم أقلتكم عثراتكم وسترت(8/355)
عَلَيْكُم الْقَبِيح من أُمُوركُم وأدنيت مني جواركم وأسمعتكم لذاذة منطقي وتجليت لكم بنوري فَهَذَا مَحل كَرَامَتِي فسلوني
فيسألونه حَتَّى تَنْتَهِي مسألتهم ثمَّ يَقُول عز وَجل: سلوني فيسألونه حَتَّى تَنْتَهِي رغبتهم
ثمَّ يَقُول عز وَجل: سلوني فَيَقُولُونَ: رَضِينَا رَبنَا وَسلمنَا فيزيدههم من مزِيد فضلَة وكرامته وَيزِيد زهرَة الْجنَّة مَالا عين رَأَتْ وَلَا أذن سَمِعت وَلَا خطرت على قلب بشر وَيكون كَذَلِك حَتَّى مِقْدَار متفرقهم من الْجُمُعَة
قَالَ أنس: فَقلت: بِأبي وَأمي يَا رَسُول الله وَمَا مقدارتفرقهم قَالَ: كَقدْر الْجُمُعَة إِلَى الْجُمُعَة
قَالَ: يحمل عرش رَبنَا العليون مَعَهم الْمَلَائِكَة والنبيون ثمَّ يُؤذن لأهل الغرفات فيعودون إِلَى غرفهم وهم غرفتان زمردتان خضروان وَلَيْسوا إِلَى شَيْء أشوق مِنْهُم إِلَى وَيَوْم الْجُمُعَة لينظروا إِلَى رَبهم وليزيدهم من مزِيد فَضله وكرامته
قَالَ أنس: سمعته من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَيْسَ بيني وَبَينه أحد
وَأخرج عبد الله بن أَحْمد فِي زَوَائِد الْمسند وَالْحَاكِم عَن لَقِيط بن عَامر أَنه خرج وافداً إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَعَهُ صَاحب لَهُ يُقَال لَهُ نهيك بن عَاصِم قَالَ: فَخرجت أَنا وصاحبي حَتَّى قدمنَا على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين انْصَرف من صَلَاة الْغَدَاة فَقَامَ فِي النَّاس خَطِيبًا فَقَالَ: يَا أَيهَا النَّاس أَلا إِنِّي قد خبأت لكم صوتي مُنْذُ أَرْبَعَة أَيَّام لأسمعكم أَلا فَهَل من امْرِئ بَعثه قومه فَقَالُوا اعْلَم لنا مَا يَقُول رَسُول الله الاتم لَعَلَّه أَن يلهيه حَدِيث نَفسه أَو حَدِيث صَاحبه أَو يلهيه الضلال أَلا إِنِّي مسؤول هَل بلغت أل اسمعوا تعيشوا أَلا اجلسوا أَلا اجلسو
قَالَ: فَجَلَسَ النَّاس وَقمت أَنا وصاحبي حَتَّى إِذا فرغ لنا فُؤَاده وبصره قُلْنَا يَا رَسُول الله مَا عنْدك من علم الْغَيْب فَضَحِك لعمر الله وهز رَأسه وَعلم أَنِّي الْفَتى فَقَالَ: ضن رَبك عز وَجل بمفاتيح خمس من الْغَيْب لَا يعلمهَا إِلَّا الله وَأَشَارَ بِيَدِهِ
قلت وَمَا هن قَالَ: علم الْمنية قد علم مَتى منية أحدكُم وَلَا تعلمونه
وَعلم مَا فِي الْغَد مَا أَنْت طاعم غذاً وَلَا تعلمه وَعلم يَوْم الْغَيْم يشرف عَلَيْكُم إِذا قنطتم مشفقين فيظل يضْحك قد علم أَن [] غَيْركُمْ إِلَى قريب
قَالَ لَقِيط: قلت لن نعدم من رب يضْحك خيرا وَعلم يَوْم السَّاعَة
قلت يَا رَسُول الله: علمنَا مَا يعلم النَّاس وَمَا يعلم صَاحِبي فَإنَّا فِي قبيل لَا يصدقون تصديقنا من أحد مذْحج الَّتِي قربوا علينا خثعم الَّتِي توالينا وعشيرتنا الَّتِي نَحن مِنْهَا
قَالَ: تلبثون مَا لبثتم ثمَّ يتوفى نَبِيكُم ثمَّ تلبثون مَا لبثتم ثمَّ تبْعَث(8/356)
الصائحة لعمر إلهك مَا تدع على ظهرهَا من شَيْء إِلَّا مَاتَ وَالْمَلَائِكَة الَّذين مَعَ رَبك عز وَجل فَأصْبح رَبك عز وَجل يطوف فِي الْبِلَاد وَقد خلت عَلَيْهِ الْبِلَاد فَأرْسل رَبك السَّمَاء بمهضب من عِنْد الْعَرْش ولعمر إلهك مَا تدع على ظهرهَا من مصدع قَتِيل وَلَا مدفن ميت إِلَّا شقَّتْ الأَرْض عَنهُ حَتَّى تَجْعَلهُ من عِنْد رَأسه فيستوي جَالِسا يَقُول رَبك مَهيم لما كَانَ فِيهِ
يَقُول يَا رب أمس الْيَوْم ولعهده بِالْحَيَاةِ يحسبه حَدِيثا بأَهْله فَقلت يَا رَسُول الله: كَيفَ يجمعنا بعد مَا تمزقنا الرِّيَاح والبلى وَالسِّبَاع قَالَ: أنبئك بِمثل ذَلِك من آلَاء الأَرْض أشرفت عَلَيْهَا وَهِي مذرة بالية فَقلت: لَا تحيا أبدا ثمَّ أرسل رَبك عَلَيْهَا السَّمَاء فَلم تلبث عَنْك إِلَّا أَيَّامًا حَتَّى أشرفت عَلَيْهَا وَهِي سَرِيَّة وَاحِدَة ولعمر إلهك لَهو أقدر على أَن يجمعهُمْ من المَاء وعَلى أَن يجمعهُمْ من نَبَات الأَرْض فَيخْرجُونَ من الأصواء أَو من مصَارِعهمْ فَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ وَينظر إِلَيْهِم قلت يَا رَسُول الله: وَكَيف وَنحن ملْء الأَرْض وَهُوَ شخص وَاحِد ينظر إِلَيْنَا وَنَنْظُر إِلَيْهِ قَالَ: أنبئك بِمثل ذَلِك من آلَاء الله الشَّمْس وَالْقَمَر آيَة مِنْهُ صَغِيرَة ترونهما ويريانكم سَاعَة وَاحِدَة وتريانهما لَا تضَارونَ فِي رُؤْيَتهمَا ولعمر إلهك لَهو أقدر على أَن يراكم وترونه أَو ترونهما ويريانكم لَا تضَارونَ فِي رُؤْيَتهمَا
قلت يَا رَسُول الله: فَمَا يفعل بِنَا رَبنَا إِذا لقيناه قَالَ: تعرضون عَلَيْهِ بادية لَهُ صفحاتكم لَا تخفى عَلَيْهِ مِنْكُم خافية فَيَأْخُذ رَبك بِيَدِهِ غرفَة من مَاء فينضح قبلكُمْ بهَا فلعمر إلهك مَا يُخطئ وَجه أحد مِنْهُ قَطْرَة فَأَما الْمُسلم فتدع وَجهه مثل الربطة الْبَيْضَاء وَأما الْكَافِر فتخطمه بِمثل الْحَمِيم الْأسود
أَلا ثمَّ ينْصَرف نَبِيكُم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَيصرف على أَثَره الصالحون فيسلكون جِسْرًا من النَّار فيظل أحدكُم يَقُول: حس يَقُول رَبك: أَو أَنه فتطلعون على حَوْض الرَّسُول على أظمأ وَالله ناهلة قطّ رَأَيْتهَا ولعمر إلهك مَا يبسط وَاحِد مِنْكُم يَده إِلَّا وَقع عَلَيْهَا قرح بطهره من [] الطّرف وَالْبَوْل والأذى وَيحبس الشَّمْس وَالْقَمَر وَلَا ترَوْنَ مِنْهُمَا وَاحِدًا
قلت يَا رَسُول الله: فيمَ نبصر قَالَ: بِمثل بَصرك ساعتك هَذِه وَذَلِكَ قبل طُلُوع الشَّمْس فِي يَوْم أشرقت الأَرْض
قلت يَا رَسُول الله: فَمَا يَجْزِي من حَسَنَاتنَا وسيئاتنا قَالَ الْحَسَنَة بِعشر أَمْثَالهَا والسيئة بِمِثْلِهَا إِلَّا أَن يعفوا رَبك قلت يَا رَسُول الله: مَا الْجنَّة وَمَا النَّار قَالَ: لعمر إلهك أما للنار فسبعة أَبْوَاب مَا مِنْهُنَّ بَاب إِلَّا يسير الرَّاكِب فِيهَا سبعين عَاما
قلت يَا رَسُول الله: فعلام نطلع من الْجنَّة قَالَ: على أَنهَار من عسل مصفى وأنهار من كأس مَا بهَا من(8/357)
صداع وَلَا ندامة وأنهار من لبن لم يتَغَيَّر طعمه وَمَاء غير آسن وَفَاكِهَة لعمر إلهك مَا تعلمُونَ وَخير من مثله مَعَه وَأَزْوَاج مطهرة
قلت يَا رَسُول الله: وَلنَا فِيهَا أَزوَاج قَالَ: الصَّالِحَات للصالحين تلذونهم بِمثل لذاتكم فِي الدُّنْيَا ويتلذذ بكم غير أَن لَا توالد
قَالَ لَقِيط: فَقلت أقْصَى مَا نَحن بالغون ومنتهون إِلَيْهِ قلت يَا رَسُول الله: علام أُبَايِعك فَبسط النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَده وَقَالَ: على إقَام الصَّلَاة وإيتاء الزَّكَاة وزيال الشّرك وَأَن لَا تشرك بِاللَّه شَيْئا غَيره
قلت: وَإِن لنا مَا بَين الْمشرق وَالْمغْرب
فَقبض النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَده وَبسط أَصَابِعه وَظن أَنِّي مشترط شَيْئا لَا يعطينه
قلت: نحل مِنْهَا حَيْثُ شِئْنَا وَلَا يجني على أمرئ إِلَّا نَفسه
فَبسط يَده وَقَالَ: ذَلِك لَك تَحِلَّة حَيْثُ شِئْت وَلَا يجني عَلَيْك إِلَّا نَفسك: قَالَ: فانصرفنا وَقَالَ لنا: إِن هذَيْن لعمر إلهك من أتقى النَّاس فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة
فَقَالَ لَهُ كَعْب: من هم يَا رَسُول الله قَالَ: بَنو المنتقف أهل ذَلِك
فانصرفنا وَأَقْبَلت عَلَيْهِ فَقلت يَا رَسُول الله: هَل لأحد فِيمَا مضى من خير فِي جاهليتهم قَالَ: قَالَ رجل من عرض قُرَيْش: وَالله إِن أَبَاك المنتقف لفي النَّار
قَالَ: فلكأنه وَقع من بَين جلدي ووجهي مِمَّا قَالَ لأبي على رُؤُوس النَّاس فهممت أَن أَقُول أَبوك يَا رَسُول الله
ثمَّ قلت يَا رَسُول الله: وَأهْلك قَالَ: وَأَهلي لعمر الله مَا أتيت عَلَيْهِ من قبر عامري أَو قرشي مُشْرك فَقل أَرْسلنِي إِلَيْك مُحَمَّد فأبشرك بِمَا يسوءك تجر على وَجهك وبطنك فِي النَّار
قلت يَا رَسُول الله: مَا فعل بهم ذَلِك وَقد كَانُوا على عمل لَا يحسنون إِلَّا إِيَّاه وَقد كَانُوا يحسبون أَنهم مصلحون قَالَ: ذَلِك بِمَا قَالَ: بِأَن الله بعث فِي آخر كل سبع أُمَم نَبيا فَمن عصى نبيه كَانَ من الضَّالّين وَمن أطَاع نبيه كَانَ من المهتدين
وَأخرج عبد بن حميد وَأَبُو دَاوُد وَابْن ماجة عَن أبي رزين قَالَ: قلت يَا رَسُول الله: أكلنَا يرى ربه يَوْم الْقِيَامَة مخليا بِهِ قَالَ: نعم
قلت: وَمَا آيَة ذَلِك قَالَ: أَلَيْسَ كلكُمْ يرى الْقَمَر لَيْلَة الْبَدْر مخليا بِهِ قلت: بلَى
قَالَ: فَالله أعظم
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أول من ينظر إِلَى الله تبَارك وَتَعَالَى الْأَعْمَى
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُوسَى بن صَالح بن الصَّباح رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة يُؤْتى بِأَهْل ولَايَة الله فَيقومُونَ بَين يَدَيْهِ ثَلَاثَة أَصْنَاف فَيُؤتى بِرَجُل من الصِّنْف الأول فَيَقُول: عَبدِي لماذا عملت فَيَقُول: يَا رب خلقت(8/358)
الْجنَّة وأشجارها وثمارها وأنهارها وحورها وَنَعِيمهَا وَمَا أَعدَدْت لأهل طَاعَتك فِيهَا فأسهرت ليلِي وَأَظْمَأت نهاري شوقاً إِلَيْهَا
فَيَقُول: عَبدِي إِنَّمَا عملت للجنة فادخلها وَمن فضلي عَلَيْك أَن أعتقك من النَّار فيدخلها هُوَ وَمن مَعَه
ثمَّ يُؤْتى بالصنف الثَّانِي فَيَقُول: عَبدِي لما عملت فَيَقُول: يَا رب خلقت نَارا وخلقت أغلاها وسعيرها وسمومها ويحمومها وَمَا أَعدَدْت لأعدائك وَلأَهل معصيتك فِيهَا فأسهرت ليلِي وَأَظْمَأت نهاري خوفًا مِنْهَا
فَيَقُول: عَبدِي إِنَّمَا عملت خوفًا من النَّار فَإِنِّي أَعتَقتك من النَّار وَمن فضلي عَلَيْك أدخلتك جنتي فَيدْخل هُوَ وَمن مَعَه الْجنَّة ثمَّ يُؤْتى بِرَجُل من الصِّنْف الثَّالِث فَيَقُول: عَبدِي لماذا عملت فَيَقُول: رَبِّي حبا لَك وشوقاً إِلَيْك وَعزَّتك لقد أَسهرت ليلِي وَأَظْمَأت نهاري شوقاً إِلَيْك وحباً لَك فَيَقُول الله: عَبدِي إِنَّمَا عملت شوقاً إليّ وحباً لي فيتجلى لَهُ الرب فَيَقُول: هَا أَنا ذَا أنظر إليّ
ثمَّ يَقُول: فضلي عَلَيْك أَن أعتقك من النَّار وأبيحك جنتي وأزيرك ملائكتي وَأسلم عَلَيْك بنفسي فَيدْخل هُوَ وَمن مَعَه الْجنَّة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالنَّسَائِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَعْمَال وَالصِّفَات عَن عمار بن يَاسر رضى الله عَنهُ قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَدْعُو بهؤلاء الدَّعْوَات: اللَّهُمَّ بعلمك الْغَيْب وقدرتك على الْخلق أحيني مَا علمت الْحَيَاة خيرا لي وتوفني إِذا كَانَت الْوَفَاة خيرا لي اللَّهُمَّ أَسأَلك خشيتك فِي الْغَيْب وَالشَّهَادَة وَأَسْأَلك كلمة الحكم فِي الْغَضَب وَالرِّضَا وَأَسْأَلك الْقَصْد فِي الْفقر والغنى وَأَسْأَلك نعيماً لَا يبيد وقرة عين لَا تَنْقَطِع وَأَسْأَلك الرِّضَا بعد الْقَضَاء وَأَسْأَلك برد الْعَيْش بعد الْمَوْت وَأَسْأَلك لَذَّة النّظر إِلَى وَجهك والشوق إِلَى لقائك فِي غير ضراء مضرَّة وَلَا فتْنَة مضلة
اللَّهُمَّ زينا بزينة الإِيمان واجعلنا هداة مهتدين
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن زيد ثَابت أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم علمه دُعَاء وَأمره أَن يتعاهده ويتعاهد بِهِ أهل كل يَوْم قَالَ: حِين تصبح لبيْك الله لبيْك لبيْك وَسَعْديك وَالْخَيْر فِي يَديك ومنك وَبِك وَإِلَيْك الله مَا قلت من قَول أَو حَلَفت من حلف أَو نذرت من نذر فمشيئتك بَين يَدي ذَلِك مَا شِئْت كَانَ وَمَا لم تشأ لم يكن لَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بك إِنَّك على كل شَيْء قدير اللَّهُمَّ مَا صليت من صَلَاة فعلى من صليت وَمَا لعنت من لعن فعلى من لعنت
أَنْت وليي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة توفني مُسلما وألحقني بالصالحين
أَسأَلك اللَّهُمَّ الرِّضَا بعد الْقَضَاء وَبرد الْعَيْش بعد(8/359)
الْمَوْت وَلَذَّة النّظر إِلَى وَجهك وشوقاً إِلَى لقائك من غير ضراء مضرَّة وَلَا فتْنَة مضلة
أعوذ بك أَن أظلم أَو أظلم أَو أعتدي أَو يعتدى عليّ أَو أكسب خَطِيئَة أَو ذَنبا لَا تغفره
اللَّهُمَّ فاطر السَّمَوَات وَالْأَرْض عَالم الْغَيْب وَالشَّهَادَة ذَا الْجلَال والإِكرام فَإِنِّي أَعهد إِلَيْك فِي هَذِه الْحَيَاة الدُّنْيَا وأشهدك وَكفى بك شَهِيدا أَنِّي أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا أَنْت وَحدك لَا شريك لَك لَك الْملك وَلَك الْحَمد وَأَنت على كل شَيْء قدير
وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبدك وَرَسُولك وَأشْهد أَن وَعدك حق ولقاءك حق والساعة آتِيَة لَا ريب فِيهَا وَأَنت تبْعَث من فِي الْقُبُور وَأشْهد أَنَّك أَن تَكِلنِي إِلَى نَفسِي تَكِلنِي إِلَى وَهن وعورة وذنب وخطيئة وَإِنِّي لَا أَثِق إِلَّا بِرَحْمَتك فَاغْفِر لي ذَنبي كُله إِنَّه لَا يغْفر الذُّنُوب إِلَّا أَنْت وَتب عليّ إِنَّك أَنْت التواب الرَّحِيم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير عَن أبي صَالح رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وُجُوه يَوْمئِذٍ ناضرة} قَالَ: حَسَنَة {إِلَى رَبهَا ناظرة} قَالَ: تنْتَظر الثَّوَاب من رَبهَا
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {إِلَى رَبهَا ناظرة} قَالَ: تنْتَظر مِنْهُ الثَّوَاب
أخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله: {ووجوه يَوْمئِذٍ باسرة} قَالَ: كالحة قاطبة
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم
أما سَمِعت عبيد بن الْأَزْرَق وَهُوَ يَقُول: صبحنا تميما غَدَاة النسا رشهباء ملمومة باسرة وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ: {ووجوه يَوْمئِذٍ باسرة} قَالَ: كالحة {تظن أَن يفعل بهَا فاقرة} قَالَ: أَن يفعل بهَا شَرّ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {ووجوه يَوْمئِذٍ باسرة} قَالَ: كاشرة {تظن أَن يفعل بهَا فاقرة} قَالَ: داهية
الْآيَة 26 - 40(8/360)
كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ (26) وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ (27) وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ (28) وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ (29) إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ (30) فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى (31) وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (32) ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى (33) أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى (34) ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى (35) أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى (36) أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى (37) ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى (38) فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (39) أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى (40)
أخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {إِذا بلغت التراقي} قَالَ: الْحُلْقُوم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {وَقيل من راق} قَالَ: من طَبِيب شاف
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن أبي قلَابَة رَضِي الله عَنهُ {وَقيل من راق} قَالَ: التمسوا الْأَطِبَّاء فَلم يغنوا عَنهُ من قَضَاء الله شَيْئا {وَظن أَنه الْفِرَاق} قَالَ: استيقن أَنه القراق {والتفت السَّاق بالساق} قَالَ: مَاتَت ساقاه فَلم تحملاه وَكَانَ عَلَيْهِمَا جوّالاً
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ {وَقيل من راق} قَالَ: هُوَ الطَّبِيب
وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {وَقيل من راق} قَالَ: من راق يرقي
وَأخرج ابْن جرير عَن عِكْرِمَة مثله
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي ذكر الْمَوْت وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {وَقيل من راق} قيل: تنتزع نَفسه حَتَّى إِذا كَانَت فِي تراقيه قيل من يرقى بِرُوحِهِ مَلَائِكَة الرَّحْمَة أَو مَلَائِكَة الْعَذَاب {والتفت السَّاق بالساق} قَالَ: الْتفت عَلَيْهِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَة
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر عَن أبي الْعَالِيَة فِي قَوْله: {وَقيل من راق} قَالَ: يخْتَصم فِيهِ مَلَائِكَة الرَّحْمَة وملائكة الْعَذَاب أَيهمْ يرقى بِهِ
وَأخرج ابْن جرير عَن أبي الجوزاء رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وَقيل من راق} قَالَ: قَالَت الْمَلَائِكَة بَعضهم لبَعض من يصعد بِهِ أملائكة الرَّحْمَة أم مَلَائِكَة الْعَذَاب(8/361)
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَنه كَانَ يقْرَأ: وأيقن أَنه الْفِرَاق
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {والتفت السَّاق بالساق} يَقُول: آخر يَوْم من أَيَّام الدُّنْيَا وَأول يَوْم من أَيَّام الْآخِرَة فَتلقى الشدَّة بالشدة إِلَّا من رحم الله
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد {والتفت السَّاق بالساق} قَالَ: التف أَمر الدُّنْيَا بِأَمْر الْآخِرَة عِنْد الْمَوْت
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن {والتفت السَّاق بالساق} قَالَ: لفت سَاق الْآخِرَة بساق الدُّنْيَا وَذكر قَول الشَّاعِر: وَقَامَت الْحَرْب بِنَا على سَاق وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة وَالربيع وعطية وَالضَّحَّاك مثله
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {والتفت السَّاق بالساق} قَالَ: بلَاء ببلاء
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {والتفت السَّاق بالساق} قَالَ: اجْتمع فِيهِ الْحَيَاة وَالْمَوْت
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي مَالك رَضِي الله عَنهُ {والتفت السَّاق بالساق} قَالَ: تلف ساقاه عِنْد الْمَوْت للنزع
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر {والتفت السَّاق بالساق} قَالَ: الْتفت ساقاه عِنْد الْمَوْت
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {والتفت السَّاق بالساق} قَالَ: أما رَأَيْت إِذا حضر ضرب بِرجلِهِ رجله الْأُخْرَى
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ {والتفت السَّاق بالساق} قَالَ: النَّاس مجهزون بدنه وَالْمَلَائِكَة مجهزون روحه
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ أَنه سُئِلَ عَن قَوْله: {والتفت السَّاق بالساق} قَالَ: هما ساقاه إِذا التفتا فِي الأكفان
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {إِلَى رَبك يَوْمئِذٍ المساق} قَالَ: فِي الْآخِرَة(8/362)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {فَلَا صدق} قَالَ: بِكِتَاب الله {وَلَا صلى وَلَكِن كذب} بِكِتَاب الله {وَتَوَلَّى} عَن طَاعَة الله {ثمَّ ذهب إِلَى أَهله يتمطى} قَالَ: يتبختر وَهُوَ أَبُو جهل بن هِشَام كَانَت مشيته
ذكر لنا أَن نَبِي الله أَخذ بِمَجَامِع ثَوْبه فَقَالَ: {أولى لَك فَأولى ثمَّ أولى لَك فَأولى} وعيداً على وَعِيد فَقَالَ: مَا تَسْتَطِيع أَنْت وَلَا رَبك لي شَيْئا وَإِنِّي لأعز من مَشى بَين جبليها وَذكر لنا أَن نَبِي الله كَانَ يَقُول: إِن لكل أمة فرعوناً وَإِن فِرْعَوْن هَذِه الْأمة أَبُو جهل
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {ثمَّ ذهب إِلَى أَهله يتمطى} قَالَ: يتبختر وَهُوَ أَبُو جهل
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {يتمطى} قَالَ: يختال
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: سَأَلت ابْن عَبَّاس عَن قَول الله: {أولى لَك فَأولى} أَشَيْء قَالَه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأبي جهل من قبل نَفسه أم أمره الله بِهِ قَالَ: بلَى قَالَه من قبل نَفسه ثمَّ أنزلهُ الله
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {أَن يتْرك سدى} قَالَ: هملاً
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {أَن يتْرك سدى} قَالَ: بَاطِلا لَا يُؤمر وَلَا ينْهَى
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {أَن يتْرك سدى} قَالَ: أَن يهمل وَفِي قَوْله: {أَلَيْسَ ذَلِك بِقَادِر على أَن يحيي الْمَوْتَى} قَالَ: ذكر لنا أَن نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَقُول إِذا قَرَأَهَا: سُبْحَانَهُ وبلى
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْأَنْبَارِي فِي الْمَصَاحِف عَن صَالح أبي الْخَلِيل قَالَ: كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا قَرَأَ هَذِه الْآيَة {أَلَيْسَ ذَلِك بِقَادِر على أَن يحيي الْمَوْتَى} قَالَ: رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: سُبْحَانَ رَبِّي وبلى
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا قَرَأَ {أَلَيْسَ ذَلِك بِقَادِر على أَن يحيي الْمَوْتَى} قَالَ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وبلى
وَأخرج البُخَارِيّ فِي تَارِيخه عَن أبي أُمَامَة قَالَ: صليت مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم(8/363)
بعد حجَّته فَكَانَ يكثر من قِرَاءَة {لَا أقسم بِيَوْم الْقِيَامَة} فَإِذا قَالَ {أَلَيْسَ ذَلِك بِقَادِر على أَن يحيي الْمَوْتَى} سمعته يَقُول: بلَى وَأَنا على ذَلِك من الشَّاهِدين
وَأخرج عبد بن حميد وَأَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن مُوسَى بن أبي عَائِشَة قَالَ: كَانَ رجل يُصَلِّي فَوق بَيته فَكَانَ إِذا قَرَأَ {أَلَيْسَ ذَلِك بِقَادِر على أَن يحيي الْمَوْتَى} قَالَ: سُبْحَانَكَ فبلى فَسَأَلُوهُ عَن ذَلِك فَقَالَ: سمعته من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن الْمُنْذر وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من قَرَأَ مِنْكُم (والتين وَالزَّيْتُون) فَانْتهى إِلَى آخرهَا (أَلَيْسَ الله بِأَحْكَم الْحَاكِمين) فَلْيقل: بلَى وَأَنا على ذَلِك من الشَّاهِدين
وَمن قَرَأَ {لَا أقسم بِيَوْم الْقِيَامَة} فَانْتهى إِلَى {أَلَيْسَ ذَلِك بِقَادِر على أَن يحيي الْمَوْتَى} فَلْيقل: بلَى وَمن قَرَأَ (والمرسلات) فَبلغ (فَبِأَي حَدِيث بعده يُؤمنُونَ) فَلْيقل: آمنا بِاللَّه
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِذا قَرَأت {لَا أقسم بِيَوْم الْقِيَامَة} فبلغت {أَلَيْسَ ذَلِك بِقَادِر على أَن يحيي الْمَوْتَى} فَقل: بلَى
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: إِذا قَرَأت (سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى) فَقل: سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى وَإِذا قَرَأت {أَلَيْسَ ذَلِك بِقَادِر على أَن يحيي الْمَوْتَى} فَقل: سُبْحَانَكَ وبلى(8/364)
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
76
سُورَة الْإِنْسَان
مَدَنِيَّة وآياتها إِحْدَى وَثَلَاثُونَ
الْآيَة 1 - 7(8/365)
هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا (1) إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا (2) إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3) إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلَاسِلَ وَأَغْلَالًا وَسَعِيرًا (4) إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا (5) عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا (6) يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا (7)
أخرج النّحاس عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: نزلت سُورَة الإِنسان بِمَكَّة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن الزبير قَالَ: أنزلت بِمَكَّة سُورَة {هَل أَتَى على الإِنسان}
وَأخرج ابْن الضريس وَابْن مردوية وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: نزلت سُورَة الإِنسان بِالْمَدِينَةِ
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَابْن عَسَاكِر عَن ابْن عمر قَالَ: جَاءَ رجل من الْحَبَشَة إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: سل واستفهم فَقَالَ: يَا رَسُول الله فضلْتُمْ علينا بالألوان والصور والنبوّة أَفَرَأَيْت إِن آمَنت بِهِ وعملت بِمثل مَا عملت بِهِ إِنِّي لكائن مَعَك فِي الْجنَّة قَالَ: نعم وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ إِنَّه ليرى بَيَاض الْأسود فِي الْجنَّة من مسيرَة ألف عَام ثمَّ قَالَ: من قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله كَانَ لَهُ عهد عِنْد الله وَمن قَالَ: سُبْحَانَ الله وَبِحَمْدِهِ كتبت لَهُ مائَة ألف حَسَنَة وَأَرْبَعَة وَعِشْرُونَ ألف حَسَنَة وَنزلت عَلَيْهِ هَذِه السُّورَة {هَل أَتَى على الإِنسان حِين من الدَّهْر} إِلَى قَوْله: {وملكا كَبِيرا} فَقَالَ الحبشي: وَإِن عَيْني لترى مَا ترى عَيْنَاك فِي الْجنَّة قَالَ: نعم فاشتكى حَتَّى فاضت نَفسه
قَالَ ابْن عمر: فَلَقَد رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يدليه فِي حفرته بِيَدِهِ(8/365)
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن مُحَمَّد بن مطرف قَالَ: حَدثنِي الثِّقَة أَن رجلا أسود كَانَ يسْأَل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن التَّسْبِيح والتهليل فَقَالَ لَهُ عمر بن الْخطاب: مَه أكثرت على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: مَه يَا عمر وأنزلت على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {هَل أَتَى على الإِنسان حِين من الدَّهْر} حَتَّى إِذا أَتَى على ذكر الْجنَّة زفر الْأسود زفرَة خرجت نَفسه فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَاتَ شوقاً إِلَى الْجنَّة
وَأخرج ابْن وهب عَن ابْن زيد أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَرَأَ هَذِه السُّورَة {هَل أَتَى على الإِنسان حِين من الدَّهْر} وَقد أنزلت عَلَيْهِ وَعِنْده رجل أسود فَلَمَّا بلغ صفة الْجنان زفر زفرَة فَخرجت نَفسه فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أخرج نفس صَاحبكُم الشوق إِلَى الْجنَّة
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن أبي ذَر قَالَ: قَرَأَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {هَل أَتَى على الإِنسان حِين من الدَّهْر} حَتَّى خَتمهَا ثمَّ قَالَ: إِنِّي أرى مَا لَا ترَوْنَ وأسمع مَا لَا تَسْمَعُونَ أطت السَّمَاء وَحقّ لَهُ أَن تئط مَا فِيهَا مَوضِع أَربع أَصَابِع إِلَّا ملك وَاضع جَبهته سَاجِدا لله وَالله لَو تعلمُونَ مَا أعلم لضحكتم قَلِيلا ولبكيتم كثيرا وَمَا تلذذتم بِالنسَاء على الْفرش لخرجتم إِلَى الصعدات تجارون
أخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {هَل أَتَى على الإِنسان حِين من الدَّهْر} قَالَ: الإِنسان أَتَى عَلَيْهِ حِين من الدَّهْر {لم يكن شَيْئا مَذْكُورا} قَالَ: إِنَّمَا خلق الإِنسان هَهُنَا حَدِيثا مَا يعلم من خَلِيقَة الله خَلِيقَة كَانَت بعد إِلَّا هَذَا الإِنسان
وَأخرج ابْن الْمُبَارك وَأَبُو عبيد فِي فضائله وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن عمر بن الْخطاب أَنه سمع رجلا يقْرَأ {هَل أَتَى على الإِنسان حِين من الدَّهْر لم يكن شَيْئا مَذْكُورا} فَقَالَ عمر: ليتها تمت
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن مَسْعُود أَنه سمع رجلا يَتْلُو هَذِه الْآيَة {هَل أَتَى على الإِنسان حِين من الدَّهْر لم يكن شَيْئا مَذْكُورا} فَقَالَ ابْن مَسْعُود: يَا ليتها تمت فعوتب فِي قَوْله: هَذَا فَأخذ عوداً من الأَرْض فَقَالَ: يَا لَيْتَني كنت مثل هَذَا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {هَل أَتَى على الإِنسان حِين من الدَّهْر} قَالَ: إِن آدم آخر مَا خلق من الْخلق(8/366)
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {هَل أَتَى على الإِنسان} قَالَ: كل إِنْسَان
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة قَالَ: إِن من الْحِين حينا لَا يدْرك
قَالَ الله: {هَل أَتَى على الإِنسان حِين من الدَّهْر لم يكن شَيْئا مَذْكُورا} وَالله مَا يدْرِي كم أَتَى عَلَيْهِ حَتَّى خلقه الله
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن عمر بن الْخطاب أَنه تَلا هَذِه الْآيَة {هَل أَتَى على الإِنسان حِين من الدَّهْر لم يكن شَيْئا مَذْكُورا} قَالَ: أَي وَعزَّتك يَا رب فَجَعَلته سميعاً بَصيرًا وَحيا وَمَيتًا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن عبد الله بن مَسْعُود قَالَ: إِذا جئناكم بِحَدِيث أَتَيْنَاكُم بتصديقه من كتاب الله إِن النُّطْفَة تكون فِي الرَّحِم أَرْبَعِينَ ثمَّ تكون مُضْغَة أَرْبَعِينَ فَإِذا أَرَادَ الله أَن يخلق الْخلق نزل الْملك فَيَقُول لَهُ اكْتُبْ فَيَقُول مَاذَا أكتب فَيَقُول: اكْتُبْ شقياً أَو سعيداً ذكرا أَو أُنْثَى وَمَا رزقه وأثره وأجله فَيُوحِي الله بِمَا يَشَاء وَيكْتب الْملك ثمَّ قَرَأَ عبد الله {إِنَّا خلقنَا الإِنسان من نُطْفَة أمشاج نبتليه} ثمَّ قَالَ عبد الله: أمشاجها عروقها
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن مَسْعُود فِي قَوْله: {أمشاج} قَالَ: الْعُرُوق
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {من نُطْفَة أمشاج} قَالَ: من مَاء الرجل وَمَاء الْمَرْأَة حِين يختلطان
وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {من نُطْفَة أمشاج} قَالَ: هُوَ نزُول الرجل وَالْمَرْأَة يمشج بعضه بِبَعْض
وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس إِن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله: {من نُطْفَة أمشاج} قَالَ: اخْتِلَاط مَاء الرجل وَمَاء الْمَرْأَة إِذا وَقع فِي الرَّحِم
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم
أما سَمِعت أَبَا ذُؤَيْب وَهُوَ يَقُول: كَأَن الريش والفوقين مِنْهُ خلال النصل خالطه مشيج وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن قَالَ مشج مَاء الرجل بِمَاء الْمَرْأَة فَصَارَ خلقا
وَأخرج عبد بن حميد عَن الرّبيع قَالَ: إِذا اجْتمع مَاء الرجل وَمَاء الْمَرْأَة فَهُوَ أمشاج(8/367)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة قَالَ: الأمشاج إِذا اخْتَلَط المَاء وَالدَّم ثمَّ كَانَ علقَة ثمَّ كَانَ مُضْغَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن الْحسن فِي الْآيَة قَالَ: خلق من نُطْفَة مشجت بِدَم وَذَلِكَ الدَّم الْحيض إِذا حملت ارْتَفع الْحيض
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {من نُطْفَة أمشاج} قَالَ: مُخْتَلفَة الألوان
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد {من نُطْفَة أمشاج} قَالَ: ألوان نُطْفَة الرجل بَيْضَاء وحمراء ونطفة الْمَرْأَة خضراء وحمراء
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الأمشاج الَّذِي يخرج على أثر الْبَوْل كَقطع الأوتار وَمِنْه يكون الْوَلَد
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن زيد بن أسلم قَالَ: الأمشاج الْعُرُوق الَّتِي فِي النُّطْفَة
وَأخرج الْفرْيَابِيّ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {من نُطْفَة أمشاج} قَالَ: ألوان الْخلق
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة {إِنَّا خلقنَا الإِنسان من نُطْفَة أمشاج نبتليه} قَالَ: طوراً نُطْفَة وطوراً علقَة وطورا مُضْغَة وطورا عظما {فكسونا الْعِظَام لَحْمًا} وَذَلِكَ أَشد مَا يكون إِلَى كسي اللَّحْم {ثمَّ أَنْشَأْنَاهُ خلقا آخر} قَالَ: أنبت لَهُ الشّعْر {فَتَبَارَكَ الله أحسن الْخَالِقِينَ} فأنباه الله مِم خلقه وأنباه إِنَّمَا بَين ذَلِك ليبتليه بذلك ليعلم كَيفَ شكره ومعرفته لحقه فَبين الله لَهُ مَا أحل لَهُ وَمَا حرم عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ: {إِنَّا هديناه السَّبِيل إِمَّا شاكراً} لنعم الله {وَإِمَّا كفوراً} بهَا
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الأمشاج مِنْهُ الْعِظَام والعصب وَالْعُرُوق من الرجل وَاللَّحم وَالدَّم وَالشعر من الْمَرْأَة
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله: {أمشاج} قَالَ: الظفر والعظم والعصب من الرجل وَاللَّحم وَالشعر من الْمَرْأَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة {إِنَّا هديناه السَّبِيل} قَالَ: السَّبِيل الْهدى
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد {إِنَّا هديناه السَّبِيل} قَالَ: الشقاوة والسعادة(8/368)
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن عَطِيَّة الْعَوْفِيّ {إِنَّا هديناه السَّبِيل} قَالَ: الْخَيْر وَالشَّر
وَأخرج أَحْمد وَابْن الْمُنْذر عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: كل مولد يُولد على الْفطْرَة حَتَّى يعبر عَنهُ لِسَانه فَإِذا عبر عَنهُ لِسَانه إِمَّا شاكراً وَإِمَّا كفوراً وَالله تَعَالَى أعلم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد {إِن الْأَبْرَار يشربون من كأس كَانَ مزاجها كافوراً} قَالَ: تمزج بِهِ {عينا يشرب بهَا عباد الله يفجرونها تفجيراً} قَالَ: يَقُودُونَهَا حَيْثُ يشاؤوا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة {إِن الْأَبْرَار يشربون من كأس كَانَ مزاجها كافوراً} قَالَ: قوم يمزج لَهُم بالكافور وَيخْتم لَهُم بالمسك {عينا يشرب بهَا عباد الله يفجرونها تفجيراً} قَالَ: يَسْتَفِيد ماؤهم يفجرونها حَيْثُ شاؤوا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة {كَانَ مزاجها} قَالَ طعمها: {يفجرونها تفجيراً} قَالَ: الْأَنْهَار يجرونها حَيْثُ شاؤوا
وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن إِسْحَق قَالَ فِي قِرَاءَة عبد الله: كأساً صفراً كَانَ مزاجها
وَأخرج عبد الله بن أَحْمد فِي زَوَائِد الزّهْد عَن ابْن شَوْذَب فِي قَوْله: {يفجرونها تفجيراً} قَالَ: مَعَهم قضبان ذهب يفجرون بهَا تتبع قضبانهم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة {يُوفونَ بِالنذرِ} قَالَ: كَانُوا يُوفونَ بِطَاعَة الله من الصَّلَاة وَالزَّكَاة وَالْحج وَالْعمْرَة وَمَا افْترض عَلَيْهِم فسماهم الله الْأَبْرَار لذَلِك فَقَالَ: {يُوفونَ بِالنذرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَره مُسْتَطِيرا} قَالَ: إستطاروا لله شَرّ ذَلِك الْيَوْم حَتَّى مَلأ السَّمَوَات وَالْأَرْض
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد {يُوفونَ بِالنذرِ} قَالَ: إِذا نذروا فِي حق الله
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة {يُوفونَ بِالنذرِ} قَالَ: كل نذر فِي شكر
وَأخرج عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف وَالطَّبَرَانِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: جَاءَ رجل إِلَى النَّبِي فَقَالَ: إِنِّي نذرت أَن أنحر نَفسِي فشغل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذهب الرجل فَوجدَ يُرِيد أَن ينْحَر نَفسه فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: الْحَمد لله الَّذِي جعل فِي(8/369)
أمتِي من وَفِي بِالنذرِ وَيخَاف {يَوْمًا كَانَ شَره مُسْتَطِيرا} أهد مائَة نَاقَة
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن مُجَاهِد قَالَ: لما صدر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالأسارى عَن بدر أنْفق سَبْعَة من الْمُهَاجِرين على أُسَارَى مُشْركي بدر مِنْهُم أَبُو بكر وَعمر وَعلي وَالزُّبَيْر وَعبد الرَّحْمَن وَسعد وَأَبُو عُبَيْدَة بن الْجراح فَقَالَت الْأَنْصَار: قتلناهم فِي الله وَفِي رَسُوله وتوفونهم بِالنَّفَقَةِ فَأنْزل الله فيهم تسع عشرَة آيَة {إِن الْأَبْرَار يشربون من كأس كَانَ مزاجها كافوراً} إِلَى قَوْله: {عينا فِيهَا تسمى سلسبيلاً}
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {كَانَ شَره مُسْتَطِيرا} قَالَ: فاشيا
الْآيَة 8 - 23(8/370)
وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (8) إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا (9) إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا (10) فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا (11) وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا (12) مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا (13) وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا (14) وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا (15) قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا (16) وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلًا (17) عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا (18) وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا (19) وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا (20) عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا (21) إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا (22) إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلًا (23)
أخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {ويطعمون الطَّعَام على حبه} قَالَ: وهم يشتهونه {وأسيراً} قَالَ: هُوَ المسجون {إِنَّمَا نطعمكم لوجه الله} الْآيَة قَالَ: لم يقل الْقَوْم ذَلِك حِين أطعموهم وَلَكِن علم الله من قُلُوبهم فَأثْنى عَلَيْهِ بِهِ ليرغب فِيهِ رَاغِب(8/370)
وَأخرج سعيد بن الْمَنْصُور وَابْن أبي شيبَة وَابْن مرْدَوَيْه عَن الْحسن قَالَ: كَانَ الْأُسَارَى مُشْرِكين يَوْم نزلت هَذِه الْآيَة {ويطعمون الطَّعَام على حبه مِسْكينا ويتيماً وأسيراً}
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي الْآيَة قَالَ: لقد أَمر الله بالأسارى أَن يحسن إِلَيْهِم وَأَنَّهُمْ يَوْمئِذٍ لمشركون فوَاللَّه لأخوك الْمُسلم أعظم عَلَيْك حُرْمَة وَحقا
وَأخرج أَبُو عبيد فِي غَرِيب الحَدِيث وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان فِي قَوْله: {وأسيراً} قَالَ: لم يكن الْأَسير على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَّا من الْمُشْركين
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي الْآيَة قَالَ: لم يكن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يأسر أهل الإِسلام وَلكنهَا نزلت فِي أُسَارَى أهل الشّرك كَانُوا يأسرونهم فِي الْفِدَاء فَنزلت فيهم فَكَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَأْمر بالإِصلاح لَهُم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وأسيراً} قَالَ: هُوَ الْمُشرك
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله: {وأسيراً} قَالَ: مَا أسرت الْعَرَب من الْهِنْد وَغَيرهم فَإِذا حبسوا فَعَلَيْكُم أَن تطعموهم وتسقوهم حَتَّى يقتلُوا أَو يفدوا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي رزين قَالَ: كنت مَعَ شَقِيق بن سَلمَة فَمر عَلَيْهِ أُسَارَى من الْمُشْركين فَأمرنِي أَن أَتصدق عَلَيْهِم ثمَّ تَلا هَذِه الْآيَة {ويطعمون الطَّعَام على حبه مِسْكينا ويتيماً وأسيراً}
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن سعيد بن جُبَير وَعَطَاء {ويطعمون الطَّعَام على حبه مِسْكينا ويتيماً وأسيراً} قَالَا: من أهل الْقبْلَة وَغَيرهم
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم عَن أبي سعيد عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله الله: {مِسْكينا} قَالَ: فَقِيرا {ويتيماً} قَالَ: لَا أَب لَهُ {وأسيراً} قَالَ: الْمَمْلُوك والمسجون
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {ويطعمون الطَّعَام على حبه} الْآيَة قَالَ: نزلت هَذِه الْآيَة فِي عَليّ بن أبي طَالب وَفَاطِمَة بنت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج ابْن سعد عَن أم الْأسود سَرِيَّة الرّبيع بن خَيْثَم قَالَت: كَانَ الرّبيع يُعجبهُ السكر يَأْكُلهُ فَإِذا جَاءَ السَّائِل نَاوَلَهُ فَقلت: مَا يصنع بالسكر الْخبز لَهُ خير قَالَ: إِنِّي سَمِعت الله يَقُول: {ويطعمون الطَّعَام على حبه}(8/371)
أخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {يَوْمًا عبوساً} قَالَ: ضيقا {قمطريراً} قَالَ: طَويلا
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أنس بن مَالك عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله: {يَوْمًا عبوساً قمطريراً} قَالَ: يقبض مَا بَين الْأَبْصَار
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر من طرق ابْن عَبَّاس قَالَ: القمطرير الرجل المنقبض مَا بَين عَيْنَيْهِ وَوَجهه
وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس أَن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله: {يَوْمًا عبوساً قمطريراً} قَالَ: الَّذِي ينقبض وَجهه من شدَّة الوجع
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم أما سَمِعت قَول الشَّاعِر وَهُوَ يَقُول: وَلَا يَوْم الحسار وَكَانَ يَوْمًا عبوساً فِي الشدائد قمطريراً قَالَ: أَخْبرنِي عَن قَوْله: {وَلَا زمهريراً} قَالَ: كَذَلِك أهل الْجنَّة لَا يصيبهم حر الشَّمْس فيؤذيهم وَلَا الْبرد
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم أما سَمِعت الْأَعْشَى وَهُوَ يَقُول: برهوهة الْخلق مثل الْعَتِيق لم تَرَ شمساً وَلَا زمهريراً وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن قَتَادَة {يَوْمًا عبوساً قمطريراً} قَالَ: يَوْمًا تقبض فِيهِ الْحَيَاة من شدته
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد {يَوْمًا} قَالَ: يَوْم الْقِيَامَة {عبوساً} قَالَ: العابس الشفتين {قمطريراً} قَالَ: تقبض الْوُجُوه بالسوء وَفِي لفظ انقباض مَا بَين عَيْنَيْهِ وَوَجهه
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس {ولقاهم نَضرة وسروراً} قَالَ: نَضرة فِي وُجُوههم وسروراً فِي صُدُورهمْ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن الْحسن {ولقاهم نَضرة} قَالَ: فِي الْوُجُوه {وسروراً} قَالَ: فِي الصُّدُور والقلوب
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة {ولقاهم نَضرة وسروراً} قَالَ: نَضرة فِي وُجُوههم وسروراً فِي قُلُوبهم {وجزاهم بِمَا صَبَرُوا جنَّة وَحَرِيرًا} قَالَ: الصَّبْر صبران صَبر على طَاعَة الله وصبرعن مَعْصِيّة الله {متكئين فِيهَا على الأرائك} قَالَ: كُنَّا نُحدث أَنَّهَا الحجال على السرر {لَا يرَوْنَ فِيهَا شمساً وَلَا زمهريراً} قَالَ: علم الله(8/372)
تبَارك وَتَعَالَى أَن شدَّة الْحر تؤذي وَأَن شدَّة الْبرد تؤذي فوقاهم الله عذابهما جَمِيعًا
قَالَ: وَذكر لنا أَن نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حدث أَن جَهَنَّم اشتكت إِلَى رَبهَا فنفسها فِي كل عَام نفسين فشدة الْحر من حرهَا وَشدَّة الْبرد من زمهريرها
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن مرْدَوَيْه عَن الزُّهْرِيّ فِي قَوْله: {لَا يرَوْنَ فِيهَا شمساً وَلَا زمهريراً} قَالَ: حَدثنِي أَبُو سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: اشتكت النَّار إِلَى رَبهَا فَقَالَت: يَا رب أكل بَعْضِي بَعْضًا فنفسني فَجعل لَهَا فِي كل عَام نفسين نفسا فِي الشتَاء ونفساً فِي الصَّيف
فشدة الْبرد الَّذِي تَجِدُونَ من زمهرير جَهَنَّم وَشدَّة الْحر الَّذِي تَجِدُونَ من حر جَهَنَّم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن مرْدَوَيْه من طرق عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: اشتكت النَّار إِلَى رَبهَا فَقَالَت: رب أكل بَعْضِي بَعْضًا فَجعل لَهَا نفسين نفسا فِي الشتَاء ونفساً فِي الصَّيف فشدة مَا تجدونه من الْبرد من زمهريرها وَشدَّة مَا تجدونه فِي الصَّيف من الْحر من سمومها
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {وَلَا زمهريراً} قَالَ: بردا مقطعاً
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة قَالَ: الزَّمْهَرِير هُوَ الْبرد الشَّديد
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: الزَّمْهَرِير إِنَّمَا هُوَ لون من الْعَذَاب إِن الله تَعَالَى قَالَ: {لَا يذوقون فِيهَا بردا وَلَا شرابًا}
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ أَو أبي هُرَيْرَة عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: إِذا كَانَ يَوْم حَار ألْقى الله سَمعه وبصره إِلَى أهل السَّمَاء وَأهل الأَرْض فَإِذا قَالَ العَبْد لَا إِلَه إِلَّا الله مَا أَشد حر هَذَا الْيَوْم اللَّهُمَّ أجرني من حر جَهَنَّم قَالَ الله عز وَجل لِجَهَنَّم إِن عبدا من عَبِيدِي استجار بيّ مِنْك وَإِنِّي أشهدك أَنِّي قد أجرته وَإِذا كَانَ يَوْم شَدِيد الْبرد ألْقى الله سَمعه وبصره إِلَى أهل السَّمَاء وَأهل الأَرْض فَإِذا قَالَ العَبْد: لَا إِلَه إِلَّا الله مَا أَشد برد هَذَا الْيَوْم اللَّهُمَّ أجرني من زمهرير جَهَنَّم قَالَ الله لِجَهَنَّم: إِن عبدا من عَبِيدِي استجارني من زمهريرك وَإِنِّي أشهدك أَنِّي قد أجرته
فَقَالُوا وَمَا زمهرير جَهَنَّم قَالَ كَعْب: بَيت يلقى فِيهِ الْكَافِر فيتميز من شدَّة بردهَا بعضه من بعض
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: الْجنَّة سَجْسَج لَا قر فِيهَا وَلَا حر(8/373)
أخرج الْفرْيَابِيّ وَسَعِيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة وهناد بن السّري وَعبد بن حميد وَعبد الله بن أَحْمد فِي زَوَائِد الزّهْد وَابْن جرير وَابْن المنذروابن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن الْبَراء بن عَازِب فِي وَقَوله: {ودانية عَلَيْهِم ظلالهاً} قَالَ: قريبَة {وذللت قطوفها تذليلاً} قَالَ: إِن أهل الْجنَّة يَأْكُلُون من ثمار الْجنَّة قيَاما وقعوداً ومضطجعين وعَلى أَي حَال شاؤوا وَفِي لفظ قَالَ: ذللت لَهُ فيتناولون مِنْهَا كَيفَ شاؤوا
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة {وذللت قطوفها تذليلاً} قَالَ: إِن قعدوا نالوها
وَأخرج عبد بن حميد عَن الضَّحَّاك {وذللت قطوفها تذليلاً} قَالَ: أدنيت مِنْهُم يتناولونها وهم متكئون
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد {وذللت قطوفها تذليلاً} قَالَ: أدنيت مِنْهُم يتناولونها إِن قَامَ ارْتَفَعت بِقَدرِهِ وَإِن قعد تدلت حَتَّى ينالها وَإِن اضْطجع تدلت حَتَّى ينالها فَذَلِك تذليلها
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عبد الله بن مَسْعُود قَالَ: يَقُول غلْمَان أهل الْجنَّة من أَيْن نقطف لَك من أَيْن نسقيك
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَسَعِيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ عَن مُجَاهِد قَالَ: أَرض الْجنَّة ورق وترابها مسك وأصول شَجَرهَا ذهب وورق وأفنانها اللُّؤْلُؤ والزبرجد وَالْوَرق وَالثِّمَار بَين ذَلِك فَمن أكل قَائِما لم يؤذه وَمن أكل مُضْطَجعا لم يؤذه وَمن أكل جَالِسا لم يؤذه {وذللت قطوفها تذليلاً} وَفِي لفظ إِن قَامَ ارْتَفَعت بِقَدرِهِ وَإِن قعد تدلت حَتَّى ينالها وَإِن اضْطجع تدلت حَتَّى ينالها فَذَلِك تذليلها
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة {وَيُطَاف عَلَيْهِم بآنية من فضَّة} الْآيَة قَالَ: صفاء الْقَوَارِير فِي بَيَاض الْفضة {قدروها تَقْديرا} قَالَ: قدرت على قدر رَأْي الْقَوْم
وَأخرج عبد بن حميد عَن الشّعبِيّ أَنه كَانَ يقْرَأ / قدرهَا / بِرَفْع الْقَاف
وَأخرج عَن الْحسن أَنه قَرَأَهَا بِنصب الْقَاف
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث من طَرِيق الْعَوْفِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ:(8/374)
آنِية من فضَّة وصفاؤها كصفاء الْقَوَارِير {قدروها تَقْديرا} قَالَ: قدرت للكف
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَسَعِيد بن مَنْصُور وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث من طَرِيق عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لَو أخذت فضَّة من فضَّة الدُّنْيَا فضربتها حَتَّى جَعلتهَا مثل جنَاح الذُّبَاب لم ير المَاء عَن وَرَائِهَا وَلَكِن قَوَارِير الْجنَّة بَيَاض الْفضة فِي صفاء الْقَوَارِير
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لَيْسَ فِي الْجنَّة شَيْء إِلَّا قد أعطيتم فِي الدُّنْيَا شبهه إِلَّا {قَوَارِير من فضَّة}
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة قَالَ: لَو اجْتمع أهل الدُّنْيَا على أَن يعملوا إِنَاء من فضَّة يرى مَا فِيهِ من خَلفه كَمَا يرى فِي الْقَوَارِير مَا قدرُوا عَلَيْهِ
وَأخرج الْفرْيَابِيّ من طَرِيق مُجَاهِد عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {قدروها تَقْديرا} قَالَ: أَتَوا بهَا على قدرهم لَا يفضلون شَيْئا وَلَا يشتهون بعْدهَا شَيْئا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وهناد وَعبد بن حميد عَن مُجَاهِد قَالَ: الْآنِية الأقداح والأكواب الكوكبات وتقديرها أَنَّهَا لَيست بالملأى الَّتِي تفيض وَلَا نَاقِصَة بِقدر
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس {قدروها تَقْديرا} قَالَ: قدرتها السقاة
وَأخرج عبد بن حميد عَن الشّعبِيّ فِي قَوْله: {قَوَارِير من فضَّة} قَالَ: صفاؤها صفاء الْقَوَارِير وَهِي من فضَّة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة {كَانَ مزاجها زنجبيلاً} قَالَ: يمزج لَهُم بالزنجبيل
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد {كَانَ مزاجها زنجبيلاً} قَالَ: يأثر لَهُم مَا كَانُوا يشربون فِي الدُّنْيَا فَيَجِيء إِلَيْهِم بذلك
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول عَن الْحسن قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَربع عُيُون فِي الْجنَّة عينان تجريان من تَحت الْعَرْش إِحْدَاهمَا الَّتِي ذكر الله {يفجرونها تفجيراً} وَالْأُخْرَى الزنجبيل وعينان نضاختان من فَوق إِحْدَاهمَا الَّتِي ذكر الله سلسبيلاً وَالْأُخْرَى التسنيم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَسَعِيد بن مَنْصُور وهناد وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {عينا فِيهَا تسمى سلسبيلاً} قَالَ: حَدِيدَة الجرية(8/375)
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الضَّحَّاك {عينا فِيهَا تسمى سلسبيلاً} قَالَ: عين الْخمْرَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد {تسمى سلسبيلاً} قَالَ: تجْرِي سلسلة السَّبِيل
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة {عينا فِيهَا تسمى سلسبيلاً} قَالَ: سلسلة فِيهَا يصرفونا حَيْثُ شاؤوا وَفِي قَوْله: {حسبتهم لؤلؤاً منثوراً} قَالَ: من حسنهم
وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: بَينا الْمُؤمن على فرَاشه إِذْ أبْصر شَيْئا يسير نَحوه فَجعل يَقُول: لُؤْلُؤ فَإِذا ولدان مخلدون كَمَا وَصفهم الله وَهِي الْآيَة {إِذا رَأَيْتهمْ حسبتهم لؤلؤاً منثوراً}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَنا أَوَّلهمْ خُرُوجًا إِذا خَرجُوا وَأَنا قائدهم إِذا وفدوا وَأَنا خطيبهم إِذا أَنْصتُوا وَأَنا مستشفعهم إِذا جَلَسُوا وَأَنا مبشرهم إِذا أيسوا الْكَرَامَة والمفاتيح بيَدي ولواء الْحَمد بيَدي وآدَم وَمن دونه تَحت لِوَائِي وَلَا فَخر يطوف عَلَيْهِم ألف خَادِم كَأَنَّهُمْ بيض مَكْنُون أَو لُؤْلُؤ منثور
وَأخرج ابْن الْمُبَارك وهناد وَعبد بن حميد وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن ابْن عَمْرو رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِن أدنى أهل الْجنَّة منزلا من يسْعَى عَلَيْهِ ألف خَادِم كل وَاحِد على عمل لَيْسَ عَلَيْهِ صَاحبه
وَأخرج الْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَنه ذكر ركب أهل الْجنَّة ثمَّ تَلا {وَإِذا رَأَيْت ثمَّ رَأَيْت نعيماً وملكاً كَبِيرا}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَالْبَيْهَقِيّ عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وَإِذا رَأَيْت ثمَّ رَأَيْت نعيماً وملكاً كَبِيرا} قَالَ: هُوَ اسْتِئْذَان الْمَلَائِكَة لَا تدخل عَلَيْهِم إِلَّا بِإِذن
وَأخرج ابْن جرير عَن سُفْيَان فِي قَوْله: {وملكاً كَبِيرا} قَالَ: بلغنَا أَنه اسْتِئْذَان الْمَلَائِكَة عَلَيْهِم
وَأخرج ابْن وهب عَن الْحسن الْبَصْرِيّ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن أدنى أهل الْجنَّة منزلَة الَّذِي يركب فِي ألف ألف من خدمَة من الْولدَان المخلدين على(8/376)
خيل من ياقوت أَحْمَر لَهَا أَجْنِحَة من ذهب {وَإِذا رَأَيْت ثمَّ رَأَيْت نعيماً وملكاً كَبِيرا}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة قَالَ: دخل عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ رَاقِد على حَصِير من جريد قد أثر فِي جنبه فَبكى عمر فَقَالَ: مَا يبكيك فَقَالَ: ذكرت كسْرَى وَملكه وَقَيْصَر وَملكه وَصَاحب الْحَبَشَة وَملكه وَأَنت رَسُول الله على حَصِير من جريد فَقَالَ: أما ترْضى أَن لَهُم الدُّنْيَا وَلنَا الْآخِرَة فَأنْزل الله {وَإِذا رَأَيْت ثمَّ رَأَيْت نعيماً وملكاً كَبِيرا}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن أبي الجوزاء أَنه كَانَ يقْرَأ {عاليهم ثِيَاب سندس خضر} قَالَ: علت الخضرة أكثرثياب أَهلهَا الخضرة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {شرابًا طهُورا} قَالَ: مَا ذكر الله من الْأَشْرِبَة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {شرابًا طهُورا} قَالَ: مَا ذكر الله من الْأَشْرِبَة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن أبي قلَابَة رَضِي الله عَنهُ {وسقاهم رَبهم شرابًا طهُورا} قَالَ: إِذا أكلُوا أَو شربوا مَا شَاءَ الله من الطَّعَام وَالشرَاب دعوا الشَّرَاب الطّهُور فيشربون فيطهرهم فَيكون مَا أكلُوا وَشَرِبُوا جشاء برِيح مسك يفِيض من جُلُودهمْ ويضمر لذَلِك بطونهم
وَأخرج هناد وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ فِي هَذِه الْآيَة {وسقاهم رَبهم شرابًا طهُورا} قَالَ: عرق يفِيض من أعراضهم مثل ريح الْمسك
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ قَالَ: بَلغنِي أَنه يقسم للرجل من أهل الْجنَّة شَهْوَة مائَة رجل من أهل الدُّنْيَا وأكلهم ونهمتهم فَإِذا أكل سقِِي شرابًا طهُورا يخرج من جلده رشحاً كَرَشْحِ الْمسك ثمَّ تعود شَهْوَته
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وَكَانَ سعيكم مشكوراً} فَقَالَ: لقد شكر الله سعياً قَلِيلا(8/377)
الْآيَة 24 - 31(8/378)
فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا (24) وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (25) وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا (26) إِنَّ هَؤُلَاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْمًا ثَقِيلًا (27) نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلًا (28) إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا (29) وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (30) يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (31)
أخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {وَلَا تُطِع مِنْهُم آثِما أَو كفوراً} قَالَ: حَدثنَا أَنَّهَا نزلت فِي عدوّ الله أبي جهل
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ أَنه بلغه أَن أَبَا جهل قَالَ: لما فرضت على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الصَّلَاة وَهُوَ يَوْمئِذٍ بِمَكَّة: لَئِن رَأَيْت مُحَمَّدًا يُصَلِّي لَأَطَأَن على عُنُقه
فَأنْزل الله فِي ذَلِك {وَلَا تُطِع مِنْهُم آثِما أَو كفوراً}
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {آثِما أَو كفوراً} قَالَ: كَانَ أَبُو جهل يَقُول: لَئِن رَأَيْت مُحَمَّدًا يُصَلِّي لَأَطَأَن على رقبته فَنَهَاهُ أَن يطيعه وَفِي قَوْله: {يَوْمًا ثقيلاً} قَالَ: عسراً شَدِيدا
وَأخرج ابْن جرير من طَرِيق الْعَوْفِيّ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {وشددنا أسرهم} قَالَ: خلقهمْ
وَأخرج ابْن جرير عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ {وشددنا أسرهم} قَالَ: هِيَ المفاصل
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن الرّبيع {وشددنا أسرهم} قَالَ: مفاصلهم
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن مثله
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {وشددنا أسرهم}(8/378)
قَالَ: خلقهمْ وَفِي قَوْله: {إِن هَذِه تذكرة} قَالَ: هَذِه السُّورَة تذكرة وَالله أعلم
قَوْله تَعَالَى: {وَمَا تشاؤون إِلَّا أَن يَشَاء الله}
أخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لعن الله الْقَدَرِيَّة وَقد فعل لعن الله الْقَدَرِيَّة وَقد فعل
لعن الله الْقَدَرِيَّة وَقد فعل
مَا قَالُوا كَمَا قَالَ الله وَلَا قَالُوا كَمَا قَالَت الْمَلَائِكَة وَلَا قَالُوا كَمَا قَالَت الْأَنْبِيَاء وَلَا قَالُوا كَمَا قَالَت أهل الْجنَّة وَلَا قَالُوا كَمَا قَالَت أهل النَّار وَلَا قَالُوا كَمَا قَالَ الشَّيْطَان
قَالَ الله {وَمَا تشاؤون إِلَّا أَن يَشَاء الله} وَقَالَت الْمَلَائِكَة: (لَا علم لنا إِلَّا مَا علمتنا) (سُورَة الْبَقَرَة الْآيَة 32) وَقَالَت الْأَنْبِيَاء فِي قصَّة نوح: (وَلَا ينفعكم نصحي إِن أردْت أَن أنصح لكم إِن كَانَ الله يُرِيد أَن يغويكم) (سوره هود الْآيَة 34) وَقَالَت أهل الْجنَّة: (وَمَا كُنَّا لنهتدي لَوْلَا أَن هدَانَا الله) (سُورَة الْأَعْرَاف الْآيَة 43) وَقَالَ أهل النَّار (رَبنَا غلبت علينا شِقْوَتنَا) (سُورَة الْمُؤْمِنُونَ الْآيَة 106) وَقَالَ الشَّيْطَان: (رب بِمَا أغويتني) (سُورَة الْحجر الْآيَة 39)
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق ابْن شهَاب عَن سَالم عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَقُول: إِذا خطب كل مَا هُوَ آتٍ قريب لَا بعد لما يَأْتِي وَلَا يعجل الله لعجلة أحد مَا شَاءَ الله لَا مَا شَاءَ النَّاس يُرِيد النَّاس أمرا وَيُرِيد الله أمرا مَا شَاءَ الله كَانَ وَلَو كره النَّاس
لَا مباعد لما قرب الله وَلَا مقرب لما باعد الله لَا يكون شَيْء إِلَّا بِإِذن الله(8/379)
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
77
سُورَة المرسلات
مَكِّيَّة وآياتها خَمْسُونَ
الْآيَة 1 - 19(8/380)
وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا (1) فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفًا (2) وَالنَّاشِرَاتِ نَشْرًا (3) فَالْفَارِقَاتِ فَرْقًا (4) فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْرًا (5) عُذْرًا أَوْ نُذْرًا (6) إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعٌ (7) فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ (8) وَإِذَا السَّمَاءُ فُرِجَتْ (9) وَإِذَا الْجِبَالُ نُسِفَتْ (10) وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ (11) لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ (12) لِيَوْمِ الْفَصْلِ (13) وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الْفَصْلِ (14) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (15) أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ (16) ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ (17) كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ (18) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (19)
أخرج ابْن الضريس والنحاس وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: نزلت سُورَة المرسلات بِمَكَّة
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَالنَّسَائِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: بَيْنَمَا نَحن مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي غَار بمنى إِذْ نزلت عَلَيْهِ سُورَة والمرسلات عرفا فَإِنَّهُ يتلوها وَإِنِّي لألقاها من فِيهِ وَإِن فَاه لرطب بهَا إِذا وَثَبت عَلَيْهِ حَيَّة فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: اقتلوها فابتدرناها فَذَهَبت
فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: وقيت شركم كَمَا وقيتم شَرها
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: نزلت {والمرسلات عرفا} نَحْو لَيْلَة الْحَيَّة
قَالُوا وَمَا لَيْلَة الْحَيَّة قَالَ: خرجت حَيَّة فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: اقتلوها فتغيبت فِي حجر
فَقَالَ: دَعُوهَا فَإِن الله وقاها شركم كَمَا وقاكم شَرها(8/380)
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي غَار فَنزلت عَلَيْهِ {والمرسلات} فأخذتها من فِيهِ وَإِن فَاه لرطب بهَا فَلَا أَدْرِي بأيها ختم {فَبِأَي حَدِيث بعده يُؤمنُونَ} أَو {وَإِذا قيل لَهُم ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ}
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَابْن ماجة عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَن أم الْفضل سمعته وَهُوَ يقْرَأ {والمرسلات عرفا} فَقَالَت: يَا بني لقد ذَكرتني بِقِرَاءَتِك هَذِه السُّورَة إِنَّهَا لآخر مَا سَمِعت من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقْرَأ بهَا فِي الْمغرب
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن عبد الْعَزِيز أبي سكين قَالَ: أتيت أنس بن مَالك فَقلت: أَخْبرنِي عَن صَلَاة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فصلى بِنَا الظّهْر وَقَرَأَ قِرَاءَة همساً بالمرسلات والنازعات وَعم يتساءلون وَنَحْوهَا من السُّور
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ {والمرسلات عرفا} قَالَ: هِيَ الْمَلَائِكَة أرْسلت بِالْمَعْرُوفِ
وَأخرج ابْن جرير من طَرِيق مَسْرُوق عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ {والمرسلات عرفا} قَالَ: الْمَلَائِكَة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: الرِّيَاح ثَمَان أَربع مِنْهَا عَذَاب وَأَرْبع مِنْهَا رَحْمَة فالعذاب مِنْهَا العاصف والصرصر والعقيم والقاصف وَالرَّحْمَة مِنْهَا الناشرات والمبشرات والمرسلات والذاريات
فَيُرْسل الله المرسلات فتثير السَّحَاب ثمَّ يُرْسل الْمُبَشِّرَات فتلقح السَّحَاب ثمَّ يُرْسل الذاريات فَتحمل السَّحَاب فتدر كَمَا تدر اللقحة ثمَّ تمطر وَهِي اللواقح ثمَّ يُرْسل الناشرات فتنشر مَا أَرَادَ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق أبيّ العبيدين أَنه سَأَلَ ابْن مَسْعُود {والمرسلات عرفا} قَالَ: الرّيح {فالعاصفات عصفاً} قَالَ: الرّيح {والناشرات نشراً} قَالَ: الرّيح {فالفارقات فرقا} قَالَ: حَسبك
وَأخرج ابْن رَاهَوَيْه وَابْن الْمُنْذر وَعبد بن حميد وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن خَالِد بن عرْعرة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَامَ رجل إِلَى عليّ فَقَالَ: مَا العاصفات عصفاً
قَالَ: الرِّيَاح(8/381)
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {والمرسلات عرفا} قَالَ: الرّيح {فالعاصفات عصفاً} قَالَ: الرّيح {فالفارقات فرقا} قَالَ: الْمَلَائِكَة {فالملقيات ذكرا} قَالَ: الْمَلَائِكَة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {والمرسلات عرفا} قَالَ: الْمَلَائِكَة {فالفارقات فرقا} قَالَ: الْمَلَائِكَة فرقت بَين الْحق وَالْبَاطِل {فالملقيات ذكرا} قَالَ: الْمَلَائِكَة بالتنزيل
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {والمرسلات عرفا} قَالَ: الرّيح {فالعاصفات عصفاً} قَالَ: الرّيح {والناشرات نشراً} قَالَ: الرّيح
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة {والمرسلات عرفا} قَالَ: هِيَ الرّيح {فالعاصفات عصفاً} قَالَ: هِيَ الرّيح {فالفارقات فرقا} يَعْنِي الْقُرْآن مَا فرق الله بِهِ بَين الْحق وَالْبَاطِل {فالملقيات ذكرا} هِيَ الْمَلَائِكَة تلقي الذّكر على الرُّسُل وتلقيه الرُّسُل على بني آدم عذرا أَو نذرا
قَالَ: عذرا من الله ونذراً مِنْهُ إِلَى خلقه
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد {والمرسلات عرفا فالعاصفات عصفاً والناشرات نشراً فالفارقات فرقا فالملقيات ذكرا} قَالَ: الْمَلَائِكَة
وَأخرج ابْن جرير عَن مَسْرُوق {والمرسلات عرفا} قَالَ: الْمَلَائِكَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الشَّيْخ فِي العظمة وَابْن الْمُنْذر عَن أبي صَالح رَضِي الله عَنهُ {والمرسلات عرفا} قَالَ: هِيَ الرُّسُل ترسل بِالْمَعْرُوفِ {فالعاصفات عصفاً} قَالَ: الرّيح {والناشرات نشراً} قَالَ: الْمَطَر {فالفارقات فرقا} قَالَ: الرُّسُل
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر من وَجه آخر عَن أبي صَالح {والمرسلات عرفا} قَالَ: الْمَلَائِكَة يجيئون بالأعارف {فالعاصفات عصفاً} قَالَ: الرّيح العواصف {والناشرات نشراً} قَالَ: الْمَلَائِكَة ينشرون الْكتب {فالفارقات فرقا} قَالَ: الْمَلَائِكَة يفرقون بَين الْحق وَالْبَاطِل {فالملقيات ذكرا} قَالَ: الْمَلَائِكَة يجيئون بِالْقُرْآنِ وَالْكتاب عذرا من الله أَو نذرا مِنْهُ إِلَى النَّاس وهم الرُّسُل يعذرُونَ وينذرون
وَأخرج ابْن الْأَنْبَارِي فِي الْوَقْف والابتداء وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَضَعفه الذَّهَبِيّ عَن(8/382)
زيد بن ثَابت عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: أنزل الْقُرْآن بالتفخيم
قَالَ عمار بن عبد الْملك: كَهَيْئَته عذرا ونذراً والصدفين وَألا لَهُ الْخلق وَالْأَمر وَأَشْبَاه هَذَا فِي الْقُرْآن
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الضَّحَّاك {فَإِذا النُّجُوم طمست} قَالَ: تطمس فَيذْهب نورها
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ فِي قَوْله: {وَإِذا الرُّسُل أقتت} قَالَ: وعدت
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد {أقتت} قَالَ: أجلت
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق الْعَوْفِيّ عَن ابْن عَبَّاس {أقتت} قَالَ: جمعت
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة {ليَوْم الْفَصْل} قَالَ: يَوْم يفصل الله فِيهِ بَين النَّاس بأعمالهم إِلَى الْجنَّة وَإِلَى النَّار {وَمَا أَدْرَاك مَا يَوْم الْفَصْل} قَالَ: يَعِظهُمْ بذلك {ويل يَوْمئِذٍ للمكذبين} قَالَ: ويل لَهُم وَالله ويلاً طَويلا
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: ويل وَاد فِي جَهَنَّم يسيل فِيهِ صديد أهل النَّار فَجعل للمكذبين وَالله أعلم
الْآيَة 20 - 50(8/383)
أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ (20) فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (21) إِلَى قَدَرٍ مَعْلُومٍ (22) فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ (23) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (24) أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا (25) أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا (26) وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتًا (27) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (28) انْطَلِقُوا إِلَى مَا كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (29) انْطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلَاثِ شُعَبٍ (30) لَا ظَلِيلٍ وَلَا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ (31) إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ (32) كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌ (33) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (34) هَذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ (35) وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ (36) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (37) هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْنَاكُمْ وَالْأَوَّلِينَ (38) فَإِنْ كَانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ (39) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (40) إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلَالٍ وَعُيُونٍ (41) وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ (42) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (43) إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (44) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (45) كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلًا إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ (46) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (47) وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ (48) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (49) فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (50)
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {ألم نخلقكم من مَاء مهين} يَعْنِي بالمهين الضَّعِيف
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {من مَاء مهين} قَالَ: ضَعِيف فِي قَرَار مكين
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج {فقدرنا فَنعم القادرون} قَالَ: فملكنا فَنعم المالكون
وَأخرج ابْن جرير عَن الضَّحَّاك {فقدرنا فَنعم القادرون} قَالَ: فخلقنا فَنعم المالكون
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عَليّ عَن ابْن عَبَّاس {كفاتاً} قَالَ: كُنَّا
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد {ألم نجْعَل الأَرْض كفاتاً} قَالَ: تكفتهم أَمْوَاتًا وتكف إِذا هم أَحيَاء
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة فِي المُصَنّف وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن مَسْعُود أَنه أَخذ قملة فدفنها فِي الْمَسْجِد ثمَّ قَرَأَ {ألم نجْعَل الأَرْض كفاتاً أَحيَاء وأمواتاً}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد {كفاتاً} قَالَ: تكفت الْمَيِّت وَلَا يرى مِنْهُ شَيْء وَقَوله: {أَحيَاء} الرجل فِي بَيته لَا يرى من عمله شَيْء
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عَليّ عَن ابْن عَبَّاس {رواسي} جبالاً شامخات مشرفات {فراتاً} عذباً {بشرر كالقصر} قَالَ: كالقصر الْعَظِيم {جمالة صفر} قَالَ: قطع النّحاس
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد {ظلّ ذِي ثَلَاث شعب} دُخان جَهَنَّم(8/384)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن الْكَلْبِيّ فِي قَوْله: {ظلّ ذِي ثَلَاث شعب} قَالَ: هُوَ كَقَوْلِه: (نَار أحَاط بهم سرادقها) (سُورَة الْكَهْف الْآيَة 29) والسرادق الدُّخان دُخان النَّار فأحاط بهم سرادقها ثمَّ تفرق فَكَانَ ثَلَاث شعب شُعْبَة هَهُنَا وَشعْبَة هَهُنَا وَشعْبَة هَهُنَا
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة مثله
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالْفِرْيَابِي وَالْبُخَارِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه وَالْحَاكِم من طَرِيق عبد الرَّحْمَن بن عَابس قَالَ: سَمِعت ابْن عَبَّاس يسْأَل عَن قَوْله: {إِنَّهَا ترمي بشرر كالقصر} قَالَ: كُنَّا نرفع الْخشب بقصر ثَلَاثَة أَذْرع أَو أقل فنرفعه للشتاء فنسميه الْقصر
قَالَ: وسمعته يسْأَل عَن قَوْله تَعَالَى: {جمالة صفر} قَالَ: حبال السفن يجمع بَعْضهَا إِلَى بعض حَتَّى تكون كأوساط الرِّجَال
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر من طَرِيق سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَرَأَهَا {كالقصر} بِفَتْح الْقَاف وَالصَّاد
قَالَ: قصر النّخل يَعْنِي الْأَعْنَاق وَكَانَ يقْرَأ / جمالات / بِضَم الْجِيم
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور عَن ابْن عَبَّاس {كالقصر} قَالَ: كجذور الشّجر
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَت الْعَرَب تَقول فِي الْجَاهِلِيَّة: اقصروا لنا الْحَطب فَيقطع على قدر الذِّرَاع والذراعين
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن ابْن مَسْعُود فِي قَوْله: {ترمي بشرر كالقصر} قَالَ: إِنَّهَا لَيست كالشجر وَالْجِبَال وَلكنهَا مثل الْمَدَائِن والحصون
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {كالقصر} قَالَ: هُوَ الْقصر {كَأَنَّهُ جمالة صفر} قَالَ: الإِبل
وَأخرج ابْن الْأَنْبَارِي فِي كتاب الأضداد عَن الْحسن فِي قَوْله: {كَأَنَّهُ جمالة صفر} قَالَ: الصفر السود وَفِي قَوْله: {جمالة صفر} قَالَ: هُوَ الجسر وَفِي لفظ قَالَ: الْجبَال
وَأخرج ابْن جرير عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله: {كالقصر} قَالَ: مثل قصر النَّخْلَة(8/385)
وَأخرج ابْن جرير عَن الضَّحَّاك فِي الْآيَة قَالَ: الْقصر أصُول الشّجر الْعِظَام كَأَنَّهَا أجواز الإِبل الصفر
قَالَ ابْن جرير: وسط كل شَيْء جوزة
وَأخرج ابْن جرير عَن هَارُون قَالَ: قَرَأَهَا الْحسن {كالقصر} بجزم الصَّاد وَقَالَ: هُوَ الجزل من الْخشب
وَأخرج ابْن جرير عَن الْحسن {كَأَنَّهُ جمالة صفر} قَالَ: كالنوق السود
وَأخرج ابْن جرير من طَرِيق عَليّ عَن ابْن عَبَّاس {كَأَنَّهُ جمالة صفر} يَقُول: قطع النّحاس
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {كالقصر} قَالَ: حزم الشّجر وَقطع النّخل {كَأَنَّهُ جمالة صفر} قَالَ: جبال الجسور
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة {كالقصر} قَالَ: أصُول الشّجر وأصول النّخل {كَأَنَّهُ جمالة صفر} قَالَ: كَأَنَّهُ نُوق سود
وَأخرج عبد حميد عَن عِكْرِمَة أَنه كَانَ يقْرَأ {كالقصر} قَالَ: كقطعة النَّخْلَة الجادرة {كَأَنَّهُ جمالة صفر} قَالَ: القلوص
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عبد الله بن الصَّامِت قَالَ: قلت لعبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ أَرَأَيْت قَول الله: {هَذَا يَوْم لَا ينطقون وَلَا يُؤذن لَهُم فيعتذرون} قَالَ: إِن يَوْم الْقِيَامَة يَوْم لَهُ حالات وتارات فِي حَال لَا ينطقون وَفِي حَال ينطقون وَفِي حَال يَعْتَذِرُونَ لَا أحدثكُم إِلَّا مَا حَدثنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة ينزل الْجَبَّار فِي ظلل من الْغَمَام وكل أمة جاثية فِي ثَلَاثَة حجب مسيرَة كل حجاب خَمْسُونَ ألف سنة حجاب من نور وحجاب بن ظلمَة وحجاب من مَاء لَا يرى لذَلِك فيأمر بذلك المَاء فَيَعُود فِي تِلْكَ الظلمَة وَلَا تسمع نفس ذَلِك القَوْل إِلَّا ذهبت فَعِنْدَ ذَلِك لَا ينطقون
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ من طَرِيق عِكْرِمَة قَالَ: سَأَلَ نَافِع بن الْأَزْرَق ابْن عَبَّاس عَن قَوْله تَعَالَى: {هَذَا يَوْم لَا ينطقون} و (فَلَا تسمع إِلَّا همسا) (سُورَة طه الْآيَة 108) و (أقبل بَعضهم على بعض يتساءلون) (سُورَة الصافات الْآيَة 27) و (هاؤم اقرؤوا كِتَابيه) (سُورَة الحاقة الْآيَة 19) فَمَا هَذَا قَالَ:(8/386)
وَيحك هَل سَأَلت عَن هَذَا أحدا قبلي قَالَ: لَا
قَالَ: إِنَّك لَو كنت سَأَلت هَلَكت أَلَيْسَ قَالَ الله تَعَالَى: (وَإِن يَوْمًا عِنْد رَبك كألف سنة مِمَّا تَعدونَ) (سُورَة الْحَج الْآيَة 47) قَالَ: بلَى
قَالَ: وَإِن لكل مِقْدَار يَوْم من الْأَيَّام لوناً من الألوان
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة أَنه سُئِلَ عَن قَوْله: {يَوْم كَانَ مِقْدَاره خمسين ألف سنة} قَالَ: أَلا أخْبركُم بأشد مِمَّا تسْأَلُون عَنهُ قَالَ ابْن عَبَّاس وَذكر (لَا يسْأَل عَن ذَنبه إنس وَلَا جَان) (سُورَة الرَّحْمَن الْآيَة 39) (فوربك لنسألنهم أَجْمَعِينَ) (سُورَة الْحجر الْآيَة 92) و {هَذَا يَوْم لَا ينطقون} قَالَ ابْن عَبَّاس: إِنَّهَا أَيَّام كَثِيرَة فِي يَوْم وَاحِد فيصنع الله فِيهَا مَا يَشَاء فَمِنْهَا يَوْم لَا ينطقون وَمِنْهَا يَوْم عبوساً قمطريراً
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي الضُّحَى أَن نَافِع بن الْأَزْرَق وعطية أَتَيَا ابْن عَبَّاس فَقَالَا: يَا ابْن عَبَّاس أخبرنَا عَن قَول الله: {هَذَا يَوْم لَا ينطقون} وَقَوله: (ثمَّ إِنَّكُم يَوْم الْقِيَامَة عِنْد ربكُم تختصمون) (سُورَة الزمر الْآيَة 31) وَقَوله: (وَالله رَبنَا مَا كُنَّا مُشْرِكين) (سُورَة الْأَنْعَام الْآيَة 6) وَقَوله: (وَلَا يكتمون الله حَدِيثا) (سُورَة النِّسَاء الْآيَة 42) قَالَ: وَيحك يَا ابْن الْأَزْرَق إِنَّه يَوْم طَوِيل وَفِيه مَوَاقِف تَأتي عَلَيْهِم: سَاعَة لَا ينطقون ثمَّ يُؤذن لَهُم فيختصمون ثمَّ يمكثون مَا شَاءَ الله يحلفُونَ ويجهدون فَإِذا فعلوا ذَلِك ختم الله على أَفْوَاههم وَيَأْمُر جوارحهم فَتشهد على أَعْمَالهم بِمَا صَنَعُوا ثمَّ تنطق ألسنتهم فَيَشْهَدُونَ على أنفسهم بِمَا صَنَعُوا
قَالَ: ذَلِك قَوْله: {وَلَا يكتمون الله حَدِيثا}
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر عَن أبي عبد الله الجدلي قَالَ: أتيت بَيت الْمُقَدّس فَإِذا عبَادَة بن الصَّامِت وَعبد الله بن عَمْرو وَكَعب الْأَحْبَار يتحدثون فِي بَيت الْمُقَدّس فَقَالَ عباد: إِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة جمع النَّاس فِي صَعِيد وَاحِد فَيَنْفُذهُمْ الْبَصَر وَيسْمعهُمْ الدَّاعِي وَيَقُول الله {هَذَا يَوْم لَا ينطقون} {هَذَا يَوْم الْفَصْل جمعناكم والأولين فَإِن كَانَ لكم كيد فكيدون} الْيَوْم لَا ينجو مني جَبَّار وَلَا شَيْطَان مُرِيد فَقَالَ عبد الله بن عَمْرو: إِنَّا نجد فِي الْكتاب أَنه يخرج يَوْمئِذٍ عنق من النَّار فَينْطَلق معنقاً حَتَّى إِذا كَانَ بَين ظهراني النَّاس قَالَ: يَا أَيهَا النَّاس إِنِّي بعثت إِلَى ثَلَاثَة أَنا أعرف بهم من الْوَالِد بولده وَمن الْأَخ بأَخيه لَا يغنيهم مني(8/387)
وزر وَلَا تخفيهم مني خافية: الَّذِي يَجْعَل مَعَ الله إِلَهًا آخر وكل جَبَّار عنيد وكل شَيْطَان مُرِيد
قَالَ: فينطوي عَلَيْهِم فيقذفهم فِي النَّار قبل الْحساب بِأَرْبَعِينَ
إِمَّا قَالَ يَوْمًا وَإِمَّا عَاما
قَالَ: ويهرع قوم إِلَى الْجنَّة فَتَقول لَهُم الْمَلَائِكَة: قفوا لِلْحسابِ
فَيَقُولُونَ: وَالله مَا كَانَت لنا أَمْوَال وَمَا كُنَّا بعمال
فَيَقُول الله: صدق عبَادي أَنا أَحَق من أوفى بعهده ادخُلُوا الْجنَّة
فَيدْخلُونَ قبل الْحساب بِأَرْبَعِينَ
إِمَّا قَالَ يَوْمًا وَإِمَّا عَاما
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة فِي فِي قَوْله: {كلوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا} أَي: لَا موت
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن زيد فِي قَوْله: {كلوا وتمتعوا قَلِيلا} قَالَ: عَنى بذلك أهل الْكفْر
وَأخرج عبد حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {وَإِذا قيل لَهُم ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ} قَالَ: نزلت فِي ثَقِيف
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد {وَإِذا قيل لَهُم ارْكَعُوا} قَالَ: صلوا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة {وَإِذا قيل لَهُم ارْكَعُوا} قَالَ: عَلَيْكُم بِإِحْسَان الرُّكُوع فَإِن الصَّلَاة من الله بمَكَان
قَالَ: وَذكر لنا أَن حُذَيْفَة رأى رجلا يُصَلِّي وَلَا يرْكَع كَأَنَّهُ بعير نافر
قَالَ: لَو مَاتَ هَذَا مَا مَاتَ على شَيْء من سنة الإِسلام
قَالَ: وَحدثنَا أَن ابْن مَسْعُود رأى رجلا يُصَلِّي وَلَا يرْكَع وَآخر يجر إزَاره فَضَحِك قَالُوا: مَا يضحكك يَا ابْن مَسْعُود قَالَ: أضحكني رجلَانِ أَحدهمَا لَا ينظر الله إِلَيْهِ وَالْآخر لَا يقبل الله صلَاته
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس {وَإِذا قيل لَهُم ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ} يَقُول: يدعونَ يَوْم الْقِيَامَة إِلَى السُّجُود فَلَا يَسْتَطِيعُونَ السُّجُود من أجل أَنهم لم يَكُونُوا يَسْجُدُونَ لله فِي الدُّنْيَا وَالله أعلم(8/388)
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
78
سُورَة النبأ
مَكِّيَّة وآياتها أَرْبَعُونَ
مُقَدّمَة السُّورَة أخرج ابْن الضريس والنحاس وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: نزلت سُورَة {عَم يتساءلون} بِمَكَّة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عبد الله بن الزبير قَالَ: أنزلت {عَم يتساءلون} بِمَكَّة
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن عبد الْعَزِيز بن قيس قَالَ: سَأَلت أنسا عَن مِقْدَار صَلَاة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأمر أحد بنيه فصلى بِنَا الظّهْر وَالْعصر فَقَرَأَ بِنَا المرسلات و {عَم يتساءلون {
الْآيَة 1 - 18(8/389)
عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ (1) عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ (2) الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ (3) كَلَّا سَيَعْلَمُونَ (4) ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ (5) أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا (6) وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا (7) وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا (8) وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا (9) وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا (10) وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا (11) وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا (12) وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا (13) وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا (14) لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَبَاتًا (15) وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا (16) إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا (17) يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا (18)
أخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن الْحسن قَالَ: لما بعث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جعلُوا يتساءلون بَينهم فَنزلت {عَم يتساءلون عَن النبإ الْعَظِيم}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {يتساءلون عَن النبإ الْعَظِيم} قَالَ: الْقُرْآن
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {عَم يتساءلون عَن النبإ الْعَظِيم} قَالَ: الْقُرْآن
وَفِي قَوْله: {الَّذِي هم فِيهِ مُخْتَلفُونَ} قَالَ: مُصدق بِهِ ومكذب
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة {عَم يتساءلون عَن النبإ الْعَظِيم الَّذِي هم فِيهِ مُخْتَلفُونَ} قَالَ: هُوَ الْبَعْث بعد الْمَوْت صَار النَّاس فِيهِ رجلَيْنِ مُصدق ومكذب فَأَما الْمَوْت فاقروا بِهِ كلهم لمعاينتهم إِيَّاه وَاخْتلفُوا فِي الْبَعْث بعد الْمَوْت
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الْحسن فِي قَوْله: {كلا سيعلمون ثمَّ كلا سيعلمون} قَالَ: وَعِيد بعد وَعِيد
وَأخرج ابْن جرير عَن الضَّحَّاك {كلا سيعلمون} الْكفَّار {ثمَّ كلا سيعلمون} الْمُؤْمِنُونَ وَكَذَلِكَ كَانَ يقْرؤهَا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {ألم نجْعَل الأَرْض مهاداً} قَالَ: فرشت لكم {وَالْجِبَال أوتاداً} قَالَ: أوتدت بهَا لكم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {ألم نجْعَل الأَرْض مهاداً} إِلَى قَوْله: {معاشاً} قَالَ: نعم من الله يعددها عَلَيْك يَا ابْن آدم لتعمل لأَدَاء شكرها
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لما أَرَادَ الله أَن يخلق الْخلق أرسل الرّيح فنسفت المَاء حَتَّى أبدت عَن حَشَفَة وَهِي الَّتِي تَحت الْكَعْبَة ثمَّ مد الأَرْض حَتَّى بلغت مَا شَاءَ الله من الطول وَالْعرض وَكَانَت هَكَذَا تميد وَقَالَ بِيَدِهِ وَهَكَذَا وَهَكَذَا فَجعل الله الْجبَال رواسي أوتاداً فَكَانَ أَبُو قبيس من أول جبل وضع فِي الأَرْض
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الْحسن قَالَ: إِن الأَرْض أول مَا خلقت خلقت من عِنْد(8/390)
بَيت الْمُقَدّس وضعت طِينَة فَقيل لَهَا: اذهبي هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا وخلقت على صَخْرَة والصخرة على حوت والحوت على المَاء فَأَصْبَحت وَهِي تميع
فَقَالَت الْمَلَائِكَة: يَا رب من يسكن هَذِه فَأَصْبَحت الْجبَال فِيهَا أوتاداً فَقَالَت الْمَلَائِكَة: يَا رب أخلقت خلقا هُوَ أَشد من هَذِه قَالَ: الْحَدِيد
قَالُوا: فخلقت خلقا هُوَ أَشد من الْحَدِيد قَالَ: النَّار
قَالُوا: فخلقت خلقا هُوَ أَشد من النَّار قَالَ: المَاء
قَالُوا: فخلقت خلقا هُوَ أَشد من المَاء قَالَ الرّيح
قَالُوا: فخلقت خلقا هُوَ أَشد من الرّيح قَالَ: الْبناء
قَالُوا: فخلقت خلقا هُوَ أَشد من الْبناء قَالَ: آدم
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {وخلقناكم أَزْوَاجًا} قَالَ: اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ وَفِي قَوْله: {وَجَعَلنَا النَّهَار معاشاً} قَالَ: يَبْتَغُونَ من فضل الله وَفِي قَوْله: {وَجَعَلنَا سِرَاجًا وهاجاً} قَالَ: يتلألأ {وأنزلنا من المعصرات} قَالَ: الرّيح {مَاء ثجاجاً} قَالَ: منصباً ينصب
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر والخرائطي فِي مَكَارِم الْأَخْلَاق عَن قَتَادَة {وَجَعَلنَا سِرَاجًا وهاجاً} قَالَ: الْوَهَّاج الْمُنِير {وأنزلنا من المعصرات} قَالَ: من السَّمَاء وَبَعْضهمْ يَقُول من الرّيح {مَاء ثجاجاً} قَالَ: الثجاج المنصب
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وَجَعَلنَا سِرَاجًا وهاجاً} قَالَ: مضيئاً {وأنزلنا من المعصرات} قَالَ: السَّحَاب {مَاء ثجاجاً} قَالَ: منصباً
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {سِرَاجًا وهاجاً} قَالَ: يتلألأ
وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس إِن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله: {وأنزلنا من المعصرات} قَالَ: السَّحَاب يعصر بَعْضهَا بَعْضًا فَيخرج المَاء من بَين السحابتين
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم أما سَمِعت قَوْله: النَّابِغَة: تجْرِي بهَا الْأَرْوَاح من بَين شمال وَبَين صباها المعصرات الدوامس قَالَ: أَخْبرنِي عَن قَوْله: {ثجاجاً} قَالَ: الثجاج الْكثير الَّذِي ينْبت مِنْهُ الزَّرْع قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم أما سَمِعت أَبَا ذُؤَيْب يَقُول:(8/391)
سقى أم عمر وكل آخر لَيْلَة غمائم سود ماؤهن ثجيج وَأخرج عبد بن حميد وَأَبُو يعلى وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم والخرائطي من طرق عَن ابْن عَبَّاس {وأنزلنا من المعصرات} قَالَ: الرِّيَاح {مَاء ثجاجاً} قَالَ: منصباً
وَأخرج الشَّافِعِي وَسَعِيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه والخرائطي وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن مَسْعُود فِي قَوْله: {وأنزلنا من المعصرات مَاء ثجاجاً} قَالَ: يبْعَث الله سحاباً فَتحمل المَاء من السَّمَاء فتمر بِهِ السَّحَاب فتدر كَمَا تدر اللقحة والثجاج ينزل من السَّمَاء أَمْثَال العزالي فتصرفه الرِّيَاح فَينزل مُتَفَرقًا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن عِكْرِمَة {وأنزلنا من المعصرات} قَالَ: السَّحَاب {مَاء ثجاجاً} قَالَ: صبا أَو قَالَ كثيرا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن الرّبيع بن أنس {وأنزلنا من المعصرات} قَالَ: من السَّمَاء {مَاء ثجاجاً} قَالَ: منصباً
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي مصحف الْفضل بن عَبَّاس {وأنزلنا من المعصرات مَاء ثجاجاً}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْأَنْبَارِي فِي الْمَصَاحِف عَن قَتَادَة قَالَ فِي قِرَاءَة ابْن عَبَّاس {وأنزلنا من المعصرات} بالرياح
وَأخرج الخرائطي فِي مَكَارِم الْأَخْلَاق عَن مُجَاهِد {وأنزلنا من المعصرات} الرّيح وَلذَلِك كَانَ يقْرؤهَا: بالمعصرات مَاء ثجاجاً منصبا
وَأخرج ابْن جرير ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وجنات ألفافاً} قَالَ: مجتمعة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {وجنات ألفافاً} قَالَ: ملتفة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة {وجنات ألفافاً} قَالَ: ملتفة بَعْضهَا إِلَى بعض
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة {وجنات ألفافاً} قَالَ: الزَّرْع إِذا كَانَ بعضه إِلَى بعض جنَّات(8/392)
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس {وجنات ألفافاً} يَقُول: جنَّات الْتفت بَعْضهَا بِبَعْض
أخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة {إِن يَوْم الْفَصْل كَانَ ميقاتاً} قَالَ: هُوَ يَوْم عَظمَة الله وَهُوَ يَوْم يفصل فِيهِ بَين الْأَوَّلين والآخرين
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {يَوْم ينْفخ فِي الصُّور فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا} قَالَ: زمراً زمراً
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن الْبَراء بن عَازِب: أَن معَاذًا بن جبل قَالَ: يَا رَسُول الله مَا قَول الله {يَوْم ينْفخ فِي الصُّور فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا} فَقَالَ: يَا معَاذ سَأَلت عَن أَمر عَظِيم ثمَّ أرسل عَيْنَيْهِ ثمَّ قَالَ: عشرَة أَصْنَاف قد ميزهم الله من جمَاعَة الْمُسلمين وَبدل صورهم فبعضهم على صُورَة القردة وَبَعْضهمْ على صُورَة الْخَنَازِير وَبَعْضهمْ منكبين أَرجُلهم فَوق وُجُوههم أَسْفَل يسْحَبُونَ عَلَيْهَا وَبَعْضهمْ عمي يَتَرَدَّدُونَ وَبَعْضهمْ صم بكم لَا يعْقلُونَ وَبَعْضهمْ يَمْضُغُونَ ألسنتهم وَهِي مدلاة على صُدُورهمْ يسيل الْقَيْح من أَفْوَاههم لعاباً يقذرهم أهل الْجمع وَبَعْضهمْ مقطعَة أَيْديهم وأرجلهم وَبَعْضهمْ مصلبون على جُذُوع من نَار وَبَعْضهمْ أَشد نَتنًا من الْجِيَف وَبَعْضهمْ يلبسُونَ جِبَابًا سابغات من قطران لَازِقَة بِجُلُودِهِمْ
فَأَما الَّذين على صُورَة القردة فَالْقَتَّات من النَّاس وَأما الَّذين على صُورَة الْخَنَازِير فَأَكلَة السُّحت والمنكسون على وُجُوههم فَأَكلَة الرِّبَا والعمي من يجور فِي الحكم والصم الْبكم المعجبون بأعمالهم وَالَّذين يَمْضُغُونَ ألسنتهم فَالْعُلَمَاء والقضاة من الَّذين يُخَالف قَوْلهم أَعْمَالهم والمقطعة أَيْديهم وأرجلهم الَّذين يُؤْذونَ الْجِيرَان والمصلبون على جُذُوع من نَار فَالسُّعَاة بِالنَّاسِ إِلَى السُّلْطَان وَالَّذين هم أَشد نَتنًا من الْجِيَف الَّذين يتمتعون بالشهوات وَاللَّذَّات وَيمْنَعُونَ حق الله وَحقّ الْفُقَرَاء من أَمْوَالهم وَالَّذين يلبسُونَ الْجبَاب فَأهل الْكبر وَالْخُيَلَاء وَالْفَخْر
الْآيَة 19 - 30(8/393)
وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَابًا (19) وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا (20) إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا (21) لِلطَّاغِينَ مَآبًا (22) لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا (23) لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا (24) إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا (25) جَزَاءً وِفَاقًا (26) إِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ حِسَابًا (27) وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّابًا (28) وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا (29) فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا (30)
أخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ {وَفتحت} خَفِيفَة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن أبي الجوزاء فِي قَوْله: {إِن جَهَنَّم كَانَت مرصاداً} قَالَ: صَارَت
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن الْحسن فِي قَوْله: {إِن جَهَنَّم كَانَت مرصاداً} قَالَ: لَا يدْخل الْجنَّة أحد حَتَّى يجتاز النَّار
وَأخرج ابْن جرير عَن سُفْيَان {إِن جَهَنَّم كَانَت مرصاداً} قَالَ: عَلَيْهِم ثَلَاث قناطر لَا يدْخل الْجنَّة أحد حَتَّى يجتاز النَّار
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة {إِن جَهَنَّم كَانَت مرصاداً} قَالَ: تعلمُوا أَنه لَا سَبِيل إِلَى الْجنَّة حَتَّى تقطع النَّار وَقَالَ فِي آيَة أُخْرَى: (وَإِن مِنْكُم إِلَّا واردها) (سُورَة مَرْيَم الْآيَة 71) {للطاغين مآباً} قَالَ: مأوى ومنزلاً {لابثين فِيهَا أحقاباً} قَالَ: الأحقاب مَا لَا انْقِطَاع لَهُ كلما مضى حقب جَاءَ بعده حقب آخر قَالَ وَذكر لنا أَن الحقب ثَمَانُون سنة من سني يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس {لابثين فِيهَا أحقاباً} قَالَ: سِنِين
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن {لابثين فِيهَا أحقاباً} قَالَ: لَيْسَ لَهَا أجل كلما مضى حقب دَخَلنَا فِي الْأُخْرَى
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن الْحسن قَالَ: الحقب الْوَاحِد سَبْعُونَ سنة كل يَوْم مِنْهَا ألف سنة(8/394)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن الرّبيع {لابثين فِيهَا أحقاباً} قَالَ: لَا يدْرِي أحدكُم تِلْكَ الأحقاب إِلَّا أَن الحقب الْوَاحِد ثَمَانُون سنة السّنة ثَلَاثمِائَة وَسِتُّونَ يَوْمًا الْيَوْم الْوَاحِد مِقْدَارًا ألف سنة والحقب الْوَاحِد ثَمَانِيَة عشر ألف سنة
وَأخرج ابْن جرير عَن بشير بن كَعْب فِي قَوْله: {لابثين فِيهَا أحقاباً} قَالَ: بَلغنِي أَن الحقب ثَلَاثمِائَة سنة كل سنة ثَلَاثمِائَة وَسِتُّونَ يَوْمًا كل يَوْم ألف سنة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالْفِرْيَابِي وهناد وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن سَالم بن أبي الْجَعْد قَالَ: سَأَلَ عليّ بن أبي طَالب هلالاً الهجري: مَا تَجِدُونَ الحقب فِي كتاب الله قَالَ: نجده ثَمَانِينَ سنة كل سنة مِنْهَا اثْنَا عشر شهرا كل شهر ثَلَاثُونَ يَوْمًا كل يَوْم ألف سنة
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن مَسْعُود فِي قَوْله: {لابثين فِيهَا أحقاباً} قَالَ: الحقب ثَمَانُون سنة
وَأخرج الْبَزَّار عَن أبي هُرَيْرَة رَفعه {لابثين فِيهَا أحقاباً} قَالَ: الحقب ثَمَانُون سنة
وَأخرج هناد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي هُرَيْرَة {لابثين فِيهَا أحقاباً} قَالَ: الحقب ثَمَانُون سنة وَالسّنة ثَلَاثمِائَة وَسِتُّونَ يَوْمًا وَالْيَوْم كألف سنة مِمَّا تَعدونَ
وَأخرج ابْن جرير عَن سعيد بن جُبَير مثله
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي هُرَيْرَة {لابثين فِيهَا أحقاباً} قَالَ: الحقب ثَمَانُون عَاما الْيَوْم مِنْهَا كسدس الدُّنْيَا
وَأخرج ابْن عمر العدي فِي مُسْنده وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه بِسَنَد ضَعِيف عَن أبي أُمَامَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: {لابثين فِيهَا أحقاباً} قَالَ: الحقب ألف شهر والشهر ثَلَاثُونَ يَوْمًا وَالسّنة اثْنَا عشر شهر والشهر ثَلَاثمِائَة وَسِتُّونَ يَوْمًا كل يَوْم مِنْهَا ألف سنة مِمَّا تَعدونَ فالحقب ثَمَانُون ألف سنة
وَأخرج الْبَزَّار وَابْن مرْدَوَيْه والديلمي عَن ابْن عمر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: وَالله لَا يخرج من النَّار أحد حَتَّى يمْكث فِيهَا أحقاباً والحقب بضع وَثَمَانُونَ سنة كل سنة ثَلَاثمِائَة وَسِتُّونَ يَوْمًا وَالْيَوْم ألف سنة مِمَّا تَعدونَ
قَالَ ابْن عمر: فَلَا يتكلن أحد على أَنه يخرج من النَّار
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الحقب ثَمَانُون سنة
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر عَن عبد الله بن عَمْرو وَفِي قَوْله: {لابثين فِيهَا أحقاباً} قَالَ: الحقب الْوَاحِد ثَمَانُون سنة(8/395)
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عبَادَة بن الصَّامِت قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: الحقب أَرْبَعُونَ سنة
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ {لابثين فِيهَا أحقاباً} بِالْألف
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَمْرو بن مَيْمُون أَنه قَرَأَ لابثين فِيهَا أحقاباً بِغَيْر ألف
وَأخرج ابْن جرير عَن خَالِد بن معدان فِي قَوْله: {لابثين فِيهَا أحقاباً} وَقَوله: (إِلَّا مَا شَاءَ رَبك) (سُورَة هود الْآيَة 107) أَنَّهُمَا فِي أهل الْجنَّة والتوحيد من أهل الْقبْلَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: زمهرير جَهَنَّم يكون لَهُم من الْعَذَاب لِأَن الله يَقُول: {لَا يذوقون فِيهَا بردا وَلَا شرابًا إِلَّا حميماً وغساقاً}
وَأخرج هناد وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن أبي الْعَالِيَة {لَا يذوقون فِيهَا بردا وَلَا شرابًا إِلَّا حميماً وغساقاً} قَالَ: فاستثنى من الشَّرَاب الْحَمِيم وَمن الْبَارِد الغساق وَهُوَ الزَّمْهَرِير
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس {إِلَّا حميماً وغساقاً} قَالَ: الْحَمِيم الْحَار الَّذِي يحرق والغساق الزَّمْهَرِير الْبَارِد
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد {إِلَّا حميماً وغساقاً} قَالَ: لَا يستطيعونه من برده
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله: {لَا يذوقون فِيهَا بردا وَلَا شرابًا إِلَّا حميماً} قَالَ: قد انْتهى حره
{وغساقاً} قَالَ: لقد انْتهى برده وَإِن الرجل إِذا أدنى الإِناء من فِيهِ سقط فَرْوَة وَجهه حَتَّى يبْقى عظاماً تقَعْقع
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن مرّة {لَا يذوقون فِيهَا بردا} قَالَ: نوماً [] الممتلئة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {جَزَاء وفَاقا} قَالَ: وَافق أَعْمَالهم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة {جَزَاء وفَاقا} قَالَ: جَزَاء وَافق أَعمال الْقَوْم أَعمال السوء(8/396)
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {جَزَاء وفَاقا} يَقُول: وَافق الْجَزَاء الْعَمَل {إِنَّهُم كَانُوا لَا يرجون حسابا} قَالَ: لَا يخافونه وَفِي لفظ: لَا يبالون فيصدقون بِالْبَعْثِ
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله: {إِنَّهُم كَانُوا لَا يرجون حسابا} قَالَ: لَا يرجون ثَوابًا وَلَا يخَافُونَ عقَابا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن عبد الله بن عَمْرو قَالَ: مَا نزلت على أهل النَّار آيَة قطّ أَشد مِنْهَا {فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدكُمْ إِلَّا عذَابا} فهم فِي مزِيد من عَذَاب الله أبدا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن الْحسن بن دِينَار قَالَ: سَأَلت أَبَا بَرزَة الْأَسْلَمِيّ عَن أَشد آيَة فِي كتاب الله على أهل النَّار فَقَالَ: قَول الله {فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدكُمْ إِلَّا عذَابا}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن الْحسن قَالَ: سُئِلَ أَبُو بَرزَة الْأَسْلَمِيّ عَن أَشد آيَة فِي الْقُرْآن فَقَالَ: قَول الله {فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدكُمْ إِلَّا عذَابا} قَالَ: فَهُوَ مِقْدَار سَاعَة بساعة وَيَوْم بِيَوْم وَشهر بِشَهْر وَسنة بِسنة أَشد عذَابا حَتَّى لَو أَن رجلا من أهل النَّار أخرج من الْمشرق لمات أهل الْمغرب وَلَو أخرج من الْمغرب مَاتَ أهل الْمشرق من نَتن رِيحه
قَالَ أَبُو بَرزَة: شهِدت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين تَلَاهَا فَقَالَ: هلك الْقَوْم بمعاصيهم رَبهم وَغَضب عَلَيْهِم فَأبى إِذْ غضب عَلَيْهِم إِلَّا أَن ينْتَقم مِنْهُم
الْآيَة 31 - 40(8/397)
إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا (31) حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا (32) وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا (33) وَكَأْسًا دِهَاقًا (34) لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا كِذَّابًا (35) جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ عَطَاءً حِسَابًا (36) رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرَّحْمَنِ لَا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَابًا (37) يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا (38) ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآبًا (39) إِنَّا أَنْذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا (40)
أخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {إِن لِلْمُتقين مفازاً} قَالَ: فازوا بِأَن: نَجوا من النَّار
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {إِن لِلْمُتقين مفازاً} قَالَ: مفازاً من النَّار إِلَى الْجنَّة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {إِن لِلْمُتقين مفازاً} قَالَ: منتزها {وكواعب} قَالَ: نواهد {أَتْرَابًا} قَالَ: مستويات {وكأساً دهاقاً} قَالَ: ممتلئاً
وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس أَن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله: {حدائق وأعنابا} قَالَ: الحدائق الباستين
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم أما سَمِعت الشَّاعِر وَهُوَ يَقُول: بِلَاد سَقَاهَا الله أما سهولها فقضب ودر مغدق وَحَدَائِق قَالَ: أَخْبرنِي عَن قَوْله: {كأساً دهاقاً} قَالَ: الكأس الْخمر والدهاق الملآن
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم
أما سَمِعت قَول الشَّاعِر: أَتَانَا عَامر يَرْجُو قرانا فأترعنا لَهُ كأساً دهاقاً وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله: {وكواعب} قَالَ: العذارى
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {وكواعب} قَالَ: نواهد
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وكأساً دهاقاً} قَالَ: هِيَ الممتلئة المترعة المتتابعة وَرُبمَا سَمِعت الْعَبَّاس يَقُول: يَا غُلَام اسقنا وادهق لنا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس {وكأساً دهاقاً} قَالَ: ملأى
وَأخرج عبد بن حميد عَن سعيد بن جُبَير وَقَتَادَة وَمُجاهد وَالضَّحَّاك وَالْحسن مثله
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة {وكأساً دهاقاً} قَالَ: يتبع بَعْضهَا بَعْضًا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد {وكأساً دهاقاً} قَالَ: المتتابعة(8/398)
وَأخرج عبد بن حميد عَن سعيد بن جُبَير وَالضَّحَّاك مثله
وَأخرج هناد عَن عَطِيَّة قي قَوْله: {وكأساً دهاقاً} قَالَ: ملأى متتابعة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن أبي هُرَيْرَة {وكأساً دهاقاً} قَالَ: دمادم
قَالَ: الْمُؤلف فَارسي بِمَعْنى متتابعة
وَأخرج ابْن جرير عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله: {وكأساً دهاقاً} قَالَ: متتابعة صَافِيَة
وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: إِذا كَانَ فِيهَا خمر فَهِيَ كأس وَإِذا لم يكن فِيهَا خمر فَلَيْسَ بكأس
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {لَا يسمعُونَ فِيهَا لَغوا وَلَا كذابا} قَالَ: بَاطِلا وَلَا مأثماً وَفِي قَوْله: {عَطاء حسابا} قَالَ: كثيرا وَفِي قَوْله: {لَا يملكُونَ مِنْهُ خطابا} قَالَ: كلَاما
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {جَزَاء من رَبك} قَالَ: عَطاء مِنْهُ {حسابا} قَالَ: لما عمِلُوا وَفِي قَوْله: {لَا يملكُونَ مِنْهُ خطابا} قَالَ: كلَاما
أخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة وَابْن مردوية عَن ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: الرّوح جند من جنود الله لَيْسُوا بملائكة لَهُم رُؤُوس وأيد وأرجل ثمَّ قَرَأَ {يَوْم يقوم الرّوح وَالْمَلَائِكَة صفا} قَالَ: هَؤُلَاءِ جند وَهَؤُلَاء جند
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن مُجَاهِد قَالَ: الرّوح خلق على صُورَة بني آدم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد قَالَ: الرّوح يَأْكُلُون وَلَهُم أيد وأرجل ورؤوس وَلَيْسوا بملائكة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن أبي صَالح فِي قَوْله: {يَوْم يقوم الرّوح وَالْمَلَائِكَة صفا} قَالَ: الرّوح خلق كالناس وليسو بِالنَّاسِ لَهُم أيد وأرجل
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن الشّعبِيّ فِي قَوْله: {يَوْم يقوم الرّوح وَالْمَلَائِكَة صفا} قَالَ: هما سماطا رب الْعَالمين يَوْم الْقِيَامَة سماط من الرّوح وسماط من الْمَلَائِكَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن عبد الله بن بُرَيْدَة قَالَ: مَا يبلغ الْجِنّ(8/399)
والإِنس وَالْمَلَائِكَة وَالشَّيَاطِين عشر الرّوح وَلَقَد قبض النَّبِي وَمَا يعلم الرّوح
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله: {يَوْم يقوم الرّوح وَالْمَلَائِكَة صفا} قَالَ: الرّوح أعظم خلقا من الْمَلَائِكَة وَلَا ينزل ملك إِلَّا وَمَعَهُ روح
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {يَوْم يقوم الرّوح} قَالَ: هُوَ ملك من أعظم الْمَلَائِكَة خلقا
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: الرّوح فِي السَّمَاء السَّابِعَة وَهُوَ أعظم من السَّمَوَات وَالْجِبَال وَمن الْمَلَائِكَة يسبح كل يَوْم اثْنَي عشر ألف تَسْبِيحَة يخلق الله من كل تَسْبِيحَة ملكا من الْمَلَائِكَة يَجِيء يَوْم الْقِيَامَة صفا وَحده
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن الضَّحَّاك قَالَ: الرّوح حَاجِب الله يقوم بَين يَدي الله يَوْم الْقِيَامَة وَهُوَ أعظم الْمَلَائِكَة لَو فتح فَاه لوسع جَمِيع الْمَلَائِكَة والخلق إِلَيْهِ ينظرُونَ فَمن مخافته لَا يرفعون طرفهم إِلَى من فَوْقه
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن مقَاتل بن حبَان قَالَ: الرّوح أشرف الْمَلَائِكَة أقربهم من الرب وَهُوَ صَاحب الْوَحْي
وَأخرج الْخَطِيب فِي الْمُتَّفق والمفترق عَن وهب بن مُنَبّه قَالَ: الرّوح ملك من الْمَلَائِكَة لَهُ عشرَة آلَاف جنَاح مَا بَين كل جناحين مِنْهَا مَا بَين الْمشرق وَالْمغْرب لَهُ ألف وَجه لكل وَجه ألف لِسَان وشفتان وعينان يسبح الله تَعَالَى
وَأخرج مُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن عَائِشَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَقُول فِي رُكُوعه وَسُجُوده: سبوح قدوس رب الْمَلَائِكَة وَالروح
وَأخرج عبد بن حميد وَأَبُو الشَّيْخ عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله: {يَوْم يقوم الرّوح} قَالَ: جِبْرِيل
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: إِن جِبْرِيل يَوْم الْقِيَامَة الْقَائِم بَين يَدي الْجَبَّار ترْعد فرائصه فرقا من عَذَاب الله يَقُول: سُبْحَانَكَ لَا إِلَه إِلَّا أَنْت مَا عبدناك حق عبادتك إِن مَا بَين مَنْكِبَيْه كَمَا بَين الْمشرق إِلَى الْمغرب أما سَمِعت قَول الله: {يَوْم يقوم الرّوح وَالْمَلَائِكَة صفا} وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {يَوْم يقوم الرّوح}(8/400)
قَالَ: يَعْنِي حِين تقوم أَرْوَاح النَّاس مَعَ الْمَلَائِكَة فِيمَا بَين النفختين قبل أَن ترد الْأَرْوَاح إِلَى الأجساد
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وَقَالَ صَوَابا} قَالَ: شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وَقَالَ صَوَابا} قَالَ: شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة مثله
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {وَقَالَ صَوَابا} قَالَ: حَقًا فِي الدُّنْيَا وَعمل بِهِ
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان وَضَعفه عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: قَالَ الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب يَا رَسُول الله: مَا الْجمال قَالَ: صَوَاب القَوْل بِالْحَقِّ
قَالَ: فَمَا الْكَمَال قَالَ: حسن الفعال بِالصّدقِ وَالله أعلم
أخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {فَمن شَاءَ اتخذ إِلَى ربه مآباً} قَالَ: سَبِيلا
أخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن الْحسن فِي قَوْله: {يَوْم ينظر الْمَرْء} قَالَ: الْمُؤمن
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الْحسن أَنه قَرَأَ هَذِه الْآيَة {يَوْم ينظر الْمَرْء مَا قدمت يَدَاهُ} قَالَ: هُوَ الْمُؤمن الْعَامِل بِطَاعَة الله
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث والنشور عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: يحْشر الْخَلَائق كلهم يَوْم الْقِيَامَة الْبَهَائِم وَالدَّوَاب وَالطير وكل شَيْء فَيبلغ من عدل الله أَن يَأْخُذ للجماء من القرناء ثمَّ يَقُول: كوني تُرَابا فَذَلِك حِين يَقُول الْكَافِر: {يَا لَيْتَني كنت تُرَابا}
وَأخرج الدينَوَرِي فِي المجالسة عَن يحيى بن جعدة قَالَ: إِن أول خلق الله يُحَاسب يَوْم الْقِيَامَة الدَّوَابّ والهوام حَتَّى يقْضِي بَينهَا حَتَّى لَا يذهب شَيْء بظلامته ثمَّ يَجْعَلهَا تُرَابا ثمَّ يبْعَث الثقلَيْن الْجِنّ والإِنس فيحاسبهم فَيَوْمئِذٍ يتَمَنَّى الْكَافِر {يَا لَيْتَني كنت تُرَابا}
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد قَالَ: تقاد المنقورة من الناقرة والمركوضة من(8/401)
الراكضة والجلحاء من ذَات الْقُرُون وَالنَّاس ينظرُونَ ثمَّ يَقُول: كوني تُرَابا لَا جنَّة وَلَا نَار فَذَلِك حِين يَقُول الْكَافِر: {يَا لَيْتَني كنت تُرَابا}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن شاهين فِي كتاب الْعَجَائِب الغرائب عَن أبي الزِّنَاد قَالَ: إِذا قضى بَين النَّاس وَأمر بِأَهْل الْجنَّة إِلَى الْجنَّة وَأهل النَّار إِلَى النَّار قيل لسَائِر الْأُمَم ولمؤمني الْجِنّ عودوا تُرَابا فيعودوا تُرَابا فَعِنْدَ ذَلِك يَقُول الْكَافِر حِين يراهم قد عَادوا تُرَابا: {يَا لَيْتَني كنت تُرَابا}
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة قَالَ: إِذا حوسبت الْبَهَائِم ثمَّ صيرها الله تُرَابا فَعِنْدَ ذَلِك قَالَ الْكَافِر: {يَا لَيْتَني كنت تُرَابا}
وَأخرج عبد بن حميد عَن لَيْث بن أبي سليم قَالَ: الْجِنّ يعودون تُرَابا
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن لَيْث بن أبي سليم قَالَ: ثَوَاب الْجِنّ أَن يجاروا من النَّار ثمَّ يُقَال لَهُم: كونُوا تُرَابا
79
سُورَة النازعات
مَكِّيَّة وآياتها سِتّ وَأَرْبَعُونَ(8/402)
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
مُقَدّمَة السُّورَة أخرج ابْن الضريس والنحاس وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: نزلت سُورَة النازعات بِمَكَّة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن الزبير مثله
الْآيَة 1 - 14(8/403)
وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا (1) وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا (2) وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا (3) فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا (4) فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا (5) يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ (6) تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ (7) قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ (8) أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ (9) يَقُولُونَ أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ (10) أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا نَخِرَةً (11) قَالُوا تِلْكَ إِذًا كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ (12) فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ (13) فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ (14)
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور ابْن الْمُنْذر عَن عليّ فِي قَوْله: {والنازعات غرقاً} قَالَ: هِيَ الْمَلَائِكَة تنْزع أَرْوَاح الْكفَّار {والناشطات نشطاً} هِيَ الْمَلَائِكَة تنشط أَرْوَاح الْكفَّار مَا بَين الْأَظْفَار وَالْجَلد حَتَّى تخرجها {والسابحات سبحاً} هِيَ الْمَلَائِكَة تسبح بأرواح الْمُؤمنِينَ بَين السَّمَاء وَالْأَرْض {فالسابقات سبقاً} هِيَ الْمَلَائِكَة يسْبق بَعْضهَا بَعْضًا بأرواح الْمُؤمنِينَ إِلَى الله {فالمدبرات أمرا} قَالَ: هِيَ الْمَلَائِكَة تدبر أَمر الْعباد من السّنة إِلَى السّنة(8/403)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {والنازعات غرقاً} قَالَ: هِيَ أنفس الْكفَّار تنْزع ثمَّ تنشط ثمَّ تغرق فِي النَّار
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ من طَرِيق مُجَاهِد عَن ابْن عَبَّاس {والنازعات غرقاً والناشطات نشطاً} قَالَ: الْمَوْت
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس {والناشطات نشطاً} قَالَ: الْمَوْت
وَأخرج جُوَيْبِر فِي تَفْسِيره عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {والنازعات غرقاً} قَالَ: هِيَ أَرْوَاح الْكفَّار لما عَايَنت ملك الْمَوْت فيخبرها بشخط الله غرقت فينشطها انتشاطاً من العصب وَاللَّحم {والسابحات سبحاً} أَرْوَاح الْمُؤمنِينَ مَا عَايَنت ملك الْمَوْت قَالَ: اخْرُجِي أيتها النَّفس المطمئنة إِلَى روح وَرَيْحَان وَرب غير غَضْبَان سبحت سباحة الغائص فِي المَاء فَرحا وشوقاً إِلَى الْجنَّة {فالسابقات سبقاً} قَالَ: تمشي إِلَى كَرَامَة الله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الرّبيع بن أنس فِي قَوْله: {والنازعات غرقاً والناشطات نشطاً} قَالَ: هَاتَانِ الْآيَتَانِ للْكفَّار عِنْد نزع النَّفس تنشط نشطاً عنيفاً مثل سفود فِي صوف فَكَانَ خُرُوجه شَدِيدا {والسابحات سبحاً فالسابقات سبقاً} قَالَ: هَاتَانِ للْمُؤْمِنين
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله: {والنازعات غرقاً} قَالَ: النَّفس حِين تغرق فِي الصُّدُور {والناشطات نشطاً} قَالَ: الْمَلَائِكَة حِين تنشط الرّوح من الْأَصَابِع والقدمين {والسابحات سبحاً} حِين تسبح النَّفس فِي الْجوف تَتَرَدَّد عِنْد الْمَوْت
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن مَسْعُود فِي قَوْله: {والنازعات غرقاً} قَالَ: الْمَلَائِكَة الَّذين يلون أنفس الْكفَّار إِلَى قَوْله: {والسابحات سبحاً} قَالَ: الْمَلَائِكَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن أبي صَالح {والنازعات غرقاً} قَالَ: الْمَلَائِكَة ينزعون نفس الإِنسان {والناشطات نشطاً} قَالَ: الْمَلَائِكَة ينشطون نفس الإِنسان {والسابحات سبحاً} قَالَ: الْمَلَائِكَة حِين ينزلون من السَّمَاء إِلَى الأَرْض {فالسابقات سبقاً} قَالَ: الْمَلَائِكَة {فالمدبرات أمرا} قَالَ: الْمَلَائِكَة يدبرون مَا أمروا بِهِ(8/404)
وَأخرج عبد بن حميد وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن مُجَاهِد {والنازعات غرقاً والناشطات نشطاً} قَالَ: الْمَوْت
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد {والنازعات غرقاً والناشطات نشطاً والسابحات سبحاً فالسابقات سبقاً فالمدبرات أمرا} قَالَ: الْمَلَائِكَة
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة {والنازعات غرقاً} قَالَ: هُوَ الْكَافِر {والناشطات نشطاً} قَالَ: هِيَ النُّجُوم {والسابحات سبحا} قَالَ: هِيَ النُّجُوم {فالسابقات سبقاً} قَالَ: هِيَ النُّجُوم {فالمدبرات أمرا} قَالَ: هِيَ الْمَلَائِكَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن عَطاء {والنازعات غرقاً} قَالَ: القسي {والناشطات نشطاً} قَالَ: الأوهاق {فالسابقات سبقاً} قَالَ: الْخَيل
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن معَاذ بن جبل قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا تمزق النَّاس فتمزقك كلاب النَّار
قَالَ الله: {والناشطات نشطاً} أَتَدْرِي مَا هُوَ قلت يَا نَبِي الله: مَا هُوَ قَالَ: كلاب فِي النَّار تنشط الْعظم وَاللَّحم
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الْحسن فِي قَوْله: {والسابحات سبحاً} قَالَ: هِيَ النُّجُوم كلهَا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَليّ بن أبي طَالب أَن ابْن الكوّا سَأَلَهُ عَن {فالمدبرات أمرا} قَالَ: الْمَلَائِكَة يدبرون ذكر الرَّحْمَن وَأمره
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن عبد الرَّحْمَن بن سابط قَالَ: يدبر أَمر الدُّنْيَا أَرْبَعَة جِبْرِيل وَمِيكَائِيل وَملك الْمَوْت وَإِسْرَائِيل فإمَّا جِبْرِيل فموكل بالرياح والجنود وَأما ميكائل فموكل بالقطر والنبات وَأما ملك الْمَوْت فموكل بِقَبض الْأَرْوَاح وَأما إسْرَافيل فَهُوَ ينزل عَلَيْهِم بِالْأَمر
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي ذكر الْمَوْت من طَرِيق أبي المتَوَكل النَّاجِي عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {فالمدبرات أمرا} قَالَ: مَلَائِكَة يكونُونَ مَعَ ملك الْمَوْت يحْضرُون الْمَوْتَى عِنْد قبض أَرْوَاحهم فَمنهمْ من يعرج بِالروحِ وَمِنْهُم من يُؤمن على الدُّعَاء وَمِنْهُم من يسْتَغْفر للْمَيت حَتَّى يصلى عَلَيْهِ ويدلي فِي حفرته
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عَليّ عَن ابْن عَبَّاس فِي(8/405)
قَوْله: {يَوْم ترجف الراجفة} قَالَ: النفخة الأولى {تتبعها الرادفة} قَالَ: النفخة الثَّانِيَة {قُلُوب يَوْمئِذٍ واجفة} قَالَ: خائفة {أئنا لمردودون فِي الحافرة} قَالَ: الْحَيَاة
وَأخرج عبد حميد وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {يَوْم ترجف الراجفة} قَالَ: ترجف الأَرْض وَالْجِبَال وَهِي الزلزلة {تتبعها الرادفة} قَالَ: دكتا دكة وَاحِدَة
وَأخرج أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَالْحكم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن أبيّ بن كَعْب قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا ذهب ربع اللَّيْل قَامَ فَقَالَ: يَا أَيهَا النَّاس اذْكروا الله اذْكروا الله جَاءَت الراجفة تتبعها الرادفة جَاءَ الْمَوْت بِمَا فِيهِ
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ترجف الراجفة رجفاً وتزلزل بِأَهْلِهَا وَهِي الَّتِي يَقُول الله: {يَوْم ترجف الراجفة تتبعها الرادفة} يَقُول: مثل السَّفِينَة فِي الْبَحْر تكفأ بِأَهْلِهَا مثل الْقنْدِيل الْمُعَلق بأرجائه
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي صَالح {يَوْم ترجف الراجفة} قَالَ: النفخة الأولى {تتبعها الرادفة} قَالَ: النفخة الثَّانِيَة
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة {يَوْم ترجف الراجفة تتبعها الرادفة} قَالَ: هما الصيحتان أما الأولى فتميت كل شَيْء بِإِذن الله وَأما الأخرة فتحيي كل شَيْء بِإِذن الله
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن أَنه سُئِلَ عَن قَول الله {يَوْم ترجف الراجفة تتبعها الرادفة} قَالَ: هما النفختان أما الأولى فتميت الْأَحْيَاء وَأما الثَّانِيَة فتحيي الْمَوْتَى ثمَّ تَلا هَذِه الْآيَة (وَنفخ فِي الصُّور فَصعِقَ من فِي السَّمَوَات وَمن فِي الأَرْض إِلَّا من شَاءَ الله ثمَّ نفخ فِيهِ أُخْرَى فَإِذا هم قيام ينظرُونَ) (سُورَة الزمر الْآيَة 68)
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {قُلُوب يَوْمئِذٍ واجفة} قَالَ: وَجلة متحركة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن قَتَادَة {قُلُوب يَوْمئِذٍ واجفة} قَالَ: خائفة(8/406)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد {قُلُوب يَوْمئِذٍ واجفة} قَالَ: وَجلة وَفِي قَوْله: {أئنا لمردودون فِي الحافرة} قَالَ: الأَرْض نبعث خلقا جَدِيدا {أئذا كُنَّا عظاماً نخرة} قَالَ: مدقوقة
وَأخرج عبد بن حميد ابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {قُلُوب يَوْمئِذٍ واجفة} قَالَ: وجفت مِمَّا عَايَنت {أبصارها خاشعة} قَالَ: ذليلة {يَقُولُونَ أئنا لمردودون فِي الحافرة} أننا لمبعوثون خلقا جَدِيدا إِذا متْنا تَكْذِيبًا بِالْبَعْثِ {أئذا كُنَّا عظاماً نخرة} قَالَ: بالية
وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن عَبَّاس {أئنا لمردودون فِي الحافرة} قَالَ: خلقا جَدِيدا
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي مَالك {أئنا لمردودون فِي الحافرة} قَالَ: الْحَيَاة
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُحَمَّد بن كَعْب فِي قَوْله: {أئنا لمردودون فِي الحافرة أئذا كُنَّا عظاماً نخرة} قَالَ: لما نزلت هَذِه الْآيَة قَالَ كفار قُرَيْش: لَئِن حيينا بعد الْمَوْت لنحشرن فَنزلت {تِلْكَ إِذا كرة خاسرة}
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد عَن عمر بن الْخطاب أَنه كَانَ يقْرَأ / أئذا كُنَّا عظاماً ناخرة / بِأَلف
وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن مَسْعُود أَنه كَانَ يقْرَأ ناخرة بِالْألف
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن ابْن عمر أَنه كَانَ يقْرَأ هَذَا الْحَرْف إئذا كُنَّا عظاماً ناخرة
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد عَن مُجَاهِد قَالَ: سَمِعت ابْن الزبير يقْرؤهَا عظاماً ناخرة فَذكرت ذَلِك لِابْنِ عَبَّاس فَقَالَ: أوليس كَذَلِك وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر من طرق ابْن عَبَّاس أَنه كَانَ يقْرَأ الَّتِي فِي النازعات ناخرة بِالْألف وَقَالَ: بالية
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ وَعِكْرِمَة وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ أَنهم كَانُوا يقرؤون ناخرة بِالْألف
وَأخرج الْفراء عَن ابْن الزبير أَنه قَالَ على الْمِنْبَر: مَا بَال صبيان يقرؤون {نخرة} إِنَّمَا هِيَ ناخرة(8/407)
وَأخرج عبد بن حميد عَن الضَّحَّاك عظاماً ناخرة قَالَ: بالية
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد قَالَ: الناخرة الْعظم يبْلى فَتدخل الرّيح فِيهِ
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله: {قَالُوا تِلْكَ إِذا كرة خاسرة} قَالَ: إِن خلقنَا خلقا جَدِيدا لنرجعن إِلَى الخسران وَفِي قَوْله: {فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَة وَاحِدَة} قَالَ: صَيْحَة {فَإِذا هم بالساهرة} قَالَ: الْمَكَان المستوي فِي الأَرْض
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {قَالُوا تِلْكَ إِذا كرة خاسرة} قَالَ: رَجْعَة خاسرة
قَالَ: فَلَمَّا تبَاعد الْبَعْث فِي أنفس الْقَوْم قَالَ الله: {فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَة وَاحِدَة فَإِذا هم بالساهرة} قَالَ: فَإِذا هم على ظهر الأَرْض بعد أَن كَانُوا فِي جوفها
وَأخرج عبد بن حميد عَن الضَّحَّاك قَالَ: كَانُوا فِي بطن الأَرْض ثمَّ صَارُوا على ظهرهَا
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن وَالشعْبِيّ مثله
وَأخرج أَبُو عبيد فِي فضائله وَابْن الْأَنْبَارِي فِي الْوَقْف والابتداء وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة أَنه سُئِلَ عَن قَوْله: {فَإِذا هم بالساهرة} قَالَ: الأَرْض كلهَا ساهرة
وَقَالَ ابْن عَبَّاس: قَالَ أُميَّة بن أبي الصَّلْت: وفيهَا لحم ساهرة وبحر وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة {فَإِذا هم بالساهرة} قَالَ: الساهرة وَجه الأَرْض وَفِي لفظ قَالَ: الأَرْض كلهَا ساهرة أَلا ترى الشَّاعِر يَقُول: صيد بَحر وصيد ساهرة وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد عَن الشّعبِيّ {فَإِذا هم بالساهرة} قَالَ: إِذا هم بِالْأَرْضِ ثمَّ تمثل بِبَيْت أُميَّة بن أبي الصَّلْت: وفيهَا لحم ساهرة وبحر وَمَا فاهوا بِهِ أبدا مُقيم وَأخرج عبد بن حميد عَن سعيد بن جُبَير {فَإِذا هم بالساهرة} قَالَ: بِالْأَرْضِ
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد {فَإِذا هم بالساهرة} قَالَ: بِالْأَرْضِ كَانُوا بأسفلها فأخرجوا إِلَى أَعْلَاهَا(8/408)
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله: {بالساهرة} قَالَ: تسمى الأَرْض ساهرة بني فلَان
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن سهل بن سعد السَّاعِدِيّ {فَإِذا هم بالساهرة} قَالَ: أَرض بَيْضَاء عفراء كالخبزة من النقى
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن وهب بن مُنَبّه قَالَ: الساهرة جبل إِلَى جنب بَيت الْمُقَدّس
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة {فَإِذا هم بالساهرة} قَالَ: فِي جَهَنَّم
الْآيَة 15 - 26(8/409)
هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى (15) إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى (16) اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (17) فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى (18) وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى (19) فَأَرَاهُ الْآيَةَ الْكُبْرَى (20) فَكَذَّبَ وَعَصَى (21) ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى (22) فَحَشَرَ فَنَادَى (23) فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى (24) فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى (25) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى (26)
أخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْن إِنَّه طَغى} قَالَ: عصى وَفِي قَوْله: {فَأرَاهُ الْآيَة الْكُبْرَى} قَالَ: عَصَاهُ وَيَده وَفِي قَوْله: {ثمَّ أدبر يسْعَى} قَالَ: يعْمل بِالْفَسَادِ وَفِي قَوْله: {فَأَخذه الله نكال الْآخِرَة وَالْأولَى} قَالَ: الأولى مَا علمت لكم من إِلَه غَيْرِي وَالْآخِرَة قَوْله:: أَنا ربكُم الْأَعْلَى
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {فَأرَاهُ الْآيَة الْكُبْرَى} قَالَ: عَصَاهُ وَيَده وَفِي قَوْله: {فَأَخذه الله نكال الْآخِرَة وَالْأولَى} قَالَ: صابته عُقُوبَة الدُّنْيَا وَالْآخِرَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن الْحسن مثله
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر عَن صَخْر بن جوَيْرِية قَالَ: لما بعث الله مُوسَى إِلَى فِرْعَوْن قَالَ: {اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْن إِنَّه طَغى} إِلَى قَوْله: {وأهديك إِلَى رَبك فتخشى} وَلنْ يَفْعَله فَقَالَ مُوسَى: يَا رب كَيفَ أذهب إِلَيْهِ وَقد علمت أَنه لَا يفعل فَأوحى الله إِلَيْهِ أَن امْضِ إِلَى مَا أمرت بِهِ فَإِن فِي السَّمَاء اثْنَي عشر ألف ملك يطْلبُونَ علم الْقدر فَلم يبلغوه وَلم يدركوه(8/409)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله: {هَل لَك إِلَى أَن تزكّى} قَالَ: هَل لَك إِلَى أَن تَقول لَا إِلَه إِلَّا الله
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات من طَرِيق عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {هَل لَك إِلَى أَن تزكّى} قَالَ: إِلَى أَن تَقول لَا إِلَه إِلَّا الله
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله: {هَل لَك إِلَى أَن تزكّى} قَالَ: إِلَى أَن تخلص وَفِي قَوْله: {ثمَّ أدبر يسْعَى} قَالَ: لَيْسَ بالشد يعْمل بِالْفَسَادِ والمعاصي
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الرّبيع فِي قَوْله: {ثمَّ أدبر يسْعَى} قَالَ: أدبر عَن الْحق وسعى يجمع
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ قَالَ: قَالَ مُوسَى: يَا فِرْعَوْن هَل لَك فِي أَن أُعْطِيك شبابك لَا تهرم وملكك لَا ينْزع مِنْك وَترد إِلَيْك لَذَّة المناكح والمشارب وَالرُّكُوب وَإِذا مت دخلت الْجنَّة وتؤمن بِي فَوَقَعت فِي نَفسه هَذِه الْكَلِمَات وَهِي اللينات قَالَ: كَمَا أَنْت حَتَّى يَأْتِي هامان فَلَمَّا جَاءَ هامان أخبرهُ فعجزه هامان وَقَالَ تصير تعبد إِذا كنت رَبًّا تُعْبَدُ فَذَلِك حِين خرج عَلَيْهِم فَقَالَ لِقَوْمِهِ وجمعهم {أَنا ربكُم الْأَعْلَى}
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {فَأَخذه الله نكال الْآخِرَة وَالْأولَى} قَالَ: بقوله: {أَنا ربكُم الْأَعْلَى} وَالْأولَى قَوْله: مَا علمت
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة وَالضَّحَّاك مثله
وَأخرج عبد بن حميد عَن الشّعبِيّ {فَأَخذه الله نكال الْآخِرَة وَالْأولَى} قَالَ: هما كلمتاه الأولى (مَا علمت لكم من إِلَه غَيْرِي) (سُورَة الْقَصَص الْآيَة 38) وَالْأُخْرَى {أَنا ربكُم الْأَعْلَى} وَكَانَ بَينهمَا أَرْبَعُونَ سنة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن عبد الله بن عَمْرو قَالَ: بَين كلمتيه أَرْبَعُونَ سنة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر عَن خَيْثَمَة قَالَ: كَانَ بَين قَول فِرْعَوْن (مَا علمت لكم من إِلَه غَيْرِي) وَقَوله: {أَنا ربكُم الْأَعْلَى} أَرْبَعُونَ سنة
الْآيَة 27 - 46(8/410)
أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا (27) رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا (28) وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا (29) وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا (30) أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا (31) وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا (32) مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ (33) فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى (34) يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ مَا سَعَى (35) وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرَى (36) فَأَمَّا مَنْ طَغَى (37) وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (38) فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى (39) وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى (41) يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا (42) فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا (43) إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا (44) إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا (45) كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا (46)
أخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {رفع سمكها} قَالَ: بناها {وأغطش لَيْلهَا} قَالَ: أظلم لَيْلهَا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {رفع سمكها} قَالَ: رفع بنيانها بِغَيْر عمد {وأغطش لَيْلهَا} قَالَ: أظلم لَيْلهَا {وَأخرج ضحاها} قَالَ: ابرزه {وَالْأَرْض بعد ذَلِك دحاها} قَالَ: بسطها
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {رفع سمكها} قَالَ: رفع بنيانها {وأغطش لَيْلهَا} قَالَ: أظلم لَيْلهَا {وَأخرج ضحاها} قَالَ: نور ضوئها {وَالْأَرْض بعد ذَلِك دحاها} قَالَ: بسطها {وَالْجِبَال أرساها} قَالَ: أثبتها بهَا أَن تميد بِأَهْلِهَا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس {وأغطش لَيْلهَا} قَالَ: الْعشَاء {وَأخرج ضحاها} قَالَ: الشَّمْس
وَأخرج عبد بن حميد عَن سعيد بن جُبَير {وأغطش لَيْلهَا} قَالَ: أظلم لَيْلهَا {وَأخرج ضحاها} قَالَ: أخرج نَهَارهَا(8/411)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس {وَالْأَرْض بعد ذَلِك دحاها} قَالَ: مَعَ ذَلِك
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس أَن رجلا قَالَ لَهُ: آيتان فِي كتاب الله تخَالف إِحْدَاهمَا الْأُخْرَى فَقَالَ: إِنَّمَا أتيت من قبل رَأْيك اقْرَأ (قل أئنكم لتكفرون بِالَّذِي خلق الأَرْض فِي يَوْمَيْنِ) (سُورَة فصلت الْآيَة 9) حَتَّى بلغ (ثمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِي دُخان) (سُورَة فصلت الْآيَة 41) وَقَوله: {وَالْأَرْض بعد ذَلِك دحاها} قَالَ: خلق الأَرْض قبل أَن يخلق السَّمَاء ثمَّ خلق السَّمَاء ثمَّ دحا بعد مَا خلق السَّمَاء وَإِنَّمَا قَوْله: دحاها بسطها
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ {وَالْأَرْض بعد ذَلِك دحاها} قَالَ: دحيت من مَكَّة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله: {أخرج مِنْهَا ماءها} قَالَ: فجر مِنْهَا الْأَنْهَار {ومرعاها} قَالَ: مَا خلق الله من نَبَات أَو شَيْء
وَأخرج ابْن بِي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي {دحاها} قَالَ: دحيها أَن أخرج مِنْهَا المَاء والمرعى وشقق فِيهَا الْأَنْهَار وَجعل فِيهَا الْجبَال والرمال والسبل والآكام وَمَا بَينهمَا فِي يَوْمَيْنِ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {مَتَاعا لكم} قَالَ: مَنْفَعَة
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَطاء قَالَ: بَلغنِي أَن الأَرْض دحيت دحياً من تَحت الْكَعْبَة
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن عليّ قَالَ: صلى بِنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَلَاة الصُّبْح فَلَمَّا قضى صلَاته رفع رَأسه فَقَالَ: تبَارك رافعها ومدبرها ثمَّ رمى ببصره إِلَى الأَرْض فَقَالَ: تبَارك داحيها وخالقها
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {فَإِذا جَاءَت الطامة الْكُبْرَى} قَالَ: الطامة من أَسمَاء يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر عَن الْقَاسِم بن الْوَلِيد الهمذاني فِي قَوْله: {فَإِذا جَاءَت الطامة الْكُبْرَى} قَالَ: إِذا سيق أهل الْجنَّة إِلَى الْجنَّة وَأهل النَّار إِلَى النَّار(8/412)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر عَن عَمْرو بن قيس الْكِنْدِيّ {فَإِذا جَاءَت الطامة الْكُبْرَى} قَالَ: إِذا قيل اذْهَبُوا بِهِ إِلَى النَّار
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله: {وبرزت الْجَحِيم لمن يرى} قَالَ: لمن ينظر
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {فَإِذا جَاءَت الطامة} قَالَ: إِذا دفعُوا إِلَى مَالك خَازِن النَّار وَفِي قَوْله: {فَأَما من طَغى} قَالَ: عصى وَفِي قَوْله: {يَسْأَلُونَك عَن السَّاعَة أَيَّانَ مرْسَاها} قَالَ: حينها {فيمَ أَنْت من ذكرَاهَا} قَالَ: السَّاعَة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عَليّ بن أبي طَالب قَالَ: كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يسْأَل عَن السَّاعَة فَنزلت {فيمَ أَنْت من ذكرَاهَا}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه بِسَنَد ضَعِيف عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: إِن مُشْركي أهل مَكَّة سَأَلُوا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالُوا: مَتى تقوم السَّاعَة استهزاء مِنْهُم فَنزلت {يَسْأَلُونَك عَن السَّاعَة أَيَّانَ مرْسَاها} يَعْنِي مَتى مجيئها {فيمَ أَنْت من ذكرَاهَا} مَا أَنْت من علمهَا يَا مُحَمَّد {إِلَى رَبك مُنْتَهَاهَا} يَعْنِي مُنْتَهى علمهَا {إِنَّمَا أَنْت مُنْذر من يخشاها} يَعْنِي من يخْشَى الْقِيَامَة {كَأَنَّهُمْ يَوْم يرونها} يَعْنِي يرَوْنَ الْقِيَامَة {لم يَلْبَثُوا} فِي الدُّنْيَا وَلم ينعموا بِشَيْء من نعيمها {إِلَّا عَشِيَّة} مَا بَين الظّهْر إِلَى غرُوب الشَّمْس {أَو ضحاها} مَا بَين طُلُوع الشَّمْس إِلَى نصف النَّهَار
وَأخرج الْبَزَّار وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه عَن عَائِشَة قَالَت: مازال رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يسْأَل عَن السَّاعَة حَتَّى أنزل عَلَيْهِ {فيمَ أَنْت من ذكرَاهَا إِلَى رَبك مُنْتَهَاهَا} فَلم يسْأَل عَنْهَا
وَأخرجه سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن عُرْوَة مُرْسلا
وَأخرج عبد بن حميد وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن طَارق بن شهَاب قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يكثر ذكر السَّاعَة حَتَّى نزلت {فيمَ أَنْت من ذكرَاهَا إِلَى رَبك مُنْتَهَاهَا} فَكف عَنْهَا
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عَائِشَة قَالَت: كَانَت الْأَعْرَاب إِذا قدمُوا على النَّبِي(8/413)
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَأَلُوهُ عَن السَّاعَة فَينْظر إِلَى أحدث إِنْسَان فيهم فَيَقُول: إِن يَعش هَذَا قرنا قَامَت عَلَيْكُم سَاعَتكُمْ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن زيد بن أسلم قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِنَّمَا يدْخل الْجنَّة من يرجوها وَإِنَّمَا يجْتَنب النَّار من يخشاها وَإِنَّمَا يرحم الله من يرحم
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جرير فِي قَوْله: {إِلَى رَبك مُنْتَهَاهَا} قَالَ: علمهَا وَفِي قَوْله: {إِلَّا عَشِيَّة} قَالَ: من الدُّنْيَا {أَو ضحاها} قَالَ: العشية
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {كَأَنَّهُمْ يَوْم يرونها} الْآيَة قَالَ: تدق الدُّنْيَا فِي أنفس الْقَوْم حِين عاينوا أَمر الْآخِرَة(8/414)
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
80
سُورَة عبس
مَكِّيَّة وآياتها ثِنْتَانِ وَأَرْبَعُونَ
مُقَدّمَة السُّورَة أخرج ابْن الضريس والنحاس وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: نزلت سُورَة عبس بِمَكَّة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن الزبير مثله
الْآيَة 1 - 16(8/415)
عَبَسَ وَتَوَلَّى (1) أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى (2) وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (3) أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى (4) أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى (5) فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى (6) وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى (7) وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى (8) وَهُوَ يَخْشَى (9) فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى (10) كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ (11) فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ (12) فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (13) مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ (14) بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (15) كِرَامٍ بَرَرَةٍ (16)
وَأخرج ابْن الضريس عَن أبي وَائِل: أَن وَفد بني أَسد أَتَوا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: من أَنْتُم فَقَالُوا: نَحن بَنو الزِّينَة أحلاس الْخَيل فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَنْتُم بَنو رشدة فَقَالَ الْحَضْرَمِيّ بن عَامر: وَالله لَا نَكُون كبني المحوسلة وهم بَنو عبد الله بن غطفان كَانَ يُقَال لَهُم بَنو عبد الْعُزَّى بن غطفان
فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم للحضرمي: هَل تقْرَأ من الْقُرْآن شَيْئا قَالَ: نعم فَقَالَ: اقرأه فَقَرَأَ من {عبس وَتَوَلَّى} مَا شَاءَ الله أَن يقْرَأ ثمَّ قَالَ: وَهُوَ الَّذِي منَّ على الحبلى فَأخْرج مِنْهَا نسمَة تسْعَى بَين شراسيف وحشا
فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تزد فِيهَا فَإِنَّهَا كَافِيَة(8/415)
وَأخرج ابْن النجار عَن أنس قَالَ: اسْتَأْذن الْعَلَاء بن يزِيد الْحَضْرَمِيّ على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأذن لَهُ فتحدثا طَويلا ثمَّ قَالَ لَهُ: يَا عَلَاء تحسن من الْقُرْآن شَيْئا قَالَ: نعم ثمَّ قَرَأَ عَلَيْهِ عبس حَتَّى خَتمهَا فَانْتهى إِلَى آخرهَا وَزَاد فِي آخرهَا من عِنْده: وَهُوَ الَّذِي أخرج من الحبلى نسمَة تسْعَى من بَين شراسيف وحشا فصاح بِهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يَا عَلَاء إنته فقد انْتَهَت السُّورَة وَالله أعلم
أخرجه التِّرْمِذِيّ وَحسنه وَابْن الْمُنْذر وَابْن حبَان وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه عَن عَائِشَة قَالَت: أنزل سُورَة عبس وَتَوَلَّى فِي ابْن أم مَكْتُوم وَالْأَعْمَى أَتَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَجعل يَقُول: يَا رَسُول الله أَرْشدنِي وَعند رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رجل من عُظَمَاء الْمُشْركين فَجعل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يعرض عَنهُ وَيقبل على الآخر وَيَقُول أَتَرَى بِمَا أَقُول بَأْسا فَيَقُول لَا فَفِي هَذَا أنزلت
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه عَن عَائِشَة قَالَت: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي مجْلِس من نَاس من وُجُوه قُرَيْش مِنْهُم أَبُو جهل بن هِشَام وَعتبَة بن ربيعَة فَيَقُول لَهُم أَلَيْسَ حسنا أَن جِئْت بِكَذَا وَكَذَا فَيَقُولُونَ: بلَى وَالله فجَاء ابْن أم مَكْتُوم وَهُوَ مشتغل بهم فَسَأَلَهُ فَأَعْرض عَنهُ فَأنْزل الله {أما من اسْتغنى فَأَنت لَهُ تصدى وَمَا عَلَيْك أَلا يزكّى وَأما من جَاءَك يسْعَى وَهُوَ يخْشَى فَأَنت عَنهُ تلهى} يَعْنِي ابْن أم مَكْتُوم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَأَبُو يعلى عَن أنس قَالَ: جَاءَ ابْن أم مَكْتُوم إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ يكلم أبيّ بن خلف فَأَعْرض عَنهُ فَأنْزل الله {عبس وَتَوَلَّى أَن جَاءَهُ الْأَعْمَى} فَكَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعد ذَلِك يُكرمهُ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: بَينا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُنَاجِي عتبَة بن ربيعَة وَالْعَبَّاس بن عبد الْمطلب وَأَبا جهل بن هِشَام وَكَانَ يتَصَدَّى لَهُم كثيرا ويحرص أَن يُؤمنُوا فَأقبل إِلَيْهِ رجل أعمى يُقَال لَهُ عبد الله بن أم مَكْتُوم يمشي وَهُوَ يُنَاجِيهِمْ فَجعل عبد الله يَسْتَقْرِئ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم آيَة من الْقُرْآن
قَالَ يَا رَسُول الله: عَلمنِي مِمَّا علمك الله فَأَعْرض عَنهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعَبس فِي وَجهه وَتَوَلَّى وَكره كَلَامه وَأَقْبل على الآخرين
فَلَمَّا قضى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَجوَاهُ وَأخذ يَنْقَلِب إِلَى أَهله أمسك الله بِبَعْض بَصَره ثمَّ خَفق بِرَأْسِهِ ثمَّ أنزل الله {عبس وَتَوَلَّى أَن جَاءَهُ الْأَعْمَى} فَلَمَّا نزل فِيهِ مَا نزل أكْرمه نَبِي الله وَكَلمه يَقُول لَهُ: مَا حَاجَتك هَل تُرِيدُ من شَيْء(8/416)
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن أبي مَالك فِي قَوْله: {عبس وَتَوَلَّى} قَالَ: جَاءَهُ عبد الله بن أم مَكْتُوم فعبس فِي وَجهه وَتَوَلَّى وَكَانَ يتَصَدَّى لأمية بن خلف فَقَالَ الله: {أما من اسْتغنى فَأَنت لَهُ تصدى}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الحكم قَالَ: مَا رُؤِيَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعد هَذِه الْآيَة متصدياً لَغَنِيّ وَلَا معرضًا عَن فَقير
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد قَالَ: لَو أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كتم شَيْئا من الْوَحْي كتم هَذَا عَن نَفسه
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي أُمَامَة قَالَ: أقبل ابْن أم مَكْتُوم الْأَعْمَى وَهُوَ الَّذِي نزل فِيهِ {عبس وَتَوَلَّى أَن جَاءَهُ الْأَعْمَى} فَقَالَ يَا رَسُول الله: كَمَا ترى قد كَبرت سني ورق عظمي وَذهب بَصرِي ولي قَائِد لَا يلائمني قياده إيَّايَ فَهَل تَجِد لي من رخصَة أُصَلِّي الصَّلَوَات الْخمس فِي بَيْتِي قَالَ هَل تسمع الْمُؤَذّن قَالَ: نعم قَالَ: مَا أجد لَك من رخصَة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن كَعْب بن عجْرَة: إِن الْأَعْمَى الَّذِي أنزل الله فِيهِ {عبس وَتَوَلَّى} أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا رَسُول الله إِنِّي أسمع النداء ولعلي لَا أجد قائداً فَقَالَ: إِذا سَمِعت النداء فأجب دَاعِي الله
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {أَن جَاءَهُ الْأَعْمَى} قَالَ: رجل من بَين فهر اسْمه عبد الله بن أم مَكْتُوم {أما من اسْتغنى} عتبَة بن ربيعَة وأميه بن خلف
وَأخرج ابْن سعد وَابْن الْمُنْذر عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله: {عبس وَتَوَلَّى} قَالَ: هُوَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَقِي رجلا من أَشْرَاف قُرَيْش فَدَعَاهُ إِلَى الْإِسْلَام فَأَتَاهُ عبد الله بن أم مَكْتُوم فَجعل يسْأَله عَن أَشْيَاء من أَمر الإِسلام فعبس فِي وَجهه فَعَاتَبَهُ الله فِي ذَلِك فَلَمَّا نزلت هَذِه الْآيَة دَعَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ابْن أم مَكْتُوم فَأكْرمه واستخلفه على الْمَدِينَة مرَّتَيْنِ
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه فِي شعب الإِيمان عَن مَسْرُوق قَالَ: دخلت على عَائِشَة وَعِنْدهَا رجل مكفوف تقطع لَهُ الأتراج وتطعمه إِيَّاه بالعسل فَقلت: من هَذَا يَا أم الْمُؤمنِينَ فَقَالَت: هَذَا ابْن أم مَكْتُوم الَّذِي عَاتب الله فِيهِ نبيه(8/417)
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَت: أَتَى نَبِي الله وَعِنْده عتبَة وَشَيْبَة فَأقبل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلَيْهِمَا فَنزلت {عبس وَتَوَلَّى أَن جَاءَهُ الْأَعْمَى} ابْن أم مَكْتُوم
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد قَالَ: كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مستخلياً بصنديد من صَنَادِيد قُرَيْش وَهُوَ يَدعُوهُ إِلَى الله وَهُوَ يَرْجُو أَن يسلم إِذا أقبل عبد الله بن أم مَكْتُوم الْأَعْمَى فَلَمَّا رَآهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كره مَجِيئه وَقَالَ فِي نَفسه: يَقُول هَذَا الْقرشِي إِنَّمَا أَتْبَاعه العميان والسفلة وَالْعَبِيد فعبس فَنزل الْوَحْي {عبس وَتَوَلَّى} إِلَى آخر الْآيَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة {فِي صحف مكرمَة مَرْفُوعَة مطهرة} قَالَ: هِيَ عِنْد الله {بأيدي سفرة} قَالَ: هِيَ الْقُرْآن
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن قَتَادَة {بأيدي سفرة} قَالَ: كتبة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن وهب بن مُنَبّه {بأيدي سفرة كرام بررة} قَالَ: هم أَصْحَاب مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد قَالَ: السفرة الكتبة من الْمَلَائِكَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن الْمُنْذر من طَرِيق عَليّ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {بأيدي سفرة} قَالَ: كتبة
وَأخرج الْخَطِيب فِي تَارِيخه عَن عَطاء بن أبي رَبَاح مثله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس {سفرة} قَالَ: بالنبطية الْقُرَّاء
أخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {كرام بررة} قَالَ: الْمَلَائِكَة
وَأخرج أَحْمد وَالْأَئِمَّة السِّتَّة عَن عَائِشَة قَالَت: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الَّذِي يقْرَأ الْقُرْآن وَهُوَ ماهر بِهِ مَعَ السفرة الْكِرَام البررة وَالَّذِي يَقْرَؤُهُ وَهُوَ عَلَيْهِ شاق لَهُ أَجْرَانِ وَالله أعلم
الْآيَة 17 - 31(8/418)
قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ (17) مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ (18) مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ (19) ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ (20) ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ (21) ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ (22) كَلَّا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ (23) فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ (24) أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا (25) ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا (26) فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا (27) وَعِنَبًا وَقَضْبًا (28) وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا (29) وَحَدَائِقَ غُلْبًا (30) وَفَاكِهَةً وَأَبًّا (31) مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ (32)
أخرج ابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله: {قتل الإِنسان مَا أكفره} قَالَ: نزلت فِي عتبَة بن أبي لَهب حِين قَالَ: كفرت بِرَبّ النَّجْم إِذا هوى فَدَعَا عَلَيْهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَخذه الْأسد بطرِيق الشَّام
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد قَالَ: مَا كَانَ فِي الْقُرْآن قتل الإِنسان إِنَّمَا عني بِهِ الْكَافِر
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج {مَا أكفره} قَالَ: مَا أَشد كفره وَفِي قَوْله: {فقدره} قَالَ: نُطْفَة ثمَّ علقَة ثمَّ مُضْغَة ثمَّ كَذَا ثمَّ كَذَا ثمَّ كَذَا ثمَّ انْتهى خلقه
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله: {خلقه فقدره} قَالَ: قدره فِي رحم أمه كَيفَ شَاءَ
وَأخرج ابْن جرير من طَرِيق الْعَوْفِيّ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {ثمَّ السَّبِيل يسره} يَعْنِي بذلك خُرُوجه من بطن أمه يسره لَهُ
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة {ثمَّ السَّبِيل يسره} قَالَ: خُرُوجه من الرَّحِم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن قَتَادَة {ثمَّ السَّبِيل يسره} قَالَ: خُرُوجه من بطن أمه
وَأخرج عبد بن حميد عَن الضَّحَّاك مثله
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن أبي صَالح {ثمَّ السَّبِيل يسره} قَالَ: خُرُوجه من الرَّحِم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {ثمَّ السَّبِيل يسره} قَالَ: هُوَ كَقَوْلِه: (إِنَّا هديناه السَّبِيل إِمَّا شَاكر وَإِمَّا كفورا) (سُورَة الْإِنْسَان الْآيَة 3) الشَّقَاء والسعادة
وَأخرج أَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ قَالَ: قَرَأت فِي التَّوْرَاة أَو قَالَ فِي مصحف إِبْرَاهِيم فَوجدت فِيهَا: يَقُول الله يَا ابْن آدم مَا أنصفتني خلقتك وَلم تَكُ شَيْئا وجعلتك بشرا سوياً وخلقتك من سلالة من طين ثمَّ جعلتك نُطْفَة فِي قَرَار مكين ثمَّ خلقت النُّطْفَة علقَة فخلقت الْعلقَة مُضْغَة(8/419)
فخلقت المضغة عظاماً فكسوت الْعِظَام لَحْمًا ثمَّ أنشأناك خلقا آخر
يَا ابْن آدم هَل يقدر على ذَلِك غَيْرِي ثمَّ خففت ثقلك على أمك حَتَّى لَا تتمرض بك وَلَا تتأذى ثمَّ أوحيت إِلَى الأمعاء أَن اتسعي وَإِلَى الْجَوَارِح أَن تفرق فاتسعت الأمعاء من بعد ضيقها وَتَفَرَّقَتْ الْجَوَارِح من بعد تشبيكها ثمَّ أوحيت إِلَى الْملك الْمُوكل بالأرحام أَن يخْرجك من بطن أمك فاستخلصتك على ريشة من جنَاحه فاطلعت عَلَيْك فَإِذا أَنْت خلق ضَعِيف لَيْسَ لَك سنّ يقطع وَلَا ضرس يطحن فاستخلصت لَك فِي صدر أمك عرقاً يدر لَك لَبَنًا بَارِدًا فِي الصَّيف حاراً فِي الشتَاء واستخلصته لَك من بَين جلد وَلحم وَدم وعروق ثمَّ قذفت لَك فِي قلب والدتك الرَّحْمَة وَفِي قلب أَبِيك التحنن فهما يكدان ويجهدان ويربيانك ويغذيانك وَلَا ينامان حَتَّى ينوماك
ابْن آدم: أَنا فعلت ذَلِك بك لَا لشَيْء استأهلته بِهِ مني أَو لحَاجَة استعنت على قَضَائهَا
ابْن آدم فَلَمَّا قطع سنك ووطحن ضرسك أطعمتك فَاكِهَة الصَّيف فِي أوانها وَفَاكِهَة الشتَاء فِي أوانها فَلَمَّا أَن عرفت أَنِّي رَبك عَصَيْتنِي فَالْآن إِذا عَصَيْتنِي فادعني فَإِنِّي قريب مُجيب وادعني فَإِنِّي غَفُور رَحِيم
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {لما يقْض مَا أمره} قَالَ: لَا يقْضِي أحد أبدا كل مَا افْترض عَلَيْهِ
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن عبد الله بن الزبير فِي قَوْله: {فَلْينْظر الإِنسان إِلَى طَعَامه} قَالَ: إِلَى مدخله ومخرجه
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد مثله
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب التَّوَاضُع من طَرِيق الْكَلْبِيّ عَن أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس {فَلْينْظر الإِنسان إِلَى طَعَامه} قَالَ: إِلَى خرئه
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن فِي قَوْله: {فَلْينْظر الإِنسان إِلَى طَعَامه} قَالَ: ملك يثني رَقَبَة ابْن آدم إِذا جلس على الْخَلَاء لينْظر مَا يخرج مِنْهُ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن أبي قلَابَة قَالَ: مَكْتُوب فِي التَّوْرَاة يَا ابْن آدم انْظُر إِلَى مَا بخلت بِهِ إِلَى مَا صَار
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن بشير بن كَعْب أَنه كَانَ يَقُول لأَصْحَابه إِذا فرغ من حَدِيثه: انْطَلقُوا حَتَّى أريكم الدُّنْيَا فَيَجِيء فيقف على مزبلة فَيَقُول: انْظُرُوا إِلَى عسلهم وَإِلَى سمنهم وَإِلَى بطنهم وَإِلَى دجاجهم إِلَى مَا صَار(8/420)
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس {إِنَّا صببنا المَاء صبا} قَالَ: الْمَطَر {ثمَّ شققنا الأَرْض شقاً} عَن النَّبَات
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عَليّ عَن ابْن عَبَّاس {وَقَضْبًا} قَالَ: الفصفصة يَعْنِي القت {وَحَدَائِق غلبا} قَالَ: طوال {وَفَاكِهَة وَأَبا} قَالَ: الثمارالرطبة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الحدائق كل ملتف والغلب مَا غلظ وَالْأَب مَا أنبت الأَرْض مِمَّا يَأْكُلهُ وَالدَّوَاب وَلَا يَأْكُلهُ النَّاس
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد {وَحَدَائِق غلبا} قَالَ: ملتفة {وَفَاكِهَة} وَهُوَ مَا أكل النا س {وَأَبا} مَا أكلت الْأَنْعَام
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن الْحسن قَالَ: الغب الْكِرَام من النّخل
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة {غلبا} قَالَ: غلاظاً
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عنابن عَبَّاس {وَحَدَائِق غلبا} قَالَ: شجر فِي الْجنَّة يستظل بِهِ لَا يحمل مِنْهُ شَيْئا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الْأَب الْحَشِيش للبهائم
وَأخرج ابْن جرير من طَرِيق الْعَوْفِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الْأَب الْكلأ والمرعى
وَأخرج الطستي فِي مسَائِله عَن ابْن عَبَّاس أَن نَافِع بن الْأَزْرَق سَأَلَهُ عَن قَوْله: {وَأَبا} قَالَ: الْأَب مَا يعتلف مِنْهُ الدَّوَابّ
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ نعم أما سَمِعت قَول الشَّاعِر: ترى بِهِ الْأَب واليقطين مختلطاً على الشَّرِيعَة يجْرِي تحتهَا العذب وَأخرج أَبُو عبيد فِي فضائله وَعبد بن حميد عَن إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ قَالَ: سُئِلَ أَبُو بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ عَن قَوْله: {أَبَا} فَقَالَ: أَي سَمَاء تُظِلنِي وَأي أَرض تُقِلني إِذا قلت فِي كتاب الله مَال لَا أعلم
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن جرير وَابْن سعد وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان والخطيب وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن أنس أَن عمر قَرَأَ على الْمِنْبَر {فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حبا وَعِنَبًا وَقَضْبًا} إِلَى قَوْله: {وَأَبا} قَالَ: كل هَذَا قد عَرفْنَاهُ فَمَا الْأَب ثمَّ رفع عَصا كَانَت فِي يَده فَقَالَ: هَذَا لعمر الله هُوَ التَّكَلُّف(8/421)
فَمَا عَلَيْك أَن لَا تَدْرِي مَا الْأَب اتبعُوا مَا بَين لكم هداه من الْكتاب فاعملوا بِهِ
وَمَا لم تعرفوه فكلوه إِلَى ربه
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن السّديّ قَالَ: الحدائق الْبَسَاتِين والغلب مَا غلظ من الشّجر وَالْأَب العشب {مَتَاعا لكم ولأنعامكم} قَالَ: الْفَاكِهَة لكم والعشب لأنعامكم
وَأخرج عبد بن حميد {وَقَضْبًا} قَالَ: الفصافص {وَحَدَائِق غلبا} النّخل الْكِرَام {وَفَاكِهَة} لكم {وَأَبا} لأنعامكم
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد أَنه قَرَأَ {غلبا} مشقة
وَأخرج عبد بن حميد عَن الضَّحَّاك قَالَ: الْفَاكِهَة الَّتِي يأكلها بَنو آدم وَالْأَب المرعى
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة قَالَ: الْفَاكِهَة مَا تَأْكُل النَّاس {وَأَبا} مَا تَأْكُل الدَّوَابّ
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن قَالَ: مَا طب واحلولى فلكم وَالْأَب لأنعامكم
وَأخرج عبد بن حميد عَن سعيد بن جُبَير {وَأَبا} قَالَ: الْكلأ
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي رزين {وَفَاكِهَة وَأَبا} قَالَ: النَّبَات
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي مَالك قَالَ: الْأَب الْكلأ
وَأخرج عبد بن حميد عَن الضَّحَّاك قَالَ: الأبّ هُوَ التِّبْن
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَطاء قَالَ: كل شَيْء ينْبت على الأَرْض فَهُوَ الْأَب
وَأخرج عبد بن حميد عَن عبد الرَّحْمَن بن يزِيد أَن رجلا سَأَلَ عمر عَن قَوْله: {وَأَبا} فَلَمَّا رَآهُمْ يَقُولُونَ أقبل عَلَيْهِم بِالدرةِ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْأَنْبَارِي فِي الْمَصَاحِف عَن أنس قَالَ: قَرَأَ عمر {وَفَاكِهَة وَأَبا} فَقَالَ: هَذِه الْفَاكِهَة قد عرفناها فَمَا الْأَب ثمَّ قَالَ: مَه نهينَا عَن التَّكَلُّف
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي وَائِل أَن عمر سُئِلَ عَن قَوْله: {وَأَبا} مَا الْأَب ثمَّ قَالَ: مَا كلفنا هَذَا أَو مَا أمرنَا بِهَذَا(8/422)
الْآيَة 33 - 42(8/423)
فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ (33) يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (36) لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ (37) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ (38) ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ (39) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ (40) تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ (41) أُولَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ (42)
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر من طَرِيق عَليّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الصاخة من أَسمَاء يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج عبد بن حميد وَالتِّرْمِذِيّ وَالْحَاكِم وصححاه وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: تحشرون حُفَاة عُرَاة غرلًا فَقَالَت زَوجته: أينظر بَعْضنَا إِلَى عُرْوَة بعض فَقَالَ: يَا فُلَانَة {لكل امْرِئ مِنْهُم يَوْمئِذٍ شَأْن يُغْنِيه}
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ عَن سَوْدَة بنت زَمعَة قَالَت: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يبْعَث النَّاس حفة عُرَاة غرلًا قد ألجمهم الْعرق وَبلغ شحوم الآذان قلت يَا رَسُول الله: واسوأتاه ينظر بَعْضنَا إِلَى بعض قَالَ: شغل النَّاس عَن ذَلِك وتلا {يَوْم يفر الْمَرْء من أَخِيه وَأمه وَأَبِيهِ وصاحبته وبنيه لكل امْرِئ مِنْهُم يَوْمئِذٍ شَأْن يُغْنِيه}
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن سهل بن سعد عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: يحْشر النَّاس يَوْم الْقِيَامَة مشَاة حُفَاة غرلًا
قيل يَا رَسُول الله ينظر الرِّجَال إِلَى النِّسَاء فَقَالَ: {لكل امْرِئ مِنْهُم يَوْمئِذٍ شَأْن يُغْنِيه}
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط بِسَنَد صَحِيح عَن أم سَلمَة: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: يحْشر النَّاس يَوْم الْقِيَامَة عُرَاة حُفَاة فَقلت يَا رَسُول الله: واسوأتاه ينظر بَعْضنَا إِلَى بعض فَقَالَ: شغل النَّاس
قلت: مَا شغلهمْ قَالَ: نشر الصحائف فِيهَا مَثَاقِيل الذَّر وَمَثَاقِيل الْخَرْدَل
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: يبْعَث النَّاس يَوْم الْقِيَامَة حُفَاة عُرَاة غرلًا قلت يَا رَسُول الله: فَكيف بالعورات قَالَ: {لكل امْرِئ مِنْهُم يَوْمئِذٍ شَأْن يُغْنِيه}(8/423)
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن الْحسن قَالَ: إِن أول من يفر يَوْم الْقِيَامَة من أَبِيه إِبْرَاهِيم وَأول من يفر من أمه إِبْرَاهِيم وَأول من يفر من ابْنه نوح وَأول من يفر من أَخِيه هابيل وَأول من يفر من صاحبته نوح وَلُوط وتلا هَذِه الْآيَة {يَوْم يفر الْمَرْء من أَخِيه وَأمه وَأَبِيهِ وصاحبته وبنيه} فيرون أَن هَذِه الْآيَة نزلت فيهم
وَأخرج أَبُو عبيد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة قَالَ: لَيْسَ شَيْء أَشد على الإِنسان يَوْم الْقِيَامَة من أَن يرى من يعرفهُ مَخَافَة أَن يكون يَطْلُبهُ بمظلمة ثمَّ قَرَأَ {يَوْم يفر الْمَرْء من أَخِيه} الْآيَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن الْمُنْذر من طَرِيق عَليّ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {مسفرة} قَالَ: مشرقة وَفِي قَوْله: {ترهقها قترة} قَالَ: تغشاها شدَّة وذلة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عَطاء الْخُرَاسَانِي عَن ابْن عَبَّاس {قترة} قَالَ: سَواد الْوُجُوه
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق جَعْفَر بن مُحَمَّد عَن أَبِيه عَن جده قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يلجم الْكَافِر الْعرق ثمَّ تقع الغبرة على وُجُوههم فَهُوَ قَوْله: {ووجوه يَوْمئِذٍ عَلَيْهَا غبرة}(8/424)
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
81
سُورَة التكوير
مَكِّيَّة وآياتها تسع عشرُون
مُقَدّمَة السُّورَة أخرج ابْن الضريس والنحاس وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: نزلت سُورَة {إِذا الشَّمْس كورت} بِمَكَّة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن الزبير وَعَن عَائِشَة مثله
الْآيَة 1 - 29(8/425)
إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (1) وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ (2) وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ (3) وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ (4) وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ (5) وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ (6) وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ (7) وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ (9) وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ (10) وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ (11) وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ (12) وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ (13) عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ (14) فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ (15) الْجَوَارِ الْكُنَّسِ (16) وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ (17) وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ (18) إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (19) ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (20) مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ (21) وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ (22) وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ (23) وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ (24) وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ (25) فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ (26) إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (27) لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ (28) وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (29)
وَأخرج أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن الْمُنْذر وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من سره أَن ينظر إِلَى يَوْم الْقِيَامَة كَأَنَّهُ رَأْي عين فليقرأ {إِذا الشَّمْس كورت} و {إِذا السَّمَاء انفطرت} و {إِذا السَّمَاء انشقت}
وَأخرج ابْن أبي شيبَة فِي المُصَنّف وَمُسلم وَابْن ماجة وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن عَمْرو بن حَوْشَب أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَرَأَ فِي الْفجْر {وَاللَّيْل إِذا عسعس}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث من طَرِيق عَليّ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {إِذا الشَّمْس كورت} قَالَ: أظلمت {وَإِذا النُّجُوم انكدرت} قَالَ تَغَيَّرت {وَإِذا الموؤودة سُئِلت} يَقُول: سَأَلت
وَأخرج ابْن الْمُنْذر من طَرِيق سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {إِذا الشَّمْس كورت} قَالَ: أغورت
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {إِذا الشَّمْس كورت} قَالَ: أغورت {وَإِذا النُّجُوم انكدرت} قَالَ: تناثرت {وَإِذا الْجبَال سيرت} قَالَ: ذهبت {وَإِذا العشار} عشار الإِبل {عطلت} لَا راعي لَهَا {وَإِذا الْبحار سجرت} قَالَ: أوقدت {وَإِذا النُّفُوس زوجت} قَالَ: الْأَمْثَال للنَّاس جمع بَينهم {وَإِذا السَّمَاء كشطت} قَالَ: اجتبذت
وَأخرج عبد بن حميد عَن سعيد بن جُبَير {إِذا الشَّمْس كورت} قَالَ: هِيَ بِالْفَارِسِيَّةِ كور
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {كورت} قَالَ: غورت
قَالَ يَعْقُوب: وَهِي بِالْفَارِسِيَّةِ كور يهود
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم والديلمي عَن أبي مَرْيَم أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فِي قَوْله: {إِذا الشَّمْس كورت} قَالَ: كورت فِي جَهَنَّم {وَإِذا النُّجُوم انكدرت} قَالَ: انكدرت فِي جَهَنَّم وكل من عبد من دون الله فَهُوَ فِي جَهَنَّم إِلَّا مَا كَانَ من عِيسَى بن مَرْيَم وَأمه وَلَو رَضِيا أَن يعبدا لدخلاها
وَأخرج ابْن الدُّنْيَا فِي الْأَهْوَال وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {إِذا الشَّمْس كورت} قَالَ: يكور الله الشَّمْس وَالْقَمَر والنجوم يَوْم الْقِيَامَة فِي الْبَحْر وَيبْعَث الله ريحًا دبوراً فتنفخه حَتَّى يرجع نَارا(8/426)
وَأخرج البُخَارِيّ عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: الشَّمْس وَالْقَمَر مكوران يَوْم الْقِيَامَة زَاد الْبَزَّار فِي مُسْنده فِي النَّار
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن أبي الْعَالِيَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: سِتّ آيَات من هَذِه السُّورَة فِي الدُّنْيَا وَالنَّاس ينظرُونَ إِلَيْهِ وست فِي الْآخِرَة {إِذا الشَّمْس كورت} إِلَى {وَإِذا الْبحار سجرت} هَذِه الدُّنْيَا وَالنَّاس ينظرُونَ إِلَيْهِ {وَإِذا النُّفُوس زوجت} {وَإِذا الْجنَّة أزلفت} هَذِه الْآخِرَة
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي الْأَهْوَال وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن أبيّ بن كَعْب قَالَ: سِتّ آيَات قبل يَوْم الْقِيَامَة بَيْنَمَا النَّاس فِي أسواقهم إِذْ ذهب ضوء الشَّمْس فَبَيْنَمَا هم كَذَلِك إِذا وَقعت الْجبَال على وَجه الأَرْض فتحركت واضطربت واختلطت فَفَزِعت الْجِنّ إِلَى الإِنس والإِنس إِلَى الْجِنّ واختلطت الدَّوَابّ وَالطير والوحش فماجوا بَعضهم فِي بعض {وَإِذا الوحوش حشرت} قَالَ: اخْتلطت {وَإِذا العشار عطلت} أهملها أَهلهَا {وَإِذا الْبحار سجرت} قَالَ: الْجِنّ والإِنس نَحن نأتيكم بالْخبر فَانْطَلقُوا إِلَى الْبَحْر فَإِذا هِيَ نَار تأجج فَبَيْنَمَا هم كَذَلِك إِذا انصدعت الأَرْض صدعة وَاحِدَة إِلَى الأَرْض السَّابِعَة وَإِلَى السَّمَاء السَّابِعَة فَبَيْنَمَا هم كَذَلِك إِذْ جَاءَتْهُم ريح فأماتتهم
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي صَالح رَضِي الله عَنهُ {إِذا الشَّمْس كوّرت} قَالَ: نكست
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {إِذا الشَّمْس كوّرت} قَالَ: اضمحلت
وَأخرج عبد بن حميد عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ {إِذا الشَّمْس كوّرت} قَالَ: ذهب ضوءها {وَإِذا النُّجُوم انكدرت} قَالَ: تساقطت {وَإِذا الوحوش حشرت} قَالَ: حشرها مَوتهَا {وَإِذا الْبحار سجرت} قَالَ: ذهب مَاؤُهَا غَار مَاؤُهَا قَالَ: سجرت وفجرت سَوَاء {وَإِذا النُّفُوس زوجت} قَالَ: زوجت الْأَرْوَاح الأجساد
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {إِذا الشَّمْس كوّرت} قَالَ: ذهب ضوءها فَلَا ضوء لَهَا {وَإِذا النُّجُوم انكدرت} قَالَ: تساقطت وتهافتت {وَإِذا العشار عطلت} قَالَ: سيبها أهلوها أَتَاهُم مَا شغلهمْ عَنْهَا(8/427)
فَلم تصر وَلم تحلب وَلم يكن فِي الدُّنْيَا مَال أعجب إِلَيْهِم مِنْهَا {وَإِذا الوحوش حشرت} قَالَ: إِن هَذِه الْخَلَائق موافيه يَوْم الْقِيَامَة فَيَقْضِي الله فِيهَا مَا يَشَاء {وَإِذا الْبحار سجرت} قَالَ: ذهب مَاؤُهَا وَلم يبْق مِنْهَا قَطْرَة {وَإِذا النُّفُوس زوّجت} قَالَ: الْحق كل إِنْسَان بشيعته الْيَهُود باليهود وَالنَّصْرَانِيّ بالنصراني {وَإِذا الموؤودة سُئِلت} قَالَ: هِيَ فِي بعض الْقِرَاءَة {سُئِلت بِأَيّ ذَنْب قتلت} قَالَ: لَا بذنب وَكَانَ أهل الْجَاهِلِيَّة يقتل أحدهم ابْنَته ويغذو كَلْبه فعاب الله ذَلِك عَلَيْهِم {وَإِذا الصُّحُف نشرت} قَالَ: صحيفتك يَا ابْن آدم يملي مَا فِيهَا ثمَّ تطوى ثمَّ تنشر عَلَيْك يَوْم الْقِيَامَة فَينْظر الرجل مَا يمل فِي صَحِيفَته {وَإِذا الْجَحِيم سعرت} قَالَ: أوقدت {وَإِذا الْجنَّة أزلفت} قَالَ: قربت {علمت نفس مَا أحضرت} من عمل قَالَ: قَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ إِلَى هَهُنَا آخر الحَدِيث
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم {وَإِذا العشار عطلت} قَالَ: هِيَ الإِبل {وَإِذا الوحوش حشرت} قَالَ: حشرها مَوتهَا {وَإِذا النُّفُوس زوّجت} قَالَ: ترجع الْأَرْوَاح إِلَى أجسادها {وَإِذا الموؤودة سُئِلت} قَالَ: أَطْفَال الْمُشْركين
قَالَ ابْن عَبَّاس: الموءودة هِيَ المدفونة كَانَت الْمَرْأَة فِي الْجَاهِلِيَّة إِذا هِيَ حملت فَكَانَ أَوَان ولادها حفرت حُفْرَة فتمخضت على رَأس تِلْكَ الحفرة فَإِن ولدت جَارِيَة رمت بهَا فِي تِلْكَ الحفرة وَإِن ولدت غُلَاما حَبسته
قَالَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا: فَمن زعم أَنهم فِي النَّار فقد كذب بل هم فِي الْجنَّة
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن الرّبيع بن خَيْثَم فِي قَوْله: {إِذا الشَّمْس كورت} قَالَ: رمي بهَا {وَإِذا النُّجُوم انكدرت} قَالَ: تناثرت {وَإِذا الْجبَال سيرت} قَالَ: سَارَتْ {وَإِذا العشار عطلت} لم تحلب وَلم تصر وتخلى مِنْهَا أَهلهَا {وَإِذا الوحوش حشرت} قَالَ: أَتَى عَلَيْهَا أَمر الله {وَإِذا الْبحار سجرت} قَالَ: فاضت {وَإِذا النُّفُوس زوّجت} قَالَ: كل رجل مَعَ صَاحب عمله {وَإِذا الموؤودة سُئِلت} قَالَ: كَانَت الْعَرَب من أفعل النَّاس لذَلِك {وَإِذا الْجَحِيم سعرت} أوقدت {وَإِذا الْجنَّة أزلفت} قربت إِلَى هَهُنَا انْتهى الحَدِيث فريق فِي الْجنَّة وفريق فِي السعير
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَسَعِيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه وَالْحَاكِم وَصَححهُ من طَرِيق عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {وَإِذا الوحوش حشرت}(8/428)
قَالَ: حشر الْبَهَائِم مَوتهَا وَحشر كل شَيْء الْمَوْت غير الْجِنّ والإِنس فَإِنَّهُمَا يوقفان يَوْم الْقِيَامَة
أخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {وَإِذا الوحوش حشرت} قَالَ: يحْشر كل شَيْء حَتَّى إِن الذُّبَاب ليحشر
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَن نَافِع بن الْأَزْرَق سَأَلَهُ عَن قَوْله: {وَإِذا الْبحار سجرت} قَالَ: اخْتَلَط مَاؤُهَا بِمَاء الأَرْض
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم أما سَمِعت زُهَيْر بن أبي سلمى يَقُول: لقد نازعتهم حسباً قَدِيما وَقد سجرت بحارهم بحاري وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ {وَإِذا الْبحار سجرت} قَالَ: فتحت وسيرت
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث من طَرِيق عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {وَإِذا الْبحار سجرت} قَالَ: تسجر حَتَّى تصير نَارا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن الْحسن وَالضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ {وَإِذا الْبحار سجرت} قَالَ: غَار مَاؤُهَا فَذهب
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن شمر بن عَطِيَّة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وَإِذا الْبحار سجرت} قَالَ: تسجر كَمَا يسجر التَّنور
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة وَسَعِيد بن مَنْصُور وَالْفِرْيَابِي وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن النُّعْمَان بن بشير عَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ أَنه سُئِلَ عَن قَوْله: {وَإِذا النُّفُوس زوّجت} قَالَ: يقرن بَين الرجل الصَّالح مَعَ الصَّالح فِي الْجنَّة ويقرن بَين الرجل السوء مَعَ السوء فِي النَّار فَذَلِك تَزْوِيج الْأَنْفس
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن النُّعْمَان بن بشير عَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وَإِذا النُّفُوس زوجت} قَالَ: هُوَ الرجل يزوّج نَظِيره من أهل النَّار يَوْم الْقِيَامَة ثمَّ قَرَأَ (احشروا الَّذين ظلمُوا وأزواجهم) (سُورَة الصافات الْآيَة 22)
وَأخرج ابْن مردوية عَن النُّعْمَان بن بشير رَضِي الله عَنهُ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم(8/429)
يَقُول: {وَإِذا النُّفُوس زوّجت} قَالَ: هما الرّجلَانِ يعملان الْعَمَل يدخلَانِ الْجنَّة وَالنَّار
وَأخرج ابْن منيع عَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ {وَإِذا النُّفُوس زوجت} قَالَ: تَزْوِيجهَا أَن يؤلف كل قوم إِلَى شبههم وَقَالَ: (احشروا الَّذين ظلمُوا وأزواجهم)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: يسيل وَاد من أصل الْعَرْش من مَاء فِيمَا بَين الصيحتين وَمِقْدَار مَا بَينهمَا أَرْبَعُونَ عَاما فينبت مِنْهُ كل خلق بلي من الإِنسان أَو طير أَو دَابَّة وَلَو مر عَلَيْهِم مار قد عرفهم قبل ذَلِك لعرفهم على وَجه الأَرْض قد نبتوا ثمَّ ترسل الْأَرْوَاح فَتزَوج الأجساد فَذَلِك قَول الله {وَإِذا النُّفُوس زوجت}
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر عَن أبي الْعَالِيَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وَإِذا النُّفُوس زوجت} قَالَ: زوّج الرّوح للجسد
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الشّعبِيّ {وَإِذا النُّفُوس زوجت} قَالَ: زوج الرّوح من الْجَسَد وأعيدت الْأَرْوَاح فِي الأجساد
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن الْكَلْبِيّ قَالَ: زوّج الْمُؤْمِنُونَ الْحور الْعين وَالْكفَّار الشَّيَاطِين
وَأخرج الْفراء عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله: {وَإِذا النُّفُوس زوجت} قَالَ: يقرن الرجل فِي الْجنَّة بقرينه الصَّالح فِي الدُّنْيَا ويقرن الرجل الَّذِي كَانَ يعْمل السوء فِي الدُّنْيَا بقرينه الَّذِي كَانَ يُعينهُ فِي النَّار
وَأخرج أَحْمد وَالنَّسَائِيّ وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه عَن سَلمَة بن زيد الْجعْفِيّ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: الوئيد والموءودة فِي النَّار إِلَّا أَن تدْرك الْإِسْلَام فيعفوا الله عَنْهَا
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي الضُّحَى مُسلم بن صبيح أَنه قَرَأَ: وَإِذا الموءودة سَأَلت قَالَ: طلبت قاتلها بدمائها
وَأخرج أَحْمد وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن خدامة بنت وهب قَالَت: سُئِلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الْعَزْل فَقَالَ: ذَاك الوأد الْخَفي وَهُوَ {الموؤودة}(8/430)
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن صعصعة بن نَاجِية الْمُجَاشِعِي وَهُوَ جد الفرزدق قَالَ: قلت يَا رَسُول الله إِنِّي عملت أعمالاً فِي الْجَاهِلِيَّة فَهَل لي فِيهَا من أجر قَالَ: وَمَا عملت قَالَ: أَحييت ثلثمِائة وَسِتِّينَ موءودة أَشْتَرِي كل وَاحِد مِنْهُنَّ بناقتين عشراوين وجمل فَهَل لي فِي ذَلِك من أجر فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَك أجره إِذْ منّ الله عَلَيْك بالإِسلام
وَأخرج الْبَزَّار وَالْحَاكِم فِي الكنى وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن عمر بن الْخطاب فِي قَوْله: {وَإِذا الموؤودة سُئِلت} قَالَ: جَاءَ قيس بن عَاصِم التَّمِيمِي إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: إِنِّي وَأَدت ثَمَان بَنَات لي فِي الْجَاهِلِيَّة فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أعتق عَن كل وَاحِدَة رَقَبَة قَالَ إِنِّي صَاحب إبل
قَالَ: فأهد عَن كل وَاحِدَة بَدَنَة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج {وَإِذا الصُّحُف نشرت} قَالَ: إِذا مَاتَ الإِنسان طويت صَحِيفَته ثمَّ تنشر يَوْم الْقِيَامَة فيحاسب بِمَا فِيهَا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق زيد بن أسلم عَن أَبِيه قَالَ: لما نزلت {إِذا الشَّمْس كوّرت} قَالَ عمر: لما بلغ {علمت نفس مَا أحضرت} قَالَ: لهَذَا أجري الحَدِيث
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَالْفِرْيَابِي وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ من طرق عَن عَليّ فِي قَوْله: {فَلَا أقسم بالخنس} قَالَ: هِيَ الْكَوَاكِب تكنس بِاللَّيْلِ وتخنس بِالنَّهَارِ فَلَا ترى
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق الْأَصْبَغ بن نباتة عَن عَليّ فِي قَوْله: {فَلَا أقسم بالخنس} قَالَ: خَمْسَة أنجم زحل وَعُطَارِد وَالْمُشْتَرِي وبهرام والزهرة لَيْسَ فِي الْكَوَاكِب شَيْء يقطع المجرة غَيرهَا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة من طَرِيق عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الخنس نُجُوم تجْرِي يقطعن المجرة كَمَا يقطع الْفرس
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه والخطيب فِي كتاب النُّجُوم من طَرِيق الْكَلْبِيّ عَن أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {فَلَا أقسم بالخنس الْجوَار الكنس} قَالَ: هِيَ النُّجُوم السَّبْعَة زحل وبهرام عُطَارِد وَالْمُشْتَرِي والزهرة وَالشَّمْس وَالْقَمَر خنوسها رُجُوعهَا وكنوسها تغيبها بِالنَّهَارِ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَسَعِيد بن مَنْصُور وَالْفِرْيَابِي وَابْن سعد وَعبد بن حميد وَابْن(8/431)
جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن الْمُنْذر وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ من طرق عَن ابْن مَسْعُود فِي قَوْله: {بالخنس الْجوَار الكنس} قَالَ: هِيَ بقر الْوَحْش
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس {الْجوَار الكنس} قَالَ: الْبَقر تكنس إِلَى الظل
وَأخرج ابْن الْمُنْذر من طَرِيق خصيف عَن ابْن عَبَّاس {الْجوَار الكنس} قَالَ: هِيَ الْوَحْش تكنس لأنفسها فِي أصُول الشّجر تتوارى فِيهِ
وَأخرج ابْن جرير من طَرِيق الْعَوْفِيّ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {بالخنس} قَالَ: الظباء
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن رَاهَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن عَليّ {الْجوَار الكنس} قَالَ: هِيَ الْكَوَاكِب
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة {فَلَا أقسم بالخنس الْجوَار الكنس} قَالَ: هِيَ النُّجُوم تبدو بِاللَّيْلِ وتخفى بِالنَّهَارِ تكنس
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {بالخنس الْجوَار الكنس} قَالَ: النُّجُوم تخنس بِالنَّهَارِ
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْمُغيرَة قَالَ: سَأَلَ إِبْرَاهِيم مُجَاهدًا عَن قَول الله {فَلَا أقسم بالخنس الْجوَار الكنس} قَالَ: لَا أَدْرِي
قَالَ إِبْرَاهِيم: وَلم لَا تَدْرِي قَالَ: إِنَّكُم تَقولُونَ عَن عليّ إِنَّهَا النُّجُوم فَقَالَ: كذبُوا
فَقَالَ مُجَاهِد: هِيَ بقر الْوَحْش والخنس الْجَوَارِي حُجْرَتهَا
فَقَالَ إِبْرَاهِيم: هُوَ كَمَا قلت
وَأخرج عبد بن حميد عَن بكر بن عبد الله الْمُزنِيّ قَالَ: {بالخنس الْجوَار الكنس} هِيَ النُّجُوم الدراري الَّتِي تجْرِي تسْتَقْبل الْمشرق
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي ميسرَة قَالَ: {الْجوَار الكنس} بقر الْوَحْش
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد {الْجوَار الكنس} قَالَ: هِيَ الظباء إِذا كنست كوانسها
وَأخرج عبد بن حميد عَن جَابر بن زيد {الْجوَار الكنس} قَالَ: هِيَ الظباء ألم تَرَهَا إِذا كَانَت فِي الظل كَيفَ تكنس بأعناقها ومدت نظرها
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن {الْجوَار الكنس} قَالَ: الْبَقر
وَأخرج الْحَاكِم أَبُو أَحْمد فِي الكنى عَن الْعَدَبَّس قَالَ: كُنَّا عِنْد عمر بن(8/432)
الْخطاب فَأَتَاهُ رجل فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ مَا الْجَوَارِي الكنس فطعن عمر مخصرة مَعَه فِي عِمَامَة الرجل فألقاها عَن رَأسه فَقَالَ عمر: أحروري وَالَّذِي نفس عمر بن الْخطاب بِيَدِهِ لَو وَجَدْتُك محلوقاً لأنحيت الْقمل عَن رَأسك
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم من طرق عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وَاللَّيْل إِذا عسعس} قَالَ: إِذا أدبر {وَالصُّبْح إِذا تنفس} قَالَ: إِذا بدا النَّهَار حِين طُلُوع الْفجْر
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن مُجَاهِد {وَاللَّيْل إِذا عسعس} قَالَ: إقباله وَيُقَال: إدباره
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن ابْن عَبَّاس إِن نَافِع بن الْأَزْرَق سَأَلَهُ عَن قَوْله: {وَاللَّيْل إِذا عسعس} قَالَ: إقبال سوَاده قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم أما سَمِعت قَول النَّابِغَة: كَأَنَّمَا خدما قَالُوا وَمَا وعدوا ال تضمنه من [] عسعس وَأخرج الطَّحَاوِيّ وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن عَليّ أَنه خرج حِين طلع الْفجْر فَقَالَ: نعم سَاعَة الْوتر هَذِه ثمَّ تَلا {وَاللَّيْل إِذا عسعس وَالصُّبْح إِذا تنفس}
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {إِنَّه لقَوْل رَسُول كريم} قَالَ: جِبْرِيل
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة {أَنه لقَوْل رَسُول كريم} قَالَ: هُوَ جِبْرِيل وَفِي قَوْله: {وَلَقَد رَآهُ بالأفق الْمُبين} قَالَ: كُنَّا نُحدث أَنه الْأُفق الَّذِي يَجِيء مِنْهُ النَّهَار وَفِي لفظ إِنَّه الْأُفق من حَيْثُ تطلع الشَّمْس
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن مُعَاوِيَة بن قُرَّة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لجبريل: مَا أحسن مَا أثنى عَلَيْك رَبك {ذِي قُوَّة عِنْد ذِي الْعَرْش مكين مُطَاع ثمَّ أَمِين} فَمَا كَانَت قوتك وَمَا كَانَت أمانتك قَالَ: أما قوّتي فَإِنِّي بعثت إِلَى مَدَائِن لوط وَهِي أَربع مَدَائِن وَفِي كل مَدِينَة أَرْبَعمِائَة ألف مقَاتل سوى الذَّرَارِي فحملتهم من الأَرْض(8/433)
السُّفْلى حَتَّى سمع أهل السَّمَاء أصوات الدَّجَاج ونباح الْكلاب ثمَّ هويت بهم فقتلتهم وَأما أمانتي فَلم أومر بِشَيْء فعدوته إِلَى غَيره
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لجبريل لَيْلَة الإِسراء اكشف عَن النَّار فكشف عَنْهَا فَنظر إِلَيْهَا فَذَلِك قَوْله: {مُطَاع ثمَّ أَمِين} على الْوَحْي {وَمَا صَاحبكُم بمجنون} مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن أبي صَالح فِي قَوْله: {مُطَاع ثمَّ أَمِين} قَالَ: أَمِين على سبعين حِجَابا يدخلهَا بِغَيْر إِذن {وَمَا صَاحبكُم بمجنون} قَالَ: مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَفِي قَوْله: {وَلَقَد رَآهُ بالأفق الْمُبين} قَالَ: كُنَّا نُحدث أَنه الْأُفق الَّذِي يَجِيء مِنْهُ النَّهَار وَفِي لفظ: إِن الْأُفق من حَيْثُ تطلع الشَّمْس
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم فِي الدَّلَائِل عَن ابْن مَسْعُود {وَلَقَد رَآهُ بالأفق الْمُبين} قَالَ: جِبْرِيل فِي رَفْرَف أَخْضَر قد سد الْأُفق
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن مَسْعُود {وَلَقَد رَآهُ بالأفق الْمُبين} قَالَ: رأى جِبْرِيل لَهُ سِتّمائَة جنَاح قد سد الْأُفق
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وَلَقَد رَآهُ بالأفق الْمُبين} قَالَ: إِنَّمَا عَنى جِبْرِيل أَن مُحَمَّدًا رَآهُ فِي صورته عِنْد سِدْرَة الْمُنْتَهى
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة {وَلَقَد رَآهُ بالأفق الْمُبين} قَالَ: هُوَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: هُوَ رأى جِبْرِيل بالأفق والأفق الصُّبْح
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس {وَلَقَد رَآهُ بالأفق الْمُبين} قَالَ: السَّمَاء السَّابِعَة
وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ فِي الْأَفْرَاد والخطيب فِي تَارِيخه وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه عَن عاشة رَضِي الله عَنْهَا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يقرؤءها وَمَا هُوَ على الْغَيْب بظنين بالظاء
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن الزبير أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يقْرؤهَا وَمَا هُوَ على الْغَيْب بظنين وَفِي لفظ {بضنين} بالضاد
وَأخرج عبد بن حميد عَن هِشَام بن عُرْوَة قَالَ: كَانَ أبي يقْرؤهَا وَمَا هُوَ على الْغَيْب بظنين فَقيل لَهُ: فِي ذَلِك
فَقَالَ: قَالَت عَائِشَة: إِن الْكتاب يخطئون فِي الْمَصَاحِف(8/434)
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه من طرق عَن عبد الله بن الزبير أَنه كَانَ يقْرَأ بظنين
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه من طرق عَن ابْن عَبَّاس أَنه كَانَ يقْرَأ {بضنين} وَقَالَ: ببخيل
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَطاء قَالَ: زَعَمُوا أَنَّهَا فِي الْمَصَاحِف وَفِي مصحف عُثْمَان {بضنين}
وَأخرج أَبُو عبيد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد وهرون قَالَ: فِي حرف أبيّ بن كَعْب {بضنين} يَعْنِي بالضاد
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد {وَمَا هُوَ على الْغَيْب بضنين} يَقُول: مَا كَانَ يضن عَلَيْكُم بِمَا يعلم
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة {وَمَا هُوَ على الْغَيْب بضنين} قَالَ: إِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يضن بِمَا أنزل الله عَلَيْهِ
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة {وَمَا هُوَ على الْغَيْب بضنين} قَالَ: كَانَ هَذَا الْقُرْآن غيباً أعطَاهُ الله تَعَالَى مُحَمَّدًا فبذله وَعلمه ودعا إِلَيْهِ وَمَا ضن بِهِ
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الزُّهْرِيّ {وَمَا هُوَ على الْغَيْب بضنين} قَالَ: لَا يضن بِمَا أُوحِي إِلَيْهِ
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن مَسْعُود أَنه قَرَأَهَا وَمَا هُوَ على الْغَيْب بظنين قَالَ: مَا هُوَ على الْقُرْآن بمتهم
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس وَمَا هُوَ على الْغَيْب بظنين قَالَ: لَيْسَ بمتهم على مَا جَاءَ بِهِ وَلَيْسَ بضنين على مَا أُوتِيَ بِهِ
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ قَالَ: الظنين الْمُتَّهم والضنين الْبَخِيل
وَأخرج عبد بن حميد عَن زر قَالَ: الْغَيْب الْقُرْآن فِي قراءتنا بظنين مُتَّهم وَفِي قراءتكم {بضنين} ببخيل
وَأخرج عبد بن حميد عَن زر قَالَ: الْغَيْب الْقُرْآن فِي قراءتنا بظنين مُتَّهم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد {لمن شَاءَ مِنْكُم أَن يَسْتَقِيم} قَالَ: أَن يتبع الْحق(8/435)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: لما نزلت {لمن شَاءَ مِنْكُم أَن يَسْتَقِيم} قَالُوا: الْأَمر إِلَيْنَا إِن شِئْنَا استقمنا وَإِن شِئْنَا لم نستقم فهبط جِبْرِيل على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: كذبُوا يَا مُحَمَّد {وَمَا تشاؤون إِلَّا أَن يَشَاء الله رب الْعَالمين} ففرح بذلك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج ابْن سعد وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن وهب بن مُنَبّه قَالَ: قَرَأت اثْنَيْنِ وَتِسْعين كتابا كلهَا أنزلت من السَّمَاء وجدت فِي كلهَا أَن من أضَاف إِلَى نَفسه شَيْئا من الْمَشِيئَة فقد كفر
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن سلمَان بن مُوسَى قَالَ: لما نزلت {لمن شَاءَ مِنْكُم أَن يَسْتَقِيم} قَالَ أَبُو جهل: جعل الْأَمر إِلَيْنَا إِن شِئْنَا استقمنا وَإِن شِئْنَا لم نستقم فَأنْزل الله {وَمَا تشاؤون إِلَّا أَن يَشَاء الله رب الْعَالمين}
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر عَن الْقَاسِم بن مخيمرة قَالَ: لما نزلت {لمن شَاءَ مِنْكُم أَن يَسْتَقِيم} قَالَ أَبُو جهل: أرى الْأَمر إِلَيْنَا فَنزلت {وَمَا تشاؤون إِلَّا أَن يَشَاء الله رب الْعَالمين}(8/436)
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
82
سُورَة الإنفطار
مَكِّيَّة وآياتها تسع عشرَة
مُقَدّمَة السُّورَة أخرج ابْن الضريس والنحاس وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: نزلت {إِذا السَّمَاء انفطرت} بِمَكَّة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن الزبير مثله
وَأخرج النَّسَائِيّ عَن جَابر قَالَ: قَالَ: قَامَ معَاذ فصلى الْعشَاء فطول فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أفتان أَنْت يَا معَاذ أَيْن أَنْت عَن {سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى} {وَالضُّحَى} و {إِذا السَّمَاء انفطرت}
الْآيَة 1 - 19(8/437)
إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ (1) وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ (2) وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ (3) وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ (4) عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ (5) يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6) الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (7) فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ (8) كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ (9) وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10) كِرَامًا كَاتِبِينَ (11) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ (12) إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (13) وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ (14) يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ (15) وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ (16) وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ (17) ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ (18) يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ (19)
أخرج ابْن الْمُنْذر عَن السّديّ {إِذا السَّمَاء انفطرت} قَالَ: انشقت
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث من طَرِيق عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس {وَإِذا الْبحار فجرت} قَالَ: بَعْضهَا فِي بعض {وَإِذا الْقُبُور بعثرت} قَالَ: بحثت
وَأخرج عبد بن حميد عَن الرّبيع بن خَيْثَم {وَإِذا الْبحار فجرت} قَالَ: فجر بَعْضهَا فِي بعض فَذهب مَاؤُهَا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج {وَإِذا الْقُبُور بعثرت} أخرج مَا فِيهَا من الْمَوْتَى
وَأخرج ابْن الْمُبَارك فِي الزّهْد وَعبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن مَسْعُود قي قَوْله: {علمت نفس مَا قدمت وأخرت} قَالَ: مَا قدمت من خير وأخرت من سنة صَالحا يعْمل بهَا بعده فَإِن لَهُ مثل أجر من عمل بهَا من غير أَن ينقص من أُجُورهم شَيْئا أَو سنة سَيِّئَة يعْمل بهَا بعده فَإِن عَلَيْهِ مثل وزر عمل بهَا وَلَا ينقص من أوزارهم شَيْئا
وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن عَبَّاس فِي الْآيَة قَالَ: مَا قدمت من عمل خير أَو شَرّ وَمَا أخرت من سنة يعْمل بهَا من بعده
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن حُذَيْفَة قَالَ: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من اسْتنَّ خيرا فاستن بِهِ فَلهُ أجره وَمثل أجور من اتبعهُ غير منتقص من أُجُورهم وَمن اسْتنَّ شرا فاستن بِهِ فَعَلَيهِ وزره وَمثل أوزار من اتبعهُ غير منتقص من أوزارهم وتلا حُذَيْفَة {علمت نفس مَا قدمت وأخرت}
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله: {علمت نفس مَا قدمت وأخرت} قَالَ: مَا أدَّت إِلَى الله مِمَّا أمرهَا بِهِ وَمَا ضيعت
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة {مَا قدمت} من خير وَمَا {وأخرت} من حق الله تَعَالَى لم تعْمل بِهِ
وَأخرج عبد بن حميد عَن سعيد بن جُبَير {مَا قدمت} من خير {وأخرت} مَا حدث بِهِ نَفسه لم يعْمل بِهِ
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد مَا قدمت من خير وَمَا أخرت مَا أمرت أَن تعْمل فَتركت(8/438)
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَطاء {مَا قدمت} بَين أيديها وَمَا {وأخرت} وَرَاءَهَا من سنة يعْمل بهَا من بعده
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن أبي حَاتِم وَابْن الْمُنْذر عَن عمر بن الْخطاب أَنه قَرَأَ هَذِه الْآيَة {يَا أَيهَا الإِنسان مَا غَرَّك بِرَبِّك الْكَرِيم} فَقَالَ: غره وَالله جَهله
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة {يَا أَيهَا الإِنسان مَا غَرَّك} قَالَ: أبيّ بن خلف
وَأخرج عبد بن حميد عَن صَالح بن مِسْمَار قَالَ: بَلغنِي أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَلا هَذِه الْآيَة {يَا أَيهَا الإِنسان مَا غَرَّك بِرَبِّك الْكَرِيم} ثمَّ قَالَ: جَهله
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ربيع بن خَيْثَم {مَا غَرَّك} قَالَ: الْجَهْل
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَالْحَاكِم وَصَححهُ من طَرِيق سعيد بن الْمسيب عَن أبي هُرَيْرَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يقْرَأ {فسوّاك فعدلك} مثقل
وَأخرج البُخَارِيّ فِي تَارِيخه وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن شاهين وَابْن قَانِع وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق مُوسَى بن عَليّ بن رَبَاح عَن أَبِيه عَن جده أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَهُ: مَا ولد لَك قَالَ يَا رَسُول الله: مَا عَسى أَن يُولد لي إِمَّا غُلَام وَإِمَّا جَارِيَة
قَالَ: فَمن يشبه قَالَ يَا رَسُول الله: مَا عَسى أَن يشبه أَبَاهُ وَإِمَّا أمه
فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: عِنْد هامه لَا تقولن هَذَا إِن النُّطْفَة إِذا اسْتَقَرَّتْ فِي الرَّحِم أحضرها الله كل نسب بَينهَا وَبَين آدم فَركب خلقه فِي صُورَة من تِلْكَ الصُّور أما قَرَأت هَذِه الْآيَة فِي كتاب الله {فِي أَي صُورَة مَا شَاءَ ركبك} من نسلك مَا بَيْنك وَبَين آدم
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه بِسَنَد جيد وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن مَالك بن الْحُوَيْرِث قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِذا أَرَادَ الله أَن يخلق النَّسمَة فجامع الرجل الْمَرْأَة طَار مَاؤُهُ فِي كل عرق وَعصب مِنْهَا فَإِذا كَانَ الْيَوْم السَّابِع أحضر الله كل عرق بَينه وَبَين آدم ثمَّ قَرَأَ {فِي أَي صُورَة مَا شَاءَ ركبك}
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ عَن عبد الله بن بُرَيْدَة أَن رجلا من الْأَنْصَار ولدت لَهُ امْرَأَته غُلَاما أسود فَأخذ بيد امْرَأَته فَأتى بهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَت: وَالَّذِي بَعثك بِالْحَقِّ لقد تزوجتني بكرا وَمَا أقعدت مَقْعَده أحدا فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: صدقت إِن لَك تِسْعَة وَتِسْعين عرقاً وَله مثل ذَلِك فَإِذا كَانَ حِين الْوَلَد اضْطَرَبَتْ(8/439)
الْعُرُوق كلهَا لَيْسَ مِنْهَا عرق إِلَّا يسْأَل الله أَن يَجْعَل الشّبَه لَهُ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد {فِي أَي صُورَة مَا شَاءَ ركبك} قَالَ: إِمَّا قبيحاً وَإِمَّا حسنا وَشبه أَب أَو أم أَو خَال أَو عَم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر والرامهرمزي فِي الْأَمْثَال عَن أبي صَالح {فِي أيّ صُورَة مَا شَاءَ ركبك} قَالَ: إِن شَاءَ حمارا وَإِن شَاءَ خنزيراً وَإِن شَاءَ فرسا وَإِن شَاءَ إنْسَانا
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله: {فِي أيّ صُورَة مَا شَاءَ ركبك} قَالَ: إِن شَاءَ قرداً وَإِن شَاءَ صُورَة خنزيرا وَالله تَعَالَى أعلم
أخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {كلا بل تكذبون بِالدّينِ} قَالَ: بِالْحِسَابِ {وَإِن عَلَيْكُم لحافظين كراماً كاتبين}
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: جعل الله على ابْن آدم حافظين فِي اللَّيْل وحافظين فِي النَّهَار يحفظان عمله ويكتبان أَثَره
وَأخرج الْبَزَّار عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن الله يَنْهَاكُم عَن التعري فاستحيوا من مَلَائِكَة الله الَّذين مَعكُمْ الْكِرَام الْكَاتِبين الَّذين لَا يفارقونكم إِلَّا عِنْد إِحْدَى ثَلَاث حاجات: الْغَائِط والجنابة وَالْغسْل
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: خرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الظهيرة فَرَأى رجلا يغْتَسل بفلاة من الأَرْض فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ: أما بعد فَاتَّقُوا الله واكرموا الْكِرَام الْكَاتِبين الَّذين مَعكُمْ لَيْسَ يفارقونكم إِلَّا عِنْد إِحْدَى منزلتين: حَيْثُ يكون الرجل على خلائه أَو يكون مَعَ أَهله لأَنهم كرام كَمَا سماهم الله فيستتر أحدكُم عِنْد ذَلِك بجرم حَائِط أَو بعيره فَإِنَّهُم لَا ينظرُونَ إِلَيْهِ
وَأخرج الْبَزَّار عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا من حافظين يرفعان إِلَى الله مَا حفظا فِي يَوْم فَيرى فِي أول الصَّحِيفَة وَآخِرهَا اسْتِغْفَارًا إِلَّا قَالَ الله: قد غفرت لعبدي مَا بَين طرفِي الصَّحِيفَة
أخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {وَمَا أَدْرَاك مَا يَوْم الدّين} قَالَ: تَعْظِيم يَوْم الْقِيَامَة يَوْم يدان النَّاس فِيهِ بأعمالهم وَفِي قَوْله: {وَالْأَمر يَوْمئِذٍ لله} قَالَ: لَيْسَ ثمَّ أحد يقْضِي شَيْئا وَلَا يصنع شَيْئا غير رب الْعَالمين(8/440)
83
سُورَة المطففين
مَكِّيَّة وآياتها سِتّ وَثَلَاثُونَ أخرج النّحاس وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: نزلت سُورَة المطففين بِمَكَّة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن الزبير مثله
وَأخرج ابْن الضريس عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: آخر مَا أنزل بِمَكَّة سُورَة المطففين
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
الْآيَة 1 - 13(8/441)
وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (1) الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (2) وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (3) أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ (4) لِيَوْمٍ عَظِيمٍ (5) يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (6) كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ (7) وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ (8) كِتَابٌ مَرْقُومٌ (9) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (10) الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (11) وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (12) إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (13)
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: أول مَا نزل بِالْمَدِينَةِ {ويل لِلْمُطَفِّفِينَ}
وَأخرج النَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَابْن جرير وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان بِسَنَد صَحِيح عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لما قدم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَدِينَة كَانُوا من أَخبث النَّاس كَيْلا فَأنْزل الله {ويل لِلْمُطَفِّفِينَ} فَأحْسنُوا الْكَيْل بعد ذَلِك(8/441)
وَأخرج ابْن سعد وَالْبَزَّار وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اسْتعْمل سِبَاع بن عرفطة على الْمَدِينَة لما خرج إِلَى خَيْبَر فَقَرَأَ {ويل لِلْمُطَفِّفِينَ} فَقلت: هلك فلَان لَهُ صَاع يُعْطي بِهِ وَصَاع يَأْخُذ بِهِ
وَأخرج الْحَاكِم عَن ابْن عمر أَنه قَرَأَ {ويل لِلْمُطَفِّفِينَ} فَبكى وَقَالَ: هُوَ الرجل يسْتَأْجر الرجل أَو الكيال وَهُوَ يعلم أَنه يخيف فِي كَيْله فوزره عَلَيْهِ
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا نقض قوم الْعَهْد إِلَّا سلط الله عَلَيْهِم عدوّهم وَلَا طَفَّفُوا الْكَيْل إِلَّا منعُوا النَّبَات وَأخذُوا بِالسِّنِينَ
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة عَن سلمَان قَالَ: إِنَّمَا الصَّلَاة مكيال فَمن أوفى أوفي لَهُ وَمن طفف فقد سَمِعْتُمْ مَا قَالَ الله فِي المطففين
وَأخرج عبد بن حميد وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن وهب بن مُنَبّه قَالَ: تَركك الْمُكَافَأَة تطفيف
قَالَ الله: {ويل لِلْمُطَفِّفِينَ}
قَوْله تَعَالَى: {يَوْم يقوم النَّاس لرب الْعَالمين}
أخرج مَالك وهناد وَعبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عمر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: {يَوْم يقوم النَّاس لرب الْعَالمين} حَتَّى يغيب أحدهم فِي رشحه إِلَى أَنْصَاف أُذُنَيْهِ
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَأَبُو الشَّيْخ وَالْحَاكِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن ابْن عمر قَالَ: تَلا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَذِه الْآيَة {يَوْم يقوم النَّاس لرب الْعَالمين} قَالَ: كَيفَ بكم إِذا جمعكم الله كَمَا يجمع النبل فِي الكنانة خمسين ألف سنة لَا ينظر إِلَيْكُم
وَأخرج عَن ابْن مَسْعُود إِذا حشر النَّاس قَامُوا أَرْبَعِينَ عَاما
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن الْقَاسِم بن أبي بزَّة قَالَ: حَدثنِي من سمع أَن عمر قَرَأَ {ويل لِلْمُطَفِّفِينَ} حَتَّى بلغ {يَوْم يقوم النَّاس لرب الْعَالمين} بِمِقْدَار نصف يَوْم من خمسين ألف سنة فيهون ذَلِك الْيَوْم على الْمُؤمن كتدلي الشَّمْس من الْغُرُوب حَتَّى تغرب
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن ابْن عَمْرو أَنه قَالَ: يَا رَسُول الله: كم قيام النَّاس بَين يَدي رب الْعَالمين يَوْم الْقِيَامَة قَالَ: ألف سنة لَا يُؤذن لَهُم(8/442)
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن كَعْب فِي الْآيَة قَالَ: يقومُونَ ثَلَاثمِائَة عَام لَا يُؤذن لَهُم بالقعود فَأَما الْمُؤمن فيهون عَلَيْهِ كَالصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَة
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي الْآيَة قَالَ: يقومُونَ مِقْدَار ثَلَاثمِائَة سنة ويخفف الله ذَلِك الْيَوْم ويقصره على الْمُؤمن كمقدار نصف يَوْم أَو كَصَلَاة مَكْتُوبَة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن حُذَيْفَة يقوم النَّاس على أَقْدَامهم يَوْم الْقِيَامَة ثَلَاثمِائَة سنة ويهون ذَلِك الْيَوْم على الْمُؤمن كَقدْر الصَّلَاة الْمَكْتُوبَة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لبشير الْغِفَارِيّ: كَيفَ أَنْت صانع فِي يَوْم يقوم النَّاس لرب الْعَالمين مِقْدَار ثَلَاثمِائَة سنة من أَيَّام الدُّنْيَا لَا يَأْتِيهم خبر من السَّمَاء وَلَا يُؤمر فيهم بِأَمْر قَالَ بشير: الْمُسْتَعَان بِاللَّه يَا رَسُول الله
قَالَ: إِذا أويت إِلَى فراشك فتعوذ بِاللَّه من شَرّ يَوْم الْقِيَامَة وَمن شَرّ الْحساب
وَأخرج ابْن النجار فِي تَارِيخه عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ: أَن رجلا كَانَ لَهُ من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مقْعد يُقَال لَهُ بشير فَفَقدهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثَلَاثًا فَرَآهُ شاحباً فَقَالَ: مَا غير لونك يَا بشير قَالَ: اشْتريت بعير فشرد عليّ فَكنت فِي طلبه وَلم أشْتَرط فِيهِ شرطا
فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن الْبَعِير الشرود يرد مِنْهُ إِنَّمَا غير لونك غير هَذَا
قَالَ: لَا
قَالَ: فَكيف بِيَوْم يكون مِقْدَاره خمسين ألف سنة {يَوْم يقوم النَّاس لرب الْعَالمين}
أخرج ابْن الْمُبَارك فِي الزّهْد وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر من طَرِيق شمر بن عَطِيَّة أَن الن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا سَأَلَ كَعْب الْأَحْبَار عَن قَوْله: {كلا إِن كتاب الْفجار لفي سِجِّين} قَالَ: إِن روح الْفَاجِر يصعد بهَا إِلَى السَّمَاء فتأبى السَّمَاء أَن تقبلهَا فيهبط بهَا إِلَى الأَرْض فتأبى الأَرْض أَن تقبلهَا فييدخل بهَا تَحت سبع أَرضين حَتَّى يَنْتَهِي بهَا إِلَى السجين وَهُوَ خد إِبْلِيس فَيخرج لَهَا من تَحت خد إِبْلِيس كتابا فيختم وَيُوضَع تَحت خد إِبْلِيس لهلاكه لِلْحسابِ فَذَلِك قَوْله تَعَالَى: {وَمَا أَدْرَاك مَا سِجِّين كتاب مرقوم} وَقَوله: {إِن كتاب الْأَبْرَار لفي عليين} قَالَ: إِن روح الْمُؤمن إِذا عرج بهَا إِلَى السَّمَاء فتنفتح لَهَا أَبْوَاب السَّمَاء وتلقاه الْمَلَائِكَة بالبشرى حَتَّى يَنْتَهِي بهَا إِلَى الْعَرْش وتعرج الْمَلَائِكَة فَيخرج لَهَا من تَحت الْعَرْش رق فيرقم وَيخْتم وَيُوضَع تَحت الْعَرْش لمعْرِفَة النجَاة لِلْحسابِ يَوْم الْقِيَامَة وَيشْهد الْمَلَائِكَة المقربون فَذَلِك قَوْله: {وَمَا أَدْرَاك مَا عليون كتاب مرقوم}(8/443)
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر عَن مُحَمَّد بن كَعْب رَضِي الله عَنهُ فِي الْآيَة قَالَ: قد رقم الله على الْفجار مَا هم عاملون فِي سِجِّين فَهُوَ أَسْفَل والفجار مُنْتَهُونَ إِلَى مَا قد رقم الله عَلَيْهِم ورقم على الْأَبْرَار مَا هم عاملون فِي عليين وهم فَوق فهم مُنْتَهُونَ إِلَى مَا قد رقم الله عَلَيْهِم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: سِجِّين أَسْفَل الْأَرْضين
وَأخرج ابْن جرير عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: الفلق جب فِي جَهَنَّم مغطى وَأما سِجِّين فمفتوح
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {كلا إِن كتاب الْفجار لفي سِجِّين} قَالَ: عَمَلهم فِي الأَرْض السَّابِعَة لَا يصعد
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {كلا إِن كتاب الْفجار لفي سِجِّين} قَالَ: تَحت الأَرْض السُّفْلى فِيهَا أَرْوَاح الْكفَّار وأعمالهم أَعمال السوء
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ فِي العظمة والمحاملي فِي أَمَالِيهِ عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: سِجِّين صَخْرَة تَحت الأَرْض السَّابِعَة فِي جَهَنَّم تقلب فَيجْعَل كتاب الْفجار تحتهَا
وَأخرج عبد بن حميد عَن فرقد {كلا إِن كتاب الْفجار لفي سِجِّين} قَالَ: تَحت الأَرْض السُّفْلى
وَأخرج عبد بن حميد وَعبد الرَّزَّاق عَن قَتَادَة {كلا إِن كتاب الْفجار لفي سِجِّين} قَالَ: هُوَ أَسْفَل الأَرْض السَّابِعَة {كتاب مرقوم} قَالَ: مَكْتُوب
قَالَ قَتَادَة: ذكر لنا أَن عبد الله بن عمر كَانَ يَقُول: الأَرْض السُّفْلى فِيهَا أَرْوَاح الْكفَّار وأعمالهم السوء
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عَائِشَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: سِجِّين الأَرْض السَّابِعَة السُّفْلى
وَأخرج عبد بن حميد عَن عبد الله بن عَمْرو قَالَ: الأَرْض السُّفْلى فِيهَا أَرْوَاح الْكفَّار وأعمالهم أَعمال السوء
وَأخرج ابْن الْمُبَارك عَن ابْن جريج قَالَ: بَلغنِي أَن {سِجِّين} الأَرْض السلفى وَفِي قَوْله: {مرقوم} قَالَ: مَكْتُوب
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة {كتاب مرقوم} قَالَ: رقم لَهُم بشر(8/444)
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة {لفي سِجِّين} قَالَ: لفي خسار
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: حَدثنِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن الْملك يرفع الْعَمَل للْعَبد يرى أَن فِي يَدَيْهِ مِنْهُ سُرُورًا حَتَّى يَنْتَهِي إِلَى الْمِيقَات الَّذِي وَصفه الله لَهُ فَيَضَع الْعَمَل فِيهِ فيناديه الْجَبَّار من فَوْقه إرم بِمَا مَعَك فِي {سِجِّين} وسجين الأَرْض السَّابِعَة
فَيَقُول الْملك: مَا رفعت إِلَيْهِ إِلَى حَقًا فَيَقُول: صدقت إرم بِمَا مَعَك فِي سِجِّين
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن ماجة وَالطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن عبد الله بن كَعْب بن مَالك قَالَ: لما حضرت كَعْبًا الْوَفَاة أَتَتْهُ أم بشر بنت الْبَراء فَقَالَت: إِن لقِيت ابْن فاقرئه مني السَّلَام فَقَالَ لَهَا: غفر الله لَك يَا أم بشر نَحن أَسْفَل من ذَلِك فَقَالَت: أما سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: إِن نسمَة الْمُؤمن تسرح فِي الْجنَّة حَيْثُ شَاءَت وَإِن نسمَة الْكَافِر فِي سِجِّين قَالَ: بلَى فَهُوَ ذَلِك
وَأخرج ابْن الْمُبَارك عَن سعيد بن الْمسيب قَالَ: التقى سلمَان وَعبد الله بن سَلام فَقَالَ أَحدهمَا لصَاحبه: إِن مت قبلي فالقني فَأَخْبرنِي بِمَا صنع رَبك بك وَإِن أَنا مت قبلك لقيتك فأخبرتك
فَقَالَ عبد الله: كَيفَ يكون هَذَا قَالَ: نعم إِن أَرْوَاح الْمُؤمنِينَ تكون فِي برزخ من الأَرْض تذْهب حَيْثُ شَاءَت وَنَفس الْكَافِر فِي سِجِّين وَالله أعلم
الْآيَة 14 - 21(8/445)
كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (14) كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (15) ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الْجَحِيمِ (16) ثُمَّ يُقَالُ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (17) كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ (18) وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ (19) كِتَابٌ مَرْقُومٌ (20) يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ (21)
أخرج أَحْمد وَعبد بن حميد وَالْحَاكِم وَالتِّرْمِذِيّ وصححاه وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَابْن جرير وَابْن حبَان وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الْإِيمَان عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن العَبْد إِذا أذْنب ذَنبا نكتت فِي قلبه نُكْتَة سَوْدَاء فَإِن تَابَ وَنزع واستغفر صقل قلبه
وَإِن عَاد زَادَت حَتَّى تعلو قلبه فَذَلِك الران الَّذِي ذكر الله فِي الْقُرْآن {كلا بل ران على قُلُوبهم مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}(8/445)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن بعض الصَّحَابَة أَنه سمع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: من قتل مُؤمنا أسودَّ سدس قلبه وَإِن قتل اثْنَيْنِ أسود ثلث قلبه وَإِن قتل ثَلَاثَة رين على قلبه فَلم يبال مَا قتل فَذَلِك قَوْله: {بل ران على قُلُوبهم مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن حُذَيْفَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: الْقلب هَكَذَا مثل الْكَفّ فيذنب الذَّنب فينقبض مِنْهُ ثمَّ يُذنب الذَّنب فينقبض مِنْهُ حَتَّى يخْتم عَلَيْهِ فَيسمع الْخَيْر فَلَا يجد لَهُ مساغاً [] يجمع فَإِذا اجْتمع طبع عَلَيْهِ فَإِذا سمع خيرا دخل فِي أُذُنَيْهِ حَتَّى يَأْتِي الْقلب فَلَا يجد فِيهِ مدخلًا فَذَلِك قَوْله: {بل ران على قُلُوبهم} الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانُوا يرَوْنَ أَن الْقلب مثل الْكَفّ وَذكر مثله
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {كلا بل ران على قُلُوبهم} قَالَ: إِذا عمل الرجل الذنبي نكت فِي قلبه نُكْتَة سَوْدَاء ثمَّ يعْمل الذَّنب بعد ذَلِك فينكت فِي قلبه نُكْتَة سَوْدَاء ثمَّ كَذَلِك حَتَّى يسود عَلَيْهِ فَإِذا ارْتَاحَ العَبْد قَالَ: ييسر لَهُ عمل صَالح فَيذْهب من السودا بعضه ثمَّ ييسر لَهُ عمل صَالح أَيْضا فَيذْهب من السوَاد بعضه ثمَّ ييسر لَهُ أَيْضا عمل صَالح فَيذْهب من السوَاد بعضه ثمَّ كَذَلِك حَتَّى يذهب السوء كُله
وَأخرج نعيم بن حَمَّاد فِي الْفِتَن وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَتعقبه الذَّهَبِيّ عَن عبد الله بن عمر رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه كَانَ يَقُول: لن تَتَفَكَّرُوا بِخَير مَا اسْتغنى أهل بدوكم عَن أهل حضركم وليسوقنهم السنون والسنات حَتَّى يَكُونُوا مَعكُمْ فِي الديار وَلَا تتمنعوا مِنْهُم لِكَثْرَة من يسير عَلَيْكُم مِنْهُم
قَالَ: يَقُولُونَ طالما جعنا وشبعتم وطالما شقينا ونعمتم فواسونا الْيَوْم ولتستصعبن بكم الأَرْض حَتَّى يغِيظ أهل حضركم أهل بدوكم ولتميلن بكم الأَرْض مَيْلَة يهْلك منا من هلك وَيبقى من بَقِي حَتَّى تعْتق الرّقاب ثمَّ تهدأ بكم الأَرْض بعد ذَلِك حَتَّى ينْدَم المعتقون ثمَّ تميل بكم الأَرْض مَيْلَة أُخْرَى فَيهْلك فِيهَا من هلك وَيبقى من بَقِي يَقُولُونَ: رَبنَا نعتق رَبنَا نعتق فيكذبهم الله كَذبْتُمْ كَذبْتُمْ أَنا أعتق قَالَ: وليبتلين أخريات هَذِه الْأمة بالرجف فَإِن تَابُوا تَابَ الله عَلَيْهِم وَإِن عَادوا عَاد الله عَلَيْهِم الرجف وَالْقَذْف والخذف وَالْمَسْخ والخسف وَالصَّوَاعِق فَإِذا قيل: هلك النَّاس هلك النَّاس هلك النَّاس فقد هَلَكُوا(8/446)
وَلنْ يعذب الله أمة حَتَّى تعذر قَالُوا: وَمَا عذرها قَالَ: يعترفون بِالذنُوبِ وَلَا يتوبون ولتطمئن الْقُلُوب بِمَا فِيهَا من برهَا وفجورها كَمَا تطمئِن الشَّجَرَة بِمَا فِيهَا حَتَّى لَا يَسْتَطِيع محسن يزْدَاد إحساناً وَلَا يَسْتَطِيع مسيء استعتاباً
قَالَ الله: {كلا بل ران على قُلُوبهم مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة {كلا بل ران على قُلُوبهم مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} قَالَ: أَعمال السوء ذَنْب على ذَنْب حَتَّى مَاتَ قلبه واسود
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {كلا بل ران على قُلُوبهم مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} قَالَ: أَثْبَتَت على قلبه الْخَطَايَا حَتَّى غيرته
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {ران} قَالَ: طبع
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: الران الطابع
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي الْآيَة كَانُوا يرَوْنَ أَن الرين هُوَ الطَّبْع
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ كَانُوا يرَوْنَ أَن الْقلب مثل الْكَفّ فيذنب الذَّنب فينقبض مِنْهُ ثمَّ يُذنب الذَّنب فينقبض حَتَّى يخْتم عَلَيْهِ وَيسمع الْخَيْر فَلَا يجد لَهُ مساغاً
وَأخرج ابْن جريروالبيهقي عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: الران أيسر من الطَّبْع والطبع أيسر من الإِقفال والإِقفال أَشد ذَلِك كُله
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {كلا بل ران على قُلُوبهم} قَالَ: يعْمل الذَّنب فيحيط بِالْقَلْبِ فَكلما عمل ارْتَفَعت حَتَّى يغشى الْقلب
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ {كلا بل ران على قُلُوبهم} قَالَ: الذَّنب على الذَّنب ثمَّ الذَّنب على الذَّنب حَتَّى يغمر الْقلب فَيَمُوت
وَأخرج عبد بن حميد من طَرِيق خُلَيْد بن الحكم عَن أبي الْخَيْر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَربع خِصَال تفْسد الْقلب: مجاراة الأحمق فَإِن جَارِيَته كنت مثله وَإِن سكت عَنهُ سلمت مِنْهُ وَكَثْرَة الذُّنُوب مفْسدَة الْقُلُوب وَقد قَالَ: {بل ران على قُلُوبهم مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} وَالْخلْوَة بِالنسَاء والاستمتاع مِنْهُنَّ وَالْعَمَل برأيهم ومجالسة الْمَوْتَى قيل وَمَا الْمَوْتَى قَالَ: كل غَنِي قد أبطره غناهُ(8/447)
أخرج عبد بن حميد عَن أبي مليكَة الزيَادي رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {كلا إِنَّهُم عَن رَبهم يَوْمئِذٍ لمحجوبون} قَالَ: المنان والمختال وَالَّذِي يقطع يَمِينه بِالْكَذِبِ ليَأْكُل أَمْوَال النَّاس وَالله أعلم
أخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {كلا إِن كتاب الْأَبْرَار لفي عليين} قَالَ: عليون فَوق السَّمَاء السَّابِعَة عِنْد قَائِمَة الْعَرْش الْيُمْنَى {كتاب مرقوم} قَالَ: رقم لَهُم بِخَير {يشهده المقربون} قَالَ: المقربون من مَلَائِكَة الله
وَأخرج عبد بن حميد عَن كَعْب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: هِيَ قَائِمَة الْعَرْش الْيُمْنَى
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: عليون السَّمَاء السَّابِعَة
وَأخرج عبد بن حميد من طَرِيق الْأَجْلَح عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِذا قبض روح العَبْد الْمُؤمن يعرج بِهِ إِلَى السَّمَاء الدُّنْيَا فَينْطَلق مَعَه المقربون إِلَى السَّمَاء الثَّانِيَة
قَالَ الْأَجْلَح: فَقلت: وَمَا المقربون قَالَ: أقربهم إِلَى السَّمَاء الثَّانِيَة ثمَّ الثَّالِثَة ثمَّ الرَّابِعَة ثمَّ الْخَامِسَة ثمَّ السَّادِسَة ثمَّ السَّابِعَة حَتَّى يَنْتَهِي بِهِ إِلَى سِدْرَة الْمُنْتَهى
فَقَالَ الْأَجْلَح: فَقلت للضحاك: وَلم تسمى سِدْرَة الْمُنْتَهى قَالَ: لِأَنَّهُ يَنْتَهِي إِلَيْهَا كل شَيْء من أَمر الله لَا يعدوها فَيَقُولُونَ: رب عَبدك فلَان وَهُوَ أعلم بِهِ مِنْهُم فيبعث الله إِلَيْهِم بصك مختوم يأمنه من الْعَذَاب وَذَلِكَ قَوْله: {كلا إِن كتاب الْأَبْرَار لفي عليين وَمَا أَدْرَاك مَا عليون كتاب مرقوم يشهده المقربون}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {لفي عليين} قَالَ: الْجنَّة وَفِي قَوْله: {يشهده المقربون} قَالَ: كل أهل سَمَاء
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله: {يشهده المقربون} قَالَ: هم مقربو أهل كل سَمَاء إِذا مر بهم عمل الْمُؤمن شيعه مقربو كل أهل سَمَاء حَتَّى يَنْتَهِي الْعَمَل إِلَى السَّمَاء السَّابِعَة فَيَشْهَدُونَ حَتَّى يثبت [] السَّمَاء السَّابِعَة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي أُمَامَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: صَلَاة على أثر صَلَاة لَا لَغْو بَينهمَا كتاب مرقوم فِي عليين
وَأخرج عبد بن حميد من طَرِيق خَالِد بن عرْعرة وَأبي عجيل أَن ابْن عَبَّاس سَأَلَ كَعْبًا عَن قَوْله تَعَالَى: {كلا إِن كتاب الْأَبْرَار لفي عليين} الْآيَة قَالَ: إِن الْمُؤمن يحضرهُ الْمَوْت ويحضره رسل ربه فَلَا هم يَسْتَطِيعُونَ أَن يؤخروه سَاعَة وَلَا يعجلوه(8/448)
حَتَّى تَجِيء سَاعَته فَإِذا جَاءَت سَاعَته قبضوا نَفسه فدفعوه إِلَى مَلَائِكَة الرَّحْمَة فأروه مَا شَاءَ الله أَن يروه من الْخَيْر ثمَّ عرجوا بِرُوحِهِ إِلَى السَّمَاء فيشيعه من كل سَمَاء مقربوها حَتَّى ينْتَهوا بِهِ إِلَى السَّمَاء السَّابِعَة فيضعونه بَين أَيْديهم وَلَا ينتظرون بِهِ صَلَاتكُمْ عَلَيْهِ فَيَقُولُونَ: اللَّهُمَّ هَذَا عَبدك فلَان قبضنا نَفسه فَيدعونَ لَهُ بِمَا شَاءَ الله أَن يدعوا فَنحْن نحب أَن يشهدنا الْيَوْم كِتَابه فينثر كِتَابه من تَحت الْعَرْش فيثبتون اسْمه فِيهِ وهم شُهُوده فَذَلِك قَوْله: {كتاب مرقوم يشهده المقربون} وَسَأَلَهُ عَن قَوْله: {إِن كتاب الْفجار لفي سِجِّين} الْآيَة قَالَ: إِن العَبْد الْكَافِر يحضرهُ الْمَوْت ويحضره رسل الله فَإِذا جَاءَت سَاعَته قبضوا نَفسه فدفعوه إِلَى مَلَائِكَة الْعَذَاب فأروه مَا شَاءَ الله أَن يروه من الشَّرّ ثمَّ هَبَطُوا بِهِ إِلَى الأَرْض السُّفْلى وَهِي سِجِّين وَهِي آخر سُلْطَان إِبْلِيس فأثبتوا كِتَابه فِيهَا وَسَأَلَهُ عَن {سِدْرَة الْمُنْتَهى} فَقَالَ: هِيَ سِدْرَة نابتة فِي السَّمَاء السَّابِعَة ثمَّ علت على الْخَلَائق إِلَى مَا دونهَا و (عِنْدهَا جنَّة المأوى) (سُورَة النَّجْم الْآيَة 15) قَالَ: جنَّة الشُّهَدَاء
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَطاء بن يسَار قَالَ: لقِيت رجلا من حمير كَأَنَّهُ عَلامَة يقْرَأ الْكتب فَقلت لَهُ: الأَرْض الَّتِي نَحن عَلَيْهَا مَا سكانها قَالَ: هِيَ على صَخْرَة خضراء تِلْكَ الصَّخْرَة على كف ملك ذَلِك الْملك قَائِم على ظهر حوت منطو بالسموات وَالْأَرْض من تَحت الْعَرْش
قلت: الأَرْض الثَّانِيَة من سكانها قَالَ: سكانها الرّيح الْعَقِيم لما أَرَادَ الله أَن يهْلك عاداً أوحى إِلَى خزنتها أَن افتحوا عَلَيْهِم مِنْهَا بَابا
قَالُوا: يَا رَبنَا مثل منخر الثور قَالَ: إِذن تكفأ الأَرْض وَمن عَلَيْهَا
فضيق ذَلِك حَتَّى جعل مثل حَلقَة الْخَاتم فبلغت مَا حدث الله
قلت: الأَرْض الثَّالَّةِ من ساكنها قَالَ: فِيهَا حِجَارَة جَهَنَّم
قلت: الأَرْض الرَّابِعَة من ساكنها قَالَ: فِيهَا كبريت جَهَنَّم
قلت: الأَرْض الْخَامِسَة من ساكنها قَالَ: فِيهَا عقارب جَهَنَّم
قلت: الأَرْض السَّادِسَة من ساكنها قَالَ: فِيهَا حيات جَهَنَّم
قلت: الأَرْض السَّابِعَة من ساكنها قَالَ: تِلْكَ سِجِّين فِيهَا إِبْلِيس موثق يَد أَمَامه وَيَد خَلفه وَرجل خَلفه وَرجل أَمَامه
كَانَ يُؤْذِي الْمَلَائِكَة فاستعدت عَلَيْهِ فسجن هُنَاكَ وَله زمَان يُرْسل فِيهِ فَإِذا أرسل لم تكن فتْنَة النَّاس بأعي عَلَيْهِم من شَيْء(8/449)
وَأخرج ابْن الْمُبَارك عَن ضَمرَة بن حبيب قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن الْمَلَائِكَة يرفعون أَعمال العَبْد من عباد الله يستكثرونه ويزكونه حَتَّى يبلغُوا بِهِ حَيْثُ يَشَاء الله من سُلْطَانه فَيُوحِي الله إِلَيْهِم أَنكُمْ حفظَة على عَبدِي وَأَنا رَقِيب على مَا فِي نَفسه
إِن عَبدِي هَذَا لم يخلص لي عمله فَاجْعَلُوهُ فِي سِجِّين
ويصعدون بِعَمَل العَبْد يستقلونه وَيَحْتَقِرُونَهُ حَتَّى يبلغُوا بِهِ إِلَى حَيْثُ شَاءَ الله من سُلْطَانه فَيُوحِي الله إِلَيْهِم إِنَّكُم حفظَة على عمل عَبدِي وَأَنا رَقِيب على مَا فِي نَفسه
إِن عَبدِي هَذَا أخْلص لي عمله فَاجْعَلُوهُ فِي عليين
وَأخرج ابْن الضريس عَن أم الدَّرْدَاء قَالَت: إِن درج الْجنَّة على عدد آي الْقُرْآن وَإنَّهُ يُقَال لصَاحب الْقُرْآن اقْرَأ وارقه فَإِن كَانَ قد قَرَأَ ثلث الْقُرْآن كَانَ على الثُّلُث من درج الْجنَّة وَإِن كَانَ قد قَرَأَ نصف الْقُرْآن كَانَ على النّصْف من درج الْجنَّة وَإِن كَانَ قد قَرَأَ الْقُرْآن كَانَ فِي أَعلَى عليين وَلم يكن فَوْقه أحد من الصديقين وَالشُّهَدَاء
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عبد الله بن عَمْرو قَالَ: إِن لأهل عليين كوى يشرفون مِنْهَا فَإِذا أشرف أحدهم أشرقت الْجنَّة فَيَقُول أهل الْجنَّة قد أشرف رجل من أهل عليين
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن مُحَمَّد بن كَعْب قَالَ: يرى فِي الْجنَّة كَهَيئَةِ الْبَرْق فَيُقَال: مَا هَذَا قيل: رجل من أهل عليين تحوّل من غرفَة إِلَى غرفَة
الْآيَة 22 - 36(8/450)
إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (22) عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ (23) تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ (24) يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ (25) خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ (26) وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ (27) عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ (28) إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ (29) وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ (30) وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ (31) وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ (32) وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ (33) فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ (34) عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ (35) هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (36)
أخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {يسقون من رحيق مختوم ختامه مسك} قَالَ: عاقبته مسك قوم يمزج لَهُم بالكافور وَيخْتم لَهُم بالمسك {ومزاجه من تسنيم} قَالَ: شراب من أشرف الشَّرَاب عينا فِي الْجنَّة يشرب بهَا المقربون صرفا ويمزج لسَائِر أهل الْجنَّة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {يسقون من رحيق مختوم} قَالَ: الْخمر {ختامه مسك} قَالَ: طينه مسك {ومزاجه من تسنيم} قَالَ: تسنيم عَلَيْهِم من فَوق دُورهمْ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد عَن الْحسن {يسقون من رحيق مختوم} قَالَ: هِيَ الْخمْرَة {ومزاجه من تسنيم} قَالَ: خفايا أخفاها الله لأهل الْجنَّة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد عَن سعيد بن جُبَير {يسقون من رحيق مختوم} قَالَ: الْخمر {ختامه مسك} قَالَ: آخر طعمه مسك
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَلْقَمَة {ختامه مسك} قَالَ: خلطه
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد عَن مَالك بن الْحَارِث {ومزاجه من تسنيم} قَالَ: هِيَ عين فِي الْجنَّة يشرب بهَا المقربون صرفا ويمزج لسَائِر أهل الْجنَّة
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة قَالَ: التسنيم أفضل شراب أهل الْجنَّة
ألم تسمع يُقَال للرجل إِنَّه لفي السنام من قَوْله
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن عَليّ قَالَ: {نَضرة النَّعيم} هِيَ عين فِي الْجنَّة يتوضؤون مِنْهَا ويغتسلون فَيجْرِي عَلَيْهِم نَضرة النَّعيم
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن مَسْعُود {مختوم} قَالَ: ممزوج {ختامه مسك} قَالَ: طعمه وريحه
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وهناد وَابْن أبي حَاتِم وَابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن ابْن مَسْعُود فِي قَوْله: {يسقون من رحيق مختوم} قَالَ: الرَّحِيق الْخمر والمختوم يَجدونَ عَاقبَتهَا طعم الْمسك
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث من طَرِيق عَليّ عَن ابْن عَبَّاس {من رحيق مختوم} قَالَ: ختم بالمسك
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن مَسْعُود فِي قَوْله:(8/451)
{ختامه مسك} قَالَ: لَيْسَ بِخَاتم يخْتم بِهِ وَلَكِن خلطه مسك
ألم تَرَ إِلَى الْمَرْأَة من نِسَائِكُم تَقول خلطه من الطّيب كَذَا وَكَذَا
وَأخرج ابْن الْأَنْبَارِي فِي الْوَقْف والابتداء عَن عَلْقَمَة مثله
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي الدَّرْدَاء {ختامه مسك} قَالَ: هُوَ شراب أَبيض مثل الْفضة يختمون بِهِ آخر شرابهم وَلَو أَن رجلا من أهل الدُّنْيَا أَدخل أُصْبُعه فِيهِ ثمَّ أخرجهَا لم يبْق ذُو روح إِلَى وجد رِيحهَا
وَأخرج أَحْمد وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي سعيد رَفعه: أَيّمَا مُؤمن سقى مُؤمنا شربة على ظمأ سقَاهُ الله يَوْم الْقِيَامَة من الرَّحِيق الْمَخْتُوم
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن عَطاء قَالَ: التسنيم اسْم الْعين الَّتِي تمزج بهَا الْخمر
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَسَعِيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس {تسنيم} أشرف شراب أهل الْجنَّة وَهُوَ صرف للمقربين ويمزج لأَصْحَاب الْيَمين
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُبَارك وَسَعِيد بن مَنْصُور وهناد وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن مَسْعُود فِي قَوْله: {ومزاجه من تسنيم} قَالَ: عين فِي الْجنَّة تمزج لأَصْحَاب الْيَمين وَيشْرب بهَا المقربون صرفا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر من طَرِيق يُوسُف بن مهْرَان عَن ابْن عَبَّاس أَنه سُئِلَ عَن قَوْله: {ومزاجه من تسنيم} قَالَ: هَذَا مِمَّا قَالَ الله: (فَلَا تعلم نفس مَا أُخْفِي لَهُم من قُرَّة أعين)
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن حُذَيْفَة بن الْيَمَان قَالَ: تسنيم عين فِي عدن يشرب بهَا المقربون صرفا وَيجْرِي تَحْتهم أَسْفَل مِنْهُم إِلَى أَصْحَاب الْيَمين فيمزج أشربتهم كلهَا المَاء وَالْخمر وَاللَّبن وَالْعَسَل يطيب بهَا أشربتهم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر عَن الْكَلْبِيّ قَالَ: تسنيم عين تثعب عَلَيْهِم من فَوق وَهُوَ شراب المقربين
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة {إِن الَّذين أجرموا كَانُوا من الَّذين آمنُوا يَضْحَكُونَ} قَالَ: فِي الدُّنْيَا وَيَقُولُونَ وَالله إِن هَؤُلَاءِ لكذبة وَمَا هم على شَيْء استهزاء بهم(8/452)
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي الصمت وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن الْحسن قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن الْمُسْتَهْزِئِينَ بِالنَّاسِ فِي الدُّنْيَا يرفع لأَحَدهم يَوْم الْقِيَامَة بَاب من أَبْوَاب الْجنَّة فَيُقَال: هَلُمَّ هَلُمَّ فَيَجِيء بكربه وغمه فَإِذا أَتَاهُ أغلق دونه ثمَّ يفتح لَهُ بَاب آخر فَيُقَال: هَلُمَّ هَلُمَّ فَيَجِيء بكربه وغمه فَإِذا أَتَاهُ أغلق دونه فَمَا يزَال كَذَلِك حَتَّى إِنَّه ليفتح لَهُ الْبَاب فَيَقُول: هَلُمَّ هَلُمَّ فَلَا يَأْتِيهِ من إياسه
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة {فاليوم الَّذين آمنُوا من الْكفَّار يَضْحَكُونَ} قَالَ: قَالَ كَعْب: إِن بَين أهل الْجنَّة وَأهل النَّار كوى لَا يَشَاء الرجل من أهل الْجنَّة أَن ينظر إِلَى عدوه من أهل النَّار إِلَّا فعل
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {هَل ثوب} قَالَ: جوزي(8/453)
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
84
سُورَة الإنشقاق
مَكِّيَّة وآياتها خمس وَعِشْرُونَ
مُقَدّمَة السُّورَة أخرج ابْن الضريس والنحاس وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: نزلت سُورَة {إِذا السَّمَاء انشقت} بِمَكَّة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن الزبير مثله
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي رَافع قَالَ: صليت مَعَ أبي هُرَيْرَة الْعَتَمَة فَقَرَأَ {إِذا السَّمَاء انشقت} فَسجدَ فَقلت(8/454)
لَهُ فَقَالَ: سجدت خلف أبي الْقَاسِم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَا أَزَال أَسجد فِيهَا حَتَّى أَلْقَاهُ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: سجدنا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي {إِذا السَّمَاء انشقت} و (اقْرَأ باسم رَبك) (سُورَة النبأ الْآيَة 40)
وَأخرج الْبَغَوِيّ فِي مُعْجَمه وَالطَّبَرَانِيّ عَن صفون بن عَسَّال أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سجد فِي {إِذا السَّمَاء انشقت}
وَأخرج ابْن خُزَيْمَة والروياتي فِي مُسْنده والضياء الْمَقْدِسِي فِي المختارة عَن بُرَيْدَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يقْرَأ فِي الظّهْر {إِذا السَّمَاء انشقت} وَنَحْوهَا
الْآيَة 1 - 25(8/455)
إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ (1) وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ (2) وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ (3) وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ (4) وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ (5) يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ (6) فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ (7) فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا (8) وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا (9) وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ (10) فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا (11) وَيَصْلَى سَعِيرًا (12) إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا (13) إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ (14) بَلَى إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيرًا (15) فَلَا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ (16) وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ (17) وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ (18) لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ (19) فَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (20) وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ (21) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ (22) وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُوعُونَ (23) فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (24) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (25)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عليّ قَالَ: تَنْشَق السَّمَاء من المجرة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وأذنت} قَالَ: أطاعت {وحقت} قَالَ: حققت بِالطَّاعَةِ
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن السّديّ {وأذنت لِرَبِّهَا وحقت} قَالَ: أطاعت وَحقّ لَهَا أَن تطيع
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس {وأذنت لِرَبِّهَا} سَمِعت حَيْثُ كلمها
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وأذنت لِرَبِّهَا وحقت} قَالَ: سَمِعت وأطاعت {وَإِذا الأَرْض مدت} قَالَ: يَوْم الْقِيَامَة {وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا} أخرجت مَا فِيهَا من الْمَوْتَى {وتخلت} عَنْهُم
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد مثله
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس {وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا} قَالَ: سواري الذَّهَب
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن عبد الله بن عَمْرو قَالَ: كَانَ الْبَيْت قبل الأَرْض بألفي سنة وَذَلِكَ قَول الله: {وَإِذا الأَرْض مدت} قَالَ: مدت من تَحْتَهُ مدا
وَأخرج الْحَاكِم عَن ابْن عَمْرو قَالَ: إِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة مدت الأَرْض مد الْأَدِيم وَحشر الله الْخَلَائق الإِنس وَالْجِنّ وَالدَّوَاب والوحوش فَإِذا كَانَ ذَلِك الْيَوْم جعل الله(8/455)
الْقصاص بَين الدَّوَابّ حَتَّى يقْتَصّ للشاة الْجَمَّاء من القرناء بنطحتها فَإِذا فرغ الله من الْقصاص بَين الدَّوَابّ قَالَ لَهَا: كوني تُرَابا فيراها الْكَافِر فَيَقُول: (يَا لَيْتَني كنت تُرَابا)
وَأخرج الْحَاكِم بِسَنَد جيد عَن جَابر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: تمد الأَرْض يَوْم الْقِيَامَة مد الْأَدِيم ثمَّ لَا يكون لِابْنِ آدم مِنْهَا إِلَى مَوضِع قَدَمَيْهِ
وَأخرج أَبُو الْقَاسِم الْخُتلِي فِي الديباج عَن ابْن عمر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله: {إِذا السَّمَاء انشقت} الْآيَة قَالَ: أَنا أول من تَنْشَق عَنهُ الأَرْض يَوْم الْقِيَامَة فأجلس جَالِسا فِي قَبْرِي وَإِن الأَرْض تحركت بِي فَقلت لَهَا: مَالك فَقَالَت: إِن رَبِّي أَمرنِي أَن ألقِي مَا فِي جوفي وَأَن أتخلى فَأَكُون كَمَا كنت إِذْ لَا شَيْء فيّ فَذَلِك قَوْله: {وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وتخلت}
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {وأذنت لِرَبِّهَا وحقت} قَالَ: سَمِعت وأطاعت
وَفِي قَوْله: {وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وتخلت} قَالَ: أخرجت أثقالها وَمَا فِيهَا من الْكُنُوز وَالنَّاس وَفِي قَوْله: {يَا أَيهَا الإِنسان إِنَّك كَادِح إِلَى رَبك كدحاً} قَالَ: عَامل لَهُ عملا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الضَّحَّاك {يَا أَيهَا الإِنسان إِنَّك كَادِح إِلَى رَبك كدحاً} قَالَ: عَامل إِلَى رَبك عملا
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {إِنَّك كَادِح إِلَى رَبك كدحاً} قَالَ: عَامل عملا {فملاقيه} قَالَ: ملاق عَمَلك
وَأخرج أَحْمد وَعبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه عَن عاشة قَالَت: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَيْسَ أحد يُحَاسب إِلَّا هلك فَقلت: أَلَيْسَ الله يَقُول: {فَأَما من أُوتِيَ كِتَابه بِيَمِينِهِ فَسَوف يُحَاسب حسابا يَسِيرا} قَالَ: لَيْسَ ذَلِك بِالْحِسَابِ وَلَكِن ذَلِك الْعرض وَمن نُوقِشَ الْحساب هلك(8/456)
وَأخرج أَحْمد وَابْن جرير وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه عَن عاشة: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول فِي بعض صلَاته: اللَّهُمَّ حاسبني حسابا يَسِيرا فَلَمَّا انْصَرف قلت: يارسول الله مَا الْحساب الْيَسِير قَالَ: أَن ينظر فِي كِتَابه فيتجاوز لَهُ عَنهُ إِنَّه من نُوقِشَ الْحساب هلك
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن عَائِشَة فِي قَوْله: {فَسَوف يُحَاسب حسابا يَسِيرا} قَالَ: يعرف ذنُوبه ثمَّ يتَجَاوَز لَهُ عَنْهَا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر عَن عَائِشَة قَالَت: من حُوسِبَ يَوْم الْقِيَامَة أَدخل الْجنَّة وَقَالَت: {فَأَما من أُوتِيَ كِتَابه بِيَمِينِهِ فَسَوف يُحَاسب حسابا يَسِيرا} ثمَّ تلت (يعرف المجرمون بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذ بالنواصي والأقدام) (سُورَة الرَّحْمَن الْآيَة 41)
وَأخرج الْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: ثَلَاث من كن فِيهِ حَاسبه الله حسابا يَسِيرا وَأدْخلهُ الْجنَّة برحمته: تُعْطِي من حَرمك وَتَعْفُو عَمَّن ظلمك وَتصل من قَطعك
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد {وينقلب إِلَى أَهله مَسْرُورا} قَالَ: إِلَى أهل لَهُ فِي الْجنَّة وَفِي قَوْله: {وَأما من أُوتِيَ كِتَابه وَرَاء ظَهره} قَالَ: تخلع يَده فتجعل من وَرَاء ظَهره
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن حميد بن هِلَال قَالَ: ذكر لنا أَن الرجل يدعى إِلَى الْحساب يَوْم الْقِيَامَة فَيُقَال: يَا فلَان هَلُمَّ إِلَى الْحساب
قَالَ: حَتَّى يَقُول أما يُرَاد غَيْرِي مِمَّا يحضر بِهِ من الْحساب
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس {يَدْعُو ثبوراً} قَالَ: الويل
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الضَّحَّاك {إِنَّه كَانَ فِي أَهله مَسْرُورا} قَالَ: فِي الدُّنْيَا
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {وَأما من أُوتِيَ كِتَابه وَرَاء ظَهره} قَالَ: تجْعَل شِمَاله وَرَاء ظَهره فَيَأْخُذ بهَا كِتَابه
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {إِنَّه ظن أَن لن يحور} قَالَ: لن يبْعَث
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن قَتَادَة مثله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق الضَّحَّاك عَن ابْن عَبَّاس {أَن لن يحور} قَالَ: أَن لن يرجع
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد {أَن لن يحور} أَن لن يرجع إِلَيْنَا
وَأخرج الطستي فِي مسَائِله وَالطَّبَرَانِيّ عَن ابْن عَبَّاس إِن نَافِع بن الْأَزْرَق سَأَلَهُ عَن(8/457)
قَوْله: {أَن لن يحور} قَالَ: أَن لن يرجع بلغَة الْحَبَشَة
يَقُول: أَن لن يرجع بلغَة الْحَبَشَة
يَقُول: أَن لن يرجع إِلَى الله فِي الْآخِرَة
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم أما سَمِعت قَول لبيد: وَمَا الْمَرْء إِلَّا كالشهاب وضوءه يحور رَمَادا بعد إِذْ هُوَ سَاطِع وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة {إِنَّه ظن أَن لن يحور} قَالَ: ألم تسمع الحبشي إِذا قيل لَهُ حر إِلَى أهلك أَي اذْهَبْ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الْعَوام بن حَوْشَب قَالَ: قلت لمجاهد: الشَّفق قَالَ: إِن الشَّفق من الشَّمْس
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَعبد بن حميد وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عمر قَالَ: الشَّفق الْحمرَة
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس {وَاللَّيْل وَمَا وسق} قَالَ: وَمَا دخل فِيهِ
وَأخرج أَبُو عبيد فِي فضائله وَابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وَاللَّيْل وَمَا وسق} قَالَ: وَمَا جمع
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة {وَاللَّيْل وَمَا وسق} يَقُول: مَا أَوَى فِيهِ وَمَا جمع من حَيَاته وعقاربه ودوابه
وَأخرج عبد بن حميد عَن سعيد بن جُبَير {وَمَا وسق} يَقُول: مَا أَوَى فِيهِ وَمَا جمع من حَيَاته وعقاربه ودوابه
وَأخرج عبد بن حميد عَن سعيد بن جُبَير {وَمَا وسق} قَالَ: مَا عمل فِيهِ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس {وَالْقَمَر إِذا اتسق} قَالَ: إِذا اسْتَوَى
وَأخرج الطستي فِي مسَائِله وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن الْأَنْبَارِي فِي الْوَقْف والابتداء عَن ابْن عَبَّاس إِن نَافِع بن الْأَزْرَق سَأَلَهُ عَن قَوْله: {وَالْقَمَر إِذا اتسق} قَالَ: اتساقه اجتماعه
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم أما سَمِعت قَول ابْن صرمة: إِن لنا قلائصاً نقانقا مستوسقات لَو يجدن سائقاً وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة {وَالْقَمَر إِذا اتسق} قَالَ: إِذا اسْتَدَارَ
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة مثله
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْأَنْبَارِي من طرق عَن ابْن عَبَّاس أَنه سُئِلَ عَن قَوْله: {وَاللَّيْل وَمَا وسق} قَالَ: وَمَا جمع أما سَمِعت قَوْله::(8/458)
إِن لنا قلائصاً نقانقا مستوسقات لَو يجدن سائقاً وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن عَبَّاس {وَالْقَمَر إِذا اتسق} قَالَ: لَيْلَة ثَلَاث عشرَة
وَأخرج عبد بن حميد عَن عمر بن الْخطاب فِي قَوْله: {لتركبن طبقًا عَن طبق} قَالَ: حَالا بعد حَال
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {لتركبن طبقًا عَن طبق} قَالَ: أمرا بعد أَمر
وَأخرج البُخَارِيّ عَن ابْن عَبَّاس {لتركبن طبقًا عَن طبق} حَالا بعد حَال
قَالَ: هَذَا نَبِيكُم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج أبي عبيد فِي الْقرَاءَات وَسَعِيد بن مَنْصُور وَابْن منيع وَابْن جرير وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس أَنه كَانَ يقْرَأ {لتركبن طبقًا عَن طبق} يَعْنِي بِفَتْح الْبَاء قَالَ: هَذَا نَبِيكُم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَالا بعد حَال
وَأخرج أَبُو عبيد فِي القراءت وَسَعِيد بن مَنْصُور وَابْن منيع وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس أَنه كَانَ يقْرَأ {لتركبن طبقًا عَن طبق} يَعْنِي يفتح الْبَاء قَالَ: يَعْنِي نَبِيكُم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَالا بعد حَال
وَأخرج الطَّيَالِسِيّ وَعبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ عَن ابْن عَبَّاس {لتركبن طبقًا عَن طبق} قَالَ: يَا مُحَمَّد السَّمَاء طبقًا بعد طبق
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَالْحَاكِم فِي الكنى وَابْن مَنْدَه فِي غرائب شُعْبَة وَابْن مرْدَوَيْه وَالطَّبَرَانِيّ عَن ابْن مَسْعُود أَنه قَرَأَ {لتركبن طبقًا عَن طبق} قَالَ: لتركبن بِالنّصب يَا مُحَمَّد سَمَاء بعد سَمَاء
وَأخرج الْبَزَّار عَن ابْن مَسْعُود {لتركبن طبقًا عَن طبق} يَا مُحَمَّد حَالا بعد حَال
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن الشّعبِيّ {لتركبن طبقًا عَن طبق} يَا مُحَمَّد حَالا بعد حَال
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَسَعِيد بن مَنْصُور وَالْفِرْيَابِي وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن ابْن مَسْعُود فِي قَوْله: {لتركبن طبقًا عَن طبق} قَالَ: يَعْنِي السَّمَاء تنقطر ثمَّ تَنْشَق ثمَّ تحمر(8/459)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن مَسْعُود فِي الْآيَة قَالَ: السَّمَاء تكون ألواناً كَالْمهْلِ وَتَكون وردة كالدهان وَتَكون واهية وتشقق فَتكون حَالا بعد حَال
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن الْمُنْذر عَن مَكْحُول فِي قَوْله: {لتركبن طبقًا عَن طبق} قَالَ: فِي كل عشْرين عَاما تحدثون أمرا لم تَكُونُوا عَلَيْهِ
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن سعيد بن جُبَير {لتركبن طبقًا عَن طبق} قَالَ: قوم كَانُوا فِي الدُّنْيَا خسيساً أَمرهم فَارْتَفعُوا فِي الْآخِرَة وَقوم كَانُوا فِي الدُّنْيَا أشرافاً فاتضعوا فِي الْآخِرَة
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي الْآيَة قَالَ: حَالا بعد حَال بَيْنَمَا صَاحب الدُّنْيَا فِي رخاء إِذْ صَار فِي بلَاء وبينما هُوَ فِي بلَاء إِذْ صَار فِي رخاء
وَأخرج أَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن مَكْحُول فِي قَوْله: {لتركبن طبقًا عَن طبق} قَالَ: تَكُونُونَ فِي كل عشْرين سنة على حَال لم تَكُونُوا على مثلهَا
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي الْعَالِيَة أَنه قَرَأَ {لتركبن طبقًا} بِالنّصب
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي عَمْرو بن الْعَلَاء عَن مُجَاهِد أَنه قَرَأَ {لتركبن طبقًا} بِالنّصب
وَأخرج عبد بن حميد عَن عصم أَنه قَرَأَ {لتركبن} بِالتَّاءِ وَرفع الْبَاء على الْجِمَاع
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وَالله أعلم بِمَا يوعون} قَالَ: يسرون
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن قَتَادَة {بِمَا يوعون} قَالَ: يكتمون وَفِي قَوْله: {لَهُم أجر غير ممنون} قَالَ: غير مَحْسُوب
وَأخرج الطستي فِي مسَائِله عَن ابْن عَبَّاس أَن نَافِع بن الْأَزْرَق سَأَلَهُ عَن قَوْله: {لَهُم أجر غير ممنون} قَالَ: غير مَنْقُوص
وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم أما سَمِعت قَول زُهَيْر: فضل الْجواد على الْخَيل البطاء فَلَا يُعْطي بذلك ممنوناً وَلَا ترفا(8/460)
85
سُورَة البروج
مَكِّيَّة وآياتها ثِنْتَانِ وَعِشْرُونَ أخرج ابْن الضريس والنحاس وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: نزلت {وَالسَّمَاء ذَات البروج} بِمَكَّة
وَأخرج أَحْمد عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يقْرَأ فِي الْعشَاء الْأَخِيرَة بالسماء ذَات البروج وَالسَّمَاء والطارق
وَأخرج أَحْمد عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر أَن يقْرَأ بالسموات فِي الْعشَاء
وَأخرج الطَّيَالِسِيّ وَابْن أبي شيبَة فِي المُصَنّف وَأحمد والدارمي وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه النَّسَائِيّ وَابْن حبَان وَالطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن جَابر بن سَمُرَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يقْرَأ فِي الظّهْر وَالْعصر بالسماء والطارق وَالسَّمَاء ذَات البروج
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور عَن جَابر أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لِمعَاذ: اقْرَأ بهم فِي الْعشَاء ب (سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى) (سُورَة الْأَعْلَى الْآيَة 1) (وَاللَّيْل إِذا يغشى) (سُورَة اللَّيْل الْآيَة 1) {وَالسَّمَاء ذَات البروج}(8/461)
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
الْآيَة 1 - 11(8/462)
وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ (1) وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ (2) وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ (3) قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ (4) النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ (5) إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ (6) وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ (7) وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (8) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (9) إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ (10) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ (11)
أخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: البروج قُصُور فِي السَّمَاء
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الْأَعْمَش قَالَ: كَانَ أَصْحَاب عبد الله يَقُولُونَ فِي قَوْله: {وَالسَّمَاء ذَات البروج} ذَات الْقُصُور
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن أبي صَالح فِي قَوْله: {ذَات البروج} قَالَ: النُّجُوم الْعِظَام
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن جَابر بن عبد الله أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سُئِلَ عَن {وَالسَّمَاء ذَات البروج} فَقَالَ: الْكَوَاكِب وَسُئِلَ عَن {الَّذِي جعل فِي السَّمَاء بروجاً} فَقَالَ: الْكَوَاكِب
قيل: فبروج مشيدة فَقَالَ: قُصُور
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {وَالسَّمَاء ذَات البروج} قَالَ: بروجها نجومها {وَالْيَوْم الْمَوْعُود} قَالَ: يَوْم الْقِيَامَة {وَشَاهد ومشهود} قَالَ: يَوْمَانِ عظيمان عظمهما الله من أَيَّام الدُّنْيَا كُنَّا نُحدث أَن الشَّاهِد يَوْم الْقِيَامَة والمشهود يَوْم عَرَفَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن الْحسن فِي قَوْله: {وَالسَّمَاء ذَات البروج} قَالَ: حبكت بالخلق الْحسن ثمَّ حبكت بالنجوم {وَالْيَوْم الْمَوْعُود} قَالَ: يَوْم الْقِيَامَة {وَشَاهد ومشهود} قَالَ: الشَّاهِد يَوْم الْجُمُعَة والمشهود يَوْم الْقِيَامَة(8/462)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد {وَالسَّمَاء ذَات البروج} قَالَ: ذَات النُّجُوم {وَشَاهد ومشهود} قَالَ: الشَّاهِد ابْن آدم والمشهود يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَول الله: {وَالْيَوْم الْمَوْعُود وَشَاهد ومشهود} قَالَ: الْيَوْم الْمَوْعُود يَوْم الْقِيَامَة وَالشَّاهِد يَوْم الْجُمُعَة والمشهود يَوْم عَرَفَة وَهُوَ الْحَج الْأَكْبَر فَيوم الْجُمُعَة جعل الله عيداً لمُحَمد وَأمته وفضّلهم بهَا على الْخلق أَجْمَعِينَ وَهُوَ سيد الْأَيَّام عِنْد الله وَأحب الْأَعْمَال فِيهِ إِلَى الله وَفِيه سَاعَة لَا يُوَافِقهَا عبد قَائِم يُصَلِّي يسْأَل الله فِيهَا خيرا إِلَّا أعطَاهُ إِيَّاه
وَأخرج عبد بن حميد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي الْأُصُول وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: الْيَوْم الْمَوْعُود يَوْم الْقِيَامَة وَالْيَوْم الْمَشْهُود يَوْم عَرَفَة وَالشَّاهِد يَوْم الْجُمُعَة وَمَا طلعت الشَّمْس وَلَا غربت على يَوْم أفضل مِنْهُ فِيهِ سَاعَة لَا يُوَافِقهَا عبد مُؤمن يَدْعُو الله بِخَير إِلَّا اسْتَجَابَ الله لَهُ وَلَا يستعيذ بِشَيْء إِلَّا أَعَاذَهُ الله مِنْهُ
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ ابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن أبي هُرَيْرَة رَفعه {وَشَاهد ومشهود} قَالَ: الشَّاهِد يَوْم عَرَفَة وَيَوْم الْجُمُعَة والمشهود هُوَ الْمَوْعُود يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن عَليّ قَالَ: الْيَوْم الْمَوْعُود يَوْم الْقِيَامَة وَالشَّاهِد يَوْم الْجُمُعَة والمشهود يَوْم النَّحْر
وَأخرج ابْن جرير وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق شُرَيْح بن عبيد عَن أبي مَالك الْأَشْعَرِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: الْيَوْم الْمَوْعُود يَوْم الْقِيَامَة وَالشَّاهِد يَوْم الْجُمُعَة والمشهود يَوْم عَرَفَة وَيَوْم الْجُمُعَة دخره الله لنا وَالصَّلَاة الْوُسْطَى صَلَاة الْعَصْر
وَأخرجه سعيد بن مَنْصُور عَن شُرَيْح بن عبيد مُرْسلا
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه وَابْن عَسَاكِر عَن جُبَير بن مطعم قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله: {وَشَاهد ومشهود} قَالَ: الشَّاهِد يَوْم الْجُمُعَة والمشهود يَوْم عَرَفَة
وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن عَبَّاس وَأبي هُرَيْرَة مَوْقُوفا مثله(8/463)
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن جرير وَعبد بن حميد وَابْن مرْدَوَيْه عَن سعيد بن الْمسيب قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن سيد الْأَيَّام يَوْم الْجُمُعَة وَهُوَ الشَّاهِد والمشهود يَوْم عَرَفَة
وَأخرج ابْن جرير عَن أبي الدَّرْدَاء قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَكْثرُوا عليّ من الصَّلَاة يَوْم الْجُمُعَة فَإِنَّهُ يَوْم مشهود تشهده الْمَلَائِكَة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالْفِرْيَابِي وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن عَليّ بن أبي طَالب فِي قَوْله: {وَشَاهد ومشهود} قَالَ: الشَّاهِد يَوْم الْجُمُعَة والمشهود يَوْم عَرَفَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن الْحسن بن عَليّ أَن رجلا سَأَلَهُ عَن قَوْله: {وَشَاهد ومشهود} قَالَ: هَل سَأَلت أحدا قبلي قَالَ: نعم سَأَلت ابْن عمروا وَابْن الزبير فَقَالَا: يَوْم الرّيح وَيَوْم الْجُمُعَة فَقَالَ: لَا وَلَكِن الشَّاهِد مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ قَرَأَ (إِنَّا أرسلنَا شَاهدا وَمُبشرا) (سُورَة الْأَحْزَاب آيَة 45) (وَجِئْنَا بك شَهِيدا على هَؤُلَاءِ) (سُورَة النَّحْل آيَة 89) والمشهود يَوْم الْقِيَامَة ثمَّ قَرَأَ (ذَلِك يَوْم مَجْمُوع لَهُ النَّاس) (سُورَة هود الْآيَة 103) (وَذَلِكَ يَوْم مشهود) (سُورَة هود الْآيَة 103)
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَعبد بن حميد وَابْن مرْدَوَيْه وَابْن عَسَاكِر من طرق عَن ابْن عَبَّاس {وَالْيَوْم الْمَوْعُود} يَوْم الْقِيَامَة {وَشَاهد ومشهود} قَالَ: الشَّاهِد مُحَمَّد والمشهود يَوْم الْقِيَامَة وتلا (ذَلِك يَوْم مَجْمُوع لَهُ النَّاس) (سُورَة هود الْآيَة 103) (وَذَلِكَ يَوْم مشهود) (سُورَة هود الْآيَة 103) وَأخرج ابْن جرير من طَرِيق عَليّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الشَّاهِد الله والمشهود يَوْم الْقِيَامَة(8/464)
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: الشَّاهِد الَّذِي يشْهد على الإِنسان بِعَمَلِهِ والمشهود يَوْم الْقِيَامَة
أخرج ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عبد الله بن نجي عَن عَليّ بن أبي طَالب قَالَ: كَانَ نَبِي أَصْحَاب الْأُخْدُود حَبَشِيًّا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن الْمُنْذر من طَرِيق الْحسن عَن عَليّ بن أبي طَالب فِي قَوْله: {أَصْحَاب الْأُخْدُود} قَالَ: هم الْحَبَشَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة {قتل أَصْحَاب الْأُخْدُود} قَالَ: كَانُوا من النبط
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {قتل أَصْحَاب الْأُخْدُود} قَالَ: هم نَاس من بني إِسْرَائِيل خددوا أُخْدُودًا فِي الأَرْض ثمَّ أوقدوا فِيهِ نَارا ثمَّ أَقَامُوا على ذَلِك الْأُخْدُود رجَالًا وَنسَاء فعرضوا عَلَيْهَا
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد قَالَ: الْأُخْدُود شقّ بِنَجْرَان كَانُوا يُعَذبُونَ النَّاس فِيهِ
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن عبد الرَّحْمَن بن نفير قَالَ: كَانَت الْأُخْدُود زمَان تبع
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ {قتل أَصْحَاب الْأُخْدُود} قَالَ: هم قوم خددوا فِي الأَرْض ثمَّ أوقدوا فِيهِ نَارا ثمَّ جاؤوا بِأَهْل الإِسلام فَقَالُوا: اكفروا بِاللَّه وَاتبعُوا ديننَا وَإِلَّا ألقيناكم فِي هَذِه النَّار فَاخْتَارُوا النَّار على الْكفْر فَألْقوا فِيهَا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {قتل أَصْحَاب الْأُخْدُود} قَالَ: حَدثنَا أَن عَليّ بن أبي طَالب كَانَ يَقُول: هم أنَاس بمدارع الْيمن اقتتل مؤمنوهم وكفارهم فَظهر مؤمنوهم على كفارهم ثمَّ أَخذ بَعضهم على بعض عهوداً ومواثيق لَا يغدر بَعضهم بِبَعْض فغدرهم الْكفَّار فَأَخَذُوهُمْ ثمَّ إِن رجلا من الْمُؤمنِينَ قَالَ: هَل لكم إِلَى خير توقدون نَارا ثمَّ تعرضوننا عَلَيْهِ فَمن(8/465)
بايعكم على دينكُمْ فَذَلِك الَّذِي تشتهون وَمن لَا اقتحم فاسترحتم مِنْهُ فأججوا لَهُم نَارا وعرضوهم عَلَيْهَا فَجعلُوا يقتحمونها حَتَّى بقيت عَجُوز فَكَأَنَّهَا تلكأت فَقَالَ طِفْل فِي حجرها: امْضِي وَلَا تقاعسي فَقص الله عَلَيْكُم نبأهم وحديثهم فَقَالَ: {النَّار ذَات الْوقُود إِذْ هم عَلَيْهَا قعُود} قَالَ: يَعْنِي بذلك الْمُؤمنِينَ {وهم على مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ} يَعْنِي بذلك الْكفَّار
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة {إِن الَّذين فتنُوا الْمُؤمنِينَ وَالْمُؤْمِنَات} قَالَ: حرقوا
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة {إِن الَّذين فتنُوا الْمُؤمنِينَ وَالْمُؤْمِنَات} قَالَ: عذبُوا
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن قَالَ: كَانَ بعض الْجَبَابِرَة خد أُخْدُودًا فِي الأَرْض وَجعل فِيهَا النيرَان وَعرض الْمُؤمنِينَ على ذَلِك فَمن تَابعه على كفره خلى عَنهُ وَمن أَبى أَلْقَاهُ فِي النَّار فَجعل يلقِي حَتَّى أَتَى على امْرَأَة وَمَعَهَا بني لَهَا صَغِير فَكَأَنَّهَا أنفت النَّار فكلمها الصبيّ فَقَالَ: يَا أمه قَعِي فِي النَّار وَلَا تقاعسي فألقيت فِي النَّار وَالله مَا كَانَت إِلَّا نقطة من نَار حَتَّى أفضوا إِلَى رَحْمَة الله تَعَالَى
قَالَ: الْحسن: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: فَمَا ذكرت أَصْحَاب الْأُخْدُود إِلَّا تعوذت بِاللَّه من جهد الْبلَاء
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عبد الله بن نجي قَالَ: شهِدت عليا وَأَتَاهُ أَسْقُف نَجْرَان فَسَأَلَهُ عَن أَصْحَاب الْأُخْدُود فَقص عَلَيْهِ الْقِصَّة فَقَالَ عليّ: أَنا أعلم بهم مِنْك بعث نَبِي من الْحَبَشَة إِلَى قومه ثمَّ قَرَأَ عَليّ (وَلَقَد أرسلنَا رسلًا من قبلك مِنْهُم من قَصَصنَا عَلَيْك وَمِنْهُم من لم نَقْصُصْ عَلَيْك) (سُورَة غَافِر الْآيَة 78) فَدَعَاهُمْ فتابعه النَّاس فَقَاتلهُمْ فَقتل أَصْحَابه وَأخذ فأوثق فانفلت فأنس إِلَيْهِ رجال يَقُول: اجْتمع إِلَيْهِ رجال فقالتهم فَقتلُوا وَأخذ فأوثق فخدوا أُخْدُودًا فِي الأَرْض وَجعلُوا فِيهِ النيرَان فَجعلُوا يعرضون النَّاس فَمن تبع النَّبِي رمي بِهِ فِيهَا وَمن تَابعهمْ ترك وَجَاءَت امْرَأَة فِي آخر من(8/466)
جَاءَ مَعهَا صبي لَهَا فَجَزِعت فَقَالَ الصَّبِي: يَا أمه اطمري وَلَا تُمَارِي فَوَقَعت
وَأخرج عبد بن حميد عَن سَلمَة بن كهيل قَالَ: ذكرُوا أَصْحَاب الْأُخْدُود عِنْد عليّ فَقَالَ: أما إِن فِيكُم مثلهم فَلَا تكونن أعجز من قوم
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَليّ بن أبي طَالب قَالَ: كَانَ الْمَجُوس أهل كتاب وَكَانُوا مستمسكين بِكِتَابِهِمْ وَكَانَت الْخمر قد أحلّت لَهُم فَتَنَاول مِنْهَا ملك من مُلُوكهمْ فغلبته على عقله فَتَنَاول أُخْته أَو ابْنَته فَوَقع عَلَيْهَا فَلَمَّا ذهب عَنهُ السكر نَدم وَقَالَ لَهَا: وَيحك مَا هَذَا الَّذِي أتيت وَمَا الْمخْرج مِنْهُ قَالَت: الْمخْرج مِنْهُ أَن تخْطب النَّاس فَتَقول أَيهَا النَّاس إِن الله قد أحل لكم نِكَاح الْأَخَوَات وَالْبَنَات فَإِذا ذهب ذَا فِي النَّاس وتناسوه خطبتهم فحرمته فَقَامَ خَطِيبًا فَقَالَ: يَا أَيهَا النَّاس إِن الله أحل لكم نِكَاح الْأَخَوَات أَو الْبَنَات فَقَالَ النَّاس جَمَاعَتهمْ: معَاذ الله أَن نؤمن بِهَذَا أَو نقر بِهِ أَو جَاءَنَا بِهِ نَبِي أونزل علينا فِي كتاب فَرجع إِلَى صاحبته فَقَالَ: وَيحك إِن النَّاس قد أَبَوا عليّ ذَلِك
قَالَت: إِذا أَبَوا عَلَيْك ذَلِك فابسط فيهم السَّوْط فَبسط فيهم السَّوْط فَأَبَوا أَن يقرُّوا فَرجع إِلَيْهَا فَقَالَ: قد بسطت فيهم السَّوْط فَأَبَوا أَن يقرُّوا
قَالَت: فَجرد فيهم السَّيْف فَجرد فيهم السَّيْف فَأَبَوا أَن يقرُّوا
قَالَت: خدّ لَهُم الْأُخْدُود ثمَّ أوقد فِيهِ النيرَان فَمن تابعك فخلّ عَنهُ
فخدَّ لَهُم أُخْدُودًا وأوقد فِيهِ النيرَان وَعرض أهل مَمْلَكَته على ذَلِك فَمن أَبى قذفه فِي النَّار وَمن لم يأب خلّى عَنهُ فَأنْزل الله فيهم {قتل أَصْحَاب الْأُخْدُود} إِلَى قَوْله: {وَلَهُم عَذَاب الْحَرِيق}
أخرج ابْن أبي شيبَة عَن عَوْف قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا ذكر أَصْحَاب الْأُخْدُود تعوذ بِاللَّه من جهد الْبلَاء وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَمُسلم وَالنَّسَائِيّ وَالتِّرْمِذِيّ عَن صُهَيْب قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا صلى الْعَصْر هَمس فَقيل لَهُ: إِنَّك يَا رَسُول الله إِذا صليت الْعَصْر همست فَقَالَ: إِن نَبيا من الْأَنْبِيَاء كَانَ أعجب بأمته فَقَالَ: من يقوم لهَؤُلَاء فَأوحى الله إِلَيْهِ أَن خَيرهمْ بَين أَن ينْتَقم مِنْهُم وَبَين أَن يُسَلط عَلَيْهِم عدوهم فَاخْتَارُوا النقمَة فَسلط عَلَيْهِم الْمَوْت فَمَاتَ مِنْهُم فِي يَوْم سَبْعُونَ(8/467)
ألفا قَالَ: وَكَانَ إِذا حدث بِهَذَا الحَدِيث الآخر كَانَ ملك من الْمُلُوك وَكَانَ لذَلِك الْملك كَاهِن يكهن لَهُ فَقَالَ لَهُ ذَلِك الكاهن: انْظُرُوا إِلَى غُلَاما فهما أَو قَالَ: فطناً لقناً فَأعلمهُ علمي هَذَا فَإِنِّي أَخَاف أَن أَمُوت فَيَنْقَطِع هَذَا الْعلم مِنْكُم وَلَا يكون فِيكُم من يُعلمهُ قَالَ: فنظروا لَهُ على مَا وصف فأمروه أَن يحضر ذَلِك الكاهن وَإِن يخْتَلف إِلَيْهِ فَجعل الْغُلَام يخْتَلف إِلَيْهِ وَكَانَ على طَرِيق الْغُلَام رَاهِب فِي صومعته فَجعل الْغُلَام يسْأَل الراهب كلما مر بِهِ فَلم يزل بِهِ حَتَّى أخبرهُ فَقَالَ: إِنَّمَا أعبد الله فَجعل الْغُلَام يمْكث عِنْد الراهب ويبطئ على الكاهن فَأرْسل الكاهن إِلَى أهل الْغُلَام أَنه لَا يكَاد يحضرني فَأخْبر الْغُلَام الراهب بذلك فَقَالَ لَهُ الراهب: إِذا قَالَ لَك: أَيْن كنت فَقل: عِنْد أَهلِي وَإِذا قَالَ لَك أهلك: أَيْن كنت فَقل: عِنْد الكاهن
فَبَيْنَمَا الْغُلَام على ذَلِك إِذْ مر بِجَمَاعَة من النَّاس كَثِيرَة قد حبستهم دَابَّة يُقَال كَانَت أسداً فَأخذ الْغُلَام حجرا فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِن كَانَ مَا يَقُول الراهب حَقًا فأسألك أَن أقتل هَذِه الدَّابَّة وَإِن كَانَ مَا يَقُوله: الكاهن حَقًا فأسألك أَن لَا أقتلها ثمَّ رمى فَقتل الدَّابَّة فَقَالَ النَّاس: من قَتلهَا فَقَالُوا: الْغُلَام
فَفَزعَ النَّاس وَقَالُوا: قد علم هَذَا الْغُلَام علما لم يُعلمهُ أحد فَسمع أعمى فَجَاءَهُ فَقَالَ لَهُ: إِن أَنْت رددت بَصرِي فلك كَذَا وَكَذَا فَقَالَ الْغُلَام: لَا أُرِيد مِنْك هَذَا وَلَكِن أَرَأَيْت إِن رَجَعَ عَلَيْك بَصرك أتؤمن بِالَّذِي رده عَلَيْك قَالَ: نعم فَدَعَا الله فَرد عَلَيْهِ بَصَره فَآمن الْأَعْمَى فَبلغ الْملك أَمرهم فَبعث إِلَيْهِم فَأتى بهم فَقَالَ: لأقتلن كل وَاحِد مِنْكُم قتلة لَا أقتل بهَا صَاحبه فَأمر بِالرَّاهِبِ وَالرجل الَّذِي كَانَ أعمى فَوضع الْمِنْشَار على مفرق أَحدهمَا فَقتله وَقتل الآخر بقتلة أُخْرَى ثمَّ أَمر بالغلام فَقَالَ: انْطَلقُوا بِهِ إِلَى جبل كَذَا وَكَذَا فألقوه من رَأسه
فَانْطَلقُوا بِهِ إِلَى ذَلِك الْجَبَل فَلَمَّا انْتَهوا بِهِ إِلَى ذَلِك الْمَكَان الَّذِي أَرَادوا أَن يلقوه مِنْهُ جعلُوا يتهافتون من ذَلِك الْجَبَل وتردون حَتَّى لم يبْق مِنْهُم إِلَى الْغُلَام ثمَّ رَجَعَ الْغُلَام فَأمر الْملك أَن ينطلقوا بِهِ إِلَى الْبَحْر فَيُلْقُوهُ فِيهِ فَانْطَلق بِهِ إِلَى الْبَحْر فغرق الله الَّذين كَانُوا مَعَه وأنجاه الله
فَقَالَ الْغُلَام للْملك: إِنَّك لَا تقتلني إِلَّا أَن تصلبني وترميني وَتقول: بِسم الله رب الْغُلَام فَأمر بِهِ فصلب ثمَّ رَمَاه وَقَالَ: بِسم الله رب الْغُلَام فَأمر بِهِ فصلب ثمَّ رَمَاه وَقَالَ: بِسم الله رب الْغُلَام فَوضع الْغُلَام يَده على صُدْغه حِين رمي ثمَّ مَاتَ
فَقَالَ النَّاس: لقد علم هَذَا الْغُلَام علما مَا علمه أحد فَإنَّا نؤمن بِرَبّ هَذَا الْغُلَام فَقيل للْملك: أجزعت أَن خالفك ثَلَاثَة فَهَذَا(8/468)
الْعَالم كلهم قد خالفوك قَالَ: فخدّ أُخْدُودًا ثمَّ ألْقى فِيهَا الْحَطب وَالنَّار ثمَّ جمع النَّاس فَقَالَ: من رَجَعَ عَن دينه تَرَكْنَاهُ وَمن لم يرجع ألقيناه فِي هَذِه النَّار
فَجعل يُلقيهِمْ فِي تِلْكَ الْأُخْدُود فَقَالَ: يَقُول الله: {قتل أَصْحَاب الْأُخْدُود النَّار ذَات الْوقُود} حَتَّى بلغ {الْعَزِيز الحميد} فَأَما الْغُلَام فَإِنَّهُ دفن ثمَّ أخرج فيذكر أَنه أخرج فِي زمن عمر بن الْخطاب واصبعه على صُدْغه كَمَا وَضعهَا حِين قتل
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن مرْدَوَيْه عَن صُهَيْب أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: كَانَ ملك مِمَّن كَانَ قبلكُمْ وَكَانَ لَهُ سَاحر فَلَمَّا كبر السَّاحر قَالَ للْملك: إِنِّي قد كَبرت سني وَحضر أَجلي فادفع إليّ غُلَاما أعلمهُ السحر
فَدفع إِلَيْهِ غُلَاما فَكَانَ يُعلمهُ السحر
وَكَانَ بَين السَّاحر وَبَين الْملك رَاهِب فَأتى الْغُلَام على الراهب فَسمع من كَلَامه فأعجبه نَحوه وَكَلَامه فَكَانَ إِذا أَتَى على السَّاحر ضربه وَقَالَ: ماحبسك فَإِذا أَتَى أَهله جلس عِنْد الراهب فيبطئ فَإِذا أَتَى أَهله ضربوه وَقَالُوا: ماحبسك فَشَكا ذَلِك إِلَى الراهب فَقَالَ: إِذا أَرَادَ السَّاحر أَن يَضْرِبك فَقل: حَبَسَنِي أَهلِي وَإِذا أَرَادَ أهلك أَن يضربوك فَقل: حَبَسَنِي السَّاحر
فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِك إِذْ أَتَى ذَات يَوْم على دَابَّة فظيعة عَظِيمَة قد حبست النَّاس فَلَا يَسْتَطِيعُونَ أَن يجوزوا فَقَالَ الْغُلَام: الْيَوْم أعلم أَمر الراهب أحب إِلَى الله أم أَمر السَّاحر
فَأخذ حجرا فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِن كَانَ أَمر الراهب أحب إِلَيْك وأرضى لَك من أَمر السَّاحر فَاقْتُلْ هَذِه الدَّابَّة حَتَّى يجوز النَّاس
فَرَمَاهَا فَقَتلهَا وَمضى النَّاس فَأخْبر الراهب بذلك فَقَالَ: أَي بني أَنْت أفضل مني وَإنَّك ستبتلى فَإِن ابْتليت فَلَا تدل عَليّ
وَكَانَ الْغُلَام يُبرئ الأكمه والأبرص وَسَائِر الأدواء ويشفيهم وَكَانَ جليس الْملك قد عمي فَسمع بِهِ فَأَتَاهُ بِهَدَايَا كَثِيرَة فَقَالَ لَهُ: اشفني وَلَك مَا هَهُنَا أجمع فَقَالَ: مَا أشفي أَنا أحدا إِنَّمَا يشفي الله فَإِن آمَنت بِاللَّه دَعَوْت الله فشفاك فَآمن فَدَعَا لَهُ فشفاه
ثمَّ أَتَى الْملك فَجَلَسَ مِنْهُ نَحْو مَا كَانَ يجلس فَقَالَ لَهُ الْملك: يَا فلَان من رد عَلَيْك بَصرك قَالَ: رَبِّي قَالَ: أَنا
قَالَ: لَا
قَالَ: أولك رب غَيْرِي قَالَ: نعم
فَلم يزل بِهِ يعذبه حَتَّى دلّ على الْغُلَام فَبعث إِلَيْهِ الْملك فَقَالَ: أَي بني قد بلغ من سحرك أَن تبرئ الأكمه والأبرص وَهَذِه الأدواء قَالَ: مَا أشفي أَنا أحدا مَا يشفي غير الله
قَالَ: أَنا قَالَ: لَا
قَالَ: وَإِن لَك رَبًّا غَيْرِي قَالَ: نعم رَبِّي وَرَبك(8/469)
الله
فَأَخذه أَيْضا بِالْعَذَابِ فَلم يزل بِهِ حَتَّى دلّ على الراهب
فَقَالَ لَهُ: ارْجع عَن دينك فَأبى فَوضع الْمِنْشَار فِي مفرقه حَتَّى وَقع شقاه على الأَرْض وَقَالَ للغلام: ارْجع عَن دينك فَأبى فَبعث بِهِ مَعَ نفر إِلَى جبل كَذَا وَكَذَا وَقَالَ: إِذا بَلغْتُمْ ذروته فَإِن رَجَعَ عَن دينه وَإِلَّا فدهدهوه من فَوْقه
فَذَهَبُوا بِهِ فَلَمَّا علوا بِهِ الْجَبَل قَالَ: اللَّهُمَّ اكفنيهم بِمَا شِئْت
فَرَجَفَ بهم الْجَبَل فتدهدهوا أَجْمَعِينَ
وَجَاء الْغُلَام يتلمس حَتَّى دخل على الْملك فَقَالَ: مَا فعل أَصْحَابك قَالَ: كفانيهم الله
فَبعث بِهِ فِي قُرْقُور مَعَ نفر فَقَالَ: إِذا لججتم بِهِ الْبَحْر فَإِن رَجَعَ عَن دينه وَإِلَّا فأغرقوه
فلجوا بِهِ الْبَحْر فَقَالَ الْغُلَام: اللَّهُمَّ أكفنيهم بِمَا شِئْت
فَغَرقُوا أَجْمَعِينَ
وَجَاء الْغُلَام يتلمس حَتَّى دخل على الْملك
فَقَالَ: مَا فعل أَصْحَابك قَالَ: كفانيهم الله
ثمَّ قَالَ للْملك: إِنَّك لست بِقَاتِلِي حَتَّى تفعل مَا آمُرك بِهِ فَإِن أَنْت فعلت مَا آمُرك بِهِ قتلتني وَإِلَّا فَإنَّك لن تَسْتَطِيع قَتْلِي
قَالَ: وَمَا هُوَ قَالَ: تجمع النَّاس فِي صَعِيد ثمَّ تصلبني على جذع وَتَأْخُذ سَهْما من كِنَانَتِي ثمَّ قل بِسم الله رب الْغُلَام فَإنَّك إِذا فعلت ذَلِك قتلتني
فَفعل وَوضع السهْم فِي كبد الْقوس ثمَّ رَمَاه وَقَالَ: بِسم الله رب الْغُلَام
فَوَقع السهْم فِي صُدْغه
فَوضع الْغُلَام يَده على مَوضِع السهْم وَمَات
فَقَالَ النَّاس: آمنا بِرَبّ الْغُلَام
فَقيل للْملك: أَرَأَيْت مَا كنت تحذر فقد وَالله نزل بك هَذَا من [آمن] النَّاس كلهم
فَأمر بأفواه السكَك فخدت فِيهَا الْأُخْدُود وأضرمت فِيهَا النيرَان وَقَالَ: من رَجَعَ عَن دينه فَدَعوهُ وَإِلَّا فاقحموه فِيهَا
فَكَانُوا يتقارعون فِيهَا ويتدافعون فَجَاءَت امْرَأَة بِابْن لَهَا صَغِير فَكَأَنَّهَا تَقَاعَسَتْ أَن تقع فِي النَّار فَقَالَ الصَّبِي: يَا أمه اصْبِرِي فَإنَّك على الْحق
الْآيَة 12 - 22(8/470)
إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ (12) إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ (13) وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ (14) ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ (15) فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ (16) هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ (17) فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ (18) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ (19) وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ (20) بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ (21) فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ (22)
أخرج ابْن الْمُنْذر وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: قسم {وَالسَّمَاء ذَات البروج} إِلَى قَوْله: {وَشَاهد ومشهود} قَالَ: هَذَا قسم على أَن بَطش رَبك لشديد إِلَى آخرهَا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله: {إِن بَطش رَبك لشديد} قَالَ: هَهُنَا الْقسم {إِنَّه هُوَ يبدئ وَيُعِيد} قَالَ: يبدئ الْخلق ثمَّ يُعِيدهُ {وَهُوَ الغفور الْوَدُود} قَالَ: يود على طَاعَته من أطاعه
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس {إِنَّه هُوَ يبدئ وَيُعِيد} قَالَ: يبدئ الْعَذَاب ويعيده
وَأخرج عَن ابْن عَبَّاس {إِنَّه هُوَ يبدئ وَيُعِيد} قَالَ: يبدئ الْعَذَاب ويعيده
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الْحُسَيْن بن وَاقد فِي قَوْله: {وَهُوَ الغفور الْوَدُود} قَالَ: الغفور للْمُؤْمِنين الْوَدُود لأوليائه
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {الْوَدُود} قَالَ: الحبيب وَفِي قَوْله: {ذُو الْعَرْش الْمجِيد} قَالَ: الْكَرِيم
وَأخرج ابْن جرير عَن أنس قَالَ: إِن اللَّوْح الْمَحْفُوظ الَّذِي ذكره الله فِي الْقُرْآن فِي قَوْله: {بل هُوَ قُرْآن مجيد فِي لوح مَحْفُوظ} فِي جبهة اسرافيل
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد {فِي لوح مَحْفُوظ} قَالَ: فِي أم الْكتاب
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {فِي لوح مَحْفُوظ} قَالَ: أخْبرت أَن لوح الذّكر لوح وَاحِد فِيهِ الذّكر وَإِن ذَلِك اللَّوْح من نور وَإنَّهُ مسيرَة ثَلَاثمِائَة سنة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {مَحْفُوظ} قَالَ: مَحْفُوظ عِنْد الله
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {فِي لوح مَحْفُوظ} قَالَ: فِي صُدُور الْمُؤمنِينَ
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن عبد الله بن بُرَيْدَة {فِي لوح مَحْفُوظ} قَالَ: لوح عِنْد الله وَهُوَ أم الْكتاب
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ فِي العظمة بِسَنَد جيد عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: خلق الله اللَّوْح الْمَحْفُوظ كمسيرة مائَة عَام فَقَالَ للقلم: قبل أَن يخلق اكْتُبْ علمي فِي خلقي فَجرى بِمَا هُوَ كَائِن إِلَى يَوْم الْقِيَامَة(8/471)
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي مَكَارِم الْأَخْلَاق وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة وَابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق حَلَال القسلي عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن لله لوحاً من زبرجدة خضراء جعله تَحت الْعَرْش وَكتب فِيهِ: إِنِّي أَنا الله لَا إِلَه إِلَّا أَنا خلقت ثَلَاثمِائَة وَبضْعَة عشر خلقا من جَاءَ بِخلق مِنْهَا مَعَ شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله دخل الْجنَّة
وَأخرج عبد بن حميد فِي مُسْنده وَأَبُو يعلى بِسَنَد ضَعِيف عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن بَين يَدي الرَّحْمَن تبَارك وَتَعَالَى لوحاً فِيهِ ثَلَاثمِائَة وَخمْس عشرَة شَرِيعَة يَقُول الرَّحْمَن: وَعِزَّتِي وَجَلَالِي لَا يجيئني عبد من عبَادي لَا يُشْرك بِي شَيْئا فِيهِ وَاحِدَة مِنْكُن إِلَّا أدخلته الْجنَّة
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن لله لوحاً أحد وجهيه ياقوتة وَالْوَجْه الثَّانِي زبرجدة خضراء قلمه النُّور فِيهِ يخلق وَفِيه يرْزق وَفِيه يحيي وَفِيه يُمِيت وَفِيه يعز وَفِيه يفعل مَا يَشَاء فِي كل يَوْم وَلَيْلَة
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: خلق الله لوحاً من درة بَيْضَاء دفتاه من زبرجدة خضراء كِتَابه من نور يلحظ إِلَيْهِ فِي كل يَوْم ثَلَاثمِائَة وَسِتِّينَ لَحْظَة يحيي وَيُمِيت ويخلق ويرزق ويعز ويذل وَيفْعل مَا يَشَاء(8/472)
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
86
سُورَة الطارق
مَكِّيَّة وآياتها سبع عشرَة
مُقَدّمَة السُّورَة
الْآيَة 1 - 10(8/473)
وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ (2) النَّجْمُ الثَّاقِبُ (3) إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ (4) فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ (5) خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ (6) يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ (7) إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ (8) يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ (9) فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلَا نَاصِرٍ (10)
أخرج ابْن الضريس وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: نزلت {وَالسَّمَاء والطارق} بِمَكَّة
وَأخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ فِي التَّارِيخ وَابْن مرْدَوَيْه وَالطَّبَرَانِيّ عَن خَالِد العدواني أَنه أبْصر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بسوق ثَقِيف وَهُوَ قَائِم على قَوس أَو عَصا حِين أَتَاهُم يَبْتَغِي النَّصْر عِنْدهم فَسَمعهُ يقْرَأ {وَالسَّمَاء والطارق} حَتَّى خَتمهَا
قَالَ: فوعيتها فِي الْجَاهِلِيَّة ثمَّ قرأتها فِي الإِسلام
وَأخرج النَّسَائِيّ عَن جَابر قَالَ: صلى معَاذ الْمغرب فَقَرَأَ الْبَقَرَة وَالنِّسَاء فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أفتان أَنْت يَا معَاذ أما يَكْفِيك أَن تقْرَأ {وَالسَّمَاء والطارق} {وَالشَّمْس وَضُحَاهَا} سُورَة الشَّمْس الْآيَة 1 وَنَحْو هَذَا
أخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وَالسَّمَاء والطارق} قَالَ: أقسم رَبك بالطارق وكل شَيْء طرقك باليل فَهُوَ طَارق
وَأخرج عبد بن حميد عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: قلت لِابْنِ عَبَّاس {وَالسَّمَاء والطارق}(8/473)
فَقَالَ: {وَمَا أَدْرَاك مَا الطارق} فَقلت: (فَلَا أقسم بالخنس) (التكوير الْآيَة 15) فَقَالَ: (الْجَوَارِي الكنس) (التكوير الْآيَة 15) فَقلت: (وَالْمُحصنَات من النِّسَاء) (النِّسَاء الْآيَة 24) فَقَالَ: (إِلَّا مَا ملكت أَيْمَانكُم) (النِّسَاء الْآيَة 24) فَقلت: مَا هَذَا فَقَالَ: مَا أعلم مِنْهَا إِلَّا مَا تسمع
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {وَالسَّمَاء والطارق} قَالَ: وَمَا يطْرق فِيهَا {إِن كل نفس لما عَلَيْهَا حَافظ} قَالَ: كل نفس عَلَيْهَا حفظَة من الْمَلَائِكَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {النَّجْم الثاقب} قَالَ: النَّجْم المضيء {إِن كل نفس لما عَلَيْهَا حَافظ} قَالَ: إِلَّا عَلَيْهَا حَافظ
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج {وَالسَّمَاء والطارق} قَالَ: النَّجْم يخفى بِالنَّهَارِ ويبدو بِاللَّيْلِ {إِن كل نفس لما عَلَيْهَا حَافظ} قَالَ: حفظ كل نفس عمله وأجله ورزقه
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة {وَالسَّمَاء والطارق} قَالَ: هُوَ ظُهُور النَّجْم بِاللَّيْلِ يَقُول: يطرقك بِاللَّيْلِ {النَّجْم الثاقب} قَالَ: المضيء {إِن كل نفس لما عَلَيْهَا حَافظ} قَالَ: مَا كل نفس إِلَّا عَلَيْهَا حَافظ
قَالَ: وهم حفظَة يحفظون عَمَلك ورزقك وأجلك فَإِذا توفيته يَا ابْن آدم قبضت إِلَى رَبك
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد {النَّجْم الثاقب} قَالَ: الَّذِي يتوهج
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن زيد قَالَ: {النَّجْم الثاقب} الثريا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن خصيف {النَّجْم الثاقب} قَالَ: مِم يثقب من يسترق السّمع
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ {إِن كل نفس لما عَلَيْهَا حَافظ} مثقلة منصوبه اللَّام
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله: {فَلْينْظر الإِنسان مِم خلق} قَالَ: هُوَ أَبُو الأشدين كَانَ يقوم على الْأَدِيم فَيَقُول: يَا معشر قُرَيْش من أزالني عَنهُ فَلهُ كَذَا(8/474)
وَكَذَا وَيَقُول: إِن مُحَمَّدًا يزْعم أَن خَزَنَة جَهَنَّم تِسْعَة عشر فَأَنا أكفيكم وحدي عشرَة واكفوني أَنْتُم تِسْعَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {يخرج من بَين الصلب والترائب} قَالَ: صلب الرجل وترائب الْمَرْأَة لَا يكون الْوَلَد إِلَّا مِنْهُمَا
وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن أَبْزَى قَالَ: الصلب من الرجل والترائب من الْمَرْأَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس {يخرج من بَين الصلب والترائب} قَالَ: مَا بَين الْجيد والنحر
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد قَالَ: الترائب أَسْفَل من التراقي
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {والترائب} قَالَ: تربية الْمَرْأَة وَهُوَ مَوضِع القلادة
وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس إِن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله: عزَّ وَجل {يخرج من بَين الصلب والترائب} قَالَ: الترائب مَوضِع القلادة من الْمَرْأَة قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ نعم أما سَمِعت قَول الشَّاعِر: والزعفران على ترائبها شرفا بِهِ اللبات والنحر وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة أَنه سُئِلَ عَن قَوْله: {يخرج من بَين الصلب والترائب} قَالَ: صلب الرجل وترائب الْمَرْأَة أما سَمِعت قَول الشَّاعِر: نظام [] اللُّؤْلُؤ على ترائبها شرفا بِهِ اللبات والنحر وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الترائب الصَّدْر
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة وعطية وَأبي عِيَاض مثله
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الترائب أَرْبَعَة أضلاع من كل جَانب من أَسْفَل الأضلاع
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر عَن الْأَعْمَش قَالَ: يخلق الْعِظَام والعصب من مَاء الرجل ويخلق اللَّحْم وَالدَّم من مَاء الْمَرْأَة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {يخرج من بَين الصلب والترائب} قَالَ: يخرج من بَين صلبه نَحره {إِنَّه على رجعه لقادر} قَالَ: إِن الله على بَعثه وإعادته لقادر {يَوْم تبلى السرائر} قَالَ: إِن هَذِه السرائر(8/475)
مختبرة فأسروا خيرا وأعلنوه {فَمَا لَهُ من قُوَّة} يمْتَنع بهَا {وَلَا نَاصِر} ينصره من الله
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {إِنَّه على رجعه لقادر} قَالَ: على أَن يَجْعَل الشَّيْخ شَابًّا والشاب شَيخا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد {إِنَّه على رجعه لقادر} قَالَ: على رَجَعَ النُّطْفَة فِي الإِحليل
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة {إِنَّه على رجعه لقادر} قَالَ: على أَن يرجعه فِي صلبه
وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن أَبْزَى قَالَ: على أَن يردهُ نُطْفَة فِي صلب أَبِيه
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الْحسن {إِنَّه على رجعه لقادر} قَالَ: على إحيائه
وَأخرج عبد بن حميد عَن الرّبيع بن خَيْثَم {يَوْم تبلى السرائر} قَالَ: السرائر الَّتِي تخفين من النَّاس وَهن لله بواد داووهن بدوائهن قيل: وَمَا بدوائهن قَالَ: أَن تتوب ثمَّ لَا تعود
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن عَطاء فِي قَوْله: {تبلى السرائر} قَالَ: الصَّوْم وَالصَّلَاة وَغسل الْجَنَابَة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن يحيى بن أبي كثير مثله
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن أبي الدَّرْدَاء قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ضمن الله خلقه أَرْبَعَة الصَّلَاة وَالزَّكَاة وَصَوْم رَمَضَان وَالْغسْل من الْجَنَابَة وَهن السرائر الَّتِي قَالَ الله {يَوْم تبلى السرائر}
الْآيَة 11 - 17(8/476)
وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ (11) وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ (12) إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ (13) وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ (14) إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا (15) وَأَكِيدُ كَيْدًا (16) فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا (17)
أخرج عبد الرَّزَّاق وَالْفِرْيَابِي وَعبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ فِي تَارِيخه وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وَالسَّمَاء ذَات الرجع} قَالَ: الْمَطَر بعد الْمَطَر {وَالْأَرْض ذَات الصدع} قَالَ: صَدعهَا عَن النَّبَات(8/476)
وَأخرج عبد بن حميد عَن سعيد بن جُبَير وَعِكْرِمَة وَأبي مَالك وَابْن أَبْزَى وَالربيع بن أنس مثله
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد {وَالسَّمَاء ذَات الرجع} قَالَ: السَّحَاب تمطر ثمَّ ترجع بالمطر {وَالْأَرْض ذَات الصدع} قَالَ: المازم غير الأودية والجروف
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَطاء {وَالسَّمَاء ذَات الرجع} قَالَ: ترجع بالمطر كل عَام {وَالْأَرْض ذَات الصدع} قَالَ: تصدع بالنبات كل عَام
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس {وَالْأَرْض ذَات الصدع} قَالَ: صدع الأودية
وَأخرج ابْن مندة والديلمي عَن معَاذ بن أنس مَرْفُوعا {وَالْأَرْض ذَات الصدع} قَالَ: تصدع بِإِذن الله عَن الْأَمْوَال والنبات
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة {وَالسَّمَاء ذَات الرجع} قَالَ: ترجع إِلَى الْعباد برزقهم كل عَام لَوْلَا ذَلِك لهلكوا وَهَلَكت مَوَاشِيهمْ {وَالْأَرْض ذَات الصدع} قَالَ: تصدع عَن النَّبَات وَالثِّمَار كَمَا رَأَيْتُمْ {إِنَّه لقَوْل فصل} قَالَ: قَول حكم {وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ} قَالَ: مَا هُوَ باللعب {فمهل الْكَافرين أمهلهم رويداً} قَالَ: الرويد الْقَلِيل
وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس إِن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله: عزَّ وَجل {وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ} قَالَ: الْقُرْآن لَيْسَ بِالْبَاطِلِ واللعب
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم أما سَمِعت قيس بن رِفَاعَة وَهُوَ يَقُول: وَمَا أَدْرِي وسوف أخال أَدْرِي أهزل ذَا كم أم قَول جد وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن سعيد بن جُبَير {وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ} قَالَ: وَمَا هُوَ باللعب
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عليّ قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: أَتَانِي جِبْرِيل فَقَالَ يَا مُحَمَّد: إِن أمتك مُخْتَلفَة بعْدك
قلت فَأَيْنَ الْمخْرج يَا جِبْرِيل فَقَالَ: كتاب الله بِهِ يقصم كل جَبَّار من اعْتصمَ بِهِ نجا وَمن تَركه هلك قَول فصل لَيْسَ بِالْهَزْلِ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {إِنَّه لقَوْل فصل} قَالَ: حق {وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ} قَالَ: بِالْبَاطِلِ وَفِي قَوْله: {أمهلهم رويداً} قَالَ: قَرِيبا(8/477)
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن السّديّ فِي قَوْله: {فمهل الْكَافرين أمهلهم رويداً} قَالَ: أمهلهم حَتَّى آمُر بِالْقِتَالِ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة والدارمي وَالتِّرْمِذِيّ وَمُحَمّد بن نصر وَابْن الْأَنْبَارِي فِي الْمَصَاحِف عَن الْحَارِث الْأَعْوَر قَالَ: دخلت الْمَسْجِد فَإِذا النَّاس قد وَقَعُوا فِي الْأَحَادِيث فَأتيت عليّاً فَأَخْبَرته فَقَالَ: أوقد فَعَلُوهَا سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: إِنَّهَا سَتَكُون فتْنَة قلت: فَمَا الْمخْرج مِنْهَا يَا رَسُول الله قَالَ: كتاب الله فِيهِ نبأ من قبلكُمْ وَخبر من بعدكم وَحكم مَا بَيْنكُم هُوَ الْفَصْل لَيْسَ بِالْهَزْلِ من تَركه من جَبَّار قصمه الله وَمن ابْتغى الْهدى فِي غَيره أضلّهُ الله وَهُوَ حَبل الله المتين وَهُوَ الذّكر الْحَكِيم وَهُوَ الصِّرَاط الْمُسْتَقيم هُوَ الَّذِي لَا تزِيغ بِهِ الْأَهْوَاء وَلَا تشبع مِنْهُ الْعلمَاء وَلَا تَلْتَبِس مِنْهُ الألسن وَلَا يخلق من الرَّد وَلَا تَنْقَضِي عجائبه هُوَ الَّذِي لم تَنْتَهِ الْجِنّ إِذْ سمعته حَتَّى قَالُوا: (إِنَّا سمعنَا قُرْآنًا عجبا يهدي إِلَى الرشد) من قَالَ بِهِ صدق وَمن حكم بِهِ عدل وَمن عمل بِهِ أجر وَمن دَعَا إِلَيْهِ هُدِيَ إِلَى صِرَاط مُسْتَقِيم
وَأخرج مُحَمَّد بن نصر وَالطَّبَرَانِيّ عَن معَاذ بن جبل قَالَ: ذكر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمًا الْفِتَن فَعَظَّمَهَا وَشَدَّدَهَا فَقَالَ عَليّ بن أبي طَالب: يَا رَسُول الله فَمَا الْمخْرج مِنْهَا قَالَ: كتاب الله فِيهِ الْمخْرج فِيهِ حَدِيث مَا قبلكُمْ ونبأ مَا بعدكم وَفصل مَا بَيْنكُم من تَركه من جَبَّار يقصمه الله وَمن يَبْتَغِي الْهدى فِي غَيره يضله الله وَهُوَ حَبل الله المتين وَالذكر الْحَكِيم والصراط الْمُسْتَقيم
هُوَ الَّذِي لما سمعته الْجِنّ لم تتناه أَن قَالُوا: (إِنَّا سمعنَا قُرْآنًا عجبا يهدي إِلَى الرشد) هُوَ الَّذِي لَا تخْتَلف بِهِ الألسن وَلَا تخلقه كَثْرَة الرَّد(8/478)
87
سُورَة الْأَعْلَى
مَكِّيَّة وآياتها تسع عشرَة بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
الْآيَة 1 - 19(8/479)
سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1) الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (2) وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى (3) وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى (4) فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى (5) سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى (6) إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى (7) وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى (8) فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى (9) سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى (10) وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى (11) الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى (12) ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى (13) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (14) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى (15) بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (16) وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (17) إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى (18) صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى (19)
أخرج ابْن الضريس والنحاس وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: نزلت سُورَة {سبح} بِمَكَّة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عبد الله بن الزبير قَالَ: أنزلت سُورَة {سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى} بِمَكَّة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عَائِشَة قَالَت: نزلت سُورَة {سبح اسْم رَبك} بِمَكَّة
وَأخرج ابْن سعد وَابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ عَن الْبَراء بن عَازِب قَالَ: أول من قدم علينا من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُصعب بن عُمَيْر وَابْن أم مَكْتُوم فَجعلَا يقرئاننا الْقُرْآن ثمَّ جَاءَ عمار وبلال وَسعد ثمَّ جَاءَ عمر بن الْخطاب فِي عشْرين ثمَّ جَاءَ(8/479)
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَمَا رَأَيْت أهل الْمَدِينَة فرحوا بِشَيْء فَرَحهمْ بِهِ حَتَّى رَأَيْت الولائد وَالصبيان يَقُولُونَ: هَذَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد جَاءَ فَمَا جَاءَ حَتَّى قَرَأت {سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى} فِي سور مثلهَا
وَأخرج أَحْمد وَالْبَزَّار وَابْن مرْدَوَيْه عَن عَليّ قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يحب هَذِه السُّورَة {سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى}
وَأخرج أَبُو عبيد عَن تَمِيم قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِنِّي نسيت أفضل المسبحات فَقَالَ أبيّ بن كَعْب فلعلها {سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى} قَالَ: نعم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة عَن النُّعْمَان بن بشير أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يقْرَأ فِي الْعِيدَيْنِ وَيَوْم الْجُمُعَة ب {سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى} و (هَل أَتَاك حَدِيث الغاشية) (سُورَة الغاشية الْآيَة 1) وَإِن وَافق يَوْم الْجُمُعَة قرأهما جَمِيعًا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن ماجة عَن أبي عتبَة الْخَولَانِيّ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يقْرَأ فِي الْجُمُعَة ب {سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى} و (هَل أَتَاك حَدِيث الغاشية)
وَأخرج ابْن ماجة عَن ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يقْرَأ فِي الْعِيد ب {سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى} و (هَل أَتَاك حَدِيث الغاشية)
وَأخرج أَحْمد وَابْن ماجة وَالطَّبَرَانِيّ عَن سَمُرَة بن جُنْدُب أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يقْرَأ فِي الْعِيدَيْنِ ب {سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى} و (هَل أَتَاك حَدِيث الغاشية)
وَأخرج الْبَزَّار عَن أنس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يقْرَأ فِي الظّهْر وَالْعصر ب {سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى} و (هَل أَتَاك حَدِيث الغاشية)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَمُسلم عَن جَابر بن سَمُرَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يقْرَأ فِي الظّهْر ب {سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى}
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَمُسلم وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن عمرَان بن حُصَيْن أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى الظّهْر فَلَمَّا سلم قَالَ: هَل قَرَأَ أحد مِنْكُم ب {سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى} فَقَالَ رجل: أَنا
قَالَ: قد علمت أَن بَعْضكُم خالجنيها
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَابْن حبَان وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبيّ بن كَعْب قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُوتر ب {سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى} و (قل يَا أَيهَا الْكَافِرُونَ) (سُورَة الْكَافِرُونَ الْآيَة 1)(8/480)
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ عَن عاشة قَالَت: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقْرَأ فِي الْوتر فِي الرَّكْعَة الأولى ب {سبح} وَفِي الثَّانِيَة (قل يَا أَيهَا الْكَافِرُونَ) وَفِي الثَّالِثَة (قل هُوَ الله أحد) (سُورَة الأخلاص الْآيَة 1) والمعوذتين
وَأخرج الْبَزَّار عَن ابْن عمر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يقْرَأ فِي الْوتر ب {سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى} و (قل يَا أَيهَا الْكَافِرُونَ) و (قل هُوَ الله أحد)
وَأخرج مُحَمَّد بن نصر عَن أنس مثله
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: أمَّ معَاذ قوما فِي صَلَاة الْمغرب فَمر بِهِ غُلَام من الْأَنْصَار وَهُوَ يعْمل على بعير لَهُ فَأطَال بهم معَاذ فَلَمَّا رأى ذَلِك الْغُلَام ترك الصَّلَاة وَانْطَلق فِي طلب بعيره فَرفع ذَلِك إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: أفتان أَنْت يَا معَاذ أَلا يقْرَأ أحدكُم فِي الْمغرب ب {سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى} {وَالشَّمْس وَضُحَاهَا}
وَأخرج ابْن ماجة عَن جَابر أَن معَاذ بن جبل صلى بِأَصْحَابِهِ الْعشَاء فطول عَلَيْهِم فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: اقْرَأ (بالشمس وَضُحَاهَا) و {سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى} {وَاللَّيْل إِذا يغشى} سُورَة اللَّيْل الْآيَة 1 و {سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قُلْنَا يَا رَسُول الله كَيفَ نقُول فِي سجودنا فَأنْزل الله {سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى} فَأمرنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن نقُول فِي سجودنا سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى
وَأخرج ابْن سعد عَن الْكَلْبِيّ قَالَ: وَفد حضرمي بن عَامر على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَتَقْرَأُ شَيْئا من الْقُرْآن فَقَرَأَ {سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى الَّذِي خلق فسوّى وَالَّذِي قدر فهدى} وَالَّذِي أمتن على الحبلى فَأخْرج مِنْهَا نسمَة تسْعَى بَين شغَاف وحشا
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا تزيدنّ فِيهَا فَإِنَّهَا شافية كَافِيَة
أخرج أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَابْن ماجة وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه عَن عقبَة بن عَامر الْجُهَنِيّ قَالَ: لما أنزلت (فسبح باسم رَبك الْعَظِيم) (سُورَة الْوَاقِعَة الْآيَة 74) قَالَ لنا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: اجْعَلُوهَا فِي ركوعكم فَلَمَّا نزلت {سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى} قَالَ: اجْعَلُوهَا فِي سُجُودكُمْ(8/481)
وَأخرج أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن عَبَّاس أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا قَرَأَ {سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى} قَالَ: سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس أَنه كَانَ إِذا قَرَأَ {سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى} قَالَ: سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى
وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: إِذا قَرَأت {سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى} فَقل: سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْأَنْبَارِي فِي الْمَصَاحِف عَن عَليّ بن أبي طَالب أَنه قَرَأَ {سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى} فَقَالَ: سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى وَهُوَ فِي الصَّلَاة فَقيل لَهُ: أتزيد فِي الْقُرْآن قَالَ: لَا إِنَّمَا أمرنَا بِشَيْء فقلته
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَسَعِيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عنأبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ أَنه قَرَأَ فِي الْجُمُعَة {سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى} فَقَالَ: سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: سَمِعت ابْن عمر يقْرَأ / سُبْحَانَ اسْم رَبك الْأَعْلَى / فَقَالَ: سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى
قَالَ: كَذَلِك هِيَ قِرَاءَة أبيّ بن كَعْب
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد عَن عبد الله بن الزبير أَنه قَرَأَ {سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى} فَقَالَ: سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى وَهُوَ فِي الصَّلَاة
وَأخرج عبد بن حميد عَن الضَّحَّاك أَنه كَانَ يقْرؤهَا كَذَلِك وَيَقُول: من قَرَأَهَا فَلْيقل سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة قَالَ: ذكر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا قَرَأَهَا قَالَ: سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عمر أَنه كَانَ إِذا قَرَأَ {سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى} قَالَ: سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى أخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {وَالَّذِي قدر فهدى} قَالَ: هدى الإنسن للشقوة والسعادة وَهدى الْأَنْعَام لمراتعها(8/482)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن إِبْرَاهِيم {وَالَّذِي أخرج المرعى} قَالَ: النَّبَات
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {فَجعله غثاء} قَالَ: هشيماً {أحوى} قَالَ: متغيراً
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {فَجعله غثاء أحوى} قَالَ: الغثاء الشَّيْء الْبَالِي و {أحوى} قَالَ: أصفر وأخضر وأبيض ثمَّ ييبس حَتَّى يكون يَابسا بعد خضرَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد {فَجعله غثاء أحوى} قَالَ: غثاء السَّيْل و {أحوى} قَالَ: أسود
قَوْله: تَعَالَى: {سنقرئك فَلَا تنسى} الْآيَات
أخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {سنقرئك فَلَا تنسى} قَالَ: كَانَ يتَذَكَّر الْقُرْآن فِي نَفسه مَخَافَة أَن ينسى
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا أَتَاهُ جِبْرِيل بِالْوَحْي لم يفرغ جِبْرِيل من الْوَحْي حَتَّى يزمل من ثقل الْوَحْي حَتَّى يتَكَلَّم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بأوله مَخَافَة أَن يغشى عَلَيْهِ فينسى فَقَالَ لَهُ جِبْرِيل: لم تفعل ذَلِك قَالَ مَخَافَة أَن أنسى
فَأنْزل الله {سنقرئك فَلَا تنسى إِلَّا مَا شَاءَ الله} فَإِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نسي آيَات من الْقُرْآن لَيْسَ بحلال وَلَا حرَام ثمَّ قَالَ لَهُ جِبْرِيل: إِنَّه لم ينزل على نَبِي قبلك إِلَّا نسي وَإِلَّا رفع بعضه وَذَلِكَ أَن مُوسَى أهبط الله عَلَيْهِ ثَلَاثَة عشر سفرا فَلَمَّا ألْقى الألواح انْكَسَرت وَكَانَت من زمرد فَذهب أَرْبَعَة أسفار وَبَقِي تِسْعَة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يستذكر الْقُرْآن فخافة أَن ينساه فَقيل لَهُ: كَفَيْنَاك ذَلِك وَنزلت {سنقرئك فَلَا تنسى}
وَأخرج الْحَاكِم عَن سعد بن أبي وَقاص نَحوه
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس {سنقرئك فَلَا تنسى إِلَّا مَا شَاءَ الله} يَقُول إِلَّا مَا شِئْت أَنا فأنسيك
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {سنقرئك فَلَا تنسى إِلَّا مَا شَاءَ الله} قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا ينسى شَيْئا إِلَّا مَا شَاءَ الله {إِنَّه يعلم الْجَهْر وَمَا يخفى} قَالَ: الوسوسة(8/483)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير {إِنَّه يعلم الْجَهْر وَمَا يخفى} قَالَ: مَا أخفيت فِي نَفسك
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {ونيسرك لليسرى} قَالَ: للخير
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {سَيذكرُ من يخْشَى ويتجنبها الأشقى} قَالَ: وَالله مَا خشِي الله عبد قطّ إِلَّا ذكره وَلَا يتنكب عبد هَذَا الذّكر زهداً فِيهِ وبغضاً لَهُ ولأهله إِلَّا شقي بَين الأشقياء
قَوْله: تَعَالَى: {قد أَفْلح من تزكّى} الْآيَة
أخرج الْبَزَّار وَابْن مرْدَوَيْه عَن جَابر بن عبد الله عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: فِي قَوْله: {قد أَفْلح من تزكّى} قَالَ: من شهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وخلع الأنداد وَشهد أَنِّي رَسُول الله {وَذكر اسْم ربه فصلى} قَالَ: هِيَ الصَّلَوَات الْخمس والمحافظة عَلَيْهَا والاهتمام بمواقيتها
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {قد أَفْلح من تزكّى} قَالَ: من الشّرك {وَذكر اسْم ربه} قَالَ: وحد الله {فصلى} قَالَ: الصَّلَوَات الْخمس
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {قد أَفْلح من تزكّى} قَالَ: من قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات من طَرِيق عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {قد أَفْلح من تزكّى} قَالَ: من قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن عَطاء رَضِي الله عَنهُ قَالَ: {قد أَفْلح من تزكّى} قَالَ: من آمن
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَطاء رَضِي الله عَنهُ قَالَ: {قد أَفْلح من تزكّى} قَالَ: من أَكثر الاسْتِغْفَار
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {قد أَفْلح من تزكّى} قَالَ: بِعَمَل صَالح(8/484)
وَأخرج الْبَزَّار وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم فِي الكنى وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه بِسَنَد ضَعِيف عَن كثير بن عبد الله بن عَمْرو بن عَوْف عَن أَبِيه عَن جده عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه كَانَ يَأْمر بِزَكَاة الْفطر قبل أَن يُصَلِّي صَلَاة الْعِيد وَيَتْلُو هَذِه الْآيَة {قد أَفْلح من تزكّى وَذكر اسْم ربه فصلى} وَفِي لفظ قَالَ: سُئِلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن زَكَاة الْفطر قَالَ: {قد أَفْلح من تزكّى} فَقَالَ: هِيَ زَكَاة الْفطر
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: {قد أَفْلح من تزكّى وَذكر اسْم ربه فصلى} ثمَّ يقسم الْفطْرَة قبل أَن يَغْدُو إِلَى الْمصلى يَوْم الْفطر
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي الله عَنهُ {قد أَفْلح من تزكّى} قَالَ: أعْطى صَدَقَة الْفطر قبل أَن يخرج إِلَى الْعِيد {وَذكر اسْم ربه فصلى} قَالَ: خرج إِلَى الْعِيد فصلى
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {قد أَفْلح من تزكّى} قَالَ: زَكَاة الْفطر
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ أَن عبد الله بن عمر كَانَ يقدم صَدَقَة الْفطر حِين يَغْدُو ثمَّ يَغْدُو وَهُوَ يَتْلُو {قد أَفْلح من تزكّى وَذكر اسْم ربه فصلى}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ عَن نَافِع عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِنَّمَا أنزلت هَذِه الْآيَة فِي إِخْرَاج صَدَقَة الْفطر قبل صَلَاة الْعِيد {قد أَفْلح من تزكّى وَذكر اسْم ربه فصلى}
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن وَاثِلَة بن الْأَسْقَع رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {قد أَفْلح من تزكّى} الْآيَة قَالَ: إِلْقَاء الْقَمْح قبل الصَّلَاة يَوْم الْفطر فِي الْمصلى
وَأخرج عبد بن حميد وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي الْعَالِيَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {قد أَفْلح من تزكّى وَذكر اسْم ربه فصلى} قَالَ: نزلت فِي صَدَقَة الْفطر تزكي ثمَّ تصلي
وَأخرج ابْن جرير عَن أبي خلدَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: دخلت على أبي الْعَالِيَة فَقَالَ لي إِذا غَدَوْت غَدا إِلَى الْعِيد فَمر بِي
قَالَ: فمررت بِهِ فَقَالَ: هَل طعمت شَيْئا
قلت: نعم
قَالَ: فَأَخْبرنِي مَا فعلت زكاتك قلت: قد وجهتها
قَالَ: إِنَّمَا(8/485)
أردتك لهَذَا ثمَّ قَرَأَ {قد أَفْلح من تزكّى وَذكر اسْم ربه فصلى} وَقَالَ: إِن أهل الْمَدِينَة لَا يرَوْنَ صَدَقَة أفضل مِنْهَا وَمن سِقَايَة المَاء
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَطاء رَضِي الله عَنهُ {قد أَفْلح من تزكّى} قَالَ: أدّى زَكَاة الْفطر
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُحَمَّد بن سِيرِين رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {قد أَفْلح من تزكّى} قَالَ: أدّى صَدَقَة الْفطر ثمَّ خرج فصلى بَعْدَمَا أدّى
وَأخرج عبد بن حميد عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قدم الزَّكَاة مَا اسْتَطَعْت يَوْم الْفطر ثمَّ قَرَأَ {قد أَفْلح من تزكّى وَذكر اسْم ربه فصلى}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَطاء رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قلت لِابْنِ عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا: أَرَأَيْت قَوْله: {قد أَفْلح من تزكّى} للفطر قَالَ: لم أسمع بذلك وَلَكِن الزَّكَاة كلهَا ثمَّ عاودته فِيهَا فَقَالَ لي: وَالصَّدقَات كلهَا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ {قد أَفْلح من تزكّى} يَعْنِي من مَاله
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {قد أَفْلح من تزكّى} قَالَ: تزكّى رجل من مَاله وتزكى رجل من خلقه
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن أبي الْأَحْوَص رَضِي الله عَنهُ قَالَ: رحم الله امْرأ تصدق ثمَّ صلى ثمَّ قَرَأَ {قد أَفْلح من تزكّى} الْآيَة وَلَفظ ابْن أبي شيبَة من اسْتَطَاعَ أَن يقدم بَين يَدي صلَاته صَدَقَة فَلْيفْعَل
فَإِن الله يَقُول وَذكر الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي الْأَحْوَص رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لَو أَن الَّذِي يتَصَدَّق بِالصَّدَقَةِ صلى رَكْعَتَيْنِ ثمَّ قَرَأَ {قد أَفْلح من تزكّى} الْآيَة
وَأخرج زيد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق أبي الْأَحْوَص عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِذا خرج أحدكُم يُرِيد الصَّلَاة فَلَا عَلَيْهِ أَن يتَصَدَّق بِشَيْء لِأَن الله يَقُول: {قد أَفْلح من تزكّى وَذكر اسْم ربه فصلى}(8/486)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي الْأَحْوَص رَضِي الله عَنهُ {قد أَفْلح من تزكّى} قَالَ: من رضخ
أخرج عبد بن حميد عَن أبن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ أَنه كَانَ يقْرَأ / بل تؤثرون الْحَيَاة الدُّنْيَا على الْآخِرَة /
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن عرْفجَة الثَّقَفِيّ قَالَ: استقرأت ابْن مَسْعُود {سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى} فَلَمَّا بلغ {بل تؤثرون الْحَيَاة الدُّنْيَا} ترك الْقِرَاءَة وَأَقْبل على أَصْحَابه فَقَالَ: آثرنا الدُّنْيَا على الْآخِرَة فَسكت الْقَوْم
فَقَالَ: آثرنا الدُّنْيَا لأَنا رَأينَا زينتها ونساءها وطعامها وشرابها وزويت عَنَّا الْآخِرَة فاخترنا هَذَا العاجل وَتَركنَا الآجل وَقَالَ: بل يؤثرون بِالْيَاءِ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة {خزي فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا} قَالَ: اخْتَار النَّاس العاجلة إِلَّا من عصم الله {وَالْآخِرَة خير} فِي الْخَيْر {وَأبقى} فِي الْبَقَاء
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة {بل تؤثرون الْحَيَاة الدُّنْيَا} قَالَ: يَعْنِي هَذِه الْأمة وَإِنَّكُمْ ستؤثرون الْحَيَاة الدُّنْيَا
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا إِلَه إِلَّا الله تمنع الْعباد من سخط الله مَا لم يؤثروا صَفْقَة دنياهم على دينهم فَإِذا آثروا صَفْقَة دنياهم ثمَّ قَالُوا: لَا إِلَه إِلَّا الله ردَّتْ عَلَيْهَا وَقَالَ الله كَذبْتُمْ
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنهُ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَا يلقى الله أحد بِشَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ إِلَّا دخل الْجنَّة مَا لم يخلط مَعهَا غَيرهَا رددها ثَلَاثًا قَالَ: قَائِل من قاصية النَّاس: بِأبي أَنْت وَأمي يَا رَسُول الله: وَمَا يخلط مَعهَا غَيرهَا قَالَ: حب الدُّنْيَا وأثرة لَهَا وجمعا لَهَا ورضا بهَا وَعمل الجبارين
وَأخرج أَحْمد عَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: من أحب دُنْيَاهُ أضرّ بآخرته وَمن أحب آخرته أضرَّ بدنياه فآثروا مَا يبْقى على مَا يفنى
وَأخرج أَحْمد عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: الدُّنْيَا(8/487)
دَار من لَا دَار لَهُ وَمَال من لَا مَال لَهُ لَهَا يجمع من لَا عقل لَهُ
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيّ عَن مُوسَى بن يسَار رَضِي الله عَنهُ أَنه بلغه أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن الله جلّ ثَنَاؤُهُ لم يخلق خلقا أبْغض إِلَيْهِ من الدُّنْيَا وَإنَّهُ مُنْذُ خلقهَا لم ينظر إِلَيْهَا
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: حب الدُّنْيَا رَأس كل خَطِيئَة
أخرج الْبَزَّار وَابْن الْمُنْذر وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: لما نزلت {إِن هَذَا لفي الصُّحُف الأولى صحف إِبْرَاهِيم ومُوسَى} قَالَ: رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: هِيَ كلهَا فِي صحف إِبْرَاهِيم ومُوسَى
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {إِن هَذَا لفي الصُّحُف الأولى} قَالَ: نسخت هَذِه السُّورَة من صحف إِبْرَاهِيم ومُوسَى وَلَفظ سعيد: هَذِه السُّورَة فِي صحف إِبْرَاهِيم ومُوسَى وَلَفظ ابْن مرْدَوَيْه: وَهَذِه السُّورَة وَقَوله: (وَإِبْرَاهِيم الَّذِي وفى) (سُورَة النَّجْم الْآيَة 37) إِلَى آخر السُّورَة من صحف إِبْرَاهِيم ومُوسَى
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ أَن هَذِه السُّورَة فِي صحف إِبْرَاهِيم ومُوسَى مثل مَا نزلت على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي الْعَالِيَة رَضِي الله عَنهُ {إِن هَذَا لفي الصُّحُف الأولى} يَقُول: قصَّة هَذِه السُّورَة فِي الصُّحُف الأولى
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {إِن هَذَا لفي الصُّحُف الأولى} قَالَ: تَتَابَعَت كتب الله كَمَا تَسْمَعُونَ إِن الْآخِرَة خير وَأبقى
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {إِن هَذَا لفي الصُّحُف الأولى} الْآيَة قَالَ: فِي الصُّحُف الأولى إِن الْآخِرَة خير من الدُّنْيَا
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ {إِن هَذَا لفي الصُّحُف الأولى} قَالَ: هُوَ الْآيَات
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ {إِن هَذَا لفي الصُّحُف الأولى} قَالَ: فِي كتب الله كلهَا(8/488)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن مرْدَوَيْه وَابْن عَسَاكِر عَن أبي ذَر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قلت يَا رَسُول الله كم أنزل الله من كتاب قَالَ مائَة كتاب وَأَرْبَعَة كتب أنزل على شِيث خمسين صحيفَة وعَلى ادريس ثَلَاثِينَ صحيفَة وعَلى إِبْرَاهِيم عشر صَحَائِف وعَلى مُوسَى قبل التَّوْرَاة عشر صَحَائِف وَأنزل التَّوْرَاة والإِنجيل وَالزَّبُور وَالْفرْقَان
قلت يَا رَسُول الله: فَمَا كَانَت صحف إِبْرَاهِيم قَالَ: أَمْثَال كلهَا أَيهَا الْملك المتسلط المبتلي الْمَغْرُور لم أَبْعَثك لِتجمع الدُّنْيَا بَعْضهَا على بعض وَلَكِن بَعَثْتُك لِترد عني دَعْوَة الْمَظْلُوم فَإِنِّي لَا أردهَا لِتجمع الدُّنْيَا بَعْضهَا على بعض وَلَكِن بَعَثْتُك لِترد عني دَعْوَة الْمَظْلُوم فَإِنِّي لَا أردهَا وَلَو كَانَت من كَافِر وعَلى الْعَاقِل مَا لم يكن مَغْلُوبًا على عقله أَن يكون لَهُ ثَلَاث سَاعَات سَاعَة يُنَاجِي فِيهَا ربه وَسَاعَة يُحَاسب فِيهَا نَفسه ويتفكر فِيمَا صنع وَسَاعَة يَخْلُو فِيهَا لِحَاجَتِهِ من الْحَلَال فَإِن فِي هَذِه السَّاعَة عوناً لتِلْك السَّاعَات واستجماعاً للقلوب وتفريغاً لَهَا وعَلى الْعَاقِل أَن يكون بَصيرًا بِزَمَانِهِ مُقبلا على شَأْنه حَافِظًا لِلِسَانِهِ فَإِن من حسب كَلَامه من عمله أقل الْكَلَام إِلَّا فِيمَا يعنيه وعَلى الْعَاقِل أَن يكون طَالبا لثلاث مرمة لِمَعَاش أَو تزوّد لِمَعَاد أَو تلذذ فِي غير محرم
قلت يَا رَسُول الله: فَمَا كَانَت صحف مُوسَى قَالَ: كَانَت عبرا كلهَا عجبت لمن أَيقَن بِالْمَوْتِ كَيفَ يفرح وَلمن أَيقَن بِالْمَوْتِ ثمَّ يضْحك وَلمن يرى الدُّنْيَا وَتَقَلُّبهَا بِأَهْلِهَا ثمَّ يطمئن إِلَيْهَا وَلمن أَيقَن بِالْقدرِ ثمَّ ينصب وَلمن أَيقَن بِالْحِسَابِ ثمَّ لَا يعْمل
قلت يَا رَسُول الله: هَل أنزل عَلَيْك شَيْء مِمَّا كَانَ فِي صحف إِبْرَاهِيم ومُوسَى قَالَ: يَا أَبَا ذَر نعم {قد أَفْلح من تزكّى وَذكر اسْم ربه فصلى بل تؤثرون الْحَيَاة الدُّنْيَا وَالْآخِرَة خير وَأبقى إِن هَذَا لفي الصُّحُف الأولى صحف إِبْرَاهِيم ومُوسَى}
وَأخرج الْبَغَوِيّ فِي مُعْجَمه عَن عبد الرَّحْمَن ابْن أبي سُبْرَة رَضِي الله عَنهُ أَنه أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَعَ أَبِيه فَسَأَلَهُ عَن أَشْيَاء فَقَالَ: يَا رَسُول الله كم توتر قَالَ: بِثَلَاث رَكْعَات تقْرَأ فِيهَا ب {سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى} و (قل يَا أَيهَا الْكَافِرُونَ) (سُورَة الْكَافِرُونَ الْآيَة 1) و (قل هُوَ الله أحد) (سُورَة الْإِخْلَاص الْآيَة 1)
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن عبد الله بن الْحَارِث بن عبد الْمطلب قَالَ: صَلَاة صلاهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لنا الْمغرب فَقَرَأَ فِي الرَّكْعَة الأولى {سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى} وَفِي الثَّانِيَة: ب (قل يَا أَيهَا الْكَافِرُونَ)(8/489)
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
88
سُورَة الغاشية
مَكِّيَّة وآياتها سِتّ وَعِشْرُونَ
مُقَدّمَة السُّورَة أخرج ابْن الضريس والنحاس وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: نزلت سُورَة الغاشية بِمَكَّة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن الزبير مثله
الْآيَة 1 - 26(8/490)
هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ (1) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ (2) عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ (3) تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً (4) تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ (5) لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ (6) لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ (7) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ (8) لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ (9) فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (10) لَا تَسْمَعُ فِيهَا لَاغِيَةً (11) فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ (12) فِيهَا سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ (13) وَأَكْوَابٌ مَوْضُوعَةٌ (14) وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ (15) وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ (16) أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (17) وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ (18) وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (19) وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ (20) فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ (21) لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ (22) إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ (23) فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الْأَكْبَرَ (24) إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ (25) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ (26)
وَأخرج مَالك وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة عَن النُّعْمَان بن بشير أَنه سُئِلَ بِمَ كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقْرَأ فِي الْجُمُعَة مَعَ سُورَة الْجُمُعَة قَالَ: {هَل أَتَاك حَدِيث الغاشية}(8/490)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: الغاشية الْقِيَامَة
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي {هَل أَتَاك حَدِيث الغاشية} قَالَ: السَّاعَة {وُجُوه يَوْمئِذٍ خاشعة عاملة ناصبة} قَالَ: تعْمل وتنصب فِي النَّار {تسقى من عين آنِية} قَالَ: هِيَ الَّتِي قد طَال أنيها {لَيْسَ لَهُم طَعَام إِلَّا من ضَرِيع} قَالَ: الشبرق
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة {هَل أَتَاك حَدِيث الغاشية} قَالَ: حَدِيث السَّاعَة {وُجُوه يَوْمئِذٍ خاشعة} قَالَ: ذليلة فِي النَّار {عاملة ناصبة} قَالَ: تكبرت فِي الدُّنْيَا عَن طَاعَة الله فأعملها وأنصبها فِي النَّار {تسقى من عين آنِية} قَالَ: إِنَاء طبخها مُنْذُ خلق الله السَّمَوَات الأَرْض {لَيْسَ لَهُم طَعَام إِلَّا من ضَرِيع} قَالَ: الشبرق شَرّ الطَّعَام وأبشعه وأخبثه
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير {وُجُوه يَوْمئِذٍ} قَالَ: يَعْنِي فِي الْآخِرَة وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس {وُجُوه يَوْمئِذٍ خاشعة عاملة ناصبة} قَالَ: يَعْنِي الْيَهُود وَالنَّصَارَى تخشع وَلَا ينفعها عَملهَا {تسقى من عين آنِية} قَالَ: تدانى غليانه
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر وَالْحَاكِم عَن أبي عمرَان الْجونِي قَالَ: مر عمربن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ براهب فَوقف وَنُودِيَ الراهب فَقيل لَهُ: هَذَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فَاطلع فَإِذا إِنْسَان بِهِ من الضّر وَالِاجْتِهَاد وَترك الدُّنْيَا فَلَمَّا رَآهُ عمر بَكَى فَقيل لَهُ: إِنَّه نَصْرَانِيّ فَقَالَ: قد علمت وَلَكِنِّي رَحمته ذكرت قَوْله الله {عاملة ناصبة تصلى نَارا حامية} فرحمت نَصبه واجتهاده وَهُوَ فِي النَّار
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {عاملة ناصبة} قَالَ: عاملة فِي الدُّنْيَا بِالْمَعَاصِي تنصب فِي النَّار يَوْم الْقِيَامَة {إِلَّا من ضَرِيع} قَالَ: الشبرق
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {تصلى نَارا حامية} قَالَ: حارة {تسقى من عين آنِية} قَالَ: انْتهى حرهَا {لَيْسَ لَهُم طَعَام إِلَّا من ضَرِيع} يَقُول: من شجر من نَار(8/491)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ {من عين آنِية} قَالَ: قد أَنى طبخها مُنْذُ خلق الله السَّمَوَات وَالْأَرْض وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {من عين آنِية} قَالَ: قد بلغت إناها وحان شربهَا وَفِي قَوْله: {إِلَّا من ضَرِيع} قَالَ: الشبرق الْيَابِس
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ {من عين آنِية} قَالَ: انْتهى حرهَا فَلَيْسَ فَوْقه حر
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد فِي قَوْله: {آنِية} قَالَ: حَاضِرَة
وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن عَبَّاس {لَيْسَ لَهُم طَعَام إِلَّا من ضَرِيع} قَالَ: الشبرق الْيَابِس
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: الضريع بلغَة قُرَيْش فِي الرّبيع الشبرق وَفِي الصَّيف الضريع
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: الضريع الشبرق شَجَرَة ذَات شوك لاطئة بِالْأَرْضِ
وَأخرج ابْن شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي الجوزاء قَالَ: الضريع السّلم وَهُوَ الشوك وَكَيف يسمن من كَانَ طَعَامه الشوك
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير {إِلَّا من ضَرِيع} قَالَ: من حِجَارَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير {إِلَّا من ضَرِيع} قَالَ: الزقوم
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي الدَّرْدَاء قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يلقى على أهل النَّار الْجُوع حَتَّى يعدل مَا هم فِيهِ من الْعَذَاب فَيَسْتَغِيثُونَ بِالطَّعَامِ فَيُغَاثُونَ بِطَعَام {من ضَرِيع لَا يسمن وَلَا يُغني من جوع}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه بسندٍ واهٍ عَن ابْن عَبَّاس {لَيْسَ لَهُم طَعَام إِلَّا من ضَرِيع} قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: شَيْء يكون فِي النَّار شبه الشوك أَمر من الصَّبْر وأنتن(8/492)
من الجيفة وَأَشد حرا من النَّار سَمَّاهُ الله الضريع إِذا طعمه صَاحبه لَا يدْخل الْبَطن وَلَا يرْتَفع إِلَى الْفَم فَيبقى بَين ذَلِك وَلَا يُغني من جوع
أخرج عبد بن حميد عَن سعيد بن جُبَير أَنه قَرَأَ فِي سُورَة الغاشية {متكئين فِيهَا} ناعمين فِيهَا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سُفْيَان فِي قَوْله: {لسعيها راضية} قَالَ: رضيت عَملهَا
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ {لَا تسمع فِيهَا} بِالتَّاءِ وَنصب التَّاء لاغية مَنْصُوبَة منونة
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {لَا تسمع فِيهَا لاغية} يَقُول: لَا تسمع أَذَى وَلَا بَاطِلا وَفِي قَوْله: {فِيهَا سرر مَرْفُوعَة} قَالَ: بَعْضهَا فَوق بعض {ونمارق} قَالَ: مجَالِس
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد {لَا تسمع فِيهَا لاغية} قَالَ: شتماً
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْأَعْمَش {لَا تسمع فِيهَا لاغية} قَالَ: مؤذية
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {لَا تسمع فِيهَا لاغية} قَالَ: لَا تسمع فِيهَا بَاطِلا وَلَا مأثماً وَفِي قَوْله: {ونمارق} قَالَ: الوسائد وَفِي قَوْله: {مبثوثة} قَالَ: مبسوطة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج {فِيهَا سرر مَرْفُوعَة} قَالَ: مُرْتَفعَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {ونمارق} قَالَ: الوسائد {وزرابي} قَالَ: الْبسط
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {ونمارق} قَالَ: الْمرَافِق
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ {وزرابي} قَالَ: الْبسط
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ {وزرابيّ مبثوثة} قَالَ: بَعْضهَا على بعض
وَأخرج ابْن الْأَنْبَارِي فِي الْمَصَاحِف عَن عمار بن مُحَمَّد قَالَ: صليت خلف(8/493)
مَنْصُور بن الْمُعْتَمِر فَقَرَأَ {هَل أَتَاك حَدِيث الغاشية} فَقَرَأَ فِيهَا {وزرابيّ مبثوثة} متكئين فِيهَا ناعمين
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عبد الله بن أبي الْهُذيْل أَن مُوسَى أَو غَيره من الْأَنْبِيَاء قَالَ: يَا رب كَيفَ يكون هَذَا مِنْك أولياؤك فِي الأَرْض حائفون يقتلُون وَيطْلبُونَ فَلَا يُعْطون وأعداؤك يَأْكُلُون مَا شاؤوا وَيَشْرَبُونَ مَا شاؤوا وَنَحْو هَذَا
فَقَالَ: انْطَلقُوا بعبدي إِلَى الْجنَّة فَينْظر مَا لم ير مثله قطّ إِلَى أكواب مَوْضُوعَة ونمارق مصفوفة وزرابيّ مبثوثة وَإِلَى الْحور الْعين وَإِلَى الثِّمَار وَإِلَى الخدم كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤ مَكْنُون
فَقَالَ: مَا ضرّ أوليائي مَا أَصَابَهُم فِي الدُّنْيَا إِذا كَانَ مصيرهم إِلَى هَذَا ثمَّ قَالَ: انْطَلقُوا بعبدي هَذَا فَانْطَلق بِهِ إِلَى النَّار فَخرج مِنْهَا عنق فَصعِقَ العَبْد ثمَّ أَفَاق فَقَالَ: مَا نفع أعدائي مَا أَعطيتهم فِي الدُّنْيَا إِذا كَانَ مصيرهم إِلَى هَذَا قَالَ: لَا شَيْء
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ نَبِي من الْأَنْبِيَاء: اللَّهُمَّ العَبْد من عبيدك يعبدك ويطيعك ويجتنب سخطك تزوي عَنهُ الدُّنْيَا وَتعرض لَهُ الْبلَاء
وَالْعَبْد يعبد غَيْرك وَيعْمل بمعاصيك فتعرض لَهُ الدُّنْيَا وتزوي عَنهُ الْبلَاء
قَالَ: فَأوحى الله إِلَيْهِ أَن الْعباد والبلاد لي كل يسبح بحمدي فَأَما عَبدِي الْمُؤمن فَتكون لَهُ سيئات فَإِنَّمَا أعرض لَهُ الْبلَاء وأزوي عَنهُ الدُّنْيَا فَتكون كَفَّارَة لسيئاته وأجزيه إِذا لَقِيَنِي وَأما عَبدِي الْكَافِر فَتكون لَهُ الْحَسَنَات فأزوي عَنهُ الْبلَاء وَأعْرض لَهُ الدُّنْيَا فَيكون جَزَاء لحسناته وأجزيه بسيئاته حِين يلقاني
وَالله أعلم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة قَالَ: لما نعت الله مَا فِي الْجنَّة عجب من ذَلِك أهل الضَّلَالَة فَأنْزل الله {أَفلا ينظرُونَ إِلَى الإِبل كَيفَ خلقت} وَكَانَت الإِبل عَيْشًا من عَيْش الْعَرَب وخولاً من خولهم {وَإِلَى السَّمَاء كَيفَ رفعت وَإِلَى الْجبَال كَيفَ نصبت} قَالَ: تصعد إِلَى الْجَبَل الصخور عَامَّة يَوْمك فَإِذا أفضت إِلَى أَعْلَاهُ أفضت إِلَى عُيُون منفجرة وأثمار متهدلة لم تغرسه الْأَيْدِي وَلم تعمله النَّاس نعْمَة من الله إِلَى أجل {وَإِلَى الأَرْض كَيفَ سطحت} أَي بسطت يَقُول: إِن الَّذِي خلق هَذَا قَادر على أَن يخلق فِي الْجنَّة مَا أَرَادَ(8/494)
وَأخرج عبد بن حميد عَن شُرَيْح أَنه كَانَ يَقُول لأَصْحَابه: أخرجُوا بِنَا إِلَى السُّوق فَنظر {إِلَى الإِبل كَيفَ خلقت}
أخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَعبد بن حميد وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَابْن جرير وَالْحَاكِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن جَابر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أمرت أَن أقَاتل النَّاس حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَه إِلَّا الله فَإِذا قالوها عصموا مني دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالهمْ إِلَّا بِحَقِّهَا وحسابهم على الله ثمَّ قَرَأَ {فَذكر إِنَّمَا أَنْت مُذَكّر لست عَلَيْهِم بمصيطر}
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن جَابر قَالَ: قَرَأَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لست عَلَيْهِم بمصيطر بالصَّاد
وِأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {لست عَلَيْهِم بمصيطر} يَقُول: بجبار فَاعْفُ عَنْهُم وأصفح
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن قَتَادَة {لست عَلَيْهِم بمصيطر} قَالَ: بقاهر
أخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة {لست عَلَيْهِم بمصيطر} قَالَ: كل عبَادي إليّ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ {بمصيطر} قَالَ: بمسلط
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد {لست عَلَيْهِم بمصيطر} قَالَ: جَبَّار {إِلَّا من تولى وَكفر} قَالَ: حسابه على الله
وَأخرج أَبُو دَاوُد فِي ناسخه عَن ابْن عَبَّاس {لست عَلَيْهِم بمصيطر} نسخ ذَلِك فَقَالَ: (فَاقْتُلُوا الْمُشْركين حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) (سُورَة التَّوْبَة الْآيَة 5)
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {إِن إِلَيْنَا إيابهم} قَالَ: مرجعهم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَطاء مثله
وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس إِن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله: عزَّ وَجل {إِن إِلَيْنَا إيابهم} قَالَ: الإِياب الْمرجع
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم أماسمعت عبيد بن الأبرص يَقُول:(8/495)
وكل ذِي غيبَة يؤوب وغائب الْمَوْت لَا يؤوب وَقَالَ الآخر: فَأَلْقَت عصاها وَاسْتقر بهَا النَّوَى كَمَا قر عينا بالإِياب الْمُسَافِر وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ {إِن إِلَيْنَا إيابهم} قَالَ: منقلبهم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة {إِن إِلَيْنَا إيابهم ثمَّ إِن علينا حسابهم} قَالَ: إِلَى الله الإِياب وعَلى الله الْحساب(8/496)
89
سُورَة الْفجْر
مَكِّيَّة وآياتها ثَلَاثُونَ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
الْآيَة 1 - 13(8/497)
وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ (2) وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ (3) وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ (4) هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ (5) أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (6) إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ (7) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ (8) وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ (9) وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ (10) الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ (11) فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ (12) فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ (13)
أخرج ابْن الضريس والنحاس فِي ناسخه وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ من طرق عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: نزلت {وَالْفَجْر} بِمَكَّة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عبد الله بن الزبير قَالَ: أنزلت {وَالْفَجْر} بِمَكَّة
وَأخرج النَّسَائِيّ عَن جَابر قَالَ: أفتان يَا معَاذ أَيْن أَنْت من (سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى) (سُورَة الْأَعْلَى الْآيَة 1) (وَالشَّمْس وَضُحَاهَا) (سُورَة الشَّمْس الْآيَة 1) {وَالْفَجْر} {وَاللَّيْل إِذا يغشى} سُورَة اللَّيْل الْآيَة 1
أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن عبد الله بن الزبير فِي قَوْله: {وَالْفَجْر} قَالَ: قسم أقسم الله بِهِ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن مَيْمُون بن مهْرَان قَالَ: إِن الله تَعَالَى يقسم بِمَا يَشَاء من خلقه وَلَيْسَ لأحد أَن يقسم إِلَّا بِاللَّه(8/497)
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وَالْفَجْر} قَالَ: فجر النَّهَار
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله: {وَالْفَجْر} قَالَ: هُوَ الصُّبْح
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله: {وَالْفَجْر} قَالَ: طُلُوع الْفجْر غَدَاة جمع
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {وَالْفَجْر} قَالَ: فجر يَوْم النَّحْر وَلَيْسَ كل فجر
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ مثله
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس {وَالْفَجْر} قَالَ: يَعْنِي صَلَاة الْفجْر
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب وَابْن عَسَاكِر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وَالْفَجْر} قَالَ: هُوَ الْمحرم أوّل فجر السّنة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أفضل الصّيام بعد شهر رَمَضَان شهر الله الْمحرم وَأفضل الصَّلَاة بعد الْفَرِيضَة صَلَاة اللَّيْل
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبَيْهَقِيّ عَن النُّعْمَان قَالَ: أَتَى عليّاً رجل فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أَخْبرنِي بِشَهْر أصومه بعد رَمَضَان
قَالَ: لقد سَأَلت عَن شَيْء مَا سَمِعت أحدا يسْأَل عَنهُ بعد رجل سَأَلَ عَنهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن كنت صَائِما شهرا بعد رَمَضَان فَصم الْمحرم فَإِنَّهُ شهر الله وَفِيه يَوْم تَابَ فِيهِ قوم وَتَابَ فِيهِ على آخَرين
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قدم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَدِينَة وَالْيَهُود تَصُوم يَوْم عَاشُورَاء فَقَالَ: مَا هَذَا الْيَوْم الَّذِي تصومونه قَالُوا: هَذَا يَوْم عَظِيم أنجى الله فِيهِ مُوسَى وَأغْرقَ فِيهِ آل فِرْعَوْن فصامه مُوسَى شكرا لله
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: فَنحْن أَحَق بمُوسَى مِنْكُم فصامه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأمر بصيامه
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَالْبَيْهَقِيّ عَن الرّبيع بنت معوّذ بن عفراء قَالَت: أرسل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غَدَاة عَاشُورَاء إِلَى قرى الْأَنْصَار الَّتِي حول الْمَدِينَة من كَانَ أصبح صَائِما فليتم صَوْمه وَمن كَانَ أصبح مُفطرا فليصم بَقِيَّة يَوْمه
قَالَت فَكُنَّا بعد(8/498)
ذَلِك نصومه ونصوّم صبياننا الصغار وَنَذْهَب بهم إِلَى الْمَسْجِد ونجعل لَهُم اللعبة من العهن فَإِذا بَكَى أحدهم على الطَّعَام أعطيناه إِيَّاهَا حَتَّى يكون عِنْد الافطار
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: مَا علمت أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يتحَرَّى صِيَام يَوْم يَبْتَغِي فَضله على غَيره إِلَّا هَذَا الْيَوْم يَوْم عَاشُورَاء أَو شهر رَمَضَان
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَيْسَ ليَوْم على يَوْم فضل فِي الصّيام إِلَّا شهر رَمَضَان وَيَوْم عَاشُورَاء
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيّ عَن الْأسود بن يزِيد قَالَ: مَا رَأَيْت أحدا مِمَّن كَانَ بِالْكُوفَةِ من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر بِصَوْم يَوْم عَاشُورَاء من عليّ وَأبي مُوسَى
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَمُسلم وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: حِين صَامَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم عَاشُورَاء وَأمر بصيامه قَالُوا: يَا رَسُول الله إِنَّه تعظمه الْيَهُود فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِذا كَانَ الْعَام الْمقبل إِن شَاءَ الله صمنا يَوْم التَّاسِع فَلم يَأْتِ الْعَام الْمقبل حَتَّى توفّي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج ابْن عدي وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: صُومُوا يَوْم عَاشُورَاء وخالفوا فِيهِ الْيَهُود
صُومُوا قبله يَوْمًا وَبعده يَوْمًا
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَئِن بقيت لآمرن بصيام يَوْم قبله أَو بعده يَوْم عَاشُورَاء
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: خالفوا الْيَهُود وصوموا التَّاسِع والعاشر
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن أبي جبلة قَالَ: كنت مَعَ ابنشهاب فِي سفر فصَام يَوْم عَاشُورَاء فَقيل لَهُ: تَصُوم يَوْم عَاشُورَاء فِي السّفر وَأَنت تفطر فِي رَمَضَان قَالَ: إِن رَمَضَان لَهُ عدَّة من أَيَّام أخر وَإِن عَاشُورَاء يفوت
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي مُوسَى قَالَ: يَوْم عَاشُورَاء يَوْم تعظمه الْيَهُود وتتخذه عيدا فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: صوموه أَنْتُم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يَوْم عَاشُورَاء يَوْم كَانَت تصومه الْأَنْبِيَاء فصوموه أَنْتُم(8/499)
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن جَابر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من وسع على أَهله يَوْم عَاشُورَاء وسع الله عَلَيْهِ طول سنته
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من وسع على عِيَاله يَوْم عَاشُورَاء وسع الله عَلَيْهِ فِي سَائِر سنته
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من وسع على أَهله يَوْم عَاشُورَاء وسع الله عَلَيْهِ سَائِر سنته
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من وسع على عِيَاله وَأَهله يَوْم عَاشُورَاء وسع الله عَلَيْهِ سَائِر سنته قَالَ الْبَيْهَقِيّ: أسانيدها وَإِن كَانَت ضَعِيفَة فَهِيَ إِذا ضم بَعْضهَا إِلَى بعض أحدثت قوّة
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن الْمُنْتَشِر قَالَ: كَانَ يُقَال: من وسع على عِيَاله يَوْم عَاشُورَاء لم يزَالُوا فِي سَعَة من رزقهم سَائِر سنتهمْ
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ وَضَعفه عَن عُرْوَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من اكتحل بالإِثمد يَوْم عَاشُورَاء لم يرمد أبدا
أخرج أَحْمد وَالنَّسَائِيّ وَالْبَزَّار وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن جَابر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: {وَالْفَجْر وليال عشر وَالشَّفْع وَالْوتر} قَالَ: إِن الْعشْر عشر الْأَضْحَى وَالْوتر يَوْم عَرَفَة وَالشَّفْع يَوْم النَّحْر
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب من طرق عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وليال عشر} قَالَ: عشرَة الْأَضْحَى وَفِي لفظ قَالَ: هِيَ لَيَال الْعشْر الأول من ذِي الْحجَّة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن سعد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن عبد الله بن الزبير فِي قَوْله: {وليال عشر} قَالَ: أول ذِي الْحجَّة إِلَى يَوْم النَّحْر
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالْفِرْيَابِي وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن مَسْرُوق فِي قَوْله: {وليال عشر} قَالَ: هِيَ عشر الْأَضْحَى هِيَ أفضل أَيَّام السّنة(8/500)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن مُجَاهِد {وليال عشر} قَالَ: عشر ذِي الْحجَّة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن قَتَادَة مثله
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة مثله
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد عَن الضَّحَّاك بن مُزَاحم فِي قَوْله: {وليال عشر} قَالَ: عشر الْأَضْحَى أقسم بِهن لفضلهن على سَائِر الْأَيَّام
وَأخرج عبد بن حميد عَن مَسْرُوق {وليال عشر} قَالَ: عشر الْأَضْحَى وَهِي الَّتِي وعد الله مُوسَى قَوْله: (وأتممناها بِعشر) (سُورَة الْأَعْرَاف الْآيَة 142) وَأخرج عبد بن حميد عَن طَلْحَة بن عبيد الله أَنه دخل على ابْن عمر هُوَ وَأَبُو سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن فَدَعَاهُمْ ابْن عمر إِلَى الْغَدَاء يَوْم عَرَفَة فَقَالَ أَبُو سَلمَة: أَلَيْسَ هَذِه اللَّيَالِي الْعشْر الَّتِي ذكر الله فِي الْقُرْآن فَقَالَ ابْن عمر: وَمَا يدْريك قَالَ: مَا أَشك
قَالَ: بلَى فاشك
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عَطِيَّة فِي قَوْله: {وَالْفَجْر} قَالَ: هَذَا الَّذِي تعرفُون {وليال عشر} قَالَ: عشر الْأَضْحَى {وَالشَّفْع} قَالَ: يَقُول الله: (وخلقناكم أَزْوَاجًا) (سُورَة النبأ الْآيَة 8) {وَالْوتر} قَالَ الله: قيل هَل تروي هَذَا عَن أحد من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: نعم عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج البُخَارِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن ابْن عَبَّاس عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: مَا من أَيَّام فِيهِنَّ الْعَمَل أحب إِلَى الله عز وَجل أفضل من أَيَّام الْعشْر قيل يَا رَسُول الله: وَلَا الْجِهَاد فِي سَبِيل الله قَالَ: وَلَا الْجِهَاد فِي سَبِيل الله إِلَّا رجل جَاهد فِي سَبِيل الله بِمَالِه وَنَفسه فَلم يرجع من ذَلِك بِشَيْء
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا من أَيَّام أفضل عِنْد الله وَلَا أحب إِلَيْهِ الْعَمَل فِيهِنَّ من أَيَّام الْعشْر فَأَكْثرُوا فِيهِنَّ من التهليل وَالتَّكْبِير والتحميد
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن الْأَوْزَاعِيّ قَالَ: بَلغنِي أَن الْعَمَل فِي الْيَوْم من أَيَّام الْعشْر كَقدْر(8/501)
غَزْوَة فِي سَبِيل الله يصام نَهَارهَا ويحرس لَيْلهَا إِلَّا أَن يخْتَص امْرُؤ بِشَهَادَة
قَالَ: الْأَوْزَاعِيّ: حَدثنِي بِهَذَا الحَدِيث رجل من بني مَخْزُوم عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق هنيدة بن خَالِد عَن امْرَأَته عَن بعض أَزوَاج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَصُوم تسع ذِي الْحجَّة وَيَوْم عَاشُورَاء وَثَلَاثَة أَيَّام من كل شهر أول اثْنَيْنِ من الشَّهْر وخميسين
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا من أَيَّام من أَيَّام الدُّنْيَا الْعَمَل فِيهَا أحب إِلَى الله من أَن يتعبد لَهُ فِيهَا من أَيَّام الْعشْر يعدل صِيَام كل يَوْم مِنْهَا بصيام سنة وَقيام كل لَيْلَة بِقِيَام لَيْلَة الْقدر
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا من أَيَّام أفضل عِنْد الله وَلَا الْعَمَل فِيهِنَّ أحب إِلَى الله عز وَجل من هَذِه الْأَيَّام الْعشْر فَأَكْثرُوا فِيهِنَّ من التهليل وَالتَّكْبِير فَإِنَّهَا أَيَّامًا التهليل وَالتَّكْبِير وَذكر الله وَإِن صِيَام يَوْم مِنْهَا يعدل بصيام سنة وَالْعَمَل فِيهِنَّ يُضَاعف بسبعمائة ضعف
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وليال عشر} قَالَ: هِيَ الْعشْر الْأَوَاخِر من رَمَضَان
وَأخرج مُحَمَّد بن نصر فِي كتاب الصَّلَاة عَن أبي عُثْمَان قَالَ: كَانُوا يعظمون ثَلَاث عشرات الْعشْر الأول من الْمحرم وَالْعشر الأول من ذِي الْحجَّة وَالْعشر الْأَخير من رَمَضَان
وَأخرج أَحْمد وَعبد بن حميد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه عَن عمرَان بن حُصَيْن أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سُئِلَ عَن الشفع وَالْوتر فَقَالَ: هِيَ الصَّلَاة بَعْضهَا شفع وَبَعضهَا وتر
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن عمرَان بن حُصَيْن {وَالشَّفْع وَالْوتر} قَالَ: الصَّلَاة الْمَكْتُوبَة مِنْهَا شفع وَمِنْهَا وتر
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة {وَالشَّفْع وَالْوتر} قَالَ: إِن من الصَّلَاة شفعاً وَإِن مِنْهَا وترا
قَالَ: قَالَ الْحسن: هوالعدد مِنْهُ شفع وَمِنْه وتر
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي الْعَالِيَة {وَالشَّفْع وَالْوتر} قَالَ: ذَلِك صَلَاة الْمغرب الشفع الركعتان وَالْوتر الرَّكْعَة الثَّالِثَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الرّبيع بن أنس مثله(8/502)
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن {وَالشَّفْع وَالْوتر} قَالَ: أقسم رَبنَا بِالْعدَدِ كُله الشفع مِنْهُ وَالْوتر
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ قَالَ: الشفع الزَّوْج والوترالفرد
وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن عَبَّاس {وَالشَّفْع وَالْوتر} قَالَ: كل شَيْء شفع فَهُوَ اثْنَان وَالْوتر وَاحِد
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن مُجَاهِد {وَالشَّفْع وَالْوتر} قَالَ: الْخلق كُله شفع ووتر فأقسم بالخلق
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس {وَالشَّفْع وَالْوتر} قَالَ: الله الْوتر وَأَنْتُم الشفع
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَسَعِيد بن جُبَير وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد {وَالشَّفْع وَالْوتر} قَالَ: كل خلق الله شفع السَّمَاء وَالْأَرْض وَالْبر وَالْبَحْر والإِنس وَالْجِنّ وَالشَّمْس وَالْقَمَر وَنَحْو هَذَا شفع وَالْوتر الله وَحده
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد {وَالشَّفْع وَالْوتر} قَالَ: الله الْوتر وخلقه الشفع الذّكر وَالْأُنْثَى
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد قَالَ: الشفع آدم وحواء وَالْوتر الله
وَأخرج عبد بن حميد من طَرِيق اسماعيل عَن أبي صَالح {وَالشَّفْع وَالْوتر} قَالَ: خلق الله من كل زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَالله وتر وَاحِد صَمد
قَالَ اسماعيل: فَذكرت ذَلِك لِلشَّعْبِيِّ فَقَالَ: كَانَ مَسْرُوق يَقُول ذَلِك
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن عمر قَالَ: من قَالَ فِي دبر كل صَلَاة وَإِذا أَخذ مضجعه الله أكبر عدد الشفع وَالْوتر وَعدد كَلِمَات الله التامات الطَّيِّبَات المباركات ثَلَاثًا وَلَا إِلَه إِلَّا الله مثل ذَلِك كن لَهُ فِي قَبره نورا وعَلى الجسر نورا وعَلى الصِّرَاط نورا حَتَّى يدْخل الْجنَّة
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه بِسَنَد ضَعِيف عَن أبي أَيُّوب عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه سُئِلَ عَن الشفع وَالْوتر فَقَالَ: يَوْمَانِ وَلَيْلَة يَوْم عَرَفَة وَيَوْم النَّحْر وَالْوتر لَيْلَة النَّحْر لَيْلَة جمع
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن عَطاء {وَالشَّفْع وَالْوتر} قَالَ: هِيَ أَيَّام نسك عَرَفَة والأضحى هما للشفع وَلَيْلَة الْأَضْحَى هِيَ الْوتر(8/503)
وَأخرج ابْن جرير عَن جَابر أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: الشفع اليومان وَالْوتر الْيَوْم الثَّالِث
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَسَعِيد بن مَنْصُور وَابْن سعد وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن عبد الله بن الزبير أَنه سُئِلَ عَن الشفع وَالْوتر فَقَالَ: الشفع قَول الله: (فَمن تعجل فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْم عَلَيْهِ) (سُورَة الْبَقَرَة الْآيَة 203) وَالْوتر الْيَوْم الثَّالِث وَفِي لفظ الشفع أَوسط التَّشْرِيق وَالْوتر آخر أَيَّام التَّشْرِيق
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان من طرق عَن ابْن عَبَّاس {وَالشَّفْع وَالْوتر} قَالَ: الشفع يَوْم النَّحْر وَالْوتر يَوْم عَرَفَة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة قَالَ: عَرَفَة وتر وَيَوْم النَّحْر شفع عَرَفَة يَوْم التَّاسِع والنحر يَوْم الْعَاشِر
وَأخرج عبد بن حميد عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ قَالَ: الشفع يَوْم النَّحْر وَالْوتر يَوْم عَرَفَة
أقسم الله بهما لفضلهما على الْعشْر
أخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وَاللَّيْل إِذا يسر} قَالَ: إِذا ذهب
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن عبد الله بن الزبير {وَاللَّيْل إِذا يسر} قَالَ: إِذا سَار
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد {وَاللَّيْل إِذا يسر} قَالَ: إِذا سَار
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة {وَاللَّيْل إِذا يسر} قَالَ: لَيْلَة جمع
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ أَنه قيل لَهُ: مَا {وَاللَّيْل إِذا يسر} قَالَ: هَذِه الإِفاضة اسر يَا ساري وَلَا تبيتن إِلَّا بِجمع
أخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن مَسْعُود أَنه قَرَأَ {وَالْفَجْر} إِلَى قَوْله: {إِذا يسر} قَالَ: هَذَا قسم على أَن رَبك لبالمرصاد(8/504)
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان من طرق عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {قسم لذِي حجر} قَالَ: لذِي حجا وعقل وَنهى
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد عَن عِكْرِمَة وَالضَّحَّاك مثله
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن {لذِي حجر} قَالَ: لذِي حلم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي مَالك {لذِي حجر} قَالَ: ستر من النَّار
وَأخرج ابْن الْأَنْبَارِي فِي الْوَقْف والابتداء عَن السّديّ فِي قَوْله: {لذِي حجر} قَالَ: لذِي لب
قَالَ الْحَارِث بن ثَعْلَبَة: وَكَيف رجائي أَن أَتُوب وَإِنَّمَا يُرْجَى من الفتيان من كَانَ ذَا حجر أخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {ألم ترَ كَيفَ فعل رَبك بعاد إرم} قَالَ: يَعْنِي بالإِرم الْهَالِك أَلا ترى أَنَّك تَقول: إرم بَنو فلَان {ذَات الْعِمَاد} يَعْنِي طولهم مثل الْعِمَاد
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {بعاد إرم} قَالَ: الْقَدِيمَة {ذَات الْعِمَاد} قَالَ: أهل عَمُود لَا يُقِيمُونَ
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {إرم} قَالَ: أمة {ذَات الْعِمَاد} قَالَ: كَانَ لَهَا جسم فِي السَّمَاء
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن السّديّ فِي قَوْله: بعماد إرم قَالَ: عَاد بن إرم نسبهم إِلَى أَبِيهِم الْأَكْبَر
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة قَالَ: كُنَّا نُحدث أَن إرم قَبيلَة من عَاد كَانَ يُقَال لَهُم ذَات الْعِمَاد كَانُوا أهل عَمُود {الَّتِي لم يخلق مثلهَا فِي الْبِلَاد} قَالَ: ذكر لنا أَنهم كَانُوا اثْنَي عشر ذِرَاعا طولا فِي السَّمَاء
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن الْمِقْدَام بن معد يكرب عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه ذكر {إرم ذَات الْعِمَاد} فَقَالَ: كَانَ الرجل مِنْهُم يَأْتِي إِلَى الصَّخْرَة فيحملها على كَاهِله فيلقيها على أَي حَيّ أرد فيهلكهم(8/505)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة قَالَ: ارْمِ هِيَ دمشق
وَأخرج ابْن جرير وَعبد بن حميد وَابْن عَسَاكِر عَن سعيد المَقْبُري مثله
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن سعيد بن الْمسيب مثله
وَأخرج عبد بن حميد عَن خَالِد الربعِي مثله
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ قَالَ: إرم هِيَ الاسكندرية
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك قَالَ: الإِرم هِيَ الْهَلَاك إِلَّا ترى أَنه يُقَال: أرمَّ بَنو فلَان أَي هَلَكُوا
قَالَ ابْن حجر: هَذَا التَّفْسِير على قِرَاءَة شَاذَّة أرمَّ بِفتْحَتَيْنِ وَتَشْديد الرَّاء على أَنه فعل مَاض {وَذَات} بِفَتْح التَّاء مَفْعُوله أَي أهلك الله ذَات الْعِمَاد
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن شهر بن حَوْشَب {إرم} قَالَ رمهم رماً فجعلهم رمماً
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك {ذَات الْعِمَاد} ذَات الشدَّة والقوّة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن عَبَّاس فِي قَوْله: {جابوا الصخر بالواد} قَالَ: كَانُوا ينحتون من الْجبَال بُيُوتًا {وَفرْعَوْن ذِي الْأَوْتَاد} قَالَ: الْأَوْتَاد الْجنُود الَّذين يشيدون لَهُ أمره
وَأخرج الطستي فِي مسَائِله عَن ابْن عَبَّاس إِن نَافِع بن الْأَزْرَق سَأَلَهُ عَن قَوْله: {جابوا الصخر} قَالَ نقبوا الْحِجَارَة فِي الْجبَال فاتخذوها بُيُوتًا
قَالَ: وَهل تعرف ذَلِك الْعَرَب قَالَ: نعم أما سَمِعت قَول أُميَّة: وشق أبصارنا كَيْمَا نَعِيش بهَا وجاب للسمع أصماخاً وآذاناً وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد {جابوا الصخر} قَالَ: حرقوا الْجبَال فجعلوها بُيُوتًا {وَفرْعَوْن ذِي الْأَوْتَاد} قَالَ: كَانَ يتد النَّاس بالأوتاد {فصب عَلَيْهِم رَبك سَوط عَذَاب} قَالَ: مَا عذبُوا بِهِ
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن مَسْعُود فِي قَوْله: {ذِي الْأَوْتَاد} قَالَ: وتد فِرْعَوْن لأمرأته أَرْبَعَة أوتاد ثمَّ جعل على ظهرهَا رحى عَظِيمَة حَتَّى مَاتَت(8/506)
وَأخرج ابْن جرير عَن سعيد بن جُبَير {وَفرْعَوْن ذِي الْأَوْتَاد} قَالَ: كَانَ يَجْعَل رجلا هُنَا وَرِجَال هُنَا ويداً هُنَا ويداً هُنَا بالأوتاد
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: إِنَّمَا سمي فِرْعَوْن ذَا الْأَوْتَاد لِأَنَّهُ كَانَ يَبْنِي لَهُ المنابر يذبح عَلَيْهَا النَّاس
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن قَالَ: كَانَ يعذب بالأوتاد
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ قَالَ: كَانَ فِرْعَوْن إِذا أَرَادَ أَن يقتل أحدا ربطه بأَرْبعَة أوتاد على صَخْرَة ثمَّ أرسل عَلَيْهِ صَخْرَة من فَوْقه فشدخه وَهُوَ ينظر إِلَيْهَا قد ربط بِكُل يَد مِنْهَا قَائِمَة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة {وَفرْعَوْن ذِي الْأَوْتَاد} قَالَ: ذِي الْبناء قَالَ: وَحدثنَا عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس أَنه كَانَت لَهُ مظال يلْعَب تحتهَا وأوتاد كَانَت تضرب لَهُ
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن السّديّ فِي قَوْله: {فَأَكْثرُوا فِيهَا الْفساد} قَالَ: بِالْمَعَاصِي {فصب عَلَيْهِم رَبك سَوط عَذَاب} قَالَ: رَجَعَ عَذَاب
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة قَالَ: كل شَيْء عذب الله بِهِ فَهُوَ سَوط عَذَاب
الْآيَة 14 - 30(8/507)
إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ (14) فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15) وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ (16) كَلَّا بَلْ لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ (17) وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (18) وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَمًّا (19) وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا (20) كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا (21) وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا (22) وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى (23) يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي (24) فَيَوْمَئِذٍ لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ (25) وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ (26) يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً (28) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29) وَادْخُلِي جَنَّتِي (30)
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن ابْن عَبَّاس قَوْله: {إِن رَبك لبالمرصاد} قَالَ: يسمع وَيرى
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن {إِن رَبك لبالمرصاد} قَالَ: بمرصاد أَعمال بني آدم
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن ابْن مَسْعُود فِي قَوْله: {وَالْفَجْر} قَالَ: قسم وَفِي قَوْله: {إِن رَبك لبالمرصاد} من وَرَاء الصِّرَاط جسور: جسر عَلَيْهِ الْأَمَانَة وجسر عَلَيْهِ الرَّحِم وجسر عَلَيْهِ الرب عزّ وجلّ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو نصر السجْزِي فِي الإِبانة عَن الضَّحَّاك قَالَ: إِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة يَأْمر الرب بكرسيه فَيُوضَع على النَّار فيستوي عَلَيْهِ ثمَّ يَقُول: أَنا الْملك الديَّان وَعِزَّتِي وَجَلَالِي لَا يتَجَاوَز الْيَوْم ذُو مظْلمَة بظلامته وَلَو ضَرْبَة بيد فَذَلِك قَوْله: {أَن رَبك لبالمرصاد}
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن سَلام بن أبي الْجَعْد فِي قَوْله: {إِن رَبك لبالمرصاد} قَالَ: إِن لِجَهَنَّم ثَلَاث قناطر: قنطرة فِيهَا الْأَمَانَة وقنطرة فِيهَا الرَّحِم وقنطرة فِيهَا لرب تبَارك وَتَعَالَى وَهِي المرصاد لَا ينجو مِنْهَا إِلَّا ناجٍ فَمن نجا من ذَلِك لم ينج من هَذِه
وَأخرج ابْن جرير عَن عَمْرو بن قيس قَالَ: بَلغنِي أَن على جَهَنَّم ثَلَاث قناطر: قنطرة عَلَيْهَا الْأَمَانَة إِذا مروا بهَا تَقول يَا رب هَذَا أَمِين هَذَا خائن
وقنطرة عَلَيْهَا الرَّحِم إِذا مروا بهَا تَقول يَا رب هَذَا وَاصل يَا رب هَذَا قَاطع
وقنطرة عَلَيْهَا الرب {إِن رَبك لبالمرصاد}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أَيفع بن عبد الكلَاعِي قَالَ: إِن لِجَهَنَّم سبع قناطر والصراط عَلَيْهِنَّ فَيحْبس الْخَلَائق عِنْد القنطرة الأولى فَيَقُول: قفوهم إِنَّهُم مسؤلون فيحاسبون على الصَّلَاة ويسألون عَنْهَا فَيهْلك فِيهَا من هلك وينجو من نجا فَإِذا بلغُوا القنطرة الثَّانِيَة حوسبوا على الْأَمَانَة كَيفَ أدوها وَكَيف خانوها فَيهْلك من هلك ينجو من نجا فَإِذا بلغُوا القنطرة الثَّالِثَة سئلوا عَن الرَّحِم كَيفَ وصلوها وَكَيف قطعوها فَيهْلك من هلك وينجو من نجا
وَالرحم يَوْمئِذٍ متدلية إِلَى الْهوى فِي جَهَنَّم تَقول: اللَّهُمَّ من وصلني فَصله وَمن قطعني فاقطعه
وَهِي الَّتِي يَقُول الله: {إِن رَبك لبالمرصاد}(8/508)
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن أبي أُمَامَة رَفعه: إِن فِي جَهَنَّم جِسْرًا لَهُ سبع قناطر على أوسطه الْقَضَاء فيجاء بِالْعَبدِ حَتَّى إِذا انْتهى إِلَى القنطرة الْوُسْطَى قيل لَهُ: مَاذَا عَلَيْك من الدُّيُون وتلا هَذِه الْآيَة (وَلَا يكتمون الله حَدِيثا) (سُورَة النِّسَاء الْآيَة 42) فَيَقُول: رب عَليّ كَذَا وَكَذَا فَيُقَال لَهُ: اقْضِ دينك
فَيَقُول: مَالِي شَيْء
فَيُقَال: خُذُوا من حَسَنَاته فَلَا يزَال يُؤْخَذ من حَسَنَاته حَتَّى مَا يبْقى لَهُ حَسَنَة
فَيُقَال: خُذُوا من سيئات من يَطْلُبهُ فَرَكبُوا عَلَيْهِ
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن مقَاتل بن سُلَيْمَان قَالَ: أقسم الله {إِن رَبك لبالمرصاد} يَعْنِي الصِّرَاط وَذَلِكَ أَن جسر جَهَنَّم عَلَيْهِ سبع قناطر على كل قنطرة مَلَائِكَة قيام وُجُوههم مثل الْجَمْر وأعينهم مثل الْبَرْق يسْأَلُون النَّاس فِي أول قنطرة عَن الإِيمان وَفِي الثَّانِيَة يَسْأَلُونَهُمْ عَن الصَّلَوَات الْخمس وَفِي الثَّالِثَة يَسْأَلُونَهُمْ عَن الزَّكَاة وَفِي الرَّابِعَة يَسْأَلُونَهُمْ عَن شهر رَمَضَان وَفِي الْخَامِسَة يَسْأَلُونَهُمْ على الْحَج وَفِي السَّادِسَة يَسْأَلُونَهُمْ عَن الْعمرَة وَفِي السَّابِعَة يَسْأَلُونَهُمْ عَن الْمَظَالِم فَمن أَتَى بِمَا سُئِلَ عَنهُ كَمَا أَمر جَازَ على الصِّرَاط والا حبس فَذَلِك قَوْله: {إِن رَبك لبالمرصاد}
أخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن فِي قَوْله: {فَأَما الإِنسان} الْآيَة قَالَ: كلا اكذبتهما جَمِيعًا مَا بالغنى أكرمك وَلَا بالفقر أَهَانَك ثمَّ أخْبرك بِمَا يهين {عائلا فأغنى فَأَما الْيَتِيم}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي الْآيَة قَالَ: ظن كَرَامَة الله فِي المَال وَهُوَ أَنه فِي قلته وَكذب إِنَّمَا يكرم بِطَاعَتِهِ ويهين بمعصيته من أهان
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد {فَقدر عَلَيْهِ رزقه} قَالَ: ضيقه عَلَيْهِ
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَرَأَ / بل لَا يكرمون الْيَتِيم وَلَا يحضون / بِالْيَاءِ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن الْحسن {وتأكلون التراث} قَالَ: الْمِيرَاث {أكلا لما} قَالَ: نصِيبه وَنصِيب صَاحبه
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {أكلا لمّاً} قَالَ: سفاً وَفِي قَوْله: {حبّاً جمّاً} قَالَ: شَدِيدا(8/509)
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {أكلا لمّاً} قَالَ: أكلا شَدِيدا
وأخرح الطستي فِي مسَائِله عَن ابْن عَبَّاس إِن نَافِع بن الْأَزْرَق سَأَلَهُ عَن قَوْله: {حبا جمّاً} قَالَ: كثيرا
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم
أما سَمِعت قَول أُميَّة بن خلف: إِن تغْفر اللَّهُمَّ تغْفر جما وأيّ عبد لَك لَا ألمّا وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة بن عبد الله الْمُزنِيّ فِي قَوْله: {وتأكلون التراث أكلا لمّاً} قَالَ: اللم الاعتداء فِي الْمِيرَاث يَأْكُل مِيرَاثه وميراث غَيره
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة {وتأكلون التراث} قَالَ: الْمِيرَاث {أكلا لما} قَالَ: شَدِيدا {وتحبون المَال حبّاً جمّاً} قَالَ: شَدِيدا
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {أكلا لمّاً} قَالَ: اللم اللف وَفِي قَوْله: {حبا جمّاً} قَالَ: الجم الْكثير
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن فِي قَوْله: {أكلا لمّاً} قَالَ: من طيب أَو خَبِيث وَفِي قَوْله: {حبا جمّاً} قَالَ: فَاحِشا
وَأخرج عبد بن حميد بن كَعْب رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وتأكلون التراث} الْآيَة قَالَ: يَأْكُل نَصِيبي ونصيبك
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن زيد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وتأكلون التراث} الْآيَة قَالَ: كَانُوا لَا يورثون النِّسَاء وَلَا يورثون الصغار
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد رَضِي الله عَنهُ فِي الْآيَة قَالَ: الْأكل اللمّ الَّذِي يلم كل شَيْء يجده لَا يسْأَل عَنهُ يَأْكُل الَّذِي لَهُ وَالَّذِي لصَاحبه لَا يدْرِي أحلالاً أم حَرَامًا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سُفْيَان رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ فِي قَوْله: {وتحبون المَال حبّاً جمّاً} قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا مِنْكُم من أحد إِلَّا وَمَال وَارثه أحب إِلَيْهِ من مَاله
قَالُوا يَا رَسُول الله: مَا منا أحد إِلَّا وَمَاله أحب إِلَيْهِ من مَال وَارثه
قَالَ: لَيْسَ لَك من مَالك إِلَّا مَا أكلت فأفنيت أَو لبست فأبليت أَو أَعْطَيْت فأمضيت(8/510)
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم رَضِي الله عَنهُ أَنه قَرَأَ {كلا بل لَا تكرمون الْيَتِيم} بِالتَّاءِ وَرفع التَّاء {وَلَا تحاضون} ممدودة مَنْصُوبَة التَّاء بِالْألف غير مَهْمُوزَة {وتأكلون التراث} بِالتَّاءِ {أكلا لمّاً} مثقلة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ أَنه سمع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقْرَأ / كلا بل لَا يكرمون الْيَتِيم وَلَا يحضون على طَعَام الْمِسْكِين ويأكلون التراث أكلا لمّاً وَيُحِبُّونَ المَال حبّاً جمّاً / الْأَرْبَعَة بِالْيَاءِ
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقْرَأ كلا بل لَا يكرمون الْيَتِيم وَلَا يحضون على طَعَام الْمِسْكِين إِلَى قَوْله: وَيُحِبُّونَ المَال بِالْيَاءِ كلهَا
أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {إِذا دكت الأَرْض دكاً دكاً} قَالَ: تحريكها
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الرّبيع بن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: تحمل الأَرْض وَالْجِبَال فيدك بَعْضهَا على بعض
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {وَجَاء رَبك وَالْملك صفا صفا} قَالَ: صُفُوف الْمَلَائِكَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله: {وَالْملك صفا صفا} قَالَ: جَاءَ أهل السَّمَوَات كل سَمَاء صفا
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي سعيد قَالَ: لما نزلت هَذِه الْآيَة تغير رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعرف فِي وَجهه حَتَّى اشْتَدَّ على أَصْحَابه مَا رَأَوْا من حَاله فَسَأَلَهُ عليّ فَقَالَ: جَاءَ جِبْرِيل فأقرأني هَذِه الْآيَة {كلا إِذا دكت الأَرْض دكاً دكاً وَجَاء رَبك وَالْملك صفا صفا وَجِيء يَوْمئِذٍ بجهنم} فَقيل: وَكَيف يجاء بهَا قَالَ: يَجِيء بهَا سَبْعُونَ ألف ملك يَقُودُونَهَا بسبعين ألف زِمَام فَتَشْرُد شَرْدَةً لَو تركت لأحرقت أهل الْجمع
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: هَل تَدْرُونَ مَا تَفْسِير هَذِه الْآيَة {كلا إِذا دكت الأَرْض دكاً دكاً وَجَاء رَبك وَالْملك صفا صفا وَجِيء يَوْمئِذٍ بجهنم} قَالَ: إِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة تقاد جَهَنَّم(8/511)
بسبعين ألف زِمَام بيد سبعين ألف ملك فَتَشْرُد شَرْدَةً لَوْلَا أَن الله حَبسهَا لأحرقت السَّمَوَات وَالْأَرْض
وَأخرج ابْن وهب فِي كتاب الْأَهْوَال عَن زيد بن أسلم رَضِي الله عَنهُ قَالَ: جَاءَ جِبْرِيل إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فناجاه ثمَّ قَامَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم منكس الطّرف فَسَأَلَهُ عليّ فَقَالَ: أَتَانِي جِبْرِيل فَقَالَ لي: {كلا إِذا دكت الأَرْض دكاً دكاً وَجَاء رَبك وَالْملك صفا صفا وَجِيء يَوْمئِذٍ بجهنم} وَجِيء بهَا تقاد بسبعين ألف زِمَام كل زِمَام يَقُودهُ سَبْعُونَ ألف ملك فَبَيْنَمَا هم كَذَلِك إِذا شَردت عَلَيْهِم شَرْدَةً انفلتت من أَيْديهم فلولا أَنهم أدركوها لأحرقت من فِي الْجمع فَأَخَذُوهَا
وَأخرج مُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يُؤْتِي بجهنم يَوْمئِذٍ لَهَا سَبْعُونَ ألف زِمَام مَعَ كل زِمَام سَبْعُونَ ألف ملك يجرونها
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَالتِّرْمِذِيّ وَعبد الله بن أَحْمد فِي زَوَائِد الزّهْد وَابْن جرير عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وَجِيء يَوْمئِذٍ بجهنم} قَالَ: جِيءَ بهَا تقاد بسبعين ألف زِمَام مَعَ كل زِمَام سَبْعُونَ ألف ملك يَقُودُونَهَا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {يتَذَكَّر الإِنسان} قَالَ: يُرِيد التَّوْبَة وَفِي قَوْله: {يَا لَيْتَني قدمت لحياتي} يَقُول: عملت فِي الدُّنْيَا لحياتي فِي الْآخِرَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ {يَوْمئِذٍ يتَذَكَّر الإِنسان} إِلَى قَوْله: {لحياتي} قَالَ: علم وَالله أَنه صَادِق هُنَاكَ حَيَاة طَوِيلَة لَا موت فِيهَا أحسن مِمَّا عَلَيْهِ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {يَا لَيْتَني قدمت لحياتي} قَالَ: الْآخِرَة
وَأخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ فِي التَّارِيخ وَالطَّبَرَانِيّ عَن مُحَمَّد بن أبي عميرَة رَضِي الله عَنهُ وَكَانَ من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَو أَن عبدا جرّ على وَجهه من يَوْم ولد إِلَى أَن يَمُوت هرماً فِي طَاعَة الله إِلَى يَوْم الْقِيَامَة لود أَنه رد إِلَى الدُّنْيَا كَيْمَا يزْدَاد من الْأجر وَالثَّوَاب(8/512)
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {فَيَوْمئِذٍ لَا يعذب عَذَابه أحد وَلَا يوثق وثَاقه أحد} قَالَ: لَا يعذب بِعَذَاب الله أحد وَلَا يوثق وثاق الله أحد
وَأخرج أَبُو نعيم فِي الْحِلْية من طَرِيق خَارِجَة بن زيد بن ثَابت عَن أَبِيه رَضِي الله عَنهُ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَرَأَ {فَيَوْمئِذٍ لَا يعذب عَذَابه أحد وَلَا يوثق وثَاقه أحد}
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن مرْدَوَيْه وَابْن جرير وَالْبَغوِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَأَبُو نعيم عَن أبي قلَابَة عَمَّن أقرأه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَفِي رِوَايَة مَالك بن الْحُوَيْرِث أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أقرأه وَفِي لفظ أَقرَأ إِيَّاه {فَيَوْمئِذٍ لَا يعذب عَذَابه أحد وَلَا يوثق وثَاقه أحد} مَنْصُوبَة الذَّال والثاء
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه والضياء فِي المختارة من طَرِيق سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {يَا أيتها النَّفس المطمئنة} قَالَ: المؤمنة {ارجعي إِلَى رَبك} يَقُول: إِلَى جسدك
قَالَ: نزلت هَذِه الْآيَة وَأَبُو بكر جَالس فَقَالَ: يَا رَسُول الله: مَا أحسن هَذَا فَقَالَ: أما إِنَّه سيقال لَك هَذَا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: قُرِئت عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: {يَا أيتها النَّفس المطمئنة ارجعي إِلَى رَبك راضية مرضية} فَقَالَ أَبُو بكر: إِن هَذَا لحسن فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أما إِن الْملك سيقولها: لَك عِنْد الْمَوْت
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول من طَرِيق ثَابت بن عجلَان عَن سليم بن أبي عَامر رضى الله عَنهُ قَالَ: سَمِعت أَبَا بكر الصّديق يَقُول: فرئت عِنْد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَذِه الْآيَة {يَا أيتها النَّفس المطمئنة ارجعي إِلَى رَبك راضية مرضية} فَقلت: مَا أحسن هَذَا يَا رَسُول الله فَقَالَ: يَا أَبَا بكر أما إِن الْملك سيقولها: لَك عِنْد الْمَوْت
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق جُوَيْبِر عَن الضَّحَّاك عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: من يَشْتَرِي بِئْر رومة نستعذب بهَا غفر الله لَهُ فاشتراها عُثْمَان فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: هَل لَك أَن تجعلها شقاية للنَّاس قَالَ: نعم
فَأنْزل الله فِي عُثْمَان {يَا أيتها النَّفس المطمئنة} الْآيَة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {يَا أيتها النَّفس المطمئنة}(8/513)
قَالَ: نزلت فِي عُثْمَان بن عَفَّان رَضِي الله عَنهُ
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {يَا أيتها النَّفس المطمئنة} قَالَ: هُوَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن بُرَيْدَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {يَا أيتها النَّفس المطمئنة} قَالَ: يَعْنِي نفس حَمْزَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {يَا أيتها النَّفس المطمئنة} قَالَ: المصدقة
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَالْفِرْيَابِي وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {يَا أيتها النَّفس المطمئنة} قَالَ: الَّتِي أيقنت بِأَن الله رَبهَا
وَأخرج ابْن جرير عَن أبي الشَّيْخ الْهنائِي رَضِي الله عَنهُ قَالَ: فِي قِرَاءَة أبيّ يَا أيتها النَّفس الآمنة المطمئنة فادخلي فِي عَبدِي
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَنه قَرَأَهَا فادخلي فِي عَبدِي على التَّوْحِيد
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {ارجعي إِلَى رَبك} قَالَ: ترد الْأَرْوَاح يَوْم الْقِيَامَة فِي الأجساد
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ قَالَ: يسيل وَاد من أصل الْعَرْش فتنبت فِيهِ كل دَابَّة على وَجه الأَرْض ثمَّ تطير الْأَرْوَاح فتؤمر أَن تدخل الأجساد فَهُوَ قَوْله: {ارجعي إِلَى رَبك راضية مرضية}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {ارجعي إِلَى رَبك راضية} قَالَ: بِمَا أَعْطَيْت من الثَّوَاب {مرضية} عَنْهَا بعملها {فادخلي فِي عبَادي} الْمُؤمنِينَ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {يَا أيتها النَّفس المطمئنة} الْآيَة قَالَ: إِن الله إِذا أَرَادَ قبض عَبده الْمُؤمن اطمأنت النَّفس إِلَيْهِ وَاطْمَأَنَّ إِلَيْهَا ورضيت عَن الله وَرَضي الله عَنْهَا أَمر بقبضها فَأدْخلهَا الْجنَّة وَجعلهَا من عباده الصَّالِحين
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي صَالح رَضِي الله عَنهُ فِي(8/514)
قَوْله: {ارجعي إِلَى رَبك} قَالَ: هَذَا عِنْد الْمَوْت رُجُوعهَا إِلَى رَبهَا خُرُوجهَا من الدُّنْيَا فَإِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة قيل لَهَا: {فادخلي فِي عبَادي وادخلي جنتي}
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن عَسَاكِر عَن أبي أُمَامَة رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لرجل: قل اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك نفسا مطمئنة تؤمن بلقائك وترضى بِقَضَائِك وتقنع بِعَطَائِك
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {يَا أيتها النَّفس المطمئنة} قَالَ: المخبتة إِلَى الله
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير عَن قَتَادَة وَالْحسن {يَا أيتها النَّفس المطمئنة} إِلَى مَا قَالَ الله المصدقة بِمَا قَالَ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة {يَا أيتها النَّفس المطمئنة} قَالَ: هَذَا الْمُؤمن اطْمَأَن إِلَى مَا وعد الله {فادخلي فِي عبَادي} قَالَ: ادخلي فِي الصَّالِحين وادخلي جنتي
وَأخرج عبد بن حميد عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ {ارجعي إِلَى رَبك} قَالَ: إِلَى جسدك
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عنمحمد بن كَعْب الْقرظِيّ فِي الْآيَة قَالَ: إِن الْمُؤمن إِذا مَاتَ رأى منزله من الْجنَّة فَيَقُول تبَارك وَتَعَالَى: {يَا أيتها النَّفس المطمئنة ارجعي} إِلَى جسدك الَّذِي خرجت مِنْهُ {راضية} مَا رَأَيْت من ثوابي مرضياً عَنْك حَتَّى يَسْأَلك مُنكر وَنَكِير
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ {فادخلي فِي عبَادي} قَالَ: مَعَ عبَادي
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن زيد بن أسلم رَضِي الله عَنهُ {يَا أيتها النَّفس المطمئنة} الْآيَة قَالَ: بشرت بِالْجنَّةِ عِنْد الْمَوْت وَعند الْبَعْث وَيَوْم الْجمع
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ قَالَ: مَاتَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا بِالطَّائِف فجَاء طير لم تَرَ عين خلقته فَدخل نعشه ثمَّ لم ير خَارِجا مِنْهُ فَلَمَّا دفن تليت هَذِه الْآيَة على شَفير الْقَبْر لَا يدْرِي من تَلَاهَا {يَا أيتها النَّفس المطمئنة ارجعي إِلَى رَبك راضية مرضية فادخلي فِي عبَادي وادخلي جنتي}(8/515)
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
90
سُورَة الْبَلَد
مَكِّيَّة وآياتها عشرُون
مُقَدّمَة السُّورَة أخرج ابْن الضريس والنحاس وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: نزلت سُورَة {لَا أقسم بِهَذَا الْبَلَد} بِمَكَّة وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن الزبير مثله
الْآيَة 1 - 10(8/516)
لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ (1) وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ (2) وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ (3) لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ (4) أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ (5) يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالًا لُبَدًا (6) أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ (7) أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ (8) وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ (9) وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ (10)
أخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {لَا أقسم بِهَذَا الْبَلَد} قَالَ: مَكَّة {وَأَنت حل بِهَذَا الْبَلَد} يَعْنِي بِهَذَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أحل الله لَهُ يَوْم دخل مَكَّة أَن يقتل من شَاءَ ويستحس من شَاءَ فَقتل يَوْمئِذٍ ابْن خطل وَهُوَ آخذ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَة فَلم يحل لأحد من النَّاس بعد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يقتل فِيهَا حَرَامًا بِحرْمَة الله فأحل الله لَهُ مَا صنع بِأَهْل مَكَّة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس {لَا أقسم بِهَذَا الْبَلَد} قَالَ: مَكَّة {وَأَنت حل بِهَذَا الْبَلَد} قَالَ: أَنْت يَا مُحَمَّد يحل لَك أَن تقَاتل بِهِ وَأما غَيْرك فَلَا(8/516)
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي بزْرَة الْأَسْلَمِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: فيَّ نزلت هَذِه الْآيَة {لَا أقسم بِهَذَا الْبَلَد وَأَنت حل بِهَذَا الْبَلَد} خرجت فَوجدت عبد الله بن خطل مُتَعَلقا بِأَسْتَارِ الْكَعْبَة فَضربت عُنُقه بَين الرُّكْن وَالْمقَام
وَأخرج عبد بن حميد عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما فتح النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْكَعْبَة أَخذ أَبُو بَرزَة الْأَسْلَمِيّ وَهُوَ سعيد بن حَرْب عبد الله بن خطل وَهُوَ الَّذِي كَانَت قُرَيْش تسميه ذَا القلبين فَأنْزل الله (مَا جعل الله لرجل من قلبين فِي جَوْفه) (سُورَة الْأَحْزَاب الْآيَة 4) فقدمه أَبُو بَرزَة فَضربت عُنُقه وَهُوَ مُتَعَلق بِأَسْتَارِ الْكَعْبَة فَأنْزل الله فِيهَا {لَا أقسم بِهَذَا الْبَلَد وَأَنت حل بِهَذَا الْبَلَد} وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِك لِأَنَّهُ قَالَ لقريش: أَنا أعلم لكم علم مُحَمَّد فَأتى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا رَسُول الله إِنِّي أحب أَن تستكتبني قَالَ: فَاكْتُبْ فَكَانَ إِذا أمْلى عَلَيْهِ من الْقُرْآن وَكَانَ الله عليماً حكيماً كتب وَكَانَ الله حكيماً عليماً وَإِذا أمْلى عَلَيْهِ وَكَانَ الله غَفُورًا رحِيما كتب وَكَانَ الله رحِيما غَفُورًا
ثمَّ يَقُول: يَا رَسُول الله اقْرَأ عَلَيْك مَا كتبت
فَيَقُول: نعم فَإِذا قَرَأَ عَلَيْهِ وَكَانَ الله عليماً حكيماً أَو رحِيما غَفُورًا قَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا هَكَذَا أمليت عَلَيْك وَإِن الله لكذلك إِنَّه لغَفُور رَحِيم وَإنَّهُ لرحيم غَفُور
فَرجع إِلَى قُرَيْش فَقَالَ: لَيْسَ آمره بِشَيْء كنت آخذ بِهِ فَيَنْصَرِف فَلم يُؤمنهُ فَكَانَ أحد الْأَرْبَعَة الَّذين لم يؤمنهم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {لَا أقسم} قَالَ: لَا ردا عَلَيْهِم {أقسم بِهَذَا الْبَلَد}
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد {لَا أقسم بِهَذَا الْبَلَد} يَعْنِي مَكَّة {وَأَنت حل بِهَذَا الْبَلَد} يَعْنِي رَسُول الله
يَقُول: أَنْت فِي حل مِمَّا صنعت فِيهِ
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد {وَأَنت حل بِهَذَا الْبَلَد} يَقُول: لَا تؤاخذ بِمَا عملت فِيهِ وَلَيْسَ عَلَيْك فِيهِ مَا على النَّاس
وَأخرج عبد بن حميد عَن مَنْصُور قَالَ: سَأَلَ رجل مُجَاهدًا عَن هَذِه الْآيَة {لَا أقسم بِهَذَا الْبَلَد وَأَنت حل بِهَذَا الْبَلَد} قَالَ: لَا أَدْرِي ثمَّ فَسرهَا لي فَقَالَ:(8/517)
{لَا أقسم بِهَذَا الْبَلَد} الْحَرَام {وَأَنت حل بِهَذَا الْبَلَد} الْحَرَام أحل الله لَهُ سَاعَة من النَّهَار قيل لَهُ مَا صنعت فِيهِ من شَيْء فَأَنت فِي حل
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر عَن سعيد بن جُبَير {لَا أقسم بِهَذَا الْبَلَد} قَالَ: مَكَّة
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي صَالح {لَا أقسم بِهَذَا الْبَلَد} قَالَ: مَكَّة {وَأَنت حل بِهَذَا الْبَلَد} قَالَ: أحلّت لَهُ سَاعَة من نَهَار
وَأخرج عبد بن حميد عَن الضَّحَّاك مثله
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة {لَا أقسم بِهَذَا الْبَلَد} قَالَ: مَكَّة {وَأَنت حل بِهَذَا الْبَلَد} قَالَ: أَنْت بِهِ غير حرج وَلَا آثم
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَطِيَّة {لَا أقسم بِهَذَا الْبَلَد وَأَنت حل بِهَذَا الْبَلَد} قَالَ: أحلّت مَكَّة للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَاعَة من نَهَار ثمَّ حرمت إِلَى يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن {وَأَنت حل بِهَذَا الْبَلَد} قَالَ: أحلهَا الله لمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَاعَة من نَهَار يَوْم الْفَتْح
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك {وَأَنت حل بِهَذَا الْبَلَد} يَعْنِي مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: أَنْت حل بِالْحرم فَاقْتُلْ إِن شِئْت أَو دع
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن عَطاء {لَا أقسم بِهَذَا الْبَلَد وَأَنت حل بِهَذَا الْبَلَد} قَالَ: إِن الله حرم مَكَّة يَوْم خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض فَهِيَ حرَام إِلَى أَن تقوم السَّاعَة لم تحل لبشر إِلَّا لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَاعَة من نَهَار وَلَا يختلي خَلاهَا وَلَا يعضد عضاهها وَلَا ينفر صيدها وَلَا تحل لقطتهَا إِلَّا لمعرف
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن زيد {وَأَنت حل بِهَذَا الْبَلَد} قَالَ: لم يكن بهَا أحد حلا غير النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كل من كَانَ بهَا حرَام لم يحل لَهُم أَن يقاتلوا فِيهَا وَلَا يستحلوا حرمه
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر عَن شُرَحْبِيل بن سعد {وَأَنت حل بِهَذَا الْبَلَد} قَالَ: يحرمُونَ أَن يقتلُوا بهَا الصَّيْد ويعضدوا بهَا شَجَرَة ويستحلون اخراجك وقتلك(8/518)
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ من طَرِيق مُجَاهِد عَن ابْن عَبَّاس {لَا أقسم بِهَذَا الْبَلَد وَأَنت حل بِهَذَا الْبَلَد} قَالَ: أحل لَهُ أَن يصنع فِيهِ مَا شَاءَ {ووالد وَمَا ولد} يَعْنِي بالوالد آدم {وَمَا ولد} وَلَده
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس {ووالد وَمَا ولد} قَالَ: الْوَالِد الَّذِي يلد {وَمَا ولد} العاقر الَّذِي لَا يلد من الرِّجَال وَالنِّسَاء
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي عمرَان الْجونِي {ووالد وَمَا ولد} قَالَ: إِبْرَاهِيم وَمَا ولد
وَأخرج ابْن جرير وَالطَّبَرَانِيّ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {لَا أقسم بِهَذَا الْبَلَد} قَالَ: مَكَّة {وَأَنت حل بِهَذَا الْبَلَد} قَالَ: مَكَّة {ووالد وَمَا ولد} قَالَ: آدم {لقد خلقنَا الإِنسان فِي كبد} قَالَ: فِي اعْتِدَال وانتصاب
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {ووالد وَمَا ولد} قَالَ: آدم وَمَا ولد {لقد خلقنَا الإِنسان} قَالَ: وَقع هَهُنَا الْقسم {فِي كبد} قَالَ: فِي مشقة يكابد أَمر الدُّنْيَا وَأمر الْآخِرَة {يَقُول أهلكت مَالا لبداً} قَالَ: كثيرا
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد {ووالد وَمَا ولد} قَالَ: الْوَالِد آدم {وَمَا ولد} وَلَده {لقد خلقنَا الإِنسان فِي كبد} قَالَ: فِي شدَّة {يَقُول أهلكت مَالا لبداً} قَالَ: كثيرا {أيحسب أَن لم يره أحد} قَالَ: لم يقدر عَلَيْهِ أحد
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد عَن سعيد بن جُبَير {ووالد وَمَا ولد} قَالَ: آدم {وَمَا ولد} {لقد خلقنَا الإِنسان فِي كبد} فِي نصب
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس {لقد خلقنَا الإِنسان فِي كبد} قَالَ: فِي شدَّة
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ من طَرِيق عَطاء عَن ابْن عَبَّاس {لقد خلقنَا الإِنسان فِي كبد} قَالَ: فِي شدَّة خلق فِي وِلَادَته وَنبت أَسْنَانه [] وسوره ومعيشته وختانه
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مقسم عَن ابْن عَبَّاس(8/519)
{لقد خلقنَا الإِنسان فِي كبد} قَالَ: خلق الله الإِنسان منتصباً وَخلق كل شَيْء يمشي على أَربع
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس {لقد خلقنَا الإِنسان فِي كبد} قَالَ: منتصب فِي بطن أمه
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {لقد خلقنَا الإِنسان فِي كبد} قَالَ: منتصباً فِي بطن أمه أَنه قد وكل بِهِ ملك إِذا نَامَتْ الْأَمر أَو اضطجعت رفع رَأسه لَوْلَا ذَلِك لغرق فِي الدَّم
وَأخرج الطستي فِي مسَائِله عَن ابْن عَبَّاس إِن نَافِع بن الْأَزْرَق سَأَلَهُ عَن قَوْله: {لقد خلقنَا الإِنسان فِي كبد} قَالَ: فِي اعْتِدَال واستقامة
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم أما سَمِعت قَول لبيد بن ربيعَة: يَا عين هلاّ بَكَيْت اربد إِذْ قمنا وَقَامَ الْخُصُوم فِي كبد وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَسَعِيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن إِبْرَاهِيم رَضِي الله عَنهُ أَحْسبهُ عَن عبد الله {فِي كبد} قَالَ: منتصباً
وَأخرج ابْن الْمُبَارك فِي الزّهْد وَعبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ {لقد خلقنَا الإِنسان فِي كبد} قَالَ: يكابد مضايق الدُّنْيَا شَدَائِد الْآخِرَة
وَأخرج ابْن الْمُبَارك عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ أَنه قَرَأَ هَذِه الْآيَة {لقد خلقنَا الإِنسان فِي كبد} قَالَ: لَا أعلم خَلِيقَة يكابد من الْأَمر مَا يكابد هَذَا الإِنسان
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ {لقد خلقنَا الإِنسان فِي كبد} قَالَ: يكابد أُمُور الدُّنْيَا وَأُمُور الْآخِرَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ {فِي كبد} قَالَ: شدَّة وَطول
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم رَضِي الله عَنهُ {فِي كبد} قَالَ: فِي السَّمَاء خلق آدم
وَأخرج أَبُو يعلى وَالْبَغوِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن رجل من بني عَامر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: صليت خلف النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَسَمعته يقْرَأ {أيحسب أَن لن يقدر عَلَيْهِ أحد} {أيحسب أَن لم يره أحد} يَعْنِي بِفَتْح السِّين من يحْسب(8/520)
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ {أيحسب أَن لن يقدر} الْآيَة قَالَ: الْكَافِر يحْسب أَن لن يقدر الله عَلَيْهِ وَلم يره
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {مَالا لبداً} قَالَ: كثيرا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله: {أهلكت مَالا لبداً} قَالَ: أنفقت مَالا فِي الصد عَن سَبِيل الله {أيحسب أَن لم يره أحد} قَالَ: الْأَحَد: الله عز وَجل
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن جريج فِي قَوْله: {يَقُول أهلكت مَالا لبداً} قَالَ: أَيمن علينا فَمَا فضلناه أفضل {ألم نجْعَل لَهُ عينين} وَكَذَا وَكَذَا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة {ألم نجْعَل لَهُ عينين} قَالَ: نعم من الله متظاهرة يقررنا بهَا كَيْمَا نشكر
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن مَكْحُول رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يَقُول الله يَا ابْن آدم قد أَنْعَمت عَلَيْك نعما عظاماً لَا تحصي عدهَا وَلَا تطِيق شكرها وَإِن مِمَّا أَنْعَمت عَلَيْك أَن جعلت لَك عينين تنظر بهما وَجعلت لَهما غطاء فَانْظُر بِعَيْنَيْك إِلَى مَا أحللت لَك فَإِن رَأَيْت مَا حرمت عَلَيْك فأطبق عَلَيْهِمَا غطاءهما وَجعلت لَك لِسَانا وَجعلت لَهُ غلافا فَنَطَقَ بِمَا أَمرتك وأحللت لَك فَإِن عرض لَك مَا حرمت عَلَيْك فأغلق عَلَيْك لسَانك وَجعلت لَك فرجا وَجعلت لَك سترا فأصب بفرجك مَا أحللت لَك فَإِن عرض لَك مَا حرمت عَلَيْك فأرخ عَلَيْك سترك
ابْن آدم إِنَّك لَا تحمل سخطي وَلَا تَسْتَطِيع انتقامي
أخرج عبد الرَّزَّاق وَالْفِرْيَابِي وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وهديناه النجدين} قَالَ: سَبِيل الْخَيْر وَالشَّر
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وهديناه النجدين} قَالَ: عَرفْنَاهُ سَبِيل الْخَيْر وَالشَّر
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {وهديناه النجدين} قَالَ: الْهدى والضلالة
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور عَن مُحَمَّد بن كَعْب رَضِي الله عَنهُ مثله(8/521)
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ أَنه قيل لَهُ: إِن نَاسا يَقُولُونَ: إِن النجدين الثديين
قَالَ: الْخَيْر وَالشَّر
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة وَالضَّحَّاك رَضِي الله عَنْهُمَا مثله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق سِنَان بن سعيد عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: هما نجدان فَمَا جعل نجد الشَّرّ أحب إِلَيْكُم من نجد الْخَيْر
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه من طرق عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وهديناه النجدين} قَالَ: ذكر لنا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَقُول: أَيهَا النَّاس إِنَّمَا هما نجدان نجد الْخَيْر ونجد الشَّرّ فَمَا جعل نجد الشَّرّ أحب إِلَيْكُم من نجد الْخَيْر
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن أبي أُمَامَة رَضِي الله عَنهُ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: يَا أَيهَا النَّاس إِنَّمَا هما نجدان نجد خير ونجد شَرّ فماجعل نجد الشَّرّ أحب من نجد الْخَيْر
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: ذكر لنا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: فَذكر مثله
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِنَّمَا هما نجدان نجد الْخَيْر ونجد الشَّرّ فَلَا يكن نجد الشَّرّ أحب إِلَى أحدكُم من نجد الْخَيْر
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم من طرق عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {وهديناه النجدين} قَالَ: الثديين
الْآيَة 11 - 20(8/522)
فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ (12) فَكُّ رَقَبَةٍ (13) أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14) يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ (15) أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ (16) ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ (17) أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ (18) وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا هُمْ أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ (19) عَلَيْهِمْ نَارٌ مُؤْصَدَةٌ (20)
أخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنهُ {فَلَا اقتحم الْعقبَة} قَالَ: جبل فِي جَهَنَّم
وَأخرج ابْن جرير عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ مثله(8/522)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: الْعقبَة النَّار
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: للنَّاس عقبَة دون الْجنَّة واقتحامها فك رَقَبَة الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي رَجَاء رَضِي الله عَنهُ قَالَ: بَلغنِي أَن الْعقبَة الَّتِي ذكر الله فِي كِتَابه مطْلعهَا سَبْعَة آلَاف سنة ومهبطها سَبْعَة آلَاف سنة
وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {فَلَا اقتحم الْعقبَة} قَالَ: عقبَة بَين الْجنَّة وَالنَّار
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن أبي صَالح رَضِي الله عَنهُ {فَلَا اقتحم الْعقبَة} قَالَ: عقبَة بَين الْجنَّة وَالنَّار
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن كَعْب الْأَحْبَار قَالَ: الْعقبَة سَبْعُونَ دَرَجَة فِي جَهَنَّم
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن زيد {فَلَا اقتحم الْعقبَة} قَالَ: أَلا أسلك الطَّرِيق الَّتِي فِيهَا النجَاة وَالْخَيْر
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن الْحسن {فَلَا اقتحم الْعقبَة} قَالَ: جَهَنَّم وَمَا أَدْرَاك مَا الْعقبَة قَالَ: ذكر لنا أَنه لَيْسَ من رجل مُسلم يعْتق رَقَبَة مسلمة إِلَّا كَانَت فداءه من النَّار
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ: وَمَا أَدْرَاك مَا الْعقبَة ثمَّ أخبر عَن اقتحامها فَقَالَ: فك رَقَبَة ذكر لنا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سُئِلَ عَن الرّقاب أَيهَا أعظم أجرا قَالَ: أَكثر ثمنا
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي الدَّرْدَاء رَضِي الله عَنهُ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: إِن أمامكم عقبَة كؤداً لَا يجوزها المثقلون فَأَنا أُرِيد أَن أتخفف لتِلْك الْعقبَة
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: لما نزلت {فَلَا اقتحم الْعقبَة} قيل يَا رَسُول الله: مَا عِنْد أَحَدنَا مَا يعْتق إِلَّا [] عِنْد أَحَدنَا الْجَارِيَة السَّوْدَاء تخدمه وتنوء عَلَيْهِ فَلَو أمرناهن بِالزِّنَا فزنين فجئن(8/523)
بالأولاد فاعتقناهم
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لِأَن أمتع بِسَوْط فِي سَبِيل الله أحب إليَّ من أَن آمُر بِالزِّنَا ثمَّ أعتق الْوَلَد
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا أَنه بلغَهَا قَول أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ: علاقَة سَوط فِي سَبِيل الله أعظم أجرا من عتق ولد زنية فَقَالَت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا: يرحم الله أَبَا هُرَيْرَة إِنَّمَا كَانَ هَذَا أَن الله لما أنزل {فَلَا اقتحم الْعقبَة وَمَا أَدْرَاك مَا الْعقبَة فك رَقَبَة} قَالَ: بعض الْمُسلمين يَا رَسُول الله: إِنَّه لَيْسَ لنا رَقَبَة نعتقها فَإِنَّمَا يكون لبعضنا الخويدم الَّتِي لَا بُد مِنْهَا فنأمرهن يبغين فَإِذا بغين فولدن أعتقنا أَوْلَادهنَّ
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا تأمروهن بالبغاء لعلاقة سَوط فِي سَبِيل الله أعظم أجرا من هَذَا
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي نجيح السّلمِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من أعتق رَقَبَة فَإِنَّهُ يجزى مَكَان كل عظم من عظامها عظم من عِظَامه من النَّار
وَأخرج ابْن سعد وَابْن أبي شيبَة عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من أعتق نسمَة مسلمة أَو مُؤمنَة وقى الله بِكُل عُضْو مِنْهَا عضوا مِنْهُ من النَّار وَأخرج أَحْمد عَن أبي أُمَامَة قَالَ: قلت يَا نَبِي الله: أَي الرّقاب أفضل قَالَ: أغلاها ثمنا وأنفسها عِنْد أَهلهَا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من أعتق رَقَبَة مُؤمنَة أعتق الله بِكُل عُضْو مِنْهَا عضوا مِنْهُ من النَّار حَتَّى الْفرج بالفرج
وَأخرج أَحْمد وَابْن حبَان وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ عَن الْبَراء أَن أَعْرَابِيًا قَالَ لرَسُول الله عَلمنِي عملا يدخلني الْجنَّة قَالَ: أعتق النَّسمَة وَفك الرَّقَبَة
قَالَ: أوليستا بِوَاحِدَة قَالَ: لَا إِن عتق الرَّقَبَة أَن تفرد بِعتْقِهَا وَفك الرَّقَبَة أَن تعين فِي عتقهَا والمنحة الرّكُوب والفيء على ذِي الرَّحِم فَإِن لم تطق ذَلِك فاطعم الجائع واسق الظمآن وَأمر بِالْمَعْرُوفِ وانه عَن الْمُنكر فَإِن لم تطق ذَلِك فَكف لسَانك إِلَّا من خير
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {يَوْم ذِي مسغبة} قَالَ: مجاعَة(8/524)
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {فِي يَوْم ذِي مسغبة} قَالَ: مجاعَة
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {فِي يَوْم ذِي مسغبة} قَالَ: جوع
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن إِبْرَاهِيم رَضِي الله عَنهُ {فِي يَوْم ذِي مسغبة} قَالَ: يَوْم فِيهِ الطَّعَام عَزِيز
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن وَأبي رَجَاء العطاردي رَضِي الله عَنهُ أَنَّهُمَا قرآ: أَو أطْعم فِي يَوْم ذَا مسغبة
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ عَن جَابر رَضِي الله عَنهُ مَرْفُوعا: من مُوجبَات الْمَغْفِرَة إطْعَام الْمُسلم السغبان
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {ذَا مقربة} أَي ذَا قرَابَة وَفِي قَوْله: {ذَا مَتْرَبَة} يَعْنِي بعيد التربة أَي غَرِيبا من وَطنه
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَسَعِيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي اله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {أَو مِسْكينا ذَا مَتْرَبَة} قَالَ: هُوَ الْمَطْرُوح الَّذِي لَيْسَ لَهُ بَيت وَفِي لفظ الْحَاكِم: هُوَ الترب الَّذِي لَا يَقِيه من التُّرَاب شَيْء وَفِي لفظ: هُوَ اللازق بِالتُّرَابِ من شدَّة الْفقر
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ مثله
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {أَو مِسْكينا ذَا مَتْرَبَة} يَقُول: شَدِيد الْحَاجة
وَأخرج ابْن جرير من طَرِيق الْعَوْفِيّ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {أَو مِسْكينا ذَا مَتْرَبَة} يَقُول: مِسْكين ذُو بَنِينَ وعيال لَيْسَ بَيْنك وَبَينه قرَابَة
وَأخرج الطستي فِي مسَائِله عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَن نَافِع بن الْأَزْرَق سَأَلَهُ عَن قَوْله: {ذَا مَتْرَبَة} قَالَ: ذَا جهد وحاجة
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم أما سَمِعت قَول الشَّاعِر: تربت يداك ثمَّ قل نوالها وترفعت عَنْك السَّمَاء سحابها(8/525)
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عمر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {مِسْكينا ذَا مَتْرَبَة} قَالَ: الَّذِي مَأْوَاه الْمَزَابِل
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {ذَا مَتْرَبَة} قَالَ: كُنَّا نُحدث أَن المترب ذُو الْعِيَال الَّذِي لَا شَيْء لَهُ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ: مَا عمل النَّاس بعد الْفَرِيضَة أحب إِلَى الله من إطْعَام مِسْكين
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن هِشَام بن حسان رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وَتَوَاصَوْا بِالصبرِ} قَالَ: على مَا افْترض الله
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {وَتَوَاصَوْا بالمرحمة} يَعْنِي بذلك رَحْمَة النَّاس كلهم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {مؤصدة} قَالَ: مغلقة الْأَبْوَاب
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي هُرَيْرَة {مؤصدة} قَالَ: مطبقة
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن جرير من طرق عَن ابْن عَبَّاس مثله
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد وَعِكْرِمَة وعطية وَالضَّحَّاك وَسَعِيد بن جُبَير وَالْحسن وَقَتَادَة مثله
وَأخرج الطستي فِي مسَائِله عَن ابْن عَبَّاس إِن نَافِع بن الْأَزْرَق سَأَلَهُ عَن قَوْله {مؤصدة} قَالَ: مطبقة
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم أما سَمِعت قَول الشَّاعِر: تحن إِلَى أجبال مَكَّة نَاقَتي وَمن دُوننَا أَبْوَاب صنعا مؤصدة وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد {مؤصدة} قَالَ: هِيَ بلغَة قُرَيْش أوصد الْبَاب أغلقه(8/526)
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
91
سُورَة الشَّمْس
مَكِّيَّة وآياتها خمس عشرَة
مُقَدّمَة السُّورَة أخرج ابْن الضريس والنحاس وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: نزلت سُورَة {وَالشَّمْس وَضُحَاهَا} بِمَكَّة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن الزبير مثله
وَأخرج أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه وَالنَّسَائِيّ عَن بُرَيْدَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يقْرَأ فِي صَلَاة الْعشَاء بالشمس وَضُحَاهَا وأشباهها من السُّور
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أمره أَن يقْرَأ فِي صَلَاة الصُّبْح ب (وَاللَّيْل إِذا يغشى) (سُورَة اللَّيْل الْآيَة 1) و {الشَّمْس وَضُحَاهَا}
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن عقبَة بن عَامر قَالَ: أمرنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن نصلي رَكْعَتي الضُّحَى بسورتيهما ب {وَالشَّمْس وَضُحَاهَا} وَالضُّحَى
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن النُّعْمَان بن بشير قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقْرَأ فِي الْعِيدَيْنِ (سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى) (سُورَة الْأَعْلَى الْآيَة 1) {وَالشَّمْس وَضُحَاهَا}
الْآيَة 1 - 15(8/527)
وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا (1) وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا (2) وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا (3) وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا (4) وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا (5) وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا (6) وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (10) كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا (11) إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا (12) فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا (13) فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا (14) وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا (15)
أخرج الْحَاكِم وَصَححهُ من طَرِيق مُجَاهِد عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وَالشَّمْس وَضُحَاهَا} قَالَ: ضوءها {وَالْقَمَر إِذا تَلَاهَا} قَالَ: تبعها {وَالنَّهَار إِذا جلاها} قَالَ: أضاءها {وَالسَّمَاء وَمَا بناها} قَالَ: الله بنى السَّمَاء {وَمَا طحاها} قَالَ: دحاها {فألهمها فجورها وتقواها} قَالَ: عرفهَا شقاءها وسعادتها {وَقد خَابَ من دساها} قَالَ: أغواها
وَأخرج ابْن جرير من طَرِيق الْعَوْفِيّ عَن ابْن عَبَّاس {وَالْقَمَر إِذا تَلَاهَا} قَالَ: يَتْلُو النَّهَار {وَالْأَرْض وَمَا طحاها} يَقُول: مَا خلق الله فِيهَا {فألهمها فجورها وتقواها} قَالَ: علمهَا الطَّاعَة وَالْمَعْصِيَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس {وَالْقَمَر إِذا تَلَاهَا} قَالَ: تبعها
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن يزِيد بن ذِي حمامة قَالَ: إِذا جَاءَ اللَّيْل قَالَ الرب غشي عبَادي فِي خلقي الْعَظِيم ولليل مهابة وَالَّذِي خلقه أَحَق أَن يهاب
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس {وَالْأَرْض وَمَا طحاها} قَالَ: قسمهَا {فألهمها فجورها وتقواها} قَالَ: بَين الْخَيْر وَالشَّر
وَأخرج الْحَاكِم من طَرِيق سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس {فألهمها} قَالَ: علمهَا {فجورها وتقواها}
وَأخرج أَحْمد وَمُسلم وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه عَن عمرَان بن حُصَيْن: أَن رجلا قَالَ يَا رَسُول الله: أَرَأَيْت مَا يعْمل النَّاس الْيَوْم ويكدحون فِيهِ شَيْء قد قضي عَلَيْهِم وَمضى عَلَيْهِم فِي قدر قد سبق أَو فِيمَا يستقبلون مَا أَتَاهُم بِهِ نَبِيّهم واتخذت عَلَيْهِم بِهِ الْحجَّة قَالَ: بل شَيْء قضي عَلَيْهِم
قَالَ: فَلم يعْملُونَ إِذا قَالَ: من كَانَ الله خلقه لوَاحِدَة من المنزلتين هيأه لعملها وتصديق ذَلِك فِي كتاب الله {وَنَفس وَمَا سواهَا فألهمها فجورها وتقواها}(8/528)
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا تَلا هَذِه الْآيَة {وَنَفس وَمَا سواهَا فألهمها فجورها وتقواها} وقف ثمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ آتٍ نَفسِي تقواها أَنْت وَليهَا ومولاها وَخير من زكاها
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقْرَأ {فألهمها فجورها وتقواها} قَالَ: اللَّهُمَّ آتٍ نَفسِي تقواها وزكها أَنْت خير من زكاها أَنْت وَليهَا ومولاها
قَالَ وَهُوَ فِي الصَّلَاة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَمُسلم وَالنَّسَائِيّ عَن زيد بن أَرقم قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: اللَّهُمَّ آتٍ نَفسِي تقواها أَنْت خير من زكاها أَنْت وَليهَا ومولاها
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن أنس: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى بهم الهاجرة فَرفع صَوته فَقَرَأَ {وَالشَّمْس وَضُحَاهَا} {وَاللَّيْل إِذا يغشى} سُورَة اللَّيْل آيَة 1 فَقَالَ لَهُ أبيّ بن كَعْب: يَا رَسُول الله أمرت فِي هَذِه الصَّلَاة بِشَيْء قَالَ: لَا وَلَكِنِّي أردْت أَن أوقت لكم
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد {وَالشَّمْس وَضُحَاهَا} قَالَ: ضوؤها {وَالْقَمَر إِذا تَلَاهَا} قَالَ: تبعها {وَالنَّهَار إِذا جلاها} قَالَ: أَضَاء {وَاللَّيْل إِذا يَغْشَاهَا} قَالَ: يَغْشَاهَا اللَّيْل {وَالسَّمَاء وَمَا بناها} قَالَ: الله بنى السَّمَاء وَالْأَرْض {وَمَا طحاها} قَالَ: دحاها {فألهمها فجورها وتقواها} قَالَ: عرفهَا شقاءها {قد أَفْلح من زكاها} قَالَ: أصلحها {وَقد خَابَ من دساها} قَالَ: أغواها {كذبت ثَمُود بطغواها} قَالَ: بمعصيتها {وَلَا يخَاف عقباها} قَالَ: الله لَا يخَاف عقباها
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد {وَالشَّمْس وَضُحَاهَا} قَالَ: إشراقها {وَالْقَمَر إِذا تَلَاهَا} قَالَ: يتلوها {وَالنَّهَار إِذا جلاها} قَالَ: حِين ينجلي {وَنَفس وَمَا سواهَا} قَالَ: سوى خلقهَا وَلم ينقص مِنْهُ شَيْئا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة {وَالشَّمْس وَضُحَاهَا} قَالَ: هَذَا النَّهَار {وَالْقَمَر إِذا تَلَاهَا} قَالَ: يَتْلُو صَبِيحَة الْهلَال إِذا سَقَطت رُؤِيَ عِنْد سُقُوطهَا {وَالنَّهَار إِذا جلاها} قَالَ: إِذا غشيها النَّهَار(8/529)
{وَاللَّيْل إِذا يَغْشَاهَا} قَالَ إِذا غشيها اللَّيْل {وَالسَّمَاء وَمَا بناها} قَالَ وَمَا خلقهَا {وَالْأَرْض وَمَا طحاها} قَالَ: بسطها {فألهمها فجورها وتقواها} قَالَ: بَين لَهَا الْفُجُور من التَّقْوَى {قد أَفْلح} قَالَ: وَقع الْقسم هَهُنَا {من زكاها} قَالَ: من عمل خيرا فزكاها بِطَاعَة الله {وَقد خَابَ من دساها} قَالَ: من إثمها وفجرها {كذبت ثَمُود بطغواها} قَالَ: بالطغيان {إِذْ انْبَعَثَ أشقاها} قَالَ: أُحَيْمِر ثَمُود
{فَقَالَ لَهُم رَسُول الله} صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {نَاقَة الله وسقياها} قَالَ: يَقُول الله: خلوا بَينهَا وَبَين قسم الله الَّذِي قسم لَهَا من هَذَا المَاء {فدمدم عَلَيْهِم رَبهم بذنبهم} قَالَ: ذكر لنا أَنه أَبى أَن يعقرها حَتَّى تَابعه صَغِيرهمْ وَكَبِيرهمْ وَذكرهمْ وأنثاهم فَلَمَّا اشْترك الْقَوْم فِي عقرهَا {فدمدم عَلَيْهِم رَبهم بذنبهم فسواها وَلَا يخَاف عقباها} يَقُول: لَا يخَاف تبعتها
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي الْعَالِيَة {وَالْقَمَر إِذا تَلَاهَا} قَالَ: إِذا تبعها
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة {وَالْقَمَر إِذا تَلَاهَا} قَالَ: إِذا تبع الشَّمْس
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي صَالح {وَالْأَرْض وَمَا طحاها} قَالَ: بسطها
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الضَّحَّاك مثله
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس {وَنَفس وَمَا سواهَا} قَالَ: سوى خلقهَا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير {فألهمها} قَالَ: ألزمها {فجورها وتقواها}
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك {فألهمها فجورها وتقواها} قَالَ: الطَّاعَة وَالْمَعْصِيَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم {فألهمها فجورها وتقواها} قَالَ: الْفَاجِرَة ألهمها الْفُجُور والتقية ألهمها التَّقْوَى
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه فِي قَوْله: {فألهمها فجورها وتقواها} يَقُول: بَين للعباد الرشد من الغيّ وألهم كل نفس مَا خلقهَا لَهُ وَكتب عَلَيْهَا
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْكَلْبِيّ {قد أَفْلح من زكاها} الْآيَة قَالَ: أَفْلح من زَكَّاهُ الله وخاب من دساه الله
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن فِي الْآيَة: قد أَفْلح من زكى نَفسه وَأَصْلَحهَا وخاب من أهلكها وأضلها
وَأخرج عبد بن حميد عَن الرّبيع فِي الْآيَة يَقُول: أَفْلح من زكى نَفسه بِالْعَمَلِ(8/530)
الصَّالح وخاب من دس نَفسه بِالْعَمَلِ السيء
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة من {دساها} قَالَ: من خسرها
وَأخرج حُسَيْن فِي الاسْتقَامَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {قد أَفْلح من زكاها} يَقُول: قد أَفْلح من زكى الله نَفسه {وَقد خَابَ من دساها} يَقُول: قد خَابَ من دس الله نَفسه فأضله {وَلَا يخَاف عقباها} قَالَ: لَا يخَاف من أحد تَابعه
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس {وَقد خَابَ من دساها} يَعْنِي: مكر بهَا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه والديلمي من طَرِيق جُوَيْبِر عَن الضَّحَّاك عَن ابْن عَبَّاس: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: {قد أَفْلح من زكاها} الْآيَة: أفلحت نفس زكاها الله وخابت نفس خيبها الله من كل خيِّر
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {كذبت ثَمُود بطغواها} قَالَ: اسْم الْعَذَاب الَّذِي جاءها الطغوى فَقَالَ: كذبت ثَمُود بعذابها
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَأحمد وَعبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه عَن عبد الله بن زَمعَة قَالَ: خطب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذكر النَّاقة وَذكر الَّذِي عقرهَا فَقَالَ: {إِذْ انْبَعَثَ أشقاها} قَالَ: انْبَعَثَ لَهَا رجل عَارِم عَزِيز منيع فِي رهطه مثل أبي زَمعَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَغوِيّ وَأَبُو نعيم فِي الدَّلَائِل عَن عمار بن يَاسر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَلا أحَدثك بِأَشْقَى النَّاس قَالَ: بلَى
قَالَ: رجلَانِ: أُحَيْمِر ثَمُود الَّذِي عقر النَّاقة وَالَّذِي يَضْرِبك على هَذَا يَعْنِي ترقوته حَتَّى تبتل مِنْهُ هَذِه يَعْنِي لحيته
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم مثله من حَدِيث صُهَيْب وَجَابِر بن سَمُرَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن {وَلَا يخَاف عقباها} قَالَ: ذَاك رَبنَا لَا يخَاف مِنْهُم تبعة بِمَا صنع بهم
وَأخرج ابْن جريروابن أبي حَاتِم عَن السّديّ {وَلَا يخَاف عقباها} قَالَ: لم يخف الَّذِي عقرهَا عَاقِبَة مَا صنع
وَأخرج ابْن جرير عَن الضَّحَّاك {وَلَا يخَاف عقباها} قَالَ: لم يخف الَّذِي عقرهَا عقباها(8/531)
92
سُورَة اللَّيْل
مَكِّيَّة وآياتها إِحْدَى وَعِشْرُونَ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
الْآيَة 1 - 21(8/532)
وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى (1) وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى (2) وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (3) إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى (4) فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى (10) وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى (11) إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى (12) وَإِنَّ لَنَا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولَى (13) فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى (14) لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى (15) الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى (16) وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى (17) الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى (18) وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى (19) إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى (20) وَلَسَوْفَ يَرْضَى (21)
أخرج ابْن الضريس والنحاس وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: نزلت سُورَة {وَاللَّيْل إِذا يغشى} بِمَكَّة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن الزبير مثله
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن جَابر بن سَمُرَة قَالَ: كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقْرَأ فِي الظّهْر وَالْعصر ب {وَاللَّيْل إِذا يغشى} وَنَحْوهَا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم بِسَنَد ضَعِيف عَن ابْن عَبَّاس: أَن رجلا كَانَت لَهُ نَخْلَة فرعها فِي دَار رجل فَقير ذِي عِيَال فَكَانَ الرجل إِذا جَاءَ فَدخل الدَّار فَصَعدَ إِلَى النَّخْلَة ليَأْخُذ مِنْهَا الثَّمَرَة فَرُبمَا تقع ثَمَرَة فيأخذها صبيان الْفَقِير فَينزل من نخلته(8/532)
فَيَأْخُذ الثَّمَرَة من أَيْديهم وَإِن وجدهَا فِي فَم أحدهم أَدخل أُصْبُعه حَتَّى يخرج الثَّمَرَة من فِيهِ فَشَكا ذَلِك الرجل إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: اذْهَبْ وَلَقي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَاحب النَّخْلَة
فَقَالَ لَهُ: أَعْطِنِي نخلتك المائلة الَّتِي فرعها فِي دَار فلَان وَلَك بهَا نَخْلَة فِي الْجنَّة
فَقَالَ لَهُ الرجل: لقد أَعْطَيْت وَإِن لي لنخلاً كثيرا وَمَا فِيهِ نخل أعجب إِلَيّ ثَمَرَة مِنْهَا
ثمَّ ذهب الرجل وَلَقي رجلا كَانَ يسمع الْكَلَام من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لصَاحب النَّخْلَة فَأتى رَسُول الله: فَقَالَ أَعْطِنِي مَا أَعْطَيْت الرجل إِن أَنا أَخَذتهَا
قَالَ: نعم فَذهب الرجل فلقي صَاحب النَّخْلَة ولكليهما نخل فَقَالَ لَهُ صَاحب النَّخْلَة: أشعرت أَن مُحَمَّدًا أَعْطَانِي بنخلتي المائلة إِلَى دَار فلَان نَخْلَة فِي الْجنَّة فَقلت: لقد أَعْطَيْت وَلَكِن يُعجبنِي ثَمَرهَا ولي نخل كثير مَا فِيهِ نَخْلَة أعجب إليّ ثَمَرَة مِنْهَا فَقَالَ لَهُ الآخر: أَتُرِيدُ بيعهَا فَقَالَ: لَا إِلَّا أَن أعطي بهَا مَا أُرِيد وَلَا أَظن أعْطى
قَالَ: فكم تؤمل فِيهَا قَالَ: أَرْبَعِينَ نَخْلَة فَقَالَ لَهُ الرجل: لقد جِئْت بِأَمْر عَظِيم تطلب بنخلتك المائلة أَرْبَعِينَ نَخْلَة
ثمَّ سكت عَنهُ فَقَالَ: أَنا أُعْطِيك أَرْبَعِينَ نَخْلَة فَقَالَ لَهُ: أشهد إِن كنت صَادِقا
فَأشْهد لَهُ بِأَرْبَعِينَ نَخْلَة بنخلته المائلة فَمَكثَ سَاعَة ثمَّ قَالَ: لَيْسَ بيني وَبَيْنك بيع لم نفترق
فَقَالَ لَهُ الرجل: وَلست بِأَحَق حِين أَعطيتك أَرْبَعِينَ نَخْلَة بنخلتك المائلة
فَقَالَ لَهُ: أُعْطِيك على أَن تُعْطِينِي كَمَا أُرِيد تعطينها على سَاق
فَسكت عَنهُ ثمَّ قَالَ: هِيَ لَك على سَاق
قَالَ: ثمَّ ذهب إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لَهُ: يَا رَسُول الله إِن النَّخْلَة قد صَارَت لي فَهِيَ لَك
فَذهب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى صَاحب الدَّار فَقَالَ: النَّخْلَة لَك ولعيالك
فَأنْزل الله {وَاللَّيْل إِذا يغشى} إِلَى آخر السُّورَة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: إِنِّي لأقول هَذِه السُّورَة نزلت فِي السماحة وَالْبخل {وَاللَّيْل إِذا يغشى}
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس {وَاللَّيْل إِذا يغشى} قَالَ: إِذا أظلم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير {وَاللَّيْل إِذا يغشى} قَالَ: إِذا أقبل فَغطّى كل شَيْء
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَأحمد وَعبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه عَن عَلْقَمَة أَنه قدم الشَّام فَجَلَسَ إِلَى أبي الدَّرْدَاء فَقَالَ لَهُ أَبُو الدَّرْدَاء مِمَّن أَنْت قَالَ: من أهل الْكُوفَة
قَالَ: كَيفَ سَمِعت(8/533)
عبد الله يقْرَأ {وَاللَّيْل إِذا يغشى} قَالَ: عَلْقَمَة: وَالذكر وَالْأُنْثَى فَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاء: أشهد أَنِّي سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقْرَأ هَكَذَا
وَهَؤُلَاء يريدوني على أَنِّي أقرؤها: خلق الذّكر وَالْأُنْثَى وَالله لَا أتابعهم
وَأخرج البُخَارِيّ فِي تَارِيخ بَغْدَاد من طَرِيق الضَّحَّاك عَن ابْن عَبَّاس أَنه كَانَ يقْرَأ الْقُرْآن على قِرَاءَة زيد بن ثَابت إِلَّا ثَمَانِيَة عشر حرفا أَخذهَا من قِرَاءَة عبد الله بن مَسْعُود وَقَالَ ابْن عَبَّاس مَا يسرني أَنِّي تركت هَذِه الْحُرُوف وَلَو ملئت لي الدُّنْيَا ذهبة حَمْرَاء مِنْهَا حرف فِي الْبَقَرَة: من بقلها وقثائها وثومها
بالثاء وَفِي الْأَعْرَاف: فلنسألن الَّذين أرسل إِلَيْهِم قبلك من رسلنَا ولنسألن الْمُرْسلين وَفِي بَرَاءَة يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا اتَّقوا الله وَكُونُوا [] مَعَ الصَّادِقين
وَفِي إِبْرَاهِيم: وَإِن كَانَ مَكْرهمْ لتزول مِنْهُ الْجبَال وَفِي الْأَنْبِيَاء: وَكُنَّا لحكمهم شَاهِدين وفيهَا: وهم من كل جدث يَنْسلونَ وَفِي الْحَج يأْتونَ من كل فج سحيق وَفِي الشُّعَرَاء: فعلتها إِذا وَأَنا من الْجَاهِلين وَفِي النَّمْل: اعبد رب هَذِه الْبَلدة الَّتِي حرمهَا وَفِي الصافات: فَلَمَّا سلما وتله للجبين وَفِي الْفَتْح: وتعزروه وتوقروه وتسبحوه بِالتَّاءِ وَفِي النَّجْم: وَلَقَد جَاءَ من ربكُم الْهدى وفيهَا: إِن تتبعون إِلَّا الظَّن وَفِي الْحَدِيد: لكَي يعلم أهل الْكتاب أَن لَا يقدرُونَ على شَيْء وَفِي ن: لَوْلَا أَن تداركته نعْمَة من ربه على التَّأْنِيث وَفِي إِذا الشَّمْس كوّرت: وَإِذا الموءودة سَأَلت بِأَيّ ذَنْب قتلت وفيهَا: وَمَا هُوَ على الْغَيْب بضنين وَفِي اللَّيْل: وَالذكر وَالْأُنْثَى قَالَ: هُوَ قسم فَلَا تقطعوه
وَأخرج ابْن جرير عَن أبي إِسْحَق قَالَ فِي قِرَاءَة عبد الله: وَاللَّيْل إِذا يغشى وَالنَّهَار إِذا تجلى وَالذكر وَالْأُنْثَى
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن أَنه كَانَ يقْرؤهَا {وَمَا خلق الذّكر وَالْأُنْثَى} يَقُول: وَالَّذِي خلق الذّكر وَالْأُنْثَى
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله: {إِن سعيكم} قَالَ: السَّعْي الْعَمَل
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة قَالَ: وَقع الْقسم هَهُنَا {إِن سعيكم لشتى} يَقُول: مُخْتَلف
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن عَسَاكِر عَن ابْن مَسْعُود أَن أَبَا بكر(8/534)
الصّديق اشْترى بِلَالًا من أُميَّة بن خلف وَأبي بن خلف بِبُرْدَةٍ وَعشر أَوَاقٍ فَأعْتقهُ لله فَأنْزل الله {وَاللَّيْل إِذا يغشى} {إِن سعيكم لشتى} سعي أبي بكر وَأُميَّة وَأبي إِلَى قَوْله: {وَكذب بِالْحُسْنَى} قَالَ: لَا إِلَه إِلَّا الله إِلَى قَوْله: {فسنيسره للعسرى} قَالَ: النَّار
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن جرير وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان من طَرِيق عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {فإمَّا من أعْطى} من الْفضل {وَاتَّقَى} قَالَ: اتَّقى ربه {وَصدق بِالْحُسْنَى} قَالَ: صدق بالخلف من الله {فسنيسره لليسرى} قَالَ: الْخَيْر من الله {وَأما من بخل وَاسْتغْنى} قَالَ: بخل بِمَالِه وَاسْتغْنى عَن ربه {وَكذب بِالْحُسْنَى} قَالَ: بالخلف من الله {فسنيسره للعسرى} قَالَ: للشر من الله
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة {فَأَما من أعْطى} قَالَ: أعْطى حق الله عَلَيْهِ {وَاتَّقَى} محارم الله {وَصدق بِالْحُسْنَى} قَالَ: بموعود الله على نَفسه {وَأما من بخل} قَالَ: بِحَق الله عَلَيْهِ {وَاسْتغْنى} فِي نَفسه عَن ربه {وَكذب بِالْحُسْنَى} قَالَ: بموعود الله الَّذِي وعد
وَأخرج ابْن جرير من طرق عَن ابْن عَبَّاس {وَصدق بِالْحُسْنَى} قَالَ: أَيقَن بالخلف
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس {وَصدق بِالْحُسْنَى} يَقُول صدق بِلَا إِلَه أَلا الله {وَأما من بخل وَاسْتغْنى} يَقُول: من أغناه الله فبخل بِالزَّكَاةِ
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ {وَصدق بِالْحُسْنَى} قَالَ: بِلَا إِلَه إِلَّا الله
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد {وَصدق بِالْحُسْنَى} قَالَ: بِالْجنَّةِ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن زيد بن أسلم {فسنيسره لليسرى} قَالَ: الْجنَّة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن عَسَاكِر عَن عَامر بن عبد الله بن الزبير قَالَ: كَانَ أَبُو بكر يعْتق على الإِسلام بِمَكَّة فَكَانَ يعْتق عَجَائِز وَنسَاء إِذا أسلمن فَقَالَ لَهُ أَبوهُ أَي بني أَرَاك تعْتق أُنَاسًا ضعفاء فَلَو أَنَّك تعْتق رجَالًا جلدا يقومُونَ مَعَك ويمنعونك ويدفعون عَنْك
قَالَ: أَي أَبَت إِنَّمَا أُرِيد مَا عِنْد الله
قَالَ: فَحَدثني بعض أهل(8/535)
بَيْتِي أَن هَذِه الْآيَة نزلت فِيهِ {فَأَما من أعْطى وَاتَّقَى وَصدق بِالْحُسْنَى فسنيسره لليسرى}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن مرْدَوَيْه وَابْن عَسَاكِر فِي طَرِيق الْكَلْبِيّ عَن أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {فَأَما من أعْطى وَاتَّقَى وَصدق بِالْحُسْنَى فسنيسره لليسرى} قَالَ: أَبُو بكر الصّديق {وَأما من بخل وَاسْتغْنى وَكذب بِالْحُسْنَى} قَالَ: أَبُو سُفْيَان بن حَرْب
وَأخرج أَحْمد وَعبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَابْن مرْدَوَيْه وَابْن جرير عَن عَليّ بن أبي طَالب قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي جَنَازَة فَقَالَ: مَا مِنْكُم من أحد إِلَّا وَقد كتب مَقْعَده من الْجنَّة ومقعده من النَّار فَقَالُوا يَا رَسُول الله أَفلا نَتَّكِل قَالَ: اعْمَلُوا فَكل ميسر لما خلق لَهُ أما من كَانَ من أهل السَّعَادَة فييسر لعمل أهل السَّعَادَة وَأما من كَانَ من أهل الشَّقَاء فييسر لعمل أهل الشَّقَاء ثمَّ قَرَأَ {فَأَما من أعْطى وَاتَّقَى} إِلَى قَوْله: {للعسرى}
وَأخرج ابْن جرير عَن أبي عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ قَالَ: لما نزلت هَذِه الْآيَة (إِنَّا كل شَيْء خلقناه بِقدر) (سُورَة الْقَمَر الْآيَة 49) قَالَ رجل: يَا رَسُول الله فَفِيمَ الْعَمَل أَفِي شَيْء نستأنفه أم فِي شَيْء قد فرغ مِنْهُ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: اعْمَلُوا فَكل ميسر نيسره لليسرى ونيسره للعسرى
وَأخرج الطستي فِي مسَائِله عَن ابْن عَبَّاس أَن نَافِع بن الْأَزْرَق سَأَلَهُ عَن قَوْله: {إِذا تردى} قَالَ: إِذا تردى وَدخل فِي النَّار نزلت فِي أبي جهل
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم أما سَمِعت قَول عدي بن زيد: خطفته منية فتردى وَهُوَ فِي الْملك يأمل التعميرا وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن قَتَادَة {إِذا تردى} قَالَ: فِي النَّار
وَأخرج ابْن أبي شيبَة {وَمَا يُغني عَنهُ مَاله إِذا تردى} قَالَ: فِي النَّار
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن(8/536)
مُجَاهِد فِي قَوْله: {إِذا تردى} قَالَ: إِذا مَاتَ وَفِي قَوْله: {نَارا تلظى} قَالَ: توهج
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن جرير عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {إِن علينا للهدى} يَقُول: على الله الْبَيَان بَيَان حَلَاله وَحَرَامه وطاعته ومعصيته
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَالْفراء وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه بِسَنَد صَحِيح عَن عبيد بن عُمَيْر أَنه قَرَأَ: فأنذرتكم نَارا تتلظى بالتاءين
وَأخرج ابْن جرير عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: لتدخلن الْجنَّة إِلَّا من يَأْبَى
قَالُوا وَمن يَأْبَى أَن يدْخل الْجنَّة فَقَرَأَ {الَّذِي كذب وَتَوَلَّى}
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن أبي حَاتِم وَابْن الْمُنْذر وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي أُمَامَة قَالَ: لَا يبْقى أحد من هَذِه الْأمة إِلَّا أدخلهُ الله الْجنَّة إِلَّا من شرد على الله كَمَا يشرد الْبَعِير السوء على أَهله فَمن لم يصدقني فَإِن الله تَعَالَى يَقُول: لَا يصلاها إِلَّا الأشقى الَّذِي كذب بِمَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَتَوَلَّى عَنهُ
وَأخرج أَحْمد وَالْحَاكِم عَن أبي أُمَامَة الْبَاهِلِيّ أَنه سُئِلَ عَن أَلين كلمة سَمعهَا من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: كلكُمْ يدْخل الْجنَّة إِلَّا من شرد على الله شرد الْبَعِير على أَهله
وَأخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: كل أمتِي تدخل الْجنَّة يَوْم الْقِيَامَة إِلَّا من أَبى
قَالُوا: وَمن يَأْبَى يَا رَسُول الله قَالَ: من أَطَاعَنِي دخل الْجنَّة وَمن عَصَانِي فقد أَبى
وَأخرج أَحْمد وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي أُمَامَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا يدْخل النَّار إِلَّا شقيّ
قيل: وَمن الشقي قَالَ: الَّذِي لَا يعْمل لله بِطَاعَة وَلَا يتْرك لله مَعْصِيّة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عُرْوَة أَن أَبَا بكر الصّديق أعتق سَبْعَة كلهم يعذب فِي الله بِلَال وعامر بن فهَيْرَة والنهدية وابنتها وزنيرة وَأم عِيسَى وَأمة بني المؤمل وَفِيه نزلت {وسيجنبها الأتقى} إِلَى آخر السُّورَة
وَأخرج أَحْمد وَمُسلم وَابْن حبَان وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن جَابر بن عبد الله: أَن سراقَة بن مَالك قَالَ: يَا رَسُول الله أَفِي أَي شَيْء نعمل أَفِي شَيْء(8/537)
ثبتَتْ فِيهِ الْمَقَادِير وَجَرت فِيهِ الأقلام أم فِي شَيْء نستقبل فِيهِ الْعَمَل قَالَ: بل فِي شَيْء ثبتَتْ فِيهِ الْمَقَادِير وَجَرت فِيهِ الأقلام
قَالَ سراقَة: فَفِيمَ الْعَمَل إِذن يَا رَسُول الله قَالَ: اعْمَلُوا فَكل ميسر لما خلق لَهُ وَقَرَأَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَذِه الْآيَة {فَأَما من أعْطى وَاتَّقَى} إِلَى قَوْله: {فسنيسره للعسرى}
وَأخرج ابْن قَانِع وَابْن شاهين وعبدان كلهم فِي الصَّحَابَة عَن بشير بن كَعْب الْأَسْلَمِيّ أَن سَائِلًا سَأَلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فيمَ الْعَمَل قَالَ: فِيمَا جَفتْ بِهِ الأقلام وَجَرت بِهِ الْمَقَادِير فاعملوا فَكل ميسر لما خلق لَهُ ثمَّ قَرَأَ {فَأَما من أعْطى وَاتَّقَى وَصدق بِالْحُسْنَى فسنيسره لليسرى}
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن عَامر بن عبد الله بن الزبير عَن أَبِيه قَالَ: قَالَ أَبُو قُحَافَة لأبي بكر: أَرَاك تعْتق رقاباً ضعافاً فَلَو أَنَّك إِذْ فعلت مَا فعلت أعتقت رجَالًا جلدا يمنعونك ويقومون دُونك فَقَالَ: يَا أَبَت إِنَّمَا أُرِيد وَجه الله فَنزلت هَذِه الْآيَة فِيهِ: {فَأَما من أعْطى وَاتَّقَى} إِلَى قَوْله: {وَمَا لأحد عِنْده من نعْمَة تجزى إِلَّا ابْتِغَاء وَجه ربه الْأَعْلَى ولسوف يرضى}
وَأخرج الْبَزَّار وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن عديّ وَابْن مرْدَوَيْه وَابْن عَسَاكِر من وَجه آخر عَن عَامر بن الزبير عَن أَبِيه قَالَ: نزلت هَذِه الْآيَة {وَمَا لأحد عِنْده من نعْمَة تجزى إِلَّا ابْتِغَاء وَجه ربه الْأَعْلَى ولسوف يرضى} فِي أبي بكر الصّديق
وَأخرج ابْن جرير عَن سعيد قَالَ: نزلت {وَمَا لأحد عِنْده من نعْمَة تجزى} فِي أبي بكر أعتق نَاسا لم يلْتَمس مِنْهُم جَزَاء وَلَا شكُورًا سِتَّة أَو سَبْعَة مِنْهُم بِلَال وعامر بن فهَيْرَة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وسيجنبها الأتقى} قَالَ: هُوَ أَبُو بكر الصّديق
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {وَمَا لأحد عِنْده من نعْمَة تجزى} يَقُول: لَيْسَ بِهِ مثابة النَّاس وَلَا مجازاتهم إِنَّمَا عطيته لله(8/538)
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
93
سُورَة الضُّحَى
مَكِّيَّة وآياتها إِحْدَى عشرَة
مُقَدّمَة السُّورَة
الْآيَة 1 - 11(8/539)
وَالضُّحَى (1) وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى (2) مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى (3) وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى (4) وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى (5) أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى (6) وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى (7) وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى (8) فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ (9) وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ (10) وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (11)
أخرج ابْن الضريس والنحاس وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: نزلت سُورَة الضُّحَى بِمَكَّة
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان من طَرِيق أبي الْحسن البزي الْمقري قَالَ: سَمِعت عِكْرِمَة بن سُلَيْمَان يَقُول: قَرَأت على اسماعيل بن قسطنطين فَلَمَّا بلغت {وَالضُّحَى} قَالَ: كبر عِنْد خَاتِمَة كل سُورَة حَتَّى تختم فَإِنِّي قَرَأت على عبد الله بن كثير فَلَمَّا بلغت {وَالضُّحَى} قَالَ: كبر حَتَّى تختم وَأخْبرهُ عبد الله بن كثير أَنه قَرَأَ على مُجَاهِد فَأمره بذلك وَأخْبرهُ مُجَاهِد أَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أمره بذلك وَأخْبرهُ ابْن عَبَّاس أَن أبيّ بن كَعْب أمره بذلك وَأخْبرهُ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أخبرهُ بذلك
وَأخرج أَحْمد وَعبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير وَالطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم مَعًا فِي الدَّلَائِل عَن جُنْدُب البَجلِيّ قَالَ: اشْتَكَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم(8/539)
فَلم يقم لَيْلَتَيْنِ أَو ثَلَاثًا فَأَتَتْهُ امْرَأَة فَقَالَت: يَا مُحَمَّد مَا أرى شَيْطَانك إِلَّا قد بركك لم تره قربك لَيْلَتَيْنِ أَو ثَلَاثًا فَأنْزل الله {وَالضُّحَى وَاللَّيْل إِذا سجى مَا وَدعك رَبك وَمَا قلى}
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَسَعِيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن جُنْدُب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أَبْطَأَ جِبْرِيل على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ الْمُشْركُونَ: قد ودع مُحَمَّد فَأنْزل الله {مَا وَدعك رَبك وَمَا قلى}
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن جُنْدُب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: احْتبسَ جِبْرِيل عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَت بعض بَنَات عَمه: مَا أرى صَاحبك إِلَّا قد قلاك
فَنزلت: {وَالضُّحَى} إِلَى {وَمَا قلى}
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَابْن أبي حَاتِم وَاللَّفْظ لَهُ عَن جُنْدُب قَالَ: رمي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِحجر فِي أُصْبُعه فَقَالَ: هَل أَنْت إِلَّا أصْبع دميت وَفِي سَبِيل الله مَا لقِيت فَمَكثَ لَيْلَتَيْنِ أَو ثَلَاثًا لايقوم فَقَالَت لَهُ امْرَأَة: مَا أرى شَيْطَانك إِلَّا قد تَركك فَنزلت {وَالضُّحَى وَاللَّيْل إِذا سجى مَا وَدعك رَبك وَمَا قلى}
وَأخرج الْحَاكِم عَن زيد بن أَرقم رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما نزلت (تبت يدا أبي لَهب وَتب مَا أغْنى) (سُورَة المسد الْآيَة 1) إِلَى (وَامْرَأَته حمالَة الْحَطب) (سُورَة المسد الْآيَة 4) فَقيل لامْرَأَة أبي لَهب: إِن مُحَمَّدًا قد هجاك
فَأَتَت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ جَالس فِي الملاء فَقَالَت: يَا مُحَمَّد علام تهوجون قَالَ: إِنِّي وَالله مَا هجوتك مَا هجاك إِلَّا الله
فَقَالَت: هَل رَأَيْتنِي أحمل حطباً أَو رَأَيْت فِي جيدي حبلاً من مسد ثمَّ انْطَلَقت
فَمَكثت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَيَّامًا لَا ينزل عَلَيْهِ فَأَتَتْهُ فَقَالَت: مَا أرى صَاحبك إِلَّا قد وَدعك وَقَلَاكَ فَأنْزل الله {وَالضُّحَى وَاللَّيْل إِذا سجى مَا وَدعك رَبك وَمَا قلى}
وَأخرج ابْن جرير عَن عبد الله بن شَدَّاد رَضِي الله عَنهُ أَن خَدِيجَة قَالَت للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا أرى رَبك إِلَّا قد قلاك فَأنْزل الله {وَالضُّحَى وَاللَّيْل إِذا سجى مَا وَدعك رَبك وَمَا قلى}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن عُرْوَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أَبْطَأَ جِبْرِيل عَن(8/540)
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فجزع جزعاً شَدِيدا فَقَالَت خَدِيجَة: أرى رَبك قد قلاك مِمَّا يرى من جزعك فَنزلت {وَالضُّحَى} إِلَى آخرهَا
وَأخرج الْحَاكِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل من طَرِيق عُرْوَة عَن خَدِيجَة قَالَت: لما أَبْطَأَ على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْوَحْي جزع من ذَلِك فَقلت لَهُ مِمَّا رَأَيْت من جزعه: لقد قلاك رَبك مِمَّا يرى من جزعك فَأنْزل الله {مَا وَدعك رَبك وَمَا قلى}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق الْعَوْفِيّ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: لما نزل على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْقُرْآن أَبْطَأَ عَنهُ جِبْرِيل أَيَّامًا فَعير بذلك فَقَالَ الْمُشْركُونَ: ودعه ربه وقلاه فَأنْزل الله {وَالضُّحَى وَاللَّيْل إِذا سجى} يَعْنِي أقبل {مَا وَدعك رَبك وَمَا قلى}
وَأخرج ابْن جرير نَحوه من مُرْسل قَتَادَة وَالضَّحَّاك
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وَالضُّحَى} قَالَ: سَاعَة من سَاعَات النَّهَار {وَاللَّيْل إِذا سجى} قَالَ: سكن بِالنَّاسِ
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {وَاللَّيْل إِذا سجى} قَالَ: إِذا اسْتَوَى
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ {إِذا سجى} قَالَ: إِذا لبس النَّاس
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {إِذا سجى} قَالَ: إِذا أقبل
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ {وَاللَّيْل إِذا سجى} قَالَ: إِذا أقبل فَغطّى كل شَيْء
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن الْمُنْذر مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {إِذا سجى} قَالَ: إِذا ذهب {مَا وَدعك رَبك} قَالَ: مَا تَركك {وَمَا قلى} قَالَ: مَا أبغضك
وَأخرج ابْن أبي شيبَة فِي مُسْنده وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أم حَفْص عَن أمهَا وَكَانَت خَادِم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن جرواً دخل بَيت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَدخل تَحت(8/541)
السرير فَمَاتَ فَمَكثَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَرْبَعَة أَيَّام لَا ينزل عَلَيْهِ الْوَحْي فَقَالَ: يَا خَوْلَة مَا حدث فِي بَيت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جِبْرِيل لَا يأتيني
فَقلت يَا نَبِي الله مَا أَتَى علينا يَوْم خير منا الْيَوْم فَأخذ برده فلبسه وَخرج فَقلت فِي نَفسِي: لَو هيأت الْبَيْت وكنسته فَأَهْوَيْت بالمكنسة تَحت السرير فَإِذا بِشَيْء ثقيل فَلم أزل حَتَّى بدا لي الجرو مَيتا فَأَخَذته بيَدي فألقيته خلف الدَّار فجَاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ترْعد لحيته وَكَانَ إِذا نزل عَلَيْهِ أَخَذته الرعدة فَقَالَ: يَا خَوْلَة دثريني فَأنْزل الله عَلَيْهِ {وَالضُّحَى وَاللَّيْل إِذا سجى} إِلَى قَوْله: {فترضى}
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: عرض عَليّ مَا هُوَ مَفْتُوح لأمتي بعدِي فسرني فَأنْزل الله {وللآخرة خير لَك من الأولى}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم كِلَاهُمَا فِي الدَّلَائِل عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: عرض على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا هُوَ مَفْتُوح على أمته من بعده كفرا كفرا فسر بذلك فَأنْزل الله {ولسوف يعطيك رَبك فترضى} فَأعْطَاهُ فِي الْجنَّة ألف قصر من لُؤْلُؤ ترابه الْمسك فِي كل قصر مَا يَنْبَغِي لَهُ من الْأزْوَاج والخدم
وَأخرج ابْن جرير من طَرِيق السّديّ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {ولسوف يعطيك رَبك فترضى} قَالَ: من رضَا مُحَمَّد أَن لَا يدْخل أحد من أهل بَيته النَّار
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان من طَرِيق سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {ولسوف يعطيك رَبك فترضى} قَالَ: رِضَاهُ أَن تدخل أمته الْجنَّة كلهم
وَأخرج الْخَطِيب فِي تَلْخِيص الْمُتَشَابه من وَجه آخر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {ولسوف يعطيك رَبك فترضى} قَالَ: لَا يرضى مُحَمَّد وَاحِد من أمته فِي النَّار
وَأخرج مُسلم عَن ابْن عَمْرو رَضِي الله عَنهُ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَلا قَول الله فِي إِبْرَاهِيم (فَمن تَبِعنِي فَإِنَّهُ مني) (سُورَة إِبْرَاهِيم الْآيَة 36) وَقَول عِيسَى (إِن تُعَذبهُمْ فَإِنَّهُم عِبَادك) (سُورَة النِّسَاء الْآيَة 118) الْآيَة
فَرفع(8/542)
يَدَيْهِ وَقَالَ: اللَّهُمَّ أمتِي أمتِي وَبكى فَقَالَ الله: يَا جِبْرِيل اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّد فَقل لَهُ: إِنَّا سنرضيك فِي أمتك وَلَا نسوءك
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية من طَرِيق حَرْب بن شُرَيْح رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قلت لأبي جَعْفَر مُحَمَّد بن عَليّ بن الْحُسَيْن: أَرَأَيْت هَذِه الشَّفَاعَة الَّتِي يتحدث بهَا أهل الْعرَاق أَحَق هِيَ قَالَ: إِي وَالله حَدثنِي عمي مُحَمَّد بن الحنفيه عَن عَليّ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: أشفع لأمتي حَتَّى يناديني رَبِّي أرضيت يَا مُحَمَّد فَأَقُول: نعم يَا رب رضيت
ثمَّ أقبل عَليّ فَقَالَ: إِنَّكُم تَقولُونَ يَا معشر أهل الْعرَاق إِن أَرْجَى آيَة فِي كتاب الله (يَا عبَادي الَّذين أَسْرفُوا على أنفسهم لَا تقنطوا من رَحْمَة الله إِن الله يغْفر الذُّنُوب جَمِيعًا) (سُورَة الزمر الْآيَة 53) قلت: إِنَّا لنقول ذَلِك
قَالَ فكلنا أهل الْبَيْت نقُول: إِن أَرْجَى آيَة فِي كتاب الله {ولسوف يعطيك رَبك فترضى} وَهِي الشَّفَاعَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ أَنه سُئِلَ عَن قَوْله: {ولسوف يعطيك رَبك فترضى} قَالَ: هِيَ الشَّفَاعَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِنَّا أهل بَيت اخْتَار الله لنا الْآخِرَة على الدُّنْيَا {ولسوف يعطيك رَبك فترضى}
وَأخرج العسكري فِي المواعظ وَابْن مرْدَوَيْه وَابْن لال وَابْن النجار عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: دخل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على فَاطِمَة وَهِي تطحن بالرحى وَعَلَيْهَا كسَاء من حَملَة الإِبل فَلَمَّا نظر إِلَيْهَا قَالَ: يَا فَاطِمَة تعجلِي فتجرعي مرَارَة الدُّنْيَا لنعيم الْآخِرَة غَدا فَأنْزل الله {ولسوف يعطيك رَبك فترضى}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما نزلت {وللآخرة خير لَك من الأولى} قَالَ الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب: لَا يدع الله نبيه فِيكُم إِلَّا قَلِيلا لما هُوَ خير لَهُ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {ولسوف يعطيك رَبك فترضى} قَالَ: ذَلِك يَوْم الْقِيَامَة هِيَ الْجنَّة(8/543)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل وَابْن عَسَاكِر من طَرِيق مُوسَى بن عَليّ بن رَبَاح عَن أَبِيه رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كنت عِنْد مسلمة بن مخلد وَعِنْده عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ فتمثل مسلمة بِبَيْت من شعر أبي طَالب فَقَالَ: لَو أَن أَبَا طَالب رأى مَا نَحن فِيهِ الْيَوْم من نعْمَة الله وكرامته لعلم أَن ابْن أَخِيه سيد قد جَاءَ بِخَير كثير فَقَالَ عبد الله: ويومئذ قد كَانَ سيداً كَرِيمًا قد جَاءَ بِخَير كثير فَقَالَ مسلمة: ألم يقل الله {ألم يجدك يَتِيما فآوى ووجدك ضَالًّا فهدى ووجدك عائلاً فأغنى} فَقَالَ عبد الله: أما الْيَتِيم فقد كَانَ يَتِيما من أَبَوَيْهِ وَأما الْعيلَة فَكل مَا كَانَ بأيدي الْعَرَب إِلَى الْقلَّة
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن ابْن شهَاب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: بعث عبد الْمطلب ابْنه عبد الله يمتار لَهُ تَمرا من يثرب فَتوفي عبد الله وَولدت آمِنَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَكَانَ فِي حجر جده عبد الْمطلب
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَأَبُو نعيم وَالْبَيْهَقِيّ كِلَاهُمَا فِي الدَّلَائِل وَابْن مرْدَوَيْه وَابْن عَسَاكِر رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: سَأَلت رَبِّي مَسْأَلَة ووددت أَنِّي لم أكن سَأَلته فَقلت: قد كَانَت قبلي الْأَنْبِيَاء مِنْهُم من سخرت لَهُ الرّيح وَمِنْهُم من كَانَ يحيي الْمَوْتَى فَقَالَ تَعَالَى: يَا مُحَمَّد ألم أجدك يَتِيما فآويتك ألم أجدك ضَالًّا فهديتك ألم أجدك عائلاً فأغنيتك ألم أشرح لَك صدرك ألم أَضَع عَنْك وزرك ألم أرفع لَك ذكرك قلت: بلَى يَا رب
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: سَأَلت رَبِّي شَيْئا وددت أَنِّي لم أكن سَأَلته قلت: يَا رب كل الْأَنْبِيَاء فَذكر سُلَيْمَان بِالرِّيحِ وَذكر مُوسَى فَأنْزل الله {ألم يجدك يَتِيما فآوى}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه والديلمي عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: لما نزلت {وَالضُّحَى} على رسو ل الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يمن عليّ رَبِّي وَأهل أَن يمن رَبِّي وَالله أعلم
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {ووجدك ضَالًّا فهدى} قَالَ: وَجدك بَين ضَالِّينَ فاستنقذك من ضلالتهم
أخرج ابْن جرير عَن سُفْيَان {ووجدك عائلاً} قَالَ: فَقير وَذكر أَنَّهَا فِي مصحف ابْن مَسْعُود ووجدك عديماً فآوى(8/544)
وَأخرج ابْن الْأَنْبَارِي فِي المصاحب عَن الْأَعْمَش قَالَ: قِرَاءَة ابْن مَسْعُود ووجدك عديماً فأغنى
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد {فَأَما الْيَتِيم فَلَا تقهر} قَالَ: لَا تحقره وَذكر أَن فِي مصحف عبد الله فَلَا تَكْهَر وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد {فَلَا تقهر} قَالَ: فَلَا تظلم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة {فَأَما الْيَتِيم فَلَا تقهر} يَقُول: لَا تظلمه
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة {فَأَما الْيَتِيم فَلَا تقهر} قَالَ: كن للْيَتِيم كأب رَحِيم {وَأما السَّائِل فَلَا تنهر} قَالَ: رد السَّائِل برحمة ولين
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سُفْيَان {وَأما السَّائِل فَلَا تنهر} قَالَ: من جَاءَ يَسْأَلك عَن أَمر دينه فَلَا تَنْهَرهُ وَالله أعلم
أخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد {وَأما بِنِعْمَة رَبك فَحدث} قَالَ: بالنبوّة الَّتِي أَعْطَاك رَبك
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد {وَأما بِنِعْمَة رَبك فَحدث} قَالَ: بِالْقُرْآنِ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن مقسم قَالَ: لقِيت الْحسن بن عَليّ بن أبي طَالب فصافحته فَقَالَ: التقابل مصافحة الْمُؤمن
قلت أَخْبرنِي عَن قَوْله: {وَأما بِنِعْمَة رَبك فَحدث} قَالَ: الرجل الْمُؤمن يعْمل عملا صَالحا فيخبر بِهِ أهل بَيته
قلت أَي الْأَجَليْنِ قضى مُوسَى الأول أوة الآخر قَالَ: الآخر
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم من وَجه آخر عَن الْحسن بن عَليّ فِي قَوْله: {وَأما بِنِعْمَة رَبك فَحدث} قَالَ: إِذا أصبت خيرا فَحدث إخوانك
وَأخرج ابْن جرير عَن أبي نَضرة قَالَ: كَانَ الْمُسلمُونَ يرَوْنَ أَن من شكر النِّعْمَة أَن يحدث بهَا
وَأخرج عبد الله بن أَحْمد فِي زَوَائِد الْمسند وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان بِسَنَد ضَعِيف عَن أنس بن بشير قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على الْمِنْبَر: من لم يشْكر الْقَلِيل لم يشْكر الْكثير وَمن لم يشْكر النَّاس لم يشْكر الله والتحدث بِنِعْمَة الله شكر وَتركهَا كفر وَالْجَمَاعَة رَحْمَة(8/545)
وَأخرج ابْن دَاوُد عَن جَابر بن عبد الله عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: من أبلى بلَاء فَذكره فقد شكره وَإِن كتمه فقد كفره وَمن تحلى بِمَا لم يُعْط فَإِنَّهُ كلابس ثوب زور
وَأخرج أَحْمد وَأَبُو دَاوُد عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من أعْطى عَطاء فَوَجَدَهُ فليخبر بِهِ فَإِن لم يجد فليثن بِهِ فَمن أثنى بِهِ فقد شكره وَمن كتمه فقد كفره
وَأخرج أَحْمد وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَالْبَيْهَقِيّ عَن عَائِشَة قَالَت: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من أولى مَعْرُوفا فليكافئ بِهِ فَإِن لم يسْتَطع فليذكره فَإِن من ذكره فقد شكره
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من أولى مَعْرُوفا فليكافئ بِهِ فَإِن لم يسْتَطع فليذكره فَإِن من ذكره فقد شكره
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور عَن عمر بن عبد الْعَزِيز قَالَ: إِن ذكر النِّعْمَة شكر
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن الْحسن قَالَ: أَكثر وَاذْكُر هَذِه النِّعْمَة فَإِن ذكرهَا شكر
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن الْجريرِي قَالَ: كَانَ يُقَال: إِن تعداد النعم من الشُّكْر
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن يحيى بن سعيد قَالَ: كَانَ يُقَال: تعداد النعم من الشُّكْر
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالْبَيْهَقِيّ عَن قَتَادَة قَالَ: من شكر النِّعْمَة إفشاؤها
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن فُضَيْل بن عِيَاض قَالَ: كَانَ يُقَال: من شكر النِّعْمَة أَن يحدث بهَا
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن أبي الْحوَاري قَالَ: جلس فُضَيْل بن عِيَاض وسُفْيَان بن عُيَيْنَة لَيْلَة إِلَيّ الصَّباح يتذاكران النعم أنعم الله علينا فِي كَذَا أنعم الله علينا فِي كَذَا
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عنأبي الْأسود الدؤَلِي وزاذان الْكِنْدِيّ قَالَا: قُلْنَا لعَلي: حَدثنَا عَن أَصْحَابك
فَذكر مناقبهم
قُلْنَا: فحدثنا عَن نَفسك
قَالَ: مهلا نهى الله عَن التَّزْكِيَة
فَقَالَ لَهُ رجل: فَإِن الله يَقُول {وَأما بِنِعْمَة رَبك فَحدث} قَالَ: فَإِنِّي أحدث بِنِعْمَة رَبِّي كنت وَالله إِذا سَأَلت أَعْطَيْت وَإِذا سكت ابتدئت(8/546)
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
94
سُورَة الشَّرْح
مَكِّيَّة وأياتها ثَمَان
مُقَدّمَة السُّورَة أخرج ابْن الضريس والنحاس وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: نزلت سُورَة {ألم نشرح} بِمَكَّة
زَاد بَعضهم: بعد (الضُّحَى
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عبد الله بن الزبير قَالَ: أنزلت {ألم نشرح} بِمَكَّة
وأخرخ ابْن مرْدَوَيْه عَن عَائِشَة قَالَت: نزلت سُورَة {ألم نشرح} بِمَكَّة
الْآيَة 1 - 8(8/547)
أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1) وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ (2) الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ (3) وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (4) فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (6) فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (7) وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ (8)
أخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {ألم نشرح لَك صدرك} قَالَ: شرح الله صَدره للإِسلام
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن الْحسن {ألم نشرح لَك صدرك} قَالَ: مَلِيء حلماً وعلماً {ووضعنا عَنْك وزرك الَّذِي أنقض ظهرك} قَالَ: الَّذِي أثقل الْحمل {ورفعنا لَك ذكرك} قَالَ: إِذا ذكرت ذكرت معي
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن إِبْرَاهِيم بن طهْمَان قَالَ: سَأَلت سَعْدا عَن قَوْله: {ألم نشرح لَك صدرك} فَحَدثني بِهِ عَن قَتَادَة عَن أنس قَالَ: شقّ بَطْنه من عِنْد(8/547)
صَدره إِلَى أَسْفَل بَطْنه فاستخرج من قلبه فَغسل فِي طست من ذهب ثمَّ ملئ إِيمَانًا وَحِكْمَة ثمَّ أُعِيد مَكَانَهُ
وَأخرج عبد الله بن أَحْمد فِي زَوَائِد الزّهْد عَن أبي بن كَعْب أَن أَبَا هُرَيْرَة قَالَ: يَا رَسُول الله مَا أول مَا رَأَيْت من أَمر النُّبُوَّة فَاسْتَوَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جَالِسا وَقَالَ: لقد سَأَلت أَبَا هُرَيْرَة إِنِّي لفي صحراء ابْن عشْرين سنة وأشهراً إِذا بِكَلَام فَوق رَأْسِي وَإِذا رجل يَقُول لرجل: أهوَ هُوَ فاستقبلاني بِوُجُوه لم أرها لخلق قطّ وأرواح لم أَجدهَا فِي خلق قطّ وَثيَاب لم أَجدهَا على أحد قطّ فَأَقْبَلَا إليّ يمشيان حَتَّى أَخذ كل وَاحِد مِنْهُمَا بعضدي لَا أجد لأخذهما مسّاً فَقَالَ أَحدهمَا لصَاحبه: أضجعه
فأضجعني بِلَا قصر وَلَا هصر فَقَالَ أَحدهمَا: افلق صَدره فخوّى أَحدهمَا إِلَى صَدْرِي ففلقه فِيمَا أرى بِلَا دم وَلَا وجع فَقَالَ لَهُ: أخرج الغل والحسد
فَأخْرج شَيْئا كَهَيئَةِ الْعلقَة ثمَّ نبذها فطرحها فَقَالَ لَهُ: أَدخل الرأفة وَالرَّحْمَة فَإِذا مثل الَّذِي أخرج شبه الْفضة ثمَّ هز ابهام رجْلي الْيُمْنَى
وَقَالَ: اغدوا سلم (اغْدُ واسلم) فَرَجَعت بهَا أغدو بهَا رقة على الصَّغِير وَرَحْمَة للكبير
وَأخرج أَحْمد عَن عتبَة بن عبد السّلمِيّ أَن رجلا سَأَلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: كَيفَ كَانَ أول شَأْنك يَا رَسُول الله قَالَ: كَانَت حاضنتي بنت سعد بن بكر
أخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد {ووضعنا عَنْك وزرك} قَالَ: ذَنْبك {الَّذِي أنقض ظهرك} قَالَ: أثقل
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن شُرَيْح بن عبيد الْحَضْرَمِيّ {ووضعنا عَنْك وزرك} قَالَ: وغفرنا لَك ذَنْبك
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد قَالَ: فِي قِرَاءَة عبد الله وحللنا عَنْك وقرك
أخرج الشَّافِعِي فِي الرسَالَة وَعبد الرَّزَّاق وَالْفِرْيَابِي وَسَعِيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {ورفعنا لَك ذكرك} قَالَ: لَا أذكر إِلَّا ذكرت معي أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن قَتَادَة {ورفعنا لَك ذكرك} قَالَ: رفع الله ذكره فِي الدُّنْيَا والأخرة فَلَيْسَ خطيب وَلَا(8/548)
متشهد وَلَا صَاحب صَلَاة إِلَّا يُنَادي أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن عَسَاكِر وَابْن الْمُنْذر عَن مُحَمَّد بن كَعْب فِي الْآيَة قَالَ: إِذا ذكر الله ذكر مَعَه أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله
وَأخرج عبد بن حميد عَن الضَّحَّاك {ورفعنا لَك ذكرك} قَالَ: إِذا ذكرت ذكرت معي وَلَا تجوز خطْبَة وَلَا نِكَاح إِلَّا بذكرك معي
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن الْحسن فِي قَوْله: {ورفعنا لَك ذكرك} قَالَ: أَلا ترى أَن الله لَا يذكر فِي مَوضِع إِلَّا ذكر مَعَه نبيه
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن الْحسن {ورفعنا لَك ذكرك} قَالَ: إِذا ذكر الله ذكر رَسُوله
وَأخرج أَبُو يعلى وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن حبَان وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم فِي الدَّلَائِل عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: أَتَانِي جِبْرِيل فَقَالَ: إِن رَبك يَقُول: تَدْرِي كَيفَ رفعت ذكرك قلت: الله أعلم
قَالَ: إِذا ذكرت ذكرت معي
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عدي بن ثَابت قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: سَأَلت رَبِّي مَسْأَلَة وددت أَنِّي لم أكن سَأَلته
قلت: أَي رب اتَّخذت إِبْرَاهِيم خَلِيلًا وَكلمت مُوسَى تكليماً
قَالَ: يَا مُحَمَّد ألم أجدك يَتِيما فآويت وضالاً فهديت وعائلاً فأغنيت وشرحت لَك صدرك وحططت عَنْك وزرك وَرفعت لَك ذكرك فَلَا أذكر إِلَّا ذكرت معي واتخذتك خَلِيلًا
وَأخرج أَبُو نعيم فِي الدَّلَائِل عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لما فرغت من أَمر السَّمَوَات وَالْأَرْض قلت يَا رب: إِنَّه لم يكن نَبِي قبلي إِلَّا وَقد كرّمته اتَّخذت إِبْرَاهِيم خَلِيلًا ومُوسَى كليماً وسخرت لداود الْجبَال ولسليمان الرّيح وَالشَّيَاطِين وأحييت لعيسى الْمَوْتَى فَمَا جعلت لي قَالَ: أوليس قد أَعطيتك أفضل من ذَلِك كُله أَن لَا أذكر إِلَّا ذكرت معي وَجعلت صُدُور أمتك أناجيل يقرؤون الْقُرْآن ظَاهرا وَلم أعْطهَا أمة وأعطيتك كنزاً من كنوز عَرْشِي: لَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه
وَأخرج ابْن عَسَاكِر من طَرِيق الْكَلْبِيّ عَن أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس {ورفعنا لَك ذكرك}(8/549)
قَالَ: لَا يذكر الله إِلَّا ذكرت مَعَه
أخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {فَإِن مَعَ الْعسر يسرا} قَالَ: اتبع الْعسر يسرا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {فَإِن مَعَ الْعسر يسرا إِن مَعَ الْعسر يسرا} قَالَ: ذكر لنا أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بشر بِهَذِهِ الْآيَة أَصْحَابه فَقَالَ: لن يغلب عسر يسرين
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جريروابن مرْدَوَيْه عَن الْحسن قَالَ: لما نزلت هَذِه الْآيَة {إِن مَعَ الْعسر يسرا} قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ابشروا أَتَاكُم الْيُسْر لن يغلب عسر يسرين
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: بعثنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَنحن ثلثمِائة أَو يزِيدُونَ علينا أَبُو عُبَيْدَة بن الْجراح لَيْسَ مَعنا من الحمولة إِلَّا مَا نركب فزودنا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جرابين من تمر فَقَالَ بَعْضنَا لبَعض: قد علم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَيْن تُرِيدُونَ وَقد علمْتُم مَا مَعكُمْ من الزَّاد فَلَو رجعتم إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فسألتموه أَن يزوّدكم فرجعنا إِلَيْهِ فَقَالَ: إِنِّي قد عرفت الَّذِي جئْتُمْ لَهُ وَلَو كَانَ عِنْدِي غير الَّذِي زوّدتكم لزوّدتكموه
فانصرفنا وَنزلت {فَإِن مَعَ الْعسر يسرا إِن مَعَ الْعسر يسرا} فَأرْسل نَبِي الله إِلَى بَعْضنَا فَدَعَاهُ فَقَالَ: أَبْشِرُوا فَإِن الله قد أوحى إليّ {فَإِن مَعَ الْعسر يسرا إِن مَعَ الْعسر يسرا} وَإِن يغلب عسر يسيرين
وَأخرج الْبَزَّار وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَالْحَاكِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن أنس بن مَالك قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جَالِسا وحياله حجر فَقَالَ: لَو جَاءَ الْعسر فَدخل هَذَا الْحجر لجاء الْيُسْر حَتَّى يدْخل عَلَيْهِ فيخرجه فَأنْزل الله {فَإِن مَعَ الْعسر يسرا إِن مَعَ الْعسر يسرا} وَلَفظ الطَّبَرَانِيّ: وتلا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {فَإِن مَعَ الْعسر يسرا إِن مَعَ الْعسر يسرا}
وَأخرج ابْن النجار من طَرِيق حميد بن حَمَّاد عَن عَائِذ عَن أنس أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ قَاعِدا ببقيع الفرقد فَنزل إِلَى حَائِط فَقَالَ: يَا معشر من حضر وَالله لَو كَانَت الْعسر جَاءَت تدخل الْحجر لجاءت الْيُسْر حَتَّى تخرجها فَأنْزل الله {فَإِن مَعَ الْعسر يسرا إِن مَعَ الْعسر يسرا}
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه بِسَنَد ضَعِيف عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: قَالَ رَسُول الله(8/550)
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لوكان الْعسر فِي حجر لدخل عَلَيْهِ الْيُسْر حَتَّى يُخرجهُ ثمَّ قَرَأَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {إِن مَعَ الْعسر يسرا}
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَسَعِيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي الصَّبْر وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: لَو كَانَ الْعسر فِي حجر لتَبعه الْيُسْر حَتَّى يدْخل عَلَيْهِ ليخرجه وَلنْ يغلب عسر يسرين إِن الله يَقُول: {فَإِن مَعَ الْعسر يسرا إِن مَعَ الْعسر يسرا}
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ عَن الْحسن قَالَ: خرج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمًا فَرحا مَسْرُورا وَهُوَ يضْحك وَيَقُول: لن يغلب عسر يسرين {فَإِن مَعَ الْعسر يسرا إِن مَعَ الْعسر يسرا}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن قَالَ: كَانُوا يَقُولُونَ لَا يلغب عسر وَاحِد يسرين اثْنَيْنِ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه من طرق عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {فَإِذا فرغت فانصب} الْآيَة قَالَ: إِذا فرغت من الصَّلَاة فانصب فِي الدُّعَاء واسأل الله وارغب إِلَيْهِ
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {فَإِذا فرغت فانصب} الْآيَة قَالَ: قَالَ الله لرَسُوله: إِذا فرغت من صَلَاتك وتشهدت فانصب إِلَى رَبك واسأله حَاجَتك
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي الذّكر عَن ابْن مَسْعُود {فَإِذا فرغت فانصب} إِلَى الدُّعَاء {وَإِلَى رَبك فارغب} فِي الْمَسْأَلَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك قَالَ: كَانَ ابْن مَسْعُود يَقُول: أَيّمَا رجل أحدث فِي آخر صلَاته فقد تمت صلَاته وَذَلِكَ قَوْله: {فَإِذا فرغت فانصب} قَالَ: فراغك من الرُّكُوع وَالسُّجُود {وَإِلَى رَبك فارغب} قَالَ: فِي الْمَسْأَلَة وَأَنت جَالس
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن مَسْعُود {فَإِذا فرغت فانصب} قَالَ: إِذا فرغت من الْفَرَائِض فانصب فِي قيام اللَّيْل
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد {فَإِذا فرغت فانصب} قَالَ: إِذا جَلَست فاجتهد فِي الدُّعَاء وَالْمَسْأَلَة(8/551)
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن نصر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {فَإِذا فرغت فانصب} قَالَ: إِذا فرغت من أَسبَاب نَفسك فصل {وَإِلَى رَبك فارغب} قَالَ: اجْعَل رغبتك إِلَى رَبك
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة {فَإِذا فرغت فانصب} قَالَ: إِذا فرغت من صَلَاتك فانصب فِي الدُّعَاء
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن نصر عَن الضَّحَّاك {فَإِذا فرغت} قَالَ: من الصَّلَاة الْمَكْتُوبَة {وَإِلَى رَبك فارغب} قَالَ: فِي الْمَسْأَلَة وَالدُّعَاء وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة {فَإِذا فرغت فانصب وَإِلَى رَبك فارغب} قَالَ: أمره إِذا فرغ من الصَّلَاة أَن يرغب فِي الدُّعَاء إِلَى ربه وَقَالَ الْحسن: أمره إِذا فرغ من غَزوه أَن يجْتَهد فِي الْعِبَادَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن زيد بن أسلم {فَإِذا فرغت فانصب} قَالَ: إِذا فرغت من الْجِهَاد فتعبد(8/552)
95
سُورَة التِّين
مَكِّيَّة وآياتها ثَمَان أخرج ابْن الضريس والنحاس وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: أنزلت سُورَة التِّين {والتين} بِمَكَّة
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
الْآيَة 1 - 8(8/553)
وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (1) وَطُورِ سِينِينَ (2) وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ (3) لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4) ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ (5) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (6) فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ (7) أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ (8)
أخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عبد الله بن الزبير قَالَ: أنزلت سُورَة {والتين} بِمَكَّة
وَأخرج مَالك وَابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة عَن الْبَراء بن عَازِب قَالَ: كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي سفر فصلى الْعشَاء فَقَرَأَ فِي إِحْدَى الرَّكْعَتَيْنِ ب {والتين وَالزَّيْتُون} فَمَا سَمِعت أحدا أحسن صَوتا أَو قِرَاءَة مِنْهُ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة فِي المُصَنّف وَعبد بن حميد فِي مُسْنده وَالطَّبَرَانِيّ عَن عبد الله بن يزِيد أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَرَأَ فِي الْمغرب ب {والتين وَالزَّيْتُون}
وَأخرج الْخَطِيب عَن الْبَراء بن عَازِب قَالَ: صليت مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمغرب فَقَرَأَ {والتين وَالزَّيْتُون}(8/553)
وَأخرج ابْن قَانِع وَابْن السكن والشيرازي فِي الألقاب عَن زرْعَة بن خَليفَة قَالَ: أتيت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الْيَمَامَة فَعرض علينا الإِسلام فأسلمنا فَلَمَّا صلينَا الْغَدَاة قَرَأَ ب {والتين وَالزَّيْتُون} و {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَة الْقدر}
أخرج الْخَطِيب وَابْن عساكربسند فِيهِ مَجْهُول عَن الزُّهْرِيّ عَن أنس قَالَ: لما نزلت سُورَة {والتين} على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَرح بهَا فَرحا شَدِيدا حَتَّى تبين لنا شدَّة فرحه فسألنا ابْن عَبَّاس عَن تَفْسِيرهَا فَقَالَ: التِّين بِلَاد الشَّام وَالزَّيْتُون بِلَاد فلسطين {وطور سينين} الَّذِي كلم الله مُوسَى عَلَيْهِ {وَهَذَا الْبَلَد الْأمين} مَكَّة {لقد خلقنَا الإِنسان فِي أحسن تَقْوِيم} مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {ثمَّ رددناه أَسْفَل سافلين} عَبدة اللات والعزى {إِلَّا الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات فَلهم أجر غير ممنون} أَبُو بكر وَعمر وَعُثْمَان وَعلي {فَمَا يكذبك بعد بِالدّينِ أَلَيْسَ الله بِأَحْكَم الْحَاكِمين} إِذا بَعثك فيهم نَبيا وجمعك على التَّقْوَى يَا مُحَمَّد
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {والتين} قَالَ: مَسْجِد نوح الَّذِي بني بِأَعْلَى الجودي {وَالزَّيْتُون} قَالَ: بَيت الْمُقَدّس {وطور سينين} قَالَ: مَسْجِد الطّور {وَهَذَا الْبَلَد الْأمين} قَالَ: مَكَّة {لقد خلقنَا الإِنسان فِي أحسن تَقْوِيم ثمَّ رددناه أَسْفَل سافلين} يَقُول: يرد إِلَى أرذل الْعُمر كبر حَتَّى ذهب عقله هم نفر كَانُوا على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَسئلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين تسفهت عُقُولهمْ فَأنْزل الله عذرهمْ أَن لَهُم أجرهم الَّذِي عمِلُوا قبل أَن تذْهب عُقُولهمْ {فَمَا يكذبك بعد بِالدّينِ} يَقُول: بِحكم الله
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {والتين وَالزَّيْتُون} قَالَ: هما المسجدان مَسْجِد الْحَرَام وَمَسْجِد الْأَقْصَى حَيْثُ أسرِي بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وطور سينين} الْجَبَل الَّذِي صعده مُوسَى {وَهَذَا الْبَلَد الْأمين} مَكَّة {لقد خلقنَا الإِنسان فِي أحسن تَقْوِيم} قَالَ: فِي انتصاب لم يخلق منكبّاً على وَجهه {ثمَّ رددناه أَسْفَل سافلين} قَالَ: أرذل الْعُمر
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن عَسَاكِر عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {والتين} قَالَ: التِّين الْجَبَل الَّذِي عَلَيْهِ دمشق {وَالزَّيْتُون} الَّذِي عَلَيْهِ بَيت الْمُقَدّس {وطور سينين} قَالَ: جبل بِالشَّام مبارك حسن ذُو شجر {وَهَذَا الْبَلَد الْأمين} قَالَ: مَكَّة {لقد خلقنَا الإِنسان فِي أحسن تَقْوِيم} قَالَ:(8/554)
وَقع الْقسم هَهُنَا {ثمَّ رددناه أَسْفَل سافلين} قَالَ: جَهَنَّم {فَمَا يكذبك بعد بِالدّينِ} يَقُول: استيقن فقد جَاءَك من الله الْبَيَان
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي عبد الله الْفَارِسِي قَالَ: {والتين} مَسْجِد دمشق {وَالزَّيْتُون} بَيت الْمُقَدّس {وطور سينين} جبل مُوسَى {وَهَذَا الْبَلَد الْأمين} الْبَلَد الْحَرَام
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن مُحَمَّد بن كَعْب قَالَ: {والتين} مَسْجِد أَصْحَاب الْكَهْف {وَالزَّيْتُون} مَسْجِد إيليا {وطور سينين} مَسْجِد الطّور {وَهَذَا الْبَلَد الْأمين} مَكَّة
وَأخرج عبد بن حميد عَن الضَّحَّاك {والتين وَالزَّيْتُون} مسجدان بِالشَّام {وطور سينين} قَالَ: الطّور الْجَبَل وسينين الْحسن
وَأخرج ابْن الضريس وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن عَسَاكِر عَن كَعْب الْأَحْبَار فِي قَوْله: {والتين} الْآيَة قَالَ: {والتين} دمشق {وَالزَّيْتُون} بَيت الْمُقَدّس {وطور سينين} الَّذِي كلم الله عَلَيْهِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام {وَهَذَا الْبَلَد الْأمين} مَكَّة
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور عَن أبي حبيب الْحَارِث بن مُحَمَّد قَالَ: أَرْبَعَة جبال مُقَدَّسَة بَين يَدي الله تَعَالَى: طور زيتا وطور سينا وطور تينا وطور تيما
وَهُوَ قَول الله: {والتين وَالزَّيْتُون وطور سينين وَهَذَا الْبَلَد الْأمين} فَأَما طور زيتا فبيت الْمُقَدّس وَأما طور سينا فالطور وَأما طور تينا فدمشق وَأما طور تيما فمكة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن زيد بن ميسرَة مثله
وَفِيه وطور سينا حَيْثُ كلم الله مُوسَى
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن الحكم {والتين} دمشق {وَالزَّيْتُون} فلسطين {وَهَذَا الْبَلَد الْأمين} مَكَّة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس {والتين وَالزَّيْتُون} قَالَ: الْفَاكِهَة الَّتِي يأكلها النَّاس {وطور سينين}(8/555)
قَالَ: الطّور الْجَبَل وسينين الْمُبَارك
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد {والتين وَالزَّيْتُون} قَالَ: الْفَاكِهَة الَّتِي يَأْكُل النَّاس {وطور سينين} قَالَ: الطّور الْجَبَل وسينين الْمُبَارك {وَهَذَا الْبَلَد الْأمين} قَالَ: مَكَّة {لقد خلقنَا الإِنسان فِي أحسن تَقْوِيم} قَالَ: فِي أحسن صُورَة {ثمَّ رددناه أَسْفَل سافلين} قَالَ: فِي النَّار {إِلَّا الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات} قَالَ: إِلَّا من آمن {فَلهم أجر غير ممنون} قَالَ: غير مَحْسُوب
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله: {وطور سينين} قَالَ: هُوَ الْحسن
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: {سينين} هُوَ الْحسن بِلِسَان الْحَبَشَة
وَأخرج عبد بن حميد عَن الرّبيع فِي قَوْله: {والتين وَالزَّيْتُون وطور سينين} قَالَ: الْجَبَل الَّذِي عَلَيْهِ التِّين وَالزَّيْتُون
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن جَابر بن عبد الله أَن خُزَيْمَة بن ثَابت وَلَيْسَ بِالْأَنْصَارِيِّ سَأَلَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الْبَلَد الْأمين فَقَالَ: مَكَّة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْأَنْبَارِي فِي الْمَصَاحِف عَن عَمْرو بن مَيْمُون قَالَ: صليت خلف عمر بن الْخطاب الْمغرب فَقَرَأَ فِي الرَّكْعَة الأولى: والتين وَالزَّيْتُون وطور سينا قَالَ: وَهَكَذَا هِيَ قِرَاءَة عبد الله وَقَرَأَ فِي الرَّكْعَة الثَّانِيَة (ألم تَرَ كَيفَ فعل رَبك بأصحاب الْفِيل) (سُورَة الْفِيل الْآيَة 1) و {لِإِيلَافِ قُرَيْش} سُورَة قُرَيْش الْآيَة 1 جمع بَينهمَا وَرفع صورته فقدرت أَنه رفع صورته تَعْظِيمًا للبيت
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن جرير وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس {لقد خلقنَا الإِنسان فِي أحسن تَقْوِيم} قَالَ: فِي أعدل خلق {ثمَّ رددناه أَسْفَل سافلين} يَقُول: إِلَى أرذل الْعُمر {إِلَّا الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات فَلهم أجر غير ممنون} غير مَنْقُوص
يَقُول: فَإِذا بلغ الْمُؤمن أرذل الْعُمر وَكَانَ يعْمل فِي شبابه عملا صَالحا كتب الله لَهُ من الْأجر مثله مَا كَانَ يعْمل فِي صِحَّته وشبابه وَلم يضرّهُ مَا عمل فِي كبره وَلم يكْتب عَلَيْهِ الْخَطَايَا الَّتِي يعْمل بعد مَا يبلغ أرذل الْعُمر(8/556)
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس {لقد خلقنَا الإِنسان فِي أحسن تَقْوِيم} قَالَ: خلق كل شَيْء منكباً على وَجهه إِلَّا الإِنسان {ثمَّ رددناه أَسْفَل سافلين} إِلَى أرذل الْعُمر {إِلَّا الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات} الْآيَة قَالَ: فأيما رجل كَانَ يعْمل عملا صَالحا وَهُوَ قويّ شَاب فعجز عَنهُ جرى لَهُ أجر ذَلِك الْعَمَل حَتَّى يَمُوت
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة {والتين} قَالَ: هُوَ هَذَا التِّين {وَالزَّيْتُون} قَالَ: هُوَ هَذَا الزَّيْتُون {وطور سينين} قَالَ: الطّور الْجَبَل وسينين هُوَ الْحسن بِالْحَبَشَةِ {وَهَذَا الْبَلَد الْأمين} قَالَ: مَكَّة {لقد خلقنَا الإِنسان فِي أحسن تَقْوِيم} قَالَ: شباب وَشدَّة {ثمَّ رددناه أَسْفَل سافلين} قَالَ: رد إِلَى أرذل الْعُمر {إِلَّا الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات فَلهم أجر غير ممنون} قَالَ: يُوفيه الله أجره وَعَمله فَلَا يؤاخذه إِذا رد إِلَى أرذل الْعُمر وَفِي لفظ قَالَ: من رد مِنْهُم إِلَى أرذل الْعُمر جرى لَهُ من الْأجر مثل مَا كَانَ يعْمل فِي صِحَّته وشبابه فَذَلِك الْأجر غير ممنون قَالَ: وَلَا يمن بِهِ عَلَيْهِم
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن {والتين وَالزَّيْتُون} قَالَ: تينكم هَذَا الَّذِي تَأْكُلُونَ وزيتونكم هَذَا الَّذِي تعصرون {لقد خلقنَا الإِنسان فِي أحسن تَقْوِيم} قَالَ: فِي أحسن صُورَة {ثمَّ رددناه أَسْفَل سافلين} قَالَ: فِي نَار جَهَنَّم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي الْعَالِيَة فِي قَوْله: {لقد خلقنَا الإِنسان فِي أحسن تَقْوِيم} يَقُول: فِي أحسن صُورَة {ثمَّ رددناه أَسْفَل سافلين} قَالَ: فِي النَّار فِي شَرّ صُورَة
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد عَن إِبْرَاهِيم {لقد خلقنَا الإِنسان فِي أحسن تَقْوِيم} قَالَ: فِي أحسن صُورَة {ثمَّ رددناه أَسْفَل سافلين} قَالَ: إِلَى أرذل الْعُمر فَإِذا بلغُوا ذَلِك كتب لَهُم من الْعَمَل مثل مَا كَانُوا يعْملُونَ فِي الصِّحَّة
وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس إِن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله: عزَّ وَجل {ثمَّ رددناه أَسْفَل سافلين} قَالَ: هَذَا الْكَافِر من الشَّبَاب إِلَى الْكبر وَمن الْكبر إِلَى النَّار
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم أما سَمِعت عَليّ بن أبي طَالب وَهُوَ يَقُول: فأضحوا لَدَى دَار الْجَحِيم بمعزل عَن الشعث والعدوان فِي أَسْفَل السّفل(8/557)
وَأخرج عبد بن حميد عَن الضَّحَّاك {ثمَّ رددناه أَسْفَل سافلين} قَالَ: إِلَى أرذل الْعُمر
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: من قَرَأَ الْقُرْآن لم يرد إِلَى أرذل الْعُمر وَذَلِكَ قَوْله: {ثمَّ رددناه أَسْفَل سافلين إِلَّا الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات} قَالَ: إِلَّا الَّذين قرؤوا الْقُرْآن
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن عِكْرِمَة قَالَ: كَانَ يُقَال من قَرَأَ الْقُرْآن لم يرد إِلَى أرذل الْعُمر ثمَّ قَرَأَ {لقد خلقنَا الإِنسان فِي أحسن تَقْوِيم ثمَّ رددناه أَسْفَل سافلين إِلَّا الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات} قَالَ: لَا يكون حَتَّى لَا يعلم من بعد علمٍ شَيْئا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة {ثمَّ رددناه أَسْفَل سافلين} قَالَ: الْهَرم لم يَجْعَل فِيهِ قوّة مَا كَانَ (لكَي لَا يعلم بعد علم شَيْئا) (سُورَة الْحَج الْآيَة 5) قَالَ: وَلَا ينزل تِلْكَ الْمنزلَة أحد قَرَأَ الْقُرْآن وَذَلِكَ قَوْله: {إِلَّا الَّذين آمنُوا} الْآيَة
قَالَ: هم أَصْحَاب الْقُرْآن
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس {ثمَّ رددناه أَسْفَل سافلين} يَقُول: إِلَى الْكبر وَضَعفه فَإِذا ضعف وَكبر عَن الْعَمَل كتب لَهُ مثل أجر مَا كَانَ يعْمل فِي شبيبته
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي مُوسَى قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِذا كَانَ العَبْد على طَريقَة من الْخَيْر فَمَرض أَو سَافر كتب الله لَهُ مثل مَا كَانَ يعْمل ثمَّ قَرَأَ {فَلهم أجر غير ممنون}
وَأخرج البُخَارِيّ عَن أبي مُوسَى قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِذا مرض العَبْد أَو سَافر كتب الله لَهُ من الْأجر مثل مَا كَانَ يعْمل صَحِيحا مُقيما
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول عَن أنس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله: {فَلهم أجر غير ممنون} قَالَ: غير ممنون مَا يكْتب لَهُم صَاحب الْيَمين فَإِن عمل خيرا كتب لَهُ صَاحب الْيَمين وَإِن ضعف عَن ذَلِك لَهُ صَاحب الْيَمين وَأمْسك صَاحب الشمَال فَلم يكْتب سَيِّئَة وَمن قَرَأَ الْقُرْآن لم يرد إِلَى أرذل الْعُمر لكيلا يعلم من بعد علمٍ شَيْئا(8/558)
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن مَكْحُول قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِذا مرض العَبْد يُقَال لصَاحب الشمَال: ارْفَعْ عَنهُ الْقَلَم وَيُقَال لصَاحب الْيَمين: اكْتُبْ لَهُ أحسن مَا كَانَ يعْمل فَإِنِّي أعلم بِهِ وَأَنا قيدته
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن شَدَّاد بن أَوْس: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: إِذا ابْتليت عبدا من عبَادي مُؤمنا فحمدني على مَا ابتليته فَإِنَّهُ يقوم من مضجعه كَيَوْم وَلدته أمه من الْخَطَايَا وَيَقُول الرب عز وَجل: إِنِّي أَنا قيدته وابتليته فأجروا لَهُ مَا كُنْتُم تجرون لَهُ قبل ذَلِك وَهُوَ صَحِيح
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن مَنْصُور قَالَ: قلت لمجاهد {فَمَا يكذبك بعد بِالدّينِ} و (أَرَأَيْت الَّذِي يكذب بِالدّينِ) (سُورَة الماعون الْآيَة 1) عَنى بِهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: معَاذ الله إِنَّمَا عني بِهِ الإِنسان
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة {أَلَيْسَ الله بِأَحْكَم الْحَاكِمين} قَالَ: ذكر لنا أَن نَبِي الله كَانَ يَقُول: بلَى وَأَنا على ذَلِك من الشَّاهِدين
وَأخرج عبد بن حميد عَن صَالح أبي الْخَلِيل قَالَ: كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا أَتَى على هَذِه الْآيَة {أَلَيْسَ الله بِأَحْكَم الْحَاكِمين} يَقُول: سُبْحَانَكَ فبلى
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وان مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة يرويهِ: من قَرَأَ {والتين وَالزَّيْتُون} فَقَرَأَ {أَلَيْسَ الله بِأَحْكَم الْحَاكِمين} فَلْيقل بلَى وَأَنا على ذَلِك من الشَّاهِدين
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن جَابر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِذا قَرَأت {والتين وَالزَّيْتُون} فَقَرَأت {أَلَيْسَ الله بِأَحْكَم الْحَاكِمين} فَقل بلَى
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس أَنه كَانَ إِذا قَرَأَ {أَلَيْسَ الله بِأَحْكَم الْحَاكِمين} قَالَ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ فبلى(8/559)
96
سُورَة العلق
مَكِّيَّة وآياتها تسع عشرَة بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
الْآيَة 1 - 19(8/560)
اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5) كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى (7) إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى (8) أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى (9) عَبْدًا إِذَا صَلَّى (10) أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى (11) أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى (12) أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (13) أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى (14) كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ (15) نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ (16) فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ (17) سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ (18) كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ (19)
أخرج ابْن مرْدَوَيْه من طرق عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: أول مَا نزل من الْقُرْآن بِمَكَّة {اقْرَأ باسم رَبك الَّذِي خلق}
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الضريس وَابْن الْأَنْبَارِي فِي الْمَصَاحِف وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ قَالَ: كَانَت {اقْرَأ باسم رَبك} أول سُورَة أنزلت على مُحَمَّد
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن ابْن شهَاب: حَدثنِي مُحَمَّد بن عباد بن جَعْفَر المَخْزُومِي أَنه سمع بعض عُلَمَائهمْ يَقُول: كَانَ أول مَا أنزل الله على نبيه {اقْرَأ باسم رَبك} إِلَى {مَا لم يعلم} فَقَالُوا: هَذَا صدرها الَّذِي أنزل يَوْم حراء ثمَّ أنزل الله آخرهَا بعد ذَلِك مَا شَاءَ الله(8/560)
وَأخرج ابْن جرير وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل وَصَححهُ عَن عَائِشَة قَالَت: أول مَا نزل من الْقُرْآن {اقْرَأ باسم رَبك الَّذِي خلق}
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَأحمد وَعبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَابْن جرير وَابْن الْأَنْبَارِي فِي الْمَصَاحِف وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ من طَرِيق ابْن شهَاب عَن عُرْوَة بن الزبير عَن عَائِشَة أم الْمُؤمنِينَ أَنَّهَا قَالَت: أول مَا بُدِئَ بِهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الْوَحْي الرُّؤْيَا الصَّالِحَة فِي النّوم فَكَانَ لَا يرى رُؤْيا إِلَّا جَاءَت مثل فلق الصُّبْح ثمَّ حبب إِلَيْهِ الْخَلَاء وَكَانَ يَخْلُو بِغَار حراء فَيَتَحَنَّث فِيهِ وَهُوَ التَّعَبُّد اللَّيَالِي ذَوَات الْعدَد قبل أَن ينْزع إِلَى أَهله ويتزود لذَلِك ثمَّ يرجع إِلَى خَدِيجَة فيتزود لمثلهَا حَتَّى جَاءَهُ الْحق وَهُوَ فِي غَار حراء فَجَاءَهُ الْملك فَقَالَ {اقْرَأ} قَالَ: قلت: مَا أَنا بقارئ
قَالَ: فأخذني فغطني حَتَّى بلغ مني الْجهد ثمَّ أَرْسلنِي فَقَالَ: اقْرَأ فَقلت: مَا أَنا بقارئ
قَالَ: فأخذني فغطني الثَّانِيَة حَتَّى بلغ مني الْجهد ثمَّ أَرْسلنِي فَقَالَ: اقْرَأ فَقلت: مَا أَنا بقارئ فأخذني فغطني الثَّالِثَة حَتَّى بلغ مني الْجهد ثمَّ أَرْسلنِي فَقَالَ: {اقْرَأ باسم رَبك الَّذِي خلق خلق الإِنسان من علق اقْرَأ وَرَبك الأكرم الَّذِي علم بالقلم} الْآيَة فَرجع بهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يرجف فُؤَاده فَدخل على خَدِيجَة بنت خويلد فَقَالَ: زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي
فزملوه حَتَّى ذهب عَنهُ الروع فَقَالَ لِخَدِيجَة وأخبرها الْخَبَر: لقد خشيت على نَفسِي فَقَالَت خَدِيجَة: كلا وَالله مَا يخزيك الله أبدا إِنَّك لتصل الرَّحِم وَتحمل الْكل وتكسب الْمَعْدُوم وتقري الضَّيْف وَتعين على نَوَائِب الْحق
فَانْطَلَقت بِهِ خَدِيجَة حَتَّى أَتَت ورقة بن نَوْفَل بن أَسد بن عبد الْعُزَّى - ابْن عَم خَدِيجَة - وَكَانَ امْرأ قد تنصر فِي الْجَاهِلِيَّة وَكَانَ يكْتب الْكتاب العبراني فَيكْتب من الإِنجيل بالعبرانية مَا شَاءَ الله أَن يكْتب وَكَانَ شَيخا كَبِيرا قد عمي فَقَالَت لَهُ خَدِيجَة: يَا ابْن عَم اسْمَع من ابْن أَخِيك
فَقَالَ لَهُ روقة: يَا ابْن أخي مَاذَا ترى فَأخْبرهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خبر مَا رأى فَقَالَ لَهُ ورقة: هَذَا الناموس الَّذِي أنزل الله على مُوسَى يَا لَيْتَني أكون فِيهَا جذعاً يَا لَيْتَني أكون فِيهَا حَيا إِذا يخْرجك قَوْمك
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَو مخرجي هم
قَالَ: نعم لم يَأْتِ رجل قطّ بِمثل مَا جِئْت بِهِ إِلَّا عودي وَإِن يدركني يَوْمك أنصرك نصرا مؤزراً
ثمَّ لم ينشب ورقة أَن توفّي وفتر الْوَحْي قَالَ ابْن شهَاب: وَأَخْبرنِي أَبُو سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن أَن جَابر بن عبد الله الْأنْصَارِيّ قَالَ وَهُوَ يحدث عَن فَتْرَة الْوَحْي فَقَالَ فِي حَدِيثه: بَينا أَنا أَمْشِي إِذْ(8/561)
سَمِعت صَوتا من السَّمَاء فَرفعت بَصرِي فَإِذا الْملك الَّذِي جَاءَنِي بحراء جَالس على كرْسِي بَين السَّمَاء وَالْأَرْض فَرُعِبْت مِنْهُ فَرَجَعت فَقلت: زَمِّلُونِي
فَأنْزل الله (يَا أَيهَا المدثر قُم فَأَنْذر وَرَبك فَكبر وثيابك فطهر وَالرجز فاهجر) (سُورَة المدثر الْآيَة 1 - 2 - 3 - 4 - 5) فحمي الْوَحْي وتتابع
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: أول سُورَة نزلت على مُحَمَّد {اقْرَأ باسم رَبك الَّذِي خلق}
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد قَالَ: أول مَا نزل من الْقُرْآن {اقْرَأ باسم رَبك} ثمَّ (ن والقلم)
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: أول شَيْء أنزل من الْقُرْآن خمس آيَات {اقْرَأ باسم رَبك الَّذِي خلق} إِلَى قَوْله: {مَا لم يعلم}
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عبيد بن عُمَيْر قَالَ: أول مَا نزل من الْقُرْآن {اقْرَأ باسم رَبك الَّذِي خلق} ثمَّ (ن)
وَأخرج ابْن الْأَنْبَارِي فِي الْمَصَاحِف عَن عَائِشَة قَالَت: كَانَ أول مَا نزل عَلَيْهِ بعد {اقْرَأ باسم رَبك} {ن والقلم} و (يَا أَيهَا المدثر) (وَالضُّحَى)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن الزُّهْرِيّ وَعَمْرو بن دِينَار أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ بحراء إِذا أَتَاهُ ملك بنمط من ديباج فِيهِ مَكْتُوب {اقْرَأ باسم رَبك الَّذِي خلق} إِلَى {مَا لم يعلم}
وَأخرج الْحَاكِم من طَرِيق عَمْرو بن جَابر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ بحراء إِذا أَتَاهُ ملك بنمط من ديباج فِيهِ مَكْتُوب {اقْرَأ باسم رَبك الَّذِي خلق} إِلَى {مَا لم يعلم}
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَأَبُو نعيم فِي الدَّلَائِل عَن عبد الله بن شَدَّاد قَالَ: أَتَى جِبْرِيل مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا مُحَمَّد اقْرَأ
قَالَ: وَمَا أَقرَأ فضمه ثمَّ قَالَ يَا مُحَمَّد: اقْرَأ قَالَ: وَمَا أَقرَأ قَالَ: {اقْرَأ باسم رَبك الَّذِي خلق} حَتَّى بلغ {مَا لم يعلم} فجَاء إِلَى خَدِيجَة فَقَالَ: يَا خَدِيجَة مَا أرَاهُ إِلَّا قد عرض لي
قَالَت: كلا وَالله مَا كَانَ رَبك يفعل ذَلِك بك وَمَا أتيت فَاحِشَة قطّ
فَأَتَت خَدِيجَة ورقة فَأَخْبَرته الْخَبَر
قَالَ: لِأَن كنت صادقتة إِن زَوجك لنَبِيّ وليقين من أمته شدَّة وَلَئِن أَدْرَكته لأمنن بِهِ
قَالَ: ثمَّ أَبْطَأَ عَلَيْهِ جِبْرِيل فَقلت خَدِيجَة: مَا أرى رَبك إِلَّا قد قلاك
فَأنْزل الله (وَالضُّحَى وَاللَّيْل إِذا سجى مَا وَدعك رَبك وَمَا قلى) (سُورَة الضُّحَى آيَة 1)(8/562)
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عَائِشَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اعْتكف هُوَ وَخَدِيجَة شهرا فَوَافَقَ ذَلِك رَمَضَان فَخرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَسمع السَّلَام عَلَيْكُم
قَالَت: فَظَنَنْت أَنه فَجْأَة الْجِنّ
فَقَالَ: ابشروا فَإِن السَّلَام خير ثمَّ رأى يَوْمًا آخر جِبْرِيل على الشَّمْس لَهُ جنَاح بالمشرق وَجَنَاح بالمغرب
قَالَ: فَهبت مِنْهُ فَانْطَلق يُرِيد أَهله فَإِذا هُوَ بِجِبْرِيل بَينه وَبَين الْبَاب
قَالَ: فكلمني حَتَّى أنست مِنْهُ ثمَّ وَعَدَني موعداً فَجئْت لموعده وَاحْتبسَ عليّ جِبْرِيل فَلَمَّا أَرَادَ أَن يرجع إِذا هُوَ بِهِ وبميكائيل فهبط جِبْرِيل إِلَى الأَرْض وَمِيكَائِيل بَين السَّمَاء وَالْأَرْض فأخذني جِبْرِيل فصلقني لحلاوة الْقَفَا وشق عَن بَطْني فَأخْرج مِنْهُ مَا شَاءَ الله ثمَّ غسله فِي طست من ذهب ثمَّ أعَاد فِيهِ ثمَّ كفأني كَمَا يكفأ الإِناء ثمَّ ختم فِي ظَهْري حَتَّى وجدت مس الْخَاتم ثمَّ قَالَ لي: اقْرَأ باسم رَبك الَّذِي خلق وَلم أَقرَأ كتابا قطّ فَأخذ بحلقي حَتَّى أجهشت بالبكاء ثمَّ قَالَ لي: {اقْرَأ باسم رَبك الَّذِي خلق} إِلَى قَوْله: {مَا لم يعلم} قَالَ: فَمَا نسيت شَيْئا بعده
ثمَّ وزنني جِبْرِيل بِرَجُل فوازنته ثمَّ وزنني بِأخر فوازنته ثمَّ وزنني بِمِائَة
فَقَالَ مِيكَائِيل: تَبعته أمته وَرب الْكَعْبَة
قَالَ: ثمَّ جِئْت إِلَى منزلي فَلم يلقني حجر وَلَا شجر إِلَّا قَالَ: السَّلَام عَلَيْك يَا رَسُول الله حَتَّى دخلت على خَدِيجَة فَقَالَت: السَّلَام عَلَيْك يَا رَسُول الله
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن ثَوْبَان قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اللَّهُمَّ أعز الإِسلام بعمر بن الْخطاب وَقد ضرب أُخْته أول اللَّيْل هِيَ تقْرَأ {اقْرَأ باسم رَبك الَّذِي خلق} حَتَّى ظن أَنه قَتلهَا ثمَّ قَامَ من السحر فَسمع صَوتهَا تقْرَأ {اقْرَأ باسم رَبك الَّذِي خلق} فَقَالَ: وَالله مَا هَذَا بِشعر وَلَا همهمة
فَذهب حَتَّى أَتَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَوجدَ بِلَالًا على الْبَاب فَدفع الْبَاب
فَقَالَ بِلَال: من هَذَا فَقَالَ عمر بن الْخطاب: فَقَالَ: حَتَّى أَسْتَأْذن لَك على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَقَالَ بِلَال: يَا رَسُول الله عمر بِالْبَابِ
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن يرد الله بعمر خيرا أدخلهُ فِي الدّين
فَقَالَ لِبلَال: افْتَحْ وَأخذ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بضبعيه فهزه فَقَالَ: مَا الَّذِي تُرِيدُ وَمَا الَّذِي جِئْت لَهُ فَقَالَ لَهُ عمر: اعْرِض عليّ الَّذِي تَدْعُو إِلَيْهِ
قَالَ: تشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ وَأَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله فَأسلم عمر مَكَانَهُ وَقَالَ: اخْرُج
أخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {الَّذِي علم بالقلم}(8/563)
قَالَ: الْقَلَم نعْمَة من الله عَظِيمَة لَوْلَا الْقَلَم لم يقم دين وَلم يصلح عَيْش وَفِي قَوْله: {علم الإِنسان مَا لم يعلم} قَالَ: الْخط
أخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: منهومان لَا يشبعان: صَاحب علم وَصَاحب دنيا وَلَا يستويان فَأَما صَاحب الْعلم فَيَزْدَاد رضَا الرَّحْمَن ثمَّ قَرَأَ (إِنَّمَا يخْشَى الله من عباده الْعلمَاء) (سُورَة فاطر الْآيَة 28) وَأما صَاحب الدُّنْيَا فيتمادى فِي الطغيان ثمَّ قَرَأَ {إِن الإِنسان ليطْغى أَن رَآهُ اسْتغنى} وَالله أعلم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ وَابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو نعيم وَالْبَيْهَقِيّ مَعًا فِي الدَّلَائِل عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ أَبُو جهل: لَئِن رَأَيْت مُحَمَّدًا يُصَلِّي عِنْد الْكَعْبَة لَأَطَأَن عُنُقه
فَبلغ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: لَو فعل لَأَخَذته الْمَلَائِكَة عيَانًا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَابْن الْمُنْذر وَابْن جرير وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي فجَاء أَبُو جهل فَقَالَ: ألم أَنْهَك عَن هَذَا ألم أَنْهَك عَن هَذَا فَانْصَرف النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فزبره فَقَالَ أَبُو جهل: إِنَّك لتعلم مَا بهَا رجل أَكثر نَادِيًا مني فَأنْزل الله {فَليدع نَادِيه سَنَدع الزَّبَانِيَة} قَالَ ابْن عَبَّاس: وَالله لَو دَعَا نَادِيه لَأَخَذته زَبَانِيَة الله
وَأخرج ابْن جرير وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَأَبُو نعيم فِي الدَّلَائِل عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ أَبُو جهل: لَئِن عَاد مُحَمَّد يُصَلِّي عِنْد الْمقَام لأقتلنه فَأنْزل الله {اقْرَأ باسم رَبك الَّذِي خلق} حَتَّى بلغ هَذِه الْآيَة {لنسفعا بالناصية نَاصِيَة كَاذِبَة خاطئة فَليدع نَادِيه سَنَدع الزَّبَانِيَة} فجَاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي فَقيل: مَا يمنعك فَقَالَ: قد اسود مَا بَين وَبَينه
قَالَ ابْن عَبَّاس: وَالله لَو تحرّك لَأَخَذته الْمَلَائِكَة وَالنَّاس ينظرُونَ إِلَيْهِ
وَأخرج الْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم وَالْبَيْهَقِيّ عَن الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب قَالَ: كنت يَوْمًا فِي الْمَسْجِد فَأقبل أَبُو جهل فَقَالَ: إِن لله عليّ إِن رَأَيْت مُحَمَّدًا سَاجِدا أَن أَطَأ على رقبته
فَخرجت على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم(8/564)
حَتَّى دخلت عَلَيْهِ فَأَخْبَرته بقول أبي جهل
فَخرج غَضْبَان حَتَّى جَاءَ الْمَسْجِد فَعجل أَن يدْخل الْبَاب فاقتحم الْحَائِط
فَقلت هَذَا يَوْم شرّ فاتزرت ثمَّ تَبعته فَدخل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقْرَأ {اقْرَأ باسم رَبك الَّذِي خلق} فَلَمَّا بلغ شَأْن أبي جهل {كلا إِن الإِنسان ليطْغى} قَالَ إِنْسَان لأبي جهل: يَا أَبَا الحكم هَذَا مُحَمَّد
فَقَالَ أَبُو جهل: أَلا ترَوْنَ مَا أرى وَالله لقد سد أفق السَّمَاء عليّ
فَلَمَّا بلغ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم آخر السُّورَة سجد
وَأخرج أَحْمد وَمُسلم وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ أَبُو جهل: هَل يعفر مُحَمَّد وَجهه إِلَّا بَين أظْهركُم قَالُوا: نعم
فَقَالَ: وَاللات والعزى لَئِن رَأَيْته يُصَلِّي كَذَلِك لَأَطَأَن على رقبته ولأعفرن وَجهه فِي التُّرَاب
فَأتى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ يُصَلِّي ليَطَأ على رقبته
قَالَ: فَمَا فَجِئَهُمْ مِنْهُ إِلَّا وَهُوَ يَنْكص على عَقِبَيْهِ يَتَّقِي بيدَيْهِ فَقيل لَهُ: مَالك قَالَ: إِن بيني وَبَينه خَنْدَقًا من نَار وَهَؤُلَاء أَجْنِحَة فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَو دنا مني لَاخْتَطَفَتْهُ الْمَلَائِكَة عضوا عضوا قَالَ: وَأنزل الله {كلا إِن الإِنسان ليطْغى} إِلَى آخر السُّورَة يَعْنِي أَبَا جهل {فَليدع نَادِيه} يَعْنِي قومه {سَنَدع الزَّبَانِيَة} يَعْنِي الْمَلَائِكَة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {أَرَأَيْت الَّذِي ينْهَى عبدا إِذا صلى} قَالَ أَبُو جهل بن هِشَام: حَيْثُ رمى رَسُول الله بالسلا على ظَهره وَهُوَ ساجد لله عزَّ وجلَّ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {أَرَأَيْت الَّذِي ينْهَى عبدا إِذا صلى} قَالَ: نزلت فِي عدوّ الله أبي جهل وَذَلِكَ أَنه قَالَ: لَئِن رَأَيْت مُحَمَّدًا يُصَلِّي لَأَطَأَن على عُنُقه فَأنْزل الله {أَرَأَيْت الَّذِي ينْهَى عبدا إِذا صلى أَرَأَيْت إِن كَانَ على الْهدى أَو أَمر بالتقوى} قَالَ: مُحَمَّدًا {أَرَأَيْت إِن كذب وَتَوَلَّى} يَعْنِي بذلك أَبَا جهل {فَليدع نَادِيه} قَالَ: قومه وحيه {سَنَدع الزَّبَانِيَة} قَالَ: الزَّبَانِيَة فِي كَلَام الْعَرَب الشَّرْط
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد {أَرَأَيْت الَّذِي ينْهَى عبدا إِذا صلى} قَالَ: أَبُو جهل نهى مُحَمَّدًا إِذا صلى {فَليدع نَادِيه} قَالَ: عشيرته {سَنَدع الزَّبَانِيَة} قَالَ: الْمَلَائِكَة(8/565)
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {لنسفعا} قَالَ: لنأخذن
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة مثله
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن عبد الله بن الْحَرْث قَالَ: الزَّبَانِيَة أَرجُلهم فِي الأَرْض ورؤوسهم فِي السَّمَاء
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن زيد بن أسلم قَالَ {واسجد} أَنْت يَا مُحَمَّد {واقترب} أَنْت يَا أَبَا جهل يتوعده
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَسَعِيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد قَالَ: أقرب مَا يكون العَبْد من ربه وَهُوَ ساجد أَلا تسمعونه يَقُول {واسجد واقترب}
وَأخرج ابْن سعد عَن عُثْمَان بن أبي العَاصِي قَالَ: آخر كَلَام كلمني بِهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذْ استعملني على الطَّائِف أَن قَالَ: خفف الصَّلَاة عَن النَّاس حَتَّى وَقت اقْرَأ باسم رَبك الَّذِي خلق وأشباهها من الْقُرْآن(8/566)
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
97
سُورَة الْقدر
مَكِّيَّة وآياتها خمس
مُقَدّمَة السُّورَة
الْآيَة 1 - 5(8/567)
إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (5)
أخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: نزلت سُورَة {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَة الْقدر} بِمَكَّة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس وَعَائِشَة مثله
وَأخرج ابْن الضريس وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَة الْقدر} قَالَ: أنزل الْقُرْآن فِي لَيْلَة الْقدر جملَة وَاحِدَة من الذّكر الَّذِي عِنْد رب الْعِزَّة حَتَّى وضع فِي بَيت الْعِزَّة فِي السَّمَاء الدُّنْيَا ثمَّ جعل جِبْرِيل ينزل على مُحَمَّد بحراء بِجَوَاب كَلَام الْعباد وأعمالهم
وَأخرج عبد بن حميد عَن الرّبيع بن أنس {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَة الْقدر} قَالَ: أنزل الله الْقُرْآن جملَة فِي لَيْلَة الْقدر كُله {لَيْلَة الْقدر خير من ألف شهر} يَقُول: خير من عمل ألف شهر
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالْفِرْيَابِي وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَمُحَمّد بن نصر وَابْن(8/567)
الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن مُجَاهِد {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَة الْقدر} قَالَ: لَيْلَة الحكم
وَأخرج عبد بن حميد عَن أنس قَالَ: الْعَمَل فِي لَيْلَة الْقدر وَالصَّدَََقَة وَالصَّلَاة وَالزَّكَاة أفضل من ألف شهر
وَأخرج ابْن جرير عَن عَمْرو بن قيس الْملَائي فِي قَوْله: {لَيْلَة الْقدر خير من ألف شهر} قَالَ: عمل فِيهَا خير من عمل فِي ألف شهر
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَمُحَمّد بن نصر وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {لَيْلَة الْقدر خير من ألف شهر} قَالَ: خير من ألف شهر لَيْسَ فِيهَا لَيْلَة الْقدر وَفِي قَوْله: {تنزل الْمَلَائِكَة وَالروح فِيهَا بِإِذن رَبهم من كل أَمر} قَالَ: يقْضِي فِيهَا مَا يكون فِي السّنة إِلَى مثلهَا {سَلام هِيَ} قَالَ: إِنَّمَا هِيَ بركَة كلهَا وَخير {حَتَّى مطلع الْفجْر} يَقُول: إِلَى مطلع الْفجْر
وَأخرج مَالك فِي الْمُوَطَّأ وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَنهُ أَنه بلغه أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أرِي أَعمال النَّاس قبله أَو مَا شَاءَ الله من ذَلِك فَكَأَنَّهُ تقاصر أَعمار أمته أَن لَا يبلغُوا من الْعَمَل مثل مَا بلغ غَيرهم فِي طول الْعُمر فَأعْطَاهُ الله لَيْلَة الْقدر خيرا من ألف شهر
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد قَالَ: كَانَ فِي بني إِسْرَائِيل رجل يقوم اللَّيْل حَتَّى يصبح ثمَّ يُجَاهد العدوّ بِالنَّهَارِ حَتَّى يُمْسِي فَفعل ذَلِك ألف شهر فَأنْزل الله {لَيْلَة الْقدر خير من ألف شهر} قيام تِلْكَ اللَّيْلَة خير من عمل ذَلِك الرجل ألف شهر
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن مُجَاهِد أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذكر رجلا من بَين إِسْرَائِيل لبس السِّلَاح فِي سَبِيل الله ألف شهر فَعجب الْمُسلمُونَ من ذَلِك فَأنْزل الله {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَة الْقدر وَمَا أَدْرَاك مَا لَيْلَة الْقدر لَيْلَة الْقدر خير من ألف شهر} الَّتِي لبس فِيهَا ذَلِك الرجل السِّلَاح فِي سَبِيل الله ألف شهر
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَليّ بن عُرْوَة قَالَ: ذكر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمًا أَرْبَعَة من بني إِسْرَائِيل عبدُوا الله ثَمَانِينَ عَاما لم يعصوه طرفه عين فَذكر أَيُّوب وزَكَرِيا وحزقيل بن الْعَجُوز ويوشع بن نون فَعجب أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من ذَلِك فَأَتَاهُ جِبْرِيل فَقَالَ: يَا مُحَمَّد عجبت أمتك من عبَادَة هَؤُلَاءِ النَّفر ثَمَانِينَ سنة فقد أنزل الله خيرا من ذَلِك فَقَرَأَ عَلَيْهِ {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَة الْقدر وَمَا أَدْرَاك مَا لَيْلَة الْقدر لَيْلَة الْقدر خير من ألف شهر}(8/568)
هَذَا أفضل مِمَّا عجبت أَنْت وَأمتك فسر بذلك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالنَّاس مَعَه
وَأخرج الْخَطِيب فِي تَارِيخه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: رأى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بني أُميَّة على منبره فساءه ذَلِك فَأوحى الله إِلَيْهِ إِنَّمَا هُوَ ملك يصيبونه وَنزلت {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَة الْقدر وَمَا أَدْرَاك مَا لَيْلَة الْقدر لَيْلَة الْقدر خير من ألف شهر}
وَأخرج الْخَطِيب عَن ابْن الْمسيب قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَرَأَيْت بني أُميَّة يصعدون منبري فشق ذَلِك عليّ فَأنْزل الله {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَة الْقدر}
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَضَعفه وَابْن جرير وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن يُوسُف بن مَازِن الرُّؤَاسِي قَالَ: قَامَ رجل إِلَى الْحسن بن عَليّ بعد مَا بَايع مُعَاوِيَة فَقَالَ: سوّدت وُجُوه الْمُؤمنِينَ فَقَالَ: لَا تؤنبني رَحِمك الله فَإِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رأى بني أُميَّة يخطبون على منبره فساءه ذَلِك فَنزلت (إِنَّا أعطيناك الْكَوْثَر) (سُورَة الْكَوْثَر الْآيَة 1) يَا مُحَمَّد يَعْنِي نَهرا فِي الْجنَّة وَنزلت {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَة الْقدر وَمَا أَدْرَاك مَا لَيْلَة الْقدر لَيْلَة الْقدر خير من ألف شهر} يملكهَا بعْدك بَنو أُميَّة يَا مُحَمَّد: قَالَ الْقَاسِم: فعددنا فَإِذا هِيَ ألف شهر لَا تزيد يَوْمًا وَلَا تنقص يَوْمًا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة فِي المُصَنّف عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَة الْقدر} قَالَ: لَيْلَة الحكم {وَمَا أَدْرَاك مَا لَيْلَة الْقدر} قَالَ: لَيْلَة الحكم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر وَمُحَمّد بن نصر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد {لَيْلَة الْقدر خير من ألف شهر} قَالَ: خير من ألف شهر عَملهَا أَو صيامها وقيامها وَلَيْسَ فِي تِلْكَ الشُّهُور لَيْلَة الْقدر
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الْحسن قَالَ: مَا أعلم ليَوْم فضلا على يَوْم وَلَا لَيْلَة إِلَّا لَيْلَة الْقدر فَإِنَّهَا خير من ألف شهر
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله: {تنزل الْمَلَائِكَة وَالروح فِيهَا} قَالَ: الرّوح جِبْرِيل {من كل أَمر سَلام} قَالَ: لَا يحل لكوكب أَن يرْجم بِهِ فِيهَا حَتَّى يصبح
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَمُحَمّد بن نصر وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي(8/569)
حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {سَلام هِيَ} قَالَ: سَالِمَة لَا يَسْتَطِيع الشَّيْطَان أَن يعْمل فِيهَا سوءا أَو يعْمل فِيهَا أَذَى
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس أَنه كَانَ يقْرَأ {من كل أَمر سَلام}
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر عَن مَنْصُور بن زَاذَان قَالَ: {تنزل الْمَلَائِكَة} من حِين تغيب الشَّمْس إِلَى أَن يطلع الْفجْر يَمرونَ على كل مُؤمن يَقُولُونَ: السَّلَام عَلَيْك يَا مُؤمن
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الْحسن فِي قَوْله: {سَلام} قَالَ: إِذا كَانَ لَيْلَة الْقدر لم تزل الْمَلَائِكَة تخفق بأجنحتها بِالسَّلَامِ من الله وَالرَّحْمَة من لدن صَلَاة الْمغرب إِلَى طُلُوع الْفجْر
وَأخرج مُحَمَّد بن نصر وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {سَلام} قَالَ: تِلْكَ اللَّيْلَة تصعد مَرَدَة الْجِنّ وَالشَّيَاطِين وعفاريت الْجِنّ وتفتح فِيهَا أَبْوَاب السَّمَاء كلهَا وَيقبل الله فِيهَا التَّوْبَة لكل تائب فَلِذَا قَالَ: {سَلام هِيَ حَتَّى مطلع الْفجْر} قَالَ: وَذَلِكَ من غرُوب الشَّمْس إِلَى أَن يطلع الْفجْر
وَأخرج مُحَمَّد بن نصر عَن سعيد بن الْمسيب أَنه سُئِلَ عَن لَيْلَة الْقدر أَهِي شَيْء كَانَ فَذهب أم هِيَ فِي كل عَام فَقَالَ: بل هِيَ لأمة مُحَمَّد مَا بَقِي مِنْهُم اثْنَان
وَأخرج الديلمي عَن أنس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن الله وهب لأمتي لَيْلَة الْقدر وَلم يُعْطهَا من كَانَ قبلهم
وَأخرج عبد بن حميد عَن عبد الله بن مكانس مولى مُعَاوِيَة قَالَ: قلت لأبي هُرَيْرَة: زَعَمُوا أَن لَيْلَة الْقدر قد رفعت قَالَ: كذب من قَالَ ذَلِك
قلت: هِيَ فِي كل رَمَضَان أستقبله قَالَ: نعم
قلت: زَعَمُوا أَن السَّاعَة الَّتِي فِي الْجُمُعَة لَا يَدْعُو فِيهَا مُسلم إِلَّا اسْتُجِيبَ لَهُ قد رفعت
قَالَ: كذب من قَالَ ذَلِك قلت: هِيَ فِي كل جُمُعَة اسْتَقْبلهَا قَالَ: نعم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عمر أَنه سُئِلَ عَن لَيْلَة الْقدر أَفِي كل رَمَضَان وَلَفظ ابْن مرْدَوَيْه: أَفِي رَمَضَان هِيَ قَالَ: نعم ألم تسمع إِلَى قَول الله تَعَالَى: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَة الْقدر} وَقَوله: (شهر رَمَضَان الَّذِي أنزل فِيهِ الْقُرْآن) (سُورَة الْبَقَرَة الْآيَة 185)(8/570)
أخرج أَبُو دَاوُد وَالطَّبَرَانِيّ عَن ابْن عمر قَالَ: سُئِلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَنا أسمع عَن لَيْلَة الْقدر فَقَالَ: هِيَ فِي كل رَمَضَان
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد عَن ابْن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: التمسوا لَيْلَة الْقدر فِي الْعشْر الْأَوَاخِر من رَمَضَان
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عَائِشَة قَالَت: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: تحروا لَيْلَة الْقدر فِي الْعشْر الْأَوَاخِر
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَمُحَمّد بن نصر وَابْن مرْدَوَيْه اطْلُبُوا لَيْلَة الْقدر فِي الْعشْر الْأَوَاخِر
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الفلتان بن عَاصِم قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِنِّي رَأَيْت لَيْلَة الْقدر ثمَّ نسيتهَا فاطلبوها فِي الْعشْر الْأَوَاخِر وترا
وَأخرج ابْن جرير من طَرِيق أبي ظبْيَان عَن ابْن عَبَّاس أَنهم كَانُوا قعُودا فِي الْمجْلس حِين أقبل إِلَيْهِم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَرِيعا حَتَّى فزعنا لسرعته فَلَمَّا انْتهى إِلَيْنَا ثمَّ سلم قَالَ: جِئْت إِلَيْكُم مسرعاً لكيما أخْبركُم بليلة الْقدر فنسيتها فِيمَا بيني وَبَيْنكُم وَلَكِن التمسوها فِي الْعشْر الْأَوَاخِر
وَأخرج أَحْمد وَابْن جرير وَمُحَمّد بن نصر وَالْبَيْهَقِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن عبَادَة بن الصَّامِت أَنه سَأَلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن لَيْلَة الْقدر فَقَالَ: فِي رَمَضَان فِي الْعشْر الْأَوَاخِر فَإِنَّهُمَا فِي لَيْلَة وتر فِي إِحْدَى وَعشْرين أَو ثَلَاث وَعشْرين أوخمس وَعشْرين أَو سبع وَعشْرين أَو تسع وَعشْرين أَو آخر لَيْلَة من رَمَضَان من قامها إِيمَانًا واحتساباً غفر لَهُ مَا تقدم من ذَنبه وَمن أماراتها أَنَّهَا لَيْلَة بلجة صَافِيَة سَاكِنة ساجية لَا حارة وَلَا بَارِدَة كَأَن فِيهَا قمراً ساطعاً وَلَا يحل لنجم أَن يرْمى بِهِ تِلْكَ اللَّيْلَة حَتَّى الصَّباح وَمن أماراتها أَن الشَّمْس تطلع صبيحتها لَا شُعَاع لَهَا مستوية كَأَنَّهَا الْقَمَر لَيْلَة الْبَدْر وَحرم الله على الشَّيْطَان أَن يخرج مَعهَا يَوْمئِذٍ
وَأخرج ابْن جرير فِي تهذيبه وَابْن مرْدَوَيْه عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنِّي كنت رَأَيْت هَذِه اللَّيْلَة وَهِي فِي الْعشْر الْأَوَاخِر فِي الْوتر وَهِي لَيْلَة طَلْقَة بلجة لَا حارة وَلَا بَارِدَة كَأَن فِيهَا قمراً لَا يخرج شيطانها حَتَّى يضيء فجرها
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: سُئِلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن لَيْلَة الْقدر قَالَ: قد كنت علمتها ثمَّ اختلست مني وَإِنَّهَا فِي رَمَضَان فاطلبوها فِي تسع يبْقين(8/571)
أَو سبع يبْقين أَو ثَلَاث يبْقين وَآيَة ذك أَن الشَّمْس تطلع لَيْسَ لَهَا شُعَاع وَمن قَامَ السّنة سقط عَلَيْهَا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن زنجوية وَابْن نصر عَن أبي عقرب الْأَسدي قَالَ: أَتَيْنَا ابْن مَسْعُود فِي دَاره فسمعناه يَقُول: صدق الله وَرَسُوله فَسَأَلته فَأخْبرنَا أَن لَيْلَة الْقدر فِي السَّبع من النّصْف الْأَخير وَذَلِكَ أَن الشَّمْس تطلع يَوْمئِذٍ بَيْضَاء لَا شُعَاع لَهَا فَنَظَرت إِلَى السَّمَاء فَإِذا هِيَ كَمَا حدثت فكبرت
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير من طَرِيق الْأسود عَن عبد الله قَالَ: تحروا لَيْلَة الْقدر لَيْلَة سبع تبقى تحروها لتسْع تبقى تحروها لإِحدى عشرَة تبقى صَبِيحَة بدر فَإِن الشَّمْس تطلع كل يَوْم بَين قَرْني شَيْطَان إِلَّا صَبِيحَة لَيْلَة الْقدر فَإِنَّهَا تطلع يَوْمئِذٍ بَيْضَاء لَيْسَ لَهَا شُعَاع
وَأخرج ابْن زنجوية وَابْن مرْدَوَيْه بِسَنَد صَحِيح عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: ذكرنَا لَيْلَة الْقدر عِنْد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: كم بَقِي من الشَّهْر قُلْنَا: مَضَت اثْنَتَانِ وَعِشْرُونَ وَبَقِي ثَمَان
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَضَت اثْنَتَانِ وَعِشْرُونَ وَبقيت سبع التمسوها اللَّيْلَة الشَّهْر تسع وَعِشْرُونَ
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أنس بن مَالك عَن نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: التمسوا لَيْلَة الْقدر فِي أول لَيْلَة من رَمَضَان وَفِي تِسْعَة وَفِي إِحْدَى عشرَة وَفِي أحدى وَعشْرين وَفِي آخر لَيْلَة من رَمَضَان
وَأخرج أَحْمد عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي لَيْلَة الْقدر إِنَّهَا آخر لَيْلَة
وَأخرج مُحَمَّد بن نصر عَن مُعَاوِيَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: التمسوا لَيْلَة الْقدر آخر لَيْلَة من رَمَضَان
وَأخرج مُحَمَّد بن نصر عَن أبي ذَر قَالَ: قلت يَا رَسُول الله: أَخْبرنِي عَن لَيْلَة الْقدر أَي شَيْء تكون فِي زمَان الْأَنْبِيَاء ينزل عَلَيْهِم فِيهَا الْوَحْي فَإِذا قبضوا رفعت أم هِيَ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة قَالَ: بل هِيَ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة
قلت يَا رَسُول الله: فِي أَي رَمَضَان هِيَ قَالَ: التمسوها فِي الْعشْر الأول وَفِي الْعشْر الْأَوَاخِر
قَالَ: ثمَّ حدث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَحدث فاهتبلت غفلته فَقلت: يَا رَسُول الله أَقْسَمت عَلَيْك تُخبرنِي أَو لما أَخْبَرتنِي فِي أَي الْعشْر هِيَ فَغَضب عليّ غَضبا مَا غضب عليّ مثله لَا قبله وَلَا بعده(8/572)
فَقَالَ: إِن الله لَو شَاءَ لأطلعكم عَلَيْهَا التمسوها فِي السَّبع الْأَوَاخِر لَا تَسْأَلنِي عَن شَيْء بعْدهَا
وَأخرج البُخَارِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ عَن عَائِشَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: تحروا لَيْلَة الْقدر فِي الْوتر من الْعشْر الْأَوَاخِر من رَمَضَان
وَأخرج مَالك وَابْن أبي شيبَة وَالطَّيَالِسِي وَأحمد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَابْن ماجة وَابْن جرير وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يعْتَكف الْعشْر الْأَوْسَط من شهر رَمَضَان فاعتكف عَاما حَتَّى إِذا كَانَ لَيْلَة إِحْدَى وَعشْرين وَهِي اللَّيْلَة الَّتِي يخرج من اعْتِكَافه فَقَالَ: من اعْتكف معي فليعتكف الْعشْر الْأَوَاخِر وَقد رَأَيْت هَذِه اللَّيْلَة ثمَّ أنسيتها وَقد رَأَيْتنِي أَسجد من صبيحتها فِي مَاء وطين فالتمسوها فِي الْعشْر الْأَوَاخِر والتمسوها فِي كل وتر
قَالَ أَبُو سعيد: فمطرت السَّمَاء من تِلْكَ اللَّيْلَة وَكَانَ الْمَسْجِد على عَرِيش فوكف الْمَسْجِد
قَالَ أَبُو سعيد: فَأَبْصَرت عَيْنَايَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعَلى جَبهته وَأَنْفه أثر المَاء والطين من صَبِيحَة إِحْدَى وَعشْرين
وَأخرج مَالك وَابْن سعد وَابْن أبي شيبَة وَأحمد وَمُسلم وَابْن زَنْجوَيْه والطَّحَاوِي وَالْبَيْهَقِيّ عَن عبد الله بن أنيس أَنه سُئِلَ عَن لَيْلَة الْقدر فَقَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: التمسوها اللَّيْلَة وَتلك اللَّيْلَة وَلَيْلَة ثَلَاث وَعشْرين
وَأخرج مَالك وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي النَّضر مولى عمر بن عبد الله بن أنس الْجُهَنِيّ قَالَ لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يَا رَسُول الله إِنِّي رجل شاسع الدَّار فمرني بليلة أنزلهَا
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أنزل لَيْلَة ثَلَاث وَعشْرين من رَمَضَان
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن الزُّهْرِيّ قَالَ: قلت لضمرة بن عبد الله بن أنيس مَا قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأَبِيك لَيْلَة الْقدر قَالَ: كَانَ أبي صَاحب بادية قَالَ: فَقلت يَا رَسُول الله مرني بليلة أنزل فِيهَا قَالَ: انْزِلْ لَيْلَة ثَلَاث وَعشْرين
قَالَ: فَلَمَّا تولى قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: اطلبوها فِي الْعشْر الْأَوَاخِر
وَأخرج مَالك وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عمر أَن رجَالًا من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَأَوْا لَيْلَة الْقدر فِي السَّبع الْأَوَاخِر فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِنِّي أرى(8/573)
رؤياكم قد توطأت فِي السَّبع الْأَوَاخِر فَمن كَانَ متحريها فليتحرها فِي السَّبع الْأَوَاخِر
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَعبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن عبَادَة بن الصَّامِت قَالَ: خرج نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ يُرِيد أَن يخبرنا بليلة الْقدر فتلاحى رجلَانِ من الْمُسلمين قَالَ: خرجت لأخبركم بليلة الْقدر فتلاحى رجلَانِ من الْمُسلمين فلَان وَفُلَان فَرفعت وَعَسَى أَن يكون خيرا لكم فالتمسوها فِي التَّاسِعَة وَالسَّابِعَة وَالْخَامِسَة
وَأخرج الطَّيَالِسِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن عبَادَة بن الصَّامِت أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خرج وَهُوَ يُرِيد أَن يخبر أَصْحَابه بليلة الْقدر فتلاحى رجلَانِ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: خرجت وَأَنا أُرِيد أَن أخْبركُم بليلة الْقدر فتلاحى رجالن فاختلجت مني فاطلبوها فِي الْعشْر الْأَوَاخِر فِي تاسعة تبقى أَو سابعة تبقى أَو خَامِسَة تبقى
وَأخرج البُخَارِيّ وَأَبُو دَاوُد وَابْن جرير وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: التمسوها فِي الْعشْر الْأَوَاخِر من رَمَضَان فِي تاسعة تبقى وَفِي سابعة تبقى وَفِي خَامِسَة تبقى
وَأخرج أَحْمد عَن أنس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: التمسوها فِي الْعشْر الْأَوَاخِر فِي تاسعة وسابعة وخامسة
وَأخرج الطَّيَالِسِيّ وَابْن أبي شيبَة وَأحمد وَعبد بن حميد وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ عَن عبد الرَّحْمَن بن جوشن قَالَ: ذكرت لَيْلَة الْقدر عِنْد أبي بكرَة فَقَالَ: أما أَنا فلست بملتمسها إِلَّا فِي الْعشْر الْأَوَاخِر بعد حَدِيث سمعته من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: التمسوها فِي الْعشْر الْأَوَاخِر لتاسعة تبقى أَو سابعة تبقى أَو ثَالِثَة تبقى أَو آخر لَيْلَة فَكَانَ أَبُو بكرَة رَضِي الله عَنهُ يُصَلِّي فِي عشْرين من رَمَضَان كَمَا كَانَ يُصَلِّي فِي سَائِر السّنة فَإِذا دخل الْعشْر اجْتهد
وَأخرج أَحْمد وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيّ من طَرِيق أبي نَضرة عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: التمسوها فِي الْعشْر الْأَوَاخِر من رَمَضَان فالتمسوها فِي التَّاسِعَة وَالسَّابِعَة وَالْخَامِسَة قلت يَا أَبَا سعيد إِنَّكُم أعلم بِالْعدَدِ(8/574)
منا
قَالَ: أجل قلت: مَا التَّاسِعَة وَالسَّابِعَة وَالْخَامِسَة قَالَ: إِذا مَضَت وَاحِدَة وَعِشْرُونَ فالتي تَلِيهَا التَّاسِعَة وَإِذا مضى الثَّلَاث وَالْعشْرُونَ فالتي تَلِيهَا السَّابِعَة وَإِذا مضى خمس وَعِشْرُونَ فالتي تَلِيهَا الْخَامِسَة
وَأخرج الطَّيَالِسِيّ عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَيْلَة الْقدر أَربع وَعِشْرُونَ
وَأخرج أَحْمد والطَّحَاوِي وَمُحَمّد بن نصر وَابْن جرير وَالطَّبَرَانِيّ وَأَبُو دَاوُد وَابْن مرْدَوَيْه عَن بِلَال رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَيْلَة الْقدر لَيْلَة أَربع وَعشْرين
وَأخرج ابْن سعد وَمُحَمّد بن نصر وَابْن جرير عَن عبد الرَّحْمَن بن عسلة الصنَابحِي رَضِي الله عَنهُ قَالَ: مَا فَاتَنِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَّا بِخمْس لَيَال توفّي وَأَنا بِالْجُحْفَةِ فَقدمت على أَصْحَابه متوافرين فَسَأَلت بِلَالًا رَضِي الله عَنهُ عَن لَيْلَة الْقدر فَقَالَ: لَيْلَة ثَلَاث وَعشْرين
وَأخرج مُحَمَّد بن نصر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: التمسوا لَيْلَة الْقدر فِي أَربع وَعشْرين
وَأخرج الطَّيَالِسِيّ وَابْن زَنْجوَيْه وَابْن حبَان وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي ذَر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: صمنا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلم يقم بِنَا شَيْئا من الشَّهْر حَتَّى إِذا كَانَت لَيْلَة أَربع وَعشْرين السَّابِع مِمَّا يبْقى صلى بِنَا حَتَّى كَاد أَن يذهب ثلث اللَّيْل فَلَمَّا كَانَت لَيْلَة خمس وَعشْرين لم يصل بِنَا فَلَمَّا كَانَت لَيْلَة سِتّ وَعشْرين السَّابِع مِمَّا بَقِي صلى بِنَا حَتَّى كَاد أَن يتأطر اللَّيْل فَقلت يَا رَسُول الله: لَو نفلتنا بَقِيَّة ليلتنا فَقَالَ: لَا إِن الرجل إِذا صلى مَعَ الإِمام حَتَّى ينْصَرف كتب لَهُ قيام لَيْلَة فلماكانت لَيْلَة سبع وَعشْرين لم يصل بِنَا فَلَمَّا كَانَت لَيْلَة ثَمَان وَعشْرين جمع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَاجْتمعَ لَهُ النَّاس فصلى بِنَا حَتَّى كَاد أَن يفوتنا الْفَلاح ثمَّ لم يصل بِنَا شَيْئا من الشَّهْر والفلاح السّحُور
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَابْن زَنْجوَيْه وَعبد بن حميد وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير وَابْن حبَان وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ عَن زر بن حُبَيْش(8/575)
قَالَ: سَأَلت أبيّ بن كَعْب عَن لَيْلَة الْقدر قلت: إِن أَخَاك عبد الله بن مَسْعُود يَقُول: من يقم الْحول يصب لَيْلَة الْقدر فَحلف لَا يَسْتَثْنِي أَنَّهَا لَيْلَة سبع وَعشْرين
قلت: بِمَ تَقول ذَلِك أَبَا الْمُنْذر قَالَ: بِالْآيَةِ والعلامة الَّتِي قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِنَّهَا تصبح من ذَلِك الْيَوْم تطلع الشَّمْس لَيْسَ لَهَا شُعَاع
وَلَفظ ابْن حبَان: بَيْضَاء لَا شُعَاع لَهَا كَأَنَّهَا طست
وَأخرج مُحَمَّد بن نصر وَابْن جرير وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ من طَرِيق عَاصِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ عمر رَضِي الله عَنهُ يدعوني مَعَ أَصْحَاب مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَيَقُول: لَا تَتَكَلَّم حَتَّى يتكلموا فَدَعَاهُمْ فَسَأَلَهُمْ فَقَالَ: أَرَأَيْتُم قَول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي لَيْلَة الْقدر: التمسوها فِي الْعشْر الْأَوَاخِر وترا أَي لَيْلَة ترونها فَقَالَ بَعضهم: لَيْلَة إِحْدَى وَعشْرين وَقَالَ بَعضهم: لَيْلَة ثَلَاث وَقَالَ بَعضهم: لَيْلَة خمس وَقَالَ بَعضهم: لَيْلَة سبع
فَقَالُوا: وَأَنا سَاكِت
فَقَالَ: مَالك لَا تَتَكَلَّم فَقلت: إِنَّك أَمرتنِي أَن لَا أَتكَلّم حَتَّى يتكلموا
فَقَالَ: مَا أرْسلت إِلَيْك إِلَّا لتكلم فَقَالَ: إِنِّي سَمِعت الله يذكر السَّبع فَذكر سبع سموات وَمن الأَرْض مِثْلهنَّ وَخلق الإِنسان من سبع وَنبت الأَرْض سبع
فَقَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ: هَذَا أَخْبَرتنِي بِمَا أعلم أَرَأَيْت مَا لَا أعلم فَذَلِك نبت الأَرْض سبع
قلت: قَالَ الله عز وَجل (شققنا الأَرْض فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حبا وَعِنَبًا وَقَضْبًا وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا وَحَدَائِق غلبا وَفَاكِهَة وَأَبا) (سُورَة عبس الْآيَة 26) قَالَ: فالحدائق غلبا الْحِيطَان من النّخل وَالشَّجر (وَفَاكِهَة وَأَبا) فالأب مَا أنبتت الأَرْض مِمَّا تَأْكُله الدَّوَابّ والأنعام وَلَا تَأْكُله النَّاس
فَقَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ لأَصْحَابه: أعجزتم أَن تَقولُوا كَمَا قَالَ هَذَا الْغُلَام الَّذِي لم يجْتَمع شؤون رَأسه وَالله إِنِّي لأرى القَوْل كَمَا قلت وَقد أَمرتك أَن لَا تَتَكَلَّم مَعَهم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن رَاهَوَيْه وَمُحَمّد بن نصر وَالطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ من طَرِيق عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: دَعَا عمر رَضِي الله عَنهُ أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَسَأَلَهُمْ عَن لَيْلَة الْقدر فَاجْتمعُوا أَنَّهَا فِي الْعشْر الْأَوَاخِر فَقلت لعمر: إِنِّي لأعْلم(8/576)
وَإِنِّي لأَظُن أَي لَيْلَة هِيَ قَالَ: وَأي لَيْلَة هِيَ قَالَ: سابعة تبقى من الْعشْر الْأَوَاخِر قَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ: وَمن أَيْن علمت ذَلِك قلت: خلق الله سبع سموات وَسبع أَرضين وَسبع أَيَّام وَإِن الدَّهْر يَدُور فِي سبع وَخلق الإِنسان من سبع وَيَأْكُل من سبع وَيسْجد على سَبْعَة أَعْضَاء وَالطّواف بِالْبَيْتِ سبع والجمار سبع لِأَشْيَاء ذكرهَا
فَقَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ لقد فطنت لأمر مَا فطنا لَهُ وَكَانَ قَتَادَة يزِيد عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: وَيَأْكُل من سبع
قَالَ: هُوَ قَول الله تَعَالَى: (فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حبا وَعِنَبًا وَقَضْبًا) الْآيَة
وَأخرج ابْن سعد وَعبد بن حميد عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ يدني ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا وَكَانَ نَاس من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فكأنهم وجدوا فِي أنفسهم فَقَالَ: لَأَرَيْتُكُمْ الْيَوْم مِنْهُ شَيْئا تعرفُون فَضله فَسَأَلَهُمْ عَن هَذِه السُّورَة (إِذا جَاءَ نصر الله) (سُورَة النَّصْر) فَقَالُوا: أَمر نَبينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا رأى مسارعة النَّاس فِي الإِسلام ودخولهم فِيهِ أَن يحمد الله ويستغفره فَقَالَ عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ: يَا ابْن عَبَّاس مَالك لَا تَتَكَلَّم فَقَالَ: أعلمهُ مَتى يَمُوت
قَالَ: (إِذا جَاءَ نصر الله وَالْفَتْح وَرَأَيْت النَّاس يدْخلُونَ فِي دين الله أَفْوَاجًا) فَهِيَ آيتك من الْمَوْت فَقَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ: صدق وَالَّذِي نفس عمر بِيَدِهِ مَا أعلم مِنْهَا إِلَّا مَا علمت
قَالَ: وسألهم عَن لَيْلَة الْقدر فَأَكْثرُوا فِيهَا فَقَالُوا: كُنَّا نرى أَنَّهَا فِي الْعشْر الْأَوْسَط ثمَّ بلغنَا أَنَّهَا فِي الْعشْر الْأَوَاخِر فَأَكْثرُوا فِيهَا فَقَالَ بَعضهم: لَيْلَة إِحْدَى وَعشْرين وَقَالَ بَعضهم: ثَلَاث وَعشْرين وَقَالَ بَعضهم: سبع وَعشْرين
فَقَالَ لَهُ عمر رَضِي الله عَنهُ مَالك يَا ابْن عَبَّاس لَا تَتَكَلَّم قَالَ: الله أعلم
قَالَ: قد نعلم أَن الله أعلم وَلَكِنِّي إِنَّمَا أَسأَلك عَن علمك فَقَالَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا: إِن الله وتر يحب الْوتر خلق سبع سموات وَجعل عدد الْأَيَّام سبعا وَجعل الطّواف بِالْبَيْتِ سبعا وَالسَّعْي بَين الصَّفَا والمروة سبعا وَرمي الْجمار سبعا وَخلق الإِنسان من سبع وَجعل رزقه من سبع
قَالَ: كَيفَ خلق الإِنسان من سبع وَجعل رزقه(8/577)
من سبع فقد فهمت من هَذَا شَيْئا لم أفهمهُ قَالَ: قَول الله: (لقد خلقنَا الإِنسان من سلالة من طين) إِلَى قَوْله: (فَتَبَارَكَ الله أحسن الْخَالِقِينَ) (سُورَة الْمُؤمنِينَ الْآيَة 14) ثمَّ ذكر رزقه فَقَالَ: (إِنَّا صببنا المَاء صبا) (سُورَة عبس الْآيَة 26) إِلَى قَوْله: (وَفَاكِهَة وَأَبا) فالأب مَا أنبتت الأَرْض للأنعام والسبعة رزق لبني آدم قَالَ: لَا أَرَاهَا وَالله أعلم إِلَّا لثلاث يمضين وَسبع يبْقين
وَأخرج أَبُو نعيم فِي الْحِلْية من طَرِيق مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ رَضِي الله عَنهُ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ جلس فِي رَهْط من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الْمُهَاجِرين فَذكرُوا لَيْلَة الْقدر فَتكلم مِنْهُم من سمع فِيهَا بِشَيْء مِمَّا سمع فتراجع الْقَوْم فِيهَا الْكَلَام فَقَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ مَالك يَا ابْن عَبَّاس صَامت لَا تَتَكَلَّم تكلم وَلَا يمنعك الحداثة
قَالَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا: فَقلت يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ: إِن الله تَعَالَى وتر يحب الْوتر فَجعل أَيَّام الدُّنْيَا تَدور على سبع وَخلق الإِنسان من سبع وَجعل فَوْقنَا سموات سبعا وَخلق تحتنا أَرضين سبعا وَأعْطى من المثاني سبعا وَنهى فِي كِتَابه عَن نِكَاح الْأَقْرَبين عَن سبع وَقسم الْمِيرَاث فِي كِتَابه على سبع ونقع فِي السُّجُود من أَجْسَادنَا على سبع وَطَاف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْكَعْبَةِ سبعا وَبَين الصَّفَا والمروة سبعا وَرمى الْجمار سبع لإِقامة ذكر الله فِي كِتَابه فأراها فِي السَّبع الْأَوَاخِر من شهر رَمَضَان وَالله أعلم قَالَ: فتعب عمر رَضِي الله عَنهُ وَقَالَ: وَمَا وَافقنِي فِيهَا أحد إِلَّا هَذَا الْغُلَام الَّذِي لم يسر شؤون رَأسه إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: التمسوها فِي الْعشْر الْأَوَاخِر ثمَّ قَالَ: يَا هَؤُلَاءِ من يُؤَدِّي فِي هَذَا كأداء ابْن عَبَّاس
وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: التمسوا لَيْلَة الْقدر لَيْلَة سبع وَعشْرين
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن زر رَضِي الله عَنهُ أَنه سُئِلَ عَن لَيْلَة الْقدر فَقَالَ: كَانَ عمر وَحُذَيْفَة وناس من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يَشكونَ أَنَّهَا لَيْلَة سبع وَعشْرين(8/578)
وَأخرج ابْن نصر وَابْن جرير فِي تهذيبه عَن مُعَاوِيَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: التمسوا لَيْلَة الْقدر فِي آخر لَيْلَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: أتيت وَأَنا نَائِم فِي رَمَضَان فَقيل لي: إِن اللَّيْلَة لَيْلَة الْقدر فَقُمْت وَأَنا ناعس فتعلقت بِبَعْض أطناب فسطاط رَسُول الله الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأتيت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ يُصَلِّي فَنَظَرت فِي اللَّيْلَة فَإِذا هِيَ لَيْلَة ثَلَاث وَعشْرين قَالَ: فَقَالَ ابْن عَبَّاس: إِن الشَّيْطَان يطلع مَعَ الشَّمْس كل يَوْم إِلَّا لَيْلَة الْقدر وَذَلِكَ أَنَّهَا تطلع يَوْمئِذٍ بَيْضَاء لَا شُعَاع لَهَا
وَأخرج مُحَمَّد بن نصر وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن النُّعْمَان بن بشير رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قمنا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي رَمَضَان لَيْلَة ثَلَاث وَعشْرين إِلَى ثلث اللَّيْل ثمَّ قمنا مَعَه لَيْلَة خمس وَعشْرين إِلَى نصف اللَّيْل ثمَّ قمنا مَعَه لَيْلَة سبع وَعشْرين حَتَّى ظَنَنْت أَنا لَا ندرك الْفَلاح وَأَنْتُم تسمون السّحُور وَأَنت تَقولُونَ لَيْلَة سابعة ثَلَاث عشر وَنحن نقُول لَيْلَة سابعة سبع وَعشْرين أفنحن أصوب أم أَنْتُم
وَأخرج مُحَمَّد بن نصر عَن عبد الله بن عَمْرو قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: التمسوا لَيْلَة الْقدر فِي الْعشْر الْبَاقِيَات من شهر رَمَضَان فِي الْخَامِسَة وَالسَّابِعَة والتاسعة
وَأخرج البُخَارِيّ فِي تَارِيخه عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنهُ: سَأَلَ عمر رَضِي الله عَنهُ أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن لَيْلَة الْقدر فَقَالَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا: إِن رَبِّي يحب السَّبع (وَلَقَد آتيناك سبعا من المثاني) (سُورَة الْحجر الْآيَة 87) قَالَ البُخَارِيّ فِي إِسْنَاده نظر
وَأخرج الطَّيَالِسِيّ وَأحمد وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فِي لَيْلَة الْقدر: إِنَّهَا لَيْلَة سابعة أَو تاسعة وَعشْرين وَإِن الْمَلَائِكَة فِي تِلْكَ اللَّيْلَة فِي الأَرْض أَكثر من عدد الْحَصَى
وَأخرج مُحَمَّد بن نصر من طَرِيق أبي مَيْمُون عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ:(8/579)
إِنَّهَا السَّابِعَة وتاسعة وَالْمَلَائِكَة مَعهَا أَكثر من عدد نُجُوم السَّمَاء وَزعم أَنَّهَا فِي قَوْله: أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ لَيْلَة أَربع وَعشْرين
وَأخرج مُحَمَّد بن نصر وَابْن جرير وَالطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا ن رجلا أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا نَبِي الله إِنِّي شيخ كَبِير يشق عليّ الْقيام فمرني بليلة لَعَلَّ الله أَن يوفقني فِيهَا لليلة الْقدر قَالَ: عَلَيْك بالسابعة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن منيع وَالْبُخَارِيّ فِي تَارِيخه وَالطَّبَرَانِيّ وَأَبُو الشَّيْخ وَالْبَيْهَقِيّ عَن حوّة الْعَبْدي قَالَ: سُئِلَ زيد بن أَرقم رَضِي الله عَنهُ عَن لَيْلَة الْقدر فَقَالَ: لَيْلَة سبع عشرَة مَا تشك وَلَا تستثن وَقَالَ: لَيْلَة نزل الْقُرْآن وَيَوْم الْفرْقَان يَوْم التقى الْجَمْعَانِ
وَأخرج الْحَرْث بن أبي أُسَامَة عَن عبد الله بن الزبير رَضِي الله عَنهُ قَالَ: هِيَ اللَّيْلَة الَّتِي لَقِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي يَوْمهَا أهل بدر يَقُول الله: (وَمَا أنزلنَا على عَبدنَا يَوْم الْفرْقَان يَوْم التقى الْجَمْعَانِ) (سُورَة الْأَنْفَال الْآيَة 41) قَالَ جَعْفَر رَضِي الله عَنهُ: بَلغنِي أَنَّهَا لَيْلَة سِتّ عشرَة أَو سبع عشرَة
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة وَمُحَمّد بن نصر وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: التمسوا لَيْلَة الْقدر لسبع عشرَة خلت من رَمَضَان فَإِنَّهَا صَبِيحَة يَوْم بدر الَّتِي قَالَ الله: (وَمَا أنزلنَا على عَبدنَا يَوْم الْفرْقَان يَوْم التقى الْجَمْعَانِ) وَفِي إِحْدَى وَعشْرين وَفِي ثَلَاث وَعشْرين فَإِنَّهَا لَا تكون إِلَّا فِي وتر
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ لنا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: اطلبوها لَيْلَة سبع عشرَة من رَمَضَان وَلَيْلَة إِحْدَى وَعشْرين وَلَيْلَة ثَلَاث وَعشْرين ثمَّ سكت
وَأخرج الطَّحَاوِيّ عَن عبد الله بن أنيس رَضِي الله عَنهُ أَنه سَأَلَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن لَيْلَة الْقدر فَقَالَ: تحروها فِي النّصْف الْأَخير ثمَّ عَاد فَسَأَلَهُ فَقَالَ: إِلَى ثَلَاث وَعشْرين(8/580)
وَأخرج أَحْمد وَمُحَمّد بن نصر عَن معَاذ بن جبل رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سُئِلَ عَن لَيْلَة الْقدر فَقَالَ: هِيَ فِي الْعشْر الْأَوَاخِر أَو فِي الثَّالِثَة أَو فِي الْخَامِسَة
وَأخرج أَحْمد عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: اطلبو لَيْلَة الْقدر فِي الْعشْر الْأَوَاخِر فِي تسع يبْقين وَسبع يبْقين وَخمْس يبْقين وَثَلَاث يبْقين
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة عَن أبي قلَابَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لَيْلَة الْقدر تنْتَقل فِي الْعشْر الْأَوَاخِر فِي كل وتر
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي بكر بن عبد الرَّحْمَن بن الْحَرْث بن هِشَام قَالَ: لَيْلَة الْقدر لَيْلَة سبع عشرَة لَيْلَة جُمُعَة
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن عَمْرو بن حويرث قَالَ: إِنَّمَا أرى أَن لَيْلَة الْقدر لسبع عشرَة لَيْلَة الْفرْقَان
وَأخرج مُحَمَّد بن نصر وَالطَّبَرَانِيّ عَن خَارِجَة بن زيد رَضِي الله عَنهُ بن [عَن] ثَابت عَن أَبِيه أَنه كَانَ يحيي لَيْلَة ثَلَاث وَعشْرين من شهر رَمَضَان وَلَيْلَة سبع وَعشْرين وَلَا [] كإحياء لَيْلَة سبع عشرَة فَقيل لَهُ: كَيفَ تحيي لَيْلَة سبع عشرَة قَالَ: إِن فِيهَا نزل الْقُرْآن وَفِي صبيحتها فرق بَين الْحق وَالْبَاطِل
وَأخرج مُحَمَّد بن نصر عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ فِي لَيْلَة الْقدر: تحروها لاحدى عشرَة يبْقين صبيحتها يَوْم بدر لتسْع يبْقين ولسبع يبْقين فَإِن الشَّمْس تطلع كل يَوْم بَين قَرْني الشَّيْطَان إِلَّا صَبِيحَة لَيْلَة الْقدر فَإِنَّهَا تطلع لَيْسَ لَهَا شُعَاع
وَأخرج الطَّيَالِسِيّ وَمُحَمّد بن نصر وَالْبَيْهَقِيّ وَضَعفه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فِي لَيْلَة الْقدر: لَيْلَة سَمْحَة طَلْقَة لَا حارة وَلَا بَارِدَة تصبح شمس صبيحتها ضَعِيفَة حَمْرَاء
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَيْلَة الْقدر لَيْلَة بلجة سَمْحَة تطلع شمسها لَيْسَ لَهَا شُعَاع
وَأخرج ابْن جرير فِي تهذيبه عَن أبي قلَابَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لَيْلَة الْقدر تجول فِي ليَالِي الْعشْر كلهَا(8/581)
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: من قَامَ لَيْلَة الْقدر إِيمَانًا واحتساباً غفر لَهُ مَا تقدم من ذَنبه
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا دخل الشَّهْر أيقظ أَهله وَرفع مِئْزَره
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: كَانَ رَسُول الله يجْتَهد فِي الْعشْر اجْتِهَادًا لَا يجْتَهد فِي غَيره
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن عَليّ بن أبي طَالب قَالَ: أَنا وَالله حرضت عمر على الْقيام فِي شهر رَمَضَان قيل: وَكَيف ذَلِك يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ قَالَ: أخْبرته أَن فِي السَّمَاء السَّابِعَة حَظِيرَة يُقَال لَهَا حَظِيرَة الْقُدس فِيهَا مَلَائِكَة يُقَال لَهُم الرّوح وَفِي لفظ الروحانيون فَإِذا كَانَ لَيْلَة الْقدر اسْتَأْذنُوا رَبهم فِي النُّزُول إِلَى الدُّنْيَا فَيَأْذَن لَهُم فَلَا يَمرونَ على مَسْجِد يصلى فِيهِ وَلَا يستقبلون أحدا فِي طَرِيق إِلَّا دعوا لَهُ فَأَصَابَهُ مِنْهُم بركَة
فَقَالَ لَهُ عمر: يَا أَبَا الْحسن فنحرض النَّاس على الصَّلَاة حَتَّى تصيبهم الْبركَة فَأمر النَّاس بِالْقيامِ
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن أنس بن مَالك قَالَ: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من صلى الْمغرب وَالْعشَاء فِي جمَاعَة حَتَّى يَنْقَضِي شهر رَمَضَان فقد أصَاب من لَيْلَة الْقدر بحظ والفر
وَأخرج ابْن خُزَيْمَة وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من صلى الْعشَاء الْأَخِيرَة فِي جمَاعَة فِي رَمَضَان فقد أدْرك لَيْلَة الْقدر
وَأخرج ابْن زَنْجوَيْه عَن ابْن عَمْرو قَالَ: من صلى الْعشَاء الْأَخِيرَة فِي جمَاعَة فِي رَمَضَان أصَاب لَيْلَة الْقدر
وَأخرج مَالك وَابْن أبي شيبَة وَابْن زَنْجوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ عَن سعيد بن الْمسيب قَالَ: من شهد الْعشَاء لَيْلَة الْقدر فِي جمَاعَة فقد أَخذ بحظه مِنْهَا
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن عليّ قَالَ: من صلى الْعشَاء كل لَيْلَة فِي شهر رَمَضَان حَتَّى يَنْسَلِخ فقد قامه
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عَامر قَالَ: يَوْمهَا كليلتها وليلتها كيومها
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الْحسن بن الْحر قَالَ: بَلغنِي أَن الْعَمَل فِي يَوْم الْقدر كالعمل فِي لَيْلَتهَا(8/582)
وَأخرج أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَمُحَمّد بن نصر وَالْبَيْهَقِيّ عَن عَائِشَة قَالَت: قلت يَا رَسُول الله: إِن وَافَقت لَيْلَة الْقدر فَمَا أَقُول قَالَ: قولي اللَّهُمَّ إِنَّك عَفْو تحب الْعَفو فاعفُ عني
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَمُحَمّد بن نصر وَالْبَيْهَقِيّ عَن عَائِشَة قَالَت: لَو عرفت أَي لَيْلَة الْقدر مَا سَأَلت الله فِيهَا إِلَّا الْعَافِيَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عَائِشَة قَالَت: لَو علمت أَي لَيْلَة الْقدر كَانَ أَكثر دعائي فِيهَا أسأَل الله الْعَفو والعافية
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن أبي يحيى بن أبي مرّة قَالَ: طفت لَيْلَة السَّابِع وَالْعِشْرين من شهر رَمَضَان فَرَأَيْت الْمَلَائِكَة تَطوف فِي الهواجر إِلَى الْبَيْت
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق الْأَوْزَاعِيّ عَن عَبدة بن أبي لبَابَة قَالَ: ذقت مَاء الْبَحْر لَيْلَة سبع وَعشْرين من شهر رَمَضَان فَإِذا هُوَ عذب
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن أَيُّوب بن خَالِد قَالَ: كنت فِي الْبَحْر فأجنبت لَيْلَة ثَلَاثًا وَعشْرين من شهر رَمَضَان فاغتسلت من مَاء الْبَحْر فَوَجَدته عذباً فراتا
وَأخرج بن زَنْجوَيْه وَمُحَمّد بن نصر عَن كَعْب الْأَحْبَار قَالَ: نجد هَذِه اللَّيْلَة فِي الْكتب حطوطاً تحط الذُّنُوب يُرِيد لَيْلَة الْقدر
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِذا كَانَ لَيْلَة الْقدر نزل جِبْرِيل فِي كبكبة من الْمَلَائِكَة يصلونَ على كل عبد قَائِم أَو قَاعد يذكر الله تَعَالَى فَإِذا كَانَ يَوْم عيدهم باهى بهم الْمَلَائِكَة فَقَالَ: يَا ملائكتي مَا جَزَاء أجِير وفى عمله قَالُوا: رَبنَا جَزَاؤُهُ أَن يُؤْتى أجره
قَالَ: يَا ملائكتي عَبِيدِي وإمائي قضوا فريضتي عَلَيْهِم ثمَّ خَرجُوا يعجون إليّ بِالدُّعَاءِ وَعِزَّتِي وَجَلَالِي وكرمي وعلوي وارتفاع مَكَاني لأجيبنهم فَيَقُول: ارْجعُوا فقد عفرت لكم وبدلت سَيِّئَاتكُمْ حَسَنَات فيرجعون مغفوراً لَهُم
وَأخرج الزجاجي فِي أَمَالِيهِ عَن عَليّ بن أبي طَالب قَالَ: إِذا أَتَى أحدكُم الْحَاجة فليبكر فِي طلبَهَا يَوْم الْخَمِيس فَإِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: اللَّهُمَّ بَارك لأمتي فِي بكورها يَوْم الْخَمِيس
وليقرأ إِذا خرج من منزله آخر سُورَة آل عمرَان و {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَة الْقدر}(8/583)
وَأم الْكتاب فَإِن فِيهِنَّ قَضَاء حوائج الدُّنْيَا وَالْآخِرَة
وَأخرج أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَمُحَمّد بن نصر وَالطَّبَرَانِيّ عَن عَليّ قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُوتر بتسع سور فِي ثَلَاث رَكْعَات (أَلْهَاكُم التكاثر) و {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَة الْقدر} و (إِذا زلزلت الأَرْض) فِي رَكْعَة وَفِي الثَّانِيَة (وَالْعصر) و (إِذا جَاءَ نصر الله) و (إِنَّا أعطيناك الْكَوْثَر) وَفِي الثَّالِثَة (قل يَا أَيهَا الْكَافِرُونَ) (وتبت يدا أبي لَهب) (وَقل هُوَ الله أحد) وَأخرج مُحَمَّد بن نصر عَن أنس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: من قَرَأَ {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَة الْقدر} عدلت بِربع الْقُرْآن وَمن قَرَأَ (إِذا زلزلت) عدلت بِنصْف الْقُرْآن (وَقل يَا أَيهَا الْكَافِرُونَ) تعدل ربع الْقُرْآن (وَقل هُوَ الله أحد) تعدل ثلث الْقُرْآن
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم(8/584)
98
سُورَة الْبَيِّنَة
مَدَنِيَّة وآياتها ثَمَان
الْآيَة 1 - 7(8/585)
لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ (1) رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً (2) فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ (3) وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ (4) وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ (5) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ (6) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (7)
أخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: نزلت سُورَة {لم يكن} بِالْمَدِينَةِ
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عَائِشَة قَالَت: نزلت سُورَة {لم يكن} بِمَكَّة
وَأخرج أَبُو نعيم فِي الْمعرفَة عَن اسماعيل بن أبي حَكِيم الْمُزنِيّ أحد بني فُضَيْل: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: إِن الله ليسمع قِرَاءَة {لم يكن} فَيَقُول: أبشر عَبدِي فَوَعِزَّتِي وَجَلَالِي لأمكنن لَك فِي الْجنَّة حَتَّى ترْضى
وَأخرج أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيّ فِي الْمعرفَة عَن اسماعيل بن أبي حَكِيم عَن مطر الْمُزنِيّ أَو الْمدنِي عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن الله ليسمع قِرَاءَة {لم يكن الَّذين كفرُوا}(8/585)
فَيَقُول: أبشر عَبدِي فَوَعِزَّتِي وَجَلَالِي لَا أنساك على حَال من أَحْوَال الدُّنْيَا وَالْآخِرَة ولأمكنن لَك فِي الْجنَّة حَتَّى ترْضى
وَأخرج أَحْمد وَابْن قَانِع فِي مُعْجم الصَّحَابَة وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي حَبَّة البدري قَالَ: لما نزلت {لم يكن الَّذين كفرُوا من أهل الْكتاب} إِلَى آخرهَا قَالَ جِبْرِيل للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يَا رَسُول الله إِن رَبك يَأْمُرك أَن تقرئها أَبَيَا فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأبي: إِن جِبْرِيل أَمرنِي أَن أقرئك هَذِه السُّورَة
قَالَ أبيّ: وَقد ذكرت ثمَّ يَا رَسُول الله قَالَ: نعم فَبكى
وَأخرج ابْن سعد وَأحمد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَابْن مرْدَوَيْه عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأبيّ بن كَعْب: إِن الله أَمرنِي أَن أَقرَأ عَلَيْك {لم يكن الَّذين كفرُوا} قَالَ: وسماني لَك قَالَ: نعم فَبكى وَفِي لفظ: لما نزلت {لم يكن الَّذين كفرُوا} دَعَا أبيّ بن كَعْب فقرأها عَلَيْهِ فَقَالَ: أمرت أَن أَقرَأ عَلَيْك
وَأخرج أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن أُبي بن كَعْب إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن الله أَمرنِي أَن أَقرَأ عَلَيْك الْقُرْآن {لم يكن الَّذين كفرُوا من أهل الْكتاب} فَقَرَأَ فِيهَا وَلَو أَن ابْن آدم سَأَلَ وَاديا من مَال فأعطيته لسأل ثَانِيًا وَلَو سَأَلَ ثَانِيًا فأعطيته لسأل ثَالِثا وَلَا يمْلَأ جَوف ابْن آدم إِلَّا التُّرَاب وَيَتُوب الله على من تَابَ وَإِن ذَات الدّين عِنْد الله الحنيفية غير المشركة وَلَا الْيَهُودِيَّة وَلَا النَّصْرَانِيَّة وَمن يفعل ذَلِك فَلَنْ يكفره
وَأخرج أَحْمد عَن أبيّ بن كَعْب قَالَ: قَالَ لي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن الله أَمرنِي أَن أَقرَأ عَلَيْك فَقَرَأَ عليَّ {لم يكن الَّذين كفرُوا من أهل الْكتاب وَالْمُشْرِكين منفكين حَتَّى تأتيهم الْبَيِّنَة رَسُول من الله يَتْلُو صحفاً مطهرة فِيهَا كتب قيمَة وَمَا تفرق الَّذين أُوتُوا الْكتاب إِلَّا من بعد مَا جَاءَتْهُم الْبَيِّنَة} إِن الدّين عِنْد الله الحنيفية غير المشركة وَلَا الْيَهُودِيَّة وَلَا النَّصْرَانِيَّة وَمن يفعل خيرا فَلَنْ يكفره
قَالَ شُعْبَة: ثمَّ قَرَأَ آيَات بعْدهَا ثمَّ قَرَأَ لَو أَن لِابْنِ آدم وَاديا من مَال لسأل وَاديا ثَانِيًا وَلَا يمْلَأ جَوف ابْن آدم إِلَّا التُّرَاب قَالَ: ثمَّ ختم بِمَا بَقِي من السُّورَة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبيّ بن كَعْب أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: يَا أبيّ إِنِّي(8/586)
أمرت أَن أقرئك سُورَة فأقرأنيها {لم يكن الَّذين كفرُوا من أهل الْكتاب وَالْمُشْرِكين منفكين حَتَّى تأتيهم الْبَيِّنَة رَسُول من الله يَتْلُو صحفاً مطهرة فِيهَا كتب قيمَة} أَي ذَات الْيَهُودِيَّة والنصرانية إِن أقوم الدّين الحنيفية مسلمة غير مُشركَة وَمن يعْمل صَالحا فَلَنْ يكفره {وَمَا تفرق الَّذين أُوتُوا الْكتاب إِلَّا من بعد مَا جَاءَتْهُم الْبَيِّنَة} إِن الَّذين كفرُوا وصدوا عَن سَبِيل الله وفارقوا الْكتاب لما جَاءَهُم أُولَئِكَ عِنْد الله شَرّ الْبَريَّة مَا كَانَ النَّاس إِلَّا أمة وَاحِدَة ثمَّ أرسل الله النَّبِيين مبشرين ومنذرين يأمرون النَّاس يُقِيمُونَ الصَّلَاة وَيُؤْتونَ الزَّكَاة ويعبدون الله وَحده وَأُولَئِكَ عِنْد الله هم خير الْبَريَّة {جزاؤهم عِنْد رَبهم جنَّات عدن تجْرِي من تحتهَا الْأَنْهَار خَالِدين فِيهَا أبدا رَضِي الله عَنْهُم وَرَضوا عَنهُ ذَلِك لمن خشِي ربه}
وَأخرج أَحْمد عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: جَاءَ رجل إِلَى عمر يسْأَله فَجعل عمر ينظر إِلَى رَأسه مرّة وَإِلَى رجلَيْهِ أُخْرَى هَل يرى عَلَيْهِ من الْبُؤْس ثمَّ قَالَ لَهُ عمر: كم مَالك قَالَ: أَرْبَعُونَ من الإِبل
قَالَ ابْن عَبَّاس: قلت صدق الله وَرَسُوله لَو كَانَ لِابْنِ آدم واديان من ذهب لابتغى الثَّالِث وَلَا يمْلَأ جَوف ابْن آدم إِلَّا التُّرَاب وَيَتُوب الله على من تَابَ
فَقَالَ عمر: مَا هَذَا فَقلت: هَكَذَا اقرأني أبيّ
قَالَ: فَمر بِنَا إِلَيْهِ فجَاء إِلَى أبيّ فَقَالَ: مَا تَقول هَذَا قَالَ أبيّ: هَكَذَا اقرأنيها رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَالَ: إِذا أثبتها فِي الْمُصحف قَالَ: نعم
وَأخرج ابْن الضريس عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قلت يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ: إِن أبيّاً يزْعم أَنَّك تركت من آيَات الله آيَة لم تَكْتُبهَا
قَالَ: وَالله لأسألن أبيّاً فَإِن أنكر لتكذبن
فَلَمَّا صلى صَلَاة الْغَدَاة غَدا على أبيّ فَأذن لَهُ وَطرح لَهُ وسَادَة وَقَالَ: يزْعم هَذَا أَنَّك تزْعم أَنِّي تركت آيَة من كتاب الله لم أَكتبهَا
فَقَالَ: إِنِّي سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: لَو أَن لِابْنِ آدم واديين من مَال لابتغى إِلَيْهِمَا وَاديا ثَالِثا وَلَا يمْلَأ جَوف ابْن آدم إِلَّا التُّرَاب وَيَتُوب الله على من تَابَ
فَقَالَ عمر: أفأكتبها قَالَ: لَا أَنهَاك
قَالَ: فَكَأَن أبيّاً شكّ أَقُول من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَو قُرْآن منزل
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد قَالَ: لما نزلت {لم يكن الَّذين كفرُوا من أهل الْكتاب} لَقِي أبيّ بن كَعْب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا أبيّ إِن الله قد أنزل سُورَة(8/587)
وَأَمرَنِي أَن أقرئكها فَقَالَ: الله أَمرك قَالَ: نعم
قَالَ: فافعل
قَالَ: فاقرأها إِيَّاه
أخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة {لم يكن الَّذين كفرُوا من أهل الْكتاب وَالْمُشْرِكين منفكين} قَالَ: منتهي عَمَّا هم فِيهِ {حَتَّى تأتيهم الْبَيِّنَة} أَي هَذَا الْقُرْآن {رَسُول من الله يَتْلُو صحفاً مطهرة} قَالَ: يذكر الْقُرْآن بِأَحْسَن الذّكر ويثني عَلَيْهِ بِأَحْسَن الثَّنَاء {وَمَا أمروا إِلَّا ليعبدوا الله مُخلصين لَهُ الدّين حنفَاء} والحنيفية الختام وَتَحْرِيم الْأُمَّهَات وَالْبَنَات وَالْأَخَوَات والعمات والخالات والمناسك {ويقيموا الصَّلَاة ويؤتوا الزَّكَاة وَذَلِكَ دين الْقيمَة} قَالَ: هُوَ الَّذِي بعث الله بِهِ رَسُوله وشرعه لنَفسِهِ ورضيه
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {منفكين} قَالَ: برحين
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد {منفكين} قَالَ: منتهين لم يَكُونُوا ليؤمنوا حَتَّى تبين لَهُم الْحق
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله: {حَتَّى تأتيهم الْبَيِّنَة} قَالَ: مُحَمَّد وَفِي قَوْله: {وَذَلِكَ دين الْقيمَة} قَالَ: الْقيم
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله: {من بعد مَا جَاءَتْهُم الْبَيِّنَة} قَالَ: مُحَمَّد
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عقيل قَالَ: قلت لِلزهْرِيِّ تَزْعُمُونَ أَن الصَّلَاة وَالزَّكَاة لَيْسَ من الإِيمان فَقَرَأَ {وَمَا أمروا إِلَّا ليعبدوا الله مُخلصين لَهُ الدّين حنفَاء ويقيموا الصَّلَاة ويؤتوا الزَّكَاة وَذَلِكَ دين الْقيمَة} ترى هَذَا من الإِيمان أم لَا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن عَطاء بن أبي رَبَاح أَنه قيل لَهُ: إِن قوما قَالُوا: إِن الصَّلَاة وَالزَّكَاة ليسَا من الدّين فَقَالَ: أَلَيْسَ يَقُول الله {وَمَا أمروا إِلَّا ليعبدوا الله مُخلصين لَهُ الدّين حنفَاء ويقيموا الصَّلَاة ويؤتوا الزَّكَاة وَذَلِكَ دين الْقيمَة} فَالصَّلَاة وَالزَّكَاة من الدّين
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْمُغيرَة قَالَ: كَانَ أَبُو واثل إِذا سُئِلَ عَن شَيْء من(8/588)
الإِيمان قَرَأَ {لم يكن الَّذين كفرُوا من أهل الْكتاب} إِلَى قَوْله: {وَمَا أمروا إِلَّا ليعبدوا الله مُخلصين لَهُ الدّين}
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: أتعجبون من منزلَة الْمَلَائِكَة من الله وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لمنزلة العَبْد الْمُؤمن عِنْد الله يَوْم الْقِيَامَة أعظم من منزلَة ملك واقراؤا إِن شِئْتُم {إِن الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات أُولَئِكَ هم خير الْبَريَّة}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عَائِشَة قَالَت: قلت يَا رَسُول الله: من أكْرم الْخلق على الله قَالَ: يَا عَائِشَة أما تقرئين {إِن الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات أُولَئِكَ هم خير الْبَريَّة}
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن جَابر بن عبد الله قَالَ كُنَّا عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأقبل عَليّ فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ إِن هَذَا وشيعته لَهُم الفائزون يَوْم الْقِيَامَة وَنزلت {إِن الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات أُولَئِكَ هم خير الْبَريَّة} فَكَانَ أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا أقبل عليّ قَالُوا: جَاءَ خير الْبَريَّة
وَأخرج ابْن عدي وَابْن عَسَاكِر عَن أبي سعيد مَرْفُوعا: عليّ خير الْبَريَّة
وَأخرج ابْن عدي عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لما نزلت {إِن الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات أُولَئِكَ هم خير الْبَريَّة} قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعَلي: هُوَ أَنْت وشيعتك يَوْم الْقِيَامَة راضين مرضيين
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عليّ قَالَ: قَالَ لي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ألم تسمع قَول الله: {إِن الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات أُولَئِكَ هم خير الْبَريَّة} أَنْت وشيعتك وموعدي وموعدكم الْحَوْض إِذا جِئْت الْأُمَم لِلْحسابِ تدعون غرّاً محجلين(8/589)
99
سُورَة الزلزلة
مَدَنِيَّة وآياتها ثَمَان بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
الْآيَة 1 - 8(8/590)
إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا (1) وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا (2) وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا (3) يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا (4) بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا (5) يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ (6) فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)
أخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: نزلت سُورَة {إِذا زلزلت} بِالْمَدِينَةِ
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن قَتَادَة قَالَ: نزلت بِالْمَدِينَةِ {إِذا زلزلت}
وَأخرج أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن عبد الله بن عَمْرو قَالَ: أَتَى رجل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: اقرئني يَا رَسُول الله قَالَ لَهُ: اقْرَأ ثَلَاثًا من ذَوَات الرَّاء فَقَالَ لَهُ الرجل: كبر سني وَاشْتَدَّ قلبِي وَغلظ لساني
قَالَ: اقْرَأ ثَلَاثًا من ذَوَات حم
فَقَالَ مثل مقَالَته الأولى فَقَالَ: اقْرَأ ثَلَاثًا من المسبحات
فَقَالَ مثل مقَالَته وَلَكِن اقرئني يَا رَسُول الله سُورَة جَامِعَة فَأَقْرَأهُ {إِذا زلزلت الأَرْض زِلْزَالهَا} حَتَّى فرغ مِنْهَا
قَالَ الرجل: وَالَّذين بَعثك بِالْحَقِّ لَا أَزِيد عَلَيْهَا ثمَّ أدبر فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَفْلح الرويجل أَفْلح الرويجل(8/590)
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وان مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من قَرَأَ {إِذا زلزلت} عدلت لَهُ بِنصْف الْقُرْآن وَمن قَرَأَ (قل هُوَ الله أحد) (سُورَة الإِخلاص) عدلت لَهُ بِثلث الْقُرْآن وَمن قَرَأَ (قل يَا أَيهَا الْكَافِرُونَ) (سُورَة الْكَافِرُونَ) عدلت لَهُ بِربع الْقُرْآن
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَابْن الضريس وَمُحَمّد بن نصر الْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: {إِذا زلزلت} تعدل نصف الْقُرْآن و (قل هُوَ الله أحد) تعدل ثلث الْقُرْآن و (قل يَا أَيهَا الْكَافِرُونَ) تعدل ربع الْقُرْآن
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: من قَرَأَ فِي لَيْلَة {إِذا زلزلت} كَانَ لَهُ عدل نصف الْقُرْآن
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن رجل من بني جُهَيْنَة أَنه سمع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقْرَأ فِي الصُّبْح {إِذا زلزلت الأَرْض} فِي الرَّكْعَتَيْنِ كلتيهما فَلَا أَدْرِي أنس أم قَرَأَ ذَلِك عمدا
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور عَن سعيد بن الْمسيب أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى بِأَصْحَابِهِ الْفجْر فَقَرَأَ بهم فِي الرَّكْعَة الأولى {إِذا زلزلت الأَرْض} ثمَّ أَعَادَهَا فِي الثَّانِيَة
وَأخرج أَحْمد وَمُحَمّد بن نصر وَالطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن أبي امامة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ بعد الْوتر وَهُوَ جَالس يقْرَأ فيهمَا {إِذا زلزلت} و (قل يَا أَيهَا الْكَافِرُونَ)
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن أنس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يُصَلِّي بعد الْوتر رَكْعَتَيْنِ وَهُوَ جَالس يقْرَأ فِي الرَّكْعَة الأولى بِأم الْكتاب و {إِذا زلزلت} وَفِي الثَّانِيَة (قل يَا أَيهَا الْكَافِرُونَ)
وَأخرج الْخَطِيب فِي تَارِيخه عَن الشّعبِيّ قَالَ: من قَرَأَ {إِذا زلزلت} فَإِنَّهَا تعدل سدس الْقُرْآن
وَأخرج ابْن الضريس عَن عَاصِم قَالَ: كَانَ يُقَال: (قل هُوَ الله أحد) ثلث الْقُرْآن و {إِذا زلزلت الأَرْض} نصف الْقُرْآن و (قل يَا أَيهَا الْكَافِرُونَ) ربع الْقُرْآن(8/591)
أخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس {إِذا زلزلت الأَرْض زِلْزَالهَا} تحركت من أَسْفَلهَا {وأخرجت الأَرْض أثقالها} قَالَ: الْمَوْتَى {وَقَالَ الإِنسان مَا لَهَا} قَالَ: يَقُول الْكَافِر مَالهَا {يَوْمئِذٍ تحدث أَخْبَارهَا} قَالَهَا رَبك قولي فَقَالَت: {بِأَن رَبك أوحى لَهَا} قَالَ: أوحى إِلَيْهَا {يَوْمئِذٍ يصدر النَّاس أشتاتاً} قَالَ: من كل من هَهُنَا وَهَهُنَا
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {وأخرجت الأَرْض أثقالها} قَالَ: من فِي الْقُبُور {يَوْمئِذٍ تحدث أَخْبَارهَا} قَالَ: تخبر النَّاس بِمَا عمِلُوا عَلَيْهَا {بِأَن رَبك أوحى لَهَا} قَالَ: أمرهَا وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَطِيَّة {وأخرجت الأَرْض أثقالها} قَالَ: مَا فِيهَا من الْكُنُوز والموتى
وَأخرج مُسلم عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: تقيء الأَرْض أفلاذ كَبِدهَا أَمْثَال الأسطوان من الذَّهَب وَالْفِضَّة فَيَجِيء الْقَاتِل فَيَقُول فِي هَذَا قتلت وَيَجِيء الْقَاطِع فَيَقُول فِي هَذَا قطعت رحمي وَيَجِيء السَّارِق فَيَقُول فِي هَذَا قطعت يَدي ثمَّ يَدعُونَهُ فَلَا يَأْخُذُونَ مِنْهُ شَيْئا
وَأخرج أَحْمد وَعبد بن حميد وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الْإِيمَان عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَرَأَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَذِه الْآيَة {يَوْمئِذٍ تحدث أَخْبَارهَا} قَالَ: أَتَدْرُونَ مَا أَخْبَارهَا قَالُوا: الله وَرَسُوله أعلم قَالَ: فَإِن أَخْبَارهَا أَن تشهد على كل عبد أَو أمة بِمَا عمل على ظهرهَا تَقول: عمل كَذَا وَكَذَا فِي يَوْم كَذَا وَكَذَا فَهَذِهِ أَخْبَارهَا
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن أنس بن مَالك أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن الأَرْض لِتُخْبِرَ يَوْم الْقِيَامَة بِكُل مَا عمل على ظهرهَا وَقَرَأَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: {إِذا زلزلت الأَرْض زِلْزَالهَا} حَتَّى بلغ {يَوْمئِذٍ تحدث أَخْبَارهَا} قَالَ: أَتَدْرُونَ مَا أَخْبَارهَا جَاءَنِي جِبْرِيل قَالَ: خَبَرهَا إِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة أخْبرت بِكُل عمل عمل على ظهرهَا
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن ربيعَة الجرشِي رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ:(8/592)
تحفظُوا من الأَرْض فَإِنَّهَا أمكُم وَإنَّهُ لَيْسَ من أحد عَامل عَلَيْهَا خيرا أَو شرا إِلَّا وَهِي مخرة بِهِ
وَأخرج عبد بن حميد عَن الحكم رَضِي الله عَنهُ قَالَ: رَأَيْت أَبَا أُميَّة صلى فِي الْمَسْجِد الْحَرَام المتوبة ثمَّ تقدم فَجعل يُصَلِّي هَهُنَا وَهَهُنَا فَلَمَّا فرغ قلت لَهُ: مَا هَذَا الَّذِي رَأَيْتُك تصنع قَالَ: قَرَأت هَذِه الْآيَة {إِذا زلزلت الأَرْض زِلْزَالهَا} إِلَى قَوْله: {يَوْمئِذٍ تحدث أَخْبَارهَا} فَأَرَدْت أَن تشهد لي يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة فِي المُصَنّف وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن الْأَنْبَارِي فِي الْمَصَاحِف عَن إِسْمَاعِيل بن عبد الله قَالَ: سَمِعت سعيد بن جُبَير يقْرَأ بِقِرَاءَة ابْن مَسْعُود هَذِه الْآيَة: يَوْمئِذٍ تنبئ أَخْبَارهَا وَقَرَأَ مرّة {يَوْمئِذٍ تحدث أَخْبَارهَا}
وَأخرج ابْن بِي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {يَوْمئِذٍ يصدر النَّاس أشتاتاً} قَالَ: فرقا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج رَضِي الله عَنهُ {يَوْمئِذٍ يصدر النَّاس} قَالَ: يتصدعون {أشتاتاً} فَلَا يَجْتَمعُونَ بعد ذَلِك آخر مَا عَلَيْهِم وَكَانَ يُقَال إِن هَذِه السُّورَة الفاذة الجامعة
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَالْحَاكِم فِي تَارِيخه وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الْإِيمَان عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: بَيْنَمَا أَبُو بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ يَأْكُل مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِذا نزلت عَلَيْهِ {فَمن يعْمل مِثْقَال ذرة خيرا يره وَمن يعْمل مِثْقَال ذرة شرا يره} فَرفع أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ يَده وَقَالَ: يَا رَسُول الله إِنِّي لراء مَا عملت من مِثْقَال ذرة من شَرّ فَقَالَ: يَا أَبَا بكر أَرَأَيْت مَا ترى فِي الدُّنْيَا مِمَّا تكره فبمثاقيل ذَر بشر وَيدخل لَك مَثَاقِيل ذَر الْخَيْر حَتَّى توفاه يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج إِسْحَق بن رَاهَوَيْه وَعبد بن حميد وَالْحَاكِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن أَسمَاء قَالَت: بَيْنَمَا أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ يتغدى مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا نزلت هَذِه الْآيَة {فَمن يعْمل مِثْقَال ذرة خيرا يره وَمن يعْمل مِثْقَال ذرة شرا يره} فَأمْسك أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ وَقَالَ: يَا رَسُول الله أكل مَا عَمِلْنَاهُ من سوء رَأَيْنَاهُ فَقَالَ: مَا ترَوْنَ مِمَّا تَكْرَهُونَ فَذَاك مِمَّا تُجْزونَ بِهِ ويدخر الْخَيْر لأَهله فِي الْآخِرَة(8/593)
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب الْبكاء وَابْن جرير وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أنزلت {إِذا زلزلت الأَرْض زِلْزَالهَا} وَأَبُو بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ قَاعد فَبكى فَقَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا يبكيك يَا أَبَا بكر قَالَ: تبكيني هَذِه السُّورَة
فَقَالَ: لَوْلَا أَنكُمْ تخطئون وتذنبون فَيغْفر لكم لخلق الله أمة يخطئون ويذنبون فَيغْفر لَهُم
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي أَيُّوب الْأنْصَارِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: بَيْنَمَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَبُو بكر الصّديق إِذْ نزلت عَلَيْهِ هَذِه الْآيَة {فَمن يعْمل مِثْقَال ذرة خيرا يره وَمن يعْمل مِثْقَال ذرة شرا يره} فَأمْسك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَده عَن الطَّعَام ثمَّ قَالَ: من عمل مِنْكُم خيرا فَجَزَاؤُهُ فِي الْآخِرَة وَمن عمل مِنْكُم شرا يرَاهُ فِي الدُّنْيَا مصيبات وأمراضاً وَمن يكن فِيهِ مِثْقَال ذرة من خير دخل الْجنَّة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي إِدْرِيس الْخَولَانِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ أَبُو بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ يَأْكُل مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذْ نزلت عَلَيْهِ هَذِه الْآيَة {فَمن يعْمل مِثْقَال ذرة خيرا يره وَمن يعْمل مِثْقَال ذرة شرا يره} فَأمْسك أَبُو بكر يَده وَقَالَ: يَا رَسُول الله إِنَّا لراؤون مَا عَملنَا من خير أَو شرا فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يَا أَبَا بكر أَرَأَيْت مَا رَأَيْت مِمَّا تكره فَهُوَ من مَثَاقِيل الشَّرّ ويدخر لَك مَثَاقِيل الْخَيْر حَتَّى توفاه يَوْم الْقِيَامَة وتصديق ذَلِك فِي كتاب الله (وَمَا أَصَابَكُم من مُصِيبَة فبمَا كسبت أَيْدِيكُم وَيَعْفُو عَن كثير) (سُورَة الشورى الْآيَة 30)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: لما أنزلت هَذِه الْآيَة {فَمن يعْمل مِثْقَال ذرة خيرا يره وَمن يعْمل مِثْقَال ذرة شرا يره} قلت: يَا رَسُول الله إِنِّي لراء عَمَلي قَالَ: نعم
قلت: تِلْكَ الْكِبَار الْكِبَار قَالَ: نعم
قلت: الصغار الصغار
قَالَ: نعم
قلت: واثكل أُمِّي
قَالَ: أبشر يَا أَبَا سعيد فَإِن الْحَسَنَة بِعشر أَمْثَالهَا يَعْنِي إِلَى سَبْعمِائة ضعف وَالله يُضَاعف لمن يَشَاء والسيئة بِمِثْلِهَا أَو يعْفُو الله وَلنْ ينجو أحد مِنْك بِعَمَلِهِ
قلت: وَلَا أَنْت يَا نَبِي الله قَالَ: وَلَا أَنا الا أَن يتغمدني الله مِنْهُ بِالرَّحْمَةِ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {فَمن يعْمل مِثْقَال ذرة خيرا يره} الْآيَة قَالَ: لما نزلت (ويطعمون الطَّعَام على حبه) (سُورَة الْإِنْسَان الْآيَة 8) كَانَ(8/594)
الْمُسلمُونَ يرَوْنَ أَنهم لَا يؤجرون على الشَّيْء الْقَلِيل إِذا أَعْطوهُ فَيَجِيء السَّائِل إِلَى أَبْوَابهم فيستقلون أَن يعطوه التمرة والكسرة فيردونه وَيَقُولُونَ: مَا هَذَا بِشَيْء إنَّهُمَا نؤجر على مَا نعطي وَنحن نحبه وَكَانَ آخَرُونَ يرَوْنَ أَنهم لَا يلامون على الذَّنب الْيَسِير كالكذبة والنظرة والغيبة وَأَشْبَاه ذَلِك وَيَقُولُونَ: إِنَّمَا وعد الله النَّار على الْكَبَائِر فرغبهم فِي الْخَيْر الْقَلِيل أَن يعملوه فَإِنَّهُ يُوشك أَن يكثر وحذرهم الْيَسِير من الشَّرّ فَإِنَّهُ يُوشك أَن يكثر {فَمن يعْمل مِثْقَال ذرة} يَعْنِي وزن أَصْغَر النَّمْل {خيرا يره} يَعْنِي فِي كِتَابه ويسره ذَلِك
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {فَمن يعْمل مِثْقَال ذرة} الْآيَة قَالَ: لَيْسَ من مُؤمن وَلَا كَافِر عمل خيرا وَلَا شرا فِي الدُّنْيَا إِلَّا أره الله إِيَّاه فَأَما لمُؤْمِن فيريه الله حَسَنَاته وسيئاته فَيغْفر لَهُ من سيئاته ويثيبه على حَسَنَاته وَأما الْكَافِر فيريه حَسَنَاته وسيئاته فَيرد حَسَنَاته ويعذبه بسيئاته
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُحَمَّد بن كَعْب فِي الْآيَة قَالَ: من يعْمل مِثْقَال ذرة من خير من كَافِر يرى ثَوَابهَا فِي الدُّنْيَا فِي نَفسه وَأَهله وَمَاله وَولده حَتَّى يخر من الدُّنْيَا وَلَيْسَ عِنْده خير {وَمن يعْمل مِثْقَال ذرة شرا} من مُؤمن يرى عُقُوبَته فِي الدُّنْيَا فِي نَفسه وَأَهله وَمَاله وَولده حَتَّى يخرج من الدُّنْيَا وَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْء
وَأخرج ابْن الْمُبَارك فِي الزّهْد وَأحمد وَعبد بن حميد وَالنَّسَائِيّ وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن صعصعة بن مُعَاوِيَة عَم الفرزدق أَنه أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَرَأَ عَلَيْهِ {فَمن يعْمل مِثْقَال ذرة خيرا يره وَمن يعْمل مِثْقَال ذرة شرا يره} فَقَالَ: حسبي لَا أُبَالِي أَن لَا أسمع من الْقُرْآن غَيرهَا
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور عَن الْمطلب بن عبد الله بن حنْطَب أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَرَأَ فِي مجْلِس وَمَعَهُمْ أَعْرَابِي جَالس {فَمن يعْمل مِثْقَال ذرة خيرا يره وَمن يعْمل مِثْقَال ذرة شرا يره} فَقَالَ الْأَعرَابِي: يَا رَسُول الله أمثقال ذرة قَالَ: نعم
فَقَالَ الْأَعرَابِي: واسوأتاه
ثمَّ قَالَ وَهُوَ يَقُولهَا فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لقد دخل قلب الْأَعرَابِي الإِيمان
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَسَعِيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد عَن زيد بن أسلم رَضِي الله عَنهُ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَرَأَ {فَمن يعْمل مِثْقَال ذرة خيرا يره} الْآيَة فَقَامَ رجل(8/595)
فَجعل يضع يَده على رَأسه وَهُوَ يَقُول: واسوأتاه فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أما الرجل فقد آمن
وَأخرج ابْن الْمُبَارك عَن زيد بن أسلم رَضِي الله عَنهُ أَن رجلا قَالَ: يَا رَسُول الله لَيْسَ أحد يعْمل مِثْقَال ذرة خيرا إِلَّا رَآهُ وَلم يعْمل مِثْقَال ذرة شرا إِلَّا رَآهُ قَالَ: نعم
فَانْطَلق الرجل وَهُوَ يَقُول: واسوأتاه فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: آمن الرجل
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن زيد بن أسلم رَضِي الله عَنهُ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دفع رجلا إِلَى رجل يُعلمهُ فَعلمه حَتَّى بلغ {فَمن يعْمل مِثْقَال ذرة خيرا يره} فَقَالَ الرجل: حسبي فَقَالَ الرجل: يَا رَسُول الله أَرَأَيْت الرجل الَّذِي أَمرتنِي أَن أعلمهُ لما بلغ {فَمن يعْمل مِثْقَال ذرة خيرا يره} فَقَالَ حسبي: فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: دَعه فقد فقه
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: ذكر لنا أَن رجلا ذهب مرّة يَسْتَقْرِئ فَلَمَّا سمع هَذِه الْآيَة {فَمن يعْمل مِثْقَال ذرة خيرا يره} إِلَى آخرهَا فَقَالَ: حسبي حسبي إِن عملت مِثْقَال ذرة من خيرا رَأَيْته وَإِن عملت مِثْقَال ذرة من شَرّ رَأَيْته
قَالَ: وَذكر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَقُول: هِيَ الجامعة الفاذة
وَأخرج ابْن الْمُبَارك وَعبد الرَّزَّاق عَن الْحسن قَالَ: لما نزلت {فَمن يعْمل مِثْقَال ذرة خيرا يره} الْآيَة قَالَ رجل من الْمُسلمين: حسبي حسبي إِن عملت مِثْقَال ذرة من خير أَو شَرّ رَأَيْته انْتَهَت الموعظة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الْحَارِث بن سُوَيْد أَنه قَرَأَ {إِذا زلزلت} حَتَّى بلغ {فَمن يعْمل مِثْقَال ذرة خيرا يره} قَالَ: إِن هَذَا الإِحصاء شَدِيد
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة فِي الْآيَة قَالَ: هُوَ الْكَافِر يُعْطي كِتَابه يَوْم الْقِيَامَة فَينْظر فِيهِ فَيرى فِيهِ كل حَسَنَة عَملهَا فِي الدُّنْيَا فَترد عَلَيْهِ حَسَنَاته وَذَلِكَ قَول الله تَعَالَى: (وَقدمنَا إِلَى مَا عمِلُوا من عمل فجعلناه هباء منثورا) (سُورَة الْفرْقَان الْآيَة 23) فابلس واسود وَجهه وَأما الْمُؤمن فَإِنَّهُ يعْطى كِتَابه بيمنيه يَوْم الْقِيَامَة فَيرى فِيهَا كل خَطِيئَة عَملهَا فِي دَار الدُّنْيَا ثمَّ يغْفر لَهُ ذَلِك وَذَلِكَ قَول الله: (فَأُولَئِك يُبدل الله سيئاتهم حَسَنَات) (سُورَة الْفرْقَان الْآيَة 70) فابيض وَجهه وَاشْتَدَّ سروره
وَأخرج ابْن جرير عَن سُلَيْمَان بن عَامر رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ: يَا رَسُول الله إِن(8/596)
أبي كَانَ يصل الرَّحِم ويفي بِالذِّمةِ وَيكرم الضَّيْف
قَالَ: مَاتَ قبل الإِسلام قَالَ: نعم
قَالَ: لن يَنْفَعهُ ذَلِك وَلكنهَا تكون فِي عقبه فَلَنْ تخزوا أبدا وَلنْ تذلوا أبدا وَلنْ تفتقروا أبدا
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد وَابْن الْمُنْذر عَن أبي الدَّرْدَاء رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لَوْلَا ثَلَاث لأحببت أَن لَا أبقى فِي الدُّنْيَا وضعي وَجْهي للسُّجُود لخالقي فِي اخْتِلَاف اللَّيْل وَالنَّهَار أقدمه لحياتي وظمأ الهواجر ومقاعدة أَقوام ينتقون الْكَلَام كَمَا تنتقى الْفَاكِهَة وَتَمام التَّقْوَى أَن يَتَّقِي الله تَعَالَى الْبعد حَتَّى يتقيه فِي مِثْقَال ذرة حَتَّى أَن يتْرك بعض مَا يرى أَنه حَلَال خشيَة أَن يكون حَرَامًا حَتَّى يكون حاجزاً بَينه وَبَين الْحَرَام إِن الله قد بَين للنَّاس الَّذِي هُوَ يصيرهم إِلَيْهِ قَالَ: {فَمن يعْمل مِثْقَال ذرة خيرا يره وَمن يعْمل مِثْقَال ذرة شرا يره} فَلَا تحقرن شَيْئا من الشَّرّ أَن تتقيه وَلَا شَيْئا من الشَّرّ أَن تَفْعَلهُ
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: اعملو أَن الْجنَّة وَالنَّار أقرب إِلَى أحدكُم من شِرَاك نَعله {فَمن يعْمل مِثْقَال ذرة خيرا يره وَمن يعْمل مِثْقَال ذرة شرا يره}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: اتقو النَّار وَلَو بشق تَمْرَة
ثمَّ قَرَأت {فَمن يعْمل مِثْقَال ذرة خيرا يره}
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: ذكر لنا أَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا جاءها سَائل فَسَأَلَ فَأمرت لَهُ بتمرة فَقَالَ لَهَا قَائِل: يَا أم الْمُؤمنِينَ إِنَّكُم لتصدقون بالتمرة قَالَت: نعم وَالله إِن الْخلق كثير وَلَا يشبعه إِلَّا الله أوليس فِيهَا مَثَاقِيل ذَر كَثِيرَة
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شبع الإِيمان عَن عَائِشَة أَن سَائِلًا جاءها فَقَالَت لجاريتها: أطعميه فَوجدت تَمْرَة فَقَالَت: أعْطِيه إِيَّاهَا فَإِن فِيهَا مَثَاقِيل ذَر إِن تقبلت
وَأخرج مَالك وَابْن سعد وَعبد بن حميد من طَرِيق عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا أَن سَائِلًا أَتَاهَا وَعِنْدهَا سلة من عِنَب فَأخذت حَبَّة من عِنَب فَأَعْطَتْهُ فَقيل لَهَا فِي ذَلِك فَقَالَت: هَذِه أثقل من ذَر كثير ثمَّ قَرَأت {فَمن يعْمل مِثْقَال ذرة خيرا يره}
وَأخرج عبد بن حميد عَن جَعْفَر بن برْقَان قَالَ: بلغنَا أَن عمر بن الْخطاب أَتَاهُ مِسْكين وَفِي يَده عنقود من عِنَب فَنَاوَلَهُ مِنْهُ حَبَّة وَقَالَ: فِيهِ مَثَاقِيل ذَر كَثِيرَة(8/597)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ أَن سَائِلًا سَأَلَ عبد الرَّحْمَن بن عَوْف وَبَين يَدَيْهِ طبق وَعَلِيهِ فَنَاوَلَهُ حَبَّة فكأنهم أَنْكَرُوا ذَلِك عَلَيْهِ فَقَالَ: فِي هَذِه مَثَاقِيل ذَر كثير
وَأخرج سعد عَن عَطاء بن فروخ أَن سعد بن مَالك أَتَاهُ سَائل وَبَين يَدَيْهِ طبق عَلَيْهِ تمر فَأعْطَاهُ تَمْرَة فَقبض السَّائِل يَده
فَقَالَ سعد: وَيحك تقبل الله منا مثقا الذّرة والخردلة وَكم فِي هَذِه من مَثَاقِيل الذَّر
وَأخرج ابْن سعد عَن شَدَّاد بن أَوْس أَنه خطب النَّاس فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ وَقَالَ: يَا أَيهَا النَّاس أَلا إِن الدُّنْيَا أجل حَاضر يَأْكُل مِنْهَا الْبَار والفاجر أَلا وَإِن الْآخِرَة أجل مستأخر يقْضِي فِيهَا ملك قَادر أَلا وَإِن الْخَيْر بحذافيره فِي الْجنَّة أَلا وَإِن الشَّرّ بحذافيره فِي النَّار أَلا وَاعْلَمُوا أَنه {فَمن يعْمل مِثْقَال ذرة خيرا يره وَمن يعْمل مِثْقَال ذرة شرا يره}
وَأخرج الزجاجي فِي أَمَالِيهِ عَن أنس بن مَالك أَن سَائِلًا أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأعْطَاهُ تَمْرَة فَقَالَ السَّائِل: نَبِي من أَنْبيَاء يتَصَدَّق بتمرة
فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أما علمت أَن فِيهَا مَثَاقِيل ذَر كثير
وَأخرج هناد عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {مِثْقَال ذرة} إِنَّه أَدخل يَده فِي التُّرَاب ثمَّ رَفعهَا ثمَّ نفخ فِيهَا وَقَالَ: كل من هَؤُلَاءِ مِثْقَال ذرة
وَأخرج الْحُسَيْن بن سُفْيَان فِي مُسْنده وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن شَدَّاد بن أَوْس قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: أَيهَا النَّاس إِن الدُّنْيَا عرض حَاضر يَأْكُل مِنْهُ الْبر والفاجر وَإِن الْآخِرَة وعد صَادِق يحكم فِيهَا ملك قَادر يحِق فِيهَا الْحق وَيبْطل الْبَاطِل أَيهَا النَّاس كونُوا من أَبنَاء الْآخِرَة وَلَا تَكُونُوا من أَبنَاء الدُّنْيَا فَإِن كل أم يتبعهَا وَلَدهَا
اعْمَلُوا وَأَنْتُم من الله على حذر وَاعْمَلُوا أَنكُمْ معرضون على أَعمالكُم وأنكم ملاقوا الله لَا بُد مِنْهُ {فَمن يعْمل مِثْقَال ذرة خيرا يره وَمن يعْمل مِثْقَال ذرة شرا يره}
وَأخرج مَالك وَالْبُخَارِيّ وَأحمد وَمُسلم وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: الْخَيل لثَلَاثَة: لرجل أجر ولرجل ستر وعَلى رجل وزر الحَدِيث
قَالَ: وَسُئِلَ عَن الْحمر فَقَالَ: مَا نزل عليّ فِيهَا إِلَّا هَذِه الْآيَة الجامعة الفاذة {فَمن يعْمل مِثْقَال ذرة خيرا يره وَمن يعْمل مِثْقَال ذرة شرا يره}(8/598)
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
100
سُورَة العاديات
مَكِّيَّة وآياتها إِحْدَى عشرَة
مُقَدّمَة السُّورَة
الْآيَة 1 - 11(8/599)
وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا (1) فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا (2) فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا (3) فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا (4) فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا (5) إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ (6) وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ (7) وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ (8) أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ (9) وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ (10) إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ (11)
أخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: نزلت وَالْعَادِيات بِمَكَّة
وَأخرج أَبُو عبيد فِي فضائله عَن الْحسن قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (إِذا زلزلت) (سُورَة الزلزال) تعدل بِنصْف الْقُرْآن {وَالْعَادِيات} تعدل بِنصْف الْقُرْآن
وَأخرج مُحَمَّد بن نصر من طَرِيق عَطاء بن أبي رَبَاح عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (إِذا زلزلت) تعدل نصف الْقُرْآن {وَالْعَادِيات} تعدل نصف الْقُرْآن و (قل هُوَ الله أحد) (سُورَة الاخلاص) تعدل ثلث الْقُرْآن و (قل يَا أَيهَا الْكَافِرُونَ) (سُورَة الْكَافِرُونَ) تعدل ربع الْقُرْآن
وَأخرج الْبَزَّار وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي الافراد وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: بعث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خيلاً فاستمرت شهرا لَا يَأْتِيهِ مِنْهَا خبر فَنزلت(8/599)
{وَالْعَادِيات ضَبْحًا} ضحت بأرجلها وَلَفظ ابْن مرْدَوَيْه ضبحت بمناخيرها {فالموريات قدحاً} قدحت بحوافرها الْحِجَارَة فأورت نَارا {فالمغيرات صبحاً} صبحت الْقَوْم بغارة {فأثرن بِهِ نقعاً} أثارت بحوافرها التُّرَاب {فوسطن بِهِ جمعا} صبحت الْقَوْم جَمِيعًا
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه من وَجه آخر عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: بعث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَرِيَّة إِلَى الْعَدو فَأَبْطَأَ خَبَرهَا فشق ذَلِك عَلَيْهِ فَأخْبرهُ الله خبرهم وَمَا كَانَ من أَمرهم فَقَالَ: {وَالْعَادِيات ضَبْحًا} قَالَ: هِيَ الْخَيل والضبح: نخير الْخَيل حَتَّى تنخر {فالموريات قدحاً} قَالَ: حِين تجْرِي الْخَيل توري نَارا أَصَابَت بسنابكها الْحِجَارَة {فالمغيرات صبحاً} قَالَ: هِيَ الْخَيل أغارت فصبحت الْعَدو {فأثرن بِهِ نقعاً} قَالَ: هِيَ الْخَيل أثرن بحوافرها يَقُول تعدو الْخَيل وَالنَّقْع الْغُبَار {فوسطن بِهِ جمعا} قَالَ: الْجمع العدوّ
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي صَالح قَالَ: تقاولت أَنا وَعِكْرِمَة فِي شَأْن العاديات فَقَالَ: قَالَ ابْن عَبَّاس هِيَ الْخَيل فِي الْقِتَال وضبحها حِين ترخي مشافرها إِذا أعدت {فالموريات قدحاً} قَالَ: أرت الْمُشْركين مَكْرهمْ {فالمغيرات صبحاً} قَالَ: إِذا صبحت الْعَدو {فوسطن بِهِ جمعا} قَالَ: إِذا توسطت الْعَدو
قَالَ أَبُو صَالح: فَقلت: قَالَ عليّ: هِيَ الإِبل فِي الْحَج ومولاي كَانَ أعلم من مَوْلَاك
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن الْأَنْبَارِي فِي الْمَصَاحِف وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: بَيْنَمَا أَنا فِي الْحجر جَالس إِذا أَتَانِي رجل فَسَأَلَ عَن العاديات ضَبْحًا فَقلت: الْخَيل حِين تغير فِي سَبِيل الله ثمَّ تأوي إِلَى اللَّيْل فيصصنعون طعامهم ويورون نارهم فَانْفَتَلَ عني فَذهب عني إِلَى عَليّ بن أبي طَالب وَهُوَ جَالس تَحت سِقَايَة زَمْزَم فَسَأَلَهُ عَن العاديات ضَبْحًا
فَقَالَ: سَأَلت عَنْهَا أحدا قبل قَالَ نعم
سَأَلت عَنْهَا ابْن عَبَّاس
فَقَالَ: هِيَ الْخَيل حِين تغير فِي سَبِيل الله
فَقَالَ: اذْهَبْ فَادعه لي
فَلَا وقفت على رَأسه قَالَ: تُفْتِي النَّاس بِمَا لَا علم لَك وَالله إِن أول غَزْوَة فِي الإِسلام لبدر وَمَا كَانَ مَعنا إِلَّا فرسَان للزبير وَفرس لِلْمِقْدَادِ بن الْأسود فَكيف يكون العاديات ضَبْحًا إِنَّمَا العاديات ضَبْحًا من عَرَفَة إِلَى الْمزْدَلِفَة فَإِذا أَدّوا إِلَى الْمزْدَلِفَة أوروا إِلَى النيرَان {فالمغيرات صبحاً} من الْمزْدَلِفَة(8/600)
إِلَى منى فَذَلِك جمع وَأما قَوْله: {فأثرن بِهِ نقعاً} فَهُوَ نقع الأَرْض حِين تطؤه بخفافها وحوافرها
قَالَ ابْن عَبَّاس فنزعت عَن قولي وَرجعت إِلَى الَّذِي قَالَ عليّ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق الْأَعْمَش عَن إِبْرَاهِيم عَن عبد الله {وَالْعَادِيات ضَبْحًا} قَالَ: الإِبل قَالَ إِبْرَاهِيم: وَقَالَ عَليّ بن أبي طَالب: هِيَ الإِبل
وَقَالَ ابْن عَبَّاس: هِيَ الْخَيل فَبلغ عليا قَول ابْن عَبَّاس فَقَالَ: مَا كَانَت لنا خيل يَوْم بدر قَالَ ابْن عَبَّاس: إِنَّمَا كَانَ ذَلِك فِي سَرِيَّة بعثت
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَامر قَالَ: تمارى عليّ وَابْن عَبَّاس فِي العاديات ضَبْحًا فَقَالَ ابْن عَبَّاس: هِيَ الْخَيل وَقَالَ عليّ: كذبت يَا ابْن فُلَانَة وَالله مَا كَانَ مَعنا يَوْم بدر فَارس إِلَّا الْمِقْدَاد وَكَانَ على فرس أبلق
قَالَ: وَكَانَ عليّ يَقُول: هِيَ الإِبل
فَقَالَ ابْن عَبَّاس: أَلا ترى أَنَّهَا تثير نقعاً فَمَا شَيْء تثيره إِلَّا بحوافرها
وَأخرج عبد بن حميد وَالْحَاكِم وَصَححهُ من طَرِيق مُجَاهِد عَن ابْن عَبَّاس {وَالْعَادِيات ضَبْحًا} قَالَ: الْخَيل {فالموريات قدحاً} قَالَ: الرجل إِذا أورى زنده {فالمغيرات صبحاً} قَالَ: الْخَيل تصبح العدوّ {فأثرن بِهِ نقعاً} قَالَ: التُّرَاب {فوسطن بِهِ جمعا} قَالَ: الْعَدو {إِن الإِنسان لرَبه لكنود} قَالَ: لكفور
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد {وَالْعَادِيات ضَبْحًا} قَالَ: قَالَ ابْن عَبَّاس فِي الْقِتَال وَقَالَ ابْن مَسْعُود: فِي الْحَج
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَسَعِيد بن مَنْصُور وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عَمْرو بن دِينَار عَن عَطاء عَن ابْن عَبَّاس {وَالْعَادِيات ضَبْحًا} قَالَ: لَيْسَ بِشَيْء من الدَّوَابّ يضبح إِلَّا كلب أَو فرس {فالموريات قدحاً} قَالَ: هُوَ مكر الرجل قدح فأورى {فالمغيرات صبحاً} قَالَ: غارت الْخَيل صبحاً {فأثرن بِهِ نقعاً} قَالَ: غُبَار وَقع سنابك الْخَيل {فوسطن بِهِ جمعا} قَالَ: جمع الْعَدو
قَالَ عَمْرو: وَكَانَ عبيد بن عُمَيْر يَقُول: هِيَ الإِبل
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس {وَالْعَادِيات ضَبْحًا} قَالَ: الْخَيل ضبحها زجرها ألم تَرَ أَن الْفرس إِذا عدا قَالَ: أح أح فَذَاك ضبحها(8/601)
وَأخرج ابْن جرير عَن عَليّ قَالَ: الضبح من الْخَيل الحمحمة وَمن الإِبل النَّفس
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة {وَالْعَادِيات ضَبْحًا} قَالَ: هِيَ الْخَيل تعدو حَتَّى تضبح {فالموريات قدحاً} قَالَ: قدحت النَّار بحوافرها {فالمغيرات صبحاً} غارت حِين أَصبَحت {فأثرن بِهِ نقعاً} قَالَ: غُبَار {فوسطن بِهِ جمعا} قَالَ: جمع الْقَوْم {إِن الإِنسان لرَبه لكنود} قَالَ: لكفور
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد عَن مُجَاهِد {وَالْعَادِيات ضَبْحًا} قَالَ: الْخَيل ألم تَرَ إِلَى الْفرس إِذا أجري كَيفَ يضبح وَمَا ضبح بعير قطّ {فالموريات قدحاً} قَالَ: الْمَكْر تَقول الْعَرَب إِذا أَرَادَ الرجل أَن يمكر بِصَاحِبِهِ: أما وَالله لأقدحن لَك ثمَّ لأورين {فالمغيرات صبحاً} قَالَ: الْخَيل {فأثرن بِهِ نقعاً} قَالَ: التُّرَاب مَعَ وَقع الْخَيل {فوسطن بِهِ جمعا} قَالَ: جمع الْعَدو {إِن الإِنسان لرَبه لكنود} قَالَ: لكفور
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَطِيَّة {وَالْعَادِيات ضَبْحًا} قَالَ: الْخَيل ألم تَرَهَا إِذا عدت تزحر يَقُول تنحر {فالموريات قدحاً} قَالَ: الْكر {فالمغيرات صبحاً} قَالَ: الْخَيل {فأثرن بِهِ نقعاً} قَالَ: الْغُبَار {فوسطن بِهِ جمعا} قَالَ: جمع الْمُشْركين {إِن الإِنسان لرَبه لكنود} قَالَ: لكفور
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس {فالموريات قدحاً} قَالَ: كَانَ مكر الْمُشْركين إِذا مكروا قَدَحُوا النَّار حَتَّى يرَوا أَنهم كثير
وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس أَن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ أَخْبرنِي عَن قَوْله: عزَّ وَجل {فأثرن بِهِ نقعاً} قَالَ: النَّقْع مَا يسطع من حوافر الْخَيل
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم
أما سَمِعت حسان بن ثَابت وَهُوَ يَقُول: عدمنا خَيْلنَا إِن لم تَرَوْهَا تثير النَّقْع موعدها كداء قَالَ: فَأَخْبرنِي عَن قَوْله: {إِن الإِنسان لرَبه لكنود} قَالَ: الكنود الكفور للنعمة وَهُوَ الَّذِي يَأْكُل وَحده وَيمْنَع رفده ويجيع عَبده
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم أما سَمِعت الشَّاعِر وَهُوَ يَقُول: شكرت لَهُ يَوْم العكاظ نواله وَلم أك للمعروف ثمَّ كنودا(8/602)
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن مَسْعُود {وَالْعَادِيات ضَبْحًا} قَالَ: هِيَ الإِبل فِي الْحَج {فالموريات قدحاً} إِذا استفت الْحَصَى بمناسمها تضرب الْحَصَى بعضه بَعْضًا فَيخرج مِنْهُ النَّار {فالمغيرات صبحاً} حِين يفيضون من جمع {فأثرن بِهِ نقعاً} قَالَ: إِذا صرن يثرن التُّرَاب
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَطاء {وَالْعَادِيات ضَبْحًا} قَالَ: الإِبل {فالموريات قدحاً} قَالَ: الْخَيل {فوسطن بِهِ جمعا} قَالَ: الْقَوْم {إِن الإِنسان لرَبه لكنود} قَالَ: لكفور
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ {وَالْعَادِيات ضَبْحًا} قَالَ: الدفعة من عَرَفَة {فالموريات قدحاً} قَالَ: النيرَان تجمع {فالمغيرات صبحاً} قَالَ: الدفعة من جمع {فأثرن بِهِ نقعاً} قَالَ: بطن الْوَادي {فوسطن بِهِ جمعا} قَالَ: جمع منى وَأخرج عبد بن حميد وَسَعِيد بن مَنْصُور وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه من طرق عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الكنود بلساننا أهل الْبَلَد الكفور
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن أبي أُمَامَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله: {إِن الإِنسان لرَبه لكنود} قَالَ: لكفور
وَأخرج عبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ فِي الْأَدَب والحكيم التِّرْمِذِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي أُمَامَة قَالَ: الكنود الَّذِي يمْنَع رفده وَينزل وَحده وَيضْرب عَبده
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ وَابْن عَسَاكِر بِسَنَد ضَعِيف عَن أبي أُمَامَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَتَدْرُونَ مَا الكنود قَالُوا: الله وَرَسُوله أعلم
قَالَ: هُوَ الكفور الَّذِي يضْرب عَبده وَيمْنَع رفده وَيَأْكُل وَحده
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن قَتَادَة وَالْحسن فِي قَوْله: {إِن الإِنسان لرَبه لكنود} قَالَ: الكفور للنعمة الْبَخِيل بِمَا أعْطى وَالَّذِي يمْنَع رفده ويجيع عَبده وَيَأْكُل وَحده وَلَا يُعْطي النائبة تكون فِي قومه وَلَا يكون كنوداً حَتَّى تكون هَذِه الْخِصَال فِيهِ
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن الْحسن {إِن الإِنسان لرَبه لكنود} قَالَ: لكفور يعدد المصيبات وينسى نعم ربه عز وَجل(8/603)
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {وَإنَّهُ على ذَلِك لشهيد} قَالَ: الإِنسان {وَإنَّهُ لحب الْخَيْر} قَالَ: المَال
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد {وَإنَّهُ على ذَلِك لشهيد} قَالَ: الله عزَّ وجلَّ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة {وَإنَّهُ على ذَلِك لشهيد} قَالَ: هَذِه من مقاديم الْكَلَام يَقُول وَإِن الله على ذَلِك لشهيد وَإِن الإِنسان لحب الْخَيْر لشديد
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة {وَإنَّهُ لحب الْخَيْر} قَالَ: هُوَ المَال
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُحَمَّد بن كَعْب {وَإنَّهُ على ذَلِك لشهيد} قَالَ: الإِنسان شَاهد على نَفسه {أَفلا يعلم إِذا بعثر مَا فِي الْقُبُور} قَالَ: حِين يبعثون {وَحصل مَا فِي الصُّدُور} قَالَ: أخرج مَا فِي الصُّدُور
وَأخرج ابْن عَسَاكِر من طَرِيق البخْترِي بن عبيد عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رجل يَا رَسُول الله: مَا العاديات ضَبْحًا فَأَعْرض عَنهُ ثمَّ رَجَعَ إِلَيْهِ من الْغَد فَقَالَ: مَا الموريات قدحاً فَأَعْرض عَنهُ ثمَّ رَجَعَ إِلَيْهِ لثالثة فَقَالَ: مَا الْمُغيرَات صبحاً فَرفع الْعِمَامَة والقلنسوة عَن رَأسه بمخصرته فَوَجَدَهُ مقرعاً رَأسه فَقَالَ: لَو وَجَدْتُك حالقاً رَأسك لوضعت الَّذِي فِيهِ عَيْنَاك فَفَزعَ الْمَلأ من قَوْله فَقَالُوا يَا نَبِي الله وَلم قَالَ: إِنَّه سَيكون أنَاس من أمتِي يضْربُونَ الْقُرْآن بعضه بِبَعْض ليبطلوه ويتبعون مَا تشابه ويزعمون أَن لَهُم فِي أَمر رَبهم سَبِيلا وَلكُل دين مجوس وهم مجوس أمتِي وكلاب النَّار فَكَأَنَّهُ يَقُول: هم الْقَدَرِيَّة
قَالَ الذَّهَبِيّ فِي الْمِيزَان: البخْترِي ضعفه أَبُو حَاتِم وَأعله غَيره وَقَالَ أَبُو نعيم: رُوِيَ عَن أَبِيه مَوْضُوعَات(8/604)
101
سُورَة القارعة
مَكِّيَّة وآياتها إِحْدَى عشرَة بِسم الله الرحن الرَّحِيم
الْآيَة 1 - 11(8/605)
الْقَارِعَةُ (1) مَا الْقَارِعَةُ (2) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ (3) يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ (4) وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ (5) فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ (6) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (7) وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ (8) فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ (9) وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ (10) نَارٌ حَامِيَةٌ (11)
أخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: نزلت سُورَة القارعة بِمَكَّة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه من طرق عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: القارعة من أَسمَاء يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {يَوْم يكون النَّاس كالفراش المبثوث} قَالَ: هَذَا هُوَ الْفراش الَّذِي رَأَيْتُمْ يتهافت فِي النَّار وَفِي قَوْله: {وَتَكون الْجبَال كالعهن المنفوش} قَالَ: كالصوف وَفِي قَوْله: {فَأَما من ثقلت مَوَازِينه فَهُوَ فِي عيشة راضية} قَالَ: هِيَ الْجنَّة {وَأما من خفت مَوَازِينه فأمه هاوية} قَالَ: هِيَ النَّار مأواهم وأمهم ومصيرهم ومولاهم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {فأمه هاوية} قَالَ: مصيره إِلَى النَّار وَهِي الهاوية(8/605)
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس {فأمه هاوية} كَقَوْلِك هويت أمه
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة قَالَ: هِيَ كلمة عَرَبِيَّة إِذا وَقع رجل فِي أَمر شَدِيد قَالُوا: هويت أمه
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي خَالِد الْوَالِبِي {فأمه هاوية} قَالَ: أم رَأسه
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة قَالَ: أم رَأسه هاوية فِي جَهَنَّم
وَأخرج ابْن جرير عَن أبي صَالح قَالَ: يهوون فِي النَّار على رؤوسهم
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن زيد قَالَ: الهاوية النَّار هِيَ أمه ومأواه الَّتِي يرجع إِلَيْهَا ويأوي إِلَيْهَا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير عَن الْأَشْعَث بن عبد الله الْأَعْمَى قَالَ: إِذا مَاتَ الْمُؤمن ذهب بِرُوحِهِ إِلَى روح الْمُؤمنِينَ فَتَقول: روحوا لأخيكم فَإِنَّهُ كَانَ فِي غم الدُّنْيَا ويسألونه مَا فعل فلَان فيخبرهم فَيَقُول صَالح حَتَّى يسألوه مَا فعل فلَان فَيَقُول: مَاتَ أما جَاءَكُم فَيَقُولُونَ: لَا ذهب بِهِ إِلَى أمه الهاوية
وَأخرج الْحَاكِم عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِذا مَاتَ العَبْد تلقى روحه أَرْوَاح الْمُؤمنِينَ فَيَقُولُونَ لَهُ: مَا فعل فلَان فَإِذا قَالَ مَاتَ قَالُوا ذهب بِهِ إِلَى أمه الهاوية فبئست الْأُم وبئست المربية
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أنس بن مَالك رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِذا مَاتَ الْمُؤمن تَلَقَّتْهُ أَرْوَاح الْمُؤمنِينَ يسألونه مَا فعل فلَان مَا فعلت فُلَانَة فَإِن كَانَ مَاتَ وَلم يَأْتهمْ قَالُوا خُولِفَ بِهِ إِلَى أمه الهاوية بئست الْأُم وبئست المربية حَتَّى يَقُولُوا: مَا فعل فلَان
هلت تزوج مَا فعلت فُلَانَة هَل تزوجت فَيَقُولُونَ: دَعوه فيستريح فقد خرج من كرب الدُّنْيَا
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي أَيُّوب الْأنْصَارِيّ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن نفس الْمُؤمن إِذا قبضت تقلتها أهل الرَّحْمَة من عباد الله كَمَا يلقون البشير من أهل الدُّنْيَا فَيَقُولُونَ: انْظُرُوا صَاحبكُم يستريح فَإِنَّهُ كَانَ فِي كرب شَدِيد ثمَّ يسألونه مَا فعل فلَان وفلانة هَل تزوجت فَإِذا سَأَلُوهُ عَن الرجل قد مَاتَ قبله فَيَقُول: هَيْهَات قد مَاتَ ذَاك قبلي فَيَقُولُونَ: إِنَّا لله وَإنَّهُ إِلَيْهِ رَاجِعُون ذهب بِهِ إِلَى أمه الهاوية فبئست الْأُم وبئست المربية
وَأخرج ابْن الْمُبَارك عَن أبي أَيُّوب الْأنْصَارِيّ قَالَ: إِذا قبضت نفس العَبْد(8/606)
تلقاها أهل الرَّحْمَة من عباد الله كَمَا يلقون البشير فِي الدُّنْيَا فيقبلون عَلَيْهِ ليسألوه فَيَقُول بَعضهم لبَعض: انْظُرُوا أَخَاكُم حَتَّى يستريح فَإِنَّهُ كَانَ فِي كرب فيقبلون عَلَيْهِ يسألونه مَا فعل فلَان مَا فعلت فُلَانَة هَل تزوجت فَإِذا سَأَلُوهُ عَن الرجل مَاتَ قبله قَالَ لَهُم: إِنَّه قد هلك فَيَقُولُونَ: إِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون ذهب بِهِ إِلَى أمه الهاوية فبئست الْأُم وبئست المربية فَيعرض عَلَيْهِم أَعْمَالهم فَإِذا رَأَوْا حسنا فرحوا وَاسْتَبْشَرُوا وَقَالُوا: هَذِه نِعْمَتك على عَبدك فأتمها وَإِن رأو سوءا قَالُوا: اللَّهُمَّ رَاجع عَبدك
قَالَ ابْن الْمُبَارك وَرَوَاهُ سَلام الطَّوِيل عَن ثَوْر فرفعه
وَأخرج ابْن الْمُبَارك عَن سعيد بن جُبَير أَنه قيل لَهُ: هَل يَأْتِي الْأَمْوَات أَخْبَار الْأَحْيَاء قَالَ: نعم مَا من أحد لَهُ حميم إِلَّا يَأْتِيهِ أَخْبَار أَقَاربه فَإِن كَانَ خيرا سرّ بِهِ وَفَرح بِهِ وَإِن كَانَ شرا ابتأس لذَلِك وحزن حَتَّى إِنَّهُم ليسألون عَن الرجل قد مَاتَ فَيُقَال: ألم يأتكم فَيَقُولُونَ: لقد خُولِفَ بِهِ إِلَى أمه الهاوية
وَأخرج أَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن وهب بن مُنَبّه رَضِي الله عَنهُ قَالَ: مر عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام بقرية قد مَاتَ أَهلهَا إنسا وجنها وهوامها وأنعامها وطيورها فَقَامَ ينظر إِلَيْهَا سَاعَة ثمَّ أقبل على أَصْحَابه فَقَالَ: مَاتَ هَؤُلَاءِ بِعَذَاب الله وَلَو مَاتُوا بِغَيْر ذَلِك مَاتُوا مُتَفَرّقين ثمَّ ناداهم: يَا أهل الْقرْيَة
فَأَجَابَهُ مُجيب لبيْك يَا روح الله
قَالَ: مَا كَانَ جنايتكم قَالُوا عبَادَة الطاغوت وَحب الدُّنْيَا
قَالَ: وَمَا كَانَت عبادتكم الطاغوت قَالَ: الطَّاعَة لأهل معاصي الله تَعَالَى
قَالَ: فَمَا كَانَ حبكم الدُّنْيَا قَالُوا: كحب الصبيّ لأمه
كُنَّا إِذا أَقبلت فرحنا وَإِذا أَدْبَرت حزنا مَعَ أمل بعيد وإدبار عَن طَاعَة الله وإقبال فِي سخط الله
قَالَ: وَكَيف كَانَ شَأْنكُمْ قَالُوا: بِنَا لَيْلَة فِي عَافِيَة وأصبحنا فِي الهاوية
فَقَالَ عِيسَى: وَمَا الهاوية قَالَ: سِجِّين
قَالَ: وَمَا سِجِّين قَالَ: جَمْرَة من نَار مثل أطباق الدُّنْيَا كلهَا دفنت أَرْوَاحنَا فِيهَا
قَالَ: فَمَا بَال أَصْحَابك لَا يَتَكَلَّمُونَ قَالَ: لَا يَسْتَطِيعُونَ أَن يتكلموا ملجمون بلجام من نَار
قَالَ: فَكيف كَلَّمتنِي أَنْت من بَينهم قَالَ: إِنِّي كنت فيهم وَلم أكن على حَالهم فَلَمَّا جَاءَ الْبلَاء عمني مَعَهم فَأَنا مُعَلّق بشعرة فِي الهاوية لَا أَدْرِي أكردس فِي النَّار أم أنجو
فَقَالَ عِيسَى: بِحَق أَقُول لكم لأكل خبز الشّعير وَشرب مَاء القراح وَالنَّوْم على الْمَزَابِل مَعَ الْكلاب كثير مَعَ عَافِيَة الدُّنْيَا وَالْآخِرَة(8/607)
وَأخرج أَبُو يعلى قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا فقد الرجل من إخوانه ثَلَاثَة أَيَّام سَأَلَ عَنهُ فَإِن كَانَ غَائِبا دَعَا لَهُ وَإِن كَانَ شَاهدا زَارَهُ وَإِن كَانَ مَرِيضا عَاده
ففقد رجلا من الْأَنْصَار فِي الْيَوْم الثَّالِث فَسَأَلَ عَنهُ فَقَالُوا: تَرَكْنَاهُ مثل الفرخ لَا يدْخل فِي رَأسه شَيْء إِلَّا خرج من دبره
قَالَ: عودوا أَخَاكُم فخرجنا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نعوده فَلَمَّا دَخَلنَا عَلَيْهِ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: كيفت تجدك قَالَ: لَا يدْخل فِي رَأْسِي شَيْء أَلا خرج من دبري
قَالَ: ومم ذَاك قَالَ يَا رَسُول الله: مَرَرْت بك وَأَنت تصلي الْمغرب فَصليت مَعَك وَأَنت تقْرَأ هَذِه السُّورَة {القارعة مَا القارعة} إِلَى آخرهَا {نَار حامية} فَقلت اللَّهُمَّ مَا كَانَ من ذَنْب أَنْت معذبي عَلَيْهِ فِي الْآخِرَة فَعجل لي عُقُوبَته فِي الدُّنْيَا فَنزل بِي مَا ترى
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: بئس مَا قلت أَلا سَأَلت الله أَن يؤتيك فِي الدُّنْيَا حَسَنَة وَفِي الْآخِرَة حَسَنَة ويقيك عَذَاب النَّار فَأمره النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَدَعَا بذلك ودعا لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَامَ كَأَنَّهُمَا نشط من عقال(8/608)
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
102
سُورَة التكاثر
مَكِّيَّة وآياتها ثَمَان
مُقَدّمَة السُّورَة
الْآيَة 1 - 8(8/609)
أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (1) حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ (2) كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (3) ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (4) كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ (5) لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ (6) ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ (7) ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ (8)
أخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: نزلت بِمَكَّة سُورَة {أَلْهَاكُم التكاثر}
وَأخرج الْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَلا يَسْتَطِيع أحدكُم أَن يقْرَأ ألف آيَة فِي كل يَوْم قَالُوا: وَمن يَسْتَطِيع أَن يقْرَأ ألف آيَة قَالَ: أما يَسْتَطِيع أحدكُم أَن يقْرَأ أَلْهَاكُم التكاثر وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن أبي هِلَال رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يسمون {أَلْهَاكُم التكاثر} الْمُغيرَة
وَأخرج الطَّيَالِسِيّ وَسَعِيد بن مَنْصُور وَأحمد وَعبد بن حميد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن عبد الله بن الشخير رَضِي الله عَنهُ قَالَ: انْتَهَيْت إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ يقْرَأ {أَلْهَاكُم التكاثر} وَفِي لفظ وَقد أنزلت عَلَيْهِ {أَلْهَاكُم التكاثر} وَهُوَ يَقُول: يَقُول ابْن آدم: مَالِي مَالِي وَهل لَك من مَالك إِلَّا مَا أكلت فأفنيت أَو لبست فأبليت أَو تَصَدَّقت فأبقيت(8/609)
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن مطرف عَن أَبِيه قَالَ: لما أنزلت {أَلْهَاكُم التكاثر} قَالَ: رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يَقُول ابْن آدم مَالِي مَالِي وَهل لَك من مَالك إِلَّا مَا أكلت فأفنيت أولبست فأبلست أَو تَصَدَّقت فأبقيت أَو أَعْطَيْت فأمضيت
وَأخرج عبد بن حميد وَمُسلم وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يَقُول العَبْد مَالِي مَالِي وَإِنَّمَا لَهُ من مَاله ثَلَاثَة مَا أكل فأفنى أَو لبس فأبلى أَو تصدق فأبقى
وَمَا سوى ذَلِك فَهُوَ ذَاهِب وتاركه للنَّاس
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يَقُول ابْن آدم مَالِي مَالِي وَمَاله من مَاله إِلَّا مَا أكل فأفنى أَو لبس فأبلى أَو أعْطى فَأمْضى
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان وَضَعفه عَن جرير بن عبد الله رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ لنا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنِّي قَارِئ عَلَيْكُم سُورَة {أَلْهَاكُم التكاثر} فَمن بَكَى فقد دخل الْجنَّة فقرأها فمنا من بَكَى وَمنا من لم يبك فَقَالَ الَّذين لم يبكوا: قد جهدنا يَا رَسُول الله أَن نبكي فَلم نقدر عَلَيْهِ
فَقَالَ: إِنِّي قَارِئهَا عَلَيْكُم الثَّانِيَة فَمن بَكَى فَلهُ الْجنَّة وَمن لم يقدر أَن يبكي فليتباك
وَأخرج عبد بن حميد عَن عبد الله بن الشخير رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أتيت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ يُصَلِّي وَهُوَ يقْرَأ {أَلْهَاكُم التكاثر} حَتَّى خَتمهَا
وَأخرج البُخَارِيّ وَابْن جرير عَن أبيّ بن كَعْب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كُنَّا نرى هَذَا من الْقُرْآن لَو أَن لِابْنِ آدم واديين من مَال لتمنى وَاديا ثَالِثا وَلَا يمْلَأ جَوف ابْن آدم إِلَّا التُّرَاب ثمَّ يَتُوب الله على من تَابَ حَتَّى نزلت سُورَة {أَلْهَاكُم التكاثر} إِلَى آخرهَا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {أَلْهَاكُم التكاثر} قَالَ: قَالُوا: نَحن أَكثر من بني فلَان وَبَنُو فلَان أَكثر من بني فلَان فألهاهم ذَلِك حَتَّى مَاتُوا ضلالا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {أَلْهَاكُم التكاثر} قَالَ: نزلت فِي الْيَهُود
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وحنيش بن أَصْرَم فِي الاسْتقَامَة وَابْن جريروابن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه عَن عَليّ بن أبي طَالب قَالَ: نزلت {أَلْهَاكُم التكاثر} فِي عَذَاب الْقَبْر(8/610)
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن عمر بن عبد الْعَزِيز أَنه قَرَأَ {الهاكم التكاثر حَتَّى زرتم الْمَقَابِر} ثمَّ قَالَ: مَا أرى الْمَقَابِر إِلَّا زِيَارَة وَمَا للزائر بُد من أَن يرجع إِلَى منزله
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {أَلْهَاكُم التكاثر} قَالَ: فِي الْأَمْوَال وَالْأَوْلَاد
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا أخْشَى عَلَيْكُم الْفقر وَلَكِن أخْشَى عَلَيْكُم التكاثر وَمَا أخْشَى عَلَيْكُم الْخَطَأ وَلَكِن أخْشَى عَلَيْكُم التعمد
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن زيد بن أسلم عَن أَبِيه قَالَ: قَرَأَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {أَلْهَاكُم التكاثر} يَعْنِي عَن الطَّاعَة {حَتَّى زرتم الْمَقَابِر} قَالَ: يَقُول: حَتَّى يأتيكم الْمَوْت {كلا سَوف تعلمُونَ} يَعْنِي لَو قد دَخَلْتُم قبوركم {ثمَّ كلا سَوف تعلمُونَ} يَقُول: لَو قد خَرجْتُمْ من قبوركم إِلَى محشركم {كلا لَو تعلمُونَ علم الْيَقِين} قَالَ: لَو قد وقفتم على أَعمالكُم بَين يَدي ربكُم {لترون الْجَحِيم} وَذَلِكَ أَن الصِّرَاط يوضع وسط جَهَنَّم فناج مُسلم ومخدوش مُسلم ومكدوش فِي نَار جَهَنَّم {ثمَّ لتسألن يَوْمئِذٍ عَن النَّعيم} يَعْنِي شبع الْبُطُون وبارد الشَّرَاب وظلال المساكن واعتدال الْخلق وَلَذَّة النّوم
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عِيَاض بن غنم أَنه سمع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَلا قَوْله: {أَلْهَاكُم التكاثر حَتَّى زرتم الْمَقَابِر كلا سَوف تعلمُونَ} يَقُول: لَو دَخَلْتُم الْقُبُور {ثمَّ كلا سَوف تعلمُونَ} وَقد خَرجْتُمْ من قبوركم {كلا لَو تعلمُونَ علم الْيَقِين} فِي يَوْم محشركم إِلَى ربكُم {لترون الْجَحِيم} أَي فِي الْآخِرَة حق الْيَقِين كرأي الْعين {ثمَّ لترونها عين الْيَقِين} يَوْم الْقِيَامَة {ثمَّ لتسألنّ يَوْمئِذٍ عَن النَّعيم} بَين يَدي ربكُم عَن بَارِد الشَّرَاب وظلال المساكن وشبع الْبُطُون واعتدال الْخلق ولذاذة النّوم حَتَّى خطْبَة أحدكُم الْمَرْأَة مَعَ خطاب سواهُ فَزَوجهَا ومنعها غَيره
وَأخرج ابْن جرير عَن الضَّحَّاك {كلا سَوف تعلمُونَ} الْكفَّار {ثمَّ كلا سَوف تعلمُونَ} الْمُؤمنِينَ
وَكَذَلِكَ كَانُوا يقرؤونها
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة {كلا لَو تعلمُونَ علم الْيَقِين} قَالَ: كُنَّا نُحدث أَن علم الْيَقِين أَن يعلم أَن الله باعثه بعد الْمَوْت(8/611)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {لَو تعلمُونَ علم الْيَقِين} قَالَ: كُنَّا نُحدث أَنه الْمَوْت وَفِي قَوْله: {ثمَّ لتسألن يَوْمئِذٍ عَن النَّعيم} قَالَ: إِن الله سَائل كل ذِي نعْمَة فِيمَا أنعم عَلَيْهِ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الْإِيمَان عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {ثمَّ لتسألن يَوْمئِذٍ عَن النَّعيم} قَالَ: صِحَة الْأَبدَان والأسماع والأبصار يسْأَل الله الْعباد فيمَ استعملوها وَهُوَ أعلم بذلك مِنْهُم وَهُوَ قَوْله: (إِن السّمع وَالْبَصَر والفؤاد كل أُولَئِكَ كَانَ عَنهُ مسؤولاً) (سُورَة الْإِسْرَاء الْآيَة 36)
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {ثمَّ لتسألن يَوْمئِذٍ عَن النَّعيم} قَالَ: كل شَيْء من لَذَّة الدُّنْيَا
وَأخرج عبد الله بن أَحْمد فِي زَوَائِد الزّهْد وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن مَسْعُود عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله: {ثمَّ لتسألن يَوْمئِذٍ عَن النَّعيم} قَالَ: الْأَمْن وَالصِّحَّة
وَأخرج هناد وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الْإِيمَان عَن ابْن مَسْعُود فِي الْآيَة قَالَ النَّعيم: الْأَمْن وَالصِّحَّة
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن عَليّ بن أبي طَالب {ثمَّ لتسألن يَوْمئِذٍ عَن النَّعيم} قَالَ: النَّعيم الْعَافِيَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن عَليّ بن أبي طَالب أَنه سُئِلَ عَن قَوْله: {ثمَّ لتسألن يَوْمئِذٍ عَن النَّعيم} قَالَ: عَن أكل خبز الْبر وَشرب مَاء الْفُرَات مبرداً وَكَانَ لَهُ منزل يسكنهُ فَذَاك من النَّعيم الَّذِي يسْأَل عَنهُ
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي الدَّرْدَاء قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: {ثمَّ لتسألن يَوْمئِذٍ عَن النَّعيم} قَالَ: نَاس من أمتِي يعقدون السّمن وَالْعَسَل بالنقى فيأكلونه
وَأخرج عبد بن حميد عَن حمْرَان بن أبان عَن رجل من أهل الْكتاب قَالَ: مَا الله معط عبدا فَوق ثَلَاث إِلَّا سائله عَنْهُم يَوْم الْقِيَامَة: قدر مَا يُقيم بِهِ صلبه من الْخبز وَمَا يكنه من الظل وَمَا يواري بِهِ عَوْرَته من النَّاس(8/612)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة قَالَ: لما نزلت هَذِه الْآيَة {لتسألن يَوْمئِذٍ عَن النَّعيم} قَالَ الصَّحَابَة: وَفِي أَي نعيم نَحن يَا رَسُول الله وَإِنَّمَا نَأْكُل فِي أَنْصَاف بطوننا خبز الشّعير فَأوحى الله إِلَى نبيه أَن قل لَهُم: أَلَيْسَ تحتذون النِّعَال وتشربون المَاء الْبَارِد فَهَذَا من النَّعيم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وهناد وَأحمد وَابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن مَحْمُود بن لبيد قَالَ: لما أنزلت {أَلْهَاكُم التكاثر} فَقَرَأَ حَتَّى بلغ ثمَّ {لتسألن يَوْمئِذٍ عَن النَّعيم} قَالُوا يَا رَسُول الله: عَن أَي نعيم نسْأَل وَإِنَّمَا هما الأسودان المَاء وَالتَّمْر وسيوفنا على رقابنا والعدوّ حَاضر فَعَن أَي نعيم نسْأَل قَالَ: أما إِن ذَلِك سَيكون
وَأخرج عبد بن حميد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: لما نزلت هَذِه الْآيَة {ثمَّ لتسألن يَوْمئِذٍ عَن النَّعيم} قَالَ النَّاس: يَا رَسُول الله عَن أَي النَّعيم نسْأَل وَإِنَّمَا هما الأسودان والعدوّ حَاضر وسيوفنا على عواتقنا قَالَ: أما إِن ذَلِك سَيكون
وَأخرج أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه وَابْن ماجة وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه عَن الزبير بن الْعَوام قَالَ: لما نزلت {ثمَّ لتسألن يَوْمئِذٍ عَن النَّعيم} قَالُوا يَا رَسُول الله: وَأي نعيم نسْأَل عَنهُ وَإِنَّمَا هما الأسودان التَّمْر وَالْمَاء قَالَ: إِن ذَلِك سَيكون
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن ابْن الزبير قَالَ: لما نزلت {ثمَّ لتسألن يَوْمئِذٍ عَن النَّعيم} قَالَ الزبير بن العوّام: يَا رَسُول الله أَي نعيم نسْأَل عَنهُ وَإِنَّمَا هما الأسودان المَاء وَالتَّمْر
قَالَ: أما ذَلِك سَيكون
وَأخرج عبد بن حميد عَن صَفْوَان بن سليم قَالَ: لما نزلت {أَلْهَاكُم التكاثر} إِلَى آخرهَا {ثمَّ لتسألن يَوْمئِذٍ عَن النَّعيم} قَالَ أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: عَن أَي نعيم نسْأَل إِنَّمَا هما الأسودان المَاء وَالتَّمْر وسيوفنا على عواتقنا
فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِنَّه سَيكون
وَأخرج أَبُو يعلى عَن الْحسن قَالَ:: لما نزلت هَذِه الْآيَة {لتسألن يَوْمئِذٍ عَن النَّعيم} قَالُوا يَا رَسُول الله: أَي نعيم نسْأَل عَنهُ وسيوفنا على عواتقنا وَذكر الحَدِيث
وَأخرج أَحْمد فِي زَوَائِد الزّهْد وَعبد بن حميد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن جرير وَابْن حبَان وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الْإِيمَان عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:(8/613)
إِن أول مَا يسْأَل العَبْد عَنهُ يَوْم الْقِيَامَة من النَّعيم أَن يُقَال لَهُ: ألم نصح لَك جسمك ونروك من المَاء الْبَارِد
وَأخرج هناد وَعبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: نعمتان مغبون فيهمَا كثير من النَّاس الصِّحَّة والفراغ
وَأخرج ابْن جرير عَن ثَابت الْبنانِيّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: النَّعيم المسؤول عَنهُ يَوْم الْقِيَامَة كسرة تقوته وَمَاء يرويهِ وثوب يواريه
وَأخرج أَحْمد وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: جَاءَنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَبُو بكر وَعمر فأطعمناهم رطبا وسقيناهم مَاء فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: هَذَا النَّعيم الَّذِي تسْأَلُون عَنهُ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن مرْدَوَيْه والبهقي عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: كَانَ ليهودي على أبي تمر فَقتل أبي يَوْم أحد وَترك حديقتين وتمر الْيَهُودِيّ يستوعب مَا فِي الحديقتين
فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: هَل لَك أَن تَأْخُذ الْعَام بعضه وتؤخر بَعْضهَا إِلَى قَابل فَأبى الْيَهُودِيّ فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِذا حضر الْجذاذ فآذاني فآذنته فجَاء رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَبُو بكر وَعمر فَجعلنَا نجذ ويكال لَهُ من أَسْفَل النّخل وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَدْعُو بِالْبركَةِ حَتَّى وفيناه جَمِيع حَقه من أَصْغَر الحديقتين ثمَّ أتيتهم برطب وَمَاء فَأَكَلُوا وَشَرِبُوا ثمَّ قَالَ: هَذَا من النَّعيم الَّذِي تسْأَلُون عَنهُ
وَأخرج مُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: خرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَات يَوْم فَإِذا هُوَ بِأبي بكر وَعمر فَقَالَ: مَا أخرجكما من بيوتكما هَذِه السَّاعَة قَالَا: الْجُوع يَا رَسُول الله
قَالَ: وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لأخرجني الَّذِي أخرجكما فَقومُوا فقاما مَعَه فَأتى رجلا من الْأَنْصَار فَإِذا هُوَ لَيْسَ فِي بَيته فَلَمَّا رَأَتْهُ الْمَرْأَة قَالَت: مرْحَبًا وَأهلا فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَيْن فلَان قَالَت: انْطلق يستعذب لنا المَاء إِذْ جَاءَ الْأنْصَارِيّ فَنظر إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وصاحبيه فَقَالَ: الْحَمد لله مَا أحد الْيَوْم أكْرم أضيافاً مني فَانْطَلق فجَاء بعذق فِيهِ بسر وتمر فَقَالَ: كلوا من هَذَا وَأخذ المدية فَقَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إياك والحلوب فذبح لَهُم فَأَكَلُوا من الشَّاة وَمن ذَلِك العذق وَشَرِبُوا
فَلَمَّا شَبِعُوا وَرووا قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأبي بكر وَعمر: وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لتسألن عَن هَذَا النَّعيم يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج الْبَزَّار وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن ابْن(8/614)
عَبَّاس أَنه سمع عمر بن الْخطاب يَقُول: إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خرج يَوْمًا عِنْد الظهيرة فَوجدَ أَبَا بكر فِي الْمَسْجِد جَالِسا فَقَالَ: مَا أخرجك هَذِه السَّاعَة قَالَ: أخرجني الَّذِي أخرجك يَا رَسُول الله
ثمَّ إِن عمر جَاءَ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يَا ابْن الْخطاب مَا أخرجك هَذِه السَّاعَة قَالَ: أخرجني الَّذِي أخرجكما فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: هَل بكما من قُوَّة فتنطلقان إِلَى هَذَا النّخل فتصيبان من طَعَام وشراب فَقُلْنَا: نعم يَا رَسُول الله فَانْطَلَقْنَا حَتَّى أَيَّتنَا منزل مَالك بن التيهَان أبي الْهَيْثَم الْأنْصَارِيّ
وَأخرج ابْن حبَان وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: خرج أَبُو بكر فِي الهاجرة إِلَى الْمَسْجِد فَسمع عمر فَخرج فَقَالَ لأبي بكر: مَا أخرجك هَذِه السَّاعَة قَالَ: أخرجني مَا أجد فِي نَفسِي من حاق الْجُوع
قَالَ عمر: وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ مَا أخرجني إِلَى الْجُوع فَبَيْنَمَا هما كَذَلِك إِذْ خرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: مَا أخرجكما هَذِه السَّاعَة فَقَالَا: وَالله مَا أخرجنَا إِلَّا مَا نجد فِي بطوننا من حاق الْجُوع فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: وَالَّذِي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ مَا أخرجني غَيره فَقَامُوا فَانْطَلقُوا إِلَى منزل أبي أَيُّوب الْأنْصَارِيّ فَلَمَّا انْتَهوا إِلَى دَاره قَالَت امْرَأَته: مرْحَبًا بِنَبِي الله وبمن بِعْهُ
قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَيْن أَبُو أَيُّوب فَقَالَت امْرَأَته: يَأْتِيك يَا نَبِي الله السَّاعَة
فجَاء أَبُو أَيُّوب فَقطع عذقاً فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا أردْت أَن تقطع لنا هَذَا أَلا اجتنيت الثَّمَرَة قَالَ: أَحْبَبْت يَا رَسُول الله أَن تَأْكُلُوا من بسره وتمره ورطبه
ثمَّ ذبح جدياً فشوى نصفه وطبخ نصفه فَلَمَّا وضع بَين يَدي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَخذ من الجدي فَجعله فِي رغيف وَقَالَ: يَا أَبَا أَيُّوب أبلغ بِهَذَا فَاطِمَة فَإِنَّهَا لم تصب مثل هَذَا مُنْذُ أَيَّام فَذهب بِهِ أَبُو أَيُّوب إِلَى فَاطِمَة
فَلَمَّا أكلُوا وشبعوا قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: خبز وَلحم وتمر وَبسر وَرطب ودمعت عَيناهُ وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ إِن هَذَا لَهو النَّعيم الَّذِي تسْأَلُون عَنهُ
قَالَ الله: {ثمَّ لتسألن يَوْمئِذٍ عَن النَّعيم} فَهَذَا النَّعيم الَّذِي تسْأَلُون عَنهُ يَوْم الْقِيَامَة فَكبر ذَلِك على أَصْحَابه
فَقَالَ: بلَى إِذا أصبْتُم هَذَا فضربتم بِأَيْدِيكُمْ فَقولُوا: بِسم الله فَإِذا شيعتم فَقولُوا: الْحَمد لله الَّذِي هُوَ أشبعنا وأنعم علينا وَأفضل فَإِن هَذَا كفاف لَهَا
وَأخرج أَحْمد وَابْن جرير وَابْن عدي وَالْبَغوِيّ فِي مُعْجَمه وَابْن مَنْدَه فِي الْمعرفَة وَابْن عَسَاكِر وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن أبي عسيب مولى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: خرج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْلًا فَمر بِي فدعاني فَخرجت إِلَيْهِ ثمَّ مر بِأبي بكر(8/615)
فَدَعَاهُ فَخرج إِلَيْهِ ثمَّ مر بعمر فَدَعَاهُ فَخرج إِلَيْهِ فَانْطَلق حَتَّى دخل حَائِطا لبَعض الْأَنْصَار فَقَالَ لصَاحب الْحَائِط: أطعمنَا فجَاء بعذق فَوَضعه فَأكل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه ثمَّ دَعَا بِمَاء بَارِد فَشرب وَقَالَ: لتسألن عَن هَذَا النَّعيم يَوْم الْقِيَامَة فَأخذ عمر العذق فَضرب بِهِ الأَرْض حَتَّى تناثر الْبُسْر ثمَّ قَالَ يَا رَسُول الله: إِنَّا لمسؤولون عَن هَذَا يَوْم الْقِيَامَة قَالَ: نعم إِلَّا من ثَلَاث كسرة يسد بهَا الرجل جوعته أَو ثوب يستر بِهِ عَوْرَته أَو حجر يدْخل فِيهِ من الْحر وَالْبرد
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي سعيد قَالَ: كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على جدول فَأتي برطب وَمَاء بَارِد فَأكل من الرطب وَشرب من المَاء ثمَّ قَالَ: هَذَا من النَّعيم الَّذِي تسْأَلُون عَنهُ
وَأخرج أَبُو يعلى وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي بكر الصّديق قَالَ: انْطَلَقت مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ومعنا عمر إِلَى رجل يُقَال لَهُ الوَاقِفِي فذبح لنا شَاة فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إياك وَذَات الدّرّ فأكلنا ثريداً وَلَحْمًا وشربنا مَاء فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: هَذَا من النَّعيم الَّذِي تسْأَلُون عَنهُ
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عمر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خرج فِي سَاعَة لم يكن يخرج فِيهَا ثمَّ خرج أَبُو بكر فَقَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا أخرجك يَا أَبَا بكر قَالَ: أخرجني من الْجُوع
قَالَ: وأخرجني الَّذِي أخرجك
ثمَّ خرج عمر فَقَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا أخرجك يَا عمر قَالَ: أخرجني وَالَّذِي بَعثك بِالْحَقِّ الْجُوع
ثمَّ جَاءَ أنَاس من أَصْحَابه فَقَالَ: انْطَلقُوا بِنَا إِلَى منزل أبي الْهَيْثَم فَقَالَت لَهُم امْرَأَته: إِنَّه ذهب يستعذب لنا فدوروا إِلَى الْحَائِط ففتحت لَهُم بَاب الْبُسْتَان فَدَخَلُوا فجلسوا فجَاء أَبُو الْهَيْثَم فَقَالَت لَهُ امْرَأَته: أَتَدْرِي من عنْدك قَالَ: لَا قَالَت لَهُ: عنْدك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه فَدخل عَلَيْهِم فعلق قربته على نَخْلَة ثمَّ أَخذ مخرفان فَأتى عذقاً لَهُ فاخترف لَهُم رطبا فَأَتَاهُم بِهِ فَصَبَّهُ بَين أَيْديهم فَأَكَلُوا مِنْهُ وَبرد لَهُم ذَلِك المَاء فَشَرِبُوا مِنْهُ فَقَالَ لَهُم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: هَذَا من النَّعيم الَّذِي تسْأَلُون عَنهُ
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن أبي الْهَيْثَم بن التيهَان أَن أَبَا بكر الصّديق خرج فَإِذا هُوَ بعمر جَالِسا فِي الْمَسْجِد فَعمد نَحوه فَوقف فَسلم فَرد عمر فَقَالَ لَهُ أَبُو بكر: مَا أخرجك هَذِه السَّاعَة فَقَالَ لَهُ عمر: بل أَنْت مَا أخرجك هَذِه السَّاعَة قَالَ(8/616)
أَبُو بكر: إِنِّي سَأَلتك قبل أَن تَسْأَلنِي
فَقَالَ عمر: أخرجني الْجُوع
فَقَالَ أَبُو بكر: وَأَنا أخرجني الَّذِي أخرجك
فلبثا يتحدثان وطلع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَعمد نَحْوهمَا حَتَّى وقف عَلَيْهِمَا فَسلم فَردا السَّلَام فَقَالَ: مَا أخرجكما هَذِه السَّاعَة فَنظر كل وَاحِد مِنْهُمَا إِلَى صَاحبه لَيْسَ مِنْهُمَا وَاحِد إِلَّا وَهُوَ يُرِيد أَن يُخبرهُ صَاحبه فَقَالَ أَبُو بكر: يَا رَسُول الله خرج قبلي وَخرجت بعده فَسَأَلته مَا أخرجك هَذِه السَّاعَة فَقَالَ: بل أَنْت مَا أخرجك هَذِه السَّاعَة فَقلت: إِنِّي
سَأَلتك قبل أَن تَسْأَلنِي فَقَالَ: بل أخرجني الْجُوع
فَقلت لَهُ: أخرجني الَّذِي أخرجك
فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: وَأَنا فَأَخْرجنِي الَّذِي أخرجكما
فَقَالَ لَهما النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: تعلمان من أحد نضيفه قَالَا: نعم أَبُو الْهَيْثَم بن التيهَان لَهُ أعذق وجدي إِن جئناه نجد عِنْده فضل تمر
فَخرج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وصاحباه حَتَّى دخلُوا الْحَائِط فَسلم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَسمِعت أم الْهَيْثَم تَسْلِيمه ففدت بِالْأَبِ وَالأُم وأخرجت حلساً لَهَا من شعر فجلسوا عَلَيْهِ فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: فَأَيْنَ أَبُو الْهَيْثَم فَقَالَت: ذَاك ذهب ليستعذب لنا من المَاء
وطلع أَبُو الْهَيْثَم بالقربة على رقبته فَلَمَّا أَن رأى وضح النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَين ظهراني النّخل أسندها إِلَى جذع وَأَقْبل يفْدي بِالْأَبِ وَالأُم فَلَمَّا رَآهُمْ عرف الَّذِي بهم فَقَالَ لأم الْهَيْثَم: هَل أطعمت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وصاحبيه شَيْئا فَقَالَت: إِنَّمَا جلس النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم السَّاعَة
قَالَ: فَمَا عنْدك قَالَت: عِنْدِي حبات من شعير
قَالَ: كركريها واعجني واخبزي إِذْ لم يَكُونُوا يعْرفُونَ الخمير
قَالَ: وَأخذ الشَّفْرَة فَرَآهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم موليا فَقَالَ: إياك وَذَات الدّرّ
فَقَالَ: يَا رَسُول الله إِنَّمَا أُرِيد عنيقاً فِي الْغنم فذبح وَنصب فَلم يلبث إِذا جَاءَ بذلك إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأكل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وصاحباه فشبعوا لَا عهد لَهُم بِمِثْلِهَا
فَمَا مكث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَّا يَسِيرا حَتَّى أُتِي بأسير من الْيمن فَجَاءَتْهُ فَاطِمَة ابْنة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَشْكُو إِلَيْهِ الْعَمَل وتريه يَديهَا وتسأله إِيَّاه
قَالَ: لَا وَلَكِن أعْطِيه أَبَا الْهَيْثَم فقد رَأَيْته وَمَا لَقِي هُوَ وَامْرَأَته يَوْم ضفناهم فَأرْسل إِلَيْهِ وَأَعْطَاهُ إيها فَقَالَ: خُذ هَذَا الْغُلَام يعينك على حائطك واستوص بِهِ خيرا: فَمَكثَ عِنْد أبي الْهَيْثَم مَا شَاءَ الله أَن يمْكث فَقَالَ: لقد كنت مُسْتقِلّا أَنا وصاحبتي بحائطنا اذْهَبْ فَلَا رب لَك إِلَّا الله فَخرج ذَلِك الْغُلَام إِلَى الشَّام ورزق فِيهَا
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن ابْن مَسْعُود أَن أَبَا بكر خرج لم يُخرجهُ إِلَّا الْجُوع وَخرج عمر لم يُخرجهُ إِلَّا الْجُوع وَأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خرج عَلَيْهِمَا وأنهما أخبراه أَنه(8/617)
لم يخرجهما إِلَى الْجُوع فَقَالَ: انْطَلقُوا بِنَا إِلَى منزل رجل من الْأَنْصَار يُقَال لَهُ أَبُو الْهَيْثَم بن التيهَان فَإِذا هُوَ لَيْسَ فِي الْمنزل ذهب يَسْتَقِي فرحبت الْمَرْأَة برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وبصاحبيه وَبسطت لَهُم شَيْئا فجلسو عَلَيْهِ فَسَأَلَهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَيْن انْطلق أَبُو الْهَيْثَم قَالَت: ذهب يستعذب لنا فَلم يلبث أَن جَاءَ بقربة فِيهَا مَاء فعلقها وَأَرَادَ أَن يذبح لَهُم شَاة فَكَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كره ذَلِك فذبح لَهُم عنَاقًا ثمَّ انْطلق فجَاء بكبائس من النّخل فَأَكَلُوا من ذَلِك اللَّحْم والبسر وَالرّطب أَو شربوا من المَاء فَقَالَ أَحدهمَا: إِمَّا أَبُو بكر وَإِمَّا عمر: هَذَا من النَّعيم الَّذِي نسْأَل عَنهُ يَوْم الْقِيَامَة فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: الْمُؤمن لَا يثرب عَلَيْهِ شَيْء أَصَابَهُ فِي الدُّنْيَا إِنَّمَا يثرب على الْكَافِر
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن الْكَلْبِيّ أَنه سُئِلَ عَن تَفْسِير هَذِه الْآيَة {ثمَّ لتسألن يَوْمئِذٍ عَن النَّعيم} قَالَ: إِنَّمَا هِيَ للْكفَّار {أَذهَبْتُم طَيِّبَاتكُمْ فِي حَيَاتكُم الدُّنْيَا} ) (سُورَة الْأَحْقَاف الْآيَة 20) إِنَّمَا هِيَ للْكفَّار قَالَ: وَخرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَبُو بكر وَعمر كلهم يَقُولُونَ أخرجني الْجُوع فنطلق بهما النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى رجل من الْأَنْصَار يُقَال لَهُ أَبُو الْهَيْثَم فَلم يره فِي منزله ورحبت الْمَرْأَة برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وبصاحبيه وأخرجت بساطاً فجلسوا عَلَيْهِ فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَيْن أَنطلق أَبُو الْهَيْثَم فَقَالَت: انْطلق يستعذب لنا فَلم يَلْبَثُوا أَن جَاءَ بقربة مَاء فعلقها وَكَأَنَّهُ أَرَادَ أَن يذبح لَهُم شَاة فكره النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَلِك فذبح عنَاقًا ثمَّ انْطلق فجَاء بكبائس من نخل فَأَكَلُوا من اللَّحْم وَمن الْبُسْر وَالرّطب وَشَرِبُوا من المَاء فَقَالَ أَحدهمَا: إِمَّا أَبُو بكر وَإِمَّا عمر: هَذَا من النَّعيم الَّذِي نسْأَل عَنهُ فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِنَّمَا يسْأَل الْكفَّار وَإِن الْمُؤمن لَا يثرب عَلَيْهِ شَيْء أَصَابَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّمَا يثرب على الْكَافِر قيل لَهُ من حَدثَك قَالَ: الشّعبِيّ عَن الْحَارِث عَن ابْن مَسْعُود
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن عَامر قَالَ: أكل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَبُو بكر وَعمر لَحْمًا وخبزاً وشعيراً ورطباً وَمَاء بَارِدًا فَقَالَ: هَذَا وربكما من النَّعيم
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: لما نزلت هَذِه الْآيَة {ثمَّ لتسألن يَوْمئِذٍ عَن النَّعيم} قَالُوا يارسول الله: أَي نعيم نسْأَل عَنهُ سُيُوفنَا على عواتقنا وَالْأَرْض كلهَا لنا حَرْب يصبح أَحَدنَا بِغَيْر غداء ويمسي عشَاء قَالَ: عني بذلك قوم يكونُونَ(8/618)
من بعدكم أَنْتُم خير مِنْهُم يغذي عَلَيْهِم بِجَفْنَة وَيرَاح عَلَيْهِم بِجَفْنَة وَيَغْدُو فِي حلَّة وَيروح فِي حلَّة ويسترون بُيُوتهم كَمَا تستر الْكَعْبَة ويفشى فيهم السّمن
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أنس بن مَالك قَالَ: لما نزلت {ثمَّ لتسألن يَوْمئِذٍ عَن النَّعيم} قَامَ رجل مُحْتَاج فَقَالَ يَا رَسُول الله: هَل عليّ من النِّعْمَة شَيْء قَالَ: نعم الظل والنعلان وَالْمَاء الْبَارِد
وَأخرج الْخَطِيب وَابْن عَسَاكِر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {لتسألن يَوْمئِذٍ عَن النَّعيم} قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: الْخصاف وَالْمَاء والبارد وفلق الْكسر قَالَ الْعَبَّاس: الْخصاف خصف النَّعْلَيْنِ
وَأخرج الْبَزَّار عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا فَوق الإِزار وظل الْحَائِط وخبز يُحَاسب بِهِ العَبْد يَوْم الْقِيَامَة وَيسْأل عَنهُ
وَأخرج عبد الله بن أَحْمد فِي زَوَائِد الزّهْد عَن الْحسن قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ثَلَاث لَا يُحَاسب بِهن العَبْد: ظلّ خص يستظل بِهِ وكسرة يشد بهَا صلبه وثوب يواري بِهِ عَوْرَته
وَأخرج أَيْضا عَن سلمَان قَالَ: يلغني أَن فِي التَّوْرَاة مَكْتُوب: ابْن آدم كسيرة تكفيك وخرقة تواريك وَحجر يؤيك
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن عبد الله بن عَمْرو أَن رجلا سَأَلَهُ إِنْسَان من فُقَرَاء الْمُهَاجِرين فَقَالَ: أَلَك امْرَأَة تأوي إِلَيْك وتأوي إِلَيْهَا قَالَ: نعم
قَالَ: أَلَك مسكن تسكنه قَالَ: نعم
قَالَ: فلست من فُقَرَاء الْمُهَاجِرين
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن عُثْمَان بن عَفَّان أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: كل شَيْء سوى ظلّ بَيت وجلف الْخبز وثوب يواري عَوْرَته وَالْمَاء فَمَا فضل عَن هَذَا لِابْنِ آدم فِيهِنَّ حق
وَأخرج أَحْمد وَابْن ماجة والحكيم وَالتِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول وَابْن مرْدَوَيْه عَن معَاذ بن عبد الله الْجُهَنِيّ عَن أَبِيه عَن عَمه قَالَ: خرج علينا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعَلِيهِ أثر غسل وَهُوَ طيب النَّفس فظننا أَنه ألم بأَهْله فَقُلْنَا يَا رَسُول الله: نرَاك طيب النَّفس فَقَالَ: أجل وَالْحَمْد لله ثمَّ ذكر الْغنى فَقَالَ: لَا بَأْس بالغنى لمن اتَّقى الله وَالصِّحَّة لمن اتَّقى خير من الْغنى وَطيب النَّفس من النَّعيم(8/619)
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة قَالَ: مر عمر بن الْخطاب بِرَجُل مبتلي أَجْذم أعمى أَصمّ أبكم فَقَالَ لمن مَعَه: هَل ترَوْنَ فِي هَذَا من نعم الله شَيْئا قَالُوا: لَا قَالَ: بلَى أَلا تَرَوْنَهُ يَبُول فَلَا يعتصر وَلَا يلتوي يخرج بَوْله سهلاً فَهَذِهِ نعْمَة من الله
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن قَالَ: يَا لَهَا من نعْمَة تَأْكُل لَذَّة وَتخرج سرحاً لقد كَانَ ملك من مُلُوك هَذِه الْقرْيَة يرى الْغُلَام من غلمانه يَأْتِي الحش فيكتان ثمَّ يجرجر قَائِما فَيَقُول: يَا لَيْتَني مثلك مَا يشرب حَتَّى يقطع عُنُقه الْعَطش فَإِذا شرب كَانَ لَهُ فِي تِلْكَ الشربة موتات يَا لَهَا من نعْمَة تَأْكُل لَذَّة وَتخرج سرحاً
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: يعرض النَّاس يَوْم الْقِيَامَة على ثَلَاثَة دواوين: ديوَان فِيهِ الْحَسَنَات وديوان فِيهِ النَّعيم وديوان فِيهِ السَّيِّئَات فيقابل بديوان الْحَسَنَات ديوَان النَّعيم فيستفرغ النَّعيم الْحَسَنَات وَتبقى السَّيِّئَات مشيئتها إِلَى الله عز وَجل إِن شَاءَ عذب وَإِن شَاءَ غفر
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وهناد عَن بكير بن عَتيق قَالَ: سقيت سعيد بن جُبَير شربة من عسل فِي قدح فَشربهَا ثمَّ قَالَ: وَالله لأسألن عَن هَذَا: فَقلت لمه قَالَ: شربته وَأَنا أستلذه(8/620)
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
103
سُورَة الْعَصْر
مَكِّيَّة وآياتها ثَلَاث
مُقَدّمَة السُّورَة
الْآيَة 1 - 3(8/621)
وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)
أخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: نزلت سُورَة {وَالْعصر} بِمَكَّة
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن أبي مليكَة الدَّارمِيّ وَكَانَت لَهُ صُحْبَة قَالَ: كَانَ الرّجلَانِ من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا التقيا لم يَتَفَرَّقَا حَتَّى يقْرَأ أَحدهمَا على الآخر سُورَة {وَالْعصر إِن الإِنسان لفي خسر} إِلَى آخرهَا ثمَّ يسلم أَحدهمَا على الآخر
وَأخرج ابْن سعد عَن مَيْمُون قَالَ: شهِدت عمر حِين طعن فأمنا عبد الرَّحْمَن بن عَوْف فَقَرَأَ بأقصر سورتين فِي الْقُرْآن بالعصر و (إِذا جَاءَ نصر الله) (سُورَة النَّصْر) فِي الْفجْر
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن الْأَنْبَارِي فِي الْمَصَاحِف وَالْحَاكِم عَن عَليّ بن أبي طَالب أَنه كَانَ يقْرَأ وَالْعصر ونوائب الدَّهْر إِن الإِنسان لفي خسر وانه لفيه إِلَى آخر الدَّهْر(8/621)
وَأخرج عبد بن حميد عَن إِسْمَاعِيل بن عبد الْملك قَالَ: سَمِعت سعيد بن جُبَير يقْرَأ قِرَاءَة ابْن مَسْعُود: وَالْعصر إِن الإِنسان لفي خسر وانه لفيه إِلَى آخر الدَّهْر إِلَّا الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات
وَأخرج عبد بن حميد عَن إِبْرَاهِيم قَالَ: قَرَأنَا: وَالْعصر إِن الإِنسان لفي خسر وانه لفيه إِلَى آخر الدَّهْر إِلَّا الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصبرِ
ذكر أَنَّهَا فِي قِرَاءَة عبد الله بن مَسْعُود
وَأخرج عبد بن حميد عَن حَوْشَب قَالَ: أرسل بشر بن مَرْوَان إِلَى عبد الله بن عتبَة بن مَسْعُود فَقَالَ: كَيفَ كَانَ ابْن مَسْعُود يقْرَأ {وَالْعصر} فَقَالَ: وَالْعصر إِن الإِنسان لفي خسر وَهُوَ فِيهِ إِلَى آخر الدَّهْر فَقَالَ لَهُ بشر: هُوَ يكفر بِهِ
فَقَالَ عبد الله لكني أومن بِهِ
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس {وَالْعصر} قَالَ: سَاعَة من سَاعَات النَّهَار
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس {وَالْعصر} قَالَ: هُوَ مَا قبل مغيب الشَّمْس من الْعشي
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {وَالْعصر} قَالَ: سَاعَة من سَاعَات النَّهَار وَفِي قَوْله: {وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ} قَالَ: كتاب الله {وَتَوَاصَوْا بِالصبرِ} قَالَ: طَاعَة الله
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ {وَالْعصر} قَالَ: قسم أقسم بِهِ رَبنَا وتبارك وَتَعَالَى {إِن الإِنسان لفي خسر} قَالَ: النَّاس كلهم ثمَّ اسْتثْنى فَقَالَ: {إِلَّا الَّذين آمنُوا} ثمَّ لم يدعهم وَذَاكَ حَتَّى قَالَ: {وَعمِلُوا الصَّالِحَات} ثمَّ لم يدعهم وَذَاكَ حَتَّى قَالَ: {وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ} ثمَّ لم يدعهم وَذَاكَ حَتَّى قَالَ: {وَتَوَاصَوْا بِالصبرِ} يشْتَرط عَلَيْهِم
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وَالْعصر إِن الإِنسان لفي خسر} يَعْنِي أَبَا جهل بن هِشَام {إِلَّا الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات} ذكر عليّاً وسلمان(8/622)
104
سُورَة الْهمزَة
مَكِّيَّة وآياتها تسع بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
الْآيَة 1 - 9(8/623)
وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ (1) الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ (2) يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ (3) كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ (4) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ (5) نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ (6) الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ (7) إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ (8) فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ (9)
أخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: أنزلت {ويل لكل همزَة} بِمَكَّة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عمر أَنه قيل لَهُ: نزلت هَذِه الْآيَة فِي أَصْحَاب مُحَمَّد {ويل لكل همزَة لُمزَة} قَالَ: ابْن عمر: مَا عنينا بهَا وَلَا عنينا بِعشر الْقُرْآن
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق ابْن إِسْحَاق عَن عُثْمَان بن عمر قَالَ: مَا زلنا نسْمع أَن {ويل لكل همزَة} قَالَ: لَيست بحاجبة لأحد نزلت فِي جميل بن عَامر زعم الرقاشِي
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ {ويل لكل همزَة} فِي الْأَخْنَس بن شريق
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن رَاشد بن سعد المقدامي عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لماعرج بِي مَرَرْت بِرِجَال تقطع جُلُودهمْ بمقاريض من نَار فَقلت: من هَؤُلَاءِ قَالَ: الَّذين يتزينون
قَالَ: ثمَّ مَرَرْت بجب(8/623)
منتن الرّيح فَسمِعت فِيهِ أصواتاً شَدِيدَة فَقلت: من هَؤُلَاءِ يَا جِبْرِيل قَالَ: نسَاء كن يتزين بزينة ويعطين مَا لَا يحل لَهُنَّ ثمَّ مَرَرْت على نسَاء وَرِجَال معلقين بثديهن فَقلت: من هَؤُلَاءِ يَا جِبْرِيل قَالَ: هَؤُلَاءِ الهمازون والهمازات ذَلِك بِأَن الله قَالَ: {ويل لكل همزَة لُمزَة}
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي ذمّ الْغَيْبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه من طرق عَن ابْن عَبَّاس أَنه سُئِلَ عَن قَوْله: {ويل لكل همزَة لُمزَة} قَالَ: هُوَ المشاء بالنميمة المفرق بَين الْجمع المغري بَين الأخوان
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس قي قَوْله: {ويل لكل همزَة} قَالَ: طعان {لُمزَة} قَالَ: مغتاب
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي ذمّ الْغَيْبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن مُجَاهِد فِي الْآيَة قَالَ: الْهمزَة الطعان فِي النَّاس واللمزة الَّذِي يَأْكُل لُحُوم النَّاس
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن قَتَادَة {ويل لكل همزَة لُمزَة} قَالَ: يَأْكُل لُحُوم النَّاس ويطعن عَلَيْهِم
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي الْعَالِيَة {ويل لكل همزَة لُمزَة} قَالَ: تهمزه فِي وَجهه وتلمزه من خَلفه
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن قَتَادَة {ويل لكل همزَة} قَالَ: يهمزه ويلمزه بِلِسَانِهِ وَعَيْنَيْهِ وَيَأْكُل لُحُوم النَّاس ويطعن عَلَيْهِم
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن جريج قَالَ: الْهَمْز بالعينين والشدق وَالْيَد واللمز بِاللِّسَانِ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله: {جمع مَالا وعدده} قَالَ: أَحْصَاهُ
وَأخرج ابْن حبَان وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه والخطيب فِي تَارِيخه عَن جَابر ابْن عبد الله أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَرَأَ {يحْسب أَن مَاله أخلده} بِكَسْر السِّين
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة {يحْسب أَن مَاله أخلده} قَالَ: يزِيد فِي عمره
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ {كلا لينبذن} قَالَ: ليلقين(8/624)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الحسني بن وَاقد قَالَ: الحطمة بَاب من أَبْوَاب جَهَنَّم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن مُحَمَّد بن كَعْب فِي قَوْله: {الَّتِي تطلع على الأفئدة} قَالَ: تَأْكُل كل شَيْء مِنْهُ حَتَّى تَنْتَهِي إِلَى فُؤَاده فَإِذا بلغت فُؤَاده ابتدئ خلقه
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر فِي قَوْله: {الَّتِي تطلع على الأفئدة} قَالَ: تَأْكُله النَّار حَتَّى تبلغ فُؤَاده وَهُوَ حيّ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {إِنَّهَا عَلَيْهِم مؤصدة} قَالَ: مطبقة {فِي عمد ممددة} قَالَ: عمد من نَار
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَليّ بن أبي طَالب أَنه قَرَأَ {فِي عمد}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن مَسْعُود أَنه قَرَأَ: بعمد ممددة قَالَ: وَهِي الأدهم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس {فِي عمد} قَالَ: الْأَبْوَاب
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس {فِي عمد ممددة} قَالَ: أدخلهم فِي عمد فمدت عَلَيْهِم فِي أَعْنَاقهم السلَاسِل فَسدتْ بهَا الْأَبْوَاب
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَطِيَّة {فِي عمد} قَالَ: عمد من حَدِيد فِي النَّار
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة {فِي عمد} قَالَ: كُنَّا نُحدث أَنَّهَا عمد يُعَذبُونَ بهَا فِي النَّار
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي صَالح {فِي عمد ممددة} قَالَ: الْقُيُود الطوَال
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ قَالَ: من قَرَأَهَا {فِي عمد} فَهُوَ عمد من نَار وَمن قَرَأَهَا {فِي عمد} فَهُوَ حَبل مَمْدُود
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: فِي النَّار رجل فِي شعب من شعابها يُنَادي مِقْدَار ألف عَام يَا حنان يَا منان فَيَقُول رب الْعِزَّة لجبريل: أخرج عَبدِي من النَّار فيأتيها فيجدها مطبقة فَيرجع فَيَقُول يَا رب {إِنَّهَا عَلَيْهِم مؤصدة} فَيَقُول يَا جِبْرِيل: فكها واخرج عَبدِي من النَّار فيفكها وَيخرج مثل الفحم فيطرحه على سَاحل الْجنَّة حَتَّى ينْبت الله لَهُ شعرًا وَلَحْمًا ودماً(8/625)
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِنَّمَا الشَّفَاعَة يَوْم الْقِيَامَة لمن عمل الْكَبَائِر من أمتِي ثمَّ مَاتُوا عَلَيْهَا فهم فِي الْبَاب الأول من جَهَنَّم لَا تسود وُجُوههم وَلَا تزرق أَعينهم وَلَا يغلون بالأغلال وَلَا يقرنون مَعَ الشَّيَاطِين وَلَا يضْربُونَ بالمقامع وَلَا يطرحون فِي الأدراك
مِنْهُم من يمْكث فِيهَا سَاعَة وَمِنْهُم من يمْكث يَوْمًا ثمَّ يخرج وَمِنْهُم من يمْكث شهرا ثمَّ يخرج وَمِنْهُم من يمْكث فِيهَا سنة ثمَّ يخرج وأطولهم مكثاً فِيهَا مثل الدُّنْيَا مُنْذُ يَوْم خلقت إِلَى يَوْم أفنيت وَذَلِكَ سَبْعَة آلَاف سنة ثمَّ إِن الله عز وَجل إِذا أَرَادَ أَن يخرج الْمُوَحِّدين مِنْهَا قذف فِي قُلُوب أهل الْأَدْيَان فَقَالُوا لَهُم كُنَّا نَحن وَأَنْتُم جَمِيعًا فِي الدُّنْيَا فآمنتم وكفرنا وصدقتم وكذبنا وأقربتم وجحدنا فَمَا أغْنى ذَلِك عَنْكُم نَحن وَأَنْتُم فِيهَا جَمِيعًا سَوَاء تعذبون وتخلدون كَمَا نخلد فيغضب الله عِنْد ذَلِك غَضبا لم يغضبه من شَيْء فِيمَا مضى وَلَا يغْضب من شَيْء فِيمَا بَقِي فَيخرج أهل التَّوْحِيد مِنْهَا إِلَى عين بَين الْجنَّة والصراط يُقَال لَهَا نهر الْحَيَاة فيرش عَلَيْهِم من المَاء فينبتون كَمَا تنْبت الْحبَّة فِي حميل السَّيْل مَا يَلِي الظل مِنْهَا أَخْضَر وَمَا يَلِي الشَّمْس مِنْهَا أصفر ثمَّ يدْخلُونَ الْجنَّة فَيكْتب فِي جباههم عُتَقَاء الله من النَّار إِلَّا رجلا وَاحِدًا فَإِنَّهُ يمْكث فِيهَا بعدهمْ ألف سنة ثمَّ يُنَادي يَا حنان يَا منان فيبعث الله إِلَيْهِ ملكا ليخرجه فيخوض فِي النَّار فِي طلبه سبعين عَاما لَا يقدر عَلَيْهِ ثمَّ يرجع فَيَقُول: يَا رب إِنَّك أَمرتنِي أَن أخرج عَبدك فلَانا من النَّار وَإِنِّي طلبته فِي النَّار مُنْذُ سبعين سنة فَلم أقدر عَلَيْهِ فَيَقُول الله عز وَجل: انْطلق فَهُوَ فِي وَادي كَذَا وَكَذَا تَحت صَخْرَة فَأخْرجهُ
فَيذْهب فيخرجه مِنْهَا فيدخله الْجنَّة ثمَّ إِن الجهنميين يطْلبُونَ إِلَى الله أَن يمحى ذَلِك الإِسم عَنْهُم فيبعث الله إِلَيْهِم ملكا فَيَمْحُو عَن جباههم ثمَّ إِنَّه يُقَال لأهل الْجنَّة وَمن دَخلهَا من الجهنميين اطلعوا إِلَى أهل النَّار فيطلعون إِلَيْهِم فَيرى الرجل أَبَاهُ وَيرى أَخَاهُ وَيرى جَاره وَيرى صديقه وَيرى العَبْد مَوْلَاهُ ثمَّ أَن الله عز وَجل يبْعَث إِلَيْهِم مَلَائِكَة باطباق من نَار ومسامير من نَار وَعمد من نَار فيطبق عَلَيْهِم بِتِلْكَ الأطباق وتسمر بِتِلْكَ المسامير وتمد بِتِلْكَ الْعمد وَلَا يبْقى فِيهَا خلل يدْخل فِيهِ روح وَلَا يخرج مِنْهُ غم وينساهم الْجَبَّار على عَرْشه ويتشاغل أهل الْجنَّة بنعيمهم وَلَا يستغيثون بعْدهَا أبدا وَيَنْقَطِع الْكَلَام فَيكون كَلَامهم زفيراً وشهيقاً فَذَلِك قَوْله: {إِنَّهَا عَلَيْهِم مؤصدة فِي عمد ممددة} يَقُول: مطبقة وَالله أعلم(8/626)
105
سُورَة الْفِيل
مَكِّيَّة وآياتها خمس بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
الْآيَة 1 - 5(8/627)
أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (1) أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (2) وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ (3) تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ (4) فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ (5)
أخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: أنزل {ألم تَرَ كَيفَ فعل رَبك} بِمَكَّة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو نعيم فِي الدَّلَائِل عَن عُثْمَان بن الْمُغيرَة بن الْأَخْنَس قَالَ: كَانَ من حَدِيث أَصْحَاب الْفِيل أَن أَبْرَهَة الأشرم الحبشي كَانَ ملك الْيمن وَأَن ابْنَته أكسوم بن الصَّباح الحميريّ خرج حَاجا فَلَمَّا انْصَرف من مَكَّة نزل فِي كَنِيسَة بِنَجْرَان فغدا عَلَيْهَا نَاس من أهل مَكَّة فَأخذُوا مَا فِيهَا من الحليّ وَأخذُوا مَتَاع أكسوم فَانْصَرف إِلَى جده مغضباً فَبعث رجلا من أَصْحَابه يُقَال لَهُ شهر بن مَعْقُود على عشْرين ألفا من خولان والاشعريين فَسَارُوا حَتَّى نزلُوا بِأَرْض خثعم فتنحت خثعم عَن طريقهم فَلَمَّا دنا من الطَّائِف خرج إِلَيْهِ نَاس من بني خثعم وَنصر وَثَقِيف فَقَالُوا: مَا حاجت إِلَى طائفنا وَإِنَّمَا هِيَ قَرْيَة صَغِيرَة وَلَكنَّا ندلك على بَيت بِمَكَّة يعبد وحرز من لَجأ إِلَيْهِ من ملكه تمّ لَهُ ملك الْعَرَب فَعَلَيْك بِهِ وَدعنَا مِنْك فَأَتَاهُ حَتَّى إِذا بلغ المغمس وجد إبِلا لعبد الْمطلب مائَة نَاقَة مقلدة فاتهبها بَين أَصْحَابه فَلَمَّا بلغ(8/627)
ذَلِك عبد الْمطلب جَاءَهُ وَكَانَ جميلا وَكَانَ لَهُ صديق من أهل الْيمن يُقَال لَهُ ذُو عَمْرو فَسَأَلَهُ أَن يرد عَلَيْهِ إبِله فَقَالَ: إِنِّي لَا أُطِيق ذَلِك وَلَكِن إِن شِئْت أدخلتك على الْملك فَقَالَ عبد الْمطلب افْعَل
فَأدْخلهُ عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ: إِن لي إِلَيْك حَاجَة
قَالَ: قضيت كل حَاجَة تطلبها
قَالَ: أَنا فِي بلد حرَام وَفِي سَبِيل بَين أَرض الْعَرَب وَأَرْض الْعَجم وَكَانَت مائَة نَاقَة لي مقلدة ترعى بِهَذَا الْوَادي بَين مَكَّة وتهامة عَلَيْهَا عير أَهلهَا وَتخرج إِلَى تِجَارَتِنَا وتتحمل من عدوّنا عدا عَلَيْهَا جيشك فَأَخَذُوهَا وَلَيْسَ مثلك يظلم من جاوره
فَالْتَفت إِلَى ذِي عَمْرو ثمَّ ضرب بِإِحْدَى يَدَيْهِ على الْأُخْرَى عجبا فَقَالَ: لَو سَأَلَني كل شَيْء أحوزه أَعْطيته إِيَّاه أما ابلك فقد رددنا إِلَيْك وَمثلهَا مَعهَا فَمَا يمنعك أَن تكلمني فِي بنيتكم هَذِه وبلدكم هَذِه فَقَالَ لَهُ عبد الْمطلب: أما بنيتنا هَذِه وَبَلَدنَا هَذِه فَإِن لَهما رَبًّا إِن شَاءَ أَن يمْنَعهَا منعهما وَلَكِنِّي إِنَّمَا أُكَلِّمك فِي مَالِي فَأمر عِنْد ذَلِك بالرحيل وَقَالَ: لتهد من الْكَعْبَة ولتنهبن مَكَّة فَانْصَرف عبد الْمطلب وَهُوَ يَقُول: لَا همّ إِن الْمَرْء يمْنَع رَحْله فامنع حلالك لَا يغلبن صليبهم ومحالهم عدوا محالك فَإِذا فعلت فَرُبمَا تحمى فَأمر مَا بدالك فَإِذا فعلت فَإِنَّهُ أَمر تتمّ بِهِ فعالك وغدوا غَدا بجموعهم والفيل كي يسبوا عِيَالك فَإِذا تَركتهم وكعبتا فوا حَربًا هُنَالك فَلَمَّا توجه شهر وَأَصْحَاب الْفِيل وَقد أَجمعُوا مَا أَجمعُوا طفق كلما وجهوه أَنَاخَ وبرك فَإِذا صرفوه عَنْهَا من حَيْثُ أَتَى أسْرع السّير فَلم يزل كَذَلِك حَتَّى غشيهم اللَّيْل وَخرجت عَلَيْهِم طير من الْبَحْر لَهَا خراطيم كَأَنَّهَا البلس شَبيهَة بالوطواط حمر وسود فَلَمَّا رأوها أشفقوا مِنْهَا وَسقط فِي أَيْديهم فرمتهم بحجارة مدحرجة كالبنادق تقع على رَأس الرجل فَتخرج من جَوْفه فَلَمَّا أَصْبحُوا من الْغَد أصبح عبد الْمطلب وَمن مَعَه على جبالهم فَلم يرَوا أحدا غشيهم فَبعث ابْنه على فرس لَهُ سريع ينظر مَا لقوا فَإِذا هم مشدخين جَمِيعًا فَرجع يرفع رَأسه كاشفاً عَن فَخذه فَلَمَّا رأى ذَلِك أَبوهُ قَالَ: إِن ابْن أَفرس الْعَرَب وَمَا كشف عَن فَخذه إِلَّا بشيراً أَو نذيراً فَلَمَّا دنا من ناديهم قَالُوا مَا وَرَاءَك قَالَ: هَلَكُوا جَمِيعًا
فَخرج عبد الْمطلب وَأَصْحَابه فَأخذُوا أَمْوَالهم(8/628)
وَقَالَ عبد الْمطلب شعرًا فِي الْمَعْنى: أَنْت منعت الْجَيْش والأفيالا وَقد رعو بِمَكَّة الأفيالا وَقد خشينا مِنْهُم القتالا وكل أَمر مِنْهُم معضالا شكرا وحمداً لَك ذَا الجلالا فَانْصَرف شهر هَارِبا وَحده فَأول منزل نزله سَقَطت يَده الْيُمْنَى ثمَّ نزل منزلا آخر فَسَقَطت رجله الْيُمْنَى فَأتى منزله وَقَومه وَهُوَ جَسَد لَا أَعْضَاء لَهُ فَأخْبرهُم الْخَبَر ثمَّ فاضت نَفسه وهم ينظرُونَ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم وَالْبَيْهَقِيّ مَعًا فِي الدَّلَائِل عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: جَاءَ أَصْحَاب الْفِيل حَتَّى نزلُوا الصفاح فَأَتَاهُم عبد الْمطلب فَقَالَ: إِن هَذَا بَيت الله لم يُسَلط عَلَيْهِ أحد
قَالُوا: لَا نرْجِع حَتَّى نهدمه وَكَانُوا لَا يقدمُونَ فيلهم إِلَّا تَأَخّر فَدَعَا الله الطير الأبابيل فَأَعْطَاهَا حِجَارَة سُودًا عَلَيْهِم الطين فَلَمَّا حاذتهم رَمَتْهُمْ فَمَا بَقِي مِنْهُ أحد إِلَّا أَخَذته الحكة فَكَانَ لَا يحك إِنْسَان مِنْهُم جلده إِلَّا تساقط لَحْمه
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَأَبُو نعيم وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: أقبل أَصْحَاب الْفِيل حَتَّى إِذا دنوا من مَكَّة اسْتَقْبَلَهُمْ عبد الْمطلب فَقَالَ لملكهم: مَا جَاءَ بك إِلَيْنَا أَلا بعثت فنأتيك بِكُل شَيْء أردْت فَقَالَ: أخْبرت بِهَذَا الْبَيْت الَّذِي لَا يدْخلهُ أحد إِلَّا أَمن فَجئْت أخيف أَهله فَقَالَ: إِنَّا نَأْتِيك بِكُل شَيْء تُرِيدُ فَارْجِع فَأبى أَن يرجع إِلَّا أَن يدْخلهُ وَانْطَلق يسير نَحوه وتخلف عبد الْمطلب فَقَامَ على جبل فَقَالَ: لَا أشهد مهلك هَذَا الْبَيْت وَأَهله
ثمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ إِن لكل إِلَه حَلَالا فامنع حلالك لَا يغلبن محالهم أبدا محالك اللَّهُمَّ فَإِن فعلت فَأمر مَا بدا لَك فَأَقْبَلت مثل السحابة من نَحْو الْبَحْر حَتَّى أظلتهم طيراً أبابيل الَّتِي قَالَ الله ترميهم بحجارة من سجيل فَجعل الْفِيل يعج عجاً فجعلهم كعصف مَأْكُول
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {ألم تَرَ كَيفَ فعل رَبك بأصحاب الْفِيل} قَالَ: أقبل أَبْرَهَة الأشرم بِالْحَبَشَةِ وَمن تبعه من غواة أهل الْيمن إِلَى بَيت الله ليهدموه من أجل بيعَة لَهُم أَصَابَهَا الْعَرَب بِأَرْض الْيمن فَأَقْبَلُوا بفيلهم حَتَّى إِذا كَانُوا بالصفاح فَكَانُوا إِذا وجهوه إِلَى بَيت الله ألْقى بجرانه إِلَى الأَرْض فَإِذا وجهوه قبل بِلَادهمْ انْطلق وَله هرولة حَتَّى إِذا كَانُوا ببجلة اليمانية بعث الله عَلَيْهِم طيراً أبابيل(8/629)
بيضًا وَهِي الْكَبِيرَة فَجعلت ترميهم بهَا حَتَّى جعلهم الله كعصف مَأْكُول فنجا أَبُو يكسوم فَجعل كلما نزل أَرضًا تساقط بعض لَحْمه حَتَّى إِذا أَتَى قومه فَأخْبرهُم الْخَبَر ثمَّ هلك
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله: {ألم تَرَ كَيفَ فعل رَبك بأصحاب الْفِيل} قَالَ: أَبُو يكسوم جَبَّار من الْجَبَابِرَة جَاءَ بالفيل يَسُوقهُ مَعَه الْحَبَش ليهْدم - زعم - بَيت الله من أجل بيعَة كَانَت هدمت بِالْيمن فَلَمَّا دنا الْفِيل من الْحرم ضرب بجرانه فَإِذا أَرَادوا بِهِ الرّجْعَة عَن الْحرم أسْرع الهرولة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: أقبل أَبُو يسكوم صَاحب الْحَبَشَة وَمَعَهُ الْفِيل فَلَمَّا انْتهى إِلَى الْحرم برك الْفِيل فَأبى أَن يدْخل الْحرم فَإِذا وَجه رَاجعا أسْرع رَاجعا وَإِذا ارْتَدَّ على الْحرم أَبى فَأرْسل الله عَلَيْهِم طيراً صغَارًا بيضًا فِي أفواهها حِجَارَة أَمْثَال الحمص لَا تقع على أحد إِلَّا هلك
وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: جَاءَ أَصْحَاب الْفِيل حَتَّى نزلُوا الصفاح فَأَتَاهُم عبد الْمطلب فَقَالَ: إِن هَذَا بَيت لم يُسَلط عَلَيْهِ أحد
قَالُوا: لَا نرْجِع حَتَّى نهدمه وَكَانُوا لَا يقدمُونَ فيلهم إِلَّا تَأَخّر فَدَعَا الله الطير الأبابيل فَأَعْطَاهَا حِجَارَة سُودًا عَلَيْهَا الطين فَلَمَّا حاذت بهم صفت عَلَيْهِم ثمَّ رَمَتْهُمْ فَمَا بَقِي مِنْهُم أحد إِلَّا أَصَابَته الحكة
وَكَانُوا لَا يحك إِنْسَان مِنْهُم جلده إِلَّا تساقط جلده
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو نعيم فِي الدَّلَائِل عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لما أرسل الله الْحِجَارَة على أَصْحَاب الْفِيل جعل لَا يَقع مِنْهَا حجر إِلَّا سقط [] وَذَلِكَ مَا كَانَ الجدري ثمَّ أرسل الله سيلاً فَذهب بهم فألقاهم فِي الْبَحْر
قيل: فَمَا الأبابيل قَالَ: الْفرق
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن ابْن مَسْعُود {طيراً أبابيل} قَالَ: هِيَ الْفرق
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد عَن ابْن عَبَّاس {طيراً أبابيل} قَالَ: فوجاً بعد فَوْج كَانَت تخرج عَلَيْهِم من الْبَحْر
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {طيراً أبابيل} قَالَ: خضر لَهَا خراطيم كخراطيم الإِبل وأنف كأنف الْكلاب(8/630)
وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن عَبَّاس {طيراً أبابيل} قَالَ: لَهَا أكفّ كأكفّ الرجل وأنياب كأنياب السبَاع
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو نعيم وَالْبَيْهَقِيّ مَعًا فِي الدَّلَائِل عَن عبيد بن عُمَيْر اللَّيْثِيّ قَالَ: لما أَرَادَ الله أَن يهْلك أَصْحَاب الْفِيل بعث الله عَلَيْهِم طيراً نشأت من الْبَحْر كَأَنَّهَا الخطاطيف بكف كل طير مِنْهَا ثَلَاثَة أحجر مجزعة فِي منقاره حجر وحجران فِي رجلَيْهِ ثمَّ جَاءَت حَتَّى صفت على رؤوسهم ثمَّ صاحت وَأَلْقَتْ مَا فِي أرجلها ومناقيرها فَمَا من حجر وَقع مِنْهَا على رجل إِلَّا خرج من الْجَانِب الآخر إِن وَقع على رَأسه خرج من دبره وَإِن وَقع على شَيْء من بدنه خرج من الْجَانِب الآخر وَبعث الله ريحًا شَدِيدا فَضربت أرجلها فزادها شدَّة فأهلكوا جَمِيعًا
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن عِكْرِمَة {طيراً أبابيل} قَالَ: طير بيض وَفِي لفظ: خضر جَاءَت من قبل الْبَحْر كَأَن وجوهها وُجُوه السبَاع لم تَرَ قبل ذَلِك وَلَا بعده فأثرت فِي جُلُودهمْ مثل الجدري فَإِنَّهُ أول مَا رُؤِيَ الجدري
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس {ألم تَرَ كَيفَ فعل رَبك بأصحاب الْفِيل} لما أقبل أَصْحَاب الْفِيل يُرِيدُونَ مَكَّة ورأسهم أَبُو يكسوم الحبشي حَتَّى أَتَوا المغمس أَتَتْهُم طيرا فِي منقار كل طير حجر وَفِي رجلَيْهِ حجران فرمتهم بهَا فَذَلِك قَوْله: {وَأرْسل عَلَيْهِم طيراً أبابيل} يَقُول: يتبع بَعْضهَا بَعْضًا {ترميهم بحجارة من سجيل} يَقُول من طين
قَالَ: وَكَانَت من جزع أظفار مثل بعر الْغنم فرمتهم بهَا {فجعلهم كعصف مَأْكُول} وَهُوَ ورق الزَّرْع الْبَالِي الْمَأْكُول: يَقُول: خرقتهم الْحِجَارَة كَمَا يتخرق ورق الزَّرْع الْبَالِي الْمَأْكُول
قَالَ: وَكَانَ إقبال هَؤُلَاءِ إِلَى مَكَّة قبل أَو يُولد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِثَلَاث وَعشْرين سنة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن أبي الكنود {ترميهم بحجارة من سجيل} قَالَ: دون الحمصة وَفَوق العدسة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن عمرَان {طيراً أبابيل} قَالَ: طير كَثِيرَة جَاءَت بحجارة كَثِيرَة أكبرها مثل الحمصة وأصغرها مثل العدسة
وَأخرج أَبُو نعيم فِي الدَّلَائِل من طَرِيق عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {ترميهم بحجارة من سجيل}(8/631)
قَالَ: بحجارة مثل البندق وَبهَا نضح حمرَة مختمة مَعَ كل طَائِر ثَلَاثَة أَحْجَار حجران فِي رجلَيْهِ وَحجر فِي منقاره حلقت عَلَيْهِم من السَّمَاء ثمَّ أرْسلت تِلْكَ الْحِجَارَة عَلَيْهِم فَلم تعد عَسْكَرهمْ
وَأخرج أَبُو نعيم عَن نَوْفَل بن مُعَاوِيَة الديلمي قَالَ: رَأَيْت الْحَصَى الَّتِي رمي بهَا أَصْحَاب الْفِيل حَصى مثل الحمص وأكبر من العدس حمر مختمة كَأَنَّهَا جزع ظفار
وَأخرج أَبُو نعيم عَن حَكِيم بن حزَام قَالَ: كَانَت فِي الْمِقْدَار من الحمصة والعدسة حَصى بِهِ نضح أَحْمَر مختمة كالجزع فلولا أَنه عذب بِهِ قوم أخذت مِنْهُ مَا اتَّخذهُ لي مَسْجِدا وَهِي بِمَكَّة كثير
وَأخرج أَبُو نعيم عَن أم كرز الْخُزَاعِيَّة قَالَت: رَأَيْت الْحِجَارَة الَّتِي رمي بهَا أَصْحَاب الْفِيل حمراً مختمة كَأَنَّهَا جزع ظفار فَمن غير ذَلِك فَلم ير مِنْهَا شَيْئا وَلم يصبهم كلهم وَقد أفلت مِنْهُم
وَأخرج أَبُو نعيم عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ قَالَ: جاؤوا بفيلين فَأَما مَحْمُود فَرَبَضَ وَأما الآخر فشجع فحصب
وَأخرج أَبُو نعيم عَن عَطاء بن يسَار قَالَ: حَدثنِي من كلم قَائِد الْفِيل وسائسه قَالَ لَهما: أخبراني خبر الْفِيل قَالَا: أَقبلنَا بِهِ وَهُوَ فيل الْملك النَّجَاشِيّ الْأَكْبَر لم يسر بِهِ قطّ إِلَى جمع إِلَّا هَزَمَهُمْ فَلَمَّا دنا من الْحرم جعلنَا كلما نوجهه إِلَى الْحرم يربض فَتَارَة نضربه فيهبط وتاره نضربه حَتَّى نمل ثمَّ نتركه فَلَمَّا انْتهى إِلَى المغمس ربض فَلم يقم فطلع الْعَذَاب فَقُلْنَا: نجا غيركما قَالَا: نعم
لَيْسَ كلهم أَصَابَهُ الْعَذَاب
وَولى أَبْرَهَة وَمن تبعه يُرِيد بِلَاده كلما دخلُوا أَرضًا وَقع مِنْهُم عُضْو حَتَّى انْتَهوا إِلَى بِلَاد خثعم وَلَيْسَ عَلَيْهِ غير رَأسه فَمَاتَ
وَأخرج أَبُو نعيم من طَرِيق عَطاء وَالضَّحَّاك عَن ابْن عَبَّاس أَن أَبْرَهَة الأشرم قدم من الْيمن يُرِيد هدم الْكَعْبَة فَأرْسل الله عَلَيْهِم {طيراً أبابيل} يُرِيد مجتمعة لَهَا خراطيم تحمل حَصَاة فِي منقارها وحصاتين فِي رِجْلَيْهَا ترسل وَاحِدَة على رَأس الرجل فيسيل لَحْمه وَدَمه وَتبقى عظاماً خاوية لَا لحم عَلَيْهِ وَلَا جلد وَلَا دم
وَأخرج أَبُو نعيم عَن عُثْمَان بن عَفَّان أَنه سَأَلَ رجلا من هُذَيْل قَالَ: أَخْبرنِي عَن يَوْم الْفِيل فَقَالَ: بعثت يَوْم الْفِيل طَلِيعَة على فرس لي أُنْثَى فَرَأَيْت طيراً خرجت من الْحرم فِي كل منقار طير مِنْهَا حجر وَفِي رجل كل طير مِنْهَا حجر وهاجت ريح(8/632)
وظلمة حَتَّى قعدت بِي فرسي مرَّتَيْنِ فمسحتهم مسحة [] كلفته كرداك وانجلت الظلمَة وسكنت الرّيح
قَالَ: فَنَظَرت إِلَى الْقَوْم خامدين
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم عَن أبي صَالح أَنه رأى عِنْد أم هَانِئ بنت أبي طَالب من تِلْكَ الْحِجَارَة نَحوا من قفيز مخططة بحمرة كَأَنَّهَا جزع ظفار مَكْتُوب فِي الْحجر اسْمه وَاسم أَبِيه
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن ابْن عَبَّاس {فجعلهم كعصف} يَقُول: كالتبن
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن ابْن عَبَّاس {فجعلهم كعصف مَأْكُول} قَالَ: ورق الْحِنْطَة
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: العصف الْمَأْكُول ورق الْحِنْطَة
وَأخرج عبد بن حميد عَن طَاوس {كعصف مَأْكُول} قَالَ: ورق الْحِنْطَة فِيهَا النقب
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة {كعصف مَأْكُول} قَالَ: إِذا أكل فَصَارَ أجوف
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو نعيم فِي الدَّلَائِل عَن ابْن عَبَّاس {كعصف مَأْكُول} قَالَ: هُوَ الطُّيُور عصافة الزَّرْع
وَأخرج ابْن إِسْحَق فِي السِّيرَة والواقدي وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم وَالْبَيْهَقِيّ عَن عَائِشَة قَالَت: لقد رَأَيْت سائس الْفِيل وقائده بِمَكَّة أعميين مقعدين يستطعمان
وَأخرج عبد بن حميد وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن ابْن أَبْزي قَالَ: ولد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَام الْفِيل
وَأخرج ابْن إِسْحَق وَأَبُو نعيم وَالْبَيْهَقِيّ عَن قيس بن مخرمَة قَالَ: ولدت أَنا وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَام الْفِيل
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن مُحَمَّد بن جُبَير بن مطعم قَالَ: ولد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَام الْفِيل وَكَانَت عكاظ بعد الْفِيل بِخمْس عشرَة سنة وَبني الْبَيْت على رَأس خمس وَعشْرين سنة من الْفِيل وتنبأ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على رَأس أَرْبَعِينَ من الْفِيل(8/633)
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
106
سُورَة قُرَيْش
مَكِّيَّة وآياتها أَربع
مُقَدّمَة السُّورَة
الْآيَة 1 - 4(8/634)
لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ (1) إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ (2) فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ (3) الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ (4)
أخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: نزلت {لإِيلاف قُرَيْش} بِمَكَّة
وَأخرج البُخَارِيّ فِي تَارِيخه وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الخلافيات عَن أم هَانِئ بنت أبي طَالب أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: فضل الله قُريْشًا بِسبع خِصَال لم يُعْطهَا أحدا قبلهم وَلَا يُعْطِيهَا أحدا بعدهمْ: إِنِّي فيهم وَفِي لفظ النبوّة فيهم والخلافة فيهم والحجابة فيهم والسقاية فيهم ونصروا على الْفِيل وعبدوا الله سبع سِنِين وَفِي لفظ عشر سِنِين لم يعبده أحد غَيرهم وَنزلت فيهم سُورَة من الْقُرْآن لم يذكر فِيهَا أحد غَيرهم {لإِيلاف قُرَيْش}
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَابْن مرْدَوَيْه وَابْن عَسَاكِر عَن الزبير بن العوّام قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: فضل الله قُريْشًا بِسبع خِصَال
فَضلهمْ بِأَنَّهُم عبدُوا الله عشر سِنِين لَا يعبده إِلَّا قُرَيْش وفضلهم بِأَنَّهُ نَصرهم يَوْم الْفِيل وهم مشركون وفضلهم بِأَنَّهُ نزلت فيهم سُورَة من الْقُرْآن لم يدْخل فِيهَا أحد من الْعَالمين غَيرهم وَهِي {لإِيلاف قُرَيْش} وفضلهم بِأَن فيهم النبوّة والخلافة والحجابة والسقاية(8/634)
وَأخرج الْخَطِيب فِي تَارِيخه عَن سعيد بن الْمسيب قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن الله فضل قُريْشًا بِسبع خِصَال: أَنا مِنْهُم وَأَن الله أنزل فيهم سُورَة كَامِلَة من كِتَابه لم يذكر فِيهَا أحدا غَيرهم وَأَنَّهُمْ عبدُوا الله عشر سِنِين لَا يعبده أحد غَيرهم وَأَن الله نَصرهم يَوْم الْفِيل وَأَن الْخلَافَة والسقاية والسدانة فيهم
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر عَن إِبْرَاهِيم قَالَ: صلى عمر بن الْخطاب بِالنَّاسِ بِمَكَّة عِنْد الْبَيْت فَقَرَأَ {لإِيلاف قُرَيْش} قَالَ: {فليعبدوا رب هَذَا الْبَيْت} وَجعل يُومِئ بِأُصْبُعِهِ إِلَى الْكَعْبَة وَهُوَ فِي الصَّلَاة
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن جرير وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن أَسمَاء بنت يزِيد قَالَت: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: ويل أمكُم يَا قُرَيْش {لإِيلاف قُرَيْش إيلافهم رحْلَة الشتَاء والصيف}
وَأخرج أَحْمد وَابْن أبي حَاتِم عَن أَسمَاء بنت يزِيد قَالَت: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: {لإِيلاف قُرَيْش إيلافهم رحْلَة الشتَاء والصيف} وَيحكم يَا قُرَيْش اعبدوا رب هَذَا الْبَيْت الَّذِي أطْعمهُم من جوع وآمنهم من خوف
وَأخرج ابْن جرير عَن عِكْرِمَة أَنه كَانَ يقْرَأ: لإِيلاف قُرَيْش الْفَهم رحْلَة الشتَاء والصيف
وَأخرج ابْن جرير عَن عِكْرِمَة أَنه كَانَ يعيب {لإِيلاف قُرَيْش} وَيَقُول انما هِيَ لتألف قُرَيْش وَكَانُوا يرحلون فِي الشتَاء والصيف إِلَى الرّوم وَالشَّام فَأَمرهمْ الله أَن يألفوا عبَادَة ربت هَذَا الْبَيْت
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه والضياء فِي المختارة عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {لإِيلاف قُرَيْش} قَالَ: نعمتي على قُرَيْش {إيلافهم رحْلَة الشتَاء والصيف} قَالَ: كَانُوا يشتون بِمَكَّة ويصيفون بِالطَّائِف {فليعبدوا رب هَذَا الْبَيْت} قَالَ: الْكَعْبَة {الَّذِي أطْعمهُم من جوع وآمنهم من خوف} قَالَ: الجذام
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد {لإِيلاف قُرَيْش} قَالَ: نعمتي على قُرَيْش {إيلافهم رحْلَة الشتَاء والصيف} قَالَ: إيلافهم ذَلِك فَلَا يشق عَلَيْهِم رحْلَة شتاء وَلَا صيف {وآمنهم من خوف} قَالَ: من كل عدوّ فِي حرمهم(8/635)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {لإِيلاف قُرَيْش إيلافهم} يَقُول لزومهم {الَّذِي أطْعمهُم من جوع} يَعْنِي قُريْشًا أهل مَكَّة بدعوة إِبْرَاهِيم حَيْثُ قَالَ: (وارزقهم من الثمرات وآمنهم من خوف) حَيْثُ قَالَ ابراهيم: (رب اجْعَل هَذَا الْبَلَد آمنا) وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن زيد أَنه سُئِلَ عَن قَوْله: {لإِيلاف قُرَيْش} فَقَرَأَ (ألم تَرَ كَيفَ فعل رَبك بأصحاب الْفِيل) إِلَى آخر السُّورَة
قَالَ: هَذَا لإِيلاف قُرَيْش صنعت هَذَا بهم لألفة قُرَيْش لِئَلَّا أفرق إلفهم وجماعتهم إِنَّمَا جَاءَ صَاحب الْفِيل يستبد حرمهم فَصنعَ الله ذَلِك بهم
وَأخرج ابْن الزبير بن بكار فِي الموفقيات عَن عمر بن عبد الْعَزِيز قَالَ: كَانَت قُرَيْش فِي الْجَاهِلِيَّة تحتفد وَكَانَ احتفادها أَن أهل الْبَيْت مِنْهُ كَانُوا إِذا سافت يَعْنِي هَلَكت أَمْوَالهم خَرجُوا إِلَى برَاز من الأَرْض فَضربُوا على أنفسهم الأخبية ثمَّ تناوبوا فِيهَا حَتَّى يموتوا من قبل أَن يعلم بخلتهم حَتَّى نَشأ هَاشم بن عبد منَاف فَلَمَّا نبل وَعظم قدره فِي قومه قَالَ: يَا معشر قُرَيْش إِن الْعِزّ مَعَ الْكَثْرَة وَقد أَصْبَحْتُم أَكثر الْعَرَب أَمْوَالًا وأعزهم نَفرا وَإِن هَذَا الإِحتفاد قد أَتَى على كثير مِنْكُم وَقد رَأَيْت رَأيا
قالو: رَأْيك رَاشد فمرنا نأتمر
قَالَ: رَأَيْت أَن أخلط فقراءكم بأغنيائكم فأعمد إِلَى رجل غَنِي فأضم إِلَيْهِ فَقير عِيَاله بِعَدَد عِيَاله فَيكون يوازره فِي الرحلتين رحْلَة الصَّيف وَإِلَى الشَّام ورحلة الشتَاء إِلَى الْيمن فَمَا كَانَ فِي مَال الْغَنِيّ من فضل عَاشَ الْفَقِير وَعِيَاله فِي ظله وَكَانَ ذَلِك قطعا للاحتفاد قَالُوا: نعم مَا رَأَيْت فألف بَين النَّاس
فَلَمَّا كَانَ من أَمر الْفِيل وَأَصْحَابه مَا كَانَ وَأنزل الله مَا أنزل وَكَانَ ذَلِك مِفْتَاح النُّبُوَّة وَأول عز قُرَيْش حَتَّى أهابهم النَّاس كلهم وَقَالُوا أهل الله وَالله مَعَهم وَكَانَ مولد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي ذَلِك الْعَام فَلَمَّا بعث الله رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ فِيمَا مَعَهم وَكَانَ مولد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي ذَلِك الْعَام فَلَمَّا بعث الله رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ فِيمَا أنزل الله عَلَيْهِ يعرف قومه وَمَا صنع إِلَيْهِم وَمَا نَصرهم من الْفِيل وَأَهله (ألم تَرَ كَيفَ فعل رَبك بأصحاب الْفِيل) (سُورَة الْفِيل) إِلَى آخر السُّورَة ثمَّ قَالَ: وَلم فعلت ذَلِك يَا مُحَمَّد بقومك وهم يَوْمئِذٍ أهل عبَادَة أوثان فَقَالَ لَهُم: {لإِيلاف قُرَيْش} إِلَى آخر السُّورَة(8/636)
أَي لتراحمهم وتواصلهم وَكَانُوا على شرك وَكَانَ الَّذِي آمنهم مِنْهُ من الْخَوْف خوف الْفِيل وَأَصْحَابه واطعامهم إيَّاهُم من الْجُوع من جوع الاحتفاد
وَأخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {لإِيلاف قُرَيْش} الْآيَة قَالَ: نَهَاهُم عَن الرحلة وَأمرهمْ أَن يعبدوا رب هَذَا الْبَيْت وكفاهم الْمُؤْنَة وَكَانَت رحلتهم فِي الشتَاء والصيف وَلم يكن لَهُم رَاحَة فِي شتاء وَلَا صيف فأطعمهم الله بعد ذَلِك من جوع وآمنهم من خوف فألفوا الرحلة وَكَانَ ذَلِك من نعْمَة الله عَلَيْهِم
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس {لإِيلاف قُرَيْش إيلافهم رحْلَة الشتَاء والصيف} قَالَ: ألفوا ذَلِك فَلَا يشق عَلَيْهِم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {لإِيلاف قُرَيْش} قَالَ: عَادَة قُرَيْش رحْلَة الشتَاء ورحلة فِي الصَّيف وَفِي قَوْله: {وآمنهم من خوف} قَالَ: كَانُوا يَقُولُونَ: نَحن من حرم الله فَلَا يعرض لَهُم أحد فِي الْجَاهِلِيَّة يأمنون بذلك وَكَانَ غَيرهم من قبائل الْعَرَب إِذا خرج أغير عَلَيْهِم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {لإِيلاف قُرَيْش} قَالَ: كَانَ أهل مَكَّة يتعاورون الْبَيْت شتاء وصيفاً تجارًا آمِنين لَا يخَافُونَ شَيْئا لحرمهم وَكَانَت الْعَرَب لَا يقدرُونَ على ذَلِك وَلَا يستطيعونه من الْخَوْف فَذكرهمْ الله مَا كَانُوا فِيهِ من الْأَمْن حَتَّى إِن كَانَ الرجل مِنْهُم ليصاب فِي الحيّ من أَحيَاء الْعَرَب فَيُقَال حرمي
قَالَ: ذكر لنا أَن نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: من أذلّ قُريْشًا أذله الله وَقَالَ: ارقبوني وقريشاً فَإِن ينصرني الله عَلَيْهِم فَالنَّاس لَهُم تبع فَلَمَّا فتحت مَكَّة أسْرع النَّاس فِي الإِسلام فَبَلغنَا أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: النَّاس تبع لقريش فِي الْخَيْر وَالشَّر كفارهم تبع لكفارهم ومؤمنوهم تبع لمؤمنهم
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {لإِيلاف قُرَيْش} الْآيَة قَالَ: أمروا أَن يألفوا عبَادَة رب هَذَا الْبَيْت كإلفهم رحْلَة الشتَاء والصيف
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن أبي صَالح قَالَ: علم الله حب قُرَيْش الشَّام فَأمروا أَن يألفوا عبَادَة رب هَذَا الْبَيْت كإيلافهم رحْلَة الشتَاء والصيف
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر عَن أبي مَالك فِي قَوْله: {لإِيلاف قُرَيْش} قَالَ: كَانُوا يتجرون فِي الشتَاء والصيف فألفتهم ذَلِك(8/637)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة قَالَ: كَانَت قُرَيْش تتجر شتاء وصيفاً فتأخذ فِي الشتَاء على طَرِيق الْبَحْر وإيلة إِلَى فلسطين يَلْتَمِسُونَ الدفاء وَأما الصَّيف فَيَأْخُذُونَ قبل بصرى وَأَذْرعَات يَلْتَمِسُونَ الْبرد فَذَلِك قَوْله: {إيلافهم}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد قَالَ: كَانَت لَهُم رحلتان الصَّيف إِلَى الشَّام والشتاء إِلَى الْيمن فِي التِّجَارَة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله: {وآمنهم من خوف} قَالَ: لَا يخطفون
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْأَعْمَش {وآمنهم من خوف} قَالَ: خوف الْحَبَشَة
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك {وآمنهم من خوف} قَالَ: من الجذام
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن أبي رَيْحَانَة العامري أَن مُعَاوِيَة قَالَ لِابْنِ عَبَّاس: لم سميت قُرَيْش قُريْشًا بِدَابَّة تكون فِي الْبَحْر أعظم دوابه يُقَال لَهَا القرش لَا تمر بِشَيْء من الغث والسمين إِلَّا أَكلته
قَالَ: فأنشدني فِي ذَلِك شَيْئا فأنشده شعر الجُمَحِي إِذْ يَقُول: وقريش هِيَ الَّتِي تسكن الْبَحْر بهَا سميت قُرَيْش قُريْشًا تَأْكُل الغث السمين وَلَا تتْرك مِنْهَا لذِي الجناحين ريشا هَكَذَا فِي الْبِلَاد حَيّ قُرَيْش يَأْكُلُون الْبِلَاد أكلا كميشا وَلَهُم آخر الزَّمَان نَبِي يكثر الْقَتْل فيهم والخموشا وَأخرج ابْن سعد عَن سعيد بن مُحَمَّد بن جُبَير بن مطعم أَن عبد الْملك بن مَرْوَان سَأَلَ مُحَمَّد بن جُبَير مَتى سميت قُرَيْش قُريْشًا قَالَ: حِين اجْتمعت إِلَى الْحرم من تفرقها فَذَلِك التجمع التقرش فَقَالَ عبد الْملك مَا سَمِعت هَذَا وَلَكِن سَمِعت أَن قصياً كَانَ يُقَال لَهُ الْقرشِي وَلم تسم قُرَيْش قبله
وَأخرج ابْن سعد عَن أبي سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف قَالَ: لما نزل قصيّ الْحرم وَغلب عَلَيْهِ فعل أفعالاً فَقيل لَهُ الْقرشِي فَهُوَ أول من سمي بِهِ
وَأخرج أَحْمد عَن قَتَادَة بن النُّعْمَان أَنه وَقع بِقُرَيْش فَكَأَنَّهُ نَالَ مِنْهُم فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يَا قَتَادَة لَا تسبن قُريْشًا فَإِنَّهُ لَعَلَّك أَن ترى مِنْهُم رجَالًا تزدري عَمَلك(8/638)
مَعَ أَعْمَالهم وفعلك مَعَ أفعالهم وتغبطهم إِذا رَأَيْتهمْ لَوْلَا أَن تطغى قُرَيْش لأخبرتهم بِالَّذِي لَهُم عِنْد الله
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن مُعَاوِيَة سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: النَّاس تبع لقريش فِي هَذَا الْأَمر خيارهم فِي الْجَاهِلِيَّة خيارهم فِي الإِسلام إِذا فقهوا وَالله لَوْلَا أَن تبطر قُرَيْش لأخبرتها بِمَا لخيارها عِنْد الله قَالَ: وَسمعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: خير نسْوَة ركبن الإِبل صَالح نسَاء قُرَيْش أرعاه على زوج فِي ذَات يَده وأحناه على ولد فِي صغره
وَأخرج أَحْمد وَابْن أبي شيبَة وَالنَّسَائِيّ عَن أنس قَالَ: كُنَّا فِي بَيت رجل من الْأَنْصَار فجَاء رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى وقف فَأخذ بِعضَادَتَيْ الْبَاب فَقَالَ: الْأَئِمَّة من قُرَيْش وَلَهُم عَلَيْكُم حق وَلكم مثل ذَلِك مَا إِن استحكموا عدلوا وَإِن استرحموا رحموا وَإِذا عَاهَدُوا أَوْفوا فَمن لم يفعل ذَلِك مِنْهُم فَعَلَيهِ لعنة الله وَالْمَلَائِكَة وَالنَّاس أَجْمَعِينَ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد عَن جُبَير بن مطعم قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن للقرشي مثلي قُوَّة الرجل من غير قُرَيْش
قيل لِلزهْرِيِّ: مَا عني بذلك قَالَ: نبل الرَّأْي
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن سهل بن أبي حثْمَة أَن رَسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: تعلمُوا من قُرَيْش وَلَا تعلموها وَقدمُوا قُريْشًا وَلَا تؤخروها فَإِن للقرشي قُوَّة الرجلَيْن من غير قُرَيْش
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي جَعْفَر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا تقدمُوا قُريْشًا فتضلوا وَلَا تَأَخَّرُوا عَنْهَا فتضلوا خِيَار قُرَيْش خِيَار النَّاس وشرار قُرَيْش شرار النَّاس وَالَّذِي نفس مُحَمَّد بِيَدِهِ لَوْلَا أَن تبطر قُرَيْش لأخبرتها مَا لَهَا عِنْد الله
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن جَابر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: النَّاس تبع لقريش فِي الْخَيْر وَالشَّر إِلَى يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن إِسْمَاعِيل بن عبد الله بن رِفَاعَة عَن أَبِيه عَن جده قَالَ: جمع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قُريْشًا فَقَالَ: هَل فِيكُم من غَيْركُمْ قَالُوا: لَا إِلَّا ابْن أُخْتنَا ومولانا وحليفتنا فَقَالَ: ابْن أختكم مِنْكُم ومولاكم مِنْكُم إِن قُريْشًا أهل صدق وَأَمَانَة فَمن بغى لَهُم الغواء أكبه الله على وَجهه(8/639)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: النَّاس تبع لقريش فِي هَذَا الْأَمر خيارهم تبع لخيارهم وشرارهم تبع لشرارهم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي مُوسَى قَالَ: قَامَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على بَاب فِيهِ نفر من قُرَيْش فَقَالَ: إِن هَذَا الْأَمر فِي قُرَيْش
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لقريش: إِن هَذَا الْأَمر فِيكُم وَأَنْتُم ولاته
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم عَن ابْن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا يزَال هَذَا الْأَمر فِي قُرَيْش مَا بَقِي من النَّاس اثْنَان وحرك أصبعيه
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: الْملك فِي قُرَيْش وَالْقَضَاء فِي الْأَنْصَار وَالْأَذَان فِي الْحَبَشَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عبيد بن عُمَيْر قَالَ: دَعَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لقريش فَقَالَ: اللَّهُمَّ كَمَا أذقت أَوَّلهمْ عذَابا فأذق آخِرهم نوالاً
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن سعد بن أبي وَقاص أَن رجلا قتل فَقيل للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ أبعده الله أَنه كَانَ يبغض قُريْشًا
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: اللَّهُمَّ أذقت أول قُرَيْش نكالاً فأذق آخِرهم نوالا(8/640)
107
سُورَة الماعون
مَكِّيَّة وآياتها سبع بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
الْآيَة 1 - 7(8/641)
أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (1) فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ (2) وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (3) فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (5) الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ (6) وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ (7)
أخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: أنزلت {أَرَأَيْت الَّذِي يكذب} بِمَكَّة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عبد الله بن الزبير مثله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن {أَرَأَيْت الَّذِي يكذب بِالدّينِ} قَالَ: الْكَافِر
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج {أَرَأَيْت الَّذِي يكذب بِالدّينِ} قَالَ: بِالْحِسَابِ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس {أَرَأَيْت الَّذِي يكذب بِالدّينِ} قَالَ: يكذب بِحكم الله {فَذَلِك الَّذِي يدعّ الْيَتِيم} قَالَ: يَدْفَعهُ عَن حَقه(8/641)
وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس أَن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله: عزَّ وَجل {فَذَلِك الَّذِي يدعّ الْيَتِيم} قَالَ: يَدْفَعهُ عَن حَقه
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم أما سَمِعت أَبَا طَالب يَقُول: يقسم حَقًا للْيَتِيم وَلم يكن يدعّ لذِي يسارهن الأصاغر وَأخرج سعيد بن مَنْصُور عَن مُحَمَّد بن كَعْب {يدع الْيَتِيم} قَالَ: يَدْفَعهُ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة {يدع الْيَتِيم} قَالَ: يَظْلمه
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن عَبَّاس {فويل للمصلين الَّذين هم عَن صلَاتهم ساهون} قَالَ: هم المُنَافِقُونَ يراؤون النَّاس بصلاتهم إِذا حَضَرُوا ويتركونها إِذا غَابُوا ويمنعونهم الْعَارِية بغضاً لَهُم وَهِي الماعون
وَأخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس {الَّذين هم عَن صلَاتهم ساهون} قَالَ: هم المُنَافِقُونَ يتركون الصَّلَاة فِي السِّرّ وَيصلونَ فِي الْعَلَانِيَة
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد {الَّذين هم عَن صلَاتهم ساهون} قَالَ: هم المُنَافِقُونَ
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَسَعِيد بن مَنْصُور وَأَبُو يعلى وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن مُصعب بن سعد قَالَ: قلت لأبي: أَرَأَيْت قَول الله: {الَّذين هم عَن صلَاتهم ساهون} أَيّنَا لَا يسهو وأينا لَا يحدث نَفسه قَالَ: إِنَّه لَيْسَ ذَلِك إِنَّه إِضَاعَة الْوَقْت
وَأخرج أَبُو يعلى وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن سعد بن أبي وَقاص قَالَ: سَأَلت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن قَوْله: {الَّذين هم عَن صلَاتهم ساهون} قَالَ: هم الَّذين يؤخرون الصَّلَاة عَن وَقتهَا قَالَ الْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ الْمَوْقُوف أصح
وَأخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه بِسَنَد ضَعِيف عَن أبي بَرزَة الْأَسْلَمِيّ قَالَ: لما نزلت هَذِه الْآيَة {الَّذين هم عَن صلَاتهم ساهون} قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: الله أكبر هَذِه الْآيَة خير لكم من أَن يعْطى كل رجل مِنْكُم جَمِيع الدُّنْيَا هُوَ الَّذِي إِن صلى لم يرج خير صلَاته وَإِن تَركهَا لم يخف ربه(8/642)
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {الَّذين هم عَن صلَاتهم ساهون} قَالَ: الَّذين يؤخرونها عَن وَقتهَا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مَسْرُوق {عَن صلَاتهم ساهون} قَالَ: تَضْييع ميقاتها
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر عَن مَالك بن دِينَار قَالَ: سَأَلَ رجل أَبَا الْعَالِيَة عَن قَوْله: {الَّذين هم عَن صلَاتهم ساهون} مَا هُوَ فَقَالَ أَبُو الْعَالِيَة: هُوَ الَّذِي لَا يدْرِي عَن كم انْصَرف عَن شفع أَو عَن وتر فَقَالَ الْحسن: مَه هُوَ الَّذِي يسهو عَن ميقاتها حَتَّى تفوت
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {عَن صلَاتهم ساهون} قَالَ: لاهون
وَأخرج ابْن الْأَنْبَارِي فِي الْمَصَاحِف وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه والخطيب فِي تالي التَّلْخِيص عَن ابْن مَسْعُود أَنه قَرَأَ: الَّذين هم عَن صلَاتهم لاهون
وَأخرج ابْن جرير عَن عَطاء بن يسَار قَالَ: الْحَمد لله الَّذِي قَالَ {هم عَن صلَاتهم ساهون} وَلم يقل فِي صلَاتهم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي الْعَالِيَة {عَن صلَاتهم ساهون} قَالَ: هُوَ الَّذِي يُصَلِّي وَيَقُول: هَكَذَا وَهَكَذَا يَعْنِي يلْتَفت عَن يَمِينه وَعَن يسَاره
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن زيد بن أسلم {عَن صلَاتهم ساهون} قَالَ: يصلونَ رِيَاء وَلَيْسَ الصَّلَاة من شَأْنهمْ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير عَن قَتَادَة {عَن صلَاتهم ساهون} قَالَ: لَا يُبَالِي عَنْهَا أصلى أم لم يصلّ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن عَليّ بن أبي طَالب {الَّذين هم يراؤون} قَالَ: يراؤون بصلاتهم
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَالْبَزَّار وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه من طرق عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: كُنَّا نعد الماعون على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَارِية الدَّلْو وَالْقدر والفأس وَالْمِيزَان وَمَا تتعاطون بَيْنكُم(8/643)
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: كُنَّا أَصْحَاب مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نتحدث أَن الماعون الدَّلْو وَالْقدر والفأس وَلَا يَسْتَغْنِي عَنْهُن
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن مَسْعُود فِي قَوْله: {الماعون} قَالَ: الفأس وَالْقدر والدلو وَنَحْوهَا
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: كَانَ الْمُسلمُونَ يستعيرون من الْمُنَافِقين الدَّلْو وَالْقدر والفأس وَشبهه فيمنعونهم فَأنْزل الله {وَيمْنَعُونَ الماعون}
وَأخرج أَبُو نعيم والديلمي وَابْن عَسَاكِر عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله: {وَيمْنَعُونَ الماعون} قَالَ: مَا تعاون النَّاس بَينهم الفأس وَالْقدر والدلو وأشباهه
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن قُرَّة بن دعموص النميري أَنهم وفدوا إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالُوا: يَا رَسُول الله مَا تعهد إِلَيْنَا قَالَ: لاتمنعوا الماعون
قَالُوا: وَمَا الماعون قَالَ: فِي الْحجر وَفِي الحديدة وَفِي المَاء
قَالَ: فَأَي الحديدة قَالَ: قدوركم النّحاس وحديد النَّاس الَّذِي يمتهنون بِهِ
قَالُوا: مَا الْحجر قَالَ: قدوركم الْحِجَارَة
وَأخرج الباوردي عَن الْحَرْث بن شُرَيْح قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: الْمُسلم أَخُو الْمُسلم لَا يمنعهُ الماعون قَالُوا: يَا رَسُول الله مَا الماعون قَالَ: فِي الْحجر وَفِي المَاء وَفِي الْحَدِيد قَالُوا أَي الْحَدِيد قَالَ: قدر النّحاس وحديد الفأس الَّذِي تمتهنون بِهِ
قَالُوا: فَمَا هَذَا الْحجر قَالَ: الْقدر الَّذِي من الْحِجَارَة
وَأخرج ابْن قَانِع عَن عَليّ ابْن أبي طَالب سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: الْمُسلم أَخُو الْمُسلم إِذا لقِيه حَيَّاهُ بِالسَّلَامِ وَيرد عَلَيْهِ مَا هُوَ خير مِنْهُ لَا يمْنَع الماعون
قلت: يَا رَسُول الله مَا الماعون قَالَ: الْحجر وَالْحَدِيد وَالْمَاء وَأَشْبَاه ذَلِك
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه بِسَنَد ضَعِيف عَن حَفْصَة بنت سِيرِين: قَالَت لنا أم عَطِيَّة: أمرنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن لَا نمْنَع الماعون
قلت: وَمَا الماعون قَالَت: هُوَ مَا يتعاطاه النَّاس بَينهم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير عَن سعيد بن عِيَاض عَن أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: الماعون والفأس وَالْقدر والدلو
وَأخرج آدم وَسَعِيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ والضياء فِي المختارة من طرق عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله:(8/644)
{وَيمْنَعُونَ الماعون} قَالَ: عَارِية مَتَاع الْبَيْت
وَأخرج الْفرْيَابِيّ عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: الماعون الْعَارِية
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ عَن عِكْرِمَة أَنه سُئِلَ عَن الماعون فَقَالَ: هِيَ الْعَارِية فَقيل: فَمن يمْنَع مَتَاع بَيته فَلهُ الويل قَالَ: لَا وَلَكِن إِذا جمعهن ثلاثهن فَلهُ الويل إِذا سهى عَن الصَّلَاة ورايا وَمنع الماعون
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَسَعِيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن عَليّ بن أبي طَالب قَالَ: الماعون الزَّكَاة الْمَفْرُوضَة يراؤون بصلاتهم وَيمْنَعُونَ زكاتهم
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن زيد بن أسلم فِي قَوْله: {وَيمْنَعُونَ الماعون} قَالَ: أُولَئِكَ المُنَافِقُونَ ظَهرت الصَّلَاة فصلوها وخفيت الزَّكَاة فمنعوها
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس {وَيمْنَعُونَ الماعون} قَالَ: الزَّكَاة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالْفِرْيَابِي وَسَعِيد بن مَنْصُور وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن أبي الْمُغيرَة قَالَ: قَالَ ابْن عمر: المَال الَّذِي لَا يعْطى حَقه
قلت لَهُ: إِن ابْن مَسْعُود قَالَ: هُوَ مَا يتعطاه النَّاس بَينهم من الْخَيْر
قَالَ: ذَلِك مَا أَقُول لَك
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة قَالَ: رَأس الماعون زَكَاة المَال وَأَدْنَاهُ المنخل والدلو والإِبرة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن الْمسيب قَالَ: الماعون بِلِسَان قُرَيْش المَال
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الضَّحَّاك وَابْن الْحَنَفِيَّة قَالَا: الماعون الزَّكَاة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن مُحَمَّد بن كَعْب قَالَ: الماعون الْمَعْرُوف
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق الْعَوْفِيّ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وَيمْنَعُونَ الماعون} قَالَ: اخْتلف النَّاس فِي ذَلِك فَمنهمْ من قَالَ: يمْنَعُونَ الزَّكَاة وَمِنْهُم من قَالَ: يمْنَعُونَ الطَّاعَة وَمِنْهُم من قَالَ: يمْنَعُونَ الْعَارِية
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس {وَيمْنَعُونَ الماعون} قَالَ: مَا جَاءَ هَؤُلَاءِ بعد(8/645)
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
108
سُورَة الْكَوْثَر
مَكِّيَّة وآياتها ثَلَاث
مُقَدّمَة السُّورَة
الْآيَة 1 - 3(8/646)
إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2) إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (3)
أخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: نزلت سُورَة {إِنَّا أعطيناك الْكَوْثَر} بِمَكَّة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن الزبير وَعَائِشَة مثله
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عَمْرو بن مَيْمُون قَالَ: لما طعن عمر وماج النَّاس تقدم عبد الرَّحْمَن بن عَوْف فَقَرَأَ بأقصر سورتين فِي الْقُرْآن {إِنَّا أعطيناك الْكَوْثَر} و (إِذا جَاءَ نصر الله وَالْفَتْح) (سُورَة النَّصْر) وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن شبْرمَة قَالَ: لَيْسَ فِي الْقُرْآن سُورَة أقل من ثَلَاث آيَات
وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس أَن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله تَعَالَى: {إِنَّا أعطيناك الْكَوْثَر} قَالَ: نهر فِي بطْنَان الْجنَّة حافتاه قباب الدّرّ والياقوت فِيهِ أَزوَاجه وخدمه
قَالَ: وَبِأَيِّ شَيْء ذكر ذَلِك قَالَ: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دخل من بَاب الصَّفَا وَخرج من بَاب الْمَرْوَة فَاسْتَقْبلهُ الْعَاصِ بن واثل السَّهْمِي فَرجع الْعَاصِ إِلَى قُرَيْش فَقَالَت لَهُ قُرَيْش: من استقبلك يَا أَبَا عَمْرو آنِفا قَالَ: ذَلِك(8/646)
الأبتر يُرِيد بِهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى أنزل الله هَذِه السُّورَة {إِنَّا أعطيناك الْكَوْثَر فصل لِرَبِّك وانحر إِن شانئك هُوَ الأبتر} يَعْنِي عدوّك الْعَاصِ بن وَائِل هُوَ الأبتر من الْخَيْر لَا أذكر فِي مَكَان إِلَّا ذكرت معي يَا مُحَمَّد فَمن ذَكرنِي وَلم يذكرك لَيْسَ لَهُ فِي الْجنَّة نصيب قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم أما سَمِعت حسان بن ثَابت يَقُول: وحباه الإِله بالكوثر الْأَكْبَر فِيهِ النَّعيم والخيرات وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن أنس بن مَالك قَالَ: أغفي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إغْفَاءَة فَرفع رَأسه مُتَبَسِّمًا فَقَالَ: إِنَّه نزلت عليّ آنِفا سُورَة فَقَرَأَ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم {إِنَّا أعطيناك الْكَوْثَر} حَتَّى خَتمهَا قَالَ: هَل تَدْرُونَ مَا الْكَوْثَر قَالُوا: الله وَرَسُوله أعلم قَالَ: هُوَ نهر أعطانيه رَبِّي فِي الْجنَّة عَلَيْهِ خير كثير ترده أمتِي يَوْم الْقِيَامَة آنيته عدد الْكَوَاكِب يختلج العَبْد مِنْهُم فَأَقُول يَا رب إِنَّه من أمتِي فَيُقَال: إِنَّك لَا تَدْرِي مَا أحدث بعْدك
وَأخرج مُسلم الْبَيْهَقِيّ من وَجه آخر بِلَفْظ ثمَّ رفع رَأسه فَقَرَأَ إِلَى آخر السُّورَة قَالَ الْبَيْهَقِيّ وَالْمَشْهُور فِيمَا بَين أهل التفاسير والمغازي أَن هَذِه السُّورَة مَكِّيَّة وَهَذَا اللَّفْظ لَا يُخَالِفهُ فَيُشبه أَن يكون أولى
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أم سَلمَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَرَأَ هَذِه الْآيَة {إِنَّا أعطيناك الْكَوْثَر}
وَأخرج أَحْمد وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه عَن أنس أَنه قَرَأَ هَذِه الْآيَة {إِنَّا أعطيناك الْكَوْثَر} قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَعْطَيْت الْكَوْثَر فَإِذا هُوَ نهر فِي الْجنَّة يجْرِي وَلم يشق شقاً وَإِذا حافتاه قباب اللُّؤْلُؤ فَضربت بيَدي إِلَى تربته فَإِذا هُوَ مسكة ذفرة وَإِذا حصاه اللُّؤْلُؤ
وَأخرج الطَّيَالِسِيّ وَابْن أبي شيبَة وَأحمد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: دخلت الْجنَّة فَإِذا أَنا بنهر حافتاه خيام اللُّؤْلُؤ فَضربت بيَدي إِلَى مَا يجْرِي فِيهِ المَاء فَإِذا مسك اذفر
قلت: مَا هَذَا يَا جِبْرِيل قَالَ: هَذَا الْكَوْثَر الَّذِي أعطاكه الله
وَأخرج أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْحَاكِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن أنس:(8/647)
أَن رجلا قَالَ يَا رَسُول الله: مَا الْكَوْثَر قَالَ: نهر فِي الْجنَّة أعطانيه رَبِّي لَهو أَشد بَيَاضًا من اللَّبن وَأحلى من الْعَسَل فِيهِ طيور أعناقها كأعناق الجزر
قَالَ عمر: يَا رَسُول الله إِنَّهَا لناعمة
قَالَ: آكلها أنعم مِنْهَا يَا عمر
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أنس قَالَ: دخلت على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: قد أَعْطَيْت الْكَوْثَر قلت يَا رَسُول الله: مَا الْكَوْثَر قَالَ: نهر فِي الْجنَّة عرضه وَطوله مَا بَين الْمشرق وَالْمغْرب لَا يشرب مِنْهُ أحد فيظمأ وَلَا يتَوَضَّأ مِنْهُ أحد فيتشعث أبدا لَا يشرب مِنْهُ من أَخْفَر ذِمَّتِي وَلَا من قتل أهل بَيْتِي
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَابْن ماجة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه عَن عَطاء بن السَّائِب قَالَ: قَالَ لي محَارب بن دثار مَا قَالَ سعيد بن جُبَير فِي الْكَوْثَر قلت: حَدثنَا عَن ابْن عَبَّاس أَنه الْخَيْر الْكثير
فَقَالَ: صدقت وَالله إِنَّه للخير الْكثير وَلَكِن حَدثنَا ابْن عمر قَالَ: نزلت {إِنَّا أعطيناك الْكَوْثَر} فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: الْكَوْثَر نهر فِي الْجنَّة حافتاه من ذهب يجْرِي على الدّرّ والياقوت تربته أطيب من الْمسك وماؤه أَشد بَيَاضًا من اللَّبن وَأحلى من الْعَسَل
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ وَابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا أَنَّهَا سُئِلت عَن قَوْله تَعَالَى: {إِنَّا أعطيناك الْكَوْثَر} قَالَت: هُوَ نهر أعْطِيه نَبِيكُم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي بطْنَان الْجنَّة شاطئاه عَلَيْهِ در مجوّف فِيهِ من الْآنِية والأباريق عدد النُّجُوم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق ابْن أبي نجيح عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {إِنَّا أعطيناك الْكَوْثَر} قَالَ: الْخَيْر الْكثير
وَقَالَ أنس بن مَالك: نهر فِي الْجنَّة وَقَالَت عَائِشَة: هُوَ نهر فِي الْجنَّة لَيْسَ أحد يدْخل أصبعيه فِي أُذُنَيْهِ إِلَّا سمع خرير ذَلِك النَّهر
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أُوتيت الكوثرآنيته عدد النُّجُوم
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عَائِشَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مثله
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {إِنَّا أعطيناك الْكَوْثَر} قَالَ: نهر أعطَاهُ الله مُحَمَّدًا فِي الْجنَّة
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: الْكَوْثَر نهر فِي الْجنَّة(8/648)
حافتاه من ذهب وَفِضة يجْرِي على الْيَاقُوت والدر وماؤه أَبيض من الثَّلج وَأحلى من الْعَسَل
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {إِنَّا أعطيناك الْكَوْثَر} قَالَ: نهر فِي الْجنَّة عمقه سَبْعُونَ ألف فَرسَخ مَاؤُهُ أَشد بَيَاضًا من اللَّبن وَأحلى من الْعَسَل شاطئاه الدّرّ والياقوت الزبرجد خص الله بِهِ نبيه مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دون الْأَنْبِيَاء
وَأخرج البُخَارِيّ وَابْن جرير وَالْحَاكِم من طَرِيق أبي بشر عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَنه قَالَ: الْكَوْثَر الْخَيْر الَّذِي أعطَاهُ الله إِيَّاه
قَالَ أَبُو بشر: قلت لسَعِيد بن جُبَير: فَإِن نَاسا يَزْعمُونَ أَنه نهر الْجنَّة قَالَ: النَّهر الَّذِي فِي الْجنَّة من الْخَيْر الَّذِي أعطَاهُ الله إِيَّاه
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن حُذَيْفَة فِي قَوْله: {إِنَّا أعطيناك الْكَوْثَر} قَالَ: نهر فِي الْجنَّة أجوف فِيهِ آنِية من الذَّهَب وَالْفِضَّة لَا يعلمهَا إِلَّا الله
وَأخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن أُسَامَة بن زيد: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَتَى حَمْزَة بن عبد الْمطلب يَوْمًا فَلم يجده فَسَأَلَ امْرَأَته عَنهُ فَقَالَت: خرج آنِفا أَولا تدخل يَا رَسُول الله فَدخل فَقدمت لَهُ حَيْسًا فَأكل فَقَالَت: هَنِيئًا لَك يَا رَسُول الله ومريئاً لقد جِئْت وَأَنا أُرِيد أَن آتِيك فأهنئك وأمريك أَخْبرنِي أَبُو عمَارَة أَنَّك أَعْطَيْت نَهرا فِي الْجنَّة يدعى الْكَوْثَر فَقَالَ: أجل وأرضه ياقوت ومرجان وَزَبَرْجَد ولؤلؤ
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده: أَن رجلا قَالَ يَا رَسُول الله: مَا الْكَوْثَر قَالَ: نهر من أَنهَار الْجنَّة أعطانيه الله عرضه مَا بَين إيلة وعدن
قَالَ: يَا رَسُول الله أَله طين أَو حَال
قَالَ: نعم الْمسك الْأَبْيَض
قَالَ: لَهُ رَضْرَاض حَصى قَالَ: نعم رضراضه الْجَوْهَر وحصباؤه اللُّؤْلُؤ
قَالَ: أَله شجر قَالَ: نعم حافتاه قضبان ذهب رطبَة شارعة عَلَيْهِ
قَالَ: ألتلك القضبان ثمار قَالَ: نعم تنْبت أَصْنَاف الْيَاقُوت الْأَحْمَر والزبرجد الْأَخْضَر فِيهِ أكواب وآنية وأقداح تسْعَى إِلَى من أَرَادَ أَن يشرب مِنْهَا منتشرة فِي وَسطه كَأَنَّهَا الْكَوْكَب الدُّرِّي
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {إِنَّا أعطيناك الْكَوْثَر} قَالَ: نهر فِي الْجنَّة حافتاه قباب الدّرّ فِيهِ أَزوَاج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم(8/649)
وَأخرج هناد وَابْن جرير عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: من أحب أَن يسمع خرير الْكَوْثَر فليجعل أصبعيه فِي أُذُنَيْهِ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن عَسَاكِر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: الْكَوْثَر خير الدُّنْيَا وَالْآخِرَة
وَأخرج هناد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن عَسَاكِر عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: الْكَوْثَر مَا أعطَاهُ الله من النبوّة وَالْخَيْر وَالْقُرْآن
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن قَالَ: الْكَوْثَر الْقُرْآن
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن عَليّ بن أبي طَالب قَالَ: لما نزلت هَذِه السُّورَة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {إِنَّا أعطيناك الْكَوْثَر} قَالَ: النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لجبريل مَا هَذِه النحيرة الَّتِي أَمرنِي بهَا رَبِّي قَالَ: إِنَّهَا لَيست بنحيرة وَلَكِن يَأْمُرك إِذا تحرمت للصَّلَاة أَن ترفع يَديك إِذا كَبرت وَإِذا ركعت وَإِذا رفعت رَأسك من الرُّكُوع فَإِنَّهَا صَلَاتنَا وَصَلَاة الْمَلَائِكَة الَّذين هم فِي السَّمَوَات السَّبع وَإِن لكل شَيْء زِينَة وزينة الصَّلَاة رفع الْيَدَيْنِ عِنْد كل تَكْبِيرَة
قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: رفع الْيَدَيْنِ من الاستكانة الَّتِي قَالَ الله: (فَمَا اسْتَكَانُوا لرَبهم وَمَا يَتَضَرَّعُونَ) (سُورَة الْمُؤْمِنُونَ الْآيَة 76) وَأخرج ابْن جرير عَن أبي جَعْفَر فِي قَوْله: {فصل لِرَبِّك} قَالَ: الصَّلَاة {وانحر} قَالَ: يرفع يَدَيْهِ أول مَا يكبر فِي الِافْتِتَاح
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {فصل لِرَبِّك وانحر} قَالَ: إِن الله أوحى إِلَى رَسُوله أَن ارْفَعْ يَديك حذاء نحرك إِذا كَبرت للصَّلَاة فَذَاك النَّحْر
وَأخرج ابْن أبي شيبَة فِي المُصَنّف وَالْبُخَارِيّ فِي تَارِيخه وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي الْأَفْرَاد وَأَبُو الشَّيْخ وَالْحَاكِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {فصل لِرَبِّك وانحر} قَالَ: وضع يَده الْيُمْنَى على وسط ساعده الْيُسْرَى ثمَّ وَضعهَا على صَدره فِي الصَّلَاة
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن أنس رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مثله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن شاهين فِي السّنة وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس(8/650)
رَضِي الله عَنْهُمَا {فصل لِرَبِّك وانحر} قَالَ: وضع الْيُمْنَى على الشمَال عِنْد التَّحَرُّم فِي الصَّلَاة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَطاء {فصل لِرَبِّك وانحر} قَالَ: إِذا صليت فَرفعت رَأسك من الرُّكُوع فاستو قَائِما
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي الْأَحْوَص {فصل لِرَبِّك وانحر} قَالَ: اسْتقْبل الْقبْلَة بنحرك
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ {فصل لِرَبِّك وانحر} قَالَ: صلي لِرَبِّك الصَّلَاة الْمَكْتُوبَة واسأل
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ {فصل لِرَبِّك} قَالَ: اشكر لِرَبِّك
وَأخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: كَانَت هَذِه الْآيَة يَوْم الْحُدَيْبِيَة أَتَاهُ جِبْرِيل فَقَالَ: انْحَرْ وارجع فَقَامَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَخَطب خطْبَة الْأَضْحَى ثمَّ ركع رَكْعَتَيْنِ ثمَّ انْصَرف إِلَى الْبدن فنحرها فَذَلِك حِين يَقُول: {فصل لِرَبِّك وانحر}
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد وَعَطَاء وَعِكْرِمَة {فصل لِرَبِّك وانحر} قَالُوا: صَلَاة الصُّبْح بِجمع وَنحر الْبدن بمنى
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس {وانحر} قَالَ: الصَّلَاة الْمَكْتُوبَة وَالذّبْح يَوْم الْأَضْحَى
وَأخرج ابْن جريرعن قَتَادَة {فصل لِرَبِّك وانحر} قَالَ: صَلَاة الْأَضْحَى والنحر نحر الْبدن
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَطاء {فصل لِرَبِّك} قَالَ: صَلَاة الْعِيد
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير {وانحر} قَالَ: الْبدن
وَأخرج ابْن جرير عَن أنس قَالَ: كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ينْحَر قبل أَن يُصَلِّي فَأمر أَن يُصَلِّي ثمَّ ينْحَر
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وانحر} قَالَ: يَقُول فَادع يَوْم النَّحْر
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة قَالَ: لما أوحى الله تَعَالَى(8/651)
إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَت قُرَيْش: بتر مُحَمَّد منا فَنزلت {إِن شانئك هُوَ الأبتر}
وَأخرج الْبَزَّار وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قدم كَعْب بن الْأَشْرَف مَكَّة فَقَالَت لَهُ قُرَيْش: أَنْت خير أهل الْمَدِينَة وسيدهم أَلا ترى إِلَى هَذَا الصَّابِئ المنبتر من قومه يزْعم أَنه خير منا وَنحن أهل الحجيج وَأهل السِّقَايَة وَأهل السدَانَة قَالَ: أَنْتُم خير مِنْهُ
فَنزلت {إِن شانئك هُوَ الأبتر} وَنزلت (ألم تَرَ إِلَى الَّذين أُوتُوا نَصِيبا من الْكتاب) (سُورَة النِّسَاء الْآيَة 15 - 25) إِلَى قَوْله: {فَلَنْ تَجِد لَهُ نَصِيرًا} )
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي أَيُّوب قَالَ: لما مَاتَ إِبْرَاهِيم بن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَشى الْمُشْركُونَ بَعضهم إِلَى بعض فَقَالُوا: إِن هَذَا الصَّابِئ قد بتر اللَّيْلَة فَأنْزل الله {إِنَّا أعطيناك الْكَوْثَر} إِلَى آخر السُّورَة
وَأخرج ابْن سعد وَابْن عَسَاكِر من طَرِيق الْكَلْبِيّ عَن أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَ أكبر ولد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْقَاسِم ثمَّ زَيْنَب ثمَّ عبد الله ثمَّ أم كُلْثُوم ثمَّ فَاطِمَة ثمَّ رقية فَمَاتَ الْقَاسِم وَهُوَ أول ميت من وَلَده بِمَكَّة ثما مَاتَ عبد الله فَقَالَ العَاصِي بن وَائِل السَّهْمِي: قد انْقَطع نَسْله فَهُوَ أَبتر فَأنْزل الله {إِن شانئك هُوَ الأبتر}
وَأخرج ابْن عَسَاكِر من طَرِيق مَيْمُون بن مهْرَان عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: ولدت خَدِيجَة من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عبد الله ثمَّ أَبْطَأَ عَلَيْهِ الْوَلَد من بعده فَبَيْنَمَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يكلم رجلا والعاصي بن وَائِل ينظر إِلَيْهِ إِذْ قَالَ لَهُ رجل: من هَذَا قَالَ: هَذَا الأبتر يَعْنِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَكَانَت قُرَيْش إِذا ولد للرجل ثمَّ أَبْطَأَ عَلَيْهِ الْوَلَد من بعده قَالُوا هَذَا الأبتر فَأنْزل الله {إِن شانئك هُوَ الأبتر} أَي مغضك هُوَ الأبتر الَّذِي بتر من كل خير
وَأخر الْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن مُحَمَّد بن عَليّ قَالَ: كَانَ الْقَاسِم ابْن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد بلغ أَن يركب على الدَّابَّة ويسير على النجيبة فَلَمَّا قَبضه الله قَالَ عَمْرو بن العَاصِي: لقد أصبح مُحَمَّد أَبتر من ابْنه فَأنْزل الله {إِنَّا أعطيناك الْكَوْثَر} عوضا يَا مُحَمَّد عَن مصيبتك بالقاسم {فصل لِرَبِّك وانحر إِن شانئك هُوَ الأبتر} قَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَكَذَا رُوِيَ بِهَذَا الإِسناد وَهُوَ ضَعِيف وَالْمَشْهُور أَنَّهَا نزلت فِي العَاصِي بن وَائِل(8/652)
وَأخرج الزبير بن بكار وَابْن عَسَاكِر عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد عَن أَبِيه قَالَ: توفّي الْقَاسِم ابْن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَكَّة فَمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ آتٍ من جنَازَته على العَاصِي بن وَائِل وَابْنه عَمْرو فَقَالَ حِين رأى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنِّي لأشنئوه فَقَالَ العاصيبن وَائِل: لَا جرم لقد أصبح أَبتر فَأنْزل الله {إِن شانئك هُوَ الأبتر}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {إِن شانئك هُوَ الأبتر} قَالَ: هُوَ العَاصِي بن وَائِل
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَت قُرَيْش تَقول إِذا مَاتَ ذُكُور الرجل: بتر فلَان فَلَمَّا مَاتَ ولد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ العَاصِي بن وَائِل: بتر والأبتر الْفَرد
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن جرير وَعبد الرَّزَّاق وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {إِن شانئك} يَقُول: عدوّك
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَطاء {إِن شانئك} قَالَ: أَبُو جهل
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن شهر بن عَطِيَّة عَن إِبْرَاهِيم قَالَ: كَانَ عقبَة بن أبي معيط يَقُول: إِنَّه لَا يبْقى للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ولد وَهُوَ أَبتر فَأنْزل الله فِيهِ {إِن شانئك هُوَ الأبتر}(8/653)
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
109
سُورَة الْكَافِرُونَ
مَكِّيَّة وآياتها سِتّ
مُقَدّمَة السُّورَة
الْآيَة 1 - 6(8/654)
قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3) وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ (4) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (5) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6)
أخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: نزلت سُورَة {قل يَا أَيهَا الْكَافِرُونَ} بِمَكَّة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن الزبير رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أنزلت بِالْمَدِينَةِ {قل يَا أَيهَا الْكَافِرُونَ}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَن قُريْشًا دعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى أَن يعطوه مَالا فَيكون أغْنى رجل بِمَكَّة ويزوّجوه مَا أَرَادَ من النِّسَاء فَقَالُوا: هَذَا لَك يَا مُحَمَّد وكف عَن شتم آلِهَتنَا وَلَا تذكر آلِهَتنَا بِسوء فَإِن لم تفعل فَإنَّا نعرض عَلَيْك خصْلَة وَاحِدَة وَلَك فِيهَا صَلَاح
قَالَ: مَا هِيَ قَالُوا: تعبد آلِهَتنَا سنة ونعبد إلهك سنة
قَالَ: حَتَّى أنظر مَا يأتيني من رَبِّي فجَاء الْوَحْي من عِنْد الله {قل يَا أَيهَا الْكَافِرُونَ لَا أعبد مَا تَعْبدُونَ} الْآيَة
وَأنزل الله (قَالَ أفغير الله تأمروني أعبد أَيهَا الجاهلون) (سُورَة الزمرالآية 46) إِلَى قَوْله: (الشَّاكِرِينَ)(8/654)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن المنذرعن وهب قَالَ: قَالَت قُرَيْش للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن سرك أَن نتبعك عَاما وَترجع إِلَى ديننَا عَاما فَأنْزل الله {قل يَا أَيهَا الْكَافِرُونَ} إِلَى آخر السُّورَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن الْأَنْبَارِي فِي الْمَصَاحِف عَن سعيد بن ميناء مولى أبي البخْترِي قَالَ: لَقِي الْوَلِيد بن الْمُغيرَة والعاصي بن وَائِل وَالْأسود بن الْمطلب وَأُميَّة بن خلف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالُوا: يَا مُحَمَّد هَلُمَّ فلتعبد مَا نعْبد ونعبد مَا تعبد ولنشترك نَحن وَأَنت فِي أمرنَا كُله فَإِن كَانَ الَّذِي نَحن عَلَيْهِ أصح من الَّذِي أَنْت عَلَيْهِ كنت قد أخذت مِنْهُ حظاً وَإِن كَانَ الَّذِي أَنْت عَلَيْهِ أصح من الَّذِي نَحن عَلَيْهِ كُنَّا قد أَخذنَا مِنْهُ حظاً فَأنْزل الله {قل يَا أَيهَا الْكَافِرُونَ لَا أعبد مَا تَعْبدُونَ} حَتَّى انْقَضتْ السُّورَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَن قُريْشًا قَالَت: لَو استلمت آلِهَتنَا لعبدنا إلهك فَأنْزل الله {قل يَا أَيهَا الْكَافِرُونَ} السُّورَة كلهَا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن زُرَارَة بن أوفى قَالَ: كَانَت هَذِه السُّورَة تسمى المقشقشة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي رَافع قَالَ: طَاف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْبَيْتِ ثمَّ جَاءَ مقَام إِبْرَاهِيم فَقَرَأَ (وَاتَّخذُوا من مقَام إِبْرَاهِيم مُصَلَّى) (سُورَة الْبَقَرَة الْآيَة 125) ثمَّ صلى فَقَرَأَ بِفَاتِحَة الْكتاب (وَقل هُوَ الله أحد الله الصَّمد) فَقَالَ كَذَلِك الله: (لم يلد وَلم يُولد) قَالَ: ذَاك الله (وَلم يكن لَهُ كفوا أحد) قَالَ: كَذَلِك الله ثمَّ ركع وَسجد ثمَّ قَرَأَ بِفَاتِحَة الْكتاب و {قل يَا أَيهَا الْكَافِرُونَ لَا أعبد مَا تَعْبدُونَ وَلَا أَنْتُم عَابِدُونَ مَا أعبد} قَالَ: لَا أعبد إِلَّا الله {وَلَا أَنا عَابِد مَا عَبدْتُمْ وَلَا أَنْتُم عَابِدُونَ مَا أعبد} فَقَالَ: لَا أعبد إِلَّا الله {لكم دينكُمْ ولي دين} ثمَّ ركع وَسجد
وَأخرج ابْن ماجة عَن ابْن عمر قَالَ: كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقْرَأ فِي الْمغرب {قل يَا أَيهَا الْكَافِرُونَ} و (قل هُوَ الله أحد)
وَأخرج ابْن ماجة عَن ابْن مَسْعُود أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يقْرَأ فِي الرَّكْعَتَيْنِ بعد صَلَاة الْمغرب {قل يَا أَيهَا الْكَافِرُونَ} و (قل هُوَ الله أحد)(8/655)
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن جَابر بن عبد الله أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم طَاف بِالْبَيْتِ ثمَّ صلى رَكْعَتَيْنِ قَرَأَ فيهمَا {قل يَا أَيهَا الْكَافِرُونَ} و (قل هُوَ الله أحد)
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن أبي قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُوتر بسبح وَقل للَّذين كفرُوا وَالله الْوَاحِد الصَّمد
وَأخرج مُسلم وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَرَأَ فِي رَكْعَتي الْفجْر {قل يَا أَيهَا الْكَافِرُونَ} و (قل هُوَ الله أحد)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَابْن حبَان وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عمر قَالَ: رمقت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خمْسا وَعشْرين مرّة وَفِي لفظ شهرا فَكَانَ يقْرَأ فِي الرَّكْعَتَيْنِ قبل الْفجْر والركعتين بعد الْمغرب ب {قل يَا أَيهَا الْكَافِرُونَ} و (قل هُوَ الله أحد)
وَأخرج ابْن الضريس وَالْحَاكِم فِي الكنى وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عمر قَالَ: رمقت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَرْبَعِينَ صباحاً فِي غَزْوَة تَبُوك فَسَمعته يقْرَأ فِي رَكْعَتي الْفجْر {قل يَا أَيهَا الْكَافِرُونَ} و (قل هُوَ الله أحد) وَيَقُول: نعم السورتان تعدل وَاحِدَة بِربع الْقُرْآن وَالْأُخْرَى بِثلث الْقُرْآن
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن أنس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يقْرَأ فِي الرَّكْعَتَيْنِ بعد الْمغرب والركعتين قبل صَلَاة الْفجْر ب {قل يَا أَيهَا الْكَافِرُونَ} و (قل هُوَ الله أحد)
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: من قَرَأَ {قل يَا أَيهَا الْكَافِرُونَ} كَانَت لَهُ عدل ربع الْقُرْآن
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الصَّغِير وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن سعيد بن أبي الْعَاصِ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من قَرَأَ {قل يَا أَيهَا الْكَافِرُونَ} فَكَأَنَّمَا قَرَأَ ربع الْقُرْآن وَمن قَرَأَ (قل هُوَ الله أحد) فَكَأَنَّمَا قَرَأَ ثلث الْقُرْآن
وَأخرج مُسَدّد عَن رجل من الصَّحَابَة قَالَ: سَمعتهَا من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بضعاً وَعشْرين مرّة يَقُول: نعم السورتان يقْرَأ بهما فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأَحَد الصَّمد و {قل يَا أَيهَا الْكَافِرُونَ}
وَأخرج أَحْمد وَابْن الضريس وَالْبَغوِيّ وَحميد بن زَنْجوَيْه فِي ترغيبه عَن شيخ أدْرك النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: خرجت مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي سفر فَمر بِرَجُل يقْرَأ {قل يَا أَيهَا الْكَافِرُونَ}(8/656)
فَقَالَ: أما هَذَا فقد برِئ من الشّرك وَإِذا آخر يقْرَأ (قل هُوَ الله أحد) فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بهَا وَجَبت لَهُ الْجنَّة وَفِي رِوَايَة: أما هَذَا فقد غفر لَهُ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن الْأَنْبَارِي فِي الْمَصَاحِف وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن فَرْوَة بن نَوْفَل بن مُعَاوِيَة الْأَشْجَعِيّ عَن أَبِيه أَنه قَالَ يَا رَسُول الله عَلمنِي مَا أَقُول إِذا أويت إِلَى فِرَاشِي قَالَ: اقْرَأ {قل يَا أَيهَا الْكَافِرُونَ} ثمَّ نم على خاتمتها فَإِنَّهَا بَرَاءَة من الشّرك
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة وَابْن مرْدَوَيْه عَن عبد الرَّحْمَن بن نَوْفَل الْأَشْجَعِيّ عَن أَبِيه قَالَ: قلت يَا رَسُول الله: إِنِّي حَدِيث عهد بشرك فمرني بِآيَة تبرئني من الشّرك فَقَالَ: اقْرَأ {قل يَا أَيهَا الْكَافِرُونَ} قَالَ: فَمَا أخطأها أبي من ويم وَلَا لَيْلَة حَتَّى فَارق الدُّنْيَا
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن الْبَراء قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لنوفل بن مُعَاوِيَة الْأَشْجَعِيّ: إِذا أتيت مضجعك للنوم فاقرأ {قل يَا أَيهَا الْكَافِرُونَ} فَإنَّك إِذا قرأتها فقد بَرِئت من الشّرك
وَأخرج أَحْمد وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن الْحَارِث بن جبلة وَقَالَ الطَّبَرَانِيّ عَن جبلة بن حَارِثَة وَهُوَ أَخُو زيد بن حَارِثَة قَالَ: قلت يَا رَسُول الله: عَلمنِي شَيْئا أقوله: عِنْد مَنَامِي قَالَ: إِذا أخذت مضجعك من اللَّيْل فاقرأ {قل يَا أَيهَا الْكَافِرُونَ} حَتَّى تمر بآخرها فَإِنَّهَا بَرَاءَة من الشّرك
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِمعَاذ: اقْرَأ {قل يَا أَيهَا الْكَافِرُونَ} عِنْد مَنَامك فَإِنَّهَا بَرَاءَة من الشّرك
وَأخرج الديلمي عَن عبد الله بن جَراد قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: الْمُنَافِق لَا يُصَلِّي الضُّحَى وَلَا يقْرَأ {قل يَا أَيهَا الْكَافِرُونَ}
وَأخرج أَبُو يعلى وَالطَّبَرَانِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَلا أدلكم على كلمة تنجيكم من الإِشراك بِاللَّه تقرؤون {قل يَا أَيهَا الْكَافِرُونَ} عِنْد منامكم
وَأخرج الْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن خباب أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِذا(8/657)
أخذت مضجعك فاقرأ {قل يَا أَيهَا الْكَافِرُونَ} وَأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يَأْتِ فرَاشه قطّ إِلَّا قَرَأَ {قل يَا أَيهَا الْكَافِرُونَ} حَتَّى يخْتم
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن زيد بن أَرقم قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من لَقِي الله بسورتين فَلَا حِسَاب عَلَيْهِ {قل يَا أَيهَا الْكَافِرُونَ} و (قل هُوَ الله أحد
وَأخرج أَبُو عبيد فِي فضائله وَابْن الضريس عَن أبي مَسْعُود الْأنْصَارِيّ قَالَ: من قر (قل هُوَ الله أحد) و {قل يَا أَيهَا الْكَافِرُونَ} فِي لَيْلَة فقد أَكثر وأطاب
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الصَّغِير عَن عَليّ قَالَ: لدغت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عقرب وَهُوَ يُصَلِّي فَلَمَّا فرغ قَالَ: لعن الله العقربلا تدع مُصَليا وَلَا غَيره ثمَّ دَعَا بِمَاء وملح وَجعل يمسح عَلَيْهَا وَيقْرَأ {قل يَا أَيهَا الْكَافِرُونَ} و (قل أعوذ بِرَبّ الفلق) (سُورَة الفلق) و (قل أعوذ بِرَبّ النَّاس) (سُورَة النَّاس)
وَأخرج أَبُو يعلى عَن جُبَير بن مطعم قَالَ: قَالَ لي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَتُحِبُّ يَا جُبَير إِذا خرجت سفرا أَن تكون أمثل أَصْحَابك هَيْئَة وَأَكْثَرهم زاداً قلت: نعم بِأبي أَنْت وَأمي
قَالَ: فاقرأ هَذِه السُّور الْخمس {قل يَا أَيهَا الْكَافِرُونَ} و (إِذا جَاءَ نصر الله وَالْفَتْح) (سُورَة النَّصْر) و (قل هُوَ الله أحد) (سُورَة الاخلاص) و (قل أعوذ بِرَبّ الفلق) و (قل أعوذ بِرَبّ النَّاس) وافتتح كل سُورَة بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم قَالَ جُبَير: وَكنت غَنِيا كثير المَال فَكنت أخرج فِي سفر فَأَكُون من أبذهم هَيْئَة وَأَقلهمْ زاداً فَمَا زلت مُنْذُ علمنيهن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وقرأت بِهن أكون من أحْسنهم هَيْئَة وَأَكْثَرهم زاداً حَتَّى أرجع من سَفَرِي
وَأخرج ابْن الضريس عَن عَمْرو بن مَالك قَالَ: كَانَ أَبُو الجوزاء يَقُول: أَكْثرُوا من قِرَاءَة {قل يَا أَيهَا الْكَافِرُونَ} وابرأوا مِنْهُم(8/658)
سُورَة النَّصْر
مَدَنِيَّة وآياتها ثَلَاث بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
الْآيَة 1 - 3(8/659)
إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا (2) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا (3)
أخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: أنزل بِالْمَدِينَةِ {إِذا جَاءَ نصر الله وَالْفَتْح}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن الزبير قَالَ: أنزل {إِذا جَاءَ نصر الله} الْمَدِينَة
وَأخرج ابْن جرير عَن عَطاء بن يسَار قَالَ: نزلت {إِذا جَاءَ نصر الله وَالْفَتْح} كلهَا بِالْمَدِينَةِ بعد فتح مَكَّة وَدخُول النَّاس فِي الدّين ينعى إِلَيْهِ نَفسه
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَالْبَزَّار وَأَبُو يعلى وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن ابْن عمر قَالَ: هَذِه السُّورَة نزلت على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَوسط أَيَّام التَّشْرِيق بمنى وَهُوَ فِي حجَّة الْوَدَاع {إِذا جَاءَ نصر الله وَالْفَتْح} حَتَّى خَتمهَا فَعرف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه الْوَدَاع
وَأخرج أَبُو عبيد وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَرَأَ: إِذا جَاءَ فتح الله والنصر
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {إِذا جَاءَ نصر الله وَالْفَتْح} قَالَ: فتح مَكَّة {وَرَأَيْت النَّاس يدْخلُونَ فِي دين الله أَفْوَاجًا فسبح بِحَمْد رَبك وَاسْتَغْفرهُ إِنَّه كَانَ توّاباً} قَالَ: أعلم أَنَّك سَتَمُوتُ عِنْد ذَلِك(8/659)
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {أَفْوَاجًا} قَالَ: الزمر من النَّاس
وَأخرج ابْن جرير عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله: {إِذا جَاءَ نصر الله وَالْفَتْح} قَالَ: كَانَت هَذِه السُّورَة آيَة لمَوْت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {إِذا جَاءَ نصر الله وَالْفَتْح} قَالَ: ذكر لنا أَن ابْن عَبَّاس قَالَ: هَذِه السُّورَة علم وحد حَده الله لنَبيه ونعى نَفسه أَي إِنَّك لن تعيش بعْدهَا إِلَّا قَلِيلا
قَالَ قَتَادَة: وَالله مَا عَاشَ بعْدهَا إِلَّا قَلِيلا سنتَيْن ثمَّ توفّي
وَأخرج أَحْمد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لما نزلت {إِذا جَاءَ نصر الله وَالْفَتْح} قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: نعيت إِلَى نَفسِي إِنِّي مَقْبُوض فِي تِلْكَ السّنة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لما نزلت {إِذا جَاءَ نصر الله وَالْفَتْح} قَالَ: رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نعيت إِلَى نَفسِي وَقرب أَجلي
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لما نزلت على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {إِذا جَاءَ نصر الله وَالْفَتْح} علم أَنه نعيت إِلَيْهِ نَفسه
وَأخرج الطَّيَالِسِيّ وَابْن أبي شيبَة وَأحمد وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: لما نزلت هَذِه السُّورَة {إِذا جَاءَ نصر الله وَالْفَتْح} قَرَأَهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى خَتمهَا ثمَّ قَالَ: أَنا وأصحابي خير وَالنَّاس خير لَا هِجْرَة بعد الْفَتْح وَلَكِن جِهَاد وَنِيَّة
وَأخرج النَّسَائِيّ وَعبد الله بن أَحْمد فِي زَوَائِد الزّهْد وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لما نزلت {إِذا جَاءَ نصر الله وَالْفَتْح} نعيت لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَفسه حِين أنزلت فأخذني أَشد مَا يكون اجْتِهَادًا فِي أَمر الْآخِرَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن أم حَبِيبَة قَالَت: لما نزلت {إِذا جَاءَ نصر الله وَالْفَتْح} قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن الله لم يبْعَث نَبيا إِلَّا عمر فِي أمته شطر مَا عمر النَّبِي الْمَاضِي قبله وَإِن عِيسَى ابْن مَرْيَم كَانَ أَرْبَعِينَ سنة فِي بني إِسْرَائِيل وَهَذِه لي عشرُون سنة وَأَنا ميت فِي هَذِه السّنة فَبَكَتْ فَاطِمَة فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَنْت أول أهل بَيْتِي لُحُوقا بِي فتبسمت
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لما أقبل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من غَزْوَة حنين(8/660)
أنزل عَلَيْهِ {إِذا جَاءَ نصر الله وَالْفَتْح} فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يَا عَليّ بن أبي طَالب يَا فَاطِمَة بنت مُحَمَّد جَاءَ نصر الله وَالْفَتْح وَرَأَيْت النَّاس يدْخلُونَ فِي دين الله أَفْوَاجًا فسبحان رَبِّي وَبِحَمْدِهِ وَاسْتَغْفرهُ إِنَّه كَانَ تَوَّابًا
وَأخرج الْخَطِيب وَابْن عَسَاكِر عَن عَليّ قَالَ: نعى الله لنَبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَفسه حِين أنزل عَلَيْهِ {إِذا جَاءَ نصر الله وَالْفَتْح} فَكَانَ الْفَتْح سنة ثَمَان بعد مَا هَاجر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا طعن فِي سنة تسع من مهاجره تتَابع عَلَيْهِ الْقَبَائِل تسْعَى فَلم يدر مَتى الْأَجَل لَيْلًا أَو نَهَارا فَعمل على قدر ذَلِك فَوسعَ السّنَن وشدد الْفَرَائِض وَأظْهر الرُّخص وَنسخ كثيرا من الْأَحَادِيث وغزا تَبُوك وَفعل فعل مُودع
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لما أقبل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من غَزْوَة حنين أنزل عَلَيْهِ {إِذا جَاءَ نصر الله وَالْفَتْح} إِلَى آخر الْقِصَّة
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يَا عَليّ بن أبي طَالب وَيَا فَاطِمَة بنت مُحَمَّد جَاءَ نصر الله وَالْفَتْح إِلَى آخر الْقِصَّة سُبْحَانَ رَبِّي وَبِحَمْدِهِ وأستغفره إِنَّه كَانَ توّاباً وَيَا عَليّ إِنَّه يكون بعدِي فِي الْمُؤمنِينَ الْجِهَاد
قَالَ: علام نجاهد الْمُؤمنِينَ الَّذين يَقُولُونَ آمنا قَالَ: على الاحداث فِي الدّين إِذا عمِلُوا بِالرَّأْيِ وَلَا رَأْي فِي الدّين إِنَّمَا الدّين من الرب أمره وَنَهْيه قَالَ عَليّ: يَا رَسُول الله أَرَأَيْت إِن عرض علينا أَمر لم ينزل فِيهِ قُرْآن وَلم يقْض فِيهِ سنة مِنْك
قَالَ: تجعلونه شُورَى بَين العابدين من الْمُؤمنِينَ وَلَا تقضونه بِرَأْي خَاصَّة فَلَو كنت مستخلفاً أحدا لم يكن أحد أَحَق مِنْك لقربك فِي الإِسلام وقرابتك من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وصهرك وعندك سيدة سناء الْمُؤمنِينَ وَقبل ذَلِك مَا كَانَ بلَاء أبي طَالب إيَّايَ وَنزل الْقُرْآن وَأَنا حَرِيص على أَن أرعى لَهُ فِي وَلَده
وَأخرج أَحْمد وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لما نزلت {إِذا جَاءَ نصر الله وَالْفَتْح} دَعَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَاطِمَة فَقَالَ: إِنَّه قد نعيت إِلَى نَفسِي
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن سعد وَالْبُخَارِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم مَعًا فِي الدَّلَائِل عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَ عمر يدخلني وأشياخ بدر فَقَالَ لَهُ عبد الرَّحْمَن بن عَوْف: لم تدخل هَذَا الْفَتى مَعنا وَلنَا أَبنَاء مثله فَقَالَ: إِنَّه مِمَّن قد علمْتُم فَدَعَاهُمْ ذَات يَوْم وَدَعَانِي مَعَهم وَمَا رَأَيْته دَعَاني يَوْمئِذٍ إِلَّا لِيُرِيَهُمْ مني فَقَالَ: مَا تَقولُونَ فِي قَوْله: {إِذا جَاءَ نصر الله وَالْفَتْح} حَتَّى ختم(8/661)
السُّورَة فَقَالَ بَعضهم: أمرنَا الله أَن نحمده وَنَسْتَغْفِرهُ إِذا جَاءَ نصر الله وَفتح علينا وَقَالَ بَعضهم: لَا نَدْرِي وَبَعْضهمْ لم يقل شَيْئا فَقَالَ لي يَا ابْن عَبَّاس: أكذاك تَقول قلت: لَا
قَالَ: فَمَا تَقول قلت: هُوَ أجل رَسُول الله أعلمهُ الله {إِذا جَاءَ نصر الله وَالْفَتْح وَرَأَيْت النَّاس يدْخلُونَ} وَالْفَتْح فتح مَكَّة فَذَلِك عَلامَة أَجلك {فسبح بِحَمْد رَبك وَاسْتَغْفرهُ إِنَّه كَانَ تَوَّابًا} فَقَالَ عمر: مَا أعلم مِنْهَا إِلَّا مَا تعلم
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس أَن عمر سَأَلَهُمْ عَن قَول الله: {إِذا جَاءَ نصر الله وَالْفَتْح} فَقَالُوا: فتح الْمَدَائِن والقصور قَالَ: فَأَنت يَا ابْن عَبَّاس مَا تَقول قَالَ: قلت مثل ضرب لمُحَمد نعيت لَهُ نَفسه
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم فِي فَضَائِل الصَّحَابَة والخطيب فِي تالي التَّلْخِيص عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لما نزلت {إِذا جَاءَ نصر الله وَالْفَتْح} جَاءَ الْعَبَّاس إِلَى عليّ فَقَالَ: انْطلق بِنَا إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِن كَانَ هَذَا الْأَمر لنا من بعده لم تشاحنا فِيهِ قُرَيْش وَإِن كَانَ لغيرنا سألناه الوصاة لنا
قَالَ: لَا قَالَ الْعَبَّاس: جِئْت فَذكرت ذَلِك لَهُ فَقَالَ: إِن الله جعل أَبَا بكر خليفتي على دين الله ووحيه وَهُوَ مستوص فَاسْمَعُوا لَهُ وَأَطيعُوا تهتدوا وتفلحوا وافتدوا بِهِ ترشدوا
قَالَ ابْن عَبَّاس: فَمَا وَافق أَبَا بكر على رَأْيه وَلَا وازره على أمره وَلَا أَعَانَهُ على شَأْنه إِذْ خَالفه أَصْحَابه فِي ارتداد الْعَرَب إِلَّا الْعَبَّاس
قَالَ: فوَاللَّه مَا عدل رأيهما وحزمهما رَأْي أهل الأَرْض أَجْمَعِينَ
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {إِذا جَاءَ نصر الله وَالْفَتْح} قَالَ: ذَاك حِين نعى لَهُم نَفسه يَقُول: إِذا رَأَيْت النَّاس يدْخلُونَ فِي دين الله أَفْوَاجًا يَعْنِي إِسْلَام النَّاس يَقُول فَذَلِك حِين حضر أَجلك {فسبح بِحَمْد رَبك وَاسْتَغْفرهُ إِنَّه كَانَ توّاباً}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه والخطيب وَابْن عَسَاكِر عَن أبي هُرَيْرَة فِي قَوْله: {إِذا جَاءَ نصر الله وَالْفَتْح} قَالَ: علم وحد حَده الله لنَبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ونعى إِلَيْهِ نَفسه أَنَّك لَا تبقى بعد فتح مَكَّة إِلَّا قَلِيلا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: آخر سُورَة نزلت من الْقُرْآن جَمِيعًا {إِذا جَاءَ نصر الله وَالْفَتْح}(8/662)
وَأخرج البُخَارِيّ عَن سهل بن سعد السَّاعِدِيّ عَن أبي بكر أَن سُورَة {إِذا جَاءَ نصر الله وَالْفَتْح} حِين أنزلت على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم علم أَن نَفسه نعيت إِلَيْهِ
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: غزا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غَزْوَة الْفَتْح فتح مَكَّة فَخرج من الْمَدِينَة فِي رَمَضَان وَمَعَهُ من الْمُسلمين عشرَة آلَاف وَذَلِكَ على رَأس ثَمَان سِنِين وَنصف سنة من مُقَدّمَة الْمَدِينَة وافتتح مَكَّة لثلاث عشرَة بقيت من رَمَضَان
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَمُسلم وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه عَن عَائِشَة قَالَت: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يكثر من قَول: سُبْحَانَ الله وَبِحَمْدِهِ وَأَسْتَغْفِر الله وَأَتُوب إِلَيْهِ فَقلت يَا رَسُول الله: أَرَاك تكْثر من قَول: سُبْحَانَ الله وَبِحَمْدِهِ وَأَسْتَغْفِر الله وَأَتُوب إِلَيْهِ فَقَالَ: خبرني أَنِّي سأرى عَلامَة فِي أمتِي فَإِذا رَأَيْتهَا أكثرت من قَول سُبْحَانَ الله وَبِحَمْدِهِ وَأَسْتَغْفِر الله وَأَتُوب إِلَيْهِ فقد رَأَيْتهَا {إِذا جَاءَ نصر الله وَالْفَتْح} فتح مَكَّة {وَرَأَيْت النَّاس يدْخلُونَ فِي دين الله أَفْوَاجًا فسبح بِحَمْد رَبك وَاسْتَغْفرهُ إِنَّه كَانَ تَوَّابًا}
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَأحمد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَابْن جرير وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه عَن عَائِشَة قَالَت: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يكثر أَن يَقُول فِي رُكُوعه وَسُجُوده
سُبْحَانَكَ الله وَبِحَمْدِك اللَّهُمَّ اغْفِر لي يتَأَوَّل الْقُرْآن يَعْنِي {إِذا جَاءَ نصر الله وَالْفَتْح}
وَأخرج ابْن جرير عَن عَائِشَة قَالَت: مَا سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُنْذُ أنزلت عَلَيْهِ هَذِه السُّورَة {إِذا جَاءَ نصر الله وَالْفَتْح} إِلَّا يَقُول مثلهمَا: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبنَا وَبِحَمْدِك اللَّهُمَّ اغْفِر لي
وَأخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن أم سَلمَة قَالَت: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي آخر عمر لَا يقوم وَلَا يقْعد وَلَا يذهب وَلَا يَجِيء إِلَّا قَالَ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك استغفرك وَأَتُوب إِلَيْك فَقلت لَهُ: قَالَ: إِنِّي أمرت بهَا وَقَرَأَ {إِذا جَاءَ نصر الله} إِلَى آخر السُّورَة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَمُحَمّد بن نصر وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: لما نزلت {إِذا جَاءَ نصر الله وَالْفَتْح} كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يكثر أَن يَقُول: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك اغْفِر لي إِنَّك أَنْت التواب الغفور(8/663)
وَأخرج الْحَاكِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يكثر أَن يَقُول: سُبْحَانَكَ رَبنَا وَبِحَمْدِك فَلَمَّا نزلت {إِذا جَاءَ نصر الله وَالْفَتْح} قَالَ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبنَا وَبِحَمْدِك اللَّهُمَّ اغْفِر لي إِنَّك أَنْت التواب الرَّحِيم
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: لما نزلت {إِذا جَاءَ نصر الله وَالْفَتْح} قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: جَاءَ أهل الْيمن هم أرقْ قلوباً الإِيمان يمَان وَالْفِقْه يمَان وَالْحكمَة يمانيه
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: {وَرَأَيْت النَّاس يدْخلُونَ فِي دين الله أَفْوَاجًا} فَقَالَ: ليخرجن مِنْهُ أَفْوَاجًا كَمَا دخلُوا فِيهِ أَفْوَاجًا
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن الفضيل بن عِيَاض قَالَ: لما نزلت {إِذا جَاءَ نصر الله وَالْفَتْح} إِلَى آخر السُّورَة قَالَ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يَا جِبْرِيل نعيت إليَّ نَفسِي قَالَ جِبْرِيل: الْآخِرَة خير لَك من الأولى
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن جَابر بن عبد الله: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: إِن النَّاس دخلُوا فِي دير الله أَفْوَاجًا وَسَيَخْرُجُونَ مِنْهُ أَفْوَاجًا
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن ابْن عَبَّاس أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: {إِذا جَاءَ نصر الله وَالْفَتْح} وَجَاء أهل الْيمن رقيقَة أفئدتهم وطباعهم سجية قُلُوبهم عَظِيمَة حسنتهم دخلُوا فِي دين الله أَفْوَاجًا(8/664)
111
سُورَة المسد
مَكِّيَّة وآياتها خمس بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
الْآيَة 1 - 5(8/665)
تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (1) مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ (2) سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ (3) وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (4) فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ (5)
أخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: أنزلت {تبت يدا أبي لَهب} بِمَكَّة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن الزبير وَعَائِشَة مثله
وَأخرج أَبُو نعيم فِي الدَّلَائِل عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: مَا كَانَ أَبُو لَهب إِلَّا من كفار قُرَيْش مَا هُوَ حَتَّى خرج من الشّعب حِين تمالأت قُرَيْش حَتَّى حصرونا فِي الشّعب وظاهرهم فَلَمَّا خرج أَبُو لَهب من الشّعب وظاهرهم فَلَمَّا خرج أَبُو لَهب من الشّعب لَقِي هنداً بنت عتبَة بن ربيعَة حِين فَارق قومه فَقَالَ: يَا ابْنة عتبَة هَل نصرت اللات والعزى قَالَت: نعم فجزاك الله خيرا يَا أَبَا عتبَة
قَالَ: إِن مُحَمَّدًا يعدنا أَشْيَاء لَا نرَاهَا كائنة يزْعم أَنَّهَا كائنة بعد الْمَوْت فَمَا ذَاك وصنع فِي يَدي ثمَّ نفخ فِي يَدَيْهِ ثمَّ قَالَ: تَبًّا لَكمَا مَا أرى فيكما شَيْئا مِمَّا يَقُول مُحَمَّد فَنزلت {تبت يدا أبي لَهب} قَالَ ابْن عَبَّاس: فحصرنا فِي الشّعب ثَلَاث سِنِين وَقَطعُوا عَنَّا الْميرَة حَتَّى إِن الرجل ليخرج منا بِالنَّفَقَةِ فَمَا يُبَايع حَتَّى يرجع حَتَّى هلك فِينَا من هلك(8/665)
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لما نزلت (وأنذر عشيرتك الْأَقْرَبين ورهطك مِنْهُم المخلصين) (سُورَة الشُّعَرَاء 214) خرج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى صعد الصَّفَا فَهَتَفَ: يَا صَبَاحَاه فَاجْتمعُوا إِلَيْهِ فَقَالَ: أَرَأَيْتكُم لَو أَخْبَرتكُم أَن خيلاً تخرج بسفح هَذَا الْجَبَل أَكُنْتُم مصدقيَّ قَالُوا: مَا جربنَا عَلَيْك كذبا
قَالَ: فَإِنِّي نَذِير لكم بَين يَدي عَذَاب شَدِيد
فَقَالَ أَبُو لَهب: تبًّا لَك إِنَّمَا جمعتنَا لهَذَا ثمَّ قَامَ فَنزلت هَذِه السُّورَة {تبت يدا أبي لَهب وَتب}
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عمر فِي قَوْله: {تبت يدا أبي لَهب} قَالَ: خسرت
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي {تبت يدا أبي لَهب} قَالَ: خسرت {وَتب} قَالَ: خسر
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة {تبت يدا أبي لَهب وَتب} قَالَ: خسرت يدا أبي لَهب وخسر
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن قَالَ: إِنَّمَا سمي أَبَا لَهب من حسنه
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَائِشَة قَالَت: إِن أطيب مَا أكل الرجل من كَسبه وان ابْنه من كَسبه ثمَّ قَرَأت {مَا أغْنى عَنهُ مَاله وَمَا كسب} قَالَت: وَمَا كسب وَلَده
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن عَطاء قَالَ: كَانَ يُقَال: مَا أإنى عَنهُ مَاله وَمَا كسب وَولده كَسبه وَمُجاهد وَعَائِشَة قَالَاه
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن قَتَادَة قَالَ: كَانَت رقِيه بنت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عِنْد عتبَة بن أبي لَهب فَلَمَّا أنزل الله {تبت يدا أبي لَهب} سَأَلَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم طَلَاق رقية فَطلقهَا فتزوّجها عُثْمَان
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن قَتَادَة قَالَ: تزوّج أم كُلْثُوم بنت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عتيبة بن أبي لَهب كَانَت رقية عِنْد أَخِيه عتبَة بن أبي لَهب فَلَمَّا أنزل الله {تبت يدا أبي لَهب} قَالَ أَبُو لَهب لابْنَيْهِ عتيبة وَعتبَة: رَأْسِي من رأسكما حرَام إِن لم تطلقَا بِنْتي(8/666)
مُحَمَّد وَقَالَت أمهما بنت حَرْب بن أُمِّيّه وَهِي حمالَة الْحَطب: طَلَّقَاهُمَا فَإِنَّهُمَا قد صبتا فطلقاهما
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن زيد أَن امْرَأَة أبي لَهب كَانَت تلقي من طَرِيق النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الشوك فَنزلت {تبت يدا أبي لَهب} {وَامْرَأَته حمالَة الْحَطب} فَلَمَّا نزلت بلغ امْرَأَة أبي لَهب أَن النَّبِي يهجوك قَالَت: علام يهجوني هَل رَأَيْتُمُونِي كَمَا قَالَ مُحَمَّد أحمل حطباً فِي جيدي حَبل من مسد فَمَكثت ثمَّ أَتَتْهُ فَقَالَت: إِن رَبك قلاك وودعك فَأنْزل الله (وَالضُّحَى) (سُورَة الضُّحَى الْآيَة 1 - 2) إِلَى (وَمَا قلى)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد {وَامْرَأَته حمالَة الْحَطب} قَالَ: كَانَت تَأتي بأغصان الشوك تطرحها بِاللَّيْلِ فِي طَرِيق رَسُول الله
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي ذمّ الْغَيْبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد {وَامْرَأَته حمالَة الْحَطب} قَالَ: كَانَت تمشي بالنميمة {فِي جيدها حَبل من مسد} من نَار
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة {وَامْرَأَته حمالَة الْحَطب} قَالَ: كَانَت تنقل الْأَحَادِيث من بعض النَّاس إِلَى بعض {فِي جيدها حَبل} قَالَ: عُنُقهَا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن {حمالَة الْحَطب} قَالَ: كَانَت تحمل النميمة فتأتي بهَا بطُون قُرَيْش
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن الْأَنْبَارِي فِي الْمَصَاحِف عَن عُرْوَة بن الزبير {فِي جيدها حَبل من مسد} قَالَ: سلسلة من حَدِيد من نَار ذرعها سَبْعُونَ ذِرَاعا
وَأخرج ابْن الْأَنْبَارِي عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {فِي جيدها حَبل من مسد} قَالَ: من الودع
وَأخرج ابْن جرير وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل وَابْن عَسَاكِر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {وَامْرَأَته حمالَة الْحَطب} قَالَ: كَانَت تحمل الشوك فتطرحه على طَرِيق النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ليعقره وَأَصْحَابه وَيُقَال {حمالَة الْحَطب} نقالة الحَدِيث {حَبل من مسد}(8/667)
قَالَ: هِيَ حبال تكون بِمَكَّة وَيُقَال المسد الْعَصَا الَّتِي تكون فِي البكرة وَيُقَال: المسد قلادة لَهَا من ودع
وَأخرج ابْن عَسَاكِر بِسَنَد فِيهِ الْكُدَيْمِي عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: بعثت ولي أَربع عمومة فَأَما الْعَبَّاس فيكنى بِأبي الْفضل ولولده الْفضل إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وَأما حَمْزَة فيكنى بِأبي يعلى فأعلى الله قدره فِي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَأما عبد الْعُزَّى فيكنى بِأبي لَهب فَأدْخلهُ الله النَّار وألهبها عَلَيْهِ وَأما عبد منَاف فيكنى بِأبي طَالب فَلهُ ولولده المطاولة والرفعة إِلَى يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَابْن عَسَاكِر عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد عَن أَبِيه رَضِي الله عَنهُ قَالَ: مرت درة ابْنة أبي لَهب بِرَجُل فَقَالَ: هَذِه ابْنة عَدو الله أبي لَهب فَأَقْبَلت عَلَيْهِ فَقَالَت ذكر الله أبي لنسابته وشرفه وَترك أَبَاك لجهالته ثمَّ ذكرت للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَخَطب النَّاس فَقَالَ: لَا يؤذين مُسلم بِكَافِر
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عمر وَأبي هُرَيْرَة وعمار بن يَاسر رَضِي الله عَنْهُم قَالُوا: قدمت درة بنت أبي لَهب مهاجرة فَقَالَ لَهَا نسْوَة: أَنْت درة بنت أبي لَهب الَّذِي يَقُول الله: {تبت يدا أبي لَهب} فَذكرت لَك للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَخَطب فَقَالَ: يَا أَيهَا النَّاس مَالِي أوذى فِي أَهلِي فوَاللَّه إِن شَفَاعَتِي لتنال بِقَرَابَتِي حَتَّى إِن حكما وحاء وصدا وسلهبا تنالها يَوْم الْقِيَامَة بِقَرَابَتِي(8/668)
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
111
سُورَة الْإِخْلَاص
مَكِّيَّة وآياتها أَربع
مُقَدّمَة السُّورَة
الْآيَة 1 - 4(8/669)
قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4)
أخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ فِي تَارِيخه وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن جرير وَابْن خُزَيْمَة وَابْن أبي حَاتِم فِي السّنة وَالْبَغوِيّ فِي مُعْجَمه وَابْن الْمُنْذر فِي العظمة وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن أبي بن كَعْب رَضِي الله عَنهُ أَن الْمُشْركين قَالُوا للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يَا مُحَمَّد أنسب لنا رَبك فَأنْزل الله {قل هُوَ الله أحد الله الصَّمد لم يلد وَلم يُولد} لِأَنَّهُ لَيْسَ يُولد شَيْء إِلَّا سيموت وَلَيْسَ شَيْء يَمُوت إِلَّا سيورث وَإِن الله لَا يَمُوت وَلَا يُورث {وَلم يكن لَهُ كفوا أحد} لَيْسَ لَهُ شيبَة وَلَا عدل وَلَيْسَ كمثله شَيْء
وَأخرج ابْن جرير عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ أَن الْمُشْركين قَالُوا يَا رَسُول الله: أخبرنَا عَن رَبك صف لنا رَبك مَا هُوَ وَمن أَي شَيْء هُوَ فَأنْزل الله {قل هُوَ الله أحد الله الصَّمد لم يلد وَلم يُولد وَلم يكن لَهُ كفوا أحد}
وَأخرج ابْن الضريس وَابْن جرير عَن أبي الْعَالِيَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالُوا: انسب لنا رَبك فَأَتَاهُ جِبْرِيل بِهَذِهِ السُّورَة {قل هُوَ الله أحد الله الصَّمد}
وَأخرج أَبُو يعلى وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية وَالْبَيْهَقِيّ بِسَنَد حسن عَن جَابر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِي إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: أنسب لنا رَبك فَأنْزل الله {قل هُوَ الله أحد الله الصَّمد لم يلد وَلم يُولد وَلم يكن لَهُ كفوا أحد}(8/669)
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَت قُرَيْش يارسول الله: أنسب لنا رَبك فَأنْزل الله {قل هُوَ الله أحد}
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ فِي العظمة وَأَبُو بكر السَّمرقَنْدِي فِي فَضَائِل {قل هُوَ الله أحد} عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: جَاءَت يهود خَيْبَر إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالُوا: يَا أَبَا الْقَاسِم خلق الله الْمَلَائِكَة من نور الْحجاب وآدَم من حمإ مسنون وإبليس من لَهب النَّار وَالسَّمَاء من دُخان وَالْأَرْض من زبد المَاء فَأخْبرنَا عَن رَبك فَلم يجبهم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَتَاهُ جِبْرِيل بِهَذِهِ السُّورَة {قل هُوَ الله أحد} لَيْسَ لَهُ عروق تتشعب {الله الصَّمد} لَيْسَ بالأجوف لَا يَأْكُل وَلَا يشرب {لم يلد وَلم يُولد} لَيْسَ لَهُ وَالِد وَلَا ولد ينْسب إِلَيْهِ {وَلم يكن لَهُ كفوا أحد} لَيْسَ من خلقه شَيْء يعدل مَكَانَهُ يمسك السَّمَوَات إِن زالتا هَذِه السُّورَة لَيْسَ فِيهَا ذكر جنَّة وَلَا نَار وَلَا دنيا وَلَا آخِرَة وَلَا حَلَال وَلَا حرَام انتسب الله إِلَيْهَا فَهِيَ لَهُ خَالِصَة من قَرَأَهَا ثَلَاث مَرَّات عدل بِقِرَاءَة الْوَحْي كُله وَمن قَرَأَهَا ثَلَاثِينَ مرّة لم يفضله أحد من أهل الدُّنْيَا يَوْمئِذٍ إِلَّا من زَاد على مَا قَالَ وَمن قَرَأَهَا مِائَتي مرّة أسكن من الفودوس سكناً يرضاه وَمن قَرَأَهَا حِين يدْخل منزله ثَلَاث مَرَّات نفت عَن الْفقر ونفعت الْجَار وَكَانَ رجل يَقْرَأها فِي كل صَلَاة فكأنهم هزئوا بِهِ وعابوا ذَلِك عَلَيْهِ فَقَالُوا لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: وَمَا حملك على ذَلِك قَالَ يَا رَسُول الله: إِنِّي أحبها قَالَ: حبها أدْخلك الْجنَّة
قَالَ: وَبَات رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقْرؤهَا ويرددها حَتَّى أصبح
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية من طَرِيق مُحَمَّد بن حَمْزَة بن يُوسُف بن عبد الله بن سَلام أَن عبد الله بن سَلام رَضِي الله عَنهُ قَالَ لأحبار الْيَهُود: إِنِّي أردْت أَن أحدث بِمَسْجِد أَبينَا إِبْرَاهِيم عهدا فَانْطَلق إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ بِمَكَّة فوافاه بمنى وَالنَّاس حوله فَقَامَ مَعَ النَّاس فَلَمَّا نظر إِلَيْهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَهُ: أَنْت عبد الله بن سَلام قَالَ: نعم قَالَ: أدن فَدَنَا مِنْهُ فَقَالَ: أنْشدك بِاللَّه أما تجدني فِي التَّوْرَاة رَسُول الله فَقَالَ لَهُ: أَنعَت لنا رَبك فجَاء جِبْرِيل فَقَالَ {قل هُوَ الله أحد} إِلَى آخر السُّورَة
فقرأها رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ ابْن سَلام: أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأشْهد أَنَّك رَسُول الله ثمَّ انْصَرف إِلَى الْمَدِينَة وكتم إِسْلَامه
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن عدي وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَن الْيَهُود جَاءَت إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِنْهُم كَعْب بن الْأَشْرَف وَحي بن(8/670)
أَخطب فَقَالُوا يَا مُحَمَّد: صف لنا رَبك الَّذِي بَعثك فَأنْزل الله {قل هُوَ الله أحد الله الصَّمد لم يلد} فَيخرج مِنْهُ الْوَلَد {وَلم يُولد} فَيخرج من شَيْء
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي السّنة عَن الضَّحَّاك قَالَ: قَالَت الْيَهُود يَا مُحَمَّد صف لنا رَبك فَأنْزل الله {قل هُوَ الله أحد الله الصَّمد} فَقَالُوا: أما الْأَحَد فقد عَرفْنَاهُ فَمَا الصَّمد قَالَ: الَّذِي لَا جَوف لَهُ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: أَتَى رَهْط من الْيَهُود النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالُوا لَهُ: يَا مُحَمَّد هَذَا الله خلق الْخلق فَمن خلقه فَغَضب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى انتقع لَونه ثمَّ ساورهم غَضبا لرَبه فَجَاءَهُ جِبْرِيل فسكنه وَقَالَ: اخْفِضْ عَلَيْك جناحك وجاءه من الله جَوَاب مَا سَأَلُوهُ عَنهُ {قل هُوَ الله أحد الله الصَّمد لم يلد وَلم يُولد وَلم يكن لَهُ كفوا أحد} فَلَمَّا تَلَاهَا عَلَيْهِم قَالُوا: صف لنا رَبك كَيفَ خلقه وَكَيف عضده وَكَيف ذراعه فَغَضب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَشد من غَضَبه الأول وساورهم غَضبا فَأَتَاهُ جِبْرِيل فَقَالَ لَهُ مثل مقَالَته وَأَتَاهُ جَوَاب مَا سَأَلُوهُ عَنهُ (وَمَا قدرو الله حق قدره وَالْأَرْض جَمِيعًا قَبضته يَوْم الْقِيَامَة وَالسَّمَوَات مَطْوِيَّات بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يشركُونَ) (سُورَة الزمر الْآيَة 67)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: جَاءَ نَاس من الْيَهُود إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالُوا: أنسب لنا رَبك وَفِي لفظ: صف لنا رَبك فَلم يدر مَا يرد عَلَيْهِم فَنزلت {قل هُوَ الله أحد} حَتَّى ختم السُّورَة
وَأخرج أَبُو عبيد وَأحمد فِي فضائله وَالنَّسَائِيّ فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة وَابْن منيع وَمُحَمّد بن نصر وَابْن مرْدَوَيْه والضياء فِي المختارة عَن أبيّ بن كَعْب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من قَرَأَ {قل هُوَ الله أحد} فكأنهما قَرَأَ ثلث الْقُرْآن
وَأخرج ابْن الضريس وَالْبَزَّار وسمويه فِي قوائده وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن أنس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: من قَرَأَ {قل هُوَ الله اُحْدُ} مِائَتي مرّة غفر لَهُ ذنُوب مِائَتي سنة
وَأخرج أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن الضريس وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ:(8/671)
جَاءَ رجل إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: إِنِّي أحب هَذِه السُّورَة {قل هُوَ الله أحد} فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: حبك إِيَّاهَا أدْخلك الْجنَّة
وَأخرج ابْن الضريس وَأَبُو يعلى وَابْن الْأَنْبَارِي فِي الْمَصَاحِف عَن أنس رضى الله عَنهُ قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: أما يَسْتَطِيع أحدكُم أَن يقْرَأ {قل هُوَ الله أحد} ثَلَاث مَرَّات فِي لَيْلَة فَإِنَّهُمَا تعدل ثلث الْقُرْآن
وَأخرج أَبُو يعلى وَمُحَمّد بن نصر فِي كتاب الصَّلَاة عَن أنس عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من قَرَأَ {قل هُوَ الله أحد} خمسين مرّة غفر لَهُ ذنُوب خمسين سنة
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَأَبُو يعلى وَمُحَمّد بن نصر وَابْن عدي وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب وَاللَّفْظ لَهُ عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من قَرَأَ كل يَوْم مِائَتي مرّة {قل هُوَ الله أحد} كتب الله لَهُ ألفا وَخَمْسمِائة حَسَنَة ومحا عَنهُ ذنُوب خمسين سنة إِلَّا أَن يكون عَلَيْهِ دين
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَابْن عدي وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من أَرَادَ أَن ينَام على فرَاشه من اللَّيْل نَام على يَمِينه فَقَرَأَ {قل هُوَ الله أحد} مائَة مرّة فَإِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة يَقُول لَهُ الرب: يَا عَبدِي ادخل على يَمِينك الْجنَّة
وَأخرج ابْن سعد وَابْن الضريس وَأَبُو يعلى وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالشَّام فهبط عَلَيْهِ جِبْرِيل فَقَالَ: يَا مُحَمَّد إِن مُعَاوِيَة بن مُعَاوِيَة الْمُزنِيّ هلك أفتحب أَن تصلي عَلَيْهِ قَالَ: نعم فَضرب بجناحه الأَرْض فتضعضع لَهُ كل شَيْء وَلَزِقَ بِالْأَرْضِ وَرفع لَهُ سَرِيره فصلى عَلَيْهِ فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أَي شَيْء أَتَى مُعَاوِيَة هَذَا الْفضل صلى عَلَيْهِ صفان من الْمَلَائِكَة فِي كل صف سِتّمائَة ألف ملك
قَالَ: بِقِرَاءَة {قل هُوَ الله أحد} كَانَ يقْرؤهَا قَائِما وَقَاعِدا وجالساً وذاهباً ونائماً
وَأخرج ابْن سعد وَابْن الضريس وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل والشعب من وَجه آخر عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بتبوك فطلعت الشَّمْس ذَات يَوْم بضياء وشعاع وَنور لم نرها قبل ذَلِك فِيمَا مضى فَجعل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يعجب من ضيائها ونورها إِذْ أَتَاهُ جِبْرِيل فَسَأَلَ جِبْرِيل: مَا للشمس طلعت لَهَا نور وضياء وشعاع لم أرها طلعت فِيمَا مضى قَالَ: ذَاك أَن مُعَاوِيَة بن مُعَاوِيَة اللَّيْثِيّ مَاتَ(8/672)
بِالْمَدِينَةِ الْيَوْم فَبعث الله إِلَيْهِ سبعين ألف ملك يصلونَ عَلَيْهِ
قَالَ: بِمَ ذَاك يَا جِبْرِيل قَالَ: كَانَ يكثر {قل هُوَ الله أحد} قَائِما وَقَاعِدا وماشياً وآناء اللَّيْل وَالنَّهَار استكثر مِنْهَا فَإِنَّهَا نِسْبَة ربكُم وَمن قَرَأَهَا خمسين مرّة رفع الله لَهُ خمسين ألف دَرَجَة وَحط عَنهُ خمسين ألف سَيِّئَة وَكتب لَهُ خمسين ألف حَسَنَة وَمن زَاد زَاد الله لَهُ
قَالَ جِبْرِيل: فَهَل لَك أَن أَقبض الأَرْض فَتُصَلِّي عَلَيْهِ قَالَ: نعم فصلى عَلَيْهِ
وَأخرج ابْن عدي وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن أنس رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: من قَرَأَ {قل هُوَ الله اُحْدُ} مِائَتي مرّة غفر لَهُ خَطِيئَة خمسين سنة إِذا اجْتنبت أَربع خِصَال: الدِّمَاء وَالْأَمْوَال والفروج والأشربة
وَأخرج ابْن عدي وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن أنس رَضِي الله عَنهُ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: من قَرَأَ {قل هُوَ الله أحد} على طَهَارَة مائَة مرّة كطهارة الصَّلَاة يبْدَأ بِفَاتِحَة الْكتاب كتب الله لَهُ بِكُل حرف عشر حَسَنَات ومحا عَنهُ عشر سيئات وَرفع لَهُ عشر دَرَجَات وَبنى لَهُ مائَة قصر فِي الْجنَّة وكأنما قَرَأَ الْقُرْآن ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ مرّة وَهِي بَرَاءَة من الشّرك ومحضرة للْمَلَائكَة ومنفرة للشياطين وَلها دويّ حول الْعَرْش تذكر بصاحبها حَتَّى ينظر الله إِلَيْهِ وَإِذا نظر إِلَيْهِ لم يعذبه أبدا
وَأخرج أَبُو يعلى عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ثَلَاث من جَاءَ بِهن مَعَ الإِيمان دخل من أَي أَبْوَاب الْجنَّة شَاءَ وَزوج من الْحور الْعين حَيْثُ شَاءَ: من عَفا عَن قَاتله وَأدّى دينا خفِيا وَقَرَأَ فِي دبر كل صَلَاة مَكْتُوبَة عشر مَرَّات {قل هُوَ الله أحد} فَقَالَ أَبُو بكر: أَو إِحْدَاهُنَّ يَا رَسُول الله قَالَ: أَو إِحْدَاهُنَّ
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط بِسَنَد فِيهِ مَجْهُول عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من قَرَأَ {قل هُوَ الله أحد} فِي كل يَوْم خمسين مرّة نُودي يَوْم الْقِيَامَة من قَبره: قُم مادح الله فَأدْخل الْجنَّة
وَأخرج أَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن جَابر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من نسي أَن يُسَمِّي على طَعَامه فليقرأ {قل هُوَ الله أحد} إِذا فرغ
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن جرير البَجلِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من قَرَأَ {قل هُوَ الله أحد} حِين يدْخل منزله نفت الْفقر من أهل ذَلِك الْمنزل وَالْجِيرَان(8/673)
وَأخرج الْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ فِي الصَّغِير عَن سعد بن أبي وَقاص قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من قَرَأَ {قل هُوَ الله أحد} فَكَأَنَّمَا قَرَأَ ثلث الْقُرْآن وَمن قَرَأَ (قل يَا أَيهَا الْكَافِرُونَ) (سُورَة الْكَافِرُونَ) فَكَأَنَّمَا قَرَأَ ربع الْقُرْآن
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية بِسَنَد ضَعِيف عَن عبد الله بن الشتخير قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من قَرَأَ {قل هُوَ الله أحد} فِي مَرضه الَّذِي يَمُوت فِيهِ لم يفتن فِي قَبره وامن من فتنه الْقَبْر وَحَمَلته الْمَلَائِكَة يَوْم الْقِيَامَة بأكفها حَتَّى تجيزه الصِّرَاط إِلَى الْجنَّة
وَأخرج أَبُو عبيد فِي فضائله عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: {قل هُوَ الله أحد} ثلث الْقُرْآن
وَأخرج ابْن الضريس وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عمر قَالَ: صلى بِنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَات يَوْم فِي سفر فَقَرَأَ فِي الرَّكْعَة الأولى {قل هُوَ الله أحد} وَفِي الثَّانِيَة (قل يَا أَيهَا الْكَافِرُونَ) فَلَمَّا سلم قَالَ: قَرَأت بكم ثلث الْقُرْآن وربعه
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن أبي أُمَامَة قَالَ: أَتَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جِبْرِيل وَهُوَ بتبوك فَقَالَ: يَا مُحَمَّد اشْهَدْ جَنَازَة مُعَاوِيَة بن مُعَاوِيَة الْمُزنِيّ فَخرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَنزل جِبْرِيل فِي سبعين ألفا من الْمَلَائِكَة فَوضع جنَاحه الْأَيْمن على الْجبَال فتواضعت وَوضع جنَاحه الْأَيْسَر على الْأَرْضين فتواضعت حَتَّى نظر إِلَى مَكَّة وَالْمَدينَة فصلى عَلَيْهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَجِبْرِيل وَالْمَلَائِكَة فَلَمَّا فرغ قَالَ يَا جِبْرِيل: مَا بلغ مُعَاوِيَة بن مُعَاوِيَة الْمُزنِيّ هَذِه الْمنزلَة قَالَ: بقرائته {قل هُوَ الله أحد} قَائِما وَقَاعِدا وراكباً وماشياً
وَأخرج ابْن الضريس عَن سعيد بن الْمسيب قَالَ: كَانَ رجل من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُقَال لَهُ مُعَاوِيَة فَخرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي غَزْوَة تَبُوك وَهُوَ مَرِيض ثقيل فَسَار رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عشرَة أَيَّام ثمَّ لقِيه جِبْرِيل فَقَالَ: إِن مُعَاوِيَة بن مُعَاوِيَة توفّي فَحزن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: أَيَسُرُّك أَن أريك قَبره قَالَ: نعم فَضرب بجناحه الأَرْض فَلم يبع جبل إِلَّا انخفض حَتَّى أبدى الله قَبره فَكبر رَسُول الله صلى(8/674)
الله عَلَيْهِ وَسلم وَجِبْرِيل عَن يَمِينه وصفوف الْمَلَائِكَة سبعين ألفا حَتَّى إِذا فرغ من صلَاته قَالَ: يَا جِبْرِيل بِمَ نزل مُعَاوِيَة بن مُعَاوِيَة من الله بِهَذِهِ الْمنزلَة قَالَ: ب {قل هُوَ الله أحد} كَانَ يَقْرَأها قَائِما وَقَاعِدا وماشياً ونائماً وَلَقَد كنت أَخَاف على أمتك حَتَّى نزلت هَذِه السُّورَة فِيهَا
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن أبي أُمَامَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من قَرَأَ آيَة الْكُرْسِيّ و {قل هُوَ الله أحد} دبر كل صَلَاة مَكْتُوبَة لم يمنعهُ من دُخُول الْجنَّة إِلَّا الْمَوْت
وَأخرج ابْن النجار فِي تَارِيخ بَغْدَاد من طَرِيق مجاشع بن عَمْرو أحد الْكَذَّابين عَن يزِيد الرقاشِي قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: جَاءَنِي جِبْرِيل فِي أحسن صُورَة ضَاحِكا مُسْتَبْشِرًا فَقَالَ: يَا مُحَمَّد الْعلي الْأَعْلَى يقرؤك السَّلَام وَيَقُول: إِن لكل شَيْء نسبا ونسبتي {قل هُوَ الله أحد} فَمن أَتَانِي من أمتك قَارِئًا ب {قل هُوَ الله أحد} ألف مرّة من دهره ألزمهُ دَاري [] واقامة عَرْشِي وشفعته فِي سبعين مِمَّن وَجَبت عُقُوبَته وَلَوْلَا أَنِّي آلَيْت على نَفسِي كل نفس ذائقة الْمَوْت لما قبضت روحه
وَأخرج ابْن النجار فِي تَارِيخه عَن عَليّ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: من أَرَادَ سفرا فَأخذ بِعضَادَتَيْ منزله فَقَرَأَ إِحْدَى عشرَة مرّة {قل هُوَ الله أحد} كَانَ الله لَهُ حارساً حَتَّى يرجع
وَأخرج ابْن النجار عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من صلى بعد الْمغرب رَكْعَتَيْنِ قبل أَن ينْطق مَعَ أحد يقْرَأ فِي الأولى بِالْحَمْد و (قل يَا أَيهَا الْكَافِرُونَ) وَفِي الرَّكْعَة الثَّانِيَة بِالْحَمْد و {قل هُوَ الله أحد} خرج من ذنُوبه كَمَا تخرج الْحَيَّة من سلخها
وَأخرج ابْن السّني فَيعْمل الْيَوْم اللَّيْلَة عَن عَائِشَة قَالَت: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من قَرَأَ بعد صَلَاة الْجُمُعَة {قل هُوَ الله أحد} و (قل أعوذ بِرَبّ الفلق) (سُورَة الفلق) و (قل أعوذ بِرَبّ النَّاس) (سُورَة النَّاس) سبع مَرَّات أَعَاذَهُ الله بهَا من السوء إِلَى الْجُمُعَة الْأُخْرَى
وَأخرج الْحَافِظ أَبُو مُحَمَّد الْحسن بن أَحْمد السَّمرقَنْدِي فِي فَضَائِل {قل هُوَ الله أحد}(8/675)
عَن إِسْحَق بن عبد الله بن أبي فَرْوَة قَالَ: بلغنَا أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: من قَرَأَ {قل هُوَ الله أحد} فَكَأَنَّمَا قَرَأَ ثلث الْقُرْآن وَمن قَرَأَهَا عشر مَرَّات بنى الله لَهُ قصرا فِي الْجنَّة فَقَالَ أَبُو بكر إِذن نَسْتَكْثِر يَا رَسُول الله فَقَالَ: الله أَكثر وَأطيب رددها مرَّتَيْنِ
وَأخرج أَيْضا عَن ابْن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من قَرَأَ {قل هُوَ الله أحد} فَكَأَنَّمَا قَرَأَ ثلث الْقُرْآن وَمن قَرَأَ {قل هُوَ الله أحد} مرَّتَيْنِ فَكَأَنَّمَا قَرَأَ ثُلثي الْقُرْآن وَمن قَرَأَ {قل هُوَ الله أحد} ثَلَاث مَرَّات فَكَأَنَّمَا قَرَأَ جَمِيع مَا أنزل الله
وَأخرج أَيْضا عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من قَرَأَ {قل هُوَ الله أحد} مرّة بورك عَلَيْهِ وَمن قَرَأَهَا مرَّتَيْنِ بورك عَلَيْهِ وعَلى أهل بَيته وَمن قَرَأَهَا ثَلَاث مَرَّات بورك عَلَيْهِ وعَلى أهل بَيته وجيرانه وَمن قَرَأَهَا اثْنَتَيْ عشرَة مرّة بنى الله لَهُ فِي الْجنَّة اثْنَي عشر قصراً
وَمن قَرَأَهَا عشْرين مرّة كَانَ مَعَ النَّبِيين هَكَذَا وَضم الْوُسْطَى وَالَّتِي تَلِيهَا الابهام وَمن قَرَأَهَا عشْرين مرّة كَانَ مَعَ النَّبِيين هَكَذَا وَضم الْوُسْطَى وَالَّتِي تَلِيهَا الابهام وَمن قَرَأَهَا مائَة مرّة غفر الله لَهُ ذنُوب خمس وَعشْرين سنة إِلَّا الدّين وَالدَّم وَمن قَرَأَهَا مِائَتي مرّة غفرت لَهُ ذنُوب خمسين سنة وَمن قَرَأَهَا أَرْبَعمِائَة مرّة كَانَ لَهُ أجر أَرْبَعمِائَة شَهِيد كل عقر جَوَاده وَأُهْرِيقَ دَمه وَمن قَرَأَهَا ألف مرّة لم يمت حَتَّى يرى مَقْعَده من الْجنَّة أَو يرى لَهُ
وَأخرج أَيْضا عَن النُّعْمَان بن بشير قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من قَرَأَ {قل هُوَ الله أحد} مرّة فَكَأَنَّمَا قَرَأَ ثلث الْقُرْآن وَمن قَرَأَهَا مرَّتَيْنِ فَكَأَنَّمَا قَرَأَ ثُلثي الْقُرْآن وَمن قَرَأَهَا ثَلَاثًا فَكَأَنَّمَا قَرَأَ الْقُرْآن ارتجالاً
وَأخرج أَيْضا عَن أنس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: من قَرَأَ {قل هُوَ الله أحد} ألف مرّة كَانَت أحب إِلَى الله من ألف ملجمة مسرجة فِي سَبِيل الله
وَأخرج أَيْضا عَن كَعْب الْأَحْبَار قَالَ: ثَلَاثَة ينزلون من الْجنَّة حَيْثُ شاؤوا الشَّهِيد وَرجل قَرَأَ فِي كل يَوْم {قل هُوَ الله أحد} مِائَتي مرّة
وَأخرج أَيْضا عَن كَعْب الْأَحْبَار قَالَ: من واظب على قِرَاءَة {قل هُوَ الله أحد} وَآيَة الْكُرْسِيّ عشر مَرَّات من ليل أَو نَهَار اسْتوْجبَ رضوَان الله الْأَكْبَر وَكَانَ مَعَ أنبيائه وعصم من الشَّيْطَان
وَأخرج أَيْضا من طَرِيق دِينَار عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من قَرَأَ {قل هُوَ الله أحد} ألف مرّة فقد اشْترى نَفسه من الله وَهُوَ من خَاصَّة الله(8/676)
وَأخرج أَيْضا من طَرِيق نعيم عَن أنس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: من قَرَأَ {قل هُوَ الله أحد} ثَلَاثِينَ مرّة كتب الله لَهُ بَرَاءَة من النَّار وأماناً من الْعَذَاب والأمان يَوْم الْفَزع الْأَكْبَر
وَأخرج أَيْضا عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من أَتَى منزله فَقَرَأَ (الْحَمد لله) (سُورَة الْفَاتِحَة) و {قل هُوَ الله أحد} نفى الله عَنهُ الْفقر وَكثر خير بَيته حَتَّى يفِيض على جِيرَانه
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ أَيْضا من طَرِيق أبي بكر البردعي: حَدثنَا أَبُو زرْعَة وَأَبُو حَاتِم قَالَا: حَدثنَا عِيسَى بن أبي فَاطِمَة رازي ثِقَة قَالَ: سَمِعت أنس بن مَالك يَقُول: إِذا نقر فِي الناقور اشْتَدَّ غضب الرَّحْمَن فتنزل الْمَلَائِكَة فَيَأْخُذُونَ بأقطار الأَرْض فَلَا يزالون يقرؤون {قل هُوَ الله أحد} حَتَّى يسكن غَضَبه
وَأخرج إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد الخيارجي فِي فَوَائده عَن حُذَيْفَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من قَرَأَ {قل هُوَ الله أحد} ألف مرّة فقد اشْترى نَفسه من الله
وَأخرج ابْن النجار فِي تَارِيخه عَن كَعْب بن عجْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من قَرَأَ فِي لَيْلَة أَو يَوْم {قل هُوَ الله أحد} ثَلَاث مَرَّات كَانَ مِقْدَار الْقُرْآن
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من قَرَأَ {قل هُوَ الله أحد} إِحْدَى عشرَة مرّة بنى الله لَهُ قصرا فِي الْجنَّة فَقَالَ عمر: وَالله يَا رَسُول الله إِذن نَسْتَكْثِر من الْقُصُور فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: فَالله أَمن وَأفضل أَو قَالَ: أَمن وأوسع
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَالنَّسَائِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن عَائِشَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعث رجلا على سَرِيَّة فَكَانَ يقْرَأ لأَصْحَابه فِي صلَاتهم فيختم: ب {قل هُوَ الله أحد} فَلَمَّا رجعُوا ذكرُوا ذَلِك لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: سلوه لأي شَيْء يصنع ذَلِك فَسَأَلُوهُ فَقَالَ: لِأَنَّهَا صفة الرَّحْمَن فانا أحب أَن أقرأها
فَأتوا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأخبروه فَقَالَ: أَخْبرُوهُ أَن الله تَعَالَى يُحِبهُ
وَأخرج ابْن الضريس عَن الرّبيع بن خَيْثَم قَالَ: سُورَة من كتاب الله يَرَاهَا النَّاس قَصِيرَة وأراها عَظِيمَة طَوِيلَة يحب الله محبها لَيْسَ لَهَا خلط فَأَيكُمْ قَرَأَهَا فَلَا يجمعن(8/677)
إِلَيْهَا شَيْئا اسْتِقْلَالا بهَا فَإِنَّهَا تُجزئه
وَأخرج ابْن الضريس عَن أنس قَالَ: قَالَ رجل لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن لي أَخا قد حبب إِلَيْهِ قِرَاءَة {قل هُوَ الله أحد} فَقَالَ: بشر أَخَاك بِالْجنَّةِ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة وَابْن ماجة وَابْن الضريس عَن بُرَيْدَة قَالَ: دخلت مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَسْجِد ويدي فِي يَده فَإِذا رجل يُصَلِّي يَقُول: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك بأنك أَنْت الله لَا إِلَه إِلَّا نت الْوَاحِد الْأَحَد الصَّمد الَّذِي لم يلد وَلم يُولد وَلم يكن لَهُ كفوا أحد فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لقد دَعَا الله باسمه الْأَعْظَم الَّذِي إِذا سُئِلَ بِهِ أعْطى وَإِذا دعِي بِهِ أجَاب
وَأخرج ابْن الضريس عَن الْحسن قَالَ: من قَرَأَ {قل هُوَ الله أحد} مِائَتي مرّة كَانَ لَهُ من الْأجر عبَادَة خَمْسمِائَة سنة
وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ فِي الْأَفْرَاد والخطيب فِي تَارِيخه عَن أنس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا اشْتَكَى قَرَأَ على نَفسه ب {قل هُوَ الله أحد}
وَأخرج ابْن النجار فِي تَارِيخه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من قَرَأَ {قل هُوَ الله أحد} دبر كل صَلَاة مَكْتُوبَة عشر مَرَّات أوجب الله لَهُ رضوانه ومغفرته
وَأخرج أَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن أبي غَالب مولى خَالِد بن عبد الله قَالَ: قَالَ عمر ذَات لَيْلَة قبيل الصُّبْح يَا أَبَا غَالب أَلا تقوم فَتُصَلِّي وَلَو تقْرَأ بِثلث الْقُرْآن فَقلت: قد دنا الصُّبْح فَكيف أَقرَأ بِثلث الْقُرْآن فَقَالَ: إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن سُورَة الإِخلاص {قل هُوَ الله أحد} تعدل ثلث الْقُرْآن
وَأخرج الْعقيلِيّ عَن رَجَاء الغنوي قَالَ: قَالَ: رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من قَرَأَ {قل هُوَ الله أحد} ثَلَاث مرار فَكَأَنَّمَا قَرَأَ الْقُرْآن أجمع
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن عَليّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من صلى صَلَاة الْغَدَاة ثمَّ لم يتَكَلَّم حَتَّى قَرَأَ {قل هُوَ الله أحد} عشر مَرَّات لم يُدْرِكهُ ذَلِك الْيَوْم ذَنْب وأجير من الشَّيْطَان
وَأخرج الديلمي بِسَنَد واهٍ عَن الْبَراء بن عَازِب مَرْفُوعا: من قَرَأَ {قل هُوَ الله أحد} مائَة بعد صَلَاة الْغَدَاة قبل أَن يكلم أحدا رفع لَهُ ذَلِك الْيَوْم عمل خمسين صديقا(8/678)
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن عَليّ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين زوجه فَاطِمَة دَعَا بِمَاء فمجه ثمَّ أدخلهُ مَعَه فرشه فِي جيبه وَبَين كَتفيهِ وعوذه ب {قل هُوَ الله أحد} والمعوّذتين
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: من صلى رَكْعَتَيْنِ فَقَرَأَ فيهمَا {قل هُوَ الله أحد} ثَلَاثِينَ مرّة بنى الله لَهُ ألف قصر من ذهب فِي الْجنَّة وَمن قَرَأَهَا فِي غير صَلَاة بنى الله لَهُ مائَة قصر فِي الْجنَّة وَمن قَرَأَهَا فِي صَلَاة كَانَ أفضل من ذَلِك وَمن قَرَأَهَا إِذا دخل إِلَى أَهله أصَاب أَهله وجيرانه مِنْهَا خير
وَأخرج أَحْمد عَن عبد الله بن عَمْرو أَن أَبَا أَيُّوب كَانَ فِي مجْلِس وَهُوَ يَقُول: أَلا يَسْتَطِيع أحدكُم أَن يقوم بِثلث الْقُرْآن كل لَيْلَة قَالُوا: وَهل يَسْتَطِيع ذَلِك أحد قَالَ: فَإِن {قل هُوَ الله أحد} ثلث القرأن فجَاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ يسمع أَبَا أَيُّوب فَقَالَ: صدق أَبُو أَيُّوب
وَأخرج ابْن الضريس وَالْبَزَّار وَمُحَمّد بن نصر وَالطَّبَرَانِيّ بِسَنَد صَحِيح عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَيعْجزُ أحدكُم أَن يقْرَأ كل لَيْلَة ثلث الْقُرْآن قَالُوا: وَمن يُطيق ذَلِك قَالَ: بلَى {قل هُوَ الله أحد} تعدل بِثلث الْقُرْآن
وَأخرج أَحْمد وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن السّني بِسَنَد ضَعِيف عَن معَاذ بن أنس الْجُهَنِيّ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: من قَرَأَ {قل هُوَ الله أحد} حَتَّى يختمها عشر مَرَّات بنى الله لَهُ قصر فِي الْجنَّة فَقَالَ لَهُ عمر: إِذا نَسْتَكْثِر يَا رَسُول الله
قَالَ: الله أَكثر وَأطيب
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن مرْدَوَيْه عَن معَاذ بن جبل قَالَ: غزونا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَبُوك فَلَمَّا كَانَ بِبَعْض الْمنَازل صلى بِنَا صَلَاة الْفجْر فَقَرَأَ فِي أول رَكْعَة بِفَاتِحَة الْكتاب و {قل هُوَ الله أحد} وَفِي الثَّانِيَة ب (قل أعوذ بِرَبّ الفلق) فَلَمَّا سلم قَالَ: مَا قَرَأَ رجل فِي صَلَاة بسورتين أبلغ مِنْهُمَا وَلَا أفضل
وَأخرج مُحَمَّد بن نصر وَالطَّبَرَانِيّ بِسَنَد جيد عَن معَاذ بن جبل قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: {قل هُوَ الله أحد} تعدل بِثلث الْقُرْآن
وَأخرج أَبُو عبيد وَأحمد وَالْبُخَارِيّ فِي التَّارِيخ وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه وَالنَّسَائِيّ وَابْن الضريس وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن أبي أَيُّوب الْأنْصَارِيّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ:(8/679)
أَيعْجزُ أحدكُم أَن يقْرَأ ثلث الْقُرْآن فِي لَيْلَة فَلَمَّا رأى أَنه قد شقّ عَلَيْهِم قَالَ: من قَرَأَ {قل هُوَ الله أحد الله الصَّمد} فِي لَيْلَة فقد قَرَأَ ليلتئذ ثلث الْقُرْآن
وَأخرج أَحْمد وَالطَّبَرَانِيّ عَن أبي أُمَامَة قَالَ: مر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِرَجُل يقْرَأ {قل هُوَ الله أحد} فَقَالَ: أوجب لهَذَا الْجنَّة
وَأخرج أَبُو عبيد وَأحمد وَمُسلم وَابْن الضريس وَالنَّسَائِيّ عَن أبي الدَّرْدَاء أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: أَيعْجزُ أحدكُم أَن يقْرَأ كل يَوْم ثلث الْقُرْآن قَالُوا: نَحن أَضْعَف من ذَاك
وأعجز قَالَ: فَإِن الله جزأ الْقُرْآن ثَلَاثَة أَجزَاء فَقَالَ: {قل هُوَ الله أحد} ثلث الْقُرْآن
وَأخرج مَالك وَأحمد وَالْبُخَارِيّ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن الضريس وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ أَنه سمع رجلا يقْرَأ {قل هُوَ الله أحد} يُرَدِّدهَا فَلَمَّا أصبح جَاءَ إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذكر ذَلِك لَهُ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ إِنَّهَا لتعدل ثلث الْقُرْآن
وَأخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ وَابْن الضريس عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأَصْحَابه: أَيعْجزُ أحدكُم أَن يقْرَأ ثلث الْقُرْآن فِي لَيْلَة فشق ذَلِك عَلَيْهِم وَقَالُوا: أَيّنَا يُطيق ذَلِك فَقَالَ: الله الْوَاحِد الصَّمد ثلث الْقُرْآن
وَأخرج أَحْمد عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: بَات قَتَادَة بن النُّعْمَان يقْرَأ اللَّيْل كُله ب {قل هُوَ الله أحد} فَذكر ذَلِك للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ إِنَّهَا لتعدل نصف الْقُرْآن أَو ثلثه
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه من طَرِيق أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: أَخْبرنِي قَتَادَة بن النُّعْمَان أَن رجلا قَامَ فِي زمن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَرَأَ {قل هُوَ الله أحد} السُّورَة كلهَا يُرَدِّدهَا لَا يزِيد عَلَيْهَا فَلَمَّا أَصْبَحْنَا أخبر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: إِنَّهَا لتعدل ثلث الْقُرْآن
وَأخرج أَحْمد وَأَبُو عبيد وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَابْن الضريس عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: {قل هُوَ الله أحد} تعدل ثلث الْقُرْآن
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الصَّغِير وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب بِسَنَد ضَعِيف عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من قَرَأَ {قل هُوَ الله أحد} بعد صَلَاة الصُّبْح اثْنَي عشرَة مرّة فَكَأَنَّمَا قَرَأَ الْقُرْآن أَربع مَرَّات وَكَانَ أفضل أهل الأَرْض يَوْمئِذٍ إِذا اتَّقى(8/680)
وَأخرج أَحْمد وَابْن الضريس وَالنَّسَائِيّ وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب بِسَنَد صَحِيح عَن أم كُلْثُوم بنت عقبَة بن أبي معيط: أَن رَسُول الله سُئِلَ عَن {قل هُوَ الله أحد} قَالَ: ثلث الْقُرْآن أَو تعدله
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور عَن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر قَالَ: سمع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رجلا يقْرَأ {قل هُوَ الله أحد} ويرتل فَقَالَ لَهُ: سل تعط
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الضريس عَن عَليّ قَالَ: من قَرَأَ {قل هُوَ الله أحد} عشر مرَارًا بعد الْفجْر وَفِي لفظ فِي دبر الْغَدَاة لم يلْحق بِهِ ذَلِك الْيَوْم ذَنْب وَإِن جهد الشَّيْطَان
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الضريس عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: من صلى رَكْعَتَيْنِ بعد الْعشَاء فَقَرَأَ فِي كل رَكْعَة بِفَاتِحَة الْكتاب وَخمْس عشرَة مرّة {قل هُوَ الله أحد} بنى الله لَهُ قَصْرَيْنِ فِي الْجنَّة يتراآهما أهل الْجنَّة
وَأخرج ابْن الضريس عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من صلى رَكْعَتَيْنِ بعد عشَاء الْآخِرَة يقْرَأ فِي كل رَكْعَة بِفَاتِحَة الْكتاب وَعشْرين مرّة {قل هُوَ الله أحد} بنى الله لَهُ قَصْرَيْنِ فِي الْجنَّة يتراآهما أهل الْجنَّة
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الضريس عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: من قَرَأَ {قل هُوَ الله اُحْدُ} مِائَتي مرّة فِي أَربع رَكْعَات فِي كل رَكْعَة خمسين مرّة غفر الله لَهُ ذنُوب مائَة سنة خمسين مُسْتَقْبلَة وَخمسين مستأخرة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة عَن عَائِشَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا أَوَى إِلَى فرَاشه كل لَيْلَة جمع كفيه ثمَّ نفث فيهمَا فَقَرَأَ فيهمَا {قل هُوَ الله أحد} و (قل أعوذ بِرَبّ الفلق) (سُورَة الفلق) و (قل أعوذ بِرَبّ النَّاس) (سُورَة النَّاس) ثمَّ يمسح بهما مَا اسْتَطَاعَ من جسده
يبْدَأ بهما على رَأسه وَوَجهه وَمَا أقبل من جسده يفعل ذَلِك ثَلَاث مَرَّات
وَأخرج ابْن سعد وَعبد بن حميد وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَالنَّسَائِيّ وَعبد الله بن أَحْمد فِي زَوَائِد الزّهْد وَالطَّبَرَانِيّ عَن عبد الله بن حبيب أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَهُ: اقْرَأ {قل هُوَ الله أحد} والمعوّذتين حِين تصبح وَحين تمسي ثَلَاثًا يَكْفِيك من كل شَيْء(8/681)
وَأخرج أَحْمد عَن عقبَة بن عَامر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: يَا عقبَة بن عَامر أَلا أعلمك خير ثَلَاث سور أنزلت فِي التَّوْرَاة والإِنجيل وَالزَّبُور وَالْفرْقَان الْعَظِيم قلت بلَى جعلني الله فداءك قَالَ: فأقرأني {قل هُوَ الله أحد} و (قل أعوذ بِرَبّ الفلق) و (قل أَعُود بِرَبّ النَّاس) قُم قَالَ: يَا عقبَة لَا تنساهن وَلَا تبت لَيْلَة حَتَّى تقرأهن
وَأخرج النَّسَائِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَزَّار بِسَنَد صَحِيح عَن عبد الله بن أنيس الْأَسْلَمِيّ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وضع يَده على صَدره ثمَّ قَالَ لَهُ: قل فَلم أدر مَا أَقُول ثمَّ قَالَ: {قل هُوَ الله أحد} ثمَّ قَالَ لي: قل (أعوذ بِرَبّ الفلق من شَرّ مَا خلق) حَتَّى فرغت مِنْهَا ثمَّ قَالَ لي: (قل أعوذ بِرَبّ النَّاس) حَتَّى فرغت مِنْهَا فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: هَكَذَا فتعوّذ فَمَا تعوّذ المتعوّذون بمثلهن قطّ
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن عَليّ قَالَ: بَينا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَات لَيْلَة يُصَلِّي فَوضع يَده على الأَرْض لدغته عقرب فَتَنَاولهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بنعله فَقَتلهَا فَلَمَّا انْصَرف قَالَ: لعن الله الْعَقْرَب مَا تدع مُصَليا وَلَا غَيره أَو نَبيا أَو غَيره ثمَّ دَعَا بملح وَمَاء بجعله فِي إِنَاء ثمَّ جعل يصبهُ على إصبعه حَيْثُ لدغته ويمسحها ويعوذها بالمعوذتين وَفِي لفظ فَجعل يمسح عَلَيْهَا وَيقْرَأ {قل هُوَ الله أحد} و (قل أعوذ بِرَبّ الفلق) و (قل أعوذ بِرَبّ النَّاس)
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات من طَرِيق عَليّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الصَّمد السَّيِّد الَّذِي قد كمل فِي سؤدده والشريف الَّذِي قد كمل فِي شرفه والعظيم الَّذِي قد كمل فِي عَظمته والحليم الَّذِي قد كمل فِي حلمه والغني الَّذِي قد كمل فِي غناهُ والجبار الَّذِي قد كمل فِي جبروته والعالم الَّذِي قد كمل علمه والحكيم الَّذِي قد كمل فِي حكمته وَهُوَ الَّذِي قد كمل فِي أَنْوَاع الشّرف والسؤدد وَهُوَ الله سُبْحَانَهُ هَذِه صفته لَا تنبغي إِلَّا لَهُ لَيْسَ كفو وَلَيْسَ كمثله شَيْء
وَأخرج ابْن الضريس وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة وَابْن جرير عَن كَعْب قَالَ: إِن الله تَعَالَى ذكره أسس السَّمَوَات السَّبع وَالْأَرضين السَّبع على هَذِه السُّورَة {قل هُوَ الله أحد الله الصَّمد لم يلد وَلم يُولد وَلم يكن لَهُ كفوا أحد} وَإِن الله لم يُكَافِئهُ أحد من خَلفه(8/682)
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
113
سُورَة الفلق
مَكِّيَّة وآياتها خمس
مُقَدّمَة السُّورَة
الْآيَة 1 - 5(8/683)
قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1) مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ (2) وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ (3) وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ (4) وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ (5)
أخرج أَحْمد وَالْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه من طرق صَحِيحَة عَن ابْن عَبَّاس وَابْن مَسْعُود أَنه كَانَ يحك المعوّذتين من الْمُصحف وَيَقُول: لَا تخلطوا الْقُرْآن بِمَا لَيْسَ مِنْهُ إنَّهُمَا ليستا من كتاب الله إِنَّمَا أَمر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن يتعوّذ بهما وَكَانَ ابْن مَسْعُود لَا يقْرَأ بهما
قَالَ الْبَزَّار: لم يُتَابع ابْن مَسْعُود أحد من الصَّحَابَة وَقد صَحَّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَرَأَ بهما فِي الصَّلَاة وأثبتتا فِي الْمُصحف
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن ابْن مَسْعُود: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سُئِلَ عَن هَاتين السورتين فَقَالَ: قيل لي فَقلت فَقولُوا كَمَا قلت
وَأخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن الضريس وَابْن الْأَنْبَارِي وَابْن حبَان وَابْن مرْدَوَيْه عَن زر بن حُبَيْش قَالَ: أتيت الْمَدِينَة فَلَقِيت أبيّ بن كَعْب فَقلت: يَا أَبَا الْمُنْذر إِنِّي رَأَيْت ابْن مَسْعُود لَا يكْتب المعوذتين فِي مصحفه فَقَالَ: أما وَالَّذِي بعث مُحَمَّدًا بِالْحَقِّ قد سَأَلت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَنْهُمَا وَمَا سَأَلَني عَنْهُمَا أحد مُنْذُ سَأَلته غَيْرك
قَالَ: قيل لي قل فَقلت فَقولُوا فَنحْن نقُول كَمَا قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم(8/683)
وَأخرج مُسَدّد وَابْن مرْدَوَيْه عَن حَنْظَلَة السدُوسِي قَالَ: لعكرمة: إِنِّي أُصَلِّي بِقوم فأقرأ ب {قل أعوذ بِرَبّ الفلق} و (قل أعوذ بِرَبّ النَّاس) فَقَالَ: اقرأبهما فَإِنَّهُمَا من الْقُرْآن
وَأخرج أَحْمد وَابْن الضريس بِسَنَد صَحِيح عَن أبي الْعَلَاء يزِيد بن عبد الله بن الشخير قَالَ: قَالَ رجل: كُنَّا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي سفر وَالنَّاس يعتقبون وَفِي الظّهْر قلَّة فَجَاءَت نزلة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ونزلتي فلحقني فَضرب مَنْكِبي فَقَالَ: {قل أعوذ بِرَبّ الفلق} فَقلت {أعوذ بِرَبّ الفلق} فقرأها رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وقرأتها مَعَه ثمَّ قَالَ: (قل أعوذ بِرَبّ النَّاس) فقرأها رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وقرأتها مَعَه
قَالَ: إِذا أَنْت صليت فاقرأ بهما
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط بِسَنَد حسن عَن ابْن مَسْعُود عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لقد أنزل عليَّ آيَات لم ينزل عَليّ مِثْلهنَّ المعوّذتين
وَأخرج مُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن الضريس وَابْن الْأَنْبَارِي فِي الْمَصَاحِف وَابْن مرْدَوَيْه عَن عقبَة بن عَامر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أنزلت عَليّ اللَّيْلَة آيَات لم أر مِثْلهنَّ قطّ {قل أعوذ بِرَبّ الفلق} و (قل أعوذ بِرَبّ النَّاس)
وَأخرج ابْن الضريس وَابْن الْأَنْبَارِي وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن عقبَة بن عَامر قَالَ: بَينا أَنا أَسِير مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيمَا بَين الْجحْفَة والأبواء إِذا غشينا ريح وظلمة شَدِيدَة فَجعل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يعوذ ب {أعوذ بِرَبّ الفلق} و (أعوذ بِرَبّ النَّاس) وَيَقُول: يَا عقبَة تعوّذ بهما فَمَا تعوذ متعوّذ بمثلهما قَالَ: وسمعته يؤمنا بهما فِي الصَّلَاة
وَأخرج ابْن سعد وَالنَّسَائِيّ وَالْبَغوِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي حَابِس الْجُهَنِيّ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَهُ: يَا أَبَا حَابِس أَلا أخْبرك بِأَفْضَل مَا تعوّذ بِهِ المتعوّذون قَالَ: بلَى يَا رَسُول الله
قَالَ: {قل أعوذ بِرَبّ الفلق} و (قل أعوذ بِرَبّ النَّاس) هما المعوّذتان
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَحسنه وَالنَّسَائِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يتَعَوَّذ من عين الجان وَمن عين الإِنس فَلَمَّا نزلت سُورَة المعوّذتين أَخذ بهما وَترك مَا سوى ذَلِك
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن مَسْعُود أَن نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم(8/684)
كَانَ يكره عشر خِصَال: الصُّفْرَة يَعْنِي الخلوق وتغيير الشيب وجر الإِزار والتختم بِالذَّهَب وَعقد التمائم والرقى إِلَّا بالمعوذات وَالضَّرْب بالكعاب والتبرج بالزينة لغير بَعْلهَا وعزل المَاء [] لغير حلّه وَفَسَاد الصَّبِي غير محرمه
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يكره الرقى إِلَّا بالمعوذات
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عقبَة بن عَامر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إقرؤوا بالمعوذات فِي دبر كل صَلَاة
وَأخرج ابْن أبِي شيبَة وَابْن مرْدَوَيْه عَن عقبَة بن عَامر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا سَأَلَ سَائل وَلَا استعاذ مستعيذ بمثلهما يَعْنِي المعوذتين
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عقبَة بن عَامر قَالَ: قَالَ لي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يَا عقبَة اقْرَأ ب {قل أعوذ بِرَبّ الفلق} و (قل أعوذ بِرَبّ النَّاس) فَإنَّك لن تقْرَأ أبلغ مِنْهُمَا
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أم سَلمَة قَالَت: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من أحب السُّور إِلَى الله {قل أعوذ بِرَبّ الفلق} و (قل أعوذ بِرَبّ النَّاس)
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن معَاذ بن جبل قَالَ: كنت مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي سفر فصلى الغذاة فَقَرَأَ فِيهَا بالمعوذتين ثمَّ قَالَ: يَا معَاذ هَل سَمِعت قلت: نعم
قَالَ: مَا قَرَأَ النَّاس بمثلهن
وَأخرج النَّسَائِيّ وَابْن الضريس وَابْن الْأَنْبَارِي وَابْن مرْدَوَيْه عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: أَخذ مَنْكِبي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: اقْرَأ قلت: مَا أَقرَأ بِأبي أَنْت وَأمي قَالَ: {قل أعوذ بِرَبّ الفلق} ثمَّ قَالَ: اقْرَأ قلت: بِأبي أَنْت وَأمي مَا أَقرَأ: قَالَ: (قل أعوذ بِرَبّ النَّاس) وَلنْ تقْرَأ بِمِثْلِهَا
وَأخرج ابْن سعد عَن يُوسُف بن مُحَمَّد بن ثَابت بن قيس بن شماس أَن ثَابت بن قيس اشْتَكَى فَأَتَاهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ مَرِيض فرقاه بالمعوّذات وَنَفث عَلَيْهِ وَقَالَ: اللَّهُمَّ رب النَّاس اكشف الباس عَن ثَابت بن قيس بن شماس ثمَّ أَخذ تُرَابا من وَادِيهمْ ذَلِك يَعْنِي بطحان فَأَلْقَاهُ فِي مَاء فَسَقَاهُ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الضريس عَن عقبَة بن عَامر الْجُهَنِيّ قَالَ: كنت مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي سفر فَلَمَّا طلع الْفجْر أذن وَأقَام ثمَّ أقامني عَن يَمِينه ثمَّ قَرَأَ(8/685)
بالمعوذتين فَلَمَّا انْصَرف قَالَ: كَيفَ رَأَيْت قلت: قد رَأَيْت يَا رَسُول الله
قَالَ: فاقرأ بهما كلما نمت وَكلما قُمْت
وَأخرج ابْن الْأَنْبَارِي عَن قَتَادَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعقبة بن عَامر: اقْرَأ ب {قل أعوذ بِرَبّ الفلق} و (قل أعوذ بِرَبّ النَّاس) فَإِنَّهُمَا من أحب الْقُرْآن إِلَى الله
وَأخرج الْحَاكِم عَن عقبَة بن عَامر قَالَ: كنت أَقُود برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَاحِلَته فِي السّفر فَقَالَ: يَا عقبَة أَلا أعلمك خير سورتين قرئتهما قلت: بلَى
قَالَ: {قل أعوذ بِرَبّ الفلق} و (قل أعوذ بِرَبّ النَّاس) فَلَمَّا نزل صلى بهما صَلَاة الْغَدَاة ثمَّ قَالَ لَهُ: كَيفَ ترى يَا عقبَة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أنس بن مَالك أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ركب بغلة فحادت بِهِ فحبسها وَأمر رجلا أَن يقْرَأ عَلَيْهَا {قل أعوذ بِرَبّ الفلق من شَرّ مَا خلق} فسكنت وَمَضَت
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: أهْدى النَّجَاشِيّ إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بغلة شهباء فَكَانَ فِيهَا صعوبة فَقَالَ للزبير: اركبها وذللها فَكَأَنَّهَا الزبير اتَّقى فَقَالَ لَهُ: أركبها واقرأ الْقُرْآن
قَالَ: مَا أَقرَأ قَالَ: اقْرَأ {قل أعوذ بِرَبّ الفلق} فوالذي نَفسِي بِيَدِهِ مَا قُمْت تصلي بِمِثْلِهَا
وَأخرج ابْن الْأَنْبَارِي عَن عَائِشَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا اشْتَكَى قَرَأَ على نَفسه المعوذتين وتفل أَو نفث
وَأخرج ابْن الْأَنْبَارِي عَن ابْن عمر قَالَ: إِذا قَرَأت {قل أعوذ بِرَبّ الفلق} فَقل أعوذ بِرَبّ الفلق وَإِذا قَرَأَ ب (قل أعوذ بِرَبّ النَّاس) فَقل: أعوذ بِرَبّ النَّاس
وَأخرج مُحَمَّد بن نصر عَن أبي ضَمرَة عَن أَبِيه عَن جده أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يقْرَأ فِي الرَّكْعَة الثَّانِيَة الَّتِي يُوتر بهَا ب (قل هُوَ الله أحد) والمعوذتين
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن ابْن مَسْعُود أَنه رأى فِي عنق امْرَأَة من أَهله سيراً فِيهِ تمائم فَقَطعه وَقَالَ: إِن آل عبد الله أَغْنِيَاء عَن الشّرك ثمَّ قَالَ: التولة والتمائم والرقى من الشّرك فَقَالَت امْرَأَة: إِن إحدانا لتشتكي رَأسهَا فتسترقى فَإِذا استرقت ظنت أَن ذَلِك قد نَفعهَا فَقَالَ عبد الله إِن الشَّيْطَان يَأْتِي أحداكن فينخس فِي رَأسهَا فَإِذا(8/686)
استرقت حبس فَإِذا لم تسْتَرق نحر فَلَو أَن إحداكن تَدْعُو بِمَاء فتنضحه على رَأسهَا ووجهها ثمَّ تَقول: بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم ثمَّ تقْرَأ (قل هُوَ الله أحد) و {قل أعوذ بِرَبّ الفلق} و (قل أعوذ بِرَبّ النَّاس) نَفعهَا ذَلِك إِن شَاءَ الله
وَأخرج عبد بن حميد فِي مُسْنده عَن زيد بن أسلم قَالَ: سحر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رجل من الْيَهُود فاشتكى فَأَتَاهُ جِبْرِيل فَنزل عَلَيْهِ بالمعوذتين وَقَالَ: إِن رجلا من الْيَهُود سحرك وَالسحر فِي بِئْر فلَان فَأرْسل عليا فجَاء بِهِ فَأمره أَن يحل العقد وَيقْرَأ آيَة فَجعل يقْرَأ وَيحل حَتَّى قَامَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَأَنَّمَا نشط من عقال
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن عَائِشَة قَالَت: كَانَ لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غُلَام يَهُودِيّ يَخْدمه يُقَال لَهُ لبيد بن أعصم فَلم تزل بِهِ يهود حَتَّى سحر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يذوب وَلَا يدْرِي مَا وَجَعه فَبينا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَات لَيْلَة نَائِم إِذا أَتَاهُ ملكان فَجَلَسَ أَحدهمَا عِنْد رَأسه وَالْآخر عِنْد رجلَيْهِ فَقَالَ الَّذِي عِنْد رَأسه للَّذي عِنْد رجلَيْهِ: مَا وَجَعه قَالَ: مطبوب
قَالَ: من طبه قَالَ: لبيد بن أَصمّ
قَالَ: بِمَ طبه قَالَ: بِمشْط ومشاطة وجف طلعة ذكر بِذِي أروان وَهِي تَحت راعوفة الْبِئْر
فَلَمَّا أصبح رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غَدا وَمَعَهُ أَصْحَابه إِلَى الْبِئْر فَنزل رجل فاستخرج جف طلعة من تحب الراعوفة فَإِذا فِيهَا مشط رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمن مشاطة رَأسه وَإِذا تِمْثَال من شمع تِمْثَال رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَإِذا فِيهَا أبر مغروزة وَإِذا وتر فِيهِ إِحْدَى عشرَة عقدَة فَأَتَاهُ جِبْرِيل بالمعوّذتين فَقَالَ: يَا مُحَمَّد {قل أعوذ بِرَبّ الفلق} وَحل عقدَة {من شَرّ مَا خلق} وَحل عقده حَتَّى فرغ مِنْهَا وَحل العقد كلهَا وَجعل لَا ينْزع إبرة إِلَّا يجد لَهَا ألماً ثمَّ يجد بعد ذَلِك رَاحَة فَقيل: يَا رَسُول الله لَو قتلت الْيَهُودِيّ فَقَالَ: قد عافاني الله وَمَا وَرَاءه من عَذَاب الله أَشد فَأخْرجهُ
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَن لبيد بن الأعصم الْيَهُودِيّ سحر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَجعل فِيهِ تمثالاً فِيهِ إِحْدَى عشرَة عقدَة فَأَصَابَهُ من ذَلِك وجع شَدِيد فَأَتَاهُ جِبْرِيل وَمِيكَائِيل يعودانه فَقَالَ مِيكَائِيل يَا جِبْرِيل إِن صَاحبك شَاك
قَالَ أجل
قَالَ: أَصَابَهُ لبيد بن الأعصم الْيَهُودِيّ وَهُوَ فِي بِئْر مَيْمُون فِي كدية تَحت صَخْرَة المَاء
قَالَ: فَمَا وَرَاء ذَلِك قَالَ: تنزح الْبِئْر ثمَّ تقلب الصَّخْرَة فتأخذ الكدية فِيهَا تِمْثَال فِيهِ إِحْدَى عشرَة عقدَة فتحرق فَإِنَّهُ يبرأ بِإِذن الله فَأرْسل إِلَى رَهْط فيهم عمار بن يَاسر فنزح المَاء فوجدوه قد صَار كَأَنَّهُ مَاء(8/687)
الْحِنَّاء ثمَّ قلبت الصَّخْرَة إِذا كدية فِيهَا صَخْرَة فِيهَا تِمْثَال فِيهَا إِحْدَى عشرَة عقدَة فَأنْزل الله يَا مُحَمَّد {قل أعوذ بِرَبّ الفلق} الصُّبْح فانحلت عقدَة {من شَرّ مَا خلق} من الْجِنّ والإِنس فانحلت عقدَة {وَمن شَرّ غَاسِق إِذا وَقب} اللَّيْل وَمَا يَجِيء بِهِ اللَّيْل {وَمن شَرّ النفاثات فِي العقد} السحارت المؤذيات فانحلت {وَمن شَرّ حَاسِد إِذا حسد}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أنس بن مَالك رَضِي الله عَنهُ قَالَ: صنعت الْيَهُود بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شَيْئا فَأَصَابَهُ مِنْهُ وجع شَدِيد فَدخل عَلَيْهِ أَصْحَابه فَخَرجُوا من عِنْده وهم يرَوْنَ أَنه ألم بِهِ فَأَتَاهُ جِبْرِيل بالمعوّذتين فعوّذه بهما قُم قَالَ: بِسم الله أرقيك من كل شَرّ يُؤْذِيك وَمن كل عين وَنَفس حَاسِد الله يشفيك باسم الله أرقيك
أخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عَمْرو بن عبسة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: صلى بِنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَرَأَ {قل أعوذ بِرَبّ الفلق} فَقَالَ: يَا ابْن عبسه أَتَدْرِي مَا الفلق قلت الله وَرَسُوله أعلم
قَالَ: بِئْر فِي جَهَنَّم إِذا سعرت جَهَنَّم فَمِنْهُ تسعر وَإِنَّهَا لتتأذى بِهِ كَمَا يتَأَذَّى بَنو آدم من جَهَنَّم
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عقبَة بن عَامر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ لي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: اقْرَأ {قل أعوذ بِرَبّ الفلق} هَل تَدْرِي مَا الفلق بَاب فِي النَّار إِذا فتح سعرت جَهَنَّم
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه والديلمي عَن عبد الله بن عَمْرو بن العَاصِي رَضِي الله عَنهُ قَالَ: سَأَلت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن قَول الله: {قل أعوذ بِرَبّ الفلق} قَالَ: هُوَ سجن فِي جَهَنَّم يحبس فِيهِ الجبارون والمتكبرون وَإِن جَهَنَّم لتعوذ بِاللَّه مِنْهُ
وَأخرج ابْن جرير عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: الفلق جب فِي جَهَنَّم مغطى
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن زيد بن عَليّ عَن آبَائِهِ قَالَ: الفلق جب فِي قَعْر جَهَنَّم عَلَيْهِ غطاء فَإِذا كشف عَنهُ خرجت مِنْهُ نَار تصيح مِنْهُ جَهَنَّم من شدَّة حر مَا يخرج مِنْهُ
وَأخرج ابْن جريرعن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: الفلق الصُّبْح
وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله تَعَالَى: {قل أعوذ بِرَبّ الفلق} قَالَ: أعوذ بِرَبّ الصُّبْح إِذا انْفَلق(8/688)
عَن ظلمَة اللَّيْل
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم أما سَمِعت زُهَيْر بن أبي سلمى يَقُول: الفارج الهمّ مسدولاً عساكره كَمَا يفرج غم الظلمَة الفلق وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: الفلق الْخلق
وَأخرج أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه عَن عَائِشَة قَالَت: نظر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمًا إِلَى الْقَمَر لما طلع فَقَالَ يَا عَائِشَة اسْتَعِيذِي بِاللَّه من شَرّ هَذَا فَإِن هَذَا الْغَاسِق إِذا وَقب
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله: {وَمن شَرّ غَاسِق إِذا وَقب} قَالَ: النَّجْم هُوَ الْغَاسِق وَهُوَ الثريا
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن زيد فِي قَوْله: {وَمن شَرّ غَاسِق إِذا وَقب} قَالَ: كَانَت الْعَرَب تَقول الْغَاسِق سُقُوط الثريا وَكَانَت الأسقام والطواعين تكْثر عِنْد وُقُوعهَا وترتفع عِنْد طُلُوعهَا
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِذا ارْتَفَعت النُّجُوم رفعت العاهة عَن كل بلد
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَطِيَّة {وَمن شَرّ غَاسِق إِذا وَقب} قَالَ: اللَّيْل إِذا ذهب
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن شهَاب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: الْغَاسِق سُقُوط الثريا والغاسق إِذا وَقب الشَّمْس إِذا غربت
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {وَمن شَرّ غَاسِق إِذا وَقب} قَالَ: اللَّيْل إِذا أقبل
وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس إِن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله: عزَّ وَجل {وَمن شَرّ غَاسِق إِذا وَقب} قَالَ: الْغَاسِق الظلمَة والوقب شدَّة سوَاده إِذا دخل فِي كل شَيْء قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم أما سَمِعت زهيراً يَقُول: ظلت تجوب يداها وَهِي لاهية حَتَّى إِذا جنح الإِظلام والغسق وَقَالَ فِي الوقب:(8/689)
وَقب الْعَذَاب عَلَيْهِم فكأنهم لحقتهم نَار السَّمَاء فأخمدوا وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {غَاسِق إِذا وَقب} قَالَ: اللَّيْل إِذا دخل
أخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {وَمن شَرّ النفاثات} قَالَ: الساحرات
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {النفاثات فِي العقد} قَالَ: مَا خالط السحر من الرقى
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ {النفاثات} قَالَ: السواحر
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {النفاثات فِي العقد} قَالَ: الرقى فِي عقد الْخَيط
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: من عقد عقدَة ثمَّ نفث فِيهَا فقد سحر وَمن سحر فقد أشرك
وَأخرج الْحَاكِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جَاءَهُ يعودهُ فَقَالَ: أَلا أرقيك برقية رقاني بهَا جِبْرِيل قلت بلَى بِأبي أَنْت وَأمي
قَالَ: بِسم الله أرقيك وَالله يشفيك من كل دَاء فِيك {وَمن شَرّ النفاثات فِي العقد وَمن شَرّ حَاسِد إِذا حسد} فرقى بهَا ثَلَاث مَرَّات
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنهُ: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وجد وجعاً فِي رَأسه فَأَبْطَأَ على أَصْحَابه ثمَّ خرج إِلَيْهِم فَقَالَ لَهُ عمر: ماالذي بطأ بك عَنَّا فَقَالَ: وجع وجدته فِي رَأس فهبط عليّ جِبْرِيل فَوضع يَده على رَأْسِي ثمَّ قَالَ: بِسم الله أرقيك من كل شَيْء يُؤْذِيك أَو يصيبك وَمن شَرّ كل ذِي شَرّ معلن أَو مسر وَمن شَرّ الْجِنّ والإِنس {وَمن شَرّ النفاثات فِي العقد وَمن شَرّ حَاسِد إِذا حسد} قَالَ: فبرأت
أخرج ابْن عدي فِي الْكَامِل وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن الْحسن فِي قَوْله: {وَمن شَرّ حَاسِد إِذا حسد} قَالَ: هُوَ أول ذَنْب كَانَ فِي السَّمَاء
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ {وَمن شَرّ حَاسِد إِذا حسد} يَعْنِي الْيَهُود هم حسدة الإِسلام(8/690)
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {وَمن شَرّ حَاسِد إِذا حسد} قَالَ: نفس ابْن آدم وعينه
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {وَمن شَرّ حَاسِد} قَالَ: من شَرّ عينه وَنَفسه
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عبَادَة بن الصَّامِت رَضِي الله عَنهُ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن جِبْرِيل أَتَاهُ وَهُوَ يوعك فَقَالَ: بِسم الله أرقيك من كل شَيْء يُؤْذِيك من حسد حَاسِد وكل عين اسْم الله يشفيك
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن جَابر بن عبد الله أَو عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي الله عَنهُ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اشْتَكَى فَأَتَاهُ جِبْرِيل فَقَالَ: بِسم الله أرقيك من كل شَيْء يُؤْذِيك من كل كَاهِن وحاسد وَالله يشفيك
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إيَّاكُمْ والحسد فَإِن الْحَسَد يَأْكُل الْحَسَنَات كَمَا تَأْكُل النَّار الْحَطب
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن معَاذ بن جبل رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا يحل الدَّرَجَات العلى اللّعان وَلَا منان وَلَا بخيل وَلَا بَاغ وَلَا حسود
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كُنَّا عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جُلُوسًا فَقَالَ: يطلع عَلَيْكُم الْآن من هَذَا الْفَج رجل من أهل الْجنَّة فطلع رجل من الْأَنْصَار تنطف لحيته من وضوئِهِ قد علق نَعْلَيْه فِي يَده الشمَال فَسلم فَلَمَّا كَانَ من الْغَد قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مثل فطلع الرجل مثل مرته الأولى فَلَمَّا كَانَ الْيَوْم الثَّالِث قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مثل مقَالَته أَيْضا فطلع ذَلِك الرجل على مثل حَاله الأول فَلَمَّا قَامَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تبعه عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ: إِنِّي لاحيت أبي فأقسمت أَن لَا أَدخل عَلَيْهِ ثَلَاثًا فَإِن رَأَيْت أَن تأويني إِلَيْك حَتَّى تمْضِي الثَّلَاث فعلت قَالَ: نعم
قَالَ أنس: فَكَانَ عبد الله يحدث أَنه بَات مَعَه ثَلَاث لَيْلًا فَلم يره يقوم إِلَّا لصَلَاة الْفجْر وَإِذا تقلب على فرَاشه ذكر الله وَكبره وَلَا يَقُول إِلَّا خيرا
فَلَمَّا مضى الثَّلَاث لَيَال وكدت احتقر عمله قلت يَا عبد الله: لم يكن بيني وَبَين وَالِدي غضب وَلَا هِجْرَة وَلَكِنِّي سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: يطلع الْآن عَلَيْكُم رجل من أهل الْجنَّة فطلعت أَنْت الثَّلَاث مَرَّات فَأَرَدْت أَن آوي إِلَيْك فَأنْظر مَا عَمَلك فَلم أرك تعْمل كثير عمل فَلَمَّا وليت دَعَاني فَقَالَ: مَا هُوَ إِلَّا مَا(8/691)
رَأَيْت غير أَنِّي لَا أجد فِي نَفسِي غشاً على أحد من الْمُسلمين وَلَا أحسده على خير أعطَاهُ الله إِيَّاه
قَالَ عبد الله: فَهَذِهِ الَّتِي بلغت بك وَهِي الَّتِي لَا تطاق
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن أنس رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: الصَّلَاة نور وَالصِّيَام جنَّة وَالصَّدَََقَة تُطْفِئ الْخَطِيئَة كَمَا يُطْفِئ المَاء النَّار والحسد يَأْكُل الْحَسَنَات كَمَا تَأْكُل النَّار الْحَطب
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبَيْهَقِيّ عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَاد الْفقر أَن يكون كفرا وَكَاد الْحَسَد أَن يغلب الْقدر
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن الْأَصْمَعِي رَضِي الله عَنهُ قَالَ: بَلغنِي أَن الله عز وَجل يَقُول: الْحَاسِد عَدو نعمتي متسخط لقضائي غير رَاض بقسمتي الَّتِي قسمت بَين عبَادي
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن الْحَسَد ليَأْكُل الْحَسَنَات كَمَا تَأْكُل النَّار الْحَطب(8/692)
114
سُورَة النَّاس
مَكِّيَّة وآياتها سِتّ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
الْآيَة 1 - 6(8/693)
قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) مَلِكِ النَّاسِ (2) إِلَهِ النَّاسِ (3) مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ (4) الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (5) مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ (6)
أخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عبد الله بن الزبير رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أنزل بِالْمَدِينَةِ {قل أعوذ بِرَبّ النَّاس}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن الحكم بن عُمَيْر الثمالِي رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: الحذر أَيهَا النَّاس وَإِيَّاكُم والوسواس الخناس فَإِنَّمَا يبلوكم أَيّكُم أحسن عملا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أول مَا يبْدَأ الوسواس من الْوضُوء
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عبد الله بن مُغفل قَالَ: الْبَوْل فِي المغتسل يَأْخُذ مِنْهُ الوسواس
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عبد الله بن مرّة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: مَا وَسْوَسَة بأولع مِمَّن يَرَاهَا تعْمل فِيهِ
وَأخرج أَبُو بكر بن أبي دَاوُد فِي كتاب ذمّ الوسوسة عَن مُعَاوِيَة بن أبي طَلْحَة قَالَ: كَانَ من دُعَاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اللَّهُمَّ: اعمر قلبِي من وسواس ذكرك واطرد عني وسواس الشَّيْطَان(8/693)
أخرج ابْن أبي دَاوُد فِي كتاب ذمّ الوسوسة عَن مُعَاوِيَة فِي قَوْله: {الوسواس الخناس} قَالَ: مثل الشَّيْطَان كَمثل ابْن عرس وَاضع فَمه على فَم الْقلب فيوسوس إِلَيْهِ فَإِذا ذكر الله خنس وَإِن سكت عَاد إِلَيْهِ فَهُوَ {الوسواس الخناس}
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن مكايد الشَّيْطَان وَأَبُو يعلى وَابْن شاهين فِي التَّرْغِيب فِي الذّكر وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن أنس عَن النَّبِي قَالَ: إِن الشَّيْطَان وَاضع خطمه على قلب ابْن آدم فَإِن ذكر الله خنس وَإِن نسي الْتَقم قلبه فَذَلِك {الوسواس الخناس}
وَأخرج ابْن شاهين عَن أنس: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: إِن للوسواس خطماً كخطم الطَّائِر فَإِذا غفل ابْن آدم وضع ذَلِك المنقار فِي أذن الْقلب يوسوس فَإِن ابْن آم ذكر الله نكص وخنس فَلذَلِك سمي {الوسواس الخناس}
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {الوسواس الخناس} قَالَ: الشَّيْطَان جاثم على قلب ابْن آدم فَإِن سَهَا وغفل وسوس وَإِذا ذكر الله خنس
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ والضياء فِي المختارة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: مَا من مَوْلُود يُولد إِلَّا على قلبه الوسواس فَإِذا ذكر الله خنس وَإِذا غفل وسوس فَلذَلِك قَوْله: {الوسواس الخناس}
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن زيد قَالَ: الخناس الَّذِي يوسوس مرّة ويخنس مرّة من الْجِنّ والإِنس وَكَانَ يُقَال شَيْطَان الإِنس أَشد على النَّاس من شَيْطَان الْجِنّ شَيْطَان الْجِنّ يوسوس وَلَا ترَاهُ وَهَذَا يعاينك مُعَاينَة
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن يحيى بن أبي كثير قَالَ: إِن الوسواس لَهُ بَاب فِي صدر ابْن آدم يوسوس مِنْهُ
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن أبي الدُّنْيَا وَابْن الْمُنْذر عَن عُرْوَة بن رُوَيْم أَن عِيسَى ابْن مَرْيَم عَلَيْهِمَا السَّلَام دَعَا ربه أَن يرِيه مَوضِع الشَّيْطَان من ابْن آدم فَجلى لَهُ فَإِذا رَأسه مثل رَأس الْحَيَّة وَاضِعا رَأسه على ثَمَرَة الْقلب فَإِذا ذكر الله خنس وَإِذا لم يذكرهُ وضع رَأسه على ثَمَرَة قلبه فحدثه
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة قَالَ: الوسواس مَحَله على فؤاد الإِنسان وَفِي عينه(8/694)
وَفِي ذكره وَمحله من الْمَرْأَة فِي عينهَا وَفِي فرجهَا إِذا أَقبلت وَفِي دبرهَا إِذا أَدْبَرت هَذِه مجالسه
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله: {من الْجنَّة وَالنَّاس} قَالَ: هما وسواسان فوسواس من الْجنَّة وَهُوَ الْجِنّ ووسواس نفس الإِنسان فَهُوَ قَوْله: {وَالنَّاس}
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {من الْجنَّة وَالنَّاس} قَالَ: إِن من النَّاس شياطين فنعوذ بِاللَّه من شياطين الإِنس وَالْجِنّ
ذكر مَا ورد فِي سُورَة الْخلْع وَسورَة الحفد قَالَ ابْن الضريس فِي فضائله: أخبرنَا مُوسَى بن إِسْمَاعِيل أَنبأَنَا حَمَّاد قَالَ: قَرَأنَا فِي مصحف أبي بن كَعْب: اللَّهُمَّ إِنَّا نستعينك ونستغفرك ونثني عَلَيْك الْخَيْر وَلَا نكفرك ونخلع ونترك من يفجرك قَالَ حَمَّاد: هَذِه الْآن سُورَة وَأَحْسبهُ قَالَ: اللَّهُمَّ إياك نعْبد وَلَك نصلي ونسجد وَإِلَيْك نسعى ونحفد نخشى عذابك وَنَرْجُو رحمتك إِن عذابك بالكفار مُلْحق
وَأخرج ابْن الضريس عَن عبد الله بن عبد الرَّحْمَن عَن أَبِيه قَالَ: صليت خلف عمر بن الْخطاب فَلَمَّا فرغ من السُّورَة الثَّانِيَة قَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّا نستعينك ونستغفرك ونثنين عَلَيْك الْخَيْر كُله وَلَا نكفرك ونخلع ونترك من يفجرك الله إياك نعْبد وَلَك نصلي ونسجد وَإِلَيْك نسعى ونحفد نرجو رحمتك ونخشى عذابك إِن عذابك بالكفار مُلْحق
وَفِي مصحف ابْن عَبَّاس قِرَاءَة أبيّ وَأبي مُوسَى: بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم اللَّهُمَّ إِنَّا نستعينك ونستغفرك ونثني عَلَيْك الْخَيْر وَلَا نكفرك ونخلع ونترك من يفجرك
وَفِي مصحف حجر: اللَّهُمَّ إِنَّا نستعينك وَفِي مصحف ابْن عَبَّاس قِرَاءَة أبيّ وَأبي مُوسَى: اللَّهُمَّ إياك نعْبد وَلَك نصلي ونسجد وَإِلَيْك نسعى ونحفد نخشى عذابك وَنَرْجُو رحمتك إِن عذابك بالكفار مُلْحق
وَأخرج أَبُو الْحسن الْقطَّان فِي المطوّلات عَن أبان بن أبي عَيَّاش قَالَ: سَأَلت أنس بن مَالك عَن الْكَلَام فِي الْقُنُوت فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّا نستعينك ونستغفرك ونثني عَلَيْك الْخَيْر وَلَا نكفرك ونؤمن بك ونترك من يفجرك اللَّهُمَّ إياك نعْبد وَلَك نصلي ونسجد وَإِلَيْك نسعى ونحفد نرجو رحمتك ونخشى عذابك الْجد إِن عذابك بالكفار مُلْحق
قَالَ أنس: وَالله إِن أَنْزَلَتَا إِلَّا من السَّمَاء(8/695)
وَأخرج مُحَمَّد بن نصر والطَّحَاوِي عَن ابْن عَبَّاس أَن عمر بن الْخطاب كَانَ يقنت بالسورتين: اللَّهُمَّ إياك نعْبد واللهم إِنَّا نستعينك
وَأخرج مُحَمَّد بن نصر عَن عبد الرَّحْمَن بن أَبْزَى قَالَ: قنت عمر رَضِي الله عَنهُ بالسورتين
وَأخرج مُحَمَّد بن نصر عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى أَن عمر قنت بِهَاتَيْنِ السورتين الله إِنَّا نستعينك واللهم إياك نعْبد
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن خَالِد بن أبي عمرَان قَالَ: بَيْنَمَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَدْعُو على مُضر إِذْ جَاءَهُ جِبْرِيل فَأَوْمأ إِلَيْهِ أَن اسْكُتْ فَسكت فَقَالَ يَا مُحَمَّد إِن الله لم يَبْعَثك سباباً وَلَا لعاناً وَإِنَّمَا بَعثك رَحْمَة للْعَالمين وَلم يَبْعَثك عذَابا لَيْسَ لَك من الْأَمر شَيْء أَو يَتُوب عَلَيْهِم أَو يعذبهم فَإِنَّهُم ظَالِمُونَ ثمَّ علمه هَذَا الْقُنُوت: اللَّهُمَّ إِنَّا نستعينك ونستغفرك ونؤمن بك ونخضع لَك ونخلع ونترك من يفجرك اللَّهُمَّ إياك نعْبد وَلَك نصلي ونسجد إِلَيْك نسعى ونحفد نرجو رحمتك ونخشى عذابك إِن عذابك الْجد بالكفار مُلْحق
وَأخرج ابْن أبي شيبَة فِي المُصَنّف وَمُحَمّد بن نصر وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن عبيد بن عُمَيْر أَن عمر بن الْخطاب قنت بعد الرُّكُوع فَقَالَ: بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم اللَّهُمَّ إِنَّا نستعينك ونستغفرك ونثني عَلَيْك وَلَا نكفرك ونخلع ونترك من يفجرك بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم اللَّهُمَّ إياك نعْبد وَلَك نصلي ونسجد وَلَك نسعى ونحفد نرجو رحمتك ونخشى عذابك إِن عذابك بالكفار مُلْحق
وَزعم عبيد أَنه بلغه أَنَّهُمَا سورتان من الْقُرْآن فِي مصحف ابْن مَسْعُود
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عبد الْملك بن سُوَيْد الْكَاهِلِي أَن عليا قنت فِي الْفجْر بِهَاتَيْنِ السورتين: اللَّهُمَّ إِنَّا نستعينك ونستغفرك ونثني عَلَيْك وَلَا نكفرك ونخلع ونترك من يفجرك
اللَّهُمَّ إياك نعْبد وَلَك نصلي ونسجد وَإِلَيْك نسعى ونحفد نرجو رحمتك ونخشى عذابك إِن عذابك بالكفار مُلْحق
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَمُحَمّد بن نصر عَن مَيْمُون بن مهْرَان قَالَ: فِي قِرَاءَة أبيّ بن كَعْب: الله إِنَّا نستعينك ونستغفرك ونثني عَلَيْك وَلَا نكفرك ونخلع ونترك من يفجرك الله إياك نعْبد وَلَك نصلي ونسجد وَإِلَيْك نسعى ونحفد نرجو رحمتك ونخشى عذابك إِن عذابك بالكفار مُلْحق(8/696)
وَأخرج مُحَمَّد بن نصر عَن ابْن إِسْحَق قَالَ: قَرَأت فِي مصحف أبيّ بن كَعْب بِالْكتاب الأول الْعَتِيق: بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم (قل هُوَ الله أحد) إِلَى آخرهَا بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم (قل أعوذ بِرَبّ الفلق) إِلَى آخرهَا بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم (قل أعوذ بِرَبّ النَّاس) إِلَى آخرهَا بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم: اللَّهُمَّ إِنَّا نستعينك ونستغفرك ونثني عَلَيْك الْخَيْر وَلَا نكفرك ونخلع ونترك من يفجرك
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم: اللَّهُمَّ إياك نعْبد وَلَك نصلي ونسجد وَإِلَيْك نسعى ونحفد نرجو رحمتك ونخشى عذابك إِن عذابك بالكفار مُلْحق بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم: اللَّهُمَّ لَا تنْزع مَا تُعْطِي وَلَا ينفع ذَا الْجد مِنْك الْجد سُبْحَانَكَ وغفرانك وحنانيك إِلَه الْحق
وَأخرج مُحَمَّد بن نصر عَن يزِيد بن أبي حبيب قَالَ: بعث عبد الْعَزِيز بن مَرْوَان إِلَى عبد الله بن رزين الغافقي فَقَالَ لَهُ: وَالله إِنِّي لأرَاك جَافيا مَا أَرَاك تقْرَأ الْقُرْآن قَالَ: بلَى وَالله إِنِّي لأقرأ الْقُرْآن وأقرأ مِنْهُ مَالا تقْرَأ بِهِ
فَقَالَ لَهُ عبد الْعَزِيز: وَمَا الَّذِي لَا أَقرَأ بِهِ من الْقُرْآن قَالَ: الْقُنُوت
حَدثنِي عَليّ بن أبي طَالب أَنه من الْقُرْآن
وَأخرج مُحَمَّد بن نصر عَن عَطاء بن السَّائِب قَالَ: كَانَ أَبُو عبد الرَّحْمَن يقرئنا: اللَّهُمَّ إِنَّا نستعينك ونستغفرك ونثني عَلَيْك الْخَيْر وَلَا نكفرك ونؤمن بك ونخلع ونترك من يفجرك اللَّهُمَّ إياك نعْبد وَلَك نصلي ونسجد وَإِلَيْك نسعى ونحفد نرجو رحمتك ونخشى عذابك الْجد إِن عذابك بالكفار مُلْحق
وَزعم أَبُو عبد الرَّحْمَن أَن ابْن مَسْعُود كَانَ يُقْرِئهُمْ إِيَّاهَا وَيَزْعُم أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يُقْرِئهُمْ إِيَّاهَا
وَأخرج مُحَمَّد بن نصر عَن الشّعبِيّ قَالَ: قَرَأت أَو حَدثنِي من قَرَأَ فِي بعض مصاحف أبيّ بن كَعْب هَاتين السورتين: اللَّهُمَّ إِنَّا نستعينك
وَالْأُخْرَى بَينهمَا بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم قبلهمَا سورتان من الْمفصل وبعدهما سور من الْمفصل
وَأخرج مُحَمَّد بِمَ نصر عَن سُفْيَان قَالَ: كَانُوا يستحبون أَن يجْعَلُوا فِي قنوت الْوتر هَاتين السورتين: اللَّهُمَّ إِنَّا نستعينك واللهم إياك نعْبد
وَأخرج مُحَمَّد بن نصر عَن إِبْرَاهِيم قَالَ: يقْرَأ فِي الْوتر السورتين اللَّهُمَّ إياك نعْبد اللَّهُمَّ إِنَّا نستعينك ونستغفرك(8/697)
وَأخرج مُحَمَّد بن نصر عَن خصيف قَالَ: سَأَلت عَطاء بن أبي رَبَاح أَي شَيْء أَقُول فِي الْقُنُوت قَالَ: هَاتين السورتين اللَّتَيْنِ فِي قِرَاءَة أبيّ: اللَّهُمَّ إِنَّا نستعينك واللهم إياك نعْبد
وَأخرج مُحَمَّد بن نصر عَن الْحسن قَالَ: نبدأ فِي الْقُنُوت بالسورتين ثمَّ نَدْعُو على الْكفَّار ثمَّ نَدْعُو للْمُؤْمِنين وَالْمُؤْمِنَات
وَأخرج البُخَارِيّ فِي تَارِيخه عَن الْحَارِث بن معاقب أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: فِي صَلَاة من الصَّلَوَات: بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم غفار غفر الله لَهَا وأسمل سَالَمَهَا الله وَشَيْء من جُهَيْنَة وَشَيْء من مزينة وَعصيَّة عَصَتْ الله وَرَسُوله ورعل وذكوان مَا أَنا قلته الله قَالَه
قَالَ الْحَارِث فاختصم نَاس من أسلم وغفار فَقَالَ الأسلميون بَدَأَ باسلم وَقَالَ غفار بَدَأَ بغفار قَالَ الْحَارِث: فَسَأَلت أَبَا هُرَيْرَة فَقَالَ بَدَأَ بغفار
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَمُسلم عَن خفاف بن ايماء بن رحضة الْغِفَارِيّ قَالَ: صلى بِنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْفجْر فَلَمَّا رفع رَأسه من الرَّكْعَة الْآخِرَة قَالَ: لعن الله لحياناً وَرِعْلًا وذكوان وَعصيَّة عَصَتْ الله وَرَسُوله أسلم سَالَمَهَا الله غفار غفر الله لَهَا ثمَّ خر سَاجِدا
فَلَمَّا قضى الصَّلَاة أقبل على النَّاس بِوَجْهِهِ فَقَالَ: أَيهَا النَّاس إِنِّي لست قلت هَذَا وَلَكِن الله قَالَه
ذكر دُعَاء ختم الْقُرْآن أخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا ختم الْقُرْآن دَعَا قَائِما
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان قَالَ: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من قَرَأَ الْقُرْآن وَحمد الرب وَصلى على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم واستغفر ربه فقد طلب الْخَيْر مَكَانَهُ
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن أبي جَعْفَر قَالَ: كَانَ عَليّ بن حُسَيْن يذكر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه كَانَ إِذا ختم الْقُرْآن حمد الله بمحامده وَهُوَ قَائِم ثمَّ يَقُول: الْحَمد لله رب الْعَالمين الْحَمد لله الَّذِي خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض وَجعل الظُّلُمَات والنور ثمَّ الَّذِي كفرُوا برَبهمْ يعدلُونَ لَا إِلَه إِلَّا الله وَكذب الْعَادِلُونَ بِاللَّه وَضَلُّوا ضلالا بَعيدا لَا إِلَه إِلَّا الله وَكذب الْمُشْركُونَ بِاللَّه من الْعَرَب وَالْمَجُوس وَالْيَهُود وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ وَمن دَعَا لله ولدا أَو صَاحِبَة أَو ندا أَو شَبِيها أَو مثلا أَو سمياً أَو عدلا فَأَنت رَبنَا أعظم من أَن تتَّخذ شَرِيكا فِيمَا خلقت وَالْحَمْد لله الَّذِي لم(8/698)
يتَّخذ صَاحِبَة وَلَا ولدا وَلم يكن لَهُ شريك فِي الْملك وَلم يكن لَهُ ولي من الذل وَكبره تَكْبِيرا
الله الله الله أكبر كَبِيرا وَالْحَمْد لله كثيرا وَسُبْحَان الله بكرَة وَأَصِيلا وَالْحَمْد لله الَّذِي أنزل على عَبده الْكتاب إِلَى قَوْله: إِلَّا كذبا
الْحَمد الله الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَوَات وَمَا فِي الأَرْض الْآيَتَيْنِ: الْحَمد لله فاطر السَّمَوَات وَالْأَرْض الْآيَتَيْنِ الْحَمد لله وَسَلام على عباده الَّذين اصْطفى آللَّهُ خير أما يشركُونَ بل الله خير وَأبقى وَأحكم وَأكْرم وَأعظم مِمَّا يشركُونَ فَالْحَمْد لله بل أَكْثَرهم لَا يعلمُونَ صدق الله وَبَلغت رسله وَأَنا على ذَلِك من الشَّاهِدين اللَّهُمَّ صلّ على جَمِيع الْمَلَائِكَة وَالْمُرْسلِينَ وَارْحَمْ عِبَادك الْمُؤمنِينَ من أهل السَّمَوَات وَالْأَرضين وَاخْتِمْ لنا بِخَير وَافْتَحْ لنا بِخَير وَبَارك لنا فِي الْقُرْآن الْعَظِيم وانفعنا بِالْآيَاتِ وَالذكر الْحَكِيم
رَبنَا تقبل من إِنَّك أَنْت السَّمِيع الْعَلِيم
وَأخرج ابْن الضريس عَن عبد الله بن مَسْعُود قَالَ: من ختم الْقُرْآن فَلهُ دَعْوَى مستجابة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عَطاء الْخُرَاسَانِي عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: جَمِيع سور الْقُرْآن مائَة وَثَلَاث عشرَة سُورَة المكية خمس وَثَمَانُونَ سُورَة والمدنية ثَمَانِيَة وَعِشْرُونَ سُورَة وَجَمِيع آي الْقُرْآن ستى آلَاف آيَة وَمِائَتَا آيَة وست عشرَة آيَة وَجَمِيع حُرُوف الْقُرْآن ثَلَاثمِائَة ألف حرف وَثَلَاثَة وَعِشْرُونَ ألف حرف وتسمائة حرف وَأحد وَسَبْعُونَ حرفا
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عمر بن الْخطاب قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: الْقُرْآن ألف ألف حرف وَسَبْعَة وَعِشْرُونَ ألف حرف فَمن قَرَأَهُ صَابِرًا محتسباً فَلهُ بِكُل حرف زَوْجَة من الْحور الْعين
قَالَ بعض الْعلمَاء هَذَا الْعدَد بِاعْتِبَار مَا كَانَ قُرْآنًا وَنسخ رسمه وَإِلَّا فالموجود الْآن لَا يبلغ هَذِه الْعدة
قَالَ الْحَافِظ حجر رَضِي الله عَنهُ فِي أول كِتَابه أَسبَاب النُّزُول وَسَماهُ العجاب فِي بَيَان الْأَسْبَاب: الَّذين اعتنوا بِجمع التَّفْسِير الْمسند من طبقَة الْأَئِمَّة السِّتَّة أَبُو جَعْفَر مُحَمَّد بن جرير الطَّبَرِيّ ويليه أَبُو بكر مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن الْمُنْذر النياسبوري وَأَبُو مُحَمَّد عبد الرَّحْمَن بن أبي حَاتِم بن إِدْرِيس الرَّازِيّ وَمن طبقَة شيوخهم عبد بن حميد بن نصر الْكشِّي فَهَذِهِ التفاسير الْأَرْبَعَة قل أَن يشذ عَنْهَا شَيْء من التَّفْسِير الْمَرْفُوع وَالْمَوْقُوف على الصَّحَابَة والمقطوع عَن التَّابِعين وَقد أضَاف الطَّبَرِيّ إِلَى النَّقْل الْمُسْتَوْعب أَشْيَاء لم يشاركوه فِيهَا كاستيعاب(8/699)
الْقرَاءَات والإِعراب وَالْكَلَام فِي أَكثر الْآيَات على الْمعَانِي والتصدي لترجيح بعض الْأَقْوَال على بعض وكل من صنف بعده لم يجْتَمع لَهُ مَا اجْتمع فِيهِ لِأَنَّهُ فِي هَذِه الْأُمُور فِي مرتبَة مُتَقَارِبَة وَغَيره يغلب عَلَيْهِ فن من الْفُنُون فيمتاز فِيهِ وَيقصر فى غَيره وَالَّذين اشْتهر عَنْهُم القَوْل فِي ذَلِك من التَّابِعين أَصْحَاب ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا وَفِيهِمْ ثِقَات وضعفاء
فَمن الثِّقَات مُجَاهِد وَابْن جُبَير ويروى التَّفْسِير عَنهُ من طَرِيق ابْن أبي نجيح عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ وَالطَّرِيق إِلَى ابْن أبي نجيح قَوِيَّة وَمِنْهُم عِكْرِمَة ويروي التَّفْسِير عَنهُ من طَرِيق الْحسن بن وَاقد عَن يزِيد النَّحْوِيّ عَنهُ وَمن طَرِيق مُحَمَّد بن إِسْحَق عَن مُحَمَّد بن أبي مُحَمَّد مولى زيد بن ثَابت عَن عِكْرِمَة أَو سعيد بن جُبَير هَكَذَا بِالشَّكِّ وَلَا يضر لكَونه عَن ثِقَة وَمن طَرِيق مُعَاوِيَة بن صَالح عَن عَليّ بن أبي طَلْحَة عَن ابْن عَبَّاس وَعلي صَدُوق وَلم يلق ابْن عَبَّاس لكنه إِنَّمَا جمل عَن ثِقَات أَصْحَابه فَلذَلِك كَانَ البُخَارِيّ وَأَبُو حَاتِم وَغَيرهمَا يعتمدون على هَذِه النُّسْخَة وَمن طَرِيق ابْن جريج رَضِي الله عَنهُ عَن عَطاء بن أبي رَبَاح عَن ابْن عَبَّاس لَكِن فِيمَا يتَعَلَّق بالبقرة وَآل عمرَان وَمَا عدا ذَلِك يكون عَطاء رَضِي الله عَنهُ هُوَ الْخُرَاسَانِي وَهُوَ لم يسمع من ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فَيكون مُنْقَطِعًا إِلَّا أَن صرح ابْن جريج بِأَنَّهُ عَطاء بن أبي رَبَاح
وَمن رِوَايَات الضُّعَفَاء عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا التَّفْسِير الْمَنْسُوب لأبي النَّصْر مُحَمَّد بن السَّائِب الْكَلْبِيّ فَإِنَّهُ يرويهِ عَن أبي صَالح وَهُوَ مولى أم هَانِئ عَن ابْن عَبَّاس والكلبي اتَّهَمُوهُ بِالْكَذِبِ وَقد مرض فَقَالَ لأَصْحَابه فِي مَرضه: كل شَيْء حدثتكم عَن أبي صَالح كذب وَمَعَ ضعف الْكَلْبِيّ قد رُوِيَ عَنهُ تَفْسِير مثله أَو أَشد ضعفا وَهُوَ مُحَمَّد بن مَرْوَان السّديّ الصَّغِير وَرَوَاهُ عَن مُحَمَّد بن مَرْوَان مثله أَو أَشد ضعفا وَهُوَ صَالح بن مُحَمَّد التِّرْمِذِيّ وَمِمَّنْ روى التَّفْسِير عَن الْكَلْبِيّ من الثِّقَات سُفْيَان الثَّوْريّ وَمُحَمّد بن فُضَيْل بن غَزوَان
وَمن الضُّعَفَاء من قبل الْحِفْظ جبان بِكَسْر الْمُهْملَة وتثقيل الْمُوَحدَة وَهُوَ ابْن عَليّ الْعَنزي بِفَتْح الْمُهْملَة وَالنُّون بعْدهَا زَاي منقوطة وَمِنْهُم جُوَيْبِر بن سعيد وَهُوَ واه روى التَّفْسِير عَن الضَّحَّاك بن مُزَاحم وَهُوَ صَدُوق عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا وَلم يسمع مِنْهُ شَيْئا
وَمِمَّنْ روى التَّفْسِير عَن الضَّحَّاك: عَليّ بن الحكم وَهُوَ ثِقَة وَعلي بن سُلَيْمَان وَهُوَ صَدُوق وَأَبُو روق عَطِيَّة بن الْحَرْث وَهُوَ لَا بَأْس بِهِ
وَمِنْهُم عُثْمَان بن عَطاء الْخُرَاسَانِي رَضِي الله عَنهُ يروي التَّفْسِير عَن أَبِيه عَن(8/700)
ابْن عَبَّاس
وَلم يسمع أَبوهُ من ابْن عَبَّاس
وَمِنْهُم إِسْمَاعِيل بن عبد الرَّحْمَن السّديّ بِضَم الْمُهْملَة وَتَشْديد الدَّال وَهُوَ كُوفِي صَدُوق وَلكنه جمع التَّفْسِير من طرق مِنْهَا عَن أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس وَعَن مرّة بن شرَاحِيل عَن ابْن مَسْعُود وَعَن نَاس من الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم وَغَيرهم وخلط رِوَايَات الْجَمِيع فَلم تتَمَيَّز رِوَايَات الثِّقَة من الضَّعِيف
وَلم يلق السّديّ من الصَّحَابَة إِلَّا أنس بن مَالك وَرُبمَا الْتبس بِالسُّدِّيِّ الصَّغِير الَّذِي تقدم ذكره
وَمِنْهُم إِبْرَاهِيم بن الحكم بن أبان الْعَدنِي وَهُوَ ضَعِيف يروي التَّفْسِير عَن أَبِيه عَن عِكْرِمَة وَإِنَّمَا ضَعَّفُوهُ لِأَنَّهُ وصل كثيرا من الْأَحَادِيث بِذكر ابْن عَبَّاس وَقد روى عَنهُ تَفْسِيره عبد بن حميد
وَمِنْهُم إِسْمَاعِيل بن أبي زِيَاد الشَّامي وَهُوَ ضَعِيف جمع تَفْسِيرا كثيرا فِيهِ الصَّحِيح والسقيم وَهُوَ فِي عصر أَتبَاع التَّابِعين
وَمِنْهُم عَطاء بن دِينَار رَضِي الله عَنهُ وَفِي [وَفِيه] لين يروي التَّفْسِير عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا [] تَفْسِير رَوَاهُ عَنهُ ابْن لَهِيعَة وَهُوَ ضَعِيف
وَمن تفاسير التَّابِعين مَا يرْوى عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ وَهُوَ من طرق مِنْهَا رِوَايَة عبد الرَّزَّاق عَن معمر عَنهُ وَرِوَايَة آدم بن أبي إِيَاس وَغَيره عَن شَيبَان عَنهُ وَرِوَايَة يزِيد بن زُرَيْع عَن سعيد بن أبي عرُوبَة وَمن تفاسيرهم تَفْسِير الرّبيع بن أنس عَن أبي الْعَالِيَة واسْمه رفيع بِالتَّصْغِيرِ الريَاحي بِالْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّة والحاء الْمُهْملَة وَبَعضه لَا يُسمى الرّبيع فَوْقه أحد وَهُوَ يروي من طرق مِنْهَا رِوَايَة أبي عبيد الله بن أبي جَعْفَر الرَّازِيّ عَن أَبِيه عَنهُ وَمِنْهَا تفاسير مقَاتل بن حَيَّان من طَرِيق مُحَمَّد بن مُزَاحم بن بكير بن مَعْرُوف عَنهُ وَمُقَاتِل هَذَا صَدُوق وَهُوَ غير مقَاتل بن سُلَيْمَان الْآتِي ذكره
وَمن تفاسير ضعفاء التَّابِعين فَمن بعدهمْ تَفْسِير زيد بن أسلم من رِوَايَة ابْنه عبد الرَّحْمَن عَنهُ وَهِي نُسْخَة كَبِيرَة يَرْوِيهَا ابْن وهب وَغَيره عَن عبد الرَّحْمَن عَن أَبِيه وَعَن غير أَبِيه وَفِيه أَشْيَاء كَثِيرَة لَا يسندها لأحد وَعبد الرَّحْمَن من الضُّعَفَاء وَأَبوهُ من الثِّقَات وَمِنْهَا تَفْسِير مقَاتل بن سُلَيْمَان وَقد نسبوه إِلَى الْكَذِب
وَقَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ: مقَاتل قَاتله الله تَعَالَى
وَإِنَّمَا قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فِيهِ ذَلِك لِأَنَّهُ اشْتهر عَنهُ القَوْل بالتجسيم وروى تَفْسِير مقَاتل هَذَا عَنهُ أَبُو عصمَة نوح بن أبي مَرْيَم الْجَامِع وَقد نسبوه إِلَى الْكَذِب وَرَوَاهُ أَيْضا عَن مقَاتل الحكم بن هُذَيْل وَهُوَ ضَعِيف لكنه أصلح حَالا من أبي عصمَة وَمِنْهَا تَفْسِير يحيى بن سَلام المغربي وَهُوَ كَبِير فِي نَحْو سِتَّة أسفار أَكثر فِيهِ النَّقْل عَن التَّابِعين وَغَيرهم وَهُوَ لين الحَدِيث وَفِيمَا يرويهِ مَنَاكِير كَثِيرَة وشيوخه مثل(8/701)
سعيد بن أبي عرُوبَة وَمَالك وَالثَّوْري وَيقرب مِنْهُ تَفْسِير سنيد بِمُهْملَة وَنون مصغر واسْمه الحسني بن دَاوُد وَهُوَ من طبقَة شُيُوخ الْأَئِمَّة السِّتَّة يروي عَن ججاج بن مُحَمَّد المصِّيصِي كثيرا وَعَن انظاره وَفِيه لين وَتَفْسِيره نَحْو تَفْسِير يحيى بن سلاموقد أَكثر ابْن جريج التَّخْرِيج مِنْهُ
وَمن التفاسير الْوَاهِيَة لوهاء رواتها التَّفْسِير الَّذِي جمعه مُوسَى بن عبد الرَّحْمَن الثَّقَفِيّ الصَّنْعَانِيّ وَهُوَ قدر مجلدين يسْندهُ إِلَى ابْن جريج عَن عَطاء عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا
وَقد نسب ابْن حبَان مُوسَى هَذَا إِلَى وضع الحَدِيث وَرَوَاهُ عَن مُوسَى عبد الْغَنِيّ بن سعيد الثَّقَفِيّ وَهُوَ ضَعِيف وَقد يُوجد كثير من أَسبَاب النُّزُول فِي كتب الْمَغَازِي فَمَا كَانَ مِنْهَا من رِوَايَة مُعْتَمر بن سُلَيْمَان عَن أَبِيه أَو من رِوَايَة إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم بن عقبَة عَن عَمه مُوسَى بن عقبَة فَهُوَ أصلح مِمَّا فِيهَا من كتاب مُحَمَّد بن إِسْحَق وَمَا كَانَ من رِوَايَة ابْن إِسْحَاق أمثل مِمَّا فِيهَا من رِوَايَة الْوَاقِدِيّ انْتهى
قَالَ مُؤَلفه رَضِي الله عَنهُ وَتقبل الله مِنْهُ صَنِيعه: فرغت من تبييضه يَوْم عيد الْفطر سنة ثَمَان وَتِسْعين وَثَمَانمِائَة وَالْحَمْد لله وَحده وَصلى الله على سيدنَا مُحَمَّد وَآله وَصَحبه وَسلم تَسْلِيمًا كثيرا إِلَى يَوْم الدّين وحسبنا الله وَنعم الْوَكِيل وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه الْعلي الْعَظِيم(8/702)