وَأخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ وَابْن ماجة عَن عَمْرو بن تغلب رَضِي الله عَنهُ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: إِن من أَشْرَاط السَّاعَة أَن تقاتلوا قوما نعَالهمْ الشّعْر وَإِن من أَشْرَاط السَّاعَة أَن تقاتلوا قوما عراض الْوُجُوه كَأَن وُجُوههم المجان المطرقة
وَأخرج النَّسَائِيّ عَن عَمْرو بن تغلب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن من أَشْرَاط السَّاعَة أَن يقبض الْعلم ويفشو المَال وتفشو التِّجَارَة وَيظْهر الْقَلَم قَالَ عَمْرو فَإِن كَانَ هَذَا الرجل ليبيع البيع فَيَقُول حَتَّى استأمر تَاجر بني فلَان ويلتمس فِي الحواء الْعَظِيم الْكَاتِب فَلَا يُوجد
وَأخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَابْن ماجة عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: يكون بَين يَدي السَّاعَة أَيَّام فيرفع فِيهَا الْعلم وَينزل فِيهَا الْجَهْل وَيكثر فِيهَا الْهَرج
وَأخرج عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف عَن عبد الله بن ربيب الجندي رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يَا أَبَا الْوَلِيد يَا عبَادَة بن الصَّامِت إِذا رَأَيْت الصَّدَقَة كتمت وغلت واستؤجر فِي الْغَزْو وَعمر الخراب وَخرب العامر وَالرجل يتمرس بأمانته كَمَا يتمرس الْبَعِير بِالشَّجَرَةِ فَإنَّك والساعة كهاتين وَأَشَارَ بِأُصْبُعِهِ السبابَة وَالَّتِي تَلِيهَا
وَأخرج أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة عَن أنس رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَا تقوم السَّاعَة حَتَّى يتباهى النَّاس فِي الْمَسَاجِد
وَأخرج أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ عَن أنس رَضِي الله عَنهُ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَا تقوم السَّاعَة حَتَّى يتقارب الزَّمَان فَيكون السّنة كالشهر والشهر كَالْجُمُعَةِ وَالْجُمُعَة كَالْيَوْمِ وَالْيَوْم كالساعة والساعة كالضرمة بالنَّار)
وَأخرج أَحْمد عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا تقوم السَّاعَة حَتَّى يتقارب الزَّمَان فَتكون السّنة كالشهر وَيكون الشَّهْر كَالْجُمُعَةِ وَتَكون الْجُمُعَة كَالْيَوْمِ وَيكون الْيَوْم كالساعة وَتَكون السَّاعَة كاحتراق السعفة
وَأخرج مُسلم وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تقوم السَّاعَة حَتَّى تعود أَرض الْعَرَب مروجاً وأنهاراً
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَا تقوم السَّاعَة حَتَّى يقتل فئتان عظيمتان يكون بَينهم مقتلة عَظِيمَة دعواهما وَاحِدَة(7/469)
وَحَتَّى يبْعَث دجالون كذابون قريب من ثَلَاثِينَ كلهم يزْعم أَنه رَسُول الله وَحَتَّى يقبض الْعلم وتكثر الزلازل ويتقارب الزَّمَان وَتظهر الْفِتَن وَيكثر الْهَرج وَهُوَ الْقَتْل وَحَتَّى يكثر فِيكُم المَال فيفيض حَتَّى يهم رب المَال من يقبل صدقته وَحَتَّى يعرضه فَيَقُول الَّذِي يعرضه عَلَيْهِ لَا أرب لي بِهِ وَحَتَّى يَتَطَاوَل النَّاس فِي الْبُنيان وَحَتَّى يمر الرجل بِقَبْر الرجل فَيَقُول يَا لَيْتَني مَكَانَهُ وَحَتَّى تطلع الشَّمْس من مغْرِبهَا فَإِذا طلعت وَرَآهَا النَّاس آمنُوا أَجْمَعُونَ وَذَلِكَ حِين لَا ينفع إيمَانهَا لم تكن آمَنت من قبل أَو كسبت فِي ايمانها خيرا
وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَة وَقد نشر الرّجلَانِ ثوبا بَينهمَا فَلَا يتبايعانه وَلَا يطويانه وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَة وَقد انْصَرف الرجل بِلَبن لقحته فَلَا يطعمهُ وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَة وَهُوَ يليط حَوْضه فَلَا يسْقِي بِهِ وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَة وَقد رفعت أَكلته إِلَى فِيهِ فَلَا يطْعمهَا
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن عبد الله بن عمر عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن الله لَا يحب الْفَاحِش وَلَا الْمُتَفَحِّش وَالَّذِي نفس مُحَمَّد بِيَدِهِ لَا تقوم السَّاعَة حَتَّى يظْهر الْفُحْش والتفحش وَسُوء الْجوَار وَقَطِيعَة الْأَرْحَام وَحَتَّى يخون الْأمين ويؤتمن الخائن
ثمَّ قَالَ: إِنَّمَا مثل الْمُؤمن مثل النَّخْلَة وَقعت فَأكلت طيبا وَلم تفْسد وَلم تكسر وَمثل الْمُؤمن كَمثل الْقطعَة الذَّهَب الْأَحْمَر أدخلت النَّار فَنفخ عَلَيْهَا وَلم تَتَغَيَّر ووزنت فَلم تنقص
وَأخرج أَحْمد وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا تقوم السَّاعَة حَتَّى يمطر النَّاس مَطَرا عامّاً وَلَا تنْبت الأَرْض شَيْئا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد عَن جَابر رَضِي الله عَنهُ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: بَين يَدي السَّاعَة كذابون مِنْهُم صَاحب الْيَمَامَة وَصَاحب صنعاء الْعَنسِي وَمِنْهُم صَاحب حمير وَمِنْهُم الدَّجَّال وَهُوَ أعظمهم فتْنَة
وَأخرج أَحْمد عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: بَين يَدي السَّاعَة قريب من ثَلَاثِينَ دجالين كلهم يَقُول أَنا نَبِي أَنا نَبِي
وَأخرج أَحْمد عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: سَيكون فِي أمتِي دجالون كذّابون يأتونكم ببدع من الحَدِيث بِمَا لم تسمعوا أَنْتُم وَلَا آباؤكم فإياكم وإياهم لَا يفتنونكم(7/470)
وَأخرج أَحْمد وَالطَّبَرَانِيّ عَن ابْن عمر: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: لَيَكُونن قبل يَوْم الْقِيَامَة الْمَسِيح الدَّجَّال وكذابون ثَلَاثُونَ أَو أَكثر
وَأخرج أَبُو يعلى عَن ابْن عمر: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: إِن فِي أمتِي لنيفاً وَسبعين دَاعيا كلهم دَاع إِلَى النَّار لَو أَشَاء لأنبأتكم بِأَسْمَائِهِمْ وقبائلهم
وَأخرج أَبُو يعلى عَن أبي الْجلاس قَالَ: سَمِعت عليا رَضِي الله عَنهُ يَقُول لعبد الله السبائي لقد سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: إِن بَين يَدي السَّاعَة ثَلَاثِينَ كذابا وَإنَّك لأَحَدهم
وَأخرج أَبُو يعلى عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يكون قبل خُرُوج الدَّجَّال ينيف على سبعين دجالًا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أنس رَضِي الله عَنهُ أَن بَين يَدي السَّاعَة لستاً وَسبعين دجالًا
وَأخرج أَحْمد وَالْبَزَّار عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا تقوم السَّاعَة حَتَّى تمطر السَّمَاء مَطَرا لَا يكن مِنْهُ بيُوت الْمدر وَلَا يكن مِنْهُ إِلَّا بيُوت الشّعْر
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث والنشور عَن الْحسن قَالَ: قَالَ [] عليّ خرجت فِي طلب الْعلم فَقدمت الْكُوفَة فَإِذا أَنا بِعَبْد الله بن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ فَقلت يَا أَبَا عبد الرَّحْمَن: هَل للساعة من علم تعرب بِهِ قَالَ: سَأَلت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن ذَلِك فَقَالَ: إِن من أَشْرَاط السَّاعَة أَن يكون الْوَلَد غيظاً والمطر قيظاً وَتفِيض الأشرار فيضاً وَيصدق الْكَاذِب ويؤتمن الخائن ويخون الْأمين ويسود كل قَبيلَة وكل سوق فجارهم وتزخرف المحاريب وتخرب الْقُلُوب ويكتفي الرِّجَال بِالرِّجَالِ وَالنِّسَاء بِالنسَاء وَيخرب عمرَان الدُّنْيَا ويعمر خرابها وَتظهر الْفِتْنَة وَأكل الرِّبَا وَتظهر المعازف والكنوز وَشرب الْخمر وَيكثر الشَّرْط والغمازون والهمازون
وَأخرج أَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن حُذَيْفَة بن الْيَمَان رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من اقتراب السَّاعَة اثْنَتَانِ وَسَبْعُونَ خصْلَة إِذْ رَأَيْتُمْ النَّاس أماتوا الصَّلَاة وأضاعوا الْأَمَانَة وأكلوا الرِّبَا وَاسْتَحَلُّوا الْكَذِب واستخفوا بالدماء واستعلوا الْبناء وَبَاعُوا الدّين بالدنيا وتقطعت الْأَرْحَام وَيكون الحكم ضعفا وَالْكذب صدقا وَالْحَرِير لباساً وَظهر الْجور وَكَثْرَة الطَّلَاق وَمَوْت الْفُجَاءَة وائتمن الخائن وخوّن الْأمين(7/471)
وَصدق الْكَاذِب وَكذب الصَّادِق وَكثر الْقَذْف وَكَانَ الْمَطَر قيظاً وَالْولد غيظاً وفاض اللئام فيضاً وغاض الْكِرَام غيضاً وَكَانَ الْأُمَرَاء والوزراء كذبة والأمناء خونة والعرفاء ظَلَمَة والقراء فَسَقَة إِذا لبسوا مسوك الضَّأْن قُلُوبهم أنتن من الْجِيَف وأمرّ من الصَّبْر يغشيهم الله تَعَالَى فتْنَة يتهاركون (يتهاركون: يَمْشُونَ باختيال وبطىء) فِيهَا تهارك الْيَهُود الظلمَة وَتظهر الصَّفْرَاء يَعْنِي الدَّنَانِير وتطلب الْبَيْضَاء وتكثر الْخَطَايَا ويقل الْأَمْن وحليت الْمَصَاحِف وصورت الْمَسَاجِد وطوّلت المنائر وخرّبت الْقُلُوب وشربت الْخُمُور وعطلت الْحُدُود وَولدت الْأمة ربتها وَترى الحفاة العراة قد صَارُوا ملوكاً وشاركت الْمَرْأَة زَوجهَا فِي التِّجَارَة وتشبه الرِّجَال بِالنسَاء وَالنِّسَاء بِالرِّجَالِ وَحلف بِغَيْر الله وَشهد الْمُؤمن من غير أَن يستشهد وَسلم للمعرفة وتفقه لغير دين الله وَطلب الدُّنْيَا بِعَمَل الْآخِرَة وَاتخذ الْمغنم دولاً وَالْأَمَانَة مغنماً وَالزَّكَاة مغرماً وَكَانَ زعيم الْقَوْم أرذلهم وعق الرجل أَبَاهُ وجفا أمه وضر صديقه وأطاع امْرَأَته وعلت أصوات الفسقة فِي الْمَسَاجِد وَاتخذ الْقَيْنَات وَالْمَعَازِف وشربت الْخُمُور فِي الطّرق وَاتخذ الظُّلم فخراً وَبيع الحكم وَكَثُرت الشَّرْط وَاتخذ الْقُرْآن مَزَامِير وجلود السبَاع خفافاً وَلعن آخر هَذِه الْأمة أَولهَا فليرتقبوا عِنْد ذَلِك ريحًا حَمْرَاء وخسفاً ومسخاً وقذفاً وآيات
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ أَنهم سَأَلُوا مَتى السَّاعَة فَقَالَ: لقد سَأَلْتُمُونِي عَن أَمر مَا يُعلمهُ جِبْرِيل وَلَا مِيكَائِيل وَلَكِن إِن شِئْتُم أنبأتكم بأَشْيَاء إِذا كَانَت لم يكن للساعة كثير لبث إِذا كَانَت الألسن لينَة والقلوب جنادل وَرغب النَّاس فِي الدُّنْيَا وَظهر الْبناء على وَجه الأَرْض وَاخْتلف الإِخوان فَصَارَ هواهما شَتَّى وَبيع حكم الله بيعا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن سلمَان الْفَارِسِي رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِن من اقتراب السَّاعَة أَن يظْهر الْبناء على وَجه الأَرْض وَأَن تقطع الْأَرْحَام وَأَن يُؤْذِي الْجَار جَاره
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِن من أَشْرَاط(7/472)
السَّاعَة أَن يظْهر الْفُحْش والتفحش وَسُوء الْخلق وَسُوء الْجوَار
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عبد الله بن عمر بن الْعَاصِ قَالَ: إِن من أَشْرَاط السَّاعَة أَن يظْهر القَوْل ويخزن الْعَمَل ويرتفع الأشرار وَيُوضَع الأخيار وَيقْرَأ المثاني عَلَيْهِم فَلَا يعيها أحد مِنْهُم
قلت: مَا المثاني قَالَ: كل كتاب سوى كتاب الله
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن رَجَاء بن حَيْوَة قَالَ: لَا تقوم السَّاعَة حَتَّى لَا تحمل النَّخْلَة إِلَّا تَمْرَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن قيس قَالَ: لَا تقوم السَّاعَة حَتَّى تقوم رَأس الْبَقَرَة بالأوقية
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الوداك قَالَ: من اقتراب السَّاعَة انتفاخ الإِهلّة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الشّعبِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من اقتراب السَّاعَة أَن يرى الْهلَال قبلا فَيُقَال ابْن لَيْلَتَيْنِ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الشّعبِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من اقتراب السَّاعَة أَن يرى الْهلَال قبلا فَيُقَال ابْن لَيْلَتَيْنِ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي مُوسَى قَالَ: إِن بَين يَدي السَّاعَة أَيَّامًا ينزل فِيهَا الْجَهْل وَيرْفَع الْعلم حَتَّى يقوم الرجل إِلَى أمه فيكربها بِالسَّيْفِ من الْجَهْل
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عبد الله بن عمر قَالَ: يَأْتِي على النَّاس زمَان يَجْتَمعُونَ وَيصلونَ فِي الْمَسَاجِد وَلَيْسَ فيهم مُؤمن
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الشّعبِيّ قَالَ: لَا تقوم السَّاعَة حَتَّى يصير الْعلم جهلا وَالْجهل علما
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: ليَأْتِيَن على النَّاس زمَان يجد النسْوَة نعلا ملقى على الطَّرِيق فَيَقُول بَعضهنَّ لبَعض قد كَانَت هَذِه النعلة مرّة لرجل
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَالْبَزَّار عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قيل لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَتى السَّاعَة فزبره رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى إِذا صلى الْفجْر رفع رَأسه إِلَى السَّمَاء فَقَالَ: تبَارك خَالِقهَا ورافعها ومبدلها وطاويها كطي السّجل للْكتاب ثمَّ تطلع إِلَى الأَرْض فَقَالَ تبَارك خَالِقهَا وواضعها ومبدلها وطاويها كطي السّجل للْكتاب ثمَّ قَالَ: أَيْن السَّائِل عَن السَّاعَة فَجَثَا رجل من آخر الْقَوْم على رُكْبَتَيْهِ فَإِذا هُوَ عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: عِنْد حيف الْأَئِمَّة وَتَكْذيب بِالْقدرِ وإيمان بالنجوم وَقوم يتخذون الْأَمَانَة مغنماً وَالزَّكَاة مغرماً والفاحشة زِيَارَة فَسَأَلته عَن الْفَاحِشَة زِيَارَة فَقَالَ: الرّجلَانِ من أهل الْفسق يصنع أَحدهمَا طَعَاما وَشَرَابًا(7/473)
ويأتيه بِالْمَرْأَةِ فَيَقُول اصنعي لي كَمَا صنعت فيتزاورون على ذَلِك قَالَ: فَعِنْدَ ذَلِك هَلَكت أمتِي يَا ابْن الْخطاب
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: لَا تقوم السَّاعَة حَتَّى يكون السَّلَام على الْمعرفَة وَحَتَّى تتَّخذ الْمَسَاجِد طرقاً لَا يسْجد لله فِيهَا حَتَّى يُجَاوز وَحَتَّى يبْعَث الْغُلَام بالشيخ بريداً بَين الأفقين وَحَتَّى ينْطَلق الْفَاجِر إِلَى الأَرْض النامية فَلَا يجد فضلاًّ
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: حج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حجَّة الْوَدَاع ثمَّ أَخذ بِحَلقَة بَاب الْكَعْبَة قَالَ: أَيهَا النَّاس أَلا أخْبركُم بأشراط السَّاعَة فَقَامَ إِلَيْهِ سلمَان رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ: أخبرنَا فدَاك أبي وَأمي يَا رَسُول الله
قَالَ: إِن من أَشْرَاط السَّاعَة إِضَاعَة الصَّلَاة والميل مَعَ الْهوى وتعظيم رب المَال
فَقَالَ سلمَان: وَيكون هَذَا يَا رَسُول الله قَالَ: نعم وَالَّذِي نفس مُحَمَّد بِيَدِهِ فَعِنْدَ ذَلِك يَا سلمَان تكون الزَّكَاة مغرماً والفيء مغنماً وَيصدق الْكَاذِب ويكذب الصَّادِق ويؤتمن الخائن ويخون الْأمين وَيتَكَلَّم الرويبضة
قَالَ: وَمَا الرويبضة قَالَ: يتَكَلَّم فِي النَّاس من لم يتَكَلَّم وينكر الْحق تِسْعَة أعشارهم وَيذْهب الإِسلام فَلَا يبْقى إِلَّا اسْمه وَيذْهب الْقُرْآن فَلَا يبْقى إِلَّا رسمه وتحلى الْمَصَاحِف بِالذَّهَب وتتسمن ذُكُور أمتِي وَتَكون المشورة للإِماء ويخطب على المنابر الصّبيان وَتَكون المخاطبة للنِّسَاء فَعِنْدَ ذَلِك تزخرف الْمَسَاجِد كَمَا تزخرف الْكَنَائِس وَالْبيع وتطول المنائر وتكثر الصُّفُوف مَعَ قُلُوب متباغضة وألسن مُخْتَلفَة وَأَهْوَاء جمة
قَالَ سلمَان: وَيكون ذَلِك يَا رَسُول الله قَالَ: نعم وَالَّذِي نفس مُحَمَّد بِيَدِهِ عِنْد ذَلِك يَا سلمَان يكون الْمُؤمن فيهم أذلّ من الْأمة يذوب قلبه فِي جَوْفه كَمَا يذوب الْملح فِي المَاء مِمَّا يرى من الْمُنكر فَلَا يَسْتَطِيع أَن يُغَيِّرهُ ويكتفي الرِّجَال بِالرِّجَالِ وَالنِّسَاء بِالنسَاء ويغار على الغلمان كَمَا يغار على الْجَارِيَة الْبكر فَعِنْدَ ذَلِك يَا سلمَان يكون أُمَرَاء فسقة ووزراء فجرة وأمناء خونة يضيعون الصَّلَوَات ويتبعون الشَّهَوَات فَإِن أدركتموهم فصلوا صَلَاتكُمْ لوَقْتهَا
عِنْد ذَلِك يَا سلمَان يجي سبي من الْمشرق وَسبي من الْمغرب جثاؤهم جثاء النَّاس وَقُلُوبهمْ قُلُوب الشَّيَاطِين لَا يرحمون صَغِيرا وَلَا يوقرون كَبِيرا(7/474)
عِنْد ذَلِك يَا سلمَان يحجّ النَّاس إِلَى هَذَا الْبَيْت الْحَرَام تحج مُلُوكهمْ لهواً وتنزهاً وأغنياؤهم للتِّجَارَة ومساكينهم للمسألة وقراؤهم رِيَاء وَسُمْعَة
قَالَ: وَيكون ذَلِك يَا رَسُول الله قَالَ: نعم وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ عِنْد ذَلِك يَا سلمَان يفشوا الْكَذِب وَيظْهر الْكَوْكَب لَهُ الذَّنب وتشارك الْمَرْأَة زَوجهَا فِي التِّجَارَة وتتقارب الْأَسْوَاق
قَالَ: وَمَا تقاربها قَالَ: كسادها وَقلة أرباحها عِنْد ذَلِك يَا سلمَان يبْعَث الله ريحًا فِيهَا حيات صفر فتلتقط رُؤَسَاء الْعلمَاء لما رَأَوْا الْمُنكر فَلم يغيروه قَالَ: وَيكون ذَلِك يَا رَسُول الله قَالَ: نعم وَالَّذِي بعث مُحَمَّدًا بِالْحَقِّ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف عَن حُذَيْفَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: وَالله لَا تقوم السَّاعَة حَتَّى يَلِي عَلَيْكُم من لَا يزن عشر بعوضة يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج أَحْمد وَابْن ماجة وَالطَّبَرَانِيّ عَن سَلامَة بنت الْحر قَالَت: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: يَأْتِي على النَّاس زمَان يقومُونَ سَاعَة لَا يَجدونَ إِمَامًا يُصَلِّي بهم
وَأخرج أَحْمد عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن أَيَّام الدَّجَّال سِنِين خداعة يكذب فِيهَا الصَّادِق وَيصدق فِيهَا الْكَاذِب ويخون فِيهَا الْأمين ويؤتمن فِيهَا الخائن وَيتَكَلَّم فِيهَا الرويبضة
قيل: وَمَا الرويبضة قَالَ: الْفَاسِق يتَكَلَّم فِي أَمر الْعَامَّة
وَأخرج أَحْمد عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: قبل السَّاعَة سنُون خداعة يكذب فِيهَا الصَّادِق وَيصدق فِيهَا الْكَاذِب ويخون فِيهَا الْأمين ويؤتمن فِيهَا الخائن وينطق بهَا الرويبضة
وَأخرج أَحْمد وَأَبُو يعلى وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث والضياء عَن بُرَيْدَة قَالَ: سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: إِن أمتِي يَسُوقهَا قوم اعراض الْوُجُوه صغَار الْأَعْين كَأَن وُجُوههم الحجف ثَلَاث مرار حَتَّى يلحوقهم بِجَزِيرَة الْعَرَب
أما السَّابِقَة الأولى فينجو من هرب مِنْهُم وَإِمَّا الثَّانِيَة فَيهْلك بعض وينجو بعض وَأما الثَّالِثَة فيصطلمون كلهم من بَقِي مِنْهُم
قَالُوا يَا رَسُول الله: من هم قَالَ: هم التّرْك
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ قَالَ: لَا تقوم السَّاعَة حَتَّى يتسافد النَّاس فِي الطّرق تسافد الْحمر وَفِي لفظ: حَتَّى يتهارجون فِي الطّرق تهارج الْحمر فيأتيهم إِبْلِيس فيصرفهم إِلَى عبَادَة الْأَوْثَان
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ يبلغ بِهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ:(7/475)
لَا تقوم السَّاعَة حَتَّى تقاتلوا قوما نعَالهمْ الشّعْر وَلَا تقوم السَّاعَة حَتَّى تقاتلوا قوما صغَار الْأَعْين ذلف الْأنف كَأَن وُجُوههم المجانّ الْمُطَرَّقَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن حُذَيْفَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِن النَّاس كَانُوا يسْأَلُون رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الْخَيْر وَكنت أسأله عَن الشَّرّ كَيْمَا أعرفهُ فأتقيه قلت يَا رَسُول الله: أَرَأَيْت هَذَا الْخَيْر الَّذِي أَعْطَانَا الله يكون بعده شَرّ قَالَ: نعم قلت: فَمَا الْعِصْمَة من ذَلِك قَالَ: السَّيْف
قلت: وَهل للسيف من بَقِيَّة قَالَ: نعم
قلت: ثمَّ مَاذَا قَالَ: ثمَّ على دخن جمَاعَة على فِرْيَة فَإِن كَانَ يَوْمئِذٍ لله خَليفَة ضرب ظهرك وَأخذ مَالك فاسمع وأطع وَإِلَّا فمت عاضّاً بجذل شَجَرَة قلت: ثمَّ مَاذَا قَالَ: يخرج الدَّجَّال وَمَعَهُ نهر ونار فَمن وَقع فِي ناره وَقع وَحط وزره وَمن وَقع فِي نهره وَجب وزره وَحط أجره
قلت: ثمَّ مَاذَا قَالَ: ثمَّ إِنَّمَا هِيَ قيام السَّاعَة
وَأخرج أَحْمد وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا تقوم السَّاعَة حَتَّى لَا يُقَال فِي الأَرْض الله الله
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن عبد الله بن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: لَا تقوم السَّاعَة حَتَّى لَا يُقَال فِي الأَرْض الله الله
وَأخرج أَحْمد وَأَبُو يعلى وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا تقوم السَّاعَة حَتَّى لَا يُقَال فِي الأَرْض الله الله وَحَتَّى تمر الْمَرْأَة بِقِطْعَة النَّعْل فَتَقول: قد كَانَ لهَذِهِ رجل مرّة وَحَتَّى يكون الرجل قيم خمسين امْرَأَة وَحَتَّى تمطر السَّمَاء وَلَا تنْبت الأَرْض
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن أنس رَضِي الله عَنهُ مَرْفُوعا وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لَا تقوم السَّاعَة على رجل يَقُول لَا إِلَه إِلَّا الله وَيَأْمُر بِالْمَعْرُوفِ وَينْهى عَن الْمُنكر)
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ وَضَعفه الذَّهَبِيّ عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَا تقوم السَّاعَة حَتَّى لَا يبْقى على وَجه الأَرْض أحد لله فِيهِ حَاجَة وَحَتَّى تُؤْخَذ الْمَرْأَة نَهَارا جهاراً تُنْكحُ وسط الطَّرِيق لَا يُنكر ذَلِك أحد فَيكون أمثلهم الَّذِي يَقُول: لَو نحيتها عَن الطَّرِيق قَلِيلا فَذَاك فيهم مثل أبي بكر وَعمر فِيكُم
وَأخرج أَحْمد وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن علْبَاء السّلمِيّ مَرْفُوعا: لَا تقوم السَّاعَة إِلَّا على حثالة النَّاس(7/476)
وَأخرج أَحْمد وَمُسلم عَن عبد الله بن مَسْعُود قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: اللَّهُمَّ لَا يدركني زمَان لَا تقوم السَّاعَة إِلَّا على شرار النَّاس
وَأخرج أَحْمد عَن سهل بن سعد السَّاعِدِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: اللَّهُمَّ لَا يدركني زمَان وَلَا تدركون زَمَانا لَا يتبع فِيهِ الْعَلِيم وَلَا يستحيا من الْحَلِيم قُلُوبهم قُلُوب الْأَعَاجِم وألسنتهم أَلْسِنَة الْعَرَب
وَأخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: لَا تقوم السَّاعَة حَتَّى تضطرب اليات نسَاء دوس على ذِي الخلصة وَذُو الخلصة طاغية دوس الَّتِي كَانُوا يعْبدُونَ فِي الْجَاهِلِيَّة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عبد الله بن عمر قَالَ: لَا تقوم السَّاعَة حَتَّى تضطرب اليات نسَاء حول الْأَصْنَام
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن عبد الله بن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن من أَشْرَاط السَّاعَة أَن تعزب الْعُقُول وتنقص الأحلام
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الشّعبِيّ قَالَ: كَانَ يُقَال من اقتراب السَّاعَة موت الْفجأَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن مُجَاهِد قَالَ: من أَشْرَاط السَّاعَة موت البدار
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي الْعَالِيَة قَالَ: كُنَّا نتحدث أَنه سَيَأْتِي على النَّاس زمَان خير أَهله الَّذِي يرى الْخَيْر فيجانبه قَرِيبا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن طَلْحَة بن مَالك قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن من أَشْرَاط السَّاعَة هَلَاك الْعَرَب
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا تقوم السَّاعَة حَتَّى تتَّخذ الْمَسَاجِد طرقاً وَحَتَّى يسلم الرجل على الرجل بالمعرفة وَحَتَّى تتجر الْمَرْأَة وَزوجهَا وَحَتَّى تغلو الْخَيل وَالنِّسَاء ثمَّ ترخص فَلَا تغلو إِلَى يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ فِي الْأَدَب الْمُفْرد وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن مَسْعُود عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: بَين يَدي السَّاعَة تَسْلِيم الْخَاصَّة وفشو التِّجَارَة حَتَّى تعين الْمَرْأَة زَوجهَا على التِّجَارَة وَقطع الْأَرْحَام وفشو الْقَلَم وَظُهُور الشَّهَادَة بالزور وكتمان شَهَادَة الْحق
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن مَسْعُود: سَمِعت رَسُول الله(7/477)
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: إِن من أَشْرَاط السَّاعَة أَن يمر الرجل فِي الْمَسْجِد لَا يُصَلِّي فِيهِ رَكْعَتَيْنِ وَأَن لَا يسلم الرجل إِلَّا على من يعرفهُ وَأَن يبرد الصَّبِي الشَّيْخ لفقره وَأَن تتطاول الحفاة العراة رُعَاة الشَّاء فِي الْبُنيان
وَأخرج أَحْمد وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن عبد الله بن عَمْرو قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا تقوم السَّاعَة حَتَّى يَأْخُذ الله شريطته من أهل الأَرْض فَيبقى مِنْهَا عجاج لَا يعْرفُونَ مَعْرُوفا وَلَا يُنكرُونَ مُنْكرا
وَأخرج أَحْمد وَمُسلم وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن أبي هُرَيْرَة: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: إِن طَالَتْ بك مُدَّة يُوشك أَن ترى قوما يَغْدُونَ فِي سخط الله وَيَرُوحُونَ فِي لعنته فِي أَيْديهم مثل أَذْنَاب الْبَقر
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا مَرْفُوعا يكون فِي آخر هَذِه الْأمة رجال يركبون على المياثر حَتَّى يَأْتُوا أَبْوَاب الْمَسَاجِد نِسَاؤُهُم كاسيات عاريات على رؤوسهن كأسنمة البخت الْعِجَاف العنوهن فَإِنَّهُنَّ ملعونات لَو كَانَت وراءكم أمة من الْأُمَم لخدمتهم كَمَا خدمكم نسَاء الْأُمَم قبلكُمْ فَقلت لأبي: وَمَا المياثر قَالَ: سروجٌ عِظَام
وَأخرج أَحْمد وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن أبي أُمَامَة مَرْفُوعا: يخرج فِي هَذِه الْأمة فِي آخر الزَّمَان رجال مَعَهم سياط كَأَنَّهَا أَذْنَاب الْبَقر يَغْدُونَ فِي سخط الله وَيَرُوحُونَ فِي لعنته
وَأخرج الْبَزَّار وَالْحَاكِم بِسَنَد ضَعِيف عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: وَالَّذِي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ لَا تَنْقَضِي هَذِه الدُّنْيَا حَتَّى يَقع بهم الْخَسْف وَالْمَسْخ وَالْقَذْف
قَالُوا: وَمَتى ذَاك يَا نَبِي الله قَالَ: إِذا رَأَيْت النِّسَاء ركبن السُّرُوج وَكَثُرت الْقَيْنَات وَشهد شَهَادَات الزُّور وَشرب المصلون فِي آنِية أهل الشّرك الذَّهَب وَالْفِضَّة وَاسْتغْنى الرِّجَال بِالرِّجَالِ وَالنِّسَاء بِالنسَاء فاستبدروا واستعدوا
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَصَححهُ عَن أبي أُمَامَة رَضِي الله عَنهُ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: لَا يزْدَاد الْأَمر إِلَّا شدَّة وَلَا المَال إِلَّا إفَاضَة وَلَا تقوم السَّاعَة إِلَّا على شرار خلقه
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن أبي ذَر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا رَجعْنَا تعجل نَاس فَدَخَلُوا الْمَدِينَة فَسَأَلَ عَنْهُم(7/478)
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأخْبر أَنهم تعجلوا الْمَدِينَة فَقَالَ: يُوشك أَن يدعوها أحسن مَا كَانَت لَيْت شعري مَتى تخرج نَار من جبل الْوراق يضيء لَهَا أَعْنَاق البخت ببصرى يروها كضوء النَّهَار
وَأخرج أَحْمد وَالْحَاكِم عَن رَافع بن بشر السّلمِيّ عَن أَبِيه أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: تخرج نَار من حبس سيل تسير بِطيبَة تكمن بِاللَّيْلِ وتسير بِالنَّهَارِ تَغْدُو وَتَروح يُقَال غَدَتْ النَّار أَيهَا النَّاس فاغدوا قَالَت النَّار أَيهَا النَّاس فقيلوا راحت النَّار فروحوا من أَدْرَكته أَكلته
وَأخرج الْحَاكِم عَن أبي البداح بن عَاصِم الْأنْصَارِيّ رَضِي الله عَنهُ بِسَنَد ضَعِيف قَالَ: سَأَلنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حدثان مَا قدم فَقَالَ: أَيْن حبس سيل قُلْنَا: لَا نَدْرِي فَمر بِي رجل من بني سليم فَقلت: من أَيْن جِئْت قَالَ: من حبس سيل
فَأتيت فَقلت يَا رَسُول الله: إِن هَذَا الرجل يخبر أَن أَهله بِحَبْس سيل فَسَأَلَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ: أخر أهلك فَإِنَّهُ يُوشك ان تخرج مِنْهُ نَار تضيء أَعْنَاق الإِبل ببصرى
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَا تقوم السَّاعَة حَتَّى تخرج نَار بِأَرْض الْحجاز تضيء مِنْهَا أَعْنَاق الإِبل ببصرى
وَأخرج أَحْمد وَصَححهُ وَضَعفه الذَّهَبِيّ عَن معَاذ بن أنس أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَا تزَال الْأمة على شَرِيعَة مَا لم يظْهر فيهم ثَلَاث: مَا لم يقبض مِنْهُم الْعلم وَيكثر ولد الْخبث وَيظْهر فيهم السقارون
قَالُوا: وَمَا السقارون قَالَ: بشر يكونُونَ فِي آخر الزَّمَان تكون تحيتهم بَينهم إِذا تلاقوا التلاعن
وَأخرج أَحْمد وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن أبي سعيد رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: تكْثر الصَّوَاعِق عِنْد اقتراب السَّاعَة فَيُصْبِح الْقَوْم فَيَقُولُونَ: من صعق البارحة فَيَقُولُونَ: صعق فلَان وَفُلَان
وَأخرج الْبَزَّار وَأَبُو يعلى وَابْن حبَان وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن أبي سعيد رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَا تقوم السَّاعَة حَتَّى لَا يُحج الْبَيْت
وَأخرج الْحَاكِم صَححهُ عَن جَابر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يكون فِي أمتِي خَليفَة يحثي المَال حثا لَا يعده عدا ثمَّ قَالَ: وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ ليعودن الْأَمر كَمَا بَدَأَ ليعودن كل إِيمَان إِلَى الْمَدِينَة كَمَا بَدَأَ بهَا حَتَّى يكون كل إِيمَان بِالْمَدِينَةِ
ثمَّ قَالَ: لَا يخرج رجل من الْمَدِينَة رَغْبَة عَنْهَا إِلَّا أبدلها الله خيرا مِنْهُ(7/479)
وليسمعن نَاس برخص من أسعار وزيف فيتبعونه وَالْمَدينَة خير لَهُم لَو كَانُوا يعلمُونَ
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لتركبن سنَن من كَانَ قبلكُمْ شبْرًا بشبر وذراعاً بِذِرَاع حَتَّى لَو أَن أحدهم دخل حجر ضبّ لدخلتم وَحَتَّى لَو أَن أحدهم جَامع امْرَأَته بِالطَّرِيقِ لفعلتموه
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: سَيَأْتِي على أمتِي زمَان يكثر فِيهِ الْقُرَّاء وتقل الْفُقَهَاء ويقل الْعلم وَيكثر الْهَرج
قَالُوا وَمَا الْهَرج يَا رَسُول الله قَالَ: الْقَتْل بَيْنكُم
ثمَّ يَأْتِي بعد ذَلِك زمَان يقْرَأ الْقُرْآن رجال لَا يُجَاوز تراقيهم
ثمَّ يَأْتِي بعد ذَلِك زمَان يحاول الْمُنَافِق الْكَافِر الْمُشرك بِاللَّه الْمُؤمن بِمثل مَا يَقُول)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن أبي سعيد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لَا تقوم السَّاعَة حَتَّى تكلم السبَاع الإِنسان وَحَتَّى تكلم الرجل عذبة سَوْطه وشراك نَعله ويخبره فَخذه بِمَا أحدث أَهله من بعده
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن حُذَيْفَة بن الْيَمَان رَضِي الله عَنهُ قَالَ: يكون فتْنَة فَيقوم لَهَا رجال فيضربون خيشومها حَتَّى تذْهب ثمَّ تكون أُخْرَى فَيقوم لَهَا رجال فيضربون خيشومها حَتَّى تذْهب ثمَّ تكون أُخْرَى فَيقوم لَهَا رجال فيضربون خيشومها حَتَّى تذْهب ثمَّ تكون أُخْرَى فَيقوم لَهَا رجال فيضربون خيشومها حَتَّى تذْهب ثمَّ تكون الْخَامِسَة وَهِي مُجَللَة تَنْشَق فِي الأَرْض كَمَا ينشق المَاء
وَأخرج مُسلم عَن حُذَيْفَة بن الْيَمَان رَضِي الله عَنهُ قَالَ: وَالله إِنِّي لأعْلم النَّاس بِكُل فتْنَة كائنة فِيمَا بيني وَبَين السَّاعَة وَمَا بِي أَن لَا يكون رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أسر إِلَيّ فِي ذَلِك شَيْئا لم يحدثه غَيْرِي وَلَكِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ وَهُوَ يحدث مَجْلِسا أَنا فِيهِ عَن الْفِتَن فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ يعد الْفِتَن: مِنْهُنَّ ثَلَاث لَا يكدن يذرن شَيْئا ومنهن فتن كرياح الصَّيف مِنْهَا صغَار وَمِنْهَا كبار قَالَ حُذَيْفَة رَضِي الله عَنهُ: فَذهب أُولَئِكَ الرَّهْط غَيْرِي
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأَبُو دَاوُد عَن عبد الله بن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: يكون فِي هَذِه الْأمة أَربع فتن آخرهَا الْغناء
وَأخرج أَحْمد وَأَبُو الْحَاكِم وَصَححهُ عَن عبد الله بن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا(7/480)
قَالَ: كُنَّا قعُودا عِنْد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذكر الْفِتَن فَأكْثر فِي ذكرهَا حَتَّى ذكر فتْنَة الأحلاس فَقَالَ قَائِل يَا رَسُول الله: وَمَا فتْنَة الأحلاس قَالَ: هِيَ فتْنَة حَرْب وهرب ثمَّ فتْنَة السَّرَّاء دخنها من تَحت قدمي رجل من أهل بَيْتِي يزْعم أَنه نَبِي وَلَيْسَ مني إِنَّمَا أوليائي المتقون ثمَّ يصطلح النَّاس على رجل كورك على ضلع ثمَّ فتْنَة الدهيماء لَا تدع أحدا من هَذِه الْأمة إِلَّا لطمته حَتَّى إِذا قيل انْقَضتْ عَادَتْ يصبح الرجل فِيهَا مُؤمنا ويمسي كَافِرًا حَتَّى يصير النَّاس إِلَى فسطاطين فسطاط إِيمَان لَا نفاق فِيهِ وفسطاط نفاق لَا إِيمَان فِيهِ فَإِذا كَانَ ذاكم فانظروا الدَّجَّال من يَوْمه أَو من غده
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة عَن عبد الله بن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي سفر فنزلنا منزلا فمنا من يضْرب خباءه وَمنا من ينتضل إِذْ نَادَى مُنَادِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: الصَّلَاة جَامِعَة
فانتهيت إِلَيْهِ وَهُوَ يخْطب النَّاس وَيَقُول: أَيهَا النَّاس إِنَّه لم يكن نَبِي قبلي إِلَّا كَانَ حَقًا عَلَيْهِ أَن يدل أمته على مَا يُعلمهُ خيرا لَهُم وَيُنْذرهُمْ مَا يُعلمهُ شرا لَهُم الا وان عَافِيَة هَذِه الْأمة فِي أَولهَا وسيصيب آخرهَا بلَاء وَفتن يرفق بَعْضهَا بَعْضًا تَجِيء الْفِتْنَة فَيَقُول الْمُؤمن هَذِه تهلكني ثمَّ تنكشف ثمَّ تَجِيء فَيَقُول هَذِه وَهَذِه ثمَّ تَجِيء فَيَقُول هَذِه وَهَذِه ثمَّ تنكشف
فَمن أحب أَن يزحزح عَن النَّار وَيدخل الْجنَّة فلتدركه منيته وَهُوَ يُؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر وَيَأْتِي إِلَى النَّاس مَا يحب أَن يُؤْتى إِلَيْهِ وَمن بَايع إِمَامًا فَأعْطَاهُ صَفْقَة يَده وَثَمَرَة قلبه فليطعه مَا اسْتَطَاعَ
وَأخرج ابْن خُزَيْمَة وَالْحَاكِم عَن العداء بن خَالِد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كُنَّا عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذْ قَامَ قومة لَهُ كَأَنَّهُ مفزع ثمَّ رَجَعَ فَقَالَ: أحذركم الدجالين الثَّلَاث فَقَالَ ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ بِأبي أَنْت وَأمي يَا رَسُول الله أخبرتنا عَن الدَّجَّال الْأَعْوَر وَعَن أكذب الْكَذَّابين فَمن الثَّالِث قَالَ: رجل يخرج فِي قوم أَوَّلهمْ مثبور وَآخرهمْ مثبور عَلَيْهِم اللَّعْنَة دائبة فِي فتْنَة الجارفة وَهُوَ الدَّجَّال الأكيس يَأْكُل عباد الله قَالَ مُحَمَّد: وَهُوَ أبعد النَّاس من سنَنه قَالَ الذَّهَبِيّ: الحَدِيث مُنكر بِمرَّة
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن جَابر بن سَمُرَة مَرْفُوعا ليفتحن لكم كنوز كسْرَى
الْأَبْيَض أَو الَّذِي فِي الْأَبْيَض عِصَابَة من الْمُسلمين
وَأخرج الْحَاكِم عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ مَرْفُوعا تكون هدة فِي شهر(7/481)
رَمَضَان توقظ النَّائِم وتفزع الْيَقظَان ثمَّ تظهر عِصَابَة فِي شَوَّال ثمَّ مقمعَة فِي ذِي الْحجَّة تنتهك الْمَحَارِم ثمَّ يكون موت فِي صفر ثمَّ تتنازل الْقَبَائِل فِي ربيع ثمَّ الْعجب كل الْعجب بَين جُمَادَى وَرَجَب ثمَّ فِي الْمحرم نَاقَة مقتبة خير من دسكرة تقل مائَة ألف قَالَ الْحَاكِم: غَرِيب الْمَتْن وَقَالَ الذَّهَبِيّ: مَوْضُوع
وَأخرج أَحْمد وَأَبُو يعلى وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن سعد بن أبي وَقاص رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: شَيْطَان الردهة يحتدره رجل من بجيلة يُقَال لَهُ الْأَشْهب أَو ابْن الْأَشْهب راعي الْخَيل غُلَامه فِي الْقَوْم الظلمَة قَالَ الذَّهَبِيّ مَا أبعده من الصِّحَّة وَأنْكرهُ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أَرقم بن يَعْقُوب قَالَ: سَمِعت عبد الله رَضِي الله عَنهُ يَقُول: كَيفَ أَنْتُم إِذا أخرجتم من أَرْضكُم هَذِه إِلَى جَزِيرَة الْعَرَب ومنابت الشيح قلت: من يخرجنا قَالَ: عَدو الله
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن حُذَيْفَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَأَنِّي أَرَاهُم [] مسر آذان خيلهم وأبطيها بحافتي الْفُرَات
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن معيقيب ونعيم بن حَمَّاد عَن حُذَيْفَة رَضِي الله عَنهُ مَرْفُوعا لن تفنى أمتِي حَتَّى يظْهر فيهم التمايز والتمايل والمقامع
قلت يَا رَسُول الله: مَا التمايز قَالَ: عصبية يظهرها النَّاس بعدِي فِي الإِسلام
قلت: فَمَا التمايل قَالَ: تميل الْقَبِيلَة على الْقَبِيلَة فتستحل حرمتهَا
قلت: فَمَا المقامع قَالَ: تسير الْأَحْبَار بَعْضهَا إِلَى بعض تخْتَلف أعناقها فِي الْحَرْب
وَأخرج ابْن ماجة وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن عَسَاكِر عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: إِذا وَقعت الْمَلَاحِم خرج بعث من الموَالِي من دمشق هم أكْرم الْعَرَب فرسا وأجودهم سِلَاحا يُؤَيّد الله بهم هَذَا الدّين
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ: سَتَكُون فتْنَة تحصل النَّاس مِنْهَا كَمَا يحصل الذَّهَب فِي الْمَعْدن فَلَا تسبوا أهل الشَّام وَسبوا ظَلَمَتَهُمْ فَإِن فيهم الأبدال وسيرسل الله سيباً من السَّمَاء فيغرقهم حَتَّى لَو قَاتلهم الثعالب غلبتهم ثمَّ يبْعَث الله عِنْد ذَلِك رجلا من عترة الرَّسُول عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فِي إثني عشر ألفا إِن قلوا أَو خَمْسَة عشر ألفا إِن كَثُرُوا أمارتهم أَن علامتهم أمت أمت على ثَلَاث رايات يقاتلهم أهل سبع رايات لَيْسَ من صَاحب راية إِلَّا وَهُوَ(7/482)
يطْمع فِي الْملك فيقتلون ويهزمون ثمَّ يظْهر الْهَاشِمِي فيردّ الله على النَّاس إلفتهم ونعمتهم فيكونون على ذَلِك حَتَّى يخرج الدَّجَّال
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي ذمّ الملاهي عَن جُبَير بن نفير قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لتستصعبن الأَرْض بِأَهْلِهَا حَتَّى لَا يكون على ظهرهَا أهل بَيت مَدَر وَلَا وبر وليبتلين آخر هَذِه الْأمة بالرجف فَإِن تَابُوا تَابَ عَلَيْهِم وَإِن عَادوا عَاد الله عَلَيْهِم بالرجف وَالْقَذْف وَالْمَسْخ وَالصَّوَاعِق
وَأخرج أَحْمد عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أبشركم بالمهدي يَبْعَثهُ الله فِي أمتِي على اخْتِلَاف من الزَّمَان وزلازل فَيمْلَأ الأَرْض قسطاً وعدلاً كَمَا ملئت جوراً وظلماً ويرضى عَنهُ ساكنو السَّمَاء وساكنو الأَرْض يقسم الأَرْض ضحاحاً
فَقَالَ لَهُ رجل: مَا ضحاحا قَالَ: بِالسَّوِيَّةِ بَين النَّاس ويملأ قُلُوب أمة مُحَمَّد غنى ويسعهم عدله حَتَّى يَأْمر مُنَاد يُنَادي يَقُول: من كَانَت لَهُ فِي مَال حَاجَة فَمَا يقوم من الْمُسلمين إِلَّا رجلٌ وَاحِد فَيَقُول: ائْتِ السادن يَعْنِي الخازن فَقل لَهُ: إِن المهديّ يَأْمُرك أَن تُعْطِينِي مَالا فَيَقُول لَهُ: أحث حَتَّى إِذا جعله فِي حجره وأبرزه نَدم فَيَقُول: كنت أجشع أمة مُحَمَّد نفسا إِذْ عجز عني مَا وسعهم قَالَ: فَيرد فَلَا يقبل مِنْهُ فَيُقَال لَهُ: إِنَّا لَا نَأْخُذ شَيْئا أعطيناه فَيكون كَذَلِك سبع سِنِين أَو ثَمَان سِنِين أَو تسع سِنِين ثمَّ لَا خير فِي الْعَيْش بعده قَالَ: ثمَّ لَا خير فِي الْحَيَاة بعده
وَأخرج أَحْمد وَأَبُو دَاوُد عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا تقوم السَّاعَة حَتَّى يملك الأَرْض رجل من أهل بَيْتِي أَجلي أقنى وَلَفظ أبي دَاوُد: الْمهْدي مني أجلى الْجَبْهَة أقنى الْأنف يمْلَأ الأَرْض قسطاً وعدلاً كَمَا ملئت قبله ظلما وجوراً يكون سبع سِنِين
وَأخرج أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه وَابْن ماجة عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: يخرج الْمهْدي فِي أمتِي خمْسا أَو سبعا - شكّ أَبُو الْجُورِي - قُلْنَا: أَي شَيْء قَالَ: سِنِين ثمَّ ترسل السَّمَاء عَلَيْهِم مدراراً وَلَا تدخر الأَرْض من نباتها شَيْئا وَيكون المَال كردساً يَجِيء الرجل إِلَيْهِ فَيَقُول يَا مهْدي أَعْطِنِي أَعْطِنِي فيحثي لَهُ فِي ثَوْبه مَا اسْتَطَاعَ أَن يحمل
وَأخرج أَحْمد وَمُسلم: يكون فِي آخر الزَّمَان خَليفَة يقسم المَال وَلَا يعده(7/483)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: يخرج فِي آخر الزَّمَان خَليفَة يُعْطي الْحق بِغَيْر عدد
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يخرج رجل من أهل بَيْتِي عِنْد انْقِطَاع من الزَّمَان وَظُهُور من الْفِتَن يكون عطاؤه حثياً
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَأَبُو دَاوُد عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَو لم يبْق من الدُّنْيَا إِلَّا يَوْم لبعث الله رجلا منا يملؤها عدلا كَمَا ملئت جوراً
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَابْن ماجة عَن عَليّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: الْمهْدي منا أهل الْبَيْت يصلحه الله فِي لَيْلَة
وَأخرج أَبُو دَاوُد عَن أبي إِسْحَق قَالَ: قَالَ عَليّ وَنظر إِلَى ابْنه الْحسن فَقَالَ: إِن ابْني هَذَا سيد كَمَا سَمَّاهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وسيخرج من صلبه رجل يُسمى باسم نَبِيكُم يُشبههُ فِي الْخلق وَلَا يُشبههُ فِي الْخلق يمْلَأ الأَرْض عدلا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالْحَاكِم وصححاه عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَو لم يبْق من الدُّنْيَا إِلَّا يَوْم لطوّل الله ذَلِك الْيَوْم حَتَّى يبْعَث فِيهِ رجل مني أَو من أهل بَيْتِي وَفِي لفظ لَا تذْهب الْأَيَّام والليالي حَتَّى يملك الْعَرَب رجل من أهل بَيْتِي يواطىء اسْمه اسْمِي وَاسم أَبِيه اسْم أبي يمْلَأ الأَرْض قسطاً وعدلاً كَمَا ملئت ظلما وجوراً
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَصَححهُ عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَو لم يبْق من الدُّنْيَا إِلَّا يَوْم لطوّل الله ذَلِك الْيَوْم حَتَّى يَلِي رجل من أهل بَيْتِي يواطئ اسْمه اسْمِي
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَابْن ماجة وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم عَن ام سَلمَة رَضِي الله عَنْهَا: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: الْمهْدي من عِتْرَتِي من ولد فَاطِمَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَأَبُو دَاوُد وَأَبُو يعلى وَالطَّبَرَانِيّ عَن ام سَلمَة رَضِي الله عَنْهَا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: يكون اخْتِلَاف عِنْد موت خَليفَة فَيخرج رجل من أهل الْمَدِينَة هَارِبا إِلَى مَكَّة فيأتيه نَاس من أهل الْمَدِينَة فيخرجونه وَهُوَ كَارِه فيبايعونه بَين الرُّكْن وَالْمقَام وَيبْعَث إِلَيْهِ بعث من الشَّام فيخسف بهم بِالْبَيْدَاءِ بَين مَكَّة وَالْمَدينَة(7/484)
فَإِذا رأى النَّاس ذَلِك أَتَاهُ إِبْدَال الشَّام وعصائب أهل الْعرَاق فيبايعونه ثمَّ ينشأ رجل من قُرَيْش اخواله كلب فيبعث إِلَيْهِم بعثاً فيظهرون عَلَيْهِم فَذَلِك بعث كلب والخيبة لمن لم يشْهد غنيمَة كلب فَيقسم المَال وَيعْمل فِي النَّاس سنة نَبِيّهم ويلقى الْإِسْلَام بجرانه إِلَى الأَرْض فيلبث سِنِين ثمَّ يتوفى وَيُصلي عَلَيْهِ الْمُسلمُونَ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن ماجة عَن عبد الله بن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: بَيْنَمَا نَحن عِنْد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذْ أقبل فتية من بني هَاشم فَلَمَّا رَآهُمْ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اغرورقت عَيناهُ وَتغَير لَونه فَقلت: مَا تزَال ترى فِي وَجهك شَيْئا نكرهه فَقَالَ: إِنَّا أهل بَيت اخْتَار لنا الْآخِرَة على الدُّنْيَا وَإِن أهل بَيْتِي سيلقون بعدِي بلَاء وتشريداً وتطريداً حَتَّى يَأْتِي قوم من قبل الْمشرق مَعَهم رايات سود فَيسْأَلُونَ الْخَيْر فَلَا يُعْطونَهُ فيقاتلون فَيُنْصَرون فيعطون مَا سَأَلُوا فَلَا يقبلونه حَتَّى يدفعوها إِلَى رجل من أهل بَيْتِي فيملؤوها قسطا كَمَا ملؤوها جوراً فَمن أدْرك ذَلِك مِنْكُم فليأتهم وَلَو حبواً على الثَّلج
وَأخرج ابْن ماجة وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن ثَوْبَان قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يقتتل عِنْد كنزكم ثَلَاثَة كلهم ابْن خَليفَة ثمَّ لَا يصير إِلَى وَاحِد مِنْهُم ثمَّ تطلع الرَّايَات السود من قبل الْمشرق فيقاتلونكم قتالاً لم يقاتله قوم ثمَّ ذكر شَيْئا لَا أحفظه قَالَ: فَإِذا رَأَيْتُمُوهُ فتابعوه وَلَو حَبْواً على الثَّلج فَإِنَّهُ خَليفَة الله الْمهْدي
وَأخرج التِّرْمِذِيّ ونعيم بن حَمَّاد عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ينزل بأمتي فِي آخر الزَّمَان بلَاء شَدِيد من سلطانهم حَتَّى تضيق عَلَيْهِم الأَرْض فيبعث الله رجلا من عِتْرَتِي فَيمْلَأ الأَرْض قسطاً وعدلاً كَمَا ملئت ظلما وجوراً يرضى عَنهُ سَاكن السَّمَاء وَسَاكن الأَرْض لَا تدخر الأَرْض من بذرها شَيْئا إِلَّا أخرجته وَلَا السَّمَاء شَيْئا من قطرها إِلَّا صبته يعِيش فيهم سبع سِنِين أَو ثَمَان أَو تسع
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: حَدثنِي رجل من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن الْمهْدي لَا يخرج حَتَّى يقتل النَّفس الزكية فَإِذا قتلت النَّفس الزكية غضب عَلَيْهِم من فِي السَّمَاء وَمن فِي الأَرْض فَأتى النَّاس الْمهْدي فزفوه كَمَا تزف الْعَرُوس إِلَى زَوجهَا لَيْلَة عرسها وَهُوَ يمْلَأ الأَرْض قسطاً وعدلاً وَتخرج الأَرْض نباتها وتمطر السَّمَاء مطرها وتنعم أمتِي فِي ولَايَته نعْمَة لَا تنعمها قطّ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي الْجلد قَالَ: تكون فتْنَة بعْدهَا فتْنَة أَلا وَفِي الْآخِرَة كثمرة السَّوْط يتبعهَا ذُبَاب السَّيْف ثمَّ يكون بعد ذَلِك فتْنَة تُسْتَحَلُّ فِيهَا(7/485)
الْمَحَارِم كلهَا ثمَّ يَأْتِي الْخلَافَة خير أهل الأَرْض وَهُوَ قَاعد فِي بَيته هَهُنَا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عَاصِم بن عمر والبجيلي رضّي الله عَنهُ قَالَ: لَيُنادَيَنَّ باسم رجل من السَّمَاء لَا يُنكره الذَّلِيل وَلَا يمْتَنع مِنْهُ الدَّلِيل
وَأخرج ابْن أبي شيبَة من طَرِيق ثَابت بن عَطِيَّة عَن عبد الله قَالَ: الزموا هَذِه الطَّاعَة وَالْجَمَاعَة فَإِنَّهُ حَبل الله الَّذِي أَمر بِهِ وَإِن مَا تَكْرَهُونَ فِي الْجَمَاعَة خير مِمَّا تحبون فِي الْفرْقَة إِن الله لم يخلق شَيْئا إِلَّا جعل لَهُ مُنْتَهى وَإِن هَذَا الدّين قد تمّ وَإنَّهُ صائر إِلَى نُقْصَان وَإِن أَمارَة ذَلِك أَن تقطع الْأَرْحَام وَيُؤْخَذ المَال بِغَيْر حَقه ويسفك الدِّمَاء ويشتكي ذُو الْقَرَابَة قرَابَته لَا يعود عَلَيْهِ شَيْء وَيَطوف السَّائِل لَا يوضع فِي يَده شَيْء فَبَيْنَمَا هم كَذَلِك إِذْ خارت الأَرْض خور الْبَقَرَة يحْسب كل إِنْسَان أَنَّهَا خارت من قبلهم فَبَيْنَمَا النَّاس كَذَلِك قذفت الأَرْض بأفلاذ كَبِدهَا من الذَّهَب وَالْفِضَّة لَا ينفع بعد شَيْء مِنْهُ ذهب وَلَا فضَّة
وَأخرج أَحْمد عَن عبد الله بن عَمْرو قَالَ: دخلت على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ يتَوَضَّأ فَرفع رَأسه فَنظر إليّ فَقَالَ: سِتّ فِيكُم أيتها الْأمة موت نَبِيكُم فَكَأَنَّمَا انتزع قلبِي من مَكَانَهُ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: وَاحِدَة قَالَ: وَيفِيض المَال فِيكُم حَتَّى إِن الرجل ليُعْطى عشرَة آلَاف فيظل يسخطها
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اثْنَتَيْنِ قَالَ: وفتنة تدخل بَيت كل رجل مِنْكُم
قَالَ رَسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثَلَاث
قَالَ: وَمَوْت كقعاص الْغنم
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَربع وهدنة تكون بَيْنكُم وَبَين بني الْأَصْفَر فَيجْمَعُونَ لكم تِسْعَة أشهر بِقدر حمل الْمَرْأَة ثمَّ يكونُونَ أولى بالغدر مِنْكُم
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: خمس وَفتح مَدِينَة
قلت يَا رَسُول الله: أَي مَدِينَة قَالَ: قسطنطينية
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَالْبُخَارِيّ وَأَبُو دَاوُد وَابْن ماجة عَن عَوْف بن مَالك الْأَشْجَعِيّ قَالَ: أتيت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي غَزْوَة تَبُوك وَهُوَ فِي قبَّة أَدَم فَقَالَ: أعدد ستّاً بَين يَدي السَّاعَة: موتِي ثمَّ فتح بَيت الْمُقَدّس ثمَّ موتان يأخذكم كقعاص الْغنم ثمَّ استفاضة المَال حَتَّى يعْطى الرجل مائَة دِينَار فيظل ساخطاً ثمَّ فتْنَة لَا يبْقى بَيت من الْعَرَب إِلَّا دَخلته ثمَّ هدنة تكون بَيْنكُم وَبَين بني الْأَصْفَر فيغدرون فيأتونكم تَحت ثَمَانِينَ راية تَحت كل راية اثْنَا عشر ألفا زَاد أَحْمد فسطاط الْمُسلمين يَوْمئِذٍ فِي أَرض يُقَال لَهَا الغوطة فِي مَدِينَة يُقَال لَهَا دمشق
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَالطَّبَرَانِيّ عَن معَاذ بن جبل رَضِي الله عَنهُ قَالَ:(7/486)
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: سِتّ من أَشْرَاط السَّاعَة: موتِي وَفتح بَيت الْمُقَدّس وَمَوْت يَأْخُذ فِي النَّاس كقعاص الْغنم وفتنة يدْخل حرهَا بَيت كل مُسلم وَأَن يعْطى الرجل ألف دِينَار فيسخطها وَأَن يغدر الرّوم فيسيرون بِثَمَانِينَ بنداً تَحت كل بند اثْنَا عشر ألفا
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن أبي الدَّرْدَاء رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن فسطاط الْمُسلمين يَوْم الملحمة الْكُبْرَى بالغوطة إِلَى جَانب مَدِينَة يُقَال لَهَا دمشق من خير مَدَائِن دمشق
وَأخرج الْحَاكِم عَن أبي ثَعْلَبَة الْخُشَنِي رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِذا رَأَيْت [] بيدة بيد رجل وَأهل بَيته فَعِنْدَ ذَلِك فتح الْقُسْطَنْطِينِيَّة
وَأخرج مُسلم وَالْحَاكِم عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: هَل سَمِعْتُمْ بِمَدِينَة جَانب مِنْهَا فِي الْبر وجانب مِنْهَا فِي الْبَحْر فَقَالُوا: نعم يَا رَسُول الله قَالَ: لَا تقوم السَّاعَة حَتَّى يغزوها سَبْعُونَ ألفا من بني إِسْحَق حَتَّى إِذا جاؤوها نزلُوا فَلم يقاتلوا بسلاح وَلم يرموا بِسَهْم فَيَقُولُونَ لَا إِلَه إِلَّا الله وَالله أكبر فَيسْقط أحد جانبيها ثمَّ يَقُولُونَ الثَّانِيَة لَا إِلَه إِلَّا الله وَالله أكبر فَيسْقط جَانبهَا الآخر ثمَّ يَقُولُونَ الثَّالِثَة لَا إِلَه إِلَّا الله وَالله أكبر فيفرج لَهُم فيدخلونها فيغنمون فَبَيْنَمَا هم يقتسمون الْغَنَائِم إِذْ جَاءَهُم الصَّرِيخ أَن الدَّجَّال قد خرج فيتركون كل شَيْء ويرجعون
قَالَ الْحَاكِم: يُقَال إِن هَذِه الْمَدِينَة هِيَ الْقُسْطَنْطِينِيَّة صَحَّ أَن فتحهَا مَعَ قيام السَّاعَة
وَأخرج أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَابْن ماجة وَأَبُو يعلى ونعيم بن حَمَّاد فِي الْفِتَن وَالطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث والضياء والمقدسي فِي المختارة عَن عبد الله بن بسر رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: بَين الملحمة وَفتح الْقُسْطَنْطِينِيَّة سِنِين وَيخرج الدَّجَّال فِي السَّابِعَة
وَأخرج التِّرْمِذِيّ عَن أنس بن مَالك رَضِي الله عَنهُ قَالَ: فتح الْقُسْطَنْطِينِيَّة مَعَ قيام السَّاعَة
وَأخرج مُسلم وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَا تقوم السَّاعَة حَتَّى تنزل الرّوم بالأعماق فَيخرج إِلَيْهِم جلب من الْمَدِينَة من خِيَار أهل الأَرْض يَوْمئِذٍ فَإِذا تصافوا قَالَت الرّوم: خلوا بَيْننَا وَبَين الَّذين سبوا منا نقاتلهم فَيُقَاتل الْمُسلمُونَ لَا وَالله فيقاتلونهم فينهزم ثلث لَا يَتُوب الله عَلَيْهِم أبدا(7/487)
وَيقتل ثلثهم أفضل الشُّهَدَاء عِنْد الله وَيُصْبِح ثلث لَا يفتنون أبدا فيبلغون الْقُسْطَنْطِينِيَّة فيفتتحون فَبَيْنَمَا هم يقتسمون غنائمهم وَقد عَلقُوا سِلَاحهمْ بالزيتون إِذْ صَاح الشَّيْطَان
أَن الْمَسِيح قد خلفكم فِي أهليكم وَذَاكَ بَاطِل فَإِذا جاؤوا الشَّام خرج فَبَيْنَمَا هم يعدون لِلْقِتَالِ ويسوون الصُّفُوف إِذْ أُقِيمَت الصَّلَاة صَلَاة الصُّبْح فَينزل عِيسَى بن مَرْيَم فَأمهمْ فَإِذا رَآهُ عَدو الله ذاب كَمَا يذوب الْملح فَلَو تَركه لذاب حَتَّى يهْلك وَلَكِن الله يقْتله بِيَدِهِ فيريهم دَمه فِي حربته
وَأخرج ابْن ماجة وَالْحَاكِم عَن كثير بن عبد الله الْمُزنِيّ عَن أَبِيه عَن جده: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: لَا تذْهب الدُّنْيَا حَتَّى تقاتلوا بني الْأَصْفَر يخرج إِلَيْهِم روقة الْمُؤمنِينَ أهل الْحجاز الَّذين يجاهدون فِي سَبِيل الله وَلَا تأخذهم فِي الله لومة لائم حَتَّى يفتح الله عَلَيْهِم قسطنطينية ورومية بالتسبيح وَالتَّكْبِير فينهدم حصنها فيصيبون نيلاً عَظِيما لم يُصِيبُوا مثله قطّ حَتَّى إِنَّهُم يقتسمون بالترس ثمَّ يصْرخ صارخ بِأَهْل الإِسلام قد خرج الدَّجَّال فِي بِلَادكُمْ وذراريكم فينفضّ النَّاس حَتَّى عَن المَال مِنْهُم الْآخِذ وَمِنْهُم التارك فالآخذ نادم والتارك نادم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَأَبُو دَاوُد وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن معَاذ بن جبل رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: عمرَان بَيت الْمُقَدّس خراب يثرب وخراب يثرب حُضُور الملحمة وَحُضُور الملحمة فتح الْقُسْطَنْطِينِيَّة وَفتح الْقُسْطَنْطِينِيَّة خُرُوج الدَّجَّال ثمَّ ضرب معَاذ على منْكب عمر بن الْخطاب وَقَالَ وَالله إِن ذَلِك لحق كَمَا أَنَّك جَالس
وَأخرج أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه وَابْن ماجة عَن معَاذ بن جبل قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: الملحمة الْعُظْمَى وَفتح الْقُسْطَنْطِينِيَّة وَخُرُوج الدَّجَّال فِي سَبْعَة أشهر
وَأخرج أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَابْن ماجة وَابْن حبَان وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن ذِي مخمر بن أخي النَّجَاشِيّ أَنه سمع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: ستصالحكم الرّوم صلحا آمنا حَتَّى تغزون أَنْتُم وهم عدوا من ورائهم فتنصرون وتغنمون وتنصرفون تنزلوا بمرج ذِي تلال فَيَقُول قَائِل من الرّوم: غلب الصَّلِيب وَيَقُول قَائِل من الْمُسلمين: بل الله غلب فيتداولانها بَينهم فيثور الْمُسلم إِلَى صليبهم وهم مِنْهُم غير بعيد فيدقه وتثور الرّوم إِلَى كاسر صليبهم فيقتلونه ويثور الْمُسلمُونَ إِلَى أسلحتهم فيقتتلون فيكرم الله تِلْكَ(7/488)
الْعِصَابَة من الْمُسلمين بِالشَّهَادَةِ فَتَقول الرّوم لصَاحب الرّوم كَفَيْنَاك حد الْعَرَب فيندرون فَيجْمَعُونَ الملحمة فيأتونكم تَحت ثَمَانِينَ غَايَة تَحت كل غَايَة اثْنَا عشر ألفا
وَأخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ وَالْبَزَّار وَابْن خُزَيْمَة وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن عبد الله بن بشر الغنوي حَدثنِي أبي سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: لتفتحن الْقُسْطَنْطِينِيَّة ولنعم الْأَمِير أميرها ولنعم الْجَيْش ذَلِك الْجَيْش
وَأخرج أَحْمد وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن أبي قبيل قَالَ: تَذَاكر فتح الْقُسْطَنْطِينِيَّة والرومية أَيهمَا تفتح أَولا فَدَعَا عبد الله بن عمر بصندوق ففتحه فَأخْرج مِنْهُ كتابا قَالَ: كُنَّا عِنْد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نكتب فَقيل: أَي المدينتين تفتح أوّلاً يَا رَسُول الله قسطنطينية أَو رُومِية فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَدِينَة هِرقل تفتح أوّلاً يُرِيد الْقُسْطَنْطِينِيَّة
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن عَوْف بن مَالك رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خرج عَلَيْهِم واقناء معلقَة وقنو مِنْهَا حشف وَمَعَهُ عَصا فطعن فِي القنو وَقَالَ: لَو شَاءَ رب هَذِه الصَّدَقَة تصدق بأطيب مِنْهَا
إِن صَاحب هَذِه الصَّدَقَة يَأْكُل الحشف يَوْم الْقِيَامَة أما وَالله يَا أهل الْمَدِينَة لتدعنها مذللة أَرْبَعِينَ عَاما للعوافي
قُلْنَا: الله وَرَسُوله أعلم قَالَ: أَتَدْرُونَ مَا العوافي قَالُوا لَا
قَالَ: الطير وَالسِّبَاع
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ مَرْفُوعا لتتركن الْمَدِينَة على خير مَا كَانَت تأكلها الطير وَالسِّبَاع
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن محجن بن الأدرع أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صعد أحدا وصعدت مَعَه فَأقبل بِوَجْهِهِ نَحْو الْمَدِينَة فَقَالَ لَهَا قولا ثمَّ قَالَ: ويل أمك أَو يح أمهَا قَرْيَة يَدعهَا أَهلهَا أينع مَا تكون يأكلها عَافِيَة الطير وَالسِّبَاع وَلَا يدخلهَا الدَّجَّال إِن شَاءَ الله كلما أَرَادَ دُخُولهَا يلقاه: بِكُل نقب من أنقابها ملك مصلت يمنعهُ عَنْهَا
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن وَاثِلَة بن الْأَسْقَع سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: لَا تقوم السَّاعَة حَتَّى يكون عشر آيَات خسف بالمشرق وَخسف بالمغرب وَخسف فِي جَزِيرَة الْعَرَب والدجال ونزول يَأْجُوج وَمَأْجُوج وَالدَّابَّة وطلوع الشَّمْس من مغْرِبهَا ونار تخرج من قَعْر عدن تَسوق النَّاس إِلَى الْمَحْشَر تحْشر الذَّر والنمل
وَأخرج أَبُو يعلي وَالرُّويَانِيّ وَابْن قَانِع وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن بُرَيْدَة قَالَ: قَالَ(7/489)
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن لله ريحًا يبعثها على رَأس مائَة سنة تقبض روح كل مُؤمن
وَأخرج أَحْمد وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن عَيَّاش بن أبي ربيعَة: سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: تَجِيء ريح بَين يَدي السَّاعَة تقبض فِيهَا روح كل مُؤمن
وَأخرج مُسلم وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن الله يبْعَث ريحًا من الْيمن أَلين من الْحَرِير فَلَا تدع أحدا فِي قلبه مِثْقَال حَبَّة من إِيمَان إِلَّا قَبضته
وَأخرج مُسلم وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: لَا يذهب اللَّيْل وَالنَّهَار حَتَّى تعبد اللات والعزى وَيبْعَث الله ريحًا طيبَة فتتوفى من كَانَ فِي قلبه مِثْقَال حَبَّة من خَرْدَل من خير فَيبقى من لَا خير فِيهِ فيرجعون إِلَى دين آبَائِهِم
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن عقبَة بن عَامر رَضِي الله عَنهُ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: لَا تزَال عِصَابَة من أمتِي يُقَاتلُون على أَمر الله ظَاهِرين على العدوّ لَا يضرهم من خالفهم حَتَّى تأتيهم السَّاعَة وهم على ذَلِك فَقَالَ عبد الله بن عَمْرو أجل وَيبْعَث الله ريحًا رِيحهَا الْمسك ومسها مس الْحَرِير فَلَا تتْرك نفسا فِي قلبه مِثْقَال حَبَّة من الإِيمان إِلَّا قَبضته ثمَّ يبْقى شرار النَّاس عَلَيْهِم تقوم السَّاعَة
وَأخرج الْحَاكِم عَن ابْن عَمْرو قَالَ: لَا تقوم السَّاعَة حَتَّى يبْعَث الله ريحًا لَا تدع أحدا فِي قلبه مِثْقَال ذرة من تقى أَو نهي إِلَّا قَبضته وَيلْحق كل قوم بِمَا كَانَ يعبد آباؤهم فِي الْجَاهِلِيَّة وَيبقى عجاج من النَّاس لَا يأمرون بِمَعْرُوف وَلَا ينهون عَن مُنكر يتناكحون فِي الطّرق فَإِذا كَانَ ذَلِك اشْتَدَّ غضب الله على أهل الأَرْض فَأَقَامَ السَّاعَة
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا تقوم السَّاعَة حَتَّى يحسر الْفُرَات عَن جبل من ذهب فيقتتل النَّاس عَلَيْهِ فَيقْتل من كل مائَة تِسْعَة وَتسْعُونَ وَيَقُول كل رجل مِنْهُم: لعَلي أكون الَّذِي أنجو
وَأخرج مُسلم عَن أبي كَعْب رضى الله عَنهُ قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: يُوشك الْفُرَات أَن يحسر عَن جبل من ذهب فَإِذا سمع بِهِ النَّاس سَارُوا إِلَيْهِ فَيَقُول من عِنْده: لَئِن تركنَا النَّاس يَأْخُذُونَ مِنْهُ ليذهبن بِهِ كُله
قَالَ: فيقتتلون عَلَيْهِ فَيقْتل من كل مائَة تِسْعَة وَتسْعُونَ(7/490)
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: تخرج معادن مُخْتَلفَة مَعْدن فِيهَا قريب من الْحجاز يَأْتِيهِ شرار النَّاس يُقَال لَهُ فِرْعَوْن فَبَيْنَمَا هم يعْملُونَ فِيهِ إِذْ حسر عَن الذَّهَب فَأَعْجَبَهُمْ معتمله إِذْ خسف بِهِ وبهم
وَأخرج أَحْمد وَابْن ماجة وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن عبد الله بن عَمْرو قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يكون فِي أمتِي خسف وَقذف ومسخ
وَأخرج أَحْمد وَالْبَغوِيّ وَابْن قَانِع وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن عبد الله بن صحار الْعَبْدي عَن أَبِيه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا تقوم السَّاعَة حَتَّى يخسف بقبائل من الْعَرَب فَيُقَال من بني فلَان
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عبد الله بن عَمْرو قَالَ: ليخسفن بِالدَّار إِلَى جنب الدَّار وبالدار إِلَى جنب الدَّار حَيْثُ تكون الْمَظَالِم
وَأخرج ابْن سعد عَن أبي عَاصِم الْغَطَفَانِي قَالَ: كَانَ حُذَيْفَة رَضِي الله عَنهُ لَا يزَال يحدث الحَدِيث يستفظعونه فَقيل لَهُ يُوشك أَن تحدثنا أَنه سَيكون فِينَا مسخ قَالَ: نعم لَيَكُونن فِيكُم مسخ قردة وَخَنَازِير
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي ذمّ الملاهي عَن فرقد السبخي قَالَ: قَرَأت فِي التَّوْرَاة الَّتِي جَاءَ بهَا جِبْرِيل إِلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام: لَيَكُونن مسخ وَقذف وَخسف فِي أمة مُحَمَّد فِي أهل الْقبْلَة
قيل يَا أَبَا يَعْقُوب: مَا أَعْمَالهم قَالَ: باتخاذهم الْقَيْنَات وضربهم بِالدُّفُوفِ ولباسهم الْحَرِير وَالذَّهَب وَلنْ تغيب حَتَّى ترى أعمالاً أزلية فاستيقن واستعد وَاحْذَرْ
قيل: مَا هِيَ قَالَ: تكافأ الرِّجَال بِالرِّجَالِ وَالنِّسَاء بِالنسَاء ورغبت الْعَرَب فِي آنِية الْعَجم فَعِنْدَ ذَلِك
ثمَّ قَالَ: وَالله ليقذفن رجال من السَّمَاء بِالْحِجَارَةِ يشدخون بهَا فِي طرقهم وقبائلهم كَمَا فعل بِقوم لوط وليمسخن آخَرُونَ قردة وَخَنَازِير كَمَا فعل ببني إِسْرَائِيل وليخسف بِقوم كَمَا خسف بقارون
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن سَالم بن أبي الْجَعْد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: ليَأْتِيَن على النَّاس زمَان يَجْتَمعُونَ فِيهِ على بَاب رجل مِنْهُم ينتظرون أَن يخرج إِلَيْهِم فيطلبون إِلَيْهِ الْحَاجة فَيخرج إِلَيْهِم وَقد مسخ قرداً أَو خنزيراً وليمرنَّ الرجل على الرجل فِي حانوته يَبِيع فَيرجع عَلَيْهِ وَقد مسخ قرداً أَو خنزيراً
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن أبي الزَّاهِرِيَّة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لَا تقوم السَّاعَة حَتَّى يمشي الرّجلَانِ إِلَى الْأَمر يعملانه فيمسخ أَحدهمَا قرداً أَو خنزيراً فَلَا يمْنَع الَّذِي(7/491)
نجا مِنْهُمَا مَا رأى بِصَاحِبِهِ أَن يمشي إِلَى شَأْنه ذَلِك حَتَّى يقْضِي شَهْوَته وَحَتَّى يمشي الرّجلَانِ إِلَى الْأَمر يعملانه فيخسف بِأَحَدِهِمَا فَلَا يمْنَع الَّذِي نجا مِنْهُمَا مَا رأى بِصَاحِبِهِ أَن يمْضِي إِلَى شَأْنه ذَلِك حَتَّى يقْضِي شَهْوَته مِنْهُ
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن عبد الرَّحْمَن بن غنم قَالَ: يُوشك أَن تقعد أمتان على رحى فتطحنان فتمسخ إِحْدَاهمَا وَالْأُخْرَى تنظر
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن ابْن غنم قَالَ: سَيكون خباءان متجاوران فينشق بَينهمَا نهر فيسقيان مِنْهُ بِسَهْم وَاحِد يقبس بَعضهم من بعض فيصبحان يَوْمًا من الْأَيَّام قد خسف بِأَحَدِهِمَا وَالْآخر حيّ
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن مَالك بن دِينَار قَالَ: بَلغنِي أَن ريحًا تكون فِي آخر الزَّمَان وظلمة فَيفزع النَّاس إِلَى عُلَمَائهمْ فيجدونهم قد مسخوا
وَأخرج التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول عَن أبي أُمَامَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يكون فِي أمتِي فزعة فَيصير النَّاس إِلَى عُلَمَائهمْ فَإِذا هم قردة وَخَنَازِير
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن حُذَيْفَة أَنه قَالَ: لتعملن عمل بني إِسْرَائِيل فَلَا يكون فيهم شَيْء إِلَّا كَانَ فِيكُم مثله
فَقَالَ رجل: يكون منا قردة وَخَنَازِير قَالَ: وَمَا يبرئك من ذَلِك لَا أم لَك وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن حُذَيْفَة قَالَ: كَيفَ أَنْتُم إِذا أَتَاكُم زمَان يخرج أحدهم من حجلته إِلَى حشه فَيرجع وَقد مسخ قرداً
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أنس أَن عبد الله بن سَلام قَالَ يَا رَسُول الله: مَا أول أَشْرَاط السَّاعَة قَالَ: نَار تحْشر النَّاس من الْمشرق إِلَى الْمغرب
وَأخرج الدَّارقطني فِي الْأَفْرَاد وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن عبد الله بن عَمْرو قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: تبْعَث نَار على أهل الْمشرق فتحشرهم إِلَى الْمغرب تبيت مَعَهم حَيْثُ باتوا وتقيل مَعَهم حَيْثُ قَالُوا يكون لَهَا مَا سقط مِنْهُم وتخلف تسوقهم سوق الْجمل الكسير
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَالتِّرْمِذِيّ وَقَالَ: حسن صَحِيح عَن عبد الله بن عَمْرو قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ستخرج نَار قبل يَوْم الْقِيَامَة من بَحر حَضرمَوْت تحْشر النَّاس قَالُوا يَا رَسُول الله: فَمَا تَأْمُرنَا قَالَ: عَلَيْكُم بِالشَّام(7/492)
أما قَوْله تَعَالَى: {فَأنى لَهُم إِذا جَاءَتْهُم ذكراهم}
أخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله {فَأنى لَهُم إِذا جَاءَتْهُم ذكراهم} يَقُول: إِذا جَاءَت السَّاعَة أَنى لَهُم الذكرى
وخ عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة {فَأنى لَهُم إِذا جَاءَتْهُم ذكراهم} قَالَ: إِذا جَاءَتْهُم السَّاعَة فَأنى لَهُم أَن يذكرُوا ويتوبوا ويعملوا وَالله أعلم
أما قَوْله تَعَالَى: {فَأعْلم أَنه لَا إِلَه إِلَّا الله}
أخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه والديلمي عَن عبد الله بن عَمْرو عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: أفضل الذّكر لَا إِلَه إِلَّا الله وَأفضل الدُّعَاء الاسْتِغْفَار ثمَّ قَرَأَ {فَاعْلَم أَنه لَا إِلَه إِلَّا الله واستغفر لذنبك وَلِلْمُؤْمنِينَ وَالْمُؤْمِنَات}
وَأخرج أَبُو يعلى عَن أبي بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: عَلَيْكُم بِلَا إِلَه إِلَّا الله وَالِاسْتِغْفَار فَأَكْثرُوا مِنْهُمَا فَإِن إِبْلِيس قَالَ: أهلكت النَّاس بِالذنُوبِ وأهلكوني بِلَا إِلَه إِلَّا الله وَالِاسْتِغْفَار فَلَمَّا رَأَيْت ذَلِك اهلكتهم بالأهواء وهم يحسبون أَنهم مهتدون
وَأخرج أَحْمد وَالنَّسَائِيّ وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَالتِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن معَاذ بن جبل رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا يَمُوت عبد يشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَنِّي رَسُول الله يرجع ذَلِك إِلَى قلب موقن إِلَّا دخل الْجنَّة وَفِي لفظ: إِلَّا غفر الله لَهُ
وَأخرج أَحْمد وَالْبَزَّار وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ عَن معَاذ بن جبل رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مِفْتَاح الْجنَّة شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَيْسَ شَيْء إِلَّا بَينه وَبَين الله حجاب إِلَّا قَول لَا إِلَه إِلَّا الله وَدُعَاء الْوَالِد
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا قَالَ عبد لَا إِلَه إِلَّا الله مخلصاً إِلَّا فتحت لَهُ أَبْوَاب السَّمَاء حَتَّى تُفْضِي إِلَى الْعَرْش
وَأخرج أَحْمد عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِمعَاذ بن جبل: اعْلَم أَنه من مَاتَ يشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله دخل الْجنَّة
وَأخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَابْن ماجة وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن(7/493)
عتْبَان بن مَالك رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لن يوافي عبد يَوْم الْقِيَامَة يَقُول لَا إِلَه إِلَّا الله يَبْتَغِي بذلك وَجه الله إِلَّا حرم على النَّار
وَأخرج أَحْمد عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من شهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَنِّي رَسُول الله فَلَنْ تطعمه النَّار
وَأخرج أَحْمد وَالطَّبَرَانِيّ عَن سُهَيْل بن الْبَيْضَاء رَضِي الله عَنهُ قَالَ: بَيْنَمَا نَحن فِي سفر مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَنا رديفه فَقَالَ: يَا سُهَيْل بن بَيْضَاء وَرفع صَوته فَاجْتمع النَّاس فَقَالَ: إِنَّه من شهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله حرمه الله على النَّار وَأوجب لَهُ الْجنَّة
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن يحيى بن طلحه بن عبيد الله رَضِي الله عَنهُ قَالَ: رُؤِيَ طَلْحَة حَزينًا فَقيل لَهُ: مَا لَك قَالَ: إِنِّي سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: إِنِّي لأعْلم كلمة لَا يَقُولهَا عبد عِنْد مَوته إِلَّا نفَّسَ الله عَنهُ كربته وأشرق لَونه وَرَأى مَا يسره وَمَا مَنَعَنِي أَن أسأله عَنْهَا إِلَّا الْقُدْرَة عَلَيْهِ حَتَّى مَاتَ فَقَالَ عمر: إِنِّي لأعلمها فَقَالَ: فَمَا هِيَ قَالَ: لَا نعلم كلمة هِيَ أعظم من كلمة أَمر بهَا عَمه
لَا إِلَه إِلَّا الله قَالَ: فَهِيَ وَالله هِيَ
وَأخرج أَحْمد وَمُسلم وَالنَّسَائِيّ وَابْن حبَان وَالْبَيْهَقِيّ عَن عُثْمَان قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من مَاتَ وَهُوَ يعلم أَن لَا إِلَه إِلَّا الله دخل الْجنَّة
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن أبي ذَر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يَا أَبَا ذَر بشّر النَّاس أَنه من قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله دخل الْجنَّة
وَأخرج أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان وَالْبَيْهَقِيّ عَن عبَادَة بن الصَّامِت رَضِي الله عَنهُ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: من شهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله حرم الله عَلَيْهِ النَّار
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله أنجته يَوْمًا من الدَّهْر أَصَابَهُ قبلهَا مَا أَصَابَهُ
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن الْحسن قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله طلست مَا فِي صَحِيفَته من السَّيِّئَات حَتَّى يعود إِلَى مثلهَا
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن حُذَيْفَة رَضِي الله عَنهُ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: من ختم لَهُ بِشَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله صَادِقا دخل الْجنَّة وَمن ختم لَهُ بِصَوْم يَوْم يَبْتَغِي بِهِ وَجه الله دخل الْجنَّة وَمن ختم لَهُ عِنْد الْمَوْت بإطعام مِسْكين يَبْتَغِي بِهِ وَجه الله دخل الْجنَّة(7/494)
قَوْله تَعَالَى: {واستغفر لذنبك وَلِلْمُؤْمنِينَ وَالْمُؤْمِنَات} الْآيَة
أخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الْإِيمَان عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {واستغفر لذنبك وَلِلْمُؤْمنِينَ وَالْمُؤْمِنَات} قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِنِّي لأستغفر الله فِي الْيَوْم سبعين مرّة
وَأخرج أَحْمد وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه عَن عبد الله بن سرجس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أتيت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأكلت مَعَه من طَعَام فَقلت: غفر الله لَك يَا رَسُول الله
قَالَ: وَلَك
فَقيل: أسْتَغْفر لَك يَا رَسُول الله قَالَ: نعم وَلكم وَقَرَأَ {واستغفر لذنبك وَلِلْمُؤْمنِينَ وَالْمُؤْمِنَات}
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه عَن عبيد بن الْمُغيرَة رضى الله عَنهُ قَالَ: سَمِعت حُذَيْفَة رَضِي الله عَنهُ تَلا قَوْله تَعَالَى {فَاعْلَم أَنه لَا إِلَه إِلَّا الله واستغفر لذنبك} قَالَ: كنت ذرب اللِّسَان على أَهلِي فَقلت يَا رَسُول الله: إِنِّي أخْشَى أَن يُدخلني لساني النَّار
فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: فَأَيْنَ أَنْت عَن الإِستغفار أَنِّي لأستغفر الله فِي كل يَوْم مائَة مرّة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَابْن مرْدَوَيْه وَالطَّبَرَانِيّ عَن أبي مُوسَى رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا أَصبَحت غَدَاة قطّ إِلَّا استغفرت الله فِيهَا مائَة مرّة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن رجل من الْمُهَاجِرين يُقَال لَهُ الْأَغَر قَالَ: سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: يَا أَيهَا النَّاس اسْتَغْفرُوا الله وتوبوا إِلَيْهِ فَإِنِّي اسْتغْفر الله وَأَتُوب إِلَيْهِ فِي كل يَوْم مائَة مرّة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن حبَان وَابْن مرْدَوَيْه عَن الْأَغَر الْمُزنِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِنَّه ليغان على قلبِي وَأَنِّي لأستغفر الله كل يَوْم مائَة مرّة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: إِنَّا كُنَّا لنعد لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْمجْلس يَقُول: رب اغْفِر لي وَتب عليّ إِنَّك أَنْت التواب الرَّحِيم مائَة مرّة وَفِي لفظ التواب والغفور(7/495)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن ماجة عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَنِّي لأستغفر الله وَأَتُوب إِلَيْهِ فِي الْيَوْم مائَة مرّة
أما قَوْله تَعَالَى: {وَالله يعلم متقلبكم ومثواكم}
أخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {وَالله يعلم متقلبكم} فِي الدُّنْيَا {ومثواكم} فِي الْآخِرَة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج رَضِي الله عَنهُ {وَالله يعلم متقلبكم ومثواكم} قَالَ: متقلب كل دَابَّة بِاللَّيْلِ وَالنَّهَار
الْآيَات 20 - 24(7/496)
وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلَا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلَى لَهُمْ (20) طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ (21) فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ (23) أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (24)
أخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {وَيَقُول الَّذين آمنُوا لَوْلَا نزلت سُورَة فَإِذا أنزلت سُورَة محكمَة} الْآيَة قَالَ: كل سُورَة أنزل فِيهَا الْجِهَاد فَهِيَ محكمَة وَهِي أَشد الْقُرْآن على الْمُنَافِقين
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَيَقُول الَّذين آمنُوا} الْآيَة قَالَ: كَانَ الْمُؤْمِنُونَ يشتاقون إِلَى كتاب الله تَعَالَى وَإِلَى بَيَان مَا ينزل عَلَيْهِم فِيهِ فَإِذا أنزلت السُّورَة يذكر فِيهَا الْقِتَال رَأَيْت يَا مُحَمَّد الْمُنَافِقين {ينظرُونَ إِلَيْك نظر المغشي عَلَيْهِ من الْمَوْت فَأولى لَهُم} قَالَ: وَعِيد من الله لَهُم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله {فَأولى لَهُم} قَالَ: هَذِه وَعِيد ثمَّ انْقَطع الْكَلَام فَقَالَ {طَاعَة وَقَول مَعْرُوف} يَقُول: طَاعَة الله وَرَسُوله وَقَول بِالْمَعْرُوفِ عِنْد حقائق الْأُمُور خير لَهُم(7/496)
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {طَاعَة وَقَول مَعْرُوف} قَالَ: أَمر الله عز وَجل بذلك الْمُنَافِقين فَإِذا عزم الْأَمر قَالَ: جد الْأَمر
أخرج الْحَاكِم عَن عبد الله بن مُغفل رضى الله عَنهُ قَالَ: سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقْرَأ {فَهَل عسيتم إِن توليتم}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {فَهَل عسيتم إِن توليتم} الْآيَة قَالَ: كَيفَ رَأَيْتُمْ الْقَوْم حِين توَلّوا عَن كتاب الله ألم يسفكوا الدَّم الْحَرَام وَقَطعُوا الْأَرْحَام وعصوا الرَّحْمَن
وَأخرج عبد بن حميد عَن بكر بن عبد الله الْمُزنِيّ فِي قَوْله {فَهَل عسيتم إِن توليتم} الْآيَة قَالَ: مَا أَرَاهَا نزلت إِلَّا فِي الحرورية
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن بُرَيْدَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كنت جَالِسا عِنْد عمر رَضِي الله عَنهُ إِذْ سمع صائحاً فَقَالَ يَا يرفا أنظر مَا هَذَا الصَّوْت فَنظر ثمَّ جَاءَ فَقَالَ: جَارِيَة من قُرَيْش تبَاع أمهَا
فَقَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ: ادْع لي الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار فَلم يمْكث إِلَّا سَاعَة حَتَّى امْتَلَأت الدَّار والحجرة فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ: أما بعد فَهَل تعلمونه كَانَ فِيمَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم القطيعة قَالُوا: لَا
قَالَ: فَإِنَّهَا قد أَصبَحت فِيكُم فَاشِية
ثمَّ قَرَأَ {فَهَل عسيتم إِن توليتم أَن تفسدوا فِي الأَرْض وتقطعوا أَرْحَامكُم} ثمَّ قَالَ: وَأي قطيعة أقطع من أَن تبَاع أم امرىء فِيكُم وَقد أوسع الله لكم قَالُوا: فأصنع مَا بدا لَك فَكتب فِي الْآفَاق أَن لَا تبَاع أمُّ حر فَإِنَّهَا قطيعة رحم وَأَنه لَا يحل
وَأخرج عبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالنَّسَائِيّ والحكيم وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن جرير وَابْن حبَان وَالْحَاكِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن الله خلق الْخلق حَتَّى إِذا فرغ مِنْهُم قَامَت الرَّحِم فَأخذت بحقو الرَّحْمَن فَقَالَ: مَه فَقَالَت: هَذَا مقَام العائذ بك من القطيعة قَالَ: نعم أما ترضي أَن أصل من وصلك وأقطع من قَطعك قَالَت: بلَى قَالَ: فَذَاك لَك ثمَّ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: اقرؤا إِن شِئْتُم {فَهَل عسيتم إِن توليتم أَن تفسدوا فِي الأَرْض وتقطعوا أَرْحَامكُم أُولَئِكَ الَّذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أَبْصَارهم أَفلا يتدبرون الْقُرْآن أم على قُلُوب أقفالها}(7/497)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن الرَّحِم معلقَة بالعرش تَقول من وصلني وَصله الله وَمن قطعني قطعه الله
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: إِن للرحم لِسَانا يَوْم الْقِيَامَة تَحت الْعَرْش فَتَقول يَا رب قطعت يَا رب ظلمت يَا رب أُسِيء إليّ فيجيبها رَبهَا أَلا ترْضينَ أَن أصل من وصلك وأقطع من قَطعك
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن للرحم لِسَانا ذلقاً يَوْم الْقِيَامَة ربِّ صل من وصلني واقطع من قطعني
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالْبَيْهَقِيّ عَن طَاوس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن للرحم شُعْبَة من الرَّحْمَن تَجِيء يَوْم الْقِيَامَة لَهَا جلبة تَحت الْعَرْش تكلم بِلِسَان ذلق فَمن أشارت إِلَيْهِ بوصل وَصله الله وَمن أشارت إِلَيْهِ بِقطع قطعه الله
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن جَابر بن عبد الله رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن الرَّحِم معلقَة بالعرش لَهَا لِسَان ذلق تَقول اللَّهُمَّ صِلْ من وصلني واقطع من قطعني
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالْحَاكِم وصححاه وَالْبَيْهَقِيّ عَن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف رَضِي الله عَنهُ أَنه سمع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: قَالَ الله أَنا الرَّحْمَن خلقت الرَّحِم وشققت لَهَا اسْما من اسْمِي فَمن وَصلهَا وصلته وَمن قطعهَا قطعته وَمن بتها بتته
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن عبد الله بن أبي أوفى قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَشِيَّة عَرَفَة فِي حَلقَة فَقَالَ: إِنَّا لَا نحل لرجل أَمْسَى قَاطع رحم إِلَّا قَامَ عَنَّا فَلم يقم إِلَّا فَتى كَانَ فِي أقْصَى الْحلقَة فَأتى خَالَة لَهُ فَقَالَت: مَا جَاءَ بك فَأَخْبرهَا بِمَا قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ رَجَعَ فَجَلَسَ فِي مَجْلِسه فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا لي لَا أرى أحدا قَامَ من الْحلقَة غَيْرك فَأخْبرهُ بِمَا قَالَ لخالته وَمَا قَالَت لَهُ فَقَالَ: اجْلِسْ فقد أَحْسَنت أَلا أَنَّهَا لَا تنزل الرَّحْمَة على قوم فيهم قَاطع رحم
وَأخرج أَحْمد وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن أَعمال بني آدم تعرض عَشِيَّة كل خَمِيس فَلَا يقبل عمل قَاطع رحم(7/498)
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن عَمْرو بن عبسة قَالَ: أتيت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أول مَا بعث وَهُوَ بِمَكَّة فَقلت: مَا أَنْت قَالَ: نَبِي
قلت: بِمَ أرْسلت قَالَ: بِأَن تعبد الله وتكسر الْأَصْنَام وَتصل الْأَرْحَام بِالْبرِّ والصلة
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ أَن نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: قَالَ الله أَنا الرَّحْمَن وَهِي الرَّحِم فَمن وَصلهَا وصلته وَمن قطعهَا قطعته
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن سعيد بن زيد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: الرَّحِم شجنة من الرَّحْمَن فَمن وَصلهَا وَصله الله وَمن قطعهَا قطعه الله
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: الرَّحِم شجنة من الله فَمن وَصلهَا وَصله الله وَمن قطعهَا قطعه
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالْحَاكِم وصححاه وَالْبَيْهَقِيّ عَن عبد الله بن عمر يرفعهُ إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: الراحمون يرحمهم الرَّحْمَن ارحموا أهل الأَرْض يَرْحَمكُمْ أهل السَّمَاء الرَّحِم شجنة من الرَّحْمَن فَمن وَصلهَا وَصله وَمن قطعهَا قطعه
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن عبد الله بن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: انْتَهَيْت إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ فِي قبَّة من أَدَم حَمْرَاء فِي نَحْو من أَرْبَعِينَ رجلا فَقَالَ: إِنَّه مَفْتُوح لكم وَإِنَّكُمْ منصورون ومصيبون فَمن أدْرك مِنْكُم ذَلِك فليتق الله وليأمر بِالْمَعْرُوفِ وَلينه عَن الْمُنكر وَليصل رَحمَه وَمثل الَّذِي يعين قومه على غير الْحق كَمثل الْبَعِير يتردى فَهُوَ يتردى بِذَنبِهِ
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: قلت يَا رَسُول الله: أوصني قَالَ: أقِم الصَّلَاة وأدِ الزَّكَاة وصم رَمَضَان وَحج الْبَيْت وَاعْتمر وبر والديك وصل رَحِمك واقرِ الضَّيْف وأمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وانْهَ عَن الْمُنكر وَزُلْ مَعَ الْحق حَيْثُ زَالَ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن عبد الله بن سَلام قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: افشوا السَّلَام وأطعموا الطَّعَام وصلوا الْأَرْحَام وصلوا بِاللَّيْلِ وَالنَّاس نيام تدْخلُوا الْجنَّة بِسَلام
وَأخرج أَحْمد وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات وَابْن نصر فِي(7/499)
الصَّلَاة وَابْن حبَان عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قلت يَا رَسُول الله: إِذا رَأَيْتُك طابت نَفسِي وقرت عَيْني فأنبئني عَن كل شَيْء قَالَ: كل شَيْء خلق من مَاء
قلت انبئني عَن أَمر إِذا عملت بِهِ دخلت الْجنَّة
قَالَ: إفْشِ السَّلَام وَأطْعم الطَّعَام وصل الْأَرْحَام وقم بِاللَّيْلِ وَالنَّاس نيام ثمَّ أَدخل الْجنَّة بِسَلام
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن الله ليعمر بالقوم ويُكثر لَهُم الْأَمْوَال وَمَا نظر إِلَيْهِم مُنْذُ خلقهمْ بغضاً لَهُم
قَالُوا: وَكَيف ذَاك يَا رَسُول الله قَالَ: بصلتهم أرحامهم
وَأخرج الطَّيَالِسِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إعرفوا أنسابكم تصلوا أَرْحَامكُم فَإِنَّهُ لَا قرب لرحم إِذا قطعت وَإِن كَانَت قريبَة وَلَا بعد لَهَا إِذا وصلت وَإِن كَانَت بعيدَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن عبد الله بن عَمْرو عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: تَجِيء الرَّحِم يَوْم الْقِيَامَة كحجنة المغزل فتتكلم بِلِسَان ذلق طلق فتصل من وَصلهَا وتقطع من قطعهَا
وَأخرج الْبَزَّار وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن ثَوْبَان رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: ثَلَاث معلقات بالعرش: الرَّحِم تَقول: اللَّهُمَّ إِنِّي بك فَلَا أقطع وَالْأَمَانَة تَقول: اللَّهُمَّ إِنِّي بك فَلَا أخان وَالنعْمَة تَقول: اللَّهُمَّ إِنِّي بك فَلَا أكفر
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ عَن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ثَلَاث تَحت الْعَرْش الْقُرْآن لَهُ ظهر وبطن يحاج الْعباد وَالرحم تنادي صل من وصلني واقطع من قطعني وَالْأَمَانَة
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: الرَّحِم معلقَة بالعرش فَإِذا أَتَاهَا الْوَاصِل بشرت بِهِ وكلمته وَإِذا أَتَاهَا الْقَاطِع احْتَجَبت مِنْهُ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَابْن حبَان وَالطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ والحكيم التِّرْمِذِيّ عَن عبد الله بن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: الرَّحِم شجنة معلقَة بالعرش
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالطَّبَرَانِيّ عَن أم سَلمَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: الرَّحِم شجنة آخذة بحجزة الرَّحْمَن تناشده حَقّهَا فَيَقُول: أَلا ترْضينَ أَن(7/500)
أصل من وصلك وأقطع من قَطعك من وصلك فقد وصلني وَمن قَطعك فقد قطعني
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ والخرائطي فِي مساوىء الْأَخْلَاق عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَا يدْخل الْجنَّة مدمن الْخمر وَلَا العاقّ وَلَا المنّان قَالَ ابْن عَبَّاس: شقّ ذَلِك على الْمُؤمنِينَ يصيبون ذنوباً حَتَّى وجدت ذَلِك فِي كتاب الله فِي العاقّ {فَهَل عسيتم إِن توليتم أَن تفسدوا فِي الأَرْض وتقطعوا أَرْحَامكُم} و (لَا تُبْطِلُوا صَدقَاتكُمْ بالمن والأذى) (الْبَقَرَة الْآيَة 264) وَقَالَ (إِنَّمَا الْخمر وَالْميسر) (الْمَائِدَة الْآيَة 90)
قَوْله تَعَالَى: {أُولَئِكَ الَّذين لعنهم الله} الْآيَة
أخرج أَحْمد فِي الزّهْد وَعبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن سلمَان مَوْقُوفا وَالْحسن بن سُفْيَان وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن عَسَاكِر عَن سلمَان رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِذا ظهر القَوْل وخزن الْعَمَل وائتلفت الألسن وَاخْتلفت الْقُلُوب وَقطع كل ذِي رحم رَحمَه فَعِنْدَ ذَلِك {لعنهم الله فأصمهم وأعمى أَبْصَارهم}
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب الْعلم عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِذا النَّاس أظهرُوا الْعلم وضيعوا الْعَمَل وتحابوا بالألسن وتباغضوا بالقلوب وتقاطعوا فِي الْأَرْحَام لعنهم الله عِنْد ذَلِك {فأصمهم وأعمى أَبْصَارهم}
أما قَوْله تَعَالَى: {أَفلا يتدبرون الْقُرْآن أم على قُلُوب أقفالها}
أخرج إِسْحَق بن رَاهَوَيْه وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه عَن عُرْوَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: تَلا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: {أَفلا يتدبرون الْقُرْآن أم على قُلُوب أقفالها} فَقَالَ شَاب من أهل الْيمن بل عَلَيْهَا أقفالها حَتَّى يكون الله يفتحها أَو يفرجها فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: صدقت فَمَا زَالَ الشَّاب فِي نفس عمر رَضِي الله عَنهُ حَتَّى ولي فاستعان بِهِ
وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ فِي الافراد وَابْن مرْدَوَيْه عَن سهل بن سعد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: {أَفلا يتدبرون الْقُرْآن أم على قُلُوب أقفالها} فَقَالَ شَاب عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: بل وَالله عَلَيْهَا أقفالها حَتَّى يكون الله هُوَ الَّذِي يفكها
فَلَمَّا ولى عمر سَأَلَ عَن ذَلِك الشَّاب ليستعمله فَقيل: قد مَاتَ(7/501)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة {أَفلا يتدبرون الْقُرْآن} قَالَ: إِذا وَالله فِي الْقُرْآن زاجر عَن مَعْصِيّة الله قَالَ: لم يتدبره الْقَوْم ويعقلوه وَلَكنهُمْ أخذُوا بمتشابهه فهلكوا عِنْد ذَلِك
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن خَالِد بن معدان رَضِي الله عَنهُ قَالَ: مَا من عبد إِلَّا لَهُ أَربع أعين عينان فِي وَجهه يبصر بهما دُنْيَاهُ وَمَا يصلحه من معيشته وعينان فِي قلبه يبصر بهما دينه وَمَا وعد الله بِالْغَيْبِ فَإِذا أَرَادَ الله بِعَبْد خيرا فتح عَيْنَيْهِ اللَّذين فِي قلبه فأبصر بهما مَا وعد بِالْغَيْبِ وَإِذا أَرَادَ الله بِعَبْد سوء ترك الْقلب على مَا فِيهِ وَقَرَأَ {أم على قُلُوب أقفالها} وَمَا من عبد إِلَّا وَله شَيْطَان متبطن فقار ظَهره لاوٍ عُنُقه على عُنُقه فاغر فَاه على قلبه
وَأخرج الديلمي فِي مُسْند الفردوس عَن خَالِد بن معدان عَن معَاذ بن جبل رَضِي الله عَنهُ مَرْفُوعا إِلَى قَوْله: وَقَرَأَ {أم على قُلُوب أقفالها}
وَأخرج الديلمي عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يَأْتِي على النَّاس زمَان يخلق الْقُرْآن فِي قُلُوبهم يتهافتون تهافتاً قيل يَا رَسُول الله: وَمَا تهافتهم قَالَ: يقْرَأ أحدهم فَلَا يجد حلاوة وَلَا لَذَّة يبْدَأ أحدهم بالسورة وَإِنَّمَا مَعَه آخرهَا فَإِن عمِلُوا قَالُوا رَبنَا اغْفِر لنا وَإِن تركُوا الْفَرَائِض قَالُوا: لَا يعذبنا الله وَنحن لَا نشْرك بِهِ شَيْئا أَمرهم رَجَاء وَلَا خوف فيهم {أُولَئِكَ الَّذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أَبْصَارهم أَفلا يتدبرون الْقُرْآن أم على قُلُوب أقفالها}
الْآيَات 25 - 28(7/502)
إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ (25) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ (26) فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ (27) ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ (28)
أخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {إِن الَّذين ارْتَدُّوا على أدبارهم من بعد مَا تبين لَهُم الْهدى} قَالَ: هم(7/502)
أَعدَاء الله أهل الْكتاب يعْرفُونَ نعت مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه عِنْدهم ويجدونه مَكْتُوبًا فِي التَّوْرَاة والإِنجيل ثمَّ يكفرون بِهِ {الشَّيْطَان سوّل لَهُم} قَالَ: زين لَهُم {ذَلِك بِأَنَّهُم قَالُوا للَّذين كَرهُوا مَا نزل الله} قَالَ: هم المُنَافِقُونَ
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {إِن الَّذين ارْتَدُّوا على أدبارهم من بعد مَا تبين لَهُم الْهدى} قَالَ: الْيَهُود ارْتَدُّوا عَن الْهدى بعد أَن عرفُوا أَن مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَبِي {الشَّيْطَان سوّل لَهُم وأملى لَهُم} قَالَ: أمْلى الله لَهُم ذَلِك بِأَنَّهُم قَالُوا للَّذين كَرهُوا مَا نزل الله قَالَ: يهود تَقول لِلْمُنَافِقين من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَانُوا يسرون إِلَيْهِم إِنَّا {سنطيعكم فِي بعض الْأَمر} وَكَانَ بعض الْأَمر أَنهم يعلمُونَ أَن مُحَمَّدًا نَبِي وَقَالُوا: الْيَهُودِيَّة الدّين فَكَانَ المُنَافِقُونَ يطيعون الْيَهُود بِمَا أَمرتهم {وَالله يعلم إسرارهم} قَالَ: ذَلِك سر القَوْل {فَكيف إِذا توفتهم الْمَلَائِكَة يضْربُونَ وُجُوههم وأدبارهم} قَالَ: عِنْد الْمَوْت
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {إِن الَّذين ارْتَدُّوا على أدبارهم}
إِلَى {إسرارهم} هم أهل النِّفَاق
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {يضْربُونَ وُجُوههم وأدبارهم} قَالَ: يضْربُونَ وُجُوههم وأستاهم وَلَكِن الله كريم يكني
الْآيَات 29 - 32(7/503)
أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ (29) وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ (30) وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ (31) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ (32)
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {أم حسب الَّذين فِي قُلُوبهم مرض أَن لن يخرج الله أضغانهم} قَالَ: أَعْمَالهم
خبثهمْ والحسد الَّذِي فِي قُلُوبهم ثمَّ دلّ الله النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعد على الْمُنَافِقين فَكَانَ يَدْعُو باسم الرجل من أهل النِّفَاق(7/503)
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه وَابْن عَسَاكِر عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {ولتعرفنهم فِي لحن القَوْل} قَالَ: ببغضهم عَليّ بن أبي طَالب
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: مَا كُنَّا نَعْرِف الْمُنَافِقين على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَّا ببغضهم عَليّ بن أبي طَالب
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ أَنه تَلا هَذِه الْآيَة {ولنبلونكم حَتَّى نعلم الْمُجَاهدين} الْآيَة فَقَالَ: اللَّهُمَّ عافنا واسترنا وَلَا تبل أخبارنا
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم رَضِي الله عَنهُ أَنه قَرَأَ أَو ليبلونكم بِالْيَاءِ حَتَّى يعلم بِالْيَاءِ ويبلو بِالْيَاءِ وَنصب الْوَاو وَالله أعلم
الْآيَات 33 - 38(7/504)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ (33) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ مَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ (34) فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ (35) إِنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلَا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ (36) إِنْ يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ (37) هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ (38)
أخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي الْآيَة قَالَ: من اسْتَطَاعَ مِنْكُم أَن لَا يبطل عملا صَالحا بِعَمَل سوء فَلْيفْعَل وَلَا قوّة إِلَّا بِاللَّه فَإِن الْخَيْر ينْسَخ الشَّرّ فَإِنَّمَا ملاك الْأَعْمَال خواتيمها
وَأخرج عبد بن حميد وَمُحَمّد بن نصر الْمروزِي فِي كتاب الصَّلَاة وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي الْعَالِيَة قَالَ: كَانَ أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يرَوْنَ أَنه لَا يضر مَعَ لَا إِلَه إِلَّا الله ذَنْب كَمَا لَا ينفع مَعَ الشّرك عمل حَتَّى نزلت {أطِيعُوا الله وَأَطيعُوا الرَّسُول وَلَا تُبْطِلُوا أَعمالكُم}(7/504)
فخافوا أَن يبطل الذَّنب الْعَمَل وَلَفظ عبد بن حميد: فخافوا الْكَبَائِر أَن تحبط أَعمالكُم
وَأخرج ابْن نصر وَابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: كُنَّا معشر أَصْحَاب مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نرى أَنه لَيْسَ شَيْء من الْحَسَنَات إِلَّا مَقْبُولًا حَتَّى نزلت {أطِيعُوا الله وَأَطيعُوا الرَّسُول وَلَا تُبْطِلُوا أَعمالكُم} فَلَمَّا نزلت هَذِه الْآيَة قُلْنَا: مَا هَذَا الَّذِي يبطل أَعمالنَا فَقَالَ: الْكَبَائِر الموجبات وَالْفَوَاحِش فَكُنَّا إِذا رَأينَا من أصَاب شَيْئا مِنْهَا قُلْنَا: هلك حَتَّى نزلت هَذِه الْآيَة (إِن الله لَا يغْفر أَن يُشْرك بِهِ وَيغْفر مَا دون ذَلِك لمن يَشَاء) (سُورَة النِّسَاء الْآيَة 48) فَلَمَّا نزلت كففنا عَن القَوْل فِي ذَلِك وَكُنَّا إِذا رَأينَا أحدا أصَاب مِنْهَا شَيْئا خفنا عَلَيْهِ وَإِن لم يصب مِنْهَا شَيْئا رجونا لَهُ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {فَلَا تهنوا وَتَدعُوا إِلَى السّلم وَأَنْتُم الأعلون} يَقُول: وَلَا تَكُونُوا أول الطَّائِفَتَيْنِ صرعت صاحبتها ودعتها إِلَى الْمُوَادَعَة وَأَنْتُم أولى بِاللَّه مِنْهُم {وَلنْ يتركم أَعمالكُم} يَقُول: لن يظلمكم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {فَلَا تهنوا} قَالَ: لَا تضعفوا {وَأَنْتُم الأعلون} قَالَ: الغالبون {وَلنْ يتركم} قَالَ: لن ينقصكم
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {يتركم} قَالَ: يظلمكم
وَأخرج الْخَطِيب عَن النُّعْمَان بن بشير رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَرَأَ {فَلَا تهنوا وَتَدعُوا إِلَى السّلم} قَالَ مُحَمَّد بن الْمُنْتَشِر: منتصبة السِّين
وَأخرج أَبُو نصر السجْزِي فِي الْإِبَانَة عَن عبد الرَّحْمَن بن أَبْزَى قَالَ: كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقْرَأ هَؤُلَاءِ الأحرف (ادخُلُوا فِي السّلم) (سُورَة الْبَقَرَة الْآيَة 208) (وَإِن جنحوا للسلم) (سُورَة الْأَنْفَال الْآيَة 61) {وَتَدعُوا إِلَى السّلم} بِنصب السِّين
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {إِن يسألكموها} قَالَ: علم الله فِي مَسْأَلَة الْأَمْوَال خُرُوج الأضغان(7/505)
قَوْله تَعَالَى: {وَإِن تَتَوَلَّوْا} الْآيَة
أخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما نزلت {وَإِن تَتَوَلَّوْا يسْتَبْدل قوما غَيْركُمْ} قيل: من هَؤُلَاءِ وسلمان رَضِي الله عَنهُ إِلَى جنب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: هم الْفرس وَهَذَا وَقَومه
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: تَلا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَذِه الْآيَة {وَإِن تَتَوَلَّوْا يسْتَبْدل قوما غَيْركُمْ ثمَّ لَا يَكُونُوا أمثالكم} فَقَالُوا يَا رَسُول الله: من هَؤُلَاءِ الَّذين إِن تولينا استبدلوا بِنَا ثمَّ لَا يَكُونُوا أمثالنا فَضرب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على منْكب سلمَان ثمَّ قَالَ: هَذَا وَقَومه وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لَو كَانَ الإِيمان مَنُوطًا بِالثُّرَيَّا لتنَاوله رجال من فَارس
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن جَابر رَضِي الله عَنهُ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَلا هَذِه الْآيَة {وَإِن تَتَوَلَّوْا يسْتَبْدل قوما غَيْركُمْ} الْآيَة فَسئلَ من هم قَالَ: فَارس لَو كَانَ الدّين بِالثُّرَيَّا لتنَاوله رجال من فَارس
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {ويستبدل قوما غَيْركُمْ} قَالَ: من شَاءَ(7/506)
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم (48)
سُورَة الْفَتْح
مَدَنِيَّة وآياتها تسع وَعِشْرُونَ
مُقَدّمَة سُورَة الْفَتْح أخرج ابْن الضريس والنحاس وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: نزلت سُورَة الْفَتْح بِالْمَدِينَةِ
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن الزبير رَضِي الله عَنْهُمَا مثله
وَأخرج ابْن إِسْحَق وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن الْمسور بن مخرمَة ومروان قَالَا: نزلت سُورَة الْفَتْح بَين مَكَّة وَالْمَدينَة فِي شَأْن الْحُدَيْبِيَة من أَولهَا إِلَى آخرهَا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ فِي الشَّمَائِل وَالنَّسَائِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن عبد الله بن مُغفل رضى الله عَنهُ قَالَ: قَرَأَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَام الْفَتْح فِي مسيره سُورَة الْفَتْح على رَاحِلَته فَرجع فِيهَا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف عَن أبي بردة رَضِي الله عَنهُ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَرَأَ فِي الصُّبْح {إِنَّا فتحنا لَك فتحا مُبينًا}
الْآيَات 1 - 3(7/507)
إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا (1) لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (2) وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا (3)
أخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن حبَان وَابْن مرْدَوَيْه عَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي سفر فَسَأَلته عَن شَيْء ثَلَاث مَرَّات فَلم يرد عليَّ فَقلت فِي نَفسِي: ثكلتك أمك يَا ابْن الْخطاب نزرت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثَلَاث مَرَّات فَلم يردّ عَلَيْك فحركت بَعِيري ثمَّ تقدّمت أَمَام النَّاس وخشيت(7/507)
أَن ينزل فيَّ الْقُرْآن فَمَا نشبت أَن سَمِعت صَارِخًا يصْرخ بِي فَرَجَعت وَأَنا أَظن أَنه نزل فيَّ شَيْء فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لقد أنزلت عَليّ اللَّيْلَة سُورَة أحب إليَّ من الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا {إِنَّا فتحنا لَك فتحا مُبينًا ليغفر لَك الله مَا تقدم من ذَنْبك وَمَا تَأَخّر}
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَأَبُو دَاوُد وَابْن الْمُنْذر وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن مجمع بن جَارِيَة الْأنْصَارِيّ قَالَ: شَهِدنَا الْحُدَيْبِيَة فَلَمَّا انصرفنا عَنْهَا إِلَى كرَاع الغميم إِذا النَّاس يوجفون الأباعر فَقَالَ النَّاس بَعضهم لبَعض: مَا للنَّاس قَالُوا: أُوحِي إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فخرجنا مَعَ النَّاس نوجف فَإِذا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على رَاحِلَته على كرَاع الغميم فَاجْتمع النَّاس عَلَيْهِ فَقَرَأَ عَلَيْهِم: {إِنَّا فتحنا لَك فتحا مُبينًا} فَقَالَ رجل: يَا رَسُول الله: أوفتح هُوَ قَالَ: وَالَّذِي نفس مُحَمَّد بِيَدِهِ إِنَّه لفتح فقسمت خَيْبَر على أهل الْحُدَيْبِيَة لم يدْخل مَعَهم فِيهَا أحد إِلَّا من شهد الْحُدَيْبِيَة فَقَسمهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثَمَانِيَة عشر سَهْما وَكَانَ الْجَيْش ألفا وَخَمْسمِائة مِنْهُم ثلثمِائة فَارس فَأعْطى الْفَارِس سَهْمَيْنِ وَأعْطى الراجل سَهْما
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَالْبُخَارِيّ فِي تَارِيخه وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أَقبلنَا من الْحُدَيْبِيَة مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَبينا نَحن نسير إِذْ أَتَاهُ الْوَحْي وَكَانَ إِذا أَتَاهُ اشْتَدَّ عَلَيْهِ فسرّي عَنهُ وَبِه من السرُور مَا شَاءَ الله فَأخْبرنَا أَنه أنزل عَلَيْهِ {إِنَّا فتحنا لَك فتحا مُبينًا}
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ عَن أنس رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {إِنَّا فتحنا لَك فتحا مُبينًا} قَالَ: الْحُدَيْبِيَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَالْحَاكِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن أنس رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {إِنَّا فتحنا لَك فتحا مُبينًا} قَالَ: فتح خَيْبَر
وَأخرج البُخَارِيّ وَابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن الْبَراء رَضِي الله عَنهُ قَالَ: تَعدونَ أَنْتُم الْفَتْح فتح مَكَّة وَقد كَانَ فتح مَكَّة فتحا وَنحن نعد الْفَتْح بيعَة الرضْوَان يَوْم الْحُدَيْبِيَة
كُنَّا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَربع عشرَة مائَة وَالْحُدَيْبِيَة بِئْر فنزحناها فَلم نَتْرُك فِيهَا قَطْرَة فَبلغ ذَلِك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَتَاهَا فَجَلَسَ على شفيرها ثمَّ دَعَا بِإِنَاء(7/508)
من مَاء فَتَوَضَّأ ثمَّ تمضمض ودعا ثمَّ صبه فِيهَا تركناها غير بعيد ثمَّ إِنَّهَا أصدرتنا مَا شِئْنَا نَحن وركابنا
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن عُرْوَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أقبل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الْحُدَيْبِيَة رَاجعا فَقَالَ رجل من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: وَالله مَا هَذَا بِفَتْح لقد صُدِدْنَا عَن الْبَيْت وصدَّ هدينَا وَعَكَفَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْحُدَيْبِية ورد رجلَيْنِ من الْمُسلمين خرجا فَبلغ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَول رجال من أَصْحَابه: إنّ هَذَا لَيْسَ بِفَتْح فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: بئس الْكَلَام هَذَا أعظم الْفَتْح لقد رَضِي الْمُشْركُونَ أَن يَدْفَعُوكُمْ بِالرَّاحِ عَن بِلَادهمْ وَيَسْأَلُوكُمْ الْقَضِيَّة ويرغبون إِلَيْكُم فِي الإِياب وَقد كَرهُوا مِنْكُم مَا كَرهُوا وَقد أَظْفَرَكُم الله عَلَيْهِم وردكم سَالِمين غَانِمِينَ مَأْجُورِينَ فَهَذَا أعظم الْفَتْح
أنسيتم يَوْم أحد إِذْ تصعدون وَلَا تلوون على أحد وَأَنا أدعوكم فِي أخراكم أنسيتم يَوْم الْأَحْزَاب إِذْ جاؤوكم من فَوْقكُم وَمن أَسْفَل مِنْكُم وَإِذ زاغت الْأَبْصَار وَبَلغت الْقُلُوب الْحَنَاجِر وتظنون بِاللَّه الظنونا قَالَ الْمُسلمُونَ: صدق الله وَرَسُوله هُوَ أعظم الْفتُوح وَالله يَا نَبِي الله مَا فكرنا فِيمَا فَكرت فِيهِ ولأنت أعلم بِاللَّه وبالأمور منا
فَأنْزل الله سُورَة الْفَتْح
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث فِي قَوْله {إِنَّا فتحنا لَك فتحا مُبينًا} قَالَ: نزلت فِي الْحُدَيْبِيَة وَأصَاب فِي تِلْكَ الْغَزْوَة مَا لم يصب فِي غَزْوَة أصَاب أَن بُويِعَ بيعَة الرضْوَان فتح الْحُدَيْبِيَة وَغفر لَهُ مَا تقدم من ذَنبه وَمَا تَأَخّر وَبَايَعُوا بيعَة الرضْوَان وأطعموا نخيل خَيْبَر وَبلغ الْهَدْي مَحَله وَظَهَرت الرّوم على فَارس وَفَرح الْمُؤْمِنُونَ بِتَصْدِيق كتاب الله وَظُهُور أهل الْكتاب على الْمَجُوس
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن الْمسور ومروان فِي قصَّة الْحُدَيْبِيَة قَالَا: ثمَّ انْصَرف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَاجعا فَلَمَّا كَانَ بَين مَكَّة وَالْمَدينَة نزلت سُورَة الْفَتْح من أَولهَا إِلَى آخرهَا فَلَمَّا أَمن النَّاس وتفاوضوا لم يكلم أحدا بالإِسلام إِلَّا دخل فِيهِ فَلَقَد دخل فِي تِلْكَ السنين فِي الإِسلام أَكثر مِمَّا كَانَ فِيهِ قبل ذَلِك فَكَانَ صلح الْحُدَيْبِيَة فتحا عَظِيما
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {إِنَّا فتحنا لَك فتحا مُبينًا} قَالَ: إِنَّا قضينا لَك قَضَاء بَينا نزلت عَام الْحُدَيْبِيَة للنحر الَّذِي بِالْحُدَيْبِية وحلقة رَأسه(7/509)
وَأخرج عبد بن حميد وَعبد الرَّزَّاق وَابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {إِنَّا فتحنا لَك فتحا مُبينًا} قَالَ: قضينا لَك قَضَاء بَيَّنا
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَامر الشّعبِيّ رَضِي الله عَنهُ أَن رجلا سَأَلَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم الْحُدَيْبِيَة: أفتح هَذَا قَالَ: وأنزلت عَلَيْهِ {إِنَّا فتحنا لَك فتحا مُبينًا} فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: نعم عَظِيم قَالَ: وَكَانَ فصل مَا بَين الهجرتين فتح الْحُدَيْبِيَة قَالَ: (لَا يَسْتَوِي مِنْكُم من أنْفق من قبل الْفَتْح وَقَاتل) (الْحَدِيد 10) الْآيَة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {إِنَّا فتحنا لَك فتحا مُبينًا} قَالَ: فتح مَكَّة
وَأخرج ابْن عَسَاكِر من طَرِيق أبي خَالِد الوَاسِطِيّ عَن زيد بن عَليّ بن الْحُسَيْن عَن أَبِيه عَن جده عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: صلى بِنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْفجْر ذَات يَوْم بِغَلَس وَكَانَ يغلس ويسفر وَيَقُول: مَا بَين هذَيْن وَقت لكيلا يخْتَلف الْمُؤْمِنُونَ
فصلّى بِنَا ذَات يَوْم بِغَلَس فَلَمَّا قضى الصَّلَاة الْتفت إِلَيْنَا كَأَن وَجهه ورقة مصحف فَقَالَ: أفيكم من رأى اللَّيْلَة شَيْئا قُلْنَا: لَا يارسول الله
قَالَ: لكني رَأَيْت ملكَيْنِ أتياني اللَّيْلَة فأخذا بضبعي فَانْطَلقَا بِي إِلَى السَّمَاء الدُّنْيَا فمررت بِملك وأمامه آدَمِيّ وَبِيَدِهِ صَخْرَة فَيضْرب بهامة الْآدَمِيّ فَيَقَع دماغه جانباً وَتَقَع الصَّخْرَة جانباً
قلت: مَا هَذَا قَالَا لي: أمضه
فمضيت فَإِذا أَنا بِملك وأمامه آدَمِيّ وبيد الْملك كَلوب من حَدِيد فيضعه فِي شدقه الْأَيْمن فيشقه حَتَّى يَنْتَهِي إِلَى أُذُنه ثمَّ يَأْخُذ فِي الْأَيْسَر فيلتئم الْأَيْمن قلت: مَا هَذَا قَالَا: أمضه
فمضيت فَإِذا أَنا بنهر من دم يمور كمور الْمرجل على فِيهِ قوم عُرَاة على حافة النَّهر مَلَائِكَة بِأَيْدِيهِم مدرتان كلما طلع طالع قَذَفُوهُ بمدرة فَيَقَع فِي فِيهِ ويسيل إِلَى أَسْفَل ذَلِك النَّهر قلت: مَا هَذَا قَالَا: أمضه
فمضيت فَإِذا أَنا بِبَيْت أَسْفَله أضيق من أَعْلَاهُ فِيهِ قوم عُرَاة توقد من تَحْتهم النَّار أَمْسَكت على أنفي من نَتن مَا أجد من ريحهم قلت: من هَؤُلَاءِ قَالَا: أمضه
فمضيت فَإِذا أَنا بتل أسود عَلَيْهِ قوم مخبلون تنفخ النَّار فِي أدبارهم فَتخرج من أَفْوَاههم ومناخرهم وآذانهم وأعينهم قلت: مَا هَذَا قَالَا: أمضه
فمضيت فَإِذا أَنا بِنَار مطبقة مُوكل بهَا ملك لَا يخرج مِنْهَا شَيْء إِلَّا أتبعه حَتَّى يُعِيدهُ فِيهَا قلت: مَا هَذَا قَالَا لي: أمضه
فمضيت فَإِذا أَنا بروضة وَإِذا فِيهَا شيخ(7/510)
جميل لَا أجمل مِنْهُ وَإِذا حوله الْولدَان وَإِذا شَجَرَة وَرقهَا كآذان الفيلة
فَصَعدت مَا شَاءَ الله من تِلْكَ الشَّجَرَة وَإِذا أَنا بمنازل لَا أحسن مِنْهَا من زمردة جوفاء وزبر جدة خضراء وياقوته حَمْرَاء
قلت: مَا هَذَا قَالَا: أمضه
فمضيت فَإِذا أَنا بنهر عَلَيْهِ جسران من ذهب وَفِضة على حافتي النَّهر منَازِل لَا منَازِل أحسن مِنْهَا من درة جوفاء وياقوته حَمْرَاء وَفِيه قدحان وأباريق تطرد قلت: مَا هَذَا قَالَا لي: أنزل فَنزلت فَضربت بيَدي إِلَى إِنَاء مِنْهَا فغرفت ثمَّ شربت فَإِذا أحلى من عسل وَأَشد بَيَاضًا من اللين وألين من الزّبد
فَقَالَا لي: أما صَاحب الصَّخْرَة الَّتِي رَأَيْت يضْرب بهَا هامته فَيَقَع دماغه جانباً وَتَقَع الصَّخْرَة جانباً فَأُولَئِك الَّذين كَانُوا ينامون عَن صَلَاة الْعشَاء الْآخِرَة وَيصلونَ الصَّلَاة لغير مواقيتها يضْربُونَ بهَا حَتَّى يصيروا إِلَى النَّار
وَأما صَاحب الكلوب الَّذِي رَأَيْت ملكا موكلاً بِيَدِهِ كَلوب من حَدِيد يشق شدقه الْأَيْمن حَتَّى يَنْتَهِي إِلَى أُذُنه ثمَّ يَأْخُذ فِي الْأَيْسَر فيلتئم الْأَيْمن فَأُولَئِك الَّذين كَانُوا يَمْشُونَ بَين الْمُؤمنِينَ بالنميمة فيفسدون بَينهم فهم يُعَذبُونَ بهَا حَتَّى يصيروا إِلَى النَّار
وَأما مَلَائِكَة بِأَيْدِيهِم مدرتان من النَّار كلما طلع طالع قَذَفُوهُ بمدرة فَتَقَع فِي فِيهِ فينفتل إِلَى أَسْفَل ذَلِك النَّهر فَأُولَئِك أَكلَة الرِّبَا يُعَذبُونَ حَتَّى يصيروا إِلَى النَّار
وَأما الْبَيْت الَّذِي رَأَيْت أَسْفَله أضيق من أَعْلَاهُ فِيهِ قوم عُرَاة تتوقد من تَحْتهم النَّار أَمْسَكت على أَنْفك من نَتن مَا وجدت من ريحهم فَأُولَئِك الزناة وَذَلِكَ نَتن فروجهم يُعَذبُونَ حَتَّى يصيروا إِلَى النَّار
وَأما التل الْأسود الَّذِي رَأَيْت عَلَيْهِ قوما مخبلين تنفخ النَّار فِي أدبارهم فَتخرج من أَفْوَاههم ومناخرهم وأعينهم وآذانهم فَأُولَئِك الَّذين يعْملُونَ عمل قوم لوط الْفَاعِل وَالْمَفْعُول بِهِ فهم يُعَذبُونَ حَتَّى يصيروا إِلَى النَّار
وَأما النَّار المطبقة الَّتِي رَأَيْت ملكا موكلاً بهَا كلما خرج مِنْهَا شَيْء أتبعه حَتَّى يُعِيدهُ فِيهَا فَتلك جَهَنَّم تفرق بَين أهل الْجنَّة وَأهل النَّار
وَأما الرَّوْضَة الَّتِي رَأَيْت فَتلك جنَّة المأوى
وَأما الشَّيْخ الَّذِي رَأَيْت وَمن حوله من الْولدَان فَهُوَ إِبْرَاهِيم وهم بنوه
وَأما الشَّجَرَة الَّتِي رَأَيْت فطلعت إِلَيْهَا فِيهَا منَازِل لَا منَازِل أحسن مِنْهَا من زمردة جوفاء وزبرجدة خضراء وياقوته حَمْرَاء فَتلك منَازِل أهل عليين من النَّبِيين وَالصديقين وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحسن أُولَئِكَ رَفِيقًا
وَأما النَّهر فَهُوَ نهرك الَّذِي أَعْطَاك الله: الْكَوْثَر وَهَذِه منازلك وَأهل بَيْتك
قَالَ: فنوديت من فَوقِي: يَا مُحَمَّد سل تُعْطه
فارتعدت فرائصي ورجف فُؤَادِي واضطرب كل عُضْو مني وَلم أستطع أَن أُجِيب شَيْئا
فَأخذ أحد الْملكَيْنِ بِيَدِهِ الْيُمْنَى فوضعها فِي يَدي وَالْآخر(7/511)
يَده الْيُمْنَى فوضعها بَين كَتِفي فسكن ذَلِك مني ثمَّ نوديت من فَوقِي: يَا مُحَمَّد سل تعط
قَالَ: قلت: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك أَن تثبت شَفَاعَتِي وَأَن تلْحق بِي أهل بَيْتِي وَأَن أَلْقَاك وَلَا ذَنْب لي
قَالَ: ثمَّ ولي بِي
وَنزلت عَلَيْهِ هَذِه الْآيَة {إِنَّا فتحنا لَك فتحا مُبينًا ليغفر لَك الله مَا تقدم من ذَنْبك وَمَا تَأَخّر وَيتم نعْمَته عَلَيْك ويهديك صراطاً مُسْتَقِيمًا}
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: فَكَمَا أَعْطَيْت هَذِه كَذَلِك أعطانيها إِن شَاءَ الله تَعَالَى
وَأخرج السلَفِي فِي الطيوريات من طَرِيق يزِيد بن هَارُون رضى الله عَنهُ قَالَ: سَمِعت المَسْعُودِيّ رَضِي الله عَنهُ يَقُول: بَلغنِي أَن من قَرَأَ أول لَيْلَة من رَمَضَان {إِنَّا فتحنا لَك فتحا مُبينًا} فِي التَّطَوُّع حفظ ذَلِك الْعَام
قَوْله تَعَالَى: {ليغفر لَك الله مَا تقدم} الْآيَة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن عَامر وَأبي جَعْفَر رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {ليغفر لَك الله مَا تقدم من ذَنْبك} قَالَ: فِي الْجَاهِلِيَّة {وَمَا تَأَخّر} قَالَ: فِي الإِسلام
وَأخرج عبد بن حميد عَن سُفْيَان رَضِي الله عَنهُ قَالَ: بلغنَا فِي قَوْله الله {ليغفر لَك الله مَا تقدم من ذَنْبك وَمَا تَأَخّر} قَالَ: مَا تقدم مَا كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّة وَمَا تَأَخّر: مَا كَانَ فِي الإِسلام مَا لم يَفْعَله بعد
وَأخرج ابْن سعد عَن مجمع بن جَارِيَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما كُنَّا بضجنان رَأَيْت النَّاس يركضون وَإِذا هم يَقُولُونَ: أنزل على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فركضت مَعَ النَّاس حَتَّى توافينا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِذا هُوَ يقْرَأ {إِنَّا فتحنا لَك فتحا مُبينًا} فَلَمَّا نزل بهَا جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: لِيَهنك يَا رَسُول الله فَلَمَّا هنأه جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام هنأه الْمُسلمُونَ
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه وَابْن عَسَاكِر عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: لما أنزل على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {إِنَّا فتحنا لَك فتحا مُبينًا} الْآيَة اجْتهد فِي الْعِبَادَة فَقيل: يَا رَسُول الله مَا هَذَا الإِجتهاد وَقد غفر الله لَك مَا تقدم من ذَنْبك وَمَا تَأَخّر قَالَ: أَفلا أكون عبدا شكُورًا
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات وَابْن عَسَاكِر عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما نزلت {إِنَّا فتحنا لَك فتحا مُبينًا ليغفر لَك الله مَا تقدم من ذَنْبك وَمَا تَأَخّر} صَامَ وصلّى حَتَّى انتفخت قدماه وَتعبد حَتَّى صَار كالشن(7/512)
الْبَالِي فَقيل لَهُ: أتفعل هَذَا بِنَفْسِك وَقد غفر الله لَك مَا تقدم من ذَنْبك وَمَا تَأَخّر قَالَ: أَفلا أكون عبدا شكُورًا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد فِي الزّهْد عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَأْخُذهُ الْعِبَادَة حَتَّى يخرج على النَّاس كالشن الْبَالِي فَقيل لَهُ: يَا رَسُول الله أَلَيْسَ قد غفر الله لَك مَا تقدم من ذَنْبك وَمَا تَأَخّر قَالَ: أَفلا أكون عبدا شكُورًا وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن أبي جُحَيْفَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقوم حَتَّى تفطر قدماه فَقيل لَهُ: أَلَيْسَ قد غفر الله لَك مَا تقدم من ذَنْبك وَمَا تَأَخّر قَالَ: أَفلا أكون عبدا شكُورًا
وَأخرج أَبُو يعلى وَابْن عَسَاكِر عَن أنس رَضِي الله عَنهُ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَامَ يُصَلِّي حَتَّى تورمت قدماه فَقيل لَهُ: أَلَيْسَ قد غفر الله لَك مَا تقدم من ذَنْبك وَمَا تَأَخّر قَالَ: أَفلا أكون عبدا شكُورًا
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن النُّعْمَان بن بشير رَضِي الله عَنهُ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يُصَلِّي حَتَّى ترم قدماه
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان وَابْن عَسَاكِر عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي حَتَّى ترم قدماه فَقيل لَهُ: أتفعل هَذَا وَقد غفر الله لَك مَا تقدم من ذَنْبك وَمَا تَأَخّر قَالَ: أَفلا أكون عبدا شكُورًا
وَأخرج الْحسن بن سُفْيَان وَابْن عَسَاكِر عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي حَتَّى ترم قدماه قلت يَا رَسُول الله: أتفعل هَذَا وَقد غفر الله لَك مَا تقدم من ذَنْبك وَمَا تَأَخّر قَالَ: أَفلا أكون عبادا شكُورًا
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن أَحْمد بن إِسْحَق بن إِبْرَاهِيم بن نبيط بن شريط الشجعي رَضِي الله عَنهُ قَالَ: حَدثنِي أبي عَن أَبِيه عَن جده رَضِي الله عَنهُ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلّى حَتَّى تورمت قدماه فَقيل لَهُ يَا رَسُول الله: أتفعل هَذَا وَقد غفر الله لَك مَا تقدم من ذَنْبك وَمَا تَأَخّر قَالَ: أَفلا أكون عبادا شكُورًا
وَأخرج ابْن عدي وَابْن عَسَاكِر عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: تعبد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى صَار كالشن الْبَالِي فَقَالُوا: يَا رَسُول الله مَا يحملك على هَذَا الإِجتهاد كُله وَقد غفر لَك مَا تقدم من ذَنْبك وَمَا تَأَخّر قَالَ: أَفلا أكون عبدا شكُورًا(7/513)
وَأخرج أَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي فِي اللَّيْل أَربع رَكْعَات ثمَّ يتروح فطال حَتَّى رَحمته فَقلت: بِأبي أَنْت وَأمي يَا رَسُول الله قد غفر الله لَك مَا تقدم من ذَنْبك وَمَا تَأَخّر قَالَ: أَفلا أكون عبدا شكُورًا
أما قَوْله تَعَالَى: {وينصرك الله نصرا عَزِيزًا}
أخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وينصرك الله نصرا عَزِيزًا} قَالَ: يُرِيد بذلك فتح مَكَّة وخيبر والطائف
الْآيَة 4(7/514)
هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (4)
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {هُوَ الَّذِي أنزل السكينَة فِي قُلُوب الْمُؤمنِينَ} قَالَ: السكينَة هِيَ الرَّحْمَة فِي قَوْله {ليزدادوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانهم} قَالَ: إِن الله بعث نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِشَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله فَمَا صدق بهَا الْمُؤْمِنُونَ زادهم الصَّلَاة فَلَمَّا صدقُوا بهَا زادهم الزَّكَاة فَلَمَّا صدقُوا بهَا زادهم الصّيام فَلَمَّا صدقُوا بِهِ زادهم الْحَج فَلَمَّا صدقُوا بِهِ زادهم الْجِهَاد ثمَّ أكمل لَهُم دينهم فَقَالَ: (الْيَوْم أكملت لكم دينكُمْ وَأَتْمَمْت عَلَيْكُم نعمتي ورضيت لكم الْإِسْلَام دينا) (الْمَائِدَة الْآيَة 3) قَالَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا: فأوثق إِيمَان أهل السَّمَاء وَأهل الأَرْض وأصدقه وأكمله شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ {ليزدادوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانهم} قَالَ: تَصْدِيقًا مَعَ تصديقهم
الْآيَات 5 - 7(7/514)
لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ فَوْزًا عَظِيمًا (5) وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (6) وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (7)
أخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم فِي الْمعرفَة عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أنزلت على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {ليغفر لَك الله مَا تقدم من ذَنْبك وَمَا تَأَخّر} مرجعه من الْحُدَيْبِيَة فَقَالَ: لقد أنزلت عليَّ آيَة هِيَ أحب إِلَيّ مِمَّا على الأَرْض ثمَّ قَرَأَهَا عَلَيْهِم فَقَالُوا: هَنِيئًا مريئاً يَا رَسُول الله قد بَين الله لَك مَاذَا يفعل بك فَمَاذَا يفعل بِنَا فَنزلت عَلَيْهِ {ليدْخل الْمُؤمنِينَ وَالْمُؤْمِنَات جنَّات تجْرِي من تحتهَا الْأَنْهَار} حَتَّى بلغ {فوزاً عَظِيما}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْحَاكِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما رَجعْنَا من الْحُدَيْبِيَة وَأَصْحَاب مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد خالطوا الْحزن والكآبة حَيْثُ ذَبَحُوا هديهم فِي أمكنتهم فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أنزلت عليَّ ضحى آيَة هِيَ أحب إِلَيّ من الدُّنْيَا جَمِيعًا ثَلَاثًا قُلْنَا: مَا هِيَ يَا رَسُول الله فَقَرَأَ {إِنَّا فتحنا لَك فتحا مُبينًا} الْآيَتَيْنِ قُلْنَا: هَنِيئًا لَك يَا رَسُول الله فَمَا لنا فَقَرَأَ {ليدْخل الْمُؤمنِينَ وَالْمُؤْمِنَات} الْآيَة فَلَمَّا أَتَيْنَا خَيْبَر فَأَبْصرُوا خَمِيس رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَعْنِي جَيْشه أدبروا هاربين إِلَى الْحصن فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: خربَتْ خَيْبَر إِنَّا إِذا نزلنَا بِسَاحَة قوم فسَاء صباح الْمُنْذرين
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما نزلت هَذِه الْآيَة {إِنَّا فتحنا لَك فتحا مُبينًا} الْآيَة قَالَ أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: هَنِيئًا لَك مَا أَعْطَاك رَبك هَذَا لَك فَمَا لنا فَأنْزل الله {ليدْخل الْمُؤمنِينَ وَالْمُؤْمِنَات} إِلَى آخر الْآيَة(7/515)
الْآيَات 8 - 9(7/516)
إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (8) لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (9)
أخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {إِنَّا أَرْسَلْنَاك شَاهدا} قَالَ: شَاهدا على أمته وَشَاهدا على الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام أَنهم قد بلّغوا {وَمُبشرا} يبشر بِالْجنَّةِ من أطَاع الله {وَنَذِيرا} ينذر النَّاس من عَصَاهُ {لتؤمنوا بِاللَّه وَرَسُوله} قَالَ: بوعده وبالحساب وبالبعث بعد الْمَوْت {وتعزروه} قَالَ: تنصروه {وتوقروه} قَالَ: أَمر الله بتسويده وتفخيمه وتشريفه وتعظيمه قَالَ: وَكَانَ فِي بعض الْقِرَاءَة ويسبحوا الله بكرَة وَأَصِيلا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ: ويعزروه قَالَ: لينصروه ويوقروه أَي ليعظموه
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وتعزروه} يَعْنِي الإِجلال {وتوقروه} يَعْنِي التَّعْظِيم يَعْنِي مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَابْن مرْدَوَيْه والضياء فِي المختارة عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وتعزروه} قَالَ: تضربوا بَين يَدَيْهِ بِالسَّيْفِ
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وتعزروه} قَالَ: تقاتلوا مَعَه بِالسَّيْفِ
وَأخرج ابْن عدي وَابْن مرْدَوَيْه والخطيب وَابْن عَسَاكِر فِي تَارِيخه عَن جَابر بن عبد الله رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما نزلت على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَذِه الْآيَة {وتعزروه} قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأَصْحَابه: مَا ذَاك قَالُوا: الله وَرَسُوله أعلم قَالَ: {لتنصروه}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ ابْن عَبَّاس يقْرَأ هَذِه الْآيَة {لتؤمنوا بِاللَّه وَرَسُوله وتعزروه وتوقروه وتسبحوه بكرَة وَأَصِيلا} قَالَ: فَكَانَ يَقُول: إِذا أشكل يَاء أَو تَاء فاجعلوها على يَاء فَإِن الْقُرْآن كُله على يَاء
وَأخرج ابْن جرير عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله / ويسبحوه / قَالَ: يسبحوا الله رَجَعَ إِلَى نَفسه
وَأخرج أَبُو عبيد وَابْن الْمُنْذر عَن هرون رَضِي الله عَنهُ قَالَ: فِي قِرَاءَة ابْن مَسْعُود ويسبحوا الله بكرَة وَأَصِيلا(7/516)
وَأخرج عبد بن حميد عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ أَنه كَانَ يقْرَأ ويسبحوا الله بكرَة وَأَصِيلا
الْآيَة 10(7/517)
إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (10)
أخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {إِن الَّذين يُبَايعُونَك} قَالَ: يَوْم الْحُدَيْبِيَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {إِن الَّذين يُبَايعُونَك} قَالَ: هم الَّذين بَايعُوهُ زمن الْحُدَيْبِيَة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن الْمُنْتَشِر عَن أَبِيه عَن جده رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَت بيعَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين أنزل عَلَيْهِ {إِن الَّذين يُبَايعُونَك إِنَّمَا يبايعون الله} الْآيَة فَكَانَت بيعَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الَّتِي بَايع عَلَيْهَا النَّاس الْبيعَة لله وَالطَّاعَة للحق
وَكَانَت بيعَة أبي بكر رَضِي الله عَنهُ: بايعوني مَا أَطَعْت الله فَإِذا عصيته فَلَا طَاعَة لي عَلَيْكُم
وَكَانَت بيعَة عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ: الْبيعَة لله وَالطَّاعَة للحق
وَكَانَت بيعَة عُثْمَان بن عَفَّان رَضِي الله عَنهُ: الْبيعَة لله وَالطَّاعَة للحق
وَأخرج عبد بن حميد عَن الحكم بن الْأَعْرَج رَضِي الله عَنهُ {يَد الله فَوق أَيْديهم} قَالَ: أَن لَا يَفروا
وَأخرج أَحْمد وَابْن مرْدَوَيْه عَن عبَادَة بن الصَّامِت رَضِي الله عَنهُ قَالَ: بَايعنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على السّمع وَالطَّاعَة فِي النشاط والكسل وعَلى النَّفَقَة فِي الْعسر واليسر وعَلى الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر وعَلى أَن نقُول فِي الله لَا تأخذنا فِي الله لومة لائم وعَلى أَن ننصره إِذا قدم علينا يثرب فنمنعه مِمَّا نمْنَع مِنْهُ أَنْفُسنَا وَأَزْوَاجنَا وَأَبْنَاءَنَا وَلنَا الْجنَّة فَمن وفى وفى الله لَهُ وَمن نكث فَإِنَّمَا ينْكث على نَفسه(7/517)
الْآيَة 11(7/518)
سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا بَلْ كَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (11)
أخرج عبد بن حميد عَن جُوَيْبِر رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {سَيَقُولُ لَك الْمُخَلفُونَ من الْأَعْرَاب شَغَلَتْنَا أَمْوَالنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفر لنا} قَالَ: كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين انْصَرف من الْحُدَيْبِيَة وَسَار إِلَى خَيْبَر تخلف عَنهُ أنَاس من الْأَعْرَاب فَلَحقُوا بِأَهَالِيِهِمْ فَلَمَّا بَلغهُمْ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد افْتتح خَيْبَر سَارُوا إِلَيْهِ وَقد كَانَ أمره أَن لَا يُعْطي أحدا تخلف عَنهُ من مغنم خَيْبَر وَيقسم مغنمها من شهد الْفَتْح وَذَلِكَ قَوْله: {يُرِيدُونَ أَن يبدلوا كَلَام الله} يَعْنِي مَا أَمر الله نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن لَا يُعْطي أحدا تخلف عَنهُ من مغنم خَيْبَر شَيْئا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {سَيَقُولُ لَك الْمُخَلفُونَ من الْأَعْرَاب} قَالَ: أَعْرَاب الْمَدِينَة جُهَيْنَة وَمُزَيْنَة استنفرهم لِخُرُوجِهِ إِلَى مَكَّة فَقَالُوا: نَذْهَب مَعَه إِلَى قوم جاؤه فَقتلُوا أَصْحَابه فَنُقَاتِلهُمْ فِي دِيَارهمْ فَاعْتَلُّوا لَهُ بِالشغلِ فَأقبل مُعْتَمِرًا فَأخذ أَصْحَابه أُنَاسًا من أهل الْحرم غافلين فأرسلهم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذَلِك الْأَظْفَار بِبَطن مَكَّة وَرجع مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فوعد مَغَانِم كَثِيرَة فَجعلت لَهُ خَيْبَر فَقَالَ الْمُخَلفُونَ: {ذرونا نتبعكم} وَهِي الْمَغَانِم الَّتِي قَالَ الله {إِذا انطلقتم إِلَى مَغَانِم لتأخذوها} وَعرض عَلَيْهِم قتال قوم أولي بَأْس شَدِيد فهم فَارس والمغانم الْكَثِيرَة الَّتِي وعدوا مَا يَأْخُذُونَ حَتَّى الْيَوْم
الْآيَات 12 - 15(7/518)
بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْمًا بُورًا (12) وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَعِيرًا (13) وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (14) سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا بَلْ كَانُوا لَا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلًا (15)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {بل ظننتم أَن لن يَنْقَلِب الرَّسُول والمؤمنون إِلَى أَهْليهمْ أبدا وزين ذَلِك فِي قُلُوبكُمْ وظننتم ظن السوء} قَالَ: ظنُّوا بِنَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه أَنهم لن يرجِعوا من وجههم ذَلِك وَأَنَّهُمْ سيهلكون فَذَلِك الَّذِي خَلفهم عَن نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وهم كاذبون بِمَا يَقُولُونَ {سَيَقُولُ الْمُخَلفُونَ إِذا انطلقتم إِلَى مَغَانِم لتأخذوها} قَالَ: هم الَّذين تخلفوا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم زمن الْحُدَيْبِيَة كذلكم قَالَ الله من قبل قَالَ: إِنَّمَا جعلت الْغَنِيمَة لأجل الْجِهَاد إِنَّمَا كَانَت غنيمَة خَيْبَر لمن شهد الْحُدَيْبِيَة لَيْسَ لغَيرهم فِيهَا نصيب {قل للمخلفين من الْأَعْرَاب ستدعون إِلَى قوم أولي بَأْس شَدِيد} قَالَ: فدعوا يَوْم حنين إِلَى هوَازن وَثَقِيف فَمنهمْ من أحسن الإِجابة وَرغب فِي الْجِهَاد ثمَّ عذر الله أهل الْعذر من النَّاس فَقَالَ: (لَيْسَ على الْأَعْمَى حرج وَلَا على الْأَعْرَج حرج وَلَا على الْمَرِيض حرج) (النُّور 61)
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج رَضِي الله عَنهُ {بل ظننتم أَن لن يَنْقَلِب الرَّسُول} قَالَ: نَافق الْقَوْم {وظننتم ظن السوء} أَن لن يَنْقَلِب الرَّسُول
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج رَضِي الله عَنهُ {يُرِيدُونَ أَن يبدلوا كَلَام الله} قَالَ: كتاب الله كَانُوا يبطئون الْمُسلمين عَن الْجِهَاد ويأمرونهم أَن يَفروا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {أولي بَأْس شَدِيد} يَقُول: فَارس
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ قَالَ: هم فَارس وَالروم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {أولي بَأْس شَدِيد} قَالَ: هم البآرز يَعْنِي الأكراد
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي الْآيَة قَالَ: أَعْرَاب فَارس وأكراد الْعَجم(7/519)
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَالطَّبَرَانِيّ عَن الزُّهْرِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: هم بَنو حنيفَة
وَأخرج ابْن جرير عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ {ستدعون إِلَى قوم أولي بَأْس شَدِيد} قَالَ: لم يأتِ أُولَئِكَ بعد
الْآيَة 16(7/520)
قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْرًا حَسَنًا وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَمَا تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (16)
أخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {قل للمخلفين من الْأَعْرَاب ستدعون إِلَى قوم} قَالَ عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ: دَعَا أَعْرَاب الْمَدِينَة جُهَيْنَة وَمُزَيْنَة الَّذين كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دعاهم إِلَى خُرُوجه إِلَى مَكَّة دعاهم عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ إِلَى قتال فَارس قَالَ: فَإِن تطيعوا إِذا دعَاكُمْ عمر تكن تَوْبَة لتخلفكم عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُؤْتكُم الله أجرا حسنا وَإِن تَتَوَلَّوْا إِذا دعَاكُمْ عمر كَمَا توليتم من قبل إِذْ دعَاكُمْ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يعذبكم عذَابا أَلِيمًا
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {ستدعون إِلَى قوم أولي بَأْس شَدِيد} قَالَ: فَارس وَالروم
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {ستدعون إِلَى قوم أولي بَأْس شَدِيد} قَالَ: أهل الْأَوْثَان
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {ستدعون إِلَى قوم أولي بَأْس شَدِيد} قَالَ: هوَازن وَبني حنيفَة
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ عَن عِكْرِمَة وَسَعِيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {ستدعون إِلَى قوم أولي بَأْس شَدِيد} قَالَ: هوَازن يَوْم حنين
الْآيَات 17 - 23(7/520)
لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَنْ يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَابًا أَلِيمًا (17) لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا (18) وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (19) وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (20) وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا (21) وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (22) سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا (23)
أخرج الطَّبَرَانِيّ بِسَنَد حسن عَن زيد بن ثَابت رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كنت أكتب لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَإِنِّي لواضع الْقَلَم على أُذُنِي إِذْ أَمر بِالْقِتَالِ إِذْ جَاءَ أعمى فَقَالَ: كَيفَ بِي وَأَنا ذَاهِب الْبَصَر فَنزلت {لَيْسَ على الْأَعْمَى حرج} الْآيَة قَالَ: هَذَا فِي الْجِهَاد لَيْسَ عَلَيْهِم من جِهَاد إِذا لم يطيقوا
أما قَوْله تَعَالَى: {لقد رَضِي الله عَن الْمُؤمنِينَ}
أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن سَلمَة بن الْأَكْوَع رَضِي الله عَنهُ قَالَ: بَينا نَحن قَائِلُونَ إِذْ نَادَى مُنَادِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَيهَا النَّاس الْبيعَة الْبيعَة نزل روح الْقُدس فثرنا إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ تَحت شَجَرَة سَمُرَة فَبَايَعْنَاهُ فَذَلِك قَول الله تَعَالَى: {لقد رَضِي الله عَن الْمُؤمنِينَ إِذْ يُبَايعُونَك تَحت الشَّجَرَة} فَبَايع لعُثْمَان رَضِي الله عَنهُ إِحْدَى يَدَيْهِ على الْأُخْرَى فَقَالَ النَّاس: هَنِيئًا لِابْنِ عَفَّان رَضِي الله عَنهُ يطوف بِالْبَيْتِ وَنحن هَهُنَا فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَو مكث كَذَا وَكَذَا سنة مَا طَاف حَتَّى أَطُوف
وَأخرج البُخَارِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن طَارق بن عبد الرَّحْمَن رَضِي الله عَنهُ قَالَ: انْطَلَقت حَاجا فمررت بِقوم يصلونَ فَقلت: مَا هَذَا الْمَسْجِد قَالُوا: هَذِه الشَّجَرَة حَيْثُ بَايع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بيعَة الرضْوَان
فَأتيت سعيد بن الْمسيب رَضِي الله عَنهُ فَأَخْبَرته فَقَالَ سعيد: حَدثنِي أبي أَنه كَانَ فِيمَن بَايع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَحت الشَّجَرَة فَلَمَّا(7/521)
خرجنَا من الْعَام الْمقبل نسيناها فَلم نقدر عَلَيْهَا فَقَالَ سعيد رَضِي الله عَنهُ: أَن أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يعلموها وعلمتموها أَنْتُم فَأنْتم أعلم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة فِي المُصَنّف عَن نَافِع رَضِي الله عَنهُ قَالَ: بلغ عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ أَن نَاسا يأْتونَ الشَّجَرَة الَّتِي بُويِعَ تحتهَا فَأمر بهَا فَقطعت
وَأخرج البُخَارِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قلت لسَعِيد بن الْمسيب: كم كَانَ الَّذين شهدُوا بيعَة الرضْوَان قَالَ: خمس عشرَة مائَة قلت: فَإِن جَابر بن عبد الله رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانُوا أَربع عشرَة مائَة
قَالَ: يرحمه الله وهم هُوَ حَدثنِي أَنهم كَانُوا خمس عشرَة مائَة
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن عبد الله بن أبي أوفى رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ أَصْحَاب الشَّجَرَة ألفا وثلثمائة
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن جَابر بن عبد الله رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كُنَّا يَوْم الْحُدَيْبِيَة ألفا وَأَرْبَعمِائَة فَقَالَ لنا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَنْتُم خير أهل الأَرْض
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن سعيد بن الْمسيب وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن جَابر بن عبد الله رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كُنَّا يَوْم الْحُدَيْبِيَة ألفا وَأَرْبَعمِائَة فَقَالَ لنا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَنْتُم خير أهل الأَرْض
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن سعيد بن الْمسيب عَن أَبِيه رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَحت الشَّجَرَة ألفا وَأَرْبَعمِائَة
وَأخرج البُخَارِيّ عَن سَلمَة بن الْأَكْوَع رَضِي الله عَنهُ قَالَ: بَايَعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَحت الشَّجَرَة قيل: على أَي شَيْء كُنْتُم تُبَايِعُونَ قَالَ: على الْمَوْت
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن عُرْوَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما نزل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْحُدَيْبِيَة فزعت قُرَيْش لنزوله عَلَيْهِم فَأحب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يبْعَث إِلَيْهِم رجلا من أَصْحَابه فَدَعَا عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ ليَبْعَثهُ إِلَيْهِم فَقَالَ: يَا رَسُول الله إِنِّي لَا آمن وَلَيْسَ بِمَكَّة أحد من بني كَعْب يغْضب لي إِن أوذيت فَأرْسل عُثْمَان بن عَفَّان فَإِن عشيرته بهَا وَإنَّهُ يبلغ لَك مَا أردْت
فَدَعَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ فَأرْسلهُ إِلَى قُرَيْش وَقَالَ: أخْبرهُم أَنا لم نأتِ لقِتَال وَإِنَّمَا جِئْنَا عماراً وادعهم إِلَى الإِسلام وَأمره أَن يَأْتِي رجَالًا بِمَكَّة مُؤمنين وَنسَاء مؤمنات فَيدْخل عَلَيْهِم ويبشرهم بِالْفَتْح(7/522)
ويخبرهم أَن الله وشيك أَن يظْهر دينه بِمَكَّة حَتَّى لَا يستخفى فِيهَا بالإِيمان فَانْطَلق عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ إِلَى قُرَيْش فَأخْبرهُم فارتهنه الْمُشْركُونَ ودعا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْبيعَة ونادى مُنَادِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَلا إِن روح الْقُدس قد نزل على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأمره بالبيعة فأخرجوا على اسْم الله فَبَايعُوهُ فثار الْمُسلمُونَ إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ تَحت الشَّجَرَة فَبَايعُوهُ على أَن لَا يَفروا أبدا فرعبهم الله فأرسلوا من كَانُوا ارتهنوا من الْمُسلمين ودعوا إِلَى الْمُوَادَعَة وَالصُّلْح
وَأخرج مُسلم وَابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن جَابر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كُنَّا يَوْم الْحُدَيْبِيَة ألفا وَأَرْبَعمِائَة فَبَايَعْنَاهُ وَعمر رَضِي الله عَنهُ آخذ بِيَدِهِ تَحت الشَّجَرَة وَهِي سَمُرَة وَقَالَ: بَايَعْنَاهُ على أَن لَا نفر وَلم نُبَايِعهُ على الْمَوْت
وَأخرج عبد بن حميد وَمُسلم وَابْن مرْدَوَيْه عَن معقل بن يسَار رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لقد رَأَيْتنِي يَوْم الشَّجَرَة وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُبَايع النَّاس وَأَنا رَافع غصناً من أَغْصَانهَا عَن رَأسه وَنحن أَربع عشرَة مائَة وَلم نُبَايِعهُ على الْمَوْت وَلَكِن بَايَعْنَاهُ على أَن لَا نفر
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن الشّعبِيّ قَالَ: لما دَعَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم النَّاس إِلَى الْبيعَة كَانَ أول من انْتهى إِلَيْهِ أَبُو سِنَان الْأَسدي فَقَالَ: أبسط يدك أُبَايِعك فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: علام تبايعني قَالَ: على مَا فِي نَفسك
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن أنس قَالَ: لما أَمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ببيعة الرضْوَان كَانَ عُثْمَان بن عَفَّان رَسُول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى أهل مَكَّة فَبَايع النَّاس فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: اللَّهُمَّ إِن عُثْمَان فِي حَاجَة الله وحاجة رَسُوله فَضرب بِإِحْدَى يَدَيْهِ على الْأُخْرَى فَكَانَت يَد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعُثْمَان خيرا من أَيْديهم لأَنْفُسِهِمْ
وَأخرج أَحْمد عَن جَابر وَمُسلم عَن أم بشر عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَا يدْخل النَّار أحد مِمَّن بَايع تَحت الشَّجَرَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {فَعلم مَا فِي قُلُوبهم فَأنْزل السكينَة عَلَيْهِم} قَالَ: إِنَّمَا أنزلت السكينَة على من علم مِنْهُ الْوَفَاء
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي أوفى فِي قَوْله {وأثابهم فتحا قَرِيبا} قَالَ: خَيْبَر
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَأَبُو دَاوُد فِي مراسيله عَن الزُّهْرِيّ قَالَ: بلغنَا أَن رَسُول الله(7/523)
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يقسم لغَائِب فِي مقسم لم يشهده إِلَّا يَوْم خَيْبَر قسم لغيب أهل الْحُدَيْبِيَة من أجل أَن الله كَانَ أعْطى أهل خَيْبَر الْمُسلمين من أهل الْحُدَيْبِيَة فَقَالَ {وَعدكُم الله مَغَانِم كَثِيرَة تأخذونها فَعجل لكم هَذِه} وَكَانَت لأهل الْحُدَيْبِيَة من شهد مِنْهُم وَمن غَابَ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة {لقد رَضِي الله عَن الْمُؤمنِينَ إِذْ يُبَايعُونَك تَحت الشَّجَرَة فَعلم مَا فِي قُلُوبهم فَأنْزل السكينَة عَلَيْهِم} قَالَ: الْوَقار وَالصَّبْر وهم الَّذين بَايعُوا زمَان الْحُدَيْبِيَة وَكَانَت الشَّجَرَة فِيمَا ذكر لنا سَمُرَة بَايع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَصْحَابه تحتهَا وَكَانُوا يَوْمئِذٍ خمس عشرَة مائَة فَبَايعُوهُ على أَن لَا يَفروا وَلم يبايعوه على الْمَوْت {وأثابهم فتحا قَرِيبا ومغانم كَثِيرَة} قَالَ: هِيَ مَغَانِم خَيْبَر وَكَانَت عقارا ومالاً فَقَسمهَا نَبِي الله بَين أَصْحَابه
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: انْصَرف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الْحُدَيْبِيَة إِلَى الْمَدِينَة حَتَّى إِذا كَانَ بَين الْمَدِينَة وَمَكَّة نزلت عَلَيْهِ سُورَة الْفَتْح فَقَالَ: {إِنَّا فتحنا لَك فتحا مُبينًا} إِلَى قَوْله {عَزِيزًا} ثمَّ ذكر الله الْأَعْرَاب ومخالفتهم للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: {سَيَقُولُ لَك الْمُخَلفُونَ من الْأَعْرَاب} إِلَى قَوْله {خَبِيرا} ثمَّ قَالَ للأعراب {بل ظننتم أَن لن يَنْقَلِب الرَّسُول والمؤمنون} إِلَى قَوْله {سعيراً} ثمَّ ذكر الْبيعَة فَقَالَ: {لقد رَضِي الله عَن الْمُؤمنِينَ} إِلَى قَوْله {وأثابهم فتحا قَرِيبا} لفتح الْحُدَيْبِيَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {لقد رَضِي الله عَن الْمُؤمنِينَ} قَالَ: كَانَ أهل الْبيعَة تَحت الشَّجَرَة ألفا وَخَمْسمِائة وخمساً وَعشْرين
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه وَابْن عَسَاكِر عَن أبي أُمَامَة الْبَاهِلِيّ قَالَ: لما نزلت {لقد رَضِي الله عَن الْمُؤمنِينَ إِذْ يُبَايعُونَك تَحت الشَّجَرَة} قَالَ: يَا أَبَا أُمَامَة أَنْت مني وَأَنا مِنْك
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة {وأثابهم فتحا قَرِيبا} قَالَ: خَيْبَر حَيْثُ رجعُوا من صلح الْحُدَيْبِيَة
وَأخرج عبد بن حميد عَن الشّعبِيّ {وأثابهم فتحا قَرِيبا} قَالَ: فتح خَيْبَر
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد {وَعدكُم الله مَغَانِم كَثِيرَة تأخذونها} قَالَ:(7/524)
الْمَغَانِم الْكَثِيرَة الَّتِي وعدوا مَا يَأْخُذُونَ حَتَّى الْيَوْم {فَعجل لكم هَذِه} قَالَ: عجلت لَهُم خَيْبَر
وَأخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس {وَعدكُم الله مَغَانِم كَثِيرَة تأخذونها فَعجل لكم هَذِه} يَعْنِي الْفَتْح
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس {وَعدكُم الله مَغَانِم كَثِيرَة تأخذونها فَعجل لكم هَذِه} يَعْنِي خَيْبَر {وكف أَيدي النَّاس عَنْكُم} يَعْنِي أهل مَكَّة أَن يستحلوا مَا حرم الله أَو يسْتَحل بكم وَأَنْتُم حرم {ولتكون آيَة للْمُؤْمِنين} قَالَ: سنة لمن بعدكم
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن مَرْوَان والمسور بن مخرمَة قَالَا: انْصَرف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَام الْحُدَيْبِيَة فَنزلت عَلَيْهِ سُورَة الْفَتْح فِيمَا بَين مَكَّة وَالْمَدينَة فَأعْطَاهُ الله فِيهَا خَيْبَر {وَعدكُم الله مَغَانِم كَثِيرَة تأخذونها فَعجل لكم هَذِه} خَيْبَر فَقدم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَدِينَة فِي ذِي الْحجَّة فَقَامَ بهَا حَتَّى سَار إِلَى خَيْبَر فِي الْمحرم فَنزل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالرجيع وادٍ بَين غطفان وخيبر فتخوّف أَن تمدهم غطفان فَبَاتَ بِهِ حَتَّى أصبح فغدا عَلَيْهِم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة {فَعجل لكم هَذِه} قَالَ: خَيْبَر {وكف أَيدي النَّاس عَنْكُم} قَالَ: عَن بيضتهم وَعَن عِيَالهمْ بِالْمَدِينَةِ حِين سَارُوا عَن الْمَدِينَة إِلَى خَيْبَر
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن عَطِيَّة {فَعجل لكم هَذِه} قَالَ: فتح خَيْبَر
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله {وكف أَيدي النَّاس عَنْكُم} قَالَ: الحليفان أَسد وغَطَفَان عَلَيْهِم عُيَيْنَة بن حصن مَعَه مَالك بن عَوْف النصري أَبُو النَّضر وَأهل خَيْبَر على بِئْر مَعُونَة فَألْقى الله فِي قُلُوبهم الرعب فَانْهَزَمُوا وَلم يلْقوا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَفِي قَوْله {وَلَو قاتلكم الَّذين كفرُوا} هم أَسد وغَطَفَان {لولوا الأدبار} حَتَّى {وَلنْ تَجِد لسنة الله تبديلاً} يَقُول سنة الله فِي الَّذين خلوا من قبل أَنه لن يُقَاتل أحد نبيه إِلَّا خذله الله فَقتله أَو رعبه فَانْهَزَمَ وَلنْ يسمع بِهِ عَدو إِلَّا انْهَزمُوا واستسلموا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن ابْن عَبَّاس {وَأُخْرَى لم تقدروا عَلَيْهَا} قَالَ: هَذِه الْفتُوح الَّتِي تفتح إِلَى الْيَوْم(7/525)
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس {قد أحَاط الله بهَا} أَنَّهَا سَتَكُون لكم بِمَنْزِلَة قَوْله أحَاط الله بهَا علما أَنَّهَا لكم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي الْأسود الديلمي أَن الزبير بن الْعَوام لما قدم الْبَصْرَة دخل بَيت المَال فَإِذا هُوَ بصفراء وبيضاء فَقَالَ: يَقُول الله {وَعدكُم الله مَغَانِم كَثِيرَة تأخذونها فَعجل لكم هَذِه} {وَأُخْرَى لم تقدروا عَلَيْهَا قد أحَاط الله بهَا} فَقَالَ: هَذَا لنا
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن عَليّ وَابْن عَبَّاس قَالَا فِي قَوْله تَعَالَى: {وَعدكُم الله مَغَانِم كَثِيرَة} فتوح من لدن خَيْبَر {تأخذونها} تلونها وتغنمون مَا فِيهَا {فَعجل لكم} من ذَلِك خَيْبَر {وكف أَيدي النَّاس} قُريْشًا {عَنْكُم} بِالصُّلْحِ يَوْم الْحُدَيْبِيَة {ولتكون آيَة للْمُؤْمِنين} شَاهدا على مَا بعْدهَا ودليلاً على إنجازها {وَأُخْرَى لم تقدروا عَلَيْهَا} [] على علم وفيهَا أقسمها بَيْنكُم فَارس وَالروم {قد أحَاط الله بهَا} قضى الله بهَا أَنَّهَا لكم
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى {وَأُخْرَى لم تقدروا عَلَيْهَا} قَالَ: فَارس وَالروم
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَطِيَّة {وَأُخْرَى لم تقدروا عَلَيْهَا} قَالَ: فتح فَارس
وَأخرج عبد بن حميد عَن جُوَيْبِر {وَأُخْرَى لم تقدروا عَلَيْهَا} قَالَ: يَزْعمُونَ أَنَّهَا قرى عَرَبِيَّة وَيَزْعُم آخَرُونَ أَنَّهَا فَارس وَالروم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة {وَأُخْرَى لم تقدروا عَلَيْهَا} قَالَ: بلغنَا أَنَّهَا مَكَّة
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة {وَأُخْرَى لم تقدروا عَلَيْهَا} قَالَ: يَوْم حنين
وَأخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس {وَأُخْرَى لم تقدروا عَلَيْهَا} قَالَ: هِيَ خَيْبَر
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة {وَلَو قاتلكم الَّذين كفرُوا لولوا الأدبار} يَعْنِي أهل مَكَّة وَالله أعلم
الْآيَات 24 - 25(7/526)
وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا (24) هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (25)
أخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَعبد بن حميد وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن أنس قَالَ: لما كَانَ يَوْم الْحُدَيْبِيَة هَبَط على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه ثَمَانُون رجلا من أهل مَكَّة فِي السِّلَاح من قبل جبل التَّنْعِيم يُرِيدُونَ غرَّة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَدَعَا عَلَيْهِم فَأخذُوا فَعَفَا عَنْهُم فَنزلت هَذِه الْآيَة {وَهُوَ الَّذِي كف أَيْديهم عَنْكُم وَأَيْدِيكُمْ عَنْهُم بِبَطن مَكَّة من بعد أَن أَظْفَرَكُم عَلَيْهِم}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة {وَهُوَ الَّذِي كف أَيْديهم عَنْكُم وَأَيْدِيكُمْ عَنْهُم بِبَطن مَكَّة} قَالَ: بطن مَكَّة الْحُدَيْبِيَة ذكر لنا أَن رجلا من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُقَال لَهُ زنيم أطلع الثَّنية زمَان الْحُدَيْبِيَة فَرَمَاهُ الْمُشْركُونَ فَقَتَلُوهُ فَبعث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خيلا فَأتوا بأثني عشر فَارِسًا فَقَالَ لَهُم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: هَل لكم عهد أَو ذمَّة قَالُوا لَا
فأرسلهم فَأنْزل الله فِي ذَلِك {وَهُوَ الَّذِي كف أَيْديهم عَنْكُم} الْآيَة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَأحمد وَعبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن الْمسور بن مخرمَة ومروان بن الحكم قَالَا: خرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم زمن الْحُدَيْبِيَة فِي بضع عشرَة مائَة من أَصْحَابه حَتَّى إِذا كَانُوا بِذِي الحليفة قلد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْهَدْي وَأَشْعرهُ وَأحرم بِالْعُمْرَةِ وَبعث بَين يَدَيْهِ عينا لَهُ من خُزَاعَة يُخبرهُ عَن(7/527)
قُرَيْش وَسَار رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى إِذا كَانَ بغدير الأشطاط قَرِيبا من عسفان أَتَاهُ عينه الْخُزَاعِيّ فَقَالَ: إِنِّي قد تركت كَعْب بن لؤَي وعامر بن لؤَي قد جمعُوا لَك الْأَحَابِيش وجمعوا لَك جموعا وهم مقاتلوك وصادوك عَن الْبَيْت
فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَشِيرُوا عَليّ أَتَرَوْنَ أَن نَمِيل إِلَى ذَرَارِي هَؤُلَاءِ الَّذين أَعَانُوهُم فَنصِيبهُمْ فَإِن قعدوا قعدوا موثورين محزونين وَإِن لحوا تكن عنقًا قطعهَا الله أم ترَوْنَ أَن نَؤُم الْبَيْت فَمن صدنَا عَنهُ قَاتَلْنَاهُ فَقَالَ أَبُو بكر: الله وَرَسُوله أعلم يَا رَسُول اللهن إِنَّمَا جِئْنَا معتمرين وَلم نجيء لقِتَال أحد وَلَكِن من حَال بَيْننَا وَبَين الْبَيْت قَاتَلْنَاهُ
فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: فروحوا إِذن
فراحوا حَتَّى إِذا كَانُوا بِبَعْض الطَّرِيق قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن خَالِد بن الْوَلِيد بالغميم فِي خيل لقريش طَلِيعَة فَخُذُوا ذَات الْيَمين
فوَاللَّه مَا شعر بهم خَالِد حَتَّى إِذا هُوَ بقترة الْجَيْش فَانْطَلق يرْكض نذيرا لقريش
وَسَار النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى إِذا كَانَ بالثنية الَّتِي يهْبط عَلَيْهِم مِنْهَا بَركت بِهِ رَاحِلَته فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: حل حل فألحت فَقَالُوا: خلأت الْقَصْوَاء
فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا خلأت الْقَصْوَاء وَمَا ذَاك لَهَا بِخلق وَلَكِن حَبسهَا حَابِس الْفِيل
ثمَّ قَالَ: وَالَّذِي نفس مُحَمَّد بِيَدِهِ لَا يَسْأَلُونِي خطة يعظمون فِيهَا حرمات الله إِلَّا أَعطيتهم إِيَّاهَا
ثمَّ زجرها فَوَثَبت فَعدل بهم حَتَّى نزل بأقصى الْحُدَيْبِيَة على ثَمد قَلِيل المَاء إِنَّمَا يتربضه النَّاس تربضا فَلم يلبث النَّاس أَن نَزَحُوهُ فشكي إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْعَطش فَانْتزع سَهْما من كِنَانَته ثمَّ أَمرهم أَن يَجْعَلُوهُ فِيهِ
قَالَ: فو الله مَا زَالَ يَجِيش لَهُم بِالريِّ حَتَّى صدرُوا عَنهُ
فَبَيْنَمَا هم كَذَلِك إِذْ جَاءَ بديل بن وَرْقَاء الْخُزَاعِيّ فِي نفر من قومه من خُزَاعَة وَكَانُوا عَيْبَة نصح رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أهل تهَامَة فَقَالَ: إِنِّي قد تركت كَعْب بن لؤَي وعامر بن لؤَي نزلُوا أعداد مياه الْحُدَيْبِيَة مَعَهم العوذ المطافيل وهم مقاتلوك وصادوك عَن البيتز فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِنَّا لم نجيء لقِتَال أحد وَلَكِن جِئْنَا معتمرين وَإِن قُريْشًا قد نهكتهم الْحَرْب وأضرت بهم فَإِن شاؤوا ماددتهم مُدَّة ويخلوا بيني وَبَين النَّاس فَإِن أظهر فَإِن شاؤوا أَن يدخلُوا فِيمَا دخل فِيهِ النَّاس فعلوا وَإِلَّا فقد جموا وَإِن هم أَبَوا فوالذي نَفسِي بِيَدِهِ لأقاتلهم على أَمْرِي هَذَا حَتَّى تنفرد سالفتي أَو لينفذن الله أمره
فَقَالَ بديل سأبلغهم مَا تَقول
فَانْطَلق حَتَّى أَتَى قُريْشًا فَقَالَ: إِنَّا قد جئناكم من عِنْد الرجل وسمعناه يَقُول قولا فَإِن شِئْتُم نعرضه عَلَيْكُم فعلنَا
فَقَالَ سفهاؤهم: لَا حَاجَة لنا فِي أَن تحدثنا عَنهُ بِشَيْء
وَقَالَ ذُو الرَّأْي مِنْهُم هَات مَا سمعته يَقُول
قَالَ: سمعته يَقُول:(7/528)
كَذَا وَكَذَا فَحَدثهُمْ بِمَا قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَقَامَ عُرْوَة بن مَسْعُود الثَّقَفِيّ فَقَالَ: أَي قوم ألستم بِالْوَلَدِ قَالُوا: بلَى
قَالَ: أَلَسْت بالوالد قَالُوا: بلَى
قَالَ: فَهَل تتهموني قَالُوا: لَا
قَالَ: ألستم تعلمُونَ أَنِّي استنفرت أهل عكاظ فَلَمَّا بلحوا عَليّ جِئتُكُمْ بأهلي وَوَلَدي وَمن أَطَاعَنِي قَالُوا: بلَى
قَالَ: فَإِن هَذَا قد عرض عَلَيْكُم خطة رشد فاقبلوها ودعوني آته
قَالُوا: ائته []
فَأَتَاهُ فَجعل يكلم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَحوا من قَوْله لبديلز فَقَالَ عُرْوَة عِنْد ذَلِك: أَي مُحَمَّد أَرَأَيْت إِن استأصلت قَوْمك هَل سَمِعت أحدا من الْعَرَب اجتاح أَهله قبلك وَإِن تكن الْأُخْرَى فوَاللَّه إِنِّي لأرى وُجُوهًا وَأرى أوباشا من النَّاس خليقا أَن يَفروا ويدعوك
فَقَالَ لَهُ أَبُو بكر: أمصص بظر اللات أَنَحْنُ نفر عَنهُ وندعه فَقَالَ: من ذَا قَالَ: أَبُو بكر
قَالَ: أما وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لَوْلَا يَد كَانَت لَك عِنْدِي لم أجزك بهَا لأجبتك
قَالَ: وَجعل يكلم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَكلما كَلمه أَخذ بلحيته والمغيرة بن شُعْبَة قَائِم على رَأس النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَعَهُ السَّيْف وَعَلِيهِ المغفر فَكلما أَهْوى عُرْوَة بِيَدِهِ إِلَى لحية النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ضرب الْمُغيرَة يَده بنعل السَّيْف وَقَالَ: أخر يدك عَن لحية رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَرفع عُرْوَة رَأسه فَقَالَ: من هَذَا قَالُوا: الْمُغيرَة بن شُعْبَة
قَالَ: أَي غدر أَلَسْت أسعى فِي غدرتك وَكَانَ الْمُغيرَة صحب قوما فِي الْجَاهِلِيَّة فَقَتلهُمْ وَأخذ أَمْوَالهم ثمَّ جَاءَ فَأسلم فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أما الْإِسْلَام فَأقبل وَأما المَال فلست مِنْهُ فِي شَيْء
ثمَّ إِن عُرْوَة جعل يرمق أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِعَيْنيهِ
قَالَ: فوَاللَّه مَا تنخم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نخامة إِلَّا وَقعت فِي كف وَاحِد مِنْهُم فدلك بهَا وَجهه وَجلده وَإِذا أَمرهم ابتدروا أمره وَإِذا تَوَضَّأ كَادُوا يقتتلون على وضوئِهِ وَإِذا تكلم خفضوا أَصْوَاتهم عِنْده وَمَا يحدون إِلَيْهِ النّظر تَعْظِيمًا لَهُ
فَرجع عُرْوَة إِلَى أَصْحَابه فَقَالَ: أَي قوم وَالله لقد وفدت على الْمُلُوك وفدت على قَيْصر وكسرى وَالنَّجَاشِي وَالله إِن رَأَيْت ملكا يعظمه أَصْحَابه مَا يعظم أَصْحَاب مُحَمَّد مُحَمَّدًا وَالله إِن يتنخم نخامة إِلَّا وَقعت فِي كف وَاحِد مِنْهُم فدلك بهَا وَجهه وَجلده وَإِذا أَمرهم ابتدروا أمره وَإِذا تَوَضَّأ كَادُوا يقتتلون على وضوئِهِ وَإِذا تكلم خفضوا أَصْوَاتهم عِنْده وَمَا يحدون إِلَيْهِ النّظر تَعْظِيمًا لَهُ وَإنَّهُ عرض عَلَيْكُم خطة رشد فاقبلوها
فَقَالَ رجل من بني كنَانَة: دَعونِي آته
فَقَالُوا: ائته []
فَلَمَّا أشرف على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: هَذَا فلَان وَهُوَ من قوم يعظمون الْبدن فابعثوها لَهُ فَبعثت لَهُ واستقبله الْقَوْم يلبون فَلَمَّا رأى ذَلِك قَالَ: سُبْحَانَ الله مَا يَنْبَغِي لهَؤُلَاء أَن(7/529)
يصدوا عَن الْبَيْت
فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى أَصْحَابه قَالَ: رَأَيْت الْبدن قد قلدت وأشعرت فَمَا أرى أَن يصدوا عَن الْبَيْت
فَقَامَ رجل يُقَال لَهُ مكرز بن حَفْص فَقَالَ: دَعونِي آته فَقَالُوا: ائته []
فَلَمَّا أشرف عَلَيْهِم قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: هَذَا مكرز وَهُوَ رجل فَاجر
فَجعل يكلم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَبَيْنَمَا هُوَ يكلمهُ إِذْ جَاءَ سُهَيْل بن عَمْرو فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: قد سهل لكم من أَمركُم
فجَاء سُهَيْل فَقَالَ هَات أكتب بَيْننَا وَبَيْنك كتابا
فَدَعَا الْكَاتِب فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: اكْتُبْ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
قَالَ سُهَيْل: أما الرَّحْمَن فوَاللَّه مَا أَدْرِي مَا هُوَ وَلَكِن اكْتُبْ بِاسْمِك اللَّهُمَّ كَمَا كنت تكْتب
فَقَالَ الْمُسلمُونَ: وَالله مَا نكتبها إِلَّا بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: اكْتُبْ بِاسْمِك اللَّهُمَّ
ثمَّ قَالَ: هَذَا مَا قاضى عَلَيْهِ مُحَمَّد رَسُول الله
فَقَالَ سُهَيْل: وَالله لَو كُنَّا نعلم أَنَّك رَسُول الله مَا صَدَدْنَاك عَن الْبَيْت وَلَا قَاتَلْنَاك وَلَكِن اكْتُبْ: مُحَمَّد بن عبد الله
فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: وَالله إِنِّي لرَسُول الله وَإِن كذبتموني اكْتُبْ: هَذَا مَا قاضى عَلَيْهِ مُحَمَّد بن عبد الله
قَالَ الزُّهْرِيّ وَذَلِكَ لقَوْله: لَا يَسْأَلُونِي خطة يعظمون فِيهَا حرمات الله إِلَّا أَعطيتهم إِيَّاهَا
فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: على أَن تخلوا بَيْننَا وَبَين الْبَيْت فنطوف بِهِ
قَالَ سُهَيْل: وَالله لَا تَتَحَدَّث الْعَرَب أَنا أَخذنَا ضفطة [] وَلَكِن لَك من الْعَام الْمقبل فَكتب
فَقَالَ سُهَيْل: وعَلى أَنه لَا يَأْتِيك منا رجل وَإِن كَانَ على دينك إِلَّا رَددته إِلَيْنَا
فَقَالَ الْمُسلمُونَ: سُبْحَانَ الله كَيفَ يرد إِلَى الْمُشْركين وَقد جَاءَ مُسلما فَبَيْنَمَا هم كَذَلِك إِذْ جَاءَ أَبُو جندل بن سُهَيْل بن عمر ويرسف فِي قيوده وَقد خرج من أَسْفَل مَكَّة حَتَّى رمى بِنَفسِهِ بَين أظهر الْمُسلمين فَقَالَ سُهَيْل: هَذَا يَا مُحَمَّد أول من أقاضيك عَلَيْهِ أَن ترد إِلَيّ
فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِنَّا لم نقض الْكتاب بعد
قَالَ: فوَاللَّه لَا أصالحك على شَيْء أبدا
قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: فأجزه لي
قَالَ: مَا أَنا بمجيزه
قَالَ: بلَى فافعل
قَالَ: مَا أَنا بفاعل
فَقَالَ أَبُو جندل: أَي معشر الْمُسلمين أرد إِلَى الْمُشْركين وَقد جِئْت مُسلما أَلا ترَوْنَ مَا لقِيت فِي الله وَكَانَ قد عذب عذَابا شَدِيدا فِي الله
فَقَالَ عمر بن الْخطاب: وَالله مَا شَككت مُنْذُ أسلمت إِلَّا يَوْمئِذٍ فَأتيت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقلت: أَلَسْت نَبِي الله قَالَ: بلَى
فَقلت: أَلسنا على الْحق وعدونا على الْبَاطِل قَالَ: بلَى
قلت: فَلم نعطى الدنية فِي ديننَا إِذن قَالَ: إِنِّي رَسُول الله وَلست أعصيه وَهُوَ ناصري
قلت: أَو لَيْسَ كنت تحدثنا أَنا سنأتي الْبَيْت ونطوف بِهِ قَالَ: بلَى(7/530)
أفأخبرتك أَنَّك تَأتيه الْعَام قلت: لَا
قَالَ: فَإنَّك آتيه ومطوف بِهِ
فَأتيت أَبَا بكر فَقلت يَا أَبَا بكر: أَلَيْسَ هَذَا نَبِي الله حَقًا قَالَ: بلَى
قلت: أَلسنا على الْحق وعدونا على الْبَاطِل قَالَ: بلَى
قلت: فَلم نعطى الدنية فِي ديننَا إِذن قَالَ: أَيهَا الرجل إِنَّه رَسُول الله وَلَيْسَ يَعْصِي ربه وَهُوَ ناصره فَاسْتَمْسك بغرزه تفز حَتَّى تَمُوت فو الله إِنَّه لعلى الْحق
قلت: أوليس كَانَ يحدثنا إِنَّا سنأتي الْبَيْت ونطوف بِهِ قَالَ: بلَى أفأخبرك أَنَّك تَأتيه الْعَام قلت: لَا
قَالَ: فَإنَّك آتيه ومطوف بِهِ
قَالَ عمر: فَعمِلت لذَلِك أعمالا
فَلَمَّا فرغ من قَضِيَّة الْكتاب قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأَصْحَابه: قومُوا فَانْحَرُوا ثمَّ احْلقُوا
فوَاللَّه مَا قَامَ رجل مِنْهُم حَتَّى قَالَ ذَلِك ثَلَاث مَرَّات فَلَمَّا لم يقم مِنْهُم أحد قَامَ فَدخل على أم سَلمَة فَذكر لَهَا مَا لَقِي من النَّاس فَقَالَت أم سَلمَة: يَا نَبِي الله أَتُحِبُّ ذَلِك قَالَ: نعم
قَالَت: فَاخْرُج ثمَّ لَا تكلم أحدا مِنْهُم حَتَّى تنحر بدنك وَتَدْعُو حالقك فيحلقك
فَقَامَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَخرج فَلم يكلم أحدا مِنْهُم كلمة حَتَّى فعل ذَلِك: نحر بدنه ودعا بحالقه فحلقه
فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِك قَامُوا فنحروا وَجعل بَعضهم يحلق بَعْضًا حَتَّى كَاد بَعضهم يقتل بَعْضًا غما
ثمَّ جَاءَهُ نسْوَة مؤمنات فَأنْزل الله (يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذا جَاءَكُم الْمُؤْمِنَات مهاجرات) (الممتحنة 10) حَتَّى بلغ (بعصم الكوافر) فَطلق عمر رَضِي الله عَنهُ يَوْمئِذٍ امْرَأتَيْنِ كَانَتَا لَهُ فِي الشّرك فَتزَوج إِحْدَاهمَا مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان وَالْأُخْرَى صَفْوَان بن أُميَّة
ثمَّ رَجَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْمَدِينَة فَجَاءَهُ أَبُو بَصِير رجل من قُرَيْش وَهُوَ مُسلم فأرسلوا فِي طلبه رجلَيْنِ فَقَالُوا: الْعَهْد الَّذِي جعلته لنا فَدفعهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الرجلَيْن فَخَرَجَا بِهِ حَتَّى بلغا بِهِ ذَا الحليفة فنزلوا يَأْكُلُون من تمر لَهُم فَقَالَ أَبُو بَصِير لأحد الرجلَيْن: وَالله إِنِّي لأرى سَيْفك هَذَا يَا فلَان جيدا
فاستله الآخر وَقَالَ: أجل وَالله إِنَّه لجيد لقد جربت بِهِ وجربت
فَقَالَ لَهُ أَبُو بَصِير: أَرِنِي أنظر إِلَيْهِ
فأمكنه مِنْهُ فَضَربهُ حَتَّى برد وفر الآخر حَتَّى أَتَى الْمَدِينَة فَدخل الْمَسْجِد يعدو فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين رَآهُ: لقد رأى هَذَا ذعرا
فَلَمَّا انْتهى إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: قد قتل وَالله صَاحِبي وَإِنِّي لمقتول فجَاء أَبُو بَصِير فَقَالَ يَا نَبِي الله: قد أوفى الله بذمتك قد رددتني إِلَيْهِم ثمَّ أنجاني الله مِنْهُم
فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ويل أمه مسعر حَرْب لَو كَانَ لَهُ أحد فَلَمَّا سمع ذَلِك عرف أَنه سيرده إِلَيْهِم فَخرج حَتَّى أَتَى سيف الْبَحْر
قَالَ: وينفلت مِنْهُم أَبُو جندل(7/531)
فلحق بِأبي بَصِير فَجعل لَا يخرج رجل من قُرَيْش رجل قد أسلم إِلَّا لحق بِأبي بَصِير حَتَّى اجْتمعت مِنْهُم عِصَابَة
قَالَ: فوَاللَّه مَا يسمعُونَ بعير لقريش خرجت إِلَى الشَّام إِلَّا اعْترضُوا لَهَا فَقَتَلُوهُمْ وَأخذُوا أَمْوَالهم
فَأرْسلت قُرَيْش إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تناشده الله والرحمن لما أرسل إِلَيْهِم فَمن أَتَاهُ مِنْهُم فَهُوَ آمنز فَأرْسل إِلَيْهِم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأنْزل الله {وَهُوَ الَّذِي كف أَيْديهم عَنْكُم وَأَيْدِيكُمْ عَنْهُم} حَتَّى بلغ {حمية الْجَاهِلِيَّة} وَكَانَت حميتهم أَنهم لم يقرُّوا أَنه نَبِي وَلم يقرُّوا بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم وحالوا بَينه وَبَين الْبَيْت
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَاتب الْكتاب يَوْم الْحُدَيْبِيَة عَليّ بن أبي طَالب
وَأخرج أَحْمد وَعبد بن حميد وَمُسلم وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن سَلمَة بن الْأَكْوَع قَالَ: قدمنَا الْحُدَيْبِيَة مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَنحن أَربع عشرَة مائَة ثمَّ إِن الْمُشْركين من أهل مَكَّة راسلونا فِي الصُّلْح فَلَمَّا اصطلحنا وَاخْتَلَطَ بَعْضنَا بِبَعْض أتيت شَجَرَة فاضطجعت فِي ظلها فَأَتَانِي أَرْبَعَة من مُشْركي أهل مَكَّة فَجعلُوا يقعون فِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأمعضتهم وتحوّلت إِلَى شَجَرَة أُخْرَى فعلقوا سِلَاحهمْ واضطجعوا فَبَيْنَمَا هم كَذَلِك إِذْ نَادَى منادٍ من أَسْفَل الْوَادي: يَا للمهاجرين قتل ابْن زنيم فاخترطت سَيفي فاشتددت على أُولَئِكَ الْأَرْبَعَة وهم رقود فَأخذت سِلَاحهمْ وَجَعَلته فِي يَدي ثمَّ قلتُ: وَالَّذِي أكْرم وَجه مُحَمَّد لَا يرفع أحد مِنْكُم رَأسه إِلَّا ضربت الَّذِي فِيهِ عَيناهُ ثمَّ جِئْت بهم أسوقهم إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَجَاء عمي عَامر بِرَجُل من العبلات يُقَال لَهُ مكرز من الْمُشْركين يَقُودهُ حَتَّى وقفنا بهم على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي سبعين من الْمُشْركين فَنظر إِلَيْهِم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ: دعوهم يكون لَهُم بَدْء الْفُجُور ومنتهاه فَعَفَا عَنْهُم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأنزل الله {وَهُوَ الَّذِي كف أَيْديهم عَنْكُم وَأَيْدِيكُمْ عَنْهُم بِبَطن مَكَّة من بعد أَن أَظْفَرَكُم عَلَيْهِم}
وَأخرج أَحْمد وَالنَّسَائِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن جرير وَأَبُو نعيم فِي الدَّلَائِل وَابْن مرْدَوَيْه عَن عبد الله بن مُغفل قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي أصل الشَّجَرَة الَّتِي قَالَ الله فِي الْقُرْآن وَكَانَ يَقع من أَغْصَان تِلْكَ الشَّجَرَة على ظهر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعلي بن أبي طَالب وَسُهيْل بن عَمْرو بَين يَدَيْهِ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعَلي: اكْتُبْ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم فَأخذ سُهَيْل بِيَدِهِ قَالَ: مَا نَعْرِف الرَّحْمَن وَلَا الرَّحِيم(7/532)
أكتب فِي قَضِيَّتنَا مَا نَعْرِف
قَالَ: أكتب: بِاسْمِك اللَّهُمَّ
وَكتب: هَذَا مَا صَالح عَلَيْهِ مُحَمَّد رَسُول الله أهل مَكَّة فَأمْسك سُهَيْل بِيَدِهِ وَقَالَ: لقد ظَلَمْنَاك إِن كنت رَسُوله أكتب فِي قَضِيَّتنَا مَا نَعْرِف فَقَالَ: أكتب هَذَا مَا صَالح مُحَمَّد بن عبد الله فَبينا نَحن كَذَلِك إِذْ خرج علينا ثَلَاثُونَ شَابًّا عَلَيْهِم السِّلَاح فثاروا فِي وُجُوهنَا فَدَعَا عَلَيْهِم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأخذ الله بأسماعهم
وَلَفظ الْحَاكِم: بِأَبْصَارِهِمْ
فقمنا إِلَيْهِم فأخذناهم فَقَالَ لَهُم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: هَل جئْتُمْ فِي عهد أحد أَو هَل جعل لكم أحد أَمَانًا فَقَالُوا: لَا
فخلى سبيلهم فَأنْزل الله {وَهُوَ الَّذِي كف أَيْديهم عَنْكُم}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن أَبْزَى قَالَ: لما خرج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْهَدْي وانْتهى إِلَى ذِي الحليفة قَالَ لَهُ عمر: يَا نَبِي الله تدخل على قوم لَك حَرْب بِغَيْر سلَاح وَلَا كرَاع فَبعث إِلَى الْمَدِينَة فَلم يدع فِيهَا سِلَاحا وَلَا كُرَاعًا إِلَّا حمله فَلَمَّا دنا من مَكَّة منعُوهُ أَن يدْخل فَسَار حَتَّى أَتَى منى فَنزل بمنى فَأَتَاهُ عُيَيْنَة بن عِكْرِمَة بن أبي جهل قد خرج عَلَيْهِ فِي خَمْسمِائَة فَقَالَ لخَالِد بن الْوَلِيد: يَا خَالِد هَذَا ابْن عمك قد أَتَاك فِي الْخَيل فَقَالَ خَالِد: أَنا سيف الله وَسيف رَسُوله فَيَوْمئِذٍ سمي سيف الله يَا رَسُول الله إرمِ بِي أَيْن شِئْت فَبَعثه على خيل فَلَقِيَهُ عِكْرِمَة فِي الشّعب فَهَزَمَهُ حَتَّى أدخلهُ حيطان مَكَّة ثمَّ عَاد فِي الثَّانِيَة حَتَّى أدخلهُ حيطان مَكَّة ثمَّ عَاد فِي الثَّالِثَة فَهَزَمَهُ حَتَّى أدخلهُ حيطان مَكَّة فَأنْزل الله {وَهُوَ الَّذِي كف أَيْديهم عَنْكُم} الْآيَة
قَالَ: فَكف الله النَّبِي عَنْهُم من بعد أَن أظفره عَلَيْهِم لِبَقَايَا من الْمُسلمين كَانُوا بقوا فِيهَا كَرَاهِيَة أَن تَطَأهُمْ الْخَيل
أخرج ابْن الْمُنْذر عَن الضَّحَّاك وَسَعِيد بن جُبَير {وَالْهَدْي معكوفاً} قَالَ: مَحْبُوسًا
وَأخرج أَحْمد وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: نحرُوا يَوْم الْحُدَيْبِيَة سبعين بَدَنَة فَلَمَّا صدت عَن الْبَيْت حنت كَمَا تحن إِلَى أَوْلَادهَا
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن مَالك بن ربيعَة السَّلُولي رَضِي الله عَنهُ أَنه شهد مَعَ رَسُول الله(7/533)
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم الشَّجَرَة وَيَوْم رد الْهَدْي معكوفاً قبل أَن يبلغ مَحَله وَأَن رجلا من الْمُشْركين قَالَ يَا مُحَمَّد: مَا يحملك على أَن تدخل هَؤُلَاءِ علينا وَنحن كَارِهُون فَقَالَ: هَؤُلَاءِ خير مِنْك وَمن أجدادك يُؤمنُونَ بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لقد رَضِي الله عَنْهُم
قَوْله تَعَالَى: {وَلَوْلَا رجال مُؤمنُونَ} الْآيَة
أخرج الْحسن بن سُفْيَان وَأَبُو يعلى وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن قَانِع والباوردي وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم بِسَنَد جيد عَن أبي جُمُعَة حنيبذ بن سبيع قَالَ: قَاتَلت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أول النَّهَار كَافِرًا وقاتلت مَعَه آخر النَّهَار مُسلما وَفينَا نزلت {وَلَوْلَا رجال مُؤمنُونَ وَنسَاء مؤمنات} وَكُنَّا تِسْعَة نفر سَبْعَة رجال وَامْرَأَتَيْنِ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {وَلَوْلَا رجال مُؤمنُونَ وَنسَاء مؤمنات لم تعلموهم} قَالَ: حِين ردوا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {أَن تطؤوهم} بِقَتْلِهِم إيَّاهُم {لَو تزيلوا لعذبنا الَّذين كفرُوا مِنْهُم عذَابا أَلِيمًا} يَقُول لَو تزيل الْكفَّار من الْمُؤمنِينَ لعذبهم الله عذَابا أَلِيمًا بِقَتْلِهِم إيَّاهُم
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله {وَلَوْلَا رجال مُؤمنُونَ} قَالَ: دفع الله عَن الْمُشْركين يَوْم الْحُدَيْبِيَة بأناس من الْمُؤمنِينَ كَانُوا بَين أظهرهم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي الْآيَة قَالَ: هم أنَاس كَانُوا بِمَكَّة تكلمُوا بالإِسلام كره الله أَن يؤذوا وَأَن يوطأوا حِين رد مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه يَوْم الْحُدَيْبِيَة فتصيب الْمُسلمين مِنْهُم معرة يَقُول ذَنْب بِغَيْر علم
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن زيد {فتصيبكم مِنْهُم معرة بِغَيْر علم} قَالَ: إِثْم {لَو تزيلوا} قَالَ: لَو تفَرقُوا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {لَو تزيلوا لعذبنا الَّذين كفرُوا مِنْهُم عذَابا أَلِيمًا} قَالَ: هُوَ الْقَتْل والسبي
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {لَو تزيلوا لعذبنا الَّذين كفرُوا مِنْهُم عذَابا أَلِيمًا} قَالَ: إِن الله عزَّ وجلَّ يدْفع بِالْمُؤْمِنِينَ عَن الْكفَّار(7/534)
الْآيَة 26(7/535)
إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (26)
أخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن سهل بن حنيف أَنه قَالَ يَوْم صفّين: اتهموا أَنفسكُم فَلَقَد رَأَيْتنَا يَوْم الْحُدَيْبِيَة نرجىء الصُّلْح الَّذِي كَانَ بَين النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَبَين الْمُشْركين وَلَو نرى قتالاً لقاتلنا فجَاء عمر إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ يَا رَسُول الله: أَلسنا على الْحق وهم على الْبَاطِل قَالَ: بلَى
قَالَ: أَلَيْسَ قَتْلَانَا فِي الْجنَّة وقتلاهم فِي النَّار قَالَ: بلَى
قَالَ فَفِيمَ نعطي الدنية فِي ديننَا وَنَرْجِع لما يحكم الله بَيْننَا وَبينهمْ فَقَالَ يَا ابْن الْخطاب: إِنِّي رَسُول الله وَلنْ يضيعني الله أبدا
فَرجع متغيظاً لم يصبر حَتَّى جَاءَ أَبَا بكر فَقَالَ يَا أَبَا بكر: أَلسنا على الْحق وهم على الْبَاطِل قَالَ: بلَى
قَالَ: أَلَيْسَ قَتْلَانَا فِي الْجنَّة وقتلاهم فِي النَّار قَالَ: بلَى
قَالَ: فلمَ نعطي الدنية فِي ديننَا قَالَ: يَا ابْن الْخطاب إِنَّه رَسُول الله وَلنْ يضيعه الله أبدا
فَنزلت سُورَة الْفَتْح فَأرْسل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى عمر رَضِي الله عَنهُ فَأَقْرَأهُ إِيَّاهَا
قَالَ يَا رَسُول الله: أَو فتح هُوَ قَالَ: نعم
وَأخرج النَّسَائِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ من طَرِيق أبي إِدْرِيس عَن أبي كَعْب رَضِي الله عَنهُ أَنه كَانَ يقْرَأ [إِذْ جعل الَّذين كفرُوا فِي قُلُوبهم الحمية حمية الْجَاهِلِيَّة وَلَو حميتم كَمَا حموا لفسد الْمَسْجِد الْحرم فَأنْزل الله سكينته على رَسُوله] فَبلغ ذَلِك عمر فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ فَبعث إِلَيْهِ فَدخل عَلَيْهِ فَدَعَا نَاسا من أَصْحَابه فيهم زيد بن ثَابت فَقَالَ: من يقْرَأ مِنْكُم سُورَة الْفَتْح فَقَرَأَ زيد على قراءتنا الْيَوْم فغلظ لَهُ عمر فَقَالَ أبيّ أأتكلم قَالَ: تكلم
فَقَالَ: لقد علمت أَنِّي كنت أَدخل على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ويقرئني وَأَنت بِالْبَابِ فَإِن أَحْبَبْت أَن أقرىء النَّاس على مَا أَقْرَأَنِي أَقرَأت وَإِلَّا لم أقرىء حرفا مَا حييت
قَالَ: بل أقرىء النَّاس
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله {حمية الْجَاهِلِيَّة} قَالَ: حميت قُرَيْش أَن يدْخل عَلَيْهِم مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالُوا: لَا يدخلهَا عليناا أبدا فَوضع الله الحمية عَن مُحَمَّد وَأَصْحَابه(7/535)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْأَجْلَح قَالَ: كَانَ حَمْزَة بن عبد الْمطلب رجلا حسن الشّعْر حسن الْهَيْئَة صَاحب صيد وَإِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مر على أبي جهل فولع بِهِ وآذاه فَرجع حَمْزَة من الصَّيْد وَامْرَأَتَانِ تمشيان خَلفه فَقَالَت إِحْدَاهمَا لَو علم ذَا مَا صنع بِابْن أَخِيه أقصر عَن مشيته فَالْتَفت إِلَيْهِمَا فَقَالَ: وَمَا ذَاك قَالَت: أَبُو جهل فعل بِمُحَمد كَذَا وَكَذَا فدخلته الحمية فجَاء حَتَّى دخل الْمَسْجِد وَفِيه أَبُو جهل فعلا رَأسه بقوسه ثمَّ قَالَ: ديني دين مُحَمَّد إِن كُنْتُم صَادِقين فامنعوني فَقَامَتْ إِلَيْهِ قُرَيْش فَقَالُوا يَا أَبَا يعلى فَأنْزل الله {إِذْ جعل الَّذين كفرُوا فِي قُلُوبهم الحمية} إِلَى قَوْله {وألزمهم كلمة التَّقْوَى} قَالَ: حَمْزَة بن عبد الْمطلب
أما قَوْله تَعَالَى: {وألزمهم كلمة التَّقْوَى}
أخرج التِّرْمِذِيّ وَعبد الله بن أَحْمد فِي زَوَائِد الْمسند وَابْن جرير وَالدَّارقطني فِي الإِفراد وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن أبي بن كَعْب عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وألزمهم كلمة التَّقْوَى} قَالَ: لَا إِلَه إِلَّا الله
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله {وألزمهم كلمة التَّقْوَى} قَالَ: لَا إِلَه إِلَّا الله
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالْفِرْيَابِي وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ {وألزمهم كلمة التَّقْوَى} قَالَ: لَا إِلَه إِلَّا الله
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الْحُسَيْن بن مَرْوَان فِي فَوَائده عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ {وألزمهم كلمة التَّقْوَى} قَالَا: لَا إِلَه إِلَّا الله وَالله أكبر
وَأخرج أَحْمد عَن حمْرَان مولى عُثْمَان بن عَفَّان رضى الله عَنهُ قَالَ: سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: إِنِّي لأعْلم كلمة لَا يَقُولهَا عبد حقّاً من قلبه إِلَّا حرمه الله على النَّار فَقَالَ عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ أَنا أحدثكُم مَا هِيَ كلمة الإِخلاص الَّتِي ألزمها الله مُحَمَّدًا وَأَصْحَابه وَهِي كلمة التَّقْوَى الَّتِي حض عَلَيْهَا نَبِي الله عَمه أَبَا طَالب عِنْد الْمَوْت شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء(7/536)
وَالصِّفَات عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {وألزمهم كلمة التَّقْوَى} قَالَ: شَهَادَة لَا إِلَه إِلَّا الله وَهِي رَأس كل تقوى
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَسَعِيد بن مَنْصُور وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ عَن عَليّ الْأَزْدِيّ قَالَ: كنت مَعَ ابْن عمر رَضِي الله عَنهُ بَين مَكَّة وَمنى فَسمع النَّاس يَقُولُونَ لَا إِلَه إِلَّا الله وَالله أكبر فَقَالَ: هِيَ هِيَ فَقلت: مَا هِيَ هِيَ قَالَ {وألزمهم كلمة التَّقْوَى}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي الْأَفْرَاد عَن الْمسور بن مخرمَة ومروان بن الحكم {وألزمهم كلمة التَّقْوَى} قَالَ: لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ
وَأخرج ابْن جرير من طَرِيق ابْن جريج عَن مُجَاهِد وَعَطَاء فِي قَوْله {وألزمهم كلمة التَّقْوَى} قَالَ أَحدهمَا: الاخلاص وَقَالَ الآخر: كلمة التَّقْوَى لَا لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ لَهُ الْملك وَله الْحَمد وَهُوَ على كل شَيْء قدير
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد {وألزمهم كلمة التَّقْوَى} قَالَ: كلمة الاخلاص
وَأخرج ابْن جرير عَن عَمْرو بن مَيْمُون {وألزمهم كلمة التَّقْوَى} قَالَ: لَا إِلَه إِلَّا الله
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ {وألزمهم كلمة التَّقْوَى} قَالَ: لَا إِلَه إِلَّا الله
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد وَالْحسن وَقَتَادَة وَإِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ وَسَعِيد بن جُبَير مثله
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن عَطاء الْخُرَاسَانِي رَضِي الله عَنهُ {وألزمهم كلمة التَّقْوَى} قَالَ: لَا إِلَه إِلَّا الله مُحَمَّد رَسُول الله
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن الزُّهْرِيّ رَضِي الله عَنهُ {وألزمهم كلمة التَّقْوَى} قَالَ: بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة {وَكَانُوا أَحَق بهَا وَأَهْلهَا} وَكَانَ الْمُسلمُونَ أَحَق بهَا وَكَانُوا أَهلهَا وَالله أعلم
الْآيَات 27 - 28(7/537)
لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا (27) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا (28)
أخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن مُجَاهِد قَالَ: رأى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ بِالْحُدَيْبِية أَنه يدْخل مَكَّة هُوَ وَأَصْحَابه آمِنين مُحَلِّقِينَ رؤوسهم وَمُقَصِّرِينَ فَلَمَّا نحر الْهَدْي بِالْحُدَيْبِية قَالَ لَهُ أَصْحَابه: أَيْن رُؤْيَاك يَا رَسُول الله فَأنْزل الله {لقد صدق الله رَسُوله الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ} إِلَى قَوْله {فَجعل من دون ذَلِك فتحا قَرِيبا} فَرَجَعُوا ففتحوا خَيْبَر ثمَّ اعْتَمر بعد ذَلِك فَكَانَ تَصْدِيق رُؤْيَاهُ فِي السّنة الْمُقبلَة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا: {لقد صدق الله رَسُوله الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ} قَالَ: كَانَ تَأْوِيل رُؤْيَاهُ فِي عمْرَة الْقَضَاء
وَأخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {لقد صدق الله رَسُوله الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ} قَالَ: هُوَ دُخُول مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْبَيْت وَالْمُؤمنِينَ مُحَلِّقِينَ رؤوسهم وَمُقَصِّرِينَ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {لقد صدق الله رَسُوله الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ} قَالَ: رأى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه يطوف بِالْبَيْتِ وَأَصْحَابه فَصدق الله رُؤْيَاهُ بِالْحَقِّ
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {لقد صدق الله رَسُوله الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ} قَالَ: رأى فِي الْمَنَام أَنهم يدْخلُونَ الْمَسْجِد الْحَرَام وَأَنَّهُمْ آمنون مُحَلِّقِينَ رؤوسهم وَمُقَصِّرِينَ
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن زيد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {لقد صدق الله رَسُوله الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ} إِلَى آخر الْآيَة
قَالَ: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَهُم: إِنِّي قد رَأَيْت أَنكُمْ سَتَدْخُلُونَ الْمَسْجِد الْحَرَام مُحَلِّقِينَ رؤوسكم وَمُقَصِّرِينَ فَلَمَّا نزلت بِالْحُدَيْبِية وَلم يدْخل ذَلِك الْعَام طعن المُنَافِقُونَ فِي ذَلِك فَقَالَ الله {لقد صدق الله رَسُوله الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ} إِلَى قَوْله {لَا تخافون} أَي لم أره أَنه يدْخلهُ هَذَا الْعَام وليكونن ذَلِك {فَعلم مَا لم تعلمُوا} قَالَ: رده لمَكَان من بَين أظهرهم من الْمُؤمنِينَ وَالْمُؤْمِنَات وأخره(7/538)
ليدْخل الله فِي رَحمته من يَشَاء مِمَّن يُرِيد الله أَن يهديه {فَجعل من دون ذَلِك فتحا قَرِيبا} قَالَ: خَيْبَر حِين رجعُوا من الْحُدَيْبِيَة فتحهَا الله عَلَيْهِم فَقَسمهَا على أهل الْحُدَيْبِيَة كلهم إِلَّا رجلا وَاحِدًا من الْأَنْصَار يُقَال لَهُ أَبُو دُجَانَة سماك بن خَرشَة كَانَ قد شهد الْحُدَيْبِيَة وَغَابَ عَن خَيْبَر
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عَطاء قَالَ: خرج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُعْتَمِرًا فِي ذِي الْقعدَة مَعَه الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَار حَتَّى أَتَى الْحُدَيْبِيَة فَخرجت إِلَيْهِ قُرَيْش فَردُّوهُ عَن الْبَيْت حَتَّى كَانَ بَينهم كَلَام وتنازع حَتَّى كَاد يكون بَينهم قتال فَبَايع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَصْحَابه وعدتهم ألف وَخَمْسمِائة تَحت الشَّجَرَة وَذَلِكَ يَوْم بيعَة الرضْوَان فقاضاهم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَت قُرَيْش: نقاضيك على أَن تنحر الْهَدْي مَكَانَهُ وتحلق وَترجع حَتَّى إِذا كَانَ الْعَام الْمقبل نخلي لَك مَكَّة ثَلَاثَة أَيَّام فَفعل فَخَرجُوا إِلَى عكاظ فأقاموا فِيهَا ثَلَاثَة أَيَّام واشترطوا عَلَيْهِ أَن لَا يدخلهَا بسلاح إِلَّا بِالسَّيْفِ وَلَا يخرج بِأحد من أهل مَكَّة إِن خرج مَعَه فَنحر الْهَدْي مَكَانَهُ وَحلق وَرجع حَتَّى إِذا كَانَ فِي قَابل من تِلْكَ الْأَيَّام دخل مَكَّة وَجَاء بِالْبدنِ مَعَه وَجَاء النَّاس مَعَه فَدخل الْمَسْجِد الْحَرَام فَأنْزل الله عَلَيْهِ {لقد صدق الله رَسُوله الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لتدخلن الْمَسْجِد الْحَرَام إِن شَاءَ الله آمِنين مُحَلِّقِينَ رؤوسكم وَمُقَصِّرِينَ} وَأنزل عَلَيْهِ (الشَّهْر الْحَرَام بالشهر الْحَرَام والحرمات قصاص) (الْبَقَرَة الْآيَة 194) الْآيَة
أما قَوْله تَعَالَى: {مُحَلِّقِينَ رؤوسكم وَمُقَصِّرِينَ}
أخرج مَالك وَالطَّيَالِسِي وَابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن ماجة عَن ابْن عمر أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: رحم الله المحلقين قَالُوا: والمقصرين يَا رَسُول الله قَالَ: رحم الله المحلقين قَالُوا: والمقصرين يَا رَسُول الله قَالَ: والمقصرين
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَابْن ماجة عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: اللَّهُمَّ اغْفِر للمحلقين قَالُوا يَا رَسُول الله والمقصرين قَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِر للمحلقين ثَلَاثًا قَالُوا يَا رَسُول الله والمقصرين قَالَ والمقصرين(7/539)
وَأخرج الطَّيَالِسِيّ وَأحمد وَأَبُو يعلى عَن أبي سعيد أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه حَلقُوا رؤوسهم يَوْم الْحُدَيْبِيَة إِلَّا عُثْمَان بن عَفَّان وَأَبا قَتَادَة فَاسْتَغْفر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم للمحلقين ثَلَاثًا وللمقصرين مرّة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن حبشِي بن جُنَادَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: اللَّهُمَّ اغْفِر للمحلقين قَالُوا يَا رَسُول الله والمقصرين قَالَ اللَّهُمَّ اغْفِر للمحلقين قَالُوا يَا رَسُول الله والمقصرين قَالَ اللَّهُمَّ اغْفِر للمقصرين
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن يزِيد بن أبي مَرْيَم أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِر للمحلقين ثَلَاثًا قَالُوا يَا رَسُول الله والمقصرين قَالَ والمقصرين وَكنت يَوْمئِذٍ محلوق الرَّأْس فَمَا يسرني بحلق رَأْسِي حمر النعم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَمُسلم عَن يحيى بن أبي الْحصين عَن جدته أَنَّهَا سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دَعَا للمحلقين ثَلَاثًا وللمقصرين مرّة فِي حجَّة الْوَدَاع
وَأخرج أَحْمد عَن مَالك بن ربيعَة أَنه سمع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: اللَّهُمَّ اغْفِر للمحلقين ثَلَاثًا قَالَ رجل: والمقصرين فَقَالَ فِي الثَّالِثَة أَو الرَّابِعَة وللمقصرين
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن ابْن عَبَّاس أَنه قيل لَهُ لم ظَاهر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم للمحلقين ثَلَاثًا وللمقصرين مرّة فَقَالَ: إِنَّهُم لم يشكوا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: اللَّهُمَّ اغْفِر للمحلقين قَالَهَا ثَلَاثًا فَقَالُوا يَا رَسُول الله مَا بَال المحلقين ظَاهَرت لَهُم الترحم قَالَ: إِنَّهُم لم يشكوا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن إِبْرَاهِيم قَالَ: كَانُوا يستحبون للرجل أول مَا يحجّ أَن يحلق وَأول مَا يعْتَمر أَن يحلق
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن عمر أَنه كَانَ يَقُول للحلاق إِذا حلق فِي الْحَج وَالْعمْرَة أبلغ للعظمين
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عَطاء قَالَ: السّنة أَن يبلغ بِالْحلقِ إِلَى العظمين
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أنس أَنه رأى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ للحلاق هَكَذَا وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى الْجَانِب الْأَيْمن
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَيْسَ على النِّسَاء حلق إِنَّمَا على النِّسَاء التَّقْصِير(7/540)
الْآيَة 29(7/541)
مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (29)
أخرج الْخَطِيب فِي رُوَاة مَالك بِسَنَد ضَعِيف عَن أبي هُرَيْرَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: {وَالَّذين مَعَه} {مثلهم فِي التَّوْرَاة} إِلَى قَوْله {كزرعٍ أخرج شطأه} قَالَ مَالك: نزل فِي الإِنجيل نعت النَّبِي وَأَصْحَابه
وَأخرج ابْن سعد فِي الطَّبَقَات وَابْن أبي شيبَة عَن عَائِشَة قَالَت: لما مَاتَ سعد بن معَاذ حضر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَبُو بكر وَعمر فوالذي نفس مُحَمَّد بِيَدِهِ إِنِّي لأعرف بكاء أبي بكر من بكاء عمر وَأَنا فِي حُجْرَتي وَكَانُوا كَمَا قَالَ الله {رحماء بَينهم} قيل فَكيف كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يصنع فَقَالَت: كَانَت عينه لَا تَدْمَع على أحد وَلكنه كَانَ إِذا وجد فَإِنَّمَا هُوَ آخذ بلحيته
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ عَن جرير قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا يرحم الله من لَا يرحم النَّاس
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأَبُو دَاوُد عَن عبد الله بن عَمْرو يرويهِ قَالَ: من لم يرحم صَغِيرنَا وَيعرف حق كَبِيرنَا فَلَيْسَ منا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي هُرَيْرَة: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: لَا تنْزع الرَّحْمَة إِلَّا من شقي
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أُسَامَة بن زيد قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِنَّمَا يرحم الله من عباده الرُّحَمَاء
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {سِيمَاهُمْ فِي وُجُوههم} قَالَ: أما إِنَّه لَيْسَ بالذين ترَوْنَ وَلكنه سِيمَا الإِسلام وسحنته وسمته وخشوعه
وَأخرج مُحَمَّد بن نصر فِي كتاب الصَّلَاة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم(7/541)
وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {سِيمَاهُمْ فِي وُجُوههم} قَالَ السمت الْحسن
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَالصَّغِير وَابْن مرْدَوَيْه بِسَنَد حسن عَن أبي بن كَعْب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله {سِيمَاهُمْ فِي وُجُوههم من أثر السُّجُود} قَالَ: النُّور يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج البُخَارِيّ فِي تَارِيخه وَابْن نصر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {سِيمَاهُمْ فِي وُجُوههم من أثر السُّجُود} قَالَ: بَيَاض يغشى وُجُوههم يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن نصر وَابْن جرير عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ مثله
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن نصر وَابْن جرير عَن عَطِيَّة الْعَوْفِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: مَوضِع السُّجُود أَشد وُجُوههم بَيَاضًا يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن سَمُرَة بن جُنْدُب رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام يتباهون أَيهمْ أَكثر أصحاباً من أمته فأرجو أَن أكون يَوْمئِذٍ أَكْثَرهم كلهم وَارِدَة وَإِن كل رجل مِنْهُم يَوْمئِذٍ قَائِم على حَوْض ملآن مَعَه عَصا يَدْعُو من عرف من أمته وَلكُل أمة سِيمَا يعرفهُمْ بهَا نَبِيّهم
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن حميد بن عبد الرَّحْمَن قَالَ: كنت عِنْد السَّائِب بن يزِيد إِذْ جَاءَ رجل فِي وَجهه أثر السُّجُود فَقَالَ: لقد أفسد هَذَا وَجهه أما وَالله مَا هِيَ السيما الَّتِي سمّى الله وَلَقَد صليت على وَجْهي مُنْذُ ثَمَانِينَ سنة مَا أثّر السُّجُود بَين عينيّ
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن نصر وَابْن جرير عَن مُجَاهِد {سِيمَاهُمْ فِي وُجُوههم} قَالَ: لَيْسَ الْأَثر فِي الْوَجْه وَلَكِن الْخُشُوع
وَأخرج ابْن الْمُبَارك وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن نصر عَن مُجَاهِد {سِيمَاهُمْ فِي وُجُوههم} قَالَ: لَيْسَ الْأَثر فِي الْوَجْه وَلَكِن الْخُشُوع
وَأخرج ابْن الْمُبَارك وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن نصر عَن مُجَاهِد {سِيمَاهُمْ فِي وُجُوههم} قَالَ: الْخُشُوع والتواضع
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن نصر عَن سعيد بن جُبَير فِي الْآيَة قَالَ: ندى الطّهُور وثرى الأَرْض
وَأخرج ابْن نصر وَابْن الْمُنْذر عَن الضَّحَّاك فِي الْآيَة قَالَ: هُوَ السهر إِذا سهر الرجل من اللَّيْل أصبح مصفرّاً(7/542)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن نصر عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ {سِيمَاهُمْ فِي وُجُوههم} قَالَ: السهر
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله {سِيمَاهُمْ فِي وُجُوههم} قَالَ: إِن جِبْرِيل قَالَ: إِذا نظرت إِلَى الرجل من أمتك عرفت أَنه من أهل الصَّلَاة بأثر الْوضُوء وَإِذا أَصبَحت عرفت أَنه قد صلى من اللَّيْل وَهُوَ يَا مُحَمَّد العفاف فِي الدّين وَالْحيَاء وَحسن السمت
وَأخرج ابْن إِسْحَق وَأَبُو نعيم فِي الدَّلَائِل عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: كتب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى يهود خَيْبَر بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم من مُحَمَّد رَسُول الله صَاحب مُوسَى وأخيه الْمُصدق لما جَاءَ بِهِ مُوسَى أَلا إِن الله قد قَالَ لكم يَا معشر أهل التَّوْرَاة وَإِنَّكُمْ تَجِدُونَ ذَلِك فِي كتابكُمْ {مُحَمَّد رَسُول الله وَالَّذين مَعَه أشداء على الْكفَّار رحماء بَينهم} إِلَى آخر السُّورَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {ذَلِك مثلهم فِي التَّوْرَاة} يَعْنِي مَكْتُوب فِي التَّوْرَاة والإِنجيل قبل أَن يخلق السَّمَوَات وَالْأَرْض
وَأخرج أَبُو عبيد وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية وَابْن الْمُنْذر عَن عمار مولى بني هَاشم قَالَ: سَأَلت أَبَا هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ عَن الْقدر قَالَ: إكتف مِنْهُ بآخر سُورَة الْفَتْح {مُحَمَّد رَسُول الله وَالَّذين مَعَه} إِلَى آخر السُّورَة يَعْنِي أَن الله نعتهم قبل أَن يخلقهم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {رحماء بَينهم} قَالَ: جعل الله فِي قُلُوبهم الرَّحْمَة بَعضهم لبَعض {سِيمَاهُمْ فِي وُجُوههم من أثر السُّجُود} قَالَ: علامتهم الصَّلَاة {ذَلِك مثلهم فِي التَّوْرَاة} قَالَ: هَذَا الْمثل فِي التَّوْرَاة {وَمثلهمْ فِي الإِنجيل} قَالَ: هَذَا مثل آخر {كزرعٍ أخرج شطأه} قَالَ: هَذَا نعت أَصْحَاب مُحَمَّد فِي الإِنجيل
قيل لَهُ: أَنه سيخرج قوم يَنْبُتُونَ نَبَات الزَّرْع يخرج مِنْهُم قوم يأمرون بِالْمَعْرُوفِ وَينْهَوْنَ عَن الْمُنكر
وَأخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {سِيمَاهُمْ فِي وُجُوههم من أثر السُّجُود} قَالَ: صلَاتهم تبدو فِي وُجُوههم يَوْم الْقِيَامَة {ذَلِك مثلهم فِي التَّوْرَاة وَمثلهمْ فِي الْإِنْجِيل كزرع أخرج شطأه} قَالَ: سنبله حِين يبلغ نَبَاته عَن حباته {فآزره} يَقُول: نَبَاته مَعَ التفافه حِين يسنبل فَهَذَا مثل ضربه الله لأهل(7/543)
الْكتاب إِذا خرج قوم يَنْبُتُونَ كَمَا ينْبت الزَّرْع فيهم رجال يأمرون بِالْمَعْرُوفِ وَينْهَوْنَ عَن الْمُنكر ثمَّ يغلظ فيهم الَّذين كَانُوا مَعَهم وَهُوَ مثل ضربه لمُحَمد يَقُول: يبْعَث الله النَّبِي وَحده ثمَّ يجْتَمع إِلَيْهِ نَاس قَلِيل يُؤمنُونَ بِهِ ثمَّ يكون الْقَلِيل كثيرا وسيغلظون ويغيظ الله بهم الْكفَّار يعجب الزراع من كثرته وَحسن نَبَاته
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ {كزرعٍ أخرج شطأه} قَالَ: يَقُول حب بر مُتَفَرقًا فأنبتت كل حَبَّة وَاحِدَة ثمَّ أنبتت من حولهَا مثلهَا حَتَّى استغلظ واستوى على سوقه يَقُول: كَانَ أَصْحَاب مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَلِيلا ثمَّ كَثُرُوا واستغلظوا
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه والخطيب وَابْن عَسَاكِر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {كزرعٍ} قَالَ: أصل الزَّرْع عبد الْمطلب أخرج شطأه مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فآزره بِأبي بكر فاستغلظ بعمر فَاسْتَوَى بعثمان على سوقه بعلي ليغيظ بهم الْكفَّار
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه والقلظي وَأحمد بن مُحَمَّد الزُّهْرِيّ فِي فَضَائِل الْخُلَفَاء الْأَرْبَعَة والشيرازي فِي الألقاب عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {مُحَمَّد رَسُول الله وَالَّذين مَعَه} أَبُو بكر {أشداء على الْكفَّار} عمر {رحماء بَينهم} عُثْمَان {تراهم ركعا سجدا} عَليّ {يَبْتَغُونَ فضلا من الله ورضواناً} طَلْحَة وَالزُّبَيْر {سِيمَاهُمْ فِي وُجُوههم من أثر السُّجُود} عبد الرَّحْمَن بن عَوْف وَسعد بن أبي وَقاص وَأَبُو عُبَيْدَة بن الْجراح {وَمثلهمْ فِي الإِنجيل كزرعٍ أخرج شطأه فآزره} بِأبي بكر {فاستغلظ} بعمر {فَاسْتَوَى على سوقه} بعثمان {يعجب الزراع ليغيظ بهم الْكفَّار} بعلي {وعد الله الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات} جَمِيع أَصْحَاب مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ {كزرعٍ أخرج شطأه} قَالَ: نَبَاته
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن أنس رَضِي الله عَنهُ {كزرعٍ أخرج شطأه} قَالَ: نَبَاته فروخه
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {كزرعٍ أخرج شطأه} قَالَ: حِين تخرج مِنْهُ الطَّاقَة {فآزره} قواه {فاستغلظ فَاسْتَوَى على سوقه} قَالَ: على مثل الْمُسلمين(7/544)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {كزرعٍ أخرج شطأه} قَالَ: مَا يخرج بِجنب كِتَابه الجعلة فَيتم وينمو
{فآزره} قَالَ: فشده وأعانه {على سوقه} قَالَ: على أُصُوله
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن خَيْثَمَة قَالَ: قَرَأَ رجل على عبد الله سُورَة الْفَتْح فَلَمَّا بلغ {كزرعٍ أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فَاسْتَوَى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الْكفَّار} قَالَ: ليغيظ الله بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِأَصْحَابِهِ الْكفَّار ثمَّ قَالَ: أَنْتُم الزَّرْع وَقد دنا حَصَاده
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن عَائِشَة فِي قَوْله {ليغيظ بهم الْكفَّار} قَالَت: أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أمروا بالاستغفار لَهُم فسبوهم(7/545)
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم (49)
سُورَة الحجرات
مَدَنِيَّة وآياتها ثَمَانِي عشرَة
مُقَدّمَة سُورَة الحجرات أخرج ابْن الضريس والنحاس وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَت: نزلت سُورَة الحجرات بِالْمَدِينَةِ
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن الزبير مثله
الْآيَة 1(7/546)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (1)
أخرج البُخَارِيّ وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه عَن عبد الله بن الزبير قَالَ: قدم ركب من بني تَمِيم على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ أَبُو بكر: أَمر الْقَعْقَاع بن معبد وَقَالَ عمر: بل أَمر الْأَقْرَع بن حَابِس فَقَالَ أَبُو بكر مَا أردْت إِلَّا خلافي فَقَالَ عمر: مَا أردْت خِلافك فتماريا حَتَّى ارْتَفَعت أصواتهما فَأنْزل الله تَعَالَى {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تقدمُوا بَين يَدي الله وَرَسُوله} حَتَّى انْقَضتْ الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {لَا تقدمُوا بَين يَدي الله وَرَسُوله} قَالَ: لَا تَقولُوا خلاف الْكتاب وَالسّنة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة قَالَ: ذكر لنا أَن نَاسا كَانُوا يَقُولُونَ: لَو أنزل فِي كَذَا وَكَذَا الْوَضع كَذَا وَكَذَا فكره الله ذَلِك وَقدم فِيهِ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {لَا تقدمُوا بَين يَدي الله وَرَسُوله} قَالَ: نهوا أَن يتكلموا بَين يَدي كَلَامه(7/546)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ أَن نَاسا ذَبَحُوا قبل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم النَّحْر فَأَمرهمْ أَن يُعِيدُوا ذبحا فَأنْزل الله {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تقدمُوا بَين يَدي الله وَرَسُوله}
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي الْأَضَاحِي عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ قَالَ: ذبح رجل قبل الصَّلَاة فَنزلت
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن جَابر بن عبد الله فِي قَوْله {لَا تقدمُوا بَين يَدي الله وَرَسُوله} قَالَ: لَا تَصُومُوا قبل أَن يَصُوم نَبِيكُم
وَأخرج ابْن النجار فِي تَارِيخه عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: كَانَ أنَاس يتقدمون بَين يَدي رَمَضَان بصيام يَعْنِي يَوْمًا أَو يَوْمَيْنِ فَأنْزل الله تَعَالَى {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تقدمُوا بَين يَدي الله وَرَسُوله}
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَابْن مرْدَوَيْه عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا أَن نَاسا كَانُوا يتقدمون الشَّهْر فيصومون قبل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأنْزل الله {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تقدمُوا بَين يَدي الله وَرَسُوله}
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور عَن الضَّحَّاك أَنه قَرَأَ {لَا تقدمُوا}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {لَا تقدمُوا بَين يَدي الله وَرَسُوله} قَالَ: لَا تفتاتوا على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِشَيْء حَتَّى يقْضِي الله على لِسَانه
قَالَ الْحفاظ: هَذَا التَّفْسِير على قِرَاءَة تقدمُوا بِفَتْح التَّاء وَالدَّال
الْآيَات 2 - 3(7/547)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (2) إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (3)
أخرج البُخَارِيّ وَابْن الْمُنْذر وَالطَّبَرَانِيّ عَن ابْن أبي مليكَة قَالَ: كَاد الخيران أَن يهلكا أَبُو بكر وَعمر رفعا أصواتهما عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين قدم عَلَيْهِ ركب بني تَمِيم فَأَشَارَ(7/547)
أَحدهمَا بالأقرع بن حَابِس وَأَشَارَ الآخر بِرَجُل آخر فَقَالَ أَبُو بكر لعمر: مَا أردْت إِلَّا خلافي قَالَ: مَا أردْت خِلافك فارتفعت أصواتهما فِي ذَلِك فَأنْزل الله تَعَالَى {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تَرفعُوا أَصْوَاتكُم فَوق صَوت النَّبِي} الْآيَة
قَالَ ابْن الزبير: فَمَا كَانَ عمر يسمع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعد هَذِه الْآيَة حَتَّى يَسْتَفْهِمهُ
وَأخرجه التِّرْمِذِيّ من طَرِيق ابْن أبي مليكَة قَالَ: حَدثنِي عبد الله بن الزبير بِهِ
وَأخرج ابْن جرير وَالطَّبَرَانِيّ من طَرِيق ابْن أبي مليكَة عَن عبد الله بن الزبير أَن الْأَقْرَع بن حَابِس قدم على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ أَبُو بكر: يَا رَسُول الله اسْتَعْملهُ على قومه فَقَالَ عمر: لَا تستعمله يَا رَسُول الله
فتكلما عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى ارْتَفَعت أصواتهما فَقَالَ أَبُو بكر لعمر: مَا أردْت إِلَّا خلافي قَالَ: مَا أردْت خِلافك فَنزلت هَذِه الْآيَة {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تَرفعُوا أَصْوَاتكُم فَوق صَوت النَّبِي} فَكَانَ عمر بعد ذَلِك إِذا تكلم عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يسمع كَلَامه حَتَّى يَسْتَفْهِمهُ
وَأخرج الْبَزَّار وَابْن عدي وَالْحَاكِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي بكر الصّديق قَالَ: لما نزلت هَذِه الْآيَة {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تَرفعُوا أَصْوَاتكُم فَوق صَوت النَّبِي} قلت يَا رَسُول الله: وَالله لَا أُكَلِّمك إِلَّا كَأَخِي السرَار
وَأخرج عبد بن حميد وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان من طَرِيق أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: لما نزلت {إِن الَّذين يَغُضُّونَ أَصْوَاتهم عِنْد رَسُول الله} قَالَ أَبُو بكر: وَالَّذِي أنزل عَلَيْك الْكتاب يَا رَسُول الله لَا أُكَلِّمك إِلَّا كَأَخِي السرَار حَتَّى ألْقى الله
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة قَالَ: كَانُوا يجهرون لَهُ بالْكلَام ويرفعون أَصْوَاتهم فَأنْزل الله {لَا تَرفعُوا أَصْوَاتكُم فَوق صَوت النَّبِي}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بالْقَوْل} الْآيَة قَالَ: لَا تنادوه نِدَاء وَلَكِن قُولُوا قولا لينًا يَا رَسُول الله
وَأخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو يعلى وَالْبَغوِيّ فِي مُعْجم الصَّحَابَة وَابْن الْمُنْذر وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن أنس قَالَ: لما نزلت {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تَرفعُوا أَصْوَاتكُم فَوق صَوت النَّبِي} إِلَى قَوْله {وَأَنْتُم لَا تشعرون} وَكَانَ ثَابت بن قيس بن شماس رفيع الصَّوْت فَقَالَ: أَنا الَّذِي كنت أرفع صوتي على رَسُول(7/548)
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَبط عَمَلي أَنا من أهل النَّار وَجلسَ فِي بَيته حَزينًا فَفَقدهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَانْطَلق بعض الْقَوْم إِلَيْهِ فَقَالُوا لَهُ: فقدك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا لَك قَالَ: أَنا الَّذِي أرفع صوتي فَوق صَوت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأجهر لَهُ بالْقَوْل حَبط عَمَلي أَنا من أهل النَّار فَأتوا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأخبروه بذلك فَقَالَ: لَا بل هُوَ من أهل الْجنَّة فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْيَمَامَة قتل
وَأخرج ابْن جرير وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه عَن مُحَمَّد بن ثَابت بن قيس بن شماس قَالَ: لما نزلت هَذِه الْآيَة {لَا تَرفعُوا أَصْوَاتكُم فَوق صَوت النَّبِي وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بالْقَوْل} قعد ثَابت رَضِي الله عَنهُ فِي الطَّرِيق يبكي فمرّ بِهِ عَاصِم بن عدي بن العجلان فَقَالَ: مَا يبكيك يَا ثَابت قَالَ: هَذِه الْآيَة أَتَخَوَّف أَن تكون نزلت فيَّ وَأَنا صيّت رفيع الصَّوْت فَمضى عَاصِم بن عدي إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأخْبرهُ خَبره فَقَالَ: اذْهَبْ فَأَدَعُهُ لي فجَاء فَقَالَ: مَا يبكيك يَا ثَابت فَقَالَ: أَنا صيّت وأتخوّف أَن تكون هَذِه الْآيَة نزلت فيّ فَقَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أما ترْضى أَن تعيش حميدا وَتقتل شَهِيدا وَتدْخل الْجنَّة قَالَ: رضيت وَلَا أرفع صوتي أبدا على صَوت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَالَ: وَأنزل الله تَعَالَى {إِن الَّذين يَغُضُّونَ أَصْوَاتهم عِنْد رَسُول الله} الْآيَة
وَأخرج ابْن حبَان وَالطَّبَرَانِيّ وَأَبُو نعيم فِي الْمعرفَة عَن إِسْمَعِيل بن مُحَمَّد بن ثَابت بن قيس بن شماس الْأنْصَارِيّ أَن ثَابت بن قيس قَالَ: يَا رَسُول الله: لقد خشيت أَن أكون قد هَلَكت
قَالَ: لمَ قَالَ: يمْنَع الله الْمَرْء أَن يحمد بِمَا لم يفعل وأجدني أحب الْحَمد وَينْهى عَن الْخُيَلَاء وأجدني أحب الْجمال وَينْهى أَن نرفع أصواتنا فَوق صَوْتك وَأَنا جهير الصَّوْت فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يَا ثَابت أما ترْضى أَن تعيش حميدا وَتقتل شَهِيدا وَتدْخل الْجنَّة قَالَ الْحَافِظ بن حجر فِي الْأَطْرَاف: هَكَذَا أخرجه ابْن حبَان بِهَذَا السِّيَاق وَلَيْسَ فِيهِ مَا يدل على أَن إِسْمَعِيل سَمعه من ثَابت فَهُوَ مُنْقَطع وَرَوَاهُ مَالك رَضِي الله عَنهُ فِي الْمُوَطَّأ عَن ابْن شهَاب عَن إِسْمَعِيل عَن ثَابت أَنه قَالَ فَذكره وَلم يذكرهُ من رُوَاة الْمُوَطَّأ أحد إِلَّا سعيد بن عفير وَحده وَقَالَ: قَالَ مَالك: قتل ثَابت بن قيس يَوْم الْيَمَامَة
قَالَ ابْن حجر رَضِي الله عَنهُ: فَلم يُدْرِكهُ إِسْمَعِيل فَهُوَ مُنْقَطع قطعا إنتهى
وَأخرج ابْن جرير عَن شمر بن عَطِيَّة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: جَاءَ ثَابت بن قيس بن(7/549)
شماس إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ محزون فَقَالَ: يَا ثَابت مَا الَّذِي أرى بك قَالَ: آيَة قرأتها اللَّيْلَة فأخشى أَن يكون قد حَبط عَمَلي {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تَرفعُوا أَصْوَاتكُم فَوق صَوت النَّبِي} وَكَانَ فِي أُذُنه صمم فَقَالَ: أخْشَى أَن أكون قد رفعت صوتي وجهرت لَك بالْقَوْل وَأَن أكون قد حَبط عَمَلي وَأَنا لَا أشعر
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إمشِ على الأَرْض نشيطاً فَإنَّك من أهل الْجنَّة
وَأخرج الْبَغَوِيّ وَابْن قَانِع فِي مُعْجم الصَّحَابَة عَن مُحَمَّد بن ثَابت بن قيس بن شماس عَن ثَابت بن قيس بن شماس قَالَ: لما نزلت على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تَرفعُوا أَصْوَاتكُم فَوق صَوت النَّبِي} قعدت فِي بَيْتِي فَبلغ ذَلِك النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: تعيش حميدا وَتقتل شَهِيدا فَقتل يَوْم الْيَمَامَة
وَأخرج الْبَغَوِيّ وَابْن الْمُنْذر وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَابْن مرْدَوَيْه والخطيب فِي الْمُتَّفق والمفترق عَن عَطاء الْخُرَاسَانِي قَالَ: قدمت الْمَدِينَة فَلَقِيت رجلا من الْأَنْصَار
قلت: حَدثنِي حَدِيث ثَابت بن قيس بن شماس
قَالَ: قُم معي
فَانْطَلَقت مَعَه حَتَّى دخلت على امْرَأَة
فَقَالَ الرجل: هَذِه ابْنة ثَابت بن قيس بن شماس فاسألها عَمَّا بدا لَك
فَقلت: حدثيني
قَالَت: سَمِعت أبي يَقُول: لما أنزل الله على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تَرفعُوا أَصْوَاتكُم فَوق صَوت النَّبِي} الْآيَة دخل [أَي ثَابت] بَيته وأغلق عَلَيْهِ بَابه وطفق يبكي فَفَقدهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: مَا شَأْن ثَابت فَقَالُوا: يَا رَسُول الله مَا نَدْرِي مَا شَأْنه غير أَنه قد أغلق عَلَيْهِ بَاب بَيته فَهُوَ يبكي فِيهِ
فَأرْسل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَسَأَلَهُ: مَا شَأْنك قَالَ: يَا رَسُول الله: أنزل الله عَلَيْك هَذِه الْآيَة وَأَنا شَدِيد الصَّوْت فَأَخَاف أَن أكون قد حَبط عَمَلي
فَقَالَ: لست مِنْهُم بل تعيش بِخَير وَتَمُوت بِخَير
قَالَت: ثمَّ أنزل الله على نبيه (إِن الله لَا يحب كل مختالٍ فخور) فأغلق عَلَيْهِ بَابه وطفق يبكي فِيهِ فافتقده رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ: ثَابت مَا شَأْنه قَالُوا: يَا رَسُول الله وَالله مَا نَدْرِي مَا شَأْنه غير أَنه قد أغلق عَلَيْهِ بَابه وطفق يبكي
فَأرْسل إِلَيْهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: مَا شَأْنك قَالَ: يَا رَسُول الله: أنزل الله عَلَيْك (إِن الله لَا يحب كل مختالٍ فخورٍ) وَالله إِنِّي لأحب الْجمال وَأحب أَن أسود قومِي
قَالَ: لست مِنْهُم بل تعيش حميدا وَتقتل شَهِيدا وَيُدْخِلك الله الْجنَّة بِسَلام
قَالَت: فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْيَمَامَة خرج مَعَ خَالِد بن الْوَلِيد إِلَى مُسَيْلمَة الْكذَّاب فَلَمَّا لَقِي أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد انكشفوا فَقَالَ ثَابت لسالم مولى أبي حُذَيْفَة: مَا هَكَذَا كُنَّا نُقَاتِل مَعَ رَسُول الله(7/550)
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ حفر كل مِنْهُمَا لنَفسِهِ حُفْرَة وَحمل عَلَيْهِم الْقَوْم فثبتا حَتَّى قتلا
وَكَانَت على ثَابت يَوْمئِذٍ درع لَهُ نفيسة فَمر بِهِ رجل من الْمُسلمين فَأَخذهَا فَبينا رجل من الْمُسلمين نَائِم إِذْ أَتَاهُ ثَابت بن قيس فِي مَنَامه فَقَالَ لَهُ: إِنِّي أوصيك بِوَصِيَّة إياك أَن تَقول هَذَا حلم فتضيعه: إِنِّي لما قتلت أمس مر بِي رجل من الْمُسلمين فَأخذ دِرْعِي ومنزله فِي أقْصَى الْعَسْكَر وَعند خبائه فرس يستن فِي طوله وَقد كفا على الدرْع برمة وَجعل فَوق البرمة رحلاً
فائتِ خَالِد بن الْوَلِيد فمره أَن يبْعَث إِلَى دِرْعِي فيأخذها وَإِذا قدمت على خَليفَة رَسُول الله فَأخْبرهُ أَن عليَّ من الدّين كَذَا وَكَذَا ولي من الدّين كَذَا وَكَذَا وَفُلَان من رقيقي عَتيق وَفُلَان فإياك أَن تَقول هَذَا حلم فتضيعه
فَأتى الرجل خَالِد بن الْوَلِيد فَأخْبرهُ فَبعث إِلَى الدرْع فَنظر إِلَى خباء فِي أقْصَى الْعَسْكَر فَإِذا عِنْده فرس يستن فِي طوله فَنظر فِي الخباء فَإِذا لَيْسَ فِيهِ أحد فَدَخَلُوا فدفعوا الرجل فَإِذا تَحْتَهُ برمة ثمَّ رفعوا البرمة فَإِذا الدرْع تحتهَا فَأتوا بِهِ خَالِد بن الْوَلِيد
فَلَمَّا قدمُوا الْمَدِينَة حدّث الرجل أَبَا بكر برؤياه فَأجَاز وَصيته بعد مَوته وَلَا يعلم أحد من الْمُسلمين جوّزت وَصيته بعد مَوته غير ثَابت بن قيس بن شماس
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {لَا تَرفعُوا أَصْوَاتكُم فَوق صَوت النَّبِي} الْآيَة قَالَ: نزلت فِي قيس بن شماس
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَابْن حبَان وَابْن مرْدَوَيْه عَن صَفْوَان بن عَسَّال رَضِي الله عَنهُ أَن رجلا من أهل الْبَادِيَة أَتَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَجعل يُنَادِيه بِصَوْت لَهُ جَهورِي: يَا مُحَمَّد يَا مُحَمَّد فَقُلْنَا: وَيحك أَخفض من صَوْتك فَإنَّك قد نهيت عَن هَذَا قَالَ: لَا وَالله حَتَّى أسمعهُ فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: هاؤم قَالَ: أَرَأَيْت رجلا يحب قوما وَلم يلْحق بهم قَالَ: الْمَرْء مَعَ من أحب
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما أنزل الله {أُولَئِكَ الَّذين امتحن الله قُلُوبهم للتقوى} قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مِنْهُم ثَابت بن قيس بن شماس
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الْإِيمَان عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {امتحن} قَالَ: أخْلص
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي الْآيَة قَالَ: أخْلص الله قُلُوبهم فِيمَا أحب(7/551)
أخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن مُجَاهِد قَالَ: كتب إِلَى عمر رَضِي الله عَنهُ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ رجل لَا يَشْتَهِي الْمعْصِيَة وَلَا يعْمل بهَا أفضل أم رجل يَشْتَهِي الْمعْصِيَة وَلَا يعْمل لَهَا فَكتب عمر رَضِي الله عَنهُ: إِن الَّذين يشتهون الْمعْصِيَة وَلَا يعْملُونَ بهَا {أُولَئِكَ الَّذين امتحن الله قُلُوبهم للتقوى لَهُم مغْفرَة وَأجر عَظِيم}
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ عَن مَكْحُول قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: نفس ابْن آدم شَابة وَلَو الْتَقت ترقوتاه من الْكبر إِلَّا من امتحن الله قلبه للتقوى وَقَلِيل مَا هم
وَأخرج ابْن الْمُبَارك فِي الزّهْد عَن أبي الدَّرْدَاء قَالَ: لَا تزَال نفس أحدكُم شَابة من حب الشَّيْء وَلَو الْتَقت ترقوتاه من الْكبر إِلَّا الَّذين امتحن الله قُلُوبهم وَقَلِيل مَا هم
الْآيَات 4 - 5(7/552)
إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (4) وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5)
أخرج أَحْمد وَابْن جرير وَأَبُو الْقَاسِم الْبَغَوِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَالطَّبَرَانِيّ بِسَنَد صَحِيح من طَرِيق أبي سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن عَن الْأَقْرَع بن حَابِس أَنه أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا مُحَمَّد أخرج إِلَيْنَا فَلم يجبهُ فَقَالَ: يَا مُحَمَّد إِن حمدي زين وَإِن ذمِّي شين
فَقَالَ: ذَاك الله فَأنْزل الله {إِن الَّذين يُنَادُونَك من وَرَاء الحجرات} قَالَ ابْن منيع: لَا أعلم رُوِيَ للأقرع سَنَد غير هَذَا
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَحسنه وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن الْبَراء عَازِب فِي قَوْله {إِن الَّذين يُنَادُونَك من وَرَاء الحجرات أَكْثَرهم لَا يعْقلُونَ} قَالَ: جَاءَ رجل فَقَالَ: يَا مُحَمَّد إِن حمدي زين وَإِن ذمِّي شين فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ذَاك الله
وَأخرج ابْن رَاهَوَيْه ومسدد وَأَبُو يعلى وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم بِسَنَد حسن عَن زيد بن أَرقم قَالَ: اجْتمع نَاس من الْعَرَب فَقَالُوا: انْطَلقُوا إِلَى هَذَا الرجل فَإِن يَك نَبيا فَنحْن أسعد النَّاس بِهِ وَإِن يَك ملكا نعش بجناحه فَأتيت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَخْبَرته بِمَا قَالُوا فجاؤوا إِلَى حجرته فَجعلُوا يُنَادُونَهُ: يَا مُحَمَّد فَأنْزل الله {إِن الَّذين يُنَادُونَك من وَرَاء الحجرات أَكْثَرهم لَا يعْقلُونَ}(7/552)
فَأخذ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بأذني وَجعل يَقُول: لقد صدق الله قَوْلك يَا زيد لقد صدق الله قَوْلك
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ أَن رجلا جَاءَ إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا مُحَمَّد إِن مدحي زين وَإِن شتمي شين فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ذَاك هُوَ الله فَنزلت {إِن الَّذين يُنَادُونَك من وَرَاء الحجرات أَكْثَرهم لَا يعْقلُونَ}
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج قَالَ: أخْبرت عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ أَن تميماً ورجلاً من بني أَسد بن خُزَيْمَة إستبّا فَقَالَ الْأَسدي: {إِن الَّذين يُنَادُونَك من وَرَاء الحجرات} أَعْرَاب بني تَمِيم فَقَالَ سعيد رَضِي الله عَنهُ: لَو كَانَ التَّمِيمِي فَقِيها إِن أَولهَا فِي بني تَمِيم وَآخِرهَا فِي بني أَسد
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن حبيب بن أبي عمْرَة قَالَ: كَانَ بيني وَبَين رجل من بني أَسد كَلَام فَقَالَ الْأَسدي {إِن الَّذين يُنَادُونَك من وَرَاء الحجرات} بني تَمِيم {أَكْثَرهم لَا يعْقلُونَ} فَذكرت ذَلِك لسَعِيد بن جُبَير قَالَ: أَفلا تَقول لبني أَسد قَالَ الله {يمنون عَلَيْك أَن أَسْلمُوا} فَإِن الْعَرَب لم تسلم حَتَّى قوتلت وَنحن أسلمنَا بِغَيْر قتال فَأنْزل الله هَذَا فيهم
وَأخرج عبد بن حميد من طَرِيق قَتَادَة عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رجل من بني أَسد لرجل من بني تَمِيم وتلا هَذِه الْآيَة {إِن الَّذين يُنَادُونَك من وَرَاء الحجرات أَكْثَرهم} بني تَمِيم {لَا يعْقلُونَ} فَلَمَّا قَامَ التَّمِيمِي وَذهب قَالَ سعيد بن جُبَير: أما إِن التَّمِيمِي لَو يعلم مَا أنزل فِي بني أَسد لتكلم قُلْنَا: مَا أنزل فيهم قَالَ: جاؤوا إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالُوا: إِنَّا قد أسلمنَا طائعين وَإِن لنا حَقًا فَأنْزل الله {يمنون عَلَيْك أَن أَسْلمُوا} الْآيَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن مُجَاهِد {إِن الَّذين يُنَادُونَك من وَرَاء الحجرات} قَالَ: أَعْرَاب من بني تَمِيم
وَأخرج ابْن مَنْدَه وَابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق يعلى بن الْأَشْدَق عَن سعد بن عبد الله أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سُئِلَ عَن قَوْله: {إِن الَّذين يُنَادُونَك من وَرَاء الحجرات أَكْثَرهم لَا يعْقلُونَ} قَالَ: هم الجفاة من بني تَمِيم لَوْلَا أَنهم من أَشد النَّاس قتالاً لِلْأَعْوَرِ الدَّجَّال لَدَعَوْت الله عَلَيْهِم أَن يُهْلِكهُمْ(7/553)
وَأخرج ابْن إِسْحَق وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: قدم وَفد بني تَمِيم وهم سَبْعُونَ رجلا أَو ثَمَانُون رجلا مِنْهُم الزبْرِقَان بن بدر وَعُطَارِد بن معبد وَقيس بن عَاصِم وَقيس بن الْحَارِث وَعَمْرو بن أهتم الْمَدِينَة على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَانْطَلق مَعَهم عُيينة بن حصن بن بدر الْفَزارِيّ وَكَانَ يكون فِي كل سدة حَتَّى أَتَوا منزل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَنَادَوْهُ من وَرَاء الحجرات بِصَوْت جافٍ: يَا مُحَمَّد أخرج إِلَيْنَا يَا مُحَمَّد أخرج إِلَيْنَا يَا مُحَمَّد أخرج إِلَيْنَا فَخرج إِلَيْهِم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالُوا: يَا مُحَمَّد إِن مَدْحنَا زين وَإِن شَتمنَا شين نَحن أكْرم الْعَرَب فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: كَذبْتُمْ بل مِدْحَة الله الزين وَشَتمه الشين وَأكْرم مِنْكُم يُوسُف بن يَعْقُوب بن إِسْحَق بن إِبْرَاهِيم فَقَالُوا: إِنَّا أَتَيْنَاك لِنُفَاخِرَك فَذكره بِطُولِهِ وَقَالَ فِي آخِره: فَقَامَ التَّمِيمِيُّونَ فَقَالُوا: وَالله إِن هَذَا الرجل لمصنوع لَهُ لقد قَامَ خَطِيبه فَكَانَ أَخطب من خَطِيبنَا وَقَالَ شاعره فَكَانَ أشعر من شَاعِرنَا قَالَ: ففيهم أنزل الله {إِن الَّذين يُنَادُونَك من وَرَاء الحجرات} من بني تَمِيم {أَكْثَرهم لَا يعْقلُونَ} قَالَ: هَذَا كَانَ فِي الْقِرَاءَة الأولى {وَلَو أَنهم صَبَرُوا حَتَّى تخرج إِلَيْهِم لَكَانَ خيرا لَهُم وَالله غَفُور رَحِيم}
وَأخرج ابْن سعد وَالْبُخَارِيّ فِي الْأَدَب وَابْن أبي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كنت أَدخل بيُوت أَزوَاج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي خلَافَة عُثْمَان بن عَفَّان رَضِي الله عَنهُ فأتناول سقفها بيَدي
وَأخرج البُخَارِيّ فِي الْأَدَب وَابْن أبي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيّ عَن دَاوُد بن قيس قَالَ: رَأَيْت الحجرات من جريد النّخل مغشى من خَارج بمسوح الشّعْر وأظن عرض الْبَيْت من بَاب الْحُجْرَة إِلَى بَاب الْبَيْت نَحوا من سِتَّة أَو سَبْعَة أَذْرع واحزر الْبَيْت الدَّاخِل عشرَة أَذْرع وأظن سمكه بَين الثمان والسبع
وَأخرج ابْن سعد عَن عَطاء الْخُرَاسَانِي قَالَ: أدْركْت حجر أَزوَاج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من جريد النّخل على أَبْوَابهَا المسوح من شعر أسود فَحَضَرت كتاب الْوَلِيد بن عبد الْملك يقْرَأ يَأْمر بِإِدْخَال حجر أَزوَاج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي مَسْجِد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَمَا رَأَيْت يَوْمًا أَكثر باكياً من ذَلِك الْيَوْم فَسمِعت سعيد بن الْمسيب رَضِي الله عَنهُ يَقُول يَوْمئِذٍ: وَالله لَوَدِدْت أَنهم تركوها على حَالهَا ينشأ نَاس من أهل الْمَدِينَة وَيقدم القادم من أهل الْأُفق فَيرى مَا اكْتفى بِهِ رَسُول الله فِي حَيَاته فَيكون ذَلِك مِمَّا يزهد النَّاس فِي التكاثر والتفاخر فِيهَا وَقَالَ يَوْمئِذٍ أَبُو أُمَامَة بن سهل بن حنيف: ليتها تركت فَلم(7/554)
تهدم حَتَّى يقصر النَّاس عَن الْبناء ويرون مَا رَضِي الله لنَبيه ومفاتيح خَزَائِن الدُّنْيَا بِيَدِهِ
الْآيَات 6 - 8(7/555)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ (6) وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ (7) فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (8)
أخرج أَحْمد وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مَنْدَه وَابْن مرْدَوَيْه بِسَنَد جيد عَن الْحَارِث بن ضرار الْخُزَاعِيّ قَالَ: قدمت على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فدعاني إِلَى الإِسلام فَدخلت فِيهِ وأقررت بِهِ وَدَعَانِي إِلَى الزَّكَاة فأقررت بهَا قلت يَا رَسُول الله: ارْجع إِلَى قومِي فَأَدْعُوهُمْ إِلَى الإِسلام وَأَدَاء الزَّكَاة فَمن اسْتَجَابَ لي جمعت زَكَاته وَترسل إليَّ يَا رَسُول الله رَسُولا يبان كَذَا وَكَذَا ليأتيك مَا جمعت من الزَّكَاة فَلَمَّا جمع الْحَارِث الزَّكَاة مِمَّن اسْتَجَابَ لَهُ وَبلغ الابان الَّذِي أَرَادَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يبْعَث إِلَيْهِ إحتبس الرَّسُول فَلم يأتِ فَظن الْحَارِث أَنه قد حدث فِيهِ سخطَة من الله وَرَسُوله فَدَعَا بِسَرَوَاتِ قومه فَقَالَ لَهُم: إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ وَقت لي وقتا يُرْسل إليَّ رَسُوله ليقْبض مَا كَانَ عِنْدِي من الزَّكَاة وَلَيْسَ من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْخلف وَلَا أرى حبس رَسُوله إِلَّا من سخطه فَانْطَلقُوا فنأتي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَبعث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْوَلِيد بن عقبَة إِلَى الْحَارِث ليقْبض مَا كَانَ عِنْده مِمَّا جمع من الزَّكَاة فَلَمَّا أَن سَار الْوَلِيد حَتَّى بلغ بعض الطَّرِيق فرق فَرجع فَأتى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: إِن الْحَارِث مَنَعَنِي الزَّكَاة وَأَرَادَ قَتْلِي فَضرب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْبَعْث إِلَى الْحَارِث فَأقبل الْحَارِث بِأَصْحَابِهِ حَتَّى إِذا اسْتقْبل الْبَعْث وَفصل عَن الْمَدِينَة لَقِيَهُمْ الْحَارِث فَقَالُوا: هَذَا الْحَارِث فَلَمَّا غشيهم قَالَ لَهُم: إِلَى من بعثتم قَالُوا: إِلَيْك قَالَ: وَلم قَالُوا: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعث إِلَيْك الْوَلِيد بن عقبَة فَزعم أَنَّك منعته الزَّكَاة وَأَرَدْت قَتله
قَالَ: لَا(7/555)
وَالَّذِي بعث مُحَمَّدًا بِالْحَقِّ مَا رَأَيْته وَلَا أَتَانِي فَمَا دخل الْحَارِث على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: منعت الزَّكَاة وَأَرَدْت قتل رَسُولي قَالَ: لَا وَالَّذِي بَعثك بِالْحَقِّ مَا رَأَيْته وَلَا رَآنِي وَمَا أَقبلت إِلَّا حِين احْتبسَ عَليّ رَسُول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خشيت أَن تكون كَانَت سخطَة من الله وَرَسُوله فَنزل {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِن جَاءَكُم فاسقٌ بنبإ فَتَبَيَّنُوا} إِلَى قَوْله {حَكِيم}
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن مَنْدَه وَابْن مرْدَوَيْه عَن عَلْقَمَة بن نَاجِية قَالَ: بعث إِلَيْنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْوَلِيد بن عقبَة بن أبي معيط يصدق أَمْوَالنَا فَسَار حَتَّى إِذا كَانَ قَرِيبا منا وَذَلِكَ بعد وقْعَة الْمُريْسِيع رَجَعَ فركبت فِي أَثَره فَأتى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا رَسُول الله أتيت قوما فِي جاهليتهم أخذُوا اللبَاس وَمنعُوا الصَّدَقَة فَلم يُغير ذَلِك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى أنزلت الْآيَة {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِن جَاءَكُم فَاسق بنبإ} فَأتى المصطلقون إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أثر الْوَلِيد بطَائفَة من صَدَقَاتهمْ
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: بعث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْوَلِيد بن عقبَة إِلَى بني وكيعة وَكَانَت بَينهم شَحْنَاء فِي الْجَاهِلِيَّة فَلَمَّا بلغ بني وكيعة اسْتَقْبلُوهُ لينظروا مَا فِي نَفسه فخشي الْقَوْم فَرجع إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: إِن بني وكيعة أَرَادوا قَتْلِي ومنعوني الصَّدَقَة فَلَمَّا بلغ بني وكيعة الَّذِي قَالَ الْوَلِيد أَتَوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالُوا: يَا رَسُول الله لقد كذب الْوَلِيد
قَالَ: وَأنزل الله فِي الْوَلِيد {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِن جَاءَكُم فاسقٌ} الْآيَة
وَأخرج ابْن رَاهَوَيْه وَابْن جرير وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أم سَلمَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: بعث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْوَلِيد بن عقبَة إِلَى بني المصطلق يصدق أَمْوَالهم فَسمع بذلك الْقَوْم فتلقوه يعظمون أَمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فحدثه الشَّيْطَان أَنهم يُرِيدُونَ قَتله فَرجع إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: إِن بني المصطلق منعُوا صَدَقَاتهمْ فَبلغ الْقَوْم رُجُوعه فَأتوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالُوا: نَعُوذ بِاللَّه من سخط الله وَسخط رَسُوله بعثت إِلَيْنَا رجلا مُصدقا فَسُرِرْنَا لذَلِك وقرت أَعيننَا ثمَّ إِنَّه رَجَعَ من بعض الطَّرِيق فَخَشِينَا أَن يكون ذَلِك غَضبا من الله وَرَسُوله وَنزلت {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِن جَاءَكُم فَاسق بنبإ} الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه وَابْن عَسَاكِر عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعث الْوَلِيد بن عقبَة بن أبي معيط إِلَى بني المصطلق(7/556)
ليَأْخُذ مِنْهُم الصَّدقَات وَأَنه لما أَتَاهُم الْخَبَر فرحوا وَخَرجُوا ليتلقوا رَسُول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَنه لما حدث الْوَلِيد أَنهم خَرجُوا يتلقونه رَجَعَ فَقَالَ: يَا رَسُول الله إِن بني المصطلق قد مَنَعُونِي الصَّدَقَة
فَغَضب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من ذَلِك غَضبا شَدِيدا فَبَيْنَمَا هُوَ يحدث نَفسه أَن يغزوهم إِذْ أَتَاهُ الْوَفْد فَقَالُوا: يَا رَسُول الله إِنَّا حَدثنَا أَن رَسُولك رَجَعَ من نصف الطَّرِيق وَأَنا خشينا أَن يكون إِنَّمَا رده كتاب جَاءَهُ مِنْك لغضب غضبته علينا فَأنْزل الله {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِن جَاءَكُم فاسقٌ بنبإ} الْآيَة
وَأخرج آدم وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ عَن مُجَاهِد قَالَ: أرسل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْوَلِيد بن عقبَة بن أبي معيط إِلَى بني المصطلق ليصدقهم فتلقوه بالهدنة فَرجع إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: إِن بني المصطلق جمعُوا لَك ليقاتلوك فَأنْزل {إِن جَاءَكُم فَاسق بنبإ فَتَبَيَّنُوا}
أخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: بعث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: الْوَلِيد بن عقبَة إِلَى بني وكيعة وَكَانَت بَينهم شَحْنَاء فِي الْجَاهِلِيَّة فَلَمَّا بلغ بني وكيعة اسْتَقْبلُوهُ لينظروا مَا فِي نَفسه فخشي الْقَوْم فَرجع إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: إِن بني وكيعة أَرَادوا قَتْلِي ومنعوني الصَّدَقَة
فَلَمَّا بلغ بني وكيعة الَّذِي قَالَ لَهُم الْوَلِيد عِنْد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَتَوا رَسُول الله قَالُوا: يَا رَسُول الله لقد كذب الْوَلِيد وَلَكِن كَانَت بَينه وبيننا شَحْنَاء فَخَشِينَا أَن يكافئنا بِالَّذِي كَانَ بَيْننَا فَأنْزل الله فِي الْوَلِيد {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِن جَاءَكُم فَاسق بنبإ فَتَبَيَّنُوا} الْآيَة
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن أَن رجلا أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا نَبِي الله إِن بني فلَان - حَيا من أَحيَاء الْعَرَب - وَكَانَ فِي نَفسه عَلَيْهِم شَيْء وَكَانُوا حَدِيثي عهد بالإِسلام قد تركُوا الصَّلَاة وَارْتَدوا وَكَفرُوا بِاللَّه
قَالَ: فَلم يعجل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ودعا خَالِد بن الْوَلِيد فَبَعثه إِلَيْهِم ثمَّ قَالَ: ارمقهم عِنْد الصَّلَاة فَإِن كَانَ الْقَوْم قد تركُوا الصَّلَاة فشأنك بهم وَإِلَّا فَلَا تعجل عَلَيْهِم
قَالَ: فَدَنَا مِنْهُم عِنْد غرُوب الشَّمْس فكمن حَيْثُ يسمع الصَّلَاة فرمقهم فَإِذا هُوَ بالمؤذن قد قَامَ حِين غربت الشَّمْس فَأذن ثمَّ أَقَامَ الصَّلَاة فصلوا الْمغرب فَقَالَ خَالِد بن الْوَلِيد: مَا أَرَاهُم إِلَّا يصلونَ فلعلهم تركُوا غير هَذِه الصَّلَاة ثمَّ كمن حَتَّى إِذا اللَّيْل وَغَابَ الشَّفق أذن مؤذنهم فصلوا
قَالَ: فلعلهم تركُوا صَلَاة أُخْرَى فكمن حَتَّى إِذا كَانَ فِي جَوف اللَّيْل فَتقدم حَتَّى أظل الْخَيل بدورهم فَإِذا الْقَوْم تعلمُوا شَيْئا من الْقُرْآن فهم(7/557)
يتهجدون بِهِ من اللَّيْل ويقرأونه ثمَّ أَتَاهُم عِنْد الصُّبْح فَإِذا الْمُؤَذّن حِين طلع الْفجْر قد أذن ثمَّ أَقَامَ فَقَامُوا فصلوا فَلَمَّا انصرفوا وأضاء لَهُم النَّهَار إِذا هم بنواصي الْخَيل فِي دِيَارهمْ فَقَالُوا: مَا هَذَا قَالُوا: هُنَا خَالِد بن الْوَلِيد وَكَانَ رجلا مشنعاً فَقَالُوا يَا خَالِد: مَا شَأْنك قَالَ: أَنْتُم وَالله شأني أَتَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقيل لَهُ إِنَّكُم كَفرْتُمْ بِاللَّه وتركتم الصَّلَاة فَجعلُوا يَبْكُونَ فَقَالُوا: نَعُوذ بِاللَّه أَن نكفر بِاللَّه أبدا
قَالَ: فصرف الْخَيل وردهَا عَنْهُم حَتَّى أَتَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأنزل الله {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِن جَاءَكُم فَاسق بنبإ فَتَبَيَّنُوا أَن تصيبوا قوما} قَالَ الْحسن: فوَاللَّه لَئِن كَانَت نزلت فِي هَؤُلَاءِ الْقَوْم خَاصَّة إِنَّهَا الْمُرْسلَة إِلَى يَوْم الْقِيَامَة مَا نسخهَا شَيْء
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعث الْوَلِيد بن عقبَة إِلَى بني المصطلق يُصدقهُمْ فَلم يبلغهم وَرجع فَقَالَ لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِنَّهُم عصوا فَأَرَادَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن يُجهز إِلَيْهِم إِذْ جَاءَ رجل من بني المصطلق فَقَالَ لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: سمعنَا أَنَّك أرْسلت إِلَيْنَا ففرحنا بِهِ واستبشرنا بِهِ وَإنَّهُ لم يبلغنَا رَسُولك وَكذب
فَأنْزل الله فِيهِ وَسَماهُ فَاسِقًا {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِن جَاءَكُم فَاسق بنبإ} الْآيَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِن جَاءَكُم فَاسق بنبإ} قَالَ: هُوَ ابْن أبي معيط الْوَلِيد بن عقبَة بَعثه نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى بني المصطلق مُصدقا فَلَمَّا أبصروه أَقبلُوا نَحوه فهابهم فَرجع إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأخْبرهُ أَنهم قد ارْتَدُّوا عَن الْإِسْلَام فَبعث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَالِد بن الْوَلِيد وَأمره بِأَن تثبت وَلَا تعجل فَانْطَلق حَتَّى أَتَاهُم لَيْلًا فَبعث عيونه فَلَمَّا جَاءَهُم أَخْبرُوهُ أَنهم متمسكون بالإِسلام وَسمع أذانهم وصلاتهم فَلَمَّا أَصْبحُوا أَتَاهُم خَالِد فَرَأى مَا يُعجبهُ فَرجع إِلَى نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأخْبرهُ الْخَبَر فَأنْزل الله فِي ذَلِك الْقُرْآن فَكَانَ نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: التأني من الله والعجلة من الشَّيْطَان
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله {إِن جَاءَكُم فَاسق بنبإ} الْآيَة قَالَ: إِذا جَاءَك فحدثك أَن فلَانا إِن فُلَانَة يعْملُونَ كَذَا وَكَذَا من مساوىء الْأَعْمَال فَلَا تصدقه
أما قَوْله تَعَالَى: {وَاعْلَمُوا أَن فِيكُم رَسُول الله لَو يطيعكم فِي كثير من الْأَمر لعنتم}(7/558)
أخرج عبد بن حميد وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي نَضرة قَالَ: قَرَأَ أَبُو سعيد الْخُدْرِيّ {وَاعْلَمُوا أَن فِيكُم رَسُول الله لَو يطيعكم فِي كثير من الْأَمر لعنتم} قَالَ: هَذَا نَبِيكُم يُوحى إِلَيْهِ وَخيَار أمتكُم لَو أطاعهم فِي كثير من الْأَمر لعنتوا فَكيف بكم الْيَوْم وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي سعيد قَالَ: لما قبض رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنْكَرْنَا أَنْفُسنَا وَكَيف لَا ننكر أَنْفُسنَا وَالله يَقُول {وَاعْلَمُوا أَن فِيكُم رَسُول الله لَو يطيعكم فِي كثير من الْأَمر لعنتم}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة {وَاعْلَمُوا أَن فِيكُم رَسُول الله لَو يطيعكم فِي كثير من الْأَمر لعنتم} قَالَ: هَؤُلَاءِ أَصْحَاب نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَو أطاعهم نَبِي الله فِي كثير من الْأَمر لعنتوا فَأنْتم وَالله أسخف قلباً وأطيش عقولاً
فاتّهم رجل رَأْيه وانتصح كتاب الله فَإِن كتاب الله ثِقَة لمن أَخذ بِهِ وانْتهى إِلَيْهِ وَإِن مَا سوى كتاب الله تغرير
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله {لَو يطيعكم فِي كثير من الْأَمر لعنتم} يَقُول: لأعنت بَعْضكُم بَعْضًا
أما قَوْله تَعَالَى: {وَلَكِن الله حبب إِلَيْكُم الإِيمان}
أخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ فِي الْأَدَب وَالنَّسَائِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن رِفَاعَة بن رَافع الزرقي قَالَ: لما كَانَ يَوْم أحد وانكفأ الْمُشْركُونَ قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: اسْتَووا حَتَّى أثني على رَبِّي فصاروا خَلفه صُفُوفا فَقَالَ: اللَّهُمَّ لَك الْحَمد كُله الله لَا قَابض لما بسطت وَلَا باسط لما قبضت وَلَا هادي لما أضللت وَلَا مضل لما هديت وَلَا معطي لما منعت وَلَا مَانع لما أَعْطَيْت وَلَا مقرب لما بَعدت وَلَا مباعد لما قربت اللَّهُمَّ ابْسُطْ علينا من بركاتك ورحمتك وفضلك اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك النَّعيم الْمُقِيم الَّذِي لَا يحول وَلَا يَزُول اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك النَّعيم يَوْم الْعيلَة والأمن يَوْم الْخَوْف اللَّهُمَّ إِنِّي عَائِذ بك من شَرّ مَا أَعطيتنَا وَشر مَا منعتنا اللَّهُمَّ حبب إِلَيْنَا الإِيمان وزينه فِي قُلُوبنَا وَكره إِلَيْنَا الْكفْر والفسوق والعصيان واجعلنا من الرَّاشِدين اللَّهُمَّ توفنا مُسلمين وأحينا مُسلمين وألحقنا بالصالحين غير خزايا وَلَا مفتونين اللَّهُمَّ قَاتل الْكَفَرَة الَّذين يكذبُون رسلك ويصدون عَن سَبِيلك وَاجعَل عَلَيْهِم رجزك وعذابك اللَّهُمَّ قَاتل الْكَفَرَة الَّذين أُوتُوا الْكتاب يَا إِلَه الْحق(7/559)
الْآيَات 9 - 10(7/560)
وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (10)
أخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن أنس قَالَ: قيل للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَو أتيت عبد الله بن أُبي فَانْطَلق وَركب حمارا وَانْطَلق الْمُسلمُونَ يَمْشُونَ وَهِي أَرض سبخَة فَلَمَّا انْطلق إِلَيْهِم قَالَ: إِلَيْك عني فوَاللَّه لقد آذَانِي ريح حِمَارك فَقَالَ رجل من الْأَنْصَار: وَالله لحِمَار رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أطيب ريحًا مِنْك فَغَضب لعبد الله رجال من قومه فَغَضب لكل مِنْهُمَا أَصْحَابه فَكَانَ بَينهم ضرب بِالْجَرِيدِ وَالْأَيْدِي وَالنعال فَأنْزل فيهم {وَإِن طَائِفَتَانِ من الْمُؤمنِينَ اقْتَتَلُوا فأصلحوا بَينهمَا}
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن أبي مَالك قَالَ: تلاحى رجلَانِ من الْمُسلمين فَغَضب قوم هَذَا لهَذَا وَهَذَا لهَذَا فَاقْتَتلُوا بِالْأَيْدِي وَالنعال فَأنْزل الله: {وَإِن طَائِفَتَانِ من الْمُؤمنِينَ اقْتَتَلُوا فأصلحوا بَينهمَا}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: ان الْأَوْس والخزرج كَانَ بَينهمَا قتال بِالسَّيْفِ وَالنعال فَأنْزل الله {وَإِن طَائِفَتَانِ} الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير عَن الْحسن قَالَ: كَانَت تكون الْخُصُومَة بَين الْحَيَّيْنِ فيدعوهم إِلَى الحكم فيأبون أَن يجيؤا فَأنْزل الله {وَإِن طَائِفَتَانِ} الْآيَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة قَالَ: ذكر لنا أَن هَذِه الْآيَة نزلت فِي رجلَيْنِ من الْأَنْصَار كَانَت بَينهمَا مماراة فِي حق بَينهمَا فَقَالَ أَحدهمَا للْآخر: لآخذن عنْوَة - لِكَثْرَة عشيرته - وَإِن الآخر دَعَاهُ ليحاكمه إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأبى فَلم يزل الْأَمر حَتَّى تدافعوا وَحَتَّى تنَاول بَعضهم بَعْضًا بِالْأَيْدِي وَالنعال وَلم يكن قتال بِالسُّيُوفِ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ قَالَ: كَانَ رجل من الْأَنْصَار يُقَال لَهُ عمرَان تَحْتَهُ امْرَأَة يُقَال لَهَا أم زيد وَأَنَّهَا أَرَادَت أَن تزور أَهلهَا فحبسها زَوجهَا(7/560)
وَجعلهَا فِي علية لَهُ لَا يدْخل عَلَيْهَا أحد من أَهلهَا وَإِن الْمَرْأَة بعثت إِلَى أَهلهَا فجَاء قَومهَا فأنزلوها لِيَنْطَلِقُوا بهَا وَكَانَ الرجل قد خرج فاستعان أهل الرجل فجَاء بَنو عَمه ليحولوا بَين الْمَرْأَة وَبَين أَهلهَا فتدافعوا واجتلدوا بالنعال فَنزلت فيهم هَذِه الْآيَة {وَإِن طَائِفَتَانِ من الْمُؤمنِينَ اقْتَتَلُوا} فَبعث إِلَيْهِم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأصْلح بَينهم وفاؤوا إِلَى أَمر الله
وَأخرج الْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ وَصَححهُ عَن ابْن عمر قَالَ: مَا وجدت فِي نَفسِي من شَيْء مَا وجدت من هَذِه الْآيَة إِنِّي لم أقَاتل هَذِه الفئة الباغية كَمَا أَمرنِي الله
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر عَن حبَان السّلمِيّ قَالَ: سَأَلت ابْن عمر عَن قَوْله {وَإِن طَائِفَتَانِ من الْمُؤمنِينَ اقْتَتَلُوا} وَذَلِكَ حِين دخل الْحجَّاج الْحرم فَقَالَ لي: عرفت الباغية من المبغي عَلَيْهَا فوالذي نَفسِي بِيَدِهِ لَو عرفت المبغية مَا سبقتني أَنْت وَلَا غَيْرك إِلَى نصرها أَفَرَأَيْت إِن كَانَت كلتاهما باغيتين فدع الْقَوْم يقتتلون على دنياهم وارجع إِلَى أهلك فَإِذا استمرت الْجَمَاعَة فَادْخُلْ فِيهَا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي الْآيَة قَالَ: إِن الله أَمر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْمُؤمنِينَ إِذا اقْتتلَتْ طَائِفَة من الْمُؤمنِينَ أَن يَدعُوهُم إِلَى حكم الله وينصف بَعضهم من بعض فَإِن أجابوا حكم فيهم بِكِتَاب الله حَتَّى ينصف الْمَظْلُوم من الظَّالِم فَمن أَبى مِنْهُم أَن يُجيب فَهُوَ بَاغ وَحقّ على إِمَام الْمُؤمنِينَ وَالْمُؤمنِينَ أَن يقاتلوهم حَتَّى يفيئوا إِلَى أَمر الله ويقروا بِحكم الله
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {وَإِن طَائِفَتَانِ من الْمُؤمنِينَ اقْتَتَلُوا} قَالَ: الْأَوْس والخزرج اقْتَتَلُوا بَينهم بِالْعِصِيِّ
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد {وَإِن طَائِفَتَانِ من الْمُؤمنِينَ اقْتَتَلُوا} قَالَ: الطَّائِفَة من الْوَاحِد إِلَى الْألف وَقَالَ: إِنَّمَا كَانَا رجلَيْنِ اقتتلا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس {وَإِن طَائِفَتَانِ من الْمُؤمنِينَ اقْتَتَلُوا فأصلحوا بَينهمَا} قَالَ: كَانَ قِتَالهمْ بالنعال والعصي فَأَمرهمْ أَن يصلحوا بَينهمَا
أما قَوْله تَعَالَى: {إِن الله يحب المقسطين}
أخرج ابْن أبي شيبَة وَمُسلم وَالنَّسَائِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن ابْن عمر وَعَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: المقسطون عِنْد الله يَوْم الْقِيَامَة على مَنَابِر من نور على يَمِين الْعَرْش الَّذين يعدلُونَ فِي حكمهم وأهليهم وَمَا ولوا(7/561)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة من وَجه آخر عَن عبد الله بن عَمْرو أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن المقسطين فِي الدُّنْيَا على مَنَابِر من لُؤْلُؤ يَوْم الْقِيَامَة بَين يَدي الرَّحْمَن بِمَا أقسطوا فِي الدُّنْيَا
قَوْله تَعَالَى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ أخوة} الْآيَة
أخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن سِيرِين رَضِي الله عَنهُ أَنه كَانَ يقْرَأ {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إخْوَة فأصلحوا بَين أخويكم} بِالْيَاءِ
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم رَضِي الله عَنهُ أَنه قَرَأَ {فأصلحوا بَين أخويكم} بِالْيَاءِ
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: مَا رَأَيْت مثل مَا رغبت عَنهُ فِي هَذِه الْآيَة {وَإِن طَائِفَتَانِ من الْمُؤمنِينَ اقْتَتَلُوا فأصلحوا بَينهمَا} الْآيَة
وَأخرج أَحْمد عَن فهيد بن مطرف الْغِفَارِيّ رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَأَلَهُ سَائل إِن عدا عَليّ عادٍ فَأمره أَن ينهاه ثَلَاث مَرَّات قَالَ: فَإِن لم ينْتَه فَأمره بقتاله قَالَ: فَكيف بِنَا قَالَ: إِن قَتلك فَأَنت فِي الْجنَّة وَإِن قتلته فَهُوَ فِي النَّار
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَإِن طَائِفَتَانِ من الْمُؤمنِينَ اقْتَتَلُوا} إِلَى قَوْله {فَقَاتلُوا الَّتِي تبغي} قَالَ: بِالسَّيْفِ قيل: فَمَا قتلاهم قَالَ: شُهَدَاء مرزوقين قيل: فَمَا حَال الْأُخْرَى أهل الْبَغي قَالَ: من قتل مِنْهُم إِلَى النَّار
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالطَّبَرَانِيّ عَن عمار بن يَاسر رضى الله عَنهُ قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: سَيكون بعدِي أُمَرَاء يقتتلون على الْملك يقتل بَعضهم بَعْضًا
الْآيَة 11(7/562)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (11)
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مقَاتل رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا يسخر قوم من قوم} قَالَ: نزلت فِي قوم من بني تَمِيم استهزأوا من بِلَال وسلمان وعمار وخباب وصهيب وَابْن فهَيْرَة وَسَالم مولى أبي حُذَيْفَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {لَا يسخر قوم من قوم} قَالَ: لَا يستهزىء قوم بِقوم إِن يكن رجلا غَنِيا أَو فَقِيرا [] أَو يعقل رجل عَلَيْهِ فَلَا يستهزىء بِهِ
أما قَوْله تَعَالَى: {وَلَا تلمزوا أَنفسكُم}
أخرج عبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ فِي الْأَدَب وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي ذمّ الْغَيْبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وَلَا تلمزوا أَنفسكُم} قَالَ: لَا يطعن بَعْضكُم على بعض
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد {وَلَا تلمزوا أَنفسكُم} قَالَ: لَا يطعن بَعْضكُم على بعض
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {وَلَا تلمزوا أَنفسكُم} قَالَ: لَا تطعنوا
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم رَضِي الله عَنهُ أَنه قَرَأَ {وَلَا تلمزوا أَنفسكُم} بِنصب التَّاء وَكسر الْمِيم
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَلَا تلمزوا أَنفسكُم} قَالَ: اللمز الْغَيْبَة
أما قَوْله تَعَالَى: {وَلَا تنابزوا بِالْأَلْقَابِ}
أخرج أَحْمد وَعبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ فِي الْأَدَب وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَأَبُو يعلى وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْبَغوِيّ فِي مُعْجَمه وَابْن حبَان والشيرازي فِي الألقاب وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن السّني فِي عمل الْيَوْم وَاللَّيْلَة وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن أبي جبيرَة بن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ قَالَ: فِينَا نزلت فِي بني سَلمَة {وَلَا تنابزوا بِالْأَلْقَابِ} قدم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَدِينَة وَلَيْسَ فِينَا(7/563)
رجل إِلَّا وَله إسمان أَو ثَلَاثَة فَكَانَ إِذا دَعَا أحدهم باسم من تِلْكَ الْأَسْمَاء قَالُوا يَا رَسُول الله إِنَّه يكره هَذَا الإسم فَأنْزل الله {وَلَا تنابزوا بِالْأَلْقَابِ}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وَلَا تنابزوا بِالْأَلْقَابِ} قَالَ: كَانَ هَذَا الْحَيّ من الْأَنْصَار قل رجل مِنْهُم إِلَّا وَله إسمان أَو ثَلَاثَة فَرُبمَا دَعَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الرجل مِنْهُم بِبَعْض تِلْكَ الْأَسْمَاء فَيُقَال يَا رَسُول الله إِنَّه يكره هَذَا الإسم فَأنْزل الله {وَلَا تنابزوا بِالْأَلْقَابِ}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن عَطاء {وَلَا تنابزوا بِالْأَلْقَابِ} قَالَ: إِن يُسَمِّيه بِغَيْر اسْم الإِسلام يَا خِنْزِير يَا كلب يَا حمَار
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس {وَلَا تنابزوا بِالْأَلْقَابِ} قَالَ: التَّنَابُز بِالْأَلْقَابِ أَن يكون الرجل عمل السَّيِّئَات ثمَّ تَابَ مِنْهَا وراجع الْحق فَنهى الله أَن يعير بِمَا سلف من عمله
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن مَسْعُود {وَلَا تنابزوا بِالْأَلْقَابِ} قَالَ: أَن يَقُول إِذا كَانَ الرجل يَهُودِيّا فَأسلم يَا يَهُودِيّ يَا نَصْرَانِيّ يَا مَجُوسِيّ وَيَقُول للرجل الْمُسلم يَا فَاسق
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن الْحسن فِي الْآيَة قَالَ: كَانَ الْيَهُودِيّ يسلم فَيُقَال لَهُ يَا يَهُودِيّ فنهوا عَن ذَلِك
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة {وَلَا تنابزوا بِالْأَلْقَابِ} قَالَ: لَا تقل لأخيك الْمُسلم يَا فَاسق يَا مُنَافِق
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة {وَلَا تنابزوا بِالْأَلْقَابِ} قَالَ: هُوَ قَول الرجل للرجل يَا فَاسق يَا مُنَافِق
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن أبي الْعَالِيَة فِي الْآيَة قَالَ: هُوَ قَول الرجل لصَاحبه يَا فَاسق يَا مُنَافِق
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد {وَلَا تنابزوا بِالْأَلْقَابِ} قَالَ: يدعى الرجل بالْكفْر وَهُوَ مُسلم
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن {بئس الإِسم الفسوق بعد الإِيمان} قَالَ: أَن يَقُول الرجل لِأَخِيهِ يَا فَاسق
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ {بئس الإِسم الفسوق بعد الإِيمان}(7/564)
قَالَ: الرجل يكون على دين من هَذِه الْأَدْيَان فَيسلم فيدعوه بِدِينِهِ الأول يَا يَهُودِيّ يَا نَصْرَانِيّ
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عمر: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: من قَالَ لِأَخِيهِ كَافِر فقد بَاء بهَا أَحدهمَا إِن كَانَ كَمَا قَالَ وَإِلَّا رجعت عَلَيْهِ
الْآيَة 12(7/565)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ (12)
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا اجتنبوا كثيرا من الظَّن} قَالَ: نهى الله الْمُؤمن أَن يظنّ بِالْمُؤمنِ سوءا
وَأخرج مَالك وَأحمد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إيَّاكُمْ وَالظَّن فَإِن الظَّن أكذب الحَدِيث وَلَا تجسسوا وَلَا تنافسوا وَلَا تَحَاسَدُوا وَلَا تباغضوا وَكُونُوا عباد الله إخْوَانًا وَلَا يخْطب الرجل على خطْبَة أَخِيه حَتَّى ينْكح أَو يتْرك
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عَائِشَة قَالَت
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من أَسَاءَ بأَخيه الظَّن فقد أَسَاءَ بربه إِن الله يَقُول {اجتنبوا كثيرا من الظَّن}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن طَلْحَة بن عبد الله: سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: إِن الظَّن يخطىء ويصيب
وَأخرج ابْن ماجة عَن ابْن عمر قَالَ: رَأَيْت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يطوف بِالْكَعْبَةِ وَيَقُول: مَا أطيبك وَأطيب رِيحك مَا أعظمك وَأعظم حرمتك وَالَّذِي نفس مُحَمَّد بِيَدِهِ لحُرْمَة الْمُؤمن أعظم عِنْد الله حُرْمَة مِنْك مَاله وَدَمه وَأَن يظنّ بِهِ إِلَّا خيرا
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لَا تَظنن بِكَلِمَة خرجت من أَخِيك سوءا وَأَنت تَجِد لَهَا فِي الْخَيْر محملًا(7/565)
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن سعيد بن الْمسيب قَالَ: كتب إليَّ بعض إخْوَانِي من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن ضع أَمر أَخِيك على أحْسنه مَا لم يأتك مَا يَغْلِبك وَلَا تَظنن بِكَلِمَة خرجت من امرىء مُسلم شرا وَأَنت تَجِد لَهَا فِي الْخَيْر محملًا وَمن عرض نَفسه للتهم فَلَا يَلُومن إِلَّا نَفسه وَمن كتم سره كَانَت الْخيرَة فِي يَده وَمَا كافأت من عصى الله فِيك بِمثل أَن تطيع الله فِيهِ وَعَلَيْك بِإِخْوَان الصدْق فَكُن فِي اكتسابهم فَإِنَّهُم زِينَة فِي الرخَاء وعدة عِنْد عَظِيم الْبلَاء وَلَا تهاون بِالْحَقِّ فيهينك الله وَلَا تسألن عَمَّا لم يكن حَتَّى يكون وَلَا تضع حَدِيثك إِلَّا عِنْد من يشتهيه وَعَلَيْك بِالصّدقِ وَإِن قَتلك الصدْق وَاعْتَزل عَدوك وَاحْذَرْ صديقك إِلَّا الْأمين وَلَا أَمِين إِلَّا من يخْشَى الله وشاور فِي أَمرك الَّذين يَخْشونَ رَبهم بِالْغَيْبِ
وَأخرج الزبير بن بكار فِي الموفقيات عَن عمر بن الْخطاب قَالَ: من تعرض للتُّهمَةِ فَلَا يَلُومن من أَسَاءَ بِهِ الظَّن وَمن كتم سره كَانَ الْخِيَار إِلَيْهِ وَمن أفشاه كَانَ الْخِيَار عَلَيْهِ وضع أَمر أَخِيك على أحْسنه حَتَّى يَأْتِيك مِنْهُ مَا يَغْلِبك وَلَا تَظنن بِكَلِمَة خرجت من أَخِيك سوءا وَأَنت تَجِد لَهَا فِي الْخَيْر محملًا وَكن فِي اكْتِسَاب الاخوان فَإِنَّهُم جنَّة عِنْد الرخَاء وعدة عِنْد الْبلَاء وآخِ الإِخوان على قدر التَّقْوَى وشاور فِي أَمرك الَّذين يخَافُونَ الله
وَأخرج ابْن سعد وَأحمد فِي الزّهْد وَالْبُخَارِيّ فِي الْأَدَب عَن سلمَان قَالَ: إِنِّي لأعد الْعرَاق على خادمي مَخَافَة الظَّن
وَأخرج البُخَارِيّ فِي الْأَدَب عَن أبي الْعَالِيَة قَالَ: كُنَّا نؤمر أَن نختم على الْخَادِم ونكيل ونعدها كَرَاهِيَة أَن يتعودوا خلق سوء ويظن أَحَدنَا ظن سوء
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن حَارِثَة بن النُّعْمَان قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ثَلَاث لازمات لأمتي: الطَّيرَة والحسد وَسُوء الظَّن فَقَالَ رجل مَا يذهبهن يَا رَسُول الله مِمَّن هن فِيهِ قَالَ: إِذا حسدت فَاسْتَغْفر الله وَإِذا ظَنَنْت فَلَا تحقق وَإِذا تطيرت فامضِ
وَأخرج ابْن النجار فِي تَارِيخه عَن عَائِشَة قَالَت: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من أَسَاءَ بأَخيه الظَّن فقد أَسَاءَ بربه عز وَجل إِن الله تَعَالَى يَقُول: {اجتنبوا كثيرا من الظَّن}
أما قَوْله تَعَالَى: {وَلَا تجسسوا}(7/566)
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وَلَا تجسسوا} قَالَ: نهى الله الْمُؤمن أَن يتبع عورات أَخِيه الْمُؤمن
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد {وَلَا تجسسوا} قَالَ: خُذُوا مَا ظهر لكم ودعوا مَا ستر الله
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة قَالَ: هَل تَدْرُونَ مَا التَّجَسُّس هُوَ أَن تتبع عيب أَخِيك فَتَطلع على سره
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد والخرائطي فِي مَكَارِم الْأَخْلَاق عَن زُرَارَة بن مُصعب بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف عَن الْمسور بن مخرمَة عَن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف أَنه حرس مَعَ عمر بن الْخطاب لَيْلَة الْمَدِينَة فَبَيْنَمَا هم يَمْشُونَ شبّ لَهُم سراج فِي بَيت فَانْطَلقُوا يؤمونه فَلَمَّا دنوا مِنْهُ إِذا بَاب مجافٍ على قوم لَهُم فِيهِ أصوات مُرْتَفعَة ولغط فَقَالَ عمر وَأخذ بيد عبد الرَّحْمَن بن عَوْف: أَتَدْرِي بَيت من هَذَا قَالَ: هَذَا بَيت ربيعَة بن أُميَّة بن خلف وهم الْآن شرب فَمَا ترى قَالَ: أرى أَن قد أَتَيْنَا مَا نهى الله عَنهُ قَالَ الله: {وَلَا تجسسوا} فقد تجسسنا فَانْصَرف عَنْهُم وتركهم
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر عَن الشّعبِيّ أَن عمر بن الْخطاب فقد رجلا من أَصْحَابه فَقَالَ لِابْنِ عَوْف: انْطلق بِنَا إِلَى منزل فلَان فَنَنْظُر فَأتيَا منزله فوجدا بَابه مَفْتُوحًا وَهُوَ جَالس وَامْرَأَته تصب لَهُ فِي إِنَاء فتناوله إِيَّاه فَقَالَ عمر لِابْنِ عَوْف: هَذَا الَّذِي شغله عَنَّا فَقَالَ ابْن عَوْف لعمر وَمَا يدْريك مَا فِي الإِناء فَقَالَ عمر: إِنَّا نَخَاف أَن يكون هَذَا التَّجَسُّس قَالَ: بل هُوَ التَّجَسُّس قَالَ: وَمَا التَّوْبَة من هَذَا قَالَ: لَا تعلمه بِمَا أطلعت عَلَيْهِ من أمره وَلَا يكونن فِي نَفسك إِلَّا خير ثمَّ انصرفا
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أَتَى عمر بن الْخطاب رجل فَقَالَ: إِن فلَانا لَا يصحوا فَدخل عَلَيْهِ عمر رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ: إِنِّي لأجد ريح شراب يَا فلَان أَنْت بِهَذَا فَقَالَ الرجل: يَا ابْن الْخطاب وَأَنت بِهَذَا ألم ينهك الله أَن تتجسس فعرفها عمر فَانْطَلق وَتَركه
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَأَبُو دَاوُد وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن زيد بن وهب قَالَ: أُتِي ابْن مَسْعُود رَضِي الله(7/567)
عَنهُ فَقيل: هَذَا فلَان تقطر لحيته خمرًا فَقَالَ عبد الله: إِنَّا قد نهينَا عَن التَّجَسُّس وَلَكِن إِن يظْهر لنا شَيْء نَأْخُذ بِهِ
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي بَرزَة الْأَسْلَمِيّ قَالَ: خَطَبنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا معشر من آمن بِلِسَانِهِ وَلم يدْخل الإِيمان فِي قلبه لَا تتبعوا عورات الْمُسلمين فَإِنَّهُ من اتبع عورات الْمُسلمين فضحه الله فِي قَعْر بَيته
وَأخرج الخرائطي فِي مَكَارِم الْأَخْلَاق عَن ثَوْر الْكِنْدِيّ أَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ كَانَ يعس بِالْمَدِينَةِ من اللَّيْل فَسمع صَوت رجل فِي بَيت يتَغَنَّى فتسوّر عَلَيْهِ فَوجدَ عِنْده امْرَأَة وَعِنْده خمر فَقَالَ: يَا عَدو الله أظننت أَن الله يسترك وَأَنت على مَعْصِيَته فَقَالَ: وَأَنت يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ لَا تعجل على أَن أكون عصيت الله وَاحِدَة فقد عصيت الله فِي ثَلَاث
قَالَ الله: {وَلَا تجسسوا} وَقد تجسست وَقَالَ (وَأتوا الْبيُوت من أَبْوَابهَا) (الْبَقَرَة 189) وَقد تسوّرت عليَّ وَدخلت عليَّ بِغَيْر إِذن وَقَالَ الله (لَا تدْخلُوا بُيُوتًا غير بُيُوتكُمْ حَتَّى تستأنسوا وتسلموا على أَهلهَا) (الثور 27) قَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ: فَهَل عنْدك من خير إِن عَفَوْت عَنْك قَالَ: نعم فَعَفَا عَنهُ وَخرج وَتَركه
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ عَن الْبَراء بن عَازِب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: خَطَبنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى أسمع الْعَوَاتِق فِي الخدر يُنَادي بِأَعْلَى صَوته يَا معشر من آمن بِلِسَانِهِ وَلم يخلص الإِيمان إِلَى قلبه لَا تَغْتَابُوا الْمُسلمين وَلَا تتبعوا عَوْرَاتهمْ فَإِنَّهُ من تتبع عَورَة أَخِيه الْمُسلم تتبع الله عَوْرَته وَمن تتبع الله عَوْرَته يَفْضَحهُ فِي جَوف بَيته
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن بُرَيْدَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: صلينَا الظّهْر خلف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا انْفَتَلَ أقبل علينا غَضْبَان متنفراً يُنَادي بِصَوْت يسمع الْعَوَاتِق فِي جَوف الْخُدُور يَا معشر من آمن بِلِسَانِهِ وَلم يدْخل الإِيمان قلبه لَا تَذُمُّوا الْمُسلمين وَلَا تَطْلُبُوا عَوْرَاتهمْ فَإِنَّهُ من يطْلب عَورَة أَخِيه الْمُسلم هتك الله ستره وَأبْدى عَوْرَته وَلَو كَانَ فِي جَوف بَيته
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يَا معشر من آمن بِلِسَانِهِ وَلم يخلص الإِيمان إِلَى قلبه لَا تُؤْذُوا الْمُسلمين وَلَا تتبعوا(7/568)
عَوْرَاتهمْ فَإِنَّهُ من تتبع عَورَة أَخِيه الْمُسلم تتبع الله عَوْرَته حَتَّى يخرقها عَلَيْهِ فِي بطن بَيته
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن أبي ذَر رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: من أشاد على مُسلم عَوْرَته يشينه بهَا بِغَيْر حق شانه الله بهَا فِي الْخلق يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج الْحَاكِم وَالتِّرْمِذِيّ عَن جُبَير بن نفير قَالَ: صلى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمًا بِالنَّاسِ صَلَاة الصُّبْح فَلَمَّا فرغ أقبل بِوَجْهِهِ على النَّاس رَافعا صَوته حَتَّى كَاد يسمع من فِي الْخُدُور وَهُوَ يَقُول: يَا معشر الَّذين أَسْلمُوا بألسنتهم وَلم يدْخل الإِيمان فِي قُلُوبهم لَا تُؤْذُوا الْمُسلمين وَلَا تُعَيِّرُوهُمْ وَلَا تتبعوا عثراتهم فَإِنَّهُ من يتبع عَثْرَة أَخِيه الْمُسلم يتبع الله عثرته وَمن يتبع الله عثرته يَفْضَحهُ وَهُوَ فِي قَعْر بَيته فَقَالَ قَائِل يَا رَسُول الله: وَهل على الْمُسلمين من ستر فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ستور الله على الْمُؤمن أَكثر من أَن تحصى إِن الْمُؤمن ليعْمَل الذُّنُوب فتهتك عَنهُ ستوره سترا سترا حَتَّى لَا يبْقى عَلَيْهِ مِنْهَا شَيْء فَيَقُول الله للْمَلَائكَة استروا على عَبدِي من النَّاس فَإِن النَّاس يعيرون وَلَا يغيرون فتحف بِهِ الْمَلَائِكَة بأجنحتها يسترونه من النَّاس فَإِن تَابَ قبل الله مِنْهُ ورد عَلَيْهِ ستوره وَمَعَ كل ستر تِسْعَة أَسْتَار فَإِن تتَابع فِي الذُّنُوب قَالَت الْمَلَائِكَة: رَبنَا إِنَّه قد غلبنا واعذرنا فَيَقُول الله استروا عَبدِي من النَّاس فَإِن النَّاس يعيرون وَلَا يغيرون فتحف بِهِ الْمَلَائِكَة بأجنحتها يسترونه من النَّاس فَإِن تَابَ قبل الله مِنْهُ ورد عَلَيْهِ ستوره وَمَعَ كل ستر تِسْعَة أَسْتَار فَإِن تتَابع فِي الذُّنُوب قَالَت الْمَلَائِكَة يَا رَبنَا إِنَّه قد غلبنا واعذرنا فَيَقُول الله استروا عَبدِي من النَّاس فَإِن النَّاس يعيرون وَلَا يغيرون فتحف بِهِ الْمَلَائِكَة بأجنحتها يسترونه من النَّاس فَإِن تَابَ قبل الله مِنْهُ وَإِن عَاد قَالَت الْمَلَائِكَة رَبنَا إِنَّه قد غلبنا وأعذرنا فَيَقُول الله للْمَلَائكَة: تَخْلُو عَنهُ فَلَو عمل ذَنبا فِي بَيت مظلم فِي لَيْلَة مظْلمَة فِي حجر أبدى الله عَنهُ وَعَن عَوْرَته
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ عَن سلمَان الْفَارِسِي رَضِي الله عَنهُ قَالَ: الْمُؤمن فِي سبعين حِجَابا من نور فَإِذا عمل خَطِيئَة ثمَّ تناساها حَتَّى يعْمل أُخْرَى هتك عَنهُ حجاب من تِلْكَ الْحجب فَلَا يزَال كلما عمل خَطِيئَة ثمَّ تناساها حَتَّى يعْمل أُخْرَى هتك عَنهُ حجاب من تِلْكَ الْحجب فَإِذا عمل كَبِيرَة من الْكَبَائِر هتك عَنهُ تِلْكَ الْحجب كلهَا إِلَّا حجاب الْحيَاء وَهُوَ أعظمها حِجَابا فَإِن تَابَ تَابَ الله عَلَيْهِ ورد تِلْكَ الْحجب كلّها فَإِن عمل خَطِيئَة بعد الْكَبَائِر ثمَّ تناساها حَتَّى يعْمل الْأُخْرَى قبل أَن يَتُوب(7/569)
هتك حجاب الْحيَاء فَلم تلقه إِلَّا مقيتاً ممقتاً فَإِذا كَانَ مقيتاً ممقتاً نزعت مِنْهُ الْأَمَانَة فَإِذا نزعت مِنْهُ الْأَمَانَة لم تلقه إِلَّا خائناً مخوناً فَإِذا كَانَ خائناً مخوناً نزعت مِنْهُ الرَّحْمَة فَإِذا نزعت مِنْهُ الرَّحْمَة لم تلقه إِلَّا فظاً غليظاً فَإِذا كَانَ فظاً غليظاً نزعت مِنْهُ ربقة الإِسلام فَإِذا نزعت مِنْهُ ربقة الإِسلام لم تلقه إِلَّا لعيناً ملعناً شَيْطَانا رجيماً
قَوْله تَعَالَى: {وَلَا يغتب بَعْضكُم بَعْضًا} الْآيَة
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وَلَا يغتب بَعْضكُم بَعْضًا} الْآيَة قَالَ: حرم الله أَن يغتاب الْمُؤمن بِشَيْء كَمَا حرم الْميتَة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله: {وَلَا يغتب بَعْضكُم بَعْضًا} الْآيَة قَالَ: زَعَمُوا أَنَّهَا نزلت فِي سلمَان الْفَارِسِي أكل ثمَّ رقد فَنفخ فَذكر رجلَانِ أكله ورقاده فَنزلت
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ أَن سلمَان الْفَارِسِي كَانَ مَعَ رجلَيْنِ فِي سفر يَخْدُمهُمَا وينال من طعامهما وَأَن سلمَان نَام يَوْمًا فَطَلَبه صَاحِبَاه فَلم يجداه فضربا الخباء وَقَالا: مَا يُرِيد سلمَان شَيْئا غير هَذَا أَن يَجِيء إِلَى طَعَام مَعْدُود وخباء مَضْرُوب فَلَمَّا جَاءَ سلمَان أَرْسلَاهُ إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يطْلب لَهما إدَامًا فَانْطَلق فَأَتَاهُ فَقَالَ: يَا رَسُول الله بَعَثَنِي أَصْحَابِي لتؤدمهم إِن كَانَ عنْدك قَالَ: مَا يصنع أَصْحَابك بِالْأدمِ قد ائتدموا فَرجع سلمَان فخبرهما فَانْطَلقَا فَأتيَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَا: وَالَّذِي بَعثك بِالْحَقِّ مَا أصبْنَا طَعَاما مُنْذُ نزلنَا
قَالَ: إنَّكُمَا قد ائتدمتما سلمَان بقولكما فَنزلت {أَيُحِبُّ أحدكُم أَن يَأْكُل لحم أَخِيه مَيتا}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مقَاتل فِي قَوْله {وَلَا يغتب بَعْضكُم بَعْضًا} الْآيَة قَالَ: نزلت هَذِه الْآيَة فِي رجل كَانَ يخْدم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أرسل بعض الصَّحَابَة إِلَيْهِ يطْلب مِنْهُ إدَامًا فَمنع فَقَالُوا لَهُ: إِنَّه لبخيل وخيم فَنزلت فِي ذَلِك
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله {وَلَا يغتب بَعْضكُم بَعْضًا} قَالَ: أَن يَقُول للرجل من خَلفه هُوَ كَذَا يسيء الثَّنَاء عَلَيْهِ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة {وَلَا يغتب بَعْضكُم بَعْضًا} قَالَ: ذكر لنا أَن الْغَيْبَة أَن تذكر أَخَاك بِمَا يشينه وتعيبه بِمَا فِيهِ فَإِن أَنْت كذبت(7/570)
عَلَيْهِ فَذَاك الْبُهْتَان يَقُول كَمَا أَنْت كَارِه لَو وجدت جيفة مدودة أَن تَأْكُل مِنْهَا فَكَذَلِك فأكره لَحمهَا وَهُوَ حَيّ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قيل يَا رَسُول الله: مَا الْغَيْبَة قَالَ ذكرك أَخَاك بِمَا يكره قَالَ يَا رَسُول الله: أَرَأَيْت إِن كَانَ فِي أخي مَا أَقُول قَالَ: إِن كَانَ فِيهِ مَا تَقول فقد اغْتَبْته وَإِن لم يكن فِيهِ مَا تَقول فقد بَهته
وَأخرج عبد بن حميد والخرائطي فِي مساوىء الْأَخْلَاق عَن الْمطلب بن حنْطَب قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن الْغَيْبَة أَن تذكر الْمَرْء بِمَا فِيهِ فَقَالَ إِنَّمَا كُنَّا نرى أَن نذكرهُ بِمَا لَيْسَ فِيهِ ذَاك الْبُهْتَان
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة أَن امْرَأَة دخلت على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ خرجت فَقَالَت عَائِشَة يَا رَسُول الله: مَا أجملها وأحسنها لَوْلَا أَن بهَا قصراً فَقَالَ لَهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: اغتبتيها يَا عَائِشَة فَقَالَت يَا رَسُول الله: إِنَّمَا قلت شَيْئا هُوَ بهَا
فَقَالَ يَا عَائِشَة إِذا قلت شَيْئا بهَا فَهِيَ غيبَة وَإِذا قلت مَا لَيْسَ بهَا فقد بهتها
وَأخرج عبد بن حميد عَن عون بن عبد الله قَالَ: إِذا قلت للرجل بِمَا فِيهِ فقد اغْتَبْته وَإِذا قلت مَا لَيْسَ فِيهِ فقد بَهته
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُعَاوِيَة بن قُرَّة قَالَ: لَو مر بك أقطع فَقلت: هَذَا الأقطع كَانَت غيبَة
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُحَمَّد بن سِيرِين أَنه ذكر عِنْده رجل فَقَالَ: ذَاك الْأسود قَالَ: أسْتَغْفر الله أَرَانِي قد اغْتَبْته
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد {أَيُحِبُّ أحدكُم أَن يَأْكُل لحم أَخِيه مَيتا} قَالُوا: نكره ذَلِك
قَالَ: فَاتَّقُوا الله
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي ذمّ الْغَيْبَة والخرائطي فِي مساوىء الْأَخْلَاق وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن عَائِشَة قَالَت: لَا يغتب بَعْضكُم بَعْضًا فَإِنِّي كنت عِنْد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فمرت امْرَأَة طَوِيلَة الذيل فَقلت يَا رَسُول الله: إِنَّهَا الطَّوِيلَة الذيل فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: الفظي فلفظت بضعَة لحم
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة رفع الحَدِيث إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه لحق قوما فَقَالَ لَهُم: تخللوا فَقَالَ الْقَوْم وَالله يَا نَبِي الله مَا طعمنا الْيَوْم طَعَاما فَقَالَ النَّبِي(7/571)
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالله إِنِّي لأرى لحم فلَان بَين ثناياكم وَكَانُوا قد اغتابوه
وَأخرج الضياء الْمَقْدِسِي فِي المختارة عَن أنس قَالَ: كَانَت الْعَرَب يخْدم بَعْضهَا بَعْضًا فِي الْأَسْفَار وَكَانَ مَعَ أبي بكر وَعمر رجل يخدمها فَنَامَا فَاسْتَيْقَظَا وَلم يهيء لَهما طَعَاما فَقَالَا إِن هَذَا لنؤوم فَأَيْقَظَاهُ فَقَالَا: إئتِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقل لَهُ: إِن أَبَا بكر وَعمر يقرئانك السَّلَام ويستأذناك فَقَالَ: إنَّهُمَا إئتدما فجاءاه فَقَالَا يَا رَسُول الله: بِأَيّ شَيْء إئتدمنا قَالَ: بِلَحْم أَخِيكُمَا وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ إِنِّي لأرى لَحْمه بَين ثَنَايَاكُمَا فَقَالَا: إستغفر لنا يَا رَسُول الله
قَالَ: مراه فليسغفر لَكمَا
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول عَن يحيى بن أبي كثير أَن نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ فِي سفر وَمَعَهُ أَبُو بكر وَعمر فأرسلوا إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يسألونه لَحْمًا فَقَالَ: أَو لَيْسَ قد ظللتم من اللَّحْم شباعاً قَالُوا: من أَيْن فوَاللَّه مَا لنا بِاللَّحْمِ عهد مُنْذُ أَيَّام فَقَالَ: من لحم صَاحبكُم الَّذِي ذكرْتُمْ
قَالُوا يَا نَبِي الله: إِنَّمَا قُلْنَا إِنَّه لضعيف مَا يعيننا على شَيْء
قَالَ: ذَلِك فَلَا تَقولُوا [] فَرجع إِلَيْهِم الرجل فَأخْبرهُم بِالَّذِي قَالَ فجَاء أَبُو بكر فَقَالَ يَا نَبِي الله طاعلى صماخي واستغفر لي فَفعل وَجَاء عمر فَقَالَ: يَا نَبِي الله طاعلى صماخي واستغفر لي فَفعل
وَأخرج أَبُو يعلى وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من أكل لحم أَخِيه فِي الدُّنْيَا قرب لَهُ لَحْمه فِي الْآخِرَة فَيُقَال لَهُ كُله مَيتا كَمَا أَكلته حَيا فَإِنَّهُ ليأكله ويكلح ويصيح
وَأخرج أَحْمد وَابْن أبي الدُّنْيَا وَابْن مرْدَوَيْه عَن عبيد مولى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن امْرَأتَيْنِ صامتا على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَجَلَست إِحْدَاهمَا إِلَى الْأُخْرَى فجعلتا يأكلان لُحُوم النَّاس فجَاء مِنْهُمَا رَسُول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ يَا رَسُول الله: إِن هَهُنَا امْرَأتَيْنِ صامتا وَقد كادتا أَن تموتا فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ائْتُونِي بهما فجاءتا فَدَعَا بعس أَو قدح فَقَالَ لإحداهما قيئي فقاءت من قيح وَدم وصديد حَتَّى قاءت نصف الْقدح وَقَالَ لِلْأُخْرَى قيئي فقاءت من قيح وَدم وصديد حَتَّى مَلَأت الْقدح فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن هَاتين صامتا عَمَّا أحل الله لَهما وأفطرتا على مَا حرم الله عَلَيْهِمَا جَلَست إِحْدَاهمَا إِلَى الْأُخْرَى فجعلتا يأكلان لُحُوم النَّاس
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أم سَلمَة أَنَّهَا سَأَلت عَن الْغَيْبَة فَأخْبرت أَنَّهَا أَصبَحت يَوْم الْجُمُعَة وَغدا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الصَّلَاة وأتتها جَارة لَهَا من نسَاء الْأَنْصَار فاغتابتا(7/572)
وضحكتا بِرِجَال وَنسَاء فَلم يبرحا على حَدِيثهمَا من الْغَيْبَة حَتَّى أقبل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم منصرفاً من الصَّلَاة فَلَمَّا سمعتا صَوته سكتتا فَلَمَّا قَامَ بِبَاب الْبَيْت ألْقى طرف رِدَائه على أَنفه ثمَّ قَالَ: أفّ أخرجَا فاستقيئا ثمَّ طهرا بِالْمَاءِ فَخرجت أم سَلمَة فقاءت لَحْمًا كثيرا قد أُحِيل فَلَمَّا رَأَتْ كَثْرَة اللَّحْم تذكرت أحدث لحم أَكلته فَوَجَدته فِي أول جمعتين مضتا فَسَأَلَهَا عَمَّا قاءت فَأَخْبَرته فَقَالَ: ذَاك لحم ظللت تأكلينه فَلَا تعودي أَنْت وَلَا صَاحبَتك فِيمَا ظللتما فِيهِ من الْغَيْبَة وأخبرتها صاحبتها أَنَّهَا قاءت مثل الَّذِي قاءت من اللَّحْم
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي مَالك الْأَشْعَرِيّ عَن كَعْب بن عَاصِم أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: الْمُؤمن حرَام على الْمُؤمن لَحْمه عَلَيْهِ حرَام أَن يَأْكُلهُ ويغتابه بِالْغَيْبِ وَعرضه عَلَيْهِ حرَام أَن يخرقه وَوَجهه عَلَيْهِ حرَام أَن يلطمه
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالْبُخَارِيّ فِي الْأَدَب وَأَبُو يعلى وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان بِسَنَد صَحِيح عَن أبي هُرَيْرَة أَن ماعزاً لما رجم سمع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رجلَيْنِ يَقُول أَحدهمَا لصَاحبه: ألم تَرَ إِلَى هَذَا الَّذِي ستر الله عَلَيْهِ فَلم تَدعه نَفسه حَتَّى رجم رجم الْكَلْب فَسَار النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ مر بجيفة حمَار فَقَالَ: أَيْن فلَان وَفُلَان إنزلا فكلا من جيفة هَذَا الْحمار فَقَالَا: وَهل يُؤْكَل هَذَا قَالَ: فَإنَّا أكلتكما من أَخِيكُمَا آنِفا أَشد أكلا مِنْهُ وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ إِنَّه الْآن لفي أَنهَار الْجنَّة ينغمس فِيهَا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد فِي الزّهْد وَالْبُخَارِيّ فِي الْأَدَب والخرائطي عَن عَمْرو بن الْعَاصِ أَنه مر على بغل ميت وَهُوَ فِي نفر من أَصْحَابه فَقَالَ: وَالله لِأَن يَأْكُل أحدكُم من هَذَا حَتَّى يمْلَأ بَطْنه خير لَهُ من أَن يَأْكُل من لحم رجل مُسلم
وَأخرج البُخَارِيّ فِي الْأَدَب وَابْن أبي الدُّنْيَا عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأتى على قبرين يعذب صاحباهما فَقَالَ: إنَّهُمَا لَا يعذبان فِي كَبِير وَبكى أما أَحدهمَا فَكَانَ يغتاب النَّاس وَأما الآخر فَكَانَ لَا [] يتَأَذَّى من الْبَوْل فَدَعَا بجريدة رطبَة فَكَسرهَا ثمَّ أَمر بِكُل كسرة فغرست على قبر فَقَالَ: أما إِنَّه سيهون من عذابهما مَا كَانَ رطبتين
وَأخرج البُخَارِيّ فِي الْأَدَب عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: من اغتيب عِنْده مُؤمن فنصره جزاه الله بهَا خيرا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَمن اغتيب عِنْده فَلم ينصره جزاه الله بهَا فِي(7/573)
الدُّنْيَا وَالْآخِرَة شرا وَمَا الْتَقم أحد لقْمَة شرا من اغتياب مُؤمن إِن قَالَ فِيهِ مَا يعلم فقد إغتابه وَمن قَالَ فِيهِ مَا لَا يعلم فقد بَهته
وَأخرج أَحْمد عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فارتفعت ريح جيفة مُنْتِنَة فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَتَدْرُونَ مَا هَذِه الرّيح هَذِه ريح الَّذين يغتابون النَّاس
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِذا وَقع فِي الرجل وَأَنت فِي مَلأ فَكُن للرجل ناصراً وَلِلْقَوْمِ زاجراً وقم عَنْهُم ثمَّ تَلا هَذِه الْآيَة {أَيُحِبُّ أحدكُم أَن يَأْكُل لحم أَخِيه مَيتا فكرهتموه}
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن الرِّبَا نَيف وَسَبْعُونَ بَابا أهونهن بَابا مثل من نكح أمه فِي الإِسلام وَدِرْهَم الرِّبَا أَشد من خمس وَثَلَاثِينَ زنية وأشر الرِّبَا وأربى وأخبث الرِّبَا انتهاك عرض الْمُسلم وانتهاك حرمته
وَأخرج أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيّ عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لما عرج بِي مَرَرْت بِقوم لَهُم أظفار من نُحَاس يخمشون وُجُوههم وصدورهم فَقلت: من هَؤُلَاءِ يَا جِبْرِيل قَالَ: هَؤُلَاءِ الَّذين يَأْكُلُون لُحُوم النَّاس ويقعون فِي أعراضهم
وَأخرج أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيّ وَأَبُو يعلى وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم عَن الْمُسْتَوْرد أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: من أكل بِرَجُل مُسلم أكله فَإِن الله يطعمهُ مثلهَا من جَهَنَّم وَمن كسي بِرَجُل مُسلم ثوبا فَإِن الله يكسوه مثله من جَهَنَّم وَمن قَامَ بِرَجُل مقَام سمعة أَو رِيَاء فَإِن الله يقوم بِهِ مقَام سمعة ورياء يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ عَن أنس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر أَن يَصُومُوا يَوْمًا وَلَا يفطرن أحد حَتَّى آذن لَهُ فصَام النَّاس فَلَمَّا أَمْسوا جعل الرجل يَجِيء إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَيَقُول: ظللت مُنْذُ الْيَوْم صَائِما فَأذن لي فلأفطرن فَيَأْذَن لَهُ حَتَّى جَاءَ رجل فَقَالَ يَا رَسُول الله إِن فتاتين من أهلك ظلتا مُنْذُ الْيَوْم صائمتين فَأذن لَهما فليفطرا فَأَعْرض عَنهُ ثمَّ أعَاد عَلَيْهِ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا صامتا وَكَيف صَامَ من ظلّ يَأْكُل لُحُوم النَّاس اذْهَبْ فمرهما إِن كَانَتَا صائمتين أَن يستقيئا فَفَعَلَتَا فقاءت كل وَاحِدَة مِنْهُمَا عَلْقَمَة فَأتى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأخْبرهُ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَو صامتا وَبَقِي فيهمَا لأكلتهما النَّار(7/574)
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: لَا يتَوَضَّأ أحدكُم من الْكَلِمَة الخبيثة يَقُولهَا لِأَخِيهِ وَيتَوَضَّأ من الطَّعَام الْحَلَال
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس وَعَائِشَة رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَا: الْحَدث حدثان حدث من فِيك وَحدث من نومك وَحدث الْفَم أَشد الْكَذِب والغيبة
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن إِبْرَاهِيم قَالَ: الْوضُوء من الْحَدث وأذى الْمُسلم
وَأخرج الخرائطي فِي مساوىء الْأَخْلَاق وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَن رجلَيْنِ صليا صَلَاة الظّهْر أَو الْعَصْر وَكَانَا صَائِمين فَلَمَّا قضى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الصَّلَاة قَالَ: أعيدا وضوءكما وصلاتكما وأمضيا فِي صومكما واقضيا يَوْمًا آخر مَكَانَهُ قَالَا: لمَ يَا رَسُول الله قَالَ: قد اغْتَبْتُمَا فلَانا
وَأخرج الخرائطي وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: أَقبلت امْرَأَة قَصِيرَة وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جَالس قَالَت: فأشرت بإبهامي إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لقد اغتبتها
وَأخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ أَن رجلا قَامَ من عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فرؤي فِي مقَامه عجز فَقَالَ بَعضهم: مَا أعجز فلَانا: فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: قد أكلْتُم الرجل واغتبتموه
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن معَاذ بن جبل رَضِي الله عَنهُ قَالَ: ذكر رجل عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالُوا: مَا أعجز فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إغتبتم الرجل قَالُوا يَا رَسُول الله: قُلْنَا مَا فِيهِ قَالَ: لَو قُلْتُمْ مَا لَيْسَ فِيهِ فقد بهتموه
وَأخرج ابْن جرير عَن معَاذ بن جبل رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كُنَّا عِنْد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذكر الْقَوْم رجلا فَقَالُوا: مَا يَأْكُل إِلَّا مَا أطْعم وَلَا يرحل إِلَّا مَا رَحل لَهُ وَمَا أضعفه فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إغتبتم أَخَاكُم
قَالُوا يَا رَسُول الله: وغيبة بِمَا يحدث فِيهِ فَقَالَ: بحسبكم أَن تحدثُوا عَن أخيكم بِمَا فِيهِ
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي الْأَفْرَاد والخرائطي وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَأَبُو نعيم وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنهُ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: من حَالَتْ شَفَاعَته دون حد من حُدُود الله فقد ضاد الله فِي أمره وَمن مَاتَ وَعَلِيهِ دين فَلَيْسَ بالدينار وَالدِّرْهَم وَلكنهَا الْحَسَنَات وَمن خَاصم فِي بَاطِل وَهُوَ يُعلمهُ لم يزل فِي(7/575)
سخط الله حَتَّى ينْزع وَمن قَالَ فِي مُؤمن مَا لَيْسَ فِيهِ أسْكنهُ الله ردغة الخبال حَتَّى يخرج مِمَّا قَالَ وَلَيْسَ بِخَارِج
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: اذْكروا الله فَإِن العَبْد إِذا قَالَ سُبْحَانَ الله وَبِحَمْدِهِ كتب الله لَهُ بهَا عشرا وَمن عشر إِلَى مائَة وَمن مائَة إِلَى ألف وَمن زَاد زَاده الله وَمن اسْتغْفر غفر الله لَهُ وَمن حَالَتْ شَفَاعَته دون حد من حُدُود الله فقد ضاد الله فِي أمره وَمن أعَان على خُصُومَة بِغَيْر علم فقد بَاء بسخط من الله وَمن قذف مُؤمنا أَو مُؤمنَة حَبسه الله فِي ردغة الخبال حَتَّى يَأْتِي بالمخرج وَمن مَاتَ وَعَلِيهِ دين اقْتصّ من حَسَنَاته لَيْسَ ثمَّ دِينَار وَلَا دِرْهَم
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا من رجل يَرْمِي رجلا بِكَلِمَة تشينه إِلَّا حَبسه الله يَوْم الْقِيَامَة فِي طِينَة الخبال حَتَّى يَأْتِي مِنْهَا بالمخرج
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن الْأَوْزَاعِيّ قَالَ: بَلغنِي أَنه يُقَال للْعَبد يَوْم الْقِيَامَة: قُم فَخذ حَقك من فلَان فَيَقُول: مَا لي قبله حق فَيُقَال: بلَى ذكرك يَوْم كَذَا وَكَذَا بِكَذَا وَكَذَا
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي سعيد وَجَابِر بن عبد الله رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَا: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: الْغَيْبَة أَشد من الزِّنَا قَالُوا يَا رَسُول الله: وَكَيف الْغَيْبَة أَشد من الزِّنَا قَالَ: إِن الرجل ليزني فيتوب فيتوب الله عَلَيْهِ وَإِن صَاحب الْغَيْبَة لَا يغْفر لَهُ حَتَّى يغفرها لَهُ صَاحبه
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن أنس رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: الْغَيْبَة أَشد من الزِّنَا فَإِن صَاحب الزِّنَا يَتُوب وَصَاحب الْغَيْبَة لَيْسَ لَهُ تَوْبَة
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق غياث بن كَلوب الْكُوفِي عَن مطرف عَن سَمُرَة بن جُنْدُب عَن أَبِيه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن الله يبغض الْبَيْت اللَّحْم فَسَأَلت مطرفاً مَا يَعْنِي بِاللَّحْمِ قَالَ: الَّذِي يغتاب فِيهِ النَّاس
وبإسناده عَن أَبِيه قَالَ: مر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على رجل بَين يَدي حجام وَذَلِكَ فِي رَمَضَان وهما يغتابان رجلا فَقَالَ: أفطر الحاجم والمحجوم
قَالَ الْبَيْهَقِيّ: غياث هَذَا مَجْهُول
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن أربى الرِّبَا إستطالة الْمَرْء فِي عرض أَخِيه(7/576)
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن عبد الله بن الْمُبَارك قَالَ: إِذا اغتاب رجل رجلا فَلَا يُخبرهُ بِهِ وَلَكِن يسْتَغْفر الله
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ بِسَنَد ضَعِيف عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: كَفَّارَة الْغَيْبَة أَن تستغفر لمن اغْتَبْته
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن شُعْبَة قَالَ: الشكاية والتحذير ليسَا من الْغَيْبَة
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: ثَلَاثَة لَيست لَهُم غيبَة الإِمام الجائر وَالْفَاسِق الْمُعْلن بِفِسْقِهِ والمبتدع الَّذِي يَدْعُو النَّاس إِلَى بدعته
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لَيْسَ لأهل الْبدع غيبَة
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن زيد بن أسلم رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِنَّمَا الْغَيْبَة لمن لم يعلن بِالْمَعَاصِي
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ وَضَعفه عَن أنس رَضِي الله عَنهُ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: من ألْقى جِلْبَاب الْحيَاء فَلَا غيبَة لَهُ
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ وَضَعفه من طَرِيق بهز بن حَكِيم عَن أَبِيه عَن جده قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَتَرْعَوْنَ عَن ذكر الْفَاجِر أذكروه بِمَا فِيهِ كي يعرفهُ النَّاس ويحذره النَّاس
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن الْحسن الْبَصْرِيّ قَالَ: ثَلَاثَة لَيْسَ لَهُم حُرْمَة فِي الْغَيْبَة: فَاسق معلن الْفسق والأمير الجائر وَصَاحب الْبِدْعَة الْمُعْلن الْبِدْعَة
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ عَن ابْن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يجاء بِالْعَبدِ يَوْم الْقِيَامَة فتوضع حَسَنَاته فِي كفة وسيئاته فِي كفة فترجح السَّيِّئَات فتجيء بطاقة فتوضع فِي كفة الْحَسَنَات فترجح بهَا فَيَقُول يَا رب مَا هَذِه البطاقة فَمَا من عمل عملته فِي ليلِي ونهاري إِلَّا وَقد اسْتقْبلت بِهِ فَقيل: هَذَا مَا قيل فِيك وَأَنت مِنْهُ بَرِيء فينجو بذلك
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ عَن عَليّ بن أبي طَالب قَالَ: الْبُهْتَان على البريء أثقل من السَّمَوَات
الْآيَة 13(7/577)
يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)
أخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن ابْن أبي مليكَة قَالَ: لما كَانَ يَوْم الْفَتْح رقي بِلَال فَأذن على الْكَعْبَة فَقَالَ بعض النَّاس: هَذَا العَبْد الْأسود يُؤذن على ظهر الْكَعْبَة وَقَالَ بَعضهم: إِن يسْخط الله هَذَا يُغَيِّرهُ فَنزلت {يَا أَيهَا النَّاس إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ من ذكر وَأُنْثَى} الْآيَة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن الزُّهْرِيّ قَالَ: أَمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بني بياضة أَن يزوّجوا أَبَا هِنْد امْرَأَة مِنْهُم فَقَالُوا: يَا رَسُول الله أتزوّج بناتنا موالينا فَأنْزل الله {يَا أَيهَا النَّاس إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ من ذكر وَأُنْثَى} الْآيَة قَالَ الزُّهْرِيّ: نزلت فِي أبي هِنْد خَاصَّة
قَالَ: وَكَانَ أَبُو هِنْد حجام النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة قَالَت: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أنكحوا أَبَا هِنْد وَانْكِحُوا إِلَيْهِ قَالَت: وَنزلت {يَا أَيهَا النَّاس إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ من ذكر وَأُنْثَى} الْآيَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد قَالَ: مَا خلق الله الْوَلَد إِلَّا من نُطْفَة الرجل وَالْمَرْأَة جَمِيعًا وَذَلِكَ أَن الله يَقُول: {إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ من ذكر وَأُنْثَى}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عمر بن الْخطاب أَن هَذِه الْآيَة فِي الحجرات {إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ من ذكر وَأُنْثَى} هِيَ مَكِّيَّة وَهِي للْعَرَب خَاصَّة الموَالِي أَي قَبيلَة لَهُم وَأي شعاب وَقَوله {إِن أكْرمكُم عِنْد الله أَتْقَاكُم} قَالَ: أَتْقَاكُم للشرك
وَأخرج البُخَارِيّ وَابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس {وجعلناكم شعوباً وقبائل} قَالَ: الشعوب الْقَبَائِل الْعِظَام والقبائل الْبُطُون
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الشعوب الْجِمَاع والقبائل الأفخاذ الَّتِي يَتَعَارَفُونَ بهَا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس {وجعلناكم شعوباً وقبائل} قَالَ: الْقَبَائِل الأفخاذ والشعوب الْجُمْهُور مثل مُضر
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة {وجعلناكم شعوباً وقبائل} قَالَ: الشّعب هُوَ النّسَب الْبعيد والقبائل كَمَا سمعته يَقُول فلَان من بني فلَان(7/578)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد {وجعلناكم شعوباً} قَالَ: النّسَب الْبعيد {وقبائل} قَالَ: دون ذَلِك جعلنَا هَذَا لتعرفوا فلَان بن فلَان من كَذَا وَكَذَا
وَأخرج عبد بن حميد عَن الضَّحَّاك قَالَ: الْقَبَائِل رُؤُوس الْقَبَائِل والشعوب الفصائل والأفخاذ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن عمر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم طَاف يَوْم الْفَتْح على رَاحِلَته يسْتَلم الْأَركان بِمِحْجَنِهِ فَلَمَّا خرج لم يجد منَاخًا فَنزل على أَيدي الرِّجَال فخطبهم فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ وَقَالَ: الْحَمد لله الَّذِي أذهب عَنْكُم عَيْبَة الْجَاهِلِيَّة وَتَكَبُّرهَا بِآبَائِهَا النَّاس رجلَانِ برٌّ تقيّ كريمٌ على الله وفاجرٌ شقيّ هّينٌ على الله وَالنَّاس بَنو آدم وَخلق الله آدم من تُرَاب
قَالَ الله {يَا أَيهَا النَّاس إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ من ذكر وَأُنْثَى} إِلَى قَوْله {خَبِير} ثمَّ قَالَ: أَقُول قولي هَذَا وَأَسْتَغْفِر الله لي وَلكم
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: خَطَبنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي وسط أَيَّام التَّشْرِيق خطْبَة الْوَدَاع فَقَالَ: يَا أَيهَا النَّاس أَلا إِن ربكُم وَاحِد أَلا إِن أَبَاكُم وَاحِد أَلا لَا فضل لعربي على أعجمي وَلَا لعجمي على عَرَبِيّ وَلَا لأسود على أَحْمَر وَلَا لأحمر على أسود إِلَّا بالتقوى إِن أكْرمكُم عِنْد الله أَتْقَاكُم أَلا هَل بلغت قَالُوا: بلَى يَا رَسُول الله
قَالَ: فليبلغ الشَّاهِد الْغَائِب
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن أبي أُمَامَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن الله أذهب نخوة الْجَاهِلِيَّة وَتَكَبُّرهَا بِآبَائِهَا كلكُمْ لآدَم وحواء كطف الصَّاع بالصاع وَإِن أكْرمكُم عِنْد الله أَتْقَاكُم فَمن أَتَاكُم ترْضونَ دينه وأمانته فَزَوجُوهُ
وَأخرج أَحْمد وَابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ عَن عقبَة بن عَامر أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن أنسابكم هَذِه لَيست بمسيئة على أحد كلكُمْ بَنو آدم طف الصَّاع لم تملؤوه لَيْسَ لأحد على أحد فضل إِلَّا بدين وتقوى إِن الله لَا يسألكم عَن أحسابكم وَلَا عَن أنسابكم يَوْم الْقِيَامَة أكْرمكُم عِنْد الله أَتْقَاكُم
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي هُرَيْرَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن الله يَقُول يَوْم الْقِيَامَة أَمرتكُم فضيعتم مَا عهِدت إِلَيْكُم ورفعتم أنسابكم(7/579)
فاليوم أرفع نسبي وأضع أنسابكم أَيْن المتقون أَيْن المتقون إِن أكْرمكُم عِنْد الله أَتْقَاكُم
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: يَقُول الله يَوْم الْقِيَامَة: أَيهَا النَّاس إِنِّي جعلت نسبا وجعلتم نسبا فَجعلت أكْرمكُم عِنْد الله أَتْقَاكُم فأبيتم إِلَّا أَن تَقولُوا فلَان أكْرم من فلَان وَفُلَان أكْرم من فلَان وَإِنِّي الْيَوْم أرفع نسبي وأضع نسبكم أَلا أَن أوليائي المتقون
وَأخرج الْخَطِيب عَن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة أوقف الْعباد بَين يَدي الله تَعَالَى غرلًا بهما فَيَقُول الله: عبَادي أَمرتكُم فضيعتم أَمْرِي ورفعتم أنسابكم فتفاخرتم بهَا الْيَوْم أَضَع أنسابكم أَنا الْملك الديّان أَيْن المتقون أَيْن المتقون إِن أكْرمكُم عِنْد الله أَتْقَاكُم
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن سعيد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: النَّاس كلهم بَنو آدم وآدَم خلق من التُّرَاب وَلَا فضل لعربي على عجمي وَلَا عجمي على عَرَبِيّ وَلَا أَحْمَر على أَبيض وَلَا أَبيض على أَحْمَر إِلَّا بالتقوى
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن حبيب بن خرَاش القصري رَضِي الله عَنهُ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: الْمُسلمُونَ إخْوَة لَا فضل لأحد على أحد إِلَّا بالتقوى
وَأخرج أَحْمد عَن رجل من بني سليط قَالَ: أتيت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَسَمعته يَقُول: الْمُسلم أَخُو الْمُسلم لَا يَظْلمه وَلَا يَخْذُلهُ التَّقْوَى هَهُنَا وَقَالَ بِيَدِهِ إِلَى صَدره وَمَا توادَّ رجلَانِ فِي الله فَيُفَرق بَينهمَا إِلَّا حدث يحدث أَحدهمَا والمحدث شَرّ والمحدث شَرّ والمحدث شَرّ
وَأخرج البُخَارِيّ وَالنَّسَائِيّ عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: سُئِلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَي النَّاس أكْرم قَالَ: أكْرمهم عِنْد الله أَتْقَاهُم قَالُوا: لَيْسَ عَن هَذَا نَسْأَلك قَالَ: فَأكْرم النَّاس يُوسُف نَبِي الله ابْن نَبِي الله ابْن نَبِي الله ابْن خَلِيل الله قَالُوا: لَيْسَ عَن هَذَا نَسْأَلك
قَالَ: فَعَن معادن الْعَرَب تَسْأَلُونِي قَالُوا: نعم
قَالَ: خيارهم فِي الْجَاهِلِيَّة خيارهم فِي الإِسلام إِذا فقهوا
وَأخرج أَحْمد عَن أبي ذَر رَضِي الله عَنهُ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَهُ: أنظر فَإنَّك لست بِخَير من أَحْمَر وَلَا أسود إِلَّا أَن تفضله بتقوى
وَأخرج البُخَارِيّ فِي الْأَدَب عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: لَا أرى أحدا(7/580)
يعْمل بِهَذِهِ الْآيَة {يَا أَيهَا النَّاس إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ من ذكر وَأُنْثَى} حَتَّى بلغ {إِن أكْرمكُم عِنْد الله أَتْقَاكُم} فَيَقُول الرجل للرجل أَنا أكْرم مِنْك فَلَيْسَ أحد أكْرم من أحد إِلَّا بتقوى الله
وَأخرج البُخَارِيّ فِي الْأَدَب عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: مَا تَعدونَ الْكَرم وَقد بَين الله الْكَرم وأكرمكم عِنْد الله أَتْقَاكُم وَمَا تَعدونَ الْحسب أفضلكم حسباً أحسنكم خلقا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد عَن درة بنت أبي لَهب قَالَت: قَامَ رجل إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ على الْمِنْبَر فَقَالَ: يَا رَسُول الله أَي النَّاس خير فَقَالَ: خير النَّاس أقرؤهم وأتقاهم لله عز وَجل وَآمرهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وأنهاهم عَن الْمُنكر وأوصلهم للرحم
وَأخرج أَحْمد وَعبد بن حميد وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَالطَّبَرَانِيّ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن سَمُرَة بن جُنْدُب رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: الْحسب المَال وَالْكَرم التَّقْوَى
وَأخرج أَحْمد عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: مَا أعجب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شَيْء من الدُّنْيَا وَلَا أعجبه أحد قطّ إِلَّا ذُو تقوى
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ عَن وَاثِلَة بن الْأَسْقَع رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من اتَّقى الله أهاب الله مِنْهُ كل شَيْء وَمن لم يتق الله أهابه الله من كل شَيْء
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ عَن جَابر بن عبد الله رَضِي الله عَنهُ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: الْحيَاء زِينَة والتقى كرم وَخير الْمركب الصَّبْر وانتظار الْفرج من الله عبَادَة
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِذا أَرَادَ الله بِعَبْدِهِ خيرا جعل غناهُ فِي نَفسه وتقاه فِي قلبه وَإِذا أَرَادَ الله بِعَبْدِهِ شرا جعل فقره بَين عَيْنَيْهِ
وَأخرج ابْن الضريس فِي فَضَائِل الْقُرْآن عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: جَاءَ رجل إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: أوصني فَقَالَ: عَلَيْك بتقوى الله فَإِنَّهَا جماع كل خير وَعَلَيْك بِالْجِهَادِ فَإِنَّهُ رَهْبَانِيَّة الْمُسلمين وَعَلَيْك بِذكر الله وتلاوة(7/581)
كتاب الله فَإِنَّهُ نور لَك فِي الأَرْض وَذكر لَك فِي السَّمَاء وأخزن لسَانك إِلَّا من خير فَإنَّك بذلك تغلب الشَّيْطَان
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي نَضرة رَضِي الله عَنهُ أَن رجلا رأى أَنه دخل الْجنَّة فَرَأى مَمْلُوكه فَوْقه مثل الْكَوْكَب فَقَالَ وَالله يَا رب إِن هَذَا لمملوكي فِي الدُّنْيَا فَمَا أنزلهُ هَذِه الْمنزلَة قَالَ: هَذَا كَانَ أحسن عملا مِنْك
وَأخرج التِّرْمِذِيّ عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: تعلمُوا من أنسابكم مَا تصلونَ بِهِ أَرْحَامكُم فَإِن صلَة الرَّحِم محبَّة فِي الْأَهْل مثراة فِي المَال منسأة فِي الْأَثر
وَأخرج الْبَزَّار عَن حُذَيْفَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: كلكُمْ بَنو آدم وآدَم خلق من تُرَاب ولينتهين قوم يفخرون بآبائهم أَو لَيَكُونن أَهْون على الله من الْجعلَان
وَأخرج أَحْمد عَن أبي رَيْحَانَة رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: من انتسب إِلَى تِسْعَة آبَاء كفار يُرِيد بهم عزا وكبراً فَهُوَ عاشرهم فِي النَّار
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَمُسلم عَن أبي مَالك الْأَشْعَرِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَربع من الْجَاهِلِيَّة لَا تتركهن أمتِي: الْفَخر بِالْأَحْسَابِ والطعن فِي الْأَنْسَاب وَالِاسْتِسْقَاء بالنجوم والنياحة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إثنتان فِي النَّاس هما بهما كفر: النِّيَاحَة والطعن فِي الْأَنْسَاب
الْآيَة 14(7/582)
قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (14)
أخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {قَالَت الْأَعْرَاب آمنا} قَالَ: أَعْرَاب بني أَسد بن خُزَيْمَة وَفِي قَوْله {وَلَكِن قُولُوا أسلمنَا} قَالَ: استسلمنا مَخَافَة الْقَتْل والسبي
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {قَالَت الْأَعْرَاب آمنا} قَالَ: نزلت فِي بني أَسد(7/582)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {قَالَت الْأَعْرَاب آمنا} الْآيَة قَالَ: لم تعم هَذِه الْآيَة الْأَعْرَاب وَلكنهَا الطوائف من الْأَعْرَاب
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة {قَالَت الْأَعْرَاب آمنا قل لم تؤمنوا} قَالَ: لعمري مَا عَمت هَذِه الْآيَة الْأَعْرَاب إِن من الْأَعْرَاب لم يُؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر وَلَكِن إِنَّمَا أنزلت فِي حيّ من أَحيَاء الْعَرَب منوا بالإِسلام على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالُوا أسلمنَا وَلم نقاتلك كَمَا قَاتلك بَنو فلَان فَقَالَ الله {لم تؤمنوا وَلَكِن قُولُوا أسلمنَا وَلما يدْخل الإِيمان فِي قُلُوبكُمْ}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن دَاوُد بن أبي هِنْد أَنه سُئِلَ عَن الإِيمان فَتلا هَذِه الْآيَة {قَالَت الْأَعْرَاب آمنا قل لم تؤمنوا وَلَكِن قُولُوا أسلمنَا} قَالَ: الإِسلام الإِقرار والإِيمان التَّصْدِيق
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن الزُّهْرِيّ فِي الْآيَة قَالَ: ترى أَن الإِسلام الْكَلِمَة والإِيمان الْعَمَل
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن سعد بن أبي وَقاص أَن نَفرا أَتَوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَعْطَاهُمْ إِلَّا رجلا مِنْهُم فَقلت: يَا رَسُول الله: أَعطيتهم وَتركت فلَانا وَالله إِنِّي لأراه مُؤمنا فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَو مُسلم ذَلِك ثَلَاثًا
وَأخرج ابْن قَانِع وَابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق الزُّهْرِيّ عَن عَامر بن سعد عَن أَبِيه أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قسم قسما فَأعْطى أُنَاسًا وَمنع آخَرين فَقلت يَا رَسُول الله: أَعْطَيْت فلَانا وَفُلَانًا ومنعت فلَانا وَهُوَ مُؤمن فَقَالَ: لَا تقل مُؤمن وَلَكِن قل مُسلم
وَقَالَ الزُّهْرِيّ {قَالَت الْأَعْرَاب آمنا قل لم تؤمنوا وَلَكِن قُولُوا أسلمنَا}
وَأخرج ابْن ماجة وَابْن مرْدَوَيْه وَالطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: الايمان معرفَة بِالْقَلْبِ وَإِقْرَار بِاللِّسَانِ وَعمل بالأركان
وَأخرج أَحْمد وَابْن مرْدَوَيْه عَن أنس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: الإِسلام عَلَانيَة والإِيمان فِي الْقلب ثمَّ يُشِير بِيَدِهِ إِلَى صَدره ثَلَاث مَرَّات وَيَقُول: التَّقْوَى هَهُنَا التَّقْوَى هَهُنَا(7/583)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس {قَالَت الْأَعْرَاب آمنا قل لم تؤمنوا} الْآيَة قَالَ: وَذَلِكَ أَنهم أَرَادوا أَن يتسموا باسم الْهِجْرَة وَلَا يتسموا بِأَسْمَائِهِمْ الَّتِي سماهم الله وَكَانَ هَذَا أول الْهِجْرَة قبل أَن تتْرك الْمَوَارِيث لَهُم
قَوْله تَعَالَى: {وَإِن تطيعوا الله وَرَسُوله} الْآيَة
أخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ {لَا يلتكم} بِغَيْر ألف وَلَا همزَة مَكْسُورَة اللَّام
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن شهر رَمَضَان فرض عَلَيْكُم صِيَامه وَالصَّلَاة بِاللَّيْلِ بعد الْفَرِيضَة نَافِلَة لكم وَالله لَا يلتكم من أَعمالكُم شَيْئا
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {لَا يلتكم} قَالَ: لَا يظلمكم
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد {لَا يلتكم} لَا ينقصكم
وَأخرج الطستي فِي مسَائِله عَن ابْن عَبَّاس أَن نَافِع بن الْأَزْرَق سَأَلَهُ عَن قَوْله {لَا يلتكم} قَالَ: لَا ينقصكم بلغَة بني عبس
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم أما سَمِعت قَول الحطيئة الْعَبْسِي أبلغ سراة بني سعد مغلغلة جهد الرسَالَة لَا ألتاً وَلَا كذبا وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة {لَا يلتكم} لَا يظلمكم من أَعمالكُم شَيْئا {إِن الله غَفُور رَحِيم} قَالَ: غَفُور للذنب الْكَبِير رَحِيم بعباده
الْآيَات 15 - 16(7/584)
إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (15) قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (16)
أخرج أَحْمد والحكيم التِّرْمِذِيّ عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: الْمُؤْمِنُونَ فِي الدُّنْيَا على ثَلَاثَة أَجزَاء: الَّذين آمنُوا بِاللَّه وَرَسُوله ثمَّ لم يرتابوا وَجَاهدُوا(7/584)
بِأَمْوَالِهِمْ وأنفسهم فِي سَبِيل الله وَالَّذِي أَمنه النَّاس على أَمْوَالهم وأنفسهم ثمَّ الَّذِي إِذا أشرف على طمع تَركه لله
الْآيَات 17 - 18(7/585)
يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (17) إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (18)
أخرج ابْن الْمُنْذر وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه بِسَنَد حسن عَن عبد الله بن أبي أوفى أَن أُنَاسًا من الْعَرَب قَالُوا يَا رَسُول الله: أسلمنَا وَلم نقاتلك كَمَا قَاتلك بَنو فلَان فَأنْزل الله {يمنون عَلَيْك أَن أَسْلمُوا} الْآيَة
وَأخرج النَّسَائِيّ وَالْبَزَّار وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: جَاءَت بَنو أَسد إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالُوا يَا رَسُول الله: أسلمنَا وقاتلك الْعَرَب وَلم نقاتلك فَنزلت هَذِه الْآيَة {يمنون عَلَيْك أَن أَسْلمُوا}
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه وَابْن جرير عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: أَتَى قوم من الْأَعْرَاب من بني أَسد إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالُوا: جئْنَاك وَلم نقاتلك فَأنْزل الله {يمنون عَلَيْك أَن أَسْلمُوا}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن الْحسن قَالَ: لما فتحت مَكَّة جَاءَ ناسٌ فَقَالُوا يَا رَسُول الله: إِنَّا قد أسلمنَا وَلم نقاتلك كَمَا قَاتلك بَنو فلَان فَأنْزل الله {يمنون عَلَيْك أَن أَسْلمُوا}
وَأخرج ابْن سعد عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ قَالَ: قدم عشرَة رَهْط من بني أَسد على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي أول سنة تسع وَفِيهِمْ حضرمي بن عَامر وَضِرَار بن الْأَزْوَر ووابصة بن معبد وَقَتَادَة بن الْقَائِف وَسَلَمَة بن حُبَيْش ونقادة بن عبد الله بن خلف وَطَلْحَة بن خويلد وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْمَسْجِد مَعَ أَصْحَابه فَسَلمُوا وَقَالَ متكلمهم: يَا رَسُول الله إِنَّا شَهِدنَا أَن الله وَحده لَا شريك لَهُ وَأَنَّك عَبده وَرَسُوله وَجِئْنَاك يَا رَسُول الله وَلم تبْعَث إِلَيْنَا بعثاً وَنحن لمن وَرَاءَنَا سلم فَأنْزل الله {يمنون عَلَيْك أَن أَسْلمُوا} الْآيَة(7/585)
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن أبي أُمَامَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَعْطَانِي رَبِّي السَّبع الطوَال مَكَان التَّوْرَاة والمئين مَكَان الإِنجيل وفضلت بالمفصل
وَأخرج ابْن الضريس وَابْن جرير عَن أبي قلَابَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: أَعْطَيْت السَّبع مَكَان التَّوْرَاة وَأعْطيت المثاني مَكَان الإِنجيل وَأعْطيت كَذَا وَكَذَا مَكَان الزبُور وفضلت بالمفصل
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: الطوَال مَكَان التَّوْرَاة والمئين كالإِنجيل والمثاني كالزبور وَسَائِر الْقُرْآن بعد فضل على الْكتب(7/586)
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم (50)
سُورَة ق
مَكِّيَّة وآياتها خمس وَأَرْبَعُونَ
مُقَدّمَة سُورَة ق أخرج ابْن الضريس والنحاس وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: نزلت سُورَة ق بِمَكَّة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن الزبير مثله
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: نزلت الْمفصل بِمَكَّة فَمَكثْنَا حجَجًا نقرأوه لَا ينزل غَيره
وَأخرج ابْن أبي دَاوُد وَابْن عَسَاكِر عَن عُثْمَان بن عَفَّان أَنَّهَا لما ضربت يَده قَالَ: وَالله إِنَّهَا لأوّل يَد خطت الْمفصل
وَأخرج أَحْمد وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن جرير وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الْإِيمَان عَن وَاثِلَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَعْطَيْت مَكَان التَّوْرَاة السَّبع الطوَال وَأعْطيت مَكَان الزبُور المئين وَأعْطيت مَكَان الْإِنْجِيل المثاني وفضلت بالمفصل
وَأخرج الدَّارمِيّ وَالطَّبَرَانِيّ وَمُحَمّد بن نصر وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: إِن لكل شَيْء لبابا وَإِن لباب الْقُرْآن الْمفصل
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَأَبُو دَاوُد وَابْن ماجة عَن أَوْس بن حُذَيْفَة قَالَ: قدمنَا فِي وَفد ثَقِيف فَسَأَلت أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: كَيفَ تجزئون الْقُرْآن قَالُوا: ثلث وَخمْس وَسبع وتسع وَإِحْدَى عشرَة وَثَلَاث عشرَة وحزب الْمفصل وَحده
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي السّنَن عَن عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده قَالَ: مَا من الْمفصل سُورَة صَغِيرَة وَلَا كَبِيرَة إِلَّا وَسمعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يأم بهَا النَّاس فِي الصَّلَاة الْمَكْتُوبَة(7/587)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة فِي المُصَنّف وَمُسلم عَن جَابر بن سَمُرَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يقْرَأ فِي الْفجْر {ق وَالْقُرْآن الْمجِيد}
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَاللَّفْظ لَهُ وَمُسلم وَابْن ماجة عَن قُطْبَة بن مَالك قَالَ: كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقْرَأ فِي صَلَاة الْفجْر فِي الرَّكْعَة الأولى {ق وَالْقُرْآن الْمجِيد}
وَأخرج أَحْمد وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة عَن أبي وَاقد اللَّيْثِيّ قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقْرَأ فِي الْعِيد بقاف وإقتربت
وَأخرج أَحْمد وَمُسلم وَابْن أبي شيبَة وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَالْبَيْهَقِيّ عَن أم هِشَام ابْنة حَارِثَة قَالَت: مَا أخذت {ق وَالْقُرْآن الْمجِيد} إِلَّا من فِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يقْرَأ بهَا كل يَوْم جُمُعَة على الْمِنْبَر إِذا خطب النَّاس
وَأخرج ابْن سعد عَن أم صبية خَوْلَة بنت قيس الجهنية قَالَت: كنت أسمع خطْبَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم الْجُمُعَة وَأَنا فِي مُؤخر النِّسَاء فَأَسْمع قِرَاءَته {ق وَالْقُرْآن الْمجِيد} على الْمِنْبَر وَأَنا فِي مُؤخر الْمَسْجِد
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي الدَّرْدَاء قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: تعلمُوا (عَم يتساءلون) وتعلموا {ق وَالْقُرْآن الْمجِيد} وتعلموا (والنجم إِذا هوى) (وَالسَّمَاء ذَات البروج) (وَالسَّمَاء والطارق)
الْآيَات 1 - 11(7/588)
ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ (1) بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ (2) أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ (3) قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ (4) بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ (5) أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ (6) وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (7) تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (8) وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ (9) وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ (10) رِزْقًا لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ (11)
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {ق} قَالَ: هُوَ اسْم من أَسمَاء الله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: خلق الله تَعَالَى من وَرَاء هَذِه الأَرْض بحراً محيطاً بهَا ثمَّ خلق من وَرَاء ذَلِك جبلا يُقَال لَهُ {ق} السَّمَاء الدُّنْيَا مترفرفة عَلَيْهِ ثمَّ خلق من وَرَاء ذَلِك الْجَبَل أَرضًا مثل تِلْكَ الأَرْض سبع مَرَّات ثمَّ خلق من وَرَاء ذَلِك بحراً محيطاً بهَا ثمَّ خلق من وَرَاء ذَلِك جبلا يُقَال لَهُ ق السَّمَاء الثَّانِيَة مترفرفة عَلَيْهِ حَتَّى عد سبع أَرضين وَسَبْعَة أبحر وَسَبْعَة أجبل وَسبع سموات قَالَ: وَذَلِكَ قَوْله (وَالْبَحْر يمده من بعده سَبْعَة أبحر) (لُقْمَان الْآيَة 27)
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو الشَّيْخ وَالْحَاكِم عَن عبد الله بن بُرَيْدَة فِي قَوْله {ق} قَالَ: جبل من زمرد مُحِيط بالدنيا عَلَيْهِ كَتفًا السَّمَاء
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي الْعُقُوبَات وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: خلق الله جبلا يُقَال لَهُ {ق} مُحِيط بالعالم وعروقه إِلَى الصَّخْرَة الَّتِي عَلَيْهَا الأَرْض فَإِذا أَرَادَ الله أَن يزلزل قَرْيَة أَمر ذَلِك الْجَبَل فحرك الْعرق الَّذِي يَلِي تِلْكَ الْقرْيَة فيزلزلها ويحركها فَمن ثمَّ تحرّك الْقرْيَة دون الْقرْيَة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن مُجَاهِد قَالَ: {ق} جبل مُحِيط بِالْأَرْضِ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن قَتَادَة {ق} إسم من أَسمَاء الْقُرْآن
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس {وَالْقُرْآن الْمجِيد} قَالَ: الْكَرِيم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: {وَالْقُرْآن الْمجِيد} لَيْسَ شَيْء أحسن مِنْهُ وَلَا أفضل مِنْهُ
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله {ذَلِك رَجَعَ بعيد} قَالَ: أَنْكَرُوا الْبَعْث فَقَالُوا: من يَسْتَطِيع أَن يرجعنا ويحيينا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس: {قد علمنَا مَا تنقص الأَرْض مِنْهُم} قَالَ: من أَجْسَادهم وَمَا يذهب مِنْهَا(7/589)
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس {قد علمنَا مَا تنقص الأَرْض مِنْهُم} قَالَ: مَا تَأْكُل الأَرْض من لحومهم وأشعارهم وعظامهم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير عَن قَتَادَة فِي الْآيَة قَالَ: يَعْنِي الْمَوْتَى تأكلهم الأَرْض إِذا مَاتُوا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الضَّحَّاك {وَعِنْدنَا كتاب حفيظ} قَالَ: لعدتهم وأسمائهم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عَليّ عَن ابْن عَبَّاس {فِي أَمر مريج} يَقُول: مُخْتَلف
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر من طَرِيق أبي جَمْرَة عَن ابْن عَبَّاس أَنه سُئِلَ عَن قَوْله {فِي أَمر مريج} يَقُول: الشَّيْء المريج الشَّيْء الْمُنكر الْمُتَغَيّر أما سَمِعت قَول الشَّاعِر فجالت والتمست بِهِ حشاها فَخر كَأَنَّهُ خوط مريج وَأخرج ابْن جرير من طَرِيق الْعَوْفِيّ عَن ابْن عَبَّاس {فِي أَمر مريج} يَقُول: فِي أَمر ضَلَالَة
وَأخرج ابْن الْأَنْبَارِي فِي كتاب الْوَقْف والخطيب فِي تالي التَّلْخِيص والطستي فِي مسَائِله عَن ابْن عَبَّاس إِن نَافِع بن الْأَزْرَق سَأَلَهُ عَن قَوْله: {فِي أَمر مريج} قَالَ: مختلط
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم أما سَمِعت قَول الشَّاعِر: فراغت فانتفذت بِهِ حشاها فَخر كَأَنَّهُ خوط مريج وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {فِي أَمر مريج} قَالَ: ملتبس وَفِي قَوْله {وَمَا لَهَا من فروج} قَالَ: شقوق
وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله تَعَالَى {من كل زوج بهيج} قَالَ: الزَّوْج الْوَاحِد والبهيج الْحسن
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم أما سَمِعت الْأَعْشَى وَهُوَ يَقُول: وكل زوج من الديباج يلْبسهُ أَبُو قدامَة محبوك يَدَاهُ مَعًا وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة فِي قَوْله {كل زوج بهيج} قَالَ: حسن {تبصرة} قَالَ: نعم تبصرة للعباد {وذكرى لكل عبد منيب} قَالَ: الْمُنِيب الْمقبل قلبه إِلَى الله(7/590)
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {تبصرة} قَالَ: بَصِيرَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد وَعَطَاء فِي قَوْله {لكل عبد منيب} قَالَ: مخبت
وَأخرج فِي الْأَدَب عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَنه كَانَ إِذا أمْطرت السَّمَاء يَقُول: يَا جَارِيَة أَخْرِجِي سرجي أَخْرِجِي ثِيَابِي وَيَقُول {ونزلنا من السَّمَاء مَاء مُبَارَكًا}
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله {ونزلنا من السَّمَاء مَاء مُبَارَكًا} قَالَ: الْمَطَر
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَحب الحصيد} قَالَ: الْحِنْطَة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَحب الحصيد} قَالَ: هُوَ الْبر وَالشعِير
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه عَن قُطْبَة قَالَ: سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقْرَأ فِي الصُّبْح فَلَمَّا أَتَى على هَذِه الْآيَة {وَالنَّخْل باسقات لَهَا طلع نضيد} قَالَ قُطْبَة: فَجعلت أَقُول مَا أطولها
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم من طرق عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وَالنَّخْل باسقات} قَالَ: الطول
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن عبد الله بن عُثْمَان بن خثيم قَالَ: سَأَلت عِكْرِمَة عَن {وَالنَّخْل باسقات} فَقلت: مَا بسوقها قَالَ: بسوقها طلعها ألم تَرَ أَنه يُقَال للشاة إِذا حَان ولادها بسقت قَالَ: فَرَجَعت إِلَى سعيد بن جُبَير فَقلت لَهُ: فَقَالَ: كذب بسوقها طولهَا فِي كَلَام الْعَرَب ألم تَرَ أَن الله قَالَ: {وَالنَّخْل باسقات} ثمَّ قَالَ {طلع نضيد}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن عبد الله بن شَدَّاد فِي قَوْله {وَالنَّخْل باسقات} قَالَ: استقامتها
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة قَالَ: بسوقها التفافها(7/591)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {لَهَا طلع نضيد} قَالَ: متراكم بعضه على بعض
الْآيَات 12 - 15(7/592)
كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ (12) وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوَانُ لُوطٍ (13) وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ (14) أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ (15)
أخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {فَحق وَعِيد} قَالَ: مَا أهلكوا بِهِ تخويفاً لَهُم وَفِي قَوْله {أفعيينا بالخلق الأوّل} قَالَ: أفعي علينا حِين أنشأناكم {بل هم فِي لبس من خلق جَدِيد} قَالَ: يمترون بِالْبَعْثِ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {أفعيينا بالخلق الأوّل} يَقُول: لم يعينا الْخلق الأوّل وَفِي قَوْله {بل هم فِي لبس من خلق جَدِيد} يَقُول فِي شكّ من الْبَعْث
الْآيَة 16(7/592)
وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (16)
أخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي سعيد رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: نزل الله من ابْن آدم أرفع الْمنَازل هُوَ أقرب إِلَيْهِ من حَبل الوريد وَهُوَ يحول بَين الْمَرْء وَقَلبه وَهُوَ آخذ بناصية كل دَابَّة وَهُوَ مَعَهم أَيْنَمَا كَانُوا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن جُوَيْبِر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: سَأَلت الضَّحَّاك عَن قَوْله {وَنحن أقرب إِلَيْهِ من حَبل الوريد} قَالَ: لَيْسَ شَيْء أقرب إِلَى ابْن آدم من حَبل الوريد وَالله أقرب إِلَيْهِ مِنْهُ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {من حَبل الوريد} قَالَ: عرق الْعُنُق
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {من حَبل الوريد} قَالَ: نِيَاط الْقلب وَمَا حمل(7/592)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {من حَبل الوريد} قَالَ: الَّذِي فِي الْحلق
الْآيَات 17 - 18(7/593)
إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ (17) مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (18)
أخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {إِذْ يتلَقَّى المتلقيان} قَالَ: مَعَ كل إِنْسَان ملكان ملك عَن يَمِينه وَآخر عَن شِمَاله فَأَما الَّذِي عَن يَمِينه فَيكْتب الْخَيْر وَأما الَّذِي عَن شِمَاله فَيكْتب الشَّرّ
وَأخرج أَبُو نعيم والديلمي عَن معَاذ بن جبل مَرْفُوعا أَن الله لطف الْملكَيْنِ الحافظين حَتَّى أجلسهما على الناجذين وَجعل لِسَانه قَلَمهمَا وريقه مِدَادهمَا
وَأخرج أَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن مُجَاهِد قَالَ: إسم صَاحب السَّيِّئَات قعيد
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي الْآيَة قَالَ: عَن الْيَمين كَاتب الْحَسَنَات وَعَن الشمَال كَاتب السَّيِّئَات
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {مَا يلفظ من قَول} الْآيَة قَالَ: يكْتب كل مَا تكلم بِهِ من خير أَو شَرّ حَتَّى إِنَّه ليكتب قَوْله أكلت شربت ذهبت جِئْت رَأَيْت حَتَّى إِذا كَانَ يَوْم الْخَمِيس عرض قَوْله وَعَمله فَأقر مِنْهُ مَا كَانَ فِيهِ من خير أَو شَرّ وَألقى سائره فَذَلِك قَوْله (يمحو الله مَا يَشَاء وَيثبت) (الرَّعْد آيَة 39)
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْحَاكِم وَصَححهُ من طَرِيق عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {مَا يلفظ من قَول إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيب عتيد} قَالَ: إِنَّمَا يكْتب الْخَيْر وَالشَّر لَا يكْتب يَا غُلَام أَسْرج الْفرس وَيَا غُلَام اسْقِنِي المَاء
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة قَالَ: لَا يكْتب إِلَّا مَا يُؤجر عَلَيْهِ ويؤزر فِيهِ لَو قَالَ رجل لامْرَأَته تعالي حَتَّى نَفْعل كَذَا وَكَذَا كَانَ يكْتب عَلَيْهِ شَيْء(7/593)
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي الْفِدْيَة من طَرِيق الْكَلْبِيّ عَن أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {مَا يلفظ من قَول} الْآيَة قَالَ: كَاتب الْحَسَنَات عَن يَمِينه يكْتب حَسَنَاته وَكَاتب السَّيِّئَات عَن يسَاره فَإِذا عمل حَسَنَة كتب صَاحب الْيَمين عشرا وَإِذا عمل سَيِّئَة قَالَ صَاحب الْيَمين لصَاحب الشمَال دَعه حَتَّى يسبح أَو يسْتَغْفر فَإِذا كَانَ يَوْم الْخَمِيس كتب مَا يجزى بِهِ من الْخَيْر وَالشَّر ويلقى مَا سوى ذَلِك ثمَّ يعرض على أم الْكتاب فيجده بجملته فِيهِ
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي الصمت عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لِسَان الإِنسان قلم الْملك وريقه مداده
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَابْن الْمُنْذر عَن الْأَحْنَف بن قيس فِي قَوْله {عَن الْيَمين وَعَن الشمَال قعيد} قَالَ: صَاحب الْيَمين يكْتب الْخَيْر وَهُوَ أَمِير على صَاحب الشمَال فَإِن أصَاب العَبْد خَطِيئَة قَالَ أمسك فَإِن اسْتغْفر الله نَهَاهُ أَن يَكْتُبهَا وَإِن أَبى إِلَّا أَن يصر كتبهَا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ فيي العظمة من طَرِيق ابْن الْمُبَارك عَن ابْن جريج قَالَ: ملكان أَحدهمَا على يَمِينه يكْتب الْحَسَنَات وَملك عَن يسَاره يكْتب السَّيِّئَات فَالَّذِي عَن يَمِينه يكْتب بِغَيْر شَهَادَة من صَاحبه إِن قعد فأحدهما عَن يَمِينه وَالْآخر عَن يسَاره وَإِن مَشى فأحدهما أَمَامه وَالْآخر خَلفه وَإِن رقد فأحدهما عِنْد رَأسه وَالْآخر عِنْد رجلَيْهِ
قَالَ ابْن الْمُبَارك: وكل بِهِ خَمْسَة أَمْلَاك ملكان بِاللَّيْلِ وملكان بِالنَّهَارِ يجيئان ويذهبان وَملك خَامِس لَا يُفَارِقهُ لَيْلًا وَلَا نَهَارا
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {رَقِيب عتيد} قَالَ: رصيد
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن حجاج بن دِينَار قَالَ: قلت لأبي معشر: الرجل يذكر الله فِي نَفسه كَيفَ تكتبه الْمَلَائِكَة قَالَ: يَجدونَ الرّيح
وَأخرج عبد الله بن أَحْمد فِي زَوَائِد الزّهْد عَن أبي عمرَان الْجونِي قَالَ: بلغنَا أَن الْمَلَائِكَة تصف بكتبها فِي السَّمَاء الدُّنْيَا كل عَشِيَّة بعد الْعَصْر فينادي الْملك ألقِ تِلْكَ الصَّحِيفَة وينادي الْملك الآخر ألقِ تِلْكَ الصَّحِيفَة فَيَقُولُونَ رَبنَا قَالُوا خيرا وحفظنا عَلَيْهِم فَيَقُول إِنَّهُم لم يُرِيدُوا بِهِ وَجْهي وَإِنِّي لَا أقبل إِلَّا مَا أُرِيد بِهِ وَجْهي وينادي الْملك الآخر أكتب لفُلَان بن فلَان كَذَا وَكَذَا فَيَقُول: يَا رب إِنَّه لم يعمله فَيَقُول إِنَّه نَوَاه وَأخرج ابْن الْمُبَارك وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي الإِخلاص وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن(7/594)
ضَمرَة بن حبيب قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن الْمَلَائِكَة يصعدون بِعَمَل العَبْد من عباد الله فيكثرونه ويزكونه حَتَّى ينْتَهوا بِهِ حَيْثُ شَاءَ الله من سُلْطَانه فَيُوحِي الله إِلَيْهِم إِنَّكُم حفظَة على عمل عَبدِي وَأَنا رَقِيب على مَا فِي نَفسه إِن عَبدِي هَذَا لم يخلص لي عمله فَاجْعَلُوهُ فِي سِجِّين قَالَ: ويصعدون بِعَمَل العَبْد من عباد الله فيستقلونه ويحقرونه حَتَّى ينْتَهوا حَيْثُ شَاءَ الله من سُلْطَانه فَيُوحِي الله إِلَيْهِم إِنَّكُم حفظَة على عمل عَبدِي وَأَنا رَقِيب على مَا فِي نَفسه فضاعفوه لَهُ واجعلوه فِي عليين
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن أبي أُمَامَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: صَاحب الْيَمين أَمِير على صَاحب الشمَال فَإِذا عمل العَبْد حَسَنَة كتبت لَهُ بِعشر أَمْثَالهَا وَإِذا عمل سَيِّئَة فَأَرَادَ صَاحب الشمَال أَن يَكْتُبهَا قَالَ صَاحب الْيَمين أمسك فَيمسك سِتّ سَاعَات أَو سبع سَاعَات فَإِن اسْتغْفر الله مِنْهَا لم يكْتب عَلَيْهِ شَيْئا وَإِن لم يسْتَغْفر الله كتب عَلَيْهِ سَيِّئَة وَاحِدَة
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ فِي التَّفْسِير عَن حسان بن عَطِيَّة قَالَ: تَذَاكَرُوا مَجْلِسا فِيهِ مَكْحُول وَابْن أبي زَكَرِيَّا أَن العَبْد إِذا عمل خَطِيئَة لم تكْتب عَلَيْهِ ثَلَاث سَاعَات فَإِن اسْتغْفر الله وَإِلَّا تكْتب عَلَيْهِ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عَطاء بن أبي رَبَاح أَنه قَالَ: إِن من كَانَ قبلكُمْ كَانَ يكره فضول الْكَلَام مَا عدا كتاب الله أَن يقرأه أَو أَمر بِمَعْرُوف أَو نهي عَن مُنكر وَأَن تنطق بحاجتك فِي معيشتك الَّتِي لَا بُد لَك مِنْهَا
أتنكرون أَن عَلَيْكُم حافظين كراماً كاتبين وَأَن عَن الْيَمين وَعَن الشمَال قعيد مَا يلفظ من قَول إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيب عتيد أما يستحي أحدكُم لَو نشر صَحِيفَته الَّتِي مَلأ صدر نَهَاره وَأكْثر مَا فِيهَا لَيْسَ من أَمر دينه وَلَا دُنْيَاهُ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان من طَرِيق الْأَوْزَاعِيّ عَن حسان بن عَطِيَّة قَالَ: بَيْنَمَا رجل رَاكب على حمَار إِذْ عثر بِهِ فَقَالَ: تعست فَقَالَ صَاحب الْيَمين: مَا هِيَ بحسنة فأكتبها وَقَالَ صَاحب الشمَال مَا هِيَ بسيئة فأكتبها فَنُوديَ صَاحب الشمَال أَن مَا ترك صَاحب الْيَمين فأكتبه
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن بكر بن مَاعِز قَالَ: جَاءَت بنت الرّبيع بن خَيْثَم وَعِنْده أَصْحَاب لَهُ فَقَالَت: يَا أبتاه أذهب أَلعَب
قَالَ: لَا
قَالَ لَهُ أَصْحَابه: يَا(7/595)
أَبَا يزِيد اتركها
قَالَ: لَا يُوجد فِي صحيفتي أَنِّي قلت لَهَا: إذهبي فالعبي لَكِن إذهبي فَقولِي خيرا وافعلي خيرا
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن حُذَيْفَة بن الْيَمَان أَن الْكَلَام بسبعة أغلاق إِذْ أخرج مِنْهَا كتب وَإِذا لم يخرج لم يكْتب الْقلب واللهاة وَاللِّسَان والحنكين والشفتين
وَأخرج الْخَطِيب فِي رُوَاة مَالك وَابْن عَسَاكِر عَن مَالك أَنه بلغه أَن كل شَيْء يكْتب حَتَّى أَنِين الْمَرِيض
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد قَالَ: يكْتب على ابْن آدم كل شَيْء يتَكَلَّم بِهِ حَتَّى أنينه فِي مَرضه
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَابْن عَسَاكِر عَن الفضيل بن عِيسَى قَالَ: إِذا احْتضرَ الرجل قيل للْملك الَّذِي كَانَ يكْتب لَهُ كف قَالَ: لَا وَمَا يدريني لَعَلَّه يَقُول لَا إِلَه إِلَّا الله فأكتبها لَهُ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن مُجَاهِد قَالَ: يكْتب من الْمَرِيض كل شَيْء حَتَّى أنينه فِي مَرضه
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عَطاء بن يسَار يبلغ بِهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِذا مرض العَبْد قَالَ الله للكرام الْكَاتِبين: اكتبوا لعبدي مثل الَّذِي كَانَ يعْمل حَتَّى أقبضهُ أَو أعافيه
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن سلمَان قَالَ: إِذا مرض العَبْد قَالَ الْملك يَا رب إبتليت عَبدك بِكَذَا فَيَقُول: مَا دَامَ فِي وثاقي فَاكْتُبُوا لَهُ مثل عمله الَّذِي كَانَ يعْمل
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن معَاذ قَالَ: إِذا إبتلى الله العَبْد بِالسقمِ قَالَ لصَاحب الشمَال إرفع وَقَالَ لصَاحب الْيَمين أكتب لعبدي مَا كَانَ يعْمل(7/596)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن النَّضر بن أنس قَالَ: كُنَّا نتحدث مُنْذُ خمسين سنة أَنه مَا من عبد يمرض إِلَّا قَالَ الله لكاتبيه أكتبا لعبدي مَا كَانَ يعْمل فِي صِحَّته
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي قلَابَة قَالَ: إِذا مرض الرجل على عمل صَالح أجْرى لَهُ مَا كَانَ يعْمل فِي صِحَّته
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عِكْرِمَة قَالَ إِذا مرض الرجل رفع لَهُ كل يَوْم مَا كَانَ يعْمل
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ثَابت بن مُسلم بن يسَار قَالَ: إِذا مرض العَبْد كتب لَهُ أحسن مَا كَانَ يعْمل فِي صِحَّته
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي الْأَفْرَاد وَالطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن عبد الله بن عَمْرو رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا من أحد من الْمُسلمين يبتلى ببلاء فِي جسده إِلَّا أَمر الله الْحفظَة فَقَالَ أكتبوا لعبدي مَا كَانَ يعْمل وَهُوَ صَحِيح مَا دَامَ مشدوداً فِي وثاقي
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي مُوسَى رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من مرض أَو سَافر كتب الله لَهُ مَا كَانَ يعْمل صَحِيحا مُقيما
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَالْبَيْهَقِيّ عَن أنس بن مَالك رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِذا ابتلى الله الْمُؤمن ببلاء فِي جسده قَالَ للْملك: أكتب لَهُ صَالح عمله الَّذِي كَانَ يعْمل فَإِن شفَاه غسله وطهره وَإِن قَبضه غفر لَهُ ورحمه
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ فِي العظمة وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن الله وكل بِعَبْدِهِ الْمُؤمن ملكَيْنِ يكتبان عمله فَإِذا مَاتَ قَالَ الْملكَانِ اللَّذَان وُكِّلاَ بِهِ: قد مَاتَ فائذن لنا أَن نصعد إِلَى السَّمَاء فَيَقُول الله: سمائي مَمْلُوءَة من ملائكتي يسبحونني فَيَقُولَانِ: أنقيم فِي الأَرْض فَيَقُول الله: أرضي مَمْلُوءَة من خلقي يسبحونني فَيَقُولَانِ: فَأَيْنَ فَيَقُول: قوما على قبر عَبدِي فسبحاني واحمداني وكبراني وأكتبا ذَلِك لعبدي إِلَى يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد فِي الزّهْد والحكيم التِّرْمِذِيّ عَن عمر بن ذَر عَن أَبِيه رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن الله عِنْد لِسَان كل قَائِل فليتق الله عبد ولينظر مَا يَقُول
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا مَرْفُوعا مثله
الْآيَات 19 - 30(7/597)
وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ (19) وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ (20) وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ (21) لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (22) وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ (23) أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ (24) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ (25) الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ (26) قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ (27) قَالَ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ (28) مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (29) يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ (30)
أخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج {وَجَاءَت سكرة الْمَوْت} قَالَ: غمرة الْمَوْت
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَت بَين يَدَيْهِ ركوة أَو علبة فِيهَا مَاء فَجعل يدْخل يَدَيْهِ فِي المَاء فيمسح بهما وَجهه وَيَقُول: لَا إِلَه إِلَّا الله إِن للْمَوْت سَكَرَات
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن الْقَاسِم بن مُحَمَّد رَضِي الله عَنهُ أَنه تَلا {وَجَاءَت سكرة الْمَوْت بِالْحَقِّ} فَقَالَ: حَدَّثتنِي أم الْمُؤمنِينَ رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: لقد رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ بِالْمَوْتِ وَعِنْده قدح فِيهِ مَاء وَهُوَ يدْخل يَده فِي الْقدح ثمَّ يمسح وَجهه بِالْمَاءِ ثمَّ يَقُول: اللَّهُمَّ أَعنِي على سَكَرَات الْمَوْت
وَأخرج ابْن سعد عَن عُرْوَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما مَاتَ الْوَلِيد بن الْوَلِيد بكته أم سَلمَة فَقَالَت: يَا عين فأبكي للوليد بن الْوَلِيد بن الْمُغيرَة كَانَ الْوَلِيد بن الْوَلِيد أَبَا الْوَلِيد فَتى الْعَشِيرَة فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا تقولي هَكَذَا يَا أم سَلمَة وَلَكِن قولي {وَجَاءَت سكرة الْمَوْت بِالْحَقِّ ذَلِك مَا كنت مِنْهُ تحيد}
وَأخرج أَبُو عبيد فِي فضائله وَابْن الْمُنْذر عَن عَائِشَة قَالَت: لما حضرت أَبَا بكر الْوَفَاة قلت: وأبيض يَسْتَسْقِي الْغَمَام بِوَجْهِهِ ثمال الْيَتَامَى عصمَة للأرامل قَالَ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ بل {وَجَاءَت سكرة الْمَوْت بِالْحَقِّ ذَلِك مَا كنت مِنْهُ تحيد} قدم الْحق وَأخر الْمَوْت
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد فِي الزّهْد عَن ابْن أبي مليكَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: صبحت ابْن عَبَّاس من مَكَّة إِلَى الْمَدِينَة فَكَانَ إِذا نزل منزلا قَامَ شطر اللَّيْل فَسئلَ:(7/598)
كَيفَ كَانَت قِرَاءَته قَالَ: قَرَأَ {وَجَاءَت سكرة الْمَوْت بِالْحَقِّ ذَلِك مَا كنت مِنْهُ تحيد} فَجعل يرتل وَيكثر فِي ذَلِك التَّسْبِيح
وَأخرج أَحْمد وَابْن جرير عَن عبد الله بن اليمني مولى الزبير بن الْعَوام قَالَ: لما حضر أَبُو بكر تمثلت عَائِشَة بِهَذَا الْبَيْت
أعاذل مَا يُغني الحذار عَن الْفَتى إِذا حشرجت يَوْمًا وضاق بهَا الصَّدْر فَقَالَ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ: لَيْسَ كَذَلِك يَا بنية وَلَكِن قولي {وَجَاءَت سكرة الْمَوْت بِالْحَقِّ ذَلِك مَا كنت مِنْهُ تحيد}
أما قَوْله تَعَالَى: {مَا كنت مِنْهُ تحيد}
أخرج الطَّبَرَانِيّ عَن سَمُرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مثل الَّذِي يفر من الْمَوْت كَمثل الثَّعْلَب تطلبه الأَرْض بدين فجَاء يسْعَى حَتَّى إِذا أعيا وانبهر دخل حجره فَقَالَت لَهُ الأَرْض يَا ثَعْلَب ديني فَخرج [] خصاص فَلم يزل كَذَلِك حَتَّى انْقَطَعت عُنُقه فَمَاتَ
أما قَوْله تَعَالَى: {وَجَاءَت كل نفس مَعهَا سائق وشهيد}
أخرج عبد الرَّزَّاق وَالْفِرْيَابِي وَسَعِيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم فِي الكنى وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث والنشور وَابْن عَسَاكِر عَن عُثْمَان بن عَفَّان رَضِي الله عَنهُ أَنه قَرَأَ {وَجَاءَت كل نفس مَعهَا سائق وشهيد} قَالَ: سائق يَسُوقهَا إِلَى أَمر الله وشهيد يشْهد عَلَيْهَا بِمَا عملت
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم فِي الكنى وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَجَاءَت كل نفس مَعهَا سائق وشهيد} قَالَ: السَّائِق الْملك والشهيد الْعَمَل
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {سائق وشهيد} قَالَ: السَّائِق من الْمَلَائِكَة والشهيد شَاهد عَلَيْهِ من نَفسه
وَأخرج ابْن جرير عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {سائق وشهيد} قَالَ: السَّائِق من الْمَلَائِكَة وَالشَّاهِد من أنفسهم الْأَيْدِي والأرجل وَالْمَلَائِكَة أَيْضا شُهَدَاء عَلَيْهِم
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {سائق وشهيد} قَالَ: الْملكَانِ كَاتب وشهيد(7/599)
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي ذكر الْمَوْت وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: إِن ابْن آدم لفي غَفلَة عَمَّا خلق لَهُ إِن الله إِذا أَرَادَ خلقه قَالَ للْملك أكتب رزقه أكتب أَثَره أكتب أَجله أكتب شقياً أم سعيداً ثمَّ يرْتَفع ذَلِك الْملك وَيبْعَث الله ملكا فيحفظه حَتَّى يدْرك ثمَّ يرْتَفع ذَلِك الْملك ثمَّ يُوكل الله بِهِ ملكَيْنِ يكتبان حَسَنَاته وسيئاته فَإِذا حَضَره الْمَوْت ارْتَفع ذَلِك الْملكَانِ وَجَاء ملك الْمَوْت ليقْبض روحه فَإِذا أَدخل قَبره رد الرّوح فِي جسده وجاءه ملكا الْقَبْر فامتحناه ثمَّ يرتفعان فَإِذا قَامَت السَّاعَة انحط عَلَيْهِ ملك الْحَسَنَات وَملك السَّيِّئَات فبسطا كتابا معقوداً فِي عُنُقه ثمَّ حضر مَعَه وَاحِد سائق وَآخر شَهِيد ثمَّ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن قدامكم لأمراً عَظِيما لَا تقدرونه فاستعينوا بِاللَّه الْعَظِيم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {لقد كنت فِي غَفلَة من هَذَا} قَالَ: هُوَ الْكَافِر
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {فكشفنا عَنْك غطاءك} قَالَ: الْحَيَاة بعد الْمَوْت
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله {فكشفنا عَنْك غطاءك فبصرك الْيَوْم حَدِيد} قَالَ: عاين الْآخِرَة فَنظر إِلَى مَا وعده الله فَوَجَدَهُ كَذَلِك
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله {فبصرك الْيَوْم} قَالَ: إِلَى لِسَان الْمِيزَان حَدِيد قَالَ: حَدِيد النّظر شَدِيد
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {قَالَ قرينه} قَالَ: الشَّيْطَان
وَأخرج الْفرْيَابِيّ عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَقَالَ قرينه} قَالَ: الشَّيْطَان الَّذِي قيض لَهُ
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله {وَقَالَ قرينه} قَالَ: ملكه {هَذَا مَا لديّ عتيد} قَالَ: الَّذِي عِنْدِي عتيد للإِنسان حفظته حَتَّى جِئْت بِهِ وَفِي قَوْله {قَالَ قرينه رَبنَا مَا أطغيته} قَالَ: هَذَا شَيْطَانه(7/600)
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن إِبْرَاهِيم فِي قَوْله {كل كفار عنيد} قَالَ: مناكب عَن الْحق
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله {ألقيا فِي جَهَنَّم كل كفار عنيد} قَالَ: كفار بنعم الله عنيد عَن طَاعَة الله وَحقه مناع للخير قَالَ: الزَّكَاة الْمَفْرُوضَة {مُعْتَد مريب} قَالَ: مُعْتَد فِي قَوْله وَكَلَامه آثم بربه فَقَالَ هَذَا الْمُنَافِق الَّذِي جعل مَعَ الله إِلَهًا آخر هَذَا الْمُشرك
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر عَن مَنْصُور قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا من أحد إِلَّا وَقد وكل بِهِ قرينه من الْجِنّ قَالُوا: وَلَا أَنْت قَالَ: وَلَا أَنا إِلَّا أَن الله أعانني عَلَيْهِ فَأسلم فَلَا يَأْمُرنِي الا بِخَير
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {لَا تختصموا لديّ} قَالَ: إِنَّهُم اعتذروا بِغَيْر عذر فَأبْطل الله عَلَيْهِم حجتهم ورد عَلَيْهِم قَوْلهم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {قَالَ لَا تختصموا لديّ} قَالَ: عِنْدِي {وَقد قدمت إِلَيْكُم بالوعيد} قَالَ: على لِسَان الرُّسُل أَن من عَصَانِي عَذبته
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن الرّبيع بن أنس قَالَ: قلت لأبي الْعَالِيَة قَالَ الله: {لَا تختصموا لديَّ وَقد قدمت إِلَيْكُم بالوعيد} وَقَالَ {ثمَّ إِنَّكُم يَوْم الْقِيَامَة عِنْد ربكُم تختصمون} فَكيف هَذَا قَالَ: نعم أما قَوْله {لَا تختصموا لديّ} فَهَؤُلَاءِ أهل الشّرك وَقَوله {ثمَّ إِنَّكُم يَوْم الْقِيَامَة عِنْد ربكُم تختصمون} فَهَؤُلَاءِ أهل الْقبْلَة يختصمون فِي مظالمهم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {مَا يُبدل القَوْل لديّ} قَالَ: قد قضيت مَا أَنا قَاض
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله {مَا يُبدل القَوْل لديّ} قَالَ: هَهُنَا الْقسم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه عَن أنس قَالَ: فرضت على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْلَة أسريَ بِهِ الصَّلَاة خمسين ثمَّ نقصت(7/601)
حَتَّى جعلت خمْسا ثمَّ نُودي يَا مُحَمَّد إِنَّه لَا يُبدل القَوْل لدي وَإِن لَك بِهَذِهِ الْخمس خمسين
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَمَا أَنا بظلام للعبيد} قَالَ: مَا أَنا بمعذب من لم يجترم وَالله تَعَالَى أعلم
أما قَوْله تَعَالَى: {يَوْم نقُول لِجَهَنَّم هَل امْتَلَأت وَتقول هَل من مزِيد}
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {يَوْم نقُول لِجَهَنَّم هَل امْتَلَأت وَتقول هَل من مزِيد} قَالَ: وَهل فيَّ من مَكَان يُزَاد فيَّ
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي الْآيَة قَالَ: حَتَّى تَقول فَهَل من مزِيد
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي الْآيَة قَالَ: وعدها الله ليملأنها فَقَالَ أوفيتك فَقَالَت: وَهل من مَسْلَك
وَأخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا تزَال جَهَنَّم يلقى فِيهَا وَتقول هَل من مزِيد حَتَّى يضع رب الْعِزَّة فِيهَا قدمه فينزوي بَعْضهَا إِلَى بعض وَتقول قطّ قطّ وَعزَّتك وكرمك وَلَا يزَال فِي الْجنَّة فضل حَتَّى ينشىء الله لَهَا خلقا آخر فيسكنهم فِي قُصُور الْجنَّة
وَأخرج البُخَارِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة رَفعه: يُقَال لِجَهَنَّم هَل امْتَلَأت وَتقول هَل من مزِيد فَيَضَع الرب قدمه عَلَيْهَا فَتَقول قطّ قطّ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: تَحَاجَّتْ الْجنَّة وَالنَّار فَقَالَت النَّار أُوثِرت بِالْمُتَكَبِّرِينَ وَالْمُتَجَبِّرِينَ وَقَالَت الْجنَّة مَا لي لَا يدخلني إِلَّا ضعفاء النَّاس وَسَقَطهمْ قَالَ الله تبَارك وَتَعَالَى للجنة: أَنْت رَحْمَتي أرْحم بك من أَشَاء من عبَادي وَقَالَ للنار إِنَّمَا أَنْت عَذَابي أعذب بك من أَشَاء من عبَادي وَلكُل وَاحِدَة مِنْكُمَا ملؤُهَا فَأَما النَّار فَلَا تمتلىء حَتَّى يضع رجله فَتَقول قطّ قطّ فهنالك تمتلىء ويزوي بَعْضهَا إِلَى بعض وَلَا يظلم الله من خلقه أحدا وَأما الْجنَّة فَإِن الله ينشىء لَهَا خلقا
وَأخرج أَحْمد وَعبد بن حميد وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ أَن رَسُول الله(7/602)
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: افتخرت الْجنَّة وَالنَّار فَقَالَت النَّار: يَا رب يدخلني الْجَبَابِرَة والمتكبرون والملوك والأشراف وَقَالَت الْجنَّة: أَي رب يدخلني الضُّعَفَاء والفقراء وَالْمَسَاكِين فَيَقُول الله للنار أَنْت عَذَابي أُصِيب بك من أَشَاء وَقَالَ للجنة: أَنْت رَحْمَتي وسعت كل شَيْء وَلكُل وَاحِدَة مِنْكُمَا ملؤُهَا فَيلقى فِيهَا أَهلهَا فَتَقول هَل من مزِيد ويلقى فِيهَا وَتقول هَل من مزِيد حَتَّى يَأْتِيهَا عز وَجل فَيَضَع قدمه عَلَيْهَا فتزوي وَتقول قدني قدني وَأما الْجنَّة فَيلقى فِيهَا مَا شَاءَ الله أَن يلقى فينشىء لَهَا خلقا مَا يَشَاء
وَأخرج أَبُو يعلى وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي بن كَعْب أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: يعرفنِي الله نَفسه يَوْم الْقِيَامَة فأسجد سَجْدَة يرضى بهَا عني ثمَّ أمدحه مِدْحَة يرضى بهَا عني
ثمَّ يُؤذن لي فِي الْكَلَام ثمَّ تمر أمتِي على الصِّرَاط مَضْرُوب بَين ظهراني جَهَنَّم فيمرون أسْرع من الطّرف والسهم وأسرع من أَجود الْخَيل حَتَّى يخرج الرجل مِنْهَا يحبو وَهِي الْأَعْمَال وجهنم تسْأَل الْمَزِيد حَتَّى يضع فِيهَا قدمه فينزوي بَعْضهَا إِلَى بعض وَتقول قطّ قطّ
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول عَن أُبيّ كَعْب قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أول من يدعى يَوْم الْقِيَامَة أَنا فأقوم فألبي ثمَّ يُؤذن لي فِي السُّجُود فأسجد لَهُ سَجْدَة يرضى بهَا عني ثمَّ يُؤذن لي فأرفع رَأْسِي فأدعو بِدُعَاء يرضى بِهِ عني فَقُلْنَا يَا رَسُول الله كَيفَ تعرف أمتك يَوْم الْقِيَامَة قَالَ: يعْرفُونَ غراً محجّلين من أثر الطّهُور فيردون عَليّ الْحَوْض مَا بَين عدن إِلَى عمان بصرى أَشد بَيَاضًا من اللَّبن وَأحلى من الْعَسَل وأبرد من الثَّلج وَأطيب ريحًا من الْمسك فِيهِ من الْآنِية عدد نُجُوم السَّمَاء من ورده فَشرب مِنْهُ لم يظمأ بعده أبدا وَمن صرف عَنهُ لم يرو بعده أبدا ثمَّ يعرض النَّاس على الصِّرَاط فيمر أوائلهم كالبرق ثمَّ يَمرونَ كَالرِّيحِ ثمَّ يَمرونَ كالطرف ثمَّ يَمرونَ كأجاويد الْخَيل والركاب وعَلى كل حَال وَهِي الْأَعْمَال وَالْمَلَائِكَة جَانِبي الصِّرَاط يَقُولُونَ رب سلم سلم فسالم نَاجٍ ومخدوش نَاجٍ ومرتبك فِي النَّار وجهنم تَقول هَل من مزِيد حَتَّى يضع فِيهَا رب الْعَالمين مَا شَاءَ الله أَن يضع فتقبض وتغرغر كَمَا تغرغر المزادة الجديدة إِذا ملئت وَتقول قطّ قطّ
الْآيَات 31 - 35(7/603)
وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ (31) هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ (32) مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ (33) ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ (34) لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ (35)
أخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة {وأزلفت الْجنَّة} قَالَ: زينت الْجنَّة
وَأخرج ابْن جرير وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن التَّمِيمِي قَالَ: سَأَلت ابْن عَبَّاس عَن الأواب الحفيظ قَالَ حفظ ذنُوبه حَتَّى رَجَعَ عَنْهَا
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن سعيد بن سِنَان فِي قَوْله {لكل أواب حفيظ} قَالَ: حفظ ذنُوبه فَتَابَ مِنْهَا ذَنبا ذَنبا
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن سعيد بن الْمسيب قَالَ: الأواب الَّذِي يُذنب ثمَّ يَتُوب ثمَّ يُذنب ثمَّ يَتُوب ثمَّ يُذنب ثمَّ يَتُوب حَتَّى يخْتم الله لَهُ بِالتَّوْبَةِ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن أنس بن خباب قَالَ: قَالَ لي مُجَاهِد أَلا أنبئك بالأواب الحفيظ هُوَ الرجل يذكر ذَنبه إِذا خلا فيستغفر لَهُ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن عبيد بن عُمَيْر مثله
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر عَن عبيد بن عُمَيْر قَالَ: كُنَّا نعد الأواب الحفيظ الَّذِي يكون فِي الْمجْلس فَإِذا أَرَادَ أَن يقوم قَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِر لي مَا أصبت فِي مجلسي هَذَا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله {لكل أواب} قَالَ: مُطِيع لله {حفيظ} قَالَ: لما استودعه الله من حَقه ونعمه وَفِي قَوْله {وَجَاء بقلب منيب} قَالَ: منيب إِلَى الله مقبل إِلَيْهِ وَفِي قَوْله {ادخلوها بِسَلام} قَالَ: سلمُوا من عَذَاب الله وَسلم الله عَلَيْهِم {ذَلِك يَوْم الخلود} قَالَ: خلدوا وَالله فَلَا يموتون
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله {من خشِي الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ} قَالَ: يخْشَى وَلَا يرى(7/604)
أما قَوْله تَعَالَى: {لَهُم مَا يشاؤون فِيهَا ولدينا مزِيد}
أخرج الْبَزَّار وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه واللالكائي فِي السّنة وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث والنشور عَن أنس فِي قَوْله {ولدينا مزِيد} قَالَ: يتجلى لَهُم الرب عز وَجل
وَأخرج الشَّافِعِي فِي الْأُم وَابْن أبي شيبَة وَالْبَزَّار وَأَبُو يعلى وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي صفة الْجنَّة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَابْن مرْدَوَيْه والآجري فِي الشَّرِيعَة وَالْبَيْهَقِيّ فِي الرُّؤْيَة وَأَبُو نصر السجْزِي فِي الإِبانة من طرق جَيِّدَة عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَتَانِي جِبْرِيل وَفِي يَده مرْآة بَيْضَاء فِيهَا نُكْتَة سَوْدَاء فَقلت: مَا هَذَا يَا جِبْرِيل قَالَ: هَذِه الْجُمُعَة فضلت بهَا أَنْت وَأمتك فَالنَّاس لكم فِيهَا تبع الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَلكم فِيهَا خير وفيهَا سَاعَة لَا يُوَافِقهَا مُؤمن يَدْعُو الله بِخَير إِلَّا اسْتُجِيبَ لَهُ وَهُوَ عندنَا يَوْم الْمَزِيد قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يَا جِبْرِيل وَمَا يَوْم الْمَزِيد قَالَ: إِن رَبك اتخذ فِي الفردوس وَاديا أفيح فِيهِ كثب من مسك فَإِذا كَانَ يَوْم الْجُمُعَة أنزل الله مَا شَاءَ من الْمَلَائِكَة وَحَوله مَنَابِر من نور عَلَيْهَا مقاعد النَّبِيين وتحف تِلْكَ المنابر بكراسي من ذهب مكللة بالياقوت والزبرجد عَلَيْهَا الشُّهَدَاء وَالصِّدِّيقُونَ ثمَّ جَاءَ أهل الْجنَّة فجلسوا من ورائهم على تِلْكَ الكثب فيتجلى لَهُم تبَارك وَتَعَالَى حَتَّى ينْظرُوا إِلَى وَجهه وَيَقُول الله: أَنا ربكُم قد صدقتكم وعدي فسلوني أعطكم فَيَقُولُونَ: رَبنَا نَسْأَلك رضوانك فَيَقُول: قد رضيت عَنْكُم فسلوني فيسألونه حَتَّى تَنْتَهِي رغبتهم فَيَقُول: لكم مَا تمنيتم {ولدينا مزِيد} فهم يحبونَ يَوْم الْجُمُعَة لما يعطيهم فِيهِ رَبهم من الْخَيْر وَهُوَ الْيَوْم الَّذِي اسْتَوَى فِيهِ ربكُم على الْعَرْش وَفِيه خلق آدم وَفِيه تقوم السَّاعَة
وَأخرج أَحْمد وَأَبُو يعلى وَابْن جرير بِسَنَد حسن عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي الله عَنهُ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن الرجل ليتكىء فِي الْجنَّة سبعين سنة قبل أَن يتحوّل ثمَّ تَأتيه امْرَأَته فَتضْرب على مَنْكِبه فَينْظر وَجهه فِي خدها أصفى من الْمرْآة وَإِن أدنى لؤلؤة عَلَيْهَا تضيء مَا بَين الْمشرق وَالْمغْرب فتسلم عَلَيْهِ فَيرد عَلَيْهَا السَّلَام ويسألها من أنتِ فَتَقول: أَنا من الْمَزِيد وَإنَّهُ ليَكُون عَلَيْهَا سَبْعُونَ حلَّة أدناها مثل [] الغمان من طُوبَى فينفذها بَصَره حَتَّى يرى مخ سَاقهَا من وَرَاء ذَلِك وَإِن عَلَيْهَا التيجان إِن أدنى لؤلؤة مِنْهَا لتضيء مَا بَين الْمشرق وَالْمغْرب(7/605)
وَأخرج ابْن جرير عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِن الله إِذا أسكن أهل الْجنَّة الْجنَّة وَأهل النَّار النَّار هَبَط إِلَى مرج من الْجنَّة أفيح فَمد بَينه وَبَين خلقه حجباً من لُؤْلُؤ وحجباً من نور ثمَّ وضعت مَنَابِر النُّور وسرر النُّور وكراسي النُّور
ثمَّ أذن لرجل على الله بَين يَدَيْهِ أَمْثَال الْجبَال من النُّور فَيسمع دويّ تَسْبِيح الْمَلَائِكَة مَعَه وصفق أجنحتهم فَمد أهل الْجنَّة أَعْنَاقهم فَقيل من هَذَا الَّذِي قد أذن لَهُ على الله فَقيل: هَذَا المجبول بِيَدِهِ والمعلم الْأَسْمَاء أمرت الْمَلَائِكَة فسجدت لَهُ وَالَّذِي أبيحت لَهُ الْجنَّة: آدم قد أذن لَهُ على الله
ثمَّ يُؤذن لرجل آخر بَين يَدَيْهِ أَمْثَال الْجبَال من النُّور يسمع دويّ تَسْبِيح الْمَلَائِكَة مَعَه وصفق أجنحتهم فَمد أهل الْجنَّة أَعْنَاقهم فَقيل: من هَذَا الَّذِي قد أذن لَهُ على الله فَقيل: هَذَا الَّذِي قد اتَّخذهُ الله خَلِيلًا وَجعلت النَّار عَلَيْهِ بردا وَسلَامًا: إِبْرَاهِيم قد أذن لَهُ على الله
ثمَّ أذن لرجل آخر على الله بَين يَدَيْهِ أَمْثَال الْجبَال من النُّور يسمع مَعَه دويّ تَسْبِيح الْمَلَائِكَة وصفق أجنحتهم فَمد أهل الْجنَّة أَعْنَاقهم فَقيل: من هَذَا الَّذِي قد أذن لَهُ على الله فَقيل: هَذَا الَّذِي اصطفاه الله برسالته وقربه نجياً وَكَلمه كلَاما: مُوسَى قد أذن لَهُ على الله
ثمَّ يُؤذن لرجل آخر مَعَه مثل جَمِيع مواكب النَّبِيين قبله من بَين يَدَيْهِ أَمْثَال الْجبَال من النُّور يسمع دويّ تَسْبِيح الْمَلَائِكَة مَعَه وصفق أجنحتهم فَمد أهل الْجنَّة أَعْنَاقهم فَقيل: من هَذَا الَّذِي قد أذن لَهُ على الله فَقيل: هَذَا أول شَافِع وَأول مُشَفع وَأكْثر النَّاس وَارِدَة وَسيد ولد آدم وَأول من تَنْشَق عَن ذؤابته الأَرْض وَصَاحب لِوَاء الْحَمد وَقد أذن لَهُ على الله
فَجَلَسَ النَّبِيُّونَ على مَنَابِر النُّور وَالصِّدِّيقُونَ على سرر النُّور وَالشُّهَدَاء على كراسي النُّور وَجلسَ سَائِر النَّاس على كُثْبَان الْمسك الأذفر الْأَبْيَض ثمَّ ناداهم الرب تَعَالَى من وَرَاء الْحجب: مرْحَبًا(7/606)
بعبادي وزواري وجيراني ووفدي يَا ملائكتي إنهضوا إِلَى عبَادي فاطعموهم
فقربت إِلَيْهِم من لُحُوم الطير كَأَنَّهَا البخت لَا ريش لَهَا وَلَا عظم فَأَكَلُوا ثمَّ ناداهم الرب عز وَجل من وَرَاء الْحجب: مرْحَبًا بعبادي وزواري وجيراني ووفدي أكلُوا اسقوهم
فَنَهَضَ إِلَيْهِم غلْمَان كَأَنَّهُمْ اللُّؤْلُؤ الْمكنون بأباريق الذَّهَب وَالْفِضَّة بأشربة مُخْتَلفَة لذيذة آخرهَا كلذة أَولهَا (لَا يصدعون عَنْهَا وَلَا ينزفون) (الْوَاقِعَة آيَة 19)
ثمَّ ناداهم الرب عز وَجل من وَرَاء الْحجب: مرْحَبًا بعبادي وزواري وجيراني ووفدي أكلُوا وَشَرِبُوا فكّهوهم
فَيقرب إِلَيْهِم على أطباق مكللة بالياقوت والمرجان من الرطب الَّذِي سمى الله أشدّ بَيَاضًا من اللَّبن وَأَشد عذوبة من الْعَسَل
فَأَكَلُوا ثمَّ ناداهم الرب من وَرَاء الْحجب: مرْحَبًا بعبادي وزواري وجيراني ووفدي أكلُوا وَشَرِبُوا وفكهوا أكسوهم
ففتحت لَهُم ثمار الْجنَّة بحلل مصقولة بِنور الرَّحْمَن فأكسوها
ثمَّ ناداهم الرب عز وَجل من وَرَاء الْحجب: مرْحَبًا بعبادي وزواري وجيراني ووفدي أكلُوا وَشَرِبُوا وفكهوا وكسوا طيبوهم
فهاجت عَلَيْهِم ريح يُقَال لَهَا المثيرة بأباريق الْمسك الْأَبْيَض الأذفر فنفخت على وُجُوههم من غير غُبَار وَلَا قتام ثمَّ ناداهم الرب عز وَجل من وَرَاء الْحجب: مرْحَبًا بعبادي وزواري وجيراني ووفدي أكلُوا وَشَرِبُوا وفكهوا وكسوا وطيبوا وَعِزَّتِي لأتجلين لَهُم حَتَّى ينْظرُوا إليّ
فَذَلِك إنتهاء الْعَطاء وَفضل الْمَزِيد
فتجلى لَهُم الرب ثمَّ قَالَ: السَّلَام عَلَيْكُم عبَادي أنظروا إليّ فقد رضيت عَنْكُم
فتداعت قُصُور الْجنَّة وشجرها سُبْحَانَكَ أَربع مَرَّات وخر الْقَوْم سجدا فناداهم الرب: عبَادي إرفعوا رؤوسكم فَإِنَّهَا لَيست بدار عمل وَلَا دَار نصب إِنَّمَا هِيَ دَار جَزَاء وثواب وَعِزَّتِي مَا خلقتها إِلَّا من أجلكم وَمَا من سَاعَة ذكرتموني فِيهَا فِي دَار الدُّنْيَا إِلَّا ذكرتكم فَوق عَرْشِي
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أنس بن مَالك رَضِي الله عَنهُ قَالَ: حَدثنِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: حَدثنِي جِبْرِيل قَالَ: يدْخل الرجل على الْحَوْرَاء فتستقبله بالمعانقة والمصافحة فَبِأَي بنان تعاطيه لَو أَن بعض بنانها بدا لغلب ضوءه ضوء الشَّمْس وَالْقَمَر وَلَو أَن طَاقَة من شعرهَا بَدَت لملأت مَا بَين الْمشرق وَالْمغْرب من طيب رِيحهَا فَبَيْنَمَا هُوَ متكىء مَعهَا على أريكته إِذْ أشرق عَلَيْهِ نور من فَوْقه فيظن أَن الله تَعَالَى قد أشرف على خلقه فَإِذا حوراء تناديه يَا ولي الله أما لنا فِيك من دولة فَيَقُول وَمن أنتِ يَا هَذِه فَتَقول: أَنا من اللواتي قَالَ الله {ولدينا مزِيد} فيتحول إِلَيْهَا فَإِذا عِنْدهَا من الْجمال والكمال مَا لَيْسَ مَعَ الأولى فَبَيْنَمَا هُوَ متكىء على أريكته إِذْ أشرف عَلَيْهِ نور من فَوْقه فَإِذا حوراء أُخْرَى تناديه: يَا ولي الله أما لنا فِيك من دولة فَيَقُول وَمن أنتِ يَا هَذِه فَتَقول: أَنا من اللواتي قَالَ الله (فَلَا تعلم نفس مَا أُخْفِي لَهُم من قُرَّة أعين جَزَاء بِمَا كَانُوا يعْملُونَ) (السَّجْدَة آيَة 17) فَلَا يزَال يتَحَوَّل من زَوْجَة إِلَى زَوْجَة(7/607)
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر عَن مُحَمَّد بن كَعْب فِي قَوْله {لَهُم مَا يشاؤون فِيهَا ولدينا مزِيد} قَالَ: لَو أَن أدنى أهل الْجنَّة نزل بِهِ أهل الْجنَّة كلهم لأوسعهم طَعَاما وَشَرَابًا ومجالس وخدماً
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن كثير بن مرّة قَالَ: من الْمَزِيد أَن تمر السحابة بِأَهْل الْجنَّة فَتَقول مَاذَا تُرِيدُونَ فأمطره لكم فَلَا يدعونَ بِشَيْء إِلَّا أمطرتهم وَالله تَعَالَى أعلم
الْآيَات 36 - 37(7/608)
وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشًا فَنَقَّبُوا فِي الْبِلَادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ (36) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (37)
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {فَنقبُوا فِي الْبِلَاد} قَالَ: أثروا
وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس أَن نَافِع بن الْأَزْرَق سَأَلَهُ عَن قَوْله {فَنقبُوا فِي الْبِلَاد} قَالَ: هربوا بلغَة الْيمن
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم أما سَمِعت قَول عدي بن زيد: نقبوا فِي الْبِلَاد من حذر الْمَوْت وجالوا فِي الأَرْض أيَّ مجَال وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {فَنقبُوا فِي الْبِلَاد} قَالَ: ضربوا فِي الأَرْض
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله {هَل من محيص} قَالَ: هَل من مهرب يهربون من الْمَوْت
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله {فَنقبُوا فِي الْبِلَاد هَل من محيص} قَالَ: حَاص أَعدَاء الله فوجدوا أَمر الله لَهُم مدْركا
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {إِن فِي ذَلِك لذكرى لمن كَانَ لَهُ قلب} قَالَ: كَانَ المُنَافِقُونَ يَجْلِسُونَ عِنْد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ يخرجُون فَيَقُولُونَ مَاذَا قَالَ آنِفا لَيْسَ مَعَهم قُلُوب(7/608)
وَأخرج البُخَارِيّ فِي الْأَدَب وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِن الْعقل فِي الْقلب وَالرَّحْمَة فِي الكبد والرأفة فِي الطحال وَالنَّفس فِي الرئة
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: التَّوْفِيق خير قَائِد وَحسن الْخلق خير قرين وَالْعقل خير صَاحب وَالْأَدب خير ميزَان وَلَا وَحْشَة أَشد من الْعجب
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {أَو ألْقى السّمع} قَالَ: لَا يحدث نَفسه بِغَيْرِهِ {وَهُوَ شَهِيد} قَالَ: شَاهد بِالْقَلْبِ
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن مُحَمَّد بن كَعْب فِي قَوْله {أَو ألْقى السّمع وَهُوَ شَهِيد} قَالَ: يستمع وَقَلبه شَاهد لَا يكون قلبه مَكَانا آخر
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير عَن قَتَادَة فِي قَوْله {أَو ألْقى السّمع وَهُوَ شَهِيد} قَالَ: هُوَ رجل من أهل الْكتاب ألْقى السّمع أَي اسْتمع لِلْقُرْآنِ وَهُوَ شَهِيد على مَا فِي يَدَيْهِ من كتاب الله أَنه يجد النَّبِي مُحَمَّدًا مَكْتُوبًا
الْآيَات 38 - 45(7/609)
وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ (38) فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ (39) وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ (40) وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ (41) يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ (42) إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ (43) يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعًا ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ (44) نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ (45)
أخرج ابْن الْمُنْذر عَن الضَّحَّاك قَالَ: قَالَت الْيَهُود ابْتَدَأَ الله الْخلق يَوْم الْأَحَد والإِثنين وَالثُّلَاثَاء وَالْأَرْبِعَاء وَالْخَمِيس وَالْجُمُعَة واستراح يَوْم السبت فَأنْزل الله {وَلَقَد خلقنَا السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَمَا بَينهمَا فِي سِتَّة أَيَّام وَمَا مسنا من لغوب}
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة قَالَ: قَالَت الْيَهُود: إِن الله(7/609)
خلق الْخلق فِي سِتَّة أَيَّام وَفرغ من الْخلق يَوْم الْجُمُعَة واستراح يَوْم السبت فأكذبهم الله فِي ذَلِك فَقَالَ {وَمَا مسنا من لغوب}
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَمَا مسنا من لغوب} قَالَ: من نصب
وَأخرج آدم بن أبي إِيَاس وَالْفِرْيَابِي وَابْن جرير وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَمَا مسنا من لغوب} قَالَ: اللغوب النصب
تَقول الْيَهُود إِنَّه أعيا بعد مَا خلقهما
وَأخرج الْخَطِيب فِي تَارِيخه عَن العوّام بن حَوْشَب قَالَ: سَأَلت أَبَا مجلز عَن الرجل يجلس فَيَضَع إِحْدَى رجلَيْهِ على الْأُخْرَى فَقَالَ لَا بَأْس بِهِ إِنَّمَا كره ذَلِك الْيَهُود زَعَمُوا أَن الله خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض فِي سِتَّة أَيَّام ثمَّ استراح يَوْم السبت فَجَلَسَ تِلْكَ الجلسة فَأنْزل الله {وَلَقَد خلقنَا السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَمَا بَينهمَا فِي سِتَّة أَيَّام وَمَا مسنا من لغوب}
قَوْله تَعَالَى: {فاصبر على مَا يَقُولُونَ} الْآيَة
أخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَابْن عَسَاكِر عَن جرير بن عبد الله عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله {وَسبح بِحَمْد رَبك قبل طُلُوع الشَّمْس وَقبل الْغُرُوب} قَالَ: قبل طُلُوع الشَّمْس صَلَاة الصُّبْح وَقبل الْغُرُوب صَلَاة الْعَصْر
أما قَوْله تَعَالَى: {وَمن اللَّيْل فسبحه وأدبار السُّجُود}
أخرج ابْن جرير عَن ابْن زيد فِي قَوْله {وَمن اللَّيْل فسبحه} قَالَ: الْعَتَمَة {وأدبار السُّجُود} النَّوَافِل
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد {وَمن اللَّيْل فسبحه} قَالَ: اللَّيْل كُله
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: بت عِنْد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فصلى رَكْعَتَيْنِ خفيفتين قبل صَلَاة الْفجْر ثمَّ خرج إِلَى الصَّلَاة فَقَالَ يَا ابْن عَبَّاس رَكْعَتَانِ قبل صَلَاة الْفجْر أدبار النُّجُوم وركعتان بعد الْمغرب أدبار السُّجُود
وَأخرج مُسَدّد فِي مُسْنده وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه عَن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: سَأَلت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن أدبار النُّجُوم وَالسُّجُود فَقَالَ: أدبار السُّجُود الركعتان بعد الْمغرب وأدبار النُّجُوم الركعتان قبل الْغَدَاة(7/610)
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: حفظت عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عشر رَكْعَات تطوّعاً مِنْهَا أَربع فِي كتاب الله وَمن اللَّيْل فسبحه وأدبار السُّجُود قَالَ: الرَّكْعَتَيْنِ بعد الْمغرب
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَمُحَمّد بن نصر فِي الصَّلَاة عَن عمر بن الْخطاب فِي قَوْله {وأدبار السُّجُود} قَالَ: رَكْعَتَانِ بعد الْمغرب {وأدبار النُّجُوم} قَالَ: رَكْعَتَانِ قبل الْفجْر
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن نصر عَن أبي تَمِيم الجيشاني قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله {وأدبار السُّجُود} هما الركعتان بعد الْمغرب
وَأخرج ابْن جرير عَن إِبْرَاهِيم قَالَ: كَانَ يُقَال أدبار السُّجُود الركعتان بعد الْمغرب
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد قَالَ {وأدبار السُّجُود} الركعتان بعد الْمغرب
وَأخرج عَن قَتَادَة وَالشعْبِيّ وَالْحسن مثله
وَأخرج ابْن جرير عَن الْأَوْزَاعِيّ أَنه سُئِلَ عَن الرَّكْعَتَيْنِ بعد الْمغرب فَقَالَ هما فِي كتاب الله تَعَالَى {فسبحه وأدبار السُّجُود}
وَأخرج البُخَارِيّ وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن نصر وَابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق مُجَاهِد قَالَ: قَالَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا: أدبار السُّجُود التَّسْبِيح بعد الصَّلَاة وَلَفظ البُخَارِيّ أمره أَن يسبح فِي أدبار الصَّلَوَات كلهَا
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {واستمع يَوْم يناد المناد} قَالَ: هِيَ الصَّيْحَة
وَأخرج ابْن عَسَاكِر والواسطي فِي فَضَائِل بَيت الْمُقَدّس عَن يزِيد بن جَابر فِي قَوْله {واستمع يَوْم يناد المناد من مَكَان قريب} قَالَ: يقف إسْرَافيل على صَخْرَة بَيت الْمُقَدّس فينفخ فِي الصُّورَة فَيَقُول: يَا أيتها الْعِظَام النخرة والجلود المتمزقة والأشعار المتقطعة إِن الله يَأْمُرك أَن تجتمعي لفصل الْحساب
وَأخرج ابْن جرير عَن كَعْب فِي قَوْله {واستمع يَوْم يناد المناد من مَكَان قريب} قَالَ: ملك قَائِم على صَخْرَة بَيت الْقُدس يُنَادي يَا أيتها الْعِظَام البالية والأوصال المتقطعة إِن الله يأمركن أَن تجتمعن لفصل الْقَضَاء
وَأخرج ابْن جرير عَن بُرَيْدَة قَالَ: ملك قَائِم على صَخْرَة بَيت الْمُقَدّس وَاضع إصبعيه فِي أُذُنَيْهِ يُنَادي يَقُول: يَا أَيهَا النَّاس هلموا إِلَى الْحساب(7/611)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم والواسطي إصبعيه فِي أُذُنَيْهِ يُنَادي يَقُول: يَا أَيهَا النَّاس هلموا إِلَى الْحساب
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم والواسطي عَن قَتَادَة فِي قَوْله {يَوْم يناد المناد من مَكَان قريب} قَالَ: كُنَّا نُحدث أَنه يُنَادي من بَيت الْمُقَدّس من الصَّخْرَة وَهِي أَوسط الأَرْض وَحدثنَا أَن كَعْبًا قَالَ: هِيَ أقرب الأَرْض إِلَى السَّمَاء بِثمَانِيَة عشر ميلًا
وَأخرج الوَاسِطِيّ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {يَوْم يناد المناد من مَكَان قريب} قَالَ: من صَخْرَة بَيت الْمُقَدّس
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله {يَوْم يسمعُونَ الصَّيْحَة بِالْحَقِّ} قَالَ: يسمع النفخة الْقَرِيب والبعيد
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {ذَلِك يَوْم الْخُرُوج} قَالَ: يَوْم يخرجُون إِلَى الْبَعْث من الْقُبُور
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {يَوْم تشقق الأَرْض عَنْهُم سرَاعًا} قَالَ: تمطر السَّمَاء عَلَيْهِم حَتَّى تشقق الأَرْض عَنْهُم
وَأخرج الْحَاكِم عَن ابْن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَنا أول من تَنْشَق عَنهُ الأَرْض ثمَّ أَبُو بكر ثمَّ عمر ثمَّ آتِي أهل البقيع فيحشرون معي ثمَّ أنْتَظر أهل مَكَّة وتلا ابْن عمر {يَوْم تشقق الأَرْض عَنْهُم سرَاعًا} الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَمَا أَنْت عَلَيْهِم بجبار} قَالَ لَا تتجبر عَلَيْهِم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَمَا أَنْت عَلَيْهِم بجبار} قَالَ: إِن الله كره لنَبيه الجبرية وَنهى عَنْهَا وَقدم فِيهَا فَقَالَ {فَذكر بِالْقُرْآنِ من يخَاف وَعِيد}
وَأخرج الْحَاكِم عَن جرير قَالَ: أُتِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِرَجُل ترْعد فرائصه فَقَالَ: هوّن عَلَيْك فَإِنَّمَا أَنا ابْن إمرأة من قُرَيْش كَانَت تَأْكُل القديد فِي هَذِه الْبَطْحَاء ثمَّ تَلا جرير {وَمَا أَنْت عَلَيْهِم بجبار}
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن أنس قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يعود الْمَرِيض وَيتبع الْجَنَائِز ويجيب دَعْوَة الْمَمْلُوك ويركب الْحمار وَلَقَد كَانَ يَوْم خَيْبَر وَيَوْم قُرَيْظَة على حمَار خطامه حَبل من لِيف وَتَحْته اكاف من لِيف(7/612)
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: قَالُوا يَا رَسُول الله لَو خوّفتنا فَنزلت {فَذكر بِالْقُرْآنِ من يخَاف وَعِيد}
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم (51)
سُورَة الذاريات
مَكِّيَّة وآياتها سِتُّونَ
مُقَدّمَة سُورَة الذاريات أخرج ابْن الضريس والنحاس وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: نزلت سُورَة الذاريات بِمَكَّة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن الزبير رَضِي الله عَنهُ مثله
وَأخرج ابْن أبي شيبَة فِي المُصَنّف عَن أبي المتَوَكل النَّاجِي عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا أَنه قَرَأَ فِي الظّهْر بقاف والذاريات
الْآيَات 1 - 19(7/613)
وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا (1) فَالْحَامِلَاتِ وِقْرًا (2) فَالْجَارِيَاتِ يُسْرًا (3) فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا (4) إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ (5) وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ (6) وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ (7) إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ (8) يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ (9) قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ (10) الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ (11) يَسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ (12) يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ (13) ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ (14) إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (15) آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ (16) كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (18) وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (19)
أخرج عبد الرَّزَّاق وَالْفِرْيَابِي وَسَعِيد بن مَنْصُور والْحَارث بن أبي أُسَامَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن الْأَنْبَارِي فِي الْمَصَاحِف وَالْحَاكِم وَصَححهُ الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان من طرق عَن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {والذاريات ذَروا} قَالَ: الرِّيَاح {فَالْحَامِلَات وقرا} قَالَ: السَّحَاب {فَالْجَارِيَات يسرا} قَالَ: السفن {فَالْمُقَسِّمَات أمرا} قَالَ: الْمَلَائِكَة
وَأخرج الْبَزَّار وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي الْأَفْرَاد وَابْن مرْدَوَيْه وَابْن عَسَاكِر عَن سعيد بن الْمسيب قَالَ: جَاءَ صبيغ التَّمِيمِي إِلَى عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ: أَخْبرنِي عَن {والذاريات ذَروا} قَالَ: هِيَ الرِّيَاح وَلَوْلَا أَنِّي سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُوله مَا قلته قَالَ: فَأَخْبرنِي عَن {فَالْحَامِلَات وقرا} قَالَ: هِيَ السَّحَاب وَلَوْلَا أَنِّي سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُوله مَا قلته قَالَ: فَأَخْبرنِي عَن {فَالْجَارِيَات يسرا} قَالَ: هِيَ السفن وَلَوْلَا أَنِّي سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُوله مَا قلته
قَالَ: فَأَخْبرنِي عَن {فَالْمُقَسِّمَات أمرا} قَالَ: هن الْمَلَائِكَة وَلَوْلَا أَنِّي سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُوله مَا قلته ثمَّ أَمر بِهِ فَضرب مائَة وَجعل فِي بَيت فَلَمَّا برأَ دَعَاهُ فَضرب مائَة أُخْرَى وَحمله على قتب وَكتب إِلَى أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ إمنع النَّاس من مُجَالَسَته فَلم يزَالُوا كَذَلِك حَتَّى أَتَى أَبَا مُوسَى فَحلف لَهُ بالأيمان الْمُغَلَّظَة مَا يجد فِي نَفسه مِمَّا كَانَ يجد شَيْئا فَكتب فِي ذَلِك إِلَى عمر فَكتب عمر: مَا إخَاله إِلَّا وَقد صدق فَحل بَينه وَبَين مجالسة النَّاس
وَأخرج الْفرْيَابِيّ عَن الْحسن قَالَ: سَأَلَ صبيغ التَّمِيمِي عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ عَن {والذاريات ذَروا} وَعَن {والمرسلات عرفا} وَعَن {والنازعات غرقاً} فَقَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ: إكشف رَأسك فَإِذا لَهُ ضفيرتان فَقَالَ: وَالله لَو وَجَدْتُك محلوقاً لضَرَبْت عُنُقك
ثمَّ كتب إِلَى أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ أَن لَا يجالسه مُسلم وَلَا يكلمهُ
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن الْمُنْذر عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: سَأَلت ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا عَن {والذاريات ذَروا} فَقَالَ: الرِّيَاح {فَالْحَامِلَات وقرا} قَالَ: السَّحَاب {فَالْجَارِيَات يسرا} قَالَ: السفن
وَأخرج ابْن جرير وَابْن نصر وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {كَانُوا قَلِيلا من اللَّيْل مَا يهجعون} يَقُول: قَلِيلا مَا كَانُوا ينامون(7/614)
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن أنس رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {كَانُوا قَلِيلا من اللَّيْل مَا يهجعون} قَالَ: كَانُوا يصلونَ بَين الْمغرب وَالْعشَاء وَكَذَلِكَ (تَتَجَافَى جنُوبهم) (الْبَقَرَة الْآيَة 264)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير عَن أبي الْعَالِيَة فِي قَوْله {كَانُوا قَلِيلا من اللَّيْل مَا يهجعون} قَالَ: لَا ينامون عَن الْعشَاء الْآخِرَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن نصر وَابْن الْمُنْذر عَن عَطاء فِي قَوْله {كَانُوا قَلِيلا من اللَّيْل مَا يهجعون} قَالَ: ذَلِك إِذْ أمروا بِقِيَام اللَّيْل وَكَانَ أَبُو ذَر يعْتَمد على الْعَصَا فَمَكَثُوا شَهْرَيْن ثمَّ نزلت الرُّخْصَة (فاقرأوا مَا تيَسّر مِنْهُ) (الْمَائِدَة الْآيَة 90)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن الضَّحَّاك فِي الْآيَة قَالَ: كَانُوا قَلِيلا من النَّاس الَّذين يَفْعَلُونَ ذَلِك إِذْ ذَاك
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الضَّحَّاك فِي الْآيَة قَالَ: الْمُتَّقِينَ هم الْقَلِيل كَانُوا من النَّاس قَلِيلا
وَأخرج ابْن جرير وَمُحَمّد بن نصر عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله {كَانُوا قَلِيلا} يَقُول: المحسنون كَانُوا قَلِيلا هَذِه مفصولة ثمَّ اسْتَأْنف فَقَالَ: {من اللَّيْل مَا يهجعون} الهجوع النّوم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن نصر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي الْآيَة قَالَ: كَانُوا لَا ينامون اللَّيْل كُله
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير عَن قَتَادَة فِي قَوْله {كَانُوا قَلِيلا من اللَّيْل مَا يهجعون} قَالَ: كَانَ الْحسن يَقُول: كَانُوا قَلِيلا من اللَّيْل مَا ينامون وَكَانَ مطرف بن عبد الله يَقُول: كَانُوا قلّ لَيْلَة لَا يصيبون مِنْهَا وَكَانَ مُحَمَّد بن عَليّ يَقُول: لَا ينامون حَتَّى يصلوا الْعَتَمَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق الْحسن عَن عبد الله بن رَوَاحَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {كَانُوا قَلِيلا من اللَّيْل مَا يهجعون} قَالَ: هجعوا قَلِيلا ثمَّ مدوها إِلَى السحر(7/615)
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن آخر اللَّيْل فِي التَّهَجُّد أحب إليَّ من أوّله لِأَن الله يَقُول {وبالأسحار هم يَسْتَغْفِرُونَ}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله {وبالأسحار هم يَسْتَغْفِرُونَ} قَالَ: يصلونَ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وبالأسحار هم يَسْتَغْفِرُونَ} قَالَ: يصلونَ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن نصر وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن الْحسن فِي الْآيَة قَالَ: صلوا فَلَمَّا كَانَ السحر اسْتَغْفرُوا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وَفِي أَمْوَالهم حق} قَالَ: سوى الزَّكَاة يصل بهَا رحما أَو يقري بهَا ضيفاً أَو يعين بهَا محروماً
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَفِي أَمْوَالهم حق} قَالَ: سوى الزَّكَاة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن إِبْرَاهِيم قَالَ: كَانُوا يرَوْنَ فِي أَمْوَالهم حَقًا سوى الزَّكَاة
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس أَنه سُئِلَ عَن السَّائِل والمحروم قَالَ: السَّائِل الَّذِي يسْأَل النَّاس والمحروم الَّذِي لَيْسَ لَهُ سهم فِي الْمُسلمين
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن الْحسن بن مُحَمَّد بن الْحَنَفِيَّة قَالَ: بعث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَرِيَّة فَأَصَابُوا وغنموا فجَاء قوم بعد مَا فرغوا فَنزلت {فِي أَمْوَالهم حق مَعْلُوم للسَّائِل والمحروم}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: المحروم هُوَ المحارف الَّذِي يطْلب الدُّنْيَا وتدبر عَنهُ وَلَا يسْأَل النَّاس فَأمر الله الْمُؤمنِينَ برفده
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عُرْوَة قَالَ: سَأَلت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا عَن المحروم فِي هَذِه الْآيَة فَقَالَت: هُوَ المحارف الَّذِي لَا يكَاد يَتَيَسَّر لَهُ مكسبه
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: المحروم المحارف الَّذِي لَيْسَ لَهُ فِي الإِسلام سهم(7/616)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: المحروم الَّذِي لَيْسَ فِي الْغَنِيمَة شَيْء
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن إِبْرَاهِيم مثله
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن أبي قلَابَة قَالَ: كَانَ رجل بِالْيَمَامَةِ فجَاء السَّيْل فَذَهَبت بِمَالِه فَقَالَ رجل من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: هَذَا المحروم فَأَعْطوهُ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: السَّائِل الَّذِي يسْأَل بكفه والمحروم الْمُتَعَفِّف
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي الْعَالِيَة قَالَ: المحروم المحارف
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة قَالَ: المحروم المحارف الَّذِي لَا يثبت لَهُ مَال
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن الضَّحَّاك قَالَ: المحروم الَّذِي لَا يَنْمُو لَهُ مَال فِي قَضَاء الله
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَامر قَالَ: هُوَ المحارف وتلا هَذِه الْآيَة (إِنَّا لمغرمون بل نَحن محرمون) (الْوَاقِعَة الْآيَة 66 - 67) قَالَ: هَلَكت ثمارهم وحرموا بركَة أَرضهم
وَأخرج عبد بن حميد عَن قزعة أَن رجلا سَأَلَ ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا عَن قَوْله {فِي أَمْوَالهم حق مَعْلُوم} قَالَ: هِيَ الزَّكَاة وَفِي سوى ذَلِك حُقُوق
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {للسَّائِل والمحروم} قَالَ: السَّائِل الَّذِي يسْأَل بكفه والمحروم المحارف
وَأخرج عبد بن حميد عَن الشّعبِيّ قَالَ: أعياني أعلم مَا المحروم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن أبي بشر قَالَ: سَأَلت سعيد بن جُبَير عَن المحروم فَلم يقل فِيهِ شَيْئا وَسَأَلت عَطاء فَقَالَ: هُوَ الْمَحْدُود وَزعم أَن الْمَحْدُود المحارف
وَأخرج ابْن جرير وَابْن حبَان وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَيْسَ الْمِسْكِين الَّذِي ترده التمرة وَالتَّمْرَتَانِ وَلَا الْأكلَة وَالْأكْلَتَان قَالُوا: فَمن الْمِسْكِين قَالَ: الَّذِي لَيْسَ لَهُ مَا يُغْنِيه وَلَا يُعْلم مَكَانَهُ فَيُتَصَدَّقَ عَلَيْهِ فَذَلِك المحروم(7/617)
وَأخرج العسكري فِي المواعظ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أنس بن مَالك رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يَا أنس ويل للأغنياء من الْفُقَرَاء يَوْم الْقِيَامَة يَقُولُونَ: رَبنَا ظلمونا حقوقنا الَّتِي فرضت لنا عَلَيْهِم فَيَقُول: وَعِزَّتِي وَجَلَالِي لأقربنكم ولأباعدنهم قَالَ: وتلا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {فِي أَمْوَالهم حق مَعْلُوم للسَّائِل والمحروم}
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن فَاطِمَة بنت قيس أَنَّهَا سَأَلت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن هَذِه الْآيَة {فِي أَمْوَالهم حق مَعْلُوم} قَالَ: إِن فِي المَال حَقًا سوى الزَّكَاة وتلا هَذِه الْآيَة (لَيْسَ الْبر أَن توَلّوا وُجُوهكُم) إِلَى قَوْله (وَفِي الرّقاب وَأقَام الصَّلَاة وَآتى الزَّكَاة) (الْبَقَرَة 177) وَالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أعلم
الْآيَات 20 - 40(7/618)
وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ (20) وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (21) وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ (22) فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ (23) هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ (24) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (25) فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ (26) فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ (27) فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ (28) فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ (29) قَالُوا كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (30) قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ (31) قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ (32) لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ طِينٍ (33) مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ (34) فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (35) فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (36) وَتَرَكْنَا فِيهَا آيَةً لِلَّذِينَ يَخَافُونَ الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (37) وَفِي مُوسَى إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إِلَى فِرْعَوْنَ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (38) فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ وَقَالَ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (39) فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ (40)
أخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَفِي الأَرْض آيَات للموقنين} قَالَ: يَقُول: مُعْتَبر لمن اعْتبر {وَفِي أَنفسكُم} قَالَ: يَقُول: فِي خلقه أَيْضا إِذا فكر فِيهِ مُعْتَبر
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله وَفِي أَنفسكُم {أَفلا تبصرون} قَالَ: من تفكر فِي خلقه علم أَنما لينت مفاصله لِلْعِبَادَةِ
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَسَعِيد بن مَنْصُور وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن الزبير رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَفِي أَنفسكُم أَفلا تبصرون} قَالَ: سَبِيل الْغَائِط وَالْبَوْل
وَأخرج الخرائطي فِي مساوئ الْأَخْلَاق عَن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ {وَفِي أَنفسكُم أَفلا تبصرون} قَالَ: سَبِيل الْغَائِط وَالْبَوْل
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَفِي أَنفسكُم أَفلا تبصرون} قَالَ: فِيمَا يدْخل من طَعَامكُمْ وَمَا يخرج وَالله أعلم
قَوْله تَعَالَى: {وَفِي السَّمَاء رزقكم} الْآيَتَيْنِ
أخرج ابْن النقور والديلمي عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله {وَفِي السَّمَاء رزقكم وَمَا توعدون} قَالَ: الْمَطَر
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: إِنِّي لأعرف الثَّلج وَمَا رَأَيْته فِي قَول الله {وَفِي السَّمَاء رزقكم وَمَا توعدون} قَالَ: الثَّلج
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ وَابْن جرير عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَفِي السَّمَاء رزقكم} قَالَ: الْمَطَر {وَمَا توعدون} قَالَ: الْجنَّة وَالنَّار
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي الْآيَة قَالَ: الْجنَّة فِي السَّمَاء وَمَا توعدون من خير وَشر
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فَوَرَبِّ السَّمَاء وَالْأَرْض} الْآيَة قَالَ: بَلغنِي أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: قَاتل الله أَقْوَامًا أقسم لَهُم رَبهم ثمَّ لم يصدقُوا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فَوَرَبِّ السَّمَاء وَالْأَرْض إِنَّه لحق} قَالَ: لكل شَيْء ذكره فِي هَذِه السُّورَة(7/619)
أخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {هَل أَتَاك حَدِيث ضيف إِبْرَاهِيم الْمُكرمين} قَالَ: خدمته إيَّاهُم بِنَفسِهِ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي الْآيَة قَالَ: أكْرمهم إِبْرَاهِيم بالعجل
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فرَاغ إِلَى أَهله فجَاء بعجل سمين} قَالَ: كَانَ عَامَّة مَال إِبْرَاهِيم الْبَقر
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وبشروه بِغُلَام عليم} قَالَ: هُوَ إِسْمَاعِيل
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {فَأَقْبَلت امْرَأَته فِي صرة} قَالَ: فِي صَيْحَة {فصكت} قَالَ: لطمت
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فِي صرة} قَالَ: صَيْحَة {فصكت وَجههَا} قَالَ: ضربت بِيَدِهَا على جبهتها وَقَالَت: يَا ويلتاه
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ أَنه سُئِلَ عَن عَجُوز عقيم وَعَن الرّيح الْعَقِيم وَعَن عَذَاب يَوْم عقيم فَقَالَ: الْعَجُوز الْعَقِيم الَّتِي لَا ولد لَهَا وَأما الرّيح الْعَقِيم فالتي لَا بركَة فِيهَا وَلَا مَنْفَعَة وَلَا تلقح وَأما عَذَاب يَوْم عقيم فَيوم لَا لَيْلَة لَهُ
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فَمَا وجدنَا فِيهَا غير بَيت من الْمُسلمين} قَالَ: لوط وابنتيه
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانُوا ثَلَاثَة عشر
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فَمَا وجدنَا فِيهَا غير بَيت من الْمُسلمين} قَالَ: لَو كَانَ فِيهَا أَكثر من ذَلِك لنجاهم الله ليعلموا أَن الإِيمان عِنْد الله مَحْفُوظ لَا ضَيْعَة على أَهله
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَتَركنَا فِيهَا آيَة} قَالَ: ترك فِيهَا صخراً منضوداً(7/620)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {فَتَوَلّى بركنه} قَالَ: بقَوْمه
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {فَتَوَلّى بركنه} قَالَ: بعضده وَأَصْحَابه
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَهُوَ مليم} قَالَ: مليم فِي عباد الله تَعَالَى
الْآيَات 41 - 53(7/621)
وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ (41) مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ (42) وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ (43) فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ وَهُمْ يَنْظُرُونَ (44) فَمَا اسْتَطَاعُوا مِنْ قِيَامٍ وَمَا كَانُوا مُنْتَصِرِينَ (45) وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (46) وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ (47) وَالْأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ (48) وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (49) فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (50) وَلَا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (51) كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (52) أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ (53)
أخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {الرّيح الْعَقِيم} قَالَ: الشَّدِيدَة الَّتِي لَا تلقح شَيْئا
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وَفِي عَاد إِذْ أرسلنَا عَلَيْهِم الرّيح الْعَقِيم} قَالَ: الرّيح الْعَقِيم الَّتِي لَا تلقح الشّجر وَلَا تثير السَّحَاب وَفِي قَوْله {إِلَّا جعلته كالرميم} قَالَ: كالشيء الْهَالِك
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {الرّيح الْعَقِيم} قَالَ: ريح لَا بركَة فِيهَا وَلَا مَنْفَعَة وَلَا ينزل مِنْهَا غيث وَلَا يلقح مِنْهَا شجر(7/621)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: الرّيح مسجنة فِي الأَرْض الثَّانِيَة فَلَمَّا أَرَادَ الله أَن يهْلك عاداً أَمر خَازِن الرّيح أَن يُرْسل عَلَيْهِم ريحًا تهْلك عاداً قَالَ: أَي رب أرسل عَلَيْهِم من الرّيح قدر منخر ثَوْر قَالَ لَهُ الْجَبَّار
لَا إِذا تكفأ الأَرْض وَمن عَلَيْهَا وَلَكِن أرسل عَلَيْهِم بِقدر خَاتم فَهِيَ الَّتِي قَالَ الله {مَا تذر من شَيْء أَتَت عَلَيْهِ إِلَّا جعلته كالرميم}
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن الْمُنْذر عَن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: {الرّيح الْعَقِيم} النكباء
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن سعيد بن الْمسيب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: {الرّيح الْعَقِيم} الْجنُوب
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: {الرّيح الْعَقِيم} الصِّبَا الَّتِي لَا تلقح شَيْئا وَفِي قَوْله: {كالرميم} قَالَ: الشَّيْء الْهَالِك
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: {الرّيح الْعَقِيم} الَّتِي لَا تنْبت وَفِي قَوْله {إِلَّا جعلته كالرميم} قَالَ: كرميم الشّجر
وَأخرج أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَابْن مرْدَوَيْه عَن رجل من ربيعَة قَالَ: قدمت الْمَدِينَة فَدخلت على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذكرت عِنْده وَافد عَاد فَقلت: أعوذ بِاللَّه أَن أكون مثل وَافد عَاد قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: وَمَا وَافد عَاد فَقلت: على الْخَبِير سَقَطت إِن عاداً لما أقحطت بعثت قيلاً فَنزل على بكر بن مُعَاوِيَة فَسَقَاهُ الْخمر وغنته الجرادتان ثمَّ خرج يُرِيد جبال مهرَة فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي لم آتِك لمريض فأداويه وَلَا لأسير فأفاديه فاسْق عَبدك مَا كنت مسقيه واسق مَعَه بكر بن مُعَاوِيَة يشْكر لَهُ الْخمر الَّذِي سقَاهُ فَرفع لَهُ سحابات فَقيل لَهُ: اختر إِحْدَاهُنَّ فَاخْتَارَ السَّوْدَاء مِنْهُنَّ فَقيل لَهُ: خُذْهَا رَمَادا ومدداً لَا تذر من عَاد أحدا وَذكر أَنه لم يُرْسل عَلَيْهِم من الرّيح إِلَّا قدر هَذِه الْحلقَة يَعْنِي حَلقَة الْخَاتم ثمَّ قَرَأَهُ {وَفِي عَاد إِذْ أرسلنَا عَلَيْهِم الرّيح الْعَقِيم مَا تذر من شَيْء أَتَت عَلَيْهِ إِلَّا جعلته كالرميم}
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَفِي ثَمُود إِذْ قيل لَهُم تمَتَّعُوا حَتَّى حِين} قَالَ: ثَلَاثَة أَيَّام
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فَعَتَوْا} قَالَ: علوا وَفِي قَوْله {فَأَخَذتهم الصاعقة وهم ينظرُونَ} قَالَ: فَجْأَة(7/622)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فَعَتَوْا} قَالَ: علوا وَفِي قَوْله {فَأَخَذتهم الصاعقة وهم ينظرُونَ} قَالَ: فَجْأَة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فَمَا اسْتَطَاعُوا من قيام} قَالَ: من نهوض
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فَمَا اسْتَطَاعُوا من قيام} قَالَ: لم يستطيعوا أَن ينهضوا بعقوبة الله إِذْ نزلت بهم وَفِي قَوْله {وَمَا كَانُوا منتصرين} قَالَ: لم يستطيعوا امتناعاً من أَمر الله
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وَالسَّمَاء بنيناها بأيد} قَالَ: بِقُوَّة
وَأخرج آدم بن أبي اياس وَالْبَيْهَقِيّ عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَالسَّمَاء بنيناها بأيد} قَالَ: يَعْنِي بِقُوَّة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَإِنَّا لموسعون} قَالَ: لنخلق سَمَاء مثلهَا وَفِي قَوْله {وَالْأَرْض فرشناها فَنعم الماهدون} قَالَ: الفارشون
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَمن كل شَيْء خلقنَا زَوْجَيْنِ} قَالَ: الْكفْر والإِيمان والشقاء والسعادة وَالْهدى والضلالة وَاللَّيْل وَالنَّهَار وَالسَّمَاء وَالْأَرْض وَالْجِنّ والإِنس وَالْبر وَالْبَحْر وَالشَّمْس وَالْقَمَر وبكرة وَعَشِيَّة وَنَحْو هَذَا كُله
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {أتواصوا بِهِ} قَالَ: هَل أوصى الأول الآخر مِنْهُم بالتكذيب
الْآيَات 54 - 60(7/623)
فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنْتَ بِمَلُومٍ (54) وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ (55) وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (57) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (58) فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوبًا مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ فَلَا يَسْتَعْجِلُونِ (59) فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (60)
أخرج أَبُو دَاوُد فِي ناسخه وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {فتول عَنْهُم فَمَا أَنْت بملوم} قَالَ: أمره الله أَن يتَوَلَّى عَنْهُم ليعذبهم وَعذر مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ قَالَ: {وَذكر فَإِن الذكرى تَنْفَع الْمُؤمنِينَ} فنسختها
وَأخرج اسحق بن رَاهَوَيْه وَأحمد بن منيع والهيثم بن كُلَيْب فِي أسانيدهم وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان والضياء فِي المختارة من طَرِيق مُجَاهِد عَن عَليّ قَالَ: لما نزلت {فتول عَنْهُم فَمَا أَنْت بملوم} لم يبْق منا أحد إِلَّا أَيقَن بالهلكة إِذْ أَمر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالتولي عَنَّا فَنزلت {وَذكر فَإِن الذكرى تَنْفَع الْمُؤمنِينَ} فطابت أَنْفُسنَا
وَأخرج ابْن رَاهَوَيْه وَابْن مرْدَوَيْه عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فتول عَنْهُم فَمَا أَنْت بملوم} قَالَ: مَا نزلت علينا آيَة كَانَت أَشد علينا مِنْهَا وَلَا أعظم علينا مِنْهَا فَقُلْنَا: مَا هَذَا إِلَّا من سخطَة أَو مقت حَتَّى نزلت {وَذكر فَإِن الذكرى تَنْفَع الْمُؤمنِينَ} قَالَ: ذكر بِالْقُرْآنِ
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فتول عَنْهُم فَمَا أَنْت بملوم} قَالَ: ذكر لنا أَنَّهَا لما نزلت اشْتَدَّ على أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَرَأَوا أَن الْوَحْي قد انْقَطع وَأَن الْعَذَاب قد حضر فَأنْزل الله بعد ذَلِك {وَذكر فَإِن الذكرى تَنْفَع الْمُؤمنِينَ}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فتول عَنْهُم فَمَا أَنْت بملوم} قَالَ: فَأَعْرض عَنْهُم فَقيل لَهُ: {وَذكر فَإِن الذكرى تَنْفَع الْمُؤمنِينَ} فوعظهم
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن سلمَان بن حبيب الْمحَاربي قَالَ: من وجد للذِّكْرَى فِي قلبه موقعاً فَليعلم أَنه مُؤمن قَالَ الله {وَذكر فَإِن الذكرى تَنْفَع الْمُؤمنِينَ}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وَمَا خلقت الْجِنّ والإِنس إِلَّا ليعبدون} قَالَ: ليقروا بالعبودية طَوْعًا أَو كرها
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وَمَا خلقت الْجِنّ والإِنس إِلَّا ليعبدون} قَالَ: على مَا خلقتهمْ عَلَيْهِ من طَاعَتي ومعصيتي وشقوتي وسعادتي(7/624)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن زيد بن أسلم رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَمَا خلقت الْجِنّ والإِنس إِلَّا ليعبدون} قَالَ: مَا جبلوا عَلَيْهِ من الشَّقَاء والسعادة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي الجوزاء فِي الْآيَة قَالَ: أَنا أرزقهم وَأَنا أطْعمهُم مَا خلقتهمْ إِلَّا ليعبدون
وَأخرج أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه وَابْن ماجة عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: قَالَ الله: ابْن آدم تفرغ لعبادتي أملأ صدرك غنى وَأسد فقرك وَإِلَّا تفعل مَلَأت صدرك شغلا وَلم أَسد فقرك
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي مُسْند الشاميين وَالْحَاكِم فِي التَّارِيخ وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان والديلمي فِي مُسْند الفردوس عَن أبي الدَّرْدَاء رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: قَالَ الله إِنِّي وَالْجِنّ والإِنس فِي نبأ عَظِيم أخلق ويعبد غَيْرِي وأرزق ويشكر غَيْرِي
وَأخرج أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَالنَّسَائِيّ وَابْن الْأَنْبَارِي فِي الْمَصَاحِف وَابْن حبَان وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: اقرأني رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {إِن الله هُوَ الرَّزَّاق ذُو القوّة المتين}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {المتين} يَقُول: الشَّديد
قَوْله تَعَالَى: {فَإِن للَّذين ظلمُوا ذنوباً} الْآيَة
أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {ذنوباً} قَالَ: دلواً
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن جرير عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {ذنوباً مثل ذنُوب أَصْحَابهم} قَالَ: سجلا من الْعَذَاب مثل عَذَاب أَصْحَابهم
وَأخرج الخرائطي فِي مساوىء الْأَخْلَاق عَن طَلْحَة بن عَمْرو فِي قَوْله {ذنوباً مثل ذنُوب أَصْحَابهم} قَالَ: عذَابا مثل عَذَاب أَصْحَابهم وَالله تَعَالَى أعلم(7/625)
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم (52)
سُورَة الطّور
مَكِّيَّة وآياتها تسع وَأَرْبَعُونَ
مُقَدّمَة سُورَة الطّور أخرج ابْن الضريس وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: نزلت سُورَة الطّور بِمَكَّة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن الزبير مثله
وَأخرج مَالك وَأحمد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم عَن جُبَير بن مطعم قَالَ: سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقْرَأ فِي الْمغرب بِالطورِ
وَأخرج البُخَارِيّ وَأَبُو دَاوُد عَن أم سَلمَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: شَكَوْت إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنِّي أشتكي فَقَالَ: طوفي من وَرَاء النَّاس وَأَنت راكبة فطفت وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي إِلَى جنب الْبَيْت يقْرَأ {وَالطور وَكتاب مسطور}
الْآيَات 1 - 6(7/626)
وَالطُّورِ (1) وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ (2) فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ (3) وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ (4) وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ (5) وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ (6)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وَالطور} قَالَ: جبل
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: الطّور من جبال الْجنَّة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن كثير بن عبد الله بن عَمْرو بن عَوْف عَن أَبِيه عَن جده قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: الطّور جبل من جبال الْجنَّة(7/626)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {وَالطور} قَالَ: هُوَ الْجَبَل بالسُّرْيَانيَّة {وَكتاب مسطور} قَالَ: صحف {فِي رق منشور} قَالَ: الصَّحِيفَة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَكتاب} قَالَ: الذّكر {مسطور} قَالَ: مَكْتُوب
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالْبُخَارِيّ فِي خلق أَفعَال الْعباد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَالطور وَكتاب مسطور} قَالَ: مَكْتُوب {فِي رق منشور} قَالَ: هُوَ الْكتاب
وَأخرج آدم بن أبي اياس وَالْبُخَارِيّ فِي خلق أَفعَال الْعباد وَابْن جرير وَالْبَيْهَقِيّ عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَكتاب مسطور} قَالَ: صحف مَكْتُوبَة {فِي رق منشور} قَالَ: فِي صحف
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {فِي رق منشور} قَالَ: فِي الْكتاب
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: الْبَيْت الْمَعْمُور فِي السَّمَاء السَّابِعَة يدْخلهُ كل يَوْم سَبْعُونَ ألف ملك لَا يعودون إِلَيْهِ حَتَّى تقوم السَّاعَة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر والعقيلي وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه بِسَنَد ضَعِيف عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: فِي السَّمَاء بَيت يُقَال لَهُ الْمَعْمُور بحيال الْكَعْبَة وَفِي السَّمَاء الرَّابِعَة نهر يُقَال لَهُ الْحَيَوَان يدْخلهُ جِبْرِيل كل يَوْم فينغمس انغماسة ثمَّ يخرج فينتفض انتفاضة يخر عَنهُ سَبْعُونَ ألف قَطْرَة يخلق الله من كل قَطْرَة ملكا يؤمرون أَن يَأْتُوا الْبَيْت الْمَعْمُور فيصلون فيفعلون ثمَّ يخرجُون فَلَا يعودون إِلَيْهِ أبدا ويولي عَلَيْهِم أحدهم يُؤمر أَن يقف بهم فِي السَّمَاء موقفا يسبحون الله فِيهِ إِلَى أَن تقوم السَّاعَة
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه بِسَنَد ضَعِيف عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: الْبَيْت الْمَعْمُور فِي السَّمَاء يُقَال لَهُ الضراح على مثل الْبَيْت الْحَرَام بحياله لَو سقط لسقط عَلَيْهِ يدْخلهُ كل يَوْم سَبْعُونَ ألف ملك لم يردوه قطّ وَإِن لَهُ فِي السَّمَاء حُرْمَة على قدر حُرْمَة مَكَّة(7/627)
وَأخرجه عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف عَن كريب مولى ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا مُرْسلا
وَأخرج اسحق بن رَاهَوَيْه وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن خَالِد بن عرْعرة أَن رجلا قَالَ لعَلي رَضِي الله عَنهُ: مَا الْبَيْت الْمَعْمُور قَالَ: بَيت فِي السَّمَاء يُقَال لَهُ الضراح وَهُوَ بحيال مَكَّة من فَوْقهَا حرمته فِي السَّمَاء كَحُرْمَةِ الْبَيْت فِي الأَرْض يُصَلِّي فِيهِ كل يَوْم سَبْعُونَ ألفا من الْمَلَائِكَة لَا يعودون إِلَيْهِ أبدا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر وَابْن جرير وَابْن الْأَنْبَارِي فِي الْمَصَاحِف عَن أبي الطُّفَيْل أَن ابْن الكوا سَأَلَ عليا رَضِي الله عَنهُ عَن الْبَيْت الْمَعْمُور مَا هُوَ قَالَ: ذَلِك الضراح بَيت فَوق سبع سموات تَحت الْعَرْش يدْخلهُ كل يَوْم سَبْعُونَ ألف ملك ثمَّ لَا يعودون إِلَيْهِ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وَالْبَيْت الْمَعْمُور} قَالَ: هُوَ بَيت حذاء الْعَرْش يعمره الْمَلَائِكَة يُصَلِّي فِيهِ كل يَوْم سَبْعُونَ ألفا من الْمَلَائِكَة ثمَّ لَا يعودون إِلَيْهِ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله {وَالْبَيْت الْمَعْمُور} قَالَ: أنزل من الْجنَّة فَكَانَ يعمر بِمَكَّة فَلَمَّا كَانَ الْغَرق رَفعه الله فَهُوَ فِي السَّمَاء السَّادِسَة يدْخلهُ كل يَوْم سَبْعُونَ ألف ملك من قَبيلَة إِبْلِيس ثمَّ لَا يرجع إِلَيْهِ أحد يَوْمًا وَاحِدًا أبدا
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عبد الله بن عَمْرو رَفعه قَالَ: إِن الْبَيْت الْمَعْمُور بحيال الْكَعْبَة لَو سقط شَيْء مِنْهُ لسقط عَلَيْهَا يُصَلِّي فِيهِ كل يَوْم سَبْعُونَ ألف ملك وَالْحرم حرم بحياله إِلَى الْعَرْش وَمَا من السَّمَاء مَوضِع إهَاب إِلَّا وَعَلِيهِ ملك ساجد أَو قَائِم
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الْإِيمَان عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: إِن فِي السَّمَاء بَيْتا يُقَال لَهُ الضراح وَهُوَ فَوق الْبَيْت من حياله حرمته فِي السَّمَاء كَحُرْمَةِ هَذَا فِي الأَرْض يلجه كل لَيْلَة سَبْعُونَ ألف ملك يصلونَ فِيهِ لَا يعودون إِلَيْهِ أبدا غير تِلْكَ اللَّيْلَة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قدم مَكَّة فَأَرَادَتْ عَائِشَة أَن تدخل الْبَيْت فَقَالَ لَهَا بَنو شيبَة: إِن أحدا لَا يدْخلهُ لَيْلًا وَلَكِن نخليه لَك(7/628)
نَهَارا فَدخل عَلَيْهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فشكت إِلَيْهِ أَنهم منعوها أَن تدخل الْبَيْت فَقَالَ: إِنَّه لَيْسَ لأحد أَن يدْخل الْبَيْت لَيْلًا إِن هَذِه الْكَعْبَة بحيال الْبَيْت الْمَعْمُور الَّذِي فِي السَّمَاء يدْخل ذَلِك الْمَعْمُور سَبْعُونَ ألف ملك لَا يعودون إِلَيْهِ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة لَو وَقع حجر مِنْهُ لوقع على ظهر الْكَعْبَة
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَالْبَيْت الْمَعْمُور} قَالَ: ذكر لنا أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ يَوْمًا لأَصْحَابه: هَل تَدْرُونَ مَا الْبَيْت الْمَعْمُور قَالُوا: الله وَرَسُوله أعلم
قَالَ: فَإِنَّهُ مَسْجِد فِي السَّمَاء بحيال الْكَعْبَة لَو خرَّ خرَّ عَلَيْهَا يُصَلِّي كل يَوْم فِيهِ سَبْعُونَ ألف ملك إِذا خَرجُوا مِنْهُ لم يعودوا آخر مَا عَلَيْهِم
وَأخرج ابْن جرير عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لما عرج بِي الْملك إِلَى السَّمَاء السَّابِعَة انْتَهَيْت إِلَى بِنَاء فَقلت للْملك مَا هَذَا قَالَ: هَذَا بِنَاء بناه الله للْمَلَائكَة يدْخلهُ كل يَوْم سَبْعُونَ ألف ملك يسبحون الله ويقدسونه لَا يعودون إِلَيْهِ
وَأخرج ابْن رَاهَوَيْه وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة وَالْحَاكِم وَصَححهُ الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الْإِيمَان عَن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {والسقف الْمَرْفُوع} قَالَ: السَّمَاء
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الرّبيع بن أنس فِي قَوْله {والسقف الْمَرْفُوع} قَالَ: الْعَرْش {وَالْبَحْر الْمَسْجُور} قَالَ: هُوَ المَاء الْأَعْلَى الَّذِي تَحت الْعَرْش
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {والسقف} قَالَ: السَّمَاء
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَسَعِيد بن مَنْصُور وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَالْبَحْر الْمَسْجُور} قَالَ: بَحر فِي السَّمَاء تَحت الْعَرْش
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَمْرو مثله
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وَالْبَحْر الْمَسْجُور} قَالَ: الْمَحْبُوس
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وَالْبَحْر الْمَسْجُور} قَالَ: الْمُرْسل(7/629)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن سعيد بن الْمسيب قَالَ: قَالَ عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ لرجل من الْيَهُود: أَيْن جَهَنَّم قَالَ: هِيَ الْبَحْر فَقَالَ عليّ: مَا أرَاهُ إِلَّا صَادِقا وَقَرَأَ {وَالْبَحْر الْمَسْجُور} {وَإِذا الْبحار سجرت} التكوير 6
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ فِي العظمة وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث والنشور عَن عَليّ بن أبي طَالب قَالَ: مَا رَأَيْت يَهُودِيّا أصدق من فلَان زعم أَن نَار الله الْكُبْرَى هِيَ الْبَحْر فَإِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة جمع الله فِيهِ الشَّمْس وَالْقَمَر والنجوم ثمَّ بعث عَلَيْهِ الدبور فسعرته
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَالْبَحْر الْمَسْجُور} قَالَ: الموقد
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن كَعْب فِي قَوْله {وَالْبَحْر الْمَسْجُور} قَالَ: الْبَحْر يسجر فَيصير جَهَنَّم
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَالْبَحْر الْمَسْجُور} قَالَ: المملوء
وَأخرج الشِّيرَازِيّ فِي الألقاب من طَرِيق الْأَصْمَعِي عَن أبي عَمْرو بن الْعَلَاء عَن ذِي الرمة عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَالْبَحْر الْمَسْجُور} قَالَ: الفارغ خرجت أمة تستقي فرأت الْحَوْض فَارغًا فَقَالَت: الْحَوْض مسجور
الآيا 7 - 18(7/630)
إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ (7) مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ (8) يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا (9) وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا (10) فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (11) الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ (12) يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا (13) هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ (14) أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لَا تُبْصِرُونَ (15) اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (16) إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ (17) فَاكِهِينَ بِمَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (18)
أخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن سعد وَأحمد عَن جُبَير بن مطعم قَالَ: قدمت الْمَدِينَة فِي أُسَارَى بدر على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فوقفت إِلَيْهِ وَهُوَ يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ صَلَاة الْمغرب فَسَمعته يقْرَأ {إِن عَذَاب رَبك لوَاقِع} فَكَأَنَّمَا صدع قلبِي(7/630)
وَأخرج أَبُو عبيد فِي فضائله عَن الْحسن أَن عمر بن الْخطاب قَرَأَ {إِن عَذَاب رَبك لوَاقِع} فربا لَهَا ربوة عيد لَهَا عشْرين يَوْمًا
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن مَالك بن مغول قَالَ: قَرَأَ عمر {وَالطور وَكتاب مسطور فِي رق منشور} قَالَ: قسم إِلَى قَوْله {إِن عَذَاب رَبك لوَاقِع} فَبكى ثمَّ بَكَى حَتَّى عيد من وَجَعه ذَلِك
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله {إِن عَذَاب رَبك لوَاقِع} قَالَ: وَقع الْقسم هُنَا وَذَاكَ يَوْم الْقِيَامَة
قَوْله تَعَالَى: {يَوْم تمور السَّمَاء موراً} الْآيَات
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {يَوْم تمور السَّمَاء موراً} قَالَ: تحرّك وَفِي قَوْله {يَوْم يدعونَ} قَالَ: يدْفَعُونَ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {يَوْم تمور السَّمَاء موراً} قَالَ: تَدور دوراً
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {يَوْم يدعونَ إِلَى نَار جَهَنَّم} قَالَ: يدْفع فِي أَعْنَاقهم حَتَّى يرِدوا النَّار
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور عَن مُحَمَّد بن كَعْب فِي قَوْله {يَوْم يدعونَ إِلَى نَار جَهَنَّم دَعَا} قَالَ: يدْفَعُونَ إِلَيْهَا دفعا
الْآيَات 19 - 22(7/631)
كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (19) مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (20) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ (21) وَأَمْدَدْنَاهُمْ بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (22)
أخرج ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عِكْرِمَة قَالَ: قَالَ ابْن عَبَّاس فِي قَول الله لأهل الْجنَّة {كلوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُم تَعْمَلُونَ} قَوْله هَنِيئًا أَي لَا تموتون فِيهَا فعندما قَالُوا (فَمَا نَحن بميتين إِلَّا موتتنا الأولى وَمَا نَحن بمعذبين) (الصافات 59)(7/631)
أخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي أُمَامَة قَالَ: سُئِلَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَل تزاور أهل الْجنَّة
قَالَ: أَي وَالَّذِي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ إِنَّهُم ليتزاورون على النوق الدمك عَلَيْهَا حشايا الديباج يزور الأعلون الأسفلين وَلَا يزور الأسفلون الأعلين قَالَ: هم دَرَجَات قَالَ: وَإِنَّهُم ليضعون مرافقهم فيتكئون ويأكلون وَيَشْرَبُونَ وَيَتَنَعَّمُونَ ويتنازعون فِيهَا كأساً لَا لَغْو فِيهَا وَلَا تأثيم لَا يصدّعون عَنْهَا وَلَا ينزفون مِقْدَار سبعين خَرِيفًا مَا يرفع أحدهم مرفقه من اتكائه قَالَ: يَا رَسُول الله هَل ينْكحُونَ قَالَ: أَي وَالَّذِي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ دحاماً دحاماً وَأَشَارَ بِيَدِهِ وَلَكِن لأمني وَلَا منية وَلَا يَمْتَخِطُونَ فِيهَا وَلَا يتغوّطون رجيعهم رشح كحبوب الْمسك مجامرهم الالوة وأمشاطهم الذَّهَب وَالْفِضَّة آنيتهم من الذَّهَب وَالْفِضَّة يسبحون الله بكرَة وعشياً قُلُوبهم على قلب رجل وَاحِد لَا غل بَينهم وَلَا تباغض يسبحون الله تَعَالَى بكرَة وعشياً
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن عَليّ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَرَأَ {وَالَّذين آمنُوا وَاتَّبَعتهمْ ذُرِّيتهمْ بِإِيمَان ألحقنا بهم ذُرِّيتهمْ}
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وهناد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: إِن الله ليرْفَع ذُرِّيَّة الْمُؤمن مَعَه فِي الْجنَّة وَإِن كَانُوا دونه فِي الْعَمَل لتقر بهم عينه ثمَّ قَرَأَ {وَالَّذين آمنُوا وَاتَّبَعتهمْ ذُرِّيتهمْ} الْآيَة
وَأخرج الْبَزَّار وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَفعه إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن الله يرفع ذُرِّيَّة الْمُؤمن إِلَيْهِ فِي دَرَجَته وَإِن كَانُوا دونه فِي الْعَمَل لتقر بهم عينه ثمَّ قَرَأَ {وَالَّذين آمنُوا وَاتَّبَعتهمْ ذُرِّيتهمْ بِإِيمَان ألحقنا بهم ذُرِّيتهمْ وَمَا ألتناهم من عَمَلهم من شَيْء} قَالَ: وَمَا نقصنا الْآبَاء بِمَا أعيطنا الْبَنِينَ
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِذا دخل الرجل الْجنَّة سَأَلَ عَن أَبَوَيْهِ وَذريته وَولده فَيُقَال: إِنَّهُم لم يبلغُوا درجتك وعملك فَيَقُول: يَا رب قد عملت لي وَلَهُم فَيُؤْمَر بإلحاقهم بِهِ وَقَرَأَ ابْن عَبَّاس {وَالَّذين آمنُوا وَاتَّبَعتهمْ ذُرِّيتهمْ} الْآيَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَالَّذين آمنُوا وَاتَّبَعتهمْ ذُرِّيتهمْ} الْآيَة قَالَ: هم ذُرِّيَّة الْمُؤمن يموتون على الإِسلام فَإِن كَانَت منَازِل آبَائِهِم أرفع من مَنَازِلهمْ لَحِقُوا بآبائهم وَلم ينقصوا من أَعْمَالهم الَّتِي عمِلُوا شَيْئا(7/632)
وَأخرج عبد الله بن أَحْمد فِي زَوَائِد الْمسند عَن عَليّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن الْمُؤمنِينَ وَأَوْلَادهمْ فِي الْجنَّة وَإِن الْمُشْركين وَأَوْلَادهمْ فِي النَّار ثمَّ قَرَأَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وَالَّذين آمنُوا وَاتَّبَعتهمْ ذُرِّيتهمْ} الْآيَة
وَأخرج هناد وَابْن الْمُنْذر عَن إِبْرَاهِيم فِي الْآيَة قَالَ: أعطي الْآبَاء مثل مَا أعطي الْأَبْنَاء وَأعْطِي الْأَبْنَاء مثل مَا أعطي الْآبَاء
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن أبي مجلز فِي الْآيَة قَالَ: يجمع الله لَهُ ذُريَّته كَمَا يحب أَن يجمعوا لَهُ فِي الدُّنْيَا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْحَاكِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَمَا ألتناهم} قَالَ: مَا نقصناهم
وَأخرج الْفرْيَابِيّ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَمَا ألتناهم} قَالَ: لم ننقصهم من عَمَلهم شَيْئا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَمَا ألتناهم} يَقُول: وَمَا ظلمناهم
الْآيَات 23 - 29(7/633)
يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْسًا لَا لَغْوٌ فِيهَا وَلَا تَأْثِيمٌ (23) وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ (24) وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (25) قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ (26) فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ (27) إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ (28) فَذَكِّرْ فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلَا مَجْنُونٍ (29)
أخرج عبد الرَّزَّاق عَن ابْن جريج فِي قَوْله {يتنازعون فِيهَا كأساً} قَالَ: الرجل وأزواجه وخدمه يتنازعون أَخذه من خدمَة الكأس وَمن زَوجته وَأخذ خدمَة الكأس مِنْهُ وَمن زَوجته
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {لَا لَغْو فِيهَا} يَقُول: لَا بَاطِل فِيهَا {وَلَا تأثيم}(7/633)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {لَا لَغْو فِيهَا} قَالَ: لَا يستبون {وَلَا تأثيم} قَالَ: لَا يغوون
أخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله {كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤ مَكْنُون} قَالَ: الَّذِي لم تمر عَلَيْهِ الْأَيْدِي
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله {كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤ مَكْنُون} قَالَ: بَلغنِي أَنه قيل: يَا رَسُول الله هَذَا الخدم مثل اللُّؤْلُؤ فَكيف بمخدوم قَالَ: وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ إِن فضل مَا بَينهمَا كفضل الْقَمَر لَيْلَة الْبَدْر على النُّجُوم وَفِي لفظ لِابْنِ جرير إِن فضل المخدوم على الْخَادِم كفضل الْقَمَر لَيْلَة الْبَدْر على سَائِر الْكَوَاكِب
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وحسنة وَابْن مرْدَوَيْه عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِنَّا أكْرم ولد آدم على رَبِّي وَلَا فَخر يطوف عليّ ألف خَادِم {كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤ مَكْنُون}
قَوْله تَعَالَى: {فَأقبل بَعضهم على بعض يتساءلون} الْآيَات
أخرج الْبَزَّار عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِذا دخل أهل الْجنَّة الْجنَّة اشتاقوا إِلَى الإِخوان فَيَجِيء سَرِير هَذَا حَتَّى يُحَاذِي سَرِير هَذَا فيتحدثان فيتكىء ذَا ويتكىء ذَا فيتحدثان بِمَا كَانَا فِي الدُّنْيَا فَيَقُول أَحدهمَا لصَاحبه يَا فلَان تَدْرِي أَي يَوْم غفر الله لنا يَوْم كُنَّا فِي مَوضِع كَذَا وَكَذَا فدعونا الله فغفر لنا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله {إِنَّا كُنَّا قبل فِي أهلنا مشفقين} قَالَ: فِي الدُّنْيَا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله: {ووقانا عَذَاب السمُوم} قَالَ: وهج النَّار
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عَائِشَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَو فتح الله من عَذَاب السمُوم على أهل الأَرْض مثل الْأُنْمُلَة أحرقت الأَرْض وَمن عَلَيْهَا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الْإِيمَان عَن عَائِشَة أَنه قَرَأت هَذِه الْآيَة {فمنَّ الله علينا ووقانا عَذَاب السمُوم إِنَّا كُنَّا من قبل نَدْعُوهُ إِنَّه هُوَ الْبر الرَّحِيم} فَقَالَت: اللَّهُمَّ منَّ علينا وقنا عَذَاب السمُوم إِنَّك أَنْت الْبر الرَّحِيم وَذَلِكَ فِي الصَّلَاة(7/634)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد فِي الزّهْد وَابْن الْمُنْذر عَن أَسمَاء أَنَّهَا قَرَأت هَذِه الْآيَة فَوَقَعت عَلَيْهَا فَجعلت تستعيذ وَتَدْعُو
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {إِنَّه هُوَ الْبر} قَالَ: اللَّطِيف
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله {إِنَّه هُوَ الْبر} قَالَ: الصَّادِق
الْآيَات 30 - 46(7/635)
أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ (30) قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ (31) أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلَامُهُمْ بِهَذَا أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ (32) أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لَا يُؤْمِنُونَ (33) فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ (34) أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ (35) أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لَا يُوقِنُونَ (36) أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ (37) أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (38) أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ (39) أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ (40) أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ (41) أَمْ يُرِيدُونَ كَيْدًا فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ (42) أَمْ لَهُمْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (43) وَإِنْ يَرَوْا كِسْفًا مِنَ السَّمَاءِ سَاقِطًا يَقُولُوا سَحَابٌ مَرْكُومٌ (44) فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ (45) يَوْمَ لَا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (46)
أخرج ابْن إِسْحَق وَابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس أَن قُريْشًا لما اجْتَمعُوا فِي دَار الندوة فِي أَمر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ قَائِل مِنْهُم: احْبِسُوهُ فِي وثاق وتربصوا بِهِ الْمنون حَتَّى يهْلك كَمَا هلك من قبله من الشُّعَرَاء زُهَيْر والنابغة إِنَّمَا هُوَ كأحدهم فَأنْزل الله فِي ذَلِك من قَوْلهم {أم يَقُولُونَ شَاعِر نتربص بِهِ ريب الْمنون}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {ريب الْمنون} قَالَ: الْمَوْت(7/635)
وَأخرج ابْن الْأَنْبَارِي فِي الْوَقْت والابتداء عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: ريب: شكّ إِلَّا مَكَانا وَاحِدًا فِي الطّور {ريب الْمنون} يَعْنِي حوادث الْأُمُور قَالَ الشَّاعِر: تربص بهَا ريب الْمنون لَعَلَّهَا تطلق يَوْمًا أَو يَمُوت حَلِيلهَا وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {ريب الْمنون} قَالَ: حوادث الدَّهْر وَفِي قَوْله {أم هم قوم طاغون} قَالَ: بل هم قوم طاغون
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن زيد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {أم تَأْمُرهُمْ أحلامهم} قَالَ: الْعُقُول
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فليأتوا بِحَدِيث مثله} قَالَ: مثل الْقُرْآن وَفِي قَوْله: {فليأت مستمعهم} قَالَ: صَاحبهمْ وَفِي قَوْله {أم تَسْأَلهُمْ أجرا فهم من مغرم مثقلون} يَقُول: أسألت هَؤُلَاءِ الْقَوْم على الإِسلام أجرا فَمَنعهُمْ من أَن يسلمُوا الْجعل وَفِي قَوْله {أم عِنْدهم الْغَيْب} قَالَ: الْقُرْآن
وَأخرج البُخَارِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن جُبَير بن مطعم رَضِي الله عَنهُ: سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقْرَأ فِي الْمغرب بِالطورِ فَلَمَّا بلغ هَذِه الْآيَة {أم خلقُوا من غير شَيْء أم هم الْخَالِقُونَ} الْآيَات كَاد قلبِي أَن يطير
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم فِي قَوْله {أم هم المصيطرون} قَالَ: المسلطون
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {أم هم المصيطرون} قَالَ: أم هم المنزلون وَالله تَعَالَى أعلم
الْآيَات 47 - 49(7/636)
وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَابًا دُونَ ذَلِكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (47) وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ (48) وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ (49)
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَإِن للَّذين ظلمُوا عذَابا دون ذَلِك} قَالَ: عَذَاب الْقَبْر قبل يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج هناد عَن زَاذَان مثله
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة أَن ابْن عَبَّاس قَالَ: إِن عَذَاب الْقَبْر فِي الْقُرْآن ثمَّ تَلا {وَإِن للَّذين ظلمُوا عذَابا دون ذَلِك}(7/636)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَإِن للَّذين ظلمُوا عذَابا دون ذَلِك} قَالَ: الْجُوع لقريش فِي الدُّنْيَا
قَوْله تَعَالَى: {وَسبح بِحَمْد رَبك حِين تقوم}
أخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَسبح بِحَمْد رَبك حِين تقوم} قَالَ: من كل مجْلِس
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي الْأَحْوَص رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَسبح بِحَمْد رَبك حِين تقوم} قَالَ: إِذا قُمْت فَقل: سُبْحَانَ الله وَبِحَمْدِهِ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق فِي جَامعه عَن أبي عُثْمَان الْفَقِير رَضِي الله عَنهُ أَن جِبْرِيل علم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا قَامَ من مَجْلِسه أَن يَقُول: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا أَنْت استغفرك وَأَتُوب إِلَيْك
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَالْحَاكِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي بَرزَة الْأَسْلَمِيّ قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول بآخرة إِذا أَرَادَ أَن يقوم من الْمجْلس: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا أَنْت استغفرك وَأَتُوب إِلَيْك فَقَالَ رجل يَا رَسُول الله: إِنَّك لتقول قولا مَا كنت تَقوله فِيمَا مضى قَالَ: كَفَّارَة لما يكون فِي الْمجْلس
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن زِيَاد بن الْحصين قَالَ: دخلت على أبي الْعَالِيَة فَلَمَّا أردْت أَن أخرج من عِنْده قَالَ: أَلا أزودك كَلِمَات علمهن جِبْرِيل مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قلت: بلَى قَالَ: فَإِنَّهُ لما كَانَ بآخرة كَانَ إِذا قَامَ من مَجْلِسه قَالَ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا أَنْت استغفرك وَأَتُوب إِلَيْك فَقيل: يَا رَسُول الله مَا هَؤُلَاءِ الْكَلِمَات الَّتِي تقولهن قَالَ: هن كَلِمَات علمنيهن جِبْرِيل كَفَّارَات لما يكون فِي الْمجْلس
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن يحيى بن جعدة قَالَ: كَفَّارَة الْمجْلس سُبْحَانَكَ وَبِحَمْدِك أستغفرك وَأَتُوب إِلَيْك
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله {وَسبح بِحَمْد رَبك حِين تقوم} قَالَ: حِين تقوم إِلَى الصَّلَاة تَقول هَؤُلَاءِ الْكَلِمَات: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك وتبارك اسْمك وَتَعَالَى جدك وَلَا إِلَه غَيْرك
وَأخرج أَبُو عبيد وَابْن الْمُنْذر عَن سعيد بن الْمسيب قَالَ: حق على كل مُسلم حِين(7/637)
يقوم إِلَى الصَّلَاة أَن يَقُول: سُبْحَانَ الله وَبِحَمْدِهِ لِأَن الله يَقُول لنَبيه {وَسبح بِحَمْد رَبك حِين تقوم}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَسبح بِحَمْد رَبك حِين تقوم} قَالَ: حِين تقوم من فراشك إِلَى أَن تدخل فِي الصَّلَاة وَالله أعلم
قَوْله تَعَالَى: {وَمن اللَّيْل فسبحه وإدبار النُّجُوم}
أخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَمن اللَّيْل فسبحه وإدبار النجومِ} قَالَ: الركعتان قبل صَلَاة الصُّبْح
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وإدبار النُّجُوم} قَالَ: رَكْعَتي الْفجْر
وَأخرج ابْن جرير عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله {وإدبار النُّجُوم} قَالَ: صَلَاة الْغَدَاة(7/638)
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم (53)
سُورَة النَّجْم
مَكِّيَّة وآياتها ثِنْتَانِ وَسِتُّونَ
مُقَدّمَة سُورَة النَّجْم أخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: نزلت سُورَة النَّجْم بِمَكَّة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن الزبير مثله
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: أول سُورَة نزلت فِيهَا سَجْدَة {والنجم} فَسجدَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَسجد النَّاس كلهم إِلَّا رجلا رَأَيْته أَخذ كفا من تُرَاب فَسجدَ عَلَيْهِ فرأيته بعد ذَلِك قتل كَافِرًا وَهُوَ أُميَّة بن خلف
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: أول سُورَة أعلن بهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقْرؤهَا {والنجم}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سجد فِي سُورَة {والنجم} وَسجد من حضر من الْجِنّ وَالْإِنْس وَالشَّجر
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي الْعَالِيَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سجد فِي النَّجْم والمسلمون
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: سجد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم والمسلمون فِي النَّجْم إِلَّا رجلَيْنِ من قُرَيْش أَرَادَا بذلك الشُّهْرَة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن الشّعبِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: ذكر عِنْد جَابر بن عبد الله {والنجم} فَقَالَ جَابر: سجد بهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْمُشْرِكُونَ وَالْإِنْس وَالْجِنّ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الشّعبِيّ رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَرَأَ {والنجم} فَسجدَ فِيهَا الْمُسلمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ وَالْجِنّ والإِنس(7/639)
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه فِي سنَنه عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: صلى بِنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَرَأَ النَّجْم فَسجدَ بِنَا فَأطَال السُّجُود
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَرَأَ سُورَة النَّجْم فَلَمَّا بلغ السَّجْدَة سجد فِيهَا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة فِي المُصَنّف عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى فِي كسوف الشَّمْس رَكْعَتَيْنِ قَرَأَ فِي إِحْدَاهمَا النَّجْم
وَأخرج الطَّيَالِسِيّ وَابْن أبي شيبَة وَأحمد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن زيد بن ثَابت رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَرَأت النَّجْم عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلم يسْجد فِيهَا
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يسْجد فِي النَّجْم بِمَكَّة فَلَمَّا هَاجر إِلَى الْمَدِينَة لم يسْجد فِيهَا
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يسْجد فِي شَيْء من الْمفصل مُنْذُ تحول إِلَى الْمَدِينَة
وَأخرج أَحْمد عَن أبي الدَّرْدَاء رَضِي الله عَنهُ أَنه سجد مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِحْدَى عشرَة سَجْدَة مِنْهُنَّ النَّجْم
الْآيَات 1 - 4(7/640)
وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2) وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4)
أخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {والنجم إِذا هوى} قَالَ: الثريا إِذا غَابَتْ وَفِي لفظ إِذا سَقَطت مَعَ الْفجْر وَفِي لفظ قَالَ: الثريا إِذا وَقعت
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {والنجم إِذا هوى} قَالَ: الثريا إِذا تدلت
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {والنجم إِذا هوى} قَالَ: إِذا انصب(7/640)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ {والنجم إِذا هوى} قَالَ: إِذا غَابَ
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {والنجم إِذا هوى} قَالَ: الْقُرْآن إِذا نزل
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن معمر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {والنجم إِذا هوى} قَالَ: قَالَ عتبَة بن أبي لَهب: إِنِّي كفرت بِرَبّ النَّجْم قَالَ معمر: فَأَخْبرنِي ابْن طَاوُوس عَن أَبِيه أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَهُ: أما تخَاف أَن يُسَلط الله عَلَيْك كَلْبه فَخرج ابْن أبي لَهب مَعَ النَّاس فِي سفر حَتَّى إِذا كَانُوا بِبَعْض الطَّرِيق سمعُوا صَوت الْأسد فَقَالَ: مَا هُوَ إِلَّا يُرِيدنِي فَاجْتمع أَصْحَابه حوله وجعلوه فِي وَسطهمْ حَتَّى إِذا نَامُوا جَاءَ الْأسد فَأخذ هامته
وَأخرج أَبُو الْفرج الْأَصْبَهَانِيّ فِي كتاب الأغاني عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما نزلت {والنجم إِذا هوى} قَالَ عتبَة بن أبي لَهب للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِنِّي كفرت بِرَبّ النَّجْم إِذا هوى فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: اللَّهُمَّ أرسل عَلَيْهِ كَلْبا من كلابك قَالَ: فَقَالَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عنهكا: فَخرج إِلَى الشَّام فِي ركب فيهم هَبَّار بن الْأسود حَتَّى إِذا كَانُوا بوادي الغاضرة وَهِي مسبعَة نزلُوا لَيْلًا فافترشوا صفا وَاحِدًا فَقَالَ عتبَة: أتريدون أَن تجْعَلُوا حجزة لَا وَالله لَا أَبيت إِلَّا وسطكم فَمَا انبهني إِلَّا السَّبع يشم رؤوسهم رجلا رجلا حَتَّى انْتهى إِلَيْهِ فَالْتَفت أنيابه فِي صدغيه
وَأخرج أَبُو نعيم فِي الدَّلَائِل وَابْن عَسَاكِر من طَرِيق عُرْوَة عَن هَبَّار بن الْأسود قَالَ: كَانَ أَبُو لَهب وَابْنه عتبَة قد تجهزا إِلَى الشَّام وتجهزت مَعَهُمَا فَقَالَ ابْن أبي لَهب: وَالله لأنطلقن إِلَى مُحَمَّد فَلَأُوذِيَنَّهُ فِي ربه فَانْطَلق حَتَّى أَتَاهُ فَقَالَ: يَا مُحَمَّد هُوَ يكفر بِالَّذِي {دنا فَتَدَلَّى فَكَانَ قاب قوسين أَو أدنى} فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: اللَّهُمَّ أبْعث عَلَيْهِ كَلْبا من كلابك
وَأخرج أَبُو نعيم عَن طَاوُوس قَالَ: لما تَلا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {والنجم إِذا هوى} قَالَ عتبَة بن أبي لَهب: كفرت بِرَبّ النَّجْم فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: سلط الله عَلَيْهِ كَلْبا من كلابه
وَأخرج أَبُو نعيم عَن أبي الضُّحَى رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ ابْن أبي لَهب: هُوَ يكفر بِالَّذِي قَالَ {والنجم إِذا هوى} فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: عَسى أَن يُرْسل(7/641)
عَلَيْهِ كَلْبا من كلابه فَبلغ ذَلِك أَبَاهُ فأوصى أَصْحَابه إِذا نزلتم منزلا فَاجْعَلُوهُ وسطكم فَفَعَلُوا حَتَّى إِذا كَانَ لَيْلَة بعث الله عَلَيْهِ سبعا فَقتله
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {والنجم إِذا هوى مَا ضل} قَالَ: أقسم الله أَنه مَا ضل مُحَمَّد وَمَا غوى
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {والنجم إِذا هوى} قَالَ: أقسم الله لَك بنجوم الْقُرْآن مَا ضل مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَا غوى
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَمَا ينْطق عَن الْهوى} قَالَ: مَا ينْطق عَن هَوَاهُ {إِن هُوَ إِلَّا وَحي يُوحى} قَالَ: يوحي الله إِلَى جِبْرِيل ويوحي جِبْرِيل إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي الْحَمْرَاء وحبة العرني قَالَا: أَمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن تسد الْأَبْوَاب الَّتِي فِي الْمَسْجِد فشق عَلَيْهِم قَالَ حَبَّة: إِنِّي لأنظر إِلَى حَمْزَة بن عبد الْمطلب وَهُوَ تَحت قطيفة حَمْرَاء وَعَيناهُ تَذْرِفَانِ وَهُوَ يَقُول: أخرجت عمك وَأَبا بكر وَعمر وَالْعَبَّاس وأسكنت ابْن عمك فَقَالَ رجل يَوْمئِذٍ: مَا يألوا يرفع ابْن عَمه قَالَ: فَعلم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قد شقّ عَلَيْهِم فَدَعَا الصَّلَاة جَامِعَة فَلَمَّا اجْتَمعُوا صعد الْمِنْبَر فَلم يسمع لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خطْبَة قطّ كَانَ أبلغ مِنْهَا تمجيداً وتوحيداً فَلَمَّا فرغ قَالَ: يَا أَيهَا النَّاس مَا أَنا سددتها وَلَا أَنا فتحتها وَلَا أَنا أخرجتكم وأسكنته ثمَّ قَرَأَ {والنجم إِذا هوى مَا ضل صَاحبكُم وَمَا غوى وَمَا ينْطق عَن الْهوى إِن هُوَ إِلَّا وَحي يُوحى}
وَأخرج أَحْمد وَالطَّبَرَانِيّ والضياء عَن أبي أُمَامَة رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: ليدخلن الْجنَّة بشفاعة رجل لَيْسَ بِنَبِي مثل الْحَيَّيْنِ أَو مثل أحد الْحَيَّيْنِ ربيعَة وَمُضر فَقَالَ رجل: يَا رَسُول الله وَمَا ربيعَة من مُضر قَالَ: إِنَّمَا أَقُول مَا أَقُول
وَأخرج الْبَزَّار عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: مَا أَخْبَرتكُم أَنه من عِنْد الله فَهُوَ الَّذِي لَا شكّ فِيهِ
وَأخرج أَحْمد عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: لَا أَقُول إِلَّا حقّاً قَالَ بعض أَصْحَابه: فَإنَّك تداعبنا يَا رَسُول الله قَالَ: إِنِّي لَا أَقُول إِلَّا حقّاً(7/642)
وَأخرج الدَّارمِيّ عَن يحيى بن أبي كثير قَالَ: كَانَ جِبْرِيل ينزل بِالسنةِ كَمَا ينزل بِالْقُرْآنِ
الْآيَات 5 - 18(7/643)
عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (5) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى (6) وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى (7) ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (8) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (9) فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى (10) مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى (11) أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى (12) وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (14) عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى (15) إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى (16) مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى (17) لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى (18)
أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن الرّبيع رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {علمه شَدِيد القوى} قَالَ: جِبْرِيل
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {علمه شَدِيد القوى} يَعْنِي جِبْرِيل {ذُو مرّة} قَالَ: ذُو خلق طَوِيل حسن
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {علمه شَدِيد القوى ذُو مرّة} قَالَ: ذُو قوّة جِبْرِيل
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم فِي قَوْله {ذُو مرّة} ذُو خلق حسن
وَأخرج الطستي فِي مسَائِله عَن ابْن عَبَّاس إِن نَافِع بن الْأَزْرَق سَأَلَهُ عَن {ذُو مرّة} قَالَ: ذُو شدَّة فِي أَمر الله قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم أما سَمِعت قَول نَابِغَة بني ذبيان: فدى أقرّ بِهِ إِذْ ضافني وَهنا قرى ذِي مرّة حَازِم وَأخرج أَحْمد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن ابْن مَسْعُود أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم ير جِبْرِيل فِي صورته إِلَّا مرَّتَيْنِ أما وَاحِدَة فَإِنَّهُ سَأَلَهُ أَن يرَاهُ فِي صورته فَأرَاهُ صورته فسد الْأُفق وَأما الثَّانِيَة فَإِنَّهُ كَانَ مَعَه حَيْثُ صعد فَذَلِك قَوْله {وَهُوَ بالأفق الْأَعْلَى} {لقد رأى من آيَات ربه الْكُبْرَى} قَالَ: خلق جِبْرِيل(7/643)
وَأخرج أَحْمد وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَالطَّبَرَانِيّ وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم وَالْبَيْهَقِيّ مَعًا فِي الدَّلَائِل عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: رأى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جِبْرِيل فِي صورته وَله سِتّمائَة جنَاح كل جنَاح مِنْهَا قد سد الْأُفق يسْقط من جنَاحه من التهاويل والدر والياقوت مَا الله بِهِ عليم
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: رَأَيْت جِبْرِيل عِنْد سِدْرَة الْمُنْتَهى لَهُ سِتّمائَة جنَاح ينفض من ريشه التهاويل والدر والياقوت
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وَهُوَ بالأفق الْأَعْلَى} قَالَ: مطلع الشَّمْس
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {وَهُوَ بالأفق الْأَعْلَى} قَالَ: قَالَ الْحسن: الْأُفق الْأَعْلَى على أفق الْمشرق {ثمَّ دنا فَتَدَلَّى} يَعْنِي جِبْرِيل {فَكَانَ قاب قوسين} قَالَ: قيد قوسين {أَو أدنى} قَالَ: حَيْثُ الْوتر من الْقوس الله من جِبْرِيل
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فَكَانَ قاب قوسين أَو أدنى} قَالَ: رأى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جِبْرِيل لَهُ سِتّمائَة جنَاح
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالطَّبَرَانِيّ وَأَبُو الشَّيْخ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم وَالْبَيْهَقِيّ مَعًا فِي الدَّلَائِل عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {مَا كذب الْفُؤَاد مَا رأى} قَالَ: رأى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
جِبْرِيل عَلَيْهِ حلتا رَفْرَف أَخْضَر قد مَلأ مَا بَين السَّمَاء وَالْأَرْض
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: كَانَ أول شَأْن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه رأى فِي مَنَامه جِبْرِيل بأجياد ثمَّ خرج لبَعض حَاجته فَصَرَخَ بِهِ جِبْرِيل يَا مُحَمَّد يَا مُحَمَّد فَنظر يَمِينا وَشمَالًا فَلم ير شَيْئا ثَلَاثًا ثمَّ رفع بَصَره فَإِذا هُوَ ثانٍ إِحْدَى رجلَيْهِ على الْأُخْرَى على أفق السَّمَاء فَقَالَ: يَا مُحَمَّد جِبْرِيل جِبْرِيل يسكنهُ فهرب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى دخل فِي النَّاس فَنظر فَلم ير شَيْئا ثمَّ خرج من النَّاس فَنظر فَرَآهُ فَذَلِك قَول الله {والنجم إِذا هوى مَا ضل صَاحبكُم وَمَا غوى} إِلَى قَوْله {ثمَّ دنا فَتَدَلَّى} يَعْنِي جِبْرِيل إِلَى مُحَمَّد {فَكَانَ قاب قوسين أَو أدنى}(7/644)
يَقُول: القاب نصف الْأصْبع {فَأوحى إِلَى عَبده مَا أوحى} جِبْرِيل إِلَى عبد ربه
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {ثمَّ دنا فَتَدَلَّى} قَالَ: هُوَ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دنا فَتَدَلَّى إِلَى ربه عزّ وجلّ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {ثمَّ دنا} قَالَ دنا ربه {فَتَدَلَّى}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {فَكَانَ قاب قوسين} قَالَ: كَانَ دنوه قدر قوسين وَلَفظ عبد بن حميد قَالَ: كَانَ بَينه وَبَينه مِقْدَار قوسين
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فَكَانَ قاب قوسين} قَالَ: دنا جِبْرِيل مِنْهُ حَتَّى كَانَ قدر ذِرَاع أَو ذراعين
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه والضياء فِي المختارة عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {فَكَانَ قاب قوسين أَو أدنى} قَالَ: القاب الْقَيْد والقوسين الذراعين
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي السّنة عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {قاب قوسين} قَالَ: ذراعين القاب الْمِقْدَار الْقوس الذِّرَاع
وَأخرج عَن شَقِيق بن سَلمَة فِي قَوْله {فَكَانَ قاب قوسين} قَالَ ذراعين والقوس الذِّرَاع يُقَاس بِهِ كل شَيْء
وَأخرج عَن سعيد بن جُبَير فِي الْآيَة قَالَ: الذِّرَاع يُقَاس بِهِ
وَأخرج آدم بن أبي إِيَاس وَالْفِرْيَابِي وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {قاب قوسين} قَالَ: حَيْثُ الْوتر من الْقوس يَعْنِي ربه
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد وَعِكْرِمَة قَالَا: دنا مِنْهُ حَتَّى كَانَ بَينه وَبَينه مثل مَا بَين كَبِدهَا إِلَى الْوتر
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي السّنة عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {قاب قوسين} قَالَ: قدر قوسين
وَأخرج الْحسن فِي قَوْله {قاب قوسين} قَالَ: من قسيكم هَذِه
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: لما أسرِي بِالنَّبِيِّ(7/645)
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اقْترب من ربه {فَكَانَ قاب قوسين أَو أدنى} قَالَ: ألم تَرَ إِلَى الْقوس مَا أقربها من الْوتر
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة ذكر لنا أَن القاب فضل طرف الْقوس على الْوتر
وَأخرج النَّسَائِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {فَأوحى إِلَى عَبده مَا أوحى} قَالَ: عَبده مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي السّنة والحكيم عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: رَأَيْت النُّور الْأَعْظَم ولط دوني بحجاب رفرفه الدّرّ والياقوت فَأوحى الله إليّ مَا شَاءَ أَن يوحي
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ وَأَبُو نعيم فِي الدَّلَائِل عَن سُرَيج بن عبيد قَالَ: لما صعد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى السَّمَاء فَأوحى الله إِلَى عَبده مَا أوحى قَالَ: فَلَمَّا أحس جِبْرِيل بدنو الرب خر سَاجِدا فَلم يزل يسبحه تسبيحات ذِي الجبروت والملكوت والكبرياء وَالْعَظَمَة حَتَّى قضى الله إِلَى عَبده مَا قضى ثمَّ رفع رَأسه فرأيته فِي خلقه الَّذِي خلق عَلَيْهِ منظوم أجنحته بالزبرجد واللؤلؤ والياقوت فخيل إليّ أَن مَا بَين عَيْنَيْهِ قد سد الأفقين وَكنت لَا أرَاهُ قبل ذَلِك إِلَّا على صور مُخْتَلفَة وَأكْثر مَا كنت أرَاهُ على صُورَة دحْيَة الْكَلْبِيّ وَكنت أَحْيَانًا لَا أرَاهُ قبل ذَلِك إِلَّا كَمَا يرى الرجل صَاحبه من وَرَاء الغربال
وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن عمر أَن جِبْرِيل كَانَ يَأْتِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي صُورَة دحْيَة الْكَلْبِيّ
وَأخرج مُسلم وَأحمد وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي السَّمَاء وَالصِّفَات عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {مَا كذب الْفُؤَاد مَا رأى أفتمارونه على مَا يرى وَلَقَد رَآهُ نزلة أُخْرَى} قَالَ: رأى مُحَمَّد ربه بِقَلْبِه مرَّتَيْنِ
وَأخرج عبد بن حميد وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالطَّبَرَانِيّ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {مَا كذب الْفُؤَاد مَا رأى} قَالَ: رَآهُ بِقَلْبِه
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ أَنه كَانَ يقْرَأ [أفتمرونه] وفسرها أفتجحدونه
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن سعيد بن جُبَير أَنه كَانَ يقْرَأ / افتمرونه / قَالَ: من قَرَأَ {أفتمارونه} قَالَ: أفتجادلونه(7/646)
وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن عَبَّاس أَنه كَانَ يقْرَأ [افتمرونه]
وَأخرج عبد بن حميد عَن الشّعبِيّ أَن شريحاً كَانَ يقْرَأ {افتمارونه} بِالْألف وَكَانَ مَسْرُوق يقْرَأ [أفتمرونه]
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: رأى مُحَمَّد ربه
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رأى ربه بِعَيْنِه
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: إِن مُحَمَّدًا رأى ربه مرَّتَيْنِ مرّة ببصره وَمرَّة بفؤاده
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَحسنه وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله الله {وَلَقَد رَآهُ نزلة أُخْرَى} قَالَ ابْن عَبَّاس: قد رأى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ربه عز وَجل
وَأخرج عبد بن حميد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْحَاكِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن الشّعبِيّ قَالَ: لَقِي ابْن عَبَّاس كَعْبًا بِعَرَفَة فَسَأَلَهُ عَن شَيْء فَكبر حَتَّى جاوبته الْجبَال فَقَالَ ابْن عَبَّاس: إِنَّا بَنو هَاشم نزعم أَن نقُول: إِن مُحَمَّدًا قد رأى ربه مرَّتَيْنِ فَقَالَ كَعْب: إِن الله قسم رُؤْيَته وَكَلَامه بَين مُوسَى وَمُحَمّد عَلَيْهِمَا السَّلَام فَرَأى مُحَمَّد ربه مرَّتَيْنِ وكلم مُوسَى مرَّتَيْنِ
قَالَ مَسْرُوق: فَدخلت عليَّ عَائِشَة فَقلت: هَل رأى مُحَمَّد ربه فَقَالَت: لقد تَكَلَّمت بِشَيْء وقف لَهُ شعري قلت: رويداً ثمَّ قَرَأت {لقد رأى من آيَات ربه الْكُبْرَى} قَالَت: أَيْن يذهب بك إِنَّمَا هُوَ جِبْرِيل من أخْبرك أَن مُحَمَّدًا رأى ربه أَو كتم شَيْئا مِمَّا أَمر بِهِ أَو يعلم الْخمس الَّتِي قَالَ الله إِن الله عِنْده علم السَّاعَة الْآيَة فقد أعظم الْفِرْيَة وَلكنه رأى جِبْرِيل لم يره فِي صورته إِلَّا مرَّتَيْنِ مرّة عِنْد سِدْرَة الْمُنْتَهى وَمرَّة عِنْد أجياد لَهُ سِتّمائَة جنَاح قد سد الْأُفق
وَأخرج النَّسَائِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: أتعجبون أَن تكون الْخلَّة لإِبراهيم وَالْكَلَام لمُوسَى والرؤية لمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأخرج ابْن جرير عَن عِكْرِمَة قَالَ: رأى مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ربه
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: رَأَيْت رَبِّي فِي أحسن صُورَة فَقَالَ لي: يَا مُحَمَّد هَل تَدْرِي فيمَ يخْتَصم الْمَلأ الْأَعْلَى فَقلت: لَا يارب فَوضع يَده بَين كَتِفي فَوجدت بردهَا بَين ثديي فَعلمت مَا فِي السَّمَاء وَالْأَرْض فَقلت: يَا رب فِي الدَّرَجَات وَالْكَفَّارَات وَنقل الْأَقْدَام إِلَى الْجَمَاعَات وانتظار الصَّلَاة بعد الصَّلَاة(7/647)
فَقلت: يَا رب إِنَّك اتَّخذت إِبْرَاهِيم خَلِيلًا وَكلمت مُوسَى تكليماً وَفعلت وَفعلت فَقَالَ: ألم أشرح لَك صدرك ألم أَضَع عَنْك وزرك ألم أفعل بك ألم أفعل فأفضى إليّ بأَشْيَاء لم يُؤذن لي أَن أحدثكموها فَذَلِك قَوْله {ثمَّ دنا فَتَدَلَّى فَكَانَ قاب قوسين أَو أدنى فَأوحى إِلَى عَبده مَا أوحى مَا كذب الْفُؤَاد مَا رأى} فَجعل نور بَصرِي فِي فُؤَادِي فَنَظَرت إِلَيْهِ بفؤادي
وَأخرج ابْن إِسْحَق وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات وَضَعفه عَن عبد الله بن أبي سَلمَة أَن عبد الله بن عمر بن الْخطاب بعث إِلَى عبد الله بن عَبَّاس يسْأَله هَل رأى مُحَمَّد ربه فَأرْسل إِلَيْهِ عبد الله بن عَبَّاس أَن نعم فَرد عَلَيْهِ عبد الله بن عمر رَسُوله أَن كَيفَ رَآهُ فَأرْسل: إِنَّه رَآهُ فِي رَوْضَة خضراء دونه فرَاش من ذهب على كرْسِي من ذهب يحملهُ أَرْبَعَة من الْمَلَائِكَة: ملك فِي صُورَة رجل وَملك فِي صُورَة ثَوْر وَملك فِي صُورَة نسر وَملك فِي صُورَة أَسد
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي السَّمَاء وَالصِّفَات وَضَعفه من طَرِيق عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس أَنه سُئِلَ: هَل رأى مُحَمَّد ربه قَالَ: نعم رَآهُ كأنّ قَدَمَيْهِ على خضرَة دونه ستر من لُؤْلُؤ فَقلت: يَا أَبَا عَبَّاس أَلَيْسَ يَقُول الله: لَا تُدْرِكهُ الْأَبْصَار قَالَ: لَا أم لَك ذَاك نوره الَّذِي هُوَ نوره إِذا تجلى بنوره لَا يُدْرِكهُ شَيْء
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ عَن بعض أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: قَالُوا يَا رَسُول الله هَل رَأَيْت رَبك قَالَ: لم أره بعيني ورأيته بفؤادي مرَّتَيْنِ ثمَّ تَلا {ثمَّ دنا فَتَدَلَّى}
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي الْعَالِيَة قَالَ: سُئِلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَل رَأَيْت رَبك قَالَ: رَأَيْت نَهرا وَرَأَيْت وَرَاء النَّهر حِجَابا وَرَأَيْت الْحجاب نورا لم أره غير ذَلِك
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن أبي الْعَالِيَة فِي قَوْله {مَا كذب الْفُؤَاد مَا رأى} قَالَ: مُحَمَّد رَآهُ بفؤاده وَلم يره بِعَيْنيهِ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن أبي صَالح فِي قَوْله {مَا كذب الْفُؤَاد مَا رأى} قَالَ: رَآهُ مرَّتَيْنِ بفؤاده
وَأخرج عبد بن حميد عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: مَا أزعم أَنه رَآهُ وَمَا أزعم أَنه لم يره(7/648)
وَأخرج مُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي ذَر قَالَ: سَأَلت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَل رَأَيْت رَبك فَقَالَ: نور أَنى أرَاهُ
وَأخرج مُسلم وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي ذَر أَنه سَأَلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَل رَأَيْت رَبك فَقَالَ: رَأَيْت نورا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي ذَر قَالَ: رَآهُ بِقَلْبِه وَلم يره بِعَيْنيهِ
وَأخرج النَّسَائِيّ عَن أبي ذَر قَالَ: رأى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ربه بِقَلْبِه وَلم يره ببصره
وَأخرج مُسلم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن أبي هُرَيْرَة فِي قَوْله {وَلَقَد رَآهُ نزلة أُخْرَى} قَالَ: رأى جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام
وَأخرج عبد بن حميد عَن إِبْرَاهِيم قَالَ: رأى جِبْرِيل فِي صورته
وَأخرج عبد بن حميد عَن مرّة الْهَمدَانِي قَالَ: لم يَأْته جِبْرِيل فِي صورته إِلَّا مرَّتَيْنِ فَرَآهُ فِي خضر يتَعَلَّق بِهِ الدّرّ
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَلَقَد رَآهُ نزلة أُخْرَى} قَالَ: رأى نورا عَظِيما عِنْد سِدْرَة الْمُنْتَهى
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن مَسْعُود {وَلَقَد رَآهُ نزلة أُخْرَى} قَالَ: رأى جِبْرِيل مُعَلّقا رجله بسدرة عَلَيْهِ الدّرّ كَأَنَّهُ قطر الْمَطَر على البقل
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن ابْن مَسْعُود {وَلَقَد رَآهُ نزلة أُخْرَى عِنْد سِدْرَة الْمُنْتَهى} قَالَ: رأى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جِبْرِيل فِي صورته عِنْد السِّدْرَة لَهُ سِتّمائَة جنَاح جنَاح مِنْهَا سد الْأُفق يَتَنَاثَر من أجنحته التهاويل والدر والياقوت مَا لَا يُعلمهُ إِلَّا الله
وَأخرج أَحْمد وَعبد بن حميد وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: لما أسريَ برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم انْتهى بِهِ إِلَى سِدْرَة الْمُنْتَهى وَهِي فِي السَّمَاء السَّادِسَة إِلَيْهَا يَنْتَهِي مَا يعرج من الْأَرْوَاح فَيقبض مِنْهَا وإليها يَنْتَهِي مَا يهْبط بِهِ من فَوْقهَا فَيقبض مِنْهَا {إِذْ يغشى السِّدْرَة مَا يغشى} قَالَ: فرَاش من ذهب قَالَ: وَأعْطى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثَلَاثًا: أعطي الصَّلَوَات الْخمس وَأعْطِي خَوَاتِيم سُورَة الْبَقَرَة وَغفر لمن لَا يُشْرك بِاللَّه شَيْئا من أمته الْمُقْحمَات
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس أَنه سُئِلَ عَن سِدْرَة الْمُنْتَهى قَالَ: إِلَيْهَا يَنْتَهِي علم كل عَالم وَمَا وَرَاءَهَا لَا يُعلمهُ إِلَّا الله(7/649)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد عَن الضَّحَّاك أَنه قيل لَهُ: لم تسمى سِدْرَة الْمُنْتَهى
قَالَ: لِأَنَّهُ يَنْتَهِي إِلَيْهَا كل شَيْء من أَمر الله لَا يعدوها
وَأخرج ابْن جرير عَن شمر قَالَ: جَاءَ ابْن عَبَّاس إِلَى كَعْب فَقَالَ: حَدثنِي عَن سِدْرَة المنتهي قَالَ: إِنَّهَا سِدْرَة فِي أصل الْعَرْش إِلَيْهَا يَنْتَهِي علم كل ملك مقرب أَو نَبِي مُرْسل مَا خلفهَا غيب لَا يُعلمهُ إِلَّا الله تَعَالَى
وَأخرج ابْن جرير عَن كَعْب قَالَ: إِنَّهَا سِدْرَة على رُؤُوس حَملَة الْعَرْش إِلَيْهَا يَنْتَهِي علم الْخَلَائق ثمَّ لَيْسَ لأحد وَرَاءَهَا علم فَلذَلِك سميت سِدْرَة الْمُنْتَهى لانْتِهَاء الْعلم إِلَيْهَا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: سَأَلت كَعْبًا مَا سِدْرَة الْمُنْتَهى قَالَ: سِدْرَة يَنْتَهِي إِلَيْهَا علم الْمَلَائِكَة وَعِنْدهَا يَجدونَ أَمر الله لَا يجاوزها علم وَسَأَلته عَن جنَّة المأوى فَقَالَ: جنَّة فِيهَا طير خضر ترتقي فِيهَا أَرْوَاح الشُّهَدَاء
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَالطَّبَرَانِيّ عَن ابْن مَسْعُود فِي قَوْله {عِنْد سِدْرَة الْمُنْتَهى} قَالَ: صبو الْجنَّة يَعْنِي وَسطهَا جعل عَلَيْهَا فضول السندس والاستبرق
وَأخرج أَحْمد وَابْن جرير عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: انْتَهَيْت إِلَى السِّدْرَة فَإِذا نبقها مثل الْجَرَاد وَإِذا وَرقهَا مثل آذان الفيلة فَلَمَّا غشيها من أَمر الله مَا غشيها تحولت ياقوتاً وزمرداً وَنَحْو ذَلِك
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {سِدْرَة الْمُنْتَهى} قَالَ: أول يَوْم من الْآخِرَة وَآخر يَوْم من الدُّنْيَا فَهُوَ حَيْثُ يَنْتَهِي
وَأخرج ابْن جرير وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أَسمَاء بنت أبي بكر: سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يصف سِدْرَة الْمُنْتَهى قَالَ: يسير الرَّاكِب فِي الْفِتَن مِنْهَا مائَة سنة يستظل بالفتن مِنْهَا مائَة رَاكب فِيهَا فرَاش من ذهب كَأَن ثَمَرهَا القلال
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ وَأَبُو يعلى عَن ابْن عَبَّاس {إِذْ يغشى السِّدْرَة مَا يغشى} قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: رَأَيْتهَا حِين استبنتها ثمَّ حَال دونهَا فرَاش الذَّهَب
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَرَأَ {عِنْدهَا جنَّة المأوى} وَعَابَ على من قَرَأَ جنَّة المأوى(7/650)
وَأخرج عبد بن حميد عَن عبد الله بن الزبير قَالَ: من قَرَأَ {جنَّة المأوى} فأجنه الله إِنَّمَا هِيَ جنَّة المأوى
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس {عِنْدهَا جنَّة المأوى} قَالَ: هِيَ عَن يَمِين الْعَرْش وَهِي منزل الشُّهَدَاء
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: الْجنَّة فِي السَّمَاء السَّابِعَة الْعليا وَالنَّار فِي الأَرْض السَّابِعَة السُّفْلى
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن عَليّ بن أبي طَالب أَنه قَرَأَ: جنَّة المأوى قَالَ: جنَّة الْمبيت
وَأخرج آدم بن أبي إِيَاس وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن مُجَاهِد {إِذْ يغشى السِّدْرَة مَا يغشى} قَالَ: كَانَ أَغْصَان السِّدْرَة من لُؤْلُؤ وَيَاقُوت وَقد رَآهَا مُحَمَّد بِقَلْبِه وَرَأى ربه
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس {إِذْ يغشى السِّدْرَة مَا يغشى} قَالَ: الْمَلَائِكَة
وَأخرج عبد بن حميد عَن سَلمَة بن وهرام {إِذْ يغشى السِّدْرَة مَا يغشى} قَالَ: اسْتَأْذَنت الْمَلَائِكَة الرب تبَارك وَتَعَالَى أَن ينْظرُوا إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأذن لَهُم فغشيت الْمَلَائِكَة السِّدْرَة لينظروا إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن يَعْقُوب بن زيد قَالَ: سُئِلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا رَأَيْت بِفنَاء السِّدْرَة قَالَ: فراشا من ذهب
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أنس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله {إِذْ يغشى السِّدْرَة مَا يغشى} قَالَ: رَآهَا لَيْلَة أسرِي بِهِ يلوذ بهَا جَراد من ذهب
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {مَا زاغ الْبَصَر} قَالَ: مَا ذهب يَمِينا وَلَا شمالاً {وَمَا طَغى} قَالَ: مَا جَاوز مَا أَمر بِهِ
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَسَعِيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم وَالْبَيْهَقِيّ مَعًا فِي الدَّلَائِل عَن ابْن مَسْعُود فِي قَوْله {لقد رأى من آيَات ربه الْكُبْرَى} قَالَ: رأى رفرفاً أَخْضَر من الْجنَّة قد سد الْأُفق(7/651)
وَأخرج ابْن جرير عَن أنس بن مَالك قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لما عرج بِي مضى جِبْرِيل حَتَّى جَاءَ الْجنَّة فَدخلت فَأعْطيت الْكَوْثَر ثمَّ مضى حَتَّى جَاءَ السِّدْرَة الْمُنْتَهى فَدَنَا رَبك فَتَدَلَّى فَكَانَ قاب قوسين أَو أدنى
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لما انْتَهَيْت إِلَى السِّدْرَة إِذا وَرقهَا مثل آذان الفيلة وَإِذا نبقها أَمْثَال القلال فَلَمَّا غشيها من أَمر الله مَا غشي تحوّلت فَذكر الْيَاقُوت
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن كَعْب قَالَ: سِدْرَة الْمُنْتَهى مُنْتَهى إِلَيْهَا أَمر كل نَبِي وَملك
الْآيَات 19 - 27(7/652)
أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (19) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى (20) أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى (21) تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى (22) إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى (23) أَمْ لِلْإِنْسَانِ مَا تَمَنَّى (24) فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولَى (25) وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى (26) إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلَائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثَى (27)
أخرج عبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَ اللات رجلا يلت سويق الْحَاج وَلَفظ عبد بن حميد: يلت السويق يسْقِيه الْحَاج
وَأخرج النَّسَائِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي الطُّفَيْل قَالَ: لما فتح رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَكَّة بعث خَالِد بن الْوَلِيد إِلَى نَخْلَة وَكَانَ بهَا الْعُزَّى فَأَتَاهَا خَالِد وَكَانَت على ثَلَاث سمُرَات فَقطع السَّمُرَات وَهدم الْبَيْت الَّذِي كَانَ عَلَيْهَا ثمَّ أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأخْبرهُ فَقَالَ: ارْجع فَإنَّك لم تصنع شَيْئا فَرجع خَالِد فَلَمَّا أبصرته السَّدَنَة وهم حَجَبتهَا امعنوا فِي الْجَبَل وهم يَقُولُونَ: يَا عزى يَا عزى فَأَتَاهَا خَالِد فَإِذا امْرَأَة عُرْيَانَة نَاشِرَة شعرهَا تحفن التُّرَاب على رَأسهَا فعممها بِالسَّيْفِ حَتَّى قَتلهَا ثمَّ رَجَعَ إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأخْبرهُ فَقَالَ: تِلْكَ الْعُزَّى(7/652)
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس أَن الْعُزَّى كَانَت بِبَطن نَخْلَة وَأَن اللات كَانَت بِالطَّائِف وَأَن مَنَاة كَانَت بِقديد
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور والفاكهي عَن مُجَاهِد قَالَ: كَانَت اللات رجلا فِي الْجَاهِلِيَّة على صَخْرَة بِالطَّائِف وَكَانَ لَهُ غنم فَكَانَ يَأْخُذ من رسلها وَيَأْخُذ من زبيب الطَّائِف والأقط فَيجْعَل مِنْهُ حَيْسًا وَيطْعم من يمر من النَّاس فَلَمَّا مَاتَ عبدوه وَقَالُوا: هُوَ اللات وَكَانَ يقْرَأ: اللات مُشَدّدَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَ اللات يلت السويق على الْحَاج فَلَا يشرب مِنْهُ أحدا إِلَّا سمن فعبدوه
وَأخرج الفاكهي عَن ابْن عَبَّاس أَن اللات لما مَاتَ قَالَ لَهُم عَمْرو بن لحي: إِنَّه لم يمت وَلكنه دخل الصَّخْرَة فعبدوها وبنوا عَلَيْهَا بَيْتا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله {أَفَرَأَيْتُم اللات} قَالَ: كَانَ رجل من ثَقِيف يلت السويق بالزيت فَلَمَّا توفّي جعلُوا قَبره وثناً وَزعم النَّاس أَنه عَامر بن الظرب أَخذ عُدْوانًا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {أَفَرَأَيْتُم اللات والعزى} قَالَ: اللات كَانَ يلت السويق بِالطَّائِف فاعتكفوا على قَبره والعزى شجرات
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله {أَفَرَأَيْتُم اللات والعزى وَمَنَاة} قَالَ: آلِهَة كَانُوا يعبدونها فَكَانَ اللات لأهل الطَّائِف وَكَانَت الْعُزَّى لقريش بسقام شعب بِبَطن نَخْلَة وَكَانَت مَنَاة للْأَنْصَار بِقديد
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن أبي صَالح قَالَ: اللات الَّذِي كَانَ يقوم على آلِهَتهم وَكَانَ يلت لَهُم السويق والعزى بنخلة كَانُوا يعلقون عَلَيْهَا السبور والعهن وَمَنَاة حجر بِقديد
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي الجوزاء قَالَ: اللات حجر كَانَ يلت السويق عَلَيْهِ فَسُمي اللات
قَوْله تَعَالَى: {تِلْكَ إِذا قسْمَة ضيزى}
أخرج الطستي فِي مسَائِله عَن ابْن عَبَّاس إِن نَافِع بن الْأَزْرَق سَأَلَهُ عَن قَوْله(7/653)
{ضيزى} قَالَ: جائرة
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم أما سَمِعت قَول امرىء الْقَيْس: ضازت بَنو أَسد بحكمهم إِذْ يعدلُونَ الرَّأْس بالذنب وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {ضيزى} قَالَ: منقوصة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة فِي قَوْله {ضيزى} قَالَ: جائرة
وَأخرج عبد بن حميد عَن الضَّحَّاك مثله
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {ضيزى} قَالَ: جائرة لَا حق فِيهَا
قَوْله تَعَالَى: {أم للْإنْسَان مَا تمنى}
أخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِذا تمنى أحدكُم فَلْينْظر مَا تمنى فَإِنَّهُ لَا يدْرِي مَا يكْتب لَهُ من أمْنِيته
قَوْله تَعَالَى: {وَكم من ملك فِي السَّمَاوَات} الْآيَة
أخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله {وَكم من ملك فِي السَّمَاوَات لَا تغني شفاعتهم شَيْئا} قَالَ: لقَولهم: إِن الغرانقة ليشفعون
الْآيَات 28 - 31(7/654)
وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا (28) فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (29) ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى (30) وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى (31)
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عمر بن الْخطاب قَالَ: احْذَرُوا هَذَا الرَّأْي على الدّين فَإِنَّمَا كَانَ الرَّأْي من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مصيباً لِأَن الله كَانَ يرِيه وَإِنَّمَا هُوَ هَهُنَا تكلّف وَظن {وَإِن الظَّن لَا يُغني من الْحق شَيْئا}
قَوْله تَعَالَى: {ذَلِك مبلغهم من الْعلم}(7/654)
أخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {ذَلِك مبلغهم من الْعلم} قَالَ: رَأْيهمْ
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَحسنه عَن ابْن عمر قَالَ: قَلما كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقوم من مجْلِس حَتَّى يَدْعُو بهؤلاء الدَّعْوَات لأَصْحَابه: اللَّهُمَّ اقْسمْ لنا من خشيتك مَا يحول بَيْننَا وَبَين مَعَاصِيك وَمن طَاعَتك مَا تبلغنَا بِهِ جنتك وَمن الْيَقِين مَا يهون علينا مصيبات الدُّنْيَا وَمَتعْنَا بأسماعنا وأبصارنا وَقُوَّتِنَا مَا أَحْيَيْتَنَا واجعله الْوَارِث منا وَاجعَل ثَأْرنَا على من ظلمنَا وَانْصُرْنَا على من عَادَانَا وَلَا تجْعَل مُصِيبَتنَا فِي ديننَا وَلَا تجْعَل الدُّنْيَا أكبر هَمنَا وَلَا مبلغ علمنَا وَلَا تسلط علينا من لَا يَرْحَمنَا
قَوْله تَعَالَى: {وَللَّه مَا فِي السَّمَاوَات} الْآيَة
أخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله {ليجزي الَّذين أساؤوا بِمَا عمِلُوا} قَالَ: أهل الشّرك {وَيجْزِي الَّذين أَحْسنُوا} قَالَ: الْمُؤمنِينَ
الْآيَة 32(7/655)
الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى (32)
أخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {الَّذين يجتنبون كَبَائِر الإِثم وَالْفَوَاحِش} قَالَ: الْكَبَائِر مَا سمى فِيهِ النَّار {وَالْفَوَاحِش} مَا كَانَ فِيهِ حد فِي الدُّنْيَا
قَوْله تَعَالَى: {إِلَّا اللمم}
أخرج عبد الرَّزَّاق وَسَعِيد بن مَنْصُور وَأحمد وَعبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: مَا رَأَيْت شَيْئا أشبه باللمم مِمَّا قَالَ أَبُو هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن الله كتب على ابْن آدم حَظه من الزِّنَا أدْرك ذَلِك لَا محَالة فزنا الْعين النّظر وزنا اللِّسَان النُّطْق وَالنَّفس تمنى وتشتهي والفرج يصدق ذَلِك أَو يكذبهُ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن مَسْعُود فِي قَوْله {إِلَّا اللمم} قَالَ: زنا الْعَينَيْنِ(7/655)
النّظر وزنا الشفتين التَّقْبِيل وزنا الْيَدَيْنِ الْبَطْش وزنا الرجلَيْن الْمَشْي وَيصدق ذَلِك الْفرج أَو يكذبهُ فَإِن تقدم بفرجه كَانَ زَانيا وَإِلَّا فَهُوَ اللمم
وَأخرج مُسَدّد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي هُرَيْرَة أَنه سُئِلَ عَن قَوْله {إِلَّا اللمم} قَالَ: هِيَ النظرة والغمزة والقبلة والمباشرة فَإِذا مس الْخِتَان الْخِتَان فقد وَجب الْغسْل وَهُوَ الزِّنَا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عبد الله بن الزبير قَالَ: اللمم مَا بَين الحدين
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَالْبَزَّار وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {إِلَّا اللمم} قَالَ: هُوَ الرجل يلم بالفاحشة ثمَّ يَتُوب مِنْهَا قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن تغْفر اللَّهُمَّ تغْفر جما وأيّ عبد لَك لَا ألمّا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {إِلَّا اللمم} يَقُول: إِلَّا مَا قد سلف
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن زيد قَالَ: قَالَ الْمُشْركُونَ: إِنَّمَا كَانُوا بالْأَمْس يعْملُونَ مَعنا فَأنْزل الله {إِلَّا اللمم} مَا كَانَ مِنْهُم فِي الْجَاهِلِيَّة قبل الإِسلام وغفرها لَهُم حِين أَسْلمُوا
وَأخرج ابْن جرير عَن زيد بن أسلم فِي قَوْله {الَّذين يجتنبون كَبَائِر الإِثم} قَالَ: الشّرك {وَالْفَوَاحِش} قَالَ: الزِّنَا تركُوا ذَلِك حِين دخلُوا فِي الإِسلام وَغفر الله لَهُم مَا كَانُوا ألم بِهِ وَأَصَابُوا من ذَلِك قبل الإِسلام
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن أبي هُرَيْرَة أرَاهُ رَفعه فِي قَوْله {إِلَّا اللمم} قَالَ: اللمة من الزِّنَا ثمَّ يَتُوب وَلَا يعود واللمة من شرب الْخمر ثمَّ يَتُوب وَلَا يعود قَالَ: فَتلك الإِلمام
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن الْحسن فِي قَوْله {إِلَّا اللمم} قَالَ: كَانَ أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُونَ: هُوَ الرجل يُصِيب اللمة من الزِّنَا واللمة من شرب الْخمر فيجتنبها أَو يَتُوب مِنْهَا
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن الْحسن قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَتَدْرُونَ مَا اللمم قَالُوا: الله وَرَسُوله أعلم
قَالَ: هُوَ الَّذِي يلم بالخطرة من الزِّنَا ثمَّ لَا يعود ويلم بالخطرة من شرب الْخمر ثمَّ لَا يعود ويلم بِالسَّرقَةِ ثمَّ لَا يعود(7/656)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {إِلَّا اللمم} قَالَ: يلم بهَا فِي الْحِين ثمَّ يَتُوب
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي صَالح قَالَ: سُئِلت عَن اللمم فَقلت: هُوَ الرجل يُصِيب الذَّنب ثمَّ يَتُوب وأخبرت بذلك ابْن عَبَّاس فَقَالَ: لقد أعانك عَلَيْهَا ملك كريم
وَأخرج البُخَارِيّ فِي تَارِيخه عَن الْحسن فِي قَوْله {إِلَّا اللمم} قَالَ: الزنية فِي الْحِين
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن أبي صَالح فِي قَوْله {إِلَّا اللمم} قَالَ: الْوَقْعَة من الزِّنَا لَا يعود لَهَا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن عَطاء فِي قَوْله {إِلَّا اللمم} قَالَ: هُوَ مَا دون الْجِمَاع
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة أَنه ذكر لَهُ قَول الْحسن فِي اللمم هِيَ الخطرة من الزِّنَا فَقَالَ: لَا وَلكنهَا الضمة والقبلة والشمة
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَمْرو قَالَ: اللمم مَا دون الشّرك
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: اللمم كل شَيْء بَين الحدين حد الدُّنْيَا وحد الْآخِرَة يكفره الصَّلَاة وَهُوَ دون كل مُوجب فَأَما حد الدُّنْيَا فَكل حد فرض الله عُقُوبَته فِي الدُّنْيَا وَأما حد الْآخِرَة فَكل شَيْء خَتمه الله بالنَّار وَأخر عُقُوبَته إِلَى الْآخِرَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة فِي قَوْله {إِلَّا اللمم} قَالَ: اللمم مَا بَين الحدين مَا لم يبلغ حد الدُّنْيَا وَلَا حد الْآخِرَة مُوجبَة قد أوجب الله لأَهْلهَا النَّار أَو فَاحِشَة يُقَام عَلَيْهِ الْحَد فِي الدُّنْيَا
وَأخرج ابْن جرير عَن مُحَمَّد بن سِيرِين قَالَ: سَأَلَ رجل زيد بن ثَابت عَن هَذِه الْآيَة {الَّذين يجتنبون كَبَائِر الإِثم وَالْفَوَاحِش إِلَّا اللمم} فَقَالَ: حرم الله عَلَيْك الْفَوَاحِش مَا ظهر مِنْهَا وَمَا بطن
قَوْله تَعَالَى: {هُوَ أعلم بكم إِذْ أنشأكم من الأَرْض}
أخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَأَبُو نعيم فِي الْمعرفَة وَابْن مردوية والواحدي عَن ثَابت بن الْحَارِث الْأنْصَارِيّ قَالَ: كَانَت الْيَهُود إِذا هلك لَهُم صبي صَغِير قَالُوا: هَذَا صديق فَبلغ ذَلِك النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: كذبت يهود مَا من نسمَة(7/657)
يخلقها الله فِي بطن أمهَا إِلَّا أَنه شقي أَو سعيد
فَأنْزل الله عِنْد ذَلِك {هُوَ أعلم بكم إِذْ أنشأكم من الأَرْض} الْآيَة كلهَا
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {هُوَ أعلم بكم إِذْ أنشأكم من الأَرْض} قَالَ: هُوَ كنحو قَوْله (وَهُوَ أعلم بالمهتدين)
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن زيد فِي قَوْله {إِذْ أنشأكم من الأَرْض وَإِذ أَنْتُم أجنة} قَالَ: حِين خلق الله آدم من الأَرْض ثمَّ خَلقكُم من آدم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الْحسن فِي قَوْله {هُوَ أعلم بكم إِذْ أنشأكم من الأَرْض وَإِذ أَنْتُم أجنة فِي بطُون أُمَّهَاتكُم} قَالَ: علم الله من كل نفس مَا هِيَ عاملة وَمَا هِيَ صانعة وَمَا هِيَ إِلَيْهِ صائرة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن زيد بن أسلم فِي قَوْله {فَلَا تزكوا أَنفسكُم} قَالَ: لَا تبرئوا أَنفسكُم
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {فَلَا تزكوا أَنفسكُم} قَالَ: لَا تعملوا بِالْمَعَاصِي وتقولون: نعمل بِالطَّاعَةِ
وَأخرج ابْن سعد وَأحمد وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَابْن مردوية عَن زَيْنَب بنت أبي سَلمَة أَنَّهَا سميت برة فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: {فَلَا تزكوا أَنفسكُم} الله أعلم بِأَهْل الْبر مِنْكُم سَموهَا زَيْنَب
وَأخرج الزبير بن بكار فِي الموفقيات عَن جده عبد الله بن مُصعب قَالَ: قَالَ أَبُو بكر الصّديق لقيس بن عَاصِم: صف لنا نَفسك
فَقَالَ: إِن الله يَقُول {فَلَا تزكوا أَنفسكُم} فلست مَا أَنا بمزك نَفسِي وَقد نهاني الله عَنهُ فأعجب أَبَا بكر ذَلِك مِنْهُ
الْآيَات 33 - 37(7/658)
أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى (33) وَأَعْطَى قَلِيلًا وَأَكْدَى (34) أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرَى (35) أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى (36) وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى (37)
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خرج فِي مغزاة فجَاء رجل فَلم يجد مَا يخرج عَلَيْهِ فلقي صديقا لَهُ فَقَالَ: أَعْطِنِي شَيْئا قَالَ: أُعْطِيك بكري هَذَا على أَن تتحمل بذنوبي فَقَالَ لَهُ: نعم فَأنْزل الله {أَفَرَأَيْت الَّذِي تولى وَأعْطى قَلِيلا وأكدى}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن دراج أبي السَّمْح قَالَ: خرجت سَرِيَّة غَازِيَة فَسَأَلَ رجل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يحملهُ فَقَالَ: لَا أجد مَا أحملك عَلَيْهِ فَانْصَرف حَزينًا فَمر بِرَجُل رحاله منيخة بَين يَدَيْهِ فَشَكا إِلَيْهِ فَقَالَ لَهُ الرجل: هَل لَك أَن أحملك فتلحق الْجَيْش فَقَالَ: نعم فَنزلت {أَفَرَأَيْت الَّذِي تولى} إِلَى قَوْله {ثمَّ يجزاه الْجَزَاء الأوفى}
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن زيد قَالَ: إِن رجلا أسلم فَلَقِيَهُ بعض من يعيره فَقَالَ: أتركت دين الْأَشْيَاخ وضللتهم وَزَعَمت أَنهم فِي النَّار قَالَ: إِنِّي خشيت عَذَاب الله قَالَ: أَعْطِنِي شَيْئا وَأَنا أحمل كل عَذَاب كَانَ عَلَيْك فَأعْطَاهُ شَيْئا فَقَالَ: زِدْنِي فتعاسرا حَتَّى أعطَاهُ شَيْئا وَكتب لَهُ كتابا وَأشْهد لَهُ فَفِيهِ نزلت هَذِه الْآيَة {أَفَرَأَيْت الَّذِي تولى وَأعْطى قَلِيلا وأكدى أعنده علم الْغَيْب فَهُوَ يرى}
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {أَفَرَأَيْت الَّذِي تولى} قَالَ: الْوَلِيد بن الْمُغيرَة كَانَ يَأْتِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَبا بكر فَيسمع مَا يَقُولَانِ وَذَلِكَ {وَأعْطى} من نَفسه أعْطى الِاسْتِمَاع {وأكدى} قَالَ: انْقَطع عطاؤه نزل فِي ذَلِك {أعنده علم الْغَيْب} قَالَ: الْغَيْب الْقُرْآن أرأى فِيهِ بَاطِلا أنفذه ببصره إِذْ كَانَ يخْتَلف إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأبي بكر
وَأخرج ابْن مردوية عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَأعْطى قَلِيلا وأكدى} قَالَ: قطع نزلت فِي الْعَاصِ بن وَائِل
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَأعْطى قَلِيلا وأكدى} قَالَ: أطَاع قَلِيلا ثمَّ انْقَطع
وَأخرج الطستي فِي مسَائِله عَن ابْن عَبَّاس إِن نَافِع بن الْأَزْرَق سَأَلَهُ عَن قَوْله {وَأعْطى قَلِيلا وأكدى} قَالَ: أعْطى قَلِيلا من مَاله وَمنع الْكثير ثمَّ كدره بمنه قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم أما سَمِعت قَول الشَّاعِر:(7/659)
أعْطى قَلِيلا ثمَّ أكدى بمنه وَمن ينشر الْمَعْرُوف فِي النَّاس يحمد قَوْله تَعَالَى: {وَإِبْرَاهِيم الَّذِي وفى}
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مردوية والشيرازي فِي الألقاب والديلمي بِسَنَد ضَعِيف عَن أبي أُمَامَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: أَتَدْرُونَ مَا قَوْله {وَإِبْرَاهِيم الَّذِي وفى} قَالُوا: الله وَرَسُوله أعلم
قَالَ: وفى عمل يَوْمه بِأَرْبَع رَكْعَات كَانَ يصليهن من أول النَّهَار وَزعم أَنَّهَا صَلَاة الضُّحَى
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَإِبْرَاهِيم الَّذِي وفى} قَالَ: وفى الله بالبلاغ
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَإِبْرَاهِيم الَّذِي وفى} قَالَ: وفى مَا فرض عَلَيْهِ
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: سِهَام الإِسلام ثَلَاثُونَ سَهْما لم يَمَسهَا أحد قبل إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام قَالَ الله {وَإِبْرَاهِيم الَّذِي وفى}
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة {وَإِبْرَاهِيم الَّذِي وفى} قَالَ: وفى طَاعَة الله وَبلغ رِسَالَة ربه إِلَى خلقه
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد وَعِكْرِمَة {وَإِبْرَاهِيم الَّذِي وفى} قَالَ: بلغ هَذِه الْآيَة {أَلا تزر وَازِرَة وزر أُخْرَى}
وَأخرج ابْن جرير عَن سعيد بن جُبَير {وَإِبْرَاهِيم الَّذِي وفى} قَالَ: بلغ مَا أَمر بِهِ
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس {وَإِبْرَاهِيم الَّذِي وفى} يَقُول: الَّذِي اسْتكْمل الطَّاعَة فِيمَا فعل بِابْنِهِ حِين رأى الرُّؤْيَا وَالَّذِي فِي صحف مُوسَى {أَلا تزر وَازِرَة وزر أُخْرَى} إِلَى آخر الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير عَن الْقرظِيّ {وَإِبْرَاهِيم الَّذِي وفى} قَالَ: وفى بِذبح ابْنه
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَإِبْرَاهِيم الَّذِي وفى} قَالَ: وفى سِهَام الإِسلام كلهَا وَلم يوفها أحد غَيره وَهِي ثَلَاثُونَ سَهْما مِنْهَا عشرَة فِي بَرَاءَة (إِن الله اشْترى من الْمُؤمنِينَ أنفسهم وَأَمْوَالهمْ) (التَّوْبَة 111) الْآيَات كلهَا وَعشرَة فِي الْأَحْزَاب (إِن(7/660)
الْمُسلمين وَالْمُسلمَات) (الْأَحْزَاب 35) الْآيَات كلهَا وَسِتَّة فِي (قد أَفْلح الْمُؤمنِينَ) (الْمُؤْمِنُونَ 1) من أَولهَا الْآيَات كلهَا وَأَرْبع فِي (سَأَلَ سَائل) (المعارج 1) (وَالَّذين يصدقون بِيَوْم الدّين) (المعارج 26) (وَالَّذين هم من عَذَاب رَبهم مشفقون) (المعارج 27) الْآيَات كلهَا فَذَلِك ثَلَاثُونَ سَهْما فَمن وافى الله بِسَهْم مِنْهَا فقد وافاه بِسَهْم من سِهَام الإِسلام وَلم يوافه بسهام الإِسلام كلهَا إِلَّا إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام قَالَ الله {وَإِبْرَاهِيم الَّذِي وفى}
الْآيَات 38 - 41(7/661)
أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى (38) وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (39) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى (40) ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى (41)
أخرج عبد بن حميد وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لما نزلت {والنجم} فَبلغ {وَإِبْرَاهِيم الَّذِي وفى} قَالَ: وفى {أَلا تزر وَازِرَة وزر أُخْرَى} إِلَى قَوْله {من النّذر الأولى}
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي الْعَالِيَة فِي قَوْله {وَإِبْرَاهِيم الَّذِي وفى} قَالَ: أدّى عَن ربه {أَلا تزر وَازِرَة وزر أُخْرَى}
وَأخرج الشَّافِعِي وَسَعِيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن عَمْرو بن أَوْس قَالَ: كَانَ الرجل يُؤْخَذ بذنب غَيره حَتَّى جَاءَ إِبْرَاهِيم فَقَالَ الله {وَإِبْرَاهِيم الَّذِي وفى} قَالَ: بلغ وَأدّى {أَلا تزر وَازِرَة وزر أُخْرَى}
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس {وَإِبْرَاهِيم الَّذِي وفى} قَالَ: كَانُوا قبل إِبْرَاهِيم يَأْخُذُونَ الْوَلِيّ بالمولى حَتَّى كَانَ إِبْرَاهِيم فَبلغ {أَلا تزر وَازِرَة وزر أُخْرَى} لَا يُؤْخَذ أحد بذنب غَيره
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن هُذَيْل بن شُرَحْبِيل قَالَ: كَانَ الرجل يُؤْخَذ بذنب غَيره فِيمَا بَين نوح إِلَى إِبْرَاهِيم حَتَّى جَاءَ إِبْرَاهِيم {أَلا تزر وَازِرَة وزر أُخْرَى}
قَوْله تَعَالَى: {وَأَن لَيْسَ للإِنسان إِلَّا مَا سعى}(7/661)
أخرج أَبُو دَاوُد والنحاس كِلَاهُمَا فِي النَّاسِخ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ {وَأَن لَيْسَ للإِنسان إِلَّا مَا سعى} فَأنْزل الله بعد ذَلِك (وَالَّذين آمنُوا وَاتَّبَعتهمْ ذُرِّيتهمْ بِإِيمَان ألحقنا بهم ذُرِّيتهمْ) (سُورَة الطّور الْآيَة 21) فَأدْخل الله الْأَبْنَاء الْجنَّة بصلاح الْآبَاء
وَأخرج ابْن مردوية عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا قَرَأَ {وَأَن لَيْسَ للإِنسان إِلَّا مَا سعى وَأَن سَعْيه سَوف يرى ثمَّ يجزاه الْجَزَاء الأوفى} اسْترْجع واستكان
الْآيَات 42 - 47(7/662)
وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى (42) وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى (43) وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا (44) وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (45) مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى (46) وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرَى (47)
أخرج الدَّارَقُطْنِيّ فِي الْأَفْرَاد وَالْبَغوِيّ فِي تَفْسِيره عَن أُبيّ بن كَعْب عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله {وَأَن إِلَى رَبك الْمُنْتَهى} قَالَ: لَا فكرة فِي الرب وَأخرج أَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن سُفْيَان الثَّوْريّ فِي قَوْله {وَأَن إِلَى رَبك الْمُنْتَهى} قَالَ: لَا فكرة فِي الرب
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: مر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على قوم يتفكرون فِي الله فَقَالَ: تَفَكَّرُوا فِي الْخلق وَلَا تَتَفَكَّرُوا فِي الْخَالِق فَإِنَّكُم لن تقدرونه
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن أبي ذَر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: تَفَكَّرُوا فِي خلق الله وَلَا تَفَكَّرُوا فِي الله فَتَهْلكُوا
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن يُونُس بن مسيرَة قَالَ: خرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على أَصْحَابه وهم يذكرُونَ عَظمَة الله تَعَالَى فَقَالَ: مَا كُنْتُم تذكرُونَ قَالُوا: كُنَّا نتفكر فِي عَظمَة الله تَعَالَى فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَلا فِي الله فَلَا تَفَكَّرُوا ثَلَاثًا أَلا فتفكروا فِي عظم مَا خلق ثَلَاثًا(7/662)
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن أبي أُميَّة مولى شبْرمَة واسْمه الحكم عَن بعض أَئِمَّة الْكُوفَة قَالَ: قَالَ نَاس من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فقصد نحوهم فَسَكَتُوا فَقَالَ: مَا كُنْتُم تَقولُونَ قَالُوا: نَظرنَا إِلَى الشَّمْس فتفكرنا فِيهَا من أَيْن تَجِيء وَمن أَيْن تذْهب وتفكرنا فِي خلق الله فَقَالَ: كَذَلِك فافعلوا تَفَكَّرُوا فِي خلق الله وَلَا تَفَكَّرُوا فِي الله فَإِن لله تَعَالَى وَرَاء الْمغرب أَرضًا بَيْضَاء بياضها ونورها مسيرَة الشَّمْس أَرْبَعِينَ يَوْمًا فِيهَا خلق من خلق الله لم يعصوا الله طرفَة عين قيل: يَا رَسُول الله من ولد آدم هم قَالَ: مَا يَدْرُونَ خلق آدم أم لم يخلق قيل: يَا نَبِي الله فَأَيْنَ إِبْلِيس عَنْهُم قَالَ: لَا يَدْرُونَ خلق إِبْلِيس أم لم يخلق
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: دخل علينا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَنحن فِي الْمَسْجِد حلق حلق فَقَالَ لنا: فيمَ أَنْتُم قُلْنَا: نتفكر فِي الشَّمْس كَيفَ طلعت وَكَيف غربت قَالَ: أَحْسَنْتُم كونُوا هَكَذَا تَفَكَّرُوا فِي الْمَخْلُوق وَلَا تَفَكَّرُوا فِي الْخَالِق فَإِن الله خلق مَا شَاءَ لما شَاءَ وتعجبون من ذَلِك إِن من وَرَاء (ق) سبع بحار كل بَحر خَمْسمِائَة عَام وَمن وَرَاء ذَلِك سبع أَرضين يضيء نورها لأَهْلهَا وَمن وَرَاء ذَلِك سبعين ألف أمة خلقُوا على أَمْثَال الطير هُوَ وفرخه فِي الْهَوَاء لَا يفترون عَن تَسْبِيحَة وَاحِدَة وَمن وَرَاء ذَلِك سبعين ألف أمة خلقُوا من ريح فطعامهم ريح وشرابهم ريح وثيابهم من ريح وآنيتهم من ريح ودوابهم من ريح لَا تستقرحوا فَردُّوا بهم إِلَى الأَرْض إِلَى قيام السَّاعَة أَعينهم فِي صدروهم ينَام أحدهم نومَة وَاحِدَة ينتبه وَعند رَأسه رزقه وَمن وَرَاء ذَلِك ظلّ الْعَرْش وَفِي ظلّ الْعَرْش سَبْعُونَ ألف أمة مَا يعلمُونَ أَن الله خلق آدم وَلَا ولد آدم وَلَا إِبْلِيس وَلَا ولد إِبْلِيس وَهُوَ قَوْله تَعَالَى (ويخلق مَا لَا تعلمُونَ) (سُورَة النَّحْل 8)
وَأخرج ابْن مردوية عَن عَائِشَة قَالَت: مر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على قوم يَضْحَكُونَ فَقَالَ: لَو تعلمُونَ مَا أعلم لبكيتم كثيرا ولضحكتم قَلِيلا فَنزل عَلَيْهِ جِبْرِيل فَقَالَ: إِن الله {وَأَنه هُوَ أضْحك وأبكى} فَرجع إِلَيْهِم فَقَالَ: مَا خطوت أَرْبَعِينَ خطْوَة حَتَّى أَتَانِي جِبْرِيل فَقَالَ: ائْتِ هَؤُلَاءِ فَقل لَهُم: إِن الله أضْحك وأبكى(7/663)
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ فِي العظمة وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: هَبَط آدم من الْجنَّة بياقوتة بَيْضَاء تمسح بهَا دُمُوعه قَالَ: وَبكى آدم على الْجنَّة أَرْبَعِينَ عَاما فَقَالَ لَهُ جِبْرِيل: يَا آدم مَا يبكيك إِن الله بَعَثَنِي إِلَيْك معزيا فَضَحِك آدم فَذَلِك قَول الله {هُوَ أضْحك وأبكى} فَضَحِك آدم وضحكت ذُريَّته وَبكى آدم وبكت ذُريَّته
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن جَبَّار الطَّائِي قَالَ: شهِدت جَنَازَة أم مُصعب بن الزبير وفيهَا ابْن عَبَّاس فسمعنا أصوات نوائح فَقلت: عَبَّاس يصنع هَذَا وَأَنت هَهُنَا فَقَالَ: دَعْنَا عَنْك يَا جَبَّار فَإِن الله أضْحك وأبكى
الْآيَات 48 - 58(7/664)
وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى (48) وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى (49) وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى (50) وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى (51) وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى (52) وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى (53) فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى (54) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكَ تَتَمَارَى (55) هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولَى (56) أَزِفَتِ الْآزِفَةُ (57) لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ (58)
أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَأَنه هُوَ أغْنى وأقنى} قَالَ: أعْطى وأرضى
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {أغْنى} قَالَ: أَكثر {وأقنى} قَالَ: قنع
وَأخرج الطستي فِي مسَائِله عَن ابْن عَبَّاس إِن نَافِع بن الْأَزْرَق سَأَلَهُ عَن قَوْله {أغْنى وأقنى} قَالَ: أغْنى من الْفقر وأقنى من الْغنى فقنع بِهِ قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم
أما سَمِعت قَول عنترة الْعَبْسِي: فأقنى حياءك لَا أَبَا لَك واعلمي أَنِّي امْرُؤ سأموت إِن لم أقتل وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد قَالَ: أغْنى أرْضى وأقنى موّن
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي صَالح فِي قَوْله {أغْنى وأقنى} قَالَ: غنى بِالْمَالِ وأقنى من الْقنية(7/664)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة وَالضَّحَّاك مثله
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن الْحَضْرَمِيّ فِي قَوْله {وَأَنه هُوَ أغْنى وأقنى} قَالَ: أغْنى نَفسه وأفقر الْخَلَائق إِلَيْهِ
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَأَنه هُوَ رب الشعرى} قَالَ: هُوَ الْكَوْكَب الَّذِي يدعى الشعرى
وَأخرج الفاكهي عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: نزلت هَذِه الْآيَة فِي خُزَاعَة وَكَانُوا يعْبدُونَ الشعرى وَهُوَ الْكَوْكَب الَّذِي يتبع الجوزاء
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد قَالَ: الشعرى الْكَوْكَب الَّذِي خلف الجوزاء كَانُوا يعبدونه
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة قَالَ: كَانَ نَاس فِي الْجَاهِلِيَّة يعْبدُونَ هَذَا النَّجْم الَّذِي يُقَال لَهُ: الشعرى فَنزلت
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله {وَأَنه أهلك عاداً الأولى} قَالَ: كَانَت الْآخِرَة بحضرموت
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَقوم نوح من قبل إِنَّهُم كَانُوا هم أظلم وأطغى} قَالَ: لم يكن قبيل من النَّاس هم أظلم وأطغى من قوم نوح دعاهم نوح ألف سنة إِلَّا خمسين عَاما كلما هلك قرن وَنَشَأ قرن دعاهم حَتَّى لقد ذكر لنا أَن الرجل كَانَ يَأْخُذ بيد أَخِيه أَو ابْنه فَيَمْشِي إِلَيْهِ فَيَقُول: يَا بني إِن أبي قد مَشى بِي إِلَى هَذَا وَأَنا مثلك يَوْمئِذٍ
تتابعاً فِي الضَّلَالَة وتكذيبا بِأَمْر الله عزَّ وجلَّ
وَأخرج عبد بن حميد وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {والمؤتفكة أَهْوى} قَالَ: أَهْوى بهَا جِبْرِيل بعد أَن رَفعهَا إِلَى السَّمَاء
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله {والمؤتفكة أَهْوى} قَالَ: قوم لوط ائتفكت بهم الأَرْض بعد أَن رَفعهَا الله إِلَى السَّمَاء فالأرض تجلجل بهَا إِلَى يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله {والمؤتفكة أَهْوى} قَالَ: قرى قوم لوط {فغشاها مَا غشى} قَالَ: الْحِجَارَة {فَبِأَي آلَاء رَبك} قَالَ: فَبِأَي نعم رَبك(7/665)
وَأخرج ابْن جرير عَن أبي مَالك الْغِفَارِيّ فِي قَوْله {أَلا تزر وَازِرَة وزر أُخْرَى} إِلَى قَوْله {هَذَا نَذِير من النّذر الأولى} قَالَ: مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنذر مَا أنذر الْأَولونَ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله {هَذَا نَذِير من النّذر الأولى} قَالَ: إِنَّمَا بعث مُحَمَّد بِمَا بعث بِهِ الرُّسُل قبله وَفِي قَوْله {أزفت الآزفة} قَالَ: السَّاعَة {لَيْسَ لَهَا من دون الله كاشفة} أَي رادة
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الآزفة من أَسمَاء يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {أزفت الآزفة} قَالَ: اقْتَرَبت السَّاعَة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله {أزفت الآزفة} قَالَ: اقْتَرَبت السَّاعَة {لَيْسَ لَهَا من دون الله كاشفة} قَالَ: لَا يكْشف عَنْهَا إِلَّا هُوَ
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الضَّحَّاك فِي الْآيَة قَالَ: لَيْسَ لَهَا من دون الله من آلِهَتهم كاشفة
الْآيَات 59 - 62(7/666)
أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ (59) وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ (60) وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ (61) فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا (62)
أخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {أَفَمَن هَذَا الحَدِيث} قَالَ: الْقُرْآن
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد فِي الزّهْد وهناد وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن صَالح أبي الْخَلِيل قَالَ: لما نزلت هَذِه الْآيَة {أَفَمَن هَذَا الحَدِيث تعْجبُونَ وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ} فَمَا ضحك النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعد ذَلِك إِلَّا أَن يبتسم وَلَفظ عبد بن حميد فَمَا رُؤِيَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ضَاحِكا وَلَا مُتَبَسِّمًا حَتَّى ذهب من الدُّنْيَا
وَأخرج ابْن مردوية عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لما نزلت هَذِه الْآيَة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {أَفَمَن هَذَا الحَدِيث تعْجبُونَ وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ} فَمَا رُؤِيَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعْدهَا ضَاحِكا حَتَّى ذهب من الدُّنْيَا(7/666)
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: لما نزلت {أَفَمَن هَذَا الحَدِيث تعْجبُونَ وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ} بَكَى أَصْحَاب الصَّفَّة حَتَّى جرت دموعهم على خدودهم فَلَمَّا سمع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حنينهم بَكَى فبكينا ببكائه فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا يلج النَّار من بَكَى من خشيَة الله وَلَا يدْخل الْجنَّة مصر على مَعْصِيّة الله وَلَو لم تذنبوا لجاء الله بِقوم يذنبون فَيغْفر لَهُم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالْفِرْيَابِي وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {سامدون} قَالَ: لاهون معرضون عَنهُ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَأَنْتُم سامدون} قَالَ: غافلون
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالْفِرْيَابِي وَأَبُو عبيد فِي فضائله وَعبد بن حميد وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي ذمّ الملاهي وَالْبَزَّار وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَأَنْتُم سامدون} قَالَ: الْغناء باليمانية كَانُوا إِذا سمعُوا الْقُرْآن تغنوا ولعبوا
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله {سامدون} قَالَ: هُوَ الْغناء بالحميرية
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَأَبُو يعلى وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {سامدون} قَالَ: كَانُوا يَمرونَ على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ يُصَلِّي شامخين ألم تَرَ إِلَى الْبَعِير كَيفَ يخْطر شامخاً
وَأخرج الطستي فِي مسَائِله وَالطَّبَرَانِيّ عَن ابْن عَبَّاس إِن نَافِع بن الْأَزْرَق سَأَلَهُ عَن قَوْله {سامدون} قَالَ: السمود اللَّهْو وَالْبَاطِل قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم أما سَمِعت قَول هزيلة بنت بكر وَهِي تبْكي قوم عَاد: لَيْت عاداً قبلوا الْحق وَلم يبدوا حجوداً قيل قُم فَانْظُر إِلَيْهِم ثمَّ دع عَنْك السمودا وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {سامدون} قَالَ: غضاب مبرطمون
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير من طَرِيق مَنْصُور عَن إِبْرَاهِيم قَالَ: كَانُوا(7/667)
يكْرهُونَ أَن يقوم الْقَوْم ينتظرون الإِمام وَكَانَ يُقَال ذَاك من السمود أَو هُوَ السمود وَقَالَ مَنْصُور: حِين يقوم الْمُؤَذّن فَيقومُونَ ينتظرون
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير من طَرِيق سعيد بن أبي عرُوبَة عَن أبي معشر عَن النَّخعِيّ أَنه كَانَ يكره أَن يقوم إِذا أُقِيمَت الصَّلَاة حَتَّى يَجِيء الإِمام وَيقْرَأ هَذِه الْآيَة {وَأَنْتُم سامدون} قَالَ سعيد: وَكَانَ قَتَادَة يكره أَن يقوم حَتَّى يَجِيء الإِمام وَلَا يُفَسر هَذِه الْآيَة على ذَا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن أبي خَالِد الْوَالِبِي قَالَ: خرج عَليّ بن أبي طَالب علينا وَقد أُقِيمَت الصَّلَاة وَنحن قيام ننتظره لِيَتَقَدَّم فَقَالَ: مَا لكم سامدون لَا أَنْتُم فِي صَلَاة وَلَا أَنْتُم جُلُوس منتظرون
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله {فاسجدوا لله واعبدوا} قَالَ: أعنتوا هَذِه الْوُجُوه لله وعفروها فِي طَاعَة الله
وَأخرج البُخَارِيّ وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: سجد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي النَّجْم وَسجد مَعَه الْمُسلمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ وَالْجِنّ والإِنس
وَأخرج أَحْمد وَالنَّسَائِيّ وَابْن مردوية عَن الْمطلب بن أبي ودَاعَة قَالَ: قَرَأَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَكَّة {والنجم} فَسجدَ وَسجد من مَعَه
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور عَن سُبْرَة قَالَ: صلى بِنَا عمر بن الْخطاب الْفجْر فَقَرَأَ فِي الرَّكْعَة الأولى سُورَة يُوسُف ثمَّ قَرَأَ فِي الثَّانِيَة النَّجْم فَسجدَ ثمَّ قَامَ فَقَرَأَ إِذا زلزلت ثمَّ ركع(7/668)
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم (54)
سُورَة الْقَمَر
مَكِّيَّة وآياتها خمس وَخَمْسُونَ
مُقَدّمَة السُّورَة
أخرج النّحاس عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: نزلت سُورَة الْقَمَر بِمَكَّة
وَأخرج ابْن الضريس وَابْن مردوية وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: نزلت بِمَكَّة سُورَة {اقْتَرَبت السَّاعَة}
وَأخرج ابْن مردوية عَن ابْن الزبير مثله
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قارىء اقْتَرَبت تدعى فِي التَّوْرَاة المبيضة تبيض وَجه صَاحبهَا يَوْم تبيضّ الْوُجُوه قَالَ الْبَيْهَقِيّ: مُنكر
وَأخرج الديلمي عَن عَائِشَة مَرْفُوعا من قَرَأَ (بالم تَنْزِيل) و (يس) و {اقْتَرَبت السَّاعَة} و {تبَارك الَّذِي بِيَدِهِ الْملك} كن لَهُ نورا وحرزاً من الشَّيْطَان والشرك وَرفع لَهُ فِي الدَّرَجَات يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج ابْن الضريس عَن إِسْحَق بن عبد الله بن أبي فَرْوَة رَفعه من قَرَأَ {اقْتَرَبت السَّاعَة وَانْشَقَّ الْقَمَر} فِي كل لَيْلَتَيْنِ بَعثه الله يَوْم الْقِيَامَة وَوَجهه كَالْقَمَرِ لَيْلَة الْبَدْر
وَأخرج ابْن الضريس عَن لَيْث عَن معن عَن شيخ من هَمدَان رَفعه إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: من قَرَأَ {اقْتَرَبت السَّاعَة} غبا لَيْلَة وَلَيْلَة حَتَّى يَمُوت لَقِي الله تَعَالَى وَوَجهه كَالْقَمَرِ لَيْلَة الْبَدْر(7/669)
وَأخرج أَحْمد عَن بُرَيْدَة أَن معَاذًا بن جبل صلى بِأَصْحَابِهِ صَلَاة الْعشَاء فَقَرَأَ فِيهَا {اقْتَرَبت السَّاعَة} فَقَامَ رجل من قبل أَن يفرغ فصلى وَذهب فَقَالَ لَهُ معَاذ قولا شَدِيدا فَأتى الرجل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَاعْتَذر إِلَيْهِ فَقَالَ: إِنِّي كنت أعمل فِي نخل وَخفت على المَاء فَقَالَ رَسُول الله صلي الله عَلَيْهِ وَسلم: صلي بالشمس وَضُحَاهَا وَنَحْوهَا من السُّور
الْآيَات 1 - 3(7/670)
اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ (1) وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ (2) وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ (3)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَأحمد وَعبد بن حميد وَمُسلم وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن أنس قَالَ: سَأَلَ أهل مَكَّة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم آيَة فانشق الْقَمَر بِمَكَّة فرْقَتَيْن فَنزلت {اقْتَرَبت السَّاعَة وَانْشَقَّ الْقَمَر} إِلَى قَوْله {سحر مُسْتَمر} أَي ذَاهِب
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَابْن جرير عَن أنس أَن أهل مَكَّة سَأَلُوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يُرِيهم آيَة فَأَرَاهُم الْقَمَر شقتين حَتَّى رَأَوْا حراء بَينهمَا
وَأخرج عبد بن حميد وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل من طَرِيق مُجَاهِد عَن أبي معمر عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: رَأَيْت الْقَمَر منشقّاً شقتين بِمَكَّة قبل أَن يخرج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شقة على أبي قبيس وشقة على السويداء فَقَالُوا: سحر الْقَمَر فَنزلت {اقْتَرَبت السَّاعَة وَانْشَقَّ الْقَمَر} قَالَ مُجَاهِد: يَقُول كَمَا رَأَيْتُمْ الْقَمَر منشقاً فَإِن الَّذِي أخْبركُم عَن {اقْتَرَبت السَّاعَة} حق
وَأخرج عبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق أبي معمر عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: انْشَقَّ الْقَمَر على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فرْقَتَيْن فرقة فَوق الْجَبَل وَفرْقَة دونه فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: اشْهَدُوا
وَأخرج أَحْمد وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم فِي الدَّلَائِل من طَرِيق الْأسود عَن عبد الله قَالَ: رَأَيْت الْقَمَر على الْجَبَل وَقد انْشَقَّ فَأَبْصَرت الْجَبَل من بَين فرجتي الْقَمَر
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم وَالْبَيْهَقِيّ كِلَاهُمَا فِي الدَّلَائِل من طَرِيق مَسْرُوق عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: انْشَقَّ الْقَمَر على عهد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَت قُرَيْش: هَذَا سحر ابْن أبي كَبْشَة فَقَالُوا: انتظروا مَا يأتيكم بِهِ السفار فَإِن مُحَمَّدًا لَا يَسْتَطِيع أَن يسحر النَّاس كلهم فجَاء السفار فَسَأَلُوهُمْ فَقَالُوا: نعم قد رَأَيْنَاهُ فَأنْزل الله {اقْتَرَبت السَّاعَة وَانْشَقَّ الْقَمَر}(7/670)
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: انْشَقَّ الْقَمَر فِي زمَان النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم فِي الدَّلَائِل من طَرِيق عَلْقَمَة عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بمنى فانشق الْقَمَر حَتَّى صَار فرْقَتَيْن فتوارت فرقة خلف الْجَبَل فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: اشْهَدُوا
وَأخرج مُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم فِي الدَّلَائِل من طَرِيق مُجَاهِد عَن ابْن عمر فِي قَوْله {اقْتَرَبت السَّاعَة وَانْشَقَّ الْقَمَر} قَالَ: كَانَ ذَلِك على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم انْشَقَّ فرْقَتَيْن فرقة من دون الْجَبَل وَفرْقَة خَلفه فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: اللَّهُمَّ اشْهَدْ
وَأخرج أَحْمد وَعبد بن حميد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن جرير وَالْحَاكِم وَأَبُو نعيم وَالْبَيْهَقِيّ عَن جُبَير بن مطعم فِي قَوْله {وَانْشَقَّ الْقَمَر} قَالَ: انْشَقَّ الْقَمَر وَنحن بِمَكَّة على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى صَار فرْقَتَيْن فرقة على هَذَا الْجَبَل وَفرْقَة على هَذَا الْجَبَل فَقَالَ النَّاس: سحرنَا مُحَمَّد فَقَالَ رجل: إِن كَانَ سحركم فَإِنَّهُ لَا يَسْتَطِيع أَن يسحر النَّاس كلهم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم فِي الدَّلَائِل عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {اقْتَرَبت السَّاعَة وَانْشَقَّ الْقَمَر} قَالَ: قد مضى ذَلِك قبل الْهِجْرَة انْشَقَّ الْقَمَر حَتَّى رَأَوْا شقيه
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كسف الْقَمَر على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالُوا: سحر الْقَمَر فَنزلت {اقْتَرَبت السَّاعَة وَانْشَقَّ الْقَمَر} إِلَى قَوْله {مُسْتَمر}
وَأخرج أَبُو نعيم فِي الْحِلْية من طَرِيق عَطاء وَالضَّحَّاك عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {اقْتَرَبت السَّاعَة وَانْشَقَّ الْقَمَر} قَالَ: اجْتمع الْمُشْركُونَ على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِنْهُم الْوَلِيد بن الْمُغيرَة وَأَبُو جهل بن هِشَام والعاصي بن وَائِل والعاصي بن هِشَام وَالْأسود بن عبد يَغُوث وَالْأسود بن الْمطلب وَزَمعَة بن الْأسود وَالنضْر بن الْحَرْث فَقَالُوا للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن كنت صَادِقا فشق لنا الْقَمَر فرْقَتَيْن نصفا على أبي قبيس وَنصفا على قعيقعان فَقَالَ لَهُم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن فعلت تؤمنوا قَالُوا: نعم وَكَانَت لَيْلَة بدر فَسَأَلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ربه أَن يُعْطِيهِ مَا سَأَلُوا فأمسى الْقَمَر قد مثل نصفا على أبي(7/671)
قبيس وَنصفا على قعيقعان وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُنَادي يَا أَبَا سَلمَة بن عبد الْأسد والأرقم بن أبي الأرقم اشْهَدُوا
وَأخرج أَبُو نعيم من طَرِيق عَطاء عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: انْتهى أهل مَكَّة إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالُوا: هَل من آيَة نَعْرِف بهَا أَنَّك رَسُول الله فهبط جِبْرِيل فَقَالَ: يَا مُحَمَّد قل: يَا أهل مَكَّة إِن تختلفوا هَذِه اللَّيْلَة فسترون آيَة فَأخْبرهُم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بمقالة جِبْرِيل فَخَرجُوا لَيْلَة أَربع عشرَة فانشق الْقَمَر نِصْفَيْنِ نصفا على الصَّفَا وَنصفا على الْمَرْوَة فنظروا ثمَّ مالوا بِأَبْصَارِهِمْ فمسحوها ثمَّ أعادوا النّظر فنظروا ثمَّ مسحوا أَعينهم ثمَّ نظرُوا فَقَالُوا: يَا مُحَمَّد مَا هَذَا إِلَّا سحر ذَاهِب فَأنْزل الله {اقْتَرَبت السَّاعَة وَانْشَقَّ الْقَمَر}
وَأخرج أَبُو نعيم من طَرِيق الضَّحَّاك عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: جَاءَت أَحْبَار الْيَهُود إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالُوا: أرنا آيَة حَتَّى نؤمن فَسَأَلَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ربه أَن يرِيه آيَة فَأَرَاهُم الْقَمَر قد انْشَقَّ فَصَارَ قمرين أَحدهمَا على الصَّفَا وَالْآخر على الْمَرْوَة قدر مَا بَين الْعَصْر إِلَى اللَّيْل ينظرُونَ إِلَيْهِ ثمَّ غَابَ الْقَمَر فَقَالُوا: هَذَا {سحر مُسْتَمر}
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَعبد الله بن أَحْمد فِي زَوَائِد الزّهْد وَابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم عَن أبي عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ قَالَ: خَطَبنَا حُذَيْفَة بن الْيَمَان بِالْمَدَائِنِ فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ {اقْتَرَبت السَّاعَة وَانْشَقَّ الْقَمَر} أَلا وَإِن السَّاعَة قد اقْتَرَبت أَلا وَإِن الْقَمَر قد انْشَقَّ على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَلا وَإِن الدُّنْيَا قد آذَنت بِفِرَاق أَلا وَإِن الْيَوْم الضمار وَغدا السباق
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن حُذَيْفَة أَنه قَرَأَ [اقْتَرَبت السَّاعَة وَقد انْشَقَّ الْقَمَر]
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الضَّحَّاك قَالَ: كَانَ انْشِقَاق الْقَمَر وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَكَّة قبل أَن يُهَاجر فَقَالُوا: هَذَا سحر أَسحر السَّحَرَة فاقلعوا كَمَا فعل الْمُشْركُونَ إِذا كسف الْقَمَر ضربوا بطساسهم وَعَما اصفر أَحْبَارهم وَقَالُوا: هَذَا فعل السحر وَذَلِكَ قَوْله {وَإِن يرَوا آيَة يعرضُوا ويقولوا سحر مُسْتَمر}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: ثَلَاث ذكرهن الله فِي الْقُرْآن قد مضين {اقْتَرَبت السَّاعَة وَانْشَقَّ الْقَمَر} قد انْشَقَّ الْقَمَر على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شقتين(7/672)
حَتَّى رَآهُ النَّاس (سَيهْزمُ الْجمع وَيُوَلُّونَ الدبر) (سُورَة الْقَمَر 45) وَقد (فتحنا عَلَيْهِم بَابا ذَا عَذَاب شَدِيد) (سُورَة الْمُؤْمِنُونَ 77)
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {اقْتَرَبت السَّاعَة وَانْشَقَّ الْقَمَر} قَالَ: رَأَوْهُ منشقاً فَقَالُوا: هَذَا سحر ذَاهِب
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد {وكل أَمر مُسْتَقر} قَالَ: يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج {وكل أَمر مُسْتَقر} قَالَ: بأَهْله
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن جرير عَن قَتَادَة {وكل أَمر مُسْتَقر} قَالَ: مُسْتَقر بِأَهْل الْخَيْر الْخَيْر وبأهل الشَّرّ الشَّرّ
الْآيَات 4 - 8(7/673)
وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الْأَنْبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ (4) حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ (5) فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ (6) خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ (7) مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ (8)
أخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد {وَلَقَد جَاءَهُم من الأنباء مَا فِيهِ مزدجر} قَالَ: هَذَا الْقُرْآن مزدجر قَالَ: مُنْتَهى
وَأخرج عبد بن حميد عَن عمر بن عبد الْعَزِيز أَنه خطب بِالْمَدِينَةِ فَتلا هَذِه الْآيَة {وَلَقَد جَاءَهُم من الأنباء مَا فِيهِ مزدجر} قَالَ: أحل فِيهِ الْحَلَال وَحرم فِيهِ الْحَرَام وأنبأكم فِيهِ مَا تأتون وَمَا تدعون لم يدعكم فِي لبس من دينكُمْ كَرَامَة أكْرمكُم بهَا ونعمة أتم بهَا عَلَيْكُم
قَوْله تَعَالَى: {خشعاً أَبْصَارهم}
أخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس أَنه كَانَ يقْرَأ [خَاشِعًا أَبْصَارهم] بِالْألف
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ {خُشَّعاً أَبْصَارهم} بِرَفْع الْخَاء(7/673)
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة [خَاشِعًا أَبْصَارهم] أَي ذليلة أَبْصَارهم وَالله أعلم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {مهطعين إِلَى الداع} قَالَ: ناظرين
وَأخرج الطسي عَن ابْن عَبَّاس إِن نَافِع بن الْأَزْرَق سَأَلَهُ عَن قَوْله {مهطعين} قَالَ: مذعنين خاضعين قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم أما سَمِعت قَول تبع: تعبدني نمر بن سعد وَقد درى ونمر بن سعد لي مَدين ومهطع وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة فِي قَوْله {مهطعين إِلَى الداع} قَالَ: عَامِدين إِلَى الدَّاعِي
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن فِي قَوْله {مهطعين إِلَى الداع} قَالَ: منطلقين
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن تَمِيم بن حدلم فِي قَوْله {مهطعين} قَالَ: الإِهطاع التجميح
وَأخرج عبد بن حميد عَن سعيد بن جُبَير {مهطعين إِلَى الداع} قَالَ: هُوَ النسلان
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة {مهطعين إِلَى الداع} قَالَ: صائخي أذانهم إِلَى الصَّوْت
الْآيَات 9 - 17(7/674)
كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ (9) فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ (10) فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ (11) وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ (12) وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ (13) تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ (14) وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (15) فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (16) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (17)
أخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَقَالُوا مَجْنُون وازدجر} قَالَ: استطير جنوناً
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن الْحسن فِي قَوْله {وازدجر} قَالَ: تهددوه بِالْقَتْلِ
وَأخرج البُخَارِيّ فِي الْأَدَب وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي الطُّفَيْل أَن ابْن الْكواء سَأَلَ عليا عَن المجرة فَقَالَ: هِيَ شرخ السَّمَاء وَمِنْهَا فتحت أَبْوَاب السَّمَاء بِمَاء منهمر ثمَّ قَرَأَ {ففتحنا أَبْوَاب السَّمَاء} الْآيَة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {ففتحنا أَبْوَاب السَّمَاء بِمَاء منهمر} قَالَ: كثير لم تمطر السَّمَاء قبل ذَلِك الْيَوْم وَلَا بعده إِلَّا من السَّحَاب وَفتحت أَبْوَاب السَّمَاء بِالْمَاءِ من غير سَحَاب ذَلِك الْيَوْم فَالتقى الماءان
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُحَمَّد بن كَعْب فِي قَوْله {فَالتقى المَاء} قَالَ: مَاء السَّمَاء وَمَاء الأَرْض {على أَمر قد قدر} قَالَ: كَانَت الأقوات قبل الأجساد وَكَانَ الْقدر قبل الْبلَاء
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله {قد قدر} قَالَ: صَاح بِصَاع
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وحملناه على ذَات أَلْوَاح ودُسر} قَالَ: اللواح أَلْوَاح السَّفِينَة والدسر معاريضها الَّتِي تشد بهَا السَّفِينَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد قَالَ: الألواح الصفائح والدسر الْعَوَارِض
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة {وحملناه على ذَات أَلْوَاح} قَالَ: معاريض السَّفِينَة {ودسر} قَالَ: دسرت بمسامير
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى: {ودسر} قَالَ: المسامير
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة قَالَ: حَدثنَا أَن دسرها مساميرها الَّتِي شدت بهَا
وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس إِن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَول الله {ودسر} قَالَ: الدسر الَّتِي تحرز بهَا السَّفِينَة
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك
قَالَ: نعم
أما سَمِعت الشَّاعِر وَهُوَ يَقُول: سفينة نوتي قد احكم صنعها مثخنة الألواح منسوجة الدسر(7/675)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الدسر كلكل السَّفِينَة
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة قَالَ: الدسر صدرها الَّذِي يضْرب بِهِ الموج
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن نَحوه
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله تَعَالَى {جَزَاء لمن كَانَ كفر} قَالَ: جَزَاء الله هُوَ الَّذِي كفر
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَلَقَد تركناها آيَة} قَالَ: أبقى الله سفينة نوح على الجودي حَتَّى أدْركهَا أَوَائِل هَذِه الْأمة
وَأخرج آدم بن أبي إِيَاس وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن مُجَاهِد {وَلَقَد يسرنَا الْقُرْآن للذّكر} قَالَ: هوّنا قِرَاءَته
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَلَقَد يسرنَا الْقُرْآن للذّكر} قَالَ: لَوْلَا أَن الله يسره على لِسَان الْآدَمِيّين مَا اسْتَطَاعَ أحد من الْخلق أَن يتَكَلَّم بِكَلَام الله
وَأخرج الديلمي عَن أنس مَرْفُوعا مثله
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن سِيرِين أَنه مر بِرَجُل يَقُول سُورَة خَفِيفَة قَالَ لَا تقل سُورَة خَفِيفَة وَلَكِن قل سُورَة ميسرَة لِأَن الله يَقُول {وَلَقَد يسرنَا الْقُرْآن للذّكر}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {فَهَل من مدكر} قَالَ: هَل من متذكر
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن مُحَمَّد بن كَعْب فِي قَوْله {فَهَل من مدكر} قَالَ: هَل من منزجر عَن الْمعاصِي
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة فِي قَوْله {فَهَل من مدكر} قَالَ: هَل من طَالب خير يعان عَلَيْهِ وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مطر الْوراق فِي قَوْله {وَلَقَد يسرنَا الْقُرْآن للذّكر فَهَل من مدكر} قَالَ: هَل من طَالب علم فيعان عَلَيْهِ
وَأخرج أَحْمد وَعبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير وَالْحَاكِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: قَرَأت على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم [فَهَل من مُذَكّر] بِالذَّالِ فَقَالَ {فَهَل من مدكر} بِالدَّال(7/676)
الْآيَات 18 - 22(7/677)
كَذَّبَتْ عَادٌ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (18) إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ (19) تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ (20) فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (21) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (22)
أخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {إِنَّا أرسلنَا عَلَيْهِم ريحًا صَرْصَرًا} قَالَ: بَارِدَة {فِي يَوْم نحس} قَالَ: أَيَّام شَدَّاد
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {صَرْصَرًا} قَالَ: شَدِيدَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة فِي قَوْله {ريحًا صَرْصَرًا} قَالَ الْبَارِدَة {فِي يَوْم نحس} قَالَ: فِي يَوْم مشؤوم على الْقَوْم مُسْتَمر اسْتمرّ عَلَيْهِم شَره
وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس إِن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله عزَّ وَجل {فِي يَوْم نحس} قَالَ: النحس الْبلَاء والشدة
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم أما سَمِعت زُهَيْر بن أبي سلمى وَهُوَ يَقُول: سَوَاء عَلَيْهِ أَي يَوْم أَتَيْته أساعة نحس تتقي أم بِأَسْعَد وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن زر بن حُبَيْش {فِي يَوْم نحس مُسْتَمر} قَالَ: يَوْم الْأَرْبَعَاء
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: قَالَ لي جِبْرِيل: اقْضِ بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِد وَقَالَ: يَوْم الْأَرْبَعَاء {يَوْم نحس مُسْتَمر}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عليّ قَالَ: نزل جِبْرِيل على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِد والحجامة وَيَوْم الْأَرْبَعَاء يَوْم نحس مُسْتَمر
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عَائِشَة قَالَت: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: يَوْم نحس يَوْم الْأَرْبَعَاء
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أنس قَالَ: سُئِلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الْأَيَّام وَسُئِلَ عَن يَوْم الْأَرْبَعَاء قَالَ: يَوْم نحس قَالُوا: وَكَيف ذَاك يَا رَسُول الله قَالَ: أغرق فِيهِ الله فِرْعَوْن وَقَومه وَأهْلك عاداً وَثَمُود(7/677)
وَأخرج وَكِيع فِي الْغرَر وَابْن مرْدَوَيْه والخطيب بِسَنَد عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: آخر أربعاء فِي الشَّهْر يَوْم نحس مُسْتَمر
وَأخرج عبد بن حميد وَعبد الله بن أَحْمد فِي زَوَائِد الزّهْد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن قَالَ: لما أَقبلت الرّيح قَامَ إِلَيْهَا عَاد فَأخذ بَعضهم بأيدي بعض وغمزوا أَقْدَامهم فِي الأَرْض وَقَالُوا: من يزِيل أقدامنا عَن الأَرْض إِن كَانَ صَادِقا فَأرْسل الله عَلَيْهِم الرّيح تنْزع النَّاس {كَأَنَّهُمْ أعجاز نخل منقعر}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: إِن كَانَ الرجل من عَاد ليتَّخذ المصراعين من حِجَارَة لَو اجْتمع عَلَيْهِ خَمْسمِائَة من هَذِه الْأمة لم يستطيعوا أَن يحملوه فَكَانَ الرجل يغمز قدمه فِي الأَرْض فَتدخل فِيهِ
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {كَأَنَّهُمْ أعجاز نخل} قَالَ: أصُول نخل {منقعر} قَالَ: مُنْقَطع
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {أعجاز نخل منقعر} قَالَ: أعجاز سود النّخل
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {كَأَنَّهُمْ أعجاز نخل منقعر} قَالَ: وَقعت رؤوسهم كأمثال الأخشبة وتقوّرت أَعْنَاقهم فشبهها بأعجاز نخل منقعر
الْآيَات 23 - 43(7/678)
كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ (23) فَقَالُوا أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذًا لَفِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ (24) أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ (25) سَيَعْلَمُونَ غَدًا مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ (26) إِنَّا مُرْسِلُو النَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ (27) وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ (28) فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ (29) فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (30) إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ (31) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (32) كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ (33) إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ (34) نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنَا كَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ (35) وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنَا فَتَمَارَوْا بِالنُّذُرِ (36) وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ (37) وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذَابٌ مُسْتَقِرٌّ (38) فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ (39) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (40) وَلَقَدْ جَاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ (41) كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كُلِّهَا فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ (42) أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولَئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ (43)
أخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {إِنَّا إِذا لفي ضلال وسعر} قَالَ: شقاء
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة {إِنَّا إِذا لفي ضلال وسعر} قَالَ: فِي ضلال وعناء
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وسعر} قَالَ: ضلال وَفِي قَوْله {كل شرب محتضر} قَالَ: يحْضرُون المَاء إِذا غَابَتْ النَّاقة وَإِذا جَاءَت حَضَرُوا اللَّبن وَفِي قَوْله {فتعاطى} قَالَ: تنَاول وَفِي قَوْله {كهشيم المحتظر} قَالَ: الرجل هشم الحنتمة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله {فتعاطى فعقر} قَالَ: تنَاول أُحَيْمِر ثَمُود النَّاقة فعقرها وَفِي قَوْله {كهشيم المحتظر} قَالَ: كرماد محترق
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {فتعاطى} قَالَ: تنَاول
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {كهشيم المحتظر} قَالَ: كالعظام الْمُحْتَرِقَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس {كهشيم المحتظر} قَالَ: كالحشيش تَأْكُله الْغنم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس {كهشيم المحتظر} قَالَ: هُوَ الْحَشِيش قد حظرته فأكلته يَابسا فَذهب(7/679)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن سعيد بن جُبَير {كهشيم المحتظر} قَالَ: التُّرَاب الَّذِي يسْقط من الْحَائِط
قَوْله تَعَالَى: {كذبت قوم لوط} الْآيَات
أخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله {فتماروا بِالنذرِ} قَالَ: لم يصدقُوا بهَا وَفِي قَوْله {فطمسنا أَعينهم} قَالَ: ذكر لنا أَن جِبْرِيل اسْتَأْذن ربه فِي عقوبتهم لَيْلَة أَتَوا لوطاً وَأَنَّهُمْ عاجلوا الْبَاب ليدخلوا عَلَيْهِم فصعقهم بجناحه فتركهم عمياناً يَتَرَدَّدُونَ وَفِي قَوْله {وَلَقَد صبحهمْ بكرَة عَذَاب مُسْتَقر} قَالَ: اسْتَقر بهم فِي نَار جَهَنَّم وَفِي قَوْله {فأخذناهم أَخذ عَزِيز مقتدر} قَالَ: عَزِيز فِي نقمته إِذا انتقم لَا يخَاف أَن يسْبق وَفِي قَوْله {أكفاركم خير من أولئكم} يَقُول: أكفاركم خير مِمَّن قد مضى
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَلَقَد صبحهمْ بكرَة عَذَاب مُسْتَقر} قَالَ: عَذَاب فِي الدُّنْيَا اسْتَقر بهم فِي الْآخِرَة
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {أكفاركم خير من أولئكم} يَقُول: لَيْسَ كفاركم خيرا من قوم نوح وَقوم لوط
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن الرّبيع بن أنس رَضِي الله عَنهُ {أكفاركم خير من أولئكم} قَالَ: أكفاركم أيتها الْأمة خير مِمَّا ذكر من الْقُرُون الأولى الَّذين أهلكتهم
وَأخرج ابْن جرير عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ {أكفاركم خير من أولئكم} يَقُول: أكفاركم خير من أولئكم الَّذين مضوا {أم لكم بَرَاءَة فِي الزبر} يَعْنِي فِي الْكتب
الْآيَات 44 - 46(7/680)
أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ (44) سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ (45) بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ (46)
أخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن منيع وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {سَيهْزمُ الْجمع وَيُوَلُّونَ الدبر} قَالَ: كَانَ ذَلِك يَوْم بدر قَالُوا {نَحن جَمِيع منتصر} فَنزلت هَذِه الْآيَة(7/680)
وَأخرج البُخَارِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن الْمُنْذر وَالطَّبَرَانِيّ وَأَبُو نعيم فِي الدَّلَائِل وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ وَهُوَ فِي قبَّة لَهُ يَوْم بدر: أنْشدك عَهْدك وَوَعدك اللَّهُمَّ إِن شِئْت لم تعبد بعد الْيَوْم أبدا فَأخذ أَبُو بكر بِيَدِهِ فَقَالَ: حَسبك يَا رَسُول الله ألححت على رَبك فَخرج وَهُوَ يثب فِي الدرْع وَهُوَ يَقُول: {سَيهْزمُ الْجمع وَيُوَلُّونَ الدبر بل السَّاعَة موعدهم والساعة أدهى وَأمر}
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يثب فِي الدرْع يَوْم بدر وَيَقُول هزم الْجمع وولوا الدبر
وَأخرج البُخَارِيّ عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: نزل على مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَنا بِمَكَّة وَإِنِّي لجارية أَلعَب {بل السَّاعَة موعدهم والساعة أدهى وَأمر}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أنزل الله على نبيه بِمَكَّة قبل يَوْم بدر {سَيهْزمُ الْجمع وَيُوَلُّونَ الدبر} فَقَالَ عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ: قلت: يَا رَسُول الله أَي جمع سَيهْزمُ فَلَمَّا كَانَ يَوْم بدر وانهزمت قُرَيْش نظرت إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي آثَارهم مُصْلِتًا بِالسَّيْفِ وَهُوَ يَقُول {سَيهْزمُ الْجمع وَيُوَلُّونَ الدبر} وَكَانَت ليَوْم بدر فَأنْزل الله فيهم (حَتَّى إِذا أَخذنَا مترفيهم بِالْعَذَابِ) (الْمُؤْمِنُونَ 64) الْآيَة وَأنزل الله (ألم تَرَ إِلَى الَّذين بدلُوا نعْمَة الله كفرا) (إِبْرَاهِيم 28) الْآيَة وَرَمَاهُمْ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فوسعتهم الرَّمية وملأت أَعينهم وأفواههم حَتَّى إِن الرجل ليقْتل وَهُوَ يقذي عَيْنَيْهِ فَأنْزل الله (وَمَا رميت إِذْ رميت وَلَكِن الله رمى) (الْأَنْفَال 17)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة وَابْن رَاهَوَيْه وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما نزلت {سَيهْزمُ الْجمع وَيُوَلُّونَ الدبر} قَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ: جعلت أَقُول: أَي جمع سَيهْزمُ حَتَّى كَانَ يَوْم بدر رَأَيْت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يثب فِي الدرْع وَهُوَ يَقُول {سَيهْزمُ الْجمع وَيُوَلُّونَ الدبر} فَعرفت تَأْوِيلهَا يَوْمئِذٍ(7/681)
وَأخرجه ابْن جرير وَمن وَجه آخر عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا مَوْصُولا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي الْعَالِيَة رَضِي الله عَنهُ {سَيهْزمُ الْجمع وَيُوَلُّونَ الدبر} قَالَ: يَوْم بدر
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: ذكر لنا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ يَوْم بدر: هزموا وولوا الدبر
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر عَن مُحَمَّد بن كَعْب رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {والساعة أدهى وَأمر} قَالَ: ذكر الله قوم نوح وَمَا أَصَابَهُم من الْعَذَاب وَذكر عاداً وَمَا أَصَابَهُم من الرّيح وَذكر ثَمُود وَمَا أَصَابَهُم من الصَّيْحَة وَذكر قوم لوط وَمَا أَصَابَهُم من الْحِجَارَة وَذكر آل فِرْعَوْن وَمَا أَصَابَهُم من الْغَرق فَقَالَ: {أكفاركم خير من أولئكم أم لكم بَرَاءَة فِي الزبر} إِلَى قَوْله {والساعة أدهى وَأمر} يَعْنِي أدهى مِمَّا أصَاب أُولَئِكَ وأمرّ
وَأخرج ابْن الْمُبَارك فِي الزّهْد وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: بَادرُوا بِالْأَعْمَالِ سبعا مَا ينْتَظر أحدكُم إِلَّا غنى مطغياً أَو فقرا منسياً أَو مَرضا مُفْسِدا أَو هرماً مفنداً أَو موتا مجهزاً أَو الدَّجَّال والدجال شَرّ غَائِب ينْتَظر أَو السَّاعَة {والساعة أدهى وَأمر}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن معقل رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن الله جعل عُقُوبَة هَذِه الْأمة السَّيْف وَجعل موعدهم السَّاعَة {والساعة أدهى وَأمر}
الْآيَات 47 - 53(7/682)
إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ (47) يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ (48) إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ (49) وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ (50) وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أَشْيَاعَكُمْ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (51) وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ (52) وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ (53)
أخرج أَحْمد وَمُسلم وَعبد بن حميد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن ماجة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: جَاءَ مشركو قُرَيْش إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم(7/682)
يخاصمونه فِي الْقدر فَنزلت {يَوْم يسْحَبُونَ فِي النَّار على وُجُوههم ذوقوا مس سقر إِنَّا كل شَيْء خلقناه بِقدر}
وَأخرج الْبَزَّار وَابْن الْمُنْذر بِسَنَد جيد من طَرِيق عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده قَالَ: مَا أنزلت هَذِه الْآيَة {إِن الْمُجْرمين فِي ضلال وسعر يَوْم يسْحَبُونَ فِي النَّار على وُجُوههم ذوقوا مس سقر إِنَّا كل شَيْء خلقناه بِقدر} إِلَّا فِي أهل الْقدر
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَابْن شاهين وَابْن مَنْدَه والباوردي فِي الصَّحَابَة والخطيب فِي تالي التَّلْخِيص وَابْن عَسَاكِر عَن زُرَارَة رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه تَلا هَذِه الْآيَة {ذوقوا مس سقر إِنَّا كل شَيْء خلقناه بِقدر} قَالَ: فِي أنَاس من أمتِي فِي آخر الزَّمَان يكذبُون بِقدر الله
وَأخرج ابْن عدي وَابْن مرْدَوَيْه والديلمي وَابْن عَسَاكِر بِسَنَد ضَعِيف عَن أبي أُمَامَة رَضِي الله عَنهُ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: إِن هَذِه الْآيَة نزلت فِي الْقَدَرِيَّة {إِن الْمُجْرمين فِي ضلال وسعر}
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن سعد وَابْن الْمُنْذر عَن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن عَليّ بن عبد الله بن جَعْفَر رَضِي الله عَنهُ وَكَانَت أمه لبَابَة بنت عبد الله بن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَت: كنت أَزور جدي ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي كل يَوْم جُمُعَة قبل أَن يكف بَصَره فَسَمعته يقْرَأ فِي الْمُصحف فَلَمَّا أَتَى على هَذِه الْآيَة {إِن الْمُجْرمين فِي ضلال وسعر يَوْم يسْحَبُونَ فِي النَّار على وُجُوههم} قَالَ: يَا بنية مَا أعرف أَصْحَاب هَذِه الْآيَة مَا كَانُوا بعد وليكونن
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق عَطاء بن أبي رَبَاح عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَنه قيل لَهُ: قد تكلم فِي الْقدر فَقَالَ: أَو فَعَلُوهَا وَالله مَا نزلت هَذِه الْآيَة إِلَّا فيهم {ذوقوا مسَّ سقر إِنَّا كل شَيْء خلقناه بِقدر} أُولَئِكَ شرار هَذِه الْأمة لَا تعودوا مرضاهم وَلَا تصلوا على موتاهم إِن أريتني وَاحِدًا مِنْهُم فقأت عَيْنَيْهِ بأصبعي هَاتين
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه من طرق عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: نزلت هَذِه الْآيَة فِي الْقَدَرِيَّة {يَوْم يسْحَبُونَ فِي النَّار على وُجُوههم ذوقوا مس سقر إِنَّا كل شَيْء خلقناه بِقدر}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {إِنَّا كل شَيْء خلقناه بِقدر}(7/683)
قَالَ: خلق الله الْخلق كلهم بِقدر وَخلق لَهُم الْخَيْر وَالشَّر بِقدر
وَأخرج مُسلم عَن ابْن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: كل شَيْء بِقَضَاء وَقدر حَتَّى الْعَجز والكيس
وَأخرج البُخَارِيّ فِي تَارِيخه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كل شَيْء بِقَضَاء وَقدر حَتَّى وضعك يدك على خدك
وَأخرج أَحْمد عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لكل أمة مجوس ومجوس أمتِي الَّذين يَقُولُونَ لَا قدر إِن مرضوا فَلَا تعودهم وَإِن مَاتُوا فَلَا تشهدوهم
وَأخرج ابْن شاهين فِي السّنة عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ قَالَ: طلبت هَذَا الْقدر فِيمَا أنزل الله على مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَوَجَدته فِي {اقْتَرَبت السَّاعَة} {وكل شَيْء فَعَلُوهُ فِي الزبر} {وكل صَغِير وكبير مستطر}
وَأخرج سُفْيَان بن عُيَيْنَة فِي جَامعه عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ قَالَ: إِنَّمَا نزلت هَذِه {يَوْم يسْحَبُونَ فِي النَّار على وُجُوههم ذوقوا مس سقر إِنَّا كل شَيْء خلقناه بِقدر} تعييرا لأهل الْقدر
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج {وكل شَيْء فَعَلُوهُ فِي الزبر} قَالَ: فِي الْكتاب
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {وكل صَغِير وكبير مستطر} قَالَ: مسطور فِي الْكتاب
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة {وكل صَغِير وكبير مستطر} قَالَ: مَحْفُوظ مَكْتُوب
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وكل صَغِير وكبير مستطر} قَالَ: مَكْتُوب
وَأخرج ابْن جرير عَن عِكْرِمَة {مستطر} مَكْتُوب فِي سطر
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن زيد {وَلَقَد أهلكنا أشياعكم} قَالَ: أشياعهم من أهل الْكفْر من الْأُمَم السالفة {فَهَل من مدكر} يَقُول: هَل من أحد يتَذَكَّر
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: مَا طنَّ ذُبَاب إِلَّا بِقدر ثمَّ قَرَأَ {وَمَا أمرنَا إِلَّا وَاحِدَة كلمح بالبصر}(7/684)
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عبد الله بن عمر قَالَ: المكذبون بِالْقدرِ مجرمو هَذِه الْأمة وَفِيهِمْ أنزلت هَذِه الْآيَة {إِن الْمُجْرمين فِي ضلال وسعر} إِلَى قَوْله {إِنَّا كل شَيْء خلقناه بِقدر}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {إِنَّا كل شَيْء خلقناه بِقدر} قَالَ: يَقُول خلق كل شَيْء فقدره فَقدر الدرْع للْمَرْأَة والقميص للرجل والقتب للبعير والسرج للْفرس وَنَحْو هَذَا
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: جَاءَ العاقب وَالسَّيِّد وَكَانَا رَأْسِي النَّصَارَى بِنَجْرَان فتكلما بَين يَدي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِكَلَام شَدِيد فِي الْقدر وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَاكِت مَا يجيبهما بِشَيْء حَتَّى انصرفا فَأنْزل الله {أكفاركم خير من أولئكم} الَّذين كفرُوا وكذبوا بِاللَّه قبلكُمْ {أم لكم بَرَاءَة فِي الزبر} فِي الْكتاب الأول إِلَى قَوْله {وَلَقَد أهلكنا أشياعكم} الَّذين كفرُوا وكذبوا بِالْقدرِ قبلكُمْ {وكل شَيْء فَعَلُوهُ فِي الزبر} فِي أم الْكتاب {وكل صَغِير وكبير مستطر} يَعْنِي مَكْتُوب إِلَى آخر السُّورَة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن مُحَمَّد بن كَعْب قَالَ: كنت أَقرَأ هَذِه الْآيَة فَمَا أَدْرِي من عني بهَا حَتَّى سَقَطت عَلَيْهَا {إِن الْمُجْرمين فِي ضلال وسعر} إِلَى قَوْله {كلمح بالبصر} فَإِذا هم المكذبون بِالْقدرِ
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد قَالَ: نزلت هَذِه الْآيَة فِي أهل التَّكْذِيب إِلَى آخر الْآيَة قَالَ مُجَاهِد: قلت لِابْنِ عَبَّاس: مَا تَقول فِيمَن يكذب بِالْقدرِ قَالَ: اجْمَعْ بيني وَبَينه قلت: مَا تصنع بِهِ قَالَ: أخنقه حَتَّى أَقتلهُ
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: صنفان من أمتِي لَيْسَ لَهما فِي الإِسلام نصيب المرجئة والقدرية أنزلت فيهم آيَة من كتاب الله {إِن الْمُجْرمين فِي ضلال وسعر} إِلَى آخر الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: إِنِّي لأجد فِي كتاب الله قوما يسْحَبُونَ فِي النَّار على وُجُوههم يُقَال لَهُم {ذوقوا مسَّ سقر} لأَنهم كَانُوا يكذبُون بِالْقدرِ وَإِنِّي لَا أَرَاهُم فَلَا أَدْرِي أَشَيْء كَانَ قبلنَا أم شَيْء فِيمَا بَقِي
وَأخرج ابْن جرير عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ قَالَ: مَا نزلت هَذِه الْآيَة إِلَّا تعييراً لأهل الْقدر {ذوقوا مس سقر إِنَّا كل شَيْء خلقناه بِقدر}
وَأخرج أَحْمد عَن حُذَيْفَة بن الْيَمَان قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن لكل أمة(7/685)
مجوساً وَإِن مجوس هَذِه الْأمة الَّذين يَقُولُونَ لَا قدر فَمن مرض فَلَا تعوده وَإِن مَاتَ فَلَا تشهدوه وهم من شيعَة الدَّجَّال حق على الله أَن يلحقهم بِهِ
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عبَادَة بن الصَّامِت رضى الله عَنهُ قَالَ: سَمِعت بأذني هَاتين رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: إِن أول مَا خلق الله الْقَلَم قيل: اكْتُبْ لَا بُد قَالَ: وَمَا لَا بُد قَالَ: الْقدر قَالَ: وَمَا الْقدر قَالَ: تعلم أَن مَا أَصَابَك لم يكن ليخطئك وَمَا أخطأك لم يكن ليصيبك إِن مت على غير ذَلِك دخلت النَّار
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس أَنه سمع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: إِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة أَمر الله منادياً يُنَادي أَيْن خصماء الله فَيقومُونَ مسودة وُجُوههم مزرقة عيونهم مائلاً شفاههم يسيل لعابهم يقذرهم من رَآهُمْ فَيَقُولُونَ: وَالله يَا رَبنَا مَا عَبدنَا من دُونك شمساً وَلَا قمراً وَلَا حجرا وَلَا وثناً قَالَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا: لقد أَتَاهُم الشّرك من حَيْثُ لَا يعلمُونَ ثمَّ تَلا ابْن عَبَّاس (يَوْم يَبْعَثهُم الله جَمِيعًا فَيحلفُونَ لَهُ كَمَا يحلفُونَ لكم وَيَحْسبُونَ أَنهم على شَيْء أَلا إِنَّهُم هم الْكَاذِبُونَ) (المجادلة 18) هم وَالله القدريون ثَلَاث مَرَّات
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: ذكر لِابْنِ عَبَّاس أَن قوما يَقُولُونَ فِي الْقدر فَقَالَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا: إِنَّهُم يكذبُون بِكِتَاب الله فلآخذن بِشعر أحدهم فَلأَنصينَّهُ ان الله كَانَ على عَرْشه قبل أَن يخلق شَيْئا وَأول شَيْء خلق الْقَلَم وَأمره أَن يكْتب مَا هُوَ كَائِن فَإِنَّمَا يجْرِي النَّاس على أَمر قد فرغ مِنْهُ
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي يحيى الْأَعْرَج قَالَ: سَمِعت ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا وَذكر الْقَدَرِيَّة فَقَالَ: لَو أدْركْت بَعضهم لفَعَلت بِهِ كَذَا وَكَذَا ثمَّ قَالَ: الزِّنَا بِقدر وَالسَّرِقَة بِقدر وَشرب الْخمر بِقدر
وَأخرج ابْن جرير عَن أبي عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما نزلت هَذِه الْآيَة {إِنَّا كل شَيْء خلقناه بِقدر} قَالَ رجل: يَا رَسُول الله فَفِيمَ الْعَمَل أَفِي شَيْء نستأنفه أم فِي شَيْء قد فرغ مِنْهُ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: اعْمَلُوا فَكل ميسر سنيسره لليسرى وسنيسره للعسرى(7/686)
الْآيَات 54 - 55(7/687)
إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (54) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ (55)
أخرج ابْن مرْدَوَيْه بسندٍ واهٍ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: النَّهر الفضاء وَالسعَة لَيْسَ بنهر جَار
وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله {فِي جنَّات ونهر} قَالَ: النَّهر السعَة
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم أما سَمِعت لبيد بن ربيعَة وَهُوَ يَقُول: ملكت بهَا فأنهرت فتقها يرى قَائِم من دونهَا مَا وَرَاءَهَا وَأخرج عبد بن حميد عَن شريك فِي قَوْله {فِي جنَّات ونهر} قَالَ: جنَّات وعيون
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي بكر بن عَيَّاش رَضِي الله عَنهُ أَن عَاصِمًا قَرَأَ {فِي جنَّات ونهر} مُثَلّثَة منتصبة النُّون قَالَ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ: وَكَانَ زُهَيْر الْقرشِي يقْرَأ {ونهر} يُرِيد جمَاعَة النَّهر
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ عَن بُرَيْدَة عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله {فِي جنَّات ونهر فِي مقْعد صدق عِنْد مليك مقتدر} قَالَ: إِن أهل الْجنَّة يدْخلُونَ على الْجَبَّار كل يَوْم مرَّتَيْنِ فَيقْرَأ عَلَيْهِم الْقُرْآن وَقد جلس كل امرىء مِنْهُم مجْلِس الَّذِي هُوَ مَجْلِسه على مَنَابِر الدّرّ والياقوت والزبرجد وَالذَّهَب وَالْفِضَّة بِالْأَعْمَالِ فَلَا تقر أَعينهم قطّ كَمَا تقر بذلك وَلم يسمعوا شَيْئا أعظم مِنْهُ وَلَا أحسن مِنْهُ ثمَّ يَنْصَرِفُونَ إِلَى رحالهم قريرة أَعينهم ناعمين إِلَى مثلهَا من الْغَد
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول عَن مُحَمَّد بن كَعْب رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {إِن الْمُتَّقِينَ فِي جنَّات ونهر} قَالَ: فِي نور وضياء
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ عَن ثَوْر بن يزِيد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: بلغنَا أَن الْمَلَائِكَة يأْتونَ الْمُؤمنِينَ يَوْم الْقِيَامَة فَيَقُولُونَ: يَا أَوْلِيَاء الله انْطَلقُوا فَيَقُولُونَ: إِلَى أَيْن فَيَقُولُونَ: إِلَى الْجنَّة فَيَقُولُونَ: إِنَّكُم تذهبون بِنَا إِلَى غير بغيتنا فَيُقَال لَهُم: وَمَا بغيتكم فَيَقُولُونَ: المقعد مَعَ الحبيب وَهُوَ قَوْله {إِن الْمُتَّقِينَ فِي جنَّات ونهر فِي مقْعد صدق عِنْد مليك مقتدر}(7/687)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن سعيد بن الْمسيب قَالَ: دخلت الْمَسْجِد وَأَنا أرى أَنِّي قد أَصبَحت فَإِذا عليَّ ليل طَوِيل وَإِذا لَيْسَ فِيهِ أحد غَيْرِي فَقُمْت فَسمِعت حَرَكَة خَلْفي فَفَزِعت فَقَالَ: أَيهَا الممتلىء قلبه فرقا لَا تفرق أَو لَا تفزع وَقل: اللَّهُمَّ إِنَّك مليك مقتدر مَا تشَاء من أَمر يكون ثمَّ سل مَا بدا لَك قَالَ سعيد: فَمَا سَأَلت الله شَيْئا إِلَّا اسْتَجَابَ لي
وَأخرج أَبُو نعيم عَن جَابر قَالَ: بَيْنَمَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمًا فِي مَسْجِد الْمَدِينَة فَذكر بعض أَصْحَابه الْجنَّة فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يَا أَبَا دُجَانَة أما علمت أَن من أحبنا وابتلي بمحبتنا أسْكنهُ الله تَعَالَى مَعنا ثمَّ تَلا {فِي مقْعد صدق عِنْد مليك مقتدر}(7/688)
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم (55)
سُورَة الرَّحْمَن
مَدَنِيَّة وآياتها ثَمَان وَسَبْعُونَ
مُقَدّمَة السُّورَة أخرج النّحاس عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: نزلت سُورَة الرَّحْمَن بِمَكَّة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عبد الله بن الزبير رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أنزل بِمَكَّة سُورَة الرَّحْمَن
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: نزلت سُورَة الرَّحْمَن بِمَكَّة
وَأخرج ابْن الضريس وَابْن مردوية وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: نزلت سُورَة الرَّحْمَن بِالْمَدِينَةِ
الْآيَات 1 - 13(7/689)
الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2) خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (4) الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ (5) وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ (6) وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ (7) أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ (8) وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ (9) وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ (10) فِيهَا فَاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذَاتُ الْأَكْمَامِ (11) وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحَانُ (12) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (13)
أخرج النّحاس عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: نزلت سُورَة الرَّحْمَن بِمَكَّة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عبد الله بن الزبير رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أنزل بِمَكَّة سُورَة الرَّحْمَن
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: نزلت سُورَة الرَّحْمَن بِمَكَّة
وَأخرج ابْن الضريس وَابْن مردوية وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: نزلت سُورَة الرَّحْمَن بِالْمَدِينَةِ
وَأخرج أَحْمد وَابْن مرْدَوَيْه بِسَنَد حسن عَن أَسمَاء بنت أبي بكر رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقْرَأ وَهُوَ يُصَلِّي نَحْو الرُّكْن قبل أَن يصدع بِمَا يُؤمر وَالْمُشْرِكُونَ يسمعُونَ {فَبِأَي آلَاء رَبكُمَا تُكَذِّبَانِ}(7/689)
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن جَابر بن عبد الله رَضِي الله عَنهُ قَالَ: خرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على أَصْحَابه فَقَرَأَ عَلَيْهِم سُورَة الرَّحْمَن من أَولهَا إِلَى آخرهَا فَسَكَتُوا فَقَالَ: مَا لي أَرَاكُم سكُوتًا لقد قرأتها على الْجِنّ لَيْلَة الْجِنّ فَكَانُوا أحسن مردوداً مِنْكُم كنت كلما أتيت على قَوْله {فبأيّ آلَاء رَبكُمَا تُكَذِّبَانِ} قَالُوا: وَلَا بِشَيْء من نعمك رَبنَا نكذب فلك الْحَمد
وَأخرج الْبَزَّار وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي الْأَفْرَاد وَابْن مرْدَوَيْه والخطيب فِي تَارِيخه بِسَنَد صَحِيح عَن ابْن عمر أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَرَأَ سُورَة الرَّحْمَن على أَصْحَابه فَسَكَتُوا فَقَالَ: مَا لي أسمع الْجِنّ أحسن جَوَابا لِرَبِّهَا مِنْكُم مَا أتيت على قَوْله الله {فبأيّ آلَاء رَبكُمَا تُكَذِّبَانِ} الا قَالُوا: لَا شَيْء من آلَائِكَ رَبنَا نكذب فلك الْحَمد
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن عَليّ: سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: لكل شَيْء عروس وعروس الْقُرْآن الرَّحْمَن
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن فَاطِمَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: قارىء الْحَدِيد و {إِذا وَقعت الْوَاقِعَة} والرحمن يدعى فِي ملكوت السَّمَوَات وَالْأَرْض سَاكن الفردوس
وَأخرج أَحْمد عَن ابْن زيد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ أول مفصل ابْن مَسْعُود الرَّحْمَن
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ أَن رجلا قَالَ لَهُ: إِنِّي قد قَرَأت الْمفصل فِي رَكْعَة فَقَالَ: أَهَذا كَهَذا الشّعْر لَكِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يقْرَأ النَّظَائِر سورتين فِي رَكْعَة الرَّحْمَن والنجم فِي رَكْعَة واقتربت والحاقة فِي رَكْعَة وَالطور والذاريات فِي رَكْعَة وَإِذا وَقعت وَإِن فِي رَكْعَة وَعم والمرسلات فِي رَكْعَة وَالدُّخَان وَإِذا الشَّمْس كورت فِي رَكْعَة وَسَأَلَ سَائل والنازعات فِي رَكْعَة وويل لِلْمُطَفِّفِينَ وَعَبس فِي رَكْعَة
وَأخرج الْحَاكِم فِي التَّارِيخ وَالْبَيْهَقِيّ عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُوتر بتسع رَكْعَات فَلَمَّا أسنّ وَثقل أوتر بِسبع فصلى رَكْعَتَيْنِ وَهُوَ جَالس فَقَرَأَ فيهمَا الرَّحْمَن والواقعة(7/690)
وَأخرج ابْن حبَان عَن عبد الله بن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: اقرأني رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سُورَة الرَّحْمَن فَخرجت إِلَى الْمَسْجِد عَشِيَّة فَجَلَسَ إليّ رَهْط فَقلت لرجل: اقْرَأ عليّ فَإِذا هُوَ يقْرَأ حروفاً لَا أقرؤها فَقلت: من أَقْرَأَك قَالَ: اقرأني رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَانْطَلَقْنَا حَتَّى وقفنا على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقلت: اخْتَلَفْنَا فِي قراءتنا فَإِذا وَجه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيهِ تَغْيِير وَوجد فِي نَفسه حِين ذكر الِاخْتِلَاف فَقَالَ: إِنَّمَا هلك من قبلكُمْ بالاختلاف فَأمر عليا فَقَالَ: إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَأْمُركُمْ أَن يقْرَأ كل رجل مِنْكُم كَمَا علم فَإِنَّمَا هلك من قبلكُمْ بالاختلاف قَالَ: فَانْطَلَقْنَا وكل رجل منا يقْرَأ حرفا لَا يَقْرَؤُهُ صَاحبه
قَوْله تَعَالَى: {الرَّحْمَن علم الْقُرْآن} الْآيَات
أخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {خلق الإِنسان علمه الْبَيَان} قَالَ: آدم {علمه الْبَيَان} قَالَ: بَين لَهُ سَبِيل الْهدى وسبيل الضَّلَالَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {الرَّحْمَن علم الْقُرْآن} قَالَ: نعْمَة الله عَظِيمَة {خلق الإِنسان} قَالَ: آدم {علمه الْبَيَان} قَالَ: علَّمه الله بَيَان الدُّنْيَا وَالْآخِرَة بَين حَلَاله وَحَرَامه ليحتج بذلك عَلَيْهِ وَللَّه الْحجَّة على عباده وَفِي قَوْله {الشَّمْس وَالْقَمَر بحسبان} إِلَى أجل بِحِسَاب
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {الشَّمْس وَالْقَمَر بحسبان} قَالَ: بِحِسَاب ومنازل يرسلان
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن أبي مَالك رَضِي الله عَنهُ {الشَّمْس وَالْقَمَر بحسبان} قَالَ: عَلَيْهِمَا حِسَاب وَأجل كأجل النَّاس فَإِذا جَاءَ أجلهما هلكا
وَأخرج عبد بن حميد عَن الرّبيع بن أنس رَضِي الله عَنهُ {الشَّمْس وَالْقَمَر بحسبان} قَالَ: يجريان بِحِسَاب
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ {الشَّمْس وَالْقَمَر بحسبان} قَالَ: بِقدر يجريان
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {الشَّمْس وَالْقَمَر بحسبان} قَالَ: يدوران فِي مثل قطب الرَّحَى(7/691)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن أبي رزين وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {والنجم وَالشَّجر يسجدان} قَالَ: النَّجْم مَا انبسط على الأَرْض وَالشَّجر مَا كَانَ على سَاق
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ مثله
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن أبي رزين فِي قَوْله {والنجم وَالشَّجر يسجدان} قَالَ: النَّجْم مَا ذهب فرشاً على الأَرْض لَيْسَ لَهُ سَاق وَالشَّجر مَا كَانَ لَهُ سَاق {يسجدان} قَالَ: ظلهما سجودهما
وَأخرج ابْن الْأَنْبَارِي فِي الْوَقْف والابتداء عَن ابْن عَبَّاس إِن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله {والنجم وَالشَّجر يسجدان} مَا النَّجْم قَالَ: مَا أنجمت الأَرْض مِمَّا لَا يقوم على سَاق فَإِذا قَامَ على سَاق فَهِيَ شَجَرَة
قَالَ صَفْوَان بن أَسد التَّمِيمِي: لقد أنجم القاع الْكَبِير عضاته وَتمّ بِهِ حيّا تَمِيم وَوَائِل وَقَالَ زُهَيْر بن أبي سلمى: مكلل بأصول النَّجْم تنسجه ريح الْجنُوب كضاحي مَا بِهِ حبك وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {والنجم وَالشَّجر يسجدان} قَالَ: النَّجْم نجم السَّمَاء وَالشَّجر الشَّجَرَة يسْجد بكرَة وَعَشِيَّة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَوضع الْمِيزَان} قَالَ: الْعدْل
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {أَلا تطغوا فِي الْمِيزَان} قَالَ: اعْدِلْ يَا ابْن آدم كَمَا تحب أَن يعدل عَلَيْك وَأَوْفِ كَمَا تحب أَن يُوفَى لَك فَإِن الْعدْل يصلح النَّاس
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَنه رأى رجلا يزن قد أرجح فَقَالَ: أقِم اللِّسَان كَمَا قَالَ الله {وَأقِيمُوا الْوَزْن بِالْقِسْطِ}
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {وَأقِيمُوا الْوَزْن بِالْقِسْطِ} قَالَ: اللِّسَان
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وَالْأَرْض وَضعهَا للأنام} قَالَ: للنَّاس(7/692)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {وَالْأَرْض وَضعهَا للأنام} قَالَ: لِلْخلقِ
وَأخرج الطستي وَالطَّبَرَانِيّ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله {وَضعهَا للأنام} قَالَ: الْأَنَام الْخلق وهم ألف أمة سِتّمائَة فِي الْبَحْر وَأَرْبَعمِائَة فِي الْبر
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم أما سَمِعت لبيداً وَهُوَ يَقُول: فَإِن تسألينا مِمَّن نَحن فإننا عصافير من هَذَا الْأَنَام المسخر وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وَضعهَا للأنام} قَالَ: كل شَيْء فِيهِ روح
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ {وَالْأَرْض وَضعهَا للأنام} قَالَ: كل شَيْء يدب على الأَرْض
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَالْأَرْض وَضعهَا للأنام} قَالَ: لِلْخلقِ الْجِنّ والإِنس
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَالنَّخْل ذَات الأكمام} قَالَ: أوعية الطّلع
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَالْحب ذُو العصف} قَالَ: ورق الْحِنْطَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن الضَّحَّاك فِي الْآيَة قَالَ: الْحبّ الْحِنْطَة وَالشعِير والعصف القشر الَّذِي يكون على الْحبّ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَالْحب ذُو العصف} قَالَ: التِّبْن {وَالريحَان} قَالَ: خضرَة الزَّرْع
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي الْآيَة قَالَ: العصف ورق الزَّرْع إِذا يبس وَالريحَان مَا أنبتت الأَرْض من الريحان الَّذِي يشم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي الْآيَة قَالَ: العصف الزَّرْع أول مَا يخرج بقلاً وَالريحَان حِين يَسْتَوِي على سوقه وَلم يسنبل
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كل ريحَان فِي الْقُرْآن فَهُوَ الرزق(7/693)
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن أبي صَالح فِي قَوْله {وَالْحب ذُو العصف} قَالَ: العصف أول مَا ينْبت
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد {وَالريحَان} قَالَ: الرزق
وَأخرج ابْن جرير عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله {وَالريحَان} قَالَ: الرزق وَالطَّعَام
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن زيد فِي قَوْله {وَالريحَان} قَالَ: الرياحين الَّتِي يُوجد رِيحهَا
وَأخرج ابْن جرير عَن الْحسن {وَالريحَان} قَالَ: ريحانكم هَذَا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {فبأيّ آلَاء رَبكُمَا تُكَذِّبَانِ} قَالَ: بأيّ نعْمَة الله
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {فبأيّ آلَاء رَبكُمَا تُكَذِّبَانِ} يَعْنِي الْجِنّ والإِنس وَالله أعلم
الْآيَات 14 - 18(7/694)
خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ (14) وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ (15) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (16) رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ (17) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (18)
أخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَخلق الجان من مارج من نَار} قَالَ: من لَهب النَّار
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة مثله
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس {من مارج من نَار} قَالَ: من لهبها من وَسطهَا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس {من مارج} قَالَ: خَالص النَّار
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس {من مارج} قَالَ: من شهب النَّار
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد {من مارج} قَالَ: اللهب الْأَصْفَر والأخضر الَّذِي يَعْلُو النَّار إِذا أوقدت(7/694)
وَأخرج عبد بن حميد عَن سعيد بن جُبَير {من مارج} قَالَ: الخضرة الَّتِي تقطع من النَّار السوَاد الَّذِي يكون بَين النَّار وَبَين الدُّخان
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَأحمد وَعبد بن حميد وَمُسلم وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن عَائِشَة قَالَت: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: خلقت الْمَلَائِكَة من نور وَخلق الْجِنّ من مارج من نَار وَخلق آدم كَمَا وصف لكم
قَوْله تَعَالَى: {رب المشرقين} الْآيَة
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {رب المشرقين وَرب المغربين} قَالَ: للشمس مطلع فِي الشتَاء ومغرب فِي الشتَاء ومطلع فِي الصَّيف ومغرب فِي الصَّيف غير مطْلعهَا فِي الشتَاء وَغير مغْرِبهَا فِي الشتَاء
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد {رب المشرقين وَرب المغربين} قَالَ: مشرق الشتَاء ومغربه ومشرق الصَّيف ومغربه
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة وَعِكْرِمَة مثله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {رب المشرقين} قَالَ: مشرق النَّجْم ومشرق الشَّفق {وَرب المغربين} قَالَ: مغرب الشَّمْس ومغرب الشَّفق
الْآيَات 19 - 23(7/695)
مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ (19) بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ (20) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (21) يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ (22) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (23)
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {مرج الْبَحْرين} قَالَ: أرسل الْبَحْرين {بَينهمَا برزخ} قَالَ: حاجز {لَا يبغيان} قَالَ: لَا يختلطان
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد {مرج الْبَحْرين يَلْتَقِيَانِ} قَالَ: مرجهما استواؤهما {بَينهمَا برزخ} قَالَ: حاجز من الله {لَا يبغيان} قَالَ: لَا يختلطان وَفِي لفظ لَا يَبْغِي أَحدهمَا على الآخر لَا العذب على المالح وَلَا المالح على العذب(7/695)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة {مرج الْبَحْرين يَلْتَقِيَانِ} قَالَ: حسنهما {بَينهمَا برزخ لَا يبغيان} قَالَ: البرزخ عَزمَة من الله لَا يَبْغِي أَحدهمَا على الآخر
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن الْحسن {مرج الْبَحْرين} قَالَ: بَحر فَارس وبحر الرّوم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة {مرج الْبَحْرين يَلْتَقِيَانِ} قَالَ: بَحر فَارس وبحر الرّوم وبحر الْمشرق وبحر الْمغرب
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس {مرج الْبَحْرين} قَالَ: بَحر السَّمَاء وبحر الأَرْض {يَلْتَقِيَانِ} كل عَام
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن سعيد بن جُبَير {مرج الْبَحْرين يَلْتَقِيَانِ} قَالَ: بَحر السَّمَاء وبحر الأَرْض
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس {بَينهمَا برزخ لَا يبغيان} قَالَ: بَينهمَا من الْبعد مَا لَا يَبْغِي كل وَاحِد مِنْهُمَا على صَاحبه
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن الْحسن {بَينهمَا برزخ} قَالَ: أَنْتُم البرزخ {لَا يبغيان} عَلَيْكُم فيغرقانكم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة {بَينهمَا برزخ لَا يبغيان} قَالَ: برزخ الجزيرة واليبس {لَا يبغيان} على اليبس وَلَا يَبْغِي أَحدهمَا على صَاحبه وَمَا أَخذ أَحدهمَا من صَاحبه فَهُوَ بغي يحجز أَحدهمَا عَن صَاحبه بِلُطْفِهِ وَقدرته وجلاله
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر عَن الْحسن وَقَتَادَة {لَا يبغيان} قَالَ: لَا يطغيان على النَّاس
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن ابْن أَبْزَى {بَينهمَا برزخ} قَالَ: الْبعد
وَأخرج عبد بن حميد عَن سعيد بن جُبَير {بَينهمَا برزخ} قَالَ: بِئْر هَهُنَا عذب وبئر هَهُنَا مالح
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب الْمَطَر وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {يخرج مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤ} قَالَ: إِذا أمْطرت السَّمَاء فتحت الأصداف فِي الْبَحْر أفواهها فَمَا وَقع فِيهَا من قطر السَّمَاء فَهُوَ اللُّؤْلُؤ(7/696)
وَأخرج ابْن جرير عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: إِذا قطر الْقطر من السَّمَاء فتحت لَهُ الأصداف فَكَانَ اللُّؤْلُؤ
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وهناد بن السّري وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم من طرق عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: المرجان عِظَام اللُّؤْلُؤ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن عليّ بن أبي طَالب قَالَ: المرجان عِظَام اللُّؤْلُؤ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد قَالَ: المرجان مَا عظم من اللُّؤْلُؤ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مرّة قَالَ: المرجان جيد اللُّؤْلُؤ
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: اللُّؤْلُؤ مَا عظم مِنْهُ والمرجان اللُّؤْلُؤ الصغار
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة قَالَ: اللُّؤْلُؤ عِظَام اللُّؤْلُؤ والمرجان صغَار اللُّؤْلُؤ
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي الْوَقْف والابتداء عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {يخرج مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤ والمرجان} قَالَ: اللُّؤْلُؤ عِظَام اللُّؤْلُؤ والمرجان اللُّؤْلُؤ الصغار
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن الْحسن وَالضَّحَّاك قَالَ: اللُّؤْلُؤ الْعِظَام والمرجان الصغار
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالْفِرْيَابِي وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالطَّبَرَانِيّ عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: المرجان الخرز الْأَحْمَر
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {مرج الْبَحْرين يَلْتَقِيَانِ} قَالَ عليَّ وَفَاطِمَة {بَينهمَا برزخ لَا يبغيان} قَالَ: النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {يخرج مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤ والمرجان} قَالَ: الْحسن وَالْحُسَيْن
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أنس بن مَالك فِي قَوْله {مرج الْبَحْرين يَلْتَقِيَانِ} قَالَ: عليَّ وَفَاطِمَة {يخرج مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤ والمرجان} قَالَ: الْحسن وَالْحُسَيْن
الْآيَات 24 - 30(7/697)
وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ (24) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (25) كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (26) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ (27) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (28) يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ (29) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (30)
أخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَله الْجوَار الْمُنْشَآت} قَالَ: الْمُنْشَآت مَا رفع قلعة من السفن فَأَما مَا لم يرفع قلعة فَلَيْسَ بمنشآت
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن الْحسن {وَله الْجوَار الْمُنْشَآت} قَالَ: السفن و {الْمُنْشَآت} قَالَ: بالشراع {كالأعلام} قَالَ: كالجبال
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة {وَله الْجوَار الْمُنْشَآت} يَعْنِي السفن {كالأعلام} قَالَ: كالجبال
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة {وَله الْجوَار الْمُنْشَآت} قَالَ: هِيَ السفائن
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر والمحاملي فِي أَمَالِيهِ عَن عُمَيْر بن سعد قَالَ: كُنَّا مَعَ على شط الْفُرَات فمرت بِهِ سفينة فَقَرَأَ هَذِه الْآيَة {وَله الْجوَار الْمُنْشَآت فِي الْبَحْر كالأعلام}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ وَالضَّحَّاك أَنَّهُمَا كَانَ يقرآن {وَله الْجوَار الْمُنْشَآت فِي الْبَحْر} قَالَ: أَي الفاعلات
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْأَعْمَش أَنه كَانَ يقْرؤهَا {وَله الْجوَار الْمُنْشَآت} يَعْنِي الباديات
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم أَنه كَانَ يَقْرَأها على الْوَجْهَيْنِ بِكَسْر الشين وَفتحهَا
قَوْله تَعَالَى: {كل من عَلَيْهَا فان} الْآيَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الشّعبِيّ قَالَ: إِذا قَرَأت {كل من عَلَيْهَا فان} فَلَا تسكت حَتَّى تقْرَأ {وَيبقى وَجه رَبك ذُو الْجلَال والإِكرام}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {ذُو الْجلَال والإِكرام} قَالَ: ذُو الْكِبْرِيَاء وَالْعَظَمَة(7/698)
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ عَن حميد بن هِلَال قَالَ: قَالَ رجل: يرحم الله رجلا أَتَى على هَذِه الْآيَة {وَيبقى وَجه رَبك ذُو الْجلَال والإِكرام} فَسَأَلَ الله تَعَالَى بذلك الْوَجْه الْكَافِي الْكَرِيم وَلَفظ الْبَيْهَقِيّ بذلك الْوَجْه الْبَاقِي الْجَمِيل
قَوْله تَعَالَى: {يسْأَله من فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض} الْآيَة
أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {يسْأَله من فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض} يَعْنِي يسْأَل عباده إِيَّاه الرزق وَالْمَوْت والحياة كل يَوْم هُوَ فِي ذَلِك
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن أبي صَالح {يسْأَله من فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض} قَالَ {يسْأَله من فِي السَّمَاوَات} الرَّحْمَة ويسأله من فِي الأَرْض الْمَغْفِرَة والرزق
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي الْآيَة قَالَ: الْمَلَائِكَة يسألونه الرزق لأهل الأَرْض وَالْأَرْض يسْأَله أَهلهَا الرزق لَهُم
وَأخرج الْحسن بن سُفْيَان فِي مُسْنده وَالْبَزَّار وَابْن جرير وَالطَّبَرَانِيّ وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان وَابْن عَسَاكِر عَن أبي الدَّرْدَاء عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَول الله {كل يَوْم هُوَ فِي شَأْن} قَالَ: من شَأْنه أَن يغْفر ذَنبا ويفرج كرباً وَيرْفَع قوما وَيَضَع آخَرين زَاد الْبَزَّار: وَهُوَ يُجيب دَاعيا
وَأخرج الْبَزَّار عَن ابْن عمر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {كل يَوْم هُوَ فِي شَأْن} قَالَ: يغْفر ذَنبا ويفرج كرباً
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن أبي الدَّرْدَاء فِي قَوْله {كل يَوْم هُوَ فِي شَأْن} قَالَ: يكْشف كرباً ويجيب دَاعيا وَيرْفَع قوما وَيَضَع آخَرين
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالطَّبَرَانِيّ وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة وَالْحَاكِم وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {كل يَوْم هُوَ فِي شَأْن} قَالَ: إِن مِمَّا خلق الله لوحاً مَحْفُوظًا من درة بَيْضَاء دفتاه من ياقوتة حَمْرَاء قلمه نور وَكتابه نور عرضه مَا بَين السَّمَاء وَالْأَرْض ينظر فِيهِ كل يَوْم ثلثمِائة وَسِتِّينَ نظرة يخلق فِي كل نظرة ويرزق ويحيي وَيُمِيت ويعز ويذل ويغل ويفك وَيفْعل مَا يَشَاء فَذَلِك قَوْله تَعَالَى {كل يَوْم هُوَ فِي شَأْن}
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر(7/699)
وَالْبَيْهَقِيّ عَن عبيد بن عُمَيْر {كل يَوْم هُوَ فِي شَأْن} قَالَ: من شَأْنه أَن يُجيب دَاعيا وَيُعْطِي سَائِلًا ويفك عانياً ويشفى سقيماً
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {كل يَوْم هُوَ فِي شَأْن} قَالَ: لَا يَسْتَغْنِي عَنهُ أهل السَّمَاء وَالْأَرْض يحيى حَيا وَيُمِيت مَيتا ويربي صَغِيرا ويفك أَسِيرًا ويغني فَقِيرا وَهُوَ مرد حاجات الصَّالِحين ومنتهى شكرهم وصريخ الأخيار
وَأخرج عبد بن حميد وَأَبُو الشَّيْخ عَن أبي ميسرَة {كل يَوْم هُوَ فِي شَأْن} قَالَ: يحيى وَيُمِيت ويصور فِي الْأَرْحَام مَا يَشَاء ويعز من يَشَاء ويذل من شَاءَ ويفك الْأَسير
وَأخرج عبد بن حميد عَن الرّبيع رَضِي الله عَنهُ {كل يَوْم هُوَ فِي شَأْن} قَالَ: يخلق خلقا وَيُمِيت آخَرين ويرزقهم ويكلؤهم
وَأخرج عبد بن حميد عَن سُوَيْد بن جبلة الْفَزارِيّ وَكَانَ من التَّابِعين قَالَ: إِن ربكُم {كل يَوْم هُوَ فِي شَأْن} يعْتق رقاباً ويفحم عتاباً وَيُعْطِي رغاباً
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي الجوزاء رَضِي الله عَنهُ {كل يَوْم هُوَ فِي شَأْن} قَالَ: لَا يشْغلهُ شَأْن عَن شَأْن
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {كل يَوْم هُوَ فِي شَأْن} قَالَ: من أَيَّام الدُّنْيَا كل يَوْم يُجيب دَاعيا ويكشف كرباً ويجيب مُضْطَر وَيغْفر ذَنبا
الْآيَات 31 - 45(7/700)
سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلَانِ (31) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (32) يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ (33) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (34) يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ فَلَا تَنْتَصِرَانِ (35) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (36) فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ (37) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (38) فَيَوْمَئِذٍ لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ (39) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (40) يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ (41) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (42) هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ (43) يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ (44) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (45)
أخرج عبد بن حميد وَعبد الرَّزَّاق وَابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {سنفرغ لكم أَيهَا الثَّقَلَان} قَالَ: قددنا من الله فرَاغ لخلقه
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ {سنفرغ لكم أَيهَا الثَّقَلَان} قَالَ: وَعِيد
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {سنفرغ لكم أَيهَا الثَّقَلَان} قَالَ: هَذَا وَعِيد من الله لِعِبَادِهِ وَلَيْسَ بِاللَّه شغل وَفِي قَوْله: {لَا تنفذون إِلَّا بسُلْطَان} يَقُول: لَا تخْرجُوا من سلطاني
وَأخرج الْبَزَّار وَالْبَيْهَقِيّ عَن طَلْحَة بن مَنْصُور وَيحيى بن وثاب رَضِي الله عَنهُ أَنَّهُمَا قرءا: سيفرغ لكم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {لَا تنفذون إِلَّا بسُلْطَان} قَالَ: إِلَّا بملكة من الله
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي هواتف الجان عَن وَاثِلَة بن الْأَسْقَع رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ سَبَب إِسْلَام الْحجَّاج بن علاط أَنه خرج فِي ركب من قومه إِلَى مَكَّة فَلَمَّا جن عَلَيْهِ اللَّيْل استوحش فَقَامَ يحرس أَصْحَابه وَيَقُول: أعيذ نَفسِي وأعيذ أَصْحَابِي من كل جني بِهَذَا النقب حَتَّى أَن أَعُود سالما وركبي فَسمع قَائِلا يَقُول {يَا معشر الْجِنّ والإِنس إِن اسْتَطَعْتُم أَن تنفذوا من أقطار السَّمَاوَات وَالْأَرْض فانفذوا لَا تنفذون إِلَّا بسُلْطَان} فَلَمَّا قدم مَكَّة أخبر بذلك قُريْشًا فَقَالُوا لَهُ: إِن هَذَا فِيمَا يزْعم مُحَمَّد أَنه أنزل عَلَيْهِ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {يُرْسل عَلَيْكُمَا شواظ من نَار} قَالَ: لَهب النَّار {ونحاس} قَالَ: دُخان النَّار
وَأخرج ابْن الْأَنْبَارِي فِي كتاب الْوَقْف والابتداء والطستي وَالطَّبَرَانِيّ عَن ابْن عَبَّاس إِن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله {يُرْسل عَلَيْكُمَا شواظ من نَار}(7/701)
قَالَ: الشواظ اللهب الَّذِي لَا دُخان لَهُ
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم أما سَمِعت أُميَّة بن أبي الصَّلْت الثَّقَفِيّ وَهُوَ يَقُول: يظل يشب كيراً بعد كير وينفخ دَائِما لَهب الشواظ قَالَ: فَأَخْبرنِي عَن قَوْله {ونحاس} قَالَ: هُوَ الدُّخان الَّذِي لَا لَهب فِيهِ
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم أما سَمِعت الشَّاعِر وَهُوَ يَقُول: يضيء كضوء سراج السليط لم يَجْعَل الله فِيهِ نُحَاسا وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {يُرْسل عَلَيْكُمَا شواظ من نَار} قَالَ: لَهب من نَار
وَأخرج هناد وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {يُرْسل عَلَيْكُمَا شواظ من نَار} قَالَ: هُوَ اللهب الْأَحْمَر الْمُنْقَطع مِنْهَا وَفِي لفظ قَالَ: قِطْعَة من نَار حمرَة {ونحاس} قَالَ: يذاب الصفر فَيصب على رؤوسهم
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ {يُرْسل عَلَيْكُمَا شواظ من نَار ونحاس} قَالَ: واديان فالشواظ وَاد من نَتن والنحاس وَاد من صفر وَالنَّتن نَار
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {يُرْسل عَلَيْكُمَا شواظ من نَار} قَالَ: نَار تخرج من قبل الْمغرب تحْشر النَّاس حَتَّى أَنَّهَا لتحشر القردة والخنازير تبيت حَيْثُ باتوا وتقيل حَيْثُ قَالُوا
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {ونحاس} قَالَ: هُوَ الصفر يُعَذبُونَ بِهِ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {فَلَا تنتصران} يَعْنِي الْجِنّ والإِنس
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {فَإِذا انشقت السَّمَاء فَكَانَت وردة} يَقُول: حَمْرَاء {كالدهان} قَالَ: هُوَ الْأَدِيم الْأَحْمَر
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَسَعِيد بن مَنْصُور وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {فَكَانَت وردة كالدهان} قَالَ: مثل لون الْفرس الْورْد
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ {فَكَانَت وردة كالدهان} قَالَ: حَمْرَاء كالدابة الوردة(7/702)
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي الجوزاء رَضِي الله عَنهُ {فَكَانَت وردة كالدهان} قَالَ: وردة الجل {كالدهان} قَالَ: كصفاء الدّهن ألم تَرَ الْعَرَبِيّ يَقُول: الجل الْورْد
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن عَطاء {فَكَانَت وردة كالدهان} قَالَ: لون السَّمَاء كلون دهن الْورْد فِي الصُّفْرَة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة {فَإِذا انشقت السَّمَاء فَكَانَت وردة كالدهان} قَالَ: هِيَ الْيَوْم خضراء كَمَا ترَوْنَ وَإِن لَهَا يَوْم الْقِيَامَة لوناً آخر
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {فَكَانَت وردة كالدهان} قَالَ: كالدهن
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فَكَانَت وردة كالدهان} قَالَ: صَافِيَة كصفاء الدّهن
وَأخرج مُحَمَّد بن نصر عَن لُقْمَان بن عَامر الْحَنَفِيّ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مرّ بشاب يقْرَأ {فَإِذا انشقت السَّمَاء فَكَانَت وردة كالدهان} فَوقف فاقشعرّ وخنقته الْعبْرَة يبكي وَيَقُول: ويلي من يَوْم تَنْشَق فِيهِ السَّمَاء فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يَا فَتى فوالذي نَفسِي بِيَدِهِ لقد بَكَيْت الْمَلَائِكَة من بكائك
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {فَيَوْمئِذٍ لَا يسْأَل عَن ذَنبه إنس وَلَا جَان} قَالَ: لَا يسألهم هَل عملتم كَذَا وَكَذَا لِأَنَّهُ أعلم بذلك مِنْهُم وَلَكِن يَقُول: لم عملتم كَذَا وَكَذَا وَأخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {فَيَوْمئِذٍ لَا يسْأَل عَن ذَنبه إنس وَلَا جَان} يَقُول: لَا أسألهم عَن أَعْمَالهم وَلَا أسأَل بَعضهم عَن بعض وَهُوَ مثل قَوْله (وَلَا يسْأَل عَن ذنوبهم المجرمون) (الْقَصَص 78) وَمثل قَوْله (وَلَا تسْأَل عَن أَصْحَاب الْجَحِيم) (الْبَقَرَة 119)
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَا(7/703)
يُحَاسب أحد يَوْم الْقِيَامَة فَيغْفر لَهُ وَيرى الْمُسلم عمله فِي قَبره يَقُول الله {فَيَوْمئِذٍ لَا يسْأَل عَن ذَنبه إنس وَلَا جَان}
وَأخرج آدم وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فَيَوْمئِذٍ لَا يسْأَل عَن ذَنبه إنس وَلَا جَان} قَالَ: لَا تسْأَل الملاكئة عَن المجرم يعرفونهم بِسِيمَاهُمْ
وَأخرج هناد وَعبد بن حميد عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {يعرف المجرمون بِسِيمَاهُمْ} قَالَ: بسواد وُجُوههم وزرقة عيونهم
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج رَضِي الله عَنهُ {يعرف المجرمون بِسِيمَاهُمْ} قَالَ: بسواد الْوُجُوه وزرقة الْعُيُون
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث والنشور عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {فَيُؤْخَذ بالنواصي والأقدام} قَالَ: تَأْخُذ الزَّبَانِيَة بناصيته وقدميه وَيجمع فيكسر كَمَا يكسر الْحَطب فِي التَّنور
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فَيُؤْخَذ بالنواصي والأقدام} قَالَ: يَأْخُذ الْملك بناصية أحدهم فيقرنها إِلَى قَدَمَيْهِ ثمَّ يكسر ظَهره ثمَّ يلقيه فِي النَّار
وَأخرج هناد فِي الزّهْد عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ فِي الْآيَة قَالَ: يجمع بَين ناصيته وقدميه فِي سلسلة من وَرَاء ظَهره
وَأخرج عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف عَن رجل من كِنْدَة قَالَ: قلت لعَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا: أسمعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: إِنَّه يَأْتِي عَلَيْهِ سَاعَة لَا يملك لأحد شَفَاعَة قَالَت: نعم لقد سَأَلته فَقَالَ: نعم حِين يوضع الصِّرَاط وَحين تبيض وُجُوه وَتسود وُجُوه وَعند الجسر حَتَّى يشحذ حَتَّى يكون مثل شفرة السَّيْف ويسجر حَتَّى يكون مثل الْجَمْرَة فَأَما الْمُؤمن فيجيزه وَلَا يضرّهُ وَأما الْمُنَافِق فَينْطَلق حَتَّى إِذا كَانَ فِي وَسطه خَز فِي قَدَمَيْهِ يهوى بيدَيْهِ إِلَى قَدَمَيْهِ فَهَل رَأَيْت من رجل يسْعَى حافياً فَيُؤْخَذ بشوكة حَتَّى تكَاد تنفذ قَدَمَيْهِ فَإِنَّهُ كَذَلِك يهوى بيدَيْهِ إِلَى قَدَمَيْهِ فيضربه الزباني بخطاف فِي ناصيته فيطرح فِي جَهَنَّم يهوي فِيهَا خمسين عَاما فَقلت: أيثقل قَالَ: يثقل خمس خلفات فَيَوْمئِذٍ {يعرف المجرمون بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذ بالنواصي والأقدام}(7/704)
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه والضياء الْمَقْدِسِي فِي صفة النَّار عَن أنس رَضِي الله عَنهُ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لقد خلقت زَبَانِيَة جَهَنَّم قبل أَن تخلق جَهَنَّم بِأَلف عَام فهم كل يَوْم يزدادون قُوَّة إِلَى قوتهم حَتَّى يقبضوا من قبضوا عَلَيْهِ بالنواصي والأقدام
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وَبَين حميم آن} قَالَ: الَّذِي انْتهى حره
وَأخرج الطستي وَالطَّبَرَانِيّ عَن ابْن عَبَّاس أَن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله {حميم آن} قَالَ: الآني الَّذِي انْتهى طبخه وحره قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم أما سَمِعت نَابِغَة بني ذبيان وَهُوَ يَقُول: ويخضب لحية غدرت وخانت بأحمى من نجيع الْجوف آني وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَبَين حميم آن} قَالَ: قد آنى طبخه مُنْذُ خلق الله السَّمَوَات وَالْأَرْض
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {وَبَين حميم آن} قَالَ: قد بلغ إناه
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ {وَبَين حميم آن} قَالَ: نَار قد اشْتَدَّ حرهَا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن سعيد بن جُبَير {وَبَين حميم آن} قَالَ: النّحاس انْتهى حره
الْآيَات 46 - 55(7/705)
وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (46) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (47) ذَوَاتَا أَفْنَانٍ (48) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (49) فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ (50) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (51) فِيهِمَا مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ (52) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (53) مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ (54) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (55)
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن شَوْذَب فِي قَوْله {وَلمن خَافَ مقَام ربه جنتان} قَالَ: نزلت فِي أبي بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن عَطاء أَن أَبَا بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ ذكر ذَات يَوْم وفكر فِي الْقِيَامَة والموازين وَالْجنَّة وَالنَّار وصفوف الْمَلَائِكَة وطيّ السَّمَوَات ونسف الْجبَال وتكوير الشَّمْس وانتثار الْكَوَاكِب فَقَالَ: وددت أَنِّي كنت خضراء من هَذَا الْخضر تَأتي عليّ بَهِيمَة فتأكلني وَأَنِّي لم أخلق فَنزلت هَذِه الْآيَة {وَلمن خَافَ مقَام ربه جنتان}
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس {وَلمن خَافَ مقَام ربه جنتان} قَالَ: وعد الله الْمُؤمنِينَ الَّذين خَافُوا مقَامه فأدوا فَرَائِضه الْجنَّة
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس {وَلمن خَافَ مقَام ربه جنتان} يَقُول: خَافَ ثمَّ اتَّقى والخائف من ركب طَاعَة الله وَترك مَعْصِيَته
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة وهناد وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي التَّوْبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَلمن خَافَ مقَام ربه جنتان} قَالَ: هُوَ الرجل يهم بالمعصية فيذكر مقَامه فينزع عَنْهَا
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {وَلمن خَافَ مقَام ربه جنتان} قَالَ: من خَافَ مقَام الله عَلَيْهِ
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد مثله
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي الْآيَة قَالَ: الرجل يُرِيد الذَّنب فيذكر الله فيدع الذَّنب
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {وَلمن خَافَ مقَام ربه جنتان} قَالَ: إِن الْمُؤمنِينَ خَافُوا ذَلِك الْمقَام فعملوا لله ودأبوا ونصبوا لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَار
وَأخرج ابْن جرير عَن إِبْرَاهِيم {وَلمن خَافَ مقَام ربه جنتان} قَالَ: إِذا أَرَادَ أَن يُذنب أمسك مَخَافَة الله
وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن مَسْعُود {وَلمن خَافَ مقَام ربه جنتان} قَالَ: لمن خافه فِي الدُّنْيَا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَطِيَّة بن قيس فِي قَوْله {وَلمن خَافَ مقَام ربه جنتان}(7/706)
قَالَ: نزلت فِي الَّذِي قَالَ: أحرقوني بالنَّار لعَلي أضلّ الله قَالَ لنا بِيَوْم وَلَيْلَة بعد أَن تكلم بِهَذَا فَقبل الله مِنْهُ ذَلِك وَأدْخلهُ الْجنَّة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَابْن منيع والحكيم فِي نَوَادِر الْأُصُول وَالنَّسَائِيّ وَالْبَزَّار وَأَبُو يعلى وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن الْمُنْذر وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي الدَّرْدَاء أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَرَأَ هَذِه الْآيَة {وَلمن خَافَ مقَام ربه جنتان} فَقلت: وَإِن زنى وَإِن سرق يَا رَسُول الله فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الثَّانِيَة {وَلمن خَافَ مقَام ربه جنتان} فَقلت: وَإِن زنى وَإِن سرق فَقَالَ الثَّالِثَة {وَلمن خَافَ مقَام ربه جنتان} فَقلت: وَإِن زنى وَإِن سرق قَالَ: نعم وَإِن رغم أنف أبي الدَّرْدَاء
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وَلمن خَافَ مقَام ربه جنتان} فَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاء: وَإِن زنى وَإِن سرق يَا رَسُول الله قَالَ: وَإِن زنى وَإِن سرق وَإِن رغم أنف أبي الدَّرْدَاء فَكَانَ أَبُو الدَّرْدَاء يقص وَيَقُول: {وَلمن خَافَ مقَام ربه جنتان} وَإِن رغم أنف أبي الدَّرْدَاء
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق الحريري عَن أَخِيه قَالَ: سَمِعت مُحَمَّدًا بن سعد يقْرَأ هَذِه الْآيَة [وَلمن خَافَ مقَام ربه جنتان وَإِن زنى وَإِن سرق] فَقلت: لَيْسَ فِيهِ وَإِن زنى وَإِن سرق قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقْرَأها كَذَلِك فَأَنا أقرأها كَذَلِك حَتَّى أَمُوت
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي الدَّرْدَاء قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من شهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَنِّي رَسُول الله دخل الْجنَّة ثمَّ قَرَأَ {وَلمن خَافَ مقَام ربه جنتان}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن شهَاب قَالَ: كنت عِنْد هِشَام بن عبد الْملك فَقَالَ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: {وَلمن خَافَ مقَام ربه جنتان} فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ: وَإِن زنى وَإِن سرق فَقلت: إِنَّمَا كَانَ ذَلِك قبل أَن تنزل الْفَرَائِض فَلَمَّا نزلت الْفَرَائِض ذهب هَذَا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن يسَار مولى لآل مُعَاوِيَة عَن أبي الدَّرْدَاء رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَلمن خَافَ مقَام ربه جنتان} قَالَ: قيل: يَا أَبَا الدَّرْدَاء وَإِن زنى وَإِن سرق قَالَ: من خَافَ مقَام ربه لم يزن وَلم يسرق
وَأخرج الطَّيَالِسِيّ وَابْن أبي شيبَة وَأحمد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن أبي مُوسَى(7/707)
الْأَشْعَرِيّ رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: جنان الفردوس أَربع: جنتان من ذهب حليتهما وآنيتهما وَمَا فيهمَا وجنتان من فضَّة حليتهما وآنيتهما وَمَا فيهمَا وَمَا بَين الْقَوْم وَبَين أَن ينْظرُوا إِلَى رَبهم إِلَّا رِدَاء الْكِبْرِيَاء على وَجهه فِي جنَّة عدن
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي مُوسَى عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله: {وَلمن خَافَ مقَام ربه جنتان} وَقَوله {وَمن دونهمَا جنتان} قَالَ: جنتان من ذهب للمقربين وجنتان من ورق لأَصْحَاب الْيَمين
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَلمن خَافَ مقَام ربه جنتان} قَالَ: جنتان من ذهب للسابقين وجنتان من فضَّة للتابعين
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عِيَاض بن تَمِيم أَنه سمع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَلا {وَلمن خَافَ مقَام ربه جنتان} قَالَ: بستانان عرض كل وَاحِد مِنْهُمَا مسيرَة مائَة عَام فيهمَا أَشجَار وفرعهما ثَابت وشجرهما ثَابت وعرصتهما عَظِيمَة ونعيمهما عَظِيم وخيرهما دَائِم ولذتهما قَائِمَة وأنهارهما جَارِيَة وريحهما طيب وبركتهما كَثِيرَة وحياتهما طَوِيلَة وفاكهتما كَثِيرَة
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن الْحسن قَالَ: كَانَ شَاب على عهد عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ ملازم الْمَسْجِد وَالْعِبَادَة فعشقته جَارِيَة فَأَتَتْهُ فِي خلْوَة فكلمته فَحدث نَفسه بذلك فشهق شهقة فَغشيَ عَلَيْهِ فجَاء عَم لَهُ إِلَى بَيته فَلَمَّا أَفَاق قَالَ يَا عَم انْطلق إِلَى عمر فأقرئه مني السَّلَام وَقل لَهُ: مَا جَزَاء من خَافَ مقَام ربه فَانْطَلق عَمه فَأخْبر عمر وَقد شهق الْفَتى شهقة أُخْرَى فَمَاتَ مِنْهَا فَوقف عَلَيْهِ عمر فَقَالَ: لَك جنتان لَك جنتان
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {ذواتا أفنان} قَالَ: ذواتا ألوان
وَأخرج عبد بن حميد عَن سعيد بن جُبَير مثله
وَأخرج هناد عَن الضَّحَّاك مثله
وَأخرج ابْن جرير عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله {ذواتا أفنان} يَقُول: ألوان من الْفَوَاكِه(7/708)
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {ذواتا أفنان} قَالَ: ذواتا أَغْصَان
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس {ذواتا أفنان} قَالَ: غصونهما يمس بَعْضهَا بَعْضًا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس {ذواتا أفنان} قَالَ: الفنن الْغُصْن
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو بكر بن حبَان فِي الْفُنُون وَابْن الْأَنْبَارِي فِي الْوَقْف والابتداء عَن عِكْرِمَة أَنه سُئِلَ عَن قَول الله {ذواتا أفنان} قَالَ: ظلّ الأغصان على الْحِيطَان أما سَمِعت قَول الشَّاعِر مَا هاج شوقك من هدير حمامة تَدْعُو على فنن الغصون حَماما تَدْعُو باشرخين صَادف طاويا ذَا مخلبين من الصقور قطاما وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة {ذواتا أفنان} قَالَ: ذواتا فضل على مَا سواهُمَا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله {فيهمَا من كل فَاكِهَة زوجان} قَالَ: فيهمَا من كل الثمرات قَالَ: قَالَ ابْن عَبَّاس: فَمَا فِي الدُّنْيَا ثَمَرَة حلوة وَلَا مرّة إِلَّا وَهِي فِي الْجنَّة حَتَّى الحنظل
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عبد الله بن عَمْرو قَالَ: العنقود أبعد من صنعاء
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَعبد الله بن أَحْمد فِي زَوَائِد الزّهْد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن ابْن مَسْعُود فِي قَوْله {متكئين على فرش بطائنها من إستبرق} قَالَ: أخبرتم بالبطائن فَكيف بالظهائر
وَأخرج عبد بن حميد عَن الضَّحَّاك قَالَ: فِي قِرَاءَة عبد الله / متكئين على سرر وفرش بطائنها من رَفْرَف من استبرق / والاستبرق لُغَة فَارس يسمون الديباج الغليظ الاستبرق
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس أَنه قيل لَهُ {بطائنها من إستبرق} فَمَا الظَّوَاهِر قَالَ: ذَاك مِمَّا قَالَ الله (فَلَا تعلم نفس مَا أُخْفِي لَهُم من قُرَّة أعين) (سُورَة السَّجْدَة الْآيَة 17)(7/709)
وَأخرج أَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {بطائنها من إستبرق} قَالَ: ظواهرها من نور جامد
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وجنى الجنتين دَان} قَالَ: جناها ثَمَرهَا والداني الْقَرِيب مِنْك بناله الْقَائِم والقاعد
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة {وجنى الجنتين دَان} قَالَ: ثمارها دانية لَا يرد أَيْديهم عَنْهَا بعد وَلَا شوك
قَالَ: وَذكر لنا أَنا نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: وَالَّذِي نفس مُحَمَّد بِيَدِهِ لَا يقطف رجل ثَمَرَة من الْجنَّة فتصل إِلَى فِيهِ حَتَّى يُبدل الله مَكَانهَا خيرا مِنْهَا
الْآيَات 56 - 69(7/710)
فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ (56) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (57) كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ (58) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (59) هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ (60) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (61) وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ (62) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (63) مُدْهَامَّتَانِ (64) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (65) فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ (66) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (67) فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ (68) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (69)
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {فِيهِنَّ قاصرات الطّرف} قَالَ: قاصرات الطّرف على أَزوَاجهنَّ لَا يرين غَيرهم وَالله مَا هن متبرحات وَلَا متطلعات
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة مثله
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد {فِيهِنَّ قاصرات الطّرف} قَالَ: قصرن طرفهن عَن الرِّجَال فَلَا ينظرن إلاّ إِلَى أَزوَاجهنَّ
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد عَن أَبِيه عَن جده عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله {قاصرات الطّرف} قَالَ: لَا ينظرن إِلَّا إِلَى أَزوَاجهنَّ(7/710)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {لم يطمثهن} قَالَ: لم يمسسهن
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن سعيد بن جُبَير {لم يطمثهن} قَالَ: لم يطأهن
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة {لم يطمثهن} قَالَ: لم يجامعهن
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة قَالَ: لَا تقل للْمَرْأَة طمثت فَإِنَّمَا الطمث الْجِمَاع
وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس إِن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ أَخْبرنِي عَن قَوْله {لم يطمثهن} قَالَ: كَذَلِك نسَاء الْجنَّة لم يدن مِنْهُنَّ غير أَزوَاجهنَّ قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم أما سَمِعت الشَّاعِر وَهُوَ يَقُول: مشين إليّ لم يطمثن قبلي وَهن أصبح من بيض النعام وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن أَرْطَاة بن الْمُنْذر قَالَ: تَذَاكرنَا عِنْد ضَمرَة بن حبيب: أَيَدْخُلُ الْجِنّ الْجنَّة قَالَ: نعم وتصديق ذَلِك فِي كتاب الله {لم يطمثهن إنس قبلهم وَلَا جَان} للجن الجنيات وللإِنس الإِنسيات
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر عَن الشّعبِيّ فِي قَوْله {لم يطمثهن إنس قبلهم وَلَا جَان} قَالَ: هن من نسَاء أهل الدُّنْيَا خَلقهنَّ الله فِي الْخلق الآخر كَمَا قَالَ (إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إنْشَاء فجعلناهن أَبْكَارًا) (سُورَة الْوَاقِعَة الْآيَة 35) لم يطمثهن حِين عدن فِي الْخلق الآخر {إنس قبلهم وَلَا جَان}
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول وَابْن جرير عَن مُجَاهِد قَالَ: إِذا جَامع الرجل أَهله وَلم يسمّ انطوى الجان على إحليله فجامع مَعَه فَذَلِك قَوْله {لم يطمثهن إنس قبلهم وَلَا جَان}
وَأخرج الْحَكِيم وَالتِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول وَابْن جرير عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِذا جَامع الرجل أَهله وَلم يسمّ انطوى الجان على إحليله فجامع مَعَه فَذَلِك قَوْله {لم يطمثهن إنس قبلهم وَلَا جَان}(7/711)
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عِيَاض بن تَمِيم (أَنه سمع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَلا {لم يطمثهن إنس قبلهم وَلَا جَان} قَالَ: لم يصبهن شمس وَلَا دُخان لم يعذبن فِي البلايا وَلم يكلمن فِي الرزايا وَلم تغيرهن الأحزان ناعمات لَا يبأسن وخالدات فَلَا يمتن ومقيمات فَلَا يظعنّ لَهُنَّ أخيار يعجز عَن نعتهن الأوهام وَالْجنَّة أخضرها كالأصفر وأصفرها كالأخضر لَيْسَ فِيهَا حجر وَلَا مدر وَلَا كدر وَلَا عود يَابِس أكلهَا دَائِم وظلها قَائِم
وَأخرج أَحْمد وَابْن حبَان وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث والنشور عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله {كأنهن الْيَاقُوت والمرجان} قَالَ: ينظر إِلَى وَجههَا فِي خدها أصفى من الْمرْآة وَإِن أدنى لؤلؤة عَلَيْهَا لتضيء مَا بَين الْمشرق وَالْمغْرب وَإنَّهُ يكون عَلَيْهَا سَبْعُونَ ثوبا ينفذها بَصَره حَتَّى يرى مخ سَاقهَا من وَرَاء ذَلِك
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة فِي قَوْله {كأنهن الْيَاقُوت والمرجان} قَالَ: فِي صفاء الْيَاقُوت وَبَيَاض اللُّؤْلُؤ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن الْحسن {كأنهن الْيَاقُوت والمرجان} قَالَ: صفاء الْيَاقُوت فِي بَيَاض المرجان
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وهناد وَابْن الْمُنْذر عَن الضَّحَّاك {كأنهن الْيَاقُوت والمرجان} قَالَ: ألوانهن كالياقوت واللؤلؤ فِي صفائه
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عبد الله بن الْحَارِث {كأنهن الْيَاقُوت والمرجان} قَالَ: كأنهن اللُّؤْلُؤ فِي الْخَيط
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن مُجَاهِد {كأنهن الْيَاقُوت والمرجان} قَالَ: يرى مخ سوقهن من وَرَاء الثِّيَاب كَمَا يرى الْخَيط فِي الياقوتة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وهناد بن السّري وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي وصف الْجنَّة وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن حبَان وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة وَابْن مردوية عَن ابْن مَسْعُود عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن الْمَرْأَة من نسَاء أهل الْجنَّة ليرى بَيَاض سَاقهَا من وَرَاء سبعين حلَّة حَتَّى يرى مخها وَذَلِكَ أَن الله يَقُول {كأنهن الْيَاقُوت والمرجان} فَأَما الْيَاقُوت فَإِنَّهُ حجر لَو أدخلت فِيهِ سلكاً ثمَّ استصفيته لرأيته من وَرَائه(7/712)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وهناد بن السّري وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن ابْن مَسْعُود {كأنهن الْيَاقُوت والمرجان} قَالَ: على كل وَاحِدَة سَبْعُونَ حلَّة من حَرِير يرى مخ سَاقهَا من وَرَاء الثِّيَاب قَالَ: أَرَأَيْت لَو أَن أحدكُم أَخذ سلكاً فَأدْخلهُ فِي ياقوتة ألم يكن يرى السلك من وَرَاء الياقوتة قَالُوا: بلَى قَالَ: فَذَلِك هنّ وَكَانَ إِذا حدّث حَدِيثا نزع لَهُ آيَة من الْكتاب
وَأخرج عبد بن حميد عَن عبد الله بن الْحَارِث الْقَيْسِي قَالَ: إِنَّه يكون على زَوْجَة الرجل من أهل الْجنَّة سَبْعُونَ حلَّة حَمْرَاء يرى مخ سَاقهَا من خلفهن
وَأخرج عبد بن حميد عَن كَعْب قَالَ: إِن الْمَرْأَة من الْحور الْعين لتلبس سبعين حلَّة لهي أرق من شفّكم هَذَا الَّذِي تسمونه شفا وَإِن مخ سَاقهَا ليرى من وَرَاء اللَّحْم
وَأخرج عبد بن حميد عَن أنس بن مَالك قَالَ: إِن الْمَرْأَة من أَزوَاج المقربين لتكسى مائَة حلَّة من استبرق وسقالة النُّور وَإِن مخ سَاقهَا ليرى من وَرَاء ذَلِك كُله وَإِن الْمَرْأَة من أَزوَاج أَصْحَاب الْيَمين لتكسى سبعين حلَّة من استبرق وسقالة النُّور وَإِن مخ ذَلِك ليرى من وَرَاء ذَلِك كُله
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: نسَاء أهل الْجنَّة يرى مخ سوقهن من وَرَاء اللَّحْم
وَأخرج عبد بن حميد وَالطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: إِن الْمَرْأَة من الْحور الْعين ليرى مخ سَاقهَا من وَرَاء اللَّحْم والعظم من تَحت سبعين حلَّة كَمَا يرى الشَّرَاب الْأَحْمَر فِي الزجاجة الْبَيْضَاء
وَأخرج هناد وَابْن جرير عَن عَمْرو بن مَيْمُون مثله
قَوْله تَعَالَى: {هَل جَزَاء الإِحسان إِلَّا الإِحسان}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الْإِيمَان وَضَعفه عَن ابْن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: فِي قَوْله {هَل جَزَاء الإِحسان إِلَّا الإِحسان} قَالَ: مَا جَزَاء من أَنْعَمت عَلَيْهِ بِالتَّوْحِيدِ إِلَّا الْجنَّة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي هَذِه الْآيَة {هَل جَزَاء الإِحسان إِلَّا الإِحسان} قَالَ: هَل جَزَاء من أَنْعَمت عَلَيْهِ بالإِسلام إِلَّا أَن أدخلهُ الْجنَّة(7/713)
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول وَالْبَغوِيّ فِي تَفْسِيره والديلمي فِي مُسْند الفروس وَابْن النجار فِي تَارِيخه عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: {هَل جَزَاء الإِحسان إِلَّا الإِحسان} وَقَالَ: هَل تَدْرُونَ مَا قَالَ ربكُم قَالُوا: الله وَرَسُوله أعلم قَالَ: يَقُول: هَل جَزَاء من أَنْعَمت عَلَيْهِ بِالتَّوْحِيدِ إِلَّا الْجنَّة
وَأخرج ابْن النجار فِي تَارِيخه عَن عَليّ بن أبي طَالب فِي قَوْله تَعَالَى {هَل جَزَاء الإِحسان إِلَّا الإِحسان} قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: قَالَ الله عز وَجل: هَل جَزَاء من أَنْعَمت عَلَيْهِ بِالتَّوْحِيدِ إِلَّا الْجنَّة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {هَل جَزَاء الإِحسان إِلَّا الإِحسان} قَالَ رَسُول الله: هَل جَزَاء من أَنْعَمت عَلَيْهِ مِمَّن قَالَ: لَا إِلَه إِلَّا الله فِي الدُّنْيَا إِلَّا الْجنَّة فِي الْآخِرَة
أخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة {هَل جَزَاء الإِحسان إِلَّا الإِحسان} قَالَ: هَل جَزَاء من قَالَ: لَا إِلَه إِلَّا الله إِلَّا الْجنَّة
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن مثله
وَأخرج ابْن عدي وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان وَضَعفه والديلمي عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أنزل الله عليّ هَذِه الْآيَة مسجَّلة فِي سُورَة الرَّحْمَن للْكَافِرِ وَالْمُسلم {هَل جَزَاء الإِحسان إِلَّا الإِحسان}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: نزلت هَذِه الْآيَة فِي الْمُسلم وَالْكَافِر {هَل جَزَاء الإِحسان إِلَّا الإِحسان}
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ فِي الْأَدَب وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن مُحَمَّد بن الْحَنَفِيَّة فِي قَوْله {هَل جَزَاء الإِحسان إِلَّا الإِحسان} قَالَ: هِيَ مسجلة للبر والفاجر قَالَ الْبَيْهَقِيّ: يَعْنِي مُرْسلَة
وَأخرج الْخَطِيب فِي تَارِيخه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {هَل جَزَاء الإِحسان إِلَّا الإِحسان} قَالَ: إِن لله عموداً أَحْمَر رَأسه ملويّ على قَائِمَة من قَوَائِم الْعَرْش وأسفله تَحت الأَرْض السَّابِعَة على ظهر الْحُوت فَإِذا قَالَ العَبْد: لَا إِلَه إِلَّا الله تحرّك الْحُوت تحرّك العمود تَحت الْعَرْش فَيَقُول الله للعرش: اسكن فَيَقُول: لَا وَعزَّتك لَا أسكن حَتَّى تغْفر لقائلها مَا أصَاب قبلهَا من ذَنْب فَيغْفر الله لَهُ(7/714)
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة {هَل جَزَاء الإِحسان إِلَّا الإِحسان} قَالَ: عمِلُوا خيرا فجزوا خيرا
قَوْله تَعَالَى: {وَمن دونهمَا جنتان} الْآيَات
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن الْحسن فِي قَوْله {وَمن دونهمَا جنتان} قَالَ: هما دون تجريان
وَأخرج هناد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {مدهامتان} قَالَ: خضروان
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {مدهامتان} قَالَ: قد اسودتا من الخضرة الَّتِي من الريّ من المَاء
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وهناد وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن عبد الله بن الزبير فِي قَوْله {مدهامتان} قَالَ: خضراوان من الريّ
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي أَيُّوب قَالَ: سَأَلت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن قَوْله {مدهامتان} قَالَ: خضراوان
وَأخرج هناد وَعبد بن حميد عَن أبي أَيُّوب الْأنْصَارِيّ فِي قَوْله {مدهامتان} قَالَ: هما جنتان خضراوان
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وهناد وَعبد بن حميد عَن عَطاء بن أبي رَبَاح فِي قَوْله {مدهامتان} قَالَ: هما جنتان خضراوان
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {مدهامتان} قَالَ: خضراوان
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله {مدهامتان} قَالَ: خضراوان
وَأخرج الْخَطِيب فِي الْمُتَّفق والمفترق عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله {مدهامتان} قَالَ: خضراوان
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن أبي صَالح {مدهامتان} قَالَ: خضراوان من الريّ ناعمتان إِذا اشتدت الخضرة ضربت إِلَى السوَاد
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد {مدهامتان} قَالَ: مسودتان
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد وَعِكْرِمَة {مدهامتان} قَالَا: سوداوان من الرّيّ(7/715)
وأخئرج هناد عَن الضَّحَّاك {مدهامتان} قَالَ: سوداوان من الريّ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن جَابر بن زيد أَنه قَرَأَ {مدهامتان} ثمَّ ركع
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن الْبَراء بن عَازِب قَالَ: العينان اللَّتَان تجريان خير من النضاختين وَلَفظ عبد قَالَ: مَا النضاختان بِأَفْضَل من اللَّتَيْنِ تجريان
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {نضاختان} قَالَ: فائضتان
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {نضاختان} قَالَ: تنضخان بِالْمَاءِ من شدَّة الريّ
وَأخرج هناد وَابْن جرير عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله {نضاختان} قَالَ: تنضخان بِالْمَاءِ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن أبي حَاتِم عَن أنس فِي قَوْله {عينان نضاختان} قَالَ: بالمسك والعنبر تنفخان على دور الْجنَّة كَمَا ينضخ الْمَطَر على دور أهل الدُّنْيَا
وَأخرج ابْن الْمُبَارك فِي الزّهْد وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله {نضاختان} قَالَ: تنضخان بألوان الْفَاكِهَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {نضاختان} قَالَ: بِالْخَيرِ وَلَفظ ابْن أبي شيبَة بِكُل خير
قَوْله تَعَالَى: {فيهمَا فَاكِهَة ونخل ورمان}
أخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {فيهمَا فَاكِهَة ونخل ورمان} قَالَ: هِيَ ثَمَر {من كل فَاكِهَة زوجان}
أخرج عبد بن حميد والْحَارث بن أبي أُسَامَة وَابْن مرْدَوَيْه عَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: جَاءَ نَاس من الْيَهُود إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالُوا يَا مُحَمَّد: أَفِي الْجنَّة فَاكِهَة قَالَ: نعم فِيهَا فَاكِهَة ونخل ورمان قَالُوا: أفيأكلون كَمَا يَأْكُلُون فِي الدُّنْيَا قَالَ: نعم وأضعافه قَالُوا: أفيقضون الْحَوَائِج قَالَ: لَا وَلَكنهُمْ يعرقون ويرشحون فَيذْهب الله مَا فِي بطونهم من أَذَى
وَأخرج ابْن الْمُبَارك وَابْن أبي شيبَة وهناد بن السّري وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي صفة(7/716)
الْجنَّة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث والنشور عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: نخل الْجنَّة جذوعها زمرد أَخْضَر وكرانيفها ذهب أَحْمَر وسعفها كسْوَة لأهل الْجنَّة مِنْهَا مقطعاتهم وحللهم وَثَمَرهَا أَمْثَال القلال أشدّ بَيَاضًا من اللَّبن وَأحلى من الْعَسَل وألين من الزّبد وَلَيْسَ لَهَا عجم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وهناد بن السّري وَالْبَيْهَقِيّ عَن سلمَان أَنه أَخذ عوداً صَغِيرا ثمَّ قَالَ: لَو طلبت فِي الْجنَّة مثل هَذَا الْعود لم تبصره قيل: فَأَيْنَ النّخل وَالشَّجر قَالَ: أُصُولهَا اللُّؤْلُؤ وَالذَّهَب وَأَعلاهُ الثَّمر
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: سُئِلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن نخل الْجنَّة فَقَالَ: أُصُوله فضَّة وجذوعها ذهب وسعفه حلل وَحمله الرطب أَشد بَيَاضًا من اللَّبن وألين من الزّبد وَأحلى من الشهد
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: نظرت إِلَى الْجنَّة فَإِذا الرمانة من رمانها كَمثل الْبَعِير المقتب
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي صفة الْجنَّة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: إِن الثَّمَرَة من ثَمَر الْجنَّة طولهَا اثْنَا عشر ذِرَاعا لَيْسَ لَهَا عجم
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن عَبَّاس أَنه كَانَ يَأْخُذ الحبَّة من الرُّمَّان فيأكلها فَقيل لَهُ: لم تفعل هَذَا قَالَ: بَلغنِي أَنه لَيْسَ فِي الأَرْض رمانة تلقح إِلَّا بِحَبَّة من الْجنَّة فلعلها هَذِه
وَأخرج ابْن السّني فِي الطِّبّ النَّبَوِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا من رمانة من رمانكم هَذِه إِلَّا وَهِي تلقح بِحَبَّة من رمان الْجنَّة وَالله أعلم
الْآيَات 70 - 78(7/717)
فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ (70) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (71) حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ (72) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (73) لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ (74) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (75) مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ (76) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (77) تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ (78)
أخرج ابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله تَعَالَى {فِيهِنَّ خيرات حسان} قَالَ: النِّسَاء(7/717)
مِيلَاد وَاحِد قلت يَا رَسُول الله: أنساء الدُّنْيَا أفضل أم الْحور الْعين قَالَ: نسَاء الدُّنْيَا أفضل من الْحور الْعين كفضل الظهارة على البطانة قلت يَا رَسُول الله: وَلم ذَاك قَالَ: بصلاتهن وصيامهن وعبادتهن لله ألبس الله وجوههن من النُّور وأجسادهن الْحَرِير بيض الألوان خضر الثِّيَاب صفة الْحلِيّ مجامرهن الدّرّ وأمشاطهن الذَّهَب يقلن: أَلا نَحن الخالدات فَلَا نموت أبدا أَلا وَنحن الناعمات فَلَا نبأس أبدا أَلا وَنحن المقيمات فَلَا نظعن أبدا أَلا وَنحن الراضيات فَلَا نسخط طُوبَى لمن كَانَ لنا وَكُنَّا لَهُ قلت يَا رَسُول الله: الْمَرْأَة تتَزَوَّج الزَّوْجَيْنِ وَالثَّلَاثَة وَالْأَرْبَعَة فِي الدُّنْيَا ثمَّ تَمُوت فَتدخل الْجنَّة ويدخلون مَعهَا من يكون زَوجهَا مِنْهُم قَالَ: إِنَّهَا تخير فتختار أحْسنهم خلقا فَتَقول يَا رب إِن هَذَا كَانَ أحْسنهم معي خلقا فِي دَار الدُّنْيَا فزوجينه يَا أم سَلمَة: ذهب حسن الْخلق بِخَير الدُّنْيَا وَالْآخِرَة
قَوْله تَعَالَى: {حور مقصورات فِي الْخيام}
أخرج ابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لما أسرِي بِي دخلت الْجنَّة فَأتيت على نهر يُسمى البيذخ عَلَيْهِ خيام اللُّؤْلُؤ والزبرجد الْأَخْضَر والياقوت الْأَحْمَر فنوديت: السَّلَام عَلَيْك يَا رَسُول الله فَقلت يَا جِبْرِيل: مَا هَذَا النداء قَالَ: هَؤُلَاءِ المقصورات فِي الْخيام استأذنّ ربهنّ فِي السَّلَام عَلَيْك فَأذن لَهُنَّ فطفقن يقلن: نَحن الراضيات فَلَا نسخط أبدا وَنحن المقيمات وَفِي لفظ الخالدات فَلَا نظعن أبدا وتلا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {حور مقصورات فِي الْخيام}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {حور مقصورات} حور بيض {مقصورات} محبوسات {فِي الْخيام} قَالَ: فِي بيُوت اللُّؤْلُؤ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: الْحور سود الحدق
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {حور مقصورات فِي الْخيام} قَالَ: لَا يخْرجن من بُيُوتهنَّ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ {حور مقصورات فِي الْخيام} قَالَ: محبوسات لسن بطوافات فِي الطّرق والخيام والدر المجوف(7/718)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وهناد بن السّري وَابْن جرير عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {حور مقصورات فِي الْخيام} قَالَ: مقصورات قلوبهن وأبصارهن وأنفسهن على أَزوَاجهنَّ فِي خيام اللُّؤْلُؤ لَا يرَوْنَ غَيْرهنَّ
وَأخرج هناد عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ {حور مقصورات فِي الْخيام} قَالَ: محبوسات فِي خيام اللُّؤْلُؤ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي الْأَحْوَص قَالَ: قَالَ عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ: أَتَدْرُونَ مَا {حور مقصورات فِي الْخيام} در مجوف
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن مَسْعُود عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: الْخيام در مجوف
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي صفة الْجنَّة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {حور مقصورات فِي الْخيام} قَالَ: خيام اللُّؤْلُؤ والخيمة من لؤلؤة وَاحِدَة مجوفة أَرْبَعَة فراسخ لَهَا أَرْبَعَة آلَاف مصراع من ذهب
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد الله بن أَحْمد فِي زَوَائِد الزّهْد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي الدَّرْدَاء رَضِي الله عَنهُ قَالَ: الْخَيْمَة لؤلؤة وَاحِدَة لَهَا سَبْعُونَ بَابا من در
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير عَن أبي مجلز أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: فِي قَول الله {حور مقصورات فِي الْخيام} قَالَ: در مجوف
وَأخرج مُسَدّد وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {مقصورات فِي الْخيام} قَالَ: الدّرّ المجوف
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: الْخَيْمَة درة مجوفة طولهَا فِي السَّمَاء سِتُّونَ ميلًا فِي كل زَاوِيَة مِنْهَا لِلْمُؤمنِ أهل لَا يراهم الْآخرُونَ يطوف عَلَيْهِم الْمُؤمن
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وهناد عَن عبيد بن عُمَيْر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن أدنى أهل الْجنَّة منزلَة لرجل لَهُ دَار من لؤلؤة وَاحِدَة مِنْهَا غرفها وأبوابها(7/719)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد عَن أبي صَالح {فِيهِنَّ خيرات حسان} قَالَ: عذارى الْجنَّة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة فِي قَوْله {فِيهِنَّ خيرات حسان} قَالَ: خيرات الْأَخْلَاق حسان الْوُجُوه
وَأخرج ابْن الْمُبَارك فِي الزّهْد عَن الْأَوْزَاعِيّ {فِيهِنَّ خيرات حسان} قَالَ: لسن بذيئات اللِّسَان وَلَا يغرن وَلَا يؤذين
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي صفة الْجنَّة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: لكل مُسلم خيرة وَلكُل خيرة خيمة وَلكُل خيمة أَرْبَعَة أَبْوَاب يدْخل عَلَيْهَا كل يَوْم من الله تحفة وكرامة وهدية لم تكن قبل ذَلِك لَا مراحات وَلَا طماحات وَلَا بخرات وَلَا ذفرات حور عين كأنهن بيض مَكْنُون وَأخرجه ابْن مرْدَوَيْه من وَجه آخر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا مَرْفُوعا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن مرْدَوَيْه عَن أنس رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن الْحور الْعين يَتَغَنَّيْنَ فِي الْجنَّة يقلن نَحن الْخيرَات الحسان جِئْنَا لِأَزْوَاج كرام
وَأخرج ابْن جرير وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أم سَلمَة قَالَت: قلت: يَا رَسُول الله أَخْبرنِي عَن قَول الله {وحور عين} قَالَ: حور بيض عين ضخام الْعُيُون شفر الْحَوْرَاء بِمَنْزِلَة جنَاح النسْر وَفِي لفظ لِابْنِ مرْدَوَيْه شفر الجفون بِمَنْزِلَة جنَاح النسْر قلت: يَا رَسُول الله أَخْبرنِي عَن قَول الله {كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤ مَكْنُون} قَالَ: صفاؤهم كصفاء الدّرّ الَّذِي فِي الأصداف الَّذِي لم تمسه الْأَيْدِي قلت: فَأَخْبرنِي: عَن قَول الله {كأنهن بيض مَكْنُون} قَالَ: رقتهن كرقة الْجلْدَة الَّتِي فِي دَاخل الْبَيْضَة مِمَّا يَلِي القشر
قلت: فَأَخْبرنِي عَن قَول الله {كأنهن الْيَاقُوت والمرجان} قَالَ: صفاؤهن كصفاء الدّرّ الَّذِي فِي الأصداف الَّذِي لم تمسه الْأَيْدِي
قلت: فَأَخْبرنِي عَن قَول الله {فِيهِنَّ خيرات حسان} قَالَ: خيرات الْأَخْلَاق حسان الْوُجُوه
قلت: فَأَخْبرنِي عَن قَول الله (عربا أَتْرَابًا) (سُورَة الْوَاقِعَة الْآيَة 37) قَالَ: هن اللواتي قبضن فِي دَار الدُّنْيَا عَجَائِز رمصاً شُمْطًا خَلقهنَّ الله بعد الْكبر فجعلهن عذارى عربا مُتَعَشقَات مُتَحَببَات أَتْرَابًا قَالَ عَليّ(7/720)
وَأخرج هناد بن السّري عَن ثَابت الْبنانِيّ قَالَ: كنت عِنْد أنس بن مَالك فَقدم عَلَيْهِ ابْن لَهُ من غزَاة يُقَال لَهُ أَبُو بكر فَسَأَلَهُ ثمَّ قَالَ: أَلا أخْبرك عَن صاحبنا فلَان بَيْنَمَا نَحن فِي غزاتنا إِذْ ثار وَهُوَ يَقُول: واأهلاه واأهلاه فنزلنا إِلَيْهِ وظننا أَن عارضاً عرض لَهُ فَقُلْنَا لَهُ: فَقَالَ: إِنِّي كنت أحدث نَفسِي أَن لَا أَتزوّج حَتَّى أستشهد فيزوّجني الله من الْحور الْعين فَلَمَّا طَالَتْ عليّ الشَّهَادَة حدثت نَفسِي فِي سرّي إنْ أَنا رجعت تزوّجت فَأَتَانِي آتٍ فِي مَنَامِي فَقَالَ: أَنْت الْقَائِل إِن أَنا رجعت تزوّجت قُم فَإِن الله قد زوّجك العيناء فَانْطَلق بِي إِلَى رَوْضَة خضراء معشبة فِيهَا عشر جوَار فِي يَد كل وَاحِدَة صَنْعَة تصنعها لم أر مِثْلهنَّ فِي الْحسن وَالْجمال قلت: فيكُن العيناء قُلْنَ: لَا نَحن من خدمها وَهِي أمامك فَانْطَلَقت فَإِذا بروضة أعشب من الأولى وَأحسن فِيهَا عشرُون جَارِيَة فِي يَد كل وَاحِدَة صَنْعَة تصنعها لَيْسَ الْعشْر إلَيْهِنَّ فِي شَيْء من الْحسن وَالْجمال قلت: فيكُن العيناء قُلْنَ: لَا نَحن من خدمها وَهِي أمامك فمضيت فَإِذا أَنا بروضة أُخْرَى أعشب من الأولى وَالثَّانيَِة وَأحسن فِيهَا أَرْبَعُونَ جَارِيَة فِي يَد كل وَاحِدَة صَنْعَة تصنعها لَيْسَ الْعشْر وَالْعشْرُونَ إلَيْهِنَّ بِشَيْء من الْحسن وَالْجمال قلت: فيكُن العيناء قُلْنَ: لَا نَحن من خدمها وَهِي أمامك فَانْطَلَقت فَإِذا أَنا وته مجوّفة فِيهَا سَرِير عَلَيْهِ امْرَأَة قد فضل جنبها عَن السرير فَقلت: أَنْت العيناء قَالَت: نعم مرْحَبًا وَذَهَبت لأضع يَدي عَلَيْهَا قَالَت: مَه إِن فِيك شَيْئا من الرّوح بعد وَلَكِن فطرك عندنَا اللَّيْلَة فَمَا فرغ الرجل من حَدِيثه حَتَّى نَادَى منادياً خيل الله ارْكَبِي فَجعلت أنظر إِلَى الرجل وَأنْظر إِلَى الشَّمْس وَنحن نصافو العدوّ وَاذْكُر حَدِيثه فَمَا أَدْرِي أَيهمَا بدر رَأسه أَو الشَّمْس سَقَطت أَولا فَقَالَ أنس رَحمَه الله: سكُوت مفاجىء
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وهناد وَابْن جرير عَن عِكْرِمَة {حور مقصورات فِي الْخيام} قَالَ: در مجوف
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير عَن الضَّحَّاك مثله
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وهناد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد قَالَ: الْخَيْمَة درة مجوّفة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: دَار الْمُؤمن فِي الْجنَّة من لؤلؤة فِيهَا(7/721)
أَرْبَعُونَ بَيْتا فِي وَسطهَا شَجَرَة تنْبت الْحلَل فيأتيها فَيَأْخُذ بِأُصْبُعِهِ سبعين حلَّة ممنطقة بِاللُّؤْلُؤِ والمرجان
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ فِي قَوْله {حور مقصورات فِي الْخيام} قَالَ: فِي الحجال
وَأخرج هناد عَن الشّعبِيّ {لم يطمثهن إنس قبلهم وَلَا جَان} قَالَ: مُنْذُ أنشئن
وَأخرج هناد عَن حَيَّان بن أبي جبلة قَالَ: إِن نسَاء أهل الدُّنْيَا إِذا دخلن الْجنَّة فضلن على الْحور الْعين بأعمالهن فِي الدُّنْيَا
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {متكئين على رَفْرَف خضر وعبقري حسان} قَالَ: فضول المحابس والفرش والبسط
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وهناد وَابْن جرير عَن الضَّحَّاك قَالَ: الرفرف فضول المحابس والعبقري الزرابي وَهِي الْبسط
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وهناد وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد {على رَفْرَف خضر} قَالَ: فضول الْفرش {وعبقري حسان} قَالَ: الديباج الغليظ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن الْحسن فِي قَوْله {على رَفْرَف خضر} قَالَ: الْبسط {وعبقري حسان} قَالَ: الطنافس
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَليّ بن أبي طَالب {متكئين على رَفْرَف خضر} قَالَ: فضول المحابس
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث والنشور من طرق عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {رَفْرَف خضر} قَالَ: المحابس {وعبقري حسان} قَالَ: الزرابي(7/722)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {متكئين على رَفْرَف خضر} قَالَ: محابس خضر {وعبقري حسان} قَالَ: الزرابي
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن عَاصِم الحجدري {متكئين على رَفْرَف} قَالَ: وسائد
وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن عَبَّاس فِي الْآيَة قَالَ: الرفرف الرياض والعبقري الزرابي
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي بكر بن عَيَّاش قَالَ: كَانَ زُهَيْر الْقرشِي وَكَانَ نحوياً بصرياً يقْرَأ [رفارف خضر وعباقري حسان]
وَأخرج ابْن الْأَنْبَارِي فِي الْمَصَاحِف وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن أبي بكر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَرَأَ [متكئين على رفارف خضر وعباقري حسان]
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ {وَلمن خَافَ مقَام ربه جنتان} فَذكر فضل مَا بَينهمَا ثمَّ ذكر {وَمن دونهمَا جنتان فَبِأَي آلَاء رَبكُمَا تُكَذِّبَانِ مدهامتان} قَالَ: خضراوان {فيهمَا عينان نضاختان} وَفِي تِلْكَ تجريان {فيهمَا فَاكِهَة ونخل ورمان} وَفِي تِلْكَ من كل فَاكِهَة زوجان {فِيهِنَّ خيرات حسان} وَفِي تِلْكَ {قاصرات الطّرف لم يطمثهن إنس قبلهم وَلَا جَان} {متكئين على رَفْرَف خضر وعبقري حسان} وَفِي تِلْكَ {متكئين على فرش بطائنها من استبرق} قَالَ: الديباج والعبقري الزرابي
قَوْله تَعَالَى: {تبَارك اسْم رَبك ذِي الْجلَال والإِكرام}
أخرج البُخَارِيّ فِي الْأَدَب وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن معَاذ بن جبل قَالَ: سمع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رجلا يَقُول: يَا ذَا الْجلَال والإِكرام قَالَ: قد اسْتُجِيبَ لَك فسل
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن أنس بن مَالك قَالَ: كنت مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جَالِسا فِي الْحلقَة وَرجل قَائِم يُصَلِّي فَلَمَّا ركع وَسجد تشهد ودعا فَقَالَ فِي دُعَائِهِ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك بِأَن لَك الْحَمد لَا إِلَه إِلَّا أَنْت وَحدك لَا شريك لَك المنان بديع السَّمَوَات وَالْأَرْض يَا ذَا الْجلَال والإِكرام يَا حيّ يَا قيوم إِنِّي أَسأَلك فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لقد دَعَا الله باسمه الْعَظِيم الَّذِي إِذا دعِي بِهِ أجَاب وَإِذا سُئِلَ بِهِ أعْطى
وَأخرج مُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَالْبَيْهَقِيّ عَن ثَوْبَان قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا انْصَرف من صلَاته اسْتغْفر الله ثَلَاثًا ثمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ أَنْت السَّلَام ومنك السَّلَام تَبَارَكت يَا ذَا الْجلَال والإِكرام(7/723)
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَلظُّوا بيا ذَا الْجلَال والإِكرام فَإِنَّهُمَا اسمان من أَسمَاء الله الْعِظَام
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عمر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: أَلظُّوا بيا ذَا الْجلَال والإِكرام
وَأخرج أَحْمد وَالنَّسَائِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ربيعَة بن عَامر سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: أَلظُّوا بيا ذَا الْجلَال والإِكرام
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أنس أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: أَلظُّوا بيا ذَا الْجلَال وَالْإِكْرَام
8(7/724)
56
سُورَة الْوَاقِعَة
مَكِّيَّة وآياتها سِتّ وَتسْعُونَ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
الْآيَة 1 - 6(8/3)
إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ (1) لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ (2) خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ (3) إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا (4) وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا (5) فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا (6)
أخرج ابْن الضريس والنحاس وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: نزلت سُورَة الْوَاقِعَة بِمَكَّة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن الزبير مثله
وَأخرج أَبُو عبيد فِي فضائله وَابْن الضريس والحرث بن أبي أُسَامَة وَأَبُو يعلى وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن مَسْعُود: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: من قَرَأَ سُورَة الْوَاقِعَة كل لَيْلَة لم تصبه فاقة أبدا
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من قَرَأَ سُورَة الْوَاقِعَة كل لَيْلَة لم تصبه فاقة أبدا
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أنس عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: سُورَة الْوَاقِعَة سُورَة الْغنى فاقرأوها وعلموها أَوْلَادكُم
وَأخرج الديلمي عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: علمُوا نساءكم سُورَة الْوَاقِعَة فَإِنَّهَا سُورَة الْغنى
وَأخرج أَبُو عبيد عَن سُلَيْمَان التَّيْمِيّ قَالَ: قَالَت عَائِشَة للنِّسَاء: لَا تعجز إحداكن أَن تقْرَأ سُورَة الْوَاقِعَة(8/3)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَأحمد وَابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان وَالْحَاكِم وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن جَابر بن سَمُرَة قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يقْرَأ فِي الْفجْر الْوَاقِعَة وَنَحْوهَا من السُّور
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: ألظ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْوَاقِعَة والحاقة وَعم يتساءلون والنازعات وَإِذا الشَّمْس كورت وَإِذا السَّمَاء انفطرت فاستطار فِيهِ [] الْفقر فَقَالَ لَهُ أَبُو بكر: قد أسْرع فِيك الْفقر قَالَ: شيبتني هود وصواحباتها هَذِه
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {إِذا وَقعت الْوَاقِعَة} قَالَ: يَوْم الْقِيَامَة {لَيْسَ لوقعتها كَاذِبَة} قَالَ: لَيْسَ لَهَا مرد يرد {خافضة رَافِعَة} قَالَ: تخْفض نَاسا وترفع آخَرين
وَأخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {خافضة رَافِعَة} قَالَ: أسمعت الْقَرِيب والبعيد
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن عُثْمَان بن سراقَة عَن خَاله عمر بن الْخطاب فِي قَوْله: {خافضة رَافِعَة} قَالَ: السَّاعَة خفضت أَعدَاء الله إِلَى النَّار وَرفعت أَوْلِيَاء الله إِلَى الْجنَّة
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن مُحَمَّد بن كَعْب فِي قَوْله: {خافضة رَافِعَة} قَالَ: تخْفض رجَالًا كَانُوا فِي الدُّنْيَا مرتفعين وترفع رجَالًا كَانُوا فِي الدُّنْيَا منخفضين
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن السّديّ فِي قَوْله: {خافضة رَافِعَة} قَالَ: خفضت المتكبرين وَرفعت المتواضعين
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {إِذا وَقعت الْوَاقِعَة} قَالَ: نزلت {لَيْسَ لوقعتها كَاذِبَة} قَالَ: [] مثنوية {خافضة رَافِعَة} قَالَ: خفضت قوما فِي عَذَاب الله وَرفعت قوما فِي كَرَامَة الله {إِذا رجت الأَرْض رجّاً} قَالَ: زلزلت زَلْزَلَة {وبست الْجبَال بسّاً} قَالَ: حتت حتّاً {فَكَانَت هباء منبثاً} كيابس الشّجر تَذْرُوهُ الرِّيَاح يَمِينا وَشمَالًا(8/4)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن زيد بن أسلم فِي قَوْله: {خافضة رَافِعَة} قَالَ: من انخفض يَوْمئِذٍ لم يرْتَفع ابداً وَمن ارْتَفع يَوْمئِذٍ لم ينخفض ابداً
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {إِذا رجت الأَرْض رجّاً} قَالَ: زلزلت {وبست الْجبَال بسّاً} قَالَ: فتت {فَكَانَت هباء منبثاً} قَالَ: كشعاع الشَّمْس وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {إِذا رجت الأَرْض رجّاً} يَقُول: ترجف الأَرْض تزلزل {وبست الْجبَال بسّاً} يَقُول: فتت فتاً
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {إِذا رجت الأَرْض رجّاً} قَالَ: زلزلت {وبست الْجبَال بسّاً} قَالَ: فتت
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {فَكَانَت هباء منبثاً} قَالَ: الهباء الَّذِي يطير من النَّار إِذا اضطرمت يطير مِنْهَا الشرر فَإِذا وَقع لم يكن شَيْئا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {فَكَانَت هباء منبثاً} قَالَ: الهباء يثور مَعَ شُعَاع الشَّمْس وانبثاثه تفرقه
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن عَليّ بن أبي طَالب قَالَ: الهباء المنبث رهج الذوات والهباء المنثور غُبَار الشَّمْس الَّذِي ترَاهُ فِي شُعَاع الكوّة
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي مَالك فِي قَوْله: {هباء منبثا} قَالَ: الغبارالذي يخرج من الكوة مَعَ شُعَاع الشَّمْس
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {هباء منبثاً} قَالَ: الشعاع الَّذِي يكون فِي الكوّة
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن فِي قَوْله: {هباء منبثاً} قَالَ: هُوَ الَّذِي ترَاهُ فِي الشَّمْس إِذا دخلت من الكوة إِلَى الْبَيْت
الْآيَة 7 - 20(8/5)
وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً (7) فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ (8) وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ (9) وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10) أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (11) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (12) ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (13) وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ (14) عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ (15) مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ (16) يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ (17) بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (18) لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنْزِفُونَ (19) وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ (20)
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وكنتم أَزْوَاجًا ثَلَاثَة} قَالَ: أصنافاً
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وكنتم أَزْوَاجًا ثَلَاثَة} قَالَ: هِيَ الَّتِي فِي سُورَة الْمَلَائِكَة (ثمَّ أَوْرَثنَا الْكتاب الَّذين اصْطَفَيْنَا من عبادنَا فَمنهمْ ظَالِم لنَفسِهِ وَمِنْهُم مقتصد وَمِنْهُم سَابق بالخيرات) (سُورَة فاطر الْآيَة 32) وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وكنتم أَزْوَاجًا ثَلَاثَة} قَالَ: هَذَا حِين تزايلت بهم الْمنَازل هم أَصْحَاب الْيَمين وَأَصْحَاب الشمَال وَالسَّابِقُونَ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة {وكنتم أَزْوَاجًا ثَلَاثَة} قَالَ: منَازِل النَّاس يَوْم الْقِيَامَة {فأصحاب الميمنة مَا أَصْحَاب الميمنة} قَالَ: مَاذَا لَهُم وماذا أعد لَهُم {وَأَصْحَاب المشأمة مَا أَصْحَاب المشأمة} قَالَ: مَاذَا لَهُم وماذا أعد لَهُم {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ} قَالَ: السَّابِقُونَ من كل أمة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن جرير عَن الْحسن فِي قَوْله: {وكنتم أَزْوَاجًا ثَلَاثَة} إِلَى قَوْله: {وثلة من الآخرين} قَالَ: سوى بَين أَصْحَاب الْيَمين من الْأُمَم الْمَاضِيَة وَبَين أَصْحَاب الْيَمين من هَذِه الْأمة وَكَانَ السَّابِقُونَ من الْأَوَّلين أَكثر من سابقي هَذِه الْأمة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ} قَالَ: يُوشَع بن نون سبق إِلَى مُوسَى وَمُؤمن آل يس سبق إِلَى عِيسَى وَعلي بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ سبق إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: السَّابِقُونَ يَوْم الْقِيَامَة أَرْبَعَة فَأَنا سَابق الْعَرَب وسلمان سَابق فَارس وبلال سَابق الْحَبَشَة وصهيب سَابق الرّوم
وَأخرج أَبُو نعيم الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولَئِكَ المقربون} أول من يدْخل الْمَسْجِد وَآخر من يخرج مِنْهُ(8/6)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن عُثْمَان بن أبي سَوْدَة مولى عبَادَة بن الصَّامِت قَالَ: بلغنَا فِي هَذِه الْآيَة {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ} أَنهم السَّابِقُونَ إِلَى الْمَسَاجِد وَالْخُرُوج فِي سَبِيل الله
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ} قَالَ: من كل أمة
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة مثله
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ} قَالَ: نزلت فِي حزقيل مُؤمن آل فِرْعَوْن وحبِيب النجار الَّذِي ذكر فِي يس وَعلي بن أبي طَالب وكل رجل مِنْهُم سَابق أمته وعليّ أفضلهم سبقاً
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن النُّعْمَان بن بشير قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: {وَإِذا النُّفُوس زوّجت} قَالَ: الضرباء كل رجل مَعَ قوم كَانُوا يعْملُونَ بِعَمَلِهِ وَذَلِكَ بِأَن الله تَعَالَى يَقُول: {وكنتم أَزْوَاجًا ثَلَاثَة} {فأصحاب الميمنة مَا أَصْحَاب الميمنة وَأَصْحَاب المشأمة مَا أَصْحَاب المشأمة وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ} قَالَ: هم الضرباء
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {ثلة} قَالَ: أمة
وَأخرج أَحْمد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: لما نزلت {ثلة من الْأَوَّلين وَقَلِيل من الآخرين} شقّ ذَلِك على أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَنزلت {ثلة من الْأَوَّلين وثلة من الآخرين} فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِنِّي لأرجو أَن تَكُونُوا ربع أهل الْجنَّة ثلث أهل الْجنَّة بل أَنْتُم نصف أهل الْجنَّة أَو شطر أهل الْجنَّة وتقاسمونهم الشّطْر الثَّانِي
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه وَابْن عَسَاكِر من طَرِيق عُرْوَة بن رُوَيْم عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: لما نزلت {إِذا وَقعت الْوَاقِعَة} ذكر فِيهَا {ثلة من الْأَوَّلين وَقَلِيل من الآخرين} قَالَ عمر: يَا رَسُول الله: {ثلة من الأوّلين وثلة من الآخرين} فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يَا عمر تعال فاستمع مَا قد أنزل الله {ثلة من الْأَوَّلين وثلة من الآخرين} أَلا وَإِن آدم إليّ ثلة وَأمتِي ثلة وَلنْ نستكمل ثلتنا حَتَّى نستعين(8/7)
باسودان من رُعَاة الإِبل مِمَّن يشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ وَأخرجه ابْن أبي حَاتِم من وَجه آخر عَن عُرْوَة بن رُوَيْم مُرْسلا
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: لما نزلت {ثلة من الْأَوَّلين وَقَلِيل من الآخرين} حزن أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالُوا: إِذا لَا يكون من أمة مُحَمَّد إلاقليل فَنزلت نصف النَّهَار {ثلة من الأوّلين وثلة من الآخرين} وتقابلون النَّاس فنسخت الْآيَة {وَقَلِيل من الآخرين} وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله: {ثلة من الأوّلين} قَالَ: مِمَّن سبق {وَقَلِيل من الآخرين} قَالَ: من هَذِه الْأمة
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر والبهيقي فِي الْبَعْث والنشور عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {على سرر موضونة} قَالَ: مصفوفة
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وهناد وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {على سرر موضونة} قَالَ: مرمولة بِالذَّهَب
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وهناد وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد {موضونة} قَالَ: مرمولة بِالذَّهَب وَأخرج هناد عَن سعيد بن جُبَير مثله
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة قَالَ: الموضونة المرملة وَهُوَ أوثق الأسِرّة
وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس إِن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله عزَّ وَجل: {على سرر موضونة} قَالَ: الموضونة مَا توضن بقضبان الْفضة عَلَيْهَا سَبْعُونَ فراشا قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم أما سَمِعت حسان بن ثَابت وَهُوَ يَقُول: أَعدَدْت للهيجاء موضونة فضفاضة بِالنَّهْي بالباقع وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد {متكئين عَلَيْهَا مُتَقَابلين} قَالَ: لَا ينظر أحدهم فِي قفا صَاحبه
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن إِسْحَق قَالَ فِي قِرَاءَة عبد الله: [متكئين عَلَيْهَا ناعمين](8/8)
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن {يطوف عَلَيْهِم ولدان مخلدون} قَالَ: لم يكن لَهُم حَسَنَات يجزون بهَا وَلَا سيئات يعاقبون عَلَيْهَا فوضعوا فِي هَذِه الْمَوَاضِع وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {يطوف عَلَيْهِم ولدان مخلدون} قَالَ: لَا يموتون وَفِيه قَوْله: {بأكواب وأباريق} قَالَ: الأكواب لَيْسَ لَهَا آذان والأباريق الَّتِي لَهَا آذان وَفِي قَوْله: {وكأس من معِين} قَالَ: خمر بَيْضَاء {لَا يصدّعون عَنْهَا وَلَا ينزفون} قَالَ: لَا تصدع رؤوسهم وَلَا يقيئونها وَفِي لفظ وَلَا تنزف عُقُولهمْ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن أبي رَجَاء قَالَ: سَأَلت الْحسن عَن الأكواب فَقَالَ: هِيَ الأباريق الَّتِي يصب مِنْهَا
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة قَالَ: الأكواب الأقداح
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {وكأس من معِين} قَالَ: يَعْنِي الْخمر وَهِي هُنَاكَ جَارِيَة الْمعِين الْجَارِي {لَا يصدّعون عَنْهَا وَلَا ينزفون} لَيْسَ فِيهَا وجع الرَّأْس وَلَا يغلب أحد على عقله
وَأخرج عبد بن حميد عَن الضَّحَّاك {لَا يصدّعون عَنْهَا وَلَا ينزفون} قَالَ: لاتصدع رؤوسهم وَلَا تذْهب عُقُولهمْ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله: {لَا يصدّعون عَنْهَا وَلَا ينزفون} قَالَ: لَا تصدع رؤوسهم وَلَا تنزف عُقُولهمْ
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله: {لَا يصدّعون عَنْهَا وَلَا ينزفون} قَالَ: أهل الْجنَّة يَأْكُلُون وَيَشْرَبُونَ وَلَا ينزفون كَمَا ينزف أهل الدُّنْيَا
إِذا أَكْثرُوا الطَّعَام وَالشرَاب يَقُول: لَا يملوا
وَأخرج عبد بن حميد بن عَاصِم أَنه قَرَأَ {لَا يصدّعون عَنْهَا وَلَا ينزفون} بِرَفْع الْيَاء وَكسر الزَّاي
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: إِن الرجل من أهل الْجنَّة ليؤتى بالكأس وَهُوَ جَالس مَعَ زَوجته فَيَشْرَبهَا ثمَّ يلْتَفت إِلَى زَوجته فَيَقُول: قد ازددت فِي عَيْني سبعين ضعفا(8/9)
الْآيَة 21 - 33(8/10)
وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (21) وَحُورٌ عِينٌ (22) كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ (23) جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (24) لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا (25) إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا (26) وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ (27) فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ (28) وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ (29) وَظِلٍّ مَمْدُودٍ (30) وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ (31) وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ (32) لَا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ (33)
أخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن الْحسن فِي قَوْله: {وَلحم طير مِمَّا يشتهون} قَالَ: لَا يَشْتَهِي مِنْهَا شَيْئا إِلَّا صَار بَين يَدَيْهِ فَيُصِيب مِنْهُ حَاجته ثمَّ يطير فَيذْهب
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي صفة الْجنَّة وَالْبَزَّار وَابْن مرْدَوَيْه والبهيقي فِي الْبَعْث عَن عبد الله بن مَسْعُود قَالَ: قَالَ لي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِنَّك لتنظر إِلَى الطير فِي الْجنَّة فتشتهيه فيخر بَين يَديك مشوياً وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: ذكر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم طير الْجنَّة فَقَالَ أَبُو بكر: إِنَّهَا لناعمة
قَالَ: وَمن يَأْكُل مِنْهَا أنعم مِنْهَا وَإِنِّي لأرجو أَن تَأْكُل مِنْهَا
وَأخرج الْخَطِيب عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: فِي هَذِه الْآيَة {وفرش مَرْفُوعَة} قَالَ: غلظ كل فرَاش مِنْهَا كَمَا بَين السَّمَاء وَالْأَرْض
وَأخرج أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أما طير الْجنَّة كأمثال البخت ترعى فِي شجر الْجنَّة فَقَالَ أَبُو بكر: يَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن هَذِه الطُّيُور لناعمة فَقَالَ: آكلها أنعم مِنْهَا وَإِنِّي لأرجو أَن تكون مِمَّن يأكلها
وَأخرج البهيقي فِي الْبَعْث عَن حُذَيْفَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن فِي الْجنَّة طيراً أَمْثَال البخائي قَالَ أَبُو بكر: إِنَّهَا لناعمة يَا رَسُول الله قَالَ: أنعم مِنْهَا من يأكلها وَأَنت مِمَّن يأكلها وَأَنت مِمَّن يَأْكُل مِنْهَا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وهناد عَن الْحسن قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن فِي الْجنَّة طيراً كأمثال البخت تَأتي الرجل فَيُصِيب مِنْهَا ثمَّ تذْهب كَأَن لم ينقص مِنْهَا شَيْء(8/10)
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي صفة الْجنَّة عَن أبي أُمَامَة قَالَ: إِن الجل ليشتهي الطير فِي الْجنَّة من طيور الْجنَّة فَيَقَع فِي يَده مقلياً نضيجاً
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن مَيْمُونَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن الرجل ليشتهي الطير فِي الْجنَّة فَيَجِيء مثل البختي حَتَّى يَقع على خوانه لم يصبهُ دُخان وَلم تمسه نَار فيأكل مِنْهُ حَتَّى يشْبع ثمَّ يطير
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن مَسْعُود: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: إِن فِي الْجنَّة طيراً لَهُ سَبْعُونَ ألف ريشة فَإِذا وضع الخوان قُدَّام وليّ الله جَاءَ الطير فَسقط عَلَيْهِ فانتفض فَخرج من كل ريشة لون ألذ من الشهد وألين من الزّبد وَأحلى من الْعَسَل ثمَّ يطير
وَأخرج هناد عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن فِي الْجنَّة لطيراً فِيهِ سَبْعُونَ ألف ريشة فَيَجِيء فَيَقَع على صَحْفَة الرجل من أهل الْجنَّة ثمَّ ينتفض فَيخرج من كل ريشة لون أَبيض من الثَّلج وألين من الزّبد وأعذب من الشهد لَيْسَ فِيهِ لون يشبه صَاحبه ثمَّ يطير فَيذْهب
قَوْله تَعَالَى: {وحور عين} الْآيَة
أخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد عَن عَاصِم بن بَهْدَلَة قَالَ: أَقْرَأَنِي أَبُو عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ {وحور عين} يَعْنِي بِالْجَرِّ
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ {وحور عين} بِالرَّفْع فيهمَا وينوّن
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {وحور عين} قَالَ: يحار فِيهِنَّ الْبَصَر
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {كأمثال اللُّؤْلُؤ الْمكنون} قَالَ: الَّذِي فِي الصدف لم يحور عَلَيْهِ الْأَيْدِي
وَأخرج هناد بن السّري عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله: {كأمثال اللُّؤْلُؤ الْمكنون} قَالَ: اللُّؤْلُؤ الْعِظَام الَّذِي قد أكن من أَن يمسهُ شَيْء
قَوْله تَعَالَى: {لَا يسمعُونَ فِيهَا لَغوا} الْآيَة
أخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {لَا يسمعُونَ فِيهَا لَغوا} قَالَ: بَاطِل ا {وَلَا تأثيماً} قَالَ: كذبا
وَأخرج هناد عَن الضَّحَّاك {لَا يسمعُونَ فِيهَا لَغوا} قَالَ: الهدر من القَوْل والتأثيم الْكَذِب(8/11)
قَوْله تَعَالَى: {أَصْحَاب الْيَمين} الْآيَات
أخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر والبهيقي فِي الْبَعْث من طَرِيق حُصَيْن عَن عَطاء وَمُجاهد قَالَ: لم سَأَلَ أهل الطَّائِف الْوَادي يحمي لَهُم فِيهِ عسل فَفعل وَهُوَ وَاد معجب فَسَمِعُوا النَّاس يَقُولُونَ فِي الْجنَّة كَذَا وَكَذَا قَالُوا يَا لَيْت لنا فِي الْجنَّة مثل هَذَا الْوَادي فَأنْزل الله {وَأَصْحَاب الْيَمين مَا أَصْحَاب الْيَمين فِي سدر مخضود}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير والبهيقي فِي الْبَعْث من وَجه آخر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانُوا يعْجبُونَ من وَج (هَكَذَا فِي الأَصْل) وظلاله من طَلْحَة وسدرة فَأنْزل الله {وَأَصْحَاب الْيَمين مَا أَصْحَاب الْيَمين فِي سدر مخضود وطلح منضود وظل مَمْدُود}
وَأخرج أَحْمد عَن معَاذ بن جبل أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَلا هَذِه الْآيَة {وَأَصْحَاب الْيَمين مَا أَصْحَاب الْيَمين} {وَأَصْحَاب الشمَال مَا أَصْحَاب الشمَال} فَقبض يَدَيْهِ قبضتين فَقَالَ: هَذِه فِي الْجنَّة وَلَا أُبَالِي وَهَذِه فِي النَّار وَلَا أُبَالِي
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ والبهيقي فِي الْبَعْث عَن أبي أُمَامَة قَالَ: كَانَ أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُونَ: إِن الله ينفعنا بالأعراب ومسائلهم أقبل أَعْرَابِي يَوْمًا فَقَالَ: يَا رَسُول الله لقد ذكر الله فِي الْقُرْآن شَجَرَة مؤذية وَمَا كنت أرى أَن فِي الْجنَّة شَجَرَة تؤذي صَاحبهَا فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: وَمَا هِيَ قَالَ: السدر فَإِن لَهَا شوكاً فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَلَيْسَ يَقُول الله: {فِي سدر مخضود} يخضده الله من شَوْكَة فَيجْعَل مَكَان كل شَوْكَة ثَمَرَة إِنَّهَا تنْبت ثمراً يفتق الثَّمر مِنْهَا عَن اثْنَيْنِ وَسبعين لوناً من الطَّعَام مَا فِيهَا لون يشبه الآخر
وَأخرج ابْن أبي دَاوُد فِي الْبَعْث وَالطَّبَرَانِيّ وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية وَابْن مرْدَوَيْه عَن عقبَة بن عبد الله السّلمِيّ قَالَ: كنت جَالِسا مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فجَاء أَعْرَابِي فَقَالَ: يَا رَسُول أسمعك تذكر فِي الْجنَّة شَجَرَة لَا أعلم شَجَرَة أَكثر شوكاً مِنْهَا يَعْنِي الطلح فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن الله تَعَالَى يَجْعَل مَكَان كل شَوْكَة مِنْهَا ثَمَرَة مثل خصية التيس الملبود يَعْنِي المخصيّ فِيهَا سَبْعُونَ لوناً من الطَّعَام لَا يشبه لون الآخر
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {فِي سدر مخضود} قَالَ: خضده وقره من الْحمل
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر من طرق عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {فِي سدر مخضود} قَالَ: المخضود الَّذِي لَا شوك فِيهِ(8/12)
وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: المخضود الموقر الَّذِي لَا شوك فِيهِ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن يزِيد الرقاشِي رَضِي الله عَنهُ {فِي سدر مخضود} قَالَ: نبقها أعظم من القلال
وَأخرج الطستي فِي مسَائِله عَن ابْن عَبَّاس إِن نَافِع بن الْأَزْرَق سَأَلَهُ عَن قَوْله تَعَالَى: {فِي سدر مخضود} قَالَ: الَّذِي لَيْسَ لَهُ شوك قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم أما سَمِعت قَول أُميَّة بن أبي الصَّلْت: إِن الحدائق فِي الْجنان ظليلة فِيهَا الكواعب سدرها مخضود وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالْفِرْيَابِي وهناد وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وطلح منضود} قَالَ: هُوَ الموز
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وهناد وَسَعِيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن جريروابن أبي حَاتِم عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي الله عَنهُ {وطلح منضود} قَالَ: الموز
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن وَقَتَادَة مثله وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ أَنه قَرَأَ / وطلع منضود /
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْأَنْبَارِي فِي الْمَصَاحِف عَن قيس بن عباد قَالَ: قَرَأت على عليّ {وطلح منضود} فَقَالَ: عليّ مَا بَال الطلح أما تقْرَأ [وطلع] ثمَّ قَالَ: [وطلع نضيد] فَقيل لَهُ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أنحكها من الْمَصَاحِف فَقَالَ: لَا يهاج الْقُرْآن الْيَوْم
وَأخرج ابْن جريرعن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {منضود} قَالَ: بعضه على بعض
وَأخرج هناد وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {سدر مخضود} قَالَ: الموقر حملا {وطلح منضود} يَعْنِي الموز المتراكم
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن حَائِط الْجنَّة لبنة من ذهب ولبنة من فضَّة وقاع الْجنَّة ذهب ورضاضها اللُّؤْلُؤ وطينها مسك وترابها الزَّعْفَرَان وخلال ذَلِك سدر مخضود وطلح منضود وظل مَمْدُود وَمَاء مسكوب(8/13)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة وهناد وَعبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: فِي الْجنَّة شَجَرَة يسير الرَّاكِب فِي ظلها مائَة عَام لَا يقطعهَا اقرأوا إِن شِئْتُم {وظل مَمْدُود}
وَأخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه عَن أنس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن فِي الْجنَّة لشَجَرَة يسير الرَّاكِب فِيهِ ظلها مائَة عَام لَا يقطعهَا وَإِن شِئْتُم فاقرأوا {وظل مَمْدُود} وَمَاء مسكوب
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن فِي الْجنَّة شَجَرَة يسير الرَّاكِب فِي ظلها مائَة عَام لَا يقطعهَا وَذَاكَ الظل الْمَمْدُود
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: الظل الْمَمْدُود شَجَرَة فِي الْجنَّة على سَاق ظلها قدر مَا يسير الرَّاكِب فِي كل نَوَاحِيهَا مائَة عَام فَيخرج إِلَيْهَا أهل الْجنَّة أهل الغرف وَغَيرهم فيتحدثون فِي ظلها فيشتهي بَعضهم وَيذكر لَهو الدُّنْيَا فَيُرْسل الله ريحًا من الْجنَّة فَتحَرك تِلْكَ الشَّجَرَة بِكُل لَهو فِي الدُّنْيَا
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: فِي الْجنَّة شجر لَا يحمل يستظل بِهِ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن عمروبن مَيْمُون {وظل مَمْدُود} قَالَ: مسيرَة سبعين ألف سنة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج {وَمَاء مسكوب} قَالَ: جَار
وَأخرج هناد وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: سعف نخل الْجنَّة مِنْهَا مقاطعاتهم وكسوتهم
وَأخرج هناد وَابْن الْمُنْذر عَن عبد الله بن عَمْرو قَالَ: عناقيد الْجنَّة مَا بَيْنك وَبَين صنعاء وَهُوَ بِالشَّام
الْآيَة 34 - 40(8/14)
وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ (34) إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً (35) فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا (36) عُرُبًا أَتْرَابًا (37) لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ (38) ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (39) وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ (40)
وَأخرج أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ حسنه وَالنَّسَائِيّ وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي صفة الْجنَّة وَابْن حبَان وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالرُّويَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة والبهيقي فِي الْبَعْث عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: فِي قَوْله {وفرش مَرْفُوعَة} قَالَ: ارتفاعها كَمَا بَين السَّمَاء وَالْأَرْض مسيرَة مَا بَينهمَا خَمْسمِائَة عَام
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي أُمَامَة: سُئِلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الْفرش المرفوعة قَالَ: لَو طرح فرَاش من أَعْلَاهَا لهوى إِلَى قَرَارهَا مائَة خريف
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وهناد وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي صفة الْجنَّة عَن أبي أُمَامَة فِي قَوْله: {وفرش مَرْفُوعَة} قَالَ: لَو أَن أَعْلَاهَا سقط مَا بلغ أَسْفَلهَا أَرْبَعِينَ خَرِيفًا
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَفعه فِي الْفرش المرفوعة لَو طرح من أَعْلَاهَا شَيْء مَا بلغ قَرَارهَا مائَة خريف
وَأخرج هناد عَن الْحسن فِي قَوْله: {وفرش مَرْفُوعَة} قَالَ: ارْتِفَاع فرَاش أهل الْجنَّة مسيرَة ثَمَانِينَ سنة وَالله أعلم
أخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وهناد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه والبهيقي فِي الْبَعْث عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله: {إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إنْشَاء} قَالَ: إِن من الْمُنْشَآت اللَّاتِي كن فِي الدُّنْيَا عَجَائِز شُمْطًا عمشًا رمصاً
وَأخرج الطَّيَالِسِيّ وَابْن جرير وَابْن أبي الدُّنْيَا وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَابْن قَانِع والبهيقي فِي الْبَعْث عَن سَلمَة بن زيد الْجعْفِيّ سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول فِي قَوْله: {إِنَّا أنشأناهنّ إنْشَاء} قَالَ: الثّيّب والأبكار اللَّاتِي كنّ فِي الدُّنْيَا
وَأخرج عبد بن حميد وَالتِّرْمِذِيّ فِي الشَّمَائِل وَابْن الْمُنْذر والبهيقي فِي الْبَعْث عَن الْحسن قَالَ: أَتَت عَجُوز فَقَالَت يَا رَسُول الله: ادْع الله أَن يدخلني الْجنَّة فَقَالَ: يَا أم فلَان إِن لجنة لَا يدخلهَا عَجُوز فولّت تبْكي قَالَ: أَخْبرُوهَا أَنَّهَا لَا تدْخلهَا وَهِي عَجُوز إِن الله يَقُول: {إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إنْشَاء فجعلناهن أَبْكَارًا}
وَأخرج البهيقي فِي الشّعب عَن عَائِشَة قَالَت: دخل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عليّ وَعِنْدِي عَجُوز فَقَالَ: من هَذِه قلت: إِحْدَى خَالَاتِي قَالَ: أما إِنَّه لَا يدْخل الْجنَّة الْعَجُوز فَدخل الْعَجُوز من ذَلِك مَا شَاءَ الله فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ خلقا آخر(8/15)
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن عَائِشَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَتَتْهُ عَجُوز من الْأَنْصَار فَقَالَت: يَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ادْع الله أَن يدخلني الْجنَّة فَقَالَ: إِن الْجنَّة لَا يدخلهَا عَجُوز فَذهب يُصَلِّي ثمَّ رَجَعَ فَقَالَت عَائِشَة: لقد لقِيت من كلمتك مشقة فَقَالَ: إِن ذَلِك كَذَلِك إِن الله إِذا أدْخلهُنَّ الْجنَّة حوّلهنّ أَبْكَارًا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس {إِنَّا أنشأناهنّ إنْشَاء} نخلقهن غير خَلقهنَّ الأول
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد عَن أَبِيه عَن جده قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: {إِنَّا أنشأناهنّ إنْشَاء} قَالَ: أنبتناهن
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن أبي سعيد قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن أهل الْجنَّة إِذا جامعوا النِّسَاء عُدْنَ أَبْكَارًا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أنس فِي قَوْله: {فجعلناهن أَبْكَارًا} قَالَ: عذارى وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر والبهيقي من طَرِيق عَليّ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {عربا} قَالَ: عواشق {أَتْرَابًا} يَقُول: مستويات
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق الضَّحَّاك عَن ابْن عَبَّاس {عربا} قَالَ: عواشق لِأَزْوَاجِهِنَّ وأزواجهن لَهُنَّ عاشقون {أَتْرَابًا} قَالَ: فِي سنّ وَاحِد ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ سنة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الْعَرَب الملقة لزَوجهَا
وَأخرج ابْن جرير من طَرِيق الْعَوْفِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الْعَرَب المتحببات المتوددات إِلَى أَزوَاجهنَّ
وَأخرج هناد من طَرِيق الْكَلْبِيّ عَن أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الْعَرَب الغنجة وَفِي قَول أهل الْمَدِينَة الشكلة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَسَعِيد بن مَنْصُور وَعبد حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {عربا} قَالَ: هِيَ الغنجة
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله: {عربا} قَالَ: هن المتغنجات
وَأخرج سُفْيَان وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر من طَرِيق سعيد بن جُبَير عَن ابْن(8/16)
عَبَّاس فِي قَوْله: {عربا} قَالَ: النَّاقة الَّتِي تشْتَهي الْفَحْل يُقَال لَهَا: عربة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن بُرَيْدَة فِي قَوْله: {عربا} قَالَ: هِيَ الشكلة بلغَة مَكَّة المغنوجة بلغَة الْمَدِينَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن عبد الله بن عبيد بن عُمَيْر قَالَ: العربة الَّتِي تشْتَهي زَوجهَا
وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس أَن نَافِع الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله عزوجل {عربا أَتْرَابًا} قَالَ: هن العاشقات لِأَزْوَاجِهِنَّ اللَّاتِي خُلِقْنَ من الزَّعْفَرَان والأتراب المستويات قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم أما سَمِعت نَابِغَة بني ذبيان وهويقول: عهِدت بهَا سعدى وسعدى عزيزة عروب تهادى فِي جوَار خرائد وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة {فجعلناهن أَبْكَارًا} قَالَ: عذارى {عربا} قَالَ: عشقاً لِأَزْوَاجِهِنَّ {أَتْرَابًا} قَالَ: مستويات سنا وَاحِدًا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن عكركة فِي قَوْله: {عربا} قَالَ: المغنوجات والعربة هِيَ الغنجة
وَأخرج عبد بن حميد عَن عبد الله بن عبيد بن عُمَيْر أَنه سُئِلَ عَن قَوْله تَعَالَى: {عربا} قَالَ: أما سَمِعت أَن الْمحرم يُقَال لَهُ: لَا تعربها بِكَلَام تلذ ذَهَابه وَهِي مُحرمَة
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن تيم بن جدلم وَكَانَ من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: العربة الْحَسَنَة التبعل وَكَانَت الْعَرَب تَقول للْمَرْأَة إِذا كَانَت حَسَنَة التبعل: إِنَّهَا العربة
وَأخرج هناد بن السّري وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله: {عربا} قَالَ: يشتهين أَزوَاجهنَّ
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله: {عربا} قَالَ: الْعَرَب المتعشقات
وَأخرج هناد بن السّري وَعبد بن حميد وَابْن جرر وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {عربا} قَالَ: عواشق لِأَزْوَاجِهِنَّ {أَتْرَابًا} قَالَ: مستويات(8/17)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {عربا} قَالَ: المتعشقات لبعولتهن والأتراب المستويات فِي سنّ وَاحِد
وَأخرج عبد بن حميد عَن الرّبيع بن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: الْعَرَب المتعشقات واأتراب المستويات فِي سنّ وَاحِد
وَأخرج هناد بن السّري وَعبد بن حميد عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {عربا} قَالَ: المتحببات إِلَى الْأزْوَاج والأتراب المستويات
وَأخرج سُفْيَان بن عُيَيْنَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {عربا} قَالَ: مُتَحَببَات إِلَى أَزوَاجهنَّ {أَتْرَابًا} قَالَ: أَمْثَالًا
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: الْعَرَب المتحببات إِلَى أَزوَاجهنَّ والأتراب الْأَشْبَاه المستويات
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن زيد بن أسلم رَضِي الله عَنهُ قَالَ: العربة هِيَ الْحَسَنَة الْكَلَام
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ {عربا} قَالَ: عواشق {أَتْرَابًا} قَالَ: أقراناً
وَأخرج وَكِيع فِي الْغرَر وَابْن عَسَاكِر فِي تَارِيخه عَن هِلَال بن أبي بردة رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ لجلسائه: مَا العروب من النِّسَاء فماجوا وَأَقْبل إِسْحَق بن عبد الله بن الْحَرْث النَّوْفَلِي رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ: قد جَاءَكُم من يُخْبِركُمْ عَنْهَا فَسَأَلُوهُ فَقَالَ: الخفرة المتبذلة لزَوجهَا وَأنْشد: يعربن عِنْد بهولهن إِذا خلوا وَإِذا هم خَرجُوا فهن خفار وَأخرج ابْن عدي بِسَنَد ضَعِيف عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: خير نِسَائِكُم العفيفة الغلمة
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان أَنه راود زَوجته فَاخِتَة بنت قرطة فنخرت نخرة شَهْوَة ثمَّ وضعت يَدهَا على وَجههَا فَقَالَ: لَا سوأة عَلَيْك فوَاللَّه لخيركن الناخرات والشخارات
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد عَن أَبِيه رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله: {عربا} قَالَ: كلامهنّ عَرَبِيّ(8/18)
وَأخرج عبد بن حميد عَن مَيْمُون بن مهْرَان رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {ثلة من الْأَوَّلين وثلة من الآخرين} قَالَ: كثير من الْأَوَّلين وَكثير من الآخرين
وَأخرج مُسَدّد فِي مُسْنده وَابْن الْمُنْذر وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه بِسَنَد حسن عَن أبي بكر رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله: {ثلة من الْأَوَّلين وثلة من الآخرين} قَالَ: هما جَمِيعًا من هَذِه الْأمة
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن عدي وَابْن مرْدَوَيْه بِسَنَد ضَعِيف عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {ثلة من الْأَوَّلين وثلة من الآخرين} قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: هما جَمِيعًا من أمتِي
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {ثلة من الْأَوَّلين وثلة من الآخرين} قَالَ: الثُّلَّتَانِ جَمِيعًا من هَذِه الْأمة
وَأخرج الْحسن بن سُفْيَان وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه وَابْن عَسَاكِر عَن عبد الله بن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِنِّي لأرجو أَن يكون من اتبعني من أمتِي ربع أهل الْجنَّة فكبرنا ثمَّ قَالَ: إِنِّي لأرجو أَن يكون من أمتِي الشّطْر ثمَّ قَرَأَ {ثلة من الْأَوَّلين وثلة من الآخرين}
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: تحدثنا ذَات لَيْلَة عِنْد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى [] ألرنا (هَكَذَا فِي الأَصْل) الحَدِيث فَلَمَّا أَصْبَحْنَا غدونا على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: عرضت عَليّ الْأَنْبِيَاء باتباعها من أممها فَإِذا النَّبِي مَعَه الثلَّة من أمته وَإِذا النَّبِي لَيْسَ مَعَه أحد وَقد أنبأكم الله عَن قوم لوط فَقَالَ: أَلَيْسَ مِنْكُم رشيدحتى مر مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام وَمن مَعَه من بني إِسْرَائِيل قلت: يَا رب
فَأَيْنَ أمتِي قَالَ: انْظُر عَن يَمِينك فَإِذا الظراب ظراب مَكَّة قد سد من وُجُوه الرِّجَال قَالَ: أرضيت يَا مُحَمَّد قلت: رضيت يَا رب قَالَ: أنظر عَن يسارك فَإِذا الْأُفق قد سد من وُجُوه الرِّجَال قَالَ: أرضيت يَا مُحَمَّد قلت: رضيت يَا رب قَالَ: فَإِن مَعَ هَؤُلَاءِ سبعين ألفا يدْخلُونَ الْجنَّة بِغَيْر حِسَاب فَأتى عكاشة بن مُحصن الْأَسدي رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ يَا رَسُول الله: ادْع الله أَن يَجْعَلنِي مِنْهُم قَالَ: اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ مِنْهُم ثمَّ قَامَ رجل آخر فَقَالَ يَا رَسُول الله: ادْع الله أَن يَجْعَلنِي مِنْهُم فَقَالَ: سَبَقَك بهَا عكاشة ثمَّ قَالَ لَهُم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن اسْتَطَعْتُم بِأبي أَنْتُم وَأمي أَن تَكُونُوا من السّبْعين فكونوا فَإِن(8/19)
عجزتم وقصرتم فكونوا من أَصْحَاب الظراب فَإِن عجزتم وقصرتم فكونوا من أَصْحَاب الْأُفق فَإِنِّي قد رَأَيْت أُنَاسًا يتهارشون كثيرا ثمَّ قَالَ: إِنِّي لأرجو أَن تَكُونُوا شطر أهل الْجنَّة فَكبر الْقَوْم ثمَّ تَلا هَذِه الْآيَة {ثلة من الْأَوَّلين وثلة من الآخرين} فتذاكروا من هَؤُلَاءِ السبعون ألفا فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: هم الَّذين لَا يسْتَرقونَ وَلَا يَتَطَيَّرُونَ وعَلى رَبهم يَتَوَكَّلُونَ
الْآيَة 41 - 57(8/20)
وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ (41) فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ (42) وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ (43) لَا بَارِدٍ وَلَا كَرِيمٍ (44) إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ (45) وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ (46) وَكَانُوا يَقُولُونَ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (47) أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ (48) قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ (49) لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (50) ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ (51) لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ (52) فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ (53) فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ (54) فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ (55) هَذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ (56) نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلَا تُصَدِّقُونَ (57)
أخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {وَأَصْحَاب الشمَال مَا أَصْحَاب الشمَال} قَالَ: مَاذَا لَهُم وماذا أعد لَهُم وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَسَعِيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {وظل من يحموم} قَالَ: من دُخان أسود وَفِي لفظ: من دُخان جَهَنَّم
وَأخرج هناد وَعبد بن حميد عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {وظل من يحموم} قَالَ: من دُخان جَهَنَّم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {وظل من يحموم} قَالَ: من دُخان
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي مَالك رَضِي الله عَنهُ {وظل من يحموم} قَالَ: الدُّخان(8/20)
وَأخرج عبد بن حميد عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ قَالَ: النَّار سَوْدَاء وَأَهْلهَا سود وكل شَيْء فِيهَا أسود
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {لَا بَارِد وَلَا كريم} قَالَ: لَا بَارِد الْمنزل وَلَا كريم المنظر
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ان عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {إِنَّهُم كَانُوا قبل ذَلِك مترفين} قَالَ: منعمين {وَكَانُوا يصرون على الْحِنْث الْعَظِيم} قَالَ: على الذَّنب الْعَظِيم
وَأخرج عبد بن حميد عَن الشّعبِيّ رَضِي الله عَنهُ {وَكَانُوا يصرون على الْحِنْث الْعَظِيم} قَالَ: هِيَ الْكَبَائِر
وَأخرج ابْن عدي والشيرازي فِي الألقاب وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه والخطيب فِي تالي التَّلْخِيص وَابْن عَسَاكِر فِي تَارِيخه عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَرَأَ فِي الْوَاقِعَة {فشاربون شرب الهيم} بِفَتْح الشين من شرب
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقْرَأ {شرب الهيم}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {شرب الهيم} قَالَ: الإِبل العطاش
وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله عزوجل: {فشاربون شرب الهيم} قَالَ: الإِبل يَأْخُذهَا دَاء يُقَال لَهُ الهيم فَلَا تروى من المَاء فَشبه الله تَعَالَى شرب أهل النَّار من الْحَمِيم بِمَنْزِلَة الإِبل الهيم قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم أما سَمِعت لبيد بن ربيعَة وَهُوَ يَقُول: أجزت إِلَى معارفها بشعب واطلاح من العبديّ هيم وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر عَن أبي مجلز رَضِي الله عَنهُ {فشاربون شرب الهيم} قَالَ: كَانَ المراض تمص المَاء مصا وَلَا تروى
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ {فشاربون شرب الهيم} قَالَ: الإِبل المراض تمص المَاء مصا وَلَا تروى(8/21)
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {فشاربون شرب الهيم} قَالَ: ضراب الإِبل دَوَاب لَا تروى
وَأخرج سُفْيَان بن عُيَيْنَة فِي جَامعه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {فشاربون شرب الهيم} قَالَ: هيام الأَرْض يَعْنِي الرمال
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ قَالَ {الهيم} الإِبل العطاش
وَأخرج عبد بن حميد عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ {شرب الهيم} قَالَ: الإِبل الهيم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ {شرب الهيم} قَالَ: دَاء يَأْخُذ فَإِذا أَخذهَا لم ترو
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم رَضِي الله عَنهُ أَنه قَرَأَ {شرب الهيم} بِرَفْع الشين
الْآيَة 58 - 74(8/22)
أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ (58) أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ (59) نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (60) عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لَا تَعْلَمُونَ (61) وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى فَلَوْلَا تَذَكَّرُونَ (62) أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ (63) أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ (64) لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ (65) إِنَّا لَمُغْرَمُونَ (66) بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (67) أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ (68) أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ (69) لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ (70) أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ (71) أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ (72) نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ (73) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (74)
أخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر وَالْحَاكِم والبهيقي فِي سنَنه عَن حجر الْمرَادِي رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كنت عبد عَليّ رَضِي الله عَنهُ فَسَمعته وَهُوَ يُصَلِّي بِاللَّيْلِ يقْرَأ فَمر بِهَذِهِ الْآيَة {أَفَرَأَيْتُم مَا تمنون أأنتم تخلقونه أم نَحن الْخَالِقُونَ} قَالَ: بل أَنْت يَا رب ثَلَاثًا(8/22)
ثمَّ قَرَأَ {أأنتم تزرعونه} قَالَ: بل أَنْت يَا رب ثَلَاثًا ثمَّ قَرَأَ {أأنتم أنزلتموه من المزن} قَالَ: بل أَنْت يَا رب ثَلَاثًا ثمَّ قَرَأَ {أأنتم أنشأتم شجرتها} قَالَ: بل أَنْت يارب ثَلَاثًا
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {نَحن قَدرنَا بَيْنكُم الْمَوْت} قَالَ: تَقْدِير أَن جعل أهل الأَرْض وَأهل السَّمَاء فِيهِ سَوَاء شريفهم وضعيفهم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {نَحن قَدرنَا بَيْنكُم الْمَوْت} قَالَ: الْمُتَأَخر والمعجل وَأي فِي قَوْله: {وننشئكم فِي مَا لَا تعلمُونَ} قَالَ: فِي خلق شِئْنَا وَفِي قَوْله: {وَلَقَد علمْتُم النشأة الأولى} إِذا لم تَكُونُوا شَيْئا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وَلَقَد علمْتُم النشأة الأولى} قَالَ: خلق آدم عَلَيْهِ السَّلَام
وَأخرج الْبَزَّار وَابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان وَضَعفه عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا يَقُولَن أحدكُم زرعت وَلَكِن ليقل حرثت قَالَ أَبُو هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ: ألم تسمعوا الله يَقُول: {أَفَرَأَيْتُم مَا تَحْرُثُونَ أأنتم تزرعونه أم نَحن الزارعون}
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي عبد الرَّحْمَن رَضِي الله عَنهُ أَنه كره أَن يَقُول: زرعت وَيَقُول: حرثت
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {أأنتم تزرعونه} قَالَ: تنبتونه
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {فظلتم تفكهون} قَالَ: تعْجبُونَ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ {فظلتم تفكهون} قَالَ: تَنْدمُونَ
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {إِنَّا لمغرمون} قَالَ: ملقون للشر {بل نَحن محرومون} قَالَ: محدودون وَفِي قَوْله: {أأنتم أنزلتموه من المزن} قَالَ: السَّحَاب(8/23)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {أأنتم أنزلتموه من المزن} قَالَ: السَّحَاب
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن وَقَتَادَة رَضِي الله عَنْهُمَا مثله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي جَعْفَر رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه كَانَ إِذا شرب المَاء قَالَ: الْحَمد لله الَّذِي سقانا عذباً فراتاً برحمته وَلم يَجعله ملحاً أجاجاً بذنوبنا
وَأخرج هناد وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {نَحن جعلناها تذكرة} قَالَ: هَذِه لنا تذكرة للنار الْكُبْرَى {ومتاعاً للمقوين} قَالَ: للمستمتعين النَّاس أَجْمَعِينَ وَفِي لفظ للحاضر والبادي
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه من طرق عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {نَحن جعلناها تذكرة} قَالَ: تذكرة للنار الْكُبْرَى {ومتاعاً للمقوين} قَالَ: للمسافرين
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {نَحن جعلناها تذكرة} قَالَ: تذكرة للنار الْكُبْرَى {ومتاعاً للمقوين} قَالَ: للمسافرين كم من قوم قد سافروا ثمَّ أرملوا فأحجبوا نَارا فاستدفؤوا بهَا وانتفعوا بهَا
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ {ومتاعاً للمقوين} قَالَ: للمسافرين
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَابْن عَسَاكِر عَن وَاثِلَة بن الْأَسْقَع رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا تمنعوا عباد الله فضل الله المَاء وَلَا كلأ وَلَا نَارا فَإِن الله تَعَالَى جعلهَا مَتَاعا للمقوين وَقُوَّة للمستضعفين وَلَفظ ابْن عَسَاكِر وقواما للمستمتعين
الْآيَة 75 - 85(8/24)
فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (75) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (76) إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (77) فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ (78) لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (79) تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (80) أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ (81) وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ (82) فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (83) وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ (84) وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ (85)
أخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم رَضِي الله عَنهُ أَنه قَرَأَ {فَلَا أقسم} ممدودة مَرْفُوعَة الْألف {بمواقع النُّجُوم} على الْجِمَاع
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {فَلَا أقسم بمواقع النُّجُوم} على الْجِمَاع
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {فَلَا أقسم بمواقع النُّجُوم} قَالَ: نُجُوم السَّمَاء
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {فَلَا أقسم بمواقع النُّجُوم} قَالَ: بمساقطها قَالَ: وَقَالَ الْحسن رَضِي الله عَنهُ: مواقع النُّجُوم انكدارها وانتثارها يَوْم الْقِيَامَة وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ {فَلَا أقسم بمواقع النُّجُوم} قَالَ: بمغايبها
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {فَلَا أقسم بمواقع النُّجُوم} قَالَ: بمنازل النُّجُوم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَمُحَمّد بن نصر وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {فَلَا أقسم بمواقع النُّجُوم} قَالَ: الْقُرْآن {وَإنَّهُ لقسم لَو تعلمُونَ عَظِيم} قَالَ: الْقُرْآن
وَأخرج النَّسَائِيّ وَابْن جرير وَمُحَمّد بن نصر وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الْإِيمَان عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: أنزل الْقُرْآن فِي لَيْلَة الْقدر من السَّمَاء الْعليا إِلَى السَّمَاء الدُّنْيَا جملَة وَاحِدَة ثمَّ فرق فِي السنين وَفِي لفظ: ثمَّ نزل من السَّمَاء الدُّنْيَا إِلَى الأَرْض نجوماً ثمَّ قَرَأَ {فَلَا أقسم بمواقع النُّجُوم}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {فَلَا أقسم بمواقع النُّجُوم} بِأَلف قَالَ: نُجُوم الْقُرْآن حِين ينزل
وَأخرج ابْن الْمُنْذر الْأَنْبَارِي فِي كتاب الْمَصَاحِف وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: أنزل الْقُرْآن إِلَى السَّمَاء الدُّنْيَا جملَة وَاحِدَة ثمَّ أنزل إِلَى الأَرْض نجوما ثَلَاثًا آيَات وَخمْس آيَات وَأَقل وَأكْثر فَقَالَ: {فَلَا أقسم بمواقع النُّجُوم}
وَأخرج الْفرْيَابِيّ بِسَنَد صَحِيح عَن الْمنْهَال بن عَمْرو رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَرَأَ عبد(8/25)
الله بن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ {فَلَا أقسم بمواقع النُّجُوم} قَالَ: بمحكم الْقُرْآن فَكَانَ ينزل على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نجوماً
وَأخرج ابْن نصر وَابْن الضريس عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {فَلَا أقسم بمواقع النُّجُوم} قَالَ: بمحكم الْقُرْآن
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {فَلَا أقسم بمواقع النُّجُوم} قَالَ: مُسْتَقر الْكتاب أَوله وَآخره
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن الرّبيع بن أنس رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {إِنَّه لقرآن كريم فِي كتاب مَكْنُون} قَالَ: الْقُرْآن الْكَرِيم وَالْكتاب الْمكنون هُوَ اللَّوْح الْمَحْفُوظ {لَا يمسهُ إِلَّا الْمُطهرُونَ} قَالَ: الْمَلَائِكَة عَلَيْهِم السَّلَام هم الْمُطهرُونَ من الذُّنُوب
وَأخرج آدم ابْن أبي إِيَاس وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْمعرفَة عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {إِنَّه لقرآن كريم فِي كتاب مَكْنُون} قَالَ: الْقُرْآن فِي كِتَابه والمكنون الَّذِي لَا يمسهُ شَيْء من تُرَاب وَلَا غُبَار {لَا يمسهُ إِلَّا الْمُطهرُونَ} قَالَ: الْمَلَائِكَة عَلَيْهِم السَّلَام
وَأخرج عبد حميد وَابْن جرير عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ {فِي كتاب مَكْنُون} قَالَ: التَّوْرَاة الْإِنْجِيل {لَا يمسهُ إِلَّا الْمُطهرُونَ} قَالَ: حَملَة التَّوْرَاة والإِنجيل
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة قَالَ: فِي قِرَاءَة ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ: مَا يمسهُ إِلَّا الْمُطهرُونَ
وَأخرج آدم وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْمعرفَة من طرق عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {لَا يمسهُ إِلَّا الْمُطهرُونَ} قَالَ: الْكتاب الْمنزل فِي السَّمَاء لَا يمسهُ إِلَّا الْمَلَائِكَة
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر عَن أنس رَضِي الله عَنهُ {لَا يمسهُ إِلَّا الْمُطهرُونَ} قَالَ: الْمَلَائِكَة عَلَيْهِم السَّلَام
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {لَا يمسهُ إِلَّا الْمُطهرُونَ} قَالَ: ذاكم عِنْد رب الْعَالمين {لَا يمسهُ إِلَّا الْمُطهرُونَ} من الْمَلَائِكَة فاما عنْدكُمْ فيمسه الْمُشرك وَالنَّجس وَالْمُنَافِق والرجس(8/26)
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه بِسَنَد رَوَاهُ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {إِنَّه لقرآن كريم فِي كتاب مَكْنُون} قَالَ: عِنْد الله فِي صحف مطهرة {لَا يمسهُ إِلَّا الْمُطهرُونَ} قَالَ: المقربون
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر عَن عَلْقَمَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أَتَيْنَا سلمَان الْفَارِسِي رَضِي الله عَنهُ فَخرج علينا من كن لَهُ فَقُلْنَا لَهُ: لَو تَوَضَّأت يَا أَبَا عبد الله ثمَّ قَرَأت علينا سُورَة كَذَا وَكَذَا قَالَ: إِنَّمَا قَالَ الله: {فِي كتاب مَكْنُون لَا يمسهُ إِلَّا الْمُطهرُونَ} وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاء لَا يمسهُ إِلَّا الْمَلَائِكَة عَلَيْهِم السَّلَام ثمَّ قَرَأَ علينا من الْقُرْآن مَا شِئْنَا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي دَاوُد فِي الْمَصَاحِف وَابْن الْمُنْذر عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {فِي كتاب مَكْنُون} قَالَ: فِي السَّمَاء {لَا يمسهُ إِلَّا الْمُطهرُونَ} قَالَ: الْمَلَائِكَة عَلَيْهِم السَّلَام
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر عَن أبي الْعَالِيَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {لَا يمسهُ إِلَّا الْمُطهرُونَ} قَالَ: الْمَلَائِكَة عَلَيْهِم السَّلَام لَيْسَ أَنْتُم يَا أَصْحَاب الذُّنُوب
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن النعيمي رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ مَالك رَضِي الله عَنهُ: أحسن مَا سَمِعت فِي هَذِه الْآيَة {لَا يمسهُ إِلَّا الْمُطهرُونَ} أَنَّهَا بِمَنْزِلَة الْآيَة الَّتِي فِي عبس (فِي صحف كرمة) (سُورَة عبس الْآيَة 13) إِلَى قَوْله: (كرام بررة) (سُورَة عبس الْآيَة 16) وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا أَنه كَانَ لَا يمس الْمُصحف إِلَّا متوضئاً
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي دَاوُد وَابْن الْمُنْذر عَن عبد الله بن أبي بكر عَن أَبِيه قَالَ: فِي كتاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعَمْرو بن حزم: لَا تمس الْقُرْآن إِلَّا على طهُور
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة فِي المُصَنّف وَابْن الْمُنْذر وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن عبد الرَّحْمَن بن زيد قَالَ: كُنَّا مَعَ سلمَان فَانْطَلق إِلَى حَاجَة فتوارى عَنَّا فَخرج إِلَيْنَا فَقُلْنَا: لَو تَوَضَّأت فسألناك عَن أَشْيَاء من الْقُرْآن فَقَالَ: سلوني فَإِنِّي لست أمسّه إِنَّمَا يمسهُ الْمُطهرُونَ ثمَّ تَلا {لَا يمسهُ إِلَّا الْمُطهرُونَ}(8/27)
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا يمس الْقُرْآن إِلَّا طَاهِر
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن معَاذ بن جبل رَضِي الله عَنهُ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما بَعثه إِلَى الْيمن كتب لَهُ فِي عَهده أَن لَا يمس الْقُرْآن إِلَّا طَاهِر
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن حزم الْأنْصَارِيّ عَن أَبِيه عَن جده أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كتب إِلَيْهِ: لَا يمس الْقُرْآن إِلَّا طَاهِر
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {أفبهذا الحَدِيث أَنْتُم مدهنون} قَالَ: مكذبون
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {أفبهذا الحَدِيث أَنْتُم مدهنون} قَالَ: تُرِيدُونَ أَن تمالئوا فِيهِ وتركنوا إِلَيْهِم
قَوْله: تَعَالَى {وتجعلون رزقكم أَنكُمْ تكذبون}
أخرج مُسلم وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: مطر النَّاس على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أصبح من النَّاس شَاكر وَمِنْهُم كَافِر قَالُوا: هَذِه رَحْمَة وَضعهَا الله وَقَالَ بَعضهم لقد صدق نوء كَذَا فَنزلت هَذِه الْآيَة {فَلَا أقسم بمواقع النُّجُوم} حَتَّى بلغ {وتجعلون رزقكم أَنكُمْ تكذبون}
وَأخرج أَبُو عبيد فِي فضائله وَسَعِيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عنهماأنه كَانَ يقْرَأ وتجعلون رزقكم أَنكُمْ تكذبون قَالَ: يَعْنِي الأنواء وَمَا مطر قوم إِلَّا أصبح بَعضهم كَافِرًا وَكَانُوا يَقُولُونَ: مُطِرْنَا بِنَوْء كَذَا وَكَذَا فَأنْزل الله تَعَالَى {وتجعلون رزقكم أَنكُمْ تكذبون}
وَأخرج مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {وتجعلون رزقكم أَنكُمْ تكذبون} قَالَ: بلغنَا أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَافر فِي حر شَدِيد فَنزل النَّاس على غير مَاء فعطشوا فاستسقوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لَهُم: فلعلّي لَو فعلت فسقيتم قُلْتُمْ هَذَا بِنَوْء كَذَا وَكَذَا قَالُوا: يَا نبيّ الله مَا هَذَا بِحِين أنواء فَدَعَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَاء فَتَوَضَّأ ثمَّ قَامَ فصلى فَدَعَا الله تَعَالَى فهاجت ريح وثاب سَحَاب فَمُطِرُوا(8/28)
حَتَّى سَالَ كل وَاد فزعموا أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مر بِرَجُل يغْرف بقدحه وَيَقُول: هَذَا نوء فلَان فَنزل {وتجعلون رزقكم أَنكُمْ تكذبون}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي حزرة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: نزلت الْآيَة فِي رجل من الْأَنْصَار فِي غَزْوَة تَبُوك ونزلوا بِالْحجرِ فَأَمرهمْ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن لَا يحملوا من مَائِهَا شَيْئا ثمَّ ارتحل ثمَّ نزل منزلا آخر وَلَيْسَ مَعَهم مَاء فشكوا ذَلِك إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَامَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ ثمَّ دَعَا فَأرْسل سَحَابَة فأمطرت عَلَيْهِم حَتَّى استقوا مِنْهَا فَقَالَ رجل من الْأَنْصَار لآخر من قومه يتهم بالنفاق: وَيحك قد ترى مَا دَعَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأمْطر الله علينا السَّمَاء فَقَالَ: إِنَّمَا مُطِرْنَا بِنَوْء كَذَا وَكَذَا فَأنْزل الله {وتجعلون رزقكم أَنكُمْ تكذبون}
وَأخرج أَحْمد وَابْن منيع وَعبد بن حميد وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم والخرائطي فِي مساوئ الْأَخْلَاق وَابْن مرْدَوَيْه والضياء فِي المختارة عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله: {وتجعلون رزقكم أَنكُمْ تكذبون} قَالَ: شكركم تَقولُونَ مُطِرْنَا بِنَوْء كَذَا وَكَذَا وبنجم كَذَا وَكَذَا
وَأخرج ابْن جرير عَن أبي أُمَامَة رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: مَا مطر قوم من لَيْلَة إِلَّا أصبح قوم بهَا كَافِرين ثمَّ قَالَ: {وتجعلون رزقكم أَنكُمْ تكذبون} يَقُول قَائِل: مُطِرْنَا بِنَجْم كَذَا وَكَذَا
وَأخرج ابْن عَسَاكِر فِي تَارِيخه عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: مطر النَّاس على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أصبح من النَّاس شَاكر وَمِنْهُم كَافِر قَالُوا هَذِه رَحْمَة وَضعهَا الله وَقَالَ بَعضهم: لقد صدق نوء كَذَا فَنزلت هَذِه الْآيَة {فَلَا أقسم بمواقع النُّجُوم} حَتَّى بلغ {وتجعلون رزقكم أَنكُمْ تكذبون}
وَأخرج أَبُو عبيد فِي فضائله وَسَعِيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَنه كَانَ يقْرَأ {وتجعلون رزقكم أَنكُمْ تكذبون} قَالَ: يَعْنِي الأنواء وَمَا مطر قوم إِلَّا أصبح بَعضهم كَافِرًا وَكَانُوا يَقُولُونَ: مُطِرْنَا بِنَوْء كَذَا وَكَذَا فَأنْزل الله {وتجعلون رزقكم أَنكُمْ تكذبون}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه قَالَ: مَا فسر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الْقُرْآن إِلَّا آيَات يسيرَة قَوْله: {وتجعلون رزقكم} قَالَ: شكركم(8/29)
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَرَأَ وتجعلون شكركم
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَرَأَ عَليّ رَضِي الله عَنهُ الْوَاقِعَات فِي الْفجْر فَقَالَ: وتجعلون شكركم أَنكُمْ تكذبون فَلَمَّا انْصَرف قَالَ: إِنِّي قد عرفت أَنه سَيَقُولُ قَائِل: لم قَرَأَهَا هَكَذَا أَنِّي سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقْرؤهَا كَذَلِك كَانُوا إِذا مُطِرُوا قَالُوا: مُطِرْنَا بِنَوْء كَذَا وَكَذَا فَأنْزل الله وتجعلون شكركم أَنكُمْ إِذا مطرتم تكذبون
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن أبي عبد الرَّحْمَن رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ عَليّ رَضِي الله عَنهُ يقْرَأ وتجعلون شكركم أَنكُمْ تكذبون
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {وتجعلون رزقكم أَنكُمْ تكذبون} فَقَالَ: أما الْحسن فَقَالَ: بئس مَا أَخذ الْقَوْم لأَنْفُسِهِمْ لم يرزقوا من كتاب الله إِلَّا التَّكْذِيب قَالَ: وَذكر لنا أَن النَّاس أمحلوا على عهد نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالُوا يَا نَبِي الله: لَو استقيت لنا فَقَالَ: عَسى قوم إِن سقوا أَن يَقُولُوا سقينا بِنَوْء كَذَا وَكَذَا فَاسْتَسْقَى نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَمُطِرُوا فَقَالَ رجل: إِنَّه قد كَانَ بَقِي من الأنواء كَذَا وَكَذَا فَأنْزل الله {وتجعلون رزقكم أَنكُمْ تكذبون}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {وتجعلون رزقكم أَنكُمْ تكذبون} قَالَ: قَوْلهم: فِي الأنواء مُطِرْنَا بِنَوْء كَذَا وَكَذَا فَيَقُول: قُولُوا: هُوَ من عِنْد الله تَعَالَى وَهُوَ رزقه
وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {وتجعلون رزقكم أَنكُمْ تكذبون} قَالَ: الاسْتِسْقَاء بالأنواء وَأخرج عبد بن حميد عَن عَوْف عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وتجعلون رزقكم أَنكُمْ تكذبون} قَالَ: تَجْعَلُونَ حظكم مِنْهُ أَنكُمْ تكذبون قَالَ عَوْف رَضِي الله عَنهُ: وَبَلغنِي أَن مُشْركي الْعَرَب كَانُوا إِذا مُطِرُوا فِي الْجَاهِلِيَّة قَالُوا مُطِرْنَا بِنَوْء كَذَا وَكَذَا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم والدارمي وَالنَّسَائِيّ وَأَبُو يعلى وَابْن حبَان عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَو(8/30)
أمسك الله الْمَطَر عَن النَّاس ثمَّ أرْسلهُ لأصبحت طَائِفَة كَافِرين قَالُوا: هَذَا بِنَوْء الذّبْح يَعْنِي الدبران
وَأخرج مَالك وَعبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن زيد بن خَالِد الْجُهَنِيّ قَالَ: صلى بِنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَلَاة الصُّبْح زمن الْحُدَيْبِيَة فِي أثر سَمَاء فَلَمَّا أقبل علينا فَقَالَ: ألم تسمعوا مَا قَالَ ربكُم فِي هَذِه الْآيَة: مَا أَنْعَمت على عبَادي نعْمَة إِلَّا أصبح فريق مِنْهُم بهَا كَافِرين
فَأَما من آمن بِي وحمدني على سقياي فَذَلِك الَّذِي آمن بِي وَكفر بالكوكب وَأما من قَالَ: مُطِرْنَا بِنَوْء كَذَا وَكَذَا فَذَلِك الَّذِي آمن بالكوكب وَكفر بِي
وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ يَوْمًا لأَصْحَابه: هَل تَدْرُونَ مَاذَا قَالَ ربكُم قَالُوا: الله وَرَسُوله أعلم قَالَ: إِنَّه يَقُول: إِن الَّذين يَقُولُونَ نسقى بِنَجْم كَذَا وَكَذَا فقد كفر بِاللَّه وآمن بذلك النَّجْم وَالَّذين يَقُولُونَ سقانا الله فقد آمن بِاللَّه وَكفر بذلك النَّجْم
وَأخرج عبد بن حميد عَن عبد الله بن محيريز أَن سُلَيْمَان بن عبد الْملك دَعَاهُ فَقَالَ: لَو تعلمت علم النُّجُوم فازددت إِلَى علمك فَقَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن أخوف مَا أَخَاف على أمتِي ثَلَاث حيف الْأَئِمَّة وَتَكْذيب بِالْقدرِ وإيمان بالنجوم
وَأخرج عبد بن حميد عَن رَجَاء بن حَيْوَة رَضِي الله عَنهُ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: مِمَّا أَخَاف على أمتِي التَّصْدِيق بالنجوم والتكذيب بِالْقدرِ وظلم الْأَئِمَّة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن [] جَابر السوَائِي رضى الله عَنهُ قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: أَخَاف على أمتِي ثَلَاثًا استسقاء بالأنواء وحيف السُّلْطَان وتكذيباً بِالْقدرِ
وَأخرج أَحْمد عَن مُعَاوِيَة اللَّيْثِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يكون النَّاس مجدبين فَينزل الله عَلَيْهِم رزقا من رزقه فيصبحون مُشْرِكين قيل لَهُ: كَيفَ ذَاك يَا رَسُول الله قَالَ: يَقُولُونَ: مُطِرْنَا بِنَوْء كَذَا وَكَذَا
وَأخرج ابْن جرير عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن الله(8/31)
ليُصبح الْقَوْم بِالنعْمَةِ أَو يمسيهم بهَا فَيُصْبِح بهَا قوم كَافِرين يَقُولُونَ مُطِرْنَا بِنَوْء كَذَا وَكَذَا وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: وتجعلون شكركم يَقُول: على مَا أنزلت عَلَيْكُم من الْغَيْث وَالرَّحْمَة يَقُولُونَ: مُطِرْنَا بِنَوْء كَذَا وَكَذَا وَكَانَ ذَلِك مِنْهُم كفرا بِمَا أنعم الله عَلَيْهِم
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: مَا مطر قوم إِلَّا أصبح بَعضهم كَافِرًا يَقُولُونَ: مُطِرْنَا بِنَوْء كَذَا وَكَذَا وَقَرَأَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا وتجعلون شكركم أَنكُمْ تكذبون
وَأخرج ابْن جرير عَن عَطاء الْخُرَاسَانِي رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وتجعلون رزقكم أَنكُمْ تكذبون} قَالَ: كَانَ نَاس يمطرون فَيَقُولُونَ مُطِرْنَا بِنَوْء كَذَا وَكَذَا
قَوْله تَعَالَى: {فلولا إِذا بلغت الْحُلْقُوم} الْآيَات
وَأخرج ابْن ماجة عَن أبي مُوسَى رَضِي الله عَنهُ قَالَ: سَأَلت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَتى تَنْقَطِع معرفَة العَبْد من النَّاس قَالَ: إِذا عاين
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب المحتضرين عَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: احضروا مَوْتَاكُم وذكروهم فَإِنَّهُم يرَوْنَ مَا لَا ترَوْنَ
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة وَأَبُو بكر الْمروزِي فِي كتاب الْجَنَائِز عَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: احضروا مَوْتَاكُم ولقنوهم لَا إِلَه إِلَّا الله فَإِنَّهُم يرَوْنَ وَيُقَال لَهُم
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور الْمروزِي عَن عمر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لقنوا مَوْتَاكُم لاإله إِلَّا الله واعقلوا مَا تَسْمَعُونَ من المطيعين مِنْكُم فَإِنَّهُ يجلي لَهُم أُمُور صَادِقَة
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي ذكر الْمَوْت وَأَبُو يعلى من طَرِيق أبي يزِيد الرقاشِي عَن تَمِيم الدَّارِيّ رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: يَقُول الله لملك الْمَوْت: انْطلق إِلَى وليي فائتني بِهِ فَإِنِّي قد جربته بالسراء وَالضَّرَّاء فَوَجَدته حَيْثُ أحب فائتني بِهِ لأريحه من هموم الدُّنْيَا وغمومها
فَينْطَلق إِلَيْهِ ملك الْمَوْت وَمَعَهُ خَمْسمِائَة من الْمَلَائِكَة مَعَهم أكفان وحنوط من حنوط الْجنَّة وَمَعَهُمْ ضبائر الريحان أصل الريحانة وَاحِد وَفِي رَأسهَا عشرُون لوناً لكل لون مِنْهَا ريح سوى ريح صَاحبه وَمَعَهُمْ الْحَرِير الْأَبْيَض فِيهِ الْمسك الأذفر فيجلس ملك الْمَوْت عِنْد رَأسه وتحتوشه الْمَلَائِكَة(8/32)
وَيَضَع كل ملك مِنْهُم يَده على عُضْو من أَعْضَائِهِ ويبسط ذَلِك الْحَرِير الْأَبْيَض والمسك الأذفر تَحت ذقنه وَيفتح لَهُ بَاب إِلَى الْجنَّة فَإِن نَفسه لتعلل عِنْده ذَلِك بِطرف الْجنَّة مرّة بأزواجها وَمرَّة بكسوتها وَمرَّة بثمارها كَمَا يُعلل الصبيّ أَهله إِذا بَكَى وَإِن أَزوَاجه ليبتهشن عِنْد ذَلِك ابتهاشاً وتنزو الرّوح نَزْوًا وَيَقُول ملك الْمَوْت: أَخْرِجِي أيتها الرّوح الطّيبَة إِلَى سدر مخضود وطلح مَمْدُود وَمَاء مسكوب وَملك الْمَوْت أَشد تلطفاً بِهِ من الوالدة بِوَلَدِهَا يعرف أَن ذَلِك الرّوح حبيب إِلَى ربه كريم على الله فَهُوَ يلْتَمس بِلُطْفِهِ تِلْكَ الرّوح رضَا الله عَنهُ فسلّ روحه كَمَا تسل الشعرة من الْعَجِين وَإِن روحه لتخرج وَالْمَلَائِكَة حوله يَقُولُونَ: (سَلام عَلَيْكُم ادخُلُوا الْجنَّة بِمَا كُنْتُم تَعْمَلُونَ) (سُورَة النَّحْل الْآيَة 32) وَذَلِكَ قَوْله: (الَّذين تتوفاهم الْمَلَائِكَة طيبين يَقُولُونَ سَلام عَلَيْكُم) (سُورَة النَّحْل الْآيَة 32) قَالَ: فَأَما إِن كَانَ من المقربين فَروح وَرَيْحَان وجنة نعيم قَالَ: روح من جهد الْمَوْت وروح يُؤْتى بِهِ عِنْد خُرُوج نَفسه وجنة نعيم أَمَامه
فَإِذا قبض ملك الْمَوْت روحه يَقُول الرّوح للجسد: لقد كنت بِي سَرِيعا إِلَى طَاعَة الله بطيئاً عَن مَعْصِيَته فهنيئاً لَك الْيَوْم فقد نجوت وأنجيت وَيَقُول الْجَسَد للروح مثل ذَلِك وتبكي عَلَيْهِ بقاع الأَرْض الَّتِي كَانَ يُطِيع الله عَلَيْهَا كل بَاب من السَّمَاء كَانَ يصعد مِنْهُ عمله وَينزل مِنْهُ رزقه أَرْبَعِينَ لَيْلَة
فَإِذا اقبضت الْمَلَائِكَة روحه أَقَامَت الْخَمْسمِائَةِ ملك عِنْد جسده لَا يقلبه بَنو آدم لشق إِلَّا قلبته الْمَلَائِكَة عَلَيْهِم السَّلَام قبلهم وعلته بأكفان قبل أكفانهم وحنوط قبل حنوطهم وَيقوم من بَاب بَيته إِلَى بَاب قَبره صفان من الْمَلَائِكَة يَسْتَقْبِلُونَهُ بالاستغفار
ويصيح إِبْلِيس عِنْد ذَلِك صَيْحَة يتصرع مِنْهَا بعض أعظام جسده وَيَقُول لجنوده: الوليل لكم كَيفَ خلص هَذَا العَبْد مِنْكُم فَيَقُولُونَ: إِن هَذَا كَانَ مَعْصُوما
فَإِذا صعد ملك الْمَوْت بِرُوحِهِ إِلَى السَّمَاء يستقبله جِبْرِيل فِي سبعين ألفا من الْمَلَائِكَة كلهم يَأْتِيهِ من ربه فَإِذا انْتهى ملك الْمَوْت إِلَى الْعَرْش خرت الورح سَاجِدَة لِرَبِّهَا فَيَقُول الله لملك الْمَوْت: انْطلق بِروح عَبدِي فضعه (فِي سدر مخضود وطلح منضود وظل مَمْدُود وَمَاء مسكوب) (سُورَة الْوَاقِعَة الْآيَة 28)
فَإِذا وضع فِي قَبره جَاءَت الصَّلَاة فَكَانَت عَن يَمِينه وَجَاء الصّيام فَكَانَ عَن يسَاره وَجَاء الْقُرْآن وَالذكر فَكَانَا عِنْد رَأسه وَجَاء مَشْيه إِلَى الصَّلَاة فَكَانَ عِنْد رجلَيْهِ(8/33)
وَجَاء الصَّبْر فَكَانَ نَاحيَة الْقَبْر
وَيبْعَث الله عنقًا من الْعَذَاب فيأتيه عَن يَمِينه فَتَقول الصَّلَاة: وَرَاءَك وَالله مَا زَالَ دائباً عمره كُله وَإِنَّمَا استراح الْآن حِين وضع فِي قَبره
فيأتيه عَن يسَاره فَيَقُول الصّيام مثل ذَلِك
فيأتيه من قبل رَأسه فَيَقُول لَهُ مثل ذَلِك
فَلَا يَأْتِيهِ الْعَذَاب من نَاحيَة فيلتمس هَل يجد لَهَا مساغاً إِلَّا وجد ولي الله قد أحرزته الطَّاعَة فَيخرج عَنهُ الْعَذَاب عِنْدَمَا يرى
وَيَقُول الصَّبْر لسَائِر الْأَعْمَال: أما إِنَّه لم يَمْنعنِي أَن أباشره بنفسي إِلَّا أَنِّي نظرت مَا عنْدكُمْ فَلَو عجزتم كنت أَنا صَاحبه فَأَما إِذا أجزأتم عَنهُ فَأَنا ذخر لَهُ عِنْد الصِّرَاط وَذخر لَهُ عِنْد الْمِيزَان
وَيبْعَث الله ملكَيْنِ أبصارهما كالبرق الخاطف وأصواتهما كالرعد القاصف وأنيابهما كالصياصي وأنفاسهما كاللهب يطآن فِي أشعارهما بَين مَنْكِبي كل وَاحِد مِنْهُمَا مسيرَة كَذَا وَكَذَا قد نزعت مِنْهُمَا الرأفة وَالرَّحْمَة إِلَّا بِالْمُؤْمِنِينَ يُقَال لَهما: مُنكر وَنَكِير وَفِي يَد كل وَاحِد مِنْهُمَا مطرقة لَو اجْتمع عَلَيْهَا الثَّقَلَان لم يقلوها
فَيَقُولَانِ لَهُ: اجْلِسْ
فيستوي جَالِسا فِي قَبره فَتسقط أَكْفَانه فِي حقْوَيْهِ
فَيَقُولَانِ لَهُ: من رَبك وَمَا دينك وَمن نبيك فَيَقُول: رَبِّي الله وَحده لَا شريك لَهُ والإِسلام ديني وَمُحَمّد نَبِي وَهُوَ خَاتم النَّبِيين
فَيَقُولَانِ لَهُ: صدقت
فيدفعان الْقَبْر فيوسعانه من بَين يَدَيْهِ وَمن خَلفه وَعَن يَمِينه وَعَن يسَاره وَمن قبل رَأسه وَمن قبل رجلَيْهِ ثمَّ يَقُولَانِ لَهُ: أنظر فَوْقك
فَينْظر فَإِذا هُوَ مَفْتُوح إِلَى الْجنَّة فَيَقُولَانِ لَهُ: هَذَا مَنْزِلك يَا وليّ الله لم أَطَعْت الله
فوالذي نفس مُحَمَّد بِيَدِهِ إِنَّه لتصل إِلَى قلبه فرحة لَا ترتد أبدا فَيُقَال لَهُ: أنظر تَحْتك فَينْظر تَحْتَهُ فَإِذا هُوَ مَفْتُوح إِلَى النَّار فَيَقُولَانِ: يَا ولي الله نجوت من هَذَا
فوالذي نَفسِي بِيَدِهِ إِنَّه لتصل إِلَى قلبه عِنْد ذَلِك فرحة لَا ترتد أبدا وَيفتح لَهُ سَبْعَة وَسَبْعُونَ بَابا إِلَى الْجنَّة يَأْتِيهِ رِيحهَا وبردها حَتَّى يَبْعَثهُ الله تَعَالَى من قَبره إِلَى الْجنَّة
وَأما الْكَافِر فَيَقُول الله لملك الْمَوْت وَيفتح الله لملك الْمَوْت: انْطلق إِلَى عَبدِي فائتني بِهِ فَإِنِّي قد بسطت لَهُ رِزْقِي وسربلته نعمتي فَأبى إِلَّا معصيتي فأئتني بِهِ لأنتقم مِنْهُ الْيَوْم
فَينْطَلق إِلَيْهِ ملك الْمَوْت فِي أكره صُورَة رَآهَا أحد من النَّاس قطّ لَهُ اثْنَتَا عشرَة عينا وَمَعَهُ سفود من النَّار كثير الشوك وَمَعَهُ خَمْسمِائَة من الْمَلَائِكَة مَعَهم نُحَاس وجمر من جمر جَهَنَّم وَمَعَهُمْ سياط من النَّار تأجج
فيضربه ملك الْمَوْت بذلك السفود ضَرْبَة يغيب أصل كل شَوْكَة من ذَلِك السفود فِي أصل كل شَعْرَة وعرق من عروقه ثمَّ يلويه ليّاً شَدِيدا فينزع روحه من أظفار قَدَمَيْهِ فيلقيها فِي عَقِبَيْهِ فيسكر عدوّ(8/34)
الله عِنْد ذَلِك سكرة وتضرب الْمَلَائِكَة وَجهه وَدبره بِتِلْكَ السِّيَاط ثمَّ كَذَلِك إِلَى حقْوَيْهِ ثمَّ كَذَلِك إِلَى صَدره ثمَّ كَذَلِك إِلَى حلقه ثمَّ تبسط الْمَلَائِكَة ذَلِك النّحاس وجمر جَهَنَّم تَحت ذقنه ثمَّ يَقُول ملك الْمَوْت: أَخْرِجِي أيتها النَّفس اللعينة الملعونة (إِلَى سموم وحميم وظل من يحموم لَا بَارِد وَلَا كريم) (سُورَة الْوَاقِعَة الْآيَة 43)
فَإِذا قبض ملك الْمَوْت روحه قَالَت الرّوح للجسد: جَزَاك الله عني شرّاً فقد كنت بِي سَرِيعا إِلَى مَعْصِيّة الله بطيئاً بِي عَن طَاعَة الله فقد هَلَكت وأهلكت وَيَقُول الْجَسَد للروح مثل ذَلِك
وتلعنه بقاع الأَرْض الَّتِي كَانَ يَعْصِي الله تَعَالَى عَلَيْهَا وتنطلق جنود إِبْلِيس إِلَيْهِ يُبَشِّرُونَهُ بِأَنَّهُم قد أوردوا عبدا من بني آدم النَّار
فَإِذا وضع فِي قَبره ضيق عَلَيْهِ قَبره حَتَّى تخْتَلف أضلاعه فَتدخل الْيُمْنَى فِي الْيُسْرَى واليسرى فِي الْيُمْنَى وَيبْعَث الله إِلَيْهِ حيات دهماء تَأْخُذ بأرنبته وإبهام قَدَمَيْهِ فتغوصه حَتَّى تلتقي فِي وَسطه
وَيبْعَث الله إِلَيْهِ الْملكَيْنِ فَيَقُولَانِ لَهُ: من رَبك وَمَا دينك فَيَقُول: لَا أَدْرِي فَيُقَال لَهُ: لَا دَريت وَلَا تليت
فيضربانه ضَرْبَة يتطاير الشرار فِي قَبره ثمَّ يعود فَيَقُولَانِ لَهُ: انْظُر فَوْقك
فَينْظر فَإِذا بَاب مَفْتُوح إِلَى الْجنَّة فَيَقُولَانِ لَهُ: عَدو الله لَو كنت أَطَعْت الله تَعَالَى هَذَا مَنْزِلك
فوالذي نَفسِي بِيَدِهِ إِنَّه ليصل إِلَى قلبه حسرة لَا ترتد أبدا وَيفتح لَهُ بَاب إِلَى النَّار فَيُقَال: عدوّ الله هَذَا مَنْزِلك لما عصيت الله
وَيفتح لَهُ سَبْعَة وَسَبْعُونَ بَابا إِلَى النَّار يَأْتِيهِ حرهَا وسمومها حَتَّى يَبْعَثهُ من قَبره يَوْم الْقِيَامَة إِلَى النَّار
الْآيَة 86 - 96(8/35)
فَلَوْلَا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ (86) تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (87) فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ (88) فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ (89) وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (90) فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (91) وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ (92) فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ (93) وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ (94) إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ (95) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (96)
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {غير مدينين} قَالَ: غير محاسبين(8/35)
وَأخرج عبد حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ {فلولا إِن كُنْتُم غير مدينين} قَالَ: غير محاسبين {ترجعونها} قَالَ: النَّفس
وَأخرج عبد بن حميد عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ وَالْحسن وَقَتَادَة مثله
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {غير مدينين} قَالَ: غير موقنين
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ {فلولا إِن كُنْتُم غير مدينين} قَالَ: غير مبعوثين يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد فِي الزّهْد وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن الرّبيع بن خَيْثَم فِي قَوْله: {فَأَما إِن كَانَ من المقربين فَروح وَرَيْحَان} قَالَ: هَذَا لَهُ عِنْد الْمَوْت {وجنة نعيم} قَالَ: تخبأ لَهُ الْجنَّة إِلَى يَوْم يبْعَث {وَأما إِن كَانَ من المكذبين الضَّالّين فَنزل من حميم} قَالَ: هَذَا عِنْد الْمَوْت {وتصلية جحيم} قَالَ: تخبأ لَهُ الْجَحِيم إِلَى يَوْم يبْعَث
وَأخرج أَبُو عبيد فِي فضائله وَأحمد وَعبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ فِي تَارِيخه وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه وَالنَّسَائِيّ والحكيم الترميذي فِي نَوَادِر الْأُصُول وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية وَابْن مرْدَوَيْه عَن عَائِشَة أَنَّهَا سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقْرَأ {فَروح وَرَيْحَان} بِرَفْع الرَّاء
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عمر قَالَ: قَرَأت على رسو ل الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سُورَة الْوَاقِعَة فَلَمَّا بلغت {فَروح وَرَيْحَان} قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: {فَروح وَرَيْحَان}
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَوْف عَن الْحسن أَنه كَانَ يقرأُها {فَروح وَرَيْحَان} بِرَفْع الرَّاء
وَأخرج أَبُو عبيد وَسَعِيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة أَنه كَانَ يقْرَأ {فَروح} قَالَ: رَحْمَة قَالَ: وَكَانَ الْحسن يقْرَأ {فَروح} يَقُول: رَاحَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {فَروح} قَالَ: رَاحَة {وَرَيْحَان} قَالَ: استراحة
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: يَعْنِي بالريحان المستريح من الدُّنْيَا {وجنة نعيم} يَقُول: مغْفرَة وَرَحْمَة(8/36)
وَأخرج مَالك وَأحمد وَعبد بن حميد فِي مُسْنده وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالنَّسَائِيّ عَن أبي قَتَادَة قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا مرت جَنَازَة فَقَالَ: مستريح ومستراح مِنْهُ فَقُلْنَا يَا رَسُول الله: مَا المستريح وَمَا المستراح مِنْهُ قَالَ: العَبْد الْمُؤمن يستريح من نصب الدُّنْيَا وأذاها إِلَى رَحْمَة الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَالْعَبْد الْفَاجِر يستريح مِنْهُ الْعباد والبلاد وَالشَّجر وَالدَّوَاب
وَأخرج الْقَاسِم بن مندة فِي كتاب الْأَحْوَال والإِيمان بالسؤال عَن سلمَان قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن أول مَا يبشر بِهِ الْمُؤمن عِنْد والوفاة بِروح وَرَيْحَان وجنة نعيم وَإِن أول مَا يبشر بِهِ الْمُؤمن فِي قَبره أَن يُقَال: أبشر بِرِضا الله تَعَالَى وَالْجنَّة قدمت خير مقدم قد غفر الله لمن شيعك إِلَى قبرك وَصدق من شهد لَك واستجاب لمن اسْتغْفر لَك
وَأخرج هناد بن السّري وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {فَروح وَرَيْحَان} قَالَ: الرّوح الْفَرح وَالريحَان الرزق
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ فِي قَوْله: {فَروح وَرَيْحَان} قَالَ: فرج من الْغم الَّذِي كَانُوا فِيهِ واستراحة من الْعَمَل لَا يصلونَ وَلَا يَصُومُونَ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير الضَّحَّاك قَالَ: الرّوح الاسْتِرَاحَة وَالريحَان الرزق
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَأَبُو الْقَاسِم بن مَنْدَه فِي كتاب السُّؤَال عَن الْحسن فِي قَوْله: {فَروح وَرَيْحَان} قَالَ: ذَاك فِي الْآخِرَة فاستفهمه بعض الْقَوْم فَقَالَ: أما وَالله إِنَّهُم ليسرون بذلك عِنْد الْمَوْت
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {فَروح وَرَيْحَان} قَالَ: الريحان الرزق
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن قَالَ: الرّوح الرَّحْمَة وَالريحَان هُوَ هَذَا الريحان
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {فَروح وَرَيْحَان} قَالَ: الرّوح الرَّحْمَة وَالريحَان يتلَقَّى بِهِ عِنْد الْمَوْت
وَأخرج الْمروزِي فِي الْجَنَائِز وَابْن جرير عَن الْحسن قَالَ: تخرج روح الْمُؤمن من جسده فِي رَيْحَانَة ثمَّ قَرَأَ {فَأَما إِن كَانَ من المقربين فَروح وَرَيْحَان}
3 - 8(8/37)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي ذكر الْمَوْت وَعبد الله بن أَحْمد فِي زَوَائِد الزّهْد عَن أبي عمرَان الْجونِي فِي قَوْله: {فَأَما إِن كَانَ من المقربين فَروح وَرَيْحَان} قَالَ: بَلغنِي أَن الْمُؤمن إِذا نزل بِهِ الْمَوْت تلقى بضبائر الريحان من الْجنَّة فَيجْعَل روحه فِيهَا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي الْعَالِيَة قَالَ: لم يكن أحد من المقربين يُفَارق الدُّنْيَا حَتَّى يُؤْتى بِغُصْن من ريحَان الْجنَّة فيشمه ثمَّ يقبض
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي ذكر الْمَوْت عَن بكر بن عبد الله قَالَ: إِذا أَمر ملك الْمَوْت بِقَبض روح الْمُؤمن أَتَى بريحان من الْجنَّة فَقيل لَهُ: اقبض روحه فِيهِ وَإِذا أَمر بِقَبض روح الْكَافِر أَتَى ببجاد من النَّار فَقيل لَهُ: أقبضهُ فِيهِ
وَأخرج الْبَزَّار وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن الْمُؤمن إِذا حضر أَتَتْهُ الْمَلَائِكَة بحريرة فِيهَا مسك وضبائر ريحَان فتسل روحه كَمَا تسل الشعرة من الْعَجِين وَيُقَال: أيتها النَّفس الطّيبَة أَخْرِجِي راضية مرضيّاً عَنْك إِلَى روح الله وكرامته فَإِذا خرجت روحه وضعت على ذَلِك الْمسك والريحان وطويت عَلَيْهَا الحريرة وَذهب بِهِ إِلَى عليين وَإِن الْكَافِر إِذا حضر أَتَتْهُ الْمَلَائِكَة بمسح فِيهِ جمر فتنزع روحه انتزاعاً شَدِيدا وَيُقَال: أيتا النَّفس الخبيثة أَخْرِجِي ساخطة مسخوطاً عَلَيْك إِلَى هوان الله عَذَابه فَإِذا خرجت روحه وضعت على تِلْكَ الْجَمْرَة فَإِن لَهَا نشيشاً ويطوى عَلَيْهَا الْمسْح وَيذْهب بِهِ إِلَى سِجِّين
وَأخرج أبن أبي الدُّنْيَا فِي ذكر الْمَوْت عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ قَالَ: بلغنَا أَن الْمُؤمن يسْتَقْبل عِنْد مَوته بِطيب من طيب الْجنَّة وَرَيْحَان من ريحَان الْجنَّة فتقبض روحه فتجعل فِي حَرِير الْجنَّة ثمَّ ينضح بذلك الطّيب ويلف فِي الريحان ثمَّ ترتقي بِهِ مَلَائِكَة الرَّحْمَة حَتَّى يَجْعَل فِي عليين
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {فسلام لَك من أَصْحَاب الْيَمين} قَالَ: تَأتيه الْمَلَائِكَة بِالسَّلَامِ من قبل الله تسلم عَلَيْهِ وَتُخْبِرهُ أَنه من أَصْحَاب الْيَمين
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {فسلام لَك من أَصْحَاب الْيَمين} قَالَ: سَلام من عَذَاب الله وسلمت عَلَيْهِ مَلَائِكَة الله(8/38)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وَأما إِن كَانَ من المكذبين الضَّالّين فَنزل من حميم} قَالَ: لَا يخرج الْكَافِر من دَار الدُّنْيَا حَتَّى يشرب كأساً من حميم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك فِي الْآيَة قَالَ: من مَاتَ وَهُوَ يشرب الْخمر شج فِي وَجهه من جمر جَهَنَّم
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى عَن بعض أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: {فَأَما إِن كَانَ من المقربين فَروح وَرَيْحَان} قَالَ: هَذَا فِي الدُّنْيَا {وَأما إِن كَانَ من المكذبين الضَّالّين فَنزل من حميم وتصلية جحيم} قَالَ: هَذَا فِي الدُّنْيَا
وَأخرج أَحْمد وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى قَالَ: حَدثنِي فلَان بن فلَان سمع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: من أحب لِقَاء الله أحب الله لقاءه وَمن كره الله لقاءه فأكب الْقَوْم يَبْكُونَ فَقَالُوا: إِنَّا نكره الْمَوْت قَالَ: لَيْسَ ذَاك وَلكنه إِذا حضر {فَأَما إِن كَانَ من المقربين فَروح وَرَيْحَان وجنة نعيم} فَإِذا بشر بذلك أحب لِقَاء الله وَالله للقائه أحب {وَأما إِن كَانَ من المكذبين الضَّالّين فَنزل من حميم} فَإِذا بشر بذلك كره لِقَاء الله وَالله للقائه أكره
وَأخرج آدم ابْن أبي اياس عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى قَالَ: تَلا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَذِه الْآيَات {فلولا إِذا بلغت الْحُلْقُوم} إِلَى قَوْله: {فَروح وَرَيْحَان وجنة نعيم} إِلَى قَوْله: {فَنزل من حميم وتصلية جحيم} ثمَّ قَالَ: إِذا كَانَ عِنْد الْمَوْت قيل لَهُ هَذَا فَإِن كَانَ من أَصْحَاب الْيَمين أحب لِقَاء الله وَأحب الله لقاءه وَإِن كَانَ من أَصْحَاب الشمَال كره لِقَاء الله وَكره الله لقاءه
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ عَن عبَادَة بن الصَّامِت قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من أحب لِقَاء الله أحب الله لقاءه وَمن كره لِقَاء الله كره الله لقاءه فَقَالَت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا: إِنَّا لنكره الْمَوْت فَقَالَ: لَيْسَ ذَاك وَلَكِن الْمُؤمن إِذا حضر الْمَوْت بشر برضوان الله وكرامته فَلَيْسَ شَيْء أحب إِلَيْهِ مِمَّا أَمَامه وَأحب لِقَاء الله وَأحب الله لقاءه وَإِن الْكَافِر إِذا حضر بشر بِعَذَاب الله وعقوبته فَلَيْسَ شَيْء أكره إِلَيْهِ مِمَّا أَمَامه وَكره لِقَاء الله وَكره الله لقاءه
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا من ميت يَمُوت إِلَّا وَهُوَ يعرف غاسله ويناشد حامله إِن كَانَ بِخَير {فَروح وَرَيْحَان وجنة نعيم}(8/39)
أَن يعجله وَإِن كَانَ بشر {فَنزل من حميم وتصلية جحيم} أَن يحْبسهُ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {إِن هَذَا لَهو حق الْيَقِين} قَالَ: مَا قَصَصنَا عَلَيْك فِي هَذِه السُّورَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {إِن هَذَا لَهو حق الْيَقِين} قَالَ: إِن الله عزَّ وجلَّ لَيْسَ تَارِكًا أحدا من خلقه حَتَّى يقفه على الْيَقِين من هَذَا الْقُرْآن فَأَما الْمُؤمن فأيقن فِي الدُّنْيَا فنفعه ذَلِك يَوْم الْقِيَامَة وَأما الْكَافِر فأيقن يَوْم الْقِيَامَة حِين لَا يَنْفَعهُ الْيَقِين
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {إِن هَذَا لَهو حق الْيَقِين} قَالَ: الْخَبَر الْيَقِين
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مَسْرُوق رَضِي الله عَنهُ قَالَ: من أَرَادَ أَن يعلم نبأ الْأَوَّلين والآخرين ونبأ الدُّنْيَا وَالْآخِرَة ونبأ الْجنَّة وَالنَّار فليقرأ {إِذا وَقعت الْوَاقِعَة}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {فسبح باسم رَبك الْعَظِيم} قَالَ: فصل لِرَبِّك
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَأحمد وَأَبُو دَاوُد وَابْن ماجة وَابْن حبَان وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن عقبَة بن عَامر الْجُهَنِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما نزلت على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {فسبح باسم رَبك الْعَظِيم} قَالَ: اجْعَلُوهَا فِي ركوعكم وَلما نزلت {سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى} قَالَ: اجْعَلُوهَا فِي سُجُودكُمْ
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالُوا يَا رَسُول الله كَيفَ نقُول فِي ركوعنا فَأنْزل الله الْآيَة الَّتِي فِي آخر سُورَة الْوَاقِعَة {فسبح باسم رَبك الْعَظِيم} فَأمرنَا أَن نقُول: سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيم وترا
قَالَ ابْن مرْدَوَيْه: حَدثنَا مُحَمَّد بن عبد الله بن إِبْرَاهِيم الشَّافِعِي أَنبأَنَا الْحُسَيْن بن عبد الله بن يزِيد أَنبأَنَا مُحَمَّد بن عبد الله بن سَابُور أَنبأَنَا الحكم بن ظهير عَن السّديّ عَن أبي مَالك أَو عَن أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {إِذا وَقعت الْوَاقِعَة} قَالَ: السَّاعَة(8/40)
{لَيْسَ لوقعتها كَاذِبَة} يَقُول: من كذب بهَا فِي الدُّنْيَا فَإِنَّهُ لَا يكذب بهَا فِي الْآخِرَة إِذا وَقعت {خافضة رَافِعَة} قَالَ: الْقِيَامَة خافضة يَقُول: خفضت فأسمعت الْأُذُنَيْنِ وَرفعت فأسمعت الْأَقْصَى كَانَ الْقَرِيب والبعيد فِيهَا سَوَاء قَالَ: وخفضت أَقْوَامًا قد كَانُوا فِي الدُّنْيَا مرتفعين وَرفعت أَقْوَامًا حَتَّى جعلتهم فِي أَعلَى عليين {إِذا رجت الأَرْض رجّاً} قَالَ: هِيَ الزلزلة {وبست الْجبَال بسّاً} {فَكَانَت هباء منبثّاً} قَالَ: الحكم وَالسُّديّ قَالَ: على هَذَا الْهَرج هرج الدَّوَابّ الَّذِي يُحَرك الْغُبَار {وكنتم أَزْوَاجًا ثَلَاثَة} قَالَ: الْعباد يَوْم الْقِيَامَة على ثَلَاثَة منَازِل {فأصحاب الميمنة مَا أَصْحَاب الميمنة} هم: الْجُمْهُور جمَاعَة أهل الْجنَّة {وَأَصْحَاب المشأمة مَا أَصْحَاب المشأمة} هم أَصْحَاب الشمَال يَقُول: مَا لَهُم وَمَا أعد لَهُم {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ} هم مثل النَّبِيين وَالصديقين وَالشُّهَدَاء بِالْأَعْمَالِ من الْأَوَّلين والآخرين {أُولَئِكَ المقربون} قَالَ: هم أقرب النَّاس من دَار الرَّحْمَن من بطْنَان الْجنَّة وبطنانها وَسطهَا فِي جنَّات النَّعيم {ثلة من الْأَوَّلين وَقَلِيل من الآخرين على سرر موضونة} قَالَ: الموضونة الموصولة بِالذَّهَب المكللة بالجوهر والياقوت {متكئين عَلَيْهَا مُتَقَابلين} قَالَ ابْن عَبَّاس: مَا ينظر الرجل مِنْهُم فِي قفا صَاحبه يَقُول: حلقا حلقا {يطوف عَلَيْهِم ولدان مخلدون} قَالَ: خلقهمْ الله فِي الْجنَّة كَمَا خلق الْحور الْعين لَا يموتون لَا يشيبون وَلَا يهرمون {بأكواب وأباريق} والأكواب الَّتِي لَيْسَ لَهَا آذان مثل الصواع والأباريق الَّتِي لَهَا الخراطم الْأَعْنَاق {وكأس من معِين} قَالَ: الكأس من الْخمر بِعَينهَا وَلَا يكون كأس حَتَّى يكون فِيهَا الْخمر فَإِذا لم يكن فِيهَا خمر فَإِنَّمَا هُوَ إِنَاء والمعين يَقُول: من خمر جَار {لَا يصدعون عَنْهَا} عَن الْخمر {وَلَا ينزفون} لَا تذْهب بعقولهم {وَفَاكِهَة مِمَّا يتخيرون} يَقُول: مِمَّا يشتهون يَقُول: يجيئهم الطير حَتَّى يَقع فيبسط جنَاحه فَيَأْكُلُونَ مِنْهُ مَا اشتهوا نضجاً لم تنضجه النَّار حَتَّى إِذا شَبِعُوا مِنْهُ طَار فَذهب كَمَا كَانَ {وحور عين} قَالَ: الْحور الْبيض وَالْعين الْعِظَام الْأَعْين حسان {كأمثال اللُّؤْلُؤ} قَالَ: كبياض اللُّؤْلُؤ الَّتِي لم تمسه الْأَيْدِي وَلَا الدَّهْر {الْمكنون} الَّذِي فِي الأصداف
ثمَّ قَالَ {جَزَاء بِمَا كَانُوا يعْملُونَ لَا يسمعُونَ فِيهَا لَغوا} قَالَ: اللَّغْو الْحلف لَا وَالله وبلى وَالله {وَلَا تأثيماً} قَالَ: قَالَ لايموتون {إِلَّا قيلاً سَلاما سَلاما} يَقُول: التَّسْلِيم مِنْهُم وَعَلَيْهِم بَعضهم على بعض قَالَ: هَؤُلَاءِ المقربون ثمَّ قَالَ: {وَأَصْحَاب الْيَمين مَا أَصْحَاب الْيَمين} وَمَا أعد لَهُم {فِي سدر مخضود}(8/41)
والمخضود الموقر الَّذِي لَا شوك فِيهِ {وطلح منضود وظل مَمْدُود} يَقُول: ظلّ الْجنَّة لَا يَنْقَطِع مَمْدُود عَلَيْهِم أبدا {وَمَاء مسكوب} يَقُول: مصبوب {وَفَاكِهَة كَثِيرَة لَا مَقْطُوعَة وَلَا مَمْنُوعَة} قَالَ: لَا تَنْقَطِع حينا وتجيء حينا مثل فَاكِهَة الدُّنْيَا وَلَا مَمْنُوعَة كَمَا تمنع فِي الدُّنْيَا إِلَّا بِثمن {وفرش مَرْفُوعَة} يَقُول: بَعْضهَا فَوق بعض ثمَّ قَالَ: {إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إنْشَاء} قَالَ: هَؤُلَاءِ نسَاء أهل الْجنَّة وَهَؤُلَاء الْعَجز الرمص يَقُول: خلقهمْ خلقا {فجعلناهن أَبْكَارًا} يَقُول: عذارى {عربا أَتْرَابًا} وَالْعرب المتحببات إِلَى أَزوَاجهنَّ والأتراب المصطحبات اللَّاتِي لَا تغرن {لأَصْحَاب الْيَمين ثلة من الْأَوَّلين وثلة من الآخرين} يَقُول: طَائِفَة من الْأَوَّلين وَطَائِفَة من الآخرين {وَأَصْحَاب الشمَال مَا أَصْحَاب الشمَال} مَا لَهُم وَمَا أعد لَهُم {فِي سموم} قَالَ: فيح نَار جَهَنَّم {وحميم} المَاء: الْجَار الَّذِي قد انْتهى حره فَلَيْسَ فَوْقه حر {وظل من يحموم} قَالَ: من دُخان جَهَنَّم {لَا بَارِد وَلَا كريم} إِنَّهُم كَانُوا قبل ذَلِك مترفين قَالَ: مُشْرِكين جبارين {وَكَانُوا يصرون} يُقِيمُونَ {على الْحِنْث الْعَظِيم} قَالَ: على الإِثم الْعَظِيم قَالَ: هُوَ الشّرك {وَكَانُوا يَقُولُونَ أئذا متْنا وَكُنَّا تُرَابا وعظاماً} إِلَى قَوْله: {أَو آبَاؤُنَا الأوّلون} قَالَ: قل يَا مُحَمَّد إِن الْأَوَّلين والآخرين لمجموعون {إِلَى مِيقَات يَوْم مَعْلُوم} قَالَ: يَوْم الْقِيَامَة {ثمَّ إِنَّكُم أَيهَا الضالون} قَالَ: الْمُشْركُونَ المكذبون {لآكلون من شجر من زقوم} قَالَ: والزقوم إِذا أكلُوا مِنْهُ خصبوا والزقوم شَجَرَة {فمالئون مِنْهَا الْبُطُون} قَالَ: يملؤون من الزقوم بطونهم {فشاربون عَلَيْهِ من الْحَمِيم} يَقُول: على الزقوم الْحَمِيم {فشاربون شرب الهيم} هِيَ الرمال لَو مطرَت عَلَيْهَا السَّمَاء أبدا لم ير فِيهَا مستنقع {هَذَا نزلهم يَوْم الدّين} كَرَامَة يَوْم الْحساب {نَحن خَلَقْنَاكُمْ فلولا تصدقُونَ} يَقُول: أَفلا تصدقُونَ {أَفَرَأَيْتُم مَا تمنون} يَقُول: هَذَا مَاء الرجل {أأنتم تخلقونه أم نَحن الْخَالِقُونَ} {نَحن قَدرنَا بَيْنكُم الْمَوْت} فِي المتعجل والمتأخر {وَمَا نَحن بمسبوقين على أَن نبدل أمثالكم} فَيَقُول: نَذْهَب بكم وَنَجِيء بغيركم {وننشئكم فِي مَا لَا تعلمُونَ} يَقُول: نخلقكم فِيهَا لَا تعلمُونَ إِن نَشأ خَلَقْنَاكُمْ قردة وَإِن نَشأ خَلَقْنَاكُمْ خنازير {وَلَقَد علمْتُم النشأة الأولى فلولا تذكرُونَ} يَقُول: فَهَلا تذكرُونَ ثمَّ قَالَ: {أَفَرَأَيْتُم مَا تَحْرُثُونَ} يَقُول: مَا تزرعون [] {أم نَحن الزارعون} يَقُول: أَلَيْسَ نَحن الَّذِي ننبته أم أَنْتُم المنبتون {لَو نشَاء لجعلناه حطاماً فظلتم تفكهون} يَقُول: تَنْدمُونَ {إِنَّا لمغرمون}(8/42)
يَقُول: إِنَّا [] للمواريه {بل نَحن محرومون أَفَرَأَيْتُم المَاء الَّذِي تشربون أأنتم أنزلتموه من المزن} يَقُول: من السَّحَاب {أم نَحن المنزلون لَو نشَاء جَعَلْنَاهُ أجاجاً} يَقُول: مرّاً {فلولا تشكرون} يَقُول: فَهَلا تشكرون {أَفَرَأَيْتُم النَّار الَّتِي تورون} يَقُول: تقدحون {أأنتم أنشأتم} يَقُول: خلقْتُمْ {شجرتها أم نَحن المنشئون} قَالَ: وَهِي من كل شَجَرَة إِلَّا فِي الْعنَّاب وَتَكون فِي الْحِجَارَة {نَحن جعلناها تذكرة} يَقُول: يتَذَكَّر بهَا نَار الْآخِرَة الْعليا {ومتاعاً للمقوين} قَالَ: والمقوي هُوَ الَّذِي لَا يجد نَارا فَيخرج زنده فيستنور ناره فَهِيَ مَتَاع لَهُ {فسبح باسم رَبك الْعَظِيم} يَقُول: فصل لِرَبِّك الْعَظِيم {فَلَا أقسم بمواقع النُّجُوم} قَالَ: أَتَى ابْن عَبَّاس علبة بن الْأسود أَو نَافِع بن الحكم فَقَالَ لَهُ: يَا ابْن عَبَّاس إِنِّي أَقرَأ آيَات من كتاب الله أخْشَى أَن يكون قد دخلني مِنْهَا شَيْء
قَالَ ابْن عَبَّاس: وَلم ذَلِك قَالَ: لِأَنِّي أسمع الله يَقُول: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَة الْقدر) (سُورَة الْقدر الْآيَة 2) وَيَقُول: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَة مباركة إِنَّا كُنَّا منذرين) (سُورَة الدُّخان الْآيَة 3) وَيَقُول فِي آيَة أُخْرَى: (شهر رَمَضَان الَّذِي أنزل فِيهِ الْقُرْآن) (سُورَة الْبَقَرَة الْآيَة 185) وَقد نزل فِي الشُّهُور كلهَا شَوَّال وَغَيره
قَالَ ابْن عَبَّاس: وَيلك إِن جملَة الْقُرْآن أنزل من السَّمَاء فِي لَيْلَة الْقدر إِلَى موقع النُّجُوم يَقُول: إِلَى سَمَاء الدُّنْيَا فَنزل بِهِ جِبْرِيل فِي لَيْلَة مِنْهُ وَهِي لَيْلَة الْقدر الْمُبَارَكَة وَفِي رَمَضَان ثمَّ نزل بِهِ على مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي عشْرين سنة الْآيَة والآيتين وَالْأَكْثَر
فَذَلِك [] قَوْله: {لَا أقسم} يَقُول: أقسم {بمواقع النُّجُوم} {وَإنَّهُ لقسم} وَالْقسم قسم وَقَوله: {لَا يمسهُ إِلَّا الْمُطهرُونَ} وهم السفرة والسفرة هم الكتبة
ثمَّ قَالَ: {تَنْزِيل من رب الْعَالمين} {أفبهذا الحَدِيث أَنْتُم مدهنون} يَقُول: تولون أهل الشّرك وتجعلون رزقكم قَالَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا: سَافر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حر فعطش النَّاس عطشاً شَدِيدا حَتَّى كَادَت أَعْنَاقهم أَن تَنْقَطِع من الْعَطش فَذكر ذَلِك لَهُ قَالُوا: يَا رَسُول الله لَو دَعَوْت الله فسقانا قَالَ لعلّي إِن دَعَوْت الله فسقاكم لقلتم هَذَا بِنَوْء كَذَا وَكَذَا قَالُوا: يَا رَسُول الله مَا هَذَا بِحِين أنواء ذهبت حِين الأنواء فَدَعَا بِمَاء فِي مطهرة فَتَوَضَّأ ثمَّ ركع رَكْعَتَيْنِ ثمَّ دَعَا الله فَهبت ريَاح وهاج سَحَاب ثمَّ أرْسلت فَمُطِرُوا حَتَّى سَالَ الْوَادي فَشَرِبُوا وَسقوا(8/43)
دوابهم ثمَّ مر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِرَجُل وَهُوَ يغترف بِقَعْبٍ مَعَه من الْوَادي وَهُوَ يَقُول: نوء كَذَا وَكَذَا سَقَطت الْغَدَاة قَالَ: نزلت هَذِه الْآيَة {وتجعلون رزقكم أَنكُمْ تكذبون فلولا إِذا بلغت الْحُلْقُوم} يَقُول: النَّفس {وَأَنْتُم حِينَئِذٍ تنْظرُون} {وَنحن أقرب إِلَيْهِ مِنْكُم} يَقُول: الْمَلَائِكَة {وَلَكِن لَا تبصرون} يَقُول: لَا تبصرون الْمَلَائِكَة {فلولا} يَقُول: هلا {إِن كُنْتُم غير مدينين} غير محاسبين {ترجعونها} يَقُول: ترجعوا النَّفس {إِن كُنْتُم صَادِقين فَأَما إِن كَانَ من المقربين} مثل النَّبِيين وَالصديقين وَالشُّهَدَاء بِالْأَعْمَالِ {فَروح} الْفَرح مثل قَوْله: (وَلَا تيأسوامن روح الله) (سُورَة يُوسُف الْآيَة 87) {وَرَيْحَان} الرزق قَالَ ابْن عَبَّاس: لَا تخرج روح الْمُؤمن من بدنه حَتَّى يَأْكُل من ثمار الْجنَّة قبل مَوته {وجنة نعيم} يَقُول: حققت لَهُ الْجنَّة وَالْآخِرَة {وَأما إِن كَانَ من أَصْحَاب الْيَمين} يَقُول: جُمْهُور أهل الْجنَّة {فسلام لَك من أَصْحَاب الْيَمين وَأما إِن كَانَ من المكذبين الضَّالّين} وهم الْمُشْركُونَ {فَنزل من حميم} قَالَ: ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا لَا يخرج الْكَافِر من بَيته فِي الدُّنْيَا حَتَّى يسقى كأساً من حميم {وتصلية جحيم} يَقُول: فِي الْآخِرَة {إِن هَذَا لَهو حق الْيَقِين} يَقُول: هَذَا القَوْل الَّذِي قَصَصنَا عَلَيْك لَهو حق الْيَقِين يَقُول الْقُرْآن الصَّادِق وَالله أعلم
سُورَة الْحَدِيد
مَدَنِيَّة وآياتها تسع وَعِشْرُونَ(8/44)
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
الْآيَة 1 - 6(8/45)
سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1) لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (2) هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (3) هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (4) لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (5) يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (6)
أخرج ابْن الضريس والنحاس وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: نزلت سُورَة الْحَدِيد بِالْمَدِينَةِ
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه والبهيقي عَن ابْن الزبير قَالَ: أنزلت سُورَة الْحَدِيد بِالْمَدِينَةِ وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه بِسَنَد ضَعِيف عَن ابْن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: نزلت سُورَة الْحَدِيد يَوْم الثُّلَاثَاء وَخلق الله الْحَدِيد يَوْم الثُّلَاثَاء وَقتل ابْن آدم أَخَاهُ يَوْم الثُّلَاثَاء وَنهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الْحجامَة يَوْم الثُّلَاثَاء
وَأخرج الديلمي عَن جَابر مَرْفُوعا: لَا تحتجموا يَوْم الثُّلَاثَاء فَإِن سُورَة الْحَدِيد أنزلت عليّ يَوْم الثُّلَاثَاء(8/45)
وَأخرج أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه النَّسَائِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن عرباض بن سَارِيَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يقْرَأ المسبحات قبل أَن يرقد وَقَالَ إِن فِيهِنَّ آيَة أفضل من ألف آيَة
وَأخرج ابْن الضريس عَن يحيى بن أبي كثير قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا ينَام حَتَّى يقْرَأ المسبحات وَكَانَ يَقُول: إِن فِيهِنَّ آيَة هِيَ أفضل من ألف آيَة قَالَ يحيى: فنراها الْآيَة الَّتِي فِي آخر الْحَشْر
وَأخرج الْبَزَّار وَابْن عَسَاكِر ابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن عمر قَالَ: كنت أَشد النَّاس على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَبينا أَنا فِي يَوْم حَار بالهاجرة فِي بعض طَرِيق مَكَّة إِذْ لَقِيَنِي رجل فَقَالَ: عجبا لَك يَا ابْن الْخطاب إِنَّك تزْعم أَنَّك وَأَنَّك وَقد دخل عَلَيْك الْأَمر فِي بَيْتك قلت: وَمَا ذَاك قَالَ: هَذِه أختك قد أسلمت فَرَجَعت مغضباً حَتَّى قرعت الْبَاب فَقيل: من هَذَا قلت: عمر فتبادروا فاختفوا مني وَقد كَانُوا يقرأون صحيفَة بَين أَيْديهم تركوها أَو نسوها فَدخلت حَتَّى جَلَست على السرير فَنَظَرت إِلَى الصَّحِيفَة فَقلت: مَا هَذِه ناولينيها قَالَت: إِنَّك لست من أَهلهَا إِنَّك لَا تَغْتَسِل من الْجَنَابَة وَلَا تطهر وَهَذَا كتاب لَا يمسهُ إِلَّا الْمُطهرُونَ فَمَا زلت بهَا حَتَّى ناولتنيها ففتحتها فَإِذا فِيهَا بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم فَلَمَّا قَرَأت الرَّحْمَن الرَّحِيم ذعرت فألقيت الصَّحِيفَة من يَدي ثمَّ رجعت إِلَى نَفسِي فأخذتها فَإِذا فِيهَا بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم {سبح لله مَا فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَهُوَ الْعَزِيز الْحَكِيم} فَكلما مَرَرْت باسم من أَسمَاء الله ذعرت ثمَّ ترجع إليَّ نَفسِي حَتَّى بلغت {آمنُوا بِاللَّه وَرَسُوله وأنفقوا مِمَّا جعلكُمْ مستخلفين فِيهِ} فَقلت: أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله فَخرج الْقَوْم مستبشرين فكبروا
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن أبي الْأسود قَالَ: قَالَ رَأس الجالوت: إِنَّمَا التَّوْرَاة الْحَلَال وَالْحرَام إِلَّا أَن فِي كتابكُمْ جَامعا {سبح لله مَا فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض} وَفِي التَّوْرَاة يسبح لله الطير وَالسِّبَاع
قَوْله تَعَالَى: {هُوَ الأول وَالْآخر} أخرج أَحْمد وَعبد بن حميد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ وَأَبُو(8/46)
الشَّيْخ فِي العظمة عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: بَيْنَمَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جَالس وَأَصْحَابه إِذْ أَتَى عَلَيْهِم سَحَاب فَقَالَ نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: هَل تَدْرُونَ مَا هَذَا قَالُوا: الله وَرَسُوله أعلم قَالَ: هَذَا الْعَنَان هَذِه روايا الأَرْض يَسُوقهَا الله إِلَى قوم لَا يشكرونه وَلَا يَدعُونَهُ ثمَّ قَالَ: هَل تَدْرُونَ مَا فَوْقكُم قَالُوا: الله وَرَسُوله أعلم قَالَ: فَإِنَّهَا الرقيع سقف مَحْفُوظ وموج مكفوف
ثمَّ قَالَ: هَل تَدْرُونَ كم بَيْنكُم وَبَينهَا قَالُوا: الله وَرَسُوله أعلم
قَالَ: بَيْنكُم وَبَينهَا خَمْسمِائَة سنة ثمَّ قَالَ: هَل تَدْرُونَ مَا فَوق ذَلِك قَالُوا: الله وَرَسُوله أعلم قَالَ: فَإِن فَوق ذَلِك سماءين مَا بَينهمَا مسيرَة خَمْسمِائَة سنة حَتَّى عدد سبع سموات مَا بَين كل سماءين كَمَا بَين السَّمَاء وَالْأَرْض ثمَّ قَالَ: هَل تَدْرُونَ مَا فَوق ذَلِك قَالُوا: الله وَرَسُوله أعلم قَالَ: فَوق ذَلِك الْعَرْش وَبَينه وَبَين السَّمَاء بعد مثل مَا بَين السماءين ثمَّ قَالَ: هَل تَدْرُونَ مَا الَّذِي تحتكم قَالُوا: الله وَرَسُوله أعلم قَالَ: فَإِنَّهَا الأَرْض ثمَّ قَالَ: هَل تَدْرُونَ مَا تَحت ذَلِك قَالُوا: الله وَرَسُوله أعلم قَالَ: فَإِن تحتهَا الأَرْض الْأُخْرَى بَينهمَا مسيرَة خَمْسمِائَة عَام حَتَّى عد سبع أَرضين بَين كل أَرضين مسيرَة خَمْسمِائَة سنة ثمَّ قَالَ: وَالَّذِي نفس مُحَمَّد بِيَدِهِ لَو أَنكُمْ دليتم أحدكُم بِحَبل إِلَى الأَرْض السَّابِعَة السُّفْلى لهبط على الله ثمَّ قَرَأَ {هُوَ الأول وَالْآخر وَالظَّاهِر وَالْبَاطِن وَهُوَ بِكُل شَيْء عليم} قَالَ: التِّرْمِذِيّ فسر بعض أهل الْعلم هَذَا الحَدِيث فَقَالُوا: إِنَّمَا هَبَط على علم الله وَقدرته وسلطانه
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس بن عبد الْمطلب عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: وَالَّذِي نفس مُحَمَّد بِيَدِهِ لَو دليتم أحدكُم بِحَبل إِلَى الأَرْض السَّابِعَة لقدم على ربه ثمَّ تَلا {هُوَ الأول وَالْآخر وَالظَّاهِر وَالْبَاطِن وَهُوَ بِكُل شَيْء عليم} وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن أم سَلمَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه كَانَ يَدْعُو بهؤلاء الْكَلِمَات: اللَّهُمَّ أَنْت الأول فَلَا شَيْء قبلك وَأَنت الآخر فَلَا شَيْء بعْدك أعوذ بك من شَرّ كل دَابَّة ناصيتها بِيَدِك وَأَعُوذ بك من الإِثم والكسل وَمن عَذَاب النَّار وَمن عَذَاب الْقَبْر وَمن فتْنَة الْغنى وَمن فتْنَة الْفقر وَأَعُوذ بك من المأثم والمغرم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالتِّرْمِذِيّ وحسنة وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: جَاءَت فَاطِمَة إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تسْأَل خَادِمًا فَقَالَ لَهَا: قولي اللَّهُمَّ رب السَّمَوَات السَّبع(8/47)
وَرب الْعَرْش الْعَظِيم وربنا وَرب كل شَيْء منزل التَّوْرَاة والإِنجيل وَالْفرْقَان فالق الْحبّ النَّوَى أعوذ بك من شَرّ كل ذِي شَرّ أَنْت آخذ بناصيته أَنْت الأول فَلَيْسَ قبلك شَيْء وَأَنت الآخر فَلَيْسَ بعْدك شَيْء وَأَنت الظَّاهِر فَلَيْسَ فَوْقك شَيْء وَأَنت الْبَاطِن فَلَيْسَ دُونك شَيْء اقْضِ عَنَّا الدّين وأغننا من الْفقر
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَمُسلم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَدْعُو عِنْد النّوم: اللَّهُمَّ رب السَّمَوَات السَّبع وَرب الْعَرْش الْعَظِيم رَبنَا وَرب كل شَيْء منزل التَّوْرَاة والإِنجيل وَالْفرْقَان فالق الْحبّ والنوى لَا إِلَه إِلَّا أَنْت أعوذ بك من شَرّ كل شَيْء أَنْت آخذ بناصيته أَنْت الأول فَلَيْسَ قبلك شَيْء وَأَنت الآخر فَلَيْسَ بعْدك شَيْء وَأَنت الظَّاهِر فَلَيْسَ فَوْقك شَيْء وَأَنت الْبَاطِن فَلَيْسَ دُونك شَيْء اقْضِ عَنَّا الدّين وأغننا من الْفقر
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عمر قَالَ: كَانَ من دُعَاء رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الَّذِي يَقُول: يَا كَائِن قبل أَن يكون شَيْء والمكوّن لكل شَيْء والكائن بعد مَا لَا يكون شَيْء أَسأَلك بلحظة من لحظاتك الحافظات الوافرات الراجيات المنجيات
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيّ عَن مُحَمَّد بن عَليّ رَضِي الله عَنهُ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم علم عليا يَدْعُو بهَا عِنْدَمَا أهمه فَكَانَ عَليّ رَضِي الله عَنهُ يعلمهَا لوَلَده: يَا كَائِن قبل كال شَيْء وَيَا مكوّن كل شَيْء وَيَا كَائِن بعد كل شَيْء أفعل بِي كَذَا وَكَذَا
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن مقَاتل بن حَيَّان رَضِي الله عَنهُ قَالَ: بلغنَا فِي قَوْله عزو جلّ: {هُوَ الأوّل} قبل كل شَيْء {وَالْآخر} بعد كل شَيْء {وَالظَّاهِر} فَوق كل شَيْء {وَالْبَاطِن} أقرب من كل شَيْء وَإِنَّمَا يَعْنِي بِالْقربِ بِعِلْمِهِ وَقدرته وَهُوَ فَوق عَرْشه {وَهُوَ بِكُل شَيْء عليم} {هُوَ الَّذِي خلق السَّمَاوَات وَالْأَرْض فِي سِتَّة أَيَّام} مِقْدَار كل يَوْم ألف عَام ثمَّ اسْتَوَى على الْعَرْش يعلم مَا يلج فِي الأَرْض من الْقطر وَمَا يخرج مِنْهَا من النَّبَات وَمَا ينزل من السَّمَاء من الْقطر وَمَا يعرج فِيهَا يَعْنِي مَا يصعد إِلَى السَّمَاء من الْمَلَائِكَة وَهُوَ مَعكُمْ أَيْنَمَا كُنْتُم يَعْنِي قدرته وسلطانه وَعلمه مَعكُمْ إينما كُنْتُم وَالله بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِير
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن ابْن عمر وَأبي سعيد عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَا يزَال النَّاس يسْأَلُون عَن كل شَيْء حَتَّى يَقُولُوا هَذَا الله كَانَ قبل كل شَيْء فَمَاذَا كَانَ قبل(8/48)
الله فَإِن قَالُوا لكم ذَلِك فَقولُوا: هُوَ الأوّل قبل كل شَيْء وَهُوَ الآخر فَلَيْسَ بعده شَيْء وَهُوَ الظَّاهِر فَوق كل شَيْء وَهُوَ الْبَاطِن دون كل شَيْء وَهُوَ بِكُل شَيْء عليم
وَأخرج أَبُو دَاوُد عَن أبي زميل قَالَ: سَأَلت ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فَقلت: مَا شَيْء أَجِدهُ فِي صَدْرِي قَالَ: مَا هُوَ قلت: وَالله لَا أَتكَلّم بِهِ فَقَالَ لي: أَشَيْء من شكّ وَضحك قَالَ: مَا نجا من ذَلِك أحد حَتَّى أنزل الله تَعَالَى {فَإِن كنت فِي شكّ مِمَّا أنزلنَا إِلَيْك} الْآيَة وَقَالَ لي: إِذا وجدت فِي نَفسك شَيْئا فَقل: هُوَ الأول وَالْآخر وَالظَّاهِر وَالْبَاطِن وَهُوَ بِكُل شَيْء عليم
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وَهُوَ مَعكُمْ أَيْن مَا كُنْتُم} قَالَ: عَالم بكم أَيْنَمَا كُنْتُم
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن سُفْيَان الثَّوْريّ رَضِي الله عَنهُ أَنه سُئِلَ عَن قَوْله: {وَهُوَ مَعكُمْ} قَالَ: علمه
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ عَن عبَادَة بن الصَّامِت قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن من أفضل إِيمَان الْمَرْء أَن يعلم أَن الله تَعَالَى مَعَه حَيْثُ كَانَ
وَأخرج ابْن النجار فِي تَارِيخ بَغْدَاد بِسَنَد ضَعِيف عَن ابراء بن عَازِب قَالَ: قلت لعليّ رَضِي الله عَنهُ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أَسأَلك بِاللَّه وَرَسُوله إِلَّا خصصتني بأعظم مَا خصك بِهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم واختصه بِهِ جِبْرِيل وأرسله بِهِ الرَّحْمَن فَقَالَ: إِذا أردْت أَن تَدْعُو الله باسمه الْأَعْظَم فاقرأ من أول سُورَة الْحَدِيد إِلَى آخر سِتّ آيَات مِنْهَا {عليم بِذَات الصُّدُور} وَآخر سُورَة الْحَشْر يَعْنِي أَربع آيَات ثمَّ ارْفَعْ يَديك فَقل: يَا من هُوَ هَكَذَا أَسأَلك بِحَق هَذِه الْأَسْمَاء أَن تصلّي على مُحَمَّد وَأَن تفعل بِي كَذَا وَكَذَا مِمَّا تُرِيدُ فوَاللَّه الَّذِي لَا إِلَه غَيره لتنقلبن بحاجتك إِن شَاءَ الله
الْآيَة 7 - 11(8/49)
آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ (7) وَمَا لَكُمْ لَا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (8) هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (9) وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (10) مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ (11)
أخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {وأنفقوا مِمَّا جعلكُمْ مستخلفين فِيهِ} قَالَ: معمرين فِيهِ بالرزق وَفِي قَوْله: {وَقد أَخذ ميثاقكم} قَالَ: فِي ظهر آدم وَفِي قَوْله: {ليخرجكم من الظُّلُمَات إِلَى النُّور} قَالَ: من الضَّلَالَة إِلَى الْهدى
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر وَعبد بن حميد عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {لَا يَسْتَوِي مِنْكُم من أنْفق من قبل الْفَتْح} يَقُول: من أسلم {وَقَاتل أُولَئِكَ أعظم دَرَجَة من الَّذين أَنْفقُوا من بعد وقاتلوا} يَعْنِي أَسْلمُوا يَقُول لَيْسَ من هَاجر كمن لم يُهَاجر {وكلا وعد الله الْحسنى} قَالَ: الْجنَّة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {لَا يَسْتَوِي مِنْكُم من أنْفق من قبل الْفَتْح} الْآيَة قَالَ: كَانَ قتالان أَحدهمَا أفضل من الآخر وانت نفقتان أَحدهمَا أفضل من الْأُخْرَى قَالَ: كَانَت النَّفَقَة والقتال قبل الْفَتْح فتح مَكَّة أفضل من النَّفَقَة والقتال بعد ذَلِك {وكلا وعد الله الْحسنى} قَالَ: الْجنَّة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة قَالَ: لما نزلت هَذِه الْآيَة {لَا يَسْتَوِي مِنْكُم من أنْفق من قبل الْفَتْح وَقَاتل} قَالَ أَبُو الدحداح: وَالله لأنفقن الْيَوْم نَفَقَة أدْرك بهَا من قبلي وَلَا يسبقني بهَا أحد بعدِي فَقَالَ: اللَّهُمَّ كل شَيْء يملكهُ أَبُو الدحداح فَإِن نصفه لله حَتَّى بلغ فَرد نَعله ثمَّ قَالَ: وَهَذَا
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور عَن زيد بن أسلم قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يأتيكم قوم من هَهُنَا وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى الْيمن تحقرون أَعمالكُم عِنْد أَعْمَالهم قَالُوا: فَنحْن خير أم هم قَالَ: بل أَنْتُم فَلَو أَن أحدهم أنْفق مثل أحد ذَهَبا مَا أدْرك أحدكُم وَلَا(8/50)
نصيفه فصلت هَذِه الْآيَة بَيْننَا وَبَين النَّاس {لَا يَسْتَوِي مِنْكُم من أنْفق من قبل الْفَتْح وَقَاتل أُولَئِكَ أعظم دَرَجَة من الَّذين أَنْفقُوا من بعد وقاتلوا}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم فِي الدَّلَائِل من طَرِيق زيد بن أسلم عَن عَطاء بن يسَار عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: خرجنَا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَام الْحُدَيْبِيَة إِذا كَانَ بعسفان قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُوشك أَن يَأْتِي قوم تحقرون أَعمالكُم مَعَ أَعْمَالهم قُلْنَا: من هم يَا رَسُول الله أقريش قَالَ: لَا وَلَكنهُمْ أهل الْيمن هم أرق أَفْئِدَة وألين قلوباً فَقُلْنَا: أهم خير منا يَا رَسُول الله قَالَ: لَو كَانَ لأَحَدهم جبل من ذهب فأنفقه مَا أدْرك مد أحدكُم وَلَا نصيفه إِلَّا أَن هَذَا فصل مَا بَيْننَا وَبَين النَّاس {لَا يَسْتَوِي مِنْكُم من أنْفق من قبل الْفَتْح وَقَاتل} الْآيَة
وَأخرج أَحْمد عَن أنس قَالَ: كَانَ بَين خَالِد بن الْوَلِيد وَبَين عبد الرَّحْمَن بن عَوْف كَلَام فَقَالَ خَالِد لعبد الرَّحْمَن بن عَوْف: تستطيلون علينا بأيام سبقتمونا بهَا فَبلغ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: دعوا لي أَصْحَابِي فوالذي نَفسِي بِيَدِهِ لَو أنفقتم مثل أحد أَو مثل الْجبَال ذَهَبا مَا بَلغْتُمْ أَعْمَالهم
وَأخرج أَحْمد عَن يُوسُف بن عبد الله بن سَلام قَالَ: سُئِلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَنَحْنُ خير أم من بَعدنَا فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَو أنْفق أحدهم أحدا ذَهَبا مَا بلغ مد أحدكُم وَلَا نصيفه
وَأخرج ابْن بِي شيبَة وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ عَن أبي سعيد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تسبوا أَصْحَابِي فوالذي نَفسِي بِيَدِهِ لَو أَن أحدكُم أنْفق مثل أحد ذَهَبا مَا أدْرك مدّ أحدهم وَلَا نصيفه
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن عمر قَالَ: لَا تسبوا أَصْحَاب مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فلمقام أحدهم سَاعَة خير من عمل أحدكُم عمره
الْآيَة 12 - 15(8/51)
يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12) يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ (13) يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (14) فَالْيَوْمَ لَا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلَا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلَاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (15)
أخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر عَن الْحسن فِي قَوْله: {يسْعَى نورهم بَين أَيْديهم} قَالَ: على الصِّرَاط حَتَّى يدخلُوا الْجنَّة
وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن مَسْعُود {يسْعَى نورهم بَين أَيْديهم} قَالَ: على الصِّرَاط
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن يزِيد بن شَجَرَة قَالَ: إِنَّكُم مكتوبون عِنْد الله بأسمائكم وسيماكم وحلاكم ونجواكم ومجالسكم فَإِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة قيل: يَا فلَان بن فلَان هَلُمَّ بنورك وَيَا فلَان بن فلَان لَا نور لَك
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي الْآيَة قَالَ: ذكر لنا أَن نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن من الْمُؤمنِينَ يَوْم الْقِيَامَة من يضيء لَهُ نوره كَمَا بَين الْمَدِينَة إِلَى عدن أبين إِلَى صنعاء فدون ذَلِك حَتَّى أَن من الْمُؤمنِينَ من لَا يضيء لَهُ نوره إِلَّا مَوضِع قَدَمَيْهِ وَالنَّاس منَازِل بأعمالهم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن بَان مَسْعُود فِي قَوْله: {يسْعَى نورهم بَين أَيْديهم} قَالَ: يُؤْتونَ نورهم على قدر أَعْمَالهم يَمرونَ على الصِّرَاط مِنْهُم من نوره مثل الْجَبَل وَمِنْهُم من نوره مثل النَّخْلَة وأدناهم نورا من نوره على إبهامه يطفأ مرّة ويقد أُخْرَى
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه عَن عبد الرَّحْمَن بن جُبَير أَنه سمع أَبَا ذَر وَأَبا الدَّرْدَاء قَالَا: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَنا أول من يُؤذن لَهُ فِي السُّجُود يَوْم الْقِيَامَة وَأول من يُؤذن لَهُ أَن يرفع رَأسه فأرفع رَأْسِي فَأنْظر بَين يَدي وَعَن خَلْفي وَعَن يَمِيني وَعَن شمَالي فأعرف أمتِي من بَين الْأُمَم فَقيل: يَا رَسُول الله وَكَيف تعرفهم من بَين الْأُمَم مَا بَين نوح إِلَى أمتك قَالَ: غر محجلون من أثر الْوضُوء وَلَا يكون لأحد غَيرهم وأعرفهم أَنهم يُؤْتونَ كتبهمْ بأيمانهم وأعرفها بِسِيمَاهُمْ فِي(8/52)
وُجُوههم من أثر السُّجُود وأعرفهم بنورهم الَّذِي يسْعَى بَين أَيْديهم وَعَن أَيْمَانهم وَعَن شمائلهم
وَأخرج ابْن الْمُبَارك وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن أبي أُمَامَة الْبَاهِلِيّ أَنه قَالَ: أَيهَا النَّاس إِنَّكُم قد أَصْبَحْتُم وأمسيتم فِي منزل تقتسمون فِيهِ الْحَسَنَات والسيئات وتوشكون أَن تظعنوا مِنْهُ إِلَى منزل آخر وَهُوَ الْقَبْر بَيت الْوحدَة وَبَيت الظلمَة وبيد الدُّود وَبَيت الضّيق إِلَّا مَا وسع الله ثمَّ تنتقلون مِنْهُ إِلَى مَوَاطِن يَوْم الْقِيَامَة فَإِنَّكُم لفي بعض تِلْكَ المواطن حَتَّى يغشى النَّاس أَمر الله فتبيض وُجُوه وَتسود وُجُوه ثمَّ تنتقلون مِنْهُ إِلَى مَوضِع آخر فتغشى النَّاس ظلمَة شَدِيدَة ثمَّ يقسم النُّور فَيعْطى الْمُؤمن نورا وَيتْرك الْكَافِر وَالْمُنَافِق فَلَا يعطيان شَيْئا وَهُوَ الْمثل الَّذِي ضرب الله فِي كِتَابه إِلَى قَوْله وَلَا يستضيء الْكَافِر وَالْمُنَافِق بِنور الْمُؤمن كَمَا لَا يستضيء الْأَعْمَى ببصر الْبَصِير وَيَقُول الْمُنَافِق للَّذين آمنُوا: {انظرونا نقتبس من نوركم قيل ارْجعُوا وراءكم فالتمسوا نورا} وَهِي خدعة الله الَّتِي خدع بهَا الْمُنَافِقين حَيْثُ قَالَ: (يخادعون الله وَهُوَ خادعهم) (سُورَة النِّسَاء آيَة 142) فيرجعون إِلَى الْمَكَان الَّذِي قسم فِيهِ النُّور فَلَا يَجدونَ شَيْئا فينصرفون إِلَيْهِم {فَضرب بَينهم بسور لَهُ بَاب بَاطِنه فِيهِ الرَّحْمَة وَظَاهره من قبله الْعَذَاب} ينادونهم ألم نَكُنْ مَعكُمْ نصلي صَلَاتكُمْ ونغزو مغازيكم قَالُوا: بلَى إِلَى قَوْله: {وَبئسَ الْمصير}
وَأخرج ابْن بِي حَاتِم من وَجه آخر عَن أبي أُمَامَة قَالَ: تبْعَث ظلمَة يَوْم الْقِيَامَة فَمَا من مُؤمن وَلَا كَافِر يرى كَفه حَتَّى يبْعَث الله بِالنورِ إِلَى الْمُؤمنِينَ بِقدر أَعْمَالهم فيتبعهم المُنَافِقُونَ فَيَقُولُونَ: {انظرونا نقتبس من نوركم}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: بَيْنَمَا النَّاس فِي ظلمَة إِذا بعث الله نورا فَلَمَّا رأى الْمُؤْمِنُونَ النُّور توجهوا نَحوه وَكَانَ النُّور دَلِيلا لَهُم من الله إِلَى الْجنَّة فَلَمَّا رأى المُنَافِقُونَ الْمُؤمنِينَ انْطَلقُوا إِلَى النُّور تبعوهم فأظلم الله على الْمُنَافِقين فَقَالُوا حِينَئِذٍ: {انظرونا نقتبس من نوركم} فَإنَّا كُنَّا مَعكُمْ فِي الدُّنْيَا قَالَ الْمُؤْمِنُونَ: ارْجعُوا وراءكم فالتمسوا نورا من حَيْثُ جئْتُمْ من الظلمَة فالتمسوا هُنَالك النُّور
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن الله يَدْعُو النَّاس يَوْم الْقِيَامَة بأمهاتهم سترا مِنْهُ على عباده وَأما عِنْد الصِّرَاط فَإِن الله(8/53)
يُعْطي كل مُؤمن نورا وكل مُنَافِق نورا فَإِذا اسْتَووا على الصِّرَاط سلب الله نور الْمُنَافِقين والمنافقات فَقَالَ المُنَافِقُونَ: {انظرونا نقتبس من نوركم} وَقَالَ الْمُؤْمِنُونَ: {رَبنَا أتمم لنا نورنا} فَلَا يذكر عِنْد ذَلِك أحد أحدا
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِذا جمع الله الْأَوَّلين والآخرين دَعَا الْيَهُود فَقيل لَهُم: من كُنْتُم تَعْبدُونَ فَيَقُولُونَ: كُنَّا نعْبد الله فَيُقَال لَهُم: كُنْتُم تَعْبدُونَ مَعَه غَيره فَيَقُولُونَ: نعم فَيُقَال لَهُم: من كُنْتُم تَعْبدُونَ مَعَه فَيَقُولُونَ: عُزيراً فيوجهون وَجها ثمَّ يَدْعُو النَّصَارَى فَيُقَال لَهُم: من كُنْتُم تَعْبدُونَ فَيَقُولُونَ: كُنَّا نعْبد الله فَيَقُول لَهُم: هَل كُنْتُم تَعْبدُونَ مَعَه غَيره فَيَقُولُونَ: نعم فَيُقَال لَهُم: من كُنْتُم تَعْبدُونَ مَعَه فَيَقُولُونَ: الْمَسِيح فيوجهون وَجها ثمَّ يدعى الْمُسلمُونَ وهم على رابة من الأَرْض فَيُقَال لَهُم: من كُنْتُم تَعْبدُونَ فَيَقُولُونَ: كُنَّا نعْبد الله وَحده فَيُقَال لَهُم: هَل كُنْتُم تَعْبدُونَ مَعَه غَيره فَيَقُولُونَ: مَا عَبدنَا غَيره فَيعْطى كل إِنْسَان مِنْهُم نورا ثمَّ يوجهون إِلَى الصِّرَاط ثمَّ قَرَأَ {يَوْم يَقُول المُنَافِقُونَ والمنافقات للَّذين آمنُوا انظرونا نقتبس من نوركم} الْآيَة وَقَرَأَ (يَوْم لَا يخزي الله النَّبِي وَالَّذين آمنُوا مَعَه نورهم) (سُورَة التَّحْرِيم الْآيَة 8) إِلَى آخر الْآيَة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {يَوْم يَقُول المُنَافِقُونَ والمنافقات} الْآيَة قَالَ: بَيْنَمَا النَّاس فِي ظلمَة إِذْ بعث الله نورا فَلَمَّا رأى الْمُؤْمِنُونَ النُّور توجهوا نَحوه وَكَانَ النُّور لَهُم دَلِيلا إِلَى الْجنَّة من الله فَلَمَّا رأى المُنَافِقُونَ الْمُؤمنِينَ قد انْطَلقُوا تبعوهم فأظلم الله على الْمُنَافِقين فَقَالُوا حِينَئِذٍ: {انظرونا نقتبس من نوركم} فَإنَّا كُنَّا مَعكُمْ فِي الدُّنْيَا قَالَ الْمُؤْمِنُونَ: ارْجعُوا من حَيْثُ جئْتُمْ من الظلمَة فالتمسوا هُنَالك النُّور
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن أبي فَاخِتَة قَالَ: يجمع الله الْخَلَائق يَوْم الْقِيَامَة وَيُرْسل الله على النَّاس ظلمَة فَيَسْتَغِيثُونَ رَبهم فيؤتي الله كل مُؤمن يَوْمئِذٍ نورا ويؤتي الْمُنَافِقين نورا فَيَنْطَلِقُونَ جَمِيعًا متوجهين إِلَى الْجنَّة مَعَهم نورهم فَبَيْنَمَا هم كَذَلِك إِذْ طفأ الله نور الْمُنَافِقين فيترددوهن فِي الظلمَة ويسبقهم الْمُؤْمِنُونَ بنورهم بَين أَيْديهم فينادونهم {انظرونا نقتبس من نوركم} {فَضرب بَينهم بسور لَهُ بَاب بَاطِنه} حَيْثُ ذهب الْمُؤْمِنُونَ فِيهِ الرَّحْمَة وَمن قبله الْجنَّة ويناديهم المُنَافِقُونَ ألم نَكُنْ مَعكُمْ قَالُوا: بلَى وَلَكِنَّكُمْ فتنتم أَنفسكُم وتربصتم(8/54)
وارتبتم فَيَقُول المُنَافِقُونَ بَعضهم لبَعض: وهم يتسكعون فِي الظلمَة تَعَالَوْا نلتمس إِلَى المؤمنيين سَبِيلا فيسقطون على هوة فَيَقُول بَعضهم لبَعض: إِن هَذَا ينْفق بكم إِلَى الْمُؤمنِينَ فيتهافتون فِيهَا فَلَا يزالون يهوون فِيهَا حَتَّى ينْتَهوا إِلَى قَعْر جَهَنَّم فهنالك خدع المُنَافِقُونَ كَمَا قَالَ الله: {وَهُوَ خادعهم}
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ {انظرونا} مَوْصُولَة بِرَفْع الْألف وَأخرج عبد بن حميد عَن الْأَعْمَش أَنه قَرَأَ {انظرونا} مَقْطُوعَة بِنصب الْألف وَكسر الظَّاء
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي الدَّرْدَاء قَالَ: أَيْن أَنْت من يَوْم جِيءَ بجهنم قد سدت مَا بَين الْخَافِقين وَقيل: لن تدخل الْجنَّة حَتَّى تخوض النَّار فَإِن كَانَ مَعَك نور استقام بك الصِّرَاط فقد وَالله نجوت وهديت وَإِن لم يكن مَعَك نور تشبث بك بعض خطاطيف جَهَنَّم أَو كلاليبها فقد وَالله رديت وهويت
وَأخرج البهيقي فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن مقَاتل فِي قَوْله: {يَوْم يَقُول المُنَافِقُونَ والمنافقات للَّذين آمنُوا} وهم على الصِّرَاط {انظرونا} يَقُول: ارقبونا {نقتبس من نوركم} يَعْنِي نصيب من نوركم فنمضي مَعكُمْ قيل: يَعْنِي قَالَت الْمَلَائِكَة لَهُم: {ارْجعُوا وراءكم فالتمسوا نورا} من حَيْثُ جئْتُمْ هَذَا من الِاسْتِهْزَاء بهم استهزؤوا بِالْمُؤْمِنِينَ فِي الدُّنْيَا حِين قَالُوا: آمنا وَلَيْسوا بمؤمنين فَذَلِك قَوْله: {الله يستهزئ بهم} حِين يُقَال لَهُم: {ارْجعُوا وراءكم فالتمسوا نورا} {فَضرب بَينهم بسور لَهُ بَاب} يَعْنِي بالسور حَائِط بَين أهل الْجنَّة وَالنَّار {بَاب بَاطِنه} يَعْنِي بَاطِن السُّور {فِيهِ الرَّحْمَة} مِمَّا يَلِي الْجنَّة {وَظَاهره من قبله الْعَذَاب} يَعْنِي جَهَنَّم وَهُوَ الْحجاب الَّذِي ضرب بَين أهل الْجنَّة وَأهل النَّار
وَأخرج عبد بن حميد عَن عبَادَة بن الصَّامِت أَنه كَانَ على سور بَيت الْمُقَدّس الشَّرْقِي فَبكى فَقيل لَهُ مَا يبكيك فَقَالَ: هَهُنَا أخبرنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه رأى جَهَنَّم يحدث عَن أَبِيه أَنه قَالَ: {فَضرب بَينهم بسور} قَالَ: هَذَا مَوضِع السورعند وَادي جَهَنَّم
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَن أبي سِنَان قَالَ: كنت مَعَ عَليّ بن عبد الله بن عَبَّاس عِنْد وَادي جَهَنَّم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ(8/55)
وَابْن عَسَاكِر عَن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ قَالَ: إِن السُّور الَّذِي ذكره الله فِي الْقُرْآن {فَضرب بَينهم بسور} هوالسور الَّذِي بِبَيْت الْمُقَدّس الشَّرْقِي {بَاطِنه فِيهِ الرَّحْمَة} الْمَسْجِد {وَظَاهره من قبله الْعَذَاب} يَعْنِي وَادي جَهَنَّم وَمَا يَلِيهِ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة {فَضرب بَينهم بسور} قَالَ: حَائِط بَين الْجنَّة وَالنَّار
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الْحسن فِي قَوْله: {بَاطِنه فِيهِ الرَّحْمَة} قَالَ: الْجنَّة {وَظَاهره من قبله الْعَذَاب} قَالَ: النَّار
وَأخرج آدم بن أبي إِيَاس وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {يَوْم يَقُول المُنَافِقُونَ والمنافقات} الْآيَة قَالَ: إِن الْمُنَافِقين كَانُوا مَعَ الْمُؤمنِينَ أَحيَاء فِي الدُّنْيَا يناكحونهم ويعاشرونهم وَكَانُوا مَعَهم أَمْوَاتًا ويعطون النُّور جَمِيعًا يَوْم الْقِيَامَة فيطفأ نور الْمُنَافِقين إِذا بلغُوا السُّور يماز بَينهم يَوْمئِذٍ والسور كالحجاب فِي الْأَعْرَاف فَيَقُولُونَ: {انظرونا نقتبس من نوركم قيل ارْجعُوا وراءكم فالتمسوا نورا}
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وَلَكِنَّكُمْ فتنتم أَنفسكُم} قَالَ: بالشهوات وَاللَّذَّات وتربصتم بِالتَّوْبَةِ {وارتبتم} أَي شَكَكْتُمْ فِي الله {وغرتكم الْأَمَانِي حَتَّى جَاءَ أَمر الله} قَالَ: الْمَوْت {وغركم بِاللَّه الْغرُور} قَالَ: الشَّيْطَان
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي سُفْيَان {وَلَكِنَّكُمْ فتنتم أَنفسكُم} قَالَ: بِالْمَعَاصِي وتربصتم بِالتَّوْبَةِ {وارتبتم} شَكَكْتُمْ {وغرتكم الْأَمَانِي} قُلْتُمْ: سيغفر لنا حَتَّى جَاءَ أَمر الله قَالَ: الْمَوْت {وغركم بِاللَّه الْغرُور} قَالَ: الشَّيْطَان
وَأخرج عبد بن حميد عَن مَحْبُوب اللَّيْثِيّ {وَلَكِنَّكُمْ فتنتم أَنفسكُم} أَي بالشهوات {وتربصتم} بِالتَّوْبَةِ {وارتبتم} أَي شَكَكْتُمْ فِي الله {وغرتكم الْأَمَانِي} قَالَ: طول الأمل {حَتَّى جَاءَ أَمر الله} قَالَ: الْمَوْت {وغركم بِاللَّه الْغرُور} قَالَ: الشَّيْطَان
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة {وتربصتم} قَالَ: تَرَبَّصُوا بِالْحَقِّ وَأَهله {وارتبتم} قَالَ: كَانُوا فِي شكّ من أَمر الله {وغرتكم الْأَمَانِي} قَالَ: كَانُوا على خدعة من الشَّيْطَان وَالله مازالوا عَلَيْهَا حَتَّى قذفهم الله فِي النَّار {وغركم بِاللَّه الْغرُور}(8/56)
قَالَ: الشَّيْطَان {فاليوم لَا يُؤْخَذ مِنْكُم فديَة} يَعْنِي من الْمُنَافِقين وَلَا من الَّذين كفرُوا
الْآيَة 16 - 18(8/57)
أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (16) اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (17) إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ (18)
أخرج عبد بن حميد عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ أَنه قَرَأَ ألمايان للَّذين آمنُوا
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أنس لَا أعلمهُ إِلَّا مَرْفُوعا إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: استبطأ الله قُلُوب الْمُهَاجِرين بعد سبع عشرَة من نزُول الْقُرْآن فَأنْزل الله {ألم يَأن للَّذين آمنُوا أَن تخشع قُلُوبهم لذكر الله} الْآيَة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عَائِشَة قَالَت: خرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على نفر من أَصْحَابه فِي الْمَسْجِد وهم يَضْحَكُونَ فسحب رِدَاءَهُ محمراً وَجهه فَقَالَ: أتضحكون وَلم يأتكم أَمَان من ربكُم بِأَنَّهُ قد غفر لكم وَلَقَد أنزل عليّ فِي ضحككم آيَة {ألم يَأن للَّذين آمنُوا أَن تخشع قُلُوبهم لذكر الله} قَالُوا يَا رَسُول الله: فَمَا كَفَّارَة ذَلِك قَالَ: تَبْكُونَ قدر مَا ضحكتم
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة {ألم يَأن للَّذين آمنُوا أَن تخشع قُلُوبهم لذكر الله} قَالَ: ذكر لنا أَن شَدَّاد بن أَوْس كَانَ يروي عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه كَانَ يَقُول: أول مَا يرفع من النَّاس الْخُشُوع
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة {ألم يَأن للَّذين آمنُوا أَن تخشع قُلُوبهم} يَقُول: ألم يحن للَّذين آمنُوا
وَأخرج ابْن الْمُبَارك عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {اعلموا أَن الله يحيي الأَرْض بعد مَوتهَا} قَالَ: تليين الْقُلُوب بعد قسوتها(8/57)
وَأخرج مُسلم وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: مَا كَانَ بَين أسلامنا وَبَين أَن عَاتَبَنَا الله بِهَذِهِ {ألم يَأن للَّذين آمنُوا أَن تخشع قُلُوبهم لذكر الله} إِلَّا أَربع سِنِين
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن عبد الله بن الزبير أَن ابْن مَسْعُود أخبرهُ أَنه لم يكن بَين إسْلَامهمْ وَبَين أَن نزلت هَذِه الْآيَة يعاتبهم الله بهَا إِلَّا أَربع سِنِين وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِين أُوتُوا الْكتاب من قبل فطال عَلَيْهِم الأمد فقست قُلُوبهم وَكثير مِنْهُم فَاسِقُونَ
وَأخرج أَبُو يعلى وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لما نزلت {ألم يَأن للَّذين آمنُوا أَن تخشع قُلُوبهم لذكر الله} الْآيَة أقبل بَعْضنَا على بعض أَي شَيْء أحدثنا أَي شَيْء صنعنَا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: إِن الله استبطأ قُلُوب الْمُهَاجِرين فعاتبهم على رَأس ثَلَاثًا عشرَة سنة من نزُول الْقُرْآن فَقَالَ: {ألم يَأن للَّذين آمنُوا} الْآيَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة فِي المُصَنّف عَن عبد الْعَزِيز بن أبي رواد أَن أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ظهر مِنْهُم المزاح والضحك فَنزلت {ألم يَأن للَّذين آمنُوا} الْآيَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مقَاتل بن حَيَّان قَالَ: كَانَ أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد أخذُوا فِي شَيْء من المزاح فَأنْزل الله {ألم يَأن للَّذين آمنُوا} الْآيَة وَأخرج ابْن الْمُبَارك وَعبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر عَن الْأَعْمَش قَالَ: لم قدم أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَدِينَة فَأَصَابُوا من لين الْعَيْش مَا أَصَابُوا بَعْدَمَا كَانَ بهم من الْجهد فكأنهم فتروا عَن بعض مَا كَانُوا عَلَيْهِ فعوتبوا فَنزلت {ألم يَأن للَّذين آمنُوا} الْآيَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق السّديّ عَن الْقَاسِم قَالَ: مل أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِلَّة فَقَالُوا: حَدثنَا يَا رَسُول الله فَأنْزل الله (نَحن نقص عَلَيْك أحسن الْقَصَص) (سُورَة يُوسُف الْآيَة 3) ثمَّ ملوا مِلَّة فَقَالُوا حَدثنَا يَا رَسُول الله فَأنْزل الله {ألم يَأن للَّذين آمنُوا} الْآيَة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن مَسْعُود أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَا يطولن عَلَيْكُم(8/58)
الأمد فتقسوا قُلُوبكُمْ أَلا أَن كل مَا هُوَ آتٍ قريب أَلا إِنَّمَا الْبعيد مَا لَيْسَ بآت
وَأخرجه ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن مَسْعُود مَرْفُوعا
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن عبد الله بن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِن بني إِسْرَائِيل لما طَال عَلَيْهِم الأمد قست قُلُوبهم اخترعوا كتابا من عِنْد أنفسهم استهوته قُلُوبهم واستحلته ألسنتهم وَكَانَ الْحق يحول بَينهم وَبَين كثير من شهواتهم حَتَّى نبذوا كتاب الله وَرَاء ظُهُورهمْ كَأَنَّهُمْ لَا يعلمُونَ فَقَالُوا: أَعرضُوا هَذَا الْكتاب على بني إِسْرَائِيل فَإِن تابعوكم فاتركوهم وَإِن خالفوكم فاقتلوهم قَالُوا: لَا بل أرْسلُوا إِلَى فلَان رجل من عُلَمَائهمْ فاعرضوا عَلَيْهِ هَذَا الْكتاب فَإِن تابعكم فَلَنْ يخالفكم أحد بعده وَإِن خالفكم فَاقْتُلُوهُ فَلَنْ يخْتَلف عَلَيْكُم أحد بعده فأرسلوا إِلَيْهِ فَأخذ ورقة وَكتب فِيهَا كتاب الله ثمَّ علقها فِي عُنُقه ثمَّ لبس عَلَيْهِ الثِّيَاب فعرضوا عَلَيْهِ الْكتاب فَقَالُوا: أتؤمن بِهَذَا فَأَوْمأ إِلَى صَدره فَقَالَ: آمَنت وَمَا لي لَا أومن بِهَذَا يَعْنِي الْكتاب الَّذِي فِيهِ الْقُرْآن فَخلوا سَبيله وَكَانَ لَهُ أَصْحَاب يغشونه فَلَمَّا مَاتَ وجدوا الْكتاب الَّذِي فِيهِ الْقُرْآن مُعَلّق عَلَيْهِ فَقَالُوا: أَلا ترَوْنَ إِلَى قَوْله: آمَنت بِهَذَا وَمَالِي لَا أومن بِهَذَا إِنَّمَا عَنى هَذَا الْكتاب فَاخْتلف بنوا إِسْرَائِيل على بضع وَسبعين مِلَّة وَخير مللهم أَصْحَاب ذِي الْقُرْآن
قَالَ عبد الله: وَإِن من بَقِي مِنْكُم سيرى مُنْكرا وبحسب امْرِئ يرى مُنْكرا لَا يَسْتَطِيع أَن يُغَيِّرهُ أَن يعلم الله من قلبه أَنه كَارِه لَهُ
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنهُ أَنه كَانَ إِذا تَلا هَذِه الْآيَة {ألم يَأن للَّذين آمنُوا أَن تخشع قُلُوبهم لذكر الله} ثمَّ قَالَ: بلَى يَا رب بلَى يَا رب
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي الْآيَة شَدَّاد بن أَوْس: أول مَا يرفع من النَّاس الْخُشُوع
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {الأمد} قَالَ: الدَّهْر
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي حَرْب بن أبي الْأسود عَن أَبِيه قَالَ: جمع أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيّ الْقُرَّاء فَقَالَ: لَا يدخلن عَلَيْكُم إِلَّا من جمع الْقُرْآن فَدَخَلْنَا ثَلَاثمِائَة رجل فوعظنا وَقَالَ: أَنْتُم قراء هَذِه الْبَلَد وَالله ليطولن عَلَيْكُم الأمد فتقسو قُلُوبكُمْ كَمَا قست قُلُوب أهل الْكتاب
الْآيَة 19 - 21(8/59)
وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (19) اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ (20) سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (21)
أخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي الدَّرْدَاء رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من فرّ بِدِينِهِ من أَرض إِلَى أَرض مَخَافَة الْفِتْنَة على نَفسه وَدينه كتب عِنْد الله صديقا فَإِذا مَاتَ قَبضه الله شَهِيدا وتلا هَذِه الْآيَة {وَالَّذين آمنُوا بِاللَّه وَرُسُله أُولَئِكَ هم الصديقون وَالشُّهَدَاء عِنْد رَبهم} ثمَّ قَالَ: والفارون بدينهم من أَرض إِلَى أَرض يَوْم الْقِيَامَة مَعَ عِيسَى ابْن مَرْيَم فِي دَرَجَته فِي الْجنَّة
وَأخرج ابْن جرير عَن الْبَراء بن عَازِب رَضِي الله عَنهُ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: مؤمنو أمتِي شُهَدَاء ثمَّ تَلا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وَالَّذين آمنُوا بِاللَّه وَرُسُله أُولَئِكَ هم الصديقون وَالشُّهَدَاء عِنْد رَبهم}
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِن الرجل ليَمُوت على فرَاشه وَهُوَ شَهِيد ثمَّ تَلا {وَالَّذين آمنُوا بِاللَّه وَرُسُله أُولَئِكَ هم الصديقون وَالشُّهَدَاء عِنْد رَبهم}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ يَوْمًا وهم عِنْده: كلكُمْ صديق وشهيد قيل لَهُ: مَا تَقول يَا أَبَا هُرَيْرَة قَالَ: أقرأوا {وَالَّذين آمنُوا بِاللَّه وَرُسُله أُولَئِكَ هم الصديقون وَالشُّهَدَاء عِنْد رَبهم}(8/60)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِنَّمَا الشَّهِيد الَّذِي لَو مَاتَ على فرَاشه دخل الْجنَّة يَعْنِي الَّذِي يَمُوت على فرَاشه وَلَا ذَنْب لَهُ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كل مُؤمن صديق وشهيد ثمَّ تَلا {وَالَّذين آمنُوا بِاللَّه وَرُسُله أُولَئِكَ هم الصديقون وَالشُّهَدَاء عِنْد رَبهم}
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَمْرو بن مَيْمُون قَالَ: كل مُؤمن صديق ثمَّ قَرَأَ {وَالَّذين آمنُوا بِاللَّه وَرُسُله أُولَئِكَ هم الصديقون} قَالَ: هَذِه مفصولة {وَالشُّهَدَاء عِنْد رَبهم لَهُم أجرهم ونورهم}
وَأخرج ابْن جرير عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله: {وَالَّذين آمنُوا بِاللَّه وَرُسُله أُولَئِكَ هم الصديقون} قَالَ: هَذِه مفصولة سماهم صديقين ثمَّ قَالَ: {وَالشُّهَدَاء عِنْد رَبهم لَهُم أجرهم ونورهم}
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مَسْرُوق قَالَ: هِيَ للشهداء خَاصَّة
وَأخرج ابْن حبَان عَن عَمْرو بن مَيْمُون الْجُهَنِيّ قَالَ: جَاءَ رجل للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا رَسُول الله أَرَأَيْت إِن شهِدت أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَنَّك رَسُول الله وَصليت الصَّلَوَات الْخمس وَأديت الزَّكَاة وَصمت رَمَضَان وقمته فَمِمَّنْ أَنا قَالَ: من الصديقين وَالشُّهَدَاء
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قتاة فِي قَوْله: {وَفِي الْآخِرَة عَذَاب شَدِيد ومغفرة من الله ورضوان} قَالَ: صَار النَّاس إِلَى هذَيْن الحرفين فِي الْآخِرَة
الْآيَة 22 - 24(8/61)
مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (22) لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (23) الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (24)
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {مَا أصَاب من مُصِيبَة فِي الأَرْض وَلَا فِي أَنفسكُم} يَقُول: فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الدّين {إِلَّا فِي كتاب من قبل أَن نبرأها} قَالَ: نخلقها {لكَي لَا تأسوا على مَا فاتكم} من الدُّنْيَا {وَلَا تفرحوا بِمَا آتَاكُم} مِنْهَا
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {مَا أصَاب من مُصِيبَة} الْآيَة قَالَ: هُوَ شَيْء قد فرغ مِنْهُ من قبل أَن تَبرأ الْأَنْفس
وَأخرج أَحْمد وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن أبي حسان أَن رجلَيْنِ دخلا على عَائِشَة فَقَالَا: إِن أَبَا هُرَيْرَة يحدث أَن نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَقُول: إِنَّمَا الطَّيرَة فِي الدَّابَّة وَالْمَرْأَة وَالدَّار فَقَالَت: وَالَّذِي أنزل الْقُرْآن على أبي الْقَاسِم مَا هَكَذَا كَانَ يَقُول: وَلَكِن كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: كَانَ أهل الْجَاهِلِيَّة يَقُولُونَ: إِنَّمَا الطَّيرَة فِي الْمَرْأَة وَالدَّابَّة وَالدَّار ثمَّ قَرَأت {مَا أصَاب من مُصِيبَة فِي الأَرْض وَلَا فِي أَنفسكُم إِلَّا فِي كتاب من قبل أَن نبرأها إِن ذَلِك على الله يسير}
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن الْحسن أَنه سُئِلَ عَنهُ هَذِه الْآيَة فَقَالَ: سُبْحَانَ الله من يشك فِي هَذَا كل مُصِيبَة فِي السَّمَاء وَالْأَرْض فَفِي كتاب من قبل أَن تَبرأ النَّسمَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {لكَي لَا تأسوا على مَا فاتكم} الْآيَة قَالَ: لَيْسَ أحد إِلَّا وَهُوَ يحزن ويفرح وَلَكِن إِن أَصَابَته مُصِيبَة جعلهَا صبرا وَإِن أَصَابَهُ خير جعله شكرا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {مَا أصَاب من مُصِيبَة فِي الأَرْض وَلَا فِي أَنفسكُم إِلَّا فِي كتاب من قبل أَن نبرأها} يُرِيد مصائب المعاش وَلَا يُرِيد مصائب الدّين أَنه قَالَ: {لكَي لَا تأسوا على مَا فاتكم وَلَا تفرحوا بِمَا آتَاكُم} وَلَيْسَ عَن مصائب الدّين أَمرهم أَن يأسوا على السَّيئَة ويفرحوا بِالْحَسَنَة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الْحسن فِي الْآيَة قَالَ: إِنَّه ليقضي بِالسَّيِّئَةِ فِي السَّمَاء وَهُوَ كل يَوْم فِي شَأْن ثمَّ يضْرب لَهَا أجل فيحسبها إِلَى أجلهَا فَإِذا جَاءَ أجلهَا أرسلها فَلَيْسَ لَهَا مَرْدُود أَنه كَائِن فِي يَوْم كَذَا من شهر كَذَا من سنة كَذَا فِي بلد كَذَا من الْمُصِيبَة من(8/62)
الْقَحْط والرزق والمصيبة فِي الْخَاصَّة والعامة حَتَّى إِن الرجل يَأْخُذ الْعَصَا يتَوَكَّأ بهَا وَقد كَانَ لَهَا كَارِهًا ثمَّ يعتادها حَتَّى مَا يَسْتَطِيع تَركهَا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن الرّبيع بن أبي صَالح قَالَ: دخلت على سعيد بن جُبَير فِي نفر فَبكى رجل من الْقَوْم فَقَالَ: مَا يبكيك فَقَالَ: أبْكِي لما أرى بك وَلما يذهب بك إِلَيْهِ قَالَ: فَلَا تبك فَإِنَّهُ كَانَ فَعلم الله أَن يكون أَلا تسمع إِلَى قَوْله: {مَا أصَاب من مُصِيبَة فِي الأَرْض وَلَا فِي أَنفسكُم إِلَّا فِي كتاب من قبل أَن نبرأها}
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {مَا أصَاب من مُصِيبَة فِي الأَرْض وَلَا فِي أَنفسكُم إِلَّا فِي كتاب} قَالَ: الأوجاع والأمراض {من قبل أَن نبرأها} قَالَ: من قبل أَن نخلقها
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ فِي الْآيَة قَالَ: أنزل الله الْمُصِيبَة ثمَّ حَبسهَا عِنْده ثمَّ يخلق صَاحبهَا فَإِذا عمل خطيئتها أرسلها عَلَيْهِ
وَأخرج الديليمي عَن سليم بن جَابر النجيمي قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: سيفتح على أمتِي بَاب من الْقدر فِي آخر الزَّمَان لَا يسده شَيْء يكفيكم مِنْهُ أَن تقوهم بِهَذِهِ الْآيَة {مَا أصَاب من مُصِيبَة فِي الأَرْض وَلَا فِي أَنفسكُم إِلَّا فِي كتاب} الْآيَة
وَأخرج عبد بن حميد وَعبد بن أَحْمد فِي زَوَائِد الزّهْد عَن قزعة قَالَ: رَأَيْت على ابْن عمر ثيابًا خشنة فَقلت: يَا أَبَا عبد الرَّحْمَن إِنِّي قد أَتَيْتُك بِثَوْب لين مِمَّا يصنع بخراسان وتقر عَيْني أَن أرَاهُ عَلَيْك فَإِن عَلَيْك ثيابًا خشنة قَالَ: إِنِّي أَخَاف أَن ألبسهُ فَأَكُون مختالاً فخوراً {وَالله لَا يحب كل مختال فخور}
الْآيَة 25 - 27(8/63)
لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (25) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (26) ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (27)
أخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {وأنزلنا مَعَهم الْكتاب وَالْمِيزَان} قَالَ: الْعدْل
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {وأنزلنا الْحَدِيد فِيهِ بَأْس شَدِيد وَمَنَافع للنَّاس} قَالَ: جنَّة وَسلَاح
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله: {وأنزلنا الْحَدِيد} الْآيَة قَالَ: إِن أول مَا أنزل الله من الْحَدِيد الكلبتين وَالَّذِي يضْرب عَلَيْهِ الْحَدِيد
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس أَنه سُئِلَ عَن الْأَيَّام فَقَالَ: السبت عدد والأحد عدد والاثنين يَوْم تعرض فِيهِ الْأَعْمَال وَالثُّلَاثَاء يَوْم الدَّم وَالْأَرْبِعَاء يَوْم الْحَدِيد {وأنزلنا الْحَدِيد فِيهِ بَأْس شَدِيد} وَالْخَمِيس يَوْم تعرض الْأَعْمَال وَالْجُمُعَة يَوْم بَدَأَ الله الْخلق وَفِيه تقوم السَّاعَة
قَوْله تَعَالَى: {وَجَعَلنَا فِي قُلُوب الَّذين اتَّبعُوهُ} الْآيَة
أخرج عبد بن حميد والحكيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول وَأَبُو يعلى وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان وَابْن عَسَاكِر من طرق عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: قَالَ لي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يَا عبد الله: قلت: لبيْك يَا رَسُول الله ثَلَاث مَرَّات قَالَ: هَل تَدْرِي أَي عرا الإِيمان أوثق قلت: الله وَرَسُوله أعلم قَالَ: أوثق عرا الإِيمان الْولَايَة فِي الله بالحب فِيهِ والبغض فِيهِ قَالَ: هَل تَدْرِي أَي النَّاس أفضل قلت: الله وَرَسُوله أعلم قَالَ: أفضل النَّاس أفضلهم عملا إِذا تفقهوا فِي الدّين يَا عبد الله هَل تَدْرِي أَي النَّاس أعلم قلت: الله وَرَسُوله أعلم قَالَ: فَإِن أعلم النَّاس أبصرهم بِالْحَقِّ إِذا اخْتلف النَّاس وَإِن كَانَ مقصراً بِالْعَمَلِ وَإِن كَانَ يزحف على استه وَاخْتلف من كَانَ قبلنَا على اثْنَتَيْنِ وَسبعين فِرْقةً نجا مِنْهَا ثَلَاث وَهلك سائرها فرقة (من الْفِرَاق) وزت الْمُلُوك وقاتلتهم على دين الله وَعِيسَى ابْن مَرْيَم حَتَّى قتلوا وَفرْقَة لم يكن لَهُم طَاقَة بموازاة الْمُلُوك وَلَا(8/64)
بالْمقَام مَعَهم فساحوا فِي الْجبَال وترهبوا فِيهَا وهم الَّذين قَالَ الله: {ورهبانية ابتدعوها مَا كتبناها عَلَيْهِم إِلَّا ابْتِغَاء رضوَان الله فَمَا رعوها حق رعايتها فآتينا الَّذين آمنُوا مِنْهُم أجرهم} الَّذين آمنُوا بِي وصدقوني {وَكثير مِنْهُم فَاسِقُونَ} الَّذين كفرُوا بِي وجحدوني
وَأخرج النَّسَائِيّ والحكيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَت مُلُوك بعد عِيسَى بدلت التَّوْرَاة والإِنجيل فَكَانَ مِنْهُم مُؤمنُونَ يقرأون التَّوْرَاة والإِنجيل فَقيل لملوكهم: مَا نجد شَيْئا أَشد من شتم يشتمنا هَؤُلَاءِ انهم يقرؤون (وَمن لم يحكم بِمَا أنزل الله فَأُولَئِك هم الْكَافِرُونَ) (الْمَائِدَة الْآيَة 44) (وَمن لم يحكم بِمَا أنزل الله فَأُولَئِك هم الظَّالِمُونَ) (الْمَائِدَة الْآيَة 45) (وَمن لم يحكم بِمَا أنزل الله فَأُولَئِك هم الْفَاسِقُونَ) (الْمَائِدَة الْآيَة 47) مَعَ مَا يعيبوننا بِهِ من أَعمالنَا فِي قراءتهم فادعهم فليقرؤوا كَمَا نَقْرَأ وليؤمنوا كَمَا آمنا فَدَعَاهُمْ فَجَمعهُمْ وَعرض عَلَيْهِم الْقَتْل أَو يتْركُوا قرءة التَّوْرَاة والإِنجيل إِلَّا مَا بدلُوا مِنْهَا فَقَالُوا: مَا تُرِيدُونَ إِلَى ذَلِك دَعونَا فَقَالَت طَائِفَة مِنْهُم: ابْنُوا لنا اسطوانة ثمَّ ارفعونا إِلَيْهَا ثمَّ أعطونا شَيْئا ترفع بِهِ طعامنا وشرابنا وَلَا ترد عَلَيْكُم وَقَالَت طَائِفَة: دَعونَا نسيح فِي الأَرْض ونهيم وَنَأْكُل مِمَّا تَأْكُل مِنْهُ الوحوش وَنَشْرَب مِمَّا تشرب فَإِن قدرتم علينا فِي أَرْضكُم فاقتلونا وَقَالَت طَائِفَة: ابْنُوا لنا ديوراً فِي الفيافي ونحتفر الْآبَار ونحرث الْبُقُول فَلَا نَرِد عَلَيْكُم وَلَا نمر بكم وَلَيْسَ أحد من الْقَبَائِل إِلَّا لَهُ حميم فيهم فَفَعَلُوا ذَلِك فَأنْزل الله {ورهبانية ابتدعوها مَا كتبناها عَلَيْهِم إِلَّا ابْتِغَاء رضوَان الله فَمَا رعوها حق رعايتها} قَالَ: وَالْآخرُونَ مِمَّن تعبد من أهل الشّرك وفني من قد فني مِنْهُم قَالُوا: نتعبد كَمَا تعبد فلَان ونسيح كَمَا ساح فلَان ونتخذ ديوراً كَمَا اتخذ فلَان وهم على شركهم لَا علم لَهُم بإِيمان الَّذين اقتدوا بهم فَلَمَّا بعث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلم يبْق مِنْهُم إِلَّا الْقَلِيل انحط صَاحب الصومعة من صومعته وَجَاء السائح من سياحته وَصَاحب الدَّيْر من ديره فآمنوا بِهِ وَصَدقُوهُ فَقَالَ الله تَعَالَى: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا اتَّقوا الله وآمنوا بِرَسُولِهِ يُؤْتكُم كِفْلَيْنِ من رَحمته} أَجْرَيْنِ بإيمَانهمْ بِعِيسَى وَنصب أنفسهم والتوراة والإِنجيل وبإيمانهم بِمُحَمد وتصديقهم {وَيجْعَل لكم نورا تمشون بِهِ} الْقُرْآن واتباعهم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم(8/65)
وَأخرج أَبُو يعلى عَن أنس أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَا تشددوا على أَنفسكُم فيشدد عَلَيْكُم فَإِن قوما شَدَّدُوا على أنفسهم فَشدد عَلَيْهِم فَتلك بقاياهم فِي الصوامع والديارات {ورهبانية ابتدعوها مَا كتبناها عَلَيْهِم}
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن سهل بن أبي أُمَامَة بن سهل بن جُبَير عَن أَبِيه عَن جده أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَا تشددوا على أَنفسكُم فَإِنَّمَا هلك من كَانَ قبلكُمْ بتشديدهم على أنفسهم وستجدون بقاياهم فِي الصوامع والديارات
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه وَابْن نصر عَن أبي أُمَامَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِن الله كتب عَلَيْكُم صِيَام شهر رَمَضَان وَلم يكْتب عَلَيْكُم قِيَامه وَإِنَّمَا الْقيام شَيْء ابتدعتموه فدوموا عَلَيْهِ وَلَا تتركوه فَإِن نَاسا من بني إِسْرَائِيل ابتدعوا بِدعَة فعابهم الله بِتَرْكِهَا وتلا هَذِه الْآيَة {ورهبانية ابتدعوها}
وَأخرج أَحْمد والحكيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول وَأَبُو يعلى وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن أنس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن لكل أمة رَهْبَانِيَّة ورهبانية هَذِه الْأمة الْجِهَاد فِي سَبِيل الله
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {ورهبانية ابتدعوها} قَالَ: ذكر لنا أَنهم رفضوا النِّسَاء وَاتَّخذُوا الصوامع
الْآيَة 28 - 29(8/66)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (28) لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (29)
أخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن ابْن عَبَّاس أَن أَرْبَعِينَ من أَصْحَاب النَّجَاشِيّ قدمُوا على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَشَهِدُوا مَعَه أحدا فَكَانَت فيهم جراحات وَلم يقتل مِنْهُم أحد فَلَمَّا رَأَوْا مَا بِالْمُؤْمِنِينَ من الْحَاجة قَالُوا يَا رَسُول الله: إِنَّا أهل ميسرَة فائذن لنا نجيء بِأَمْوَالِنَا نواسي بهَا الْمُسلمين فَأنْزل الله فيهم {الَّذين آتَيْنَاهُم الْكتاب من قبله هم بِهِ يُؤمنُونَ}(8/66)
إِلَى قَوْله: {أُولَئِكَ يُؤْتونَ أجرهم مرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا} فَجعل لَهُم أَجْرَيْنِ قَالَ: {ويدرؤون بِالْحَسَنَة السَّيئَة} قَالَ: أَي النَّفَقَة الَّتِي وَاسَوْا بهَا الْمُسلمين فَلَمَّا نزلت هَذِه الْآيَة قَالُوا: يَا معشر الْمُسلمين أما من آمن منا بِكِتَابِكُمْ فَلهُ أَجْرَانِ وَمن لم يُؤمن بِكِتَابِكُمْ فَلهُ أجر كَأُجُورِكُمْ فَأنْزل الله {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا اتَّقوا الله وآمنوا بِرَسُولِهِ يُؤْتكُم كِفْلَيْنِ من رَحمته وَيجْعَل لكم نورا تمشون بِهِ وَيغْفر لكم} فَزَادَهُم النُّور وَالْمَغْفِرَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير مثله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مقَاتل بن حَيَّان قَالَ: لما نزلت {أُولَئِكَ يُؤْتونَ أجرهم مرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا} فَخر مؤمنو أهل الْكتاب على أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالُوا: لنا أَجْرَانِ وَلكم أجر فَاشْتَدَّ ذَلِك على الصَّحَابَة فَأنْزل الله {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا اتَّقوا الله وآمنوا بِرَسُولِهِ يُؤْتكُم كِفْلَيْنِ من رَحمته} فَجعل لَهُم أَجْرَيْنِ مثل أجور مؤمني أهل الْكتاب وَسوى بَينهم فِي الْأجر
وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن عَبَّاس {يُؤْتكُم كِفْلَيْنِ من رَحمته} قَالَ: أَجْرَيْنِ {وَيجْعَل لكم نورا تمشون بِهِ} قَالَ: الْقُرْآن
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد {يُؤْتكُم كِفْلَيْنِ من رَحمته} قَالَ: ضعفين {وَيجْعَل لكم نورا تمشون بِهِ} قَالَ: هدى
وَأخرج عبد بن حميد عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله: {كِفْلَيْنِ} قَالَ: أَجْرَيْنِ
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة {كِفْلَيْنِ} قَالَ: حظين
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {كِفْلَيْنِ} قَالَ: ضعفين
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي مُوسَى فِي قَوْله: {كِفْلَيْنِ} قَالَ: ضعفين وَهِي بِلِسَان الْحَبَشَة
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عمر فِي قَوْله: {يُؤْتكُم كِفْلَيْنِ من رَحمته} قَالَ: الكفل ثَلَاثمِائَة جُزْء وَخَمْسُونَ جزأ من رَحْمَة الله
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي قلَابَة فِي قَوْله: {يُؤْتكُم كِفْلَيْنِ من رَحمته} قَالَ: الكفل ثَلَاثمِائَة جُزْء من الرَّحْمَة(8/67)
وَأخرج ابْن الضريس عَن سعيد بن جُبَير {وَيجْعَل لكم نورا تمشون بِهِ} قَالَ: الْقُرْآن
وَأخرج عبد بن حميد عَن يزِيد بن حَازِم قَالَ: سَمِعت عِكْرِمَة وَعبد الله بن أبي سَلمَة رَضِي الله عَنْهُمَا قَرَأَ أَحدهمَا {لِئَلَّا يعلم أهل الْكتاب} وَقَرَأَ الآخر ليعلم أهل الْكتاب
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن الله قسم الْعَمَل وَقسم الْأجر وَفِي لفظ وَقسم الْأَجَل فَقيل للْيَهُود: اعْمَلُوا فعملوا إِلَى نصف النَّهَار فَقيل: لكم قِيرَاط وَقيل لِلنَّصَارَى: اعْمَلُوا فعملوا من نصف النَّهَار فَقيل: لكم قِيرَاط وَقيل للْمُسلمين: اعْمَلُوا فعملوا من الْعَصْر إِلَى غرُوب الشَّمْس فَقيل: لكم قيراطان فتكلمت الْيَهُود وَالنَّصَارَى فِي ذَلِك فَقَالَت الْيَهُود: أنعمل إِلَى نصف النَّهَار فَيكون لنا قِيرَاط وَقَالَت النَّصَارَى: أنعمل من نصف النَّهَار إِلَى الْعَصْر فَيكون لنا قِيرَاط وَيعْمل هَؤُلَاءِ من الْعَصْر إِلَى غرُوب الشَّمْس فَيكون لَهُم قيراطان فَأنْزل الله {لِئَلَّا يعلم أهل الْكتاب إِلَّا يقدرُونَ على شَيْء من فضل اللهْ} إِلَى آخر الْآيَة ثمَّ قَالَ: إِن مثلكُمْ فِيمَا قبلكُمْ من الْأُمَم كَمَا بَين الْعَصْر إِلَى غرُوب الشَّمْس
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما نزلت {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا اتَّقوا الله} الْآيَة حسدهم أهل الْكتاب عَلَيْهَا فَأنْزل الله {لِئَلَّا يعلم أهل الْكتاب} الْآيَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَت الْيَهُود: يُوشك أَن يخرج منا نَبِي فَيقطع الْأَيْدِي والأرجل فَلَمَّا خرج من الْعَرَب كفرُوا فَأنْزل الله {لِئَلَّا يعلم أهل الْكتاب} الْآيَة يَعْنِي بِالْفَضْلِ النُّبُوَّة
وَأخرج عبد بن حميد ابْن الْمُنْذر عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ أَنه قَرَأَ كي لَا يعلم أهل الْكتاب وَالله أعلم
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم(8/68)
سُورَة المجادلة
مَدَنِيَّة وآياتها اثْنَتَانِ وَعِشْرُونَ
أخرج ابْن الضريس والنحاس وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: نزلت سُورَة المجادلة بِالْمَدِينَةِ
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن الزبير مثله وَالله أعلم
الْآيَة 1 - 4(8/69)
قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (1) الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (2) وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (3) فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ (4)
أخرج سعيد بن مَنْصُور وَالْبُخَارِيّ تَعْلِيقا وَعبد بن حميد وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن عَائِشَة قَالَت: الْحَمد لله الَّذِي وسع سَمعه(8/69)
الْأَصْوَات لقد جَاءَت المجادلة إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تكَلمه وَأَنا فِي نَاحيَة الْبَيْت لَا أسمع مَا تَقول فَأنْزل الله {قد سمع الله قَول الَّتِي تُجَادِلك فِي زَوجهَا} إِلَى آخر الْآيَة
وَأخرج ابْن ماجة ابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ عَن عَائِشَة قَالَت: تبَارك الَّذِي وسع سَمعه كل شَيْء إِنِّي لأسْمع كَلَام خَوْلَة بنت ثَعْلَبَة وَيخْفى عليّ بعضه وَهِي تَشْتَكِي زَوجهَا إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهِي تَقول: يَا رَسُول الله أكل شَبَابِي وَنَثَرت لَهُ بَطْني حَتَّى إِذا كبر سني وَانْقطع وَلَدي ظَاهر مني اللَّهُمَّ إِنِّي أَشْكُو إِلَيْك فَمَا بَرحت حَتَّى نزل جِبْرِيل بهؤلاء الْآيَات {قد سمع الله قَول الَّتِي تُجَادِلك فِي زَوجهَا} وَهُوَ أَوْس بن الصَّامِت
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن ابْن زيد قَالَ: لَقِي عمر بن الْخطاب امْرَأَة يُقَال لَهَا خَوْلَة وَهُوَ يسير مَعَ النَّاس فاستوقفته فَوقف لَهَا ودنا مِنْهَا وأصغى إِلَيْهَا رَأسه وَوضع يَدَيْهِ على منكبيها حَتَّى قَضَت حَاجَتهَا وانصرفت فَقَالَ لَهُ رجل يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ: حبست رجال قُرَيْش على هَذِه الْعَجُوز قَالَ: وَيحك وَتَدْرِي من هَذِه قَالَ: لَا قَالَ: هَذِه امْرَأَة سمع الله شكواها من فَوق سبع سموات هَذِه خَوْلَة بنت ثَعْلَبَة وَالله لَو لم تَنْصَرِف عني إِلَى اللَّيْل مَا انصرفت حَتَّى تقضي حَاجَتهَا
وَأخرج البُخَارِيّ فِي تَارِيخه وَابْن مرْدَوَيْه عَن ثُمَامَة بن حزن قَالَ: بَيْنَمَا عمر بن الْخطاب يسير على حِمَاره لَقيته امْرَأَة فَقَالَت: قف يَا عمر فَوقف فأغلظت لَهُ القَوْل فَقَالَ رجل: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ مَا رَأَيْت كَالْيَوْمِ فَقَالَ: وَمَا يَمْنعنِي أَن أستمع إِلَيْهَا وَهِي الَّتِي اسْتمع الله لَهَا أنزل فِيهَا مَا نزل {قد سمع الله قَول الَّتِي تُجَادِلك فِي زَوجهَا}
وَأخرج أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَابْن الْمُنْذر وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ من طَرِيق يُوسُف بن عبد الله بن سَلام قَالَ: حَدَّثتنِي خَوْلَة بنت ثَعْلَبَة قَالَت: فيّ وَالله وَفِي أَوْس بن الصَّامِت أنزل الله صدر سُورَة المجادلة قَالَت: كنت عِنْده وَكَانَ شَيخا كَبِيرا قد سَاءَ خلقه فَدخل عليّ يَوْمًا فراجعته بِشَيْء فَغَضب فَقَالَ: أَنْت عَليّ كَظهر أُمِّي ثمَّ رَجَعَ فَجَلَسَ فِي نَادِي قومه سَاعَة ثمَّ دخل عليّ فَإِذا هُوَ يُرِيدنِي عَن نَفسِي قلت: كلا وَالَّذِي نفس خَوْلَة بِيَدِهِ لَا تصل إليّ وَقد قلت مَا قلت حَتَّى يحكم الله وَرَسُوله فِينَا ثمَّ جِئْت إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذكرت لَهُ ذَلِك فَمَا(8/70)
بَرحت حَتَّى نزل الْقُرْآن فتغشى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا كَانَ يتغشاه ثمَّ سرّي عَنهُ فَقَالَ لي: يَا خَوْلَة قد أنزل الله فِيك وَفِي صَاحبك ثمَّ قَرَأَ عليَّ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {قد سمع الله قَول الَّتِي تُجَادِلك فِي زَوجهَا} إِلَى قَوْله: {عَذَاب أَلِيم} فَقَالَ لي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مريه فليعتق رَقَبَة قلت يَا رَسُول الله: مَا عِنْده مَا يعْتق قَالَ: فليصم شَهْرَيْن مُتَتَابعين قلت: وَالله إِنَّه لشيخ كَبِير مَا بِهِ من صِيَام قَالَ: فليطعم سِتِّينَ مِسْكينا وسْقا من تمر قلت: وَالله مَا ذَاك عِنْده قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: فَإنَّا سنعينه بعرق من تمر قلت: وَأَنا يَا رَسُول الله سأعينه بعرق آخر قَالَ: فقد أصبت وأحسنت فاذهبي فتصدقي بِهِ عَنهُ ثمَّ استوصي بِابْن عمك خيرا
قَالَت: فَفعلت
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ عَن عَطاء بن يسَار أَن أَوْس بن الصَّامِت ظَاهر من امْرَأَته خَوْلَة بنت ثَعْلَبَة فَجَاءَت إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَخْبَرته وَكَانَ أَوْس بِهِ لمَم فَنزل الْقُرْآن {وَالَّذين يظاهرون من نِسَائِهِم ثمَّ يعودون لما قَالُوا فَتَحْرِير رَقَبَة من قبل أَن يتماسا} فَقَالَ لامْرَأَته: مريه فليعتق رَقَبَة فَقَالَت يَا رَسُول الله: وَالَّذِي أَعْطَاك مَا أَعْطَاك مَا جِئْت إِلَّا رَحْمَة لَهُ إِن لَهُ فيّ مَنَافِع وَالله مَا عِنْده رَقَبَة وَلَا يملكهَا قَالَت: فَنزل الْقُرْآن وَهِي عِنْده فِي الْبَيْت قَالَ: مريه فليصم شَهْرَيْن مُتَتَابعين فَقَالَت: وَالَّذِي أَعْطَاك مَا أَعْطَاك مَا قدر عَلَيْهِ فَقَالَ: مريه فليتصدق على سِتِّينَ مِسْكينا فَقَالَت: يَا رَسُول الله مَا عِنْده مَا يتَصَدَّق بِهِ فَقَالَ: يذهب إِلَى فلَان الْأنْصَارِيّ فَإِن عِنْده شطر وسق تمر أَخْبرنِي أَنه يُرِيد أَن يتَصَدَّق بِهِ فليأخذ مِنْهُ ثمَّ ليتصدق على سِتِّينَ مِسْكينا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي السّنَن عَن عَائِشَة أَن خَوْلَة كَانَت امْرَأَة أَوْس بن الصَّامِت وَكَانَ إمرأ بِهِ لمَم فَإِذا اشْتَدَّ لممه ظَاهر من امْرَأَته فَأنْزل الله فِيهِ كَفَّارَة الظِّهَار
وَأخرج النّحاس وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ من طَرِيق عِكْرِمَة عَن ابْن عَابس قَالَ: كَانَ الرجل فِي الْجَاهِلِيَّة لَو قَالَ لامْرَأَته: أَنْت عليَّ كَظهر أُمِّي حرمت عَلَيْهِ وَكَانَ أول من ظَاهر فِي الْإِسْلَام أَوْس بن الصَّامِت وَكَانَت تَحْتَهُ ابْنة عَم لَهُ يُقَال لَهَا خَوْلَة فَظَاهر مِنْهَا فأسقط فِي يَده وَقَالَ: مَا أَرَاك إِلَّا قد حرمت عليّ فانطلقي إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فاسأليه فَأَتَت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَوجدت عِنْده ماشطة تمشط رَأسه فَأَخْبَرته فَقَالَ: يَا خَوْلَة مَا أمرنَا فِي أَمرك بِشَيْء فَأنْزل الله على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا خَوْلَة(8/71)
ابشري قَالَت: خيرا قَالَ: خيرا فَأنْزل الله على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَرَأَ عَلَيْهَا {قد سمع الله قَول الَّتِي تُجَادِلك فِي زَوجهَا} الْآيَات
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس أَن خَوْلَة أَو خُوَيْلَة أَتَت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَت: يَا رَسُول الله إِن زَوجي ظَاهر مني فَقَالَ لَهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا أَرَاك إِلَّا قد حرمت عَلَيْهِ فَقَالَت أَشْكُو إِلَى الله فَاقَتِي فَأنْزل الله {قد سمع الله قَول الَّتِي تُجَادِلك فِي زَوجهَا وتشتكي إِلَى الله}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ فِي الْقُرْآن [] مَا أنزل الله جملَة وَاحِدَة {قد سمع الله قَول الَّتِي تُجَادِلك فِي زَوجهَا وتشتكي إِلَى الله} كَانَ هَذَا قبل أَن تخلق خَوْلَة لَو أَن خَوْلَة أَرَادَت أَن لَا تجَادل لم يكن ذَلِك لِأَن الله كَانَ قد قدر ذَلِك عَلَيْهَا قبل أَن يخلقها
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {قد سمع الله قَول الَّتِي تُجَادِلك فِي زَوجهَا} وَذَلِكَ أَن خَوْلَة امْرَأَة من الْأَنْصَار ظَاهر مِنْهَا زَوجهَا فَقَالَ: أَنْت عَليّ كَظهر أُمِّي فَأَتَت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَت: إِن زَوجي كَانَ تزَوجنِي وَأَنا أحب النَّاس إِلَيْهِ حَتَّى إِذا كَبرت وَدخلت فِي السن قَالَ: أَنْت عليّ كَظهر أُمِّي وَتَرَكَنِي إِلَى غير أحد فَإِن كنت تَجِد لي رخصَة يَا رَسُول الله تنعشني وإياه بهَا فَحَدثني بهَا قَالَ: وَالله مَا أمرت فِي شَأْنك بِشَيْء حَتَّى الْآن وَلَكِن ارجعي إِلَى بَيْتك فَإِن أومر بِشَيْء لَا أعميه عَلَيْك إِن شَاءَ الله فَرَجَعت إِلَى بَيتهَا فَأنْزل الله على رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْكتاب رخصتها ورخصة زَوجهَا فَقَالَ: {قد سمع الله قَول الَّتِي تُجَادِلك فِي زَوجهَا} إِلَى قَوْله: {عَذَاب أَلِيم} فَأرْسل إِلَى زَوجهَا فَقَالَ: هَل تَسْتَطِيع أَن تعْتق رَقَبَة قَالَ: إِذن يذهب مَالِي كُله الرَّقَبَة غَالِيَة وَأَنا قَلِيل المَال قَالَ: هَل تَسْتَطِيع أَن تَصُوم شَهْرَيْن مُتَتَابعين قَالَ: وَالله لَوْلَا أَنِّي آكل كل يَوْم ثَلَاث مَرَّات لكلّ بَصرِي قَالَ: هَل تَسْتَطِيع أَن تطعم سِتِّينَ مِسْكينا قَالَ: لَا وَالله إِلَّا أَن تعينني قَالَ: إِنِّي معينك بِخَمْسَة عشر صَاعا
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أنس رَضِي الله عَنهُ أَن أَوْس بن الصَّامِت ظَاهر من امْرَأَته خَوْلَة بنت ثَعْلَبَة فشكت ذَلِك إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَت: ظَاهر مني زَوجي حِين كبر سني ودق عظمي فَأنْزل الله آيَة الظِّهَار فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أعتق رَقَبَة قَالَ: مَالِي بذلك يدان فَصم شَهْرَيْن مُتَتَابعين قَالَ: إِنِّي إِذا أخطأني أَن آكل فِي(8/72)
الْيَوْم ثَلَاث مَرَّات يكل بَصرِي فأطعم سِتِّينَ مِسْكينا قَالَ: مَا أجد إِلَّا أَن تعينني فَدَعَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَمْسَة عشر صَاعا حَتَّى جمع الله لَهُ أَهله
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن الشّعبِيّ قَالَ: الْمَرْأَة الَّتِي جادلت فِي زَوجهَا خَوْلَة بنت ثَعْلَبَة وَأمّهَا معَاذَة الَّتِي أنزل الله فِيهَا (وَلَا تكْرهُوا فيتاتكم على الْبغاء) (سُورَة النُّور الْآيَة 33) وَكَانَت أمة لعبد الله بن أبيّ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن مرْدَوَيْه عَن مُحَمَّد بن سِيرِين قَالَ: إِن أول من ظَاهر فِي الإِسلام زوج خُوَيْلَة فَأَتَت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَت: إِن زَوجي ظَاهر مني وَجعلت تَشْكُو إِلَى الله فَقَالَ لَهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا جَاءَنِي فِي هَذَا شَيْء قَالَت: فَإلَى من يَا رَسُول الله إِن زَوجي ظَاهر مني فَبَيْنَمَا هِيَ كَذَلِك إِذْ نزل الْوَحْي {قد سمع الله قَول الَّتِي تُجَادِلك فِي زَوجهَا} حَتَّى بلغ {فَتَحْرِير رَقَبَة من قبل أَن يتماسا} ثمَّ حبس الْوَحْي فَانْصَرف إِلَيْهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَتَلَاهَا عَلَيْهَا فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: هُوَ ذَاك فَبَيْنَمَا هِيَ كَذَلِك إِذا نزل الْوَحْي {فَمن لم يجد فَصِيَام شَهْرَيْن مُتَتَابعين من قبل أَن يتماسا} ثمَّ حبس الْوَحْي فَانْصَرف إِلَيْهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَتَلَاهَا عَلَيْهَا فَقَالَت: لَا يَسْتَطِيع أَن يَصُوم يَوْمًا وَاحِدًا قَالَ: هُوَ ذَاك فَبَيْنَمَا هِيَ كَذَلِك إِذْ نزل الْوَحْي {فَمن لم يسْتَطع فإطعام سِتِّينَ مِسْكينا} فَانْصَرف إِلَيْهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَتَلَاهَا عَلَيْهَا فَقَالَت: لَا يجد يَا رَسُول الله قَالَ: إِنَّا سنعينه
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَطاء الْخُرَاسَانِي قَالَ: أَعَانَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِخَمْسَة عشر صَاعا
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي زيد الْمدنِي رَضِي الله عَنهُ أَن امْرَأَة جَاءَت بِشَطْر وسق من شعير فَأعْطَاهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَي مَدين من شعير مَكَان مدّ من بر
وَأخرج عبد بن حميد عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَعَانَهُ بِخَمْسَة عشر صَاعا من شعير
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ أَن رجلا ظَاهر من امْرَأَته على عهد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَانَ الظِّهَار أَشد من الطَّلَاق وَأحرم الْحَرَام إِذا ظَاهر من امْرَأَته لم ترجع إِلَيْهِ أبدا فَأَتَت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَت: يانبي الله إِن زَوجي وَأَبا وَلَدي(8/73)
ظَاهر مني وَمَا يطلع إِلَّا الله على مَا يدْخل عليّ من فِرَاقه فَقَالَ لَهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: قد قَالَ مَا قَالَ: قَالَت: فَكيف أصنع ودعت الله واشتكت إِلَيْهِ فَأنْزل الله {قد سمع الله قَول الَّتِي تُجَادِلك فِي زَوجهَا وتشتكي إِلَى الله} إِلَى آخر الْآيَات فَدَعَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم زَوجهَا فَقَالَ: تعْتق رَقَبَة: قَالَ: مَا فِي الأَرْض رَقَبَة أملكهَا قَالَ: تَسْتَطِيع أَن تَصُوم شَهْرَيْن مُتَتَابعين قَالَ يَا رَسُول الله: إِنِّي بلغت سنا وَبِي دوران فَإِذا لم آكل فِي الْيَوْم مرَارًا أدير عليّ حَتَّى أقع قَالَ: تَسْتَطِيع أَن تطعم سِتِّينَ مِسْكينا قَالَ: وَالله مَا أجد فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: سنعينك
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ أَن امْرَأَة أخي عبَادَة بن الصَّامِت جَاءَت إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَشْكُو زَوجهَا تظاهر عَنْهَا وَامْرَأَة تفلي رَأس رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَو قَالَ: تدهنه فَرفع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نظره إِلَى السَّمَاء فَقَالَت الَّتِي تفلي لامْرَأَة أخي عبَادَة بن الصَّامِت رَضِي الله عَنهُ وَاسْمهَا خَوْلَة بنت ثَعْلَبَة يَا خَوْلَة أَلا تسكتي فقد ترينه ينظر إِلَى السَّمَاء فَأنْزل الله فِيهَا {قد سمع الله قَول الَّتِي تُجَادِلك فِي زَوجهَا} فَعرض عَلَيْهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عتق رَقَبَة فَقَالَ: لَا أجد فَعرض عَلَيْهِ صِيَام شَهْرَيْن مُتَتَابعين فَقَالَ: لَا أُطِيق إِن لم آكل كل يَوْم ثَلَاث مَرَّات شقّ بِي فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأطعم سِتِّينَ مِسْكينا قَالَ: لَا أجد فَأتى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِشَيْء من تمر فَقَالَ لَهُ: خُذ هَذَا فأقسمه فَقَالَ الرجل: مَا بَين لابتيها أفقر مني فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: كُله أَنْت وَأهْلك
وأخرح عبد بن حميد عَن يزِيد بن زيد الْهَمدَانِي فِي قَوْله: {قد سمع الله قَول الَّتِي تُجَادِلك فِي زَوجهَا} قَالَ: هِيَ خَوْلَة بنت الصَّامِت وَكَانَ زَوجهَا مَرِيضا فَدَعَاهَا فَلم تجبه وأبطأت عَلَيْهِ فَقَالَ: أَنْت عَليّ كَظهر أُمِّي فَأَتَت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَنزلت هَذِه الْآيَة {فَتَحْرِير رَقَبَة} فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أعتق رَقَبَة قَالَ: لَا أجد قَالَ: فَصم شَهْرَيْن مُتَتَابعين قَالَ: لَا أَسْتَطِيع قَالَ: فأطعم سِتِّينَ مِسْكينا قَالَ: لَا وَالله مَا عِنْدِي إِلَّا أَن تعينني فأعانه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِخَمْسَة عشر صَاعا فَقَالَ: وَالله مَا فِي الْمَدِينَة أحْوج إِلَيْهَا مني فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: فَكلهَا أَنْت وَأهْلك
وَأخرج ابْن سعد عَن عمرَان بن أنس قَالَ: كَانَ أول من ظَاهر فِي الإِسلام أَوْس بن الصَّامِت وَكَانَ بِهِ لمَم وَكَانَ يفِيق أَحْيَانًا فَلاحَ امْرَأَته خَوْلَة بنت ثَعْلَبَة فِي بعض صحواته فَقَالَ: أَنْت عَليّ كَظهر أُمِّي ثمَّ نَدم فَقَالَ: مَا أَرَاك إِلَّا قد(8/74)
حرمت عليّ قَالَت: مَا ذكرت طَلَاقا فَأَتَت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَخْبَرته بِمَا قَالَ قَالَ: وجادلت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مرَارًا ثمَّ قَالَت: اللَّهُمَّ إِنِّي أَشْكُو إِلَيْك شدَّة وَحْدَتي وَمَا يشق عليّ من فِرَاقه قَالَت عَائِشَة: فَلَقَد بَكَيْت وَبكى من كَانَ فِي الْبَيْت رَحْمَة لَهَا ورقة عَلَيْهَا وَنزل على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْوَحْي فَسرِّي عَنهُ وَهُوَ يبتسم فَقَالَ: يَا خَوْلَة قد أنزل الله فِيك وَفِيه {قد سمع الله قَول الَّتِي تُجَادِلك فِي زَوجهَا} ثمَّ قَالَ: مريه أَن يعْتق رَقَبَة قَالَت: لَا يجد قَالَ: فمريه أَن يَصُوم شَهْرَيْن مُتَتَابعين قَالَت: لَا يُطيق ذَلِك قَالَ: فمريه فليطعم سِتِّينَ مِسْكينا قَالَت: وأنّى لَهُ فمريه فليأت أم الْمُنْذر بنت قيس فليأخذ مِنْهَا شطر وسق تمر فليتصدق بِهِ على سِتِّينَ مِسْكينا فَرَجَعت إِلَى أَوْس فَقَالَ: مَا وَرَاءَك قَالَت: خير وَأَنت ذميم ثمَّ أخْبرته فَأتى أم الْمُنْذر فَأخذ ذَلِك مِنْهَا فَجعل يطعم مَدين من تمر كل مِسْكين وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي قلَابَة قَالَ: إِنَّمَا كَانَ طلاقهم فِي الْجَاهِلِيَّة الظِّهَار والإِيلاء حَتَّى قَالَ مَا سَمِعت
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {وَإِنَّهُم ليقولون مُنْكرا من القَوْل وزوراً} قَالَ: الزُّور الْكَذِب
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وَالَّذين يظاهرون من نِسَائِهِم ثمَّ يعودون لما قَالُوا} قَالَ: هُوَ الرجل يَقُول لامْرَأَته: أَنْت عليَّ كَظهر أُمِّي فَإِذا قَالَ ذَلِك: فَلَيْسَ لَهُ أَن يقربهَا بِنِكَاح ولاغيره حَتَّى يكفر بِعِتْق رَقَبَة فَإِن لم يجد فَصِيَام شَهْرَيْن مُتَتَابعين من قبل أَن يتماسّا والمس النِّكَاح فَإِن لم يسْتَطع فإطعام سِتِّينَ مسكيناوإن هُوَ قَالَ لَهَا: أَنْت عليّ كَظهر أميفإذا قَالَ: إِن فعلت كَذَا فَلَيْسَ يَقع فِي ذَلِك ظِهَار حَتَّى يَحْنَث فَلَا يقربهَا حَتَّى يكفر وَلَا يَقع فِي الظِّهَار طَلَاق
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {ثمَّ يعودون لما قَالُوا} قَالَ: يعود لمسها
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن طَاوُوس {ثمَّ يعودون لما قَالُوا} قَالَ: الْوَطْء
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن طَاوُوس قَالَ: إِذا اكلم الرجل بالظهار الْمُنكر والزور فقد وَجَبت عَلَيْهِ الْكَفَّارَة حنث أَو لم يَحْنَث(8/75)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن طَاوُوس قَالَ: كَانَ طَلَاق أهل الْجَاهِلِيَّة الظِّهَار فَظَاهر رجل فِي الإِسلام وَهُوَ يُرِيد الطَّلَاق فَأنْزل الله فِيهِ الْكَفَّارَة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن عَطاء أَنه سُئِلَ عَن هَذِه الْآيَة من قبل أَن يتماسّا قَالَ: هُوَ الْجِمَاع
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد {فإطعام سِتِّينَ مِسْكينا} قَالَ: كَهَيئَةِ الطَّعَام فِي الْيَمين مَدين لكل مِسْكين
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: ثَلَاث فِيهِنَّ مد كَفَّارَة الْيَمين وَكَفَّارَة الظِّهَار وَكَفَّارَة الصّيام
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر الَّذِي أَتَى أَهله فِي رَمَضَان بكفارة الظِّهَار
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن عَطاء وَالزهْرِيّ وَقَتَادَة قَالُوا: الْعتْق فِي الظِّهَار وَالصِّيَام وَالطَّعَام كل ذَلِك من قبل أَن يتماسّا
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَ الظِّهَار فِي الْجَاهِلِيَّة يحرم النِّسَاء فَكَانَ أول من ظَاهر فِي الْإِسْلَام أَوْس بن الصَّامِت وَكَانَت امْرَأَته خَوْلَة بنت خويلد وَكَانَ الرجل ضَعِيفا وَكَانَت الْمَرْأَة جلدَة فَلَمَّا تكلم بالظّهار قَالَ: لَا أَرَاك إِلَّا قد حرمت عليّ فانطلقي إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَعَلَّك تبتغي شَيْئا يردّك عليّ فَانْطَلَقت وَجلسَ ينتظرها فَأَتَت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وماشطة تمشط رَأسه فَقَالَت: يَا رَسُول الله إِن أَوْس بن الصَّامِت من قد علمت من ضعف رَأْيه وَعجز مقدرته وَقد ظَاهر مني فابتغ لي يَا رَسُول الله شَيْئا إِلَيْهِ يَا خُوَيْلَة: مَا أمرنَا بِشَيْء فِي أَمرك وَأَن نؤمر فسأخبرك فَبينا ماشطته قد فزعت من شقّ رَأسه وَأخذت فِي الشق الآخر أنزل الله عز وَجل وَكَانَ إِذا أنزل عَلَيْهِ الْوَحْي تَرَبد لذَلِك وَجهه حَتَّى يجد بردة فَإِذا سرّي عَنهُ عَاد وَجهه أَبيض كالقلب ثمَّ تكلم بِمَا أَمر بِهِ فَقَالَت مَا شطته: يَا خُوَيْلَة إِنِّي لأظنه الْآن فِي شَأْنك فَأَخذهَا افكل (هَكَذَا فِي الأَصْل ولعلها إفْك) ثمَّ قَالَت: اللَّهُمَّ بك أعوذ أَن تنزل فيّ إِلَّا خيرا فَإِنِّي لم أبغ من رَسُولك إِلَّا خيرا فَلَمَّا سرّي عَنهُ قَالَ: يَا خُوَيْلَة قد أنزل الله فِيك وَفِي صَاحبك فَقَرَأَ {قد سمع الله قَول الَّتِي تُجَادِلك فِي زَوجهَا وتشتكي إِلَى الله} إِلَى قَوْله: {فَتَحْرِير رَقَبَة من قبل أَن يتماسا} فَقَالَت: وَالله يَا رَسُول الله مَاله خَادِم غَيْرِي وَلَا لي خَادِم غَيره قَالَ: {فَمن لم يجد فَصِيَام شَهْرَيْن مُتَتَابعين} قَالَت: وَالله إِنَّه إِذا لم(8/76)
يَأْكُل فِي الْيَوْم مرَّتَيْنِ يسدر بَصَره قَالَ: {فَمن لم يسْتَطع فإطعام سِتِّينَ مِسْكينا} قَالَت: وَالله مَا لنا فِي الْيَوْم إِلَّا وقية قَالَ: فمريه فليطلق إِلَى فلَان فليأخذ مِنْهُ شطر وسق من تمر فليتصدق بِهِ على سِتِّينَ مِسْكينا وليراجعك
وَأخرج عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف من طَرِيق أبي سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن عَن سَلمَة بن صَخْر الْأنْصَارِيّ أَنه جعل امْرَأَته عَلَيْهِ كَظهر أمه حَتَّى يمْضِي رَمَضَان فَسَمنت وتربصت فَوَقع عَلَيْهَا فِي النّصْف من رَمَضَان فَأتى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَأَنَّهُ يعظم ذَلِك فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أتستطيع أَن تعْتق رَقَبَة فَقَالَ: لَا قَالَ: أفتستطيع أَن تَصُوم شَهْرَيْن مُتَتَابعين قَالَ: لَا قَالَ: أفتستطيع أَن تطعم سِتِّينَ مِسْكينا قَالَ: لَا فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يَا فَرْوَة بن عَمْرو أعْطه ذَلِك الْعرق وَهُوَ مكتل يَأْخُذ خَمْسَة عشر أَو سِتَّة عشر صَاعا فليطعمه سِتِّينَ مِسْكينا فَقَالَ: أعليّ أفقر مني فوالذي بَعثك بِالْحَقِّ مَا بَين لَا بتيها أهل بَيت أحْوج إِلَيْهِ منا فَضَحِك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ قَالَ: اذْهَبْ بِهِ إِلَى أهلك
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي السّنَن عَن أبي الْعَالِيَة قَالَ: كَانَت خَوْلَة بنت ودبيج تَحت رجل من الْأَنْصَار وَكَانَ سييء الْخلق ضَرِير الْبَصَر فَقِيرا وَكَانَت الْجَاهِلِيَّة إِذا أَرَادَ الرجل أَن يُفَارق امْرَأَته قَالَ: أَنْت عليّ كَظهر أُمِّي فادارعته بعض الشَّيْء فَقَالَ: أَنْت عليّ كَظهر أُمِّي وَكَانَ لَهُ عيل أَو عيلان فَلَمَّا سمعته يَقُول مَا قَالَ احتملت صبيانها فَانْطَلَقت تسْعَى إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فوافقته عِنْد عَائِشَة وَإِذا عَائِشَة تغسل شقّ رَأس رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَامَتْ عَلَيْهِ ثمَّ قَالَت: يَا رَسُول الله إِن زَوجي فَقير ضَرِير الْبَصَر سييء الْخلق وَإِنِّي نازعته فِي شَيْء فَقَالَ: أَنْت عليّ كَظهر أُمِّي وَلم يرد الطَّلَاق فَرفع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَأسه فَقَالَ: مَا أعلم إِلَّا قد حرمت عَلَيْهِ فاستكانت وَقَالَت: أشتكي إِلَى الله مَا نزل بِي ومصيبتي وتحولت عَائِشَة تغسل شقّ رَأسه الآخر فتحولت مَعهَا فَقَالَت: مثل ذَلِك قَالَت: ولي مِنْهُ عيل أَو عيلان فَرفع النَّبِي رَأسه إِلَيْهَا فَقَالَ: مَا أعلم إِلَّا قد حرمت عَلَيْهِ فَبَكَتْ وَقَالَت: أشتكي إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مصيبتي وَتغَير وَجه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَت عَائِشَة: وَرَاءَك فتنحت وَمكث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا شَاءَ الله ثمَّ انْقَطع الْوَحْي فَقَالَ يَا عَائِشَة: أَيْن الْمَرْأَة قَالَت: هاهي قَالَ: ادعيها فدعتها فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: اذهبي فجيئي بزوجك فَانْطَلَقت تسْعَى فَلم تلبث أَن جَاءَت(8/77)
فأدخلته على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِذا هُوَ كَمَا قَالَت: ضَرِير فَقير سييء الْخلق فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أستعيذ بالسميع الْعَلِيم من الشَّيْطَان الرَّجِيم {قد سمع الله قَول الَّتِي تُجَادِلك فِي زَوجهَا وتشتكي} إِلَى آخر الْآيَة فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أتجد رَقَبَة قَالَ: لَا قَالَ: أفتستطيع صَوْم شَهْرَيْن مُتَتَابعين قَالَ: وَالَّذِي بَعثك بِالْحَقِّ إِنِّي إِذا لم آكل الْمرة والمرتين وَالثَّلَاثَة يكَاد يغشى عليّ قَالَ: أفتستطيع أَن تطعم سِتِّينَ مِسْكينا قَالَ: لَا إِلَّا أَن تعينني فِيهَا فأعانه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَكفر يَمِينه
وَأخرج الْبَزَّار وَالْحَاكِم وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: أَتَى رجل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: إِنِّي ظَاهَرت من امْرَأَتي فَرَأَيْت بَيَاض خلْخَالهَا فِي ضوء الْقَمَر فأعجبتني فَوَقَعت عَلَيْهَا قبل أَن أكفر فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ألم يقل الله {من قبل أَن يتماسّا} قَالَ: قد فعلت يَا رَسُول الله قَالَ: أمسك حَتَّى تكفّر
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ من طَرِيق عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس أَن رجلا قَالَ: يَا رَسُول الله إِنِّي ظَاهَرت من امْرَأَتي فَوَقَعت عَلَيْهَا قبل أَن أكفر قَالَ: وَمَا حملك على ذَلِك قَالَ: ضوء خلْخَالهَا فِي ضوء الْقَمَر قَالَ: فَلَا تَقربهَا حَتَّى تفعل مَا أَمرك الله
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَأحمد وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه وَابْن ماجة وَالطَّبَرَانِيّ وَالْبَغوِيّ فِي مُعْجَمه وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ عَن سَلمَة بن صَخْر الْأنْصَارِيّ قَالَ: كنت رجلا قد أُوتيت من جماع النِّسَاء مَا لم يُؤْت غَيْرِي فَلَمَّا دخل رَمَضَان ظَاهَرت من امْرَأَتي حَتَّى يَنْسَلِخ رَمَضَان فرقا من أَن أُصِيب مِنْهَا فِي ليلى فأتتابع فِي ذَلِك وَلَا أَسْتَطِيع أَن أنزع حَتَّى يدركني الصُّبْح فَبَيْنَمَا هِيَ تخدمني ذَات لَيْلَة إِذْ انْكَشَفَ لي مِنْهَا شَيْء فَوَثَبت عَلَيْهَا فَلَمَّا أَصبَحت غَدَوْت على قومِي فَأَخْبَرتهمْ خبري فَقلت: انْطَلقُوا معي إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأخْبرهُ بأَمْري فَقَالُوا: لَا وَالله لَا نَفْعل نتخوف أَن ينزل فِينَا الْقُرْآن أَو يَقُول فِينَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مقَالَة يبْقى علينا عارها وَلَكِن اذْهَبْ أَنْت فَاصْنَعْ مَا بدا لَك فَخرجت فَأتيت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَخْبَرته خبري فَقَالَ: أَنْت بِذَاكَ قلت: أَنا بِذَاكَ قَالَ: أَنْت بِذَاكَ قلت: أَنا بِذَاكَ قَالَ: أَنْت بِذَاكَ قلت: أَنا بِذَاكَ وَهَا أَنا ذَا فَامْضِ فيّ حكم الله فَإِنِّي صابر لذَلِك قَالَ: أعتق رَقَبَة فَضربت صفحة عنقِي بيَدي قلت: لَا وَالَّذِي بَعثك بِالْحَقِّ مَا أَصبَحت أملك غَيرهَا فَصم شَهْرَيْن مُتَتَابعين قلت: وَهل أصابني مَا(8/78)
اصابني إِلَّا فِي الصّيام قَالَ: فأطعم سِتِّينَ مِسْكينا قلت: وَالَّذِي بَعثك بِالْحَقِّ لقد بتنا ليلتنا هَذِه وَبني مَا لنا عشَاء قَالَ: اذْهَبْ إِلَى صَاحب صَدَقَة بني زُرَيْق فَقل لَهُ فليدفعها إِلَيْك فأطعم عَنْك مِنْهَا وسْقا سِتِّينَ مِسْكينا ثمَّ اسْتَعِنْ بسائرها عَلَيْك وعَلى عِيَالك فَرَجَعت إِلَى قومِي فَقلت: وجدت عنْدكُمْ الضّيق وَسُوء الرَّأْي وَوجدت عِنْد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم السعَة وَالْبركَة أَمر لي بصدقتكم فدفعوها إِلَيْهِ
الْآيَة 5 - 8(8/79)
إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَقَدْ أَنْزَلْنَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ (5) يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (6) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (7) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ (8)
أخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد عَن مُجَاهِد {يحادون} قَالَ: يتشاقون
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {إِن الَّذين يحادون الله وَرَسُوله} قَالَ: يجادلون الله وَرَسُوله {كبتوا كَمَا كبت الَّذين من قبلهم} قَالَ: خزوا كَمَا خزي الَّذين من قبلهم
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن الضَّحَّاك {مَا يكون من نجوى ثَلَاثَة إِلَّا هُوَ رابعهم وَلَا خَمْسَة إِلَّا هُوَ سادسهم} قَالَ: هُوَ الله على الْعَرْش وَعلمه مَعَهم
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {ألم تَرَ إِلَى الَّذين نهوا عَن النَّجْوَى} قَالَ: الْيَهُود(8/79)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مقَاتل بن حَيَّان قَالَ: كَانَ بَين يهود وَبَين النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم موادعة فَكَانُوا إِذا مر بهم رجل من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جَلَسُوا يتناجون بَينهم حَتَّى يظنّ الْمُؤمن أَنهم يتناجون بقتْله أَو بِمَا يكره الْمُؤمن فَإِذا رأى الْمُؤمن ذَلِك خَشِيَهُمْ فَترك طَرِيقه عَلَيْهِم فنهاهم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن النَّجْوَى فَلم ينْتَهوا فَأنْزل الله {ألم ترَ إِلَى الَّذين نهوا عَن النَّجْوَى} الْآيَة
وَأخرج أَحْمد وَعبد بن حميد وَالْبَزَّار وَابْن الْمُنْذر وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان بِسَنَد جيد عَن ابْن عَمْرو رَضِي الله عَنهُ أَن لايهود كَانُوا يَقُولُونَ لرَسُول الله صلى اللله عَلَيْهِ وَسلم: سَام عَلَيْك يُرِيدُونَ بذلك شَتمه - ثمَّ يَقُولُونَ فِي أنفسهم: {لَوْلَا يعذبنا الله بِمَا نقُول} فَنزلت هَذِه الْآيَة {وَإِذا جاؤوك حيوك بِمَا لم يحيك بِهِ الله}
وَأخرج أَحْمد وَعبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ عَن أنس أَن يَهُودِيّا أَتَى على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه فَقَالَ: السام عَلَيْكُم فَرد عَلَيْهِ الْقَوْم فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: هَل تَدْرُونَ مَا قَالَ هَذَا قَالُوا: الله وَرَسُوله أعلم يَا نَبِي الله قَالَ: لَا وَلكنه قَالَ: كَذَا وَكَذَا ردُّوهُ عليّ فَردُّوهُ قَالَ: قلت السام عَلَيْكُم قَالَ: نعم قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عِنْد ذَلِك إِذا سلم عَلَيْكُم أحد من أهل الْكتاب فَقولُوا عَلَيْك مَا قلت قَالَ: {وَإِذا جاؤوك حيوك بِمَا لم يحيك بِهِ الله}
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَسَعِيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن عَائِشَة قَالَت: دخل عليَّ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يهود فَقَالُوا: السام عَلَيْك يَا أَبَا الْقَاسِم فَقَالَت عَائِشَة: وَعَلَيْكُم السام واللعنة فَقَالَ: يَا عَائِشَة إِن الله لَا يحب الْفُحْش وَلَا التَّفَحُّش قلت: ألاتسمعهم يَقُولُونَ السام عَلَيْك فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَو مَا سَمِعت مَا أَقُول: وَعَلَيْكُم فَأنْزل الله {وَإِذا جاؤوك حيوك بِمَا لم يحيك بِهِ الله}
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي هَذِه الْآيَة قَالَ: كَانَ المُنَافِقُونَ يَقُولُونَ لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا حيوه: سَام عَلَيْك فَنزلت
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد {وَإِذا جاؤوك حيوك بِمَا لم يحيك بِهِ الله} يَقُولُونَ: سَام عَلَيْك هم أَيْضا يهود(8/80)
الْآيَة 9 - 11(8/81)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلَا تَتَنَاجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (9) إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (10) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (11)
أخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا بعث سَرِيَّة وأغزاها التقى المُنَافِقُونَ فانغضوا رؤوسهم إِلَى الْمُسلمين وَيَقُولُونَ: قتل الْقَوْم وَإِذا رَأَوْا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تناجوا وأظهروا الْحزن فَبلغ ذَلِك من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمن الْمُسلمين فَأنْزل الله {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذا تناجيتم فَلَا تتناجوا بالإِثم والعدوان} الْآيَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة قَالَ: كَانَ المُنَافِقُونَ يتناجون بَينهم فَكَانَ ذَلِك يغِيظ الْمُؤمنِينَ وَيكبر عَلَيْهِم فَأنْزل الله فِي ذَلِك {إِنَّمَا النَّجْوَى من الشَّيْطَان} الْآيَة
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِذا كُنْتُم ثَلَاثَة فَلَا يتناج اثْنَان دون الثَّالِث فَإِن ذَلِك يحزنهُ
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي سعيد قَالَ: كُنَّا نتناوب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يطرقه أَمر أَو يَأْمر بِشَيْء فَكثر أهل النوب والمحتسبون لَيْلَة حَتَّى إِذا كُنَّا نتحدث فَخرج علينا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من اللَّيْل فَقَالَ: مَا هَذِه النَّجْوَى ألم تنهوا عَن النَّجْوَى
قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذا قيل لكم تَفَسَّحُوا} الْآيَة وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن أَنه كَانَ يقرأُها تَفَسَّحُوا فِي الْمجَالِس بِالْألف فافسحوا يفسح الله لكم وَقَالَ: فِي الْقِتَال {وَإِذا قيل انشزوا فانشزوا} قَالَ: إِذا قيل: انهدوا إِلَى الصَّدْر فانهدوا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذا قيل لكم تَفَسَّحُوا فِي الْمجَالِس}(8/81)
قَالَ: مجْلِس النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَنزلت {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذا قيل لكم تَفَسَّحُوا فِي الْمجَالِس فافسحوا يفسح الله لكم}
وَأخرج عبد بن حميد وَعبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {إِذا قيل لكم تَفَسَّحُوا} الْآيَة قَالَ: نزلت هَذِه الْآيَة فِي مجَالِس الذّكر وَذَلِكَ أَنهم كَانُوا إِذا رَأَوْا أحدهم مُقبلا ضنوا بمجالسهم عِنْد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَمرهمْ الله أَن يفسح بَعضهم لبَعض
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الْحسن فِي الْآيَة قَالَ: كَانُوا يجيئون فَيَجْلِسُونَ ركاماً بَعضهم خلف بعض فَأمروا أَن يتفسحوا فِي الْمجْلس فانفسح بَعضهم لبَعض
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مقَاتل بن حَيَّان قَالَ: أنزلت هَذِه الْآيَة يَوْم جُمُعَة وَجلسَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمئِذٍ فِي الصّفة وَفِي الْمَكَان ضيق وَكَانَ يكرم أهل بدر من الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار فجَاء نَاس من أهل بدر وَقد سبقوا إِلَى الْمجْلس فَقَامُوا حِيَال رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالُوا السَّلَام عَلَيْك أَيهَا النَّبِي وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته فَرد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلَيْهِم ثمَّ سلمُوا على الْقَوْم بعد ذَلِك فَردُّوا عَلَيْهِم فَقَامُوا على أَرجُلهم ينتظرون أَن يُوسع لَهُم فَعرف النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا يحملهم على الْقيام فَلم يفسح لَهُم فشق ذَلِك عَلَيْهِ فَقَالَ لمن حوله من الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار من غير أهل بدر: قُم يَا فلَان وَأَنت يَا فلَان فَلم يزل يقيمهم بعدة النَّفر الَّذين هم قيام من أهل بدر فشق ذَلِك على من أقيم من مَجْلِسه فَنزلت هَذِه الْآيَة
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم عَن عمر أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَا يُقيم الرجل الرجل من مَجْلِسه فيجلس فِيهِ وَلَكِن تَفَسَّحُوا وتوسعوا
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {إِذا قيل لكم تَفَسَّحُوا فِي الْمجَالِس} قَالَ: ذَلِك فِي مجْلِس الْقِتَال {وَإِذا قيل انشزوا} قَالَ: إِلَّا الْخَيْر وَالصَّلَاة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {وَإِذا قيل انشزوا} قَالَ: إِلَى كل خير قتال عدوّ وَأمر بِمَعْرُوف أَو حق مَا كَانَ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {وَإِذا قيل انشزوا فانشزوا} يَقُول: إِذا دعيتم إِلَى خير فأجيبوا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْمدْخل عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله:(8/82)
{يرفع الله الَّذين آمنُوا مِنْكُم وَالَّذين أُوتُوا الْعلم دَرَجَات} قَالَ: يرفع الله الَّذين أُوتُوا الْعلم من الْمُؤمنِينَ على الَّذين لم يؤتوا الْعلم دَرَجَات
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ: تَفْسِير هَذِه الْآيَة: يرفع الله الَّذين آمنُوا مِنْكُم وأوتوا الْعلم على الَّذين آمنُوا وَلم يؤتوا الْعلم دَرَجَات
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: مَا خص الله الْعلمَاء فِي شَيْء من الْقُرْآن مَا خصهم فِي هَذِه الْآيَة فضل الله الَّذين آمنُوا وأوتوا الْعلم على الَّذين آمنُوا وَلم يؤتوا الْعلم
الْآيَة 12 - 13(8/83)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (12) أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (13)
أخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {إِذا نَاجَيْتُم الرَّسُول} الْآيَة قَالَ: إِن الْمُسلمين أَكْثرُوا الْمسَائِل على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى شَقوا عَلَيْهِ فَأَرَادَ الله أَن يُخَفف عَن نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا قَالَ ذَلِك: امْتنع كثير من النَّاس وَكفوا عَن الْمَسْأَلَة فَأنْزل الله بعد هَذَا {أَأَشْفَقْتُم} الْآيَة فَوسعَ الله عَلَيْهِم وَلم يضيق
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه وَأَبُو يعلى وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه والنحاس عَن عَليّ بن أبي طَالب قَالَ: لم نزلت {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذا نَاجَيْتُم الرَّسُول فقدموا بَين يَدي نَجوَاكُمْ صَدَقَة} الْآيَة قَالَ لي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا ترى دِينَارا قلت: لَا يطيقُونَهُ قَالَ: فَنصف دِينَار قلت: لَا يطيقُونَهُ قَالَ: فكم قلت شعيرَة قَالَ: إِنَّك لَزَهِيد قَالَ: فَنزلت {أَأَشْفَقْتُم أَن تقدمُوا بَين يَدي نَجوَاكُمْ صدقَات} قَالَ: فَبِي خفف الله عَن هَذِه الْأمة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن(8/83)
عَليّ قَالَ: مَا عمل بهَا أحد غَيْرِي حَتَّى نسخت وَمَا كَانَت إِلَّا سَاعَة يَعْنِي آيَة النَّجْوَى
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن رَاهَوَيْه وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن عليّ قَالَ: إِن فِي كتاب الله لآيَة مَا عمل بهَا أحد قبلي وَلَا يعْمل بهَا أحد بعدِي آيَة النَّجْوَى {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذا نَاجَيْتُم الرَّسُول فقدموا بَين يَدي نَجوَاكُمْ صَدَقَة} كَانَ عِنْدِي دِينَار فَبِعْته بِعشْرَة دَرَاهِم
فَكنت كلما نَاجَيْت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قدمت بَين يَدي درهما ثمَّ نسخت فَلم يعْمل بهَا أحد فَنزلت {أَأَشْفَقْتُم أَن تقدمُوا بَين يَدي نَجوَاكُمْ صدقَات} الْآيَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد قَالَ: نهوا عَن مُنَاجَاة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى يقدموا صَدَقَة فَلم يناجه إِلَّا عليّ بن أبي طَالب فَإِنَّهُ قد قدم دِينَارا فَتصدق بِهِ ثمَّ ناجى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَسَأَلَهُ عَن عشر خِصَال ثمَّ نزلت الرُّخْصَة
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور عَن مُجَاهِد قَالَ: كَانَ من ناجى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تصدق بِدِينَار وَكَانَ أول من صنع ذَلِك عَليّ بن أبي طَالب ثمَّ نزلت الرُّخْصَة {فَإذْ لم تَفعلُوا وَتَابَ الله عَلَيْكُم}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مقَاتل قَالَ: إِن الْأَغْنِيَاء كَانُوا يأْتونَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فيكثرون مناجاته ويغلبون الْفُقَرَاء على الْمجَالِس حَتَّى كره النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم طول جلوسهم ومناجاتهم فَأمر الله بِالصَّدَقَةِ عِنْد الْمُنَاجَاة فَأَما أهل الْعسرَة فلميجدوا شَيْئا وَكَانَ ذَلِك عشر لَيَال وَأما أهل الميسرة فَمنع بَعضهم مَاله وَحبس نَفسه إِلَّا طوائف مِنْهُم جعلُوا يقدمُونَ الصَّدَقَة بَين يَدي النَّجْوَى ويزعمون أَنه لم يفعل ذَلِك غير رجل من الْمُهَاجِرين من أهل بدر فَأنْزل الله {أَأَشْفَقْتُم} الْآيَة
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه بِسَنَد فِيهِ ضعف عَن سعد بن أبي وَقاص قَالَ: نزلت {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذا نَاجَيْتُم الرَّسُول فقدموا بَين يَدي نَجوَاكُمْ صَدَقَة} فَقدمت شعيرَة فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِنَّك لَزَهِيد فَنزلت الْآيَة الْأُخْرَى {أَأَشْفَقْتُم أَن تقدمُوا بَين يَدي نَجوَاكُمْ صدقَات}
وَأخرج أَبُو دَاوُد فِي ناسخه وَابْن الْمُنْذر من طَرِيق عَطاء الْخُرَاسَانِي عَن ابْن عَبَّاس فِي المجادلة {إِذا نَاجَيْتُم الرَّسُول فقدموا بَين يَدي نَجوَاكُمْ صَدَقَة} قَالَ: نسختها الْآيَة الَّتِي بعْدهَا {أَأَشْفَقْتُم أَن تقدمُوا بَين يَدي نَجوَاكُمْ صدقَات}(8/84)
وَأخرج عبد بن حميد عَن سَلمَة بن كهيل {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذا نَاجَيْتُم الرَّسُول} الْآيَة قَالَ: أول من عمل بهَا عَليّ رَضِي الله عَنهُ ثمَّ نسخت وَالله أعلم
الْآيَة 14 - 18(8/85)
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (14) أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (15) اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (16) لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (17) يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ (18)
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله تَعَالَى: {ألم تَرَ إِلَى الَّذين توَلّوا قوما} الْآيَة قَالَ: بلغنَا أَنه نزلت فِي عبد الله بن نَبْتَل وَكَانَ رجلا من الْمُنَافِقين
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج {ألم تَرَ إِلَى الَّذين توَلّوا قوما غضب الله عَلَيْهِم} قَالَ: هم الْيَهُود والمنافقون ويحلفون على الْكَذِب وهم يعلمُونَ حلفهم أَنهم لمنكم
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {ألم تَرَ إِلَى الَّذين توَلّوا قوما} الْآيَة قَالَ: هم المُنَافِقُونَ توَلّوا الْيَهُود {يَوْم يَبْعَثهُم الله} الْآيَة قَالَ: يحالف المُنَافِقُونَ رَبهم يَوْم الْقِيَامَة كَمَا حالفوا أولياءه فِي الدُّنْيَا
وَأخرج أَحْمد وَالْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جَالِسا فِي ظلّ حجرَة من حجره وَعِنْده نفر من الْمُسلمين فَقَالَ: إِنَّه سَيَأْتِيكُمْ إِنْسَان فَينْظر إِلَيْكُم بِعَين شَيْطَان فَإِذا جَاءَكُم فَلَا تُكَلِّمُوهُ فَلم يَلْبَثُوا أَن طلع عَلَيْهِم رجل أَزْرَق أَعور فَقَالَ حِين رَآهُ: علام تَشْتمنِي أَنْت وَأَصْحَابك فَقَالَ ذَرْنِي آتِك بهم فَانْطَلق فَدَعَاهُمْ فَحَلَفُوا وَاعْتَذَرُوا فَأنْزل الله {يَوْم يَبْعَثهُم الله جَمِيعًا فَيحلفُونَ لَهُ كَمَا يحلفُونَ لكم} الْآيَة وَالَّتِي بعْدهَا(8/85)
الْآيَة 19 - 22(8/86)
اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ (19) إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ (20) كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (21) لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (22)
أخرج أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي الدَّرْدَاء رضى الله عَنهُ قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: مَا من ثَلَاثَة فِي قَرْيَة وَلَا بُد وَلَا تُقَام فيهم الصَّلَاة إِلَّا قد استحوذ عَلَيْهِم الشَّيْطَان فَعَلَيْكُم بِالْجَمَاعَة فَإِنَّمَا يَأْكُل الذِّئْب القاصية
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {كتب الله لأغلبن أَنا ورسلي} قَالَ: كتب الله كتابا فأمضاه
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه وَابْن عَسَاكِر عَن عبد الله بن شَوْذَب قَالَ: جعل وَالِد أَبُو عُبَيْدَة بن الْجراح يتَصَدَّى لأبي عُبَيْدَة يَوْم بدر وَجعل أَبُو عُبَيْدَة يحيد عَنهُ فَلَمَّا أَكثر قَصده أَبُو عُبَيْدَة فَقتله فَنزلت {لَا تَجِد قوما يُؤمنُونَ بِاللَّه} الْآيَة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج قَالَ: حدثت أَن أَبَا قُحَافَة سبّ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَصَكَّهُ أَبُو بكر صَكه فَسقط فَذكر ذَلِك للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: أفعلت يَا أَبَا بكر فَقَالَ: وَالله لَو كَانَ السَّيْف مني قَرِيبا لضربته فَنزلت {لَا تَجِد قوما} الْآيَة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عبد الرَّحْمَن بن ثَابت بن قيس بن الشماس أَنه اسْتَأْذن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يزور خَاله من الْمُشْركين فَأذن لَهُ فَلَمَّا قدم قَرَأَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأناس حوله {لَا تَجِد قوما يُؤمنُونَ بِاللَّه} الْآيَة(8/86)
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن كثير بن عَطِيَّة عَن رجل قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: اللَّهُمَّ لَا تجْعَل لِفَاجِر وَلَا لفَاسِق عِنْدِي يدا وَلَا نعْمَة فَإِنِّي وجدت فِيمَا أوحيته إليّ {لَا تَجِد قوما يُؤمنُونَ بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر يوادون من حاد الله وَرَسُوله} قَالَ سُفْيَان: يرَوْنَ أَنَّهَا أنزلت فِيمَن يخالط السُّلْطَان
وَأخرج ابْن أبي شيبَة والحكيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: أحب فِي الله وَأبْغض فِي الله وَعَاد فِي الله ووال فِي الله فَإِنَّمَا تنَال ولَايَة الله بذلك ثمَّ قَرَأَ {لَا تَجِد قوما يُؤمنُونَ بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر يوادون} الْآيَة
وَأخرج أَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أوحى الله إِلَى نَبِي من الْأَنْبِيَاء أَن قل لفُلَان العابد أما زهدك فِي الدُّنْيَا فتعجلت رَاحَة نَفسك وَأما انقطاعك إليّ فتعززت بِي فَمَاذَا عملت فِي مَالِي عَلَيْك قَالَ يَا رب: وَمَالك عليّ قَالَ: هَل واليت لي وليا أَو عاديت لي عدوا
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ عَن وَاثِلَة بن الْأَسْقَع قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يبْعَث الله يَوْم الْقِيَامَة عبدا لَا ذَنْب لَهُ فَيَقُول لَهُ: بأيّ الْأَمريْنِ أحب إِلَيْك أَن أجزيك بعملك أم بنعمتي عَلَيْك قَالَ: رب أَنْت تعلم أَنِّي لم أعصك قَالَ: خُذُوا عَبدِي بِنِعْمَة من نعمي فَمَا يبْقى لَهُ حَسَنَة إِلَّا استغرقتها تِلْكَ النِّعْمَة فَيَقُول: رب بنعمتك ورحمتك فَيَقُول: بنعمتي وبرحمتي وَيُؤْتى بِعَبْد محسن فِي نَفسه لَا يرى أَن لَهُ سَيِّئَة فَيُقَال لَهُ: هَل كنت توالي أوليائي قَالَ: يَا رب كنت من النَّاس سلما قَالَ: هَل كنت تعادي أعدائي قَالَ: يَا رب لم أكن أحب أَن يكون بيني وَبَين أحد شَيْء فَيَقُول الله تبَارك وَتَعَالَى: وَعِزَّتِي لَا ينَال رَحْمَتي من لم يوال أوليائي ويعاد أعدائي
وَأخرج الطَّيَالِسِيّ وَابْن أبي شيبَة عَن الْبَراء بن عَازِب قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أوثق عرى الإِيمان الْحبّ فِي الله والبغض فِي الله
وَأخرج الديلمي من طَرِيق الْحسن عَن معَاذ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: اللَّهُمَّ لَا تجْعَل لِفَاجِر عِنْدِي يدا وَلَا نعْمَة فيوده قلبِي فَإِنِّي وجدت فِيمَا أحيت إليّ {لَا تَجِد قوما يُؤمنُونَ بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر يوادون من حاد الله وَرَسُوله} الْآيَة(8/87)
مُقَدّمَة
سُورَة الْحَشْر
أخرج ابْن الضريس والنحاس وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: نزلت سُورَة الْحَشْر بِالْمَدِينَةِ
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن الزبير مثله
وَأخرج عبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: قلت لِابْنِ عَبَّاس سُورَة الْحَشْر قَالَ: قَالَ: سُورَة النَّضِير
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَالْبُخَارِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: قلت لِابْنِ عَبَّاس: سُورَة الْحَشْر قَالَ: نزلت فِي بني النَّضِير
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم سُورَة الْحَشْر مَدَنِيَّة وآياتها أَربع وَعِشْرُونَ
الْآيَة 1 - 7(8/88)
سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1) هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ (2) وَلَوْلَا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلَاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ (3) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِّ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (4) مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ (5) وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (6) مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (7)
أخرج الْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن عَائِشَة قَالَت: كَانَت غَزْوَة بني النَّضِير وهم طَائِفَة من الْيَهُود على رَأس سِتَّة أشهر من وقْعَة بدر وَكَانَ منزلهم ونخلهم فِي نَاحيَة الْمَدِينَة فَحَاصَرَهُمْ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى نزلُوا على الْجلاء وعَلى أَن لَهُم مَا أقلت الإِبل من الْأَمْتِعَة وَالْأَمْوَال إِلَّا الْحلقَة يَعْنِي السِّلَاح فَأنْزل الله فيهم {سبح لله مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْض} إِلَى قَوْله: {لأوّل الْحَشْر مَا ظننتم أَن يخرجُوا} فَقَاتلهُمْ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى صَالحهمْ على الْجلاء وأجلاهم إِلَى الشَّام وَكَانُوا من سبط لم يصبهم جلاء فِيمَا خلا وَكَانَ الله قد كتب ذَلِك عَلَيْهِم وَلَوْلَا ذَلِك لعذبهم الله فِي الدُّنْيَا بِالْقَتْلِ والسبي وَأما قَوْله: {لأوّل الْحَشْر} فَكَانَ جلاؤهم ذَلِك أول حشر فِي الدُّنْيَا إِلَى الشَّام
وَأخرجه عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ عَن عُرْوَة مُرْسلا قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَهُوَ الْمَحْفُوظ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن قَالَ: لم أجلى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بني النَّضِير قَالَ: هَذَا أوّل الْحَشْر وَأَنا على الْأَثر
وَأخرج الْبَزَّار وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: من شكّ أَن الْمَحْشَر بِالشَّام فليقرا هَذِه الْآيَة {هُوَ الَّذِي أخرج الَّذين كفرُوا من أهل الْكتاب من دِيَارهمْ لأوّل الْحَشْر} قَالَ لَهُم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمئِذٍ: اخْرُجُوا قَالُوا: إِلَى أَيْن قَالَ: إِلَى أَرض الْمَحْشَر(8/89)
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن قيس قَالَ: قَالَ جرير لِقَوْمِهِ فِيمَا يَعِظهُمْ: وَالله إِنِّي لَوَدِدْت أَنِّي لم أكن بنيت فِيهَا لبنة مَا أَنْتُم إِلَّا كالنعامة استترت وَإِن أَرْضكُم هَذِه خراب يسراها ثمَّ يتبعهَا يمناها وَإِن الْمَحْشَر هَهُنَا وَأَشَارَ إِلَى الشَّام
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله: {لأوّل الْحَشْر} قَالَ: فتح الله على نبيه فِي أول حشر حشر عَلَيْهِم فِي أول مَا قَاتلهم وَفِي قَوْله: {مَا ظننتم} النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه أَن يخرجُوا من حصونهم أبدا
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن عُرْوَة قَالَ: أَمر الله رَسُوله بإجلاء بني النَّضِير وإخراجهم من دِيَارهمْ وَقد كَانَ النِّفَاق كثيرا بِالْمَدِينَةِ فَقَالُوا: أَيْن تخرجنا قَالَ: أخرجكم إِلَى الْمَحْشَر فَلَمَّا سمع المُنَافِقُونَ مَا يُرَاد بإخوانهم وأوليائهم من أهل الْكتاب أرْسلُوا إِلَيْهِم فَقَالُوا: إِنَّا مَعكُمْ محيانا ومماتنا إِن قوتلتم فلكم علينا النَّصْر وَإِن أخرجتم لَا نتخلف عَنْكُم ومناهم الشَّيْطَان الظُّهُور فَنَادوا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِنَّا وَالله لَا نخرج وَلَئِن قَاتَلْتنَا لنقاتلنك فَمضى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فيهم لأمر الله وَأمر أَصْحَابه فَأخذُوا السِّلَاح ثمَّ مضى إِلَيْهِم وتحصنت الْيَهُود فِي دُورهمْ وحصونهم فَلَمَّا انْتهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى أزقتهم أَمر بالأدنى من دُورهمْ أَن يهدم وبالنخل أَن يحرق وَيقطع وكفّ الله أَيْديهم وأيدي الْمُنَافِقين فَلم ينصروهم وَألقى الله فِي قُلُوب الْفَرِيقَيْنِ الرعب ثمَّ جعلت الْيَهُود كلما خلص رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من هدم مَا يَلِي مدينتهم ألْقى الله فِي قُلُوبهم الرعب فهدموا الدّور الَّتِي هم فِيهَا من أدبارها وَلم يستطيعوا أَن يخرجُوا على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا كَادُوا أَن يبلغُوا آخر دُورهمْ وهم ينتظرون الْمُنَافِقين وَمَا كَانُوا منوهم فَلَمَّا يئسوا مِمَّا عِنْدهم سَأَلُوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الَّذِي كَانَ عرض عَلَيْهِم قبل ذَلِك فقاضاهم على أَن يجليهم وَلَهُم أَن يتحملوا بِمَا اسْتَقَلت بِهِ الإِبل من الَّذِي كَانَ لَهُم إِلَّا مَا كَانَ من حَلقَة السِّلَاح فَذَهَبُوا كل مَذْهَب وَكَانُوا قد عيروا الْمُسلمين حِين هدموا الدّور وَقَطعُوا النّخل فَقَالُوا: مَا ذَنْب شَجَرَة وَأَنْتُم تَزْعُمُونَ أَنكُمْ مصلحون فَأنْزل الله {سبح لله مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْض} إِلَى قَوْله: {وليخزي الْفَاسِقين} ثمَّ جعلهَا نفلا لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلم يَجْعَل مِنْهَا سَهْما لأحد غَيره فَقَالَ: {وَمَا أَفَاء الله على رَسُوله مِنْهُم} إِلَى قَوْله: {قدير} فَقَسمهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيمَن أرَاهُ الله من الْمُهَاجِرين الأوّلين
وَأخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل من طَرِيق الْعَوْفِيّ عَن ابْن(8/90)
عَبَّاس قَالَ: كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد حَاصَرَهُمْ حَتَّى بلغ مِنْهُم كل مبلغ فَأَعْطوهُ مَا أَرَادَ مِنْهُم فَصَالحهُمْ على أَن يحقن لَهُم دِمَاءَهُمْ وَأَن يخرجهم من أَرضهم وأوطانهم وَأَن يسيرهم إِلَى أَذْرُعَات الشَّام وَجعل لكل ثَلَاثَة مِنْهُم بَعِيرًا وسقاء
وَأخرج الْبَغَوِيّ فِي مُعْجَمه عَن مُحَمَّد بن مسلمة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَعثه إِلَى بني النَّضِير وَأمره أَن يؤجلهم فِي الْجلاء ثَلَاثًا
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن الْمُنْذر وَابْن جرير وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن ابْن عمر أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حرق نخل بني النَّضِير والجلاء إخراجهم من أَرضهم إِلَى أَرض أُخْرَى
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن ابْن عمر أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حرق نخل بني النَّضِير وَقطع وَهِي البويرة وَلها يَقُول حسان بن ثَابت: فهان على سراة بني لؤيّ حريق بالبويرة مستطير فَأنْزل الله {مَا قطعْتُمْ من لينَة أَو تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَة على أُصُولهَا فبإذن الله وليخزي الْفَاسِقين}
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَحسنه وَالنَّسَائِيّ وَابْن أبي حَاتِم وان مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَول الله: {مَا قطعْتُمْ من لينَة أَو تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَة على أُصُولهَا} قَالَ: اللينة النَّخْلَة {وليخزي الْفَاسِقين} قَالَ: استنزلوهم من حصونهم وَأمرُوا بِقطع النّخل فحاك فِي صُدُورهمْ فَقَالَ الْمُسلمُونَ: قد قَطعنَا بَعْضًا وَتَركنَا بَعْضًا فلنسألن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَل لنا فِيمَا قَطعنَا من أجر وَهل علينا فِيمَا تركنَا من وزر فَأنْزل الله {مَا قطعْتُمْ من لينَة} الْآيَة
وَأخرج أَبُو يعلى وَابْن مرْدَوَيْه عَن جَابر قَالَ: رخص لَهُم فِي قطع النّخل ثمَّ شدد عَلَيْهِم فَقَالُوا: يَا رَسُول الله علينا إِثْم فِيمَا قَطعنَا أَو فِيمَا تركنَا من وزر فَأنْزل الله {مَا قطعْتُمْ من لينَة} الْآيَة
وَأخرج ابْن إِسْحَق عَن يزِيد بن رُومَان قَالَ: لم نزل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ببني النَّضِير تحَصَّنُوا مِنْهُ فِي الْحُصُون فَأمر بِقطع النّخل وَالتَّحْرِيق فِيهَا فَنَادَوْهُ يَا مُحَمَّد قد كنت تنْهى عَن الْفساد وتعيبه فَمَا بَال قطع النّخل وَتَحْرِيقهَا فَنزلت {مَا قطعْتُمْ من لينَة}
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن مُجَاهِد(8/91)
قَالَ: نهى بعض الْمُهَاجِرين بَعْضًا عَن قطع النّخل وَقَالُوا: إِنَّمَا هِيَ من مَغَانِم الْمُسلمين وَقَالَ الَّذين قطعُوا: بل هِيَ غيظ للعدوّ فَنزل الْقُرْآن بِتَصْدِيق من نهى عَن قطعه وَتَحْلِيل من قطعه من الإِثم فَقَالَ: إِنَّمَا قطعه وَتَركه بِإِذن الله
وَأخرج ابْن إِسْحَق وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس أَن سُورَة الْحَشْر نزلت فِي النَّضِير وَذكر الله فِيهَا الَّذِي أَصَابَهُم من النِّعْمَة وتسليط رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلَيْهِم حَتَّى عمل بهم الَّذِي عمل بِإِذْنِهِ وَذكر الْمُنَافِقين الَّذين كَانُوا يراسلونهم ويعدونهم النَّصْر فَقَالَ: {هُوَ الَّذِي أخرج الَّذين كفرُوا من أهل الْكتاب من دِيَارهمْ لأوّل الْحَشْر} إِلَى قَوْله: {وأيدي الْمُؤمنِينَ} من هدمهم بُيُوتهم من تَحت الْأَبْوَاب ثمَّ ذكر قطع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم النّخل وَقَول الْيَهُود لَهُ يَا مُحَمَّد قد كنت تنْهى عَن الْفساد فَمَا بَال قطع النّخل فَقَالَ: {مَا قطعْتُمْ من لينَة أَو تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَة على أُصُولهَا فبإذن الله وليخزي الْفَاسِقين} يُخْبِرهُمْ أَنَّهَا نعْمَة مِنْهُ ثمَّ ذكر مَغَانِم بني النَّضِير فَقَالَ: {وَمَا أَفَاء الله على رَسُوله مِنْهُم} إِلَى قَوْله: {قدير} أعلمهم أَنَّهَا لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يضعهاحيث يَشَاء ثمَّ ذكر مَغَانِم الْمُسلمين مِمَّا يوجف عَلَيْهِ الْخَيل والركاب وَيفتح بِالْحَرْبِ فَقَالَ: {مَا أَفَاء الله على رَسُوله من أهل الْقرى فَللَّه وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى واليتامى وَالْمَسَاكِين وَابْن السَّبِيل} فَذا مِمَّا يوجف عَلَيْهِ الْخَيل والركاب ثمَّ ذكر الْمُنَافِقين عبد الله بن أُبي بن سلول ومالكاً داعسا وَمن كَانَ على مثل رَأْيهمْ فَقَالَ: {ألم تَرَ إِلَى الَّذين نافقوا يَقُولُونَ لإِخوانهم الَّذين كفرُوا من أهل الْكتاب لَئِن أُخْرِجْتُمْ لَنخْرجَنَّ مَعكُمْ} إِلَى {كَمثل الَّذين من قبلهم قَرِيبا} يَعْنِي بني قينقاع الَّذين أجلاهم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {هُوَ الَّذِي أخرج الَّذين كفرُوا من أهل الْكتاب من دِيَارهمْ لأوّل الْحَشْر} قبل الشَّام وهم بَنو النَّضِير حَيّ من الْيَهُود أجلاهم نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الْمَدِينَة إِلَى خَيْبَر مرجعه من أحد
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {هُوَ الَّذِي أخرج الَّذين كفرُوا من أهل الْكتاب من دِيَارهمْ} قَالَ: النَّضِير إِلَى قَوْله: {وليخزي الْفَاسِقين} قَالَ: ذَلِك مَا بَين كُله وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة قَالَ: من شكّ أَن الْمَحْشَر إِلَى بَيت الْقُدس فليقرا هَذِه الْآيَة {هُوَ الَّذِي أخرج الَّذين كفرُوا من أهل الْكتاب من دِيَارهمْ لأوّل الْحَشْر}(8/92)
فقد حشر النَّاس مرّة وَذَلِكَ حِين ظهر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على الْمَدِينَة أجلى الْيَهُود وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَأَبُو دَاوُد وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن عبد الرَّحْمَن بن كَعْب بن مَالك عَن رجل من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن كفار قُرَيْش كتبُوا إِلَى عبد الله بن أُبي بن سلول وَمن كَانَ يعبد الْأَوْثَان مَعَه من الْأَوْس والخزرج وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمئِذٍ بِالْمَدِينَةِ قبل وقْعَة بدر يَقُولُونَ: إِنَّكُم قد آويتم صاحبنا وَإِنَّكُمْ أَكثر أهل الْمَدِينَة عددا وَإِنَّا نقسم بِاللَّه لنقاتلنه أَو لنخرجنه ولنستعدين عَلَيْكُم الْعَرَب ثمَّ لنسيرن إِلَيْكُم بأجمعنا حَتَّى نقْتل مُقَاتِلَتكُمْ ونستبيح نساءكم وأبناءكم
فَلَمَّا بلغ ذَلِك عبد الله بن أبيّ وَمن مَعَه من عَبدة الْأَوْثَان تراسلوا واجتمعوا وَأَجْمعُوا لقِتَال النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه
فَلَمَّا بلغ ذَلِك النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَقِيَهُمْ فِي جمَاعَة من أَصْحَابه فَقَالَ: لقد بلغ وَعِيد قُرَيْش مِنْكُم المبالغ مَا كَانَت لتكيدكم بِأَكْثَرَ مِمَّا تُرِيدُونَ أَن تكيدوا بِهِ أَنفسكُم فَأنْتم هَؤُلَاءِ تُرِيدُونَ أَن تقاتلوا أبناءكم وَإِخْوَانكُمْ
فَلَمَّا سمعُوا ذَلِك من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تفَرقُوا فَبلغ ذَلِك كفار قُرَيْش وَكَانَت وقْعَة بدر بعد ذَلِك فَكتبت كفار قُرَيْش بعد وقْعَة بدر إِلَى الْيَهُود: إِنَّكُم أهل الْحلقَة والحصون وَإِنَّكُمْ لتقاتلن صاحبنا أَو لنفعلن كَذَا وَكَذَا وَلَا يحول بَيْننَا وَبَين خدم نِسَائِكُم شَيْء وَهِي الخلاخيل
فَلَمَّا بلغ كِتَابهمْ الْيَهُود اجْتمعت بَنو النَّضِير بالغد وَأَرْسلُوا إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن اخْرُج إِلَيْنَا فِي ثَلَاثِينَ من أَصْحَابك وليخرج إِلَيْك منا ثَلَاثُونَ حبرًا حَتَّى نَلْتَقِي بمَكَان نصف بَيْننَا وَبَيْنك ويسمعوا مِنْك فَإِن صدقوك وآمنوا بك آمنا كلنا
فَخرج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي ثَلَاثِينَ من أَصْحَابه وَخرج إِلَيْهِ ثَلَاثُونَ حبرًا من الْيَهُود حَتَّى إِذا برزوا فِي برَاز من الأَرْض قَالَ بعض الْيَهُود لبَعض: كَيفَ تخلصون إِلَيْهِ وَمَعَهُ ثَلَاثُونَ رجلا من أَصْحَابه كلهم يحب أَن يَمُوت قبله فأرسلوا: كَيفَ نفهم وَنحن سِتُّونَ رجلا أخرج فِي ثَلَاثَة من أَصْحَابك وَنخرج إِلَيْك فِي ثَلَاثَة من عُلَمَائِنَا فيسمعوا مِنْك فَإِن آمنُوا بك آمنا كلنا وَصَدَّقنَاك
فَخرج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي ثَلَاثَة من أَصْحَابه وَخرج ثَلَاثَة من الْيَهُود واشتملوا على الخناجر وَأَرَادُوا الفتك برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَأرْسلت امْرَأَة ناصحة من بَين [بني] النَّضِير إِلَى أَخِيهَا وَهُوَ رجل مُسلم من الْأَنْصَار فَأَخْبَرته خبر مَا أَرَادَ بنوا النَّضر من الْغدر برَسُول الله صلى اللله عَلَيْهِ وَسلم فَأقبل أَخُوهَا سَرِيعا حَتَّى أدْرك النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فسارّه بخبرهم قبل أَن يصل إِلَيْهِم فَرجع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَلَمَّا كَانَ الْغَد غَدا عَلَيْهِم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْكَتَائِبِ فحصرهم فَقَالَ لَهُم: إِنَّكُم وَالله لَا تأمنون عِنْدِي إِلَّا بِعَهْد تعاهدونني(8/93)
عَلَيْهِ فَأَبَوا أَن يعطوه عهدا فَقَاتلهُمْ يَوْمه ذَلِك هُوَ والمسلمون ثمَّ غَدا الْغَد على بني قُرَيْظَة بِالْكَتَائِبِ وَترك بني النَّضِير ودعاهم إِلَى أَن يعاهدواه فعاهدوه فَانْصَرف عَنْهُم إِلَى بني النَّضِير بِالْكَتَائِبِ فَقَاتلهُمْ حَتَّى نزلُوا على الْجلاء وعَلى أَن لَهُم مَا أقلت الإِبل إِلَّا الْحلقَة وَالْحَلقَة السِّلَاح فَجلت بَنو النَّضِير وَاحْتَملُوا مَا أقلت الإِبل من أمتعتهم وأبواب بُيُوتهم وخشبها وَكَانُوا يخربون بُيُوتهم فيهدمونها فيحتملون مَا وافقهم من خشبها وَكَانَ جلاؤهم ذَلِك أول حشر النَّاس إِلَى الشَّام وَكَانَ بَنو النَّضِير من سبط من أَسْبَاط بني إِسْرَائِيل لم يصبهم جلاء مُنْذُ كتب الله الْجلاء على بني إِسْرَائِيل فَلذَلِك أجلاهم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فلولا مَا كتب الله عَلَيْهِم من الْجلاء لعذبهم فِي الدُّنْيَا كَمَا عذبت بَنو قُرَيْظَة فَأنْزل الله {سبح لله مَا فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض} حَتَّى بلغ {وَالله على كل شَيْء قدير} فَكَانَ نخيل بني النَّضِير لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَاصَّة فَأعْطَاهُ الله إِيَّاهَا وخصّه بهَا فَقَالَ: {وَمَا أَفَاء الله على رَسُوله مِنْهُم فَمَا أَوجَفْتُمْ عَلَيْهِ من خيل وَلَا ركاب} يَقُول: بِغَيْر قتال فَأعْطى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَكْثَرهَا الْمُهَاجِرين وَقسمهَا بَينهم وَقسم مِنْهَا لِرجلَيْنِ من الْأَنْصَار كَانَا ذَوي حَاجَة لم يقسم لأحد من الْأَنْصَار غَيرهمَا وَبَقِي مِنْهَا صَدَقَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الَّتِي فِي أَيدي بني فَاطِمَة
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي مَالك أَن قُرَيْظَة وَالنضير قبيلتين من الْيَهُود كَانُوا حلفاء لقبيلتين من الْأَنْصَار الْأَوْس والخزرج فِي الْجَاهِلِيَّة فَلَمَّا قدم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَدِينَة وَأسْلمت الْأَنْصَار وأبت الْيَهُود أَن يسلمُوا سَار الْمُسلمُونَ إِلَى بني النَّضِير وهم فِي حصونهم فَجعل الْمُسلمُونَ يهدمون مَا يليهم من حصونهم ويهدم الْآخرُونَ مَا يليهم [] سقط أَن يَقع عَلَيْهِم حَتَّى أفضوا إِلَيْهِم فَنزلت {هُوَ الَّذِي أخرج الَّذين كفرُوا من أهل الْكتاب من دِيَارهمْ} إِلَى قَوْله: {شَدِيد الْعقَاب} فَلَمَّا أفضوا إِلَيْهِم نزلُوا على عهد بَينهم وَبَين نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على أَن يجلوهم وأهليهم ويأخذوا أَمْوَالهم وأرضهم فأجلوا ونزلوا خَيْبَر وَكَانَ الْمُسلمُونَ يقطعون النّخل فَحَدثني رجال من أهل الْمَدِينَة أَنَّهَا نخل أصفر كَهَيئَةِ الدقل تدعى اللينة
فاستنكر ذَلِك الْمُشْركُونَ فَأنْزل الله عذر الْمُسلمين {مَا قطعْتُمْ من لينَة أَو تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَة على أُصُولهَا فبإذن الله وليخزي الْفَاسِقين} فَأَما قَول الله {فَمَا أَوجَفْتُمْ عَلَيْهِ من خيل وَلَا ركاب} قَالَ: لم يَسِيرُوا إِلَيْهِم على خيل وَلَا ركاب إِنَّمَا كَانُوا فِي نَاحيَة الْمَدِينَة وَبقيت قُرَيْظَة بعدهمْ عَاما أَو(8/94)
عَاميْنِ على عهد بَينهم وَبَين نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا جَاءَ الْمُشْركُونَ يَوْم الْأَحْزَاب أرسل الْمُشْركُونَ إِلَيْهِم أَن اخْرُجُوا مَعنا على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأرْسلت إِلَيْهِم الْيَهُود أَن ارسلوا إِلَيْنَا بِخَمْسِينَ من رهنكم فجَاء نعيم بن مَسْعُود الْأَشْجَعِيّ إِلَى الْمُسلمين فَحَدثهُمْ وَكَانَ نعيم يَأْمَن فِي الْمُسلمين وَالْمُشْرِكين فَبلغ ذَلِك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنهم قد أرْسلُوا إِلَى المشكرين يَسْأَلُونَهُمْ خمسين من رهنهم لِيخْرجُوا مَعَهم فَأَبَوا أَن يبعثوا إِلَيْهِم بِالرَّهْنِ فصاروا حَربًا للْمُسلمين وَالْمُشْرِكين فَبعث إِلَيْهِم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سعد بن معَاذ وخوات بن جُبَير
فَلَمَّا أتياهم قَالَ عظيمهم كَعْب بن الْأَشْرَف: إِنَّه قد كَانَ لي جَنَاحَانِ فقطعتم أَحدهمَا فإمَّا أَن تردوا عليّ جناحي وَإِمَّا أَن أَتَّخِذ عَلَيْكُم جنَاحا فَقَالَ خَوات بن جُبَير: إِنِّي لأهم أَن أطعنه بحربتي
فَقَالَ لَهُ سعد: إِذن يسْبق الْقَوْم وَيَأْخُذُونَ فَمَنعه فَرَجَعَا إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فحدثاه بِالَّذِي كَانَ من أَمرهمَا وَأذن الله فيهم وَرجع الْأَحْزَاب وَوضع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سلاحه فَأَتَاهُ جِبْرِيل فَقَالَ: وَالَّذِي أنزل عَلَيْك الْكتاب مَا نزلت عَن ظهرهَا مُنْذُ نزل بك الْمُشْركُونَ حَتَّى هَزَمَهُمْ الله فسر فَإِن الله قد أذن لَك فِي قُرَيْظَة
فَأَتَاهُم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هُوَ وَأَصْحَابه فَقَالَ لَهُم: يَا إخْوَة القردة والخنازير
فَقَالُوا: يَا أَبَا الْقَاسِم مَا كنت فحاشاً
فنزلوا على حكم سعد بن معَاذ وَكَانَ من الْقَبِيلَة الَّذين هم حلفاؤهم فَحكم فيهم أَن تقتل مُقَاتلَتهمْ وتقسم غنائمهم وَأَمْوَالهمْ
ويذكرون أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: حكم بِحكم الله فَضرب أَعْنَاقهم وَقسم غنائمهم وَأَمْوَالهمْ
وَأخرج عبد بن حميد عَن يحيى بن سعيد قَالَ: أَتَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بني النَّضِير فِي حَاجَة فَهموا بِهِ فأطلعه الله على ذَلِك فندب النَّاس إِلَيْهِم فَصَالحهُمْ على أَن لَهُم الصَّفْرَاء والبيضاء وَمَا أقلت الْإِبِل ولرسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم النّخل وَالْأَرْض وَالْحَلقَة قسمهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَين الْمُهَاجِرين وَلم يُعْط أحدا من الْأَنْصَار مِنْهَا شَيْئا إِلَّا سهل بن حنيف وَأَبا دُجَانَة
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غَدا يَوْمًا إِلَى النَّضِير ليسألهم كَيفَ الدِّيَة فيهم فَلَمَّا لم يرَوا مَعَ رَسُول الله كثير أحد أبرموا بَينهم على أَن يقتلوه ويأخذوا أَصْحَابه أُسَارَى ليذهبوا بهم إِلَى مَكَّة ويبيعوهم من قُرَيْش
فَبَيْنَمَا هم على ذَلِك إِذا [إِذْ] جَاءَ من الْيَهُود من الْمَدِينَة فَلَمَّا رأى أَصْحَابه يأتمرون بِأَمْر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَهُم: مَا تُرِيدُونَ قَالُوا: نُرِيد أَن نقْتل مُحَمَّدًا ونأخذ أَصْحَابه
فَقَالَ لَهُم: وَأَيْنَ(8/95)
مُحَمَّد قَالُوا: هَذَا مُحَمَّد قريب
فَقَالَ لَهُم صَاحبهمْ: وَالله لقد تركت مُحَمَّدًا دَاخل الْمَدِينَة
فأسقط بِأَيْدِيهِم وَقَالُوا: قد أخبر أَنه انْقَطع مَا بَيْننَا وَبَينه من الْعَهْد
فَانْطَلق مِنْهُم سِتُّونَ حبرًا وَمِنْهُم حييّ بن أَخطب والعاصي بن وَائِل حَتَّى دخلواعلى كَعْب وَقَالُوا: يَا كَعْب أَنْت سيد قَوْمك ومدحهم احكم بَيْننَا وَبَين مُحَمَّد
فَقَالَ لَهُم كَعْب: أخبروني مَا عنْدكُمْ قَالُوا: نعتق الرّقاب ونذبح الكوماء وَإِن مُحَمَّدًا انبتر من الْأَهْل وَالْمَال
فشرفهم كَعْب على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فانقلبوا فَأنْزل الله {ألم ترَ إِلَى الَّذين أُوتُوا نَصِيبا من الْكتاب يُؤمنُونَ بالجبت والطاغوت} سُورَة النِّسَاء الْآيَة 51 إِلَى {فَلَنْ تَجِد لَهُ نَصِيرًا} وَنزل عَلَيْهِ لما أَرَادوا أَن يقتلوه {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا اذْكروا نعْمَة الله عَلَيْكُم إِذْ هم قوم أَن يبسطوا إِلَيْكُم أَيْديهم} الْآيَة
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من يَكْفِينِي كَعْبًا فَقَالَ نَاس من أَصْحَابه فيهم مُحَمَّد بن مسلمة: نَحن نكفيك يَا رَسُول الله ونستحل مِنْك شَيْئا
فجاؤوه فَقَالُوا: يَا كَعْب إِن مُحَمَّدًا كلفنا الصَّدَقَة فبعنا شَيْئا
قَالَ عِكْرِمَة: فَهَذَا الَّذين اسْتَحَلُّوهُ من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَقَالَ لَهُم كَعْب: أرهنوني أَوْلَادكُم
فَقَالُوا: إِن ذَاك عَار فِينَا غَدا تبيح أَن يَقُولُوا عبد وسق ووسقين وَثَلَاثَة
قَالَ كَعْب: فاللامة
قَالَ عِكْرِمَة: وَهِي السِّلَاح
فأصلحوا أَمرهم على ذَلِك فَقَالُوا: موعد مَا بَيْننَا وَبَيْنك الْقَابِلَة
حَتَّى إِذا كَانَت الْقَابِلَة راحوا إِلَيْهِ وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْمصلى يَدْعُو لَهُم بالظفر فَلَمَّا جاؤوا نادوه يَا كَعْب
وَكَانَ عروساً فأجابهم فَقَالَت امْرَأَته: وَهِي بنت عُمَيْر: أَيْن تنزل قد أَشمّ السَّاعَة ريح الدَّم
فهبط وَعَلِيهِ ملحفة مورسة وَله نَاصِيَة فَلَمَّا نزل إِلَيْهِم قَالَ الْقَوْم: مَا أطيب رِيحك
ففرح بذلك فَقَامَ إِلَيْهِ مُحَمَّد بن مسلمة فَقَالَ قَائِل الْمُسلمين: أشمونا من رِيحه فَوضع يَده على ثوب كَعْب وَقَالَ: شموا فشموا وَهُوَ يظنّ أَنهم يعْجبُونَ بريحه ففرح بذلك
فَقَالَ مُحَمَّد بن مسلمة: بقيت أَنا أَيْضا
فَمضى إِلَيْهِ فَأخذ بناصيته ثمَّ قَالَ: اجلدوا عُنُقه
فجلدوا عُنُقه
ثمَّ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غَدا إِلَى النَّضِير فَقَالُوا: ذرنا نبك سيدنَا
قَالَ: لَا
قَالُوا فحزة على حزة
قَالَ: نعم حزة على حزة
فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِك جعلُوا يَأْخُذُونَ من بطُون بُيُوتهم الشَّيْء لينجوا بِهِ والمؤمنون يخربون بُيُوتهم من خَارج ليدخلوا عَلَيْهِم
فلولا أَن كتب الله عَلَيْهِم الْجلاء
قَالَ عِكْرِمَة: والجلاء يجلون مِنْهُم ليقتلهم(8/96)
بِأَيْدِيهِم
وَقَالَ عِكْرِمَة: إِن نَاسا من الْمُسلمين لما دخلُوا على بني النَّضِير أخذُوا يقطعون النّخل فَقَالَ بَعضهم لبَعض: وَإِذا تولى سعى فِي الأَرْض ليفسد فِيهَا
وَقَالَ قَائِل من الْمُسلمين: لَا يقطعون وَاديا ولاينالون من عدوّ نيلاً إِلَّا كتب لَهُم بِهِ عمل صَالح فَأنْزل الله {مَا قطعْتُمْ من لينَة} وَهِي النَّخْلَة {أَو تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَة على أُصُولهَا فبإذن الله} قَالَ: مَا قطعْتُمْ فبإذني وَمَا تركْتُم فبإذني
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {يخربون بُيُوتهم بِأَيْدِيهِم وأيدي الْمُؤمنِينَ} قَالَ: كَانَ الْمُسلمُونَ يخربون مَا يليهم من ظَاهرهَا ليدخلوا عَلَيْهِم ويخربها الْيَهُود من داخلها
أخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن مقَاتل بن حَيَّان فِي قَول الله عزوجل: {يخربون بُيُوتهم بِأَيْدِيهِم وأيدي الْمُؤمنِينَ} قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقاتلهم فَإِذا ظهر على درب أَو دَار هدم حيطانها ليتسع الْمَكَان لِلْقِتَالِ وَكَانَت الْيَهُود إِذا غلبوا على درب أَو دَار نقبوها من أدبارها ثمَّ حصنوها ودربوها فَيَقُول الله عز وَجل: {فاعتبروا يَا أولي الْأَبْصَار} وَقَوله: {مَا قطعْتُمْ من لينَة} إِلَى قَوْله: {وليخزي الْفَاسِقين} يَعْنِي باللينة النّخل وَهِي أعجب إِلَى الْيَهُود من الْوَصْف يُقَال لثمرها اللَّوْن فَقَالَت الْيَهُود عِنْد قطع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَخْلهمْ وعقر شجرهم: يَا مُحَمَّد زعمت أَنَّك تُرِيدُ الإِصلاح أَفَمَن الإِصلاح عقر الشّجر وَقطع النّخل وَالْفساد فشق ذَلِك على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَوجد الْمُسلمُونَ من قَوْلهم فِي أنفسهم من قطعهم النّخل خشيَة أَن يكون فَسَادًا فَقَالَ بَعضهم لبَعض: لَا تقطعوا فَإِنَّهُ مِمَّا أَفَاء الله علينا فَقَالَ الَّذين يقطعونها: نغيظهم بقطعها فَأنْزل الله {مَا قطعْتُمْ من لينَة} يَعْنِي النّخل فبإذن الله وَمَا تركْتُم قَائِمَة على أُصُولهَا فبإذن الله فطابت نفس النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأنفس الْمُؤمنِينَ
{وليخزي الْفَاسِقين} يَعْنِي يهود أهل النَّضِير
وَكَانَ قطع النّخل وعقر الشّجر خزياً لَهُم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر عَن الزُّهْرِيّ فِي قَوْله: {يخربون بُيُوتهم بِأَيْدِيهِم} قَالَ: مَا صَالحُوا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانُوا لَا يعجبهم خَشَبَة إِلَّا أخذوها فَكَانَ ذَلِك تخريبها
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله: {يخربون بُيُوتهم} من دَاخل الدَّار لَا يقدرُونَ على قَلِيل وَلَا كثير يَنْفَعهُمْ إِلَّا خربوه وأفسدوا لِئَلَّا يدعوا شَيْئا يَنْفَعهُمْ إِذا رحلوا وَفِي قَوْله: {وأيدي الْمُؤمنِينَ} وَيخرب الْمُؤْمِنُونَ دِيَارهمْ من خَارِجهَا كَيْمَا يخلصوا إِلَيْهِم وَفِي قَوْله: {وَلَوْلَا أَن كتب الله عَلَيْهِم الْجلاء لعذبهم فِي الدُّنْيَا}(8/97)
قَالَ: لسلط عَلَيْهِم فَضربت أَعْنَاقهم وسبيت ذَرَارِيهمْ وَلَكِن سبق فِي كِتَابه الْجلاء لَهُم ثمَّ أجلوا إِلَى أَذْرُعَات وَأَرِيحَا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله: {يخربون بُيُوتهم بِأَيْدِيهِم وأيدي الْمُؤمنِينَ} قَالَ: كَانَت بُيُوتهم مزخرفة فحسدوا الْمُسلمين أَن يسكنوها وَكَانُوا يخربونها من دَاخل والمسلمون من خَارج
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة قَالَ: الْجلاء خُرُوج النَّاس من الْبَلَد إِلَى الْبَلَد
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد عَن ابْن عَبَّاس {مَا قطعْتُمْ من لينَة} قَالَ: هِيَ النَّخْلَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن سعيد بن جُبَير مثله
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَطِيَّة وَعِكْرِمَة وَمُجاهد وَعَمْرو ابْن مَيْمُون مثله
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {من لينَة} قَالَ: نوع من النّخل
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة قَالَ: اللينة مَا دون الْعَجْوَة من النّخل
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن الزُّهْرِيّ قَالَ: اللينة ألوان النّخل كلهَا إِلَّا الْعَجْوَة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس {مَا قطعْتُمْ من لينَة} قَالَ: نَخْلَة أَو شَجَرَة وَأخرج عبد بن حميد عَن الْأَعْمَش أَنه قَرَأَ مَا قطعْتُمْ من لينَة أَو تَرَكْتُمُوهَا قواماً على أُصُولهَا
وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن شهَاب قَالَ: يلغني أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أحرق بعض أَمْوَال بني النَّضِير فَقَالَ قَائِل: فهان على سراة بني لؤيّ حريق بالبويرة مستطير وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة قَالَ: قطع الْمُسلمُونَ يَوْمئِذٍ النّخل وَأمْسك أنَاس كَرَاهِيَة أَن يكون فَسَادًا فَقَالَت الْيَهُود: الله أذن لكم فِي الْفساد فَقَالَ الله: {مَا قطعْتُمْ من لينَة} قَالَ: واللينة مَا خلا الْعَجْوَة من النّخل إِلَى قَوْله: {وليخزي الْفَاسِقين} قَالَ: لتغيظوهم {وَمَا أَفَاء الله على رَسُوله مِنْهُم فَمَا أَوجَفْتُمْ عَلَيْهِ من خيل وَلَا ركاب}(8/98)
قَالَ: مَا قطعْتُمْ إِلَيْهَا وَاديا وَلَا سيرتم إِلَيْهَا دَابَّة وَلَا بَعِيرًا إِنَّمَا كَانَت حَوَائِط لبني النَّضِير أطعمها الله رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن جَابر بن عبد الله أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قسم بَين قُرَيْش والمهاجرين النَّضِير فَأنْزل الله {مَا قطعْتُمْ من لينَة} قَالَ: مَا هِيَ الْعَجْوَة والفنيق والنخيل وَكَانَا مَعَ نوح فِي السَّفِينَة وهما أصل التَّمْر وَلم يُعْط رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الْأَنْصَار أحدا إِلَّا رجلَيْنِ أَبَا دُجَانَة وَسَهل بن حنيف
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن الْأَوْزَاعِيّ قَالَ: أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَهُودِيّ فَسَأَلَهُ عَن الْمَشِيئَة قَالَ: الْمَشِيئَة لله قَالَ: فَإِنِّي أَشَاء أَن أقوم قَالَ: قد شَاءَ الله أَن تقوم قَالَ: فَإِنِّي أَشَاء أَن أقعد قَالَ: فقد شَاءَ الله أَن تقعد قَالَ: فَإِنِّي أَشَاء أَن أقطع هَذِه النَّخْلَة قَالَ: فقد شَاءَ الله أَن تقطعها قَالَ: فَإِنِّي أَشَاء أَن أتركها قَالَ: فقد شَاءَ الله أَن تتركها قَالَ: فَأَتَاهُ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ: قد لقنت حجتك كَمَا لقنها إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: وَنزل الْقُرْآن {مَا قطعْتُمْ من لينَة أَو تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَة على أُصُولهَا فبإذن الله وليخزي الْفَاسِقين}
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالْبَيْهَقِيّ وَابْن الْمُنْذر عَن الزُّهْرِيّ فِي قَوْله: {فَمَا أَوجَفْتُمْ عَلَيْهِ من خيل وَلَا ركاب} قَالَ: صَالح النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أهل فدك وقرى سَمَّاهَا وَهُوَ محاصر قوما آخَرين فأرسلوا بِالصُّلْحِ فأفاءها الله عَلَيْهِم من غير قتال وَلم يوجفوا عَلَيْهِ خيلاً وَلَا ركاباً فَقَالَ الله: {فَمَا أَوجَفْتُمْ عَلَيْهِ من خيل وَلَا ركاب} يَقُول: بِغَيْر قتال
وَقد كَانَت أَمْوَال بني النَّضِير للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَالِصا لم يفتتحوها عنْوَة إِنَّمَا فتحوها على صلح فَقَسمهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَين الْمُهَاجِرين وَلم يُعْط الْأَنْصَار مِنْهَا شَيْئا إِلَّا رجلَيْنِ كَانَت بهما حَاجَة أَبُو دُجَانَة وَسَهل بن حنيف
وَأخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن الْمُنْذر عَن عمر بن الْخطاب قَالَ: كَانَت أَمْوَال بني النَّضِير مِمَّا أَفَاء الله على رَسُوله مِمَّا لم يوجف عَلَيْهِ الْمُسلمُونَ بخيل وَلَا ركاب فَكَانَت لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَاصَّة فَكَانَ ينْفق على أَهله مِنْهَا نَفَقَة سنتهمْ ثمَّ يَجْعَل مَا بَقِي فِي الكراع وَالسِّلَاح عدَّة فِي سَبِيل الله
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد {فَمَا أَوجَفْتُمْ عَلَيْهِ من خيل وَلَا ركاب} قَالَ: يذكرهم رَبهم أَنه نَصرهم وكفاهم بِغَيْر كرَاع وَلَا عدَّة فِي قُرَيْظَة وخيبر
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وَمَا أَفَاء الله على رَسُوله مِنْهُم فَمَا أَوجَفْتُمْ عَلَيْهِ من خيل وَلَا ركاب}(8/99)
قَالَ: أَمر الله رَسُوله بالسير إِلَى قُرَيْظَة وَالنضير وَلَيْسَ للْمُؤْمِنين يَوْمئِذٍ كثير خيل وَلَا ركاب فَجعل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يحكم فِيهِ مَا أَرَادَ وَلم يكن يَوْمئِذٍ خيل وَلَا ركاب يوجف بهَا
قَالَ: والايجاف أَن يوضعوا السّير وَهِي لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَكَانَ من ذَلِك خَيْبَر وفدك وقرى عَرَبِيَّة وَأمر الله رَسُوله أَن يعد لينبع فَأَتَاهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فاحتواها كلهَا فَقَالَ أنَاس: هلا قسمهَا فَأنْزل الله عذره فَقَالَ: {مَا أَفَاء الله على رَسُوله من أهل الْقرى فَللَّه وَلِلرَّسُولِ} إِلَى قَوْله: {شَدِيد الْعقَاب}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {مَا أَفَاء الله على رَسُوله من أهل الْقرى} قَالَ: من قُرَيْظَة جعله الله لمهاجرة قُرَيْش خصوا بِهِ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر عَن الزُّهْرِيّ فِي قَوْله: {مَا أَفَاء الله على رَسُوله من أهل الْقرى} قَالَ: بَلغنِي أَنَّهَا الْجِزْيَة وَالْخَرَاج
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَ مَا أَفَاء الله على رَسُوله من خَيْبَر نصف لله وَرَسُوله وَالنّصف الآخر للْمُسلمين فَكَانَ الَّذِي لله وَرَسُوله من ذَلِك الكتيبة والوطيخ وسلالة ووجدة وَكَانَ الَّذِي للْمُسلمين الشق والشق ثَلَاثَة عشر سَهْما ونطاه خَمْسَة أسْهم وَلم يقسم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من خَيْبَر لأحد من الْمُسلمين إِلَّا لمن شهد الْحُدَيْبِيَة وَلم يَأْذَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأحد تخلف عَنهُ عِنْد مخرجه الْحُدَيْبِيَة أَن يشْهد مَعَه خَيْبَر إِلَّا جَابر بن عبد الله بن عَمْرو بن حزَام الْأنْصَارِيّ
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَابْن مرْدَوَيْه عَن عمر بن الْخطاب قَالَ: كَانَ لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صفايا بني النَّضِير وخيبر وفدك فَأَما بَنو النَّضِير فَكَانَت حبسا لنوائبه وَأما فدك فَكَانَت لِابْنِ السَّبِيل وَأما خَيْبَر فجزأها ثَلَاثَة أَجزَاء فقسم مِنْهَا جزأين بَين الْمُسلمين وَحبس جُزْءا لنَفسِهِ ولنفقة أَهله فَمَا فضل عَن نَفَقَة أَهله رده على فُقَرَاء الْمُهَاجِرين
وَأخرج ابْن النباري فِي الْمَصَاحِف عَن الْأَعْمَش قَالَ: لَيْسَ بَين مصحف عبد الله وَزيد بن ثَابت خلاف فِي حَلَال وَحرَام إِلَّا فِي حرفين فِي سُورَة الْأَنْفَال (وَاعْلَمُوا أَنما غَنِمْتُم من شَيْء فَإِن لله خَمْسَة وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى واليتامى وَالْمَسَاكِين وَابْن السَّبِيل) (سُورَة الْأَنْفَال الأية 41) وَفِي سُورَة الْحَشْر {مَا أَفَاء الله على رَسُوله من أهل الْقرى فَللَّه وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى واليتامى وَالْمَسَاكِين وَابْن السَّبِيل} والمهاجرين فِي سَبِيل الله(8/100)
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة {مَا أَفَاء الله على رَسُوله من أهل الْقرى فَللَّه وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى واليتامى وَالْمَسَاكِين وَابْن السَّبِيل} قَالَ: كَانَ الْفَيْء بَين هَؤُلَاءِ فنسختها الْآيَة الَّتِي: فِي الْأَنْفَال فَقَالَ: (وَاعْلَمُوا أَنما غَنِمْتُم من شَيْء فَإِن لله خمسه وَلِلرَّسُولِ وَالَّذِي الْقُرْبَى واليتامى وَالْمَسَاكِين وَابْن السَّبِيل) (الْأَنْفَال 41) فنسخت هَذِه الْآيَة مَا كَانَ قبلهَا فِي سُورَة الْحَشْر فَجعل الْخمس لمن كَانَ لَهُ الْفَيْء وَصَارَ مَا بَقِي من الْغَنِيمَة لسَائِر النَّاس لمن قَاتل عَلَيْهَا
وَأخرج أَبُو عبيد فِي كتاب الْأَمْوَال وَعبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَأَبُو عوَانَة وَابْن حبَان وَابْن مرْدَوَيْه عَن مَالك بن أَوْس بن الْحدثَان قَالَ: بعث إليّ عمر بن الْخطاب فِي الهاجرة فَجِئْته فَدخلت عَلَيْهِ فَإِذا هُوَ جَالس على سَرِير لَيْسَ بَينه وَبَين رمل السرير فرَاش متكىء على وسَادَة من آدم فَقَالَ: يَا مَالك إِنَّه قدم علينا أهل أَبْيَات من قَوْمك وَإِنِّي قد أمرت فيهم برضخ فَخذه فأقسمه بَينهم
فَقلت: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِنَّهُم قومِي وَأَنا أكره أَن أَدخل بِهَذَا عَلَيْهِم فَمر بِهِ غَيْرِي
فَإِنِّي لَا رَاجعه [لأراجعه] فِي ذَلِك إِذْ جَاءَهُ يرفا [يرفا] غُلَامه فَقَالَ: هَذَا عُثْمَان بن عَفَّان وَطَلْحَة بن عبيد الله وَالزُّبَيْر وَعبد الرَّحْمَن بن عَوْف فَأذن لَهُم فَدَخَلُوا ثمَّ جَاءَهُ يرفا [يرفا] فَقَالَ: هَذَا عَليّ وعباس قَالَ: ائْذَنْ لَهما فِي الدُّخُول فدخلا
فَقَالَ عَبَّاس: أَلا تعديني على هَذَا فَقَالَ الْقَوْم: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ اقْضِ بَين هذَيْن وأرح كل وَاحِد مِنْهُمَا من صَاحبه فَإِن فِي ذَلِك رَاحَة لَك وَلَهُمَا
فَجَلَسَ عمر ثمَّ قَالَ: اتئدوا
وحسر عَن ذِرَاعَيْهِ ثمَّ قَالَ: أنْشدكُمْ بِاللَّه أَيهَا الرَّهْط هَل سَمِعْتُمْ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: انا لَا نورث مَا تركنَا صَدَقَة إِن الْأَنْبِيَاء لَا تورث فَقَالَ الْقَوْم: نعم قد سمعنَا ذَاك
ثمَّ أقبل على عَليّ وعباس فَقَالَ: أنشدكما بِاللَّه هَل سمعتما رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ ذَاك قَالَا: نعم
فَقَالَ عمر: أَلا أحدثكُم عَن هَذَا الْأَمر إِن الله خص نبيه من هَذَا الْفَيْء بِشَيْء لم يُعْطه غَيره يُرِيد أَمْوَال بني النَّضِير كَانَت نفلا لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْسَ لأحد فِيهَا حق مَعَه فوَاللَّه مَا احتواها دونكم وَلَا اسْتَأْثر بهَا عَلَيْكُم لقد قسمهَا فِيكُم حَتَّى كَانَ مِنْهَا هَذَا المَال فَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يدّخر مِنْهُ قوت أَهله لسنتهم وَيجْعَل مَا بَقِي فِي(8/101)
سَبِيل المَال حَتَّى توفى الله نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَامَ أَبُو بكر فَقَالَ: أَنا وليّ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أعمل بِمَا كَانَ يعْمل وأسير بسيرته فِي حَيَاته فَكَانَ يدّخر من هَذَا المَال قنية أهل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لسنتهم وَيجْعَل مَا بَقِي فِي سبل المَال كَمَا كَانَ يصنع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فوليها أَبُو بكر حَيَاته حَتَّى توفّي أَبُو بكر قلت: أَنا ولي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَولي أبي بكر أعمل بِمَا كَانَا يعملان بِهِ فِي هَذَا المَال فقبضتها فَلَمَّا أقبلتما عليّ وأدبرتما وبدا لي أَن أدفعها إلَيْكُمَا أخذت عَلَيْكُمَا عهد الله وميثاقه لتعملان فِيهَا بِمَا كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يعْمل بِهِ فِيهَا وَأَبُو بكر وَأَنا حَتَّى دفعتها إلَيْكُمَا
أنْشدكُمْ الله أَيهَا الرَّهْط هَل دفعتها إِلَيْهِمَا بذلك قَالُوا: اللَّهُمَّ نعمز ثمَّ أقبل عَلَيْهِمَا فَقَالَ: أنشدكما بِاللَّه هَل دفعتها إلَيْكُمَا بذلك قَالَا: نعم قَالَ: فقضاء غير ذَلِك تلتمسان مني فَلَا وَالله لَا أَقْْضِي فِيهَا قَضَاء غير ذَلِك حَتَّى تقوم السَّاعَة فَإِن كنتما عجزتما عَنْهَا فأدياها إليّ ثمَّ قَالَ عمر: إِن الله قَالَ: {وَمَا أَفَاء الله على رَسُوله مِنْهُم فَمَا أَوجَفْتُمْ عَلَيْهِ من خيل وَلَا ركاب وَلَكِن الله يُسَلط رسله على من يَشَاء وَالله على كل شَيْء قدير} فَكَانَت لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ قَالَ: {مَا أَفَاء الله على رَسُوله من أهل الْقرى فَللَّه وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى} إِلَى آخر الْآيَة {وَاتَّقوا الله إِن الله شَدِيد الْعقَاب} ثمَّ قَالَ: وَالله مَا أَعْطَاهَا هَؤُلَاءِ وحدهم حَتَّى قَالَ: {للْفُقَرَاء الْمُهَاجِرين الَّذين أخرجُوا من دِيَارهمْ وَأَمْوَالهمْ يَبْتَغُونَ فضلا من الله ورضواناً وينصرون الله وَرَسُوله أُولَئِكَ هم الصادقون} ثمَّ وَالله مَا جعلهَا لهَؤُلَاء وحدهم حَتَّى قَالَ: {وَالَّذين تبوؤوا الدَّار والإِيمان} إِلَى {المفلحون} ثمَّ وَالله مَا أَعْطَاهَا لهَؤُلَاء وحدهم حَتَّى قَالَ: {وَالَّذين جاؤوا من بعدهمْ يَقُولُونَ رَبنَا اغْفِر لنا} إِلَى قَوْله: {رَحِيم} فَقَسمهَا هَذَا الْقسم على هَؤُلَاءِ الَّذين ذكر
قَالَ عمر: لَئِن بقيت ليَأْتِيَن الرويعي بِصَنْعَاء حَقه وَدَمه فِي وَجهه
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَأَبُو عُبَيْدَة وَابْن زَنْجوَيْه مَعًا فِي الْأَمْوَال وَعبد بن حميد وَأَبُو دَاوُد وَفِي ناسخه وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن مَالك بن أَوْس بن الْحدثَان قَالَ: قَرَأَ عمر بن الْخطاب {إِنَّمَا الصَّدقَات للْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين} حَتَّى بلغ {عليم حَكِيم} ثمَّ قَالَ: هَذِه لهَؤُلَاء ثمَّ قَرَأَ {مَا أَفَاء الله على رَسُوله من أهل الْقرى} حَتَّى بلغ {للْفُقَرَاء الْمُهَاجِرين} إِلَى آخر الْآيَة فَقَالَ: هَذِه للمهاجرين ثمَّ تَلا {وَالَّذين تبوؤوا الدَّار والإِيمان من قبلهم} إِلَى آخر الْآيَة فَقَالَ: هَذِه للْأَنْصَار ثمَّ قَرَأَ {وَالَّذين جاؤوا من بعدهمْ} إِلَى آخر الْآيَة ثمَّ قَالَ: استوعبت هَذِه(8/102)
الْمُسلمين عَامَّة وَلَيْسَ أحد إِلَّا لَهُ فِي هَذَا المَال حق أَلا مَا تَمْلِكُونَ من وصيتكم ثمَّ قَالَ: لَئِن عِشْت ليَأْتِيَن الرَّاعِي وَهُوَ يسير حمره (هَكَذَا فِي الأَصْل) نصِيبه مِنْهَا لم يعرق فِيهِ جَبينه
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ عَن زيد بن أسلم عَن أَبِيه قَالَ: سَمِعت عمر بن الْخطاب يَقُول: اجْتَمعُوا لهَذَا المَال فأنظروا لمن تَرَوْنَهُ ثمَّ قَالَ لَهُم: إِنِّي أَمرتكُم أَن تجتمعوا لهَذَا المَال فتنظروا لمن تَرَوْنَهُ وَإِنِّي قَرَأت آيَات من كتاب الله فكفيتني سَمِعت الله يَقُول: {مَا أَفَاء الله على رَسُوله من أهل الْقرى فَللَّه وَلِلرَّسُولِ} إِلَى قَوْله: {أُولَئِكَ هم الصادقون} وَالله مَا هُوَ لهَؤُلَاء وحدهم {وَالَّذين تبوؤوا الدَّار والإِيمان} إِلَى قَوْله: {المفلحون} وَالله مَا هُوَ لهَؤُلَاء وحدهم {وَالَّذين جاؤوا من بعدهمْ يَقُولُونَ رَبنَا اغْفِر لنا} إِلَى قَوْله: {رَحِيم} وَالله مَا أحد من الْمُسلمين إِلَّا لَهُ حق فِي هَذَا المَال أعطي مِنْهُ أَو منع عَنهُ حَتَّى رَاع بعدن
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن سعد وَابْن أبي شيبَة وَابْن زَنْجوَيْه فِي الْأَمْوَال وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: مَا على وَجه الأَرْض مُسلم إِلَّا وَله فِي هَذَا المَال حق إِلَّا مَا ملكت أَيْمَانكُم
وَأخرج عبد بن حميد وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن سعيد بن الْمسيب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قسم عمر ذَات يَوْم قسما من المَال فَجعلُوا يثنون عَلَيْهِ فَقَالَ: مَا أحمقكم لَو كَانَ لي مَا أَعطيتكُم مِنْهُ درهما
وَأخرج أَبُو دَاوُد فِي ناسخه عَن ابْن أبي نجيح رَضِي الله عَنهُ قَالَ: المَال ثَلَاثَة: مغنم أَو فَيْء أَو صَدَقَة
فَلَيْسَ مِنْهُ دِرْهَم إِلَّا بيّن الله مَوْضِعه
وَأخرج أَحْمد وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن سَمُرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يُوشك أَن يمْلَأ الله أَيْدِيكُم من الْعَجم ثمَّ يجعلهم أسداً لَا يفرون فيقتلون مُقَاتِلَتكُمْ ويأكلون فيئكم
وَأخرج ابْن سعد عَن السَّائِب بن يزِيد سَمِعت عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ يَقُول: وَالَّذِي لَا إِلَيْهِ إِلَّا هُوَ ثَلَاثًا مَا من النَّاس أحد إِلَّا لَهُ حق فِي هَذَا المَال أعْطِيه أَو مَنعه وَمَا أحد أَحَق بِهِ من أحد إِلَى عبد مَمْلُوك وَمَا أَنا فِيهِ إِلَّا كأحدكم وَلَكنَّا على مَنَازلنَا من كتاب الله وَقَسمنَا من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فالرجل وبلاؤه فِي الإِسلام وَالرجل وَقدمه فِي الْإِسْلَام وَالرجل غناهُ فِي الإِسلام وَالرجل وَحَاجته فِي الإِسلام وَالله لَئِن بقيت ليَأْتِيَن الرَّاعِي بجبل صنعاء حَظه من هَذَا المَال وَهُوَ مَكَانَهُ(8/103)
وَأخرج ابْن سعد عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كتب عمر إِلَى حُذَيْفَة أَن أعْط النَّاس أَعطيتهم وأرزاقهم فَكتب إِلَيْهِ إِنَّا قد فعلنَا وَبَقِي شَيْء كثير فَكتب إِلَيْهِ عمر: إِن فيأهم الَّذِي أَفَاء الله عَلَيْهِم لَيْسَ هُوَ لعمر وَلَا لآل عمر اقسمه بَينهم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عمر بن عبد الْعَزِيز رَضِي الله عَنهُ قَالَ: وجدت المَال قسم بَين هَذِه الثَّلَاثَة الْأَصْنَاف: الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار وَالَّذين جاؤوا من بعدهمْ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ مثل ذَلِك
قَوْله تَعَالَى: {وَمَا آتَاكُم الرَّسُول فَخُذُوهُ} الْآيَة
أخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ {وَمَا آتَاكُم الرَّسُول فَخُذُوهُ وَمَا نهاكم عَنهُ فَانْتَهوا} قَالَ: كَانَ يُؤْتِيهم الْغَنَائِم وينهاهم عَن الْغلُول
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وَمَا آتَاكُم الرَّسُول فَخُذُوهُ} قَالَ: من الْفَيْء {وَمَا نهاكم عَنهُ فَانْتَهوا} قَالَ: من الْفَيْء وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج رَضِي اله عَنهُ {وَمَا آتَاكُم الرَّسُول} من طَاعَتي وأمري {فَخُذُوهُ وَمَا نهاكم عَنهُ} من معصيتي فَانْتَهوا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَالنَّسَائِيّ وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: ألم يقل الله {وَمَا آتَاكُم الرَّسُول فَخُذُوهُ وَمَا نهاكم عَنهُ فَانْتَهوا} قَالُوا: بلَى قَالَ: ألم يقل الله: (وَمَا كَانَ لمُؤْمِن وَلَا مُؤمنَة إِذا قضى الله وَرَسُوله أمرا أَن يكون لَهُم الْخيرَة من أَمرهم) (سُورَة الْأَحْزَاب الْآيَة 36) الْآيَة قَالَ: فَإِنِّي أشهد أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَن الدُّبَّاء والحنتم والنقير والمزفت
وَأخرج عبد بن حميد عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ أَنه سمع ابْن عمر وَابْن عَبَّاس يَشْهَدَانِ على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه نهى عَن الدُّبَّاء والحنتم والنقير والمزفت ثمَّ تَلا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَذِه الْآيَة {وَمَا آتَاكُم الرَّسُول فَخُذُوهُ وَمَا نهاكم عَنهُ فَانْتَهوا}
وَأخرج أَحْمد وَعبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه عَن عَلْقَمَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ عبد الله بن مَسْعُود: لعن الله الْوَاشِمَات وَالْمُسْتَوْشِمَات وَالْمُتَنَمِّصَات وَالْمُتَفَلِّجَات لِلْحسنِ الْمُغيرَات لخلق الله
فَبلغ ذَلِك امْرَأَة من بني أَسد(8/104)
يُقَال لَهَا أم يَعْقُوب فَجَاءَت إِلَيْهِ فَقَالَت: إِنَّه بَلغنِي أَنَّك لعنت كَيْت وَكَيْت قَالَ: وَمَالِي لَا ألعن من لعن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ فِي كتاب الله
قَالَت: لقد قَرَأت مَا بَين الدفتين فَمَا وجدت فِيهِ شَيْئا من هَذَا قَالَ: لَئِن كنت قرأته لقد وجدته أما قَرَأت {وَمَا آتَاكُم الرَّسُول فَخُذُوهُ وَمَا نهاكم عَنهُ فَانْتَهوا} قَالَت: بلَى قَالَ: فَإِنَّهُ قد نهى عَنهُ وَالله أعلم
الْآيَة 8 - 9(8/105)
لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (8) وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9)
أخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {للْفُقَرَاء الْمُهَاجِرين الَّذين أخرجُوا} الْآيَة قَالَ: هَؤُلَاءِ الْمُهَاجِرُونَ تركُوا الديار وَالْأَمْوَال والأهلين والعشائر وَخَرجُوا حبا لله وَلِرَسُولِهِ واختاروا الإِسلام على مَا كَانَ فِيهِ من شدَّة حَتَّى لقد ذكر لنا أَن الرجل كَانَ يعصب الْحجر على بَطْنه ليقيم بِهِ صلبه من الْجُوع وَإِن كَانَ الرجل ليتَّخذ الْحفر فِي الشتَاء مَا لَهُ دثار غَيرهَا
قَوْله تَعَالَى: {وَالَّذين تبوؤوا الدَّار والإِيمان}
أخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {وَالَّذين تبوؤوا الدَّار والإِيمان} إِلَى آخر الْآيَة قَالَ: هم هَذَا الْحَيّ من الْأَنْصَار أَسْلمُوا فِي دِيَارهمْ وابتنوا الْمَسَاجِد قبل قدوم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِسنتَيْنِ وَأحسن الله عَلَيْهِم الثَّنَاء فِي ذَلِك وَهَاتَانِ الطائفتان الأولتان من هَذِه الْآيَة أخذتا بفضلهما ومضنا على مهلهما وَأثبت الله حظهما فِي هَذَا الْفَيْء ثمَّ ذكر الطَّائِفَة الثَّالِثَة فَقَالَ: {وَالَّذين جاؤوا من بعدهمْ يَقُولُونَ رَبنَا اغْفِر لنا ولإِخواننا} إِلَى آخر الْآيَة
قَالَ: إِنَّمَا أمروا أَن يَسْتَغْفِرُوا لأَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلم يؤمروا بسبهم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد {وَالَّذين تبوؤوا الدَّار والإِيمان من قبلهم}(8/105)
قَالَ: الْأَنْصَار نعت سخاوة أنفسهم عِنْدَمَا رأى من ذَلِك وإيثارهم إيَّاهُم وَلم يصب الْأَنْصَار من ذَلِك الْفَيْء شَيْء
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن يزِيد بن الْأَصَم أَن الْأَنْصَار قَالُوا: يَا رَسُول الله أقسم بَيْننَا وَبَين إِخْوَاننَا الْمُهَاجِرين الأَرْض نِصْفَيْنِ قَالَ: لَا وَلَكِن يكفونكم الْمُؤْنَة وتقاسمونهم الثَّمَرَة وَالْأَرْض أَرْضكُم قَالُوا: رَضِينَا فَأنْزل الله {وَالَّذين تبوؤوا الدَّار والإِيمان من قبلهم} إِلَى آخر الْآيَة
أخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن الْحسن قَالَ: فضل الْمُهَاجِرين على الْأَنْصَار فَلم يَجدوا فِي صُدُورهمْ حَاجَة قَالَ: الْحَسَد
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن عمر أَنه قَالَ: أوصِي الْخَلِيفَة بعدِي بالمهاجرين الْأَوَّلين أَن يعرف لَهُم حَقهم ويحفظ لَهُم حرمتهم وأوصيه بالأنصار الَّذين تبوؤا الدَّار والإِيمان من قبل أَن يُهَاجر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يقبل من محسنهم وَيَعْفُو عَن مسيئهم
وَأخرج الزبير بن بكار فِي أَخْبَار الْمَدِينَة عَن زيد بن أسلم قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: للمدينة عشرَة أَسمَاء هِيَ الْمَدِينَة وَهِي طيبَة وطابة ومسكينة وجابرة ومجبورة وتبدد ويثرب وَالدَّار
قَوْله تَعَالَى: {ويؤثرون على أنفسهم وَلَو كَانَ بهم خصَاصَة}
أخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْحَاكِم وَابْن مرْدَوَيْه الْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أَتَى رجل لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا رَسُول الله أصابني الْجهد فَأرْسل إِلَى نِسَائِهِ فَلم يجد عِنْدهن شَيْئا فَقَالَ: أَلا رجل يضيف هَذَا اللَّيْلَة رَحمَه الله تَعَالَى فَقَالَ رجل من الْأَنْصَار وَفِي رِوَايَة فَقَالَ أَبُو طَلْحَة الْأنْصَارِيّ: أَنا يَا رَسُول الله فَذهب بِهِ إِلَى أَهله فَقَالَ لامْرَأَته: اكرمي ضيف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تدخرين شَيْئا
قَالَت: وَالله مَا عِنْدِي إِلَّا قوت الصبية
قَالَ: فَإِذا أَرَادَ الصبية الْعشَاء فنوميهم وتعالي فأطفئي السراج ونطوي بطوننا اللَّيْلَة لضيف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَفعلت ثمَّ غَدا الضَّيْف على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: لقد عجب الله من فلَان وفلانة وَأنزل الله فيهمَا {ويؤثرون على أنفسهم وَلَو كَانَ بهم خصَاصَة}
وَأخرج مُسَدّد فِي مُسْنده وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب قري الضَّيْف وَابْن الْمُنْذر عَن(8/106)
أبي المتَوَكل النَّاجِي رَضِي الله عَنهُ أَن رجلا من الْمُسلمين مكث صَائِما ثَلَاثَة أَيَّام يُمْسِي فَلَا يجد مَا يفْطر فَيُصْبِح صَائِما حَتَّى فطن لَهُ رجل من الْأَنْصَار يُقَال لَهُ ثَابت بن قيس رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ لأَهله: إِنِّي ساجيء اللَّيْلَة بضيف لي فَإِذا وضعتم طَعَامكُمْ فَليقمْ بَعْضكُم إِلَى كَأَنَّهُ يصلحه فليطفئه ثمَّ اضربوا بأيدكم إِلَى الطَّعَام كأنكم تَأْكُلُونَ فَلَا تَأْكُلُوا حَتَّى يشْبع ضيفنا فَلَمَّا أَمْسَى ذهب بِهِ فوضعوا طعامهم فَقَامَتْ امْرَأَته إِلَى السراج كَأَنَّهَا تصلحه فأطفأته ثمَّ جعلُوا يضْربُونَ أَيْديهم فِي الطَّعَام كَأَنَّهُمْ يَأْكُلُون وَلَا يَأْكُلُون حَتَّى شبع ضيفهم وَإِنَّمَا كَانَ طعامهم ذَلِك خبْزَة هِيَ قوتهم فَلَمَّا أصبح ثَابت غَدا إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا ثَابت لقد عجب الله البارحة مِنْكُم وَمن ضيفكم فَنزلت فِيهِ هَذِه الْآيَة {ويؤثرون على أنفسهم وَلَو كَانَ بهم خصَاصَة}
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أهدي لرجل من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَأس شَاة فَقَالَ: إِن أخي فلَانا وَعِيَاله أحْوج إِلَى هَذَا منا فَبعث بِهِ إِلَيْهِم فَلم يزل يبْعَث بِهِ وَاحِدًا إِلَى آخر حَتَّى تداولها أهل سَبْعَة أَبْيَات حَتَّى رجعت إِلَى الأول فَنزلت {ويؤثرون على أنفسهم وَلَو كَانَ بهم خصَاصَة}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مقَاتل رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وَلَو كَانَ بهم خصَاصَة} قَالَ: فاقة
قَوْله تَعَالَى: {وَمن يُوقَ شح نَفسه فَأُولَئِك هم المفلحون}
أخرج الْفرْيَابِيّ وَسَعِيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ أَن رجلا قَالَ لَهُ: إِنِّي أَخَاف أَن أكون قد هَلَكت قَالَ: وَمَا ذَاك قَالَ: إِنِّي سَمِعت الله يَقُول: {وَمن يُوقَ شح نَفسه فَأُولَئِك هم المفلحون} وَأَنا رجل شحيح لَا يكَاد يخرج مني شَيْء فَقَالَ لَهُ ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ: لَيْسَ ذَاك بالشح وَلكنه الْبُخْل وَلَا خير فِي الْبُخْل وَإِن الشُّح الَّذِي ذكره الله فِي الْقُرْآن أَن تَأْكُل مَال أَخِيك ظلما
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وَمن يُوقَ شح نَفسه} قَالَ: لَيْسَ الشحيح أَن يمْنَع الرجل مَاله وَلكنه(8/107)
الْبُخْل وَإنَّهُ لشر إِنَّمَا الشُّح أَن تطمح عين الرجل إِلَى مَا لَيْسَ لَهُ وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ قَالَ: النّظر إِلَى الْمَرْأَة لَا يملكهَا من الشُّح
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن طَاوُوس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: البخلان يبخل الإِنسان بِمَا فِي يَدَيْهِ وَالشح أَن يشح على مَا فِي أَيدي النَّاس
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن عَسَاكِر عَن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف أَنه كَانَ يطوف بِالْبَيْتِ يَقُول: اللَّهُمَّ قني شح نَفسِي
لَا يزِيد على ذَلِك فَقيل لَهُ فَقَالَ: إِذا وقيت شح نَفسِي لَا أسرق وَلَا أزني وَلم أفعل شَيْئا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله: {وَمن يُوقَ شح نَفسه} قَالَ: إِدْخَال الْحَرَام وَمنع الزَّكَاة
وَأخرج ابْن االمنذر عَن عَليّ بن أبي طَالب قَالَ: من أدّى زَكَاة مَاله فقد وقِي شح نَفسه
وَأخرج الخرائطي فِي مساوئ الْأَخْلَاق عَن ابْن عَمْرو قَالَ: الشُّح أَشد من الْبُخْل لِأَن الشحيح يشح على مَا فِي يَدَيْهِ فيحبسه ويشح على مَا فِي أَيدي النَّاس حَتَّى يَأْخُذهُ وَإِن الْبَخِيل إِنَّمَا يبخل على مَا فِي يَدَيْهِ
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب ذمّ الْبُخْل عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: خلق الله جنَّة عدن ثمَّ قَالَ لَهَا: انْطِقِي فَقَالَت: (قد أَفْلح الْمُؤْمِنُونَ) (سُورَة الْمُؤْمِنُونَ الْآيَة) فَقَالَ الله: وَعِزَّتِي وَجَلَالِي لَا يجاورني فِيك بخيل ثمَّ تَلا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وَمن يُوقَ شح نَفسه فَأُولَئِك هم المفلحون}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن جَابر بن عبد الله رَضِي الله عَنهُ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: ثَلَاث من كن فِيهِ فقد برِئ من الشُّح من أدّى زَكَاة مَاله وقرى الضَّيْف وَأعْطى فِي النوائب
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ وَأَبُو يعلى وَابْن مرْدَوَيْه عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا محق الإِسلام محق الشُّح شَيْء قطّ وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي زرْعَة قالك قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من كَانَ الْفقر فِي قلبه فَلَا يُغْنِيه مَا أَكثر لَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّمَا يضر نَفسه شحها(8/108)
وَأخرج عبد بن حميد عَن مجمع بن يحيى بن جَارِيَة قَالَ: حَدثنِي عمي خَالِد بن يزِيد بن جَارِيَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: برِئ من الشُّح من أدّى الزَّكَاة وقرى الضَّيْف وَأدّى فِي النائبة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالنَّسَائِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا يجْتَمع غُبَار فِي سَبِيل الله ودخان جَهَنَّم فِي جَوف عبد أبدا وَلَا يجْتَمع الشُّح والإِيمان فِي قلب عبد أبدا
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: خصلتان لَا يَجْتَمِعَانِ فِي جَوف مُسلم الْبُخْل وَسُوء الظَّن
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأَبُو دَاوُد وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: شَرّ مَا فِي رجل شح هَالِع وَجبن خَالع
وَأخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ فِي الْأَدَب وَمُسلم وَالْبَيْهَقِيّ عَن جَابر بن عبد الله أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: اتَّقوا الظُّلم فَإِن الظُّلم ظلمات يَوْم الْقِيَامَة وَاتَّقوا الشُّح فَإِن الشُّح أهلك من كَانَ قبلكُمْ حملهمْ على أَن سَفَكُوا دِمَاءَهُمْ وَاسْتَحَلُّوا مَحَارِمهمْ
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إيَّاكُمْ وَالشح وَالْبخل فَإِنَّهُ دَعَا من قبلكُمْ إِلَى أَن يقطعوا أرحامهم فقطعوها ودعاهم إِلَى أَن يستحلوا مَحَارِمهمْ فاستحلوها ودعاهم إِلَى أَن يسفكوا دِمَاءَهُمْ فسفكوها
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن أنس رَضِي الله عَنهُ أَن رجلا توفّي فَقَالُوا: اُبْشُرْ بِالْجنَّةِ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَو لَا تَدْرُونَ فَلَعَلَّهُ قد تكلم بِمَا لَا يعنيه أَو بخل بِمَا لَا يَنْفَعهُ
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ من وَجه آخر عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أُصِيب رجل يَوْم أحد فَجَاءَت امْرَأَة فَقَالَت: يَا بني لتهنك الشَّهَادَة فَقَالَ لَهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: وَمَا يدْريك لَعَلَّه كَانَ يتَكَلَّم بِمَا لَا يعنيه وَيبْخَل بِمَا لَا يُغْنِيه
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَمْرو رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: خلقان يحبهما الله وخلقان يبغضهما الله
فَأَما اللَّذَان يُحِبهَا الله فالسخاء والسماحة وَأما اللَّذَان يبغضهما الله فسوء الْخلق وَالْبخل فَإِذا أَرَادَ الله بِعَبْد خيرا اسْتَعْملهُ على قَضَاء حوائج النَّاس
وَأخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول(8/109)
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: برِئ من الشُّح من أدّى الزَّكَاة وقرى الضَّيْف وَأدّى فِي النائبة
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ وَضَعفه عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا يذهب السخاء على الله السخي قريب من الله فَإِذا لقِيه يَوْم الْقِيَامَة أَخذ بِيَدِهِ فأقله عثرته
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: صَلَاح أوّل هَذِه الْأمة بالزهد وَالتَّقوى وهلاك آخرهَا بالبخل والفجور
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ وَضَعفه عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: السخي قريب من الله قريب من الْجنَّة بعيد من النَّار والبخيل بعيد من الله بعيد من الْجنَّة قريب من النَّار وَالْجَاهِل السخي أحب إِلَى الله من العابد الْبَخِيل
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: السخي قريب من الله قريب من الْجنَّة قريب من النَّاس بعيد من النَّار والبخيل بعيد من الله بعيد من الْجنَّة بعيد من النَّاس قريب من النَّار ولَجَاهل سخيٌ أحب إِلَى الله من عَابِد بخيل
وَأخرج ابْن عدي فِي الْكَامِل وَالْبَيْهَقِيّ وضعَّفه عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: السخي قريب من الله قريب من الْجنَّة قريب من النَّاس بعيد من النَّار والبخيل بعيد من الله بعيد من الْجنَّة بعيد من النَّاس قريب من النَّار ولفاجر سخيّ أحبّ إِلَى الله من عَابِد بخيل وَأي دَاء أدوأ من الْبُخْل
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يَا بني سَلمَة من سيدكم الْيَوْم قَالُوا: الْجد بن قيس وَلَكنَّا نبخله قَالَ: وَأي دَاء أدوأ من الْبُخْل وَلَكِن سيدكم عَمْرو بن الجموح
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن جَابر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما قدم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: يَا بني سَلمَة من سيدكم قَالُوا: الْجد بن قيس وَإِنَّا لنبخله
قَالَ: وَأي دَاء أدوأ من الْبُخْل بل سيدكم الْخَيْر الْأَبْيَض عَمْرو بن الجموح قَالَ: وَكَانَ على أضيافهم فِي الْجَاهِلِيَّة قَالَ: وَكَانَ يولم على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا تزوّج
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق الزُّهْرِيّ عَن عبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن كَعْب بن مَالك رَضِي الله عَنهُ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: من سيدكم يَا بني سَلمَة قَالُوا: الْجد بن(8/110)
قيس قَالَ: وَبِمَ تسوّدونه قَالُوا: بِأَنَّهُ أكثرنا مَالا وَإِنَّا على ذَلِك لنزنه بالبخل فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: وَأي دَاء أدوأ من الْبُخْل لَيْسَ ذَاك سيدكم
قَالُوا: فَمن سيدنَا يَا رَسُول الله قَالَ: سيدكم الْبَراء بن معْرور قَالَ الْبَيْهَقِيّ مُرْسل
وَأخرج الْحَاكِم عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من سيدكم يَا بني عبيد قَالُوا: الْجد بن قيس على أَن فِيهِ بخلا قَالَ: وَأي دَاء أدوأ من الْبُخْل بل سيدكم وَابْن سيدكم بشر بن الْبَراء بن معْرور
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن أبي بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا يدْخل الْجنَّة بخيل وَلَا خب وَلَا خائن وَلَا سيء الملكة وَأول من يقرع بَاب الْجنَّة المملوكون وَإِذا أَحْسنُوا فِيمَا بَينهم وَبَين الله وَبَين مواليهم
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن أبي سهل الوَاسِطِيّ رفع الحَدِيث قَالَ: إِن الله اصْطنع هَذَا الدّين لنَفسِهِ وَإِنَّمَا صَلَاح هَذَا الدّين بالسخاء وَحسن الْخلق فاكرموه بهما
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ من طرق وَضَعفه عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: قَالَ لي جِبْرِيل: قَالَ الله تَعَالَى: إِن هَذَا الدّين ارتضيته لنَفْسي وَلَا يصلحه إِلَّا السخاء وَحسن الْخلق فأكرموه بهما مَا صحبتموه
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ وَضَعفه عَن عبد الله بن جَراد قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِذا ابتغيتم الْمَعْرُوف فابتغوه فِي حسان الْوُجُوه فوَاللَّه لَا يلج النَّار إِلَّا بخيل وَلَا يلج الْجنَّة شحيح إِن السخاء شَجَرَة فِي الْجنَّة تسمى السخاء وَإِن الشُّح شَجَرَة فِي النَّار تسمى الشُّح
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ وَضَعفه عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد عَن أَبِيه عَن جده قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: السخاء من شجر الْجنَّة أَغْصَانهَا متدليات فِي الدُّنْيَا من أَخذ بِغُصْن مِنْهَا قَادَهُ ذَلِك الْغُصْن إِلَى الْجنَّة وَالْبخل شَجَرَة من شجر النَّار أَغْصَانهَا متدليات فِي الدُّنْيَا من أَخذ بِغُصْن مِنْهَا قَادَهُ ذَلِك الْغُصْن إِلَى النَّار
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: السخاء شَجَرَة فِي الْجنَّة فَمن كَانَ سخياً أَخذ بِغُصْن مِنْهَا فَلم يتْركهُ الْغُصْن حَتَّى يدْخلهُ الْجنَّة وَالشح شَجَرَة فِي النَّار فَمن كَانَ شحيحاً أَخذ بِغُصْن مِنْهَا فَلم يتْركهُ الْغُصْن حَتَّى يدْخلهُ النَّار
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ وَضَعفه عبن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: كنت قَاعِدا مَعَ(8/111)
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فجَاء ثَلَاثَة عشر رجلا عَلَيْهِم ثِيَاب السّفر فَسَلمُوا على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ قَالُوا: من السَّيِّد من الرِّجَال يَا رَسُول الله قَالَ: ذَاك يُوسُف بن يَعْقُوب بن إِسْحَق بن إِبْرَاهِيم
قَالُوا: مَا فِي أمتك سيد قَالَ: بلَى رجل أعطي مَالا حَلَالا ورزق سماحة فأدنى الْفَقِير فَقلت شكايته فِي النَّاس
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَالنَّسَائِيّ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: ضرب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مثل الْبَخِيل والمتصدق كَمثل رجلَيْنِ عَلَيْهِمَا جبتان من حَدِيد قد اضطرت أَيْدِيهِمَا إِلَى ثديهما وتراقيهما فَجعل كلما تصدق بِصَدقَة انبسطت عَنهُ حَتَّى تغشى أنامله وَتَعْفُو أَثَره وَجعل الْبَخِيل كلما هم بِصَدقَة قلصت وَأخذت كل حَلقَة مَكَانهَا فَهُوَ يوسعها وَلَا تتسع
وَأخرج الزبير بن بكار فِي الموفقيات عَن عبد الله بن أبي عُبَيْدَة بن مُحَمَّد بن عمار بن يَاسر قَالَ: قدم خَالِد بن الْوَلِيد من نَاحيَة أَرض الرّوم على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بأسرى فَعرض عَلَيْهِم الإِسلام فَأَبَوا فَأمر أَن تضرب أَعْنَاقهم حَتَّى إِذا جَاءَ إِلَى آخِرهم قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يَا خَالِد كف عَن الرجل قَالَ: يَا رَسُول الله مَا كَانَ فِي الْقَوْم أَشد عليّ مِنْهُ
قَالَ: هَذَا جِبْرِيل يُخْبِرنِي عَن الله أَنه كَانَ سخيّاً فِي قومه فَكف عَنهُ وَأسلم الرُّومِي
الْآيَة 10 - 14(8/112)
وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (10) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (11) لَئِنْ أُخْرِجُوا لَا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لَا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ (12) لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ (13) لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ (14)
أخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {وَالَّذين جاؤوا من بعدهمْ} قَالَ: الَّذين أَسْلمُوا فعنوا أَيْضا عبد الله بن نَبْتَل وَأَوْس بن قيظي
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه عَن سعد بن أبي وَقاص قَالَ: النَّاس على ثَلَاثَة منَازِل قد مَضَت منزلتان وَبقيت منزلَة فَأحْسن مَا أَنْتُم كائنون عَلَيْهِ أَن تَكُونُوا بِهَذِهِ الْمنزلَة الَّتِي بقيت ثمَّ قَرَأَ {للْفُقَرَاء الْمُهَاجِرين الَّذين أخرجُوا من دِيَارهمْ وَأَمْوَالهمْ} الْآيَة ثمَّ قَالَ: هَؤُلَاءِ الْمُهَاجِرُونَ وَهَذِه منزلَة وَقد مَضَت ثمَّ قَرَأَ {وَالَّذين تبوؤوا الدَّار والإِيمان من قبلهم} الْآيَة ثمَّ قَالَ: هَؤُلَاءِ الْأَنْصَار وَهَذِه منزلَة وَقد مَضَت ثمَّ قَرَأَ {وَالَّذين جاؤوا من بعدهمْ يَقُولُونَ رَبنَا اغْفِر لنا ولإِخواننا الَّذين سبقُونَا بالإِيمان} فقد مَضَت هَاتَانِ المنزلتان وَبقيت هَذِه الْمنزلَة فَأحْسن مَا أَنْتُم كائنون عَلَيْهِ أَن تَكُونُوا بِهَذِهِ الْمنزلَة
وَأخرج عبد بن حميد عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ {وَالَّذين جاؤوا من بعدهمْ} الْآيَة قَالَ: أمروا بالاستغفار لَهُم وَقد علم مَا أَحْدَثُوا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن الْأَنْبَارِي فِي الْمَصَاحِف وَابْن مرْدَوَيْه عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: أمروا أَن يَسْتَغْفِرُوا لأَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فسبوهم ثمَّ قَرَأت هَذِه الْآيَة {وَالَّذين جاؤوا من بعدهمْ يَقُولُونَ رَبنَا اغْفِر لنا ولإِخواننا الَّذين سبقُونَا بالإِيمان} وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عمر أَنه سمع رجلا وَهُوَ يتَنَاوَل بعض الْمُهَاجِرين فَقَرَأَ عَلَيْهِ {للْفُقَرَاء الْمُهَاجِرين} الْآيَة ثمَّ قَالَ: هَؤُلَاءِ الْمُهَاجِرُونَ فَمنهمْ أَنْت قَالَ: لَا ثمَّ قَرَأَ عَلَيْهِ {وَالَّذين تبوؤوا الدَّار والإِيمان} الْآيَة ثمَّ قَالَ: هَؤُلَاءِ الْأَنْصَار أفأنت مِنْهُم قَالَ: لَا ثمَّ قَرَأَ عَلَيْهِ {وَالَّذين جاؤوا من بعدهمْ} الْآيَة ثمَّ قَالَ: أَفَمَن هَؤُلَاءِ أَنْت قَالَ: أَرْجُو قَالَ: لَا لَيْسَ من هَؤُلَاءِ من يسب هَؤُلَاءِ
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه من وَجه آخرعن ابْن عمر أَنه بلغه أَن رجلا نَالَ من عُثْمَان فَدَعَاهُ فأقعده بَين يَدَيْهِ فَقَرَأَ عَلَيْهِ {للْفُقَرَاء الْمُهَاجِرين} الْآيَة قَالَ: من هَؤُلَاءِ(8/113)
أَنْت قَالَ: لَا
ثمَّ قَرَأَ {وَالَّذين جاؤوا من بعدهمْ} الْآيَة قَالَ: من هَؤُلَاءِ أَنْت قَالَ: أرجوا أَن أكون مِنْهُم
قَالَ: لَا وَالله مَا يكون مِنْهُم من يتناولهم وَكَانَ فِي قلبه الغل عَلَيْهِم
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْأَعْمَش أَنه قَرَأَ / رَبنَا لَا تجْعَل فِي قُلُوبنَا غلاً للَّذين آمنُوا /
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ النَّسَائِيّ عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: بَينا نَحن عِنْد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يطلع الْآن رجل من أهل الْجنَّة فَأطلع رجل من الْأَنْصَار تنطف لحيته مَاء من وضوئِهِ مُعَلّق نَعْلَيْه فِي يَده الشمَال فَلَمَّا كَانَ من الْغَد
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يطلع عَلَيْكُم الْآن رجل من أهل الْجنَّة فَاطلع ذَلِك الرجل على مثل مرتبته الأولى فَلَمَّا كَانَ من الْغَد قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مثل ذَلِك فَأطلع ذَلِك الرجل فَلَمَّا قَامَ الرجل أتبعه عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ فَقَالَ: إِنِّي لاحيت أبي فأقسمت أَن لَا أَدخل عَلَيْهِ ثَلَاثًا فَإِن رَأَيْت أَن تؤويني إِلَيْك حَتَّى تحل يَمِيني فعلت
قَالَ: نعم قَالَ أنس: فَكَانَ عبد بن عَمْرو يحدث أَنه بَات مَعَه لَيْلَة فَلم يره يقوم من اللَّيْل شَيْئا غير أَنه كَانَ إِذا تقلب على فرَاشه ذكر الله وَكبر حَتَّى يقوم لصَلَاة الْفجْر فيسبغ الْوضُوء غير أَنِّي لَا أسمعهُ يَقُول إِلَّا خيرا فَلَمَّا مَضَت اللَّيَالِي الثَّلَاث وكدت احتقر عمله قلت: يَا عبد الله إِنَّه لم يكن بيني وَبَين وَالِدي غضب وَلَا هِجْرَة وَلَكِنِّي سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول لَك ثَلَاث مَرَّات فِي ثَلَاث مجَالِس يطلع عَلَيْكُم الْآن رجل من أهل الْجنَّة فأطلعت أَنْت تِلْكَ المرات الثَّلَاث فَأَرَدْت أَن آوي إِلَيْك فَأنْظر مَا عَمَلك فَإِذا مَا هُوَ إِلَّا مَا رَأَيْت فَانْصَرَفت عَنهُ فَلَمَّا وليت دَعَاني فَقَالَ: مَا هُوَ إلاّ مَا قد رَأَيْت غير أَنِّي لَا أجد فِي نَفسِي غلاً لأحد من الْمُسلمين وَلَا أحسده على خير أعطَاهُ الله إِيَّاه فَقَالَ لَهُ عبد الله بن عَمْرو: هَذِه الَّتِي بلغت بك وَهِي الَّتِي لَا نطيق
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ عَن عبد الْعَزِيز بن أبي رواد قَالَ: بلغنَا أَن رجلا صلى مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا انْصَرف قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: هَذَا الرجل من أهل الْجنَّة
قَالَ عبد الله بن عمروا: فَأَتَيْته فَقلت: يَا عماه الضِّيَافَة قَالَ نعم فَإِذا لَهُ خيمة وشَاة ونخل فَلَمَّا أَمْسَى خرج من خيمته فاحتلب العنز واجتنى لي رطبا ثمَّ وَضعه فَأكلت(8/114)
مَعَه فَبَاتَ نَائِما وَبت قَائِما وَأصْبح مُفطرا وأصبحت صَائِما فَفعل ذَلِك ثَلَاث لَيَال فَقلت لَهُ: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فِيك: إِنَّك من أهل الْجنَّة فَأَخْبرنِي مَا عَمَلك فَائت الَّذِي أخْبرك حَتَّى يُخْبِرك بعملي فَأتيت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: ائته فمره أَن يُخْبِرك فَقلت: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَأْمُرك أَن تُخبرنِي
قَالَ: أما الْآن فَنعم فَقَالَ: لَو كَانَت الدُّنْيَا لي فَأخذت مني لم أَحْزَن عَلَيْهَا وَلَو أعطيتهَا لم أفرح بهَا وأبيت وَلَيْسَ فِي قلبِي غل على أحد قَالَ عبد الله: لكني وَالله أقوم اللَّيْل وَأَصُوم النَّهَار وَلَو وهبت لي شَاة لفرحت بهَا وَلَو ذهبت لحزنت عَلَيْهَا وَالله لقد فضلك الله علينا فضلا بَينا
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس {ألم تَرَ إِلَى الَّذين نافقوا} قَالَ عبد الله بن أبيّ بن سلول وَرِفَاعَة بن تَابُوت وَعبد الله بن نَبْتَل وَأَوْس بن قيظي وإخوانهم بَنو النَّضِير
وَأخرج ابْن إِسْحَق وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو نعيم فِي الدَّلَائِل عَن ابْن عَبَّاس أَن رهطاً من بني عَوْف بن الْحَارِث مِنْهُم عبد الله بن أُبي بن سلول ووديعة بن مَالك وسُويد وداعس بعثوا إِلَى بني النَّضِير أَن اثبتوا وتمنعوا فَإنَّا لَا نسلمكم وَإِن قوتلتم قاتلنا مَعكُمْ وَإِن خَرجْتُمْ خرجنَا مَعكُمْ فتربصوا ذَلِك من نَصرهم فَلم يَفْعَلُوا وَقذف الله الرعب فِي قُلُوبهم فسألوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يجليهم ويكف عَن دِمَائِهِمْ على أَن لَهُم مَا حملت الإِبل من أَمْوَالهم إِلَّا الْحلقَة فَفعل فَكَانَ الرجل مِنْهُم يهدم بَيته فيضعه على ظهر بعيره فَينْطَلق بِهِ فَخَرجُوا إِلَى خَيْبَر وَمِنْهُم من سَار إِلَى الشَّام
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ قَالَ: قدأسلم نَاس من أهل قُرَيْظَة وَالنضير وَكَانَ فيهم مُنَافِقُونَ وَكَانُوا يَقُولُونَ لأهل النَّضِير: لَئِن أخرجتم لَنخْرجَنَّ مَعكُمْ فَنزلت فيهم هَذَا الْآيَة {ألم تَرَ إِلَى الَّذين نافقوا يَقُولُونَ لإِخوانهم} الْآيَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {ألم تَرَ إِلَى الَّذين نافقوا} قَالَ: عبد الله بن أبي سلول وَرِفَاعَة بن تَابُوت وَعبد الله بن نَبْتَل وَأَوْس بن قيظي {يَقُولُونَ لإِخوانهم} قَالَ: النَّضِير {بأسهم بَينهم شَدِيد} قَالَ: بالْكلَام {تحسبهم جَمِيعًا وَقُلُوبهمْ شَتَّى} قَالَ: المُنَافِقُونَ يُخَالف دينهم دين النَّضِير {كَمثل الَّذين من قبلهم قَرِيبا} قَالَ: كفار قُرَيْش يَوْم بدر(8/115)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {تحسبهم جَمِيعًا وَقُلُوبهمْ شَتَّى} قَالَ: كَذَلِك أهل الْبَاطِل مُخْتَلفَة شَهَادَتهم مُخْتَلفَة أهواؤهم مُخْتَلفَة أَعْمَالهم وهم مجتمعون فِي عَدَاوَة أهل الْحق {كَمثل الَّذين من قبلهم قَرِيبا} قَالَ: هم بَنو النَّضِير
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس {تحسبهم جَمِيعًا وَقُلُوبهمْ شَتَّى} قَالَ: هم الْمُشْركُونَ
وَأخرج الديلمي عَن عَليّ قَالَ: الْمُؤْمِنُونَ بَعضهم لبَعض نصحاء وادّون وَإِن افْتَرَقت مَنَازِلهمْ والفجرة بَعضهم لبَعض غششة خونة وَإِن اجْتمعت أبدانهم
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد {كَمثل الَّذين من قبلهم قَرِيبا} قَالَ: هم كفار قُرَيْش يَوْم بدر
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن قَتَادَة {كَمثل الَّذين من قبلهم قَرِيبا} قَالَ: هم بَنو النَّضِير
الْآيَة 15 - 20(8/116)
كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِيبًا ذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (15) كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (16) فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ (17) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (18) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (19) لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ (20)
أخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن رَاهَوَيْه وَأحمد فِي الزّهْد وَعبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ فِي تَارِيخه وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْحَاكِم صَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن عَليّ بن أبي طَالب أَن رجلا كَانَ يتعبد فِي صومعة وَأَن امْرَأَة كَانَ لَهَا إخْوَة فَعرض لَهَا شَيْء فَأتوهُ بهَا فزينت لَهُ نَفسه فَوَقع عَلَيْهَا فَجَاءَهُ الشَّيْطَان(8/116)
فَقَالَ: اقتلها فَإِنَّهُم إِن ظَهَرُوا عَلَيْك افتضحت فَقَتلهَا ودفنها فجاؤوه فَأَخَذُوهُ فَذَهَبُوا بِهِ فَبَيْنَمَا هم يَمْشُونَ إذاجاءه الشَّيْطَان فَقَالَ: إِنِّي أَنا الَّذِي زينت لَك فاسجد لي سَجْدَة أنجيك فَسجدَ لَهُ فَذَلِك قَوْله: {كَمثل الشَّيْطَان إِذْ قَالَ للإِنسان اكفر} الْآيَة وَأخرج ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق الْعَوْفِيّ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {كَمثل الشَّيْطَان} الْآيَة قَالَ: كَانَ رَاهِب من بَين إِسْرَائِيل يعبد الله فَيحسن عِبَادَته وَكَانَ يُؤْتِي من كل أَرض فَيسْأَل عَن الْفِقْه وَكَانَ عَالما وَإِن ثَلَاثَة إخْوَة لَهُم أُخْت حسناء من أحسن النَّاس وَإِنَّهُم أَرَادوا أَن يسافروا وَكبر عَلَيْهِم أَن يدعوها ضائعة فعمدوا إِلَى الراهب فَقَالُوا: إِنَّا نُرِيد السّفر وَإِنَّا لَا نجد أحد أوثق فِي أَنْفُسنَا وَلَا آمن عندنَا مِنْك فَإِن رَأَيْت جعلنَا أُخْتنَا عنْدك فَإِنَّهَا شَدِيدَة الوجع فَإِن مَاتَت فَقُمْ عَلَيْهَا وَإِن عاشت فَأصْلح إِلَيْهَا حَتَّى ترجع فَقَالَ: أكفيكم إِن شَاءَ الله فَقَامَ عَلَيْهَا فداواها حَتَّى بَرِئت وَعَاد إِلَيْهَا حسنها وَإنَّهُ اطلع إِلَيْهَا فَوَجَدَهَا متصنعة وَلم يزل بِهِ الشَّيْطَان حَتَّى وَقع عَلَيْهَا فَحملت ثمَّ ندمه الشَّيْطَان فزين لَهُ قَتلهَا وَقَالَ: إِن لم تفعل افتضحت وَعرف أَمرك فَلم يكن لَك معذره فَلم يزل بِهِ حَتَّى قَتلهَا فَلَمَّا قدم إخوتها سَأَلُوهُ مَا فعلت قَالَ: مَاتَت فدفنتها
قَالُوا: أَحْسَنت
فَجعلُوا يرَوْنَ فِي الْمَنَام ويخبرون أَن الراهب قَتلهَا أَنَّهَا تَحت شَجَرَة كَذَا وَكَذَا وَأَنَّهُمْ عَمدُوا إِلَى الشَّجَرَة فَوَجَدَهَا قد قتلت فعمدوا إِلَيْهِ فَأَخَذُوهُ فَقَالَ الشَّيْطَان: أَنا الَّذِي زينت لَك الزِّنَا وزينت لَك قَتلهَا فَهَل لَك أَن تطيعني وأنجيك قَالَ: نعم قَالَ: قَالَ فاسجد لي سَجْدَة وَاحِدَة فَسجدَ لَهُ ثمَّ قتل فَذَلِك قَول الله: {كَمثل الشَّيْطَان إِذْ قَالَ للإِنسان اكفر} الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن مَسْعُود فِي هَذِه الْآيَة قَالَ: كَانَت امْرَأَة ترعى الْغنم وَكَانَ لَهَا أَرْبَعَة إخْوَة وَكَانَت تأوي بِاللَّيْلِ إِلَى صومعة رَاهِب فَنزل الراهب ففجر بهَا فَأَتَاهُ الشَّيْطَان فَقَالَ: اقتلها ثمَّ ادفنها فَإنَّك رجل مُصدق يسمع قَوْلك فَقَتلهَا ثمَّ دَفنهَا فَأتى الشَّيْطَان إخوتها فِي الْمَنَام فَقَالَ لَهُم: إِن الراهب فجر بأختكم فَلَمَّا أحبلها قَتلهَا ثمَّ دَفنهَا فِي مَكَان كَذَا وَكَذَا فَلم أصبح قَالَ رجل مِنْهُم: لقد رَأَيْت البارحة كَذَا وَكَذَا فَقَالَ الآخر: وَأَنا وَالله لقد رَأَيْت كَذَلِك فَقَالَ الآخر: وَأَنا وَالله لقد رَأَيْت كَذَلِك قَالُوا: فوَاللَّه مَا هَذَا إِلَّا لشَيْء فَانْطَلقُوا(8/117)
فَاسْتَعدوا ملكهم على ذَلِك الراهب فَأتوهُ فأنزلوه ثمَّ انْطَلقُوا بِهِ فَلَقِيَهُ الشَّيْطَان فَقَالَ: إِنِّي أَنا الَّذِي أوقعتك فِي هَذَا وَلنْ ينجيك مِنْهُ غَيْرِي فاسجد لي سَجْدَة وَاحِدَة وأنجيك مِمَّا أوقعتك فِيهِ فَسجدَ لَهُ فَلَمَّا أَتَوا بِهِ ملكهم تَبرأ مِنْهُ وأُخِذَ فقُتِل
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي مكايد الشَّيْطَان وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن عبيد بن رِفَاعَة الدَّارمِيّ يبلغ بِهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: كَانَ رَاهِب فِي بني إِسْرَائِيل فَأخذ الشَّيْطَان جَارِيَة فخنقها فَألْقى فِي قُلُوب أَهلهَا أَن دواءها عِنْد الراهب فَأتي بهَا الراهب فَأبى أَن يقبلهَا فَلم يزَالُوا بِهِ حَتَّى قبلهَا فَكَانَت عِنْده فَأَتَاهُ الشَّيْطَان فوسوس لَهُ وزين لَهُ فَلم يزل بِهِ حَتَّى وَقع عَلَيْهَا فَلَمَّا حملت وسوس لَهُ الشَّيْطَان فَقَالَ: الْآن تفتضح يَأْتِيك أَهلهَا فَاقْتُلْهَا فَإِن أتوك فَقل: مَاتَت
فَقَتلهَا ودفنها فَأتى الشَّيْطَان أَهلهَا فوسوسإليهم وَألقى فِي قُلُوبهم أَنه أحبلها ثمَّ قَتلهَا فَأَتَاهُ أَهلهَا فَسَأَلُوهُ فَقَالَ: مَاتَت
فَأَخَذُوهُ فَأَتَاهُ الشَّيْطَان فَقَالَ: أَنا الَّذِي ألقيت فِي قُلُوب أَهلهَا وَأَنا الَّذِي أوقعتك فِي هَذَا فأطعني تنج واسجد لي سَجْدَتَيْنِ
فَسجدَ لَهُ سَجْدَتَيْنِ فَهُوَ الَّذِي قَالَ الله: {كَمثل الشَّيْطَان إِذْ قَالَ للإِنسان اكفر} الْآيَة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر والخرائطي فِي اعتلال الْقُلُوب من طَرِيق عدي بن ثَابت عَن ابْن عَبَّاس فِي الْآيَة قَالَ: كَانَ رَاهِب فِي بني إِسْرَائِيل متعبداً زَمَانا حَتَّى كَانَ يُؤْتى بالمجانين فَيقْرَأ عَلَيْهِم ويعودهم حَتَّى يبرؤوا فَأتى بِامْرَأَة فِي شرف قد عرض لَهَا الْجُنُون فجَاء إخواتها إِلَيْهِ ليعوذها فَلم يزل بِهِ الشَّيْطَان يزين لَهُ حَتَّى وَقع عَلَيْهَا فَحملت فَلَمَّا عظم بَطنهَا لم يزل الشَّيْطَان يزين لَهُ حَتَّى قَتلهَا ودفنها فِي مَكَان فجَاء الشَّيْطَان فِي صُورَة رجل إِلَى بعض إخوتها فَأخْبرهُ فَجعل الرجل يَقُول لِأَخِيهِ: وَالله لقد أَتَانِي آتٍ فَأَخْبرنِي بِكَذَا وَكَذَا حَتَّى أفْضى بِهِ بَعضهم إِلَى بعض حَتَّى رَفَعُوهُ إِلَى ملكهم فَسَار الْملك وَالنَّاس حَتَّى استنزله فَأقر واعترف فَأمر بِهِ الْملك فصلب فَأَتَاهُ الشَّيْطَان وَهُوَ على خشبته فَقَالَ: أَنا الَّذِي زينت لَك هَذَا وألقيتك فِيهِ فَهَل أَنْت مطيعي فِيمَا آمُرك بِهِ وأخلصك قَالَ: نعم
قَالَ: فاسجد لي سَجْدَة وَاحِدَة فَسجدَ لَهُ وَكفر فَقتل فِي تِلْكَ الْحَال
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن طَاوُوس قَالَ: كَانَ رجل من بني إِسْرَائِيل عابداً وَكَانَ رُبمَا داوى المجانين وَكَانَت امْرَأَة جميلَة أَخذهَا الْجُنُون فجيء بهَا إِلَيْهِ فَتركت عِنْده فَأَعْجَبتهُ فَوَقع عَلَيْهَا فَحملت فَجَاءَهُ الشَّيْطَان فَقَالَ:(8/118)
إِن علم بِهَذَا افتضحت فَاقْتُلْهَا وادفنها فِي بَيْتك فَقَتلهَا فجَاء أَهلهَا بعد زمَان يسألونه عَنْهَا فَقَالَ: مَاتَت فَلم يتهموه لصلاحه فيهم وَرضَاهُ فَجَاءَهُمْ الشَّيْطَان فَقَالَ: إِنَّهَا لم تمت وَلكنهَا وَقع عَلَيْهَا فَحملت فَقَتلهَا ودفنها فِي بَيته فِي مَكَان كَذَا وَكَذَا فجَاء أَهلهَا فَقَالُوا: مَا نتهمك وَلَكِن أخبرنَا أَيْن دفنتها وَمن كَانَ مَعَك ففتشوا بَيته فوجدوها حَيْثُ دَفنهَا فَأخذ فسجن فَجَاءَهُ الشَّيْطَان فَقَالَ: إِن كنت تُرِيدُ أَن أخرجك مِمَّا أَنْت فِيهِ فَأكفر بِاللَّه فأطاع الشَّيْطَان وَكفر فَأخذ وَقتل فتبرأ مِنْهُ الشَّيْطَان حِينَئِذٍ قَالَ طَاوس: مَا أعلم إِلَّا أَن هَذِه الْآيَة أنزلت فِيهِ {كَمثل الشَّيْطَان إِذْ قَالَ للإِنسان اكفر} الْآيَة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن مَسْعُود فِي الْآيَة قَالَ: ضرب الله مثل الْكفَّار وَالْمُنَافِقِينَ الَّذين كَانُوا على عهد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {كَمثل الشَّيْطَان إِذْ قَالَ للإِنسان اكفر}
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {كَمثل الشَّيْطَان إِذْ قَالَ للإِنسان اكفر} قَالَ: عَامَّة النَّاس
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْأَعْمَش أَنه كَانَ يقْرَأ فَكَانَ عاقبتهما أَنَّهُمَا فِي النَّار خالدان فِيهَا وَالله أعلم
قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا اتَّقوا الله} الْآيَة
أخرج ابْن أبي شيبَة وَمُسلم وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَابْن مرْدَوَيْه عَن جرير قَالَ: كنت جَالِسا عِنْد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَتَاهُ قوم مجتابي النمار متقلدي السيوف عَلَيْهِم أزر وَلَا شَيْء غَيرهَا عامتهم من مُضر فَلَمَّا رأى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الَّذِي بهم من الْجهد والعري والجوع تغير وَجه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ قَامَ فَدخل بَيته ثمَّ رَاح إِلَى الْمَسْجِد فصلى الظّهْر ثمَّ صعد منبره فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ: أما بعد ذَلِكُم فَإِن الله أنزل فِي كِتَابه {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا اتَّقوا الله ولتنظر نفس مَا قدمت لغد وَاتَّقوا الله إِن الله خَبِير بِمَا تَعْمَلُونَ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِين نسوا الله فأنساهم أنفسهم أُولَئِكَ هم الْفَاسِقُونَ لَا يَسْتَوِي أَصْحَاب النَّار وَأَصْحَاب الْجنَّة أَصْحَاب الْجنَّة هم الفائزون} تصدقوا قبل أَن لَا تصدقوا تصدقوا قبل أَن يُحَال بَيْنكُم وَبَين الصَّدَقَة تصدق امْرُؤ من ديناره تصدق امْرُؤ من درهمه تصدق امْرُؤ من بره من شعيره من تمره لَا يحقرن شَيْء من الصَّدَقَة وَلَو بشق التمرة فَقَامَ رجل من الْأَنْصَار بصرة فِي(8/119)
كَفه فناولها رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ على منبره فَعرف السرُور فِي وَجهه فَقَالَ: من سنّ فِي الإِسلام سنة حَسَنَة فَعمل بهَا كَانَ لَهُ أجرهَا وَمثل أجر من عمل بهَا لَا ينقص من أُجُورهم شَيْئا وَمن سنّ سنة سَيِّئَة فَعمل بهَا كَانَ عَلَيْهِ وزرها وَمثل وزر من عمل بهَا لَا ينقص من أوزارهم شَيْئا فَقَامَ النَّاس فَتَفَرَّقُوا فَمن ذِي دِينَار وَمن ذِي دِرْهَم وَمن ذِي طَعَام وَمن ذِي وَمن ذِي فَاجْتمع فَقَسمهُ بَينهم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {مَا قدمت لغد} قَالَ: يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن نعيم بن مُحَمَّد الرَّحبِي قَالَ: كَانَ من خطْبَة أبي بكر الصّديق: وَاعْلَمُوا أَنكُمْ تغدون وتروحون فِي أجل قد غيب عَنْكُم علمه فَإِن اسْتَطَعْتُم أَن يَنْقَضِي الْأَجَل وَأَنْتُم على حذر فافعلوا وَلنْ تستطيعوا ذَلِك إِلَّا بِإِذن الله وَإِن قوما جعلُوا أَجلهم لغَيرهم فنهاكم الله أَن تَكُونُوا أمثالهم فَقَالَ: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِين نسوا الله فأنساهم أنفسهم أُولَئِكَ هم الْفَاسِقُونَ} أَيْن من كُنْتُم تعرفُون من إخْوَانكُمْ قد انْتَهَت عَنْهُم أَعْمَالهم ووردوا على مَا قدمُوا
أَيْن الجبارون الْأَولونَ الَّذين بنوا الْمَدَائِن وَحَصَّنُوهَا بالحوائط قد صَارُوا تَحت الصخر والآكام هَذَا كتاب الله لَا تفنى عجائبه وَلَا يطفأ نوره استضيئوا مِنْهُ الْيَوْم ليَوْم الظلمَة واستنصحوا كِتَابه وتبيانه فَإِن الله قد أفنا على قوم فَقَالَ: (كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخيرَات ويدعوننا رغباً ورهباً وَكَانُوا لنا خاشعين) (سُورَة الْأَنْبِيَاء الْآيَة 90) لَا خير فِي قَول لَا يَبْتَغِي بِهِ وَجه الله وَلَا خر فِي مَال لَا ينْفق فِي سَبِيل الله وَلَا خير فِيمَن يغلب غَضَبه حلمه وَلَا خير فِي رجل يخَاف فِي الله لومة لائم
الْآيَة 21 - 24(8/120)
لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (21) هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (22) هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (23) هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (24)
أخرج ابْن الْمُنْذر عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله: {لَو أنزلنَا هَذَا الْقُرْآن على جبل} الْآيَة قَالَ: لَو أنزلت هَذَا الْقُرْآن على جبل فَأَمَرته بِالَّذِي أَمرتكُم وخوّفته بِالَّذِي خوفتكم بِهِ إِذا يصدع ويخشع من خشيَة الله فَأنْتم أَحَق أَن تخشوا وتذلوا وتلين قُلُوبكُمْ لذكر الله
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن مَالك بن دِينَار قَالَ: أقسم لكم لَا يُؤمن عبد بِهَذَا الْقُرْآن إِلَّا صدع قلبه
وَأخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {لَو أنزلنَا هَذَا الْقُرْآن} الْآيَة قَالَ: يَقُول: لَو أَنِّي أنزلت هَذَا الْقُرْآن على جبل حَملته إِيَّاه تصدع وخشع من ثقله وَمن خشيَة الله فَأمر الله النَّاس إِذا نزل عَلَيْهِم الْقُرْآن أَن يأخذوه بالخشية الشَّدِيدَة والتخشع قَالَ: {كَذَلِك يضْرب الله الْأَمْثَال للنَّاس لَعَلَّهُم يتفكرون}
وَأخرج الديلمي عَن ابْن مَسْعُود وعليّ مَرْفُوعا فِي قَوْله: {لَو أنزلنَا هَذَا الْقُرْآن على جبل} إِلَى آخر السُّورَة قَالَ: هِيَ رقية الصداع
وَأخرج الْخَطِيب الْبَغْدَادِيّ فِي تَارِيخه قَالَ: أَنبأَنَا أَبُو نعيم الْحَافِظ أبنأنا أَبُو الطّيب مُحَمَّد بن أَحْمد بن يُوسُف بن جَعْفَر الْمقري الْبَغْدَادِيّ يعرف بِغُلَام ابْن شنبوذ أبنأنا إِدْرِيس بن عبد الْكَرِيم الْحداد قَالَ: قَرَأت على خلف فَلَمَّا بلغت هَذِه الْآيَة {لَو أنزلنَا هَذَا الْقُرْآن على جبل} قَالَ: ضع يدك على رَأسك فَإِنِّي قَرَأت على سليم فَلَمَّا بلغت هَذِه الْآيَة قَالَ: ضع يدك على رَأسك فَإِنِّي قَرَأت على الْأَعْمَش فَلَمَّا بلغت هَذِه الْآيَة قَالَ: ضع يدك على رَأسك فَإِنِّي قَرَأت على يحيى بن وثاب فَلَمَّا بلغت هَذِه الْآيَة قَالَ: ضد يدك على رَأسك فَإِنِّي قَرَأت على عَلْقَمَة وَالْأسود فَلَمَّا بلغت هَذِه الْآيَة قَالَ: ضع يدك على رَأسك فَإنَّا قَرَأنَا على عبد الله فَلَمَّا بلغنَا هَذِه الْآيَة قَالَ: ضعا أيديكما على رؤوسكما فَإِنِّي قَرَأت على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا بلغت هَذِه الْآيَة قَالَ لي: ضع يدك على رَأسك فَإِن جِبْرِيل لما نزل بهَا إليّ قَالَ لي: ضع يدك على رَأسك فَإِنَّهَا شِفَاء من كل دَاء إِلَّا السأم والسأم الْمَوْت(8/121)
أخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: اسْم الله الْأَعْظَم هُوَ الله
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي أَيُّوب الْأنْصَارِيّ أَنه كَانَ لَهُ مربد للتمر فِي بَيته فَوجدَ المربد قد نقص فَلَمَّا كَانَ اللَّيْل أبصره فَإِذا بحس رجل فَقَالَ لَهُ: من أَنْت قَالَ: رجل من الْجِنّ أردنَا هَذَا الْبَيْت فأرملنا من الزَّاد فأصبنا من تمركم وَلَا ينقصكم الله مِنْهُ شَيْئا فَقَالَ لَهُ أَبُو أَيُّوب الْأنْصَارِيّ: إِن كنت صَادِقا فناولني يدك فَنَاوَلَهُ يَده فَإِذا بِشعر كذراع الْكَلْب فَقَالَ لَهُ أَبُو أَيُّوب: مَا أصبت من تمرنا فَأَنت فِي حل أَلا تُخبرني بِأَفْضَل مَا تتعوّذ بِهِ الإِنس من الْجِنّ قَالَ: هَذِه الْآيَة آخر سُورَة الْحَشْر
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من قَرَأَ آخر سُورَة الْحَشْر ثمَّ مَاتَ من يَوْمه وَلَيْلَته كفر عَنهُ كل خَطِيئَة عَملهَا
وَأخرج ابْن السّني فِي عمل يَوْم وَلَيْلَة وَابْن مرْدَوَيْه عَن أنس أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر رجلا إِذا أَوَى إِلَى فرَاشه أَن يقْرَأ آخر سُورَة الْحَشْر وَقَالَ: إِن متَّ متَّ شَهِيدا
وَأخرج أَبُو عَليّ عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد النَّيْسَابُورِي فِي فَوَائده عَن مُحَمَّد بن الْحَنَفِيَّة أَن الْبَراء بن عَازِب قَالَ لعَلي بن أبي طَالب: سَأَلتك بِاللَّه إِلَّا مَا خصصتني بِأَفْضَل مَا خصك بِهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِمَّا خصّه بِهِ جِبْرِيل مِمَّا بعث بِهِ إِلَيْهِ الرَّحْمَن قَالَ: يَا برَاء إِذا أردْت أَن تَدْعُو الله باسمه الْأَعْظَم فاقرأ من أول الْحَدِيد عشر آيَات وَآخر سُورَة الْحَشْر ثمَّ قل: يَا من هُوَ هَكَذَا وَلَيْسَ شَيْء هَكَذَا غَيره أَسأَلك أَن تفعل بِي كَذَا وَكَذَا فوَاللَّه يَا برَاء لَو دَعَوْت عليّ لخسف بِي
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي أُمَامَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من تعوذ بِاللَّه من الشَّيْطَان ثَلَاث مَرَّات ثمَّ قَرَأَ آخر سُورَة لحشر بعث الله إِلَيْهِ سبعين ألف ملك يطردون عَنهُ شياطين الإِنس وَالْجِنّ إِن كَانَ لَيْلًا حَتَّى يصبح وَإِن كَانَ نَهَارا حَتَّى يُمْسِي
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أنس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مثله إِلَّا أَنه قَالَ: يتَعَوَّذ الشَّيْطَان عشر مَرَّات
وَأخرج أَحْمد والدارمي وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه وَابْن الضريس وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن معقل بن يسَار عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: من قَالَ حِين يصبح عشر مَرَّات أعوذ بِاللَّه السَّمِيع الْعَلِيم من الشَّيْطَان الرَّجِيم ثمَّ قَرَأَ الثَّلَاث آيَات من آخر سُورَة(8/122)
الْحَشْر وكل الله بِهِ سبعين ألف ملك يصلونَ عَلَيْهِ حَتَّى يُمْسِي وَإِن مَاتَ ذَلِك الْيَوْم مَاتَ شَهِيدا وَمن قَالَهَا حِين يُمْسِي كَانَ بِتِلْكَ الْمنزلَة
وَأخرج ابْن عدي وَابْن مرْدَوَيْه والخطيب وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن أبي أُمَامَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من قَرَأَ خَوَاتِيم الْحَشْر فِي ليل أَو نَهَار فَمَاتَ فِي يَوْمه أَو ليلته فقد أوجب لَهُ الْجنَّة
وَأخرج ابْن الضريس عَن عتيبة قَالَ: حَدثنَا أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه من قَرَأَ خَوَاتِيم الْحَشْر حِين يصبح أدْرك مَا فَاتَهُ من ليلته وَكَانَ مَحْفُوظًا إِلَى أَن يُمْسِي وَمن قَرَأَهَا حِين يُمْسِي أدْرك مَا فَاتَهُ من يَوْمه وَكَانَ مَحْفُوظًا إِلَى أَن يصبح وَإِن مَاتَ أوجب
وَأخرج الدَّارمِيّ وَابْن الضريس عَن الْحسن قَالَ: من قَرَأَ ثَلَاث آيَات من آخر سُورَة الْحَشْر إِذا أصبح فَمَاتَ من يَوْمه ذَلِك طبع بِطَابع الشُّهَدَاء وَإِن قَرَأَ إِذا مسى فَمَاتَ من ليلته طبع بِطَابع الشُّهَدَاء
وَأخرج الديلمي عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: اسْم الله الْأَعْظَم فِي سِتَّة آيَات من آخر سُورَة الْحَشْر
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {عَالم الْغَيْب وَالشَّهَادَة} قَالَ: السِّرّ وَالْعَلَانِيَة وَفِي قَوْله: {الْمُؤمن} قَالَ: الْمُؤمن خلقه من أَن يظلمهم وَفِي قَوْله: {الْمُهَيْمِن} قَالَ: الشَّاهِد
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج قي قَوْله: {عَالم الْغَيْب} قَالَ: مَا يكون وَمَا هُوَ كَائِن وَفِي قَوْله: {القدوس} قَالَ: تقدسه الْمَلَائِكَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة فِي قَوْله: {القدوس} قَالَ: الْمُبَارك {السَّلَام الْمُؤمن} قَالَ: الْمُؤمن من آمن بِهِ {الْمُهَيْمِن} الشَّهِيد عَلَيْهِ {الْعَزِيز} فِي نقمته إِذا انتقم {الْجَبَّار} جبر خلقه على مَا يَشَاء المتكبر عَن كل سوء
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن زيد بن عَليّ قَالَ: إِنَّمَا سمي نَفسه {الْمُؤمن} لِأَنَّهُ آمنهم من الْعَذَاب
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن مُحَمَّد بن كَعْب قَالَ: إِنَّمَا تسمى {الْجَبَّار} أَنه يجْبر الْخلق على مَا أَرَادَهُ(8/123)
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
سُورَة الممتحنة
مَدَنِيَّة وآياتها ثَلَاث عشرَة
مُقَدّمَة سُورَة الممتحنة أخرج ابْن الضريس والنحاس وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: نزلت سُورَة الممتحنة بِالْمَدِينَةِ
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن الزبير مثله
الْآيَة 1 - 6(8/124)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ (1) إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ (2) لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (3) قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (4) رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (5) لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (6)
أخرج أَحْمد والْحميدِي وَعبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَأَبُو عوَانَة وَابْن حبَان وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم مَعًا فِي الدَّلَائِل عَن عليّ قَالَ: بَعَثَنِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنا وَالزُّبَيْر والمقداد فَقَالَ: انْطَلقُوا حَتَّى تَأْتُوا رَوْضَة خَاخ فَإِن بهَا ظَعِينَة مَعهَا كتاب فَخُذُوهُ مِنْهَا فائتوني بِهِ فخرجنا حَتَّى أَتَيْنَا الرَّوْضَة فَإِذا نَحن بِالظَّعِينَةِ فَقُلْنَا: أَخْرِجِي الْكتاب
قَالَت: مَا معي كتاب
قُلْنَا: لتخْرجن الْكتاب أَو لتلْقين الثِّيَاب فَأَخْرَجته من عقاصها فأتينا بِهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِذا فِيهِ من حَاطِب بن أبي بلتعة إِلَى أنَاس من الْمُشْركين بِمَكَّة يُخْبِرهُمْ بِبَعْض أَمر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا هَذَا يَا حَاطِب قَالَ: لَا تعجل عليّ يَا رَسُول الله إِنِّي كنت امْرأ مُلْصقًا من قُرَيْش وَلم أكن من أَنْفسهَا وَكَانَ من مَعَك من الْمُهَاجِرين لَهُم: قَرَابَات يحْمُونَ بهَا أَهْليهمْ وَأَمْوَالهمْ بِمَكَّة فَأَحْبَبْت إِذْ فَاتَنِي ذَلِك من النّسَب فيهم أَن أصطنع إِلَيْهِم يدا يحْمُونَ بهَا قَرَابَتي وَمَا فعلت ذَلِك كفرا وَلَا ارْتِدَادًا عَن ديني فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: صدق فَقَالَ عمر: دَعْنِي يَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَضْرب عُنُقه فَقَالَ إِنَّه شهد بَدْرًا وَمَا يدْريك لَعَلَّ الله اطلع على أهل بدر فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُم فقد غفرت لكم وَنزلت فِيهِ {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تَتَّخِذُوا عدوي وَعَدُوكُمْ أَوْلِيَاء تلقونَ إِلَيْهِم بالمودة}
وَأخرج أَبُو يعلى وَابْن الْمُنْذر من طَرِيق الْحَارِث عَن عَليّ قَالَ: لما أَرَادَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن يَأْتِي مَكَّة أسر إِلَى نَاس من أَصْحَابه أَنه يُرِيد الدُّخُول إِلَى مَكَّة مِنْهُم حَاطِب بن أبي بلتعة وَأفْشى فِي النَّاس أَنه يُرِيد خَيْبَر فَكتب حَاطِب إِلَى أهل مَكَّة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُرِيدكُمْ فَأخْبر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَبَعَثَنِي أَنا وَمن معي فَقَالَ: ائْتُوا رَوْضَة خَاخ فَذكر لَهُ مَا تقدم فَأنْزل الله {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تَتَّخِذُوا عدوي وَعَدُوكُمْ} الْآيَة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر من طَرِيق قَتَادَة وَابْن مرْدَوَيْه عَن أنس رَضِي الله عَنهُ فِي الْآيَة(8/125)
قَالَ: لما أَرَادَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم السيرورة من الْحُدَيْبِيَة إِلَى مُشْركي قُرَيْش كتب إِلَيْهَا حَاطِب بن أبي بلتعة يُحَذرهُمْ فَأطلع الله نبيه على ذَلِك فَوجدَ الْكتاب مَعَ امْرَأَة فِي قرن من رَأسهَا فَقَالَ لَهُ: مَا حملك على الَّذِي صنعت قَالَ: أما وَالله مَا ارتبت فِي أَمر الله وَلَا شَككت فِيهِ وَلكنه كَانَ لي بهَا أهل وَمَال فَأَرَدْت مصانعة قُرَيْش وَكَانَ حليفاً لَهُم وَلم يكن مِنْهُم فَأنْزل الله فِيهِ الْقُرْآن {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تَتَّخِذُوا عدوي وَعَدُوكُمْ} الْآيَة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تَتَّخِذُوا عدوي وَعَدُوكُمْ} الْآيَة قَالَ: نزلت فِي رجل كَانَ مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْمَدِينَةِ من قُرَيْش كتب إِلَى أهل وعشيرته بِمَكَّة يُخْبِرهُمْ وَيُنْذرهُمْ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَائِر إِلَيْهِم فَأخْبر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بصحيفته فَبعث عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ فَأَتَاهُ بهَا
وَأخرج أَبُو يعلى وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه والضياء فِي المختارة عَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كتب حَاطِب بن أبي بلتعة إِلَى الْمُشْركين بِكِتَاب فجيء بِهِ إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا حَاطِب مَا دعَاك إِلَى مَا صنعت قَالَ: يَا رَسُول الله كَانَ أَهلِي فيهم فَخَشِيت أَن يصرموا عَلَيْهِم فَقلت: أكتب كتابا لَا يضر الله وَرَسُوله فَقلت: أضْرب عُنُقه يَا رَسُول الله فقد كفر فَقَالَ: وَمَا يدْريك يَا ابْن الْخطاب أَن يكون الله أطلع على أهل الْعِصَابَة من أهل بدر فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُم فقد غفرت لكم
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق شهَاب عَن عُرْوَة بن الزبير عَن عبد الرَّحْمَن بن حَاطِب بن أبي بلتعة وحاطب رجل من أهل الْيمن كَانَ حليفاً للزبير بن الْعَوام من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد شهد بَدْرًا وَكَانَ بنوه وَإِخْوَته بِمَكَّة فَكتب حَاطِب وَهُوَ مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْمَدِينَةِ إِلَى كفار قُرَيْش بِكِتَاب ينتصح لَهُم فِيهِ فَدَعَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عليا وَالزُّبَيْر فَقَالَ لَهما انْطَلقَا حَتَّى تدركا امْرَأَة مَعهَا كتاب فخذا الْكتاب فائتياني بِهِ فَانْطَلقَا حَتَّى أدْركَا الْمَرْأَة بحليفة بني أَحْمد وَهِي من الْمَدِينَة على قريب من اثْنَي عشر ميلًا فَقَالَا لَهَا: أعطينا الْكتاب الَّذِي مَعَك
قَالَت: لَيْسَ معي كتاب
قَالَا كذبت قد حَدثنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن مَعَك كتابا وَالله لتعطين الْكتاب الَّذِي مَعَك أَو لَا نَتْرُك عَلَيْك ثوبا إِلَّا التمسنا فِيهِ
قَالَت: أولستم(8/126)
بناس مُسلمين قَالَا: بلَى وَلَكِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد حَدثنَا أَن مَعَك كتابا حَتَّى إِذْ ظنت أَنَّهُمَا ملتمسان كل ثوب مَعهَا حلت عقاصها فأخرجت لَهما الْكتاب من بَين قُرُون رَأسهَا كَانَت قد اعتقصت عَلَيْهِ فَأتيَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِذا هُوَ كتاب من حَاطِب بن أبي بلتعة إِلَى أهل مَكَّة فَدَعَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَاطِبًا قَالَ: أَنْت كتبت هَذَا الْكتاب قَالَ: نعم قَالَ: فَمَا حملك على أَن تكْتب بِهِ قَالَ حَاطِب: أما وَالله مَا ارتبت مُنْذُ أسلمت فِي الله عز وَجل وَلَكِنِّي كنت امْرأ غَرِيبا فِيكُم أَيهَا الحيّ من قُرَيْش وَكَانَ لي بنُون وإخوة بِمَكَّة فَكتبت إِلَى كفار قُرَيْش بِهَذَا الْكتاب لكَي أدفَع عَنْهُم فَقَالَ عمر: ائْذَنْ لي يَا رَسُول الله أضْرب عُنُقه
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: دَعه فَإِنَّهُ قد شهد بَدْرًا وَإنَّك لَا تَدْرِي لَعَلَّ الله اطلع على أهل بدر فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُم فَإِنِّي غَافِر لكم مَا عملتم فَأنْزل الله فِي ذَلِك {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تَتَّخِذُوا عدوي وَعَدُوكُمْ أَوْلِيَاء تلقونَ إِلَيْهِم بالمودة} حَتَّى بلغ {لقد كَانَ لكم فِي رَسُول الله أُسْوَة حَسَنَة لمن كَانَ يَرْجُو الله وَالْيَوْم الآخر}
أخرجه عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن عُرْوَة مُرْسلا
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أَمن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم النَّاس يَوْم الْفَتْح إِلَّا أَرْبَعَة: عبد الله بن خطل وَمقيس بن صبَابَة وَعبد الله بن سعد بن أبي سرح وَأم سارة فَذكر الحَدِيث قَالَ: وَأما أم سارة فَإِنَّهَا كَانَت مولاة لقريش فَأَتَت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فشكت إِلَيْهِ الْحَاجة فَأَعْطَاهَا شَيْئا ثمَّ أَتَاهَا رجل فَبعث مَعهَا بِكِتَاب إِلَى أهل مَكَّة يتَقرَّب بذلك إِلَيْهَا لحفظ عِيَاله وَكَانَ لَهُ بهَا عِيَال فَأخْبر جِبْرِيل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بذلك فَبعث فِي أَثَرهَا عمر بن الْخطاب وَعلي بن أبي طَالب رَضِي الله عَنْهُمَا فلقياها فِي الطَّرِيق ففتشاها فَلم يقدرا على شَيْء مَعهَا فَأَقْبَلَا رَاجِعين ثمَّ قَالَ أَحدهمَا لصَاحبه: وَالله مَا كذبنَا وَلَا كذبنَا ارْجع بِنَا إِلَيْهَا فَرَجَعَا إِلَيْهَا فسلاّ سيفهما فَقَالَا: وَالله لنذيقنك الْمَوْت أَو لتدفعنّ إِلَيْنَا الْكتاب فأنكرت ثمَّ قَالَت: أدفعه إلَيْكُمَا على أَن لَا ترداني إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقبلا ذَلِك مِنْهَا فَحلت عقَاص رَأسهَا فأخرجت الْكتاب من قرن من قُرُونهَا فَدَفَعته إِلَيْهِمَا فَرَجَعَا بِهِ إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَدَعَاهُ إِلَيْهِ فَدَعَا الرجل فَقَالَ: مَا هَذَا الْكتاب فَقَالَ: أخْبرك يَا رَسُول الله أَنه لَيْسَ من رجل مِمَّن مَعَك إِلَّا وَله بِمَكَّة من(8/127)
يحفظ عِيَاله فَكتبت بِهَذَا الْكتاب ليكونوا لي فِي عيالي فَأنْزل الله {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تَتَّخِذُوا عدوي وَعَدُوكُمْ أَوْلِيَاء} الْآيَة
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن قَالَ: كتب حَاطِب بن أبي بلتعة إِلَى الْمُشْركين كتابا يذكر فِيهِ مسير النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَبعث بِهِ مَعَ امْرَأَة فَبعث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي طلبَهَا فَأخذ الْكتاب مِنْهَا فجيء بِهِ إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَدَعَا حَاطِبًا فَقَالَ: أَنْت كتبت هَذَا الْكتاب قَالَ: نعم يَا رَسُول الله أما وَالله إِنِّي لمُؤْمِن بِاللَّه وبرسوله وَمَا كفرت مُنْذُ أسلمت وَلَا شَككت مُنْذُ استيقنت وَلَكِنِّي كنت امْرأ لَا نسب لي فِي الْقَوْم إِنَّمَا كنت حليفهم وَفِي أَيْديهم من أَهلِي مَا قد علمت فَكتبت إِلَيْهِم بِشَيْء قد علمت أَن لن يُغني عَنْهُم من الله شَيْئا أَرَادَهُ أَن أدرأ بِهِ عَن أَهلِي وَمَالِي فَقَالَ عمر بن الْخطاب: يَا رَسُول الله خلّ عني وَعَن عدوّ الله هَذَا الْمُنَافِق فَأَضْرب عُنُقه فَنظر إِلَيْهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نظرا عرف عمر أَنه قد غضب ثمَّ قَالَ: وَيحك يَا عمر بن الْخطاب وَمَا يدْريك لَعَلَّ الله قد اطلع على أهل موطن من مَوَاطِن الْخَيْر فَقَالَ للْمَلَائكَة: اشْهَدُوا أَنِّي قد غفرت لأعبدي (لعبادي) هَؤُلَاءِ فليعملوا مَا شاؤوا قَالَ عمر: الله وَرَسُوله أعلم
قَالَ: إِنَّهُم أهل بدر فاجتنب أهل بدر إِنَّهُم أهل بدر فاجتنب أهل بدر إِنَّهُم أهل بدر فاجتنب أهل بدر
وَأخرج أَحْمد وَعبد بن حميد عَن جَابر أَن حَاطِب بن أبي بلتعة كتب إِلَى أهل مَكَّة يذكر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَرَادَ غزوهم فَدلَّ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على الْمَرْأَة الَّتِي مَعهَا الْكتاب فَأرْسل إِلَيْهَا فَأخذ كتابها من رَأسهَا فَقَالَ: يَا حَاطِب أفعلت قَالَ: نعم أما إِنِّي لم أفعل غشا لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا نفَاقًا قد علمت أَن الله مظهر رَسُوله ومتم لَهُ غير أَنِّي كنت غَرِيبا بَين ظهرانيهم وَكَانَت والدتي فَأَرَدْت أَن أخدمها عِنْدهم فَقَالَ لَهُ عمر: أَلا أضْرب رَأس هَذَا قَالَ: أتقتل رجلا من أهل بدر وَمَا يدْريك لَعَلَّ الله قد اطلع على أهل بدر وَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُم
وَأخرج عبد بن حميد وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ عَن جَابر أَن عبدا لحاطب بن أبي بلتعة جَاءَ إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ليشتكي حَاطِبًا فَقَالَ: يَا رَسُول الله ليدخلن حَاطِب النَّار فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: كذبت لَا يدخلهَا فَإِنَّهُ قد شهد بَدْرًا وَالْحُدَيْبِيَة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: اسْم الَّذِي أنزلت فِيهِ {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تَتَّخِذُوا عدوي وَعَدُوكُمْ أَوْلِيَاء}(8/128)
حَاطِب بن أبي بلتعة
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة قَالَ: ذكر لنا أَن حَاطِب بن أبي بلتعة كتب إِلَى أهل مَكَّة يُحَذرهُمْ سيرورة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم زمن الْحُدَيْبِيَة فَأطلع الله نبيه على ذَلِك فَقَالَ لَهُ نَبِي الله: مَا حملك على الَّذِي صنعت قَالَ: أما وَالله مَا شَككت فِي أَمْرِي وَلَا ارتبت فِيهِ وَلَكِن كَانَ لي هُنَاكَ مَال وَأهل فَأَرَدْت مصانعة قُرَيْش على أَهلِي وَمَالِي وَذكر لنا أَنه كَانَ حليفاً لقريش وَلم يكن من أنفسهم فَأنْزل الله الْقُرْآن وَقَالَ: {إِن يثقفوكم يَكُونُوا لكم أَعدَاء ويبسطوا إِلَيْكُم أَيْديهم وألسنتهم بالسوء} إِلَى قَوْله: {قد كَانَت لكم أُسْوَة حَسَنَة فِي إِبْرَاهِيم وَالَّذين مَعَه} {إِلَّا قَول إِبْرَاهِيم لِأَبِيهِ لأَسْتَغْفِرَن لَك} قَالَ: يَقُول فَلَا تأسوا فِي ذَلِك فَإِنَّهَا كَانَت موعدة وعدها إِيَّاه رَبنَا لَا تجعلنا فتْنَة للَّذين كفرُوا يَقُول: لَا تظهرهم علينا ففتنوا بذلك يرَوْنَ أَنهم إِنَّمَا ظَهَرُوا لأَنهم أولى بِالْحَقِّ منا
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {لَا تَتَّخِذُوا عدوي وَعَدُوكُمْ أَوْلِيَاء} إِلَى قَوْله {بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِير} قَالَ: فِي مُكَاتبَة حَاطِب بن أبي بلتعة وَمن مَعَه إِلَى كفار قُرَيْش يحذرونهم
وَفِي قَوْله {إِلَّا قَول إِبْرَاهِيم لِأَبِيهِ} قَالَ: نهوا أَن يأتسوا باستغفار إِبْرَاهِيم لِأَبِيهِ فيستغفروا للْمُشْرِكين
وَفِي قَوْله: {رَبنَا لَا تجعلنا فتْنَة للَّذين كفرُوا} قَالَ: لَا تعذبنا بِأَيْدِيهِم وَلَا تعذب من عَبدك فيقولوا: لَو كَانَ هَؤُلَاءِ على حق مَا أَصَابَهُم هَذَا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَالْحَاكِم وَصَححهُ من طَرِيق مُجَاهِد عَن ابْن عَبَّاس {لَا تَتَّخِذُوا عدوي وَعَدُوكُمْ أَوْلِيَاء} إِلَى قَوْله: {بَصِير} فِي مُكَاتبَة حَاطِب بن أبي بلتعة وَمن مَعَه إِلَى كفار قُرَيْش يحذرونهم وَقَوله: {إِلَّا قَول إِبْرَاهِيم لِأَبِيهِ لأَسْتَغْفِرَن لَك} نهو أَن يتأسوا باستغفار إِبْرَاهِيم لِأَبِيهِ وَقَوله: {رَبنَا لَا تجعلنا فتْنَة للَّذين كفرُوا} لَا تعذبنا بِأَيْدِيهِم وَلَا بِعَذَاب من عنْدك فَيَقُولُونَ: لَو كَانَ هَؤُلَاءِ على الْحق مَا أَصَابَهُم هَذَا وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ من طَرِيق سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس {قد كَانَت لكم أُسْوَة حَسَنَة} قَالَ: فِي صنع إِبْرَاهِيم كُله إِلَّا فِي الاسْتِغْفَار لِأَبِيهِ لَا يسْتَغْفر لَهُ وَهُوَ مُشْرك
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {لَا تجعلنا فتْنَة للَّذين كفرُوا} يَقُول: لَا تسلطهم علينا فيفتنونا(8/129)
الْآيَة 7 - 9(8/130)
عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (7) لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8) إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (9)
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن شهَاب أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اسْتعْمل أَبَا سُفْيَان بن حَرْب على بعض الْيمن فَلَمَّا قبض رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أقبل فلقي ذَا الْخمار مُرْتَدا فقاتله فَكَانَ أول من قَاتل فِي الرِّدَّة وجاهد عَن الدّين
قَالَ ابْن شهَاب: وَهُوَ فِيمَن أنزل الله فِيهِ {عَسى الله أَن يَجْعَل بَيْنكُم وَبَين الَّذين عاديتم مِنْهُم مَوَدَّة}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن شهَاب عَن أبي سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: أول من قَاتل أهل الرِّدَّة على إِقَامَة دين الله أَبُو سُفْيَان بن حَرْب وَفِيه نزلت هَذِه الْآيَة {عَسى الله أَن يَجْعَل بَيْنكُم وَبَين الَّذين عاديتم مِنْهُم مَوَدَّة}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن عدي وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل وَابْن عَسَاكِر من طَرِيق الْكَلْبِيّ عَن أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {عَسى الله أَن يَجْعَل بَيْنكُم وَبَين الَّذين عاديتم مِنْهُم مَوَدَّة} قَالَ: كَانَت الْمَوَدَّة الَّتِي جعل الله بَينهم تَزْوِيج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أم حَبِيبَة بنت أبي سُفْيَان فَصَارَت أم الْمُؤمنِينَ وَصَارَ مُعَاوِيَة خَال الْمُؤمنِينَ
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه من وَجه آخر عَن ابْن عَبَّاس {عَسى الله أَن يَجْعَل بَيْنكُم وَبَين الَّذين عاديتم مِنْهُم مَوَدَّة} قَالَ: نزلت فِي تَزْوِيج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ابْنَته أم حَبِيبَة فَكَانَت هَذِه مَوَدَّة بَينه وَبَينه
قَوْله تَعَالَى: {لَا يَنْهَاكُم الله} الْآيَة
وَأخرج الطَّيَالِسِيّ وَأحمد وَالْبَزَّار وَأَبُو يعلى وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم والنحاس فِي تَارِيخه وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن عبد الله بن الزبير قَالَ: قدمت قتيلة بنت عبد الْعُزَّى على ابْنَتهَا أَسمَاء بنت أبي بكر بِهَدَايَا ضباب(8/130)
وأقط وَسمن وَهِي مُشركَة فَأَبت أَسمَاء أَن تقبل هديتها أَو تدْخلهَا بَيتهَا حَتَّى أرْسلت إِلَى عَائِشَة أَن سَلِي عَن هَذَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَسَأَلته فَأنْزل الله {لَا يَنْهَاكُم الله عَن الَّذين لم يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدّين} إِلَى آخر الْآيَة فَأمرهَا أَن تقبل هديتها وَتدْخلهَا بَيتهَا
وَأخرج البُخَارِيّ وَابْن الْمُنْذر والنحاس وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن أَسمَاء بنت أبي بكر قَالَت: أَتَتْنِي أُمِّي راغبة وَهِي مُشركَة فِي عهد قُرَيْش إِذا عَاهَدُوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَسَأَلت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أأصلها فَأنْزل الله {لَا يَنْهَاكُم الله عَن الَّذين لم يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدّين} فَقَالَ: نعم صلي أمك
وَأخرج أَبُو دَاوُد فِي تَارِيخه وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة {لَا يَنْهَاكُم الله عَن الَّذين لم يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدّين} نسختها (فَاقْتُلُوا الْمُشْركين حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) (سُورَة التَّوْبَة الْآيَة 5)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {لَا يَنْهَاكُم الله عَن الَّذين لم يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدّين} قَالَ: أَن تستغفروا لَهُم وتبروهم وتقسطوا إِلَيْهِم هم الَّذين آمنُوا بِمَكَّة وَلم يهاجروا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {إِنَّمَا يَنْهَاكُم الله عَن الَّذين قَاتَلُوكُمْ فِي الدّين} قَالَ: كفار أهل مَكَّة
الْآيَة 10 - 11(8/131)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنْفَقُوا ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (10) وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ (11)
أخرج البُخَارِيّ عَن الْمسور بن مخرمَة ومروان بن الحكم أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما عَاهَدَ كفار قُرَيْش يَوْم الْحُدَيْبِيَة جَاءَهُ نسَاء مؤمنات فَأنْزل الله {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذا جَاءَكُم الْمُؤْمِنَات مهاجرات} حَتَّى بلغ {وَلَا تمسكوا بعصم الكوافر} فَطلق عمر يَوْمئِذٍ امْرَأتَيْنِ كَانَتَا لَهُ فِي الشّرك وَأخرج البُخَارِيّ وَأَبُو دَاوُد فِيهِ ناسخه وَالْبَيْهَقِيّ فِي السّنَن عَن مَرْوَان بن الحكم والمسور بن مخرمَة قَالَا: لما كَاتب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سُهَيْل بن عَمْرو على قَضِيَّة الْمدَّة يَوْم الْحُدَيْبِيَة كَانَ مِمَّا اشْترط سُهَيْل: أَن لَا يَأْتِيك منا أحد وَإِن كَانَ على دينك إِلَّا رَددته إِلَيْنَا فَرد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَبَا جندل بن سُهَيْل وَلم يَأْتِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أحد من الرِّجَال إِلَّا رده فِي تِلْكَ الْمدَّة وَإِن كَانَ مُسلما ثمَّ جَاءَ الْمُؤْمِنَات مهاجرات وَكَانَت أم كُلْثُوم بنت عقبَة بن أبي معيط مِمَّن خرج إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهِي عاتق فجَاء أَهلهَا يسْأَلُون رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يرجعها إِلَيْهِم حَتَّى أنزل الله فِي الْمُؤْمِنَات مَا أنزل
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه بِسَنَد ضَعِيف عَن عبد الله بن أبي أَحْمد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: هَاجَرت أم كُلْثُوم بنت عقبَة بن أبي معيط فِي الْهُدْنَة فَخرج أَخَوَاهَا عمَارَة والوليد حَتَّى قدما على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَلَّمَاهُ فِي أم كُلْثُوم أَن يردهَا إِلَيْهِمَا فنقض الله الْعَهْد بَينه وَبَين الْمُشْركين خَاصَّة فِي النِّسَاء ومنعهن أَن يرددن إِلَى الْمُشْركين وَأنزل الله آيَة الامتحان
وَأخرج ابْن دُرَيْد فِي أَمَالِيهِ: حَدثنَا أَبُو الْفضل الرياشي عَن ابْن أبي رَجَاء عَن الْوَاقِدِيّ قَالَ: فخرت أم كُلْثُوم بنت عقبَة بن أبي معيط بآيَات نزلت فِيهَا قَالَت: فَكنت أول من هَاجر إِلَى الْمَدِينَة فَلَمَّا قدمت قدم أخي الْوَلِيد عليّ فنسخ الله العقد بَين النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَبَين الْمُشْركين فِي شأني وَنزلت {فَلَا ترجعوهن إِلَى الْكفَّار} ثمَّ أنكحني النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم زيد بن حَارِثَة فَقلت أتزوجني بمولاك فَأنْزل الله (وَمَا كَانَ لمُؤْمِن وَلَا مُؤمنَة إِذا قضى الله وَرَسُوله أمرا أَن يكون لَهُم الْخيرَة من أَمرهم) (سُورَة الْأَحْزَاب 36) ثمَّ قتل زيد فَأرْسل إِلَى الزبير: احبسي على نَفسك قلت: نعم فَنزلت (وَلَا جنَاح عَلَيْكُم فيماعرضتم من خطْبَة النِّسَاء) (سُورَة الْبَقَرَة الْآيَة 235)(8/132)
وَأخرج ابْن سعد عَن ابْن شهَاب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ الْمُشْركُونَ قد شرطُوا على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم الْحُدَيْبِيَة أَن من جَاءَ من قبلنَا وَإِن كَانَ على دينك رَددته إِلَيْنَا وَمن جَاءَنَا من قبلك لم نردده إِلَيْك فَكَانَ يرد إِلَيْهِم من جَاءَ من قبلهم يدْخل فِي دينه فَلَمَّا جَاءَت أم كُلْثُوم بنت عقبَة بن أبي معيط مهاجرة جَاءَ أَخَوَاهَا يُريدَان أَن يخرجاها ويرداها إِلَيْهِم فَأنْزل الله {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذا جَاءَكُم الْمُؤْمِنَات مهاجرات} الْآيَة
إِلَى قَوْله: {وليسألوا مَا أَنْفقُوا} قَالَ: هُوَ الصَدَاق {وَإِن فاتكم شَيْء من أزواجكم} الْآيَة قَالَ: هِيَ الْمَرْأَة تسلم فَيرد الْمُسلمُونَ صَدَاقهَا إِلَى الْكفَّار وَمَا طلق الْمُسلمُونَ من نسَاء الْكفَّار عِنْدهم فَعَلَيْهِم أَن يردوا صداقهن إِلَى الْمُسلمين فَإِن أَمْسكُوا صَدَاقا من صدَاق الْمُسلمين مِمَّا فارقوا من نسَاء الْكفَّار أمسك الْمُسلمُونَ صدَاق المسلمات اللَّاتِي جئن من قبلهم
وَأخرج ابْن إِسْحَق وَابْن سعد وَابْن الْمُنْذر عَن عُرْوَة بن الزبير رَضِي الله عَنهُ أَنه سُئِلَ عَن هَذِه الْآيَة فَكتب أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ صَالح قُريْشًا يَوْم الْحُدَيْبِيَة على أَن يرد على قُرَيْش من جَاءَ فَلَمَّا هَاجر النِّسَاء أَبى الله أَن يرددن إِلَى الْمُشْركين إِذا هنَّ امتحنَّ بمحنة الإِسلام فعرفوا أَنَّهُنَّ إِنَّمَا جئن رَغْبَة فِيهِنَّ وَأمر برد صداقهن إِلَيْهِم إِذا حبسن عَنْهُم وَأَنَّهُمْ يردوا على الْمُسلمين صدقَات من حبسوا عَنْهُم من نِسَائِهِم ثمَّ قَالَ: {ذَلِكُم حكم الله يحكم بَيْنكُم} فَأمْسك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم النِّسَاء ورد الرِّجَال وَلَوْلَا الَّذِي حكم الله بِهِ من هَذَا الحكم رد النِّسَاء كَمَا رد الرِّجَال وَلَوْلَا الْهُدْنَة والعهد أمسك النِّسَاء وَلم يرد لهنَّ صَدَاقا
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {إِذا جَاءَكُم الْمُؤْمِنَات مهاجرات فامتحنوهن} قَالَ: سلوهن مَا جَاءَ بِهن فَإِن كَانَ جَاءَ بِهن غضب على أَزوَاجهنَّ أَو غيرَة أَو سخط وَلم يُؤمن فأرجعوهن إِلَى أَزوَاجهنَّ وَإِن كن مؤمنات بِاللَّه فأمسكوهن وآتوهن أُجُورهنَّ من صدقتهن وانكحوهن إِن شِئْتُم وأصدقوهن وَفِي قَوْله: {وَلَا تمسكوا بعصم الكوافر} قَالَ: أَمر أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِطَلَاق نسائهن كوافر بِمَكَّة قعدن مَعَ الْكفَّار {واسألوا مَا أنفقتم وليسألوا مَا أَنْفقُوا} قَالَ: مَا ذهب من أَزوَاج أَصْحَاب مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْكفَّار فليعطهم الكفارصدقاتهم وليمسكوهن وَمَا ذهب من أَزوَاج الْكفَّار إِلَى أَصْحَاب مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَمثل ذَلِك هَذَا فِي صلح كَانَ بَين قُرَيْش وَبَين مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وَإِن فاتكم شَيْء من أزواجكم إِلَى الْكفَّار}(8/133)
الَّذين لَيْسَ بَيْنكُم وَبينهمْ عهد {فعاقبتم} أصبْتُم مغنماً من قُرَيْش أَو غَيرهم {فآتوا الَّذين ذهبت أَزوَاجهم مثل مَا أَنْفقُوا} صَدَقَاتهمْ عوضا
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: خرجت امْرَأَة مهاجرة إِلَى الْمَدِينَة فَقيل لَهَا: مَا أخرجك بغضك لزوجك أم أردْت الله وَرَسُوله قَالَت: بل الله وَرَسُوله فَأنْزل الله {فَإِن علمتموهن مؤمنات فَلَا ترجعوهن إِلَى الْكفَّار} فَإِن تزَوجهَا رجل من الْمُسلمين فليرد إِلَى زَوجهَا الأول مَا أنْفق عَلَيْهَا
وَأخرج عبد بن حميد وَأَبُو دَاوُد فِي ناسخه وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذا جَاءَكُم الْمُؤْمِنَات مهاجرات} قَالَ: هَذَا حكم حكمه الله بَين أهل الْهدى وَأهل الضَّلَالَة {فامتحنوهن} قَالَ: كَانَت محنتهن أَن يحلفن بِاللَّه مَا خرجن لنشوز وَلَا خرجن إِلَّا حبّاً للإِسلام وحرصاً عَلَيْهِ فَإِذا فعلن ذَلِك قبل مِنْهُنَّ وَفِي قَوْله: {واسألوا مَا أنفقتم وليسألوا مَا أَنْفقُوا} قَالَ: كن إِذا فررن من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْكفَّار الَّذين بَينهم وَبَين النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عهد فتزوجن بعثوا بمهورهن إِلَى أَزوَاجهنَّ من الْمُسلمين وَإِذا فررن من الْمُشْركين الَّذين بَينهم وَبَين النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عهد فنكحوهن بعثوا بمهورهن إِلَى أَزوَاجهنَّ من الْمُشْركين فَكَانَ هَذَا بَين أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَبَين أَصْحَاب الْعَهْد من الْكفَّار وَفِي قَوْله: {وَإِن فاتكم شَيْء من أزواجكم إِلَى الْكفَّار فعاقبتم} يَقُول: إِلَى كفار قُرَيْش لَيْسَ بَينهم وَبَين أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عهد يأخذونهم بِهِ {فعاقبتم} وَهِي الْغَنِيمَة إِذا غنموا بعد ذَلِك ثمَّ نسخ هَذَا الحكم وَهَذَا الْعَهْد فِي بَرَاءَة فنبذ إِلَى كل ذِي عهد عَهده
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذا جَاءَكُم الْمُؤْمِنَات مهاجرات فامتحنوهن} إِلَى قَوْله: {عليم حَكِيم} قَالَ: كَانَ امتحانهن أَن يشهدن أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله فَإِذا علمُوا أَن ذَلِك حق مِنْهُنَّ لم يرجعوهن إِلَى الْكفَّار وَأعْطى بَعْلهَا فِي الْكفَّار الَّذين عقد لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صداقه الَّذِي أصدقهَا وأحلهن للْمُؤْمِنين إِذا آتوهن أُجُورهنَّ وَنهى الْمُؤمنِينَ أَن يَدْعُو الْمُهَاجِرَات من أجل نِسَائِهِم فِي الْكفَّار وَكَانَت محنة النِّسَاء أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ: قل لَهُنَّ: إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بايعكنّ على أَن لَا تُشْرِكْنَ بِاللَّه شَيْئا وَكَانَت هِنْد بنت عتبَة بن ربيعَة الَّتِي شقَّتْ بطن حَمْزَة مُتَنَكِّرَة فِي النِّسَاء فَقَالَت: إِنِّي إِن أَتكَلّم يعرفنِي وَإِن عرفني قتلني وَإِنَّمَا تنكرت(8/134)
فرقا من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَسكت النسْوَة الَّتِي مَعَ هِنْد وَأبين أَن يتكلمن فَقَالَت هِنْد وَهِي مُتَنَكِّرَة: كَيفَ يقبل من النِّسَاء شَيْئا لم يقبله من الرِّجَال فَنظر إِلَيْهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ لعمر رَضِي الله عَنهُ: قل لهنّ: وَلَا يَسْرِقن قَالَت هِنْد: وَالله إِنِّي لأصيب من أبي سُفْيَان الهنة مَا أَدْرِي أيحلهنّ أم لَا قَالَ أَبُو سُفْيَان: مَا أصبت من شَيْء مضى أَو قد بَقِي فَهُوَ لَك حَلَال فَضَحِك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعرفهَا فَدَعَاهَا فَأَتَتْهُ فَأخذت بِيَدِهِ فعاذت بِهِ فَقَالَ: أَنْت هِنْد فَقَالَت: عَفا الله عَمَّا سلف فصرف عَنْهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَفِي قَوْله: {وَإِن فاتكم شَيْء من أزواجكم إِلَى الْكفَّار فعاقبتم} الْآيَة يَعْنِي إِن لحقت امْرَأَة من الْمُهَاجِرين بالكفار أَمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يعْطى من الْغَنِيمَة مثل مَا أنْفق
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن شهَاب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: بلغنَا أَن الممتحنة أنزلت فِي الْمدَّة الَّتِي ماد فِيهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كفار قُرَيْش من أجل الْعَهْد الَّذِي كَانَ بَين رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَبَين كفار قُرَيْش فِي الْمدَّة فَكَانَ يرد على كفار قُرَيْش مَا أَنْفقُوا على نِسَائِهِم اللَّاتِي يسلمن ويهاجرن وبعولتهن كفار وَلَو كَانُوا حَربًا لَيست بَين رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَبينهمْ مُدَّة عهد لم يردوا إِلَيْهِم شَيْئا مِمَّا أَنْفقُوا وَقد حكم الله للْمُؤْمِنين على أهل الْمدَّة من الْكفَّار بِمثل ذَلِك الحكم قَالَ الله: {وَلَا تمسكوا بعصم الكوافر واسألوا مَا أنفقتم وليسألوا مَا أَنْفقُوا ذَلِكُم حكم الله يحكم بَيْنكُم وَالله عليم حَكِيم} فَطلق عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ امْرَأَته بنت أبي أُميَّة بن الْمُغيرَة من بني مَخْزُوم فَتَزَوجهَا مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان وَبنت جَرْوَل من خُزَاعَة فزوّجها رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأبي جهم بن حُذَيْفَة الْعَدوي وَجعل ذَلِك حكما حكم بِهِ بَين الْمُؤمنِينَ وَبَين الْمُشْركين فِي مُدَّة الْعَهْد الَّتِي كَانَت بَينهم فَأقر الْمُؤْمِنُونَ بِحكم الله فأدوا مَا أمروا بِهِ من نفقات الْمُشْركين الَّتِي أَنْفقُوا على نِسَائِهِم وأبى الْمُشْركُونَ أَن يقرُّوا بِحكم الله فِيمَا فرض عَلَيْهِم من أَدَاء نفقات الْمُسلمين فَقَالَ الله: {وَإِن فاتكم شَيْء من أزواجكم إِلَى الْكفَّار فعاقبتم فآتوا الَّذين ذهبت أَزوَاجهم مثل مَا أَنْفقُوا وَاتَّقوا الله الَّذِي أَنْتُم بِهِ مُؤمنُونَ} فَإِذا ذهبت بعد هَذِه الْآيَة امْرَأَة من أَزوَاج الْمُؤمنِينَ إِلَى الْمُشْركين رد الْمُؤْمِنُونَ إِلَى أزواجها النَّفَقَة الَّتِي أنْفق عَلَيْهَا من الْعقب الَّذِي بِأَيْدِيهِم الَّذِي أمروا أَن يردوه إِلَى الْمُشْركين من نفقاتهم الَّتِي أَنْفقُوا على أَزوَاجهنَّ اللَّاتِي آمنّ وهاجرن ثمَّ ردوا إِلَى الْمُشْركين فضلا إِن كَانَ لَهُم(8/135)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {وَلَا تمسكوا بعصم الكوافر} قَالَ: الرجل تلْحق امْرَأَته بدار الْحَرْب فَلَا يعْتد بهَا من نِسَائِهِ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ مثله
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَامر الشّعبِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَت زَيْنَب امْرَأَة ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ من الَّذين قَالُوا لَهُ: {واسألوا مَا أنفقتم وليسألوا مَا أَنْفقُوا}
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {وَإِن فاتكم شَيْء من أزواجكم إِلَى الْكفَّار فعاقبتم} إِن امْرَأَة من أهل مَكَّة أَتَت الْمُسلمين فعوضوا زَوجهَا وَإِن امْرَأَة من الْمُسلمين أَتَت الْمُشْركين فعوضوا زَوجهَا وَإِن امْرَأَة من الْمُسلمين ذهبت إِلَى من لَيْسَ لَهُ عهد من الْمُشْركين {فعاقبتم} فأصبتم غنيمَة {فآتوا الَّذين ذهبت أَزوَاجهم مثل مَا أَنْفقُوا} يَقُول: آتوا زَوجهَا من الْغَنِيمَة مثل مهرهَا
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: خرج سُهَيْل بن عَمْرو فَقَالَ رجل من أَصْحَابه: يَا رَسُول الله أَلسنا على حق وهم على بَاطِل قَالَ: بلَى قَالَ: فَمَا بَال من أسلم مِنْهُم رد إِلَيْهِم وَمن أتبعهم منا نرده إِلَيْهِم قَالَ: أما من أسلم مِنْهُم فَعرف الله مِنْهُ الصدْق أَنْجَاهُ وَمن رَجَعَ منا سلم الله مِنْهُ قَالَ: وَنزلت سُورَة الممتحنة بعد ذَلِك الصُّلْح وَكَانَت من أسلم من نِسَائِهِم فَسُئِلت: مَا أخرجك فَإِن كَانَت خرجت فِرَارًا من زَوجهَا ورغبة عَنهُ ردَّتْ وَإِن كَانَت خرجت رَغْبَة فِي الإِسلام أَمْسَكت ورد على زَوجهَا مثل مَا أنْفق
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن يزِيد بن أبي حبيب رَضِي الله عَنهُ أَنه بلغه أَنه نزلت {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذا جَاءَكُم الْمُؤْمِنَات مهاجرات} الْآيَة فِي امْرَأَة أبي حسان بن الدحداحة وَهِي أُمَيْمَة بنت بسر امْرَأَة من بني عَمْرو بن عَوْف وَأَن سهل بن حنيف تزَوجهَا حِين فرت إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَولدت لَهُ عبد الله بن سهل
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مقَاتل رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ بَين رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَبَين أهل مَكَّة عهد شَرط فِي أَن يرد النِّسَاء فَجَاءَت امْرَأَة تمسى سعيدة وَكَانَت تَحت صَيْفِي بن الراهب وَهُوَ مُشْرك من أهل مَكَّة وطلبوا ردهَا فَأنْزل الله {إِذا جَاءَكُم الْمُؤْمِنَات مهاجرات} الْآيَة
وَأخرج عبد بن حميد وَأَبُو دَاوُد فِي ناسخه وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن الزُّهْرِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: نزلت هَذِه الْآيَة وهم بِالْحُدَيْبِية لما جَاءَ النِّسَاء أمره أَن يرد(8/136)
الصَدَاق إِلَى أَزوَاجهنَّ وَحكم على الْمُشْركين مثل ذَلِك إِذا جَاءَتْهُم امْرَأَة من الْمُسلمين أَن يردوا الصَدَاق إِلَى زَوجهَا فَأَما الْمُؤْمِنُونَ فأقروا بِحكم الله وَأما الْمُشْركُونَ فَأَبَوا أَن يقرُّوا فَأنْزل الله {وَإِن فاتكم شَيْء من أزواجكم إِلَى الْكفَّار} إِلَى قَوْله: {مثل مَا أَنْفقُوا} فَأمر الْمُؤْمِنُونَ إِذا ذهبت امْرَأَة من الْمُسلمين وَلها زوج من الْمُسلمين أَن يرد إِلَيْهِ الْمُسلمُونَ صدَاق امْرَأَته مِمَّا أمروا أَن يردوا على الْمُشْركين
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {إِذا جَاءَكُم الْمُؤْمِنَات} الْآيَة قَالَ: كَانَ بَينهم وَبَين رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عهد وَكَانَت الْمَرْأَة إِذا جَاءَت إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم امتحنوها ثمَّ يردون على زَوجهَا مَا أنْفق عَلَيْهَا فَإِن لحقت امْرَأَة من الْمُسلمين بالمشركين فغنم الْمُسلمُونَ ردوا على صَاحبهَا مَا أنْفق عَلَيْهَا قَالَ الشّعبِيّ: مَا رَضِي الْمُشْركُونَ بِشَيْء مَا رَضوا بِهَذِهِ الْآيَة وَقَالُوا: هَذَا النّصْف
وَأخرج ابْن أبي أُسَامَة وَالْبَزَّار وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه بِسَنَد حسن عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {إِذا جَاءَكُم الْمُؤْمِنَات مهاجرات فامتحنوهن} وَلَفظ ابْن الْمُنْذر اأنه سُئِلَ بِمَ كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يمْتَحن النِّسَاء قَالَ: كَانَت الْمَرْأَة إِذا جَاءَت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَلفهَا عمر رَضِي الله عَنهُ بِاللَّه مَا خرجت رَغْبَة بِأَرْض عَن أَرض وَبِاللَّهِ مَا خرجت من بغض زوج وَبِاللَّهِ مَا خرجت التمَاس دنيا وَبِاللَّهِ مَا خرجت إِلَّا حبا لله وَرَسُوله
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: يُقَال لَهَا مَا جَاءَ بك عشق رجل منا وَلَا فرار من زَوجك مَا خرجت إِلَّا حبا لله وَرَسُوله
وَأخرج ابْن منيع من طَرِيق الْكَلْبِيّ عَن أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: أسلم عمر بن الْخطاب وتأخرت امْرَأَته فِي الْمُشْركين فَأنْزل الله {وَلَا تمسكوا بعصم الكوافر}
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَأَبُو نعيم وَابْن عَسَاكِر عَن يزِيد بن الْأَخْنَس رَضِي الله عَنهُ أَنه لما أسلم أسلم مَعَه جَمِيع أَهله إِلَّا امْرَأَة وَاحِدَة أَبَت أَن تسلم فَأنْزل الله {وَلَا تمسكوا بعصم الكوافر} فَقيل لَهُ: قد أنزل الله أَنه فرق بَينهَا وَبَين زَوجهَا إِلَّا أَن تسلم فَضرب لَهَا أجل سنة فَلَمَّا مَضَت السّنة إِلَّا يَوْمًا جَلَست تنظر الشَّمْس حَتَّى إِذا دنت للغروب أسلمت(8/137)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن طَلْحَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما نزلت {وَلَا تمسكوا بعصم الكوافر} طلقت امْرَأَتي أروى بنت ربيعَة وطلق عمر قريبَة بنت أبي أُميَّة وَأم كُلْثُوم بنت جَرْوَل الخزاعيه
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وَلَا تمسكوا بعصم الكوافر} قَالَ: نزلت فِي الْمَرْأَة من الْمُسلمين تلْحق بالمشركين فتكفر فَلَا يمسك زَوجهَا بعصمتها قد برِئ مِنْهَا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن فِي قَوْله: {وَإِن فاتكم شَيْء من أزواجكم إِلَى الْكفَّار} قَالَ: نزلت فِي امْرَأَة الحكم بنت أبي سُفْيَان ارْتَدَّت فَتَزَوجهَا رجل ثقفي وَلم ترتد امْرَأَة من قُرَيْش غَيرهَا فَأسْلمت مَعَ ثَقِيف حِين أَسْلمُوا
وَأخرج أَبُو دَاوُد فِي ناسخه وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج {فامتحنوهن} الْآيَة قَالَ: سَأَلت عَطاء عَن هَذِه الْآيَة تعلمهَا قَالَ: لَا
الْآيَة 12 - 13(8/138)
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (12) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ (13)
أخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ وَابْن ماجة وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه عَن عَائِشَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يمْتَحن من هَاجر إِلَيْهِ من الْمُؤْمِنَات بِهَذِهِ الْآيَة {يَا أَيهَا النَّبِي إِذا جَاءَك الْمُؤْمِنَات يبايعنك} إِلَى قَوْله: {غَفُور رَحِيم} فَمن أقرَّت بِهَذَا الشَّرْط من الْمُؤْمِنَات قَالَ لَهَا رَسُول الله: قد بايعنك كلَاما وَلَا وَالله مَا مست يَده يَد امْرَأَة قطّ فِي الْمُبَايعَة مَا بايعهن إِلَّا بقوله: قد بايعنك على ذَلِك
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَسَعِيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن سعد وَأحمد وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه عَن أُمَيْمَة بنت رقيقَة قَالَت: أتيت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي نسَاء لنابيعه فَأخذ علينا مَا فِي الْقُرْآن أَن لَا(8/138)
نشْرك بِاللَّه شَيْئا حَتَّى بلغ {وَلَا يَعْصِينَك فِي مَعْرُوف} فَقَالَ: فِيمَا استطعتن وأطقتن قُلْنَا: الله وَرَسُوله أرْحم بِنَا من أَنْفُسنَا يَا رَسُول الله أَلا تصافحنا قَالَ: إِنِّي لَا أُصَافح النِّسَاء إِنَّمَا قولي لمِائَة امْرَأَة كَقَوْلي لامْرَأَة وَاحِدَة وَأخرج أَحْمد وَابْن مرْدَوَيْه عَن عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده رَضِي الله قَالَ: جَاءَت أُمَيْمَة بنت رقيقَة إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تبايعه على الإِسلام فَقَالَ: أُبَايِعك على أَن لَا تشركي بِاللَّه شَيْئا وَلَا تسرقي وَلَا تَزني وَلَا تقتلي ولدك وَلَا تَأتي بهتان تفترينه بَين يَديك ورجليك وَلَا تبرجي تبرج الْجَاهِلِيَّة الأولى
وَأخرج ابْن سعد وَأحمد وَابْن مرْدَوَيْه عَن سليمى بنت قيس رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: جِئْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أُبَايِعهُ على الإِسلام فِي نسْوَة من الْأَنْصَار فَلَمَّا شَرط علينا أَن لَا نشْرك بِاللَّه شَيْئا وَلَا نَسْرِق وَلَا نزني وَلَا نقْتل أَوْلَادنَا وَلَا نأتي بِبُهْتَان نفتريه بَين أَيْدِينَا وأرجلنا وَلَا نعصيه فِي مَعْرُوف وَلَا تغششن أزواجكن
فَبَايَعْنَاهُ ثمَّ انصرفنا فَقلت لامْرَأَة: ارجعي فاسأليه مَا غش أَزوَاجنَا فَسَأَلته فَقَالَ: تَأْخُذ مَاله فتحابي غَيره بِهِ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالنَّسَائِيّ وَابْن الْمُنْذر عَن عبَادَة بن الصَّامِت قَالَ: كُنَّا عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: بايعوني على أَن لَا تُشْرِكُوا بِاللَّه شَيْئا وَلَا تَسْرِقُوا وَلَا تَزْنُوا وَقَرَأَ (هَكَذَا فِي الأَصْل) []
فَمن وفى مِنْكُم فَأَجره على الله وَمن أصَاب من ذَلِك شَيْئا فَعُوقِبَ فِي الدُّنْيَا فَهُوَ كَفَّارَة لَهُ وَمن أصَاب من ذَلِك شَيْئا فستره الله فَهُوَ إِلَى الله إِن شَاءَ عذبه وَإِن شَاءَ غفر لَهُ
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: شهِدت الصَّلَاة يَوْم الْفطر مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَنزل فَأقبل حَتَّى أَتَى النِّسَاء فَقَالَ: {يَا أَيهَا النَّبِي إِذا جَاءَك الْمُؤْمِنَات يبايعنك على أَن لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّه شَيْئا وَلَا يَسْرِقن وَلَا يَزْنِين} حَتَّى فرغ من الْآيَة كلهَا ثمَّ قَالَ حِين فرغ: أنتن على ذَلِك قَالَت امْرَأَة: نعم وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مقَاتل رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أنزلت هَذِه الْآيَة يَوْم الْفَتْح فَبَايع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الرِّجَال على الصَّفَا وَعمر يُبَايع النِّسَاء تحتهَا عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج أَحْمد وَابْن سعد وَأَبُو دَاوُد وَأَبُو يعلى وَعبد بن حميد وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن إِسْمَعِيل بن عبد الرَّحْمَن بن عَطِيَّة عَن جدته أم عَطِيَّة رَضِي الله عَنْهَا(8/139)
قَالَت: لما قدم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَدِينَة جمع نسَاء الْأَنْصَار فِي بَيت فَأرْسل إلَيْهِنَّ عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ فَقَامَ على الْبَاب فَسلم فَقَالَ: أَنا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إلَيْكُنَّ تبايعن على أَن لَا تُشْرِكْنَ بِاللَّه شَيْئا وَلَا تسرقن وَلَا تزنين الْآيَة
قُلْنَا: نعم فَمد يَده من خَارج الْبَيْت وَمَدَدْنَا أَيْدِينَا من دَاخل الْبَيْت
قَالَ إِسْمَعِيل: فَسَأَلت جدتي عَن قَوْله تَعَالَى: {وَلَا يَعْصِينَك فِي مَعْرُوف} قَالَت: نَهَانَا عَن النِّيَاحَة
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن سعد وَأحمد وَابْن مرْدَوَيْه عَن أَسمَاء بنت يزِيد رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: بَايَعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي نسْوَة فَقَالَ: إِنِّي لَا أصافحكن وَلَكِن آخذ عليكن مَا أَخذ الله وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن سعد عَن الشّعبِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُبَايع النِّسَاء وَوضع على يَده ثوبا فَلَمَّا كَانَ بعد كَانَ يخبر النِّسَاء فَيقْرَأ عَلَيْهِنَّ هَذِه الْآيَة {يَا أَيهَا النَّبِي إِذا جَاءَك الْمُؤْمِنَات يبايعنك على أَن لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّه شَيْئا وَلَا يَسْرِقن وَلَا يَزْنِين وَلَا يقتلن أَوْلَادهنَّ} فَإِذا أقررن قَالَ: قد بايعنكن حَتَّى جَاءَت هِنْد امْرَأَة أبي سُفْيَان فَلَمَّا قَالَ: {وَلَا يَزْنِين} قَالَت: أَو تَزني الْحرَّة لقد كُنَّا نستحي من ذَلِك فِي الْجَاهِلِيَّة فَكيف بالإِسلام فَقَالَ: {وَلَا يقتلن أَوْلَادهنَّ} قَالَت: أَنْت قتلت آبَاءَهُم وتوصينا بأبنائهم فَضَحِك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: {وَلَا يَسْرِقن} فَقَالَت: يَا رَسُول الله إِنِّي أصبت من مَال أبي سُفْيَان فَرخص لَهَا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ: قل لَهُنَّ: إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُبَايِعكُنَّ على أَن لَا تُشْرِكْنَ بِاللَّه شَيْئا وَكَانَت هِنْد مُتَنَكِّرَة فِي النِّسَاء فَقَالَ لعمر: قُلْنَ لهنّ {وَلَا يَسْرِقن} قَالَت هِنْد: وَالله إِنِّي لأصيب من مَال أبي سُفْيَان الهنة فَقَالَ: {وَلَا يَزْنِين} فَقَالَت: وَهل تَزني الْحرَّة فَقَالَ: {وَلَا يقتلن أَوْلَادهنَّ} قَالَت هِنْد: أَنْت قَتلتهمْ يَوْم بدر قَالَ: {وَلَا يَأْتِين بِبُهْتَان يَفْتَرِينَهُ بَين أَيْدِيهنَّ وَأَرْجُلهنَّ وَلَا يَعْصِينَك فِي مَعْرُوف} قَالَ: مَنعهنَّ أَن يَنُحْنَ وَكَانَ أهل الْجَاهِلِيَّة يُمَزِّقْنَ الثِّيَاب وَيَخْدِشْنَ الْوُجُوه وَيَقْطَعْنَ الشُّعُور وَيدعونَ بِالْوَيْلِ وَالثُّبُور
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن فَاطِمَة بنت عتبَة أَن أخاها أَبَا حُذَيْفَة أَتَى بهَا وبهند بنت عتبَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تبايعه فَقَالَت: أَخذ علينا بِشَرْط فَقلت لَهُ: يَا ابْن عَم وَهل علمت فِي قَوْمك من هَذِه الصِّفَات شَيْئا قَالَ أَبُو حُذَيْفَة: أَيهَا فبايعيه(8/140)
فَإِن بِهَذَا يُبَايع وَهَكَذَا يشْتَرط فَقَالَت هِنْد: لَا أُبَايِعك على السّرقَة فَإِنِّي أسرق من مَال زَوجي فَكف النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَده وكفت يَدهَا حَتَّى أرسل إِلَى أبي سُفْيَان فتحلل لَهَا مِنْهُ فَقَالَ أَبُو سُفْيَان: أما الرطب فَنعم وَأما الْيَابِس فَلَا وَلَا نعْمَة
قَالَت: فَبَايَعْنَاهُ
وَأخرج ابْن الْمُنْذر من طَرِيق ابْن جريج عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وَلَا يَأْتِين بِبُهْتَان يَفْتَرِينَهُ} قَالَ: كَانَت الْحرَّة يُولد لَهَا الْجَارِيَة فتجعل مَكَانهَا غُلَاما
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق عَليّ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {وَلَا يَأْتِين بِبُهْتَان يَفْتَرِينَهُ} قَالَ: لَا يلحقن بأزواجهن غير أَوْلَادهنَّ {وَلَا يَعْصِينَك فِي مَعْرُوف} قَالَ: إِنَّمَا هُوَ شَرط شَرطه الله للنِّسَاء
وَأخرج ابْن سعد وَأحمد وَعبد بن حميد وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه وَابْن ماجة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن أم سَلمَة الْأَنْصَارِيَّة قَالَت: قَالَت امْرَأَة من النسْوَة مَا هَذَا الْمَعْرُوف الَّذِي لَا يَنْبَغِي لنا أَن نَعْصِيك فِيهِ قَالَ: لَا تنحن قلت يَا رَسُول الله: إِن بني فلَان أسعدوني على عمي وَلَا بُد لي من قضائهن فَأبى عليّ فعاودته مرَارًا فَأذن لي فِي قضائهن فَلم أنح بعد وَلم يبْق منا امْرَأَة إِلَّا وَقد ناحت غَيْرِي
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن منيع وَابْن سعد وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي الْمليح قَالَ: جَاءَت امْرَأَة من الْأَنْصَار تبَايع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا شَرط عَلَيْهَا أَن لَا تُشْرِكْنَ بِاللَّه شَيْئا وَلَا تسرقن وَلَا تزنين أقرَّت فَلَمَّا قَالَ: {وَلَا يَعْصِينَك فِي مَعْرُوف} قَالَ: أَن لَا تنوحي فَقَالَت: يَا رَسُول الله إِن فُلَانُهُ أسعدتني أفأسعدها ثمَّ لَا أَعُود فَلم يرخص لَهَا
مُرْسل حسن الإِسناد
وَأخرج أَحْمد وَعبد بن حميد وَابْن سعد وَابْن مرْدَوَيْه بِسَنَد جيد عَن مُصعب بن نوح الْأنْصَارِيّ قَالَ: أدْركْت عجوزاً لنا كَانَت فِيمَن بَايع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَت: أَخذ علينا فِيمَا أَخذ أَن لَا تنحن وَقَالَ: هُوَ الْمَعْرُوف الَّذِي قَالَ الله: {وَلَا يَعْصِينَك فِي مَعْرُوف} فَقلت يَا نَبِي الله: إِن أُنَاسًا قد كَانُوا أسعدوني على مصائب أصابتني وَإِنَّهُم قد أَصَابَتْهُم مُصِيبَة وَأَنا أُرِيد أَن أسعدهم
قَالَ: انطلقي فكافئيهم ثمَّ إِنَّهَا أَتَت فَبَايَعته(8/141)
وَأخرج ابْن سعد وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن أسيد بن أبي أسيد البراد عَن امْرَأَة من المبايعات قَالَ: كَانَ فِيمَا أَخذ علينا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن لَا نعصيه فِيهِ من الْمَعْرُوف وَأَن لَا نخمش وَجها وَلَا نشق جيبا وَلَا نَدْعُو ويلاً
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم فِي قَوْله: {وَلَا يَعْصِينَك فِي مَعْرُوف} قَالَ: لَا يشققن جُيُوبهنَّ وَلَا يصككن خدودهن
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد عَن سَالم بن أبي الْجَعْد فِي قَوْله: {وَلَا يَعْصِينَك فِي مَعْرُوف} قَالَ: النوح
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد عَن أبي الْعَالِيَة {وَلَا يَعْصِينَك فِي مَعْرُوف} قَالَ: النوح قَالَ فَكل شَيْء وَافق لله طَاعَة فَلم يرض لنَبيه أَن يطاع فِي مَعْصِيّة الله
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي هَاشم الوَاسِطِيّ {وَلَا يَعْصِينَك فِي مَعْرُوف} قَالَ: لَا يدعونَ ويلاً وَلَا يشققن جيباً وَلَا يَحْلِقن رَأْسا
وَأخرج ابْن سعد وَعبد بن حميد عَن بكر بن عبد الله الْمُزنِيّ قَالَ: أَخذ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على النِّسَاء فِي الْبيعَة أَن لَا يشققن جيباً وَلَا يخمشن وَجها وَلَا يدعونَ ويلاً وَلَا يقلن هجراً
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن عَائِشَة بنت قدامَة بن مَظْعُون قَالَت: كنت مَعَ أُمِّي رائطة بنت سُفْيَان وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُبَايع النسْوَة وَيَقُول: أُبَايِعكُنَّ على أَن لَا تُشْرِكْنَ بِاللَّه شَيْئا وَلَا تسرقن وَلَا تزنين وَلَا تقتلن أَوْلَادكُنَّ وَلَا تأتين بِبُهْتَان تفترينه بَين أَيْدِيكُنَّ وأرجلكن وَلَا تعصين فِي مَعْرُوف فأطرقن قَالَت: وَأَنا أسمع أُمِّي وَأمي تلقنني تَقول: أَي بنية قولي نعم فِيمَا اسْتَطَعْت فَكنت أَقُول كَمَا يقلن
وَأخرج عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف وَأحمد وَابْن مرْدَوَيْه عَن أنس قَالَ: أَخذ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على النِّسَاء حِين بايعهن أَن لَا يَنحن فَقُلْنَ: يَا رَسُول الله إِن نسَاء أسعدتنا فِي الْجَاهِلِيَّة أفتسعدهن فِي الإِسلام فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا إسعاد فِي الإِسلام وَلَا شطار وَلَا عقر فِي الإِسلام وَلَا خبب وَلَا جنب وَمن انتهب فَلَيْسَ منا
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن جَابر بن عبد الله فِي قَوْله: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذا جَاءَكُم الْمُؤْمِنَات مهاجرات فامتحنوهن} قَالَ: كَيفَ يمْتَحن فَأنْزل الله {يَا أَيهَا النَّبِي إِذا جَاءَك الْمُؤْمِنَات يبايعنك على أَن لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّه شَيْئا} الْآيَة(8/142)
وَأخرج ابْن سعد وَابْن مرْدَوَيْه عَن عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا بَايع النِّسَاء دَعَا بقدح من مَاء فَغمسَ يَده فِيهِ ثمَّ يغمس أَيْدِيهنَّ فَكَانَت هَذِه بيعَته
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أم عَطِيَّة قَالَت: لما نزلت {إِذا جَاءَك الْمُؤْمِنَات يبايعنك} إِلَى قَوْله: {وَلَا يَعْصِينَك فِي مَعْرُوف فبايعهن} قَالَت: كَانَ مِنْهُ النِّيَاحَة يَا رَسُول الله إِلَّا آل فلَان فَإِنَّهُم كَانُوا قد أسعدوني فِي الْجَاهِلِيَّة فَلَا بُد لي من أَن أسعدهم قَالَ: لَا آل فلَان
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن مرْدَوَيْه عَن أم عَطِيَّة قَالَت: أَخذ علينا فِي الْبيعَة أَن لاننوح فَمَا وفى منا إِلَّا خَمْسَة أم سليم وَأم الْعَلَاء وَابْن أبي سُبْرَة امْرَأَة أبي معَاذ أَو قَالَ: بنت أبي سُبْرَة وَامْرَأَة معَاذ وَامْرَأَة أُخْرَى
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَابْن مرْدَوَيْه عَن أم عَطِيَّة
قَالَت: بَايعنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَرَأَ علينا أَن لَا تُشْرِكْنَ بِاللَّه شَيْئا ونهانا عَن النِّيَاحَة فقبضت منا امْرَأَة يَدهَا فَقَالَت يَا رَسُول الله: إِن فُلَانُهُ أسعدتني وَأَنا أُرِيد أَن أجزيها فَلم يقل لَهَا شَيْئا فَذَهَبت ثمَّ رجعت قَالَت: فَمَا وفت منا امْرَأَة إِلَّا أم سليم وَأم الْعَلَاء وَبنت أبي سُبْرَة امْرَأَة معَاذ أَو بنت أبي سُبْرَة وَامْرَأَة معَاذ
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن جَابر بن عبد الله فِي قَوْله: {وَلَا يَعْصِينَك فِي مَعْرُوف} قَالَ: اشْترط عَلَيْهِنَّ أَن لَا يَنحن
وَأخرج عبد بن حميد عَن الضَّحَّاك قَالَ: كَانَ فِيمَا أَخذ على النِّسَاء من الْمَعْرُوف أَن لَا يَنحن فَقَالَت امْرَأَة: لَا بُد من النوح فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن كنتن لَا بُد فاعلات فَلَا تخمشن وَجها وَلَا تخرقن ثوبا وَلَا تحلقن شعرًا وَلَا تدعون بِالْوَيْلِ وَلَا تقلن هجراً وَلَا تقلن إِلَّا حَقًا
وَأخرج ابْن سعد عَن عَاصِم بن عَمْرو بن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أول من بَايع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أم سعد بن معَاذ كَبْشَة بنت رَافع وَأم عَامر بنت يزِيد بن السكن وحواء بنت يزِيد بن السكن
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن يزِيد بن أسلم رَضِي الله عَنهُ {وَلَا يَعْصِينَك فِي مَعْرُوف} قَالَ: لَا يشققن جيباً وَلَا يخمش وَجها وَلَا ينشرن شعرًا وَلَا يدعونَ ويلاً
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَن النوح(8/143)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن جَابر رَضِي الله عَنهُ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِنَّمَا نهيت عَن النوح
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الشّعبِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لعنت النائحة والممسكة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أم عفيف قَالَت: أَخذ علينا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين بَايع النِّسَاء أَن لَا نُحدث الرِّجَال إِلَّا محرما
وَأخرج ابْن سعد وَعبد بن حميد عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ فِيمَا أَخذ عَلَيْهِنَّ أَن لَا يخلون بِالرِّجَالِ إِلَّا أَن يكون محرما وَإِن الرجل قد تلاطفه الْمَرْأَة فيمذي فِي فَخذيهِ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وَلَا يَعْصِينَك فِي مَعْرُوف} قَالَ: أَخذ عَلَيْهِنَّ أَن لَا يَنحن وَلَا يحدثن الرِّجَال فَقَالَ عبد الرَّحْمَن بن عَوْف: إِن لنا أضيفا وَأَنا نغيب عَن نسائنا فَقَالَ: لَيْسَ أُولَئِكَ عنيت
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه عَن أم عَطِيَّة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: كَانَ فِيمَا أَخذ عَلَيْهِنَّ أَن لَا يخلون بِالرِّجَالِ إِلَّا أَن يكون محرما فَإِن الرجل قد يلاطف الْمَرْأَة فيمذي فِي فَخذيهِ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما نزلت هَذِه الْآيَة {إِذا جَاءَك الْمُؤْمِنَات يبايعنك} قَالَ: فَإِن الْمَعْرُوف الَّذِي لَا يَعْصِي فِيهِ أَن لَا يَخْلُو الرجل وَالْمَرْأَة وحداناً وَأَن لَا يَنحن نوح الْجَاهِلِيَّة
قَالَ: فَقَالَت خَوْلَة بنت حَكِيم الْأَنْصَارِيَّة: يَا رَسُول الله إِن فُلَانَة أسعدتني وَقد مَاتَ أَخُوهَا فَأَنا أُرِيد أَن أجزيها
قَالَ: فاذهبي فاجزيها ثمَّ تعالي فبايعي
وَأخرجه ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا مَوْصُولا وَالله أعلم
وَأخرج ابْن إِسْحَق وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ عبد الله بن عمر وَزيد بن الْحَارِث يوادان رجَالًا من يهود فَأنْزل الله: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قوما غضب الله عَلَيْهِم} الْآيَة
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قوما غضب الله عَلَيْهِم قد يئسوا من الْآخِرَة} قَالَ: فَلَا يُؤمنُونَ بهَا وَلَا يرجونها(8/144)
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
61
سُورَة الصَّفّ
مَدَنِيَّة وآياتها أَربع عشرَة
الْآيَة 1 - 9(8/145)
سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ (3) إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ (4) وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (5) وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (6) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الْإِسْلَامِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (7) يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (8) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (9)
أخرج عبد بن حميد وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ نَاس: لَو نعلم أحب الْأَعْمَال إِلَى الله لفعلناه فَأخْبرهُم الله فَقَالَ: {إِن الله يحب الَّذين يُقَاتلُون فِي سَبيله صفا كَأَنَّهُمْ بُنيان مرصوص} فكرهوا ذَلِك فَأنْزل الله {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لم تَقولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ كبر مقتاً عِنْد الله أَن تَقولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانُوا يَقُولُونَ: وَالله لَو نعلم مَا أحب الْأَعْمَال إِلَى الله فَنزلت {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لم تَقولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ} إِلَى قَوْله: {بُنيان مرصوص} فدلهم على أحب الْأَعْمَال إِلَيْهِ
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالُوا: لَو كُنَّا نعلم أَي الْأَعْمَال أحب إِلَى الله فَنزلت {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لم تَقولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ} إِلَى قَوْله: {بُنيان مرصوص}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن عَسَاكِر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لم تَقولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ} إِلَى قَوْله: {بُنيان مرصوص} قَالَ: نزلت فِي نفر من الْأَنْصَار مِنْهُم عبد الله بن رَوَاحَة قَالُوا فِي مجْلِس لَهُم: لَو نعلم أَي عمل أحب إِلَى الله لعملناه حَتَّى نموت فَأنْزل الله هَذَا فيهم فَقَالَ ابْن رَوَاحَة: لَا أَبْرَح حَبِيسًا فِي سَبِيل الله حَتَّى أَمُوت شَهِيدا فَقتل شَهِيدا
وَأخرج مَالك فِي تَفْسِيره عَن زيد بن أسلم قَالَ: نزلت هَذِه الْآيَة فِي نفر من الْأَنْصَار فيهم عبد الله بن رَوَاحَة قَالُوا فِي مجْلِس: لَو نعلم أَي الْأَعْمَال أحب إِلَى الله لعملنا بِهِ حَتَّى نموت فَأنْزل الله هَذِه فيهم فَقَالَ ابْن رَوَاحَة: لَا أَبْرَح حَبِيسًا فِي سَبِيل الله حَتَّى أَمُوت شَهِيدا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مقَاتل قَالَ: قَالَ الْمُؤْمِنُونَ: لَو نعلم أحب الْأَعْمَال إِلَى الله لعملناه فدلهم على أحب الْأَعْمَال إِلَيْهِ فَقَالَ: {إِن الله يحب الَّذين يُقَاتلُون فِي سَبيله صفا} فَبين لَهُم فابتلوا يَوْم أحد بذلك فَوَلوا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُدبرين فَأنْزل الله فِي ذَلِك {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لم تَقولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن أبي صَالح قَالَ: قَالَ الْمُسلمُونَ: لَو أمرنَا بِشَيْء نفعله فَنزلت {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لم تَقولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ} قَالَ: بَلغنِي أَنَّهَا نزلت فِي الْجِهَاد كَانَ الرجل يَقُول: قَاتَلت وَفعلت وَلم يكن فعل فوعظهم الله فِي ذَلِك أَشد الموعظة(8/146)
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يبْعَث السّريَّة فَإِذا رجعُوا كَانُوا يزِيدُونَ فِي الْفِعْل وَيَقُولُونَ قاتلنا كَذَا وَفعلنَا كَذَا فَأنْزل الله الْآيَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مَيْمُون بن مهْرَان قَالَ: إِن الْقَاص ينْتَظر المقت فَقيل لَهُ أَرَأَيْت قَول الله: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لم تَقولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ كبر مقتاً عِنْد الله أَن تَقولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} أهوَ الرجل يقرظ نَفسه فَيَقُول: فعلت كَذَا وَكَذَا من الْخَيْر أم هُوَ الرجل يَأْمر بِالْمَعْرُوفِ وَينْهى عَن الْمُنكر وَإِن كَانَ فِيهِ تَقْصِير فَقَالَ: كِلَاهُمَا ممقوت
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي خَالِد الْوَالِبِي قَالَ: جلسنا إِلَى خباب فَسكت فَقُلْنَا: أَلا تحدثنا فَإِنَّمَا جلسنا إِلَيْك لذَلِك فَقَالَ: أتأمروني أَن أَقُول مَا لَا أفعل
قَوْله تَعَالَى: {إِن الله يحب الَّذين يُقَاتلُون فِي سَبيله صفا} الْآيَات
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {كَأَنَّهُمْ بُنيان مرصوص} قَالَ: مُثبت لَا يَزُول ملصق بعضه بِبَعْض
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة {إِن الله يحب الَّذين يُقَاتلُون فِي سَبيله صفا} الْآيَة قَالَ: ألم تروا إِلَى صَاحب الْبناء كَيفَ لَا يحب أَن يخْتَلف بينانه فَكَذَلِك الله لَا يحب أَن يخْتَلف أمره وَإِن الله وصف الْمُسلمين فِي قِتَالهمْ وَصفهم فِي صلَاتهم فَعَلَيْكُم بِأَمْر الله فَإِنَّهُ عصمَة لمن أَخذ بِهِ
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن الْبَراء بن عَازِب قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا أُقِيمَت الصَّلَاة يمسح مناكبنا وصدورنا وَيَقُول: لَا تختلفوا فتختلف قُلُوبكُمْ إِن الله وَمَلَائِكَته يصلونَ على الصُّفُوف الأول وصلوا المناكب بالمناكب والأقدام بالأقدام فَإِن الله يحب فِي الصَّلَاة مَا يحب فِي الْقِتَال {صفا كَأَنَّهُمْ بُنيان مرصوص}
وَأخرج أَحْمد وَابْن ماجة وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن أبي سعيد عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: ثَلَاثَة يضْحك الله إِلَيْهِم: الْقَوْم إِذا اصطفوا للصَّلَاة وَالْقَوْم إِذا اصطفوا لقِتَال الْمُشْركين وَرجل يقوم إِلَى الصَّلَاة فِي جَوف اللَّيْل
قَوْله تَعَالَى: {وَإِذ قَالَ عِيسَى ابْن مَرْيَم} الْآيَة
أخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن العرياض بن سَارِيَة: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: إِنِّي(8/147)
عبد الله فِي أم الْكتاب وَخَاتم النَّبِيين وَإِن آدم لَمُنْجَدِل فِي طينته وسوف أنبئكم بِتَأْوِيل ذَلِك
أَنا دَعْوَة إِبْرَاهِيم وَبشَارَة عِيسَى قومه ورؤيا أُمِّي الَّتِي رَأَتْ أَنه خرج مِنْهَا نور أَضَاء لَهُ قُصُور الشَّام
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي مُوسَى قَالَ: أمرنَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن ننطلق مَعَ جَعْفَر بن أبي طَالب إِلَى أَرض النَّجَاشِيّ قَالَ: مَا مَنعك أَن تسْجد لي قلت: لَا نسجد إِلَّا لله قَالَ: وَمَا ذَاك قلت: إِن الله بعث فِينَا رَسُوله وَهُوَ الرَّسُول الَّذِي بشر بِهِ عِيسَى بن مَرْيَم برَسُول يَأْتِي من بعد اسْمه أَحْمد فَأمرنَا أَن نعْبد الله وَلَا نشْرك بِهِ شَيْئا
وَأخرج مَالك وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم والدرامي وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ عَن جُبَير بن مطعم قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن لي خَمْسَة أَسمَاء: أَنا مُحَمَّد وَأَنا أَحْمد وَأَنا الحاشر الَّذِي يحْشر النَّاس على قدمي وَأَنا الماحي الَّذِي يمحو الله بِي الْكفْر وَأَنا العاقب وَالْعَاقِب الَّذِي لَيْسَ بعده نَبِي
وَأخرج الطيالس وَابْن مرْدَوَيْه عَن جُبَير بن مطعم سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: أَنا مُحَمَّد وَأَنا أَحْمد والحاشر وَنَبِي التَّوْبَة وَنَبِي الملحمة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي بن كَعْب أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: أَعْطَيْت مَا لم يُعْط أحد من أَنْبيَاء الله قُلْنَا يَا رَسُول الله مَا هُوَ قَالَ: نصرت بِالرُّعْبِ وَأعْطيت مَفَاتِيح الأَرْض وَسميت أَحْمد وَجعل لي تُرَاب الأَرْض طهُورا وَجعلت أمتِي خير الْأُمَم
أخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله: {فَلَمَّا جَاءَهُم بِالْبَيِّنَاتِ} قَالَ: مُحَمَّد وَفِي قَوْله: {يُرِيدُونَ ليطفئوا نور الله بأفواههم} قَالَ: بألسنتهم
وَأخرج عبد بن حميد عَن مَسْرُوق أَنه كَانَ يقْرَأ الَّتِي فِي الْمَائِدَة وَفِي الصَّفّ وَفِي يُونُس سَاحر
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ {هَذَا سحر مُبين} بِغَيْر ألف وَقَرَأَ {وَالله متم نوره} بتنوين متم وبنصب نوره
الْآيَة 10 - 14(8/148)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (11) يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12) وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (13) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ فَآمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ (14)
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا هَل أدلكم على تِجَارَة} الْآيَة قَالَ: لما نزلت قَالَ الْمُسلمُونَ: لَو علمنَا مَا هَذِه التِّجَارَة لأعطينا فِيهَا الْأَمْوَال والأهلين فَبين لَهُم التِّجَارَة فَقَالَ: {تؤمنون بِاللَّه وَرَسُوله}
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا هَل أدلكم على تِجَارَة} الْآيَة قَالَ: فلولا أَن الله بَينهَا وَدلّ عَلَيْهَا للهف الرِّجَال أَن يَكُونُوا يعلمونها حَتَّى يطلبوها ثمَّ دلهم الله عَلَيْهَا فَقَالَ: {تؤمنون بِاللَّه وَرَسُوله} الْآيَة
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ {على تِجَارَة تنجيكم} خَفِيفَة
قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا كونُوا أنصار الله}
أخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ {كونُوا أنصار الله} مُضَاف
وَأخرج عبد بن حميد وَعبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا كونُوا أنصار الله} قَالَ: قد كَانَ ذَلِك ببحمد الله جَاءَهُ سَبْعُونَ رجلا فَبَايعُوهُ عِنْد الْعقبَة فنصروه وآووه حَتَّى أظهر الله دينه وَلم يسمّ حيّ من السَّمَاء قطّ باسم لم يكن لَهُم قبل ذَلِك غَيرهم وَذكر لنا أَن بَعضهم قَالَ: هَل تَدْرُونَ مَا تُبَايِعُونَ هَذَا الرجل إِنَّكُم تبايعونه على محاربة الْعَرَب كلهَا أَو يسلمُوا وَذكر لنا أَن رجلا قَالَ: يَا نَبِي الله اشْترط لبرك وَلِنَفْسِك مَا شِئْت فَقَالَ: أشْتَرط لرَبي أَن تَعْبُدُوهُ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئا وَأَشْتَرِط لنَفْسي أَن تَمْنَعُونِي مِمَّا تمْنَعُونَ مِنْهُ أَنفسكُم وأبناءكم قَالُوا: فَإِذا فعلنَا ذَلِك فَمَا لنا يَا نَبِي الله قَالَ: لكم النَّصْر فِي الدُّنْيَا وَالْجنَّة فِي الْآخِرَة فَفَعَلُوا فَفعل الله
قَالَ: والحواريون كلهم من قُرَيْش أَبُو بكر وَعمر وَعلي وَحَمْزَة(8/149)
وجعفر وَأَبُو عُبَيْدَة بن الْجراح وَعُثْمَان بن مَظْعُون وَعبد الرَّحْمَن بن عَوْف وَسعد بن أبي وَقاص وَعُثْمَان بن عَفَّان وَطَلْحَة بن عبيد الله وَالزُّبَيْر بن العوّام
وَأخرج ابْن إِسْحَق وَابْن سعد عَن عبد الله بن أبي بكر بن مُحَمَّد بن عَمْرو بن حزم قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم للنفر الَّذين لَا قوه بِالْعقبَةِ: اخْرُجُوا إليّ اثْنَي عشر رجلا مِنْكُم يَكُونُوا كفلاء على قَومهمْ كَمَا كفلت الحواريون لعيسى بن مَرْيَم وَأخرج ابْن سعد عَن مُحَمَّد بن لبيد قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم للنقباء: أَنْتُم كفلاء على قومكم ككفالة الحواريين لعيسى بن مَرْيَم أَنا كَفِيل قومِي قَالُوا: نعم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {من أَنْصَارِي إِلَى الله} قَالَ: من يَتبعني إِلَى الله وَفِي قَوْله: {فَأَصْبحُوا ظَاهِرين} قَالَ: من آمن مَعَ عِيسَى من قومه وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس {فأيدنا الَّذين آمنُوا} قَالَ: فقوّينا الَّذين آمنُوا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ {فَأَصْبحُوا ظَاهِرين} قَالَ: أَصبَحت حجَّة من آمن بِعِيسَى ظَاهِرَة بِتَصْدِيق مُحَمَّد أَن عِيسَى كلمة الله وروحه
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس {فأيدنا الَّذين آمنُوا} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {فَأَصْبحُوا} الْيَوْم {ظَاهِرين} وَالله أعلم(8/150)
62
سُورَة الْجُمُعَة
مَدَنِيَّة وآياتها إِحْدَى عشرَة أخرج ابْن الضريس والنحاس وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: نزلت سُورَة الْجُمُعَة بِالْمَدِينَةِ
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عبد الله بن الزبير قَالَ: نزلت سُورَة الْجُمُعَة بِالْمَدِينَةِ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة عَن أبي هُرَيْرَة: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقْرَأ بِسُورَة الْجُمُعَة وَإِذا جَاءَك المُنَافِقُونَ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة عَن ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يقْرَأ فِي الْجُمُعَة بِسُورَة الْجُمُعَة وَإِذا جَاءَك المُنَافِقُونَ
وَأخرج الْبَغَوِيّ فِي مُعْجَمه عَن أبي عنبة الْخَولَانِيّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه كَانَ يقْرَأ فِي يَوْم الْجُمُعَة بالسورة الَّتِي يذكر فِيهَا الْجُمُعَة وَإِذا جَاءَك المُنَافِقُونَ
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن جَابر بن عبد الله وَأبي هُرَيْرَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى بهم يَوْم الْجُمُعَة فَقَرَأَ بِسُورَة الْجُمُعَة يحرض الْمُؤمنِينَ وَإِذا جَاءَك المُنَافِقُونَ يوبخ بهَا الْمُنَافِقين
وَأخرج ابْن حباي وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن جَابر بن سَمُرَة قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقْرَأ فِي صَلَاة الْمغرب لَيْلَة الْجُمُعَة {قل يَا أَيهَا الْكَافِرُونَ} و {قل هُوَ الله أحد} وَكَانَ يقْرَأ فِي صَلَاة الْعشَاء الْأَخِيرَة لَيْلَة الْجُمُعَة سُورَة الْجُمُعَة وَالْمُنَافِقِينَ(8/151)
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
الْآيَة 1 - 4(8/152)
يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (1) هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (2) وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (3) ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (4)
أخرج ابْن الْمُنْذر وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن عَطاء بن السَّائِب عَن ميسرَة أَن هَذِه الْآيَة مَكْتُوبَة فِي التَّوْرَاة بسبعمائة آيَة {يسبح لله مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْض الْملك القدوس الْعَزِيز الْحَكِيم} أول سُورَة الْجُمُعَة
قَوْله تَعَالَى: {هُوَ الَّذِي بعث فِي الْأُمِّيين رَسُولا مِنْهُم} الْآيَة
أخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {هُوَ الَّذِي بعث فِي الْأُمِّيين رَسُولا مِنْهُم} الْآيَة قَالَ: كَانَ هَذَا الْحَيّ من الْعَرَب أمة أُميَّة لَيْسَ فِيهَا كتاب يقرأونه فَبعث الله فيهم مُحَمَّدًا رَحْمَة وَهدى يهْدِيهم بِهِ
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِنَّا أمة أُميَّة لَا نكتب وَلَا نحسب
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله: {هُوَ الَّذِي بعث فِي الْأُمِّيين رَسُولا مِنْهُم} قَالَ: هُوَ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {يَتْلُو عَلَيْهِم آيَاته} قَالَ: الْقُرْآن {وَإِن كَانُوا من قبل لفي ضلال مُبين} قَالَ: هُوَ الشّرك
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {هُوَ الَّذِي بعث فِي الْأُمِّيين رَسُولا مِنْهُم} قَالَ: الْعَرَب {وَآخَرين مِنْهُم لما يلْحقُوا بهم} قَالَ: الْعَجم
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم وَالْبَيْهَقِيّ مَعًا فِي الدَّلَائِل عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين أنزلت سُورَة الْجُمُعَة فَتَلَاهَا فَلَمَّا بلغ {وَآخَرين مِنْهُم لما يلْحقُوا بهم} قَالَ لَهُ رجل: يَا رَسُول الله من هَؤُلَاءِ الَّذين لم يلْحقُوا بِنَا فَوضع يَده على(8/152)
رَأس سلمَان الْفَارِسِي وَقَالَ: وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لَو كَانَ الإِيمان بِالثُّرَيَّا لَنَالَهُ رجال من هَؤُلَاءِ
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن مرْدَوَيْه عَن قيس بن سعد بن عبَادَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَو أَن الإِيمان بِالثُّرَيَّا لَنَالَهُ رجال من أهل فَارس
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن سهل بن سعد قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن فِي أصلاب أصلاب أصلاب رجال من أَصْحَابِي رجَالًا وَنسَاء يدْخلُونَ الْجنَّة بِغَيْر حِسَاب ثمَّ قَرَأَ {وَآخَرين مِنْهُم لما يلْحقُوا بهم وَهُوَ الْعَزِيز الْحَكِيم}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {وَآخَرين مِنْهُم لما يلْحقُوا بهم} قَالَ: من ردف الإِسلام من النَّاس كلهم
وَأخرج عبد الزراق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله: {وَآخَرين مِنْهُم لما يلْحقُوا بهم} قَالَ: هم التابعون
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله: {وَآخَرين مِنْهُم لما يلْحقُوا بهم} قَالَ: هم التابعون
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله: {وَآخَرين مِنْهُم لما يلْحقُوا بهم} يَعْنِي من أسلم من النَّاس وَعمل صَالحا من عَرَبِيّ وعجمي إِلَى يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {ذَلِك فضل الله يؤتيه من يَشَاء} قَالَ: الدّين
الْآيَة 5 - 8(8/153)
مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (5) قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (6) وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (7) قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (8)
أخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر من طَرِيق الْكَلْبِيّ عَن أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس {مثل الَّذين حُمِّلوا التَّوْرَاة ثمَّ لم يحملوها} قَالَ: الْيَهُود(8/153)
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله: {مثل الَّذين حُمِّلوا التَّوْرَاة ثمَّ لم يحملوها} قَالَ: أَمرهم أَن يَأْخُذُوا بِمَا فِيهَا فَلم يعملوا بِهِ
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله: {مثل الَّذين حُمِّلوا التَّوْرَاة ثمَّ لم يحملوها كَمثل الْحمار يحمل أسفاراً} قَالَ: كتبا لَا يدْرِي مَا فِيهَا وَلَا يدْرِي مَا هِيَ يضْرب الله لهَذِهِ الْأمة أَي وَأَنْتُم إِن لم تعملوا بِهَذَا الْكتاب كَانَ مثلكُمْ كمثلهم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {يحمل أسفاراً} قَالَ: كتبا لَا يعلم مَا فِيهَا وَلَا يَعْقِلهَا
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة {كَمثل الْحمار يحمل أسفاراً} قَالَ: يحمل كتبا على ظَهره لَا يدْرِي مَاذَا عَلَيْهِ
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {أسفاراً} قَالَ: كتبا
وَأخرج الْخَطِيب عَن عَطاء بن أبي رَبَاح مثله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله: {أسفاراً} قَالَ: كتبا وَالْكتاب بالنبطية يُسمى سفرا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالطَّبَرَانِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من تكلم يَوْم الْجُمُعَة والإِمام يخْطب فَهُوَ كالحمار يحمل أسفاراً وَالَّذِي يَقُول لَهُ أنصت لَيست لَهُ جُمُعَة
الْآيَة 9 - 11(8/154)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (9) فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (10) وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (11)
أخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله: {إِن زعمتم أَنكُمْ أَوْلِيَاء لله} قَالُوا: نَحن أَبنَاء الله واحباؤه وَفِي قَوْله: {وَلَا يتمنونه أبدا بِمَا قدمت أَيْديهم} قَالَ: عرفُوا أَن مُحَمَّدًا نَبِي الله فَكَتَمُوهُ وَقَالُوا: نَحن أَبنَاء الله وأحباؤه(8/154)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة {وَلَا يتمنونه أبدا بِمَا قدمت أَيْديهم} قَالَ: إِن سوء الْعَمَل يكره الْمَوْت شَدِيدا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر عَن معمر قَالَ: تَلا قَتَادَة {ثمَّ تردون إِلَى عَالم الْغَيْب وَالشَّهَادَة} قَالَ: إِن الله أذلّ ابْن آدم بِالْمَوْتِ لَا أعلمهُ إِلَّا رَفعه
قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذا نُودي للصَّلَاة من يَوْم الْجُمُعَة} الْآيَة
أخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قلت يَا نَبِي الله لأي شَيْء سمي يَوْم الْجُمُعَة قَالَ: لِأَن فِيهَا جمعت طِينَة أبيكم آدم وفيهَا الصعقة والبعثة وَفِي آخر ثَلَاث سَاعَات مِنْهَا سَاعَة من دَعَا فِيهَا بدعوة اسْتَجَابَ لَهُ
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَأحمد وَالنَّسَائِيّ وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن سلمَان قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَتَدْرِي مَا يَوْم الْجُمُعَة قَالَ: الله وَرَسُوله أعلم
قَالَهَا ثَلَاث مَرَّات ثمَّ قَالَ: فِي الثَّالِثَة هُوَ الْيَوْم الَّذِي جمع فِيهِ أبوكم آدم أَفلا أحدثكُم عَن يَوْم الْجُمُعَة لَا يتَطَهَّر رجل فَيحسن طهوره ويلبس أحسن ثِيَابه ويصيب من طيب أَهله إِن كَانَ لَهُم طيب وَإِلَّا فالماء ثمَّ يَأْتِي الْمَسْجِد فيجلس وينصت حَتَّى يقْضِي الإِمام صلَاته إِلَّا كَانَت كَفَّارَة مَا بَين الْجُمُعَة مَا اجتنيت الْكَبَائِر وَذَلِكَ الدَّهْر كُله
وَأخرج مُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: خير يَوْم طلعت فِيهِ الشَّمْس يَوْم الْجُمُعَة فِيهِ خلق آدم وَفِيه أَدخل الْجنَّة وَفِيه أخرج مِنْهَا وَلَا تقوم السَّاعَة إِلَّا يَوْم الْجُمُعَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَابْن ماجة وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي لبَابَة بن عبد الْمُنْذر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يَوْم الْجُمُعَة سيد الْأَيَّام وَأَعْظَمهَا عِنْد الله وَأعظم عِنْد الله من يَوْم الْفطر وَيَوْم الْأَضْحَى وَفِيه خمس خصار: خلق الله فِيهِ آدم وأهبطه فِيهِ إِلَى الأَرْض وَفِيه توفّي الله آدم وَفِيه سَاعَة لَا يسْأَل العَبْد فِيهَا شَيْئا إِلَّا أعطَاهُ الله مَا لم يسْأَل حَرَامًا وَفِيه تقوم السَّاعَة مَا من ملك وَلَا أَرض وَلَا سَمَاء وَلَا ريَاح وَلَا جبال وَلَا بَحر إِلَّا وَهن يشفقن من يَوْم الْجُمُعَة أَن تقوم فِيهِ السَّاعَة وَأخرج أَحْمد وَابْن مرْدَوَيْه عَن سعد بن عبَادَة أَن رجلا من الْأَنْصَار أَتَى رَسُول االله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: أخبرنَا عَن يَوْم الْجُمُعَة مَاذَا فِيهِ من الْخَيْر قَالَ: فِيهِ خمس(8/155)
خِصَال: فِيهِ خلق آدم وَفِيه أهبط آدم وَفِيه توفى الله آدم وَفِيه سَاعَة لَا يسْأَل الله شَيْئا إِلَّا آتَاهُ إِيَّاه مَا لم يسْأَل مأثماً أَو قطيعة رحم وَفِيه تقوم السَّاعَة مَا من ملك مقرب وَلَا سَمَاء وَلَا أَرض وَلَا جبل وَلَا ريح إِلَّا يشفقن من يَوْم الْجُمُعَة
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: سَمِعت أَبَا الْقَاسِم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: فِي سَبْعَة أَيَّام يَوْم اخْتَارَهُ الله على الْأَيَّام كلهَا يَوْم الْجُمُعَة فِيهِ خلق الله السَّمَوَات وَالْأَرْض وَفِيه قضى الله خَلقهنَّ وَفِيه خلق الله الْجنَّة وَالنَّار وَفِيه خلق آدم وَفِيه أهبطه من الْجنَّة وَتَابَ عَلَيْهِ وَفِيه تقوم السَّاعَة لَيْسَ شَيْء من خلق إِلَّا وَهُوَ يفزع من ذَلِك الْيَوْم شَفَقَة أَن تقوم السَّاعَة إِلَّا الْجِنّ والانس
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن كَعْب الْأَحْبَار قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن الله يبْعَث الْأَيَّام يَوْم الْقِيَامَة على هيئاتها وَيبْعَث الْجُمُعَة زهراء منيرة لأَهْلهَا يحفونَ بهَا كالعروس يهدي إِلَى كريمها تضيء لَهُم يَمْشُونَ فِي ضوئها ألوانها كالثلج بياضهم رياحهم تسطع كالمسك يَخُوضُونَ فِي جبال الكافور ينظر إِلَيْهِم الثَّقَلَان مَا يطرفون تَعَجبا حَتَّى يدخلُوا الْجنَّة لَا يخالطهم أحد إِلَّا المؤذنون المحتسبون
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن سعيد بن الْمسيب قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: سيد الْأَيَّام يَوْم الْجُمُعَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة والدارمي وَابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان وَالْحَاكِم عَن أَوْس بن أَوْس أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن من أفضل أيامكم يَوْم الْجُمُعَة فِيهِ خلق آدم وَفِيه النفخة وَفِيه الصعقة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن كَعْب قَالَ: لم تطلع الشَّمْس فِي يَوْم هُوَ أعظم من يَوْم الْجُمُعَة إِنَّهَا إِذا طلعت فزع لَهَا كل شَيْء إِلَّا الثَّقَلَان اللَّذَان عَلَيْهِمَا الْحساب وَالْعَذَاب
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن كَعْب قَالَ: إِن يَوْم الْجُمُعَة لتفزع لَهُ الْخَلَائق إِلَّا الْجِنّ والإِنس وَأَنه ليضاعف فِيهِ الْحَسَنَة والسيئة وَإنَّهُ ليَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن كَعْب قَالَ: الْحَسَنَة تضَاعف يَوْم الْجُمُعَة
وَأخرج الْخَطِيب فِي تَارِيخه عَن ابْن عمر قَالَ: نزل جِبْرِيل إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَفِي يَده شبه مرْآة فِيهَا نُكْتَة سَوْدَاء فَقَالَ يَا جِبْرِيل: مَا هَذِه قَالَ: هَذِه الْجُمُعَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَتَانِي جِبْرِيل وَفِي يَده كالمرآة الْبَيْضَاء فِيهَا كالنكتة السَّوْدَاء فَقلت يَا جِبْرِيل: مَا هَذِه قَالَ: هَذِه(8/156)
الْجُمُعَة قلت وَمَا الْجُمُعَة قَالَ: لكم فِيهِ خير قلت: وَمَا لنا فِيهَا قَالَ: تكون عيداً لَك ولقومك من بعْدك وَتَكون الْيَهُود وَالنَّصَارَى تبعا لَك
قلت: وَمَا لنا فِيهَا قَالَ: لكم فِيهَا سَاعَة لَا يُوَافِقهَا عبد مُسلم يسْأَل الله فِيهَا شَيْئا من الدُّنْيَا وَالْآخِرَة هُوَ لكم قسم إِلَّا أعطَاهُ إِيَّاه وَلَيْسَ لَهُ قسم إِلَّا ادخر لَهُ عِنْده مَا هُوَ أفضل مِنْهُ أَو يتعوّذ بِهِ من شَرّ هُوَ عَلَيْهِ مَكْتُوب إِلَّا صرف عَنهُ من الْبلَاء مَا هُوَ أعظم مِنْهُ قلت لَهُ: وَمَا هَذِه النُّكْتَة فِيهَا قَالَ: هِيَ السَّاعَة وَهِي تقوم يَوْم الْجُمُعَة وَهُوَ عندنَا سيد الْأَيَّام وَنحن نَدْعُوهُ يَوْم الْقِيَامَة يَوْم الْمَزِيد قلت: مِم ذَاك قَالَ: لِأَن رَبك اتخذ فِي الْجنَّة وَاديا من مسك أَبيض فَإِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة هَبَط من عليين على كرسيه ثمَّ حف الْكُرْسِيّ بمنابر من ذهب مكللة بالجوهر ثمَّ يَجِيء النَّبِيُّونَ حَتَّى يجلسوا عَلَيْهَا وَينزل أهل الغرف حَتَّى يجلسوا على ذَلِك الْكَثِيب ثمَّ يتجلى لَهُم رَبهم تبَارك وَتَعَالَى ثمَّ يَقُول: سلوني أعطكم فيسألونه الرِّضَا فَيَقُول: رضاي أحلكم دَاري وَأَنا لكم كريم مَتى تَسْأَلُونِي أعطكم فيسألونه الرِّضَا فيشهدهم أَنِّي قد رضيت عَنْهُم فَيفتح لَهُم مَا لم ترَ عين وَلم تسمع أذن وَلم يخْطر على قلب بشر وذلكم مِقْدَار انصرافكم من يَوْم الْجُمُعَة ثمَّ يرْتَفع ويرتفع مَعَه النَّبِيُّونَ وَالصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاء وَيرجع أهل الغرف إِلَى غرفهم وَهِي درة بَيْضَاء لَيْسَ فِيهَا وصم وَلَا فَصم أَو درة حَمْرَاء أَو زبرجدة خضراء فِيهَا غرفها وأبوابها مطروزة وفيهَا أنهارها وثمارها متدلية قَالَ: فليسوا إِلَى شَيْء أحْوج مِنْهُم إِلَى يَوْم الْجُمُعَة ليزدادوا إِلَى رَبهم نظرا وليزدادوا مِنْهُ كَرَامَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن فِي الْجُمُعَة لساعة مَا دَعَا الله فِيهَا عبد مُسلم بِشَيْء إِلَّا اسْتَجَابَ لَهُ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن كثير بن عبد الله الْمُزنِيّ عَن أَبِيه عَن جده سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: فِي الْجُمُعَة سَاعَة من النَّهَار لَا يسْأَل العَبْد فِيهَا شَيْئا إِلَّا أعطي سؤله قيل: أَي سَاعَة هِيَ قَالَ: هِيَ أَن تُقَام الصَّلَاة إِلَى الِانْصِرَاف فِيهَا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: إِن يَوْم الْجُمُعَة مثل يَوْم عَرَفَة تفتح فِيهِ أَبْوَاب الرَّحْمَة وَفِيه سَاعَة لَا يسْأَل الله العَبْد شَيْئا إِلَّا أعطَاهُ قيل وَأي سَاعَة قَالَ: إِذا أذن الْمُؤَذّن لصَلَاة الْغَدَاة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة من وَجه آخر عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: إِن يَوْم(8/157)
الْجُمُعَة مثل يَوْم عَرَفَة وَإِن فِيهِ لساعة تفتح أَبْوَاب الرَّحْمَة فَقيل: أَي سَاعَة قَالَت: حِين يُنَادي بِالصَّلَاةِ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة من طَرِيق عَطاء عَن ابْن عَبَّاس وَأبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنْهُم قَالَا: السَّاعَة الَّتِي تذكر فِي الْجُمُعَة قَالَ: فَقلت: هِيَ السَّاعَة اخْتَار الله لَهَا أوفى فِيهَا الصَّلَاة قَالَ: فَمسح رَأْسِي وبرك عليّ وَأَعْجَبهُ مَا قلت
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي أُمَامَة قَالَ: إِنِّي لأرجو أَن تكون السَّاعَة الَّتِي فِي الْجُمُعَة إِحْدَى هَذِه السَّاعَات إِذا أذن الْمُؤَذّن أَو جلس الإِمام على الْمِنْبَر أَو عِنْد الإِقامة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ قَالَ: هِيَ عِنْد زَوَال الشَّمْس
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الشّعبِيّ قَالَ: هِيَ مَا بَين أَن يحرم البيع إِلَى أَن يحل
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي بردة قَالَ: إِن السَّاعَة الَّتِي يُسْتَجَاب فِيهَا الدُّعَاء يَوْم الْجُمُعَة حِين يقوم الإِمام فِي الصَّلَاة حَتَّى ينْصَرف مِنْهَا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عَوْف بن حصيرة فِي السَّاعَة الَّتِي ترجى فِي الْجُمُعَة مَا بَين خُرُوج الإِمام إِلَى أَن تقضى الصَّلَاة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن طَاوُوس قَالَ: إِن السَّاعَة الَّتِي ترجى فِي الْجُمُعَة بعد الْعَصْر
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن مُجَاهِد قَالَ: هِيَ بعد الْعَصْر
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن هِلَال بن يسَار قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن فِي الْجُمُعَة لساعة لَا يُوَافِقهَا رجل مُسلم يسْأَل الله فِيهَا خيرا إِلَّا أعطَاهُ فَقَالَ رجل: يَا رَسُول الله مَاذَا أسأله قَالَ: سل الله الْعَافِيَة فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن سلمَان أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَا يغْتَسل رجل يَوْم الْجُمُعَة ويتطهر بِمَا اسْتَطَاعَ من طهوره وادهن من دهنه أَو مس طيبا من بَيته ثمَّ رَاح فَلم يفرق بَين اثْنَيْنِ ثمَّ صلى مَا كتب الله لَهُ ثمَّ أنصت إِذا تكلم الإِمَام إِلَّا غفر لَهما بَينه إِلَى الْجُمُعَة الْأُخْرَى
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه عَن السَّائِب بن يزِيد قَالَ: كَانَ النداء الَّذِي ذكر الله فِي الْقُرْآن يَوْم الْجُمُعَة فِي زمن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأبي بكر وَعمر وَعَامة خلَافَة عُثْمَان أَن يُنَادي الْمُنَادِي إِذا جلس الإِمام على الْمِنْبَر فَلَمَّا تَبَاعَدت(8/158)
المساكن وَكثر النَّاس أحدث النداء الأول فَلم يعب النَّاس ذَلِك عَلَيْهِ وَقد عابوا عَلَيْهِ حِين أتم الصَّلَاة بمنى قَالَ: فَكُنَّا فِي زمَان عمر نصلي فَإِذا خرج عمر وَجلسَ على الْمِنْبَر قَطعنَا الصَّلَاة وتحدثنا فَرُبمَا أقبل عمر على بعض من يَلِيهِ فَسَأَلَهُمْ عَن سوقهم وَقد أمّهم والمؤذن يُؤذن فَإِذا سكت الْمُؤَذّن قَامَ عمر فَتكلم وَلم يتَكَلَّم حَتَّى يفرغ من خطبَته
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد {إِذا نُودي للصَّلَاة من يَوْم الْجُمُعَة} قَالَ: هُوَ الْوَقْت
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد {إِذا نُودي للصَّلَاة من يَوْم الْجُمُعَة} قَالَ: النداء عِنْد الذّكر عَزمَة
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ فِي كتاب الْأَذَان عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الْأَذَان نزل على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَعَ فرض الصَّلَاة {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذا نُودي للصَّلَاة من يَوْم الْجُمُعَة فَاسْعَوْا إِلَى ذكر الله}
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن سِيرِين قَالَ: جمع أهل الْمَدِينَة قبل أَن يقدم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقبل أَن تنزل الْجُمُعَة قَالَت الْأَنْصَار: للْيَهُود يَوْم تجمعون فِيهِ كل سَبْعَة أَيَّام وَالنَّصَارَى مثل ذَلِك فَهَلُمَّ فلنجعل يَوْمًا نَجْتَمِع فِيهِ فَنَذْكُر الله ونشكره فَقَالُوا: يَوْم السبت للْيَهُود وَيَوْم الْأَحَد لليصارى فَاجْعَلُوهُ يَوْم الْعرُوبَة وَكَانُوا يسمون الْجُمُعَة يَوْم الْعرُوبَة فَاجْتمعُوا إِلَى أسعد بن زُرَارَة فصلى بهم يَوْمئِذٍ رَكْعَتَيْنِ وَذكرهمْ فَسَموهُ الْجُمُعَة حِين اجْتَمعُوا إِلَيْهِ فذبح لَهُم شَاة فتغدوا وتعشوا مِنْهَا وَذَلِكَ لقلتهم فَأنْزل الله فِي ذَلِك بعد {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذا نُودي للصَّلَاة من يَوْم الْجُمُعَة فَاسْعَوْا إِلَى ذكر الله} الْآيَة
وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: أذن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْجُمُعَة قبل أَن يُهَاجر وَلم يسْتَطع أَن يجمع بِمَكَّة فَكتب إِلَى مُصعب بن عُمَيْر أما بعد فَأنْظر الْيَوْم الَّذِي تجْهر فِيهِ الْيَهُود بالزبور فَأَجْمعُوا نِسَائِكُم وأبناءكم فَإِذا مَال النَّهَار عَن شطره عِنْد الزَّوَال من يَوْم الْجُمُعَة فتقربوا إِلَى الله بِرَكْعَتَيْنِ قَالَ: فَهُوَ أول من جمع حَتَّى قدم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَدِينَة فَجمع بعد الزَّوَال من الظّهْر وَأظْهر ذَلِك
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَابْن ماجة وَابْن حبَان وَالْبَيْهَقِيّ عَن عبد الرَّحْمَن بن كَعْب بن مَالك أَن أَبَاهُ كَانَ إِذا سمع النداء يَوْم الْجُمُعَة ترحم على أسعد بن زُرَارَة فَقلت لَهُ يَا(8/159)
أبتاه أَرَأَيْت اسغفارك لأسعد بن زُرَارَة كلما سَمِعت الآذان للْجُمُعَة مَا هُوَ قَالَ: إِنَّه أَو من جمع بِنَا فِي نَقِيع يُقَال لَهُ نَقِيع الْخضمات من حرَّة بني بياضة
قلت: كم كُنْتُم يومئذٍ قَالَ: أَرْبَعُونَ رجلا
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن أبي مَسْعُود الْأنْصَارِيّ قَالَ: أول من قدم من الْمُهَاجِرين الْمَدِينَة مُصعب بن عُمَيْر وَهُوَ أول من جمع بهَا يَوْم الْجُمُعَة بهم قبل أَن يقدم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وهم اثْنَا عشر رجلا
وَأخرج الزبير بن بكار فِي أَخْبَار الْمَدِينَة عَن ابْن شهَاب قَالَ: ركب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم الْجُمُعَة من قبَاء فَمر على بني سَالم فصلى فيهم الْجُمُعَة ببني سَالم وَهُوَ الْمَسْجِد الَّذِي فِي بطن الْوَادي وَكَانَت أول جُمُعَة صلاهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج ابْن ماجة عَن جَابر أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خطب فَقَالَ: إِن الله افْترض عَلَيْكُم الْجُمُعَة فِي مقَامي هَذَا فِي يومي هَذَا فِي شَهْري هَذَا فِي عَامي هَذَا إِلَى يَوْم الْقِيَامَة فَمن تَركهَا اسْتِخْفَافًا بهَا أَو جحُودًا لَهَا فَلَا جمع الله لَهُ شَمله وَلَا بَارك لَهُ فِي أمره أَلا وَلَا صَلَاة لَهُ وَلَا زَكَاة لَهُ وَلَا حج لَهُ وَلَا صَوْم لَهُ وَلَا بركَة لَهُ حَتَّى يَتُوب فَمن تَابَ تَابَ الله عَلَيْهِ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن عمر وَابْن عَبَّاس قَالَا: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ على أَعْوَاد الْمِنْبَر: لينتهين أَقوام عَن ترك الْجُمُعَة وَالْجَمَاعَات أَو ليطمسن الله على قُلُوبهم وليكتبن من الغافلين
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن سَمُرَة بن جُنْدُب مَرْفُوعا من ترك الْجُمُعَة من غير عذر طمس على قلبه
وَأخرج أَحْمد وَالْحَاكِم عَن أبي قَتَادَة مَرْفُوعا من ترك الْجُمُعَة ثَلَاث مَرَّات من غير ضَرُورَة طبع الله على قلبه
وَأخرج النَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَابْن خُزَيْمَة من حَدِيث جَابر مثله
وَأخرج أَحْمد وَابْن حبَان عَن أبي الْجَعْد الضمرِي قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من ترك الْجُمُعَة ثَلَاثًا من غير عذر فَهُوَ مُنَافِق
وَأخرج أَبُو يعلى والمروزي من طَرِيق مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن سعد بن زُرَارَة عَن عَمه عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سيد الْأَيَّام عِنْد الله يَوْم الْجُمُعَة أعظم من يَوْم النَّحْر وَالْفطر وَفِيه خمس خلال: خلق آدم فِيهِ وَفِيه أهبط من الْجنَّة إِلَى(8/160)
الأَرْض وَتُوفِّي فِيهِ آدم وَفِيه سَاعَة لَا يسْأَل العَبْد فِيهَا ربه إِلَّا أعطَاهُ مَا لم يسْأَل حَرَامًا وَفِيه تقوم السَّاعَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر عَن مَيْمُون بن أبي شُعَيْب قَالَ: أردْت الْجُمُعَة فِي زمن الْحجَّاج فتهيأت للذهاب ثمَّ قلت: أَيْن أذهب أُصَلِّي خلف هَذَا فَقلت مرّة أذهب وَمرَّة لَا أذهب فأجمع رَأْيِي على الذّهاب فناداني منادٍ من جَانب الْبَيْت {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذا نُودي للصَّلَاة من يَوْم الْجُمُعَة فَاسْعَوْا إِلَى ذكر الله}
قَوْله تَعَالَى: {فَاسْعَوْا إِلَى ذكر الله} الْآيَة
أخرج أَبُو عبيد فِي فضائله وَسَعِيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن الْأَنْبَارِي فِي الْمَصَاحِف عَن خَرشَة بن الْحر قَالَ: رأى معي عمر بن الْخطاب لوحاً مَكْتُوبًا فِيهِ {إِذا نُودي للصَّلَاة من يَوْم الْجُمُعَة فَاسْعَوْا إِلَى ذكر الله} فَقَالَ: من أمْلى عَلَيْك هَذَا قلت: أبيّ بن كَعْب
قَالَ: إِن أَبَيَا أقرؤنا للمنسوخ قَرَأَهَا فامضوا إِلَى ذكر الله
وَأخرج عبد بن حميد عَن إِبْرَاهِيم قَالَ: قيل لعمر: إِن أَبَيَا يقْرَأ {فَاسْعَوْا إِلَى ذكر الله} قَالَ عمر: أبيّ أعلمنَا بالمنسوخ وَكَانَ يقْرؤهَا فامضوا إِلَى ذكر الله
وَأخرج الشَّافِعِي فِي الْأُم وَعبد الرَّزَّاق وَالْفِرْيَابِي وَسَعِيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن الْأَنْبَارِي فِي الْمَصَاحِف وَالْبَيْهَقِيّ وَفِي سنَنه عَن ابْن عمر قَالَ: مَا سَمِعت عمر يقْرؤهَا قطّ إِلَّا فامضوا إِلَى ذكر الله
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن الْأَنْبَارِي فِي لَا مصاحف وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن عمر قَالَ: مَا سَمِعت عمر يقْرؤهَا قطّ إِلَّا فامضوا إِلَى ذكر الله
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن ابْن عمر قَالَ: لقد توفّي عمر وَمَا يَقُول هَذِه الْآيَة الَّتِي فِي سُورَة الْجُمُعَة إِلَّا فامضوا إِلَى ذكر الله
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالْفِرْيَابِي وَأَبُو عبيد وَسَعِيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن الْأَنْبَارِي وَالطَّبَرَانِيّ من طرق عَن ابْن مَسْعُود أَنه كَانَ يقْرَأ فامضوا إِلَى ذكر الله قَالَ: وَلَو كَانَت فَاسْعَوْا لسعيت حَتَّى يسْقط رِدَائي(8/161)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالطَّبَرَانِيّ عَن قَتَادَة قَالَ فِي حرف ابْن مَسْعُود: فامضوا إِلَى ذكر الله وَهُوَ كَقَوْلِه: (إِن سعيكم لشتى) (سُورَة اللَّيْل الْآيَة 4)
وَأخرج عبد بن حميد من طَرِيق أبي الْعَالِيَة عَن أبيّ بن كَعْب وَابْن مَسْعُود أَنَّهُمَا كَانَا يقرآن فامضوا إِلَى ذكر الله
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن عبد الله بن الزبير أَنه كَانَ يقرأوها فامضوا إِلَى ذكر الله
وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {فَاسْعَوْا إِلَى ذكر الله} قَالَ: فامضوا
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن أَنه سُئِلَ عَن قَوْله: {فَاسْعَوْا إِلَى ذكر الله} قَالَ: مَا هُوَ بالسعي على الْأَقْدَام وَلَقَد نهوا أَن يَأْتُوا الصَّلَاة إِلَّا وَعَلَيْهِم السكينَة وَالْوَقار وَلَكِن بالقلوب وَالنِّيَّة والخشوع
وَأخرج عبد بن حميد وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {فَاسْعَوْا إِلَى ذكر الله} قَالَ: السَّعْي أَن تسْعَى بلبك وعملك وَهُوَ الْمُضِيّ إِلَيْهَا
قَالَ الله: (فَلَمَّا بلغ مَعَه السَّعْي) (سُورَة الصافات الْآيَة 102) قَالَ: لما مَشى مَعَ أَبِيه
وَأخرج عبد بن حميد عَن ثَابت قَالَ: كُنَّا مَعَ أنس بن مَالك يَوْم الْجُمُعَة فَسمع النداء بِالصَّلَاةِ فَقَالَ: قُم لنسعى إِلَيْهَا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن عَطاء فِي قَوْله: {فَاسْعَوْا إِلَى ذكر الله} قَالَ: الذّهاب وَالْمَشْي
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي الْآيَة قَالَ: إِنَّمَا السَّعْي الْعَمَل وَلَيْسَ السَّعْي على الْأَقْدَام
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر عَن مُحَمَّد بن كَعْب قَالَ: السَّعْي الْعَمَل
وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن عَبَّاس وَعِكْرِمَة مثله
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن عبد الله بن الصَّامِت قَالَ: خرجت إِلَى الْمَسْجِد يَوْم الْجُمُعَة فَلَقِيت أَبَا ذَر فَبينا أَنا أَمْشِي إِذا سَمِعت النداء فَرفعت فِي الْمَشْي لقَوْل الله: {إِذا نُودي للصَّلَاة من يَوْم الْجُمُعَة فَاسْعَوْا إِلَى ذكر الله} فجذبني جذبة فَقَالَ: أولسنا فِي سعي(8/162)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن سعيد بن الْمسيب فِي قَوْله: {فَاسْعَوْا إِلَى ذكر الله} قَالَ: موعظة الإِمَام
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: حرمت التِّجَارَة يَوْم الْجُمُعَة مَا بَين الْأَذَان الأول إِلَى الإِقامة إِلَى انصراف الإِمام لِأَن الله يَقُول: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذا نُودي للصَّلَاة من يَوْم الْجُمُعَة فَاسْعَوْا إِلَى ذكر} إِلَى {وذروا البيع}
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُحَمَّد بن كَعْب أَن رجلَيْنِ من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَا يَخْتَلِفَانِ فِي تجارتهما إِلَى الشَّام فَرُبمَا قدما يَوْم الْجُمُعَة وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يخْطب فيدعونه ويقومون فِيمَا هم إِلَّا بيعا حَتَّى تُقَام الصَّلَاة فَأنْزل الله {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذا نُودي للصَّلَاة من يَوْم الْجُمُعَة فَاسْعَوْا إِلَى ذكر الله وذروا البيع} قَالَ: فَحرم عَلَيْهِم مَا كَانَ قبل ذَلِك
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن الزُّهْرِيّ قَالَ: الْأَذَان الَّذِي يحرم فِيهِ البيع هُوَ الْأَذَان الَّذِي عِنْد خُرُوج الإِمام
قَالَ: وَأرى أَن يتْرك البيع الْآن عِنْد الْأَذَان الأول
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة قَالَ: إِذا نُودي للصَّلَاة من يَوْم الْجُمُعَة حرم الشِّرَاء وَالْبيع
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد عَن الضَّحَّاك قَالَ: إِذا زَالَت الشمش من يَوْم الْجُمُعَة حرم البيع وَالتِّجَارَة حَتَّى تقضى الصَّلَاة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عَطاء وَالْحسن أَنَّهُمَا قَالَا: ذَلِك
وَأخرج عبد بن حميد عَن أَيُّوب قَالَ: لأهل الْمَدِينَة سَاعَة يَوْم الْجُمُعَة ينادون: حرم البيع وَذَلِكَ عِنْد خُرُوج الإِمام
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مَيْمُون بن مهْرَان قَالَ: كَانَ بِالْمَدِينَةِ إِذا أذن الْمُؤَذّن من يَوْم الْجُمُعَة ينادون فِي الْأَسْوَاق: حرم البيع حرم البيع
وَأخرج عبد بن حميد عَن عبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم أَن الْقَاسِم دخل على أَهله فِي يَوْم الْجُمُعَة وَعِنْدهم عطار يبايعونه فاشتروا مِنْهُ وَخرج الْقَاسِم إِلَى الْجُمُعَة فَوجدَ الإِمام قد خرج فَأَمرهمْ أَن يناقضوه البيع(8/163)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد قَالَ: من بَاعَ شَيْئا بعد الزَّوَال يَوْم الْجُمُعَة فَإِن بَيْعه مَرْدُود لِأَن الله تَعَالَى نهى عَن البيع إِذا نُودي للصَّلَاة من يَوْم الْجُمُعَة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج قَالَ: قلت لعطاء: هَل تعلم من شَيْء يحرم إِذا أذن بِالْأولَى سوى البيع قَالَ عَطاء: إِذا نُودي بِالْأولَى حرم اللَّهْو وَالْبيع والصناعات كلهَا هِيَ بمنزلت البيع والرقاد وَأَن يَأْتِي الرجل أَهله وَأَن يكْتب كتابا قلت: إِذا نُودي بِالْأولَى وَجب الرواح حِينَئِذٍ قَالَ: نعم
قلت: من أجل قَوْله إِذا نُودي للصَّلَاة من يَوْم الْجُمُعَة قَالَ: نعم فَليدع حِينَئِذٍ كل شَيْء وليرح
أخرج أَبُو عبيد وَابْن الْمُنْذر وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن عبد الله بن بسر الْحَرَّانِي قَالَ: رَأَيْت عبد الله بن بشر الْمَازِني صَاحب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا صلى الْجُمُعَة خرج فدار فِي السُّوق سَاعَة ثمَّ رَجَعَ إِلَى الْمَسْجِد فصلى مَا شَاءَ الله أَن يُصَلِّي فَقيل لَهُ: لأي شَيْء تصنع هَذَا قَالَ: لِأَنِّي رَأَيْت سيد الْمُرْسلين هَكَذَا يصنع وتلا هَذِه الْآيَة {فَإِذا قضيت الصَّلَاة فَانْتَشرُوا فِي الأَرْض وابتغوا من فضل الله}
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: إِذا انصرفت يَوْم الْجُمُعَة فَاخْرُج إِلَى بَاب الْمَسْجِد فساوم بالشَّيْء وَإِن لم تشتره
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الْوَلِيد بن رَبَاح أَن أَبَا هُرَيْرَة كَانَ يُصَلِّي بِالنَّاسِ الْجُمُعَة فَإِذا سلم صَاح {فَإِذا قضيت الصَّلَاة فَانْتَشرُوا فِي الأَرْض وابتغوا من فضل الله واذْكُرُوا الله} فيبتدر النَّاس الْأَبْوَاب
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن مُجَاهِد وَعَطَاء {فَإِذا قضيت الصَّلَاة فَانْتَشرُوا فِي الأَرْض} قَالَا: إِن شَاءَ فعل وَإِن شَاءَ لم يفعل
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله: {فَإِذا قضيت الصَّلَاة فَانْتَشرُوا فِي الأَرْض} قَالَ: هُوَ إِذن من الله فَإِذا فرغ فَإِن شَاءَ خرج وَإِن شَاءَ قعد فِي الْمَسْجِد
وَأخرج ابْن جرير عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله: {فَإِذا قضيت الصَّلَاة فَانْتَشرُوا فِي الأَرْض وابتغوا من فضل الله} قَالَ: لَيْسَ لطلب دنيا وَلَكِن عبَادَة مَرِيض وَحُضُور جَنَازَة وزيارة أَخ فِي الله(8/164)
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {فَإِذا قضيت الصَّلَاة فَانْتَشرُوا فِي الأَرْض وابتغوا من فضل الله} قَالَ: لم يؤمروا بِشَيْء من طلب الدُّنْيَا إِنَّمَا هُوَ عِيَادَة مَرِيض وَحُضُور جَنَازَة وزيارة أَخ فِي الله
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن أبي أُمَامَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: من صلى الْجُمُعَة فصَام يَوْمه وَعَاد مَرِيضا وَشهد جَنَازَة وَشهد نِكَاحا وَجَبت لَهُ الْجنَّة
قَوْله تَعَالَى: {وَإِذا رَأَوْا تِجَارَة} الْآيَة
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن سعد وَابْن أبي شيبَة وَأحمد وَعبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه من طرق عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: بَيْنَمَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يخْطب يَوْم الْجُمُعَة قَائِما إِذا قدمت عير الْمَدِينَة فَابْتَدَرَهَا أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى لم يبْق مِنْهُم إِلَّا اثْنَا عشر رجلا أَنا فيهم وَأَبُو بكر وَعمر فَأنْزل الله {وَإِذا رَأَوْا تِجَارَة أَو لهواً انْفَضُّوا إِلَيْهَا} إِلَى آخر السُّورَة
وَأخرج الْبَزَّار عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يخْطب يَوْم الْجُمُعَة فَقدم دحْيَة بن خَليفَة يَبِيع سلْعَة لَهُ فَمَا بَقِي فِي الْمَسْجِد أحد إِلَّا نفر وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَائِم فَأنْزل الله {وَإِذا رَأَوْا تِجَارَة أَو لهواً انْفَضُّوا إِلَيْهَا} الْآيَة
وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وَإِذا رَأَوْا تِجَارَة أَو لهواً انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوك قَائِما} قَالَ: قدم دحْيَة الْكَلْبِيّ بِتِجَارَة فَخَرجُوا ينظرُونَ إِلَّا سَبْعَة نفر
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وَإِذا رَأَوْا تِجَارَة أَو لهواً انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوك قَائِما} قَالَ: جَاءَت عير عبد الرَّحْمَن بن عَوْف تحمل الطَّعَام فَخَرجُوا من الْجُمُعَة بَعضهم يُرِيد أَن يَشْتَرِي وَبَعْضهمْ يُرِيد أَن ينظر إِلَى دحْيَة وَتركُوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَائِما على الْمِنْبَر وَبَقِي فِي الْمَسْجِد اثْنَا عشر رجلا وَسبع نسْوَة فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَو خَرجُوا كلهم لاضطرم الْمَسْجِد عَلَيْهِم نَارا
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قدمت عير الْمَدِينَة يَوْم الْجُمُعَة وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَائِم على الْمِنْبَر يخْطب فانفض أَكثر من كَانَ فِي الْمَسْجِد فَأنْزل الله فِي هَذِه الْآيَة {وَإِذا رَأَوْا تِجَارَة أَو لهواً انْفَضُّوا إِلَيْهَا}
وَأخرج أَبُو دَاوُد فِي مراسيله عَن مقَاتل بن حَيَّان قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم(8/165)
يُصَلِّي الْجُمُعَة قبل الْخطْبَة مثل الْعِيدَيْنِ حَتَّى كَانَ يَوْم الْجُمُعَة وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يخْطب وَقد صلى الْجُمُعَة فَدخل رجل فَقَالَ: إِن دحْيَة بن خَليفَة قد قدم بِتِجَارَة وَكَانَ دحْيَة إِذا قدم تَلقاهُ أَهله بالدفاف فَخرج النَّاس وَلم يَظُنُّوا إِلَّا أَنه لَيْسَ فِي ترك الْخطْبَة شَيْء فَأنْزل الله {وَإِذا رَأَوْا تِجَارَة أَو لهواً انْفَضُّوا إِلَيْهَا} فَقدم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْخطْبَة يَوْم الْجُمُعَة وَأخر الصَّلَاة
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن مقَاتل بن حَيَّان قَالَ: كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يخْطب يَوْم الْجُمُعَة وَيقوم قَائِما وَإِن دحْيَة الْكَلْبِيّ كَانَ رجلا تَاجِرًا وَكَانَ قبل أَن يسلم: قدم بتجارته إِلَى الْمَدِينَة خرج النَّاس ينظرُونَ إِلَى مَا جَاءَ بِهِ ويشترون مِنْهُ فَقدم ذَات يَوْم وَوَافَقَ الْجُمُعَة وَالنَّاس عِنْد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْمَسْجِد وَهُوَ قَائِم يخْطب فَاسْتقْبل أهل دحْيَة العير حِين دخل الْمَدِينَة بالطبل وَاللَّهْو فَذَلِك اللَّهْو الَّذِي ذكر الله فَسمع النَّاس فِي الْمَسْجِد أَن دحْيَة قد نزل بِتِجَارَة عِنْد أَحْجَار الزَّيْت وَهُوَ مَكَان فِي سوق الْمَدِينَة وسمعوا أصواتاً فَخرج عَامَّة النَّاس إِلَى دحْيَة ينظرُونَ إِلَى تِجَارَته وَإِلَى اللَّهْو وَتركُوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَائِما لَيْسَ مَعَه كَبِير عدَّة أحد فبلغني وَالله أعلم أَنهم فعلوا ذَلِك ثَلَاث مَرَّات وبلغنا أَن الْعدة الَّتِي بقيت فِي الْمَسْجِد مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عدَّة قَليلَة فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عِنْد ذَلِك: لَوْلَا هَؤُلَاءِ يَعْنِي الَّذين بقوا فِي الْمَسْجِد عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لقصدت إِلَيْهِم الْحِجَارَة من السَّمَاء وَنزل {قل مَا عِنْد الله خير من اللَّهْو وَمن التِّجَارَة وَالله خير الرازقين}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن جَابر بن عبد الله رَضِي الله عَنهُ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يخْطب النَّاس يَوْم الْجُمُعَة فَإِذا كَانَ نِكَاح لعب أَهله وعزفوا ومروا باللهو على الْمَسْجِد وَإِذا نزل بالبطحاء جلب قَالَ: وَكَانَت الْبَطْحَاء مَجْلِسا بِفنَاء الْمَسْجِد الَّذِي يَلِي بَقِيع الْغَرْقَد وَكَانَت الْأَعْرَاب إِذا جلبوا الْخَيل والإِبل وَالْغنم وبضائع الْأَعْرَاب نزلُوا الْبَطْحَاء فَإِذا سمع ذَلِك من يقْعد للخطبة قَامُوا للهو وَالتِّجَارَة وتركوه قَائِما فعاتب الله الْمُؤمنِينَ لنَبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: {وَإِذا رَأَوْا تِجَارَة أَو لهواً انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوك قَائِما}
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {وَإِذا رَأَوْا تِجَارَة أَو لهواً انْفَضُّوا إِلَيْهَا} قَالَ: رجال يقومُونَ إِلَى نواضحهم وَإِلَى السّفر يقدمُونَ يَبْتَغُونَ التِّجَارَة وَاللَّهْو
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن قَالَ: بَينا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يخْطب يَوْم الْجُمُعَة(8/166)
إِذْ قدمت عير الْمَدِينَة فَانْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتركُوا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلم يبْق مَعَه إِلَّا رَهْط مِنْهُم أَبُو بكر وَعمر فَنزلت هَذِه الْآيَة فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لَو تَتَابَعْتُمْ حَتَّى لَا يبْقى معي أحد مِنْكُم لَسَالَ بكم الْوَادي نَارا
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة قَالَ: ذكر لنا أَن نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَامَ يَوْم الْجُمُعَة فخطبهم ووعظهم وَذكرهمْ فَقيل: جَاءَت عير فَجعلُوا يقومُونَ حَتَّى بقيت عِصَابَة مِنْهُم فَقَالَ: كم أَنْتُم فعدوا أَنفسكُم فَإِذا اثْنَا عشر رجلا وَامْرَأَة ثمَّ قَامَ الْجُمُعَة الثَّانِيَة فخطبهم ووعظهم وَذكرهمْ فَقيل: جَاءَت عير فَجعلُوا يقومُونَ حَتَّى بقيت عِصَابَة مِنْهُم فَقَالَ: كم أَنْتُم فعدوا أَنفسكُم فَإِذا اثْنَا عشر رجلا وَامْرَأَة فَقَالَ: وَالَّذِي نفس مُحَمَّد بِيَدِهِ لَو أتبع آخركم أولكم لَالْتَهَبَ الْوَادي عَلَيْكُم نَارا وَأنزل الله فِيهَا {وَإِذا رَأَوْا تِجَارَة} الْآيَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {أَو لهواً} قَالَ: هُوَ الضَّرْب الطبل
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان قَالَ: بَينا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يخْطب النَّاس يَوْم الْجُمُعَة أقبل شَاءَ وَشَيْء من سمن فَجعل النَّاس يقومُونَ إِلَيْهِ حَتَّى لم يبْق إِلَّا قَلِيل فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَو تَتَابَعْتُمْ لتأجج الْوَادي نَارا
وَأخرج ان أبي شيبَة وَابْن ماجة وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن مَسْعُود أَنه سُئِلَ: أَكَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يخْطب قَائِما أَو قَاعِدا قَالَ: أما تقْرَأ {وَتَرَكُوك قَائِما}
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَمُسلم وَابْن مرديه وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن كَعْب بن عجْرَة أَنه دخل الْمَسْجِد وَعبد الرَّحْمَن بن أم الحكم يخْطب قَاعِدا فَقَالَ: انْظُرُوا إِلَى هَذَا الْخَبيث يخْطب قَاعِدا وَقد قَالَ الله: {وَتَرَكُوك قَائِما}
وَأخرج أَحْمد وَابْن ماجة وان مرْدَوَيْه عَن جَابر بن سَمُرَة قَالَ: كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يخْطب قَائِما
وَأخرج أَحْمد وَابْن أبي شيبَة وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة عَن جَابر بن سَمُرَة قَالَ: كَانَت لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خطبتان يجلس بَينهمَا يقْرَأ الْقُرْآن وَيذكر النَّاس
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة عَن ابْن عمر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يخْطب خطبتين يجلس بَينهمَا(8/167)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يخْطب يَوْم الْجُمُعَة قَائِما ثمَّ يقْعد ثمَّ يقوم فيخطب
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن سِيرِين أَنه سُئِلَ عَن خطْبَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم الْجُمُعَة فَقَرَأَ {وَتَرَكُوك قَائِما}
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عَمْرو بن مرّة قَالَ: سَأَلت أَبَا عُبَيْدَة رَضِي الله عَنهُ عَن الْخطْبَة يَوْم الْجُمُعَة فَقَرَأَ {وَتَرَكُوك قَائِما}
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن طَاوُوس قَالَ: خطب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَائِما وَأَبُو بكر وَعمر وَعُثْمَان وَإِن أوّل من جلس على الْمِنْبَر مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن طَاوُوس قَالَ: الْجُلُوس على الْمِنْبَر يَوْم الْجُمُعَة بِدعَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الشّعبِيّ قَالَ: إِنَّمَا خطب مُعَاوِيَة قَاعِدا حِين كثر شَحم بَطْنه ولحمه
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الشّعبِيّ قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا صعد الْمِنْبَر يَوْم الْجُمُعَة اسْتقْبل النَّاس بِوَجْهِهِ الْكَرِيم فَقَالَ: السَّلَام عَلَيْكُم ويحمد الله ويثني عَلَيْهِ وَيقْرَأ سُورَة ثمَّ يجلس ثمَّ يقوم فيخطب ثمَّ ينزل وَكَانَ أَبُو بكر وَعمر يفعلانه
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن جَابر بن سَمُرَة قَالَ: كَانَت خطْبَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قصراً وَصلَاته قصراً
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن مَكْحُول قَالَ: إِنَّمَا قصرت صَلَاة الْجُمُعَة من أجل الْخطْبَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن سِيرِين أَنه سُئِلَ عَن خطْبَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم الْجُمُعَة فَقَرَأَ {وَتَرَكُوك قَائِما}
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي شعب الإِيمان والديلمي عَن الْحسن الْبَصْرِيّ قَالَ: طلبت خطب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْجُمُعَة فأعيتني فلزمت رجلا من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَسَأَلته عَن ذَلِك فَقَالَ: كَانَ يخْطب فَيَقُول فِي خطبَته يَوْم الْجُمُعَة: يَا أَيهَا النَّاس إِن لكم علما فَانْتَهوا إِلَى علمكُم وَإِن لكم نِهَايَة فَانْتَهوا إِلَى نهايتكم فَإِن الْمُؤمن بَين مخافتين بَين أجل قد مضى لَا يدْرِي كَيفَ صنع الله فِيهِ وَبَين أجل قد بَقِي لَا يدْرِي كَيفَ الله بصانع فِيهِ فليتزوّد الْمُؤمن من نَفسه لنَفسِهِ وَمن دُنْيَاهُ لآخرته(8/168)
وَمن الشَّبَاب قبل الْهَرم وَمن الصِّحَّة قبل السقم فَإِنَّكُم خلقْتُمْ للآخرة وَالدُّنْيَا خلقت لكم وَالَّذِي نفس مُحَمَّد بِيَدِهِ مَا بعد الْمَوْت من مستعتب وَمَا بعد الدُّنْيَا دَار إِلَّا الْجنَّة وَالنَّار وَأَسْتَغْفِر الله لي وَلكم
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن ابْن شهَاب قَالَ: بلغنَا عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه كَانَ يَقُول إِذا خطب: كل مَا هُوَ آتٍ قريب لَا بعد لما هُوَ آتٍ لَا يعجل الله لعجلة أحد وَلَا يخف لأمر النَّاس مَا شَاءَ الله لَا مَا شَاءَ النَّاس يُرِيد النَّاس أمرا وَيُرِيد الله أمرا وَمَا شَاءَ الله كَانَ وَلَو كره النَّاس لامبعد لما قرب الله وَلَا مقرب لما بعد الله وَلَا يكون شَيْء إِلَّا بِإِذن الله(8/169)
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
63
سُورَة المُنَافِقُونَ
مَدَنِيَّة وآياتها إِحْدَى عشرَة
مُقَدّمَة السُّورَة أخرج ابْن الضريس والنحاس وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: نزلت سُورَة الْمُنَافِقين بِالْمَدِينَةِ
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن الزبير مثله
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط بِسَنَد حسن عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقْرَأ فِي صَلَاة الْجُمُعَة فيحرض بهَا الْمُؤمنِينَ وَفِي الثَّانِيَة سُورَة الْمُنَافِقين فيقرع بهَا الْمُنَافِقين
وَأخرج الْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ عَن أبي عُيَيْنَة الْخَولَانِيّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه كَانَ يقْرَأ فِي صَلَاة الْجُمُعَة بِسُورَة الْجُمُعَة وَالسورَة الَّتِي يذكر فِيهَا المُنَافِقُونَ وَالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أعلم
الْآيَة 1 - 4(8/170)
إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ (1) اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (2) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ (3) وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (4)
أخرج ابْن سعد وَأحمد وَعبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن زيد بن أَرقم قَالَ: خرجنَا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي سفر فَأصَاب النَّاس شدّة فَقَالَ عبد الله بن أبيّ لأَصْحَابه: لَا تنفقوا على من عِنْد رَسُول الله حَتَّى يَنْفضوا من حوله وَقَالَ: لَئِن رَجعْنَا إِلَى الْمَدِينَة ليخرجن الْأَعَز مِنْهَا الْأَذَل فَأتيت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَخْبَرته بذلك فَأرْسل إِلَى عبد الله بن أبيّ فَسَأَلَهُ فاجتهد يَمِينه مَا فعل فَقَالُوا: كذب زيد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَوَقع فِي نَفسِي مِمَّا قَالُوا شدَّة حَتَّى أنزل الله تصديقي فِي {إِذا جَاءَك المُنَافِقُونَ} فَدَعَاهُمْ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ليَسْتَغْفِر لَهُم فلووا رؤوسهم وَهُوَ قَوْله: {خشب مُسندَة} قَالَ: كَانُوا رجَالًا أجمل شَيْء
وَأخرج ابْن سعد وَعبد بن حميد وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَابْن الْمُنْذر وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل وَابْن عَسَاكِر عَن زيد بن أَرقم قَالَ: غزونا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَانَ مَعنا نَاس من الْأَعْرَاب فَكُنَّا نَبْتَدِر المَاء وَكَانَ الْأَعْرَاب يسبقونا إِلَيْهِ فَيَسْبق الْأَعرَابِي أَصْحَابه فَيمْلَأ الْحَوْض وَيجْعَل حوله حِجَارَة وَيجْعَل النطع عَلَيْهِ حَتَّى يَجِيء أَصْحَابه فَأتى من الْأَنْصَار أَعْرَابِيًا فَأرْخى زِمَام نَاقَته لتشرب فَأبى أَن يَدعه فَانْتزع حجرا فغاض المَاء فَرفع الْأَعرَابِي خَشَبَة فَضرب بهَا رَأس الْأنْصَارِيّ فَشَجَّهُ فَأتى عبد الله بن أبيّ رَأس الْمُنَافِقين فَأخْبرهُ وَكَانَ من أَصْحَابه فَغَضب وَقَالَ: لَا تنفقوا على من عِنْد رَسُول الله حَتَّى ينفض من حوله يَعْنِي الْأَعْرَاب وَكَانُوا يحْضرُون رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عِنْد الطَّعَام وَقَالَ عبد الله لأَصْحَابه: إِذا انْفَضُّوا من عِنْد مُحَمَّد فائتوا مُحَمَّدًا بِالطَّعَامِ فَليَأْكُل هُوَ وَمن عِنْده ثمَّ قَالَ لأَصْحَابه: إِذا رجعتم إِلَى الْمَدِينَة فَليخْرجْ الْأَعَز مِنْهَا الْأَذَل قَالَ زيد: وَأَنا ردف عمي فَسمِعت وَكُنَّا أَخْوَاله عبد الله فَأخْبرت عمي فَانْطَلق فَأخْبر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأرْسل إِلَيْهِ رَسُول الله فَحلف وَجحد فَصدقهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَذبَنِي فجَاء إِلَى عمي فَقَالَ: مَا أردْت إِلَى أَن مَقَتك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَذبَك وَكَذبَك الْمُسلمُونَ فَوَقع عليّ من الْهم مَا لم يَقع على أحد قطّ فَبَيْنَمَا أَنا أَسِير وَقد خَفَقت برأسي من الْهم إِذا آتَانِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَعَرَكَ أُذُنِي وَضحك فِي وَجْهي فَمَا كَانَ يسرني أَن لي بهَا الْخلد أَو الدُّنْيَا ثمَّ إِن أَبَا بكر لَحِقَنِي فَقَالَ: مَا قَالَ لَك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قلت: مَا قَالَ لي شَيْئا إِلَّا أَنه عَرَكَ أُذُنِي(8/171)
وَضحك فِي وَجْهي فَقَالَ: اُبْشُرْ ثمَّ لَحِقَنِي عمر فَقلت لَهُ مثل قولي لأبي بكر فَلَمَّا أَصْبَحْنَا قَرَأَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {إِذا جَاءَك المُنَافِقُونَ قَالُوا نشْهد إِنَّك لرَسُول الله} حَتَّى بلغ {ليخرجن الْأَعَز مِنْهَا الْأَذَل}
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن زيد بن أَرقم قَالَ: لما قَالَ عبد الله بن أبيّ مَا قَالَ: لَا تنفقوا على من عِنْد رَسُول الله حَتَّى يَنْفضوا وَقَالَ: لَئِن رَجعْنَا إِلَى الْمَدِينَة ليخرجن الْأَعَز مِنْهَا الْأَذَل سمعته فَأتيت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذكرت ذَلِك لَهُ فلامني نَاس من الْأَنْصَار وجاءهم يحلف مَا قَالَ ذَلِك فَرَجَعت إِلَى الْمنزل فَنمت فَأَتَانِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: إِن الله صدقك وعذرك فأنزلت هَذِه الْآيَة {هم الَّذين يَقُولُونَ لَا تنفقوا على من عِنْد رَسُول الله} الْآيَتَيْنِ
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن زيد بن أَرقم قَالَ: لما قَالَ ابْن أبيّ مَا قَالَ أتيت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَخْبَرته فجَاء فَحلف مَا قَالَ فَجعل نَاس يَقُولُونَ: جَاءَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْكَذِبِ حَتَّى جَلَست فِي الْبَيْت مَخَافَة إِذا رأوني قَالُوا: هَذَا الَّذِي يكذب حَتَّى أنزل الله {هم الَّذين يَقُولُونَ} الْآيَة
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن زيد بن أَرقم قَالَ: كنت جَالِسا مَعَ عبد الله بن أبيّ فَمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي نَاس من أَصْحَابه فَقَالَ عبد الله بن أبيّ: لَئِن رَجعْنَا إِلَى الْمَدِينَة ليخرجن الْأَعَز مِنْهَا الْأَذَل فَأتيت سعد بن عبَادَة فَأَخْبَرته فَأتى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذكر ذَلِك لَهُ فَأرْسل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى عبد الله بن أبيّ فَحلف لَهُ عبد الله بن أُبيّ بِاللَّه مَا تكلم بِهَذَا فَنظر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى سعد بن عبَادَة فَقَالَ سعد: يَا رَسُول الله إِنَّمَا أخبرنيه الْغُلَام زيد بن أَرقم فجَاء سعد فَأخذ بيَدي فَانْطَلق بِي فَقَالَ: هَذَا حَدثنِي فَانْتَهرنِي عبد الله بن أبيّ فانتهيت إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وبكيت وَقلت: أَي وَالَّذِي أنزل النُّور عَلَيْك لقد قَالَه وَانْصَرف عَنهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأنْزل الله {إِذا جَاءَك المُنَافِقُونَ} إِلَى آخر السُّورَة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: إِنَّمَا سماهم الله منافقين لأَنهم كتموالشرك وأظهروا الإِيمان
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {اتَّخذُوا أَيْمَانهم جنَّة} قَالَ: حلفهم بِاللَّه إِنَّهُم لمنكم اجنوا بأيمانهم من الْقَتْل وَالْحَرب(8/172)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {اتَّخذُوا أَيْمَانهم جنَّة} قَالَ: اتَّخذُوا حلفهم جنَّة ليعصموا بهَا دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالهمْ
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا سَافر كَانَ مَعَ كل رجل من أَغْنِيَاء الْمُؤمنِينَ رجل من الْفُقَرَاء يحمل لَهُ زَاده وماءه فَكَانُوا إِذا دنوا من المَاء تقدم الْفُقَرَاء فاستقوا لأصحابهم فسبقهم أَصْحَاب عبد الله بن أبيّ فَأَبَوا أَن يخلوا عَن الْمُؤمنِينَ فحصرهم الْمُؤْمِنُونَ فَلَمَّا جَاءَ عبد الله بن أُبيّ نظر إِلَى أَصْحَابه فَقَالَ: وَالله لَئِن رَجعْنَا إِلَى الْمَدِينَة ليخرجن الْأَعَز مِنْهَا الْأَذَل وَقَالَ: امسكوا عَنْهُم البيع لَا تبايعوهم فَسمع زيد بن أَرقم قَول ابْن أبيّ: لَئِن رَجعْنَا إِلَى الْمَدِينَة وَقَوله: لَا تنفقوا على من عِنْد رَسُول الله فَأخْبر عَمه فَأخْبر عَمه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَدَعَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ابْن أبيّ وَأَصْحَابه فَعجب من صورته وجماله وَهُوَ يمشي إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذَلِك قَوْله: {وَإِذا رَأَيْتهمْ تعجبك أجسامهم وَإِن يَقُولُوا تسمع لقَولهم كَأَنَّهُمْ خشب مُسندَة} فَعرفهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا أخبرهُ حلف مَا قَالَه فَذَلِك قَوْله: {اتَّخذُوا أَيْمَانهم جنَّة} {قَالُوا نشْهد إِنَّك لرَسُول الله} وَذَلِكَ قَوْله: {إِذا جَاءَك المُنَافِقُونَ قَالُوا نشْهد إِنَّك لرَسُول الله} وكل شَيْء أنزلهُ فِي الْمُنَافِقين فَإِنَّمَا أَرَادَ عبد الله ابْن أبيّ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {ذَلِك بِأَنَّهُم آمنُوا ثمَّ كفرُوا فطبع على قُلُوبهم} قَالَ: أقرُّوا بِلَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّد رَسُول الله وَقُلُوبهمْ تأبى ذَلِك
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {كَأَنَّهُمْ خشب مُسندَة} قَالَ: نخل قيام
الْآيَة 5 - 8(8/173)
وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ (5) سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (6) هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ (7) يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ (8)
أخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا نزل منزلا فِي السّفر لم يرتحل مِنْهُ حَتَّى يُصَلِّي فِيهِ فَلَمَّا كَانَ غَزْوَة تَبُوك نزل منزلا فَقَالَ عبد الله بن أبيّ: لَئِن رَجعْنَا إِلَى الْمَدِينَة ليخرجن الْأَعَز مِنْهَا الْأَذَل فَبلغ ذَلِك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فارتحل وَلم يصل فَذكرُوا ذَلِك فَذكر قصَّة ابْن أبيّ وَنزل الْقُرْآن {إِذا جَاءَك المُنَافِقُونَ قَالُوا نشْهد إِنَّك لرَسُول الله وَالله يعلم إِنَّك لرَسُوله} وَجَاء عبد الله بن أبي إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَجعل يعْتَذر وَيحلف مَا قَالَ وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول لَهُ: تب فَجعل يلوي رَأسه فَأنْزل الله عز وَجل {وَإِذا قيل لَهُم تَعَالَوْا يسْتَغْفر لكم رَسُول الله لووا رؤوسهم} الْآيَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد {وَإِذا قيل لَهُم تَعَالَوْا يسْتَغْفر لكم رَسُول الله لووا رؤوسهم} قَالَ: عبد الله بن أبيّ بن سلول قيل لَهُ: تعال يسْتَغْفر لَك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلوى رَأسه وَقَالَ: مَاذَا قلت
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله: {وَإِذا قيل لَهُم تَعَالَوْا يسْتَغْفر لكم رَسُول الله لووا رؤوسهم} قَالَ: حركوها استهزاء
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي الْآيَة قَالَ: نزلت فِي عبد الله بن أبيّ وَذَلِكَ أَن غُلَاما من قرَابَته انْطلق إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِحَدِيث وَتَكْذيب شَدِيد فَدَعَاهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِذا هُوَ يحلف ويتبرأ من ذَلِك وَأَقْبَلت الْأَنْصَار على ذَلِك الْغُلَام فلاموه وعذلوه وَقيل لعبد الله رَضِي الله عَنهُ: لَو أتيت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَاسْتَغْفر لَك فَجعل يلوي رَأسه وَيَقُول: لست فَاعِلا وَكذب عَليّ فَأنْزل الله مَا تَسْمَعُونَ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر من طَرِيق الحكم عَن عِكْرِمَة أَن عبد الله بن أبيّ بن سلول كَانَ لَهُ ابْن يُقَال لَهُ حباب فَسَماهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عبد الله فَقَالَ يَا رَسُول الله: إِن وَالِدي يُؤْذِي الله وَرَسُوله فذرني حَتَّى أَقتلهُ فَقَالَ لَهُ رَسُول الله(8/174)
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا تقتل أَبَاك ثمَّ جَاءَهُ أَيْضا فَقَالَ لَهُ: يَا رَسُول الله إِن وَالِدي يُؤْذِي الله وَرَسُوله فذرني حَتَّى أَقتلهُ فَقَالَ لَهُ رسو ل الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا تقتل أَبَاك ثمَّ جَاءَهُ أَيْضا فَقَالَ: يَا رَسُول الله إِن وَالِدي يُؤْذِي الله وَرَسُوله فذرني أَقتلهُ فَقَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا تقتل أَبَاك فَقَالَ: يَا رَسُول الله فذرني حَتَّى أسقيه من وضوئك لَعَلَّ قلبه يلين فَتَوَضَّأ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَعْطَاهُ فَذهب بِهِ إِلَى أَبِيه فَسَقَاهُ ثمَّ قَالَ لَهُ: هَل تَدْرِي مَا سقيتك قَالَ لَهُ وَالِده: سقيتني بَوْل أمك فَقَالَ لَهُ ابْنه: وَالله وَلَكِن سقيتك وضوء رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ عِكْرِمَة: وَكَانَ عبد الله بن أبيّ عَظِيم الشَّأْن وَفِيه أنزلت هَذِه الْآيَة فِي الْمُنَافِقين هم الَّذين يَقُولُونَ لَا تنفقوا على من عِنْد رَسُول الله حَتَّى يَنْفضوا وَهُوَ الَّذِي قَالَ: لَئِن رَجعْنَا إِلَى الْمَدِينَة ليخرجن الْأَعَز مِنْهَا الْأَذَل قَالَ الحكم: ثمَّ حَدثنِي بشر بن مُسلم أَنه قيل لَهُ: يَا أَبَا حباب إِنَّه قد نزل فِيك آي شَدَّاد فَاذْهَبْ إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يسْتَغْفر لَك فَلوى رَأسه ثمَّ قَالَ: أَمرْتُمُونِي أَن أومن فقد آمَنت وَأَمَرْتُمُونِي أَن أعطي زَكَاة مَالِي فقد أَعْطَيْت فَمَا بَقِي إِلَّا أَن أَسجد لمُحَمد
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن الزُّهْرِيّ قَالَ: كَانَ لعبد الله بن أبيّ مقَام يقومه كل جُمُعَة لَا يتْركهُ شرفاً لَهُ فِي نَفسه وَفِي قومه فَكَانَ إِذا جلس رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم الْجُمُعَة يخْطب قَامَ فَقَالَ: أَيهَا النَّاس هَذَا رسو ل الله بَين أظْهركُم أكْرمكُم الله بِهِ وأعزكم بِهِ فانصروه وعزروه واسمعوا لَهُ وَأَطيعُوا ثمَّ يجلس فَلَمَّا قدم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أحد وصنع الْمُنَافِق مَا صنع فِي أحد فَقَامَ يفعل كَمَا كَانَ يفعل فَأخذ الْمُسلمُونَ بثيابه من نواحيه وَقَالُوا: اجْلِسْ يَا عَدو الله لست لهَذَا الْمقَام بِأَهْل
قد صنعت مَا صنعت
فَخرج يتخطى رِقَاب النَّاس وَهُوَ يَقُول: وَالله لكَأَنِّي قلت هجراً أَن قُمْت أسدد أمره فَقَالَ لَهُ رجل: وَيحك ارْجع يسْتَغْفر لَك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ الْمُنَافِق: وَالله لَا أبغي أَن يسْتَغْفر لي
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لما نزلت آيَة بَرَاءَة {اسْتغْفر لَهُم أَو لَا تستغفر لَهُم} ) (سُورَة التَّوْبَة الْآيَة 80) قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: اسْمَع رَبِّي (قدر خص) قد رخص لي فيهم فوَاللَّه لأَسْتَغْفِرَن أَكثر من سبعين مرّة لَعَلَّ الله أَن يغْفر لَهُم فَنزلت {سَوَاء عَلَيْهِم أَسْتَغْفَرْت لَهُم أم لم تستغفر لَهُم لن يغْفر الله لَهُم}(8/175)
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عُرْوَة قَالَ: لما نزلت (اسْتغْفر لَهُم أَو لَا تستغفر لَهُم إِن تستغفر لَهُم سبعين مرّة فَلَنْ يغْفر الله لَهُم) (سُورَة التَّوْبَة 84) قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لأزيدن على السّبْعين فَأنْزل الله {سَوَاء عَلَيْهِم أَسْتَغْفَرْت لَهُم أم لم تستغفر لَهُم} الْآيَة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه والضياء فِي المختارة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: نزلت هَذِه الْآيَة {هم الَّذين يَقُولُونَ لَا تنفقوا على من عِنْد رَسُول الله حَتَّى يَنْفضوا} فِي عسيف لعمر بن الْخطاب
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن زيد بن أَرقم وَعبد الله بن مَسْعُود أَنَّهُمَا كَانَا يقرآن {لَا تنفقوا على من عِنْد رَسُول الله حَتَّى يَنْفضوا} من حوله
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {هم الَّذين يَقُولُونَ لَا تنفقوا على من عِنْد رَسُول الله} قَالَ: أَن عبد الله بن أبيّ قَالَ لأَصْحَابه: لَا تنفقواعلى من عِنْد رَسُول الله فَإِنَّكُم لَو لم تنفقوا عَلَيْهِم قد انْفَضُّوا وَفِي قَوْله: {يَقُولُونَ لَئِن رَجعْنَا إِلَى الْمَدِينَة ليخرجن الْأَعَز مِنْهَا الْأَذَل} قَالَ: قد قَالَهَا مُنَافِق عَظِيم النِّفَاق فِي رجلَيْنِ اقتتلا أَحدهمَا غفاري وَالْآخر جهني فَظهر الْغِفَارِيّ على الْجُهَنِيّ وَكَانَ بَين جُهَيْنَة وَبَين الْأَنْصَار حلف فَقَالَ رجل من الْمُنَافِقين: وَهُوَ عبد الله بن أبيّ يَا بني الْأَوْس والخزرج عَلَيْكُم صَاحبكُم وحليفكم
ثمَّ قَالَ: وَالله مَا مثلنَا وَمثل مُحَمَّد إِلَّا كَمَا قَالَ الْقَائِل: سمن كلبك يَأْكُلك
وَالله لَئِن رَجعْنَا إِلَى الْمَدِينَة ليخرجن الْأَعَز مِنْهَا الْأَذَل
فسعى بهَا بَعضهم إِلَى نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ عمر: يَا نَبِي الله مر معَاذًا أَن يضْرب عنق هَذَا الْمُنَافِق
فَقَالَ: لَا يتحدث النَّاس أَن مُحَمَّدًا يقتل أَصْحَابه
وَذكر لنا أَنه كثر على رجلَيْنِ من الْمُنَافِقين عِنْده فَقَالَ عمر: هَل يُصَلِّي قَالُوا: نعم وَلَا خير فِي صلَاته
قَالَ نهيت عَن الْمُصَلِّين نهيت عَن الْمُصَلِّين نهيت عَن الْمُصَلِّين
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {هم الَّذين يَقُولُونَ لَا تنفقوا على من عِنْد رَسُول الله حَتَّى يَنْفضوا} يَقُول: لَا تطعموا مُحَمَّدًا وَأَصْحَابه حَتَّى تصيبهم مجاعَة فَيتْركُوا نَبِيّهم وَفِي قَوْله: {لَئِن رَجعْنَا إِلَى الْمَدِينَة ليخرجن الْأَعَز مِنْهَا الْأَذَل} قَالَ: قَالَ ذَلِك عبد الله بن أبيّ رَأس الْمُنَافِقين وأناس مَعَه من الْمُنَافِقين
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي غزَاة قَالَ(8/176)
سُفْيَان: يرَوْنَ أَنَّهَا غَزْوَة بني المصطلق فَكَسَعَ رجل من الْمُنَافِقين رجلا من الْأَنْصَار [] فَسمع ذَلِك النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: مَا بَال دَعْوَى الْجَاهِلِيَّة قَالُوا: رجل من الْمُهَاجِرين كسع رجلا من الْأَنْصَار
فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَة فَسمع ذَلِك عبد الله بن أبيّ فَقَالَ: أَو قد فَعَلُوهَا وَالله لَئِن رَجعْنَا إِلَى الْمَدِينَة ليخرجن الْأَعَز مِنْهَا الْأَذَل
فَبلغ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ عمر: يَا رَسُول الله دَعْنِي أضْرب عنق هَذَا الْمُنَافِق فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: دَعه لَا يتحدث النَّاس أَن مُحَمَّدًا يقتل أَصْحَابه زَاد التِّرْمِذِيّ فَقَالَ لَهُ ابْن عبد الله: وَالله لَا تنْقَلب حَتَّى تَقِرَّ أَنَّك الذَّلِيل وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْعَزِيز فَفعل
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ بَين غُلَام من الْأَنْصَار وَغُلَام من بني غفار فِي الطَّرِيق كَلَام فَقَالَ عبد الله بن أبيّ: هَنِيئًا لكم بَأْس هَنِيئًا جمعتم سوّاق الحجيج من مزينة وجهينة فغلبوكم على ثماركم وَلَئِن رَجعْنَا إِلَى الْمَدِينَة ليخرجن الْأَعَز مِنْهَا الْأَذَل
وَأخرج عبد بن حميد وَعَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما حضر عبد الله بن أبيّ الْمَوْت قَالَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا: فَدخل عَلَيْهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَجرى بَينهمَا كَلَام فَقَالَ لَهُ عبد الله بن أبيّ: قد أفقه مَا تَقول وَلَكِن منَّ عليَّ الْيَوْم وكفّنّي بِقَمِيصِك هَذَا وصلّ عليّ قَالَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا: فَكَفنهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِقَمِيصِهِ وَصلى عَلَيْهِ وَالله أعلم أَي صَلَاة كَانَت وَأَن مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يخدع إنْسَانا قطّ غير أَنه قَالَ يَوْم الْحُدَيْبِيَة كلمة حَسَنَة فَسئلَ عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ مَا هَذِه الْكَلِمَة قَالَ: قَالَت لَهُ قُرَيْش: يَا أَبَا حباب إِنَّا قد منعنَا مُحَمَّدًا طواف هَذَا الْبَيْت وَلَكنَّا نَأْذَن لَك فَقَالَ: لَا لي فِي رَسُول الله أُسْوَة حَسَنَة
قَالَ: فَلَمَّا بلغُوا الْمَدِينَة أَخذ ابْنه السَّيْف ثمَّ قَالَ لوالده: أَنْت تزْعم لَئِن رَجعْنَا إِلَى الْمَدِينَة ليخرجن الْأَعَز مِنْهَا الْأَذَل وَالله لَا تدْخلهَا حَتَّى يَأْذَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج الْحميدِي فِي مُسْنده عَن أبي هَارُون الْمدنِي قَالَ: قَالَ عبد الله بن عبد الله بن أبيّ لِأَبِيهِ: وَالله لَا تدخل الْمَدِينَة أبدا حَتَّى تَقول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْأَعَز وَأَنا الْأَذَل
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن اسامة بن زيد رَضِي الله عَنهُ: لما رَجَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من بني المصطلق قَامَ عبد الله بن عبد الله بن أبيّ فسلّ على أَبِيه السَّيْف وَقَالَ: وَالله عليّ(8/177)
أَن لَا أغمده حَتَّى تَقول: مُحَمَّد الْأَعَز وَأَنا الْأَذَل
فَقَالَ: وَيلك مُحَمَّد الْأَعَز وَأَنا الْأَذَل فبلغت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَعْجَبتهُ وشكرها لَهُ
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج قَالَ: لما قدمُوا الْمَدِينَة سل عبد الله بن عبد الله بن أبيّ على أَبِيه السَّيْف وَقَالَ: لأضربنك أَو تَقول: أَنا الْأَذَل وَمُحَمّد الْأَعَز
فَلم يبرح حَتَّى قَالَ ذَلِك
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عُرْوَة بن الزبير رَضِي الله عَنهُ أَن أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي غَزْوَة بني المصطلق لما أَتَوا الْمنزل كَانَ بَين غلْمَان من الْمُهَاجِرين وغلمان من الْأَنْصَار فَقَالَ غلْمَان من الْمُهَاجِرين: يَا للمهاجرين وَقَالَ غلْمَان من الْأَنْصَار: يَا للْأَنْصَار فَبلغ ذَلِك عبد الله بن أُبي بن سلول فَقَالَ: أما وَالله لَو أَنهم لم ينفقوا عَلَيْهِم انْفَضُّوا من حوله أما وَالله لَئِن رَجعْنَا إِلَى الْمَدِينَة ليخرجن الْأَعَز مِنْهَا الْأَذَل
فَبلغ ذَلِك النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأمر بالرحيل فَأدْرك ركباً من بني عبد الْأَشْهَل فِي الْمسير فَقَالَ لَهُم: ألم تعلمُوا مَا قَالَ الْمُنَافِق عبد الله بن أبي قَالُوا: وماذا قَالَ: يَا رَسُول الله قَالَ: قَالَ أما وَالله لَو لم تنفقوا عَلَيْهِم لانفضوا من حوله أما وَالله لَئِن رَجعْنَا إِلَى الْمَدِينَة ليخرجن الْأَعَز مِنْهَا الْأَذَل قَالُوا: صدق يَا رَسُول الله فَأَنت وَالله الْأَعَز الْعَزِيز وَهُوَ الذَّلِيل
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُحَمَّد بن سِيرِين رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ معسكراً وَأَن رجلا من قُرَيْش كَانَ بَينه وَبَين رجل من الْأَنْصَار كَلَام حَتَّى اشْتَدَّ الْأَمر بَينهمَا فَبلغ ذَلِك عبد الله بن أبيّ فَخرج فَنَادَى: غلبني على قومِي من لَا قوم لَهُ فَبلغ ذَلِك عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ فَأخذ سَيْفه ثمَّ خرج عَامِدًا ليضربه فَذكر هَذِه الْآيَة (يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تقدمُوا بَين يَدي الله وَرَسُوله) (سُورَة الحجرات الْآيَة 1) فَرجع حَتَّى دخل على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: مَالك يَا عمر قَالَ: الْعجب من ذَلِك الْمُنَافِق يَقُول غلبني على قومِي من لَا قوم لَهُ وَالله لَئِن رَجعْنَا إِلَى الْمَدِينَة ليخرجن الْأَعَز مِنْهَا الْأَذَل قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: قُم فَنَادِ فِي النَّاس يرتحلوا فارتحلوا فَسَارُوا حَتَّى إِذا كَانَ بَينهم وَبَين الْمَدِينَة مسيرَة لَيْلَة فَعجل عبد الله بن عبد الله بن أبيّ حَتَّى أَنَاخَ بِجَامِع طرق الْمَدِينَة وَدخل النَّاس حَتَّى جَاءَ أَبوهُ عبد الله بن أبيّ فَقَالَ: وَرَاءَك
فَقَالَ: مَالك وَيلك قَالَ: وَالله لَا تدْخلهَا أبدا إِلَّا أَن يَأْذَن رَسُول الله ليعلمن الْيَوْم من الْأَعَز من الْأَذَل
فَرجع حَتَّى لَقِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَشَكا إِلَيْهِ مَا صنع ابْنه(8/178)
فَأرْسل إِلَيْهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن خلِّ عَنهُ حَتَّى يدْخل فَفعل فَلم يَلْبَثُوا إِلَّا أَيَّامًا قَلَائِل حَتَّى اشتكي عبد الله فَاشْتَدَّ وَجَعه فَقَالَ لِابْنِهِ عبد الله: يَا بني ائْتِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَادعه فَإنَّك إِذْ أَنْت طلبت ذَلِك إِلَيْهِ فعل
فَفعل ابْنه فَأتى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لَهُ: يَا رَسُول إِن عبد الله بن أبيّ شَدِيد الوجع وَقد طلب إليّ أَن آتِيك فَتَأْتِيه فَإِنَّهُ قد اشتاق إِلَى لقائك فَأخذ نَعْلَيْه فَقَامَ وَقَامَ مَعَه نفر من أَصْحَابه حَتَّى دخلُوا عَلَيْهِ فَقَالَ لأَهله حِين دخل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أجلسوني فَأَجْلَسُوهُ فَبكى فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أجزعنا يَا عَدو الله الْآن فَقَالَ: يَا رَسُول الله إِنِّي لم أدعك لِتؤَنِّبنِي وَلَكِن دعوتك لترحمني فاغرورقت عينا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: مَا حَاجَتك قَالَ: حَاجَتي إِذا أَنا مت أَن تشهد غسْلي وتكفني فِي ثَلَاثَة أَثوَاب من ثِيَابك وتمشي مَعَ جنازتي وَتصلي عليّ فَفعل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَنزلت هَذِه الْآيَة بعد (وَلَا تصلِّ على أحد مِنْهُم مَاتَ أبدا وَلَا تقم على قَبره) (سُورَة التَّوْبَة الْآيَة 84)
الْآيَة 9 - 11(8/179)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (9) وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ (10) وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (11)
أخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تلهكم أَمْوَالكُم وَلَا أَوْلَادكُم عَن ذكر الله} قَالَ: هم عباد من أمتِي الصالحون مِنْهُم لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَة وَلَا بيع عَن ذكر الله وَعَن الصَّلَاة الْمَفْرُوضَة الْخمس
وَأخرج عبد بن حميد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من كَانَ لَهُ مَال يبلغهُ حج بَيت ربه أَو تجب عَلَيْهِ فِيهِ الزَّكَاة فَلم يفعل سَأَلَ الرّجْعَة عِنْد الْمَوْت
فَقَالَ لَهُ رجل: يَا ابْن عَبَّاس اتَّقِ الله فَإِنَّمَا يسْأَل الرّجْعَة الْكفَّار فَقَالَ: سأتلوا عَلَيْكُم(8/179)
بذلك قُرْآنًا {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تلهكم أَمْوَالكُم وَلَا أَوْلَادكُم عَن ذكر الله} إِلَى آخر السُّورَة
وَأخرج ابْن جرير من وَجه آخر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تلهكم أَمْوَالكُم وَلَا أَوْلَادكُم عَن ذكر الله} الْآيَة قَالَ: هُوَ الرجل الْمُؤمن إِذا نزل بِهِ الْمَوْت وَله مَال لم يزكه وَلم يحجّ مِنْهُ وَلم يُعْط حق الله مِنْهُ يسْأَل الرّجْعَة عِنْد الْمَوْت ليتصدق من مَاله ويزكي قَالَ الله: {وَلنْ يُؤَخر الله نفسا إِذا جَاءَ أجلهَا}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله: {لَا تلهكم أَمْوَالكُم وَلَا أَوْلَادكُم عَن ذكر الله} قَالَ: عَن الصَّلَوَات الْخمس وَفِي قَوْله: {وأنفقوا من مَا رزقناكم} قَالَ: يَعْنِي الزَّكَاة وَالنَّفقَة فِي الْحَج
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن عَطاء فِي قَوْله: {لَا تلهكم أَمْوَالكُم وَلَا أَوْلَادكُم عَن ذكر الله} قَالَ: الصَّلَاة الْمَفْرُوضَة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {فَأَصدق} قَالَ: أزكي {وأكن من الصَّالِحين} قَالَ: أحج
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ {فَأَصدق وأكن من الصَّالِحين} قَالَ: أحج
وَأخرج عبد بن حميد وَعَن الْحسن عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ {فَأَصدق وأكن من الصَّالِحين} بِالْوَاو
وَأخرج ابْن الْأَنْبَارِي فِي الْمَصَاحِف عَن زيد بن ثَابت قَالَ: الْقِرَاءَة سنة من السّنَن فاقرؤوا الْقُرْآن كَمَا اقرئتموه (إِن هَذَانِ لساحران) (سُورَة طه الْآيَة 63) {فَأَصدق وأكن من الصَّالِحين}(8/180)
64
سُورَة التغابن
مَدَنِيَّة وآياتها ثَمَانِي عشرَة أخرج ابْن الضريس وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: نزلت سُورَة التغابن بِالْمَدِينَةِ
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن الزبير قَالَ: نزلت سُورَة التغابن بِالْمَدِينَةِ
وَأخرج النّحاس عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: نزلت سُورَة التغابن بِمَكَّة إِلَّا آيَات من آخرهَا نزلت بِالْمَدِينَةِ فِي عَوْف بن مَالك الْأَشْجَعِيّ شكا إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جفَاء أَهله وَولده فَأنْزل الله {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِن من أزواجكم وَأَوْلَادكُمْ عدوا لكم فاحذروهم} إِلَى آخر السُّورَة
وَأخرج ابْن إِسْحَق وَابْن جرير عَن عَطاء بن يسَار قَالَ: نزلت سُورَة التغابن كلهَا بِمَكَّة إِلَّا هَؤُلَاءِ الْآيَات {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِن من أزواجكم وَأَوْلَادكُمْ} نزلت فِي عَوْف بن مَالك الْأَشْجَعِيّ كَانَ ذَا أهل وَولد فَكَانَ إِذا أَرَادَ الْغَزْو بكوا عَلَيْهِ ورققوه فَقَالُوا: إِلَى من تدعنا فيرق وَيُقِيم هَذِه الْآيَات فِيهِ بِالْمَدِينَةِ
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
الْآيَة 1 - 6(8/181)
يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (2) خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (3) يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (4) أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ فَذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (5) ذَلِكَ بِأَنَّهُ كَانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوْا وَاسْتَغْنَى اللَّهُ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (6)
أخرج ابْن حبَان فِي الضُّعَفَاء وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَابْن عَسَاكِر عَن عبد الله بن عَمْرو عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: مَا من مَوْلُود يُولد إِلَّا وَإنَّهُ مَكْتُوب فِي تشبيك رَأسه خمس آيَات من فَاتِحَة سُورَة التغابن
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي ذَر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِذا مكث الْمَنِيّ فِي الرَّحِم أَرْبَعِينَ لَيْلَة أَتَاهُ ملك النُّفُوس فعرج بِهِ إِلَى الرب فَيَقُول: يَا رب أذكر أم أُنْثَى فَيَقْضِي الله مَا هُوَ قَاض فَيَقُول أشقي أم سعيد فَيكْتب مَا هُوَ لَاق وَقَرَأَ أَبُو ذَر من فَاتِحَة التغابن خمس آيَات إِلَى قَوْله: {وصوّركم فَأحْسن صوركُمْ وَإِلَيْهِ الْمصير}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: العَبْد يُولد مُؤمنا ويعيش مُؤمنا وَيَمُوت مُؤمنا وَالْعَبْد يُولد كَافِرًا ويعيش كَافِرًا وَيَمُوت كَافِرًا وَإِن العَبْد يعْمل بُرْهَة من الزَّمَان بالشقاوة ثمَّ يُدْرِكهُ الْمَوْت بماكتب لَهُ فَيَمُوت شقياً وَإِن العَبْد يعْمل بُرْهَة من دهره بالشقاوة ثمَّ يُدْرِكهُ مَا كتب لَهُ فَيَمُوت سعيدا(8/182)
الْآيَة 7 - 14(8/183)
زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (7) فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (8) يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (9) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ خَالِدِينَ فِيهَا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (10) مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (11) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (12) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (13) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (14)
أخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن مَسْعُود أَنه قيل لَهُ: مَا سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول فِي (زَعَمُوا) قَالَ: سمعته يَقُول: بئس مَطِيَّة الرجل
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر عَن عبد الله بن مَسْعُود أَنه كره: زَعَمُوا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد أَنه كره زَعَمُوا لقَوْل الله: {زعم الَّذين كفرُوا}
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد عَن هَانِئ بن عُرْوَة أَنه قَالَ لِابْنِهِ: هَب لي اثْنَتَيْنِ: زَعَمُوا وسوف وَلَا يكونَانِ فِي حَدِيثك
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عمر قَالَ: زعم كنية الْكَذِب
وَأخرج ابْن سعد وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد عَن شُرَيْح قَالَ: زعم كنية الْكَذِب
وَأخرج ابْن أبي شيبَة قَالَ: زَعَمُوا زاملة الْكَذِب
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {يَوْم يجمعكم ليَوْم الْجمع} قَالَ: هُوَ يَوْم الْقِيَامَة وَذَلِكَ {يَوْم التغابن} غبن أهل الْجنَّة أهل النَّار
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس {يَوْم التغابن} من أَسمَاء يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {ذَلِك يَوْم التغابن} قَالَ: غبن أهل الْجنَّة أهل النَّار
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد {ذَلِك يَوْم التغابن} قَالَ: غابن أهل الْجنَّة أهل النَّار وَالله أعلم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن عَلْقَمَة فِي قَوْله:(8/183)
{مَا أصَاب من مُصِيبَة إِلَّا بِإِذن الله وَمن يُؤمن بِاللَّه يهد قلبه} قَالَ: هُوَ الرجل تصيبه الْمُصِيبَة فَيعلم أَنَّهَا من عِنْد الله فَيسلم الْأَمر لله ويرضى بذلك
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ فِي الْآيَة قَالَ: هِيَ المصيبات تصيب الرجل فَيعلم أَنَّهَا من عِنْد الله فَيسلم لَهَا ويرضى
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {وَمن يُؤمن بِاللَّه يهد قلبه} يَعْنِي يهد قلبه لليقين فَيعلم أَن مَا أَصَابَهُ لم يكن ليخطئه وَمَا أخطأه لم يكن ليصيبه
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن جريج رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وَمن يُؤمن بِاللَّه يهد قلبه} قَالَ: من أصَاب من الإِيمان مَا يعرف بِهِ الله فَهُوَ مهتدي الْقلب
قَوْله تَعَالَى: {الله لَا إِلَه إِلَّا هُوَ وعَلى الله فَليَتَوَكَّل الْمُؤْمِنُونَ} أخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: شعار الْمُؤْمِنُونَ يَوْم يبعثون من قُبُورهم لَا إِلَه إِلَّا الله وعَلى الله فَليَتَوَكَّل الْمُؤْمِنُونَ
أخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: نزلت هَذِه الْآيَة {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِن من أزواجكم وَأَوْلَادكُمْ عدوّاً لكم فاحذروهم} فِي قوم من أهل مَكَّة أَسْلمُوا وَأَرَادُوا أَن يَأْتُوا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأبى أَزوَاجهم وَأَوْلَادهمْ أَن يَدعُوهُم فَلَمَّا أَتَوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَرَأَوْا النَّاس قد فقهوا فِي الدّين هموا أَن يعاقبوهم فَأنْزل الله {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِن من أزواجكم وَأَوْلَادكُمْ عدوّاً لكم فاحذروهم وَإِن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فَإِن الله غَفُور رَحِيم}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي الْآيَة قَالَ: كَانَ الرجل يُرِيد الْهِجْرَة فتحسبه امْرَأَته وَولده فَيَقُول: إِنَّا وَالله لَئِن جمع الله بيني وَبَيْنكُم فِي دَار الْهِجْرَة لَأَفْعَلَنَّ وَلَأَفْعَلَن فَجمع الله بَينهم فِي دَار الْهِجْرَة فَأنْزل الله {وَإِن تعفوا وتصفحوا وتغفروا}
وَأخرج عبد حميد عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {إِن من أزواجكم وَأَوْلَادكُمْ عدوّاً لكم فاحذروهم} قَالَ: مِنْهُم من لَا يَأْمر بِطَاعَة وَلَا ينْهَى عَن مَعْصِيّة وَكفى بذلك عَدَاوَة للمرء أَن يكون صَاحبه لَا يَأْمر بِطَاعَة وَلَا ينْهَى عَن مَعْصِيّة وَكَانُوا يثبطون عَن الْجِهَاد وَالْهجْرَة إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم(8/184)
الْآيَة 15 - 18(8/185)
إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (15) فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (16) إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ (17) عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18)
أخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {إِنَّمَا أَمْوَالكُم وَأَوْلَادكُمْ فتْنَة} قَالَ: بلَاء {وَالله عِنْده أجر عَظِيم} قَالَ: الْجنَّة وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَالطَّبَرَانِيّ عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لَا يَقُولَن أحدكُم: اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من الْفِتْنَة فَإِنَّهُ لَيْسَ أحد مِنْكُم إِلَّا وَهُوَ مُشْتَمل على فتْنَة فَإِن الله يَقُول: {إِنَّمَا أَمْوَالكُم وَأَوْلَادكُمْ فتْنَة} وَلَكِن من استعاذ فليستعذ من مضلاتها
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي الضُّحَى قَالَ: قَالَ رجل وَهُوَ عِنْد عمر: اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من الْفِتْنَة أَو الْفِتَن فَقَالَ عمر: أَتُحِبُّ أَن لَا يرزقك الله مَالا وَلَا ولدا أَيّكُم استعاذ من الْفِتَن فليستعذ من مضلاتها
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن كَعْب بن عِيَاض رَضِي الله عَنهُ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: إِن لكل أمة فتْنَة وَإِن فتْنَة أمتِي المَال
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عبَادَة بن الصَّامِت رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لكل أمة فتْنَة وفتنة أمتِي المَال
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عبد الله بن أبي أوفى رَضِي الله عَنهُ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: لكل أمة فتْنَة وفتنة أمتِي المَال
وَأخرج وَكِيع فِي الْغرَر عَن مُحَمَّد بن سِيرِين رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ ابْن عمر لرجل: إِنَّك تحب الْفِتْنَة
قَالَ: أَنا قَالَ: نعم فَلَمَّا رأى ابْن عمر مَا دَاخل الرجل من ذَاك قَالَ: تحب المَال وَالْولد
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَالْحَاكِم(8/185)
وَابْن مرْدَوَيْه عَن بُرَيْدَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يخْطب فَأقبل الْحسن وَالْحُسَيْن رَضِي الله عَنْهُمَا عَلَيْهِمَا قَمِيصَانِ أَحْمَرَانِ يمشيان ويعثران فَنزل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الْمِنْبَر فحملهما وَاحِدًا من ذَا الشق وواحداً من ذَا الشق ثمَّ صعد الْمِنْبَر فَقَالَ: صدق الله قَالَ: {إِنَّمَا أَمْوَالكُم وَأَوْلَادكُمْ فتْنَة} إِنِّي لما نظرت إِلَى هذَيْن الغلامين يمشيان ويعثران لم أَصْبِر أَن قطعت كَلَامي وَنزلت إِلَيْهِمَا
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عبد الله بن عمر رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَيْنَمَا هُوَ يخْطب النَّاس على الْمِنْبَر خرج الْحُسَيْن بن عَليّ رَضِي اله عَنهُ فوطئ فِي ثوب كَانَ عَلَيْهِ فَسقط فَبكى فَنزل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الْمِنْبَر فَلَمَّا رأى النَّاس أَسْرعُوا إِلَى الْحُسَيْن رَضِي الله عَنهُ يتعاطونه يُعْطِيهِ بَعضهم بَعْضًا حَتَّى وَقع فِي يَد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: قَاتل الله الشَّيْطَان إِن الْوَلَد لفتنة وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ مَا دَريت أَنِّي نزلت عَن منبري
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن يحى بن أبي كثير رَضِي الله عَنهُ قَالَ: سمع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بكاء حسن أَو حُسَيْن فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: الْوَالِد فتْنَة لقد قُمْت إِلَيْهِ وَمَا أَعقل وَالله تَعَالَى أعلم
قَوْله تَعَالَى: {فَاتَّقُوا الله مَا اسْتَطَعْتُم}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما نزلت (اتَّقوا الله حق تُقَاته) (سُورَة آل عمرَان الْآيَة 102) اشْتَدَّ على الْقَوْم الْعَمَل فَقَامُوا حَتَّى ورمت عراقيبهم وتقرحت جباههم فَأنْزل الله تحفيفاً على الْمُسلمين {فَاتَّقُوا الله مَا اسْتَطَعْتُم} فنسخت الْآيَة الأولى
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن الرّبيع بن أنس {فَاتَّقُوا الله مَا اسْتَطَعْتُم} قَالَ: جهدكم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة {فَاتَّقُوا الله مَا اسْتَطَعْتُم} قَالَ: هِيَ رخصَة من الله كَانَ الله قد أنزل فِي سُورَة آل عمرَان (اتَّقوا الله حق تُقَاته) (سُورَة آل عمرَان الْآيَة 102) وَحقّ تُقَاته أَن يطاع فَلَا يعْصى ثمَّ خفف عَن عباده فَأنْزل الرُّخْصَة {فَاتَّقُوا الله مَا اسْتَطَعْتُم واسمعوا وَأَطيعُوا}(8/186)
قَالَ: والسمع وَالطَّاعَة فِيمَا اسْتَطَعْت يَا ابْن آدم عَلَيْهَا بَايع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَصْحَابه على السّمع وَالطَّاعَة فِيمَا اسْتَطَاعُوا
وَأخرج ابْن سعد وَأحمد وَأَبُو دَاوُد عَن الحكم بن حزن الكلفي قَالَ: وفدنا على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فلبثنا أَيَّامًا شَهِدنَا فِيهَا الْجُمُعَة مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَامَ متوكئاً على قَوس فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ كَلِمَات طَيّبَات خفيفات مباركات ثمَّ قَالَ: أَيهَا النَّاس إِنَّكُم لن تُطِيقُوا كل مَا أمرْتُم بِهِ فسددوا وابشروا
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَطاء رَضِي الله عَنهُ {وَمن يُوقَ شح نَفسه فَأُولَئِك هم المفلحون} قَالَ: فِي النَّفَقَة
وَأخرج عبد بن حميد عَن حبيب بن شهَاب الْعَنْبَري أَنه سمع أَخَاهُ يَقُول: لقِيت ابْن عمر يَوْم عَرَفَة فَأَرَدْت أَن أقتدي من سيرته وأسمع من قَوْله فَسَمعته أَكثر مَا يَقُول: اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من الشُّح الْفَاحِش حَتَّى أَفَاضَ ثمَّ بَات بِجمع فَسَمعته أَيْضا يَقُول ذَلِك فَلَمَّا أردْت أَن أفارقه قلت يَا عبد الله: إِنِّي أردْت أَن أقتدي بسيرتك فسمعتك أَكثر مَا تَقول أَن تعوذ من الشُّح الْفَاحِش قَالَ: وَمَا أبغي أفضل من أَن أكون من المفلحين قَالَ الله: {وَمن يُوقَ شح نَفسه فَأُولَئِك هم المفلحون}
قَوْله تَعَالَى: {إِن تقرضوا الله} الْآيَة
أخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يَقُول الله استقرضت عَبدِي فَأبى أَن يقرضني وَشَتَمَنِي عَبدِي وَهُوَ لَا يدر يَقُول وادهراه وادهراه وَأَنا الدَّهْر ثمَّ تَلا أَبُو هُرَيْرَة {إِن تقرضوا الله قرضا حسنا يضاعفه لكم}
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي حَيَّان عَن أَبِيه عَن شيخ لَهُم أَنه كَانَ يَقُول إِذا سمع السَّائِل يَقُول: من يقْرض الله قرضا حسنا قَالَ سُبْحَانَ الله وَالْحَمْد لله وَلَا إِلَه إِلَّا الله وَالله أكبر هَذَا الْقَرْض الْحسن(8/187)
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
65
سُورَة الطَّلَاق
مَدَنِيَّة وآياتها اثْنَتَا عشرَة
مُقَدّمَة السُّورَة أخرج ابْن الضريس وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: نزلت سُورَة الطَّلَاق بِالْمَدِينَةِ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف وَسَعِيد بن مَنْصُور عَن طَاوُوس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَرَأَ فِي الْجُمُعَة بِسُورَة الْجُمُعَة و {يَا أَيهَا النَّبِي إِذا طلّقْتُم النِّسَاء}
1 - 3(8/188)
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا (1) فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا (3)
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أنس قَالَ: طلق رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَفْصَة فَأَتَت أَهلهَا فَأنْزل الله {يَا أَيهَا النَّبِي إِذا طلّقْتُم النِّسَاء فطلقوهن لعدتهن} فَقيل لَهُ: رَاجعهَا فَإِنَّهَا صوّامة قوّامة وَإِنَّهَا من أَزوَاجك فِي الْجنَّة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن سِيرِين فِي قَوْله: {لَعَلَّ الله يحدث بعد ذَلِك أمرا} قَالَ: فِي حَفْصَة بنت عمر طَلقهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَاحِدَة فَنزلت {يَا أَيهَا النَّبِي إِذا طلّقْتُم النِّسَاء} إِلَى قَوْله: {يحدث بعد ذَلِك أمرا} قَالَ: فَرَاجعهَا
وَأخرج الْحَاكِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: طلق عبد بن يزِيد أَبُو ركَانَة أم ركَانَة ثمَّ نكح امْرَأَة من مزينة فَجَاءَت إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَت: يَا رَسُول الله مَا يُغني عني إِلَّا مَا تغني هَذِه الشعرة - لشعرة أَخَذتهَا من رَأسهَا - فَأخذت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حمية عِنْد ذَلِك فَدَعَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ركَانَة وَإِخْوَته ثمَّ قَالَ لجلسائه: أَتَرَوْنَ كَذَا من كَذَا فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعبد يزِيد: طَلقهَا فَفعل فَقَالَ لأبي ركَانَة: ارتجعها فَقَالَ: يَا رَسُول الله إِنِّي طَلقتهَا
قَالَ: قد علمت ذَلِك فارتجعها فَنزلت {يَا أَيهَا النَّبِي إِذا طلّقْتُم النِّسَاء فطلقوهن لعدتهن} قَالَ: الذَّهَبِيّ إِسْنَاده واهٍ وَالْخَبَر خطأ فَإِن عبد يزِيد لم يدْرك الإِسلام
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مقَاتل قَالَ: بلغنَا فِي قَوْله: {يَا أَيهَا النَّبِي إِذا طلّقْتُم النِّسَاء فطلقوهن لعدتهن} إِنَّهَا نزلت فِي عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ وطفيل بن الْحَارِث وَعَمْرو بن سعيد بن الْعَاصِ
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق أبي الزبير عَن ابْن عمر أَنه طلق امْرَأَته وَهِي حَائِض على عهد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَانْطَلق عمر فَذكر ذَلِك لَهُ فَقَالَ: مره فَلْيُرَاجِعهَا ثمَّ يمْسِكهَا حَتَّى تطهر ثمَّ يطلقهَا إِن بدا لَهُ فَأنْزل الله عِنْد ذَلِك يَا أَيهَا النَّبِي إِذا طلّقْتُم النِّسَاء فطلقوهن فِي قبل عدتهن قَالَ أَبُو الزبير: هَكَذَا سَمِعت ابْن عمر يَقْرَأها
وَأخرج مَالك وَالشَّافِعِيّ وَعبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف وَأحمد وَعبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو يعلى وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن عمر أَنه طلق امْرَأَته وَهِي حَائِض فَذكر ذَلِك لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فتغيظ فِيهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ قَالَ: ليراجعها ثمَّ يمْسِكهَا حَتَّى تطهر ثمَّ تحيض فَتطهر فَإِن بدا لَهُ أَن يطلقهَا فَلْيُطَلِّقهَا طَاهِرا قبل أَن يَمَسهَا(8/189)
فَتلك الْعدة الَّتِي أَمر الله أَن يُطلق لَهَا النِّسَاء وَقَرَأَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يَا أَيهَا النَّبِي إِذا طلّقْتُم النِّسَاء فطلقوهن فِي قبل عدتهن
وَأخرج عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف وَابْن الْمُنْذر وَالْحَاكِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عمر أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَرَأَ فطلقوهن فِي قبل عدتهن وَأخرج ابْن الْأَنْبَارِي عَن ابْن عمر أَنه قَرَأَ فطلقوهن لقبل عدتهن
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَأَبُو عبيد فِي فضائله وَسَعِيد وَعبد بن حميد وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ عَن مُجَاهِد أَنه كَانَ يقْرَأ فطلقونن لقبل عدتهن
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عمر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {فطلقوهن لعدتهن} قَالَ: طَاهِر من غير جماع
وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن عمر {فطلقوهن لعدتهن} قَالَ: فِي الطُّهْر فِي غير جماع
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَالطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن مَسْعُود {فطلقوهن لعدتهن} قَالَ: الطُّهْر فِي غير جماع
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَالطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: من أَرَادَ أَن يُطلق للسّنة كَمَا أمره الله فَلْيُطَلِّقهَا طَاهِرا فِي غير جماع
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه من طرق عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {فطلقوهن لعدتهن} قَالَ: طَاهِرا من غير جماع
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي مُوسَى رَضِي الله عَنهُ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَا يقل أحدكُم لامْرَأَته قد طَلقتك قد رَاجَعتك لَيْسَ هَذَا بِطَلَاق الْمُسلمين طلقوا الْمَرْأَة فِي قبل طهراها
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {فطلقوهن لعدتهن} قَالَ: طهرهن وَفِي لفظ قَالَ: طَاهِرا فِي غير جماع
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {فطلقوهن لعدتهن} قَالَ: الْعدة أَن يطلقهَا طَاهِرا من غير جماع فَأَما الرجل يخالط امْرَأَته حَتَّى إِذا أقلع عَنْهَا طَلقهَا عِنْد ذَلِك فَلَا يدْرِي أحاملاً هِيَ أم غير حَامِل فَإِن ذَلِك لَا يصلح
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن مُجَاهِد رَضِي الله(8/190)
عَنهُ قَالَ: سَأَلَ ابْن عَبَّاس يَوْمًا رجل فَقَالَ: يَا أَبَا عَبَّاس إِنِّي طلقت امْرَأَتي ثَلَاثًا فَقَالَ ابْن عَبَّاس: عصيت رَبك وَحرمت عَلَيْك امْرَأَتك وَلم تتق الله ليجعل لَك مخرجا يُطلق أحدكُم ثمَّ يَقُول: يَا أَبَا عَبَّاس قَالَ الله: يَا أَيهَا النَّبِي إِذا طلّقْتُم النِّسَاء فطلقوهن فِي قبل عدتهن وَهَكَذَا كَانَ ابْن عَبَّاس يقْرَأ هَذَا الْحَرْف
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {فطلقوهن لعدتهن} قَالَ: لَا يطلقهَا وَهِي حَائِض وَلَا فِي طهر قد جَامعهَا فِيهِ وَلَكِن يَتْرُكهَا حَتَّى إِذا حَاضَت وطهرت طَلقهَا تَطْلِيقَة فَإِن كَانَت تحيض فعدتها ثَلَاث حيض وَإِن كَانَت لَا تحيض فعدتها ثَلَاثَة أشهر وَإِن كَانَت حَامِلا فعدتها أَن تضع حملهَا وَإِذا أَرَادَ مراجعتها قبل أَن تَنْقَضِي عدتهَا أشهد على ذَلِك رجلَيْنِ كَمَا قَالَ الله: {وَأشْهدُوا ذَوي عدل مِنْكُم} عِنْد الطَّلَاق وَعند الْمُرَاجَعَة فَإِن رَاجعهَا فَهِيَ عِنْده على تَطْلِيقَتَيْنِ وَإِن لم يُرَاجِعهَا فَإِذا انْقَضتْ عدتهَا فقد بَانَتْ مِنْهُ وَاحِدَة وَهِي أملك بِنَفسِهَا ثمَّ تتزوّج من شَاءَت هُوَ أوغيره
وَأخرج عبد بن حميد وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ {يَا أَيهَا النَّبِي إِذا طلّقْتُم النِّسَاء فطلقوهن لعدتهن} قَالَ: طَلَاق الْعدة أَن يُطلق الرجل امْرَأَته وَهِي طَاهِر ثمَّ يَدعهَا حَتَّى تَنْقَضِي عدتهَا أَو يُرَاجِعهَا إِن شَاءَ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالْبَيْهَقِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن مُجَاهِد عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ أَنه سُئِلَ عَن رجل طلق امْرَأَته مائَة قَالَ: عصيت رَبك من يتق الله يَجْعَل لَهُ مخرجا ثمَّ تَلا يَا أَيهَا النَّبِي إِذا طلّقْتُم النِّسَاء فطلقوهن فِي قبل عدتهن
قَوْله تَعَالَى: {وأحصوا الْعدة}
أخرج عبد بن حميد عَن أبن مَسْعُود رَضِي اللله عَنهُ {وأحصوا الْعدة} قَالَ: الطَّلَاق طَاهِرا فِي غير جماع
أخرج عبد بن حميد عَن الشّعبِيّ رَضِي الله عَنهُ أَن شريحاً طلق امْرَأَته وَاحِدَة ثمَّ سكت عَنْهَا حَتَّى انْقَضتْ الْعدة ثمَّ أَتَاهَا فَاسْتَأْذن فَفَزِعت فَدخل فَقَالَ: إِنِّي أردْت أَن يطاع الله {لَا تخرجوهن من بُيُوتهنَّ} وَلَا يخْرجن
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُحَمَّد بن سِيرِين رَضِي الله عَنهُ أَن شريحاً طلق امْرَأَته وَأشْهد وَقَالَ للشاهدين: اكتما عليَّ فكتما عَلَيْهِ حَتَّى انْقَضتْ الْعدة ثمَّ أخْبرهَا فنقلت متاعها فَقَالَ شُرَيْح: إِنِّي كرهت أَن تأثم(8/191)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: الْمُطلقَة والمتوفى عَنْهَا زَوجهَا يخرجَانِ بِالنَّهَارِ وَلَا يبيتان لَيْلَة تَامَّة عَن بيوتهما وَأخرج عبد بن حميد عَن عَامر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: حَدَّثتنِي فَاطِمَة بنت قيس أَن زَوجهَا طَلقهَا ثَلَاثًا فَأَتَت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأمرهَا فاعتدّت عِنْد عَمها عَمْرو بن أم مَكْتُوم
وَأخرج عبد بن حميد عَن سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف أَن فَاطِمَة بنت قيس أخْبرته أَنَّهَا كَانَت تَحت أبي عَمْرو بن حَفْص بن الْمُغيرَة فَطلقهَا آخر ثَلَاث تَطْلِيقَات فَزَعَمت أَنَّهَا جَاءَت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي خُرُوجهَا من بَيتهَا فَأمرهَا أَن تنْتَقل إِلَى ابْن أم مَكْتُوم الْأَعْمَى فَأبى مَرْوَان أَن يصدق فَاطِمَة فِي خُرُوج الْمُطلقَة من بَيتهَا وَقَالَ عُرْوَة: إِن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا أنْكرت ذَلِك على فَاطِمَة بنت قيس
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي إِسْحَق قَالَ: كنت جَالِسا مَعَ الْأسود بن يزِيد فِي الْمَسْجِد الْأَعْظَم ومعنا الشّعبِيّ فَحدث بِحَدِيث فَاطِمَة بنت قيس أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يَجْعَل لَهَا سُكْنى وَلَا نَفَقَة فَأخذ الْأسود كفا من حَصى فَحَصَبه ثمَّ قَالَ: وَيلك تحدث بِمثل هَذَا قَالَ عمر: لَا نَتْرُك كتاب الله وَسنة نَبينَا لقَوْل امْرَأَة لَا نَدْرِي حفظت أم نسيت لَهُ السُّكْنَى وَالنَّفقَة قَالَ الله: {لَا تخرجوهن من بُيُوتهنَّ وَلَا يخْرجن إِلَّا أَن يَأْتِين بِفَاحِشَة مبينَة}
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن عبيد الله بن عبد الله بن عتبَة أَن أَبَا عَمْرو بن حَفْص بن الْمُغيرَة خرج مَعَ عليّ إِلَى الْيمن فَأرْسل إِلَى امْرَأَته فَاطِمَة بنت قيس بتطليقة كَانَت بقيت مَعَ طَلاقهَا وَأمر لَهَا الْحَارِث بن هِشَام وَعَيَّاش بن أبي ربيعَة بِنَفَقَة فاستقلتها فَقَالَا لَهَا: وَالله مَالك نَفَقَة إِلَّا أَن تَكُونِي حَامِلا فَأَتَت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذكرت لَهُ أمرهَا فَقَالَ لَهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا نَفَقَة لَك فاستأذنيه فِي الِانْتِقَال فَأذن لَهَا فَأرْسل إِلَيْهَا مَرْوَان يسْأَلهَا عَن ذَلِك فَحَدَّثته فَقَالَ مَرْوَان: لم أسمع بِهَذَا الحَدِيث إِلَّا من امْرَأَة سنأخذ بالعصمة الَّتِي وجدنَا النَّاس عَلَيْهَا فَقَالَت فَاطِمَة: بيني وَبَيْنكُم كتاب الله قَالَ الله عز وَجل: {وَلَا يخْرجن إِلَّا أَن يَأْتِين بِفَاحِشَة مبينَة} حَتَّى بلغ {لَا تَدْرِي لَعَلَّ الله يحدث بعد ذَلِك أمرا} قَالَت: هَذَا لمن كَانَت لَهُ مُرَاجعَة فَأَي أَمر يحدث بعد الثَّلَاث فَكيف يَقُولُونَ: لَا نَفَقَة لَهَا إِذا لم تكن حَامِلا فعلام تحبسونها وَلَكِن يَتْرُكهَا حَتَّى إِذا حَاضَت وطهرت طَلقهَا تَطْلِيقَة فَإِن كَانَت تحيض فعدتها(8/192)
ثَلَاث حيض وَإِن كَانَت لَا تحيض فعدتها ثَلَاثَة أشهر وَإِن كَانَت حَامِلا فعدتها أَن تضع حملهَا وَإِن أَرَادَ مراجعتها قبل أَن تَنْقَضِي عدتهَا أشهد على ذَلِك رجلَيْنِ كَمَا قَالَ الله: {وَأشْهدُوا ذَوي عدل مِنْكُم} عِنْد الطَّلَاق وَعند الْمُرَاجَعَة فَإِن رَاجعهَا فَهِيَ عِنْده على طَلْقَتَيْنِ أَو إِن لم يُرَاجِعهَا فَإِذا انْقَضتْ عدتهَا فقد بَانَتْ عدتهَا مِنْهُ بِوَاحِدَة وَهِي أملك لنَفسهَا ثمَّ تتزوّج من شَاءَت هُوَ أَو غَيره
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: الطَّلَاق على أَرْبَعَة منَازِل: منزلان حَلَال ومنزلان حرَام فَأَما الْحَرَام فَأن يطلقهَا حِين يُجَامِعهَا وَلَا يدْرِي اشْتَمَل الرَّحِم على شَيْء أَولا وَأَن يطلقهَا وَهِي حَائِض وَأما الْحَلَال فَأن يطلقهَا لأقرائها طَاهِرا عَن غير جماع وَأَن يطلقهَا مستبيناً حملهَا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وَلَا يخْرجن إِلَّا أَن يَأْتِين بِفَاحِشَة مبينَة} قَالَ: خُرُوجهَا قبل انْقِضَاء الْعدة من بَيتهَا الْفَاحِشَة المبينة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {وَلَا يخْرجن إِلَّا أَن يَأْتِين بِفَاحِشَة مبينَة} قَالَ: الزِّنَا
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن وَالشعْبِيّ مثله
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {وَلَا يخْرجن إِلَّا أَن يَأْتِين بِفَاحِشَة مبينَة} قَالَ: إِلَّا أَن يَزْنِين
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر عَن عَطاء الْخُرَاسَانِي رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وَلَا يخْرجن إِلَّا أَن يَأْتِين بِفَاحِشَة مبينَة} قَالَ: كَانَ ذَلِك قبل أَن تنزل الْحُدُود وَكَانَت الْمَرْأَة إِذا أَتَت بِفَاحِشَة أخرجت
وَأخرج عبد بن حميد عَن سعيد بن الْمسيب {وَلَا يخْرجن إِلَّا أَن يَأْتِين بِفَاحِشَة مبينَة} قَالَ: إِلَّا أَن تصيب حدا فَتخرج فيقام عَلَيْهَا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَسَعِيد بن مَنْصُور وَابْن رَاهَوَيْه وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه من طرق عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {وَلَا يخْرجن إِلَّا أَن يَأْتِين بِفَاحِشَة مبينَة} قَالَ: الْفَاحِشَة المبينة أَن تبذو الْمَرْأَة على أهل الرجل فَإِذا بذت عَلَيْهِم بلسانها فقد حل لَهُم إخْرَاجهَا
وَأخرج عبد بن حميد عَن سعيد رَضِي الله عَنهُ {إِلَّا أَن يَأْتِين بِفَاحِشَة مبينَة}(8/193)
قَالَ: لَو كَانَ الزِّنَا كَمَا تَقولُونَ أخرجت فرجمت كَانَ ابْن عَبَّاس يَقُول: إِلَّا أَن يفحشن قَالَ: وَهُوَ النُّشُوز
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: الْفَاحِشَة المبينة السوء فِي الْخلق
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {إِلَّا أَن يَأْتِين بِفَاحِشَة مبينَة} قَالَ: يفحش لَو زنت رجمت
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {بِفَاحِشَة مبينَة} قَالَ: هُوَ النُّشُوز وَفِي حرف ابْن مَسْعُود إِلَّا أَن يفحشن وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {بِفَاحِشَة مبينَة} قَالَ: هُوَ النُّشُوز
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة {لَا تَدْرِي لَعَلَّ الله يحدث بعد ذَلِك أمرا} قَالَ: إِن بدا لَهُ أَن يُراجعها رَاجعهَا فِي بَيتهَا هُوَ أبعد من قذر الْأَخْلَاق وأطوع لله أَن تلْزم بَيتهَا وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ قَالَ: كَانُوا يستحبون أَن يطلقهَا وَاحِدَة ثمَّ يَدعهَا حَتَّى يحل أجلهَا وَكَانُوا يَقُولُونَ: {لَعَلَّ الله يحدث بعد ذَلِك أمرا} لَعَلَّه أَن يرغب فِيهَا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن فَاطِمَة بنت قيس رَضِي الله عَنْهَا فِي قَوْله: {لَعَلَّ الله يحدث بعد ذَلِك أمرا} قَالَت: هِيَ الرّجْعَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ قَالَ: كَانُوا يستحبون أَن يطلقهَا وَاحِدَة ثمَّ يَدعهَا حَتَّى تَنْقَضِي عدتهَا لِأَنَّهُ لَا يدْرِي لَعَلَّه ينْكِحهَا قَالَ: وَكَانُوا يتأولون هَذِه الْآيَة {لَا تَدْرِي لَعَلَّ الله يحدث بعد ذَلِك أمرا} لَعَلَّه يرغب فِيهَا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن فَاطِمَة بنت قيس فِي قَوْله: {لَعَلَّ الله يحدث بعد ذَلِك أمرا} لَعَلَّه يرغب فِي رَجعتهَا
وَأخرج عبد بن حميد عَن الضَّحَّاك وَالشعْبِيّ رَضِي الله عَنهُ مثله
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن عَطاء قَالَ: النِّكَاح بالشهود وَالطَّلَاق بالشهود والمراجعة بالشهود(8/194)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن ابْن سِيرِين رَضِي الله عَنهُ أَن رجلا سَأَلَ عمرَان ابْن حُصَيْن عَن رجل طلق وَلم يشْهد وراجع وَلم يشْهد قَالَ: بئْسَمَا صنع طلق فِي بِدعَة وارتجع فِي غير سنة فليشهد على طَلَاقه وعَلى مُرَاجعَته وليستغفر الله
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ قَالَ: الْعدْل فِي الْمُسلمين من لم تظهر مِنْهُ رِيبَة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الضَّحَّاك {وَأقِيمُوا الشَّهَادَة لله} قَالَ: إِذا أشهدتم على شَيْء فأقيموه
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَن رجلا سَأَلَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الشَّهَادَة فَقَالَ: لَا تشهد إِلَّا على مثل الشَّمْس أَو دع
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا تشهد على شَهَادَة حَتَّى تكون عنْدك أَضْوَأ من الشَّمْس
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي قَتَادَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: خَيركُمْ من كَانَت عِنْده شَهَادَة لَا يعلمهَا فتعجلها قبل أَن يسْأَلهَا
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن مَسْعُود فِي قَوْله: {وَمن يتق الله يَجْعَل لَهُ مخرجا} قَالَ: مخرجه أَن يعلم أَنه قبل أَمر الله وَأَن الله هُوَ الَّذِي يُعْطِيهِ وَهُوَ يمنعهُ وَهُوَ يبتله (يَبْتَلِيه) وَهُوَ يعافيه وَهُوَ يدْفع عَنهُ وَفِي قَوْله: {وَيَرْزقهُ من حَيْثُ لَا يحْتَسب} قَالَ: يَقُول: من حَيْثُ لَا يدْرِي
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن مَسْرُوق مثله
وَأخرج عبد بن حميد وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن قَتَادَة {وَمن يتق الله يَجْعَل لَهُ مخرجا} قَالَ: من شُبُهَات الدُّنْيَا وَالْكرب عِنْد الْمَوْت وإفزاع يَوْم الْقِيَامَة فالزموا تقوى الله فَإِن مِنْهَا الرزق من الله فِي الدُّنْيَا وَالثَّوَاب فِي الْآخِرَة قَالَ الله: (وَإِذا تَأذن ربكُم لَئِن شكرتم لأزيدنكم وَلَئِن كَفرْتُمْ إِن عَذَابي لشديد) (سُورَة إِبْرَاهِيم الْآيَة 7) وَقَالَ: هَهُنَا {وَيَرْزقهُ من حَيْثُ لَا يحْتَسب} قَالَ: من حَيْثُ لَا يؤمل وَلَا يَرْجُو
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {وَمن يتق الله يَجْعَل لَهُ مخرجا وَيَرْزقهُ من حَيْثُ لَا يحْتَسب}(8/195)
قَالَ: ينجيه من كل كرب فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة
وَأخرج أَبُو يعلى وَأَبُو نعيم والديلمي من طَرِيق عَطاء بن يسَار عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله: {وَمن يتق الله يَجْعَل لَهُ مخرجا} قَالَ: من شُبُهَات الدُّنْيَا وَمن غَمَرَات الْمَوْت وَمن شَدَائِد يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه وَابْن عَسَاكِر عَن عبَادَة بن الصَّامِت قَالَ: طلق بعض آبَائِي امْرَأَته ألفا فَانْطَلق بنوه إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالُوا يَا رَسُول الله: إِن أَبَانَا طلق أمنا ألفا فَهَل لَهُ من مخرج فَقَالَ: إِن أَبَاكُم لم يتق الله فَيجْعَل لَهُ من أمره مخرجا بَانَتْ مِنْهُ بِثَلَاث على غير السّنة وَالْبَاقِي أَثم فِي عُنُقه
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ وَضَعفه الذَّهَبِيّ من طَرِيق سَالم بن أبي الْجَعْد عَن جَابر قَالَ: نزلت هَذِه الْآيَة {وَمن يتق الله يَجْعَل لَهُ مخرجا وَيَرْزقهُ من حَيْثُ لَا يحْتَسب} فِي رجل من أَشْجَع كَانَ فَقِيرا خَفِيف ذَات الْيَد كثير الْعِيَال فَأتى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَسَأَلَهُ فَقَالَ: اتَّقِ الله واصبر فَلم يلبث إِلَّا يَسِيرا حَتَّى جَاءَ ابْن لَهُ يُقَال لَهُ أَبُو نعيم كَانَ الْعَدو أَصَابُوهُ فَأتى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَسَأَلَهُ غَيره وَأخْبرهُ خَبَرهَا فَنزلت {وَمن يتق الله} الْآيَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن سَالم بن أبي الْجَعْد قَالَ: نزلت هَذِه الْآيَة {وَمن يتق الله يَجْعَل لَهُ مخرجا} فِي رجل من أَشْجَع أَصَابَهُ جهد وبلاء وَكَانَ الْعَدو أَسرُّوا ابْنه فَأتى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: اتَّقِ الله واصبر فَرجع ابْن لَهُ كَانَ أَسِيرًا قد فكه الله فَأَتَاهُم وَقد أصَاب أَعْنُزًا فجَاء فَذكر ذَلِك للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَنزلت فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: هِيَ لَك
وَأخرج الْخَطِيب فِي تَارِيخه من طَرِيق جُوَيْبِر عَن الضَّحَّاك عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وَمن يتق الله يَجْعَل لَهُ} الْآيَة قَالَ: نزلت هَذِه الْآيَة فِي ابْن لعوف بن مَالك الْأَشْجَعِيّ وَكَانَ الْمُشْركُونَ أسروه وأوثقوه وأجاعوه فَكتب إِلَى أَبِيه أَن ائْتِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأعلمهُ مَا أَنا فِيهِ من الضّيق والشدة فَلَمَّا أخبر رَسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: اكْتُبْ إِلَيْهِ وَأخْبرهُ ومره بالتقوى والتوكل على الله وَأَن يَقُول عِنْد صباحه ومسائه (لقد جَاءَكُم رَسُول من أَنفسكُم عَزِيز عَلَيْهِ مَا عنتم حَرِيص(8/196)
عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رؤوف رَحِيم) (سُورَة التَّوْبَة الْآيَة 128) (فَإِن توَلّوا فَقل حسبي الله لَا إِلَه إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ توكلت وَهُوَ رب الْعَرْش الْعَظِيم) (سُورَة التَّوْبَة الْآيَة 129) فَلَمَّا ورد عَلَيْهِ الْكتاب قَرَأَهُ فَأطلق الله وثَاقه فَمر بواديهم الَّتِي ترعى فِيهِ إبلهم وغنمهم فَاسْتَاقَهَا فجَاء بهَا إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ يَا رَسُول الله: إِنِّي اغتلتهم بعد مَا أطلق الله وثاقي فحلا هِيَ أم حرَام قَالَ: بل هِيَ حَلَال إِذا شِئْنَا خمسنا فَأنْزل الله {وَمن يتق الله يَجْعَل لَهُ مخرجا وَيَرْزقهُ من حَيْثُ لَا يحْتَسب وَمن يتوكل على الله فَهُوَ حَسبه إِن الله بَالغ أمره قد جعل الله لكل شَيْء} من الشدَّة والرخاء {قدرا} يَعْنِي أَََجَلًا
وَقَالَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا: من قَرَأَ هَذِه الْآيَة عَن سُلْطَان يخَاف غشمه أَو عِنْد موج يخَاف الْغَرق أوعند سبع لم يضرّهُ شَيْء من ذَلِك
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق الْكَلْبِيّ عَن أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: جَاءَ عَوْف بن مَالك الْأَشْجَعِيّ فَقَالَ يَا رَسُول الله: إِن ابْني أسره العدوّ وَجَزِعت أمه فَمَا تَأْمُرنِي قَالَ: آمُرك وَإِيَّاهَا أَن تستكثر من لَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه فَقَالَت الْمَرْأَة: نعم مَا أَمرك فَجعلَا يكثران مِنْهَا فتغفل عَنهُ الْعَدو فاستاق غَنمهمْ فجَاء بهَا إِلَى أَبِيه فَنزلت {وَمن يتق الله يَجْعَل لَهُ مخرجا} الْآيَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُحَمَّد بن إِسْحَق مولى أبي قيس بن مخرمَة قَالَ: جَاءَ مَالك الْأَشْجَعِيّ إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لَهُ: أسر ابْن عَوْف فَقَالَ لَهُ: ارسل إِلَيْهِ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَأْمُرك أَن تستكثر من لَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَكَانُوا قد شدوه بالقد فَسقط الْقد عَنهُ فَخرج فَإِذا هُوَ بناقتة لَهُم فركبها فَأقبل فَإِذا بسرح للْقَوْم الَّذين كَانُوا أسروه فصاح بهَا فأتبع آخرهَا أَولهَا فَلم يفجأ أَبَوَيْهِ إِلَّا وَهُوَ يُنَادي بِالْبَابِ فَأتى أَبوهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأخْبرهُ فَنزلت {وَمن يتق الله يَجْعَل لَهُ مخرجا} الْآيَة
وَأخرج عبد بن حميد وَالْحَاكِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي عُيَيْنَة وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَنهُ عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: أَتَى رجل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أرَاهُ عَوْف بن مَالك فَقَالَ: يَا(8/197)
رَسُول الله إِن بني فلَان أَغَارُوا عليّ فَذَهَبُوا بِابْني وَبكى فَقَالَ: اسْأَل الله فَرجع إِلَى امْرَأَته فَقَالَت لَهُ: مَا رد عَلَيْك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَخْبرهَا فَلم يلبث الرجل أَن رد الله إبِله وَابْنه أوفر مَا كَانَ فَأتى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأخْبرهُ فَقَامَ على الْمِنْبَر فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ وَأمرهمْ بمسئلة الله وَالرَّغْبَة لَهُ وَقَرَأَ عَلَيْهِم {وَمن يتق الله يَجْعَل لَهُ مخرجا وَيَرْزقهُ من حَيْثُ لَا يحْتَسب} وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَائِشَة فِي قَوْله: {وَمن يتق الله يَجْعَل لَهُ مخرجا} قَالَ: يَكْفِيهِ غم الدُّنْيَا وهمها
وَأخرج أَحْمد وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي ذَر قَالَ: جعل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَتْلُو هَذِه الْآيَة {وَمن يتق الله يَجْعَل لَهُ مخرجا وَيَرْزقهُ من حَيْثُ لَا يحْتَسب} فَجعل يُرَدِّدهَا حَتَّى نَعَست ثمَّ قَالَ: يَا أَبَا ذَر لَو أَن النَّاس كلهم بهَا لكفتهم
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن معَاذ بن جبل: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: يَا أَيهَا النَّاس اتَّخذُوا تقوى الله تِجَارَة يأتكم الرزق بِلَا بضَاعَة ولاتجارة ثمَّ قَرَأَ {وَمن يتق الله يَجْعَل لَهُ مخرجا وَيَرْزقهُ من حَيْثُ لَا يحْتَسب}
وَأخرج أَحْمد وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة عَن ثَوْبَان قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن العَبْد ليحرم الرزق بالذنب يُصِيبهُ وَلَا يرد الْقدر إِلَّا لدعاء وَلَا يزِيد فِي الْعُمر إِلَّا الْبر وَأخرج أَحْمد وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ: قَالَ رَسُول الله: من أَكثر من الاسْتِغْفَار جعل الله لَهُ من كل هم فرجا وَمن كل ضيق مخرجا ورزقه من حَيْثُ لَا يحْتَسب
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ والخطيب عَن عمرَان بن بن حُصَيْن رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من انْقَطع إِلَى الله كل مُؤنَة ورزقه من حَيْثُ لَا يحْتَسب وَمن انْقَطع إِلَى الدُّنْيَا وَكله الله إِلَيْهَا
وَأخرج البُخَارِيّ فِي تَارِيخه عَن إِسْمَاعِيل البجي رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَئِن انتهنيم عِنْدَمَا تؤمرون لتأكلن غير زارعين
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن بالمنذر عَن الرّبيع بن خَيْثَم رَضِي الله عَنهُ {وَمن يتق الله يَجْعَل لَهُ مخرجا} قَالَ: من كل شَيْء ضَاقَ على النَّاس(8/198)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ {وَمن يتق الله يَجْعَل لَهُ مخرجا} قَالَ: نجاة
وَأخرج أَحْمد عَن أبي ذَر رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله قَالَ لَهُ: أوصيك بتقوى الله فِي سر أَمرك وعلانيته وَإِذا أَسَأْت فَأحْسن وَلَا تسألن أحدا شَيْئا وَلَا تقبض أَمَانَة وَلَا تقض بَين اثْنَيْنِ
وَأخرج أَحْمد عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: أوصيك بتقوى الله فَإِنَّهُ رَأس كل شَيْء وَعَلَيْك بِالْجِهَادِ فَإِنَّهُ رَهْبَانِيَّة الإِسلام وَعَلَيْك بِذكر الله وتلاوة الْقُرْآن فَإِنَّهُ روحك فِي السَّمَاء وذكرك فِي الأَرْض
وَأخرج ابْن سعد وَأحمد عَن ضرغام بن عليبة بن حَرْمَلَة الْعَنْبَري عَن أَبِيه عَن جده رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أتيت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقلت يَا رَسُول الله: أوصني قَالَ: اتَّقِ الله وَإِذا كنت فِي مجْلِس فَقُمْت مِنْهُ فَسَمِعتهمْ يَقُولُونَ مَا يُعْجِبك فائته فَإِذا سمعتهم يَقُولُونَ مَا تكره فَاتْرُكْهُ
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن وهب بن مُنَبّه رَضِي الله عَنهُ قَالَ: وجدت فِي كتاب من كتب الله الْمنزلَة أَن الله عز وَجل يَقُول: إِنِّي مَعَ عَبدِي الْمُؤمن حِين يطيعني أعْطِيه قبل أَن يسألني واستجيب لَهُ قبل أَن يدعوني وَمَا ترددت فِي شَيْء ترددي عَن قبض عَبدِي الْمُؤمن إِنَّه يكره ذَلِك ويسوءه وَأَنا أكره أَن أسوءه وَلَيْسَ لَهُ مِنْهُ بُد وَمَا عِنْدِي خير لَهُ إِن عَبدِي إِذا أَطَاعَنِي وَاتبع أَمْرِي فَلَو أجلبت عَلَيْهِ السَّمَوَات السَّبع وَمن فِيهِنَّ والأرضون السَّبع بِمن فِيهِنَّ جعلت لَهُ من بَين ذَلِك الْمخْرج وَإنَّهُ إِذا عَصَانِي وَلم يتبع أَمْرِي قطعت يَدَيْهِ من أَسبَاب السَّمَاء وخسفت بِهِ الأَرْض من تَحت قَدَمَيْهِ وَتركته فِي الْأَهْوَاء لَا ينتصر من شَيْء إِن سُلْطَان الأَرْض مَوْضُوع خامد عِنْدِي كَمَا يضع أحدكُم سلاحه عَنهُ لَا يقطع سيف إِلَّا بيد وَلَا يضْرب سَوط إِلَّا بيد لَا يصل من ذَلِك إِلَى شَيْء إِلَّا بإذني
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كتب زِيَاد إِلَى الحكم بن عَمْرو الْغِفَارِيّ وَهُوَ على خُرَاسَان أَن أَمِير الْمُؤمنِينَ كتب إليّ أَن يصطفى لَهُ الصَّفْرَاء والبيضاء فَلَا يقسم بَين النَّاس ذهب وَلَا فضَّة فَكتب إِلَيْهِ: بَلغنِي كتابك وَإِنِّي وجدت كتاب الله قبل كتاب أَمِير الْمُؤمنِينَ وَإنَّهُ وَالله لَو أَن السَّمَوَات وَالْأَرْض كَانَتَا(8/199)
رتقاً على عَبده ثمَّ اتَّقى الله جعل لَهُ مخرجا وَالسَّلَام عَلَيْك ثمَّ قَالَ: أَيهَا النَّاس اغدوا على مالكم فَقَسمهُ بَينهم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عُرْوَة أَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا كتبت إِلَى مُعَاوِيَة: أوصيك بتقوى الله فَإنَّك إِن اتَّقَيْت الله كَفاك النَّاس وَإِن اتَّقَيْت النَّاس لم يغنوا عَنْك من الله شَيْئا
وَأخرج ابْن حبَان فِي الضُّعَفَاء وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان والعسكري فِي الْأَمْثَال عَن عليّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِنَّمَا تكون الصنيعة إِلَى ذِي دين أَو حسب وَجِهَاد الضُّعَفَاء الْحَج وَجِهَاد الْمَرْأَة حسن البتعل لزَوجهَا والتودد نصف الإِيمان وَمَا عَال امْرُؤ على اقتصاد واستنزلوا الرزق بِالصَّدَقَةِ وأبى الله أَن يَجْعَل أرزاق عباده الْمُؤمنِينَ إِلَّا من حَيْثُ لَا يحتسبون
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قي قَوْله: {وَمن يتوكل على الله فَهُوَ حَسبه} قَالَ: لَيْسَ المتَوَكل الَّذِي يَقُول تقضي حَاجَتي وَلَيْسَ كل من توكل على الله كَفاهُ مَا أهمه وَدفع عَنهُ مَا يكره وَقضى حَاجته وَلَكِن الله جعل فضل من توكل على من لم يتوكل أَن يكفر عَنهُ سيئاته ويعظم لَهُ أجرا وَفِي قَوْله: {قد جعل الله لكل شَيْء قدرا} قَالَ: يَعْنِي أَََجَلًا ومنتهى يَنْتَهِي إِلَيْهِ
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَو أَنكُمْ تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كَمَا يرْزق الطير تَغْدُو خماصاً وَتَروح بطاناً
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من رَضِي وقنع وتوكل كفي الطّلب
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رفع الحَدِيث إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: من أحب أَن يكون أقوى النَّاس فَليَتَوَكَّل على الله وَمن أحب أَن يكون أغْنى النَّاس فَلْيَكُن بِمَا فِي يَد الله أوثق مِنْهُ بِمَا فِي يَده وَمن أحب أَن يكون أكْرم النَّاس فليتق الله
وَأخرج أَبُو دَاوُد وزالترمذي وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من نزلت بِهِ فاقة فأنزلها بِالنَّاسِ لم تسد فاقته وَمن نزلت بِهِ فاقة فأنزلها بِاللَّه فيوشك الله لَهُ برزق عَاجل أَو آجل(8/200)
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من جَاع أَو احْتَاجَ فكتمه النَّاس وأفضى بِهِ إِلَى الله كَانَ حَقًا على الله أَن يفتح لَهُ قوت سنة من حَلَال
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن وهب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: يَقُول الله تبَارك وَتَعَالَى: وَإِذا توكل عليّ عَبدِي لَو كادته السَّمَوَات وَالْأَرْض جعلت لَهُ من بَين ذَلِك الْمخْرج
وَأخرج عبد الله ابْنه فِي زَوَائِد الزّهْد عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: أوحى الله إِلَى عِيسَى اجْعَلنِي من نَفسك لهمك واجعلني ذخْرا لمعادك وتوكل عليَّ أكفك وَلَا تول غَيْرِي فَأخذ لَك
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن عمار بن يَاسر قَالَ: كفى بِالْمَوْتِ واعظاً وَكفى بِالْيَقِينِ غنى وَكفى بِالْعبَادَة شغلا
الْآيَة 4 - 5(8/201)
وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا (4) ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا (5)
أخرج إِسْحَق بن رَاهَوَيْه وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن أبي بن كَعْب أَن نَاسا من أهل الْمَدِينَة لما أنزلت هَذِه الْآيَة الَّتِي فِي الْبَقَرَة فِي عدَّة النِّسَاء قَالُوا: لقد بَقِي من عدَّة النِّسَاء مُدَّة لم تذكر فِي الْقُرْآن: الصغار والكبار اللائي قد انْقَطع عَنْهُن الْحيض وَذَوَات الْحمل فَأنْزل الله الَّتِي فِي سُورَة النِّسَاء الْقصرى {واللائي يئسن من الْمَحِيض} الْآيَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن مرْدَوَيْه من وَجه آخر عَن أبي كَعْب قَالَ: لما نزلت عدَّة الْمُتَوفَّى والمطلقة قلت يَا رَسُول الله: بَقِي نسَاء الصَّغِيرَة والكبيرة وَالْحَامِل فَنزلت {واللائي يئسن من الْمَحِيض} الْآيَة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر من طَرِيق الثَّوْريّ عَن إِسْمَاعِيل قَالَ: لما نزلت هَذِه الْآيَة (والمطلقات يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَة قُرُوء) (سُورَة الْبَقَرَة الْآيَة 228) سَأَلُوا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالُوا:(8/201)
يَا رَسُول الله أَرَأَيْت الَّتِي لم تَحض وَالَّتِي قد يئست من الْمَحِيض فَاخْتَلَفُوا فيهمَا فَأنْزل الله {إِن ارتبتم} يَعْنِي إِن شَكَكْتُمْ {فعدتهن ثَلَاثَة أشهر واللائي لم يحضن وَأولَات الْأَحْمَال أَجلهنَّ أَن يَضعن حَملهنَّ}
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة {واللائي يئسن من الْمَحِيض من نِسَائِكُم إِن ارتبتم فعدتهن ثَلَاثَة أشهر} قَالَ: هن اللَّاتِي قعدن عَن الْمَحِيض {واللائي لم يحضن} فهن الْأَبْكَار الْحوَاري اللَّاتِي لم يبلغن الْمَحِيض {فعدتهن ثَلَاثَة أشهر واللائي لم يحضن وَأولَات الْأَحْمَال أَجلهنَّ أَن يَضعن حَملهنَّ} فَإِذا نفضت الرَّحِم مَا فِيهَا فقد انْقَضتْ عدتهَا قَالَ: وَذكر لنا أَن سبيعة بنت الْحَارِث الأسْلَمِيَّة وضعت بعد وَفَاة زَوجهَا بِخمْس عشرَة لَيْلَة فَأمرهَا نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن تزوّج قَالَ: وَكَانَ عمر يَقُول: لَو وضعت مَا فِي بَطنهَا وَهُوَ مَوْضُوع على سَرِيره من قبل أَن يقبر لحلت
وَأخرج عبد بن حميد عَن الضَّحَّاك {واللائي يئسن من الْمَحِيض من نِسَائِكُم إِن ارتبتم فعدتهن ثَلَاثَة أشهر} قَالَ: الْعَجُوز الْكَبِيرَة الَّتِي قد يئست من الْمَحِيض فعدتها ثَلَاثَة أشهر {وَأولَات الْأَحْمَال أَجلهنَّ أَن يَضعن حَملهنَّ}
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن جرير عَن مُجَاهِد {إِن ارتبتم} قَالَ: إِن لم تعلمُوا أتحيض أم لَا فالتي قعدت عَن الْمَحِيض وَالَّتِي لم تَحض بعد {فعدتهن ثَلَاثَة أشهر}
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَامر الشّعبِيّ {إِن ارتبتم} قَالَ: فِي الْمَحِيض أتحيض أم لَا
وَأخرج عبد حميد عَن حَمَّاد بن زيد قَالَ: فسر أَيُّوب هَذِه الْآيَة {إِن ارتبتم فعدتهن ثَلَاثَة أشهر} قَالَ: تَعْتَد تِسْعَة أشهر فَإِن لم تَرَ حملا فَتلك الرِّيبَة قَالَ: اعْتدت الْآن بِثَلَاثَة أشهر
وَأخرج عبد بن حميد عَن إِبْرَاهِيم قَالَ: تَعْتَد الْمَرْأَة بِالْحيضِ وَإِن كَانَ كل سنة مرّة فَإِن كَانَت لَا تحيض اعْتدت بِالْأَشْهرِ وَإِن حَاضَت قبل أَن توفّي الْأَشْهر اعْتدت بِالْحيضِ من ذِي قبل
وَأخرج عبد بن حميد عَن الشّعبِيّ قَالَ: تَعْتَد بِالْحيضِ وَإِن لم تَحض إِلَّا فِي كل سنة مرّة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن عِكْرِمَة أَنه سُئِلَ عَن الْمَرْأَة تحيض فَكثر دَمهَا حَتَّى لَا(8/202)
تَدْرِي كَيفَ حَيْضَتهَا قَالَ: تَعْتَد ثَلَاثَة أشهر وَهِي الرِّيبَة الَّتِي قَالَ الله: {إِن ارتبتم} قضى بذلك ابْن عَبَّاس وَزيد بن ثَابت
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَمْرو بن دِينَار عَن جَابر بن زيد فِي الْمَرْأَة الشَّابَّة تطلق فيرتفع حَيْضهَا فَمَا تَدْرِي مَا رَفعهَا قَالَ: تَعْتَد بِالْحيضِ وَقَالَ طَاوُوس: تَعْتَد بِثَلَاثَة أشهر
وَأخرج عبد بن حميد عَن سعيد بن الْمسيب قَالَ: قضى عمر فِي الْمَرْأَة الَّتِي يطلقهَا زَوجهَا تَطْلِيقَة ثمَّ تحيض حَيْضَة وحيضتين ثمَّ ترْتَفع حَيْضَتهَا لَا تَدْرِي مَا الَّذِي رَفعهَا أَنَّهَا تربص بِنَفسِهَا مَا بَينهَا وَبَين تِسْعَة أشهر فَإِن استبان حمل فَهِيَ حَامِل وَإِن مر تِسْعَة أشهر وَلَا حمل بهَا اعْتدت ثَلَاثَة أشهر بعد ذَلِك ثمَّ قد حلت
وَأخرج عبد الله فِي زَوَائِد الْمسند وَابْن مرْدَوَيْه عَن أُبيّ بن كَعْب قَالَ: قلت للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وَأولَات الْأَحْمَال أَجلهنَّ أَن يَضعن حَملهنَّ} أَهِي الْمُطلقَة ثَلَاثًا والمتوفي عَنْهَا زَوجهَا قَالَ: هِيَ الْمُطلقَة ثَلَاثًا والمتوفي عَنْهَا زَوجهَا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالدَّارَقُطْنِيّ من وَجه آخر عَن أبيّ بن كَعْب قَالَ: لما نزلت هَذِه الْآيَة قلت لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَا رَسُول الله: هَذِه الْآيَة مُشْتَركَة أم مُبْهمَة قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَيَّة آيَة قلت: {وَأولَات الْأَحْمَال أَجلهنَّ أَن يَضعن حَملهنَّ} الْمُطلقَة والمتوفي عَنْهَا زَوجهَا قَالَ: نعم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة وَسَعِيد بن مَنْصُور وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه من طرق عَن ابْن مَسْعُود أَنه بلغه أَن عليا يَقُول: تَعْتَد آخر الْأَجَليْنِ فَقَالَ: من شَاءَ لَاعَنته إِن الْآيَة الَّتِي نزلت فِي سُورَة النِّسَاء الْقصرى نزلت بعد سُورَة الْبَقَرَة {وَأولَات الْأَحْمَال أَجلهنَّ أَن يَضعن حَملهنَّ} بِكَذَا وَكَذَا شهرا فَكل مُطلقَة أَو متوفى عَنْهَا زَوجهَا فأجلها أَن تضع حملهَا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: من شَاءَ حافته أَن سُورَة النِّسَاء الصُّغْرَى أنزلت بعد الْأَرْبَعَة أشهر وَعشرا {وَأولَات الْأَحْمَال أَجلهنَّ أَن يَضعن حَملهنَّ}
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: من شَاءَ لَاعَنته إِن الْآيَة الَّتِي فِي(8/203)
سُورَة النِّسَاء الْقصرى {وَأولَات الْأَحْمَال أَجلهنَّ أَن يَضعن حَملهنَّ} نسخت مَا فِي الْبَقَرَة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: نسخت سُورَة النِّسَاء الْقصرى كل عدَّة {وَأولَات الْأَحْمَال أَجلهنَّ أَن يَضعن حَملهنَّ} أجل كل حَامِل مُطلقَة أَو متوفى عَنْهَا زَوجهَا أَن تضع حملهَا
وَأخرج الْحَاكِم فِي التَّارِيخ والديلمي عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ مَرْفُوعا
وَأخرج عبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: اتجعلون عَلَيْهَا التَّغْلِيظ وَلَا تَجْعَلُونَ لَهَا الرُّخْصَة أنزلت سُورَة النِّسَاء الْقصرى بعد الطُّولى {وَأولَات الْأَحْمَال أَجلهنَّ أَن يَضعن حَملهنَّ} إِذا وضعت فقد انْقَضتْ الْعدة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: نزلت سُورَة النِّسَاء الْقصرى بعد الَّتِي فِي الْبَقَرَة بِسبع سِنِين
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن أبيّ بن كَعْب قَالَ: قلت يَا رَسُول الله إِنِّي أسمع الله يذكر {وَأولَات الْأَحْمَال أَجلهنَّ أَن يَضعن حَملهنَّ} فالحامل الْمُتَوفَّى عَنْهَا زَوجهَا أَن تضع حملهَا فَقَالَ لي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: نعم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن قَالَ: كنت أَنا وَابْن عَبَّاس وَأَبُو هُرَيْرَة فجَاء رجل فَقَالَ: افتني فِي امْرَأَة ولدت بعد زَوجهَا بِأَرْبَعِينَ لَيْلَة أحلّت فَقَالَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا: تَعْتَد آخر الْأَجَليْنِ قلت أَنا {وَأولَات الْأَحْمَال أَجلهنَّ أَن يَضعن حَملهنَّ} قَالَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا: ذَلِك فِي الطَّلَاق قَالَ أَبُو سَلمَة: أَرَأَيْت لَو أَن امْرَأَة أخر حملهَا سنة فَمَا عدتهَا قَالَ ابْن عَبَّاس: آخر الْأَجَليْنِ
قَالَ أَبُو هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ: أَنا مَعَ أخي أبي سَلمَة
فَأرْسل ابْن عَبَّاس غُلَامه كريباً إِلَى أم سَلمَة يسْأَلهَا هَل مَضَت فِي ذَلِك سنة فَقَالَت: قتل زَوجهَا سبيعة الأسْلَمِيَّة وَهِي حُبْلَى فَوضعت بعد مَوته بِأَرْبَعِينَ لَيْلَة فَخطبت فَأَنْكحهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي السنابل بن بعكك أَن سبيعة بنت الْحَارِث وضعت بعد وَفَاة زَوجهَا بِثَلَاثَة وَعشْرين يَوْمًا فتشوّفت(8/204)
للنِّكَاح فَأنْكر ذَلِك عَلَيْهَا أَو عيب فَسئلَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: إِن تفعل فقد خلا أجلهَا
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: مكثت امْرَأَة ثَلَاثًا وَعشْرين لَيْلَة ثمَّ وضعت فَأَتَت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذكرت ذَلِك لَهُ فَقَالَ: استفحلي لأمرك يَقُول: تزوجي
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن مرْدَوَيْه عَن سبيعة الأسْلَمِيَّة أَنَّهَا توفّي زَوجهَا فَوضعت بعد وَفَاته بِخمْس وَعشْرين لَيْلَة فتهيأت فَقَالَ لَهَا أَبُو السنابل بن بعكك: قد أسرعت اعْتدي آخر الْأَجَليْنِ أَرْبَعَة أشهر وَعشرا قَالَت: فَأتيت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَخْبَرته فَقَالَ: إِن وجدت زوجا صَالحا زَوجي
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن الْمسور بن مخرمَة أَن زوج سبيعة الأسْلَمِيَّة توفّي وَهِي حَامِل فَلم يتمكث إِلَّا ليَالِي يسيرَة حَتَّى نفست فَلَمَّا تعلت من نفَاسهَا ذكرت ذَلِك لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأذن لَهَا فنكحت
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن أَن امْرَأَة توفّي عَنْهَا زَوجهَا فَولدت بعد أَيَّام فاختضبت وتزينت فَمر بهَا أَبُو السنابل بن بعكك فَقَالَ: كذبت إِنَّمَا هُوَ آخر الْأَجَليْنِ فَأَتَت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَخْبَرته بذلك فَقَالَ: كذب أَبُو السنابل تزوجي
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن أَنه تمارى هُوَ وَابْن عَبَّاس فِي الْمُتَوفَّى عَنْهَا زَوجهَا وَهِي حُبْلَى فَقَالَ ابْن عَبَّاس: آخر الْأَجَليْنِ وَقَالَ أَبُو سَلمَة: إِذا ولدت فقد حلت فجَاء أَبُو هُرَيْرَة فَقَالَ: أَنا مَعَ ابْن أخي لأبي سَلمَة ثمَّ أرْسلُوا إِلَى عَائِشَة فَسَأَلُوهَا فَقَالَت: ولدت سبيعة بعد موت زَوجهَا بِليَال فاستأذنت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأمرهَا فنكحت
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن عبيد الله بن عبد الله قَالَ: أرسل مَرْوَان عبد الله بن عتبَة إِلَى سبيعة بنت الْحَارِث ليسألها عَمَّا أفتاها رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَخْبَرته أَنَّهَا كَانَت عِنْد سعد بن خَوْلَة فَتوفي عَنْهَا فِي حجَّة الْوَدَاع وَكَانَ بَدْرِيًّا فَوضعت حملهَا قبل أَن تمْضِي أَرْبَعَة أشهر وَعشر من وَفَاته فتلقاها أَبُو السنابل بن بعكك حِين تعلت من نفَاسهَا وَقد اكتحلت وتزينت فَقَالَ: لَعَلَّك تريدين النِّكَاح إِنَّهَا أَرْبَعَة أشهر وَعشرا من وَفَاة زَوجك
قَالَت فَأتيت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذكرت ذَلِك لَهُ وَذكرت لَهُ(8/205)
مَا قَالَ أَبُو السنابل فَقَالَ لَهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: اربعي بِنَفْسِك فقد حل أَجلك إِذا وضعت حملك
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي شيبَة عَن عليّ فِي الْحَامِل إِذا وضعت بعد وَفَاة زَوجهَا قَالَ: تَعْتَد أَرْبَعَة أشهر وَعشرا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد عَن ابْن عَبَّاس أَنه كَانَ يَقُول فِي الْحَامِل الْمُتَوفَّى عَنْهَا زَوجهَا: تنْتَظر آخر الْأَجَليْنِ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن سعيد بن الْمسيب أَن عمر اسْتَشَارَ عليّ بن أبي طَالب وَزيد بن ثَابت قَالَ زيد: قد حلت وَقَالَ عليّ: أَرْبَعَة أشهر وَعشرا
قَالَ زيد: أَرَأَيْت إِن كَانَت آيساً قَالَ عليّ فآخر الْأَجَليْنِ
قَالَ عمر: لَو وضعت ذَا بَطنهَا وَزوجهَا على نعشه لم يدْخل حفرته لكَانَتْ قد حلت
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن مُغيرَة قَالَ: قلت لِلشَّعْبِيِّ: مَا أصدق أَن عليّ بن أبي طَالب كَانَ يَقُول: عدَّة المتوفي عَنْهَا زَوجهَا آخر الْأَجَليْنِ قَالَ: بلَى فَصدق بِهِ كأشد مَا صدقت بِشَيْء كَانَ عليّ يَقُول: إِنَّمَا قَوْله: {وَأولَات الْأَحْمَال أَجلهنَّ أَن يَضعن حَملهنَّ} فِي الْمُطلقَة
وَأخرج مَالك وَالشَّافِعِيّ وَعبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة عَن ابْن عمر أَنه سُئِلَ عَن الْمَرْأَة يتوفى عَنْهَا زَوجهَا وَهِي حَامِل فَقَالَ: إِذا وضعت حملهَا فقد حلت فَأخْبرهُ رجل من الْأَنْصَار أَن عمر بن الْخطاب قَالَ: لَو ولدت وَزوجهَا على سَرِيره لم يدْفن لحلت
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن الْحسن قَالَ: إِذا أَلْقَت الْمَرْأَة شَيْئا يعلم أَنه من حمل فقد انْقَضتْ بِهِ الْعدة وأعتقت أم الْوَلَد
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن وَمُحَمّد قَالَا: إِذا سَقَطت الْمَرْأَة فقد انْقَضتْ عدتهَا
وَأخرج عبد بن حميد عَن الشّعبِيّ قَالَ: إِذا نكس فِي الْخلق الرَّابِع وَكَانَ مخلقاً اعتقت بِهِ الْأمة وَانْقَضَت بِهِ الْعدة
وَأخرج أبي شيبَة عَن ابْن عَبَّاس أَنه سُئِلَ عَن رجل اشْترى جَارِيَة وَهِي حَامِل أيطؤها قَالَ: لَا وَقَرَأَ {وَأولَات الْأَحْمَال أَجلهنَّ أَن يَضعن حَملهنَّ}(8/206)
الْآيَة 6 - 7(8/207)
أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى (6) لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا (7)
أخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة {أسكنوهن من حَيْثُ سكنتم من وجدكم} قَالَ: إِن لم تَجِد لَهَا إِلَّا نَاحيَة بَيْتك فأسكنها فِيهِ
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {من حَيْثُ سكنتم من وجدكم} قَالَ: من سعتكم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {من حَيْثُ سكنتم من وجدكم} قَالَ: من سعتكم {وَلَا تضاروهن لتضيقوا عَلَيْهِنَّ} قَالَ: فِي الْمسكن
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ {من وجدكم} مَرْفُوعَة الْوَاو وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وَإِن كن أولات حمل فأنفقوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضعن حَملهنَّ} قَالَ: فَهَذِهِ الْمَرْأَة يطلقهَا زَوجهَا وَهِي حَامِل فَأمر الله أَن يسكنهَا أَو ينْفق عَلَيْهَا حَتَّى تضع وَإِن أَرْضَعَتْه فحتى تفطم فَإِن أبان طَلاقهَا وَلَيْسَ بهَا حمل فلهَا السُّكْنَى حَتَّى تَنْقَضِي عدتهَا وَلَا نَفَقَة لَهَا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة {فَإِن أرضعن لكم} الْآيَة قَالَ: هِيَ أَحَق بِوَلَدِهَا أَن تَأْخُذهُ بِمَا كنت مسترضعاً بِهِ غَيرهَا
أخرج عبد بن حميد عَن سعيد بن جُبَير {وَإِن تعاسرتم فسترضع لَهُ أُخْرَى} قَالَ: إِذا قَامَ الرَّضَاع مسترضعاً بِهِ غَيرهَا
وَأخرج عبد بن حميد عَن سعيد بن جُبَير {وَإِن تعاسرتم فسترضع لَهُ أُخْرَى} قَالَ: إِذا قَامَ الرَّضَاع على شَيْء خيرت الْأُم
وَأخرج عبد بن حميد عَن إِبْرَاهِيم وَالضَّحَّاك وقَتَادَة مثله(8/207)
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {لينفق ذُو سَعَة من سعته وَمن قدر عَلَيْهِ رزقه فلينفق مِمَّا أَتَاهُ الله} الْآيَة قَالَ عليّ: الْمُطلقَة إِذا أرضعت لَهُ
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله: {وَمن قدر عَلَيْهِ رزقه} قَالَ: قتر {فلينفق مِمَّا آتَاهُ الله} قَالَ: أعطَاهُ {لَا يُكَلف الله نفسا إِلَّا مَا آتاها} قَالَ: أَعْطَاهَا
وَأخرج ابْن جرير عَن أبي سِنَان قَالَ: سَأَلَ عمر بن الْخطاب عَن أبي عُبَيْدَة فَقيل لَهُ: إِنَّه يلبس الغليظ من الثِّيَاب وَيَأْكُل أخشن الطَّعَام فَبعث إِلَيْهِ بِأَلف دِينَار وَقَالَ للرسول: أنظر مَا يصنع بهَا إِذا هُوَ أَخذهَا فَمَا لبث أَن لبس أَلين الثِّيَاب وَأكل أطيب الطَّعَام فجَاء الرَّسُول فَأخْبرهُ فَقَالَ: رَحمَه الله تَأَول هَذِه الْآيَة {لينفق ذُو سَعَة من سعته وَمن قدر عَلَيْهِ رزقه فلينفق مِمَّا أَتَاهُ الله}
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان وَضَعفه عَن طَاوُوس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن الْمُؤمن أَخذ من الله أدباً حسنا إِذا وسع عَلَيْهِ وسع على نسفه وَإِذا أمسك عَلَيْهِ أمسك
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عليّ قَالَ: جَاءَ رجل إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ لَهُ مائَة وقية بِعشر أواقن وجاءه رجل كَانَ لَهُ مائَة دِينَار بِعشر دَنَانِير وجاءه رجل لَهُ عشرَة دَنَانِير بِدِينَار فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَنْتُم فِي الْأجر سَوَاء كل وَاحِد مِنْكُم جَاءَ بِعشر مَاله ثمَّ قَرَأَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {لينفق ذُو سَعَة من سعته}
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن أبي مَالك الْأَشْعَرِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ثَلَاثَة نفر كَانَ لأَحَدهم عشرَة دَنَانِير فَتصدق مِنْهَا بِدِينَار وَكَانَ لآخر عشر أَوَاقٍ فَتصدق مِنْهَا بأوقية وَكَانَ لآخر مائَة أُوقِيَّة فَتصدق مِنْهَا بِعشْرَة أَوَاقٍ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: هم فِي الْأجر سَوَاء كل تصدق بِعشر مَاله قَالَ الله: {لينفق ذُو سَعَة من سعته}
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن معمر قَالَ: سَأَلت الزُّهْرِيّ عَن الرجل لَا يجد مَا ينْفق على امْرَأَته يفرق بَينهمَا قَالَ: يستأني لَهُ وَلَا يفرق بَينهمَا وتلا {لَا يُكَلف الله نفسا إِلَّا مَا آتاها سَيجْعَلُ الله بعد عسر يسرا} قَالَ معمر: وَبَلغنِي أَن عمر بن عبد الْعَزِيز قَالَ مثل قَول الزُّهْرِيّ(8/208)
الْآيَة 8 - 12(8/209)
وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُكْرًا (8) فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْرًا (9) أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا (10) رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقًا (11) اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا (12)
أخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {فحاسبناها حسابا شَدِيدا} يَقُول: لم ترحم {وعذبناها عذَابا نكراً} يَقُول: عَظِيما مُنْكرا
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ {عذَابا نكراً} مثقلة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد {فذاقت وبال أمرهَا} قَالَ: جَزَاء أمرهَا
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة {فذاقت وبال أمرهَا} قَالَ: عُقُوبَة أمرهَا
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس {قد أنزل الله إِلَيْكُم ذكرا رَسُولا} قَالَ: مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ {آيَات مبينات} بِنصب الْيَاء وَالله تَعَالَى أعلم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر من طَرِيق أبي رزين قَالَ: سَأَلت ابْن عَبَّاس هَل تَحت الأَرْض خلق قَالَ: نعم ألم تَرَ إِلَى قَوْله: {خلق سبع سماوات وَمن الأَرْض مِثْلهنَّ يتنزل الْأَمر بَينهُنَّ}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر من طَرِيق سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ لَهُ رجل {الله الَّذِي خلق سبع سماوات وَمن الأَرْض مِثْلهنَّ} إِلَى آخر السُّورَة فَقَالَ ابْن عَبَّاس: للرجل مَا يُؤمنك إِن أخْبرك بهَا فتكفر(8/209)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {خلق سبع سماوات وَمن الأَرْض مِثْلهنَّ} قَالَ: فِي كل سَمَاء وَفِي كل أَرض خلق من خلقه وَأمر من أمره وَقَضَاء من قَضَائِهِ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {يتنزل الْأَمر بَينهُنَّ} قَالَ: من السَّمَاء السَّابِعَة إِلَى الأَرْض السَّابِعَة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله: {يتنزل الْأَمر بَينهُنَّ} قَالَ: السَّمَاء مَكْفُوفَة وَالْأَرْض مَكْفُوفَة
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن فِي الْآيَة قَالَ: بَين كل سَمَاء وَأَرْض خلق وَأمر
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله: {خلق سبع سماوات وَمن الأَرْض مِثْلهنَّ} قَالَ: بَلغنِي أَن عرض كل أَرض مسيرَة خَمْسمِائَة سنة وَأَن بَين أَرضين مسيرَة خَمْسمِائَة سنة وأخبرت أَن الرّيح بَين الأَرْض الثَّانِيَة وَالثَّالِثَة وَالْأَرْض السَّابِعَة فَوق الثرى وَاسْمهَا تخوم وَأَن أَرْوَاح الْكفَّار فِيهَا وَلها فِيهَا الْيَوْم حنين فَإِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة ألقتهم إِلَى برهوت فَاجْتمع أنفس الْمُسلمين بالجابية وَالثَّرَى فَوق الصَّخْرَة الَّتِي قَالَ الله فِي صَخْرَة والصخرة خضراء مكللة والصخرة على الثور والثور لَهُ قرنان وَله ثَلَاث قَوَائِم يبتلع مَاء الأَرْض كلهَا يَوْم الْقِيَامَة والثور على الْحُوت وذنب الْحُوت عِنْد رَأسه مستدير تَحت الأَرْض السُّفْلى وطرفاه منعقدان تَحت الْعَرْش وَيُقَال: الأَرْض السُّفْلى على عمد من قَرْني الثور وَيُقَال: بل على ظَهره واسْمه بهموت يأثرون أَنَّهُمَا نزل أهل الْجنَّة فيشبعون من زَائِد كبد الْحُوت وَرَأس الثور وأخبرت بِأَن عبد الله بن سَلام سَأَلَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: علام الْحُوت قَالَ: على مَاء أسود وَمَا أَخذ مِنْهُ الْحُوت إِلَّا كَمَا أَخذ حوت من حيتانكم من بَحر من هَذِه الْبحار وَحدثت أَن إِبْلِيس تغلغل إِلَى الْحُوت فَعظم لَهُ نَفسه وَقَالَ: لَيْسَ خلق بأعظم مِنْك غنى وَلَا أقوى فَوجدَ الْحُوت فِي نَفسه فَتحَرك فَمِنْهُ تكون الزلزلة إِذا تحرّك فَبعث الله حوتاً صَغِيرا فأسكنه فِي أُذُنه فَإِذا ذهب يَتَحَرَّك تحرّك الَّذِي فِي أُذُنه فسكن
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الضريس من طَرِيق مُجَاهِد عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وَمن الأَرْض مِثْلهنَّ} قَالَ: لَو حدثتكم بتفسيرها لكَفَرْتُمْ وكفركم بتكذيبكم بهَا(8/210)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب وَفِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن أبي الضُّحَى عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وَمن الأَرْض مِثْلهنَّ} قَالَ: سبع أَرضين فِي كل أَرض نَبِي كنبيكم وآدَم كآدم ونوح كنوح وَإِبْرَاهِيم كإبراهيم وَعِيسَى كعيسى قَالَ الْبَيْهَقِيّ: إِسْنَاده صَحِيح وَلكنه شَاذ لَا أعلم لأبي الضُّحَى عَلَيْهِ مُتَابعًا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَتعقبه الذَّهَبِيّ فَقَالَ: منكرعن ابْن عمر وَقَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن الْأَرْضين بَين كل أَرض وَالَّتِي تَلِيهَا مسيرَة خَمْسمِائَة عَام والعليا مِنْهَا على ظهر حوت قد التقى طرفاه فِي السَّمَاء والحوت على صَخْرَة والصخرة بيد الْملك وَالثَّانيَِة مسجن الرّيح فَلَمَّا أَرَادَ الله أَن يهْلك عاداً أَمر خَازِن الرّيح أَن يُرْسل عَلَيْهِم ريحًا يهْلك عاداً فَقَالَ: يَا رب أرسل عَلَيْهِم من الرّيح بِقدر منخر الثور فَقَالَ لَهُ الْجَبَّار: إِذن تكفأ الأَرْض وَمن عَلَيْهَا وَلَكِن أرسل عَلَيْهِم بِقدر خَاتم فَهِيَ الَّتِي قَالَ الله فِي كِتَابه: (مَا تذر من شَيْء أَتَت عَلَيْهِ إِلَّا جعلته كالرميم) (سُورَة الذاريات الْآيَة 42) وَالثَّالِثَة فِيهَا حِجَارَة جَهَنَّم وَالرَّابِعَة فِيهَا كبريت جَهَنَّم قَالُوا: يَا رَسُول الله أللنار كبريت قَالَ: نعم وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ إِن فِيهَا لأودية من كبريت لَو أرسل فِيهَا الْجبَال الرواسِي لماعت وَالْخَامِسَة فِيهَا حيات جَهَنَّم إِن أفواهها كالأودية تلسع الْكَافِر اللسعة فَلَا تبقي مِنْهُ لَحْمًا على وَضم وَالسَّادِسَة فِيهَا عقارب جَهَنَّم إِن أدنى عقربة مِنْهَا كالبغال الموكفة تضرب الْكَافِر ضَرْبَة ينسيه ضربهَا حر جَهَنَّم وَالسَّابِعَة فِيهَا سقر وفيهَا إِبْلِيس مصفد بالحديد يدٌ أَمَامه ويدٌ خَلفه فَإِذا أَرَادَ الله أَن يُطلقهُ لما شَاءَ أطلقهُ
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن أبي الدَّرْدَاء قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: كثف الأَرْض مسيرَة خَمْسمِائَة عَام وكثف الثَّانِيَة مثل ذَلِك وَمَا بَين كل أَرضين مثل ذَلِك
وَأخرج عُثْمَان بن سعيد الدَّارمِيّ فِي الرَّد على الجهميه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: سيد السَّمَوَات السَّمَاء الَّتِي فِيهَا الْعَرْش وَسيد الْأَرْضين الَّتِي نَحن عَلَيْهَا
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن كَعْب قَالَ: الأرضون السَّبع على صَخْرَة(8/211)
والصخرة فِي كف ملك وَالْملك على جنَاح الْحُوت والحوت فِي المَاء وَالْمَاء على الرّيح وَالرِّيح على الْهَوَاء ريح عقيم لَا تلقح وَإِن قُرُونهَا معلقَة بالعرش
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن أبي مَالك قَالَ: الصَّخْرَة الَّتِي تَحت الأَرْض مُنْتَهى الْخلق على أرجائها أَرْبَعَة أَمْلَاك ورؤوسهم تَحت الْعَرْش
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن أبي مَالك قَالَ: إِن الْأَرْضين على حوت والسلسلة فِي أذن الْحُوت(8/212)
66
سُورَة التَّحْرِيم
مَدَنِيَّة وآياتها اثْنَتَا عشرَة أخرج ابْن الضريس والنحاس وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: نزلت سُورَة التَّحْرِيم بِالْمَدِينَةِ وَلَفظ ابْن مرْدَوَيْه سُورَة التَّحَرُّم وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عبد الله بن الزبير قَالَ: أنزلت بِالْمَدِينَةِ سُورَة النِّسَاء و {يَا أَيهَا النَّبِي لم تحرم مَا أحل الله لَك}
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
الْآيَة 1 - 2(8/213)
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (1) قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (2) وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ (3) إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ (4)
أخرج ابْن سعد وَعبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه عَن عَائِشَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يمْكث عِنْد زَيْنَب بنت جحش وَيشْرب عِنْدهَا عسلاً فتواصيت أَنا وَحَفْصَة أَن أَتَيْنَا دخل عَلَيْهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلْتَقُلْ إِنِّي أجد مِنْك ريح مَغَافِير أكلت مَغَافِير فَدخل إِلَى إِحْدَاهمَا فَقَالَت ذَلِك لَهُ فَقَالَ: لَا بل شربت عسلاً عِنْد زَيْنَب بنت جحش وَلنْ أَعُود فَنزلت {يَا أَيهَا النَّبِي لم تحرم مَا أحل الله لَك} إِلَى {أَن تَتُوبَا إِلَى الله} لعَائِشَة وَحَفْصَة {وَإِذ أسر النَّبِي إِلَى بعض أَزوَاجه حَدِيثا} لقَوْله: بل شربت عسلاً
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه بِسَنَد صَحِيح عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يشرب من شراب عِنْد سَوْدَة من الْعَسَل فَدخل(8/213)
على عَائِشَة فَقَالَت: إِنِّي أجد مِنْك ريحًا فَدخل على حَفْصَة فَقَالَت: إِنِّي أجد مِنْك ريحًا فَقَالَ: أرَاهُ من شراب شربته عِنْد سَوْدَة وَالله لَا أشربه فَأنْزل الله {يَا أَيهَا النَّبِي لم تحرم مَا أحل الله لَك} الْآيَة
وَأخرج ابْن سعد عَن عبد الله بن رَافع قَالَ: سَأَلت أم سَلمَة عَن هَذِه الْآيَة {يَا أَيهَا النَّبِي لم تحرم مَا أحل الله لَك} قَالَت: كَانَت عِنْدِي عكة من عسل أَبيض فَكَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يلعق مِنْهَا وَكَانَ يحْبسهُ فَقَالَت لَهُ عَائِشَة: نحلهَا تجرش عرفطاً فَحَرمهَا فَنزلت هَذِه الْآيَة
وَأخرج ابْن سعد وَعبد بن حميد عَن عبد الله بن عتيبة أَنه سُئِلَ أَي شَيْء حرم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: عكة من عسل
وَأخرج النَّسَائِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أنس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَت لَهُ أمة يَطَؤُهَا فَلم تزل بِهِ عَائِشَة وَحَفْصَة حَتَّى جعلهَا على نَفسه حَرَامًا فَأنْزل الله هَذِه الْآيَة {يَا أَيهَا النَّبِي لم تحرم مَا أحل الله لَك} إِلَى آخر الْآيَة
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَالطَّبَرَانِيّ بِسَنَد حسن صَحِيح عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: نزلت {يَا أَيهَا النَّبِي لم تحرم} الْآيَة فِي سريته
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: قلت لعمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ: من الْمَرْأَتَانِ اللَّتَان تظاهرتا قَالَ: عَائِشَة وَحَفْصَة وَكَانَ بَدْء الحَدِيث فِي شَأْن مَارِيَة أم إِبْرَاهِيم الْقبْطِيَّة أَصَابَهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي بَيت حَفْصَة فِي يَوْمهَا فَوجدت حَفْصَة فَقَالَت: يَا نَبِي الله لقد جِئْت إليَّ شَيْئا مَا جِئْته إِلَى أحد من أَزوَاجك فِي يومي وَفِي دَاري وعَلى فِرَاشِي فَقَالَ أَلا ترْضينَ أَن أحرمهَا فَلَا أقربها قَالَت: بلَى فَحَرمهَا وَقَالَ: لَا تذكري ذَلِك لأحد فَذَكرته لعَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا فأظهره الله عَلَيْهِ فَأنْزل الله {يَا أَيهَا النَّبِي لم تحرم مَا أحل الله لَك} الْآيَات كلهَا فَبَلغنَا أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كفر عَنْهَا فأظهر الله يَمِينه وَأصَاب جَارِيَته
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {يَا أَيهَا النَّبِي لم تحرم مَا أحل الله لَك تبتغي مرضات أَزوَاجك} قَالَ: حرم سريته
وَأخرج ابْن سعد وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: كَانَت عَائِشَة وَحَفْصَة متحابتين فَذَهَبت حَفْصَة إِلَى بَيت أَبِيهَا تحدث عِنْده فَأرْسل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى جَارِيَته فظلت مَعَه فِي بَيت حَفْصَة وَكَانَ الْيَوْم الَّذِي يَأْتِي فِيهِ حَفْصَة فوجدتهما(8/214)
فِي بَيتهَا فَجعلت تنْتَظر خُرُوجهَا وَغَارَتْ غيرَة شَدِيدَة فَأخْرج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جَارِيَته وَدخلت حَفْصَة فَقَالَت: قد رَأَيْت من كَانَ عنْدك وَالله لقد سؤتني فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: وَالله لأرضينك وَإِنِّي مسر إِلَيْك سرا فاحفظيه قَالَت: مَا هُوَ قَالَ: إِنِّي أشهدك أَن سريتي هَذِه عليّ حرَام رضَا فَانْطَلَقت حَفْصَة إِلَى عَائِشَة فأسرت إِلَيْهَا أَن أَبْشِرِي أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد حرم عَلَيْهِ فتَاته فَلَمَّا أخْبرت بسر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أظهر الله النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلَيْهِ فَأنْزل الله {يَا أَيهَا النَّبِي لم تحرم مَا أحل الله لَك} وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: ذكر عِنْد عمر بن الْخطاب {يَا أَيهَا النَّبِي لم تحرم مَا أحل الله لَك تبتغي مرضات أَزوَاجك} قَالَ: إِنَّمَا كَانَ ذَلِك فِي حَفْصَة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أنس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنزل أم إِبْرَاهِيم منزل أبي أَيُّوب قَالَت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا: فَدخل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَيتهَا يَوْمًا فَوجدَ خلْوَة فأصابها فَحملت بإبراهيم قَالَت عَائِشَة: فَلَمَّا استبان فزعت من ذَلِك فَمَكثَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى ولدت فَلم يكن لأمه لبن فَاشْترى لَهُ ضائنة يغذي مِنْهَا الصَّبِي فصلح عَلَيْهِ جِسْمه وَحسن لَحْمه وَصفا لَونه فجَاء بِهِ يَوْمًا يحملهُ على عُنُقه فَقَالَ يَا عَائِشَة كَيفَ تري الشّبَه فَقلت: أَنا غَيْرِي مَا أَدْرِي شبها فَقَالَ: وَلَا بِاللَّحْمِ فَقلت: لعمري لمن تغذى بألبان الضَّأْن ليحسن لَحْمه قَالَ: فَجَزِعت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا وَحَفْصَة من ذَلِك فعاتبته حَفْصَة فَحَرمهَا وَأسر إِلَيْهَا سرا فأفشته إِلَى عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا فَنزلت آيَة التَّحْرِيم فَأعتق رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَقَبَة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: وجدت حَفْصَة رَضِي الله عَنْهَا مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أم وَلَده مَارِيَة أم إِبْرَاهِيم فَحرم أم وَلَده لحفصة رَضِي الله عَنْهَا وأمرها أَن تكْتم ذَلِك فأسرته إِلَى عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا فَذَلِك قَوْله تَعَالَى: {وَإِذ أسر النَّبِي إِلَى بعض أَزوَاجه حَدِيثا} فَأمره الله بكفارة يَمِينه
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {يَا أَيهَا النَّبِي لم تحرم مَا أحل الله لَك} الْآيَة قَالَ: كَانَ حرم فتَاته الْقبْطِيَّة أم إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام فِي يَوْم حَفْصَة وَأسر ذَلِك إِلَيْهَا فأطلعت عَلَيْهِ عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا وكانتا تظاهرتا على نسَاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأحل الله لَهُ مَا حرم على نَفسه وَأمره أَن يكفر عَن يَمِينه فَقَالَ: {قد فرض الله لكم تَحِلَّة أَيْمَانكُم}(8/215)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن الشّعبِيّ وَقَتَادَة رَضِي الله عَنْهُمَا {يَا أَيهَا النَّبِي لم تحرم مَا أحل الله لَك} قَالَ: حرم جَارِيَته قَالَ الشّعبِيّ: وَحلف يَمِينا مَعَ التَّحْرِيم فَعَاتَبَهُ الله فِي التَّحْرِيم وَجعل لَهُ كَفَّارَة الْيَمين وَقَالَ قَتَادَة: حرمهَا فَكَانَت يَمِينا
وَأخرج ابْن سعد عَن زيد بن أسلم رَضِي الله عَنهُ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حرم أم إِبْرَاهِيم فَقَالَ: هِيَ عليّ حرَام فَقَالَ: وَالله لَا أقربها فَنزلت {قد فرض الله لكم تَحِلَّة أَيْمَانكُم}
وَأخرج ابْن سعد عَن مَسْرُوق وَالشعْبِيّ قَالَا: إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أمته وحرمها فَأنْزل الله {قد فرض الله لكم تَحِلَّة أَيْمَانكُم} وَأنزل {لم تحرم مَا أحل الله لَك}
وَأخرج الْهَيْثَم بن كُلَيْب فِي مُسْنده والضياء الْمَقْدِسِي فِي المختارة من طَرِيق نَافِع عَن ابْن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لحفصة: لَا تحدثي أحدا وَإِن أم إِبْرَاهِيم عليَّ حرَام فَقَالَت: أتحرم مَا أحل الله لَك قَالَ: فوَاللَّه لَا أقربها فَلم يقربهَا نَفسه حَتَّى أخْبرت عَائِشَة فَأنْزل الله {قد فرض الله لكم تَحِلَّة أَيْمَانكُم}
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد عَن مَسْرُوق أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حلف لحفصة أَن لَا يقرب أمته وَقَالَ: هِيَ عليَّ حرَام فَنزلت الْكَفَّارَة ليمينه وَأمر أَن لَا يحرم مَا أحل الله لَهُ
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر عَن الضَّحَّاك أَن حَفْصَة زارت أَبَاهَا ذَات يَوْم وَكَانَ يَوْمهَا فجَاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلم يجدهَا فِي الْمنزل فَأرْسل إِلَى أمته مَارِيَة فَأصَاب مِنْهَا فِي بَيت حَفْصَة وَجَاءَت حَفْصَة على تِلْكَ الْحَال فَقَالَت يَا رَسُول الله: أتفعل هَذَا فِي بَيْتِي وَفِي يومي قَالَ: فَإِنَّهَا عليّ حرَام وَلَا تُخْبِرِي بذلك أحدا فَانْطَلَقت حَفْصَة إِلَى عَائِشَة فَأَخْبَرتهَا بذلك فَأنْزل الله {يَا أَيهَا النَّبِي لم تحرم مَا أحل الله لَك} إِلَى قَوْله: {وَصَالح الْمُؤمنِينَ} فَأمر أَن يكفر عَن يَمِينه وَيُرَاجع أمته
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَابْن مرْدَوَيْه بِسَنَد ضَعِيف عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: دخل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بمارية الْقبْطِيَّة سريته بَيت حَفْصَة فَوَجَدتهَا مَعَه فَقَالَت: يَا رَسُول الله فِي بَيْتِي من بَين بيُوت نِسَائِك قَالَ: فَإِنَّهَا عليَّ حرَام أَن أَمسهَا واكتمي(8/216)
هَذَا عليَّ فَخرجت حَتَّى أَتَت عَائِشَة فَقَالَت: أَلا أُبَشِّرك قَالَت: بِمَاذَا قَالَت: وجدت مَارِيَة مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي بَيْتِي فَقلت: يَا رَسُول الله فِي بَيْتِي من بَين بيُوت نِسَائِك فَكَانَ أوّل السِّرّ أَنه أحرمهَا على نَفسه ثمَّ قَالَ لي: يَا حَفْصَة أَلا أَبشرك فأعلمي عَائِشَة أَن أَبَاك يَلِي الْأَمر من بعده وَأَن أبي يَلِيهِ بعد أَبِيك وَقد اِسْتَكْتَمَنِي ذَلِك فَاكْتُمِيهِ فَأنْزل الله {يَا أَيهَا النَّبِي لم تحرم} إِلَى قَوْله: {غَفُور رَحِيم} أَي لما كَانَ مِنْك إِلَى قَوْله: {وَإِذ أسر النَّبِي إِلَى بعض أَزوَاجه} يَعْنِي حَفْصَة {حَدِيثا فَلَمَّا نبأت بِهِ} يَعْنِي عَائِشَة {وأظهره الله عَلَيْهِ} أَي بِالْقُرْآنِ {عرف بعضه} عرف حَفْصَة مَا أظهر من أَمر مَارِيَة {وَأعْرض عَن بعض} عَمَّا أخْبرت بِهِ من أَمر أبي بكر وَعمر فَلم يُبْدِه {فَلَمَّا نبأها بِهِ} إِلَى قَوْله: {الْخَبِير} ثمَّ أقبل عَلَيْهِمَا يعاتبهما فَقَالَ: {إِن تَتُوبَا إِلَى الله} إِلَى قَوْله: {ثيبات وأبكاراً} فوعده من الثيبات آسِيَة بنت مُزَاحم وَأُخْت نوح عَلَيْهِ السَّلَام وَمن الْأَبْكَار مَرْيَم بنت عمرَان وَأُخْت مُوسَى
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه بِسَنَد ضَعِيف عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: نزلت هَذِه الْآيَة {يَا أَيهَا النَّبِي لم تحرم مَا أحل الله لَك} فِي الْمَرْأَة الَّتِي وهبت نَفسهَا للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
الْآيَة 2 - 4 أخرج عبد الرَّزَّاق وَالْبُخَارِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: فِي الْحَرَام يكفر وَقَالَ: (لقد كَانَ لكم فِي رَسُول الله اسوة حَسَنَة) (سُورَة الْأَحْزَاب 21)(8/217)
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس أَنه جَاءَهُ رجل فَقَالَ: جعلت امْرَأَتي عليَّ حَرَامًا فَقَالَ: كذبت لَيست عَلَيْك بِحرَام ثمَّ تَلا {لم تحرم مَا أحل الله لَك} قَالَ: عَلَيْك أغْلظ الْكَفَّارَات عتق رَقَبَة
وَأخرج الْحَارِث بن أبي أُسَامَة عَن عَائِشَة قَالَت: لما حلف أَبُو بكر أَن لَا ينْفق على مسطح فَأنْزل الله {قد فرض الله لكم تَحِلَّة أَيْمَانكُم} فأحل يَمِينه وَأنْفق عَلَيْهِ
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق عَليّ عَن ابْن عَبَّاس {قد فرض الله لكم تَحِلَّة أَيْمَانكُم} قَالَ: أَمر الله النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْمُؤمنِينَ إِذا حرمُوا شَيْئا مِمَّا أحل الله لَهُم أَن يكفروا أَيْمَانهم بإطعام عشرَة مَسَاكِين أَو كسوتهم أَو تَحْرِير رَقَبَة وَلَيْسَ يدْخل فِي ذَلِك الطَّلَاق
وَأخرج عبد بن حميد عَن مَيْمُون بن مهْرَان رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {تَحِلَّة أَيْمَانكُم} قَالَ: يَقُول قد أحللت لَك مَا ملكت يَمِينك فَلم تحرم ذَلِك وَقد فرضت لَك تَحِلَّة الْيَمين بهَا يَمِينك كل ذَلِك فِي هَذَا
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وَإِذ أسر النَّبِي إِلَى بعض أَزوَاجه حَدِيثا} قَالَ: دخلت حَفْصَة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي بَيتهَا وَهُوَ يطَأ مَارِيَة فَقَالَ لَهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا تُخْبِرِي عَائِشَة حَتَّى أُبَشِّرك بِشَارَة فَإِن أَبَاك يَلِي الْأَمر بعد أبي بكر إِذا أَنا مت فَذَهَبت حَفْصَة فَأخْبرت عَائِشَة فَقَالَت عَائِشَة للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من أَنْبَأَك هَذَا قَالَ: نَبَّأَنِي الْعَلِيم الْخَبِير فَقَالَت عَائِشَة: لَا أنظر إِلَيْك حَتَّى تحرم مَارِيَة فَحَرمهَا فَأنْزل الله {يَا أَيهَا النَّبِي لم تحرم}
وَأخرج ابْن عدي وَابْن عَسَاكِر عَن عَائِشَة فِي قَوْله: {وَإِذ أسر النَّبِي إِلَى بعض أَزوَاجه حَدِيثا} قَالَ: أسر إِلَيْهَا أَن أَبَا بكر خليفتي من بعدِي(8/218)
وَأخرج ابْن عدي وَأَبُو نعيم فِي فَضَائِل الصَّحَابَة العشاري فِي فَضَائِل الصّديق وَابْن مرْدَوَيْه وَابْن عَسَاكِر من طرق عَن عَليّ وَابْن عَبَّاس قَالَا: وَالله إِن إِمَارَة أبي بكر وَعمر لفي الْكتاب {وَإِذ أسر النَّبِي إِلَى بعض أَزوَاجه حَدِيثا} قَالَ لحفصة: أَبوك وَأَبُو عَائِشَة واليا النَّاس بعدِي فإياك أَن تُخْبِرِي أحدا
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن مَيْمُون بن مهْرَان فِي قَوْله: {وَإِذ أسر النَّبِي إِلَى بعض أَزوَاجه حَدِيثا} قَالَ: أسر إِلَيْهَا أَن أَبَا بكر خليفتي من بعدِي
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن حبيب بن أبي ثَابت {وَإِذ أسر النَّبِي إِلَى بعض أَزوَاجه حَدِيثا} قَالَ: أخبر عَائِشَة أَن أَبَاهَا الْخَلِيفَة من بعده وَأَن أَبَا حَفْصَة الْخَلِيفَة من بعد أَبِيهَا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الضَّحَّاك قَالَ: أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جَارِيَة لَهُ فِي يَوْم عَائِشَة وَكَانَت حَفْصَة وَعَائِشَة متحابتين فأطلعتحفصة على ذَلِك فَقَالَ لَهَا: لَا تُخْبِرِي عَائِشَة بِمَا كَانَ مني وَقد حرمتهَا عليَّ فأفشت حَفْصَة سر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأنْزل الله تَعَالَى: {يَا أَيهَا النَّبِي لم تحرم} الْآيَات
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس {وَإِذ أسر النَّبِي إِلَى بعض أَزوَاجه حَدِيثا} قَالَ: أسر إِلَى عَائِشَة فِي أَمر الْخلَافَة بعده فَحدثت بِهِ حَفْصَة
وَأخرج أَبُو نعيم فِي فَضَائِل الصَّحَابَة عَن الضَّحَّاك {وَإِذ أسر النَّبِي إِلَى بعض أَزوَاجه حَدِيثا} قَالَ: أسر إِلَى حَفْصَة بنت عمر أَن الْخَلِيفَة من بعده أَبُو بكر وَمن بعد أبي بكر عمر
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {عرف بعضه وَأعْرض عَن بعض} قَالَ: الَّذِي عرف أَمر مَارِيَة {وَأعْرض عَن بعض} قَوْله: إِن أَبَاك وأباها يليان النَّاس بعدِي مَخَافَة أَن يفشو
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس مثله
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عَليّ بن أبي طَالب قَالَ: مَا استقصى كريم قطّ لِأَن الله تَعَالَى يَقُول: {عرف بعضه وَأعْرض عَن بعض}
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن عَطاء الخرساني قَالَ: مَا استقصى حَلِيم قطّ ألم تسمع إِلَى قَوْله: {عرف بعضه وَأعْرض عَن بعض}
أما قَوْله تَعَالَى: {إِن تَتُوبَا إِلَى الله فقد صغت قُلُوبكُمَا وَإِن تظاهرا عَلَيْهِ}
أخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {فقد صغت قُلُوبكُمَا} قَالَ: مَالَتْ وأثمت
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس {صغت} قَالَ: مَالَتْ
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {صغت} قَالَ: مَالَتْ
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد قَالَ: كُنَّا نرى أَن {صغت قُلُوبكُمَا} شَيْء هَين حَتَّى سمعناه بِقِرَاءَة عبد الله إِن تَتُوبَا إِلَى الله [] {فقد صغت قُلُوبكُمَا}(8/219)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن سعد وَأحمد والعدني وَعبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن حبَان وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: لم أزل حَرِيصًا أَن أسأَل عمر رَضِي الله عَنهُ عَن الْمَرْأَتَيْنِ من أَزوَاج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اللَّتَيْنِ قَالَ الله تَعَالَى: {إِن تَتُوبَا إِلَى الله فقد صغت قُلُوبكُمَا} حَتَّى حج عمر وَحَجَجْت مَعَه فَلَمَّا كَانَ بِبَعْض الطَّرِيق عدل عمر وَعدلت مَعَه بالإِداوة فَتبرز ثمَّ أَتَى فَصَبَبْت على يَدَيْهِ فَتَوَضَّأ فَقلت: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ من الْمَرْأَتَانِ من أَزوَاج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اللَّتَان قَالَ الله: {إِن تَتُوبَا إِلَى الله فقد صغت قُلُوبكُمَا} فَقَالَ: وَاعجَبا لَك يَا ابْن عَبَّاس هما عَائِشَة وَحَفْصَة ثمَّ أنشأ يحدثني الحَدِيث فَقَالَ: كُنَّا معشر قُرَيْش نغلب النِّسَاء فَلَمَّا قدمنَا الْمَدِينَة وجدنَا قوما تغلبهم نِسَاؤُهُم فَطَفِقَ نساؤنا يتعلمن من نِسَائِهِم فَغضِبت على امْرَأَتي يَوْمًا فَإِذا هِيَ تراجعني فأنكرت أَن تراجعني فَقَالَت: مَا تنكر من ذَلِك فوَاللَّه إِن أَزوَاج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ليراجعنه وتهجره إِحْدَاهُنَّ الْيَوْم إِلَى اللَّيْل قلت: قد خابت من فعلت ذَلِك مِنْهُنَّ وخسرت قَالَ: وَكَانَ منزلي بالعوالي وَكَانَ لي جَار من الْأَنْصَار كُنَّا نتناوب النُّزُول إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فيزل يَوْمًا فيأتيني بِخَبَر الْوَحْي وَغَيره وَأنزل يَوْمًا فآتيه بِمثل ذَلِك
قَالَ: وَكُنَّا نُحدث أَن غَسَّان تنعل الْخَيل لتغزونا فجَاء يَوْمًا فَضرب على الْبَاب فَخرجت إِلَيْهِ فَقَالَ: حدث أَمر عَظِيم فَقلت: أجاءت غَسَّان قَالَ: أعظم من ذَلِك طلق رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نِسَاءَهُ قلت فِي نَفسِي: قد خابت حَفْصَة وخسرت قد كنت أرى ذَلِك كَائِنا فَلَمَّا صلينَا الصُّبْح شددت نَعْلي ثِيَابِي ثمَّ انْطَلَقت حت دخلت على حَفْصَة فَإِذا هِيَ تبْكي فَقلت: أطلقكن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَت: لَا أَدْرِي هُوَ ذَا معتزل فِي الْمشْربَة
فَانْطَلَقت فَأتيت غُلَاما أسوداً فَقلت: اسْتَأْذن لعمر فَدخل ثمَّ خرج إليَّ فَقَالَ: قد ذكرتك لَهُ فَلم يقل شَيْئا فَانْطَلَقت إِلَى الْمَسْجِد فَإِذا حول الْمَسْجِد نفر يَبْكُونَ فَجَلَست إِلَيْهِم ثمَّ غلبني مَا أجد فَانْطَلَقت فَأتيت الْغُلَام فَقلت: اسْتَأْذن لعمر فَدخل ثمَّ خرج فَقَالَ: قد ذكرتك لَهُ فَلم يقل شَيْئا فوليت مُنْطَلقًا فَإِذا الْغُلَام يدعوني فَقَالَ: أَدخل فقد أذن لَك فَدخلت فَإِذا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم متكئ على حَصِير قد رَأَيْت أَثَره فِي جنبه فَقلت: يَا رَسُول الله أطلقت نِسَاءَك قَالَ: لَا قلت: الله أكبر لَو رَأَيْتنَا يَا رَسُول الله وَكُنَّا معشر قُرَيْش نغلب النِّسَاء فَلَمَّا قدمنَا الْمَدِينَة وجدنَا قوما تغلبهم نِسَاؤُهُم فَطَفِقَ نساؤنا يتعلمن من نِسَائِهِم فَغضِبت يَوْمًا على(8/220)
امْرَأَتي فَإِذا هِيَ تراجعني فأنكرت ذَلِك فَقَالَت: مَا تنكر فوَاللَّه إِن أَزوَاج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ليراجعنه وتهجره إِحْدَاهُنَّ الْيَوْم إِلَى اللَّيْل فَقلت: قد خابت من فعل ذَلِك مِنْهُنَّ فَدخلت على حَفْصَة فَقلت: أتراجع إحداكن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وتهجره الْيَوْم إِلَى اللَّيْل نعم فَقلت: قد خابت من فعلت ذَلِك مِنْكُن وخسرت أتأمن إحداكن أَن يغْضب الله عَلَيْهَا لغضب رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِذا هِيَ قد هَلَكت فَتَبَسَّمَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقلت لحفصة: لَا تراجعي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا تسأليه شَيْئا وسليني مَا بدا لَك وَلَا يغرنك إِن كَانَت جارتك أوسم مِنْك وَأحب إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَتَبَسَّمَ أُخْرَى فَقلت يَا رَسُول الله: استأنس قَالَ: نعم فَرفعت رَأْسِي فَمَا رَأَيْت فِي الْبَيْت إِلَّا أهبة ثَلَاثَة فَقلت: يَا رَسُول الله ادْع الله أَن يُوسع على أمتك فقد وسع على فَارس وَالروم وهم لَا يعْبدُونَ الله فَاسْتَوَى جَالِسا وَقَالَ: أَو فِي شكّ أَنْت يَا ابْن الْخطاب أُولَئِكَ قوم قد عجلت لَهُم طَيِّبَاتهمْ فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وَكَانَ قد أقسم أَن لَا يدْخل على نِسَائِهِ شهرا فَعَاتَبَهُ الله فِي ذَلِك وَجعل لَهُ كَفَّارَة الْيَمين
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من نِسَائِهِ وَحرم فَجعل الْحَرَام حَلَالا وَجعل فِي الْيَمين كَفَّارَة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من نِسَائِهِ وَحرم فَأَما الْحَرَام فأحله الله لَهُ وَأما الإِيلاء فَأمره بكفارة الْيَمين
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ / وَإِن تظاهر عَلَيْهِ / خَفِيفَة {عَسى ربه إِن طَلَّقَكُن أَن يُبدلهُ} خَفِيفَة مَرْفُوعَة الْيَاء {سائحات} خَفِيفَة الْألف
وَأخرج عبد بن حميد وَمُسلم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: حَدثنِي عمر بن الْخطاب قَالَ: لما اعتزل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نِسَاءَهُ دخلت الْمَسْجِد فَإِذا النَّاس ينكتون بالحصى وَيَقُولُونَ: طلق رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نِسَاءَهُ وَذَلِكَ قبل أَن يُؤمر بالحجاب
فَقلت: لأعلمن ذَلِك الْيَوْم
فَدخلت: على عَائِشَة فَقلت يَا بنت أبي بكر أقد بلغ من شَأْنك أَن تؤذي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَت: مَالِي وَلَك يَا ابْن الْخطاب
فَدخلت على حَفْصَة فَقلت لَهَا: يَا حَفْصَة أقد بلغ من شَأْنك أَن تؤذي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالله لقد علمت أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يحبك وَلَوْلَا أَنا لطلقك رَسُول الله
فَبَكَتْ أَشد الْبكاء فَقلت لَهَا: أَيْن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَت: هُوَ فِي خزانته فِي الْمشْربَة
فَدخلت فَإِذا أَنا برباح مولى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَاعِدا على أُسْكُفَّة الْمشْربَة مدلياً رجلَيْهِ(8/221)
على نقير من خشب وَهُوَ جذع يرقى عَلَيْهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وينحدر
فناديت: يَا رَبَاح اسْتَأْذن لي عنْدك على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَنظر رَبَاح إِلَى الغرفة ثمَّ نظر إليّ فَلم يقل شَيْئا
فَقلت يَا رَبَاح اسْتَأْذن لي عنْدك على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَنظر رَبَاح إِلَى الغرفة ثمَّ نظر إليّ فَلم يقل شَيْئا
ثمَّ رفعت صوتي فَقلت: يَا رَبَاح اسْتَأْذن لي عنْدك على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِنِّي أَظن أَن رَسُول الله ظن أَنِّي جِئْت من أجل حَفْصَة وَالله لَئِن أَمرنِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِضَرْب عُنُقهَا لَأَضرِبَن عُنُقهَا
وَرفعت صوتي فَأَوْمأ إليّ بِيَدِهِ أَن ارقه
فَدخلت على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ مُضْطَجع على حَصِير فَجَلَست فَإِذا عَلَيْهِ إِزَار لَيْسَ عَلَيْهِ غَيره وَإِذا الْحَصِير قد أثر فِي جنبه وَنظرت فِي خزانَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِذا أَنا بقبضة من شعير نَحْو الصَّاع وَمثلهَا من قرظ فِي نَاحيَة الغرفة وَإِذا أفِيق مُعَلّق
فابتدرت عَيْنَايَ فَقَالَ: مَا يبكيك يَا ابْن الْخطاب فَقلت يَا نَبِي الله: وَمَالِي لَا أبْكِي وَهَذَا الْحَصِير قد أثر فِي جَنْبك وَهَذِه خزانتك لَا أرى فِيهَا إِلَّا مَا أرى وَذَاكَ كسْرَى وَقَيْصَر فِي الثِّمَار والأنهار وَأَنت رَسُول الله وصفوته وَهَذِه خزانتك
قَالَ: يَا ابْن الْخطاب أَلا ترْضى أَن تكون لنا الْآخِرَة وَلَهُم الدُّنْيَا قلت: بلَى
وَدخلت عَلَيْهِ حِين دخلت وَأَنا أرى فِي وَجهه الْغَضَب فَقلت يَا رَسُول الله: مَا يشق عَلَيْك من شَأْن النِّسَاء فَإِن كنت طلقتهن فَإِن الله تَعَالَى مَعَك وَمَلَائِكَته وَجِبْرِيل وَمِيكَائِيل وَأَنا وَأَبُو بكر والمؤمنون مَعَك
وقلما تَكَلَّمت وَأحمد الله بِكَلَام إِلَّا رَجَوْت أَن يكون الله يصدق قولي الَّذِي أقوله وَنزلت هَذِه الْآيَة {عَسى ربه أَن طَلَّقَكُن أَن يُبدلهُ أَزْوَاجًا خيرا مِنْكُن} {وَإِن تظاهرا عَلَيْهِ فَإِن الله هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيل وَصَالح الْمُؤمنِينَ وَالْمَلَائِكَة بعد ذَلِك ظهير} وَكَانَت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا بنت أبي بكر وَحَفْصَة تظاهران على سَائِر نسَاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقلت يَا رَسُول الله: أطلقتهن قَالَ: لَا
قلت يَا رَسُول الله: إِنِّي دخلت الْمَسْجِد والمؤمنون ينكتون الْحَصَى وَيَقُولُونَ: طلق رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نِسَاءَهُ أفانزل فَأخْبرهُم أَنَّك لم تطلقهن قَالَ: نعم إِن شِئْت ثمَّ لم أزل أحدثه حَتَّى تحسر الْغَضَب عَن وَجهه وَحَتَّى كشر وَضحك وَكَانَ من أحسن النَّاس ثغراً فَنزل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَنزلت أشبث بالجذع وَنزل نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَأَنَّمَا يمشي على الأَرْض مَا يمسهُ بِيَدِهِ فَقلت يَا رَسُول الله: إِنَّمَا كنت فِي الغرفة تسعا وَعشْرين فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن الشَّهْر قد يكون تسعا وَعشْرين فَقُمْت على بَاب الْمَسْجِد فناديت بِأَعْلَى صوتي: لم يُطلق رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نِسَاءَهُ
قَالَ: وَنزلت(8/222)