ماجة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ
أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِذا قضى الله الْأَمر فِي السَّمَاء ضربت الْمَلَائِكَة بأجنحتها خضعاناً لقَوْله كَأَنَّهُ سلسلة على صَفْوَان يفزعهم ذَلِك {إِذا فزع عَن قُلُوبهم قَالُوا مَاذَا قَالَ ربكُم} قَالُوا الَّذِي قَالَ {الْحق وَهُوَ الْعلي الْكَبِير} فيسمعها مسترقوا السّمع ومسترقوا السّمع هَكَذَا وَاحِد فَوق آخر
وصف سُفْيَان بِيَدِهِ وَفرج وَبَين أَصَابِعه نصبها بَعْضهَا فَوق بعض
فَيسمع الْكَلِمَة فيلقيها إِلَى من تَحْتَهُ ثمَّ يلقيها الآخر إِلَى من تَحْتَهُ يلقيها على لِسَان السَّاحر أَو الكاهن فَرُبمَا أدْركهُ الشهَاب قبل أَن يلقيها وَرُبمَا أَلْقَاهَا قبل أَن يُدْرِكهُ فيكذب مَعهَا مائَة كذبة فَيُقَال: أَلَيْسَ قد قَالَ لنا يَوْم كَذَا
وَكَذَا
وَكَذَا فَيصدق بِتِلْكَ الْكَلِمَة الَّتِي سَمِعت من السَّمَاء
وَأخرج ابْن جرير وَابْن خُزَيْمَة وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن النوّاس بن سمْعَان رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِذا أَرَادَ الله أَن يوحي بِأَمْر تكلم بِالْوَحْي فَإِذا تكلم بِالْوَحْي أخذت السَّمَاء رَجْفَة شَدِيدَة من خوف الله تَعَالَى فَإِذا سمع بذلك أهل السَّمَوَات صعقوا وخروا سجدا فَيكون أول من يرفع رَأسه جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام فيكلمه الله من وحيه بِمَا أَرَادَ فيمضي بِهِ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام على الْمَلَائِكَة عَلَيْهِم السَّلَام كلما مر بسماء سَمَاء سَأَلَهُ ملائكتها: مَاذَا قَالَ رَبنَا يَا جِبْرِيل فَيَقُول {قَالُوا الْحق وَهُوَ الْعلي الْكَبِير} فَيَقُولُونَ كلهم مثل مَا قَالَ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام فينتهي جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام بِالْوَحْي حَيْثُ أمره الله من السَّمَاء وَالْأَرْض
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَرَأَ (فرغ عَن قُلُوبهم) يَعْنِي بالراء والغين والمعجمة
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ وَابْن أبي شيبَة وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم فِي الدَّلَائِل عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله عز وَجل {حَتَّى إِذا فزع عَن قُلُوبهم} قَالَ: كَانَ لكل قبيل من الْجِنّ مقْعد فِي السَّمَاء يَسْتَمِعُون مِنْهُ الْوَحْي وَكَانَ إِذا نزل الْوَحْي سمع لَهُ صَوت كامرار السلسلة على الصفوان فَلَا ينزل على أهل سَمَاء إِلَّا صعقوا {حَتَّى إِذا فزع عَن قُلُوبهم قَالُوا مَاذَا قَالَ ربكُم قَالُوا الْحق وَهُوَ الْعلي الْكَبِير} وَإِن كَانَ مِمَّا يكون فِي الأَرْض من أَمر(6/698)
الْغَيْب أَو موت أَو شَيْء مِمَّا يكون فِي الأَرْض تكلمُوا بِهِ فَقَالُوا: يكون كَذَا
وَكَذَا
فَسَمعته الشَّيَاطِين فنزلوا بِهِ على أَوْلِيَائِهِمْ يَقُولُونَ: يكون الْعَام كَذَا وَيكون كَذَا فيسمعه الْجِنّ فيخبرون الكهنة بِهِ والكهنة تخبر بِهِ النَّاس يَقُولُونَ: يكون كَذَا وَكَذَا
فيجدونه كَذَلِك فَلَمَّا بعث الله مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دحروا بالنجوم فَقَالَت الْعَرَب حِين لم يُخْبِرهُمْ الْجِنّ بذلك: هلك من فِي السَّمَاء فَجعل صَاحب الإِبل ينْحَر كل يَوْم بَعِيرًا وَصَاحب الْبَقر ينْحَر كل يَوْم بقرة وَصَاحب الْغنم شَاة حَتَّى أَسْرعُوا فِي أَمْوَالهم فَقَالَت ثَقِيف: وَكَانَت أَعقل الْعَرَب: أَيهَا النَّاس أَمْسكُوا عَلَيْكُم أَمْوَالكُم فَإِنَّهُ لم يمت من فِي السَّمَاء وان هَذَا لَيْسَ بانتشاء ألستم ترَوْنَ معالمكم من النُّجُوم كَمَا هِيَ وَالشَّمْس وَالْقَمَر والنجوم وَاللَّيْل وَالنَّهَار قَالَ: فَقَالَ إِبْلِيس لقد حدث الْيَوْم فِي الأَرْض حدث فائتوني من تربة كل أَرض فَأتوهُ بهَا فَجعل يشمها فَلَمَّا شم تربة مَكَّة قَالَ: من هَهُنَا جَاءَ الحَدِيث منتشراً فَنقبُوا فَإِذا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد بعث
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا تكلم الله بِالْوَحْي سمع أهل السَّمَاء الدُّنْيَا صلصلة كجر السلسلة على الصَّفَا فيصعقون فَلَا يزالون كَذَلِك حَتَّى يَأْتِيهم جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام فَإِذا جَاءَهُم جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام {فزع عَن قُلُوبهم} فَيَقُولُونَ يَا جِبْرِيل: مَاذَا قَالَ رَبنَا فَيَقُول {الْحق} فَيَقُولُونَ: الْحق
الْحق
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ من وَجه آخر عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِذا تكلم الله بِالْوَحْي سمع أهل السَّمَوَات صلصلة كجر السلسلة على الصفوان فيصعقون فَلَا يزالون كَذَلِك حَتَّى يَأْتِيهم جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام فَإِذا أَتَاهُم جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام {فزع عَن قُلُوبهم} قَالُوا يَا جِبْرِيل: مَاذَا قَالَ رَبنَا فَيَقُول {الْحق} فينادون الْحق الْحق
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن بهز بن حَكِيم عَن أَبِيه عَن جده أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لما نزل جِبْرِيل بِالْوَحْي على رَسُول الله فزع أهل السَّمَوَات لَا نحطاطه وسمعوا صَوت الْوَحْي كأشد مَا يكون من صَوت الْحَدِيد على الصَّفَا فَكلما مر بِأَهْل سَمَاء(6/699)
{فزع عَن قُلُوبهم} فَيَقُولُونَ: يَا جِبْرِيل بِمَاذَا أمرت فَيَقُول: نور الْعِزَّة الْعَظِيم كَلَام الله بِلِسَان عَرَبِيّ
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي الْآيَة قَالَ: يوحي الله إِلَى جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام فتفزع الْمَلَائِكَة عَلَيْهِم السَّلَام من مَخَافَة أَن يكون شَيْء من أَمر السَّاعَة فَإِذا خلى عَن قُلُوبهم وَعَلمُوا أَن ذَلِك لَيْسَ من أَمر السَّاعَة {قَالُوا مَاذَا قَالَ ربكُم قَالُوا الْحق}
وَأخرج أَبُو نصر السجْزِي فِي الابانة عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: رَأَيْت جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام وَزعم أَن إسْرَافيل عَلَيْهِ السَّلَام يحمل الْعَرْش وَأَن قدمه فِي الأَرْض السَّابِعَة والألواح بَين عَيْنَيْهِ فَإِذا أَرَادَ ذُو الْعَرْش أمرا سَمِعت الْمَلَائِكَة كجر السلسلة على الصَّفَا فيغشى عَلَيْهِم فَإِذا قَامُوا {قَالُوا مَاذَا قَالَ ربكُم} قَالَ من شَاءَ الله {الْحق وَهُوَ الْعلي الْكَبِير}
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة والكلبي رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {حَتَّى إِذا فزع عَن قُلُوبهم} قَالَا: لما كَانَت الفترة بَين عِيسَى وَمُحَمّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَنزل الْوَحْي مثل صَوت الْحَدِيد فافزع الْمَلَائِكَة عَلَيْهِم السَّلَام ذَلِك {حَتَّى إِذا فزع عَن قُلُوبهم} قَالُوا: إِذا جلى عَن قُلُوبهم {مَاذَا قَالَ ربكُم قَالُوا الْحق وَهُوَ الْعلي الْكَبِير}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم فِي الْآيَة قَالَ: زعم ابْن مَسْعُود أَن الْمَلَائِكَة المعقبات الَّذين يَخْتَلِفُونَ إِلَى أهل الأَرْض يَكْتُبُونَ أَعْمَالهم إِذا أرسلهم الرب تبَارك وَتَعَالَى فانحدروا سمع لَهُم صَوت شَدِيد فيحسب الَّذِي أَسْفَل مِنْهُم من الْمَلَائِكَة أَنه من أَمر السَّاعَة فَيَخِرُّونَ سجدا وَهَكَذَا كلما مروا عَلَيْهِم فيفعلون ذَلِك من خوف رَبهم تبَارك وَتَعَالَى
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة قَالَ: إِذا قضى الله تبَارك وَتَعَالَى أمرا رجفت السَّمَوَات وَالْأَرْض وَالْجِبَال وخرت الْمَلَائِكَة كلهم سجدا حسبت الْجِنّ أَن أمرا يقْضى فاسترقت فَلَمَّا قضي الْأَمر رفعت الْمَلَائِكَة رؤوسهم
وَهِي هَذِه الْآيَة {حَتَّى إِذا فزع عَن قُلُوبهم قَالُوا مَاذَا قَالَ ربكُم قَالُوا الْحق وَهُوَ الْعلي الْكَبِير}
وَأخرج ابْن الْأَنْبَارِي عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ أَنه كَانَ يقْرَأ {حَتَّى إِذا فزع عَن قُلُوبهم}(6/700)
ثمَّ يفسره حَتَّى إِذا انجلى عَن قُلُوبهم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة من طَرِيق آخر رَضِي الله عَنهُ أَنه كَانَ يقْرَأ {فزع عَن قُلُوبهم} قَالَ: مَا فِيهَا من الشَّك والتكذيب
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن زيد بن أسلم فِي قَوْله {حَتَّى إِذا فزع عَن قُلُوبهم} قَالَ: فزع الشَّيْطَان عَن قُلُوبهم ففارقهم وأمانيهم وَمَا كَانَ يضلهم {قَالُوا مَاذَا قَالَ ربكُم قَالُوا الْحق وَهُوَ الْعلي الْكَبِير} قَالَ: وَهَذَا فِي بني آدم عِنْد الْمَوْت أقرُّوا حِين لَا يَنْفَعهُمْ الاقرار
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {حَتَّى إِذا فزع عَن قُلُوبهم} قَالَ: كشف الغطاء عَنْهَا يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج عبد بن حميد عَن إِبْرَاهِيم وَالضَّحَّاك أَنَّهُمَا كَانَا يقراآن {حَتَّى إِذا فزع عَن قُلُوبهم} يَقُولَانِ: جلى عَن قُلُوبهم
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُحَمَّد بن سِيرِين أَنه سَأَلَ كَيفَ تقْرَأ هَذِه الْآيَة {حَتَّى إِذا فزع عَن قُلُوبهم} أَو {فزع عَن قُلُوبهم} قَالَ {إِذا فزع عَن قُلُوبهم} قَالَ: فَإِن الْحسن يَقُول بِرَأْيهِ أَشْيَاء أهاب أَن أقولها
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ حَتَّى (إِذا فزع عَن قُلُوبهم) بِالْعينِ مثقلة الزَّاي
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: ثمَّ أمره الله أَن يسْأَل النَّاس فَقَالَ {قل من يرزقكم من السَّمَاوَات وَالْأَرْض}
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله {وَإِنَّا أَو إيَّاكُمْ لعلى هدى أَو فِي ضلال مُبين} قَالَ {إِنَّا} نَحن لعلى هدى وانكم فِي ضلال مُبين
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَإِنَّا أَو إيَّاكُمْ} قَالَ: قد قَالَ ذَلِك أَصْحَاب مُحَمَّد للْمُشْرِكين وَالله مَا نَحن وَأَنْتُم على أَمر وَاحِد ان أحد الْفَرِيقَيْنِ مهتد
وَفِي قَوْله {قل يجمع بَيْننَا رَبنَا ثمَّ يفتح بَيْننَا} أَي يقْضِي
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن(6/701)
ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {الفتاح} قَالَ: القَاضِي(6/702)
وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (28) وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (29) قُلْ لَكُمْ مِيعَادُ يَوْمٍ لَا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ سَاعَةً وَلَا تَسْتَقْدِمُونَ (30)
- قَوْله تَعَالَى: وَمَا أَرْسَلْنَاك إِلَّا كَافَّة للنَّاس بشيرا وَنَذِيرا وَلَكِن أَكثر النَّاس لَا يعلمُونَ وَيَقُولُونَ مَتى هَذَا الْوَعْد إِن كُنْتُم صَادِقين قل لكم ميعاد يَوْم لَا تستأخرون عَنهُ سَاعَة وَلَا تستقدمون
أخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَمَا أَرْسَلْنَاك إِلَّا كَافَّة للنَّاس} قَالَ: إِلَى النَّاس جَمِيعًا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُحَمَّد بن كَعْب فِي قَوْله {كَافَّة للنَّاس} قَالَ: للنَّاس عَامَّة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَمَا أَرْسَلْنَاك إِلَّا كَافَّة للنَّاس} قَالَ: أرسل الله مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْعَرَب والعجم فأكرمهم على الله أطوعهم لَهُ
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَعْطَيْت خمْسا لم يُعْطهنَّ نَبِي قبلي
بعثت إِلَى النَّاس كَافَّة إِلَى كل أَبيض وأحمر وأطعمت أمتِي الْمغنم لم يطعم أمة قبل أمتِي ونصرت بِالرُّعْبِ بَين يَدي من مسيرَة شهر وَجعلت لي الأَرْض مَسْجِدا وَطهُورًا واعطيت الشَّفَاعَة فأدخرتها لأمتي يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَعْطَيْت خمْسا لم يُعْطهنَّ نَبِي قبلي
بعثت إِلَى النَّاس كَافَّة الْأَحْمَر وَالْأسود وَإِنَّمَا كَانَ النَّبِي يبْعَث إِلَى قومه ونصرت بِالرُّعْبِ يرعب مني عدوّي على مسيرَة شهر وأطعمت الْمغنم وَجعلت لي الأَرْض مَسْجِدا وَطهُورًا واعطيت الشَّفَاعَة فادخرتها لأمتي إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وَهِي إِن شَاءَ الله نائلة من لَا يُشْرك لبالله شَيْئا(6/702)
وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْآنِ وَلَا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلَا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ (31) قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءَكُمْ بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ (32) وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْدَادًا وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلَالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (33)
- قَوْله تَعَالَى: وَقَالَ الَّذين كفرُوا لن نؤمن بِهَذَا الْقُرْآن وَلَا بِالَّذِي بَين يَدَيْهِ وَلَو ترى غذ الظَّالِمُونَ موقوفون عِنْد رَبهم يرجع بَعضهم إِلَى بعض القَوْل يَقُول الَّذين استضعفوا للَّذين استكبروا لَوْلَا أَنْتُم لَكنا مُؤمنين قَالَ الَّذين استكبروا للَّذين استضعفوا أَنَحْنُ صددناكم عَن الْهدى بعد إِذْ جَاءَكُم بل كُنْتُم مجرمين وَقَالَ الَّذين استضعفوا للَّذين استكبروا بل مكر اللَّيْل وَالنَّهَار إِذْ تأمروننا أَن نكفر بِاللَّه ونجعل لَهُ أندادا وأسروا الندامة لما رَأَوْا الْعَذَاب وَجَعَلنَا الأغلال فِي أَعْنَاق الَّذين كفرُوا هَل يجزون إِلَّا مَا كَانُوا يعْملُونَ
أخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَقَالَ الَّذين كفرُوا لن نؤمن بِهَذَا الْقُرْآن} قَالَ: هَذَا قَول مُشْركي الْعَرَب كفرُوا بِالْقُرْآنِ {وَلَا بِالَّذِي بَين يَدَيْهِ} من الْكتب والأنبياء
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله {وَلَا بِالَّذِي بَين يَدَيْهِ} قَالَ: التَّوْرَاة والإِنجيل وَفِي قَوْله {يَقُول الَّذين استضعفوا} قَالَ: هم الِاتِّبَاع {للَّذين استكبروا} قَالَ: هم القادة وَفِي قَوْله {بل مكر اللَّيْل وَالنَّهَار} يَقُول: غركم اخْتِلَاف اللَّيْل وَالنَّهَار
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {بل مكر اللَّيْل وَالنَّهَار} قَالَ: بل مكركم بِمَا فِي اللَّيْل وَالنَّهَار
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {بل مكر اللَّيْل وَالنَّهَار} قَالَ: بل مكركم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَار
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {بل مكر اللَّيْل وَالنَّهَار} قَالَ: بل مكركم بِمَا فِي اللَّيْل وَالنَّهَار يَا أَيهَا العظماء والرؤساء حَتَّى أزلتمونا عَن عبَادَة الله تَعَالَى(6/703)
أما قَوْله تَعَالَى: {وَجَعَلنَا الأغلال فِي أَعْنَاق الَّذين كفرُوا}
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ قَالَ: مَا فِي جَهَنَّم دَار وَلَا مغار وَلَا غل وَلَا قيد وَلَا سلسلة إِلَّا اسْم صَاحبهَا عَلَيْهَا مَكْتُوب
فَحدث بِهِ أَبُو سُلَيْمَان الدَّارَانِي رَضِي الله عَنهُ فَبكى ثمَّ قَالَ: فَكيف بِهِ لَو جمع هَذَا كُله عَلَيْهِ فَجعل الْقَيْد فِي رجلَيْهِ والغل فِي يَدَيْهِ والسلسلة فِي عُنُقه ثمَّ أَدخل الدَّار وَأدْخل المغار(6/704)
وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (34) وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (35) قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (36)
- قَوْله تَعَالَى: وَمَا أرسلنَا فِي قَرْيَة من نَذِير إِلَّا قَالَ مترفوها إِنَّا بِمَا أرسلتم بِهِ كافرون وَقَالُوا نَحن أَكثر أَمْوَالًا وأولادا وَمَا نَحن بمعذبين قل إِن رَبِّي يبسط الرزق لمن يَشَاء وَيقدر وَلَكِن أَكثر النَّاس لَا يعلمُونَ
أخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد قَالَ: كَانَ رجلَانِ شريكان خرج أَحدهمَا إِلَى السَّاحِل وَبَقِي الآخر فَلَمَّا بعث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كتب إِلَى صَاحبه يسْأَله
مَا فعل فَكتب إِلَيْهِ أَنه لم يتبعهُ أحد من قُرَيْش إِلَّا رذالة النَّاس ومساكينهم فَترك تِجَارَته وأتى صَاحبه فَقَالَ لَهُ: دلَّنِي عَلَيْهِ وَكَانَ يقْرَأ الْكتب فَأتى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: إلاَمَ تَدْعُو قَالَ إِلَى كَذَا وَكَذَا
قَالَ: أشهد أَنَّك رَسُول الله قَالَ: مَا علمك بذلك قَالَ: إِنَّه لم يبْعَث نَبِي إِلَّا اتبعهُ رذالة النَّاس ومساكينهم
فَنزلت هَذِه الْآيَة {وَمَا أرسلنَا فِي قَرْيَة من نَذِير إِلَّا قَالَ مترفوها} الْآيَات
فارسل اليه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن الله قد أنزل تَصْدِيق مَا قلت
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {إِلَّا قَالَ مترفوها} قَالَ: هم جبابرتهم ورؤوسهم وأشرافهم وَقَادَتهمْ فِي الشَّرّ
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله {إِلَّا قَالَ مترفوها} قَالَ: جبابرتها(6/704)
وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ (37) وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ (38)
- قَوْله تَعَالَى: وَمَا أَمْوَالكُم وَلَا أَوْلَادكُم بِالَّتِي تقربكم عندنَا زلفى إِلَّا من آمن وَعمل صَالحا فَأُولَئِك لَهُم جَزَاء الضعْف بِمَا عمِلُوا وهم فِي الغرفات آمنون وَالَّذين يسعون فِي آيَاتنَا معاجزين أُولَئِكَ فِي الْعَذَاب محضرون
أخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {عندنَا زلفى} قَالَ: قربى
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي الْآيَة قَالَ: لَا تعتبروا النَّاس بِكَثْرَة المَال وَالْولد وَإِن الْكَافِر يعْطى المَال وَرُبمَا حَبسه عَن الْمُؤمن
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن طَاوس أَنه كَانَ يَقُول: اللَّهُمَّ ارزقني الإِيمان وَالْعَمَل وجنبني المَال وَالْولد فَإِنِّي سَمِعت فِيمَا أوحيت {وَمَا أَمْوَالكُم وَلَا أَوْلَادكُم بِالَّتِي تقربكم عندنَا زلفى}
وَأخرج أَحْمد وَمُسلم وَابْن ماجة عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن الله لَا ينظر إِلَى صوركُمْ وَأَمْوَالكُمْ وَلَكِن ينظر إِلَى قُلُوبكُمْ وَأَعْمَالكُمْ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فَأُولَئِك لَهُم جَزَاء الضعْف بِمَا عمِلُوا} قَالَ: بِالْوَاحِدِ عشرا وَفِي سَبِيل الله بِالْوَاحِدِ سَبْعمِائة
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُحَمَّد بن كَعْب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِذا كَانَ الْمُؤمن غَنِيا تقياً آتَاهُ الله أجره مرَّتَيْنِ
وتلا هَذِه الْآيَة {وَمَا أَمْوَالكُم} إِلَى قَوْله {فَأُولَئِك لَهُم جَزَاء الضعْف} قَالَ: تَضْعِيف الْحَسَنَة
أما قَوْله تَعَالَى: {وهم فِي الغرفات آمنون}
أخرج ابْن أبي شيبَة وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن فِي الْجنَّة لغرفاً يرى ظُهُورهَا من بطونها وبطونها من ظُهُورهَا
قَالُوا: لمن هِيَ قَالَ: لمن أطاب الْكَلَام وَأطْعم الطَّعَام وأدام الصّيام وَصلى بِاللَّيْلِ وَالنَّاس نيام(6/705)
قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (39)
- قَوْله تَعَالَى: قل إِن رَبِّي يبسط الرزق لمن يَشَاء من عباده وَيقدر لَهُ وَمَا أنفقتم من شَيْء فَهُوَ يخلفه وَهُوَ خير الرازقين
أخرج ابْن الْمُنْذر عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ أَنه سَأَلَ عَن قَوْله {وَمَا أنفقتم من شَيْء فَهُوَ يخلفه} النَّفَقَة فِي سَبِيل الله قَالَ: لَا
وَلَكِن نَفَقَة الرجل على نَفسه وَأَهله فَالله بخلفه
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَالْبُخَارِيّ فِي الْأَدَب الْمُفْرد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وَمَا أنفقتم من شَيْء فَهُوَ يخلفه} قَالَ: فِي غير إِسْرَاف وَلَا تقتير
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا أنفقتم على اهليكم فِي غير إِسْرَاف وَلَا تقتير فَهُوَ فِي سَبِيل الله
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَمَا أنفقتم من شَيْء فَهُوَ يخلفه} قَالَ: من غير إِسْرَاف وَلَا تقتير
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِذا كَانَ لأحدكم شَيْء فليقتصد وَلَا يتأوّل هَذِه الْآيَة {وَمَا أنفقتم من شَيْء فَهُوَ يخلفه} فَإِن الرزق مقسوم يَقُول: لَعَلَّ رزقه قَلِيل وَهُوَ ينْفق نَفَقَة الموسع عَلَيْهِ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {وَمَا أنفقتم من شَيْء فَهُوَ يخلفه} قَالَ: مَا كَانَ من خلف فَهُوَ مِنْهُ وَرُبمَا أنْفق الإِنسان مَاله كُله فِي الْخَيْر وَلم يخلف حَتَّى يَمُوت
وَمثلهَا {وَمَا من دَابَّة فِي الأَرْض إِلَّا على الله رزقها} هود الْآيَة 6 يَقُول: مَا آتَاهُم من رزق فَمِنْهُ وَرُبمَا لم يرزقها حَتَّى تَمُوت
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن جَابر بن عبد الله رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي(6/706)
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: كل مَا أنْفق العَبْد نَفَقَة فعلى الله خلفهَا ضَامِنا إِلَّا نَفَقَة فِي بُنيان أَو مَعْصِيّة
وَأخرج ابْن عدي فِي الْكَامِل وَالْبَيْهَقِيّ من وَجه آخر عَن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر عَن جَابر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: كل مَعْرُوف صَدَقَة وَمَا أنْفق الْمَرْء على نَفسه وَأَهله كتب لَهُ بِهِ صَدَقَة وَمَا وقِي بِهِ عرضه كتب لَهُ بِهِ صَدَقَة وكل نَفَقَة أنفقها مُؤمن فعلى الله خلفهَا ضَامِن إِلَّا نَفَقَة فِي مَعْصِيّة أَو بُنيان
قيل لِابْنِ الْمُنْكَدر: وَمَا أَرَادَ بِمَا وقِي بِهِ الْمَرْء عرضه كتب لَهُ بِهِ صَدَقَة قَالَ: مَا أعْطى الشَّاعِر وَذَا اللِّسَان المتقي
وَأخرج أَبُو يعلى وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه بِسَنَد ضَعِيف عَن حُذَيْفَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَلا إِن بعد زمانكم هَذَا زَمَانا عَضُوضًا يعَض الْمُوسر على مَا فِي يَده حذر الانفاق قَالَ الله {وَمَا أنفقتم من شَيْء فَهُوَ يخلفه}
وَأخرج البُخَارِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ قَالَ الله عز وَجل: أنْفق يَا ابْن آدم أنْفق عَلَيْك
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عَليّ بن أبي طَالب كرّم الله وَجهه سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: إِن لكل يَوْم نحساً فادفعوا نحس ذَلِك الْيَوْم بِالصَّدَقَةِ ثمَّ قَالَ: اقرؤا مَوَاضِع الْخلف فَإِنِّي سَمِعت الله يَقُول {وَمَا أنفقتم من شَيْء فَهُوَ يخلفه} إِذا لم تنفقوا كَيفَ يخلف
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن المعونة تنزل من السَّمَاء على قدر المؤونة
وَأخرج الْحَكِيم وَالتِّرْمِذِيّ عَن الزبير بن الْعَوام رَضِي الله عَنهُ قَالَ: جِئْت حَتَّى جَلَست بَين يَدي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأخذ بِطرف عمامتي من ورائي
ثمَّ قَالَ: يَا زبير إِنِّي رَسُول الله إِلَيْك خَاصَّة وَإِلَى النَّاس عَامَّة أَتَدْرُونَ مَاذَا قَالَ ربكُم قلت: الله وَرَسُوله أعلم قَالَ: ربكُم حِين اسْتَوَى على عَرْشه فَنظر خلقه: عبَادي أَنْتُم خلقي وَأَنا ربكُم أرزاقكم بيَدي فَلَا تتبعوا فِيمَا تكفلت لكم فَاطْلُبُوا مني أرزاقكم أَتَدْرُونَ مَاذَا قَالَ ربكُم قَالَ الله تبَارك وَتَعَالَى: أنْفق أنْفق عَلَيْك وأوسع أوسع عَلَيْك وَلَا تُضَيِّقَ أُضَيِّقُ عَلَيْك وَلَا تصر فأصر عَلَيْك وَلَا تحزن فأحزن(6/707)
عَلَيْك إِن بَاب الرزق مَفْتُوح من فَوق سبع سموات متواصل إِلَى الْعَرْش لَا يغلق لَيْلًا وَلَا نَهَارا ينزل الله مِنْهُ الرزق على كل امْرِئ بِقدر نِيَّته وعطيته وصدقته وَنَفَقَته فَمن أَكثر أَكثر لَهُ وَمن أقل أقل لَهُ وَمن أمسك أمسك عَلَيْهِ يَا زبير فَكل واطعم وَلَا توك فيوكي عَلَيْك وَلَا تحص فيحصى عَلَيْك وَلَا تقتر فيقتر عَلَيْك وَلَا تعسر فيعسر عَلَيْك يَا زبير إِن الله يحب الانفاق وَيبغض الاقتار وَإِن السخاء من الْيَقِين وَالْبخل من الشَّك فَلَا يدْخل النارمن أَيقَن وَلَا يدْخل الْجنَّة من شكّ
يَا زبير إِن الله يحب السخاوة وَلَو بفلقة تَمْرَة والشجاعة وَلَو بقتل عقرب أَو حيه
يَا زبير إِن الله يحب الصَّبْر عِنْد زَلْزَلَة الزلازل وَالْيَقِين النَّافِذ عِنْد مَجِيء الشَّهَوَات وَالْعقل الْكَامِل عِنْد نزُول الشُّبُهَات والورع الصَّادِق عِنْد الْحَرَام والخبيثات
يَا زبير عظم الإِخوان وجلل الْأَبْرَار وَوقر الأخيار وصل الْجَار وَلَا تماشي الْفجار
من فعل ذَلِك دخل الْجنَّة بِلَا حِسَاب وَلَا عَذَاب هَذِه وَصِيَّة الله إليّ ووصيتي إِلَيْك(6/708)
وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ (40) قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ (41) فَالْيَوْمَ لَا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ (42) وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَذَا إِلَّا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُكُمْ وَقَالُوا مَا هَذَا إِلَّا إِفْكٌ مُفْتَرًى وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (43) وَمَا آتَيْنَاهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ (44) وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَمَا بَلَغُوا مِعْشَارَ مَا آتَيْنَاهُمْ فَكَذَّبُوا رُسُلِي فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ (45)
- قَوْله تَعَالَى: وَيَوْم يحشرهم جَمِيعًا ثمَّ يَقُول للْمَلَائكَة أَهَؤُلَاءِ إيَّاكُمْ كَانُوا يعْبدُونَ قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْت ولينا من دونهم بل كَانُوا يعْبدُونَ الْجِنّ أَكْثَرهم بهم مُؤمنُونَ فاليوم لَا يملك بَعْضكُم لبَعض نفعا وَلَا ضرا ونقول للَّذين ظلمُوا ذوقوا عَذَاب النَّار الَّتِي كُنْتُم بهَا تكذبون وَإِذا تتلى عَلَيْهِم آيَاتنَا بَيِّنَات قَالُوا مَا هَذَا إِلَّا رجل يُرِيد أَن يصدكم عَمَّا كَانَ يعبد آباؤكم وَقَالُوا مَا هَذَا إِلَّا إفْك مفترى وَقَالَ الَّذين كفرُوا للحق لما جَاءَهُم إِن هَذَا إِلَّا سحر مُبين وَمَا آتَيْنَاهُم من كتب يدرسونها وَمَا أرسلنَا إِلَيْهِم قبلك من نَذِير وَكذب الَّذين من قبلهم وَمَا بلغُوا معشار مَا آتَيْنَاهُم فكذبوا رُسُلِي فَكيف كَانَ نَكِير(6/708)
أخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قتاده رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {ثمَّ يَقُول للْمَلَائكَة أَهَؤُلَاءِ إيَّاكُمْ كَانُوا يعْبدُونَ} قَالَ: اسْتِفْهَام كَقَوْلِه لعيسى عَلَيْهِ السَّلَام {أَأَنْت قلت للنَّاس} الْمَائِدَة الْآيَة 116
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {بل كَانُوا يعْبدُونَ الْجِنّ} قَالَ: الشَّيْطَان
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله {وَمَا آتَيْنَاهُم من كتب يدرسونها} قَالَ: لم يكن عِنْدهم كتاب يدرسونه فيعلمون أَن مَا جِئْت بِهِ حق أم بَاطِل
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَمَا آتَيْنَاهُم من كتب يدرسونها} أَي يقرؤونها {وَمَا أرسلنَا إِلَيْهِم قبلك من نَذِير} وَقَالَ: {وَإِن من أمة إِلَّا خلا فِيهَا نَذِير} فاطر الآيه 24 وَلَا ينقص هَذَا هَذَا وَلَكِن كلما ذهب نَبِي فَمن بعده فِي نذارته حَتَّى يخرج النَّبِي الآخر
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {وَمَا بلغُوا معشار مَا آتَيْنَاهُم} يَقُول: من الْقُدْرَة فِي الدُّنْيَا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جرير رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَكذب الَّذين من قبلهم} قَالَ: الْقُرُون الأولى {وَمَا بلغُوا} أَي الَّذين كفرُوا بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {معشار مَا آتَيْنَاهُم} من الْقُوَّة والاجلال وَالدُّنْيَا والاموال
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قتاده رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَكذب الَّذين من قبلهم} قَالَ: كذب الَّذين قبل هَؤُلَاءِ {وَمَا بلغُوا معشار مَا آتَيْنَاهُم} قَالَ: يُخْبِركُمْ أَنه اعطى الْقَوْم مَا لم يعطكم من الْقُوَّة وَغير ذَلِك {فَكيف كَانَ نَكِير} يَقُول: فقد أهلك الله أُولَئِكَ وهم أقوى وأخلد(6/709)
قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ (46)
قَوْله تَعَالَى: قل إِنَّمَا أعظكم بِوَاحِدَة أَن تقوموا لله مثنى وفرادى ثمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بصاحبكم من جنَّة إِن هُوَ إِلَّا نَذِير لكم بَين يَدي عَذَاب شَدِيد
أخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله(6/709)
عَنهُ {قل إِنَّمَا أعظكم بِوَاحِدَة} قَالَ: بِطَاعَة الله {أَن تقوموا لله مثنى وفرادى} قَالَ: وَاحِد واثنين
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {قل إِنَّمَا أعظكم بِوَاحِدَة} قَالَ: بِلَا إِلَه إِلَّا الله
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جرير رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {قل إِنَّمَا أعظكم بِوَاحِدَة} قَالَ: لَا إِلَه إِلَّا الله
وَفِي قَوْله {أَن تقوموا لله} قَالَ: لَيْسَ بِالْقيامِ على الأرجل كَقَوْلِه {كونُوا قوامين بِالْقِسْطِ} النِّسَاء الْآيَة 135
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ رَضِي الله عَنهُ فِي الآيه قَالَ: يقوم الرجل مَعَ الرجل أَو وَحده فيتفكر مَا بصاحبكم من جنَّة يَقُول: إِنَّه لَيْسَ بمجنون
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي امامة رَضِي الله عَنهُ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَقُول أَعْطَيْت ثَلَاثًا لم يُعْطهنَّ نَبِي قبلي وَلَا فَخر
أحلّت لي الْغَنَائِم وَلم تحل لمن كَانَ قبلي كَانُوا يجمعُونَ غنائمهم فيحرقونها
وَبعثت إِلَى كل أَحْمَر وأسود وَكَانَ كل نَبِي يبْعَث إِلَى قومه وَجعلت لي الأَرْض مَسْجِدا وَطهُورًا أتيمم بالصعيد وأصلي فِيهَا حَيْثُ أدركتني الصَّلَاة قَالَ الله تَعَالَى {أَن تقوموا لله مثنى وفرادى} وأعنت بِالرُّعْبِ مسيرَة شهر بَين يَدي(6/710)
قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (47) قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (48) قُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ (49) قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ (50)
- قَوْله تَعَالَى: قل مَا سألتكم من أجر فَهُوَ لكم إِن أجري إِلَّا على الله وَهُوَ على كل شَيْء شَهِيد قل إِن رَبِّي يقذف بِالْحَقِّ علام الغيوب قل جَاءَ الْحق وَمَا يبددئ الْبَاطِل وَمَا يُعِيد قل إِن ضللت فَإِنَّمَا أضلّ على نَفسِي وَإِن اهتديت فبمَا يوحي إِلَيّ رَبِّي إِنَّه سميع قريب
أخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {قل مَا سألتكم من أجر} أَي من جعل {فَهُوَ لكم} يَقُول: لم أَسأَلكُم(6/710)
على الإِسلام جعلا وَفِي قَوْله {قل إِن رَبِّي يقذف بِالْحَقِّ علام الغيوب قل جَاءَ الْحق وَمَا يبدئ الْبَاطِل} قَالَ: الشَّيْطَان لَا يبدئ وَلَا يُعِيد إِذا هلك
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {يقذف بِالْحَقِّ} قَالَ: ينزل بِالْوَحْي
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {جَاءَ الْحق} قَالَ: جَاءَ الْقُرْآن {وَمَا يبدئ الْبَاطِل وَمَا يُعِيد} قَالَ: مَا يخلق إِبْلِيس شَيْئا وَلَا يَبْعَثهُ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن عمر بن سعد رَضِي الله عَنهُ {قل إِن ضللت فَإِنَّمَا أضلّ على نَفسِي} قَالَ: اؤخذ بخيانتي(6/711)
وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ (51)
- قَوْله تَعَالَى: وَلَو ترى إِذْ فزعوا فَلَا فَوت وَأخذُوا من مَكَان قريب
أخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَلَو ترى إِذْ فزعوا} قَالَ: فِي الدُّنْيَا عِنْد الْمَوْت حِين عاينوا الْمَلَائِكَة وَرَأَوا بَأْس الله {وأنَّى لَهُم التناوش من مَكَان بعيد} غَافِر الْآيَة 84 قَالَ: لَا سَبِيل لَهُم إِلَى الإِيمان كَقَوْلِه {فَلَمَّا رَأَوْا بأسنا قَالُوا آمنا بِاللَّه وَحده وكفرنا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكين} قَالَ: قد كَانُوا يدعونَ إِلَيْهِ وهم فِي دعة ورخاء فَلم يُؤمنُوا بِهِ {ويقذفون بِالْغَيْبِ} يرجعُونَ بِالظَّنِّ يَقُولُونَ إِنَّه لَا جنَّة وَلَا نَار وَلَا بعث {وحيل بَينهم وَبَين مَا يشتهون} قَالَ: اشتهوا طَاعَة الله لَو أَنهم عمِلُوا بهَا فحيل بَينهم وَبَين ذَلِك
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَلَو ترى إِذْ فزعوا} قَالَ يَوْم الْقِيَامَة {فَلَا فَوت} فَلم يفوتوا رَبك
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن فِي قَوْله {وَلَو ترى إِذْ فزعوا} قَالَ فِي الْقُبُور من الصَّيْحَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَلَو ترى إِذْ فزعوا} قَالَ: هَذَا يَوْم بدرحين ضربت أَعْنَاقهم فعاينوا الْعَذَاب فَلم يستطيعوا فِرَارًا من الْعَذَاب وَلَا رُجُوعا إِلَى التَّوْبَة(6/711)
وَأخرج عبد بن حميد وَالضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَلَو ترى إِذْ فزعوا فَلَا فَوت} قَالَ: هُوَ يَوْم بدر
وَأخرج عبد بن حميد عَن زيد بن أسلم مثله
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد رَضِي الله عَنهُ {وَلَو ترى إِذْ فزعوا فَلَا فَوت} قَالَ: هم قَتْلَى الْمُشْركين من أهل بدر نزلت فيهم هَذِه الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وَلَو ترى إِذْ فزعوا فَلَا فَوت وَأخذُوا من مَكَان قريب} قَالَ: هُوَ جَيش السفياني قَالَ: من أَيْن أَخذ قَالَ: من تَحت أَقْدَامهم
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن عَطِيَّة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَلَو ترى إِذْ فزعوا} قَالَ: قوم خسف بهم أخذُوا من تَحت أَقْدَامهم
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن حُذَيْفَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يبْعَث نَاس إِلَى الْمَدِينَة حَتَّى إِذا كَانُوا ببيداء بعث الله عَلَيْهِم جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام فضربهم بِرجلِهِ ضَرْبَة فيخسف الله بهم فَذَلِك قَوْله {وَلَو ترى إِذْ فزعوا فَلَا فَوت وَأخذُوا من مَكَان قريب} وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ {وَلَو ترى إِذْ فزعوا فَلَا فَوت} قَالَ: هم الْجَيْش الَّذين يخسف بهم بِالْبَيْدَاءِ يبْقى مِنْهُم رجل يخبر النَّاس بِمَا لَقِي أَصْحَابه
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد عَن أبي معقل رَضِي الله عَنهُ {وَلَو ترى إِذْ فزعوا فَلَا فَوت} قَالَ: أخذُوا فَلم يفوتوا
وَأخرج أَحْمد عَن نفيرة امْرَأَة الْقَعْقَاع بن أبي حدره رَضِي الله عَنهُ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: إِذا سَمِعْتُمْ بِجَيْش قد خسف بِهِ فقد أطلت السَّاعَة وَأخرج أَحْمد وَمُسلم وَالْحَاكِم عَن حَفْصَة أم الْمُؤمنِينَ رَضِي الله عَنْهَا سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: ليؤمنّ هَذَا الْبَيْت جَيش يغزونه حَتَّى إِذا كَانُوا بِالْبَيْدَاءِ خسف أوساطهم فينادي أَوَّلهمْ آخِرهم فيخسف بهم خسفاً فَلَا ينجو إِلَّا الشريد الَّذِي يخبر عَنْهُم وَأخرج أَحْمد عَن حَفْصه رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول:(6/712)
يَأْتِي جَيش من قبل الْمشرق يُرِيدُونَ رجلا من أهل مَكَّة حَتَّى إِذا كَانُوا بِالْبَيْدَاءِ خسف بهم فَيرجع من كَانَ أمامهم لينْظر مَا فعل الْقَوْم فيصيبهم مَا أَصَابَهُم
قلت: يَا رَسُول الله فَكيف بِمن كَانَ مستكرهاً قَالَ: يصيبهم كلهم ذَلِك ثمَّ يبْعَث الله كل امْرِئ على نِيَّته وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد عَن صَفِيَّة أم الْمُؤمنِينَ رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يَنْتَهِي النَّاس عَن غَزْو هَذَا الْبَيْت حَتَّى يغزوه جَيش حَتَّى إِذا كَانُوا بِالْبَيْدَاءِ خسف بأولهم وَآخرهمْ وَلم ينج أوسطهم قلت: يَا رَسُول الله أَرَأَيْت الْمُكْره قَالَ: يَبْعَثهُم الله على مَا فِي أنفسهم
وَأخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم عَن عائشه رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: بَيْنَمَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم [] وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن ام سَلمَة رَضِي الله عَنْهَا سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول يعوذ عَائِذ بِالْحرم فيبعث إِلَيْهِ بعث فَإِذا كَانَ ببيداء من الأَرْض خسف بهم قلت: يَا رَسُول الله فَكيف بِمن يخرج كَارِهًا قَالَ: يخسف بِهِ مَعَهم وَلكنه يبْعَث على نِيَّته يَوْم الْقِيَامَة وَأخرج ابْن أبي سيبه وَالطَّبَرَانِيّ عَن أم سَلمَة قَالَت: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُبَايع الرجل من أمتِي بَين الرُّكْن وَالْمقَام كعدة أهل بدر فيأتيه عصب الْعرَاق وابدال الشَّام فيأتيهم جَيش من الشَّام حَتَّى إِذا كَانُوا بِالْبَيْدَاءِ خسف بهم ثمَّ يسير إِلَيْهِ رجل من قُرَيْش اخواله كلب فيهزمهم الله قَالَ: وَكَانَ يُقَال إِن الخائب يَوْمئِذٍ من خَابَ من غنيمَة كلب
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم المحروم من حرم غنيمَة كلب وَلَو عقَالًا وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لَتُبَاعَنَّ نِسَاؤُهُم على درج دمشق حَتَّى ترد الْمَرْأَة من كسر بساقها
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تَنْتَهِ الْبعُوث عَن غَزْو بَيت الله حَتَّى يخسف بِجَيْش مِنْهُم وَأخرج الْحَاكِم عَن عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي ذِي الْقعدَة تحارب الْقَبَائِل وعامئذ ينهب الْحَاج وَتَكون(6/713)
ملحمة بمنى حَتَّى يهرب صَاحبهمْ فيبايع بَين الرُّكْن وَالْمقَام وَهُوَ كَارِه يبايعه مثل عدَّة أهل بدر يرضى عَنهُ سَاكن السَّمَاء وَسَاكن الأَرْض
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يخرج رجل يُقَال لَهُ السفياني فِي عمق دمشق وَعَامة من يتبعهُ من كلب فَيقْتل حَتَّى يبقر بطُون النِّسَاء وَيقتل الصّبيان فَيجمع لَهُم قيس فيقتلها حَتَّى لَا يمْنَع ذَنْب تلعة وَيخرج رجل من أهل بَيْتِي فَيبلغ السفياني فيبعث إِلَيْهِ جنداً من جنده فيهزمه فيسير إِلَيْهِ السفياني بِمن مَعَه حَتَّى إِذا صَار ببيداء من الأَرْض خسف بهم فَلَا ينجو مِنْهُم إِلَّا الْمخبر عَنْهُم
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أحذركم سبع فتن فتْنَة تقبل من الْمَدِينَة وفتنة بِمَكَّة وفتنة بِالْيمن وفتنة تقبل من الشَّام وفتنة تقبل من الْمشرق وفتنة تقبل من الْمغرب وفتنه من بطن الشَّام وَهِي السفياني
فَقَالَ ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ: مِنْكُم من يدْرك أولهاومن هَذِه الْأمة من يدْرك آخرهَا قَالَ الْوَلِيد بن عَيَّاش رَضِي الله عَنهُ: فَكَانَت فتْنَة الْمَدِينَة من قبل طَلْحَة وَالزُّبَيْر وفتنة مَكَّة فتْنَة ابْن الزبير وفتنة الشَّام من قبل بني أُمِّيّه وفتنة الْمشرق من قبل هَؤُلَاءِ(6/714)
وَقَالُوا آمَنَّا بِهِ وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ (52) وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ (53)
- قَوْله تَعَالَى: وَقَالُوا آمنا بِهِ وأنَّى لَهُم التناوش من مَكَان بعيد وَقد كفرُوا بِهِ من قبل ويقذفون بِالْغَيْبِ من مَكَان بعيد
أخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَقَالُوا آمنا بِهِ} قَالَ: الله {وأَنى لَهُم التناوش} قَالَ: التَّنَاوُل كَذَلِك {من مَكَان بعيد} قَالَ: مَا كَانَ بَين الْآخِرَة وَالدُّنْيَا {وَقد كفرُوا بِهِ من قبل} قَالَ: كفرُوا بِاللَّه فِي الدُّنْيَا {ويقذفون بِالْغَيْبِ من مَكَان بعيد} قَالَ: فِي الدُّنْيَا قَوْلهم هُوَ سَاحر بل هُوَ كَاهِن بل هُوَ شَاعِر بل هُوَ كَذَّاب
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله(6/714)
عَنهُ {وأنى لَهُم التناوش} الرَّد {من مَكَان بعيد} قَالَ: من الْآخِرَة إِلَى الدُّنْيَا
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {وأَنى لَهُم التناوش} قَالَ: كَيفَ لَهُم الرَّد {من مَكَان بعيد} قَالَ: يسْأَلُون الرَّد وَلَيْسَ حِين رد
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن التَّيْمِيّ قَالَ: أتيت ابْن عَبَّاس قلت: مَا التناوش قَالَ: تنَاول الشَّيْء وَلَيْسَ بِحِين ذَاك
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {وأَنى لَهُم التناوش} قَالَ: التَّوْبَة
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي مَالك رَضِي الله عَنهُ مثله
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم رَضِي الله عَنهُ أَنه قَرَأَ (التناؤش) ممدودة مَهْمُوزَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {ويقذفون بِالْغَيْبِ} قَالَ: يرجمون بِالظَّنِّ إِنَّهُم كَانُوا فِي الدُّنْيَا يكذبُون بِالآخِرَة وَيَقُولُونَ: لَا بعث وَلَا جنَّة وَلَا نَار(6/715)
وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ (54)
- قَوْله تَعَالَى: وحيل بَينهم وَبَين مَا يشتهون كَمَا فعل بأشياعهم من قبل إِنَّهُم كَانُوا فِي شكّ مريب
أخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وحيل بَينهم وَبَين مَا يشتهون} قَالَ: حيل بَينهم وَبَين الايمان
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وحيل بَينهم وَبَين مَا يشتهون} قَالَ: من مالأو ولد أَو زهرَة أَو أهل {كَمَا فعل بأشياعهم من قبل} قَالَ: كَمَا فعل بالكفار من قبلهم
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الْإِيمَان عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وحيل بَينهم وَبَين مَا يشتهون} قَالَ: التَّوْبَة(6/715)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وحيل بَينهم وَبَين مَا يشتهون} قَالَ: كَانَ رجل من بني إِسْرَائِيل فاتحاً أَي الله فتح لَهُ مَالا فورثه ابْن لَهُ تافه - أَي فَاسد - فَكَانَ يعْمل فِي مَال أَبِيه بمعاصي الله فَلَمَّا رأى ذَلِك إخْوَان أَبِيه أَتَوا الْفَتى فعزلوه ولاموه فضجر الْفَتى فَبَاعَ عقاره بصامت ثمَّ رَحل فَأتى عينا تجاهه فسرح فِيهَا مَاله وابتنى قصراً
فَبَيْنَمَا هُوَ ذَات يَوْم جَالس إِذْ شملت عَلَيْهِ ريح بِامْرَأَة من أحسن النَّاس وجهاوأطيبهم ريحًا فَقَالَت: من أَنْت يَا عبد الله قَالَ: أَنا امْرُؤ من بني إِسْرَائِيل قَالَت: فلك هَذَا الْقصر وَهَذَا المَال قَالَ: نعم
[قَالَت] فَهَل لَك من زَوْجَة قَالَ: لَا
قَالَت: فَكيف يهنيك الْعَيْش وَلَا زَوْجَة لَك قَالَ: قد كَانَ ذَاك فَهَل لكِ من بعل قَالَت: لَا
قَالَ: فَهَل لَك أَن أتزوجك قَالَت: إِنِّي امْرَأَة مِنْك على مسيرَة ميل فَإِذا كَانَ غَد فتزود زَاد يَوْم وأتني وَإِن رَأَيْت فِي طريقك هولاً قَالَ: نعم
قَالَت: إِنَّه لَا بَأْس عَلَيْك فَلَا يهولنك
فَلَمَّا كَانَ من الْغَد تزَود زَاد يَوْم وَانْطَلق إِلَى قصر فقرع بَابه فَخرج إِلَيْهِ شَاب من أحسن النَّاس وَجها وَأطيب النَّاس ريحًا فَقَالَ: من أَنْت يَا عبد الله قَالَ: أَنا الاسرائيلي قَالَ: فَمَا حَاجَتك قَالَ: دعتني صَاحِبَة هَذَا الْقصر إِلَى نَفسهَا قَالَ: صدقت فَهَل رَأَيْت فِي طريقك هولاً قَالَ: نعم وَلَوْلَا أَخْبَرتنِي أَن لَا بَأْس عليَّ لهالني الَّذِي رَأَيْت أَقبلت حَتَّى إِذا انفرج بِي السَّبِيل إِذْ أَنا بكلبة فَاتِحَة فاها فَفَزِعت فَوَثَبت فَإِذا أَنا من وَرَائِهَا وَإِذا جروها ينْحَر على صدرها قَالَ: لست تدْرك هَذَا هَذَا يكون آخر الزَّمَان يقاعد الْغُلَام المشيخة فيغلبهم على مجلسهم ويأسرهم حَدِيثهمْ
ثمَّ أَقبلت حَتَّى إِذا انفرج بِي السَّبِيل وَإِذا بِمِائَة اعنز حفل وَإِذا فِيهَا جدي يمصها فَإِذا أَتَى عَلَيْهَا فَظن أَنه لم يتْرك شَيْئا فتح فَاه يلْتَمس الزِّيَادَة قَالَ: لست تدْرك هَذَا هَذَا يكون فِي آخر الزَّمَان ملك يجمع صَامت النَّاس كلهم حَتَّى إِذا ظن أَنه لم يتْرك شَيْئا فتح فَاه يلْتَمس الزِّيَادَة قَالَ: ثمَّ أَقبلت حَتَّى إِذا انفرج بِي السَّبِيل إِذا أَنا بشجر فاعجبني غُصْن من شَجَرَة مِنْهَا ناضر فَأَرَدْت بِرَجُل مَعَه منجل يحصد مَا بلغ وَمَا لم يبلغ قَالَ لَهُ: لَو حصدت مَا بلغ وَتركت مَا لم يبلغ قَالَ لَهُ: امْضِ
لَا تكونن مُكَلّفا سَوف يَأْتِيك خبر هَذَا(6/716)
قطعه فنادتني شَجَرَة أُخْرَى: يَا عبد الله مني فَخذ
حَتَّى ناداني الشّجر: يَا عبد الله منا فَخذ
قَالَ: لست تدْرك هَذَا هَذَا يكون فِي آخر الزَّمَان يقل الرِّجَال وَيكثر النِّسَاء حَتَّى إِن الرجل ليخطب الْمَرْأَة فتدعوه الْعشْرَة وَالْعشْرُونَ إِلَى أَنْفسهنَّ
قَالَ: ثمَّ أَقبلت حَتَّى انفرج بِي السَّبِيل فَإِذا أَنا بِرَجُل قَائِم على عين يغْرف لكل انسان من المَاء فَإِذا تصدعوا عَنهُ صب المَاء فِي جرته فَلم تعلق جرته من المَاء بِشَيْء قَالَ: لست تدْرك هَذَا هَذَا يكون فِي آخر الزَّمَان القَاضِي يعلم النَّاس الْعلم ثمَّ يخالفهم إِلَى معاصي الله ثمَّ أَقبلت حَتَّى إِذا انفرج بِي السَّبِيل إِذا أَنا بِرَجُل يميح على قليب كلما أخرج دلوه صبه فِي الْحَوْض فانساب المَاء رَاجعا إِلَى القليب قَالَ: هَذَا رجل رد الله عَلَيْهِ صَالح عمله فَلم يقبله
ثمَّ أَقبلت حَتَّى إِذا انفرج بِي السَّبِيل إِذا أَنا بِرَجُل يبذر بذراً فيستحصد فَإِذا حِنْطَة طبية قَالَ: هَذَا رجل قبل الله صَالح عمله وأزكاه لَهُ
قَالَ: ثمَّ أَقبلت حَتَّى إِذا انفرج بِي السبيلإذا أَنا بعنز وَإِذا قوم قد أخذُوا بقوائمها وَإِذا رجل آخذ بقرنيها وَإِذا رجل آخذ بذنبها وَإِذا رجل قد ركبهَا وَإِذا رجل يحلبها فَقَالَ: أما العنز فَهِيَ الدُّنْيَا وَالَّذين أخذُوا بقوائمها فهم يتساقطون من عليتهاوأما الَّذِي قد أَخذ بقرنيها فَهُوَ يعالج من عيشها ضيقا وَأما الَّذِي قد أَخذ بذنبها فقد أَدْبَرت عَنهُ وَأما الَّذِي ركبهَا فقد تَركهَا وَأما الَّذِي يتحلبها
فبخ
بخ ذهب ذَاك بهَا قَالَ: ثمَّ أَقبلت حَتَّى إِذا انفرج بِي السَّبِيل إِذا أَنا بِرَجُل مستلق على قَفاهُ فَقَالَ: يَا عبد الله أدن مني فَخذ بيَدي واقعدني فوَاللَّه مَا قعدت مُنْذُ خلقني الله فاخذت بِيَدِهِ فَقَامَ يسْعَى حَتَّى مَا أرَاهُ فَقَالَ لَهُ الْفَتى: هَذَا عمرك فقد وَأَنا ملك الْمَوْت وَأَنا الْمَرْأَة الَّتِي أَتَيْتُك أَمرنِي الله بِقَبض روحك فِي هَذَا الْمَكَان ثمَّ أصيرك إِلَى جَهَنَّم
قَالَ فَفِيهِ نزلت هَذِه الآيه {وحيل بَينهم وَبَين مَا يشتهون}
وَأخرج الزبير بن بكار فِي الموفقيات بِسَنَد ضَعِيف من طَرِيق عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: لَا تهتكوا سترا فَإِنَّهُ كَانَ رجل فِي بني إِسْرَائِيل وَكَانَ لَهُ امْرَأَة وَكَانَت إِذا قدمت إِلَيْهِ الطَّعَام ثمَّ قَامَت على رَأسه ثمَّ تَقول: هتك الله ستر(6/717)
امْرَأَة تخون زَوجهَا بِالْغَيْبِ فَبعث إِلَيْهَا يَوْمًا بِسَمَكَةٍ ثمَّ قَامَت على رَأسه فَقَالَت: هتك الله ستر امْرَأَة تخون زَوجهَا بِالْغَيْبِ فقهقهت السَّمَكَة حَتَّى سَقَطت من الْقَصعَة
فعل ذَلِك ثَلَاث مَرَّات كل ذَلِك تقهقه السَّمَكَة وتضرب حَتَّى تسْقط من الخوان
فَأتى عَالم بني إِسْرَائِيل فَأخْبرهُ فَقَالَ: انْطلق فاذكر رَبك وكل طَعَامك واخس الشَّيْطَان عَنْك فَقَالَ لَهُ: اخف النَّاس انْطلق إِلَى ابْنه فَإِنَّهُ أعلم مِنْهُ فَانْطَلق فاخبره فَقَالَ: ائْتِنِي بِكُل من فِي دَارك مِمَّن لم تَرَ عورتهفأتاه فَنظر فِي وُجُوههم ثمَّ قَالَ: اكشف عَن هَذِه الحبشية فكشف عَنْهَا فَإِذا مثل ذِرَاع الْبكر فَقَالَ: من هَذَا أتيت
فَمَاتَ أَبُو الْفَتى الْعَالم وهتك بهتكه ذَلِك السّتْر وَاحْتَاجَ إِلَيْهِ النَّاس فَأَتَاهُ بني إِسْرَائِيل فَقَالُوا وَيحك
أَنْت كنت أعلمناوأميننا
فَلَمَّا أَن أَكْثرُوا عَلَيْهِ هرب مِنْهُم إِلَى أَن بلغ إِلَى أقْصَى مَوضِع بني إِسْرَائِيل من أَرض البلقاء فاتيح لَهُ امْرَأَة جميلَة تستفتيه فَقَالَ لَهَا: هَل لَك أَن تمكنيني من نَفسك واهب لَك مائَة دِينَار قَالَت: أوخير من ذَلِك تَجِيء إِلَى أَهلِي تتزوّجني وأكون لَك حَلَالا أبدا
قَالَ: فَأَيْنَ مَنْزِلك فوصفت لَهُ فطابت عَلَيْهِ تِلْكَ اللَّيْلَة
فَمضى فَإِذا هُوَ بكلبة تنبح فِي بَطنهَا جراؤها قَالَ: مَا أعجب هَذَا قيل لَهُ: إمضِ
لَا تكونن مُكَلّفا فَسَوف يَأْتِيك خبر هَذَا فَمضى فَإِذا هُوَ بِرَجُل يحمل حِجَارَة كلما ثقلت عَلَيْهِ وَسَقَطت مِنْهُ زَاد عَلَيْهَا فَقَالَ لَهُ: أَنْت لَا تَسْتَطِيع تحمل هَذَا تزيد عَلَيْهِ قَالَ: امضِ
لَا تكونن مُكَلّفا سَوف يَأْتِيك خبر هَذَا
فَمضى فَإِذا هُوَ بِرَجُل يَسْتَقِي من بِئْر ويصبه فِي حَوْض إِلَى جنب الْبِئْر وَفِي الْحَوْض ثقب فالماء يرجع إِلَى الْبِئْر قَالَ لَهُ: لَو سددت الْجُحر استمسك لَك المَاء قَالَ: امْضِ
لَا تكونن مُكَلّفا سَوف يَأْتِيك خبر هَذَا فَمضى فَإِذا هُوَ بظبية وَرجل رَاكب عَلَيْهَا وَآخر يحلبها وَآخر يمسك بقرنيها وَآخَرُونَ يمسكون بقوائمها قَالَ: مَا أعجب هَذَا قَالَ لَهُ: امضِ
لَا تكونن مُكَلّفا سَوف يَأْتِيك خبر هَذَا فَمضى فَإِذا هُوَ بِرَجُل يبذر بذراً فَلَا يَقع على الأَرْض حَتَّى ينْبت ثمَّ مضى فَإِذا هُوَ(6/718)
فَمضى فَإِذا هُوَ بِالْقصرِ الَّذِي وعدته وَإِذا دونه نهر وَإِذا رجل جَالس على سَرِير فَقَالَ لَهُ: كَيفَ الطَّرِيق إِلَى هَذَا الْقصر وَلَقَد رَأَيْت فِي لَيْلَتي أَعَاجِيب قَالَ: مَا هِيَ فَذكر الكلبة
قَالَ: يَأْتِي على النَّاس زمَان يثب الصَّغِير على الْكَبِير والوضيع على الشريف وَالسَّفِيه على الْحَلِيم
وَذكر لَهُ الَّذِي يحمل الْحِجَارَة قَالَ: يَأْتِي على النَّاس زمَان يكون عِنْد الرجل الأمانه فَلَا يقدر يُؤَدِّيهَا وَيزِيد عَلَيْهَا
وَذكر لَهُ الَّذِي يَسْتَقِي قَالَ: يَأْتِي على النَّاس زمَان يتَزَوَّج الرجل الْمَرْأَة لَا يَتَزَوَّجهَا لدينها وَلَا حسب وَلَا جمال إِنَّمَا يُرِيد مَالهَا وَتَكون لَا تَلد فَيكون كل شَيْء مِنْهُ يرجع فِيهَا
وَذكر لَهُ الظبيه قَالَ: هِيَ الدُّنْيَا
أما الرَّاكِب عَلَيْهَا فالملك
وَأما الَّذين يحلبونها فَهُوَ أطيب النَّاس عَيْشًا
وَأما الَّذِي يمسك بقرنيها فَمن أيبس النَّاس عَيْشًا
وَأما الَّذِي يمسك ذنبها فَالَّذِي لَا يَأْتِيهِ رزقه إِلَّا قوتاً
وَالَّذين يمسكون بقوائمها فسفلة النَّاس
وَذكر لَهُ الْبذر قَالَ: يَأْتِي على النَّاس زمَان لَا يدْرِي مَتى يتزوّج الرجل وَمَتى يُولد الْمَوْلُود وَمَتى قد بلغ
وَذكر لَهُ الَّذِي يحصد فَقَالَ: ذَاك ملك الْمَوْت يحصد الصَّغِير وَالْكَبِير وَأَنا هُوَ بَعَثَنِي الله إِلَيْك لأقبض روحك على أسوء أحوالك
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنهُ
أَنه شرب مَاء بَارِد فَبكى فَقيل لَهُ: مَا يبكيك فَقَالَ: ذكرت آيَة فِي كتاب الله {وحيل بَينهم وَبَين مَا يشتهون} فَعرفت أَن أهل النَّار لَا يشتهون إِلَّا المَاء الْبَارِد وَقد قَالَ الله {أفيضوا علينا من المَاء} الْأَعْرَاف الْآيَة 50
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {إِنَّهُم كَانُوا فِي شكّ مريب} قَالَ: إيَّاكُمْ وَالشَّكّ والريبة فَإِنَّهُ من مَاتَ على شكّ بعث عليهومن مَاتَ على يَقِين بعث عَلَيْهِ
وَالله أعلم 7(6/719)
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
سُورَة فاطر
مَكِّيَّة وآياتها خمس وَأَرْبَعُونَ
مُقَدّمَة سُورَة فاطر
أخرج ابْن الضريس وَالْبُخَارِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: أنزلت سُورَة فاطر بِمَكَّة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: سُورَة الْمَلَائِكَة مَكِّيَّة
وَأخرج ابْن سعد عَن ابْن أبي ملكية قَالَ: كنت أقوم بِسُورَة الْمَلَائِكَة فِي رَكْعَة
الْآيَة 1(7/3)
الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1)
أخرج أَبُو عبيد فِي فضائله وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: كنت لَا أَدْرِي مَا {فاطر السَّمَاوَات وَالْأَرْض} حَتَّى أَتَانِي اعرابيان يختصمان فِي بِئْر فَقَالَ أَحدهمَا: أَنا فطرتها قَالَ: ابْتَدَأتهَا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {فاطر السَّمَاوَات وَالْأَرْض} قَالَ: بديع السَّمَوَات وَالْأَرْض
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك قَالَ: كل شَيْء فِي الْقُرْآن {فاطر السَّمَاوَات وَالْأَرْض} فَهُوَ خَالق السَّمَوَات وَالْأَرْض
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {جَاعل الْمَلَائِكَة رسلًا} قَالَ: إِلَى الْعباد(7/3)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فاطر السَّمَاوَات وَالْأَرْض} قَالَ: خَالق السَّمَوَات وَالْأَرْض {جَاعل الْمَلَائِكَة رسلًا أولي أَجْنِحَة مثنى وَثَلَاث وَربَاع} قَالَ: بَعضهم لَهُ جَنَاحَانِ وَبَعْضهمْ لَهُ ثَلَاثَة أَجْنِحَة وَبَعْضهمْ لَهُ أَرْبَعَة أَجْنِحَة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {أولي أَجْنِحَة مثنى} قَالَ: للْمَلَائكَة الأجنحة من اثْنَيْنِ إِلَى ثَلَاثَة إِلَى اثْنَي عشر وَفِي ذَلِك وتر الثَّلَاثَة الأجنحة والخمسة وَالَّذين على الموازين فطران وَأَصْحَاب الموازين أجنحتهم عشرَة
عشرَة
وَأَجْنِحَة الْمَلَائِكَة زغبة ولجبريل سِتَّة أَجْنِحَة
جنَاح بالمشرق وَجَنَاح بالمغرب وجناحان على عَيْنَيْهِ وجناحان
مِنْهُم من يَقُول على ظَهره وَمِنْهُم من يَقُول متسرولاً بهما
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {يزِيد فِي الْخلق مَا يَشَاء} يزِيد فِي أجنحتهم وخلقهم مَا يَشَاء
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس {يزِيد فِي الْخلق مَا يَشَاء} قَالَ: الصَّوْت الْحسن
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن الزُّهْرِيّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {يزِيد فِي الْخلق مَا يَشَاء} قَالَ: حسن الصَّوْت
وَأخرج ابْن أبي شيبَة فِي المُصَنّف عَن حُذَيْفَة
أَنه سمع أَبَا التياح يُؤذن فَقَالَ: من يرد الله أَن يَجْعَل رزقه فِي صَوته فعل
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {يزِيد فِي الْخلق مَا يَشَاء} قَالَ: الملاحة فِي الْعَينَيْنِ
الْآيَات 2 - 4(7/4)
مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (2) يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (3) وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (4)
أخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {مَا يفتح الله للنَّاس} قَالَ: مَا يفتح الله للنَّاس من بَاب تَوْبَة {فَلَا مُرْسل لَهُ من بعده} وهم لَا يتوبون
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {مَا يفتح الله للنَّاس من رَحْمَة فَلَا مُمْسك لَهَا وَمَا يمسك فَلَا مُرْسل لَهُ من بعده} يَقُول (لَيْسَ لَك من الْأَمر شَيْء) (آل عمرَان 128)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {مَا يفتح الله للنَّاس من رَحْمَة} أَي من خير {فَلَا مُمْسك لَهَا} قَالَ: فَلَا يَسْتَطِيع أحد حَبسهَا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {مَا يفتح الله للنَّاس من رَحْمَة فَلَا مُمْسك لَهَا} قَالَ: الْمَطَر
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق ابْن وهب قَالَ: سَمِعت مَالِكًا يحدث أَن أَبَا هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ كَانَ إِذا أصبح فِي اللَّيْلَة الَّتِي يمطرون فِيهَا وتحدث مَعَ أَصْحَابه قَالَ: مُطِرْنَا اللَّيْلَة بِنَوْء الْفَتْح ثمَّ يَتْلُو {مَا يفتح الله للنَّاس من رَحْمَة فَلَا مُمْسك لَهَا}
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن عَامر بن عبد قيس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أَربع آيَات من كتاب الله إِذا قرأتهن فَمَا أُبَالِي مَا أصبح عَلَيْهِ وأمسي {مَا يفتح الله للنَّاس من رَحْمَة فَلَا مُمْسك لَهَا وَمَا يمسك فَلَا مُرْسل لَهُ من بعده} وَإِن يمسسك الله بضر فَلَا كاشف لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِن يردك بِخَير فَلَا راد لفضله {أنعام} وسيجعل الله بعد عسر يسرا {الطَّلَاق} وَمَا من دَابَّة فِي الأَرْض إِلَّا على الله رزقها {هود}
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن مُحَمَّد بن جَعْفَر بن الزبير قَالَ كَانَ عُرْوَة يَقُول فِي ركُوب الْمحمل: هِيَ وَالله رَحْمَة فتحت للنَّاس ثمَّ يَقُول {مَا يفتح الله للنَّاس من رَحْمَة فَلَا مُمْسك لَهَا}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله {يرزقكم من السَّمَاء وَالْأَرْض} قَالَ: الرزق من السَّمَاء: الْمَطَر وَمن الأَرْض: النَّبَات(7/5)
الْآيَات 5 - 7(7/6)
يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (5) إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ (6) الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (7)
أخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: الْغرَّة فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا أَن يغتر بهَا وتشغله عَن الْآخِرَة
أَن يمهد لَهَا وَيعْمل لَهَا كَقَوْل العَبْد إِذا أفْضى إِلَى الْآخِرَة (يَا لَيْتَني قدمت لحياتي) (الْفجْر 24) والغرة بِاللَّه: أَن يكون العَبْد فِي مَعْصِيّة الله ويتمنى على الله الْمَغْفِرَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {إِن الشَّيْطَان لكم عدوّ فاتخذوه عدوا} قَالَ: عادوه فَإِنَّهُ يحِق على كل مُسلم عداوته وعداوته أَن يعاديه بِطَاعَة الله
وَفِي قَوْله {إِنَّمَا يَدْعُو حزبه} قَالَ: أولياءه {ليكونوا من أَصْحَاب السعير} أَي ليسوقهم إِلَى النَّار فَهَذِهِ عداوته
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {إِنَّمَا يَدْعُو حزبه} الْآيَة
قَالَ يَدْعُو حزبه إِلَى معاصي الله وَأَصْحَاب معاصي الله أَصْحَاب السعير وَهَؤُلَاء حزبه من الإِنس أَلا ترَاهُ يَقُول: (أُولَئِكَ حزب الشَّيْطَان) (المجادلة 19) قَالَ: والحزب ولَايَة الَّذين يتولاهم ويتولونه
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {لَهُم مغْفرَة وَأجر كَبِير} قَالَ: كل شَيْء فِي الْقُرْآن {لَهُم مغْفرَة وَأجر كَبِير} ورزق كريم فَهُوَ الْجنَّة
الْآيَة 8(7/6)
أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (8)
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي قلَابَة أَنه سُئِلَ عَن هَذِه الْآيَة {أَفَمَن زين لَهُ سوء عمله فَرَآهُ حسنا} أهم عمالنا هَؤُلَاءِ الَّذين يصنعون قَالَ: لَيْسَ هم
إِن هَؤُلَاءِ لَيْسَ أحدهم يَأْتِي شَيْئا مِمَّا لَا يحل لَهُ إِلَّا قد عرف أَن ذَلِك حرَام عَلَيْهِ
إِن أَتَى الزِّنَا فَهُوَ حرَام أَو قتل النَّفس فَهُوَ حرَام إِنَّمَا أُولَئِكَ أهل الْملَل
الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوس وأظن الخزارج مِنْهُم لِأَن الْخَارِجِي يخرج بِسَيْفِهِ على جَمِيع أهل الْبَصْرَة وَقد عرف أَنه لَيْسَ ينَال حَاجته مِنْهُم وَأَنَّهُمْ سَوف يقتلونه وَلَوْلَا أَنه من دينه مَا فعل ذَلِك
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة وَالْحسن فِي قَوْله {أَفَمَن زين لَهُ سوء عمله} قَالَ: الشَّيْطَان زين لَهُم - وَالله - الضلالات {فَلَا تذْهب نَفسك عَلَيْهِم حسرات} أَي لَا تحزن عَلَيْهِم
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله {أَفَمَن زين لَهُ سوء عمله فَرَآهُ حسنا} قَالَ: هَذَا الْمُشرك {فَلَا تذْهب نَفسك عَلَيْهِم حسرات} كَقَوْلِه (لَعَلَّك باخع نَفسك) (الْكَهْف 6)
وَأخرج ابْن جرير من طَرِيق جُوَيْبِر عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أنزلت هَذِه الْآيَة {أَفَمَن زين لَهُ سوء عمله فَرَآهُ حسنا} حَيْثُ قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: اللَّهُمَّ أعِزَّ دينَكَ بعمر بن الْخطاب أَو بِأبي جهل بن هِشَام فهدى الله عمر رَضِي الله عَنهُ وأضل أَبَا جهل
ففيهما أنزلت
الْآيَة 9(7/7)
وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ (9)
أخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فأحيينا بِهِ الأَرْض بعد مَوتهَا كَذَلِك النشور} قَالَ: أَحْيَا الله هَذِه الأَرْض الْميتَة بِهَذَا المَاء كَذَلِك يبْعَث النَّاس يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن عبد الله بن مَسْعُود رَضِي الله(7/7)
عَنهُ قَالَ: يقوم ملك بالصور بَين السَّمَاء وَالْأَرْض فينفخ فِيهِ فَلَا يبْقى خلق لله فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض (إِلَّا مَا شَاءَ الله
) (الْأَعْلَى الْآيَة 7) ثمَّ يُرْسل الله من تَحت الْعَرْش منياً كمني الرِّجَال فتنبت أجسامهم ولحمانهم من ذَلِك المَاء كَمَا تنْبت الأَرْض من الثرى ثمَّ قَرَأَ عبد الله رَضِي الله عَنهُ (الله الَّذِي يُرْسل الرِّيَاح فتثير سحاباً فسقناه إِلَى بلد ميت فأحيينا بِهِ الأَرْض بعد مَوتهَا كَذَلِك النشور) وَيكون بَين النفختين مَا شَاءَ الله ثمَّ يقوم ملك فينفخ فِيهِ فتنطلق كل نفس إِلَى جَسدهَا
وَأخرج الطَّيَالِسِيّ وَأحمد وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن أبي رزين الْعقيلِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قلت يَا رَسُول الله كَيفَ يحيى الله الْمَوْتَى قَالَ: أما مَرَرْت بِأَرْض مُجْدِبَة ثمَّ مَرَرْت بهَا مخصبة تهتز خضراء قَالَ: بلَى
قَالَ: كَذَلِك يحيي الله الْمَوْتَى وَكَذَلِكَ النشور
الْآيَة 10(7/8)
مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ (10)
أخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {من كَانَ يُرِيد الْعِزَّة} قَالَ: بِعبَادة الْأَوْثَان {فَللَّه الْعِزَّة جَمِيعًا} قَالَ: فليتعزز بِطَاعَة الله
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: إِذا حَدَّثْنَاكُمْ بِحَدِيث أَتَيْنَاكُم بِتَصْدِيق ذَلِك من كتاب الله
إِن العَبْد الْمُسلم إِذا قَالَ سُبْحَانَ الله وَبِحَمْدِهِ وَالْحَمْد لله وَلَا إِلَه إِلَّا الله وَالله أكبر وتبارك الله قبض عَلَيْهِنَّ ملك يضمهن تَحت جنَاحه ثمَّ يصعد بِهن إِلَى السَّمَاء فَلَا يمر بِهن على جمع من الْمَلَائِكَة إِلَّا اسْتَغْفرُوا لِقَائِلِهِنَّ(7/8)
حَتَّى يَجِيء بِهن وَجه الرَّحْمَن ثمَّ قَرَأَ {إِلَيْهِ يصعد الْكَلم الطّيب وَالْعَمَل الصَّالح يرفعهُ}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه والديلمي عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {إِلَيْهِ يصعد الْكَلم الطّيب} قَالَ: ذكر الله {وَالْعَمَل الصَّالح يرفعهُ} قَالَ: أَدَاء الْفَرَائِض فَمن ذكر الله فِي أَدَاء فَرَائِضه حمل عمله ذكر الله فَصَعدَ بِهِ إِلَى الله وَمن ذكر الله وَلم يؤد فَرَائِضه وَكَلَامه على عمله وَكَانَ عمله أولى بِهِ
وَأخرج آدم بن أبي أياس وَالْبَغوِيّ وَالْفِرْيَابِي وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {إِلَيْهِ يصعد الْكَلم الطّيب وَالْعَمَل الصَّالح يرفعهُ} قَالَ: هُوَ الَّذِي يرفع الْكَلَام الطّيب
وَأخرج الْفرْيَابِيّ عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ
مثله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن شهر بن حَوْشَب رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {إِلَيْهِ يصعد الْكَلم الطّيب} قَالَ: الْقُرْآن
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مطر رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {إِلَيْهِ يصعد الْكَلم الطّيب} قَالَ: الدُّعَاء
وَأخرج ابْن الْمُبَارك وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {إِلَيْهِ يصعد الْكَلم الطّيب وَالْعَمَل الصَّالح يرفعهُ} قَالَ: الْعَمَل الصَّالح يرفع الْكَلَام الطّيب إِلَى الله ويعرض القَوْل على الْعَمَل فَإِن وَافقه رفع وَإِلَّا رد
وَأخرج ابْن الْمُبَارك وَسَعِيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله {إِلَيْهِ يصعد الْكَلم الطّيب وَالْعَمَل الصَّالح يرفعهُ} قَالَ: الْعَمَل الصَّالح يرفع الْكَلَام الطّيب
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن شهر بن حَوْشَب فِي الْآيَة قَالَ: الْعَمَل الصَّالح يرفع الْكَلَام الطّيب
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن مَالك بن سعد قَالَ: إِن الرجل ليعْمَل الْفَرِيضَة الْوَاحِدَة من فَرَائض الله وَقد أضاع مَا سواهَا فَمَا زَالَ الشَّيْطَان يمنيه فِيهَا ويزين لَهُ حَتَّى مَا يرى شَيْئا دون الْجنَّة فَقبل أَن تعملوا أَعمالكُم فانظروا مَا تُرِيدُونَ بهَا فَإِن كَانَت خَالِصَة لله فامضوها وَإِن كَانَت لغير الله فَلَا تشقوا على أَنفسكُم وَلَا شَيْء لكم(7/9)
فَإِن الله لَا يقبل من الْعَمَل إِلَّا مَا كَانَ لَهُ خَالِصا فَإِنَّهُ قَالَ تبَارك وَتَعَالَى {إِلَيْهِ يصعد الْكَلم الطّيب وَالْعَمَل الصَّالح يرفعهُ}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَالْعَمَل الصَّالح يرفعهُ} قَالَ: لَا يقبل قَول إِلَّا بِعَمَل
وَقَالَ الْحسن: بِالْعَمَلِ قبل الله
وَأخرج ابْن الْمُبَارك عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {وَالْعَمَل الصَّالح يرفعهُ} قَالَ: يرفع الله الْعَمَل لصَاحبه
وَأخرج عبد بن حميد وَالْبَيْهَقِيّ عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لَيْسَ الإِيمان بالتمني وَلَا بالتخلي وَلَكِن مَا وقر فِي الْقُلُوب وصدقته الْأَعْمَال
من قَالَ حسنا وَعمل غير صَالح رده الله على قَوْله
وَمن قَالَ حسنا وَعمل صَالحا رَفعه الْعَمَل ذَلِك لِأَن الله قَالَ {إِلَيْهِ يصعد الْكَلم الطّيب وَالْعَمَل الصَّالح يرفعهُ}
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن عَبَّاس أَنه سُئِلَ: أتقطع الْمَرْأَة وَالْكَلب وَالْحمار الصَّلَاة فَقَالَ {إِلَيْهِ يصعد الْكَلم الطّيب وَالْعَمَل الصَّالح يرفعهُ} فَمَا يقطع هَذَا وَلكنه مَكْرُوه
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَالَّذين يمكرون السَّيِّئَات} قَالَ: هم أَصْحَاب الرِّيَاء وَفِي قَوْله {ومكر أُولَئِكَ هُوَ يبور} قَالَ: الرِّيَاء
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن شهر بن حَوْشَب فِي قَوْله {وَالَّذين يمكرون السَّيِّئَات} قَالَ: يراؤن {ومكر أُولَئِكَ هُوَ يبور} قَالَ: هم أَصْحَاب الرِّيَاء لَا يصعد عَمَلهم
وَأخرج عَن ابْن زيد فِي قَوْله {وَالَّذين يمكرون السَّيِّئَات} قَالَ: هم الْمُشْركُونَ {ومكر أُولَئِكَ هُوَ يبور} قَالَ: بار فَلم يَنْفَعهُمْ وَلم ينتفعوا بِهِ وضرهم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَالَّذين يمكرون السَّيِّئَات} قَالَ: يعْملُونَ السَّيِّئَات {ومكر أُولَئِكَ هُوَ يبور} قَالَ: يفْسد
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله {ومكر أُولَئِكَ هُوَ يبور} قَالَ: يهْلك فَلَيْسَ لَهُ ثَوَاب فِي الْآخِرَة(7/10)
الْآيَة 11(7/11)
وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (11)
أخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَالله خَلقكُم من تُرَاب} يَعْنِي خلق آدم من تُرَاب {ثمَّ من نُطْفَة} يَعْنِي ذُريَّته (ثمَّ ذكرانا وأناثا) (الشورى الْآيَة 50)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وَمَا يعمر من معمر} الْآيَة
يَقُول: لَيْسَ أحد قضيت لَهُ طول الْعُمر والحياة إِلَّا وَهُوَ بَالغ مَا قدرت لَهُ من الْعُمر وَقد قضيت لَهُ ذَلِك فَإِنَّمَا يَنْتَهِي لَهُ الْكتاب الَّذِي قدرت لَهُ لَا يُزَاد عَلَيْهِ وَلَيْسَ أحد قضيت لَهُ أَنه قصير الْعُمر والحياة ببالغ الْعُمر وَلَكِن يَنْتَهِي إِلَى الْكتاب الَّذِي كتب لَهُ
فَذَلِك قَوْله {وَلَا ينقص من عمره إِلَّا فِي كتاب} يَقُول: كل ذَلِك فِي كتاب عِنْده
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَمَا يعمر من معمر وَلَا ينقص من عمره} يَقُول: لم يخلق النَّاس كلهم على عمر وَاحِد
لهَذَا عمر وَلِهَذَا عمر هُوَ أنقص من عمره كل ذَلِك مَكْتُوب لصَاحبه بَالغ مَا بلغ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله {وَمَا يعمر من معمر وَلَا ينقص من عمره} قَالَ: مَا من يَوْم يعمر فِي الدُّنْيَا إِلَّا ينقص من أَجله
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي مَالك فِي قَوْله {وَمَا يعمر من معمر وَلَا ينقص من عمره} قَالَ: لَيْسَ يَوْم يسلبه من عمره إِلَّا فِي كتاب كل يَوْم فِي نُقْصَان
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن(7/11)
سعيد بن جُبَير فِي قَوْله {وَمَا يعمر من معمر وَلَا ينقص من عمره} إِلَّا فِي كتاب قَالَ: مَكْتُوب فِي أوّل الصَّحِيفَة عمره كَذَا وَكَذَا ثمَّ يكْتب فِي أَسْفَل ذَلِك ذهب يَوْم ذهب يَوْمَانِ حَتَّى يَأْتِي على آخر عمره
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن حسان بن عَطِيَّة فِي قَوْله {وَلَا ينقص من عمره} قَالَ: كل مَا ذهب من يَوْم وَلَيْلَة فَهُوَ نُقْصَان من عمره
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن جريج عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَمَا يعمر من معمر} إِلَّا كتب الله لَهُ أَجله فِي بطن أمه {وَلَا ينقص من عمره} يَوْم تضعه أمه بَالغا مَا بلغ يَقُول: لم يخلق النَّاس كلهم على عمر وَاحِد
لذا عمر وَلذَا عمر هُوَ أنقص من عمر هَذَا وكل ذَلِك مَكْتُوب لصَاحبه بَالغا مَا بلغ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد فِي الْآيَة قَالَ: أَلا ترى النَّاس يعِيش الإِنسان مائَة سنة
وَآخر يَمُوت حِين يُولد فَهُوَ هَذَا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي الْآيَة قَالَ: لَيْسَ من مَخْلُوق إِلَّا كتب الله لَهُ عمره جملَة فَكل يَوْم يمر بِهِ أَو لَيْلَة يكْتب: نقص من عمر فلَان كَذَا وَكَذَا
حَتَّى يستكمل بِالنُّقْصَانِ عدَّة مَا كَانَ لَهُ من أجل مَكْتُوب فعمره جَمِيعًا فِي كتاب ونقصانه فِي كتاب
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَطاء بن أبي مُسلم الْخُرَاسَانِي فِي الْآيَة قَالَ: لَا يذهب من عمر إِنْسَان يَوْم وَلَا شهر وَلَا سَاعَة إِلَّا ذَلِك مَكْتُوب مَحْفُوظ مَعْلُوم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي الْآيَة قَالَ: أما الْعُمر فَمن بلغ سِتِّينَ سنة
وَأما الَّذِي ينقص من عمره فَالَّذِي يَمُوت قبل أَن يبلغ سِتِّينَ سنة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَمَا يعمر من معمر} قَالَ: فِي بطن أمه
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد فِي قَوْله {وَلَا ينقص من عمره} قَالَ: مَا لفظت الْأَرْحَام من الْأَوْلَاد من غير تَمام
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن حُذَيْفَة بن أسيد الْغِفَارِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يدْخل الْملك على النُّطْفَة بَعْدَمَا تَسْتَقِر فِي الرَّحِم بِأَرْبَعِينَ أَو بِخَمْسَة وَأَرْبَعين(7/12)
لَيْلَة فَيَقُول: أَي رب أشقي أم سعيد أذكر أم أُنْثَى فَيَقُول الله
ويكتبان ثمَّ يكْتب عمله ورزقه وأجله وأثره ومصيبته ثمَّ تنطوي الصَّحِيفَة فَلَا يُزَاد فِيهَا وَلَا ينقص مِنْهَا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَمُسلم وَالنَّسَائِيّ وَأَبُو الشَّيْخ عَن عبد الله بن مَسْعُود قَالَ: قَالَت أم حَبِيبَة: اللَّهُمَّ أمتعني بزوجي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وبأبي أبي سُفْيَان وبأخي مُعَاوِيَة
فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: فَإنَّك سَأَلت الله لآجال مَضْرُوبَة وَأَيَّام مَعْدُودَة وأرزاق مقسومة وَلنْ يعجل شَيْئا قبل حلّه أَو يُؤَخر شَيْئا عَن حلّه وَلَو كنت سَأَلت الله أَن يعيذك من عَذَاب النَّار أَو عَذَاب الْقَبْر كَانَ خيرا وَأفضل
وَأخرج الْخَطِيب وَابْن عَسَاكِر عَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: كَانَ فِي بني إِسْرَائِيل اخوان ملكان على مدينتين وَكَانَ أَحدهمَا باراً برحمه عادلاً على رَعيته
وَكَانَ الآخر عاقاً برحمه جائراً على رَعيته
وَكَانَ فِي عصرهما نَبِي فَأوحى الله إِلَى ذَلِك النَّبِي أَنه قد بَقِي من عمر هَذَا الْبَار ثَلَاث سِنِين وَبَقِي من عمر هَذَا الْعَاق ثَلَاثُونَ سنة فَأخْبر النَّبِي رعية هَذَا ورعية هَذَا فأحزن ذَلِك رعية الْعَادِل وأفرح ذَلِك رعية الجائر ففرقوا بَين الْأُمَّهَات والأطفال وَتركُوا الطَّعَام وَالشرَاب وَخَرجُوا إِلَى الصَّحرَاء يدعونَ الله تَعَالَى أَن يمتعهم بالعادل ويزيل عَنْهُم الجائر فأقاموا ثَلَاثًا فَأوحى الله إِلَى ذَلِك النَّبِي: أَن أخبر عبَادي أَنِّي قد رحمتهم وأجبت دعاءهم فَجعلت مَا بَقِي من عمر هَذَا الْبَار لذَلِك الجائر وَمَا بَقِي من عمر الجائر لهَذَا الْبَار فَرَجَعُوا إِلَى بُيُوتهم وَمَات الْعَاق لتَمام ثَلَاث سِنِين وَبَقِي الْعَادِل فيهم ثَلَاثِينَ سنة
ثمَّ تَلا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَا يعمر من معمر وَلَا ينقص من عمره إِلَّا فِي كتاب إِن ذَلِك على الله يسير
الْآيَات 12 - 13(7/13)
وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (12) يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ (13)
أخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن أبي جَعْفَر قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا شرب المَاء قَالَ: الْحَمد لله الَّذِي جعله عذباً فراتاً برحمته وَلم يَجعله ملحاً أجاجاً بذنوبنا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَمَا يَسْتَوِي البحران هَذَا عذب فرات سَائِغ شرابه وَهَذَا ملح أجاج} قَالَ: الأجاج المر {وَمن كل تَأْكُلُونَ لَحْمًا طرياً} أَي مِنْهُمَا جَمِيعًا {وتستخرجون حلية تلبسونها} هَذَا اللُّؤْلُؤ {وَترى الْفلك فِيهِ مواخر} قَالَ: السفن مقبلة ومدبرة تجْرِي برِيح وَاحِدَة {يولج اللَّيْل فِي النَّهَار ويولج النَّهَار فِي اللَّيْل} قَالَ: نُقْصَان اللَّيْل فِي زِيَادَة النَّهَار ونقصان النَّهَار فِي زِيَادَة اللَّيْل {وسخر الشَّمْس وَالْقَمَر كل يجْرِي إِلَى أجل مُسَمّى} قَالَ: أجل مَعْلُوم وحد لَا يتعداه وَلَا يقصر دونه {ذَلِكُم الله ربكُم} يَقُول: هُوَ الَّذِي سخر لكم هَذَا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة فِي المُصَنّف وَابْن أبي حَاتِم عَن سِنَان بن سَلمَة أَنه سَأَلَ ابْن عَبَّاس عَن مَاء الْبَحْر فَقَالَ: بحران لَا يَضرك من أَيهمَا تَوَضَّأت
مَاء الْبَحْر وَمَاء الْفُرَات
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله {وَمن كل تَأْكُلُونَ لَحْمًا طرياً} قَالَ: السّمك {وتستخرجون حلية تلبسونها} قَالَ: اللُّؤْلُؤ من الْبَحْر الأجاج
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {مَا يملكُونَ من قطمير} قَالَ: القطمير القشر وَفِي لفظ الْجلد الَّذِي يكون على ظهر النواة
وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس أَن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله {من قطمير} قَالَ: الْجلْدَة الْبَيْضَاء الَّتِي على النواة قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم أما سَمِعت أُميَّة بن أبي الصَّلْت وَهُوَ يَقُول: لم أنل مِنْهُم بسطاً وَلَا زبداً وَلَا فوفة وَلَا قطميرا(7/14)
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَطاء قَالَ: القطمير الَّذِي بَين النواة وَالتَّمْرَة القشر الْأَبْيَض
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {قطمير} قَالَ: لفافة النواة كسحاة البصلة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله {من قطمير} قَالَ: رَأس التمرة يَعْنِي القمع
الْآيَات 14 - 17(7/15)
إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ (14) يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (15) إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (16) وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ (17)
أخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {إِن تدعوهم لَا يسمعوا دعاءكم وَلَو سمعُوا مَا اسْتَجَابُوا لكم} أَي مَا قبلوا ذَلِك مِنْكُم {وَيَوْم الْقِيَامَة يكفرون بشرككم} قَالَ: لَا يرضون وَلَا يقرونَ بِهِ {وَلَا ينبئك مثل خَبِير} وَالله هُوَ الْخَبِير أَنه سَيكون هَذَا من أَمرهم يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله {إِن تدعوهم لَا يسمعوا دعاءكم} قَالَ: هِيَ الْآلهَة
لَا تسمع دُعَاء من دَعَاهَا وعبدها من دون الله تَعَالَى {وَلَو سمعُوا مَا اسْتَجَابُوا لكم} قَالَ: وَلَو سَمِعت الْآلهَة دعاءكم مَا اسْتَجَابُوا لكم بِشَيْء من الْخَيْر {وَيَوْم الْقِيَامَة يكفرون بشرككم} قَالَ: بعبادتكم إيَّاهُم
الْآيَات 18 - 26(7/15)
وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (18) وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ (19) وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ (20) وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ (21) وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ (22) إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ (23) إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ (24) وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتَابِ الْمُنِيرِ (25) ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ (26)
أخرج أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة عَن عَمْرو بن الْأَحْوَص أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: فِي حجَّة الْوَدَاع أَلا لَا يجني جَان إِلَّا على نَفسه
لَا يجني وَالِد على وَلَده وَلَا مَوْلُود على وَالِده
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي رمثة قَالَ: انْطَلَقت مَعَ أبي نَحْو النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا رَأَيْته قَالَ لأبي: ابْنك هَذَا قَالَ: أَي وَرب الْكَعْبَة قَالَ: أما أَنه لَا يجني عَلَيْك وَلَا تجني عَلَيْهِ
ثمَّ قَرَأَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وَلَا تزر وَازِرَة وزر أُخْرَى}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَطاء الْخُرَاسَانِي فِي قَوْله {وَإِن تدع مثقلة إِلَى حملهَا} قَالَ: إِن تدع نفس مثقلة من الْخَطَايَا ذَا قرَابَة أَو غير ذِي قرَابَة {لَا يحمل} عَنْهَا من خطاياها شَيْء
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وَإِن تدع مثقلة إِلَى حملهَا لَا يحمل مِنْهُ شَيْء} يكون عَلَيْهِ وزر لَا يجد أحدا يحمل عَنهُ من وزره شَيْئا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَإِن تدع مثقلة إِلَى حملهَا لَا يحمل مِنْهُ شَيْء} كنحو {وَلَا تزر وَازِرَة وزر أُخْرَى}(7/16)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة قَالَ: إِن الْجَار يتَعَلَّق بجاره يَوْم الْقِيَامَة فَيَقُول: يَا رب سل هَذَا لم كَانَ يغلق بَابه دوني وَإِن الْكَافِر ليتعلق بِالْمُؤمنِ يَوْم الْقِيَامَة فَيَقُول لَهُ: يَا مُؤمن إِن لي عنْدك يدا قد عرفت كَيفَ كنت فِي الدُّنْيَا وَقد احتجت إِلَيْك الْيَوْم فَلَا يزَال الْمُؤمن يشفع لَهُ إِلَى ربه حَتَّى يردهُ إِلَى منزلَة دون منزلَة وَهُوَ فِي النَّار
وَأَن الْوَالِد يتَعَلَّق بولده يَوْم الْقِيَامَة فَيَقُول: يَا بني أَي وَالِد كنت لَك فيثني خيرا فَيَقُول: يَا بني إِنِّي احتجت إِلَى مِثْقَال ذرة من حَسَنَاتك أنجو بهَا مِمَّا ترى فَيَقُول لَهُ وَلَده: يَا أَبَت مَا أيسر مَا طلبت وَلَكِنِّي لَا أُطِيق أَن أُعْطِيك شَيْئا أتخوّف مثل الَّذِي تخوّفت فَلَا أَسْتَطِيع أَن أُعْطِيك شَيْئا
ثمَّ يتَعَلَّق بِزَوْجَتِهِ فَيَقُول: يَا فُلَانَة أَي زوج كنت لَك فتثني خيرا فَيَقُول لَهَا: فَإِنِّي أطلب إِلَيْك حَسَنَة وَاحِدَة تهبيها لي لعَلي أنجو مِمَّا تَرين
قَالَت: مَا أيسر مَا طلبت وَلَكِنِّي لَا أُطِيق أَن أُعْطِيك شَيْئا أتخوّف مثل الَّذِي تخوّفت
يَقُول الله {وَإِن تدع مثقلة إِلَى حملهَا}
وَيَقُول الله (يَوْم لَا يَجْزِي وَالِد عَن وَلَده) (لُقْمَان 133) و (يَوْم يفر الْمَرْء من أَخِيه وَأمه وَأَبِيهِ
) (عِيسَى 34)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَإِن تدع مثقلة إِلَى حملهَا} أَي إِلَى ذنوبها {لَا يحمل مِنْهُ شَيْء وَلَو كَانَ ذَا قربى} قَالَ: قرَابَة قريبَة لَا يحمل من ذنُوبه شَيْئا وَيحمل عَلَيْهَا غَيرهَا من ذنوبها شَيْئا {إِنَّمَا تنذر الَّذين يَخْشونَ رَبهم بِالْغَيْبِ} أَي يَخْشونَ النَّار والحساب
وَفِي قَوْله {وَمن تزكّى فَإِنَّمَا يتزكى لنَفسِهِ} أَي من عمل عملا صَالحا فَإِنَّمَا يعْمل لنَفسِهِ
وَفِي قَوْله {وَمَا يَسْتَوِي}
قَالَ: خلق فضل بعضه على بعض فَأَما الْمُؤمن فعبد حَيّ الْأَثر حَيّ الْبَصَر حَيّ النِّيَّة حَيّ الْعَمَل
وَالْكَافِر عبد ميت الْأَثر ميت الْبَصَر ميت الْقلب ميت الْعَمَل
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة {وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى والبصير} قَالَ: هَذَا مثل ضربه الله للْكَافِرِ وَالْمُؤمن يَقُول: كَمَا لَا يَسْتَوِي هَذَا وَهَذَا كَذَلِك لَا يَسْتَوِي الْكَافِر وَالْمُؤمن
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى والبصير} قَالَ: الْكَافِر وَالْمُؤمن {وَلَا الظُّلُمَات} قَالَ: الْكفْر {وَلَا النُّور}(7/17)
قَالَ: الايمان {وَلَا الظل} قَالَ: الْجنَّة {وَلَا الحرور} قَالَ: النَّار {وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاء وَلَا الْأَمْوَات} قَالَ: الْمُؤمن وَالْكَافِر {إِن الله يسمع من يَشَاء} قَالَ: يهدي من يَشَاء
وَأخرج أَبُو سهل السّري بن سهل الجنديسابوري الْخَامِس من حَدِيثه من طَرِيق عبد القدوس عَن أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله (فَإنَّك لَا تسمع الْمَوْتَى) (الرّوم 52) {وَمَا أَنْت بمسمع من فِي الْقُبُور} قَالَ: كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقف على الْقَتْلَى يَوْم بدر وَيَقُول: هَل وجدْتُم مَا وعد ربكُم حَقًا يَا فلَان بن فلَان
ألم تكفر بِرَبِّك ألم تكذب نبيك ألم تقطع رَحِمك فَقَالُوا: يَا رَسُول الله أيسمعون مَا نقُول قَالَ: مَا أَنْتُم بأسمع مِنْهُم لما أَقُول
فَأنْزل الله (فَإنَّك لَا تسمع الْمَوْتَى) {وَمَا أَنْت بمسمع من فِي الْقُبُور} وَمثل ضَرْبَة الله للْكفَّار أَنهم لَا يسمعُونَ لقَوْله
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَمَا أَنْت بمسمع من فِي الْقُبُور} فَكَذَلِك الْكَافِر لَا يسمع وَلَا ينْتَفع بِمَا يسمع
وَفِي قَوْله {وَإِن من أمة إِلَّا خلا فِيهَا نَذِير} يَقُول كل أمة قد كَانَ لَهَا رَسُول جاءها من الله
وَفِي قَوْله {وَإِن يُكذِّبُوك فقد كذب الَّذين من قبلهم} قَالَ: يعزي نبيه {جَاءَتْهُم رسلهم بِالْبَيِّنَاتِ وبالزبر وبالكتاب الْمُنِير ثمَّ أخذت الَّذين كفرُوا فَكيف كَانَ نَكِير} قَالَ: شَدِيد وَالله لقد عجل لَهُم عُقُوبَة الدُّنْيَا ثمَّ صيرهم إِلَى النَّار
الْآيَات 27 - 28(7/18)
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ (27) وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ (28)
أخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة فِي قَوْله {ألم تَرَ أَن الله أنزل من السَّمَاء مَاء فأخرجنا بِهِ ثَمَرَات مُخْتَلفا ألوانها} قَالَ: أَحْمَر وأصفر {وَمن الْجبَال جدد بيض وحمر مُخْتَلف ألوانها} أَي جبال حمر {وغرابيب سود} والغرابيب السود يَعْنِي لَونه كَمَا(7/18)
اخْتلفت ألوان هَذِه الْجبَال وألوان النَّاس وَالدَّوَاب والأنعام كَذَلِك {إِنَّمَا يخْشَى الله من عباده الْعلمَاء} قَالَ: كَانَ يُقَال كفى بالرهبة علما
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {ثَمَرَات مُخْتَلفا ألوانها} قَالَ: الْأَبْيَض والأحمر وَالْأسود وَفِي قَوْله {وَمن الْجبَال جدد بيض} قَالَ: طرائق بيض يَعْنِي الألوان
وَأخرج الْبَزَّار عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: جَاءَ رجل إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ أيصبغ رَبك قَالَ نعم
صبغاً لَا ينْقض
أَحْمَر
وأصفر
وأبيض
وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله {جدد} قَالَ: طرائق
طَريقَة بَيْضَاء وَطَرِيقَة خضراء
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم
أما سَمِعت الشَّاعِر وَهُوَ يَقُول: قد غادر السَّبع فِي صفحاتها جدداً كَأَنَّهَا طرق لاحت على أكم وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَمن الْجبَال جدد بيض} قَالَ: طرائق بيض {وغرابيب سود} قَالَ: جبال سود
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الغرابيب الْأسود الشَّديد السوَاد
وَأخرج ابْن الْمُنْذر من طَرِيق ابْن جريج عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {مُخْتَلفا ألوانها} قَالَ: مِنْهَا الْأَحْمَر والأبيض والأخضر وَالْأسود وَكَذَلِكَ ألوان النَّاس مِنْهُم الْأَحْمَر وَالْأسود والأبيض وَكَذَلِكَ الدَّوَابّ والأنعام
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي مَالك رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَمن الْجبَال جدد} قَالَ: طرائق تكون فِي الْجَبَل بيض وحمر فَتلك الجدد {وغرابيب سود} قَالَ: جبال سود {وَمن النَّاس وَالدَّوَاب والأنعام}
قَالَ: كَذَلِك اخْتِلَاف النَّاس وَالدَّوَاب والأنعام كاختلاف الْجبَال
ثمَّ قَالَ {إِنَّمَا يخْشَى الله من عباده الْعلمَاء} فَلَا فضل لما قبلهَا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله {وَمن الْجبَال جدد بيض} قَالَ: طرائق مُخْتَلفَة كَذَلِك اخْتِلَاف مَا ذكر من اخْتِلَاف ألوان النَّاس وَالدَّوَاب والأنعام كَذَلِك كَمَا اخْتلفت هَذِه الْأَنْعَام تخْتَلف النَّاس فِي خشيَة الله كَذَلِك
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ قَالَ: الخشية والايمان(7/19)
وَالطَّاعَة والتشتت فِي الألوان
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {إِنَّمَا يخْشَى الله من عباده الْعلمَاء} قَالَ: الْعلمَاء بِاللَّه الَّذين يخافونه
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {إِنَّمَا يخْشَى الله من عباده الْعلمَاء} قَالَ: الَّذين يعلمُونَ أَن الله على كل شَيْء قدير
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن عدي عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لَيْسَ الْعلم من كَثْرَة الحَدِيث وَلَكِن الْعلم من الخشية
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن يحيى بن أبي كثير قَالَ: الْعَالم من خشِي الله
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن صَالح أبي الْخَلِيل رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {إِنَّمَا يخْشَى الله من عباده الْعلمَاء} قَالَ: أعلمهم بِاللَّه أَشَّدهم لَهُ خشيَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق سُفْيَان عَن أبي حَيَّان التَّيْمِيّ عَن رجل قَالَ: كَانَ يُقَال الْعلمَاء ثَلَاثَة
عَالم بِاللَّه وعالم بِأَمْر الله وعالم بِاللَّه لَيْسَ بعالم بِأَمْر الله وعالم بِأَمْر الله لَيْسَ بعالم بِاللَّه
فالعالم بِاللَّه وبأمر الله: الَّذِي يخْشَى الله وَيعلم الْحُدُود والفرائض
والعالم بِاللَّه لَيْسَ بعالم بِأَمْر الله: الَّذِي يخْشَى الله وَلَا يعلم الْحُدُود وَلَا الْفَرَائِض والعالم بِأَمْر الله لَيْسَ بعالم بِاللَّه: الَّذِي يعلم الْحُدُود والفرائض وَلَا يخْشَى الله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن عدي عَن مَالك بن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِن الْعلم لَيْسَ بِكَثْرَة الرِّوَايَة إِنَّمَا الْعلم نور يقذفه الله فِي الْقلب
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ قَالَ: الإِيمان من خشِي الله بِالْغَيْبِ وَرغب فِيمَا رغب الله فِيهِ وزهد فِيمَا أَسخط الله
ثمَّ تَلا {إِنَّمَا يخْشَى الله من عباده الْعلمَاء}
وَأخرج عبد بن حميد عَن مَسْرُوق قَالَ: كفى بِالْمَرْءِ علما أَن يخْشَى الله وَكفى بِالْمَرْءِ جهلا أَن يعجب بِعَمَلِهِ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد فِي الزّهْد وَعبد بن حميد وَالطَّبَرَانِيّ عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كفى بخشية الله علما وَكفى باغترار الْمَرْء جهلا(7/20)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: الْفَقِيه من يخَاف الله
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد فِي الزّهْد عَن الْعَبَّاس الْعمي قَالَ: بَلغنِي أَن دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: سُبْحَانَكَ تعاليت فَوق عرشك وَجعلت خشيتك على من فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض فأقرب خلقك إِلَيْك أَشَّدهم لَك خشيَة وَمَا علم من لم يخشك وَمَا حِكْمَة من لم يطع أَمرك
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لَيْسَ الْعلم بِكَثْرَة الرِّوَايَة وَلَكِن الْعلم الخشية
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالتِّرْمِذِيّ وَالْحَاكِم عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: الْعلم علمَان
علم فِي الْقلب فَذَاك الْعلم النافع
وَعلم على اللِّسَان فَتلك حجَّة الله على خلقه
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن حُذَيْفَة قَالَ: بِحَسب الْمَرْء من الْعلم أَن يخْشَى الله
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عبد الله بن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: يَنْبَغِي لحامل الْقُرْآن أَن يعرف بليله إِذا النَّاس نائمون وبنهاره إِذا النَّاس يفطرون وبحزنه إِذا النَّاس يفرحون وببكائنا إِذا النَّاس يَضْحَكُونَ وبصمته إِذا النَّاس يخلطون وبخشوعه إِذا النَّاس يختالون وَيَنْبَغِي لحامل الْقُرْآن أَن لَا يكون صخاباً وَلَا صياحاً وَلَا حديداً
وَأخرج الْخَطِيب فِي الْمُتَّفق والمفترق عَن وهب بن مُنَبّه قَالَ: أَقبلت مَعَ عِكْرِمَة أَقُود ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا بَعْدَمَا ذهب بَصَره حَتَّى دخل الْمَسْجِد الْحَرَام فَإِذا قوم يمترون فِي حَلقَة لَهُم عِنْد بَاب بني شيبَة فَقَالَ: أمل بِي إِلَى حَلقَة المراء فَانْطَلَقت بِهِ حَتَّى أَتَاهُم فَسلم عَلَيْهِم فارادوه على الْجُلُوس فَأبى عَلَيْهِم وَقَالَ: انتسبوا إليّ أعرفكُم فانتسبوا إِلَيْهِ فَقَالَ: أما علمْتُم أَن لله عباداً أسكتتهم خَشيته من غير عي وَلَا بكم إِنَّهُم لَهُم الفصحاء النطقاء النبلاء الْعلمَاء بأيام الله غير أَنهم إِذا ذكرُوا عَظمَة الله طاشت عُقُولهمْ من ذَلِك وانكسرت قُلُوبهم وانقطعت ألسنتهم حَتَّى إِذا استقاموا من ذَلِك سارعوا إِلَى الله بِالْأَعْمَالِ الزاكية فَأَيْنَ أَنْتُم مِنْهُم ثمَّ تولى عَنْهُم فَلم ير بعد ذَلِك رجلَانِ(7/21)
وَأخرج الْخَطِيب فِيهِ أَيْضا عَن سعيد بن الْمسيب قَالَ: وضع عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ للنَّاس ثَمَانِي عشرَة كلمة حكم كلهَا قَالَ: مَا عَاقَبت من عصى الله فِيك مثل أَن تطيع الله فِيهِ وضع أَمر أَخِيك على أحْسنه حَتَّى يجيئك مِنْهُ مَا يَغْلِبك وَلَا تَظنن بِكَلِمَة خرجت من مُسلم شرا أَنْت تَجِد لَهَا فِي الْخَيْر محملًا وَمن عرض نَفسه للتُّهمَةِ فَلَا يَلُومن من أَسَاءَ الظَّن بِهِ
من كتم سره كَانَت الْخيرَة فِي يَده وَعَلَيْك بِإِخْوَان الصدْق تعش فِي أَكْنَافهم فَإِنَّهُم زِينَة فِي الرخَاء عدَّة فِي الْبلَاء وَعَلَيْك بِالصّدقِ وَإِن قَتلك وَلَا تعرض فِيمَا لَا يَعْنِي وَلَا تسْأَل عَمَّا لم يكن فَإِن فِيمَا كَانَ شغلاً عَمَّا لم يكن وَلَا تطلب حَاجَتك إِلَى من لَا يحب نَجَاحهَا لَك وَلَا تهاون بِالْحلف الْكَاذِب فيهلكك الله وَلَا تصْحَب الْفجار لتعلم من فُجُورهمْ وَاعْتَزل عَدوك وَاحْذَرْ صديقك إِلَّا الْأمين وَلَا أَمِين إِلَّا من خشِي الله وتخشع عِنْد الْقُبُور وذل عِنْد الطَّاعَة واستعصم عِنْد الْمعْصِيَة وَاسْتَشِرْ الَّذين يَخْشونَ الله فَإِن الله تَعَالَى يَقُول (إِنَّمَا يخْشَى الله من عباده الْعلمَاء)
وَأخرج عبد بن حميد عَن مَكْحُول قَالَ: سُئِلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الْعَالم وَالْعَابِد فَقَالَ: فضل الْعَالم على العابد كفضلي على أدناكم
ثمَّ تَلا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَذِه الْآيَة {إِنَّمَا يخْشَى الله من عباده الْعلمَاء} ثمَّ قَالَ إِن الله وَمَلَائِكَته وَأهل السَّمَاء وَأهل الأَرْض وَالنُّون فِي الْبَحْر ليصلون على معلمي الْخَيْر)
الْآيَات 29 - 31(7/22)
إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ (29) لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ (30) وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ (31)
أخرج عبد الْغَنِيّ بن سعيد الثَّقَفِيّ فِي تَفْسِيره عَن ابْن عَبَّاس
أَن حُصَيْن بن الْحَارِث بن عبد الْمطلب بن عبد منَاف الْقرشِي نزلت فِيهِ {إِن الَّذين يَتلون كتاب الله وَأَقَامُوا الصَّلَاة} الْآيَة
وَأخرج(7/22)
عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {يرجون تِجَارَة لن تبور} قَالَ: الْجنَّة {لن تبور} لَا تبيد {ليوفيهم أُجُورهم ويزيدهم من فَضله} قَالَ: هُوَ كَقَوْلِه (ولدينا مزِيد) (طه 35) {إِنَّه غَفُور} قَالَ: لذنوبهم {شكور} لحسناتهم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله {يرجون تِجَارَة لن تبور} قَالَ: لن تهْلك
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَمُحَمّد بن نصر وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {إِن الَّذين يَتلون كتاب الله وَأَقَامُوا الصَّلَاة}
قَالَ كَانَ مطرف بن عبد الله يَقُول: هَذِه آيَة الْقُرَّاء
الْآيَات 32 - 36(7/23)
ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (32) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ (33) وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ (34) الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ (35) وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ (36)
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {ثمَّ أَوْرَثنَا الْكتاب الَّذين اصْطَفَيْنَا من عبادنَا} قَالَ: هم أمة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
ورثهم الله كل كتاب أنزل فظالمهم مغْفُور لَهُ ومقتصدهم يُحَاسب حسابا يَسِيرا وسابقهم يدْخل الْجنَّة بِغَيْر حِسَاب
وَأخرج الطَّيَالِسِيّ وَأحمد وَعبد بن حميد وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر(7/23)
وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: فِي هَذِه الْآيَة {ثمَّ أَوْرَثنَا الْكتاب الَّذين اصْطَفَيْنَا من عبادنَا فَمنهمْ ظَالِم لنَفسِهِ وَمِنْهُم مقتصد وَمِنْهُم سَابق بالخيرات} قَالَ: هَؤُلَاءِ كلهم بِمَنْزِلَة وَاحِدَة وَكلهمْ فِي الْجنَّة
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَأحمد وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي الدَّرْدَاء: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول قَالَ الله تَعَالَى {ثمَّ أَوْرَثنَا الْكتاب الَّذين اصْطَفَيْنَا من عبادنَا فَمنهمْ ظَالِم لنَفسِهِ وَمِنْهُم مقتصد وَمِنْهُم سَابق بالخيرات بِإِذن الله} فَأَما الَّذين سبقوا فَأُولَئِك يدْخلُونَ الْجنَّة بِغَيْر حِسَاب
وَأما الَّذين اقتصدوا فَأُولَئِك الَّذين يحاسبون حسابا يَسِيرا وَأما الَّذين ظلمُوا أنفسهم فَأُولَئِك يحبسون فِي طول الْمَحْشَر ثمَّ هم الَّذين تلقاهم الله برحمة فهم الَّذين يَقُولُونَ {الْحَمد لله الَّذِي أذهب عَنَّا الْحزن إِن رَبنَا لغَفُور شكور الَّذِي أحلنا دَار المقامة من فَضله لَا يمسنا فِيهَا نصب وَلَا يمسنا فِيهَا لغوب} قَالَ الْبَيْهَقِيّ: إِن أَكثر الرِّوَايَات فِي حَدِيث ظهر أَن للْحَدِيث أصلا
وَأخرج الطَّيَالِسِيّ وَعبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَالْحَاكِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن عقبَة بن صهْبَان قلت لعَائِشَة: أَرَأَيْت قَول الله {ثمَّ أَوْرَثنَا الْكتاب}
قَالَت: أما السَّابِق فقد مضى فِي حَيَاة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَشهد لَهُ بِالْجنَّةِ
وَأما المقتصد فَمن اتبع أَمرهم فَعمل بِمثل أَعْمَالهم حَتَّى يلْحق بهم
وَأما الظَّالِم لنَفسِهِ فمثلي وَمثلك وَمن اتَّبعنَا
وكل فِي الْجنَّة
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن اسامة بن زيد رَضِي الله عَنهُ {فَمنهمْ ظَالِم لنَفسِهِ وَمِنْهُم مقتصد وَمِنْهُم سَابق بالخيرات} قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: كلهم من هَذِه الْأمة وَكلهمْ فِي الْجنَّة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ عَن عَوْف بن مَالك عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أمتِي ثَلَاثَة أَثلَاث
فثلث يدْخلُونَ الْجنَّة بِغَيْر حِسَاب
وَثلث يحاسبون حسابا يَسِيرا ثمَّ يدْخلُونَ الْجنَّة
وَثلث يمحصون ويكسفون ثمَّ تَأتي الْمَلَائِكَة فَيَقُولُونَ: وجدناهم يَقُولُونَ: لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده فَيَقُول الله: أدخلوهم الْجنَّة بقَوْلهمْ لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده واحملوا خطاياهم على أهل التَّكْذِيب وَهِي الَّتِي قَالَ الله وليحملن أثقالهم وأثقالاً(7/24)
مَعَ أثقالهم وَتَصْدِيقًا فِي الَّتِي ذكر الْمَلَائِكَة قَالَ الله تَعَالَى {ثمَّ أَوْرَثنَا الْكتاب الَّذين اصْطَفَيْنَا من عبادنَا} فجعلهم ثَلَاثَة أَنْوَاع {فَمنهمْ ظَالِم لنَفسِهِ} فَهَذَا الَّذِي يكسف ويمحص {وَمِنْهُم مقتصد} وَهُوَ الَّذِي يُحَاسب حسابا يَسِيرا {وَمِنْهُم سَابق بالخيرات} فَهُوَ الَّذِي يلج الْجنَّة بِغَيْر حِسَاب وَلَا عَذَاب باذن الله
يدْخلُونَهَا جَمِيعًا لم يفرق بَينهم {يحلونَ فِيهَا من أساور من ذهب} إِلَى قَوْله {لغوب}
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: هَذِه الْآيَة ثَلَاثَة أَثلَاث يَوْم الْقِيَامَة
ثلث يدْخلُونَ الْجنَّة بِغَيْر حِسَاب وَثلث يحاسبون حسابا يَسِيرا وَثلث يحبسون بذنوب عِظَام إِلَّا أَنهم لم يشركوا
فَيَقُول الرب (أدخلُوا هَؤُلَاءِ فِي سَعَة رَحْمَتي) ثمَّ قَرَأَ {ثمَّ أَوْرَثنَا الْكتاب الَّذين اصْطَفَيْنَا من عبادنَا}
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن عمر بن الْخطاب أَنه كَانَ إِذا نزع بِهَذِهِ الْآيَة قَالَ: أَلا إِن سَابِقنَا سَابق ومقتصنا نَاجٍ وَظَالِمنَا مغْفُور لَهُ
وَأخرج الْعقيلِيّ وَابْن لال وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ من وَجه آخر عَن عمر بن الْخطاب
سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: سَابِقنَا سَابق ومتقصدنا نَاجٍ وَظَالِمنَا نَاجٍ وَظَالِمنَا مغْفُور لَهُ وَقَرَأَ عمر {فَمنهمْ ظَالِم لنَفسِهِ}
وَأخرج ابْن النجار عَن أنس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: سَابِقنَا سَابق وَمُقْتَصِدنَا نَاجٍ وَظَالِمنَا مغْفُور لَهُ
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: السَّابِق بالخيرات يدْخل الْجنَّة بِغَيْر حِسَاب
والمقتصد برحمة الله والظالم لنَفسِهِ وَأَصْحَاب الْأَعْرَاف يدْخلُونَ الْجنَّة بشفاعة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن عُثْمَان بن عَفَّان: أَنه نزع بِهَذِهِ الْآيَة قَالَ: إِن سَابِقنَا أهل جِهَاد
أَلا وَأَن مقتصدنا نَاجٍ أهل حَضَرنَا أَلا وَأَن ظالمنا أهل بدونا
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن الْبَراء بن عَازِب فِي قَوْله {فَمنهمْ ظَالِم لنَفسِهِ} قَالَ: أشهد على الله أَنه يدخلهم الْجنَّة جَمِيعًا
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن الْبَراء قَالَ: قَرَأَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَذِه الْآيَة(7/25)
{ثمَّ أَوْرَثنَا الْكتاب الَّذين اصْطَفَيْنَا من عبادنَا} قَالَ: كلهم نَاجٍ وَهِي هَذِه الْأمة
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {ثمَّ أَوْرَثنَا الْكتاب}
قَالَ: هِيَ مثل الَّذِي فِي الْوَاقِعَة (فأصحاب الميمنة) (وَأَصْحَاب المشئمة) (وَالسَّابِقُونَ) صنفان ناجيان وصنف هَالك
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَسَعِيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {فَمنهمْ ظَالِم لنَفسِهِ}
قَالَ {ظَالِم لنَفسِهِ} هُوَ الْكَافِر والمقتصد أَصْحَاب الْيَمين
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ عَن كَعْب الْأَحْبَار أَنه تَلا هَذِه الْآيَة {ثمَّ أَوْرَثنَا الْكتاب الَّذين اصْطَفَيْنَا من عبادنَا} إِلَى قَوْله {لغوب} قَالَ: دخلوها وَرب الْكَعْبَة وَفِي لفظ قَالَ: كلهم فِي الْجنَّة
أَلا ترى على أَثَره (وَالَّذين كفرُوا لَهُم نَار جَهَنَّم) فَهَؤُلَاءِ أهل النَّار فَذكر ذَلِك لِلْحسنِ فَقَالَ: أَبَت ذَلِك عَلَيْهِم الْوَاقِعَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي أُمَامَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذكر الْجنَّة فَقَالَ مسوّرون بِالذَّهَب وَالْفِضَّة مكللة بالدر وَعَلَيْهِم أكاليل من در وَيَاقُوت متواصلة وَعَلَيْهِم تَاج كتاج الْمُلُوك جرد مرد مكحلون
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه والديلمي عَن حُذَيْفَة
سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: يبْعَث الله النَّاس على ثَلَاثَة أَصْنَاف وَذَلِكَ فِي قَول الله {فَمنهمْ ظَالِم لنَفسِهِ وَمِنْهُم مقتصد وَمِنْهُم سَابق بالخيرات} فَالسَّابِق بالخيرات يدْخل الْجنَّة بِلَا حِسَاب والمقتصد يُحَاسب حسابا يَسِيرا والظالم لنَفسِهِ يدْخل الْجنَّة برحمة الله
وَأخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {ثمَّ أَوْرَثنَا الْكتاب} قَالَ: جعل الله أهل الإِيمان على ثَلَاثَة منَازِل كَقَوْلِه (أَصْحَاب الشمَال مَا أَصْحَاب الشمَال) (وَأَصْحَاب الْيَمين مَا أَصْحَاب الْيَمين) (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ) (أُولَئِكَ المقربون) (الْوَاقِعَة 8 - 11) فهم على هَذَا الْمِثَال
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عمر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله {فَمنهمْ ظَالِم لنَفسِهِ} قَالَ: الْكَافِر(7/26)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة {فَمنهمْ ظَالِم لنَفسِهِ} قَالَ: هَذَا الْمُنَافِق {وَمِنْهُم مقتصد} قَالَ: هَذَا صَاحب الْيَمين {وَمِنْهُم سَابق بالخيرات} قَالَ: هَذَا المقرب قَالَ قَتَادَة: كَانَ النَّاس ثَلَاث منَازِل عِنْد الْمَوْت وَثَلَاث منَازِل فِي الدُّنْيَا وَثَلَاث منَازِل فِي الْآخِرَة
فَأَما الدُّنْيَا فَكَانُوا مُؤمن ومنافق ومشرك
وَأما عِنْد الْمَوْت فَإِن الله قَالَ: (فَأَما إِن كَانَ من المقربين
) (الْوَاقِعَة 88) (وَأما إِن كَانَ من أَصْحَاب الْيَمين
) (الْوَاقِعَة 90) (وَأما إِن كَانَ من المكذبين الضَّالّين) (الْوَاقِعَة 92)
وَأما الْآخِرَة فَكَانُوا أَزْوَاجًا ثَلَاثَة (فأصحاب الميمنة) (وَأَصْحَاب المشئمة) (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولَئِكَ المقربون)
وَأخرج عبد بن حميد وَالْبَيْهَقِيّ عَن الْحسن {فَمنهمْ ظَالِم لنَفسِهِ} قَالَ: هُوَ الْمُنَافِق سقط والمقتصد وَالسَّابِق بالخيرات فِي الْجنَّة
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَالْبَيْهَقِيّ عَن عبيد بن عُمَيْر فِي الْآيَة قَالَ: كلهم صَالح
وَأخرج عبد بن حميد عَن صَالح أبي الْخَلِيل قَالَ: قَالَ كَعْب يلومني أَحْبَار بني إِسْرَائِيل: إِنِّي دخلت فِي أمة فرقهم الله ثمَّ جمعهم ثمَّ أدخلهم الْجنَّة ثمَّ تَلا هَذِه الْآيَة {ثمَّ أَوْرَثنَا الْكتاب الَّذين اصْطَفَيْنَا من عبادنَا} حَتَّى بلغ {جنَّات عدن يدْخلُونَهَا} قَالَ: قَالَ فادخلهم الله الْجنَّة جَمِيعًا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الْحسن قَالَ: الْعلمَاء ثَلَاثَة
مِنْهُم عَالم لنَفسِهِ وَلغيره فَذَلِك أفضلهم وَخَيرهمْ
وَمِنْهُم عَالم لنَفسِهِ محسن
وَمِنْهُم عَالم لَا لنَفسِهِ وَلَا لغيره فَذَلِك شرهم
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي مُسلم الْخَولَانِيّ قَالَ: قَرَأت فِي كتاب الله أَن هَذِه الْأمة تصنف يَوْم الْقِيَامَة على ثَلَاثَة أَصْنَاف
صنف مِنْهُم يدْخلُونَ الْجنَّة بِغَيْر حِسَاب
وصنف يحاسبهم الله حسابا يَسِيرا ويدخلون الْجنَّة
وصنف يوقفون وَيُؤْخَذ مِنْهُم مَا شَاءَ الله ثمَّ يدركهم عَفْو الله وتجاوزه
وَأخرج عبد بن حميد عَن كَعْب فِي قَوْله {جنَّات عدن يدْخلُونَهَا} قَالَ: دخلوها وَرب الْكَعْبَة فَأخْبر الْحسن بذلك فَقَالَ: أَبَت وَالله ذَلِك عَلَيْهِم الْوَاقِعَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن عبد الله بن(7/27)
الْحَارِث أَن ابْن عَبَّاس سَأَلَ كَعْبًا عَن قَوْله {ثمَّ أَوْرَثنَا الْكتاب الَّذين اصْطَفَيْنَا من عبادنَا}
نَجوا كلهم ثمَّ قَالَ: تحاكت مَنَاكِبهمْ وَرب الْكَعْبَة ثمَّ أعْطوا الْفضل بأعمالهم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن الْحَنَفِيَّة قَالَ: أَعْطَيْت هَذِه الْأمة ثَلَاثًا لم تعطها أمة كَانَت قبلهَا {فَمنهمْ ظَالِم لنَفسِهِ} مغْفُور لَهُ {وَمِنْهُم مقتصد} فِي الْجنان {وَمِنْهُم سَابق} بِالْمَكَانِ الْأَعْلَى
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد {ثمَّ أَوْرَثنَا الْكتاب الَّذين اصْطَفَيْنَا من عبادنَا فَمنهمْ ظَالِم لنَفسِهِ} قَالَ: هم أَصْحَاب المشئمة {وَمِنْهُم مقتصد} قَالَ: هم أَصْحَاب الميمنة {وَمِنْهُم سَابق بالخيرات بِإِذن الله} قَالَ: هم السَّابِقُونَ من النَّاس كلهم
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله {ذَلِك هُوَ الْفضل الْكَبِير} قَالَ: ذَاك من نعْمَة الله
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَلا قَول الله {جنَّات عدن يدْخلُونَهَا يحلونَ فِيهَا من أساور من ذهب ولؤلؤا} فَقَالَ: إِن عَلَيْهِم التيجان
إِن أدنى لؤلؤة مِنْهَا لتضيء مَا بَين الْمشرق وَالْمغْرب
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله أهل الْجنَّة حِين دخلُوا الْجنَّة {وَقَالُوا الْحَمد لله الَّذِي أذهب عَنَّا الْحزن} قَالَ: هم قوم كَانُوا فِي الدُّنْيَا يخَافُونَ الله ويجتهدون لَهُ فِي الْعِبَادَة سرا وَعَلَانِيَة وَفِي قُلُوبهم حزن من ذنُوب قد سلفت مِنْهُم فهم خائفون أَن لَا يتَقَبَّل مِنْهُم هَذَا الِاجْتِهَاد من الذُّنُوب الَّتِي سلفت
فَعندهَا {وَقَالُوا الْحَمد لله الَّذِي أذهب عَنَّا الْحزن إِن رَبنَا لغَفُور شكور} غفر لنا الْعَظِيم وشكر لنا الْقَلِيل من أَعمالنَا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {الْحَمد لله الَّذِي أذهب عَنَّا الْحزن} قَالَ: حزن النَّار
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {الَّذِي أذهب عَنَّا الْحزن} قَالَ: مَا كَانُوا يعْملُونَ(7/28)
وَأخرج الْحَاكِم وَأَبُو نعيم وَابْن مرْدَوَيْه عَن صُهَيْب رَضِي الله عَنهُ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: الْمُهَاجِرُونَ هم السَّابِقُونَ الْمُدِلُّون على رَبهم وَالَّذِي نفس مُحَمَّد بِيَدِهِ انهم لَيَأْتُونَ يَوْم الْقِيَامَة على عواتقهم السِّلَاح فيقرعون بَاب الْجنَّة فَتَقول لَهُم الخزنة من أَنْتُم فَيَقُولُونَ: نَحن الْمُهَاجِرُونَ فَتَقول لَهُم الخزنة: هَل حوسبتم فيجثون على ركبهمْ ويرفعون أَيْديهم إِلَى السَّمَاء فَيَقُولُونَ: أَي رب أبهذه نحاسب قد خرجنَا وَتَركنَا الْأَهْل وَالْمَال وَالْولد فيمثل الله لَهُم أَجْنِحَة من ذهب مخوّصة بالزبرجد والياقوت فيطيرون حَتَّى يدخلُوا الْجنَّة فَذَلِك قَوْله {وَقَالُوا الْحَمد لله الَّذِي أذهب عَنَّا الْحزن} إِلَى قَوْله {وَلَا يمسنا فِيهَا لغوب} قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلهم بمنازلهم فِي الْجنَّة أعرف مِنْهُم بمنازلهم فِي الدُّنْيَا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن شمر بن عَطِيَّة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَيْثُ دخلُوا الْجنَّة {وَقَالُوا الْحَمد لله الَّذِي أذهب عَنَّا الْحزن} قَالَ: حزنهمْ هُوَ الْحزن
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن شمر بن عَطِيَّة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {الْحَمد لله الَّذِي أذهب عَنَّا الْحزن} قَالَ: الْجُوع
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الشّعبِيّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {الْحَمد لله الَّذِي أذهب عَنَّا الْحزن} قَالَ: طلب الْخبز فِي الدُّنْيَا فَلَا نهتم لَهُ كاهتمامنا لَهُ فِي الدُّنْيَا طلب الْغَدَاء وَالْعشَاء
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: يَنْبَغِي لمن يحزن أَن يخَاف أَن لَا يكون من أهل الْجنَّة لأَنهم قَالُوا {الْحَمد لله الَّذِي أذهب عَنَّا الْحزن} وَيَنْبَغِي لمن يشفق أَن يخَاف أَن لَا يكون من أهل الْجنَّة لأَنهم (قَالُوا إِنَّا كُنَّا قبل فِي أهلنا مشفقين) (الطّور الْآيَة 26)
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن أبي الدُّنْيَا وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن شمر بن عَطِيَّة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {الْحَمد لله الَّذِي أذهب عَنَّا الْحزن} قَالَ: حزن الطَّعَام {إِن رَبنَا لغَفُور شكور} قَالَ: غفر لَهُم الذُّنُوب الَّتِي عملوها وشكر لَهُم الْخَيْر الَّذِي دلهم عَلَيْهِ فعملوا بِهِ فأثابهم عَلَيْهِ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي رَافع رَضِي الله عَنهُ قَالَ: يَأْتِي يَوْم الْقِيَامَة العَبْد(7/29)
بدواوين ثَلَاث
بديوان فِيهِ النعم
وديوان فِيهِ ذنُوبه
وديوان فِيهِ حَسَنَاته
فَيُقَال لأصغر نعْمَة عَلَيْهِ: قومِي فاستوفي ثمنك من حَسَنَاته فتقوم فتستوهب تِلْكَ النِّعْمَة حَسَنَاته كلهَا وتبقي بَقِيَّة النعم عَلَيْهِ وذنوبه كَامِلَة
فَمن ثمَّ يَقُول العَبْد إِذا أدخلهُ الله الْجنَّة {إِن رَبنَا لغَفُور شكور}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {إِن رَبنَا لغَفُور شكور} يَقُول {غَفُور} لذنوبهم {شكور} لحسناتهم {الَّذِي أحلنا دَار المقامة من فَضله} قَالَ: أَقَامُوا فَلَا يتحوّلون وَلَا يحوّلون {لَا يمسنا فِيهَا نصب وَلَا يمسنا فِيهَا لغوب} قَالَ: قد كَانَ الْقَوْم ينصبون فِي الدُّنْيَا فِي طَاعَة الله وهم قوم جهدهمْ الله قَلِيلا ثمَّ أراحهم كثيرا فهنيئاً لَهُم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن عبد الله بن أبي أوفى رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رجل يَا رَسُول الله إِن النّوم مِمَّا يُقِرُّ الله بِهِ أَعيننَا فِي الدُّنْيَا فَهَل فِي الْجنَّة من نوم قَالَ: لَا إِن النّوم شريك الْمَوْت وَلَيْسَ فِي الْجنَّة موت قَالَ: يَا رَسُول الله فَمَا راحتهم فأعظم ذَلِك النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ: لَيْسَ فِيهَا لغوب كل أَمرهم رَاحَة فَنزلت {لَا يمسنا فِيهَا نصب وَلَا يمسنا فِيهَا لغوب}
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {لَا يمسنا فِيهَا نصب} أَي وجع
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {لغوب} قَالَ: إعياء
الْآيَات 37 - 38(7/30)
وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ (37) إِنَّ اللَّهَ عَالِمُ غَيْبِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (38)
أخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وهم يصطرخون فِيهَا} قَالَ: يستغيثون فِيهَا(7/30)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالْفِرْيَابِي وَسَعِيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {أولم نُعَمِّركُمْ مَا يتَذَكَّر فِيهِ من تذكر} قَالَ: سِتِّينَ سنة
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا
أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة قيل: أَيْن أَبنَاء السِّتين وَهُوَ الْعُمر الَّذِي قَالَ الله {أولم نُعَمِّركُمْ مَا يتَذَكَّر فِيهِ من تذكر}
وَأخرج أَحْمد وَعبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ وَالنَّسَائِيّ وَالْبَزَّار وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن سهل بن سعد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أعذر الله إِلَى امرىء أخر عمره حَتَّى بلغ سِتِّينَ سنة
وَأخرج عبد بن حميد وَالطَّبَرَانِيّ وَالرُّويَانِيّ فِي الْأَمْثَال وَالْحَاكِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن سهل بن سعد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِذا بلغ العَبْد سِتِّينَ سنة فقد أعذر الله إِلَيْهِ فِي الْعُمر
وَأخرج ابْن جرير عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ فِي الْآيَة قَالَ: الْعُمر الَّذِي عمرهم الله بِهِ
سِتُّونَ سنة
وَأخرج الرامَهُرْمُزِي فِي الْأَمْثَال عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: من عمره الله سِتِّينَ سنة أعذر إِلَيْهِ فِي الْعُمر
يُرِيد {أولم نُعَمِّركُمْ مَا يتَذَكَّر فِيهِ من تذكر}
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَعمار أمتِي مَا بَين السِّتين إِلَى السّبْعين وَأَقلهمْ من يجوز ذَلِك
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: الْعُمر سِتُّونَ سنة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {أولم نُعَمِّركُمْ مَا يتَذَكَّر فِيهِ من تذكر} قَالَ: هُوَ سِتّ وَأَرْبَعُونَ سنة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {أولم نُعَمِّركُمْ مَا يتَذَكَّر فِيهِ من تذكر} قَالَ: أَرْبَعِينَ سنة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي الْآيَة قَالَ:(7/31)
اعلموا أَن طول الْعُمر حجَّة فنعوذ بِاللَّه أَن نعيَّر بطول الْعُمر
قَالَ: نزلت وَإِن فيهم لِابْنِ ثمانِ عشرَة سنة
وَفِي قَوْله {وَجَاءَكُم النذير} قَالَ: احْتج عَلَيْهِم بالعمر وَالرسل
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَجَاءَكُم النذير} قَالَ: مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَجَاءَكُم النذير} قَالَ: مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَرَأَ (هَذَا نَذِير من النّذر الأولى) (النَّجْم 56)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَجَاءَكُم النذير} قَالَ: الشيب
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {وَجَاءَكُم النذير} قَالَ: الشيب
الْآيَات 39 - 40(7/32)
هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلَّا مَقْتًا وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلَّا خَسَارًا (39) قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا فَهُمْ عَلَى بَيِّنَتٍ مِنْهُ بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا إِلَّا غُرُورًا (40)
أخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {هُوَ الَّذِي جعلكُمْ خلائف فِي الأَرْض} قَالَ: أمة بعد أمة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {هُوَ الَّذِي جعلكُمْ خلائف فِي الأَرْض} قَالَ: أمة بعد أمة وقرناً بعد قرن
وَفِي قَوْله {أروني مَاذَا خلقُوا من الأَرْض} قَالَ: لَا شَيْء وَالله خلقُوا مِنْهَا
وَفِي قَوْله {أم لَهُم شرك فِي السَّمَاوَات}(7/32)
قَالَ: لَا وَالله مَا لَهُم فيهمَا من شرك {أم آتَيْنَاهُم كتابا فهم على بَيِّنَة مِنْهُ} يَقُول: أم آتَيْنَاهُم كتابا فَهُوَ يَأْمُرهُم أَن لَا يشركوا بِي
الْآيَة 41(7/33)
إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (41)
أخرج أَبُو يعلى وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي الإِفراد وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات والخطيب فِي تَارِيخه عَن أبي هُرَيْرَة رضى الله عَنهُ قَالَ: سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: وَقع فِي نفس مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام هَل ينَام الله عز وَجل فَأرْسل الله ملكا إِلَيْهِ فَارقه ثَلَاثًا وَأَعْطَاهُ قَارُورَتَيْنِ فِي كل يَد قَارُورَة وَأمره أَن يتحفظ بهما فَجعل ينَام وتكاد يَدَاهُ يَلْتَقِيَانِ ثمَّ يَسْتَيْقِظ فَيحْبس احداهما عَن الْأُخْرَى حَتَّى نَام نومَة فاصطقت يَدَاهُ وانكسرت الْقَارُورَتَانِ قَالَ: ضرب الله لَهُ مثلا أَن الله تبَارك وَتَعَالَى لَو كَانَ ينَام مَا كَانَ يمسك السَّمَاء وَلَا الأَرْض
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن خَرشَة بن الْحر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: حَدثنِي عبد الله بن سَلام أَن مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: يَا جِبْرِيل هَل ينَام رَبك فَقَالَ جِبْرِيل: يَا رب ان عَبدك مُوسَى يَسْأَلك هَل تنام فَقَالَ الله: يَا جِبْرِيل قل لَهُ فليأخذ بِيَدِهِ قَارُورَتَيْنِ وليقم على الْجَبَل من أول اللَّيْل حَتَّى يصبح فَقَامَ على الْجَبَل وَأخذ قَارُورَتَيْنِ فَصَبر فَلَمَّا كَانَ آخر اللَّيْل غلبته عَيناهُ فسقطتا فَانْكَسَرَتَا فَقَالَ: يَا جِبْرِيل انْكَسَرت الْقَارُورَتَانِ فَقَالَ الله: يَا جِبْرِيل قل لعبدي إِنِّي لَو نمت لزالت السَّمَوَات وَالْأَرْض
وَأخرج عبد بن حميد وَعبد الرَّزَّاق عَن عِكْرِمَة قَالَ: أسر مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام إِلَى الْمَلَائِكَة هَل ينَام رب الْعِزَّة قَالَ: فسهر مُوسَى أَرْبَعَة أَيَّام ولياليهن ثمَّ قَامَ على الْمِنْبَر يخْطب وَرفع إِلَيْهِ القارورتين فِي كل يَد قَارُورَة وَأرْسل الله عَلَيْهِ النعاس وَهُوَ يخْطب إِذْ أدنى يَده من الْأُخْرَى وَهُوَ يضْرب القارورة على الْأُخْرَى فَفَزعَ ورد يَده ثمَّ خطب ثمَّ أدنى يَده فَضرب بهَا على الْأُخْرَى فَفَزعَ ثمَّ قَالَ: (لَا إِلَه إِلَّا الله الْحَيّ القيوم لَا تَأْخُذهُ سنة وَلَا نوم) قَالَ عِكْرِمَة: السّنة الَّتِي يضْرب بِرَأْسِهِ وَهُوَ جَالس وَالنَّوْم الَّذِي يرقد(7/33)
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ فِي العظمة وَالْبَيْهَقِيّ عَن سعيد بن أبي بردة عَن أَبِيه رَضِي الله عَنهُ
أَن مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ لَهُ قومه: أَيَنَامُ رَبك قَالَ اتَّقوا الله إِن كُنْتُم مُؤمنين فَأوحى الله إِلَى مُوسَى أَن خُذ قَارُورَتَيْنِ فاملأهما مَاء
فَفعل فنعس فَنَامَ فسقطتا من يَده فَانْكَسَرَتَا فَأوحى الله إِلَى مُوسَى اني أمسك السَّمَوَات وَالْأَرْض أَنْ تَزُولَا وَلَو نِمْتُ لزالتا قَالَ الْبَيْهَقِيّ رَضِي الله عَنهُ هَذَا أشبه أَن يكون هُوَ الْمَحْفُوظ
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي كتاب السّنة عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ أَن بني إِسْرَائِيل قَالُوا لمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام: هَل ينَام رَبنَا إِلَخ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: إِذا أتيت سُلْطَانا مهيباً تخَاف أَن يَسْطُو عَلَيْك فَقل: الله أكبر الله أعز من خلقه جَمِيعًا الله أعز مِمَّا أَخَاف وَأحذر أعوذ بِاللَّه الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ الممسك السَّمَوَات السَّبع أَن يقعن على الأَرْض إِلَّا بِإِذْنِهِ من شَرّ عَبدك فلَان وَجُنُوده وَأَتْبَاعه وأشياعه من الْجِنّ والإِنس
اللَّهُمَّ كن لي جاراً من شرهم
جلّ ثناؤك وَعز جَارك وتبارك اسْمك وَلَا إِلَه غَيْرك
ثَلَاث مَرَّات
وَأخرج ابْن السّني فِي عمل يَوْم وَلَيْلَة عَن جَابر بن عبد الله رَضِي الله عَنهُ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن العَبْد إِذا دخل بَيته وَأَوَى إِلَى فرَاشه ابتدره ملكه وشيطانه
يَقُول شَيْطَانه: اختم بشر
وَيَقُول الْملك: اختم بِخَير
فَإِن ذكر الله وَحده طرد الْملك الشَّيْطَان وظل يكلؤه وَإِن هُوَ انتبه من مَنَامه ابتدره ملكه وشيطانه
يَقُول لَهُ الشَّيْطَان: افْتَحْ بشر
وَيَقُول الْملك: افْتَحْ بِخَير
فَإِن هُوَ قَالَ الْحَمد لله الَّذِي رد إليَّ نَفسِي بعد مَوتهَا وَلم يمتها فِي منامها
الْحَمد لله الَّذِي {يمسك السَّمَاوَات وَالْأَرْض أَن تَزُولَا وَلَئِن زالتا إِن أمسكهما من أحد من بعده إِنَّه كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا} وَقَالَ الْحَمد لله الَّذِي (يمسك السَّمَاء أَن تقع على الأَرْض إِلَّا بِإِذْنِهِ إِن الله بِالنَّاسِ لرؤوف رَحِيم) (الْحَج الْآيَة 56) قَالَ: فَإِن خرج من فرَاشه فَمَاتَ كَانَ شَهِيدا وَإِن قَامَ يُصَلِّي صلّى)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ من طَرِيق أبي مَالك عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: الأَرْض على حوت(7/34)
والسلسلة على أذن الْحُوت فِي يَد الله تَعَالَى فَذَلِك قَوْله {إِن الله يمسك السَّمَاوَات وَالْأَرْض أَن تَزُولَا} قَالَ: من مكانهما
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة أَن كَعْبًا كَانَ يَقُول: إِن السَّمَاء تَدور على نصب مثل نصب الرحا
فَقَالَ حُذَيْفَة بن الْيَمَان: كذب كَعْب {إِن الله يمسك السَّمَاوَات وَالْأَرْض أَن تَزُولَا}
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن شَقِيق قَالَ: قيل لِابْنِ مَسْعُود إِن كَعْبًا يَقُول: إِن السَّمَاء تَدور فِي قُطْبَة مثل قُطْبَة الرحا فِي عَمُود على منْكب ملك فَقَالَ: كذب كَعْب {إِن الله يمسك السَّمَاوَات وَالْأَرْض أَن تَزُولَا} وَكفى بهَا زوالا أَن تَدور
من آيَة 42 - 45(7/35)
وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُورًا (42) اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا (43) أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا (44) وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا (45)
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي هِلَال أَنه بلغه أَن قُريْشًا كَانَت تَقول: إِن الله بعث منا نَبيا مَا كَانَت أمة من الْأُمَم أطوع لخالقها وَلَا أسمع لنبيها وَلَا أَشد تمسكاً بكتابها منا
فَأنْزل الله (لَو أَن عندنَا ذكرا من الْأَوَّلين) (الصِّفَات 168) (وَلَو أَنا أنزل علينا الْكتاب لَكنا أهْدى مِنْهُم) (الْأَنْعَام 157) {وأقسموا بِاللَّه جهد أَيْمَانهم لَئِن جَاءَهُم نَذِير لَيَكُونن أهْدى من إِحْدَى الْأُمَم}(7/35)
وَكَانَت الْيَهُود تستفتح بِهِ على الْأَنْصَار فَيَقُولُونَ: إِنَّا نجد نَبيا يخرج
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة فِي قَوْله {فَلَمَّا جَاءَهُم نَذِير} قَالَ: هُوَ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {مَا زادهم إِلَّا نفوراً استكباراً فِي الأَرْض ومكر السيء} وَهُوَ الشّرك {وَلَا يَحِيق الْمَكْر السيء إِلَّا بأَهْله} أَي الشّرك {فَهَل ينظرُونَ إِلَّا سنة الأوّلين} قَالَ: عُقُوبَة الْأَوَّلين
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله {وأقسموا بِاللَّه جهد أَيْمَانهم} قَالَ: قُرَيْش {لَيَكُونن أهْدى من إِحْدَى الْأُمَم} قَالَ: أهل الْكتاب
وَفِي قَوْله تَعَالَى {ومكر السيء} قَالَ: الشّرك
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُحَمَّد بن كَعْب قَالَ: ثَلَاث من فعلهن لم ينج حَتَّى ينزل بِهِ
من مكر أَو بغي أَو نكث
ثمَّ قَرَأَ {وَلَا يَحِيق الْمَكْر السيء إِلَّا بأَهْله} يَا أَيهَا النَّاس إِنَّمَا بَغْيكُمْ على أَنفسكُم {يُونُس} وَمن نكث فَإِنَّمَا ينْكث على نَفسه {الْفَتْح}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق سُفْيَان عَن أبي زَكَرِيَّا الْكُوفِي عَن رجل حَدثهُ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إيَّاكُمْ وَالْمَكْر السيء فَإِنَّهُ {وَلَا يَحِيق الْمَكْر السيء إِلَّا بأَهْله} وَلَهُم من الله طَالب
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله {فَهَل ينظرُونَ إِلَّا سنة الْأَوَّلين} قَالَ: هَل ينظرُونَ إِلَّا أَن يصيبهم من الْعَذَاب مثل مَا أصَاب الْأَوَّلين من الْعَذَاب
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله {وَمَا كَانَ الله ليعجزه} قَالَ: لن يفوتهُ
قَوْله تَعَالَى {وَلَو يُؤَاخذ الله النَّاس}
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن الْمُنْذر وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: إِن كَانَ الْجعل ليعذب فِي جُحْره من ذَنْب ابْن آدم ثمَّ قَرَأَ {وَلَو يُؤَاخذ الله النَّاس بِمَا كسبوا مَا ترك على ظهرهَا من دَابَّة} وَالله أعلم(7/36)
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم (36)
سُورَة يس
مَكِّيَّة وآياتها ثَلَاث وَثَمَانُونَ
مُقَدّمَة سُورَة يس أخرج ابْن الضريس والنحاس وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: نزلت سُورَة يس بِمَكَّة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عَائِشَة قَالَت: نزلت سُورَة يس بِمَكَّة
وَأخرج الدَّارمِيّ وَالتِّرْمِذِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن لكل شَيْء قلبا وقلب الْقلب (يس) وَمن قَرَأَ (يس) كتب الله لَهُ بِقِرَاءَتِهَا قِرَاءَة الْقُرْآن عشر مَرَّات
وَأخرج الْبَزَّار عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن لكل شَيْء قلبا وقلب الْقُرْآن (يس)
وَأخرج الدَّارمِيّ وَأَبُو يعلى وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من قَرَأَ (يس) فِي لَيْلَة ابْتِغَاء وَجه الله غفر الله لَهُ تِلْكَ اللَّيْلَة
وَأخرج ابْن حبَان عَن جُنْدُب بن عبد الله قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من قَرَأَ (يس) فِي لَيْلَة ابْتِغَاء وَجه الله غفر لَهُ
وَأخرج الدَّارمِيّ عَن الْحسن قَالَ: من قَرَأَ (يس) فِي لَيْلَة ابْتِغَاء وَجه الله غفر لَهُ وَقَالَ: بَلغنِي أَنَّهَا تعدل الْقُرْآن كُله
وَأخرج أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَمُحَمّد بن نصر وَابْن حبَان وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن معقل بن يسَار
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: يس قلب الْقُرْآن لَا يَقْرَأها عبد يُرِيد الله وَالدَّار الْآخِرَة إِلَّا غفر لَهُ مَا تقدم من ذَنبه فاقرأوها على مَوْتَاكُم
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَالْبَيْهَقِيّ عَن حسان بن عَطِيَّة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ:(7/37)
سُورَة (يس) تدعى فِي التَّوْرَاة (المعمة) تعم صَاحبهَا بِخَير الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وتكابد عَنهُ بلوى الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وتدفع عَنهُ أهاويل الدُّنْيَا وَالْآخِرَة
وتدعى (المدافعة القاضية) تدفع عَن صَاحبهَا كل سوء وتقضي لَهُ كل حَاجَة
من قَرَأَهَا عدلت لَهُ عشْرين حجَّة وَمن سَمعهَا عدلت لَهُ ألف دِينَار فِي سَبِيل الله وَمن كتبهَا ثمَّ شربهَا أدخلت جَوْفه ألف دَوَاء وَألف نور وَألف يَقِين وَألف بركَة وَألف رَحْمَة ونزعت عَنهُ كل غل وداء قَالَ الْبَيْهَقِيّ تفرد بِهِ مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن أبي بكر الجدعاني عَن سُلَيْمَان بن رفاع الجندي وَهُوَ مُنكر
وَأخرج الْخَطِيب من حَدِيث أنس
مثله
وَأخرج الْخَطِيب عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من سمع سُورَة (يس) عدلت لَهُ عشْرين دِينَارا فِي سَبِيل الله وَمن قَرَأَهَا عدلت لَهُ عشْرين حجَّة وَمن كتبهَا وشربها أدخلت جَوْفه ألف يَقِين وَألف نور وَألف بركَة وَألف رَحْمَة وَألف رزق ونزعت مِنْهُ كل غل وداء
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي عُثْمَان النَّهْدِيّ قَالَ أَبُو بَرزَة: من قَرَأَ (يس) مرّة فَكَأَنَّمَا قَرَأَ الْقُرْآن عشر مَرَّات وَقَالَ أَبُو سعيد: من قَرَأَ (يس) مرّة فَكَأَنَّمَا قَرَأَ الْقُرْآن مرَّتَيْنِ قَالَ أَبُو بَرزَة: تحدث أَنْت بِمَا سَمِعت وأحدث أَنا بِمَا سَمِعت
وَأخرج الْبَزَّار عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَوَدِدْت أَنَّهَا فِي قلب كل إِنْسَان من أمتِي يَعْنِي (يس)
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه بِسَنَد ضَعِيف عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من داوم على قِرَاءَة (يس) كل ليله ثمَّ مَاتَ مَاتَ شَهِيدا
وَأخرج الدَّارمِيّ عَن عَطاء بن أبي رَبَاح قَالَ: بَلغنِي أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: من قَرَأَ (يس) فِي صدر النَّهَار قضيت حَوَائِجه
وَأخرج الدَّارمِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: من قَرَأَ يس حِين يصبح أعْطى يسر يَوْمه حَتَّى يُمْسِي وَمن قَرَأَهَا فِي صدر ليله أعْطى يسر ليله حَتَّى يصبح
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه والديلمي عَن أبي الدَّرْدَاء عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: مَا من ميت يقْرَأ عِنْده (يس) إِلَّا هون الله عَلَيْهِ
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ فِي فَضَائِل الْقُرْآن والديلمي من حَدِيث أبي ذَر
مثله(7/38)
وَأخرج ابْن سعد وَأحمد فِي مُسْنده عَن صَفْوَان بن عَمْرو قَالَ: كَانَت المشيخة يَقُولُونَ: إِذا قَرَأت (يس) عِنْد الْمَيِّت خفف عَنهُ بهَا
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الْإِيمَان عَن أبي قلَابَة قَالَ: من قَرَأَ (يس) غفر لَهُ وَمن قَرَأَهَا عِنْد طَعَام خَافَ قلته كَفاهُ وَمن قَرَأَهَا عِنْد ميت هون عَلَيْهِ وَمن قَرَأَهَا عِنْد امْرَأَة عسر عَلَيْهَا وَلَدهَا يسر عَلَيْهَا وَمن قَرَأَهَا فَكَأَنَّمَا قَرَأَ الْقُرْآن إِحْدَى عشرَة مرّة وَلكُل شَيْء قلب وقلب الْقُرْآن (يس) قَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَكَذَا نقل إِلَيْنَا عَن أبي قلَابَة وَهُوَ من كبار التَّابِعين وَلَا يَقُول ذَلِك إِن صَحَّ عَنهُ إِلَّا بلاغا
وَأخرج الْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي جَعْفَر مُحَمَّد بن عَليّ قَالَ: من وجد فِي قلبه قسوة فليكتب (يس وَالْقُرْآن الْحَكِيم) فِي جَام من زعفران ثمَّ يشربه
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور من طَرِيق سماك بن حَرْب عَن رجل من أهل الْمَدِينَة عَمَّن صلى خلف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْغَدَاة
فَقَرَأَ (بقاف وَالْقُرْآن الْمجِيد) (سُورَة ق الْآيَة 1) و (يس وَالْقُرْآن الْحَكِيم) (سُورَة يس الْآيَة 1)
وَأخرج ابْن مردوية عَن عقبَة بن عَامر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من قَرَأَ (يس) فَكَأَنَّمَا قَرَأَ الْقُرْآن عشر مَرَّات
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لكل شَيْء قلب وقلب الْقُرْآن (يس) وَمن قَرَأَ (يس) فَكَأَنَّمَا قَرَأَ الْقُرْآن عشر مَرَّات
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه من حَدِيث أبي هُرَيْرَة وَأنس
مثله
وَأخرج ابْن سعد عَن عمار بن يَاسر
أَنه كَانَ يقْرَأ كل يَوْم جُمُعَة على الْمِنْبَر (يس)
وَأخرج مُحَمَّد بن عُثْمَان وَابْن أبي شيبَة فِي تَارِيخه وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن عَسَاكِر عَن خريم بن فاتك قَالَ: خرجت فِي طلب ابل لي وَكُنَّا إِذا نزلنَا بواد نقُول: نَعُوذ بعزيز هَذَا الْوَادي فتوسدت نَاقَة وَقلت: أعوذ بعزيز هَذَا الْوَادي فَإِذا هَاتِف يَهْتِف بِي وَيَقُول: وَيحك عذ بِاللَّه ذِي الْجلَال منزل الْحَرَام والحلال ووحد الله وَلَا تبالي مَا كيد ذَا الْجِنّ من الْأَهْوَال إِذْ يذكر الله على الأميال وَفِي سهول الأَرْض وَالْجِبَال وَصَارَ كيد الْجِنّ فِي سفال إِلَّا التقى وَصَالح الْأَعْمَال(7/39)
فَقلت لَهُ: أَيهَا الْقَائِل مَا تَقول أرشد عنْدك أم تضليل فَقَالَ: هَذَا رَسُول الله ذَا الْخيرَات جَاءَ بياسين وحاميمات وسور بعد مفصلات يَأْمر بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاة ويزجر الأقوام عَن هَنَات فَذَاك فِي الْأَنَام نكرات فَقلت لَهُ: من أَنْت قَالَ: ملك من مُلُوك الْجِنّ بَعَثَنِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على جن نجد
قلت: أما كَانَ لي من يُؤَدِّي إبلي هَذِه إِلَى أَهلِي
لآتيه حَتَّى أسلم قَالَ: فَأَنا أؤديها فركبت بَعِيرًا مِنْهَا ثمَّ تقدّمت فَإِذا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على الْمِنْبَر فَلَمَّا رَآنِي قَالَ: مَا فعل الرجل الَّذِي ضمن لَك أَن يُؤَدِّي إبلك أما أَنه قد أَدَّاهَا سَالِمَة
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن جَابر بن سَمُرَة قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقْرَأ فِي الصُّبْح ب {يس}
وَأخرج ابْن النجار فِي تَارِيخه عَن أبي بكر الصّديق قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من زار قبر وَالِديهِ أَو أَحدهمَا فِي كل جُمُعَة فَقَرَأَ عِنْدهَا (يس) غفر الله لَهُ بِعَدَد كل حرف مِنْهَا
وَأخرج أَبُو نصر السجْزِي فِي الْإِبَانَة وَحسنه عَن عَائِشَة قَالَت: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن فِي الْقُرْآن لسورة تدعى الْعَظِيمَة عِنْد الله يدعى صَاحبهَا الشريف عِنْد الله يشفع صَاحبهَا يَوْم الْقِيَامَة فِي أَكثر من ربيعَة وَمُضر
وَهِي سُورَة {يس}
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ عَليّ بن أبي طَالب يَا رَسُول الله إِن الْقُرْآن ينفلت من صَدْرِي فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَلا أعلمك كَلِمَات ينفعك الله بِهن وينفع من عَلمته قَالَ: نعم بِأبي أَنْت وَأمي قَالَ: صل لَيْلَة الْجُمُعَة أَربع رَكْعَات تقْرَأ فِي الرَّكْعَة الأولى بِفَاتِحَة الْكتاب وَيس
وَفِي الثَّانِيَة بِفَاتِحَة الْكتاب (وحم) الدُّخان
وَفِي الثَّالِثَة بِفَاتِحَة الْكتاب (والم تَنْزِيل) السَّجْدَة
وَفِي الرَّابِعَة بِفَاتِحَة الْكتاب (وتبارك) الْمفصل
فَإِذا فرغت من التَّشَهُّد فاحمد الله وأثن عَلَيْهِ وصل على النَّبِيين واستغفر للْمُؤْمِنين ثمَّ قل: اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي بترك الْمعاصِي أبدا مَا أبقيتني وارحمني مَا لَا أتكلف مَا لَا(7/40)
يعنيني وارزقني حسن النّظر فِيمَا يرضيك عني وَأَسْأَلك أَن تنور بِالْكتاب بَصرِي وَتطلق بِهِ لساني وتفرج بِهِ عَن قلبِي وتشرح بِهِ صَدْرِي وتستعمل بِهِ بدني وتقويني على ذَلِك وتعينني عَلَيْهِ
فَإِنَّهُ لَا يُعِيننِي على الْخَيْر غَيْرك وَلَا يوفق لَهُ إِلَّا أَنْت فافعل ذَلِك ثَلَاث جمع أَو خمْسا أَو سبعا تحفظه بِإِذن الله
وَمَا أَخطَأ مُؤمنا قطّ فَأتى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعد سبع جمع فَأخْبرهُ بحفظه الْقُرْآن والْحَدِيث فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُؤمن وَرب الْكَعْبَة علم أَبَا حسن علم أَبَا حسن
الْآيَات 1 - 11(7/41)
يس (1) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (2) إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (3) عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (4) تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (5) لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ (6) لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (7) إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ (8) وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ (9) وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (10) إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ (11)
أخرج ابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق ابْن عَبَّاس قَالَ {يس} مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَفِي لفظ قَالَ: يَا مُحَمَّد
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن مُحَمَّد بن الْحَنَفِيَّة فِي قَوْله {يس} قَالَ: يَا مُحَمَّد
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم من طرق عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {يس} قَالَ: يَا إِنْسَان
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن وَعِكْرِمَة وَالضَّحَّاك
مثله
وَأخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {يس} قَالَ: يَا إِنْسَان بالحبشية(7/41)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أَشهب قَالَ: سَأَلت مَالك بن أنس أينبغي لَاحَدَّ أَن يتسمى بيس فَقَالَ: مَا أرَاهُ يَنْبَغِي لقَوْله {يس وَالْقُرْآن الْحَكِيم} يَقُول: هَذَا اسْمِي تسميت بِهِ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن فِي قَوْله الله {يس وَالْقُرْآن الْحَكِيم} قَالَ: يقسم الله بِمَا يَشَاء ثمَّ نزع بِهَذِهِ الْآيَة {سَلام على آل ياسين} الصافات 130 كَأَنَّهُ يرى أَنه سلم على رَسُوله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن يحيى بن أبي كثير فِي قَوْله {يس وَالْقُرْآن الْحَكِيم} قَالَ: يقسم بِأَلف عَالم {إِنَّك لمن الْمُرْسلين}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن كَعْب الْأَحْبَار فِي قَوْله {يس} قَالَ: هَذَا قسم أقسم بِهِ رَبك قَالَ يَا مُحَمَّد إِنَّك لمن الْمُرْسلين قبل أَن اخلق الْخلق بألفي عَام
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {يس وَالْقُرْآن الْحَكِيم إِنَّك لمن الْمُرْسلين} قَالَ: اقْسمْ كَمَا تَسْمَعُونَ أَنه {لمن الْمُرْسلين على صِرَاط مُسْتَقِيم} أَي على الإِسلام {تَنْزِيل الْعَزِيز الرَّحِيم} قَالَ: هُوَ الْقُرْآن {لتنذر قوما مَا أنذر آباؤهم} قَالَ: قُرَيْش لم يَأْتِ الْعَرَب رَسُول قبل مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يَأْتهمْ وَلَا آبَاءَهُم رَسُول قبله
وَأخرج ابْن جرير عَن عِكْرِمَة {لتنذر قوما مَا أنذر آباؤهم} قَالَ بَعضهم {لتنذر قوما مَا أنذر آباؤهم} مَا أنذر النَّاس من قبلهم وَقَالَ بَعضهم {لتنذر قوما مَا أنذر آباؤهم} أَي هَذِه الْأمة لم يَأْتهمْ نَذِير حَتَّى جَاءَهُم مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {لقد حق القَوْل على أَكْثَرهم} قَالَ: سبق فِي علمه
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم فِي الدَّلَائِل عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقْرَأ فِي الْمَسْجِد فيجهر بِالْقِرَاءَةِ حَتَّى تأذّى بِهِ نَاس من قُرَيْش حَتَّى قَامُوا ليأخذوه وَإِذا أَيْديهم مَجْمُوعَة إِلَى أَعْنَاقهم وَإِذا هم لَا يبصرون فجاؤا إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالُوا: ننشدك الله وَالرحم يَا مُحَمَّد وَلم يكن بطن من بطُون قُرَيْش إِلَّا وَلِلنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فيهم قرَابَة فَدَعَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى ذهب ذَلِك عَنْهُم
فَنزلت {يس وَالْقُرْآن الْحَكِيم}(7/42)
إِلَى قَوْله {أم لم تنذرهم لَا يُؤمنُونَ} قَالَ: فَلم يُؤمن من ذَلِك النَّفر أحد
وَأخرج ابْن جرير عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ أَبُو جهل: لَئِن رَأَيْت مُحَمَّدًا لَأَفْعَلَنَّ
وَلَأَفْعَلَن
فَنزلت {إِنَّا جعلنَا فِي أَعْنَاقهم أغلالاً} إِلَى قَوْله {لَا يبصرون} فَكَانُوا يَقُولُونَ: هَذَا مُحَمَّد فَيَقُول: أَيْن هُوَ أَيْن هُوَ
لَا يبصره
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل من طَرِيق السّديّ الصَّغِير عَن الْكَلْبِيّ عَن أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وَجَعَلنَا من بَين أَيْديهم سداً} قَالَ: كفار قُرَيْش غطاء {فأغشيناهم} يَقُول: ألبسنا أَبْصَارهم {فهم لَا يبصرون} النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فيؤذونه وَذَلِكَ أَن نَاسا من بني مَخْزُوم تواطؤا بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ليقتلوه
مِنْهُم أَبُو جهل والوليد بن الْمُغيرَة
فَبينا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَائِم يُصَلِّي يسمعُونَ قِرَاءَته فأرسلوا إِلَيْهِ الْوَلِيد ليَقْتُلهُ فَانْطَلق حَتَّى أَتَى الْمَكَان الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ فَجعل يسمع قِرَاءَته وَلَا يرَاهُ فَانْصَرف إِلَيْهِم فأعلمهم ذَلِك فَأتوهُ فَلَمَّا انْتَهوا إِلَى الْمَكَان الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ سمعُوا قِرَاءَته فيذهبون إِلَيْهِ فيسمعون أَيْضا من خَلفهم فانصرفوا وَلم يَجدوا إِلَيْهِ سَبِيلا
فَذَلِك قَوْله {وَجَعَلنَا من بَين أَيْديهم سداً وَمن خَلفهم سداً}
وَأخرج ابْن إِسْحَق وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو نعيم فِي الدَّلَائِل عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ قَالَ: اجْتمع قُرَيْش
وَفِيهِمْ أَبُو جهل على بَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالُوا على بَابه: ان مُحَمَّدًا يزْعم أَنكُمْ ان بايعتموه على أمره كُنْتُم مُلُوك الْعَرَب والعجم وبعثتم من بعد موتكم فَجعلت لكم نَار تحرقون فِيهَا فَخرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأخذ حفْنَة من تُرَاب فِي يَده قَالَ: نعم
أَقُول ذَلِك وَأَنت أحدهم وَأخذ الله على أَبْصَارهم فَلَا يرونه فَجعل ينثر ذَلِك التُّرَاب على رؤوسهم وَهُوَ يَتْلُو هَذِه الْآيَات {يس وَالْقُرْآن الْحَكِيم} إِلَى قَوْله {فأغشيناهم فهم لَا يبصرون} حَتَّى فرغ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من هَؤُلَاءِ الْآيَات فَلم يبْق رجل إِلَّا وضع على رَأسه تُرَابا فَوضع كل رجل مِنْهُم يَده على رَأسه وَإِذا عَلَيْهِ تُرَاب فَقَالُوا: لقد كَانَ صدقنا الَّذِي حَدثنَا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ {الأغلال} مَا بَين الصَّدْر إِلَى الذقن {فهم مقمحون} كَمَا تقمح الدَّابَّة باللجام
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله(7/43)
عَنْهُمَا أَنه قَرَأَ {إِنَّا جعلنَا فِي أَعْنَاقهم أغلالاً}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {مقمحون} قَالَ: مَجْمُوعَة أَيْديهم إِلَى أَعْنَاقهم تَحت الذقن
وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس أَن نَافِع بن الْأَزْرَق سَأَلَهُ عَن قَوْله {مقمحون} قَالَ المقمح: الشامخ بِأَنْفِهِ المنكس بِرَأْسِهِ
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم
أما سَمِعت قَول الشَّاعِر: وَنحن على جوانبها قعُود نغض الطّرف كالإِبل القماح وَأخرج الخرائطي فِي مساوىء الْأَخْلَاق عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {إِنَّا جعلنَا فِي أَعْنَاقهم أغلالاً} قَالَ: الْبُخْل
أمسك الله أَيْديهم عَن النَّفَقَة فِي سَبِيل الله {فهم لَا يبصرون}
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {إِنَّا جعلنَا فِي أَعْنَاقهم أغلالاً} قَالَ: فِي بعض الْقرَاءَات إِنَّا جعلنَا فِي أَيْمَانهم أغلالاً فَهِيَ إِلَى الأذقان فهم مقمحون) قَالَ: مغلولون عَن كل خير
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد {فهم مقمحون} قَالَ: رافعوا رؤوسهم وأيديهم مَوْضُوعَة على أَفْوَاههم
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ وَجَعَلنَا من بَين أَيْديهم سداً وَمن خَلفهم سداً بِرَفْع السِّين فيهمَا {فأغشيناهم} بالغين
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: اجْتمعت قُرَيْش بِبَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ينتظرون خُرُوجه ليؤذوه فشق ذَلِك عَلَيْهِ فَأَتَاهُ جِبْرِيل بِسُورَة {يس} وَأمره بِالْخرُوجِ عَلَيْهِم فَأخذ كفا من تُرَاب وَخرج وَهُوَ يقرأوها ويذر التُّرَاب على رؤوسهم فَمَا رَأَوْهُ حَتَّى جَازَ فَجعل أحدهم يلمس رَأسه فيجد التُّرَاب وَجَاء بَعضهم فَقَالَ: مَا يجلسكم قَالُوا: نَنْتَظِر مُحَمَّدًا فَقَالَ: لقد رَأَيْته دَاخِلا الْمَسْجِد قَالُوا: قومُوا فقد سحركم
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد قَالَ: اجْتمعت قُرَيْش فبعثوا عتبَة بن ربيعَة فَقَالُوا: أئتِ هَذَا الرجل فَقل لَهُ إِن قَوْمك يَقُولُونَ: إِنَّك جِئْت بأمرٍ عَظِيم وَلم يكن عَلَيْهِ آبَاؤُنَا وَلَا يتبعك عَلَيْهِ أَحْلَامنَا وَإنَّك إِنَّمَا صنعت هَذَا إِنَّك ذُو حَاجَة(7/44)
فَإِن كنت تُرِيدُ المَال فَإِن قَوْمك سيجمعون لَك ويعطونك فدع مَا تُرِيدُ وَعَلَيْك بِمَا كَانَ عَلَيْهِ آباؤك فَانْطَلق إِلَيْهِ عتبَة فَقَالَ لَهُ: الَّذِي أَمرُوهُ فَلَمَّا فرغ من قَوْله وَسكت
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم حم تَنْزِيل من الرَّحْمَن الرَّحِيم) (فصلت 1 - 2) فَقَرَأَ عَلَيْهِ من أَولهَا حَتَّى بلغ (فَإِن أَعرضُوا فَقل أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَة مثل صَاعِقَة عَاد وَثَمُود) (فصلت 13) فَرجع عتبَة فَأخْبرهُم الْخَبَر فَقَالَ: لقد كلمني بِكَلَام مَا هُوَ بِشعر وَلَا بِسحر وَإنَّهُ لكَلَام عَجِيب مَا هُوَ بِكَلَام النَّاس فوقعوا بِهِ وَقَالُوا نَذْهَب إِلَيْهِ بأجمعنا فَلَمَّا أَرَادوا ذَلِك طلع عَلَيْهِم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فعمدهم حَتَّى قَامَ على رؤوسهم وَقَالَ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم {يس وَالْقُرْآن الْحَكِيم} حَتَّى بلغ {إِنَّا جعلنَا فِي أَعْنَاقهم أغلالاً} فَضرب الله بِأَيْدِيهِم على أَعْنَاقهم فَجعل من بَين أَيْديهم سداً وَمن خَلفهم سداً فَأخذ تُرَابا فَجعله على رؤوسهم ثمَّ انْصَرف عَنْهُم وَلَا يَدْرُونَ مَا صنع بهم فعجبوا وَقَالُوا: مَا رَأينَا أحدا قطّ أَسحر مِنْهُ أنظروا مَا صنع بِنَا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أئتمر نَاس من قُرَيْش بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ليسطوا عَلَيْهِ فجاؤا يُرِيدُونَ ذَلِك فَجعل الله {من بَين أَيْديهم سداً} قَالَ: ظلمَة {وَمن خَلفهم سداً} قَالَ: ظلمَة {فأغشيناهم فهم لَا يبصرون} قَالَ: فَلم يبصروا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة قَالَ: كَانَ نَاس من الْمُشْركين من قُرَيْش يَقُول بَعضهم لبَعض: لَو قد رَأَيْت مُحَمَّدًا لفَعَلت بِهِ كَذَا وَكَذَا فَأَتَاهُم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وهم فِي حَلقَة فِي الْمَسْجِد فَوقف عَلَيْهِم فَقَرَأَ {يس وَالْقُرْآن الْحَكِيم} حَتَّى بلغ {لَا يبصرون} ثمَّ أَخذ تُرَابا فَجعل يذره على رؤوسهم فَمَا يرفع إِلَيْهِ رجل طرفه وَلَا يتَكَلَّم كلمة ثمَّ جَاوز النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَجعلُوا يَنْفضونَ التُّرَاب عَن رؤوسهم ولحاهم وَالله مَا سمعنَا وَالله مَا أبصرنا وَالله مَا عقلنا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَجَعَلنَا من بَين أَيْديهم سداً وَمن خَلفهم سداً} قَالَ: عَن الْحق {فهم} يَتَرَدَّدُونَ {فأغشيناهم فهم لَا يبصرون} هدى وَلَا يَنْتَفِعُونَ بِهِ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد فِي الْآيَة قَالَ: جعل هَذَا السد(7/45)
بَينهم وَبَين الإِسلام والإِيمان فَلم يخلصوا إِلَيْهِ
وَقَرَأَ {وَسَوَاء عَلَيْهِم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لَا يُؤمنُونَ} من مَنعه الله لَا يَسْتَطِيع
وَأخرج عبد بن حميد عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ أَنه كَانَ يقْرَأ من بَين أَيْديهم سداً وَمن خَلفهم سداً بِنصب السِّين
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة أَنه قَرَأَ {فأغشيناهم}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {إِنَّمَا تنذر من اتبع الذّكر} قَالَ: اتِّبَاع الذّكر اتِّبَاع الْقُرْآن {وخشي الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ} قَالَ: خشِي عَذَاب الله وناره {فبشره بمغفرة وَأجر كريم} قَالَ: الْجنَّة
الْآيَة 12(7/46)
إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ (12)
أخرج عبد الرَّزَّاق وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه وَالْبَزَّار وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: كَانَ بَنو سَلمَة فِي نَاحيَة من الْمَدِينَة فأرادوا أَن يَنْتَقِلُوا إِلَى قرب الْمَسْجِد فَأنْزل الله {إِنَّا نَحن نحيي الْمَوْتَى ونكتب مَا قدمُوا وآثارهم} فَدَعَاهُمْ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: إِنَّه يكْتب آثَاركُم ثمَّ قَرَأَ عَلَيْهِم الْآيَة فتركوا
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي الله عَنهُ {إِنَّا نَحن نحيي الْمَوْتَى ونكتب مَا قدمُوا وآثارهم} قَالَ: الخطا
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَأحمد فِي الزّهْد وَعبد بن حميد وَابْن ماجة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: كَانَت الْأَنْصَار مَنَازِلهمْ بعيدَة من الْمَسْجِد فأرادوا أَن يَنْتَقِلُوا قَرِيبا من الْمَسْجِد فَنزلت {ونكتب مَا قدمُوا وآثارهم} فَقَالُوا: بل نمكث مَكَاننَا
وَأخرج مُسلم وَابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: إِن بني سَلمَة أَرَادوا أَن يبيعوا دِيَارهمْ ويتحولوا قَرِيبا من الْمَسْجِد فَقَالَ لَهُم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يَا بني سَلمَة دِيَاركُمْ نكتب آثَاركُم(7/46)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَابْن مرْدَوَيْه عَن أنس قَالَ: أَرَادَ بَنو سَلمَة أَن يبيعوا دُورهمْ ويتحوّلوا قريب الْمَسْجِد فَبلغ ذَلِك النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فكره أَن تعرى الْمَدِينَة فَقَالَ يَا بني سَلمَة أما تحبون أَن تكْتب آثَاركُم إِلَى الْمَسْجِد قَالُوا: بلَى
فأقاموا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أنس رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {ونكتب مَا قدمُوا وآثارهم} قَالَ: هَذَا فِي الخطو يَوْم الْجُمُعَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَعبد بن حميد وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَابْن ماجة وَابْن مرْدَوَيْه عَن أُبيّ بن كَعْب قَالَ: كَانَ رجل مَا يعلم من أهل الْمَدِينَة مِمَّن يُصَلِّي الْقبْلَة أبعد منزلا مِنْهُ من الْمَسْجِد فَكَانَ يشْهد الصَّلَاة مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقيل لَهُ لَو اشْتريت حمارا تركبه فِي الرمضاء والظلمات فَقَالَ وَالله مَا يسرني أَن منزلي بلصق الْمَسْجِد فَأخْبر بذلك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَسَأَلَهُ عَن ذَلِك فَقَالَ: يَا رَسُول الله كَيْمَا يكْتب أثري وخطاي ورجوعي إِلَى أَهلِي وإقبالي وإدباري فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَعْطَاك الله ذَلِك كُله وأعطاك مَا احتسبت أجمع
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من حِين يخرج أحدكُم من منزله إِلَى منزل رجل يكْتب لَهُ حَسَنَة ويحط عَنهُ سَيِّئَة)
وَأخرج عبد بن حميد عَن مَسْرُوق قَالَ: مَا خطا رجل خطْوَة إِلَّا كتب الله لَهُ حَسَنَة أَو سَيِّئَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: الْأَبْعَد فالأبعد من الْمَسْجِد أعظم أجرا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {ونكتب مَا قدمُوا} قَالَ: أَعْمَالهم {وآثارهم} قَالَ: خطاهم بأرجلهم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي الْآيَة قَالَ: لَو كَانَ مغفلاً شَيْئا من أثر ابْن آدم لأغفل هَذَا الْأَثر الَّتِي تعفها الرِّيَاح وَلَكِن أحْصر على ابْن آدم أَثَره وَعَمله كُله حَتَّى أحصى هَذَا الْأَثر فِيمَا هُوَ فِي طَاعَة الله أَو مَعْصِيَته فَمن اسْتَطَاعَ مِنْكُم أَن يكْتب أَثَره فِي طَاعَة الله فَلْيفْعَل(7/47)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {ونكتب مَا قدمُوا وآثارهم} قَالَ: مَا سنوا من سنة فعملوا بهَا من بعد مَوْتهمْ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {ونكتب مَا قدمُوا} قَالَ: مَا قدمُوا من خير {وآثارهم} قَالَ: مَا أورثوا من الضَّلَالَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن جرير بن عبد الله البَجلِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من سنّ سنة حَسَنَة فَلهُ أجرهَا وَأجر من عمل بهَا من بعده من غير أَن ينقص من أُجُورهم شَيْء وَمن سنّ سنة سَيِّئَة كَانَ عَلَيْهِ وزرها ووزر من عمل بهَا من بعده لَا ينقص من أوزارهم شَيْء
ثمَّ تَلا هَذِه الْآيَة {ونكتب مَا قدمُوا وآثارهم}
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الضريس فِي فَضَائِل الْقُرْآن وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وكل شَيْء أحصيناه فِي إِمَام مُبين} قَالَ: أم الْكتاب
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وكل شَيْء أحصيناه فِي إِمَام مُبين} قَالَ: كل شَيْء من امام عِنْد الله مَحْفُوظ يَعْنِي فِي كتاب
وَأخرج عبد بن حميد عَن إِبْرَاهِيم رَضِي الله عَنهُ {وكل شَيْء أحصيناه فِي إِمَام مُبين} قَالَ: كتاب
الْآيَات 13 - 27(7/48)
وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ (13) إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ (14) قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ (15) قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ (16) وَمَا عَلَيْنَا إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (17) قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ (18) قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (19) وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (20) اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ (21) وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (22) أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنْقِذُونِ (23) إِنِّي إِذًا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (24) إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ (25) قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (26) بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ (27)
أخرج الْفرْيَابِيّ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وَاضْرِبْ لَهُم مثلا أَصْحَاب الْقرْيَة} قَالَ: هِيَ انطاكية
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن بُرَيْدَة {أَصْحَاب الْقرْيَة} قَالَ: انطاكية
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {أَصْحَاب الْقرْيَة إِذْ جاءها المُرْسَلُونَ} قَالَ: انطاكية
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {أَصْحَاب الْقرْيَة إِذْ جاءها المُرْسَلُونَ} قَالَ: ذكر لنا أَنَّهَا قَرْيَة من قرى الرّوم بعث عِيسَى بن مَرْيَم إِلَيْهَا رجلَيْنِ فكذبوهما
وَأخرج ابْن سعد وَابْن عَسَاكِر من طَرِيق الْكَلْبِيّ عَن أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ مُوسَى بن عمرَان عَلَيْهِ السَّلَام بَينه وَبَين عِيسَى ألف سنة وَتِسْعمِائَة سنة وَلم يكن بَينهمَا وانه أرسل بَينهمَا ألف نَبِي من بني إِسْرَائِيل ثمَّ من أرسل من غَيرهم وَكَانَ بَين مِيلَاد عِيسَى وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَمْسمِائَة سنة وتسع وَسِتُّونَ(7/49)
سنة بعث فِي أَولهَا ثَلَاثَة أَنْبيَاء
وَهُوَ قَوْله {إِذْ أرسلنَا إِلَيْهِم اثْنَيْنِ فكذبوهما فعززنا بثالث} وَالَّذِي عززبه: شَمْعُون
وَكَانَ من الحواريين وَكَانَت الفترة الَّتِي لَيْسَ فِيهَا رَسُول أَرْبَعمِائَة سنة وَأَرْبَعَة وَثَلَاثِينَ سنة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {إِذْ أرسلنَا إِلَيْهِم اثْنَيْنِ} قَالَ: بَلغنِي أَن عِيسَى بن مَرْيَم بعث إِلَى أهل الْقرْيَة - وَهِي انطاكية - رجلَيْنِ من الحواريين واتبعهم بثالث
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي الْعَالِيَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {إِذْ أرسلنَا إِلَيْهِم اثْنَيْنِ فكذبوهما فعززنا بثالث} قَالَ: لكَي تكون عَلَيْهِم الْحجَّة أَشد فَأتوا أهل الْقرْيَة فدعوهم إِلَى الله وَحده وعبادته لَا شريك لَهُ فكذبوهم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن شُعَيْب الجبائي قَالَ: اسْم الرسولين اللَّذين قَالَا {إِذْ أرسلنَا إِلَيْهِم اثْنَيْنِ} شَمْعُون
ويوحنا
وَاسم (الثَّالِث) بولص
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فعززنا بثالث} مُخَفّفَة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {إِذْ أرسلنَا إِلَيْهِم اثْنَيْنِ}
قَالَ: اسْم الثَّالِث الَّذِي عزز بِهِ سمعون بن يوحنا
وَالثَّالِث بولص فزعموا أَن الثَّلَاثَة قتلوا جَمِيعًا وَجَاء حبيب وَهُوَ يكتم إيمَانه {قَالَ يَا قوم اتبعُوا الْمُرْسلين} فَلَمَّا رَأَوْهُ أعلن بإيمانه فَقَالَ {إِنِّي آمَنت بربكم فاسمعون} وَكَانَ نجاراً ألقوه فِي بِئْر وَهِي الرس وهم أَصْحَاب الرس
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {قَالُوا إِنَّا تطيرنا بكم} قَالَ: يَقُولُونَ إِن أَصَابَنَا شَرّ فَإِنَّمَا هُوَ من أجلكم {لَئِن لم تنتهوا لنرجمنكم} بِالْحِجَارَةِ {قَالُوا طائركم مَعكُمْ} أَي أَعمالكُم مَعكُمْ {أئن ذكرْتُمْ} يَقُول: ائن ذكرناكم بِاللَّه تطيرتم بِنَا
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {لنرجمنكم} قَالَ: لنشتمنكم قَالَ وَالرَّجم فِي الْقُرْآن كُله الشتم وَفِي قَوْله {طائركم مَعكُمْ أئن ذكرْتُمْ} يَقُول: مَا كتب عَلَيْكُم وَاقع بكم(7/50)
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {طائركم مَعكُمْ} قَالَ: شؤمكم مَعكُمْ
وَأخرج عبد بن حميد عَن يحيي بن وثاب أَنه قَرَأَهَا أئن ذكرْتُمْ بالخفض وَقرأَهَا زر بن حُبَيْش أَن ذكرْتُمْ بِالنّصب
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس {وَجَاء من أقْصَى الْمَدِينَة رجل يسْعَى} قَالَ: هُوَ حبيب النجار
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد
مثله
وَأخرج ابْن جرير عَن أبي مجلز قَالَ: كَانَ اسْم صَاحب (يس) حبيب بن مري
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم من وَجه آخر عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: اسْم صَاحب (يس) حبيب وَكَانَ الجذام قد أسْرع فِيهِ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَجَاء من أقْصَى الْمَدِينَة رجل يسْعَى} قَالَ: بَلغنِي أَنه رجل كَانَ يعبد الله فِي غَار واسْمه حبيب فَسمع بهؤلاء النفرالذين أرسلهم عِيسَى إِلَى أهل انطاكية فَجَاءَهُمْ فَقَالَ: تسْأَلُون أجرا فَقَالُوا: لَا فَقَالَ لِقَوْمِهِ {يَا قوم اتبعُوا الْمُرْسلين اتبعُوا من لَا يسألكم أجرا وهم مهتدون} حَتَّى بلغ {فاسمعون} قَالَ: فرجموه بِالْحِجَارَةِ فَجعل يَقُول: رب اهد قومِي فَإِنَّهُم لَا يعلمُونَ {بِمَا غفر لي رَبِّي} حَتَّى بلغ {إِن كَانَت إِلَّا صَيْحَة وَاحِدَة} قَالَ: فَمَا نُوظِرُوا بعد قَتلهمْ إِيَّاه حَتَّى أخذتهم {صَيْحَة وَاحِدَة فَإِذا هم خامدون}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عمر بن الحكم فِي قَوْله {وَجَاء من أقْصَى الْمَدِينَة رجل يسْعَى} قَالَ: بلغنَا أَنه كَانَ قصاراً
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله {وَجَاء من أقْصَى الْمَدِينَة رجل} كَانَ حراثاً
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر عَن كَعْب أَن ابْن عَبَّاس سَأَلَهُ عَن أَصْحَاب الرس فَقَالَ: إِنَّكُم معشر الْعَرَب تدعون الْبِئْر رساً وتدعون الْقَبْر رساً فخدوا خدوداً فِي الأَرْض وأوقدوا فِيهَا النيرَان للرسل الَّذين ذكر الله فِي {يس} {إِذْ أرسلنَا إِلَيْهِم اثْنَيْنِ فكذبوهما فعززنا بثالث}(7/51)
وَكَانَ الله تَعَالَى إِذا جمع لعبد النُّبُوَّة والرسالة مَنعه من النَّاس وَكَانَت الْأَنْبِيَاء تقتل فَلَمَّا سمع بذلك رجل من أقْصَى الْمَدِينَة وَمَا يُرَاد بالرسل أقبل يسْعَى ليدركهم فيشهدهم على إيمَانه فَأقبل على قومه فَقَالَ {يَا قوم اتبعُوا الْمُرْسلين} إِلَى قَوْله {لفي ضلال مُبين} ثمَّ أقبل على الرُّسُل فَقَالَ {إِنِّي آمَنت بربكم فاسمعون} ليشهدهم على إيمَانه فأُخِذَ فَقُذِفَ فِي النَّار فَقَالَ الله تَعَالَى {ادخل الْجنَّة} قَالَ {يَا لَيْت قومِي يعلمُونَ بِمَا غفر لي رَبِّي وَجَعَلَنِي من الْمُكرمين}
وَأخرج الْحَاكِم عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: لما قَالَ صَاحب (يس) {يَا قوم اتبعُوا الْمُرْسلين} خنقوه ليَمُوت فَالْتَفت إِلَى الْأَنْبِيَاء فَقَالَ {إِنِّي آمَنت بربكم فاسمعون} أَي فَاشْهَدُوا لي
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {قيل ادخل الْجنَّة} قَالَ: وَجَبت لَهُ الْجنَّة {قَالَ يَا لَيْت قومِي يعلمُونَ} قَالَ: هَذَا حِين رأى الثَّوَاب
الْآيَات 28 - 29(7/52)
وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنْزِلِينَ (28) إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ (29)
أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن مَسْعُود فِي قَوْله {وَمَا أنزلنَا على قومه} قَالَ: مَا استعنت عَلَيْهِم جنداً من السَّمَاء وَلَا من الأَرْض
وَأخرج أَبُو عبيد وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن سِيرِين قَالَ: فِي قِرَاءَة ابْن مَسْعُود إِن كَانَت إِلَّا رتقة وَاحِدَة وَفِي قراءتنا {إِن كَانَت إِلَّا صَيْحَة وَاحِدَة}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله {فَإِذا هم خامدون} قَالَ: ميتون
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه بِسَنَد ضَعِيف عَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: السَّبق ثَلَاثَة
فَالسَّابِق إِلَى مُوسَى يُوشَع بن نون وَالسَّابِق إِلَى عِيسَى صَاحب يس
وَالسَّابِق إِلَى مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على بن أبي طَالب
وَأخرج ابْن عَسَاكِر من طَرِيق صَدَقَة الْقرشِي عَن رجل قَالَ: قَالَ رَسُول الله(7/52)
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَبُو بكر الصّديق خير أهل الأَرْض إِلَّا أَن يكون نَبِي وَإِلَّا مُؤمن آل ياسين وَإِلَّا مُؤمن آل فِرْعَوْن
وَأخرج ابْن عدي وَابْن عَسَاكِر: ثَلَاثَة مَا كفرُوا بِاللَّه قطّ
مُؤمن آل ياسين وَعلي بن أبي طَالب وآسية امْرَأَة فِرْعَوْن
وَأخرج البُخَارِيّ فِي تَارِيخه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: الصديقون ثَلَاثَة
حزقيل مُؤمن آل فِرْعَوْن وحبِيب النجار صَاحب آل ياسين وَعلي بن أبي طَالب
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَأَبُو نعيم وَابْن عَسَاكِر والديلمي عَن أبي ليلى قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: الصديقون ثَلَاثَة
حبيب النجار مُؤمن آل ياسين الَّذِي قَالَ {يَا قوم اتبعُوا الْمُرْسلين} وحزقيل مُؤمن آل فِرْعَوْن الَّذِي قَالَ (أَتقْتلونَ رجلا أَن يَقُول رَبِّي الله) (غَافِر الْآيَة 28) وَعلي بن أبي طَالب وَهُوَ أفضلهم
وَأخرج الْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن عُرْوَة قَالَ: قدم عُرْوَة بن مَسْعُود الثَّقَفِيّ على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ اسْتَأْذن ليرْجع إِلَى قومه فَقَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِنَّهُم قاتلوك قَالَ: لَو وَجَدُونِي نَائِما مَا أيقظوني فَرجع إِلَيْهِم فَدَعَاهُمْ إِلَى الإِسلام فعصوه وأسمعوه من الْأَذَى فَلَمَّا طلع الْفجْر قَامَ على غرفَة فَأذن بِالصَّلَاةِ
وَتشهد فَرَمَاهُ رجل من ثَقِيف بِسَهْم فَقتله فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين بلغه قَتله: مثل عُرْوَة
مثل صَاحب يس
دَعَا قومه إِلَى الله فَقَتَلُوهُ)
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه من حَدِيث ابْن شُعْبَة مَوْصُولا
نَحوه
وَأخرج عبد بن حميد وَالطَّبَرَانِيّ عَن مقسم عَن ابْن عَبَّاس
أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعث عُرْوَة بن مَسْعُود إِلَى الطَّائِف إِلَى قومه ثَقِيف فَدَعَاهُمْ إِلَى الإِسلام فَرَمَاهُ رجل بِسَهْم فَقتله فَقَالَ: مَا أشبهه بِصَاحِب (يس)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عَامر الشّعبِيّ قَالَ: شبه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثَلَاثَة نفر من أمته قَالَ دحْيَة الْكَلْبِيّ يشبه جِبْرِيل وَعُرْوَة بن مَسْعُود الثَّقَفِيّ يشبه عِيسَى بن مَرْيَم وَعبد الْعُزَّى يشبه الدَّجَّال)
الْآيَة 30(7/53)
يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (30)
أخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {يَا حسرة على الْعباد} يَقُول: يَا ويلاً للعباد
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن الْأَنْبَارِي فِي الْمَصَاحِف عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ {يَا حسرة على الْعباد}
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد {يَا حسرة على الْعباد} قَالَ: كَانَ حسرة عَلَيْهِم استهزاؤهم بالرسل
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {يَا حسرة على الْعباد} يَا حسرة الْعباد على أَنْفسهَا على مَا ضيعت من أَمر الله وفرطت فِي جنب الله تَعَالَى قَالَ: وَفِي بعض الْقِرَاءَة يَا حسرة الْعباد على أَنْفسهَا مَا يَأْتِيهم من رَسُول
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {يَا حسرة على الْعباد} قَالَ: الندامة على الْعباد الَّذين {وَمَا يَأْتِيهم من رَسُول إِلَّا كَانُوا بِهِ يستهزؤون} يَقُول: الندامة عَلَيْهِم إِلَى يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {يَا حسرة على الْعباد} قَالَ: يَا حسرة لَهُم
وَأخرج أَبُو عبيد وَابْن الْمُنْذر عَن هَارُون قَالَ: فِي حرف أبيّ بن كَعْب يَا حسرة على الْعباد مَا يَأْتِيهم من رَسُول إِلَّا كَانُوا بِهِ يستهزؤن
الْآيَات 31 - 34(7/54)
أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ (31) وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ (32) وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ (33) وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ (34)
أخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله(7/54)
{ألم يرَوا كم أهلكنا قبلهم من الْقُرُون أَنهم إِلَيْهِم لَا يرجعُونَ} قَالَ: عادا وثمودا وقروناً بَين ذَلِك كثيرا {وَإِن كل لما جَمِيع لدينا محضرون} قَالَ: يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق هَارُون عَن الْأَعْرَج وَأبي عَمْرو فِي قَوْله {أَنهم إِلَيْهِم لَا يرجعُونَ} قَالَا: لَيْسَ فِي مُدَّة اخْتِلَاف هَذَا من رُجُوع الدُّنْيَا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن أبي إِسْحَق قَالَ: قيل لِابْنِ عَبَّاس أَن نَاسا يَزْعمُونَ أَن عليا مَبْعُوث قبل يَوْم الْقِيَامَة
فَسكت سَاعَة ثمَّ قَالَ: بئس الْقَوْم نَحن إِن كُنَّا أَنْكَحنَا نِسَاءَهُ واقتسمنا مِيرَاثه أما تقرأون {ألم يرَوا كم أهلكنا قبلهم من الْقُرُون أَنهم إِلَيْهِم لَا يرجعُونَ}
آيَة 35(7/55)
لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلَا يَشْكُرُونَ (35)
أخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَرَأَ {وَمَا عملته أَيْديهم} قَالَ: وجدوه مَعْمُولا لم تعمله أَيْديهم
يَعْنِي الْفُرَات ودجلة ونهر بَلخ وأشباهها {أَفلا يشكرون} لهَذَا
وَالله أعلم
آيَة 36(7/55)
سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ (36)
أخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله {سُبْحَانَ الَّذِي خلق الْأزْوَاج كلهَا} قَالَ: الْأَصْنَاف كلهَا
الْمَلَائِكَة زوج والإِنس زوج وَالْجِنّ زوج وَمَا تنْبت الأَرْض زوج وكل صنف من الطير زوج ثمَّ فسر فَقَالَ {مِمَّا تنْبت الأَرْض وَمن أنفسهم وَمِمَّا لَا يعلمُونَ} الرّوح لَا يُعلمهُ الْمَلَائِكَة وَلَا خلق الله وَلم يطلع على الرّوح أحد وَقَوله {وَمِمَّا لَا يعلمُونَ} لَا يعلم الْمَلَائِكَة وَلَا غَيرهَا
آيَة 37(7/55)
وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ (37)
أخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَآيَة لَهُم اللَّيْل نسلخ مِنْهُ النَّهَار} قَالَ: يخرج أَحدهمَا من الآخر(7/55)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَآيَة لَهُم اللَّيْل نسلخ مِنْهُ النَّهَار} قَالَ: كَقَوْلِه (يولج اللَّيْل فِي النَّهَار ويولج النَّهَار فِي اللَّيْل) (الْحَج الْآيَة 61)
آيَة 38(7/56)
وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (38)
أخرج عبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن أبي ذَر قَالَ: كنت مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْمَسْجِد عِنْد غرُوب الشَّمْس فَقَالَ: يَا أَبَا ذَر أَتَدْرِي أَيْن تغرب الشَّمْس قلت: الله وَرَسُوله أعلم قَالَ: فَإِنَّهَا تذْهب حَتَّى تسْجد تَحت الْعَرْش فَذَلِك قَوْله {وَالشَّمْس تجْرِي لمستقر لَهَا} قَالَ: مستقرها تَحت الْعَرْش
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَأحمد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي ذَر قَالَ: سَأَلت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن قَوْله {وَالشَّمْس تجْرِي لمستقر لَهَا} قَالَ: مستقرها تَحت الْعَرْش
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَأحمد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي ذَر قَالَ: دخلت الْمَسْجِد حِين غَابَتْ الشَّمْس وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جَالس فَقَالَ يَا أَبَا ذَر أَتَدْرِي أَيْن تذْهب هَذِه قلت: الله وَرَسُوله أعلم قَالَ: فَإِنَّهَا تذْهب حَتَّى تسْجد بَين يَدي رَبهَا فَتَسْتَأْذِن فِي الرُّجُوع فَيَأْذَن لَهَا وَكَأَنَّهَا قيل لَهَا اطلعِي من حَيْثُ جِئْت فَتَطلع من مغْرِبهَا ثمَّ قَرَأَ وَذَلِكَ مستقرٍ لَهَا قَالَ: وَذَلِكَ قِرَاءَة عبد الله
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن عبد الله بن عمر فِي الْآيَة قَالَ {لمستقر لَهَا} أَن تطلع فتردها ذنُوب بني آدم فَإِذا غربت سلمت وسجدت واستأذنت فَيُؤذن لَهَا حَتَّى إِذا غربت سلمت فَلَا يُؤذن لَهَا فَتَقول: إِن السّير بعيد وَإِنِّي لم يُؤذن لي لَا أبلغ فتحبس مَا شَاءَ الله أَن تحبس ثمَّ يُقَال اطلعِي من حَيْثُ غربت
قَالَ: فَمن يومئذٍ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة (لَا ينفع نفسا إيمَانهَا) (الْأَنْعَام 158)
وَأخرج أَبُو عبيد فِي فضائله وَابْن الْأَنْبَارِي فِي الْمَصَاحِف وَأحمد عَن ابْن عَبَّاس أَنه كَانَ يقْرَأ وَالشَّمْس تجْرِي لمستقرٍ لَهَا(7/56)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن ابْن عَمْرو قَالَ: لَو أَن الشَّمْس تجْرِي مجْرى وَاحِدًا من أهل الأَرْض فيخشى مِنْهَا وَلكنهَا تحلق فِي الصَّيف وتعترض فِي الشتَاء فَلَو أَنَّهَا طلعت مطْلعهَا فِي الشتَاء فِي الصَّيف لأنضجهم الْحر
وَلَو أَنَّهَا طلعت فِي الصَّيف لقطعهم الْبرد
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي رَاشد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَالشَّمْس تجْرِي لمستقر لَهَا} قَالَ: مَوضِع سجودها
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن الْأَنْبَارِي فِي الْمَصَاحِف عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَالشَّمْس تجْرِي لمستقر لَهَا} قَالَ: لوَقْتهَا ولأجلٍ لَا تعدوه
آيَة 39(7/57)
وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ (39)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَالْقَمَر قدرناه منَازِل} الْآيَة
قَالَ: قدره الله منَازِل فَجعل ينقص حَتَّى كَانَ مثل عذق النَّخْلَة فشبهه بذلك
وَأخرج الْخَطِيب فِي كتب النُّجُوم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وَالْقَمَر قدرناه منَازِل حَتَّى عَاد كالعرجون الْقَدِيم} قَالَ: فِي ثَمَانِيَة وَعشْرين منزلا ينزلها الْقَمَر فِي شهر
أَرْبَعَة عشر مِنْهَا شامية وَأَرْبَعَة عشر مِنْهَا يَمَانِية
فأولها السرطين والبطين والثريا والدبران والهقعة والهنعة والذراع والنثرة والطرف والجبهة والزبرة والصرفة والعواء والسماك
وَهُوَ آخر الشامية وَالْعَقْرَب والزبابين والاكليل وَالْقلب والشولة والنعائم والبلدة وَسعد الذَّابِح وَسعد بلع وَسعد السُّعُود وَسعد الأخبية ومقدم الدَّلْو ومؤخر الدَّلْو والحوت وَهُوَ آخر اليمانية
فَإِذا سَار هَذِه الثَّمَانِية وَالْعِشْرين منزلا {عَاد كالعرجون الْقَدِيم} كَمَا كَانَ فِي أول الشَّهْر
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {كالعرجون الْقَدِيم} يَعْنِي أصل العذق الْقَدِيم(7/57)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {كالعرجون الْقَدِيم} قَالَ: عرجون النّخل الْيَابِس
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {كالعرجون الْقَدِيم} قَالَ: هُوَ عذق النَّخْلَة الْيَابِس المنحني
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {كالعرجون الْقَدِيم} قَالَ: كعذق النَّخْلَة إِذا قدم فَانْحنى
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الْحسن بن الْوَلِيد قَالَ: أعتق رجل كل غُلَام لَهُ عَتيق قديم فَسئلَ يَعْقُوب فَقَالَ: من كَانَ لسنة فَهُوَ حر
قَالَ الله {حَتَّى عَاد كالعرجون الْقَدِيم} وَكَانَ لسنة
آيَة 40(7/58)
لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (40)
أخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {لَا الشَّمْس يَنْبَغِي لَهَا أَن تدْرك الْقَمَر} قَالَ: لَا يشبه ضوء أَحدهمَا ضوء الآخر وَلَا يَنْبَغِي لَهما ذَلِك
وَذَلِكَ {وَلَا اللَّيْل سَابق النَّهَار} قَالَ: يتطالبان حثيثين يسلخ أَحدهمَا من الآخر
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {لَا الشَّمْس يَنْبَغِي لَهَا أَن تدْرك الْقَمَر وَلَا اللَّيْل سَابق النَّهَار} قَالَ: لكل حد وَعلم لَا يعدوه وَلَا يقصر دونه إِذا جَاءَ سُلْطَان هَذَا ذهب سُلْطَان هَذَا وَإِذا جَاءَ سُلْطَان هَذَا ذهب سُلْطَان هَذَا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {لَا الشَّمْس يَنْبَغِي لَهَا أَن تدْرك الْقَمَر} قَالَ: ذَاك لَيْلَة الْهلَال
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن] [فِي قَوْله {لَا الشَّمْس يَنْبَغِي لَهَا أَن تدْرك الْقَمَر وَلَا اللَّيْل سَابق النَّهَار} قَالَ: لكل وَاحِد مِنْهُمَا سُلْطَان
للقمر سُلْطَان بِاللَّيْلِ
وللشمس سُلْطَان بِالنَّهَارِ فَلَا يَنْبَغِي للشمس أَن تطلع بِاللَّيْلِ
وَقَوله(7/58)
{وَلَا اللَّيْل سَابق النَّهَار} يَقُول: لَا يَنْبَغِي إِذا كَانَ ليل أَن يكون ليل آخر حَتَّى يكون النَّهَار
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَلَا اللَّيْل سَابق النَّهَار} قَالَ: لَا يذهب اللَّيْل من هَهُنَا حَتَّى يَجِيء النَّهَار من هَهُنَا وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى الْمشرق
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَلَا اللَّيْل سَابق النَّهَار} قَالَ: فِي قَضَاء الله وَعلمه أَن لَا يفوت اللَّيْل النَّهَار حَتَّى يُدْرِكهُ فتذهب ظلمته
وَفِي قَضَاء الله وَعلمه أَن لَا يفوت النَّهَار اللَّيْل حَتَّى يُدْرِكهُ فَيذْهب بضوئه
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن أبي صَالح رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {لَا الشَّمْس يَنْبَغِي لَهَا أَن تدْرك الْقَمَر وَلَا اللَّيْل سَابق النَّهَار} قَالَ: لَا يدْرك هَذَا ضوء هَذَا وَلَا هَذَا ضوء هَذَا
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ فِي الْآيَة قَالَ: لَا يسْبق هَذَا ضوء هَذَا وَلَا هَذَا ضوء هَذَا
وَأخرج عبد بن حميد عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ فِي الْآيَة قَالَ: لَا يَعْلُو هَذَا ضوء هَذَا وَلَا هَذَا على هَذَا
الْآيَات 41 - 48(7/59)
وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (41) وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ (42) وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلَا صَرِيخَ لَهُمْ وَلَا هُمْ يُنْقَذُونَ (43) إِلَّا رَحْمَةً مِنَّا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ (44) وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (45) وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ (46) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (47) وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (48)
أخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي مَالك رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَآيَة لَهُم أَنا حملنَا ذُرِّيتهمْ فِي الْفلك المشحون} قَالَ: سفينة نوح عَلَيْهِ السَّلَام حمل فِيهَا من كل زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ {وخلقنا لَهُم من مثله مَا يركبون} قَالَ: السفن الَّتِي فِي البحور والأنهار الَّتِي يركب النَّاس فِيهَا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن أبي صَالح فِي قَوْله {حملنَا ذُرِّيتهمْ فِي الْفلك المشحون} قَالَ: سفينة نوح {وخلقنا لَهُم من مثله مَا يركبون} قَالَ: هَذِه السفن مثل خشبها وصنعتها
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ {وخلقنا لَهُم من مثله مَا يركبون} قَالَ: هِيَ السفن جعلت من بعد سفينة نوح على مثلهَا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {وخلقنا لَهُم من مثله مَا يركبون} قَالَ: يَعْنِي السفن الصغار وَقَالَ: الْحسن رَضِي الله عَنهُ: هِيَ الإِبل
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وخلقنا لَهُم من مثله مَا يركبون} يَعْنِي الإِبل خلقهَا الله تَعَالَى كَمَا رَأَيْت فَهِيَ سفن الْبر يحملون عَلَيْهَا ويركبونها
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن عبد الله بن شَدَّاد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وخلقنا لَهُم من مثله مَا يركبون} قَالَا: الإِبل
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وخلقنا لَهُم من مثله مَا يركبون} قَالَ: الْأَنْعَام
وَفِي قَوْله {وَإِن نَشأ نغرقهم فَلَا صريخ لَهُم} لَا مغيث لَهُم يستغيثون بِهِ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {فَلَا صريخ لَهُم} قَالَ: لَا مغيث لَهُم وَفِي قَوْله {ومتاعاً إِلَى حِين} قَالَ: إِلَى الْمَوْت
وَفِي قَوْله {وَإِذا قيل لَهُم اتَّقوا مَا بَين أَيْدِيكُم} قَالَ: من الوقائع الَّتِي قد خلت فِيمَن كَانَ قبلكُمْ والعقوبات الَّتِي أَصَابَت عادا وثموداً والأمم {وَمَا خلفكم} قَالَ: من أَمر السَّاعَة
وَفِي قَوْله {وَإِذا قيل لَهُم أَنْفقُوا من مَا رزقكم الله}
قَالَ: نزلت فِي الزَّنَادِقَة كَانُوا لَا يطْعمُون فَقِيرا فعاب الله ذَلِك عَلَيْهِ وعيّرهم(7/60)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَإِذا قيل لَهُم اتَّقوا مَا بَين أَيْدِيكُم وَمَا خلفكم} قَالَ مَا مضى وَمَا بَقِي من الذُّنُوب
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {أنطعم من لَو يَشَاء الله أطْعمهُ} قَالَ: الْيَهُود تَقوله
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن إِسْمَعِيل عَن أبي خَالِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {أنطعم من لَو يَشَاء الله أطْعمهُ} قَالَ: يهود تَقوله
الْآيَات 49 - 50(7/61)
مَا يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ (49) فَلَا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلَا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ (50)
أخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {مَا ينظرُونَ إِلَّا صَيْحَة وَاحِدَة تأخذهم وهم يخصمون} قَالَ: ذكر لنا أَن نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَقُول: تهيج السَّاعَة النَّاس وَالرجل يسْقِي مَاشِيَته وَالرجل يصلح حَوْضه وَالرجل يُقيم سلْعَته فِي سوقه وَالرجل يخْفض مِيزَانه وَيَرْفَعهُ فتهيج بهم وهم كَذَلِك {فَلَا يَسْتَطِيعُونَ توصية وَلَا إِلَى أهلهم يرجعُونَ} قَالَ: اعجلوا عَن ذَلِك
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {مَا ينظرُونَ إِلَّا صَيْحَة وَاحِدَة تأخذهم وهم يخصمون} قَالَ: هَذَا مُبْتَدأ يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وهم يخصمون} قَالَ: يَتَكَلَّمُونَ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عمر قَالَ: لينفخن فِي الصُّور وَالنَّاس فِي طرقهم وأسواقهم ومجالسهم حَتَّى أَن الثَّوْب ليَكُون بَين الرجلَيْن يتساومان فَمَا يُرْسِلهُ أَحدهمَا من يَده حَتَّى ينْفخ فِي الصُّور فيصعق بِهِ وَهِي الَّتِي قَالَ الله {مَا ينظرُونَ إِلَّا صَيْحَة وَاحِدَة تأخذهم وهم يخصمون فَلَا يَسْتَطِيعُونَ توصية وَلَا إِلَى أهلهم يرجعُونَ}(7/61)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالْفِرْيَابِي وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ فِي هَذِه الْآيَة قَالَ: تقوم السَّاعَة وَالنَّاس فِي أسواقهم يتبايعون ويذرعون الثِّيَاب ويحلبون اللقَاح وَفِي حوائجهم {فَلَا يَسْتَطِيعُونَ توصية وَلَا إِلَى أهلهم يرجعُونَ}
وَأخرج عبد بن حميد وَعبد الله بن أَحْمد فِي زَوَائِد الزّهْد وَابْن الْمُنْذر عَن الزبير بن العوّام رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِن السَّاعَة تقوم وَالرجل يذرع الثَّوْب وَالرجل يحلب النَّاقة ثمَّ قَرَأَ {فَلَا يَسْتَطِيعُونَ توصيةً}
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لتقومن السَّاعَة وَقد نشر الرّجلَانِ ثوبهما بَينهمَا فَلَا يتبايعانه وَلَا يطويانه
وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَة وَهُوَ يليط حَوْضه فَلَا يسْقِي فِيهِ
وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَة وَقد انْصَرف الرجل بِلَبن لقحته فَلَا يطعمهُ
وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَة وَقد رفع أَكلته إِلَى فَمه فَلَا يطْعمهَا
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {تأخذهم وهم يخصمون} قَالَ: تذرهم فِي أسواقهم وطرقهم {فَلَا يَسْتَطِيعُونَ توصية} قَالَ: لَا يُوصي بَعضهم إِلَى بعض
وَالله أعلم
الْآيَات 51 - 54(7/62)
وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ (51) قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ (52) إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ (53) فَالْيَوْمَ لَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَلَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (54)
أخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَنفخ فِي الصُّور فَإِذا هم من الأجداث} قَالَ: النفخة الْأَخِيرَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا(7/62)
{فَإِذا هم من الأجداث} يَعْنِي من الْقُبُور {إِلَى رَبهم يَنْسلونَ} قَالَ: يخرجُون
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ
مثله
وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَن نَافِع بن الْأَزْرَق سَأَلَهُ عَن قَوْله {من الأجداث} قَالَ: الْقُبُور قَالَ: هَل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم
أما سَمِعت قَول عبد الله بن رَوَاحَة: حينا يَقُولُونَ اذ مروا على جدثي أرشده يَا رب من غاز وَقد رشدا قَالَ أَخْبرنِي عَن قَوْله {إِلَى رَبهم يَنْسلونَ} قَالَ: النَّسْل الْمَشْي الخبب قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم
أما سَمِعت نَابِغَة بن جعدة وَهُوَ يَقُول: عملان الذَّنب أَمْشِي فاريا يرد اللَّيْل عَلَيْهِ فنسل وَأخرج ابْن الْأَنْبَارِي فِي الْمَصَاحِف عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ أَنه قَرَأَ {يَا ويلنا من بعثنَا من مرقدنا}
وَأخرج ابْن الْأَنْبَارِي عَن أُبيّ بن كَعْب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: ينامون نومَة قبل الْبَعْث فيجدون لذَلِك رَاحَة فَيَقُولُونَ {يَا ويلنا من بعثنَا من مرقدنا}
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن أبيّ بن كَعْب رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {من بعثنَا من مرقدنا} قَالَ: ينامون قبل الْبَعْث نومَة
وَأخرج هناد فِي الزّهْد وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن الْأَنْبَارِي عَن مُجَاهِد قَالَ: للْكَافِرِ هجعة يَجدونَ فِيهَا طعم النّوم قبل يَوْم الْقِيَامَة فَإِذا صِيحَ بِأَهْل الْقُبُور يَقُول الْكَافِر {يَا ويلنا من بعثنَا من مرقدنا} فَيَقُول الْمُؤمن إِلَى جنبه {هَذَا مَا وعد الرَّحْمَن وَصدق المُرْسَلُونَ}
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى قَالَ: يَقُول الْمُشْركُونَ {يَا ويلنا من بعثنَا من مرقدنا} فَيَقُول الْمُؤمن {هَذَا مَا وعد الرَّحْمَن وَصدق المُرْسَلُونَ}
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {يَا ويلنا من بعثنَا من مرقدنا} قَالَ: أَولهَا للْكفَّار وَآخِرهَا للْمُسلمين
قَالَ الْكفَّار {يَا ويلنا من بعثنَا من مرقدنا} وَقَالَ الْمُسلمُونَ {هَذَا مَا وعد الرَّحْمَن وَصدق المُرْسَلُونَ}(7/63)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر عَن أبي صَالح رَضِي الله عَنهُ فِي الْآيَة قَالَ: كَانُوا يرَوْنَ أَن الْعَذَاب يُخَفف عَنْهُم مَا بَين النفختين فَلَمَّا كَانَت النفخة الثَّانِيَة قَالُوا
{يَا ويلنا من بعثنَا من مرقدنا}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم رَضِي الله عَنهُ فِي الْآيَة قَالَ: ينامون قبل الْبَعْث نومَة فَإِذا بعثوا قَالَ الْكفَّار {يَا ويلنا من بعثنَا من مرقدنا} قَالَ: فتجيبهم الْمَلَائِكَة {هَذَا مَا وعد الرَّحْمَن وَصدق المُرْسَلُونَ}
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فَإِذا هم جَمِيع لدينا محضرون} قَالَ: عِنْد الْحساب
الْآيَات 55 - 56(7/64)
إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ (55) هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ (56)
أخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {إِن أَصْحَاب الْجنَّة الْيَوْم فِي شغل فاكهون} قَالَ: يعْجبُونَ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {إِن أَصْحَاب الْجنَّة الْيَوْم فِي شغل فاكهون} قَالَ: شغلهمْ النَّعيم عَمَّا فِيهِ أهل النَّار من الْعَذَاب
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي صفة الْجنَّة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه من طرق عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {فِي شغل فاكهون} قَالَ: فِي افتضاض الْأَبْكَار
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي الدُّنْيَا وَعبد الله بن أَحْمد فِي زَوَائِد الزّهْد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {إِن أَصْحَاب الْجنَّة الْيَوْم فِي شغل فاكهون} قَالَ: شغلهمْ افتضاض العذارى
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة وَقَتَادَة
مثله
وَأخرج عبد الله بن أَحْمد فِي زَوَائِد الزّهْد عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: إِن(7/64)
الْمُؤمن كلما أَرَادَ زَوْجَة وجدهَا عذراء
وَأخرج الْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ فِي الصَّغِير وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أهل الْجنَّة إِذا جامعوا نِسَاءَهُمْ عَادوا أَبْكَارًا
وَأخرج الْمَقْدِسِي فِي صفة الْجنَّة عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّه سُئِلَ أنطؤ فِي الْجنَّة قَالَ: نعم
وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ دحماً دحماً فَإِذا قَامَ عَنْهَا رجعت مطهرة بكرا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فِي شغل فاكهون} قَالَ: ضرب الأوتار قَالَ أَبُو حَاتِم: هَذَا خطأ من السّمع إِنَّمَا هُوَ افتضاض الْأَبْكَار
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وأزواجهم} قَالَ: حلائلهم
الْآيَة 57(7/65)
لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ (57)
أخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي صفة الْجنَّة بِسَنَد جيد عَن أبي أُمَامَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِن الرجل من أهل الْجنَّة ليشتهي الشَّرَاب من شراب الْجنَّة فَيَجِيء إِلَيْهِ الابريق فَيَقَع فِي يَده فيشرب فَيَعُود إِلَى مَكَانَهُ
الْآيَة 58(7/65)
سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ (58)
أخرج ابْن ماجة وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي صفة الْجنَّة وَالْبَزَّار وَابْن أبي حَاتِم والآجري فِي الرُّؤْيَة وَابْن مرْدَوَيْه عَن جَابر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: بَينا أهل الْجنَّة فِي نعيمهم إِذْ سَطَعَ لَهُم نور فَرفعُوا رؤوسهم فَإِذا الرب قد أشرف عَلَيْهِم من فَوْقهم فَقَالَ السَّلَام عَلَيْكُم يَا أهل الْجنَّة
وَذَلِكَ قَول الله {سَلام قولا من رب رَحِيم}(7/65)
قَالَ: فَينْظر إِلَيْهِم وَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ فَلَا يلتفتوا إِلَى شَيْء من النَّعيم مَا داموا ينظرُونَ إِلَيْهِ حَتَّى يحتجب عَنْهُم وَيبقى نوره وبركته عَلَيْهِم فِي دِيَارهمْ
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {سَلام قولا من رب رَحِيم} قَالَ: فَإِن الله هُوَ يسلم عَلَيْهِم
وَأخرج ابْن جرير عَن الْبَراء رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {سَلام قولا من رب رَحِيم} قَالَ: يسلم عَلَيْهِم عِنْد الْمَوْت
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو نصر السجْزِي فِي الإِبانة عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {سَلام قولا من رب رَحِيم} قَالَ: يَأْتِيهم تبَارك وَتَعَالَى فِي درجاتهم فَيسلم عَلَيْهِم فيردون عَلَيْهِ السَّلَام فَيَقُول سلوني فَيَقُولُونَ: مَا نَسْأَلك وَعزَّتك وجلالك لَو أَنَّك قسمت علينا رزق الثقلَيْن الْجِنّ والانس لأطعمناهم ولأسقيناهم ولألبسناهم ولأخدمناهم وَلَا ينقصنا ذَلِك شَيْئا
فَيَقُول: إِن لدي مزيداً فَيَقُول ذَلِك بِأَهْل كل دَرَجَة حَتَّى يَنْتَهِي ثمَّ يَأْتِيهم التحف من الله تحمله إِلَيْهِم الْمَلَائِكَة
الْآيَة 59(7/66)
وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ (59)
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة جمع الله النَّاس على تل رفيع ثمَّ نَادَى مُنَاد: امتازوا الْيَوْم أَيهَا المجرمون
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن رواد بن الْجراح رَضِي الله عَنهُ فِي الْآيَة قَالَ: إِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة نَادَى مُنَاد: أَن ميزوا الْمُسلمين من الْمُجْرمين إِلَّا صَاحب الْأَهْوَاء
يَعْنِي يتْرك صَاحب الْهوى مَعَ الْمُجْرمين
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مَيْمُون رَضِي الله عَنهُ أَنه قَرَأَ هَذِه الْآيَة {وامتازوا الْيَوْم أَيهَا المجرمون} فرق وَبكى وَقَالَ: مَا سمع النَّاس قطّ بنعت أَشد مِنْهُ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وامتازوا الْيَوْم أَيهَا المجرمون} قَالَ: عزلوا عَن كل خير(7/66)
الْآيَات 60 - 64(7/67)
أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (60) وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (61) وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ (62) هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (63) اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (64)
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {ألم أَعهد إِلَيْكُم} يَقُول: ألم أنهكم
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن مَكْحُول رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {أَن لَا تعبدوا الشَّيْطَان} قَالَ: إِنَّمَا عِبَادَته طَاعَته
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {جبلا كثيرا} قَالَ: خلقا كثيرا
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم رَضِي الله عَنهُ أَنه قَرَأَ جبلا كثيرا بِكَسْر الْجِيم مثقلة اللَّام أفلم يَكُونُوا يعْقلُونَ بِالْيَاءِ
وَأخرج عبد بن حميد عَن هُذَيْل رَضِي الله عَنهُ أَنه قَرَأَ جبلا كثيرا) مُخَفّفَة
وَأخرج الْحَاكِم عَن أبي هُرَيْرَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَرَأَ وَلَقَد أضلّ مِنْكُم جبلا مُخَفّفَة
الْآيَة 65(7/67)
الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (65)
أخرج أَحْمد وَمُسلم وَالنَّسَائِيّ وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي التَّوْبَة وَاللَّفْظ لَهُ وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن أنس رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {الْيَوْم نختم على أَفْوَاههم} قَالَ كُنَّا عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَضَحِك حَتَّى بَدَت نَوَاجِذه قَالَ: أَتَدْرُونَ مِمَّن ضحِكت قُلْنَا: لَا يَا رَسُول الله قَالَ: من مُخَاطبَة العَبْد ربه فَيَقُول: يَا رب ألم(7/67)
تُجِرْنِي من الظُّلم فَيَقُول: بلَى
فَيَقُول: إِنِّي لَا أُجِيز عليَّ إِلَّا شَاهدا مني فَيَقُول: كفى بِنَفْسِك عَلَيْك شَهِيدا وَبِالْكِرَامِ الْكَاتِبين شُهُودًا فيختم على فِيهِ وَيُقَال لِأَرْكَانِهِ: انْطِقِي فَتَنْطِق بِأَعْمَالِهِ ثمَّ يخلى بَينه وَبَين الْكَلَام فَيَقُول بعدا لَكِن وَسُحْقًا فَعَنْكُنَّ كنت أُنَاضِل
وَأخرج مُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي سعيد وَأبي هُرَيْرَة قَالَا: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يلقى العَبْد ربه فَيَقُول الله: أَي قل ألم أكرمك وأسودك وأزوجك وأسخر لَك الْخَيل والابل وأذرك ترأس وتربع فَيَقُول: بلَى أَي رب فَيَقُول: أفطنت أَنَّك ملاقي فَيَقُول: لَا
فَيَقُول: فَإِنِّي أنساك كَمَا نسيتني
ثمَّ يلقى الثَّانِي فَيَقُول: مثل ذَلِك
ثمَّ يلقى الثَّالِث فَيَقُول لَهُ: مثل ذَلِك فَيَقُول: آمَنت بك وبكتابك وبرسولك وَصليت وَصمت وتصدقت ويثني بِخَير مَا اسْتَطَاعَ فَيَقُول: أَلا نبعث شاهدنا عَلَيْك فيفكر فِي نَفسه من الَّذِي يشْهد عليَّ فيختم على فِيهِ وَيُقَال لفخذه: انْطِقِي
فَتَنْطِق فَخذه ولحمه وعظامه
بِعَمَلِهِ مَا كَانَ ذَلِك يعْذر من نَفسه وَذَلِكَ بسخط الله عَلَيْهِ
وَأخرج أَحْمد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن عقبَة بن عَامر رَضِي الله عَنهُ
أَنه سمع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: إِن أول عظم من الإِنسان يتَكَلَّم يَوْم يخْتم على الأفواه
فَخذه من الرجل الشمَال
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: يدعى الْمُؤمن لِلْحسابِ يَوْم الْقِيَامَة فَيعرض عَلَيْهِ ربه عمله فِيمَا بَينه وَبَينه ليعترف فَيَقُول: أَي رب عملت
عملت عملت فَيغْفر الله لَهُ ذنُوبه ويستره مِنْهَا قَالَ: فَمَا على الأَرْض خَلِيقَة يرى من تِلْكَ الذُّنُوب شَيْئا وتبدو حَسَنَاته فودَّ أَن النَّاس كلهم يرونها
ويدعى الْكَافِر وَالْمُنَافِق لِلْحسابِ فَيعرض ربه عَلَيْهِ عمله فيجحد وَيَقُول: أَي رب وَعزَّتك لقد كتب عليّ هَذَا الْملك مَا لم أعمل فَيَقُول لَهُ الْملك: أما عملت كَذَا فِي يَوْم كَذَا فِي مَكَان كَذَا فَيَقُول: لَا وَعزَّتك
أَي رب مَا عملته فَإِذا فعل ذَلِك ختم على فِيهِ فَأَنِّي أَحسب أول مَا ينْطق مِنْهُ لفخذه الْيُمْنَى ثمَّ تَلا {الْيَوْم نختم على أَفْوَاههم}
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن بسرة وَكَانَت(7/68)
من الْمُهَاجِرَات قَالَت: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (عليكن بالتسبيح والتهليل وَالتَّقْدِيس وَلَا تغفلن واعقدن بالأنامل فَإِنَّهُنَّ مسؤولات ومستنطقات)
وَأخرج ابْن جرير عَن الشّعبِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: يُقَال للرجل يَوْم الْقِيَامَة: عملت كَذَا وَكَذَا
فَيَقُول: مَا عملته
فيختم على فِيهِ وتنطق جوارحه فَيَقُول لجوارحه: أبعدكن الله مَا خَاصَمت إِلَّا فيكُن
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن أَسمَاء بن عبيد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: يُؤْتى بِابْن آدم يَوْم الْقِيَامَة وَمَعَهُ جبل من صحف لكل سَاعَة صحيفَة فَيَقُول الْفَاجِر: وَعزَّتك لقد كتبُوا عليّ مَا لم أعمل فَعِنْدَ ذَلِك يخْتم على أَفْوَاههم وَيُؤذن لجوارحهم فِي الْكَلَام فَيكون أول مَا يتَكَلَّم من جوارح ابْن آدم فَخذه الْيُسْرَى
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {نختم على أَفْوَاههم} قَالَ: فَلَا يَتَكَلَّمُونَ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي الْآيَة قَالَ: كَانَت خصومات وَكَلَام وَكَانَ هَذَا آخِره أَن ختم على أَفْوَاههم
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ فِي الْآيَة قَالَ: أول مَا ينْطق من الإِنسان فَخذه الْيُمْنَى
الْآيَات 66 - 67(7/69)
وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ (66) وَلَوْ نَشَاءُ لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَى مَكَانَتِهِمْ فَمَا اسْتَطَاعُوا مُضِيًّا وَلَا يَرْجِعُونَ (67)
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وَلَو نشَاء لطمسنا على أَعينهم} قَالَ: أعميناهم وأضللناهم عَن الْهَدْي {فأنّى يبصرون} فَكيف يَهْتَدُونَ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فاستبقوا الصِّرَاط} قَالَ: الطَّرِيق {فأنّى يبصرون} وَقد طمسنا على أَعينهم(7/69)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وَلَو نشَاء لمسخناهم} قَالَ: أهلكناهم {على مكانتهم} قَالَ: فِي مساكنهم
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي صَالح رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَلَو نشَاء لمسخناهم} يَقُول: لجعلناهم حِجَارَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن فِي قَوْله {وَلَو نشَاء لطمسنا}
قَالَ: لَو شَاءَ الله لتركهم عميا يَتَرَدَّدُونَ {وَلَو نشَاء لمسخناهم على مكانتهم} قَالَ: لَو نشَاء لجعلناهم كسحاً لَا يقومُونَ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة فِي قَوْله {فَمَا اسْتَطَاعُوا مضياً وَلَا يرجعُونَ} قَالَ: فَلم يستطيعوا أَن يتقدموا وَلَا يتأخروا
الْآيَة 68(7/70)
وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلَا يَعْقِلُونَ (68)
أخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَمن نعمره ننكسه فِي الْخلق} قَالَ: هُوَ الْهَرم
يتَغَيَّر سَمعه وبصره وقوته كَمَا رَأَيْت
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَمن نعمره ننكسه فِي الْخلق} قَالَ: نرده إِلَى أرذل الْعُمر
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن سُفْيَان فِي قَوْله {وَمن نعمره ننكسه} قَالَ: ثَمَانِينَ سنة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَمن نعمره} يَقُول: من نمد لَهُ فِي الْعُمر {ننكسه فِي الْخلق} كَيْلا يعلم من بعد علمٍ شَيْئا {الْحَج} يَعْنِي الْهَرم
الْآيَات 69 - 70(7/71)
وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ (69) لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ (70)
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَمَا علمناه الشّعْر} قَالَ: مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَمَا علمناه الشّعْر وَمَا يَنْبَغِي لَهُ} قَالَ: مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عصمه الله من ذَلِك {إِن هُوَ إِلَّا ذكر} قَالَ: هَذَا الْقُرْآن {لينذر من كَانَ حَيا} قَالَ: حَيّ الْقلب حَيّ الْبَصَر {ويحق القَوْل على الْكَافرين} باعمالهم أَعمال السوء
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: بَلغنِي أَنه قيل لعَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا هَل كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يتَمَثَّل بِشَيْء من الشّعْر قَالَت: كَانَ أبْغض الحَدِيث إِلَيْهِ غير أَنه كَانَ يتَمَثَّل بِبَيْت أخي بني قيس يَجْعَل أَخّرهُ أَوله وأوله آخِره وَيَقُول: ويأتيك من لم تزوّد بالأخبار فَقَالَ لَهُ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ: لَيْسَ هَكَذَا فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِنِّي وَالله مَا أَنا بشاعر وَلَا يَنْبَغِي لي
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا استراب الْخَبَر تمثل بِبَيْت طرفه: ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يتَمَثَّل من الاشعار: ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد وَأخرج ابْن سعد وَابْن أبي حَاتِم والمرزباني فِي مُعْجم الشُّعَرَاء عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ
أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يتَمَثَّل بِهَذَا الْبَيْت: كفى بِالْإِسْلَامِ والشيب للمرء ناهياً فَقَالَ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ: أشهد أَنَّك رَسُول الله مَا علمك الشّعْر وَمَا يَنْبَغِي لَك
وَأخرج ابْن سعد عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي الزِّنَاد رَضِي الله عَنهُ
أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ للْعَبَّاس بن مرداس: أَرَأَيْت قَوْلك:(7/71)
أصبح نَهْبي وَنهب العبيد بَين الْأَقْرَع وعيينة
فَقَالَ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ: بِأبي أَنْت وَأمي يَا رَسُول الله مَا أَنْت بشاعر وَلَا راوية وَلَا يَنْبَغِي لَك
إِنَّمَا قَالَ: بَين عُيَيْنَة والاقرع
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه بِسَنَد فِيهِ من يجهل حَاله عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: مَا جمع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَيت شعر قطّ إِلَّا بَيْتا وَاحِدًا: يُقَال بِمَا نهوى يكن فلقا يُقَال لشَيْء كَانَ إِلَّا يُحَقّق قَالَت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا: فَقل تحققاً لِئَلَّا يعربه فَيصير شعرًا
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَالطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَمْرو رَضِي الله عَنهُ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: مَا أُبَالِي مَا أتيت إِن أَنا شربت ترياقاً أَو تعلّقت تَمِيمَة أَو قلت الشّعْر من قبل نَفسِي
وَأخرج ابْن جرير وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الْإِيمَان عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {لينذر من كَانَ حَيا} قَالَ: عَاقِلا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن نَوْفَل بن عقرب قَالَ: سَأَلت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا هَل كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يتسامع عِنْده الشّعْر قَالَت: كَانَ أبْغض الحَدِيث إِلَيْهِ
الْآيَات 71 - 76(7/72)
أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ (71) وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ (72) وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلَا يَشْكُرُونَ (73) وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ (74) لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ (75) فَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ (76)
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {مِمَّا عملت أَيْدِينَا} قَالَ: من صنعتنا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله(7/72)
عَنهُ فِي قَوْله {فهم لَهَا مالكون} قَالَ: ضابطون {وذللناها لَهُم فَمِنْهَا ركوبهم} يركبونها ويسافرون عَلَيْهَا {وَمِنْهَا يَأْكُلُون} لحومها {وَلَهُم فِيهَا مَنَافِع} قَالَ: يلبسُونَ أصوافها {ومشارب} يشربون أَلْبَانهَا {أَفلا يشكرون}
وَأخرج أَبُو عبيد وَابْن الْمُنْذر عَن عُرْوَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ فِي مصحف عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا فَمِنْهَا ركوبتهم
وَأخرج أَبُو عبيد وَابْن الْمُنْذر عَن هَارُون رَضِي الله عَنهُ قَالَ فِي حرف أبيّ بن كَعْب رَضِي الله عَنهُ فَمِنْهَا ركوبتهم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن هَارُون رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قِرَاءَة الْحسن والأعرج وَأبي عَمْرو والعامة {فَمِنْهَا ركوبهم} يَعْنِي ركوبتهم حمولتهم
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَاتَّخذُوا من دون الله آلِهَة} قَالَ: هِيَ الْأَصْنَام
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {لَعَلَّهُم ينْصرُونَ} قَالَ: يمْنَعُونَ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصرهم} قَالَ: لَا تَسْتَطِيع الْآلهَة نَصرهم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصرهم} قَالَ: نصر الْآلهَة وَلَا تَسْتَطِيع الْآلهَة نَصرهم {وهم لَهُم جند محضرون} قَالَ: الْمُشْركُونَ يغضبون للآلهة فِي الدُّنْيَا وَهِي لَا تَسوق إِلَيْهِم خيرا وَلَا تدفع عَنْهُم سوء إِنَّمَا هِيَ أصنام
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وهم لَهُم جند محضرون} قَالَ: هم لَهُم جند فِي الدُّنْيَا وهم {محضرون} فِي النَّار
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن فِي قَوْله {وهم لَهُم جند محضرون} لآلهتهم الَّتِي يعْبدُونَ يدْفَعُونَ عَنْهُم ويمنعونهم(7/73)
الْآيَات 77 - 83(7/74)
أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (77) وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (79) الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ (80) أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ (81) إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (82) فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (83)
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم والاسمعيلي فِي مُعْجَمه وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث والضياء فِي المختارة عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: جَاءَ الْعَاصِ بن وَائِل إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِعظم حَائِل فَفتهُ بِيَدِهِ فَقَالَ يَا مُحَمَّد أَيُحْيِي الله هَذَا بعد مَا أرى قَالَ: نعم
يبْعَث الله هَذَا ثمَّ يُمِيتك ثمَّ يُحْيِيك ثمَّ يدْخلك نَار جَهَنَّم
فَنزلت الْآيَات من آخر يس {أَو لم ير الإِنسان أَنا خلقناه من نُطْفَة فَإِذا هُوَ خصيم مُبين} إِلَى آخر السُّورَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ جَاءَ عبد الله بن أُبيّ وَفِي يَده عظم حَائِل إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَكَسرهُ بِيَدِهِ ثمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّد كَيفَ يَبْعَثهُ الله وَهُوَ رَمِيم فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يبْعَث الله هَذَا ويميتك ثمَّ يدْخلك جَهَنَّم
قَالَ الله {قل يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أول مرّة وَهُوَ بِكُل خلق عليم}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: جَاءَ أُبيّ بن خلف وَفِي يَده عظم حَائِل إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَكَسرهُ بِيَدِهِ ثمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّد كَيفَ يَبْعَثهُ الله وَهُوَ رَمِيم فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يبْعَث الله هَذَا ويميتك ثمَّ يدْخلك جَهَنَّم
قَالَ الله {قل يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أول مرّة وَهُوَ بِكُل خلق عليم}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: جَاءَ أُبيّ بن خلف(7/74)
الجُمَحِي إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِعظم نخر فَقَالَ: أتعدنا يَا مُحَمَّد إِذا بليت عظامنا فَكَانَت رميماً أَن الله باعثنا خلقا جَدِيدا ثمَّ جعل يفت الْعظم ويذره فِي الرّيح فَيَقُول: يَا مُحَمَّد من يحيي هَذَا فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: نعم
يُمِيتك الله ثمَّ يُحْيِيك ويجعلك فِي جَهَنَّم وَنزل على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وَضرب لنا مثلا وَنسي خلقه}
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن أبي مَالك قَالَ: جَاءَ أُبيّ بن خلف بِعظم نخرة فَجعل يفته بَين يَدي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: من يحيي الْعِظَام وَهِي رَمِيم فَأنْزل الله {أَو لم ير الإِنسان أَنا خلقناه من نُطْفَة فَإِذا هُوَ خصيم مُبين} إِلَى قَوْله {وَهُوَ بِكُل شَيْء عليم}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: نزلت هَذِه الْآيَة فِي أبي جهل بن هِشَام جَاءَ بِعظم حَائِل إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فذراه فَقَالَ: من يحيي الْعِظَام وَهِي رَمِيم فَقَالَ الله: يَا مُحَمَّد {قل يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أول مرّة وَهُوَ بِكُل خلق عليم}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَضرب لنا مثلا} قَالَ: أُبيّ بن خلف
جَاءَ بِعظم فَقَالَ: يَا مُحَمَّد أتعدنا انا إِذا متْنا
فَكُنَّا مثل هَذَا الْعظم الْبَالِي فِي يَده فَفتهُ وَقَالَ: من يحيينا إِذا كُنَّا مثل هَذَا وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَضرب لنا مثلا} قَالَ: نزلت فِي أُبيّ بن خلف جَاءَ بِعظم نخر فَجعل يذره فِي الرّيح فَقَالَ: أنّى يحيي الله هَذَا قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: نعم
يحيي الله هَذَا وَيُدْخِلك النَّار
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {أَو لم ير الإِنسان أَنا خلقناه من نُطْفَة} قَالَ: نزلت فِي أُبيّ بن خلف
أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَعَهُ عظم قد دثر فَجعل يفته بَين أَصَابِعه وَيَقُول: يَا مُحَمَّد أَنْت الَّذِي تحدث أَن هَذَا سيحيا بعد مَا قد بلَى
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: نعم
ليميتن الآخر ثمَّ ليحيينه ثمَّ ليدخلنه النَّار(7/75)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: جَاءَ أُبيّ بن خلف إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَفِي يَده عظم حَائِل فَقَالَ: يَا مُحَمَّد أَنِّي يحيي الله هَذَا فَأنْزل الله {وَضرب لنا مثلا وَنسي خلقه} فَقَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: خلقهَا قبل أَن تكون أعجب من إحيائها وَقد كَانَت
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عُرْوَة بن الزبير رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما أنزل الله على رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
إِن النَّاس يحاسبون بأعمالهم ومبعوثون يَوْم الْقِيَامَة أَنْكَرُوا ذَلِك انكاراً شَدِيدا
فَعمد أُبيّ بن خلف إِلَى عظم حَائِل قد نخر فَفتهُ ثمَّ ذراه فِي الرّيح ثمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّد إِذا بليت عظامنا إِنَّا لمبعوثون خلقا جَدِيدا فَوجدَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من استقباله اياه بالتكذيب والأذى فِي وَجهه وجدا شَدِيدا فَأنْزل الله على رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {قل يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أول مرّة}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {الَّذِي جعل لكم من الشّجر الْأَخْضَر نَارا} يَقُول: الَّذِي أخرج هَذِه النَّار من هَذَا الشّجر قَادر على أَن يَبْعَثهُ
وَفِي قَوْله {أَو لَيْسَ الَّذِي خلق السَّمَاوَات وَالْأَرْض بِقَادِر}
قَالَ: هَذَا مثل قَوْله {إِنَّمَا أمره إِذا أَرَادَ شَيْئا أَن يَقُول لَهُ كن فَيكون} قَالَ: لَيْسَ من كَلَام الْعَرَب أَهْون وَلَا أخف من ذَلِك
فَأمر الله كَذَلِك(7/76)
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم (37)
سُورَة الصافات
مَكِّيَّة وآياتها ثِنْتَانِ وَثَمَانُونَ وَمِائَة
مُقَدّمَة سُورَة الصافات أخرج ابْن الضريس والنحاس وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: نزلت سُورَة الصافات بِمَكَّة
وَأخرج النَّسَائِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَأْمُرنَا بِالتَّخْفِيفِ ويؤمنا بالصافات
وَأخرج ابْن أبي دَاوُد فِي فَضَائِل الْقُرْآن وَابْن النجار فِي تَارِيخه عَن نهشل بن سعيد الورداني عَن الضَّحَّاك عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من قَرَأَ يس وَالصَّافَّات يَوْم الْجُمُعَة ثمَّ سَأَلَ الله أعطَاهُ سؤله
وَأخرج أَبُو نعيم فِي الدَّلَائِل والسلفي فِي الطيوريات عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: قدم أهل حَضرمَوْت على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَنو وَلِيعَةَ حَمْزَة ومحرش ومشرح وأبصعة وأختهم العمردة وَفِيهِمْ الْأَشْعَث بن قيس وَهُوَ أَصْغَرهم فَقَالُوا: أَبيت اللَّعْن
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لست ملكا أَنا مُحَمَّد بن عبد الله قَالُوا: نسميك بِاسْمِك قَالَ: لَكِن الله سماني وَأَنا أَبُو الْقَاسِم قَالُوا: يَا أَبَا الْقَاسِم انا قد خبأنا لَك خبيئا فَمَا هُوَ ذَا كَانُوا خبؤا لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جَرَادَة فِي حمية سمن فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: سُبْحَانَ الله
إِنَّمَا يفعل هَذَا بالكاهن وَإِن الكاهن وَالْكهَانَة والتكهن فِي النَّار فَقَالُوا: يَا رَسُول الله كَيفَ نعلم أَنَّك رَسُول الله فَأخذ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كفا من حَصى فَقَالَ: هَذَا يشْهد أَنِّي رَسُول الله
فسبح الْحَصَى فِي يَده قَالُوا: نشْهد أَنَّك رَسُول الله
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَن الله بَعَثَنِي بِالْحَقِّ وَأنزل عَليّ كتابا لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِل من بَين يَدَيْهِ وَلَا من خَلفه تَنْزِيل من حَكِيم حميد أثقل فِي الْمِيزَان من الْجَبَل الْعَظِيم وَفِي اللَّيْلَة الظلماء مثل نور الشهَاب
قَالُوا: فأسمعنا مِنْهُ فَتلا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وَالصَّافَّات صفا} حَتَّى بلغ {وَرب الْمَشَارِق}(7/77)
ثمَّ سكن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَسكن روعه فَمَا يَتَحَرَّك مِنْهُ شَيْء ودموعه تجْرِي على لحيته فَقَالُوا: أَنا نرَاك تبْكي أَفَمَن مَخَافَة من أرسلك تبْكي قَالَ: إِن خَشْيَتِي مِنْهُ أبكتني بَعَثَنِي على صِرَاط مُسْتَقِيم فِي مثل حد السَّيْف إِن زِغْت عَنهُ هَلَكت
ثمَّ تَلا (وَلَئِن شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَينَا إِلَيْك) (الْإِسْرَاء 86) إِلَى آخر الْآيَة
الْآيَات 1 - 5(7/78)
وَالصَّافَّاتِ صَفًّا (1) فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا (2) فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا (3) إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ (4) رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ (5)
أخرج عبد الرَّزَّاق وَالْفِرْيَابِي وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ من طرق عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ {وَالصَّافَّات صفا} قَالَ: الْمَلَائِكَة {فالزاجرات زجرا} قَالَ: الْمَلَائِكَة {فالتاليات ذكرا} قَالَ: الْمَلَائِكَة
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد وَعِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ
مثله
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور عَن مَسْرُوق رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ يُقَال فِي الصافات والمرسلات والنازعات هِيَ الْمَلَائِكَة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وَالصَّافَّات صفا فالزاجرات زجرا} قَالَ: هم الْمَلَائِكَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الرّبيع بن أنس رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فالزاجرات زجرا} قَالَ: مَا زجر الله عَنهُ فِي الْقُرْآن
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي صَالح رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فالتاليات ذكرا} قَالَ: الْمَلَائِكَة يجيؤن بِالْكتاب وَالْقُرْآن من عِنْد الله إِلَى النَّاس
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَالصَّافَّات صفا} قَالَ: الْمَلَائِكَة صُفُوف فِي السَّمَاء {فالزاجرات زجرا} قَالَ: مَا زجر الله عَنهُ فِي الْقُرْآن {فالتاليات ذكرا} قَالَ: مَا يُتْلَى فِي الْقُرْآن من أَخْبَار الْأُمَم السالفة {إِن إِلَهكُم لوَاحِد} قَالَ: وَقع الْقسم على هَذَا(7/78)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَرب الْمَشَارِق} قَالَ: الْمَشَارِق ثَلَاثمِائَة وَسِتُّونَ مشرقاً {والمغارب} ثَلَاثمِائَة وَسِتُّونَ مغرباً فِي السّنة قَالَ والمشرقان مشرق الشتَاء ومشرق الصَّيف والمغربان مغرب الشتَاء ومغرب الصَّيف
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ {الْمَشَارِق} ثَلَاثمِائَة وَسِتُّونَ مشرقاً {والمغارب} مثل ذَلِك تطلع الشَّمْس كل يَوْم من مشرق وتغرب فِي مغرب
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَرب الْمَشَارِق} قَالَ: عدد أَيَّام السّنة كل يَوْم مطلع ومغرب
من آيَة 6 - 10(7/79)
إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ (6) وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ (7) لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ (8) دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ (9) إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ (10)
أخرج عبد بن حميد عَن ابْن مَسْعُود أَنه كَانَ يقْرَأ (بزينة الْكَوَاكِب) منونة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي بكر بن عَيَّاش قَالَ: قَالَ عَاصِم رَضِي الله عَنهُ من قَرَأَهَا بزينة الْكَوَاكِب مُضَافا وَلم ينون فَلم يَجْعَلهَا زِينَة للسماء وَإِنَّمَا جعل الزِّينَة للكواكب
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وحفظا} قَالَ: جعلناها حفظا {من كل شَيْطَان مارد لَا يسمعُونَ إِلَى الْمَلأ الْأَعْلَى} قَالَ: منعُوا بهَا
يَعْنِي بالنجوم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَنه كَانَ يقْرَأ {لَا يسمعُونَ إِلَى الْمَلأ الْأَعْلَى} مُخَفّفَة وَقَالَ: إِنَّهُم كَانُوا يتسمعون وَلَكِن لَا يسمعُونَ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {لَا يسمعُونَ إِلَى الْمَلأ الْأَعْلَى}(7/79)
قَالَ: الْمَلَائِكَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {ويقذفون من كل جَانب} قَالَ: يرْمونَ من كل مَكَان {دحورا} قَالَ: مطر وَدين {وَلَهُم عَذَاب واصب} قَالَ: دَائِم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {ويقذفون من كل جَانب دحوراً} قَالَ: قذفا بِالشُّهُبِ {وَلَهُم عَذَاب واصب} قَالَ: دَائِم
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {عَذَاب واصب} قَالَ: دَائِم
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا
مثله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {إِلَّا من خطف الْخَطفَة} يَقُول: إِلَّا من اسْترق السّمع من أصوات الْمَلَائِكَة {فَأتبعهُ شهَاب} يَعْنِي الْكَوَاكِب
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: إِذا رمي الشهَاب لم يخطء من رمى بِهِ وتلا {فَأتبعهُ شهَاب ثاقب}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {فَأتبعهُ شهَاب ثاقب} قَالَ: إِن الجني يَجِيء فيسترق فَإِذا سرق السّمع فَرمي بالشهاب قَالَ للَّذي يَلِيهِ: كَانَ كَذَا وَكَذَا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن يزِيد الرقاشِي فِي قَوْله {شهَاب ثاقب} قَالَ: يثقب الشَّيْطَان حَتَّى يخرج من الْجَانِب الآخر فَذكر ذَلِك لأبي مجلز رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ: لَيْسَ ذَاك وَلَكِن ثقوبه ضوءه
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {شهَاب ثاقب} قَالَ: ضوءه إِذا نقض فَأصَاب الشَّيْطَان
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد قَالَ {الثاقب} المتوقد
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة وَالْحسن فِي قَوْله {ثاقب} قَالَا: مضيء(7/80)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ {الثاقب} المحرق
الْآيَات 11 - 21(7/81)
فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمْ مَنْ خَلَقْنَا إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لَازِبٍ (11) بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ (12) وَإِذَا ذُكِّرُوا لَا يَذْكُرُونَ (13) وَإِذَا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ (14) وَقَالُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (15) أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (16) أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ (17) قُلْ نَعَمْ وَأَنْتُمْ دَاخِرُونَ (18) فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ يَنْظُرُونَ (19) وَقَالُوا يَا وَيْلَنَا هَذَا يَوْمُ الدِّينِ (20) هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (21)
أخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {أهم أشدّ خلقا أم من خلقنَا} قَالَ: السَّمَوَات وَالْأَرْض وَالْجِبَال
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {أم من خلقنَا} قَالَ: أم من عددنا عَلَيْك من خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض قَالَ الله تَعَالَى (لخلق السَّمَوَات وَالْأَرْض أكبر من خلق النَّاس) (غَافِر 57)
وَأخرج ابْن جرير عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ أَنه قَرَأَ أهم أشدّ خلقا أم من عددنا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {أم من خلقنَا} قَالَ: من الْأَمْوَات وَالْمَلَائِكَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {من طين لازب} قَالَ: ملتصق
وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا
أَن نَافِع بن الْأَزْرَق سَأَلَهُ قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله {من طين لازب} قَالَ: الملتزق قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم
أما سَمِعت النَّابِغَة وَهُوَ يَقُول: فَلَا تحسبون الْخَيْر لَا شَرّ بعده وَلَا تحسبون الشَّرّ ضَرْبَة لازب وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي(7/81)
قَوْله {من طين لازب} قَالَ: اللزب الْجيد
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ {من طين لازب} قَالَ: لازج
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {من طين لازب} قَالَ: اللازب والحمأ والطين وَاحِد
كَانَ أَوله تُرَابا ثمَّ صَار حمأ منتناً ثمَّ صَار طيناً لازباً فخلق الله مِنْهُ آدم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ اللازب الَّذِي يلزق بعضه إِلَى بعض
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: اللازب الَّذِي يلزق بِالْيَدِ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {طين لازب} قَالَ: لَازم منتن
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَسَعِيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ أَنه كَانَ يقْرَأ بل عجبت ويسخرون بِالرَّفْع
وَأخرج أَبُو عبيد وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات من طَرِيق الْأَعْمَش عَن شَقِيق بن سَلمَة عَن شُرَيْح رَضِي الله عَنهُ أَنه كَانَ يقْرَأ هَذِه الْآيَة بل عجبت ويسخرون بِالنّصب وَيَقُول إِن الله لَا يعجب من الشَّيْء إِنَّمَا يعجب من لَا يعلم قَالَ الْأَعْمَش: فَذكرت ذَلِك لإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ: إِن شريحاً كَانَ معجباً بِرَأْيهِ وَعبد الله بن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ كَانَ أعلم مِنْهُ كَانَ يَقْرَأها {بل عجبت}
وَأخرج أَبُو عبيد وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَنه قَرَأَ {بل عجبت}
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {بل عجبت ويسخرون} قَالَ: عجبت من كتاب الله ووحيه {ويسخرون} بِمَا جِئْت بِهِ
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {بل عجبت} قَالَ النَّبِي(7/82)
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: عجبت بِالْقُرْآنِ حِين أنزل ويسخر مِنْهُ ضلال بني آدم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {بل عجبت} قَالَ: عجب مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من هَذَا الْقُرْآن حِين أعْطِيه وسخر مِنْهُ أهل الضَّلَالَة {ويسخرون} يَعْنِي أهل مَكَّة {وَإِذا ذكرُوا لَا يذكرُونَ} أَي لَا يَنْتَفِعُونَ وَلَا يبصرون {وَإِذا رَأَوْا آيَة يستسخرون} أَي يسخرون مِنْهُ ويستهزؤن
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {يستسخرون} قَالَ: يستهزؤن
وَفِي قَوْله {فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَة} قَالَ: صَيْحَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَة وَاحِدَة} قَالَ: نفخة وَاحِدَة وَهِي النفخة الْآخِرَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {هَذَا يَوْم الدّين} قَالَ: يدين الله فِيهِ الْعباد بأعمالهم {هَذَا يَوْم الْفَصْل} يَعْنِي يَوْم الْقِيَامَة
الْآيَات 22 - 23(7/83)
احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ (22) مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ (23)
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {احشروا الَّذين ظلمُوا وأزواجهم} قَالَ: تَقول الْمَلَائِكَة للزبانية {احشروا الَّذين ظلمُوا وأزواجهم}
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالْفِرْيَابِي وَابْن أبي شيبَة وَابْن منيع فِي مُسْنده وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث من طَرِيق النُّعْمَان بن بشير عَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {احشروا الَّذين ظلمُوا وأزواجهم} قَالَ: أمثالهم الَّذين هم مثلهم يَجِيء أَصْحَاب الرِّبَا مَعَ أَصْحَاب الرِّبَا وَأَصْحَاب الزِّنَا مَعَ أَصْحَاب الزِّنَا وَأَصْحَاب الْخمر مَعَ أَصْحَاب الْخمر
أَزوَاج فِي الْجنَّة وَأَزْوَاج فِي النَّار(7/83)
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَسَعِيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {احشروا الَّذين ظلمُوا وأزواجهم} قَالَ: أشباههم
وَفِي لفظ نظراءهم
وَأخرج عبد بن حميد عَن سعيد بن جُبَير وَعِكْرِمَة رَضِي الله عَنْهُمَا
مثله
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن زيد بن أسلم رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {احشروا الَّذين ظلمُوا وأزواجهم} قَالَ: أَزوَاجهم فِي الْأَعْمَال وَقَرَأَ (وكنتم أَزْوَاجًا ثَلَاثَة) (الْوَاقِعَة 7) الْآيَة (فأصحاب الميمنة) (الْوَاقِعَة 8) زوج (وَأَصْحَاب المشئمة) (الْوَاقِعَة 9) زوج (وَالسَّابِقُونَ) (الْوَاقِعَة 10) زوج
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {احشروا الَّذين ظلمُوا وأزواجهم} قَالَ: أمثالهم
القتلة مَعَ القتلة والزناة مَعَ الزناة وأكلة الرِّبَا مَعَ أَكلَة الرِّبَا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن مرْدَوَيْه وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {احشروا الَّذين ظلمُوا وأزواجهم} قَالَ: أشباههم من الْكفَّار مَعَ الْكفَّار {وَمَا كَانُوا يعْبدُونَ من دون الله} قَالَ: الْأَصْنَام
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {فاهدوهم إِلَى صِرَاط الْجَحِيم} قَالَ: سوقوهم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {فاهدوهم} قَالَ: دلوهم {إِلَى صِرَاط الْجَحِيم} قَالَ: طَرِيق النَّار
آيَة 24(7/84)
وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ (24)
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وقفوهم إِنَّهُم مسؤولون} قَالَ: احبسوهم إِنَّهُم محاسبون
وَأخرج البُخَارِيّ فِي تَارِيخه وَالتِّرْمِذِيّ والدارمي وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا من دَاع دَعَا إِلَى شَيْء إِلَّا كَانَ مَوْقُوفا يَوْم الْقِيَامَة لَازِما بِهِ لَا يُفَارِقهُ وَإِن دَعَا رجل(7/84)
رجلا
ثمَّ قَرَأَ {وقفوهم إِنَّهُم مسؤولون}
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن عَطِيَّة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وقفوهم إِنَّهُم مسؤولون} قَالَ: يقفون يَوْم الْقِيَامَة حَتَّى يسْأَلُوا عَن أَعْمَالهم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عُثْمَان بن زَائِدَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ يُقَال أَن أول مَا يسْأَل عَنهُ العَبْد يَوْم الْقِيَامَة عَن جُلَسَائِهِ
الْآيَات 25 - 44(7/85)
مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ (25) بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ (26) وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (27) قَالُوا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ (28) قَالُوا بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (29) وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بَلْ كُنْتُمْ قَوْمًا طَاغِينَ (30) فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَا إِنَّا لَذَائِقُونَ (31) فَأَغْوَيْنَاكُمْ إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ (32) فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ (33) إِنَّا كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ (34) إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ (35) وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ (36) بَلْ جَاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ (37) إِنَّكُمْ لَذَائِقُو الْعَذَابِ الْأَلِيمِ (38) وَمَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (39) إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (40) أُولَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ (41) فَوَاكِهُ وَهُمْ مُكْرَمُونَ (42) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (43) عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ (44)
أخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {مَا لكم لَا تناصرون} قَالَ: لَا تمانعون منا {بل هم الْيَوْم مستسلمون} مسخرون {وَأَقْبل بَعضهم على بعض يتساءلون} أقبل بَعضهم يلوم بَعْضًا قَالَ: الضُّعَفَاء للَّذين استكبروا {إِنَّكُم كُنْتُم تأتوننا عَن الْيَمين} تقهروننا بِالْقُدْرَةِ [] عَلَيْكُم {قَالُوا بل لم تَكُونُوا مُؤمنين} فِي علم الله {وَمَا كَانَ لنا عَلَيْكُم من سُلْطَان بل كُنْتُم قوما طاغين} مُشْرِكين فِي علم الله {فَحق علينا قَول رَبنَا} فَوَجَبَ علينا قَضَاء رَبنَا لأَنا كُنَّا أذلاء وكنتم أعزة {فَإِنَّهُم يومئذٍ} قَالَ: كلهم {فِي الْعَذَاب مشتركون}(7/85)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {مَا لكم لَا تناصرون} قَالَ: لَا يدْفع بَعْضكُم بَعْضًا {بل هم الْيَوْم مستسلمون} فِي عَذَاب الله {وَأَقْبل بَعضهم على بعض يتساءلون} قَالَ: الانس على الْجِنّ قَالَت الانس للجن {إِنَّكُم كُنْتُم تأتوننا عَن الْيَمين} قَالَ: من قبل الْخَيْر أفتهنونا عَنهُ
قَالَت الْجِنّ للانس {بل كُنْتُم قوما طاغين فَحق علينا قَول رَبنَا} قَالَ: هَذَا قَول الْجِنّ {فأغويناكم إِنَّا كُنَّا غاوين} هَذَا قَول الشَّيَاطِين لضلال بني آدم {وَيَقُولُونَ أئنا لتاركوا آلِهَتنَا لشاعر مَجْنُون} يعنون مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {بل جَاءَ بِالْحَقِّ وَصدق الْمُرْسلين} أَي صدق من كَانَ قبله من الْمُرْسلين {إِنَّكُم لذائقوا الْعَذَاب الْأَلِيم وَمَا تُجْزونَ إِلَّا مَا كُنْتُم تَعْمَلُونَ إِلَّا عباد الله المخلصين} قَالَ: هَذِه ثنية الله {أُولَئِكَ لَهُم رزق مَعْلُوم} قَالَ: الْجنَّة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وَأَقْبل بَعضهم على بعض يتساءلون} قَالَ: ذَلِك إِذا بعثوا فِي النفخة الثَّانِيَة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {كُنْتُم تأتوننا عَن الْيَمين} قَالَ: كَانُوا يأتونهم عِنْد كل خير ليصدوهم عَنهُ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {تأتوننا عَن الْيَمين} قَالَ: عَن الْحق الْكفَّار تَقوله للشياطين
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي شيبَة وَابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {لم تَكُونُوا مُؤمنين} قَالَ: لَو كُنْتُم مُؤمنين منعتم منا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فأغويناكم} قَالَ: الشَّيَاطِين تَقول {فأغويناكم} فِي الدُّنْيَا {إِنَّا كُنَّا غاوين} {فَإِنَّهُم يَوْمئِذٍ} وَمن أغووا فِي الدُّنْيَا {فِي الْعَذَاب مشتركون}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {إِنَّهُم كَانُوا إِذا قيل لَهُم لَا إِلَه إِلَّا الله يَسْتَكْبِرُونَ} قَالَ: كَانُوا إِذا لم يُشْرك بِاللَّه يستنكفون {وَيَقُولُونَ أئنا لتاركوا آلِهَتنَا لشاعر مَجْنُون} لَا يعقل قَالَ: فَحكى الله صدقه فَقَالَ {بل جَاءَ بِالْحَقِّ وَصدق الْمُرْسلين}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن(7/86)
أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أمرت أَن أقَاتل النَّاس حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَه إِلَّا الله فَمن قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله فقد عصم مني مَاله وَنَفسه إِلَّا بِحقِّهِ وحسابه على الله
وَأنزل الله فِي كِتَابه وَذكر قوما استكبروا فَقَالَ {إِنَّهُم كَانُوا إِذا قيل لَهُم لَا إِلَه إِلَّا الله يَسْتَكْبِرُونَ} وَقَالَ (إِذْ جعل الَّذين كفرُوا فِي قُلُوبهم الحمية حمية الْجَاهِلِيَّة فَأنْزل الله سكينته على رَسُوله وعَلى الْمُؤمنِينَ وألزمهم كلمة التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَق بهَا وَأَهْلهَا) (الْفَتْح الْآيَة 26) وَهِي لَا إِلَه إِلَّا الله مُحَمَّد رَسُول الله
استكبر عَنْهَا الْمُشْركُونَ يَوْم الْحُدَيْبِيَة
يَوْم كاتبهم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على قَضِيَّة الْهُدْنَة
وَأخرج البُخَارِيّ فِي تَارِيخه عَن وهب بن مُنَبّه رَضِي الله عَنهُ أَنه قيل لَهُ: أَلَيْسَ لَا إِلَه إِلَّا الله مِفْتَاح الْجنَّة قَالَ: بلَى
وَلَكِن لَيْسَ من مِفْتَاح إِلَّا وَله أَسْنَان فَمن جَاءَ بِأَسْنَانِهِ فتح لَهُ وَمن لَا لم يفتح لَهُ
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ أَنه كَانَ يقْرَأ {إِلَّا عباد الله المخلصين}
وَأخرج ابْن جرير عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {أُولَئِكَ لَهُم رزق مَعْلُوم} قَالَ: فِي الْجنَّة
الْآيَات 45 - 49(7/87)
يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (45) بَيْضَاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ (46) لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ (47) وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ (48) كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ (49)
أخرج ابْن أبي شيبَة وهناد وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كل كأس ذكره الله فِي الْقُرْآن إِنَّمَا عني بِهِ الْخمر
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {بكأس من معِين} قَالَ: كأس من خمر لم تعصر والمعين هِيَ الْجَارِيَة {لَا فِيهَا غول وَلَا هم عَنْهَا ينزفون} قَالَ: لَا تذْهب عُقُولهمْ وَلَا تصدع رؤوسهم وَلَا توجع بطونهم(7/87)
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ {بكأس من معِين} هُوَ الْجَارِي
وَأخرج ابْن جرير عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {بَيْضَاء} قَالَ: فِي قِرَاءَة عبد الله صفراء
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {يُطَاف عَلَيْهِم بكأس من معِين} قَالَ: الْخمر {لَا فِيهَا غول} قَالَ: لَيْسَ فِيهَا صداع {وَلَا هم عَنْهَا ينزفون} قَالَ: لَا تذْهب عُقُولهمْ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: فِي الْخمر أَربع خِصَال: السكر والصداع والقيء وَالْبَوْل
فنزه الله خمر الْجنَّة عَنْهَا {لَا فِيهَا غول} لَا تغول عُقُولهمْ من السكر {وَلَا هم عَنْهَا ينزفون} لَا يقيؤن عَنْهَا كَمَا يقيء صَاحب خمر الدُّنْيَا عَنْهَا والقيء مستكره
وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله {لَا فِيهَا غول} قَالَ: لَيْسَ فِيهَا نَتن وَلَا كَرَاهِيَة كخمر الدُّنْيَا قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم
أما سَمِعت امْرُؤ الْقَيْس وَهُوَ يَقُول: رب كاس شربت لَا غول فِيهَا وسقيت النديم مِنْهَا مزاجا قَالَ أَخْبرنِي عَن قَوْله {وَلَا هم عَنْهَا ينزفون} قَالَ: لَا يسكرون قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم
أما سَمِعت قَول عبد الله بن رَوَاحَة رَضِي الله عَنهُ وَهُوَ يَقُول: ثمَّ لَا ينزفون عَنْهَا وَلَكِن يذهب الْهم عَنْهُم والغليل وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {لَا فِيهَا غول} قَالَ: هِيَ الْخمر لَيْسَ فِيهَا وجع بطن
وَأخرج هناد وَعبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {لَا فِيهَا غول} قَالَ: وجع بطن {وَلَا هم عَنْهَا ينزفون} قَالَ: لَا تذْهب عُقُولهمْ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {بكأس من معِين} قَالَ: الْمعِين الْخمر {لَا فِيهَا غول} قَالَ: وجع بطن {وَلَا هم عَنْهَا ينزفون} لَا مَكْرُوه فِيهَا وَلَا أَذَى
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن ابْن عَبَّاس(7/88)
رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وَعِنْدهم قاصرات الطّرف} يَقُول: عَن غير أَزوَاجهنَّ {كأنهن بيض مَكْنُون} قَالَ: اللُّؤْلُؤ الْمكنون
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {وَعِنْدهم قاصرات الطّرف} يَقُول: عَن غير أَزوَاجهنَّ قَالَ: قصرن طرفهن على أَزوَاجهنَّ {عين} قَالَ: حسان الْعُيُون
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {عين} قَالَ: الْعين الْعِظَام الاعين
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {كأنهن بيض مَكْنُون} قَالَ: بَيَاض الْبَيْضَة ينْزع عَنْهَا فَوْقهَا وغشاؤها الَّذِي يكون فِي الْعرف
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {كأنهن بيض مَكْنُون} قَالَ: كأنهن بطن الْبيض
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {كأنهن بيض مَكْنُون} قَالَ: بَيَاض الْبيض حِين ينْزع قشره
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي حَاتِم عَن عَطاء الْخُرَاسَانِي رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {كأنهن بيض مَكْنُون} قَالَ: هُوَ السخاء الَّذِي يكون بَين قشرته الْعليا ولباب الْبَيْضَة
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {كأنهن بيض مَكْنُون} قَالَ: الْبيض فِي عشه
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَعِنْدهم قاصرات الطّرف} قَالَ: قصرن طرفهن على أَزوَاجهنَّ
فَلَا يردن غَيرهم {كأنهن بيض مَكْنُون} قَالَ: الْبيض الَّذِي لم تلوثه الْأَيْدِي
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {كأنهن بيض مَكْنُون} قَالَ: محصون لم تمرته الْأَيْدِي
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن زيد بن أسلم رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {كأنهن بيض مَكْنُون} قَالَ: الْبيض الَّذِي يكنه الريش مثل بيض النعام الَّذِي أكنه الريش من الرّيح فَهُوَ أَبيض إِلَى الصُّفْرَة فَكَانَت تترقرق فَذَلِك الْمكنون(7/89)
الْآيَات 50 - 61(7/90)
فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (50) قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ (51) يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ (52) أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَدِينُونَ (53) قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ (54) فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ (55) قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ (56) وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (57) أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ (58) إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (59) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (60) لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ (61)
أخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة {فَأقبل بَعضهم على بعض يتساءلون} قَالَ: أهل الْجنَّة
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {إِنِّي كَانَ لي قرين} قَالَ: شَيْطَان
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر عَن عَطاء الْخُرَاسَانِي رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ رجلَانِ شَرِيكَيْنِ وَكَانَ لَهما ثَمَانِيَة آلَاف دِينَار فاقتسماها فَعمد أَحدهمَا فَاشْترى بِأَلف دِينَار أَرضًا فَقَالَ صَاحبه: اللَّهُمَّ إِن فلَانا اشْترى بِأَلف دِينَار أَرضًا وَإِنِّي أَشْتَرِي مِنْك بِأَلف دِينَار أَرضًا فِي الْجنَّة
فَتصدق بِأَلف دِينَار ثمَّ ابتنى صَاحبه دَارا بِأَلف دِينَار فَقَالَ هَذَا: اللَّهُمَّ إِن فلَانا ابتنى دَارا بِأَلف دِينَار وَإِنِّي أَشْتَرِي مِنْك دَارا فِي الْجنَّة بِأَلف دِينَار
فَتصدق بِأَلف دِينَار ثمَّ تزوج صَاحبه امْرَأَة فانفق عَلَيْهَا ألف دِينَار فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِن فلَانا تزوج امْرَأَة فانفق عَلَيْهَا ألف دِينَار وَإِنِّي أَخطب إِلَيْك من نسَاء الْجنَّة بِأَلف دِينَار
فَتصدق بِأَلف دِينَار ثمَّ اشْترى خدماً ومتاعاً بِأَلف دِينَار وَإِنِّي أَشْتَرِي مِنْك خدماً ومتاعا فِي الْجنَّة بِأَلف دِينَار
فَتصدق بِأَلف دِينَار
ثمَّ أَصَابَته حَاجَة شَدِيدَة فَقَالَ: لَو أتيت صَاحِبي هَذَا لَعَلَّه ينالني مَعْرُوف فَجَلَسَ على طَرِيقه فَمر بِهِ فِي حشمه وَأَهله فَقَامَ إِلَيْهِ الآخر فَنظر فَعرفهُ فَقَالَ فلَان
فَقَالَ: نعم
فَقَالَ: مَا شَأْنك فَقَالَ: أصابتني بعْدك(7/90)
حَاجَة فأتيتك لتصيبني بِخَير قَالَ: فَمَا فعل فقد اقتسمناه مَالا وَاحِدًا فَأخذت شطره وَأَنا شطره
فَقَالَ: اشْتريت دَارا بِأَلف دِينَار فَفعلت أَنا كَذَلِك وَفعلت أَنا كَذَلِك
فَقص عَلَيْهِ الْقِصَّة فَقَالَ: إِنَّك لمن المصدقين بِهَذَا أذهب فو الله لَا أُعْطِيك شَيْئا فَرده فَقضى لَهما أَن توفيا فَنزلت فيهمَا {فَأقبل بَعضهم على بعض يتساءلون} حَتَّى بلغ {أئنا لمدينون} قَالَ: لمحاسبون
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن جرير عَن فرات بن ثَعْلَبَة البهراني رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {إِنِّي كَانَ لي قرين} قَالَ: ذكر لي أَن رجلَيْنِ كَانَ شَرِيكَيْنِ فَاجْتمع لَهما ثَمَانِيَة آلَاف دِينَار فَكَانَ أَحدهمَا لَيْسَ لَهُ حِرْفَة وَالْآخر لَهُ حِرْفَة فَقَالَ: إِنَّه لَيْسَ لَك حِرْفَة فَمَا أَرَانِي إِلَّا مفارقك ومقاسمك فقاسمه ثمَّ فَارقه
ثمَّ إِن أحد الرجلَيْن اشْترى دَارا كَانَت لملك بِأَلف دِينَار فَدَعَا صَاحبه ثمَّ قَالَ: كَيفَ ترى هَذِه الدَّار ابتعتها بِأَلف دِينَار فَقَالَ: مَا أحْسنهَا فَلَمَّا خرج قَالَ: اللَّهُمَّ إِن صَاحِبي قد ابْتَاعَ هَذِه الدَّار وَإِنِّي أَسأَلك دَارا من الْجنَّة
فَتصدق بِأَلف دِينَار
ثمَّ مكث مَا شَاءَ الله أَن يمْكث ثمَّ تزوّج امْرَأَة بِأَلف دِينَار فَدَعَاهُ وصنع لَهُ طَعَاما فَلَمَّا أَتَاهُ قَالَ: إِنِّي تزوّجت هَذِه الْمَرْأَة بِأَلف دِينَار قَالَ: مَا أحسن هَذَا فَلَمَّا خرج قَالَ: اللَّهُمَّ إِن صَاحِبي تزوّج امْرَأَة بِأَلف دِينَار وَإِنِّي أَسأَلك امْرَأَة من الْحور الْعين
فَتصدق بِأَلف دِينَار ثمَّ أَنه مكث مَا شَاءَ الله أَن يمْكث ثمَّ اشْترى بستانين بألفي دِينَار ثمَّ دَعَاهُ فَأرَاهُ وَقَالَ: إِنِّي قد ابتعت هَذِه البستانين بألفي دِينَار فَقَالَ: مَا أحسن هَذَا فَلَمَّا خرج قَالَ: يَا رب إِن صَاحِبي قد ابْتَاعَ بستانين بألفي دِينَار وَإِنِّي أَسأَلك بستانين فِي الْجنَّة
فَتصدق بألفي دِينَار
ثمَّ إِن الْملك أتاهما فتوفاهما فَانْطَلق بِهَذَا الْمُتَصَدّق فَأدْخلهُ دَارا تعجبه فَإِذا امْرَأَة يضيء مَا تحتهَا من حسنها ثمَّ أدخلهُ البستانين وشيئاً الله بِهِ عليم فَقَالَ عِنْد ذَلِك: مَا أشبه هَذَا بِرَجُل كَانَ من أمره كَذَا
وَكَذَا
قَالَ: فَإِنَّهُ ذَلِك وَلَك هَذَا الْمنزل والبستانان وَالْمَرْأَة فَقَالَ {إِنِّي كَانَ لي قرين يَقُول أئنك لمن المصدقين} قيل لهك فَإِنَّهُ فِي الْجَحِيم قَالَ {هَل أَنْتُم مطلعون فَاطلع فَرَآهُ فِي سَوَاء الْجَحِيم} فَقَالَ عِنْد ذَلِك {تالله إِن كدت لتردين}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ فِي الْآيَة قَالَ: كَانَا شَرِيكَيْنِ فِي(7/91)
بني إِسْرَائِيل
أَحدهمَا مُؤمن
وَالْآخر كَافِر فَافْتَرقَا على سِتَّة آلَاف دِينَار كل وَاحِد مِنْهُمَا ثَلَاثَة آلَاف دِينَار
ثمَّ افْتَرقَا فمكثا مَا شَاءَ الله أَن يمكثا ثمَّ التقيا فَقَالَ الْكَافِر لِلْمُؤمنِ مَا صنعت فِي مَالك أضربت بِهِ شَيْئا اتجرت بِهِ فِي شَيْء قَالَ لَهُ الْمُؤمن: لَا
فَمَا صنعت أَنْت قَالَ: اشْتريت بِهِ نخلا وأرضاً وثماراً وأنهاراً بِأَلف دِينَار فَقَالَ لَهُ الْمُؤمن: أَو فعلت قَالَ: نعم
فَرجع الْمُؤمن حَتَّى إِذا كَانَ اللَّيْل فصلى مَا شَاءَ الله أَن يُصَلِّي فَلَمَّا انْصَرف أَخذ ألف دِينَار فوضعها بَين يَدَيْهِ ثمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ إِن فلَانا - يَعْنِي شَرِيكه الْكَافِر - اشْترى أَرضًا وَنَخْلًا وثماراً وأنهاراً بِأَلف دِينَار ثمَّ يَمُوت وَيَتْرُكهَا غَدا
اللَّهُمَّ وَإِنِّي اشْترِي مِنْك بِهَذِهِ الْألف دِينَار أَرضًا وَنَخْلًا وثماراً وأنهاراً فِي الْجنَّة
ثمَّ أصبح فَقَسمهَا للْمَسَاكِين
ثمَّ مكثا مَا شَاءَ الله أَن يمكثا ثمَّ التقيا فَقَالَ الْكَافِر لِلْمُؤمنِ: مَا صنعت أضربت بِهِ فِي شَيْء اتجرت بِهِ قَالَ: لَا
قَالَ: فَمَا صنعت أَنْت قَالَ: كَانَت ضيعتي قد اشْتَدَّ على مؤنتها فاشتريت رَقِيقا بِأَلف دِينَار يقومُونَ لي ويعملون لي فِيهَا
فَقَالَ الْمُؤمن: أَو فعلت قَالَ: نعم
فَرجع الْمُؤمن حَتَّى إِذا كَانَ اللَّيْل صلى مَا شَاءَ الله أَن يُصَلِّي فَلَمَّا انْصَرف أَخذ ألف دِينَار فوضعا بَين يَدَيْهِ ثمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ إِن فلَانا اشْترى رَقِيقا من رَقِيق الدُّنْيَا بِأَلف دِينَار يَمُوت غَدا فيتركهم أَو يموتون فيتركونه اللَّهُمَّ وَإِنِّي اشْترِي مِنْك بِهَذِهِ الْألف دِينَار رَقِيقا فِي الْجنَّة
ثمَّ أصبح فَقَسمهَا بَين الْمَسَاكِين
ثمَّ مكثا مَا شَاءَ الله أَن يمكثا ثمَّ التقيا فَقَالَ الْكَافِر لِلْمُؤمنِ: مَا صنعت فِي مَالك أضربت بِهِ فِي شَيْء اتجرت بِهِ فِي شَيْء قَالَ: لَا
فَمَا صنعت أَنْت قَالَ: كَانَ أَمْرِي كُله قد تمّ إِلَّا شَيْئا وَاحِدًا فُلَانَة مَاتَ عَنْهَا زَوجهَا فأصدقتها ألف دِينَار فجاءتني بهَا وبمثلها مَعهَا فَقَالَ لَهُ الْمُؤمن: أَو فعلت قَالَ: لَهُ نعم
فَرجع الْمُؤمن حَتَّى إِذا كَانَ اللَّيْل صلى مَا شَاءَ الله أَن يُصَلِّي فَلَمَّا انْصَرف أَخذ الْألف دِينَار الْبَاقِيَة فوضعها بَين يَدَيْهِ وَقَالَ: اللَّهُمَّ إِن فلَانا تزوّج زَوْجَة من أَزوَاج الدُّنْيَا بِأَلف دِينَار وَيَمُوت عَنْهَا فيتركها أَو تَمُوت فتتركه اللَّهُمَّ وَإِنِّي أَخطب إِلَيْك بِهَذِهِ الْألف دِينَار حوراء عيناء فِي الْجنَّة
ثمَّ أصبح فَقَسمهَا بَين الْمَسَاكِين فَبَقيَ الْمُؤمن لَيْسَ عِنْده شَيْء(7/92)
فَلبس قَمِيصًا من قطن وَكسَاء من صوف ثمَّ جعل يعْمل ويحفر بقوته فَقَالَ رجل: يَا عبد الله أتؤجر نَفسك مشاهرة
شهرا بِشَهْر تقوم على دَوَاب لي قَالَ: نعم
فَكَانَ صَاحب الدَّوَابّ يَغْدُو كل يَوْم ينظر إِلَى دوابه فَإِذا رأى مِنْهَا دَابَّة ضامرة أَخذ بِرَأْسِهِ فوجأ عُنُقه ثمَّ يَقُول لَهُ: سرقت شعير هَذِه البارحة
فَلَمَّا رأى الْمُؤمن الشدَّة قَالَ: لَآتِيَن شَرِيكي الْكَافِر فلأعملن فِي أرضه يطعمني هَذِه الكسرة يَوْمًا بِيَوْم ويكسيني هذَيْن الثَّوْبَيْنِ إِذا بليا
فَانْطَلق يُريدهُ فَانْتهى إِلَى بَابه وهم مُمْسٍ فَإِذا قصر فِي السَّمَاء وَإِذا حوله البوابون فَقَالَ لَهُم: اسْتَأْذنُوا لي صَاحب هَذَا الْقصر فَإِنَّكُم إِن فَعلْتُمْ ذَلِك سره فَقَالُوا لَهُ: انْطلق فَإِن كنت صَادِقا فنم فِي نَاحيَة فَإِذا أَصبَحت فتعرض لَهُ فَانْطَلق الْمُؤمن فَألْقى نصف كسائه تَحْتَهُ وَنصفه فَوْقه ثمَّ نَام فَلَمَّا أصبح أَتَى شَرِيكه فتعرض لَهُ فَخرج شَرِيكه وَهُوَ رَاكب فَلَمَّا رَآهُ عرفه فَوقف فَسلم عَلَيْهِ وَصَافحهُ ثمَّ قَالَ لَهُ: ألم تَأْخُذ من المَال مثل مَا أخذت فَأَيْنَ مَالك قَالَ: لَا تَسْأَلنِي عَنهُ قَالَ: فَمَا جَاءَ بك قَالَ: جِئْت أعمل فِي أَرْضك هَذِه تطعمني هَذِه الكسرة يَوْمًا بِيَوْم وتكسوني هذَيْن الثَّوْبَيْنِ إِذا بليا قَالَ: لَا ترى مني خيرا حَتَّى تُخبرنِي مَا صنعت فِي مَالك قَالَ: أَقْرَضته من الْمَلأ الوفي قَالَ: من قَالَ: الله رَبِّي وَهُوَ مصافحه فَانْتزع يَده ثمَّ قَالَ {أئنك لمن المصدقين أئذا متْنا وَكُنَّا تُرَابا وعظاماً أئنا لمدينون} وَتَركه فَلَمَّا رَآهُ الْمُؤمن لَا يلوي عَلَيْهِ رَجَعَ وَتَركه يعِيش الْمُؤمن فِي شدَّة من الزَّمَان ويعيش الْكَافِر فِي رخاء من الزَّمَان
فَإِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة وَأدْخل الله الْمُؤمن الْجنَّة يمر فَإِذا هُوَ بِأَرْض ونخل وأنهار وثمار فَيَقُول: لمن هَذَا فَيُقَال: هَذَا لَك فَيَقُول: أَو بلغ من فضل عَمَلي أَن أثاب بِمثل هَذَا ثمَّ يمر فَإِذا هُوَ برقيق لَا يُحْصى عَددهمْ فَيَقُول: لمن هَذَا فَيُقَال: هَؤُلَاءِ لَك فَيَقُول: أَو بلغ من فضل عَمَلي أَن أثاب بِمثل هَذَا ثمَّ يمر فَإِذا هُوَ بقبة من ياقوتة حَمْرَاء مجوفة فِيهَا حوراء عين فَيَقُول: لمن هَذِه فَيُقَال: هَذِه لَك فَيَقُول: أَو بلغ من فضل عَمَلي أَن أثاب بِمثل هَذَا ثمَّ يذكر شَرِيكه الْكَافِر فَيَقُول {إِنِّي كَانَ لي قرين يَقُول أئنك لمن المصدقين} فالجنة عالية وَالنَّار هاوية فيريه الله شَرِيكه فِي وسط الْجَحِيم من بَين أهل النَّار فَإِذا رَآهُ عرفه الْمُؤمن فَيَقُول {قَالَ تالله إِن كدت لتردين وَلَوْلَا نعْمَة رَبِّي لَكُنْت من المحضرين أفما نَحن بميتين إِلَّا موتتنا الأولى وَمَا نَحن بمعذبين إِن هَذَا لَهو الْفَوْز الْعَظِيم لمثل هَذَا فليعمل الْعَامِلُونَ}(7/93)
بِمثل مَا قدمت عَلَيْهِ قَالَ: فيتذكر الْمُؤمن مَا مر عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا من الشدَّة فَلَا يذكر أَشد عَلَيْهِ من الْمَوْت
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {أئنا لمدينون} قَالَ: لمحاسبون
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ
مثله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {هَل أَنْتُم مطلعون} يَقُول: مطلعون إِلَيْهِ حَتَّى أنظر إِلَيْهِ فِي النَّار
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {سَوَاء الْجَحِيم} قَالَ: وسط الْجَحِيم
وَأخرج الطستي فِي مسَائِله عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَن نَافِع بن الْأَزْرَق سَأَلَهُ عَن قَوْله {فِي سَوَاء الْجَحِيم} قَالَ: وسط الْجَحِيم قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم
أما سَمِعت قَول الشَّاعِر: رماهم بِسَهْم فَاسْتَوَى فِي سوائها وَكَانَ قبولاً للهوى والطوارق وَأخرج ابْن أبي شيبَة وهناد وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فَاطلع فَرَآهُ فِي سَوَاء الْجَحِيم} قَالَ: اطلع ثمَّ الْتفت إِلَى أَصْحَابه فَقَالَ: لقد رَأَيْت جماجم الْقَوْم تغلي
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: ذكر لنا أَن كَعْب الْأَحْبَار رَضِي الله عَنهُ قَالَ: فِي الْجنَّة كوى فَإِذا أَرَادَ أحد من أَهلهَا أَن ينظر إِلَى عدوه فِي النَّار اطلع فازداد شكرا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {هَل أَنْتُم مطلعون} قَالَ: سَأَلَ ربه أَن يطلعه {فَاطلع فَرَآهُ فِي سَوَاء الْجَحِيم} يَقُول: فِي وَسطهَا فَرَأى جماجمهم تغلي فَقَالَ: فلَان
فلولا أَن الله عرفه إِيَّاه لما عرفه
لقد تغير خَبره وسبره
فَعِنْدَ ذَلِك قَالَ {تالله إِن كدت لتردين} يَقُول: لتهلكني لَو أطعتك {وَلَوْلَا نعْمَة رَبِّي لَكُنْت من المحضرين} قَالَ: فِي النَّار {أفما نَحن بميتين} إِلَى قَوْله {الْفَوْز الْعَظِيم} قَالَ: هَذَا قَول أهل الْجنَّة يَقُول الله {لمثل هَذَا فليعمل الْعَامِلُونَ}(7/94)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن فِي الْآيَة قَالَ: علمُوا أَن كل نعيم بعد الْمَوْت يقطعهُ فَقَالُوا {أفما نَحن بميتين إِلَّا موتتنا الأولى وَمَا نَحن بمعذبين} قيل: لَا
قَالُوا {إِن هَذَا لَهو الْفَوْز الْعَظِيم}
وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: يَقُول الله تَعَالَى لأهل الْجنَّة: (كلوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُم تَعْمَلُونَ) (المرسلات 43) قَالَ: قَول الله (هَنِيئًا) أَي لَا تموتون فِيهَا
فَعندهَا قَالُوا {أفما نَحن بميتين إِلَّا موتتنا الأولى وَمَا نَحن بمعذبين إِن هَذَا لَهو الْفَوْز الْعَظِيم لمثل هَذَا فليعمل الْعَامِلُونَ}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن الْبَراء بن عَازِب قَالَ: كنت أَمْشِي مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَده فِي يَدي فَرَأى جَنَازَة فأسرع الْمَشْي حَتَّى أَتَى الْقَبْر ثمَّ جثا على رُكْبَتَيْهِ فَجعل يبكي حَتَّى بل الثرى ثمَّ قَالَ {لمثل هَذَا فليعمل الْعَامِلُونَ}
الْآيَات 62 - 68(7/95)
أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ (62) إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ (63) إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ (64) طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ (65) فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ (66) ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ (67) ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ (68)
أخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما ذكر الله شَجَرَة الزقوم افْتتن بهَا الظلمَة فَقَالَ أَبُو جهل: يزْعم صَاحبكُم هَذَا أَن فِي النَّار شَجَرَة وَالنَّار تَأْكُل الشّجر وانا وَالله مَا نعلم الزقوم إِلَّا التَّمْر والزبد فتزقموا فَأنْزل الله حِين عجبوا أَن يكون فِي النَّار شجر {إِنَّهَا شَجَرَة تخرج فِي أصل الْجَحِيم} أَي غذيت بالنَّار وَمِنْهَا خلقت {طلعها كَأَنَّهُ رُؤُوس الشَّيَاطِين} قَالَ: يشبهها بذلك
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {إنّا جعلناها فتْنَة للظالمين} قَالَ: قَول أبي جهل: إِنَّمَا الزقوم التَّمْر والزبد أتزقمه
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن وهب بن مُنَبّه رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {طلعها كَأَنَّهُ رُؤُوس الشَّيَاطِين}(7/95)
قَالَ: شُعُور الشَّيَاطِين قَائِمَة إِلَى السَّمَاء
وَأخرج عبد الله بن أَحْمد بن حَنْبَل فِي زَوَائِد الزّهْد وَابْن الْمُنْذر عَن أبي عمرَان الْجونِي رَضِي الله عَنهُ قَالَ: بلغنَا أَن ابْن آدم لَا ينهش من شَجَرَة الزقوم نهشة إِلَّا نهشت مِنْهُ مثلهَا
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: مر أَبُو جهل برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ جَالس فَلَمَّا نفد قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (أولى لَك فَأولى ثمَّ أولى لَك فَأولى) (الْقِيَامَة 34 - 35) فَسمع أَبُو جهل فَقَالَ: من توعد يَا مُحَمَّد قَالَ: إياك فَقَالَ: بِمَ توعدني فَقَالَ: أوعدك بالعزيز الْكَرِيم فَقَالَ أَبُو جهل: أَلَيْسَ أَنا الْعَزِيز الْكَرِيم فَأنْزل الله (إِن شَجَرَة الزقوم طَعَام الأثيم) (الدُّخان 43) إِلَى قَوْله (ذُقْ إِنَّك أَنْت الْعَزِيز الْكَرِيم) فَلَمَّا بلغ أَبَا جهل مَا نزل فِيهِ جمع أَصْحَابه فَأخْرج إِلَيْهِم زبداً وَتَمْرًا فَقَالَ: تزقموا من هَذَا فو الله مَا يتوعدكم مُحَمَّدًا إِلَّا بِهَذَا فَأنْزل الله {إِنَّهَا شَجَرَة تخرج فِي أصل الْجَحِيم} إِلَى قَوْله {ثمَّ إِن لَهُم عَلَيْهَا لشوباً من حميم} فَقَالَ: فِي الشوب إِنَّهَا تختلط بِاللَّبنِ فتشوبه بهَا فَإِن لَهُم على مَا يَأْكُلُون {لشوباً من حميم}
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: لَو أَن قَطْرَة من زقوم جَهَنَّم أنزلت إِلَى الأَرْض لأفسدت على النَّاس مَعَايشهمْ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {ثمَّ إِن لَهُم عَلَيْهَا لشوباً} قَالَ: لمزجا
وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله {ثمَّ إِن لَهُم عَلَيْهَا لشوباً من حميم} قَالَ: يخْتَلط الْحَمِيم والغساق قَالَ لَهُ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم
أما سَمِعت قَول الشَّاعِر: تِلْكَ المكارم لَا قعبان من لبن شيباً بِمَاء فعادا بعد أبوالا وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {لشوباً من حميم} قَالَ: يخلط طعامهم ويشاب بالحميم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لَا(7/96)
ينتصف النَّهَار يَوْم الْقِيَامَة حَتَّى يقبل هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاء أهل الْجنَّة وَأهل النَّار وَقَرَأَ ثمَّ إِن مقيلهم لإِلى الْجَحِيم
وَأخرج أَبُو عبيد وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج رَضِي الله عَنهُ قَالَ: فِي قِرَاءَة ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ ثمَّ إِن مقيلهم لإِلى الْجَحِيم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {ثمَّ إِن لَهُم عَلَيْهَا لشوباً من حميم} قَالَ: مزجا {ثمَّ إِن مرجعهم لإِلى الْجَحِيم} قَالَ: فهم فِي عناء وَعَذَاب بَين نَار وحميم
وتلا هَذِه الْآيَة (يطوفون بَينهَا وَبَين حميم آن) (الرَّحْمَن 44)
الْآيَات 69 - 74(7/97)
إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءَهُمْ ضَالِّينَ (69) فَهُمْ عَلَى آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ (70) وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ (71) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا فِيهِمْ مُنْذِرِينَ (72) فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ (73) إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (74)
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {إِنَّهُم ألفوا آبَاءَهُم} قَالَ: وجدوا آبَاءَهُم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {إِنَّهُم ألفوا آبَاءَهُم} قَالَ: وجدوا آبَاءَهُم {ضَالِّينَ فهم على آثَارهم يهرعون} أَي مُسْرِعين
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {إِنَّهُم ألفوا آبَاءَهُم ضَالِّينَ} قَالَ: جاهلين {فهم على آثَارهم يهرعون} قَالَ: كَهَيئَةِ الهرولة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فَانْظُر كَيفَ كَانَ عَاقِبَة الْمُنْذرين} قَالَ: كَيفَ عذب الله قوم نوح وَقوم لوط وَقوم صَالح والأمم الَّتِي عذب الله
وَأخرج ابْن جرير عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {إِلَّا عباد الله المخلصين} قَالَ: الَّذين استخلصهم الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى(7/97)
الْآيَات 75 - 101(7/98)
وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ (75) وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (76) وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ (77) وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (78) سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ (79) إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (80) إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (81) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ (82) وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ (83) إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (84) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ (85) أَئِفْكًا آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ (86) فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (87) فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ (88) فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ (89) فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ (90) فَرَاغَ إِلَى آلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ (91) مَا لَكُمْ لَا تَنْطِقُونَ (92) فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ (93) فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ (94) قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ (95) وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ (96) قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ (97) فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ (98) وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ (99) رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ (100) فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ (101)
أخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَلَقَد نادانا نوح فلنعم المجيبون} قَالَ: أَجَابَهُ الله تَعَالَى
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا صلى فِي بَيْتِي فَمر بِهَذِهِ الْآيَة {وَلَقَد نادانا نوح فلنعم المجيبون} قَالَ: صدقت رَبنَا أَنْت أقرب من دعِي وَأقرب من يُعْطي فَنعم الْمُدَّعِي وَنعم الْمُعْطِي وَنعم المسؤول وَنعم الْمولى وَأَنت رَبنَا وَنعم النصير
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {ونجيناه وَأَهله من الكرب الْعَظِيم} قَالَ: من غرق الطوفان
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن(7/98)
قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَجَعَلنَا ذُريَّته هم البَاقِينَ} قَالَ: فَالنَّاس كلهم من ذُرِّيَّة نوح عَلَيْهِ السَّلَام {وَتَركنَا عَلَيْهِ فِي الآخرين} قَالَ: أبقى الله عَلَيْهِ الثَّنَاء الْحسن فِي الْآخِرَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وَجَعَلنَا ذُريَّته هم البَاقِينَ} يَقُول: لم يبْق إِلَّا ذُرِّيَّة نوح عَلَيْهِ السَّلَام {وَتَركنَا عَلَيْهِ فِي الآخرين} يَقُول: يذكر بِخَير
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَحسنه وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن سَمُرَة بن جُنْدُب رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله {وَجَعَلنَا ذُريَّته هم البَاقِينَ} قَالَ: سَام وَحَام وَيَافث
وَأخرج ابْن سعد وَأحمد وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه وَأَبُو يعلى وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن سَمُرَة رَضِي الله عَنهُ
أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: سَام أَبُو الْعَرَب وَحَام أَبُو الْحَبَش وَيَافث أَبُو الرّوم
وَأخرج الْبَزَّار وَابْن أبي حَاتِم والخطيب فِي تالي التَّلْخِيص عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ولد نوح ثَلَاثَة
سَام وَحَام وَيَافث
فولد سَام الْعَرَب وَفَارِس وَالروم وَالْخَيْر فيهم
وَولد يافث يَأْجُوج وَمَأْجُوج وَالتّرْك والصقالبة وَلَا خير مِنْهُم
وَأما ولد حام القبط والبربر والسودان
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله {وَجَعَلنَا ذُريَّته هم البَاقِينَ} قَالَ: ولد نوح ثَلَاثَة
فسام أَبُو الْعَرَب وَحَام أَبُو الْحَبَش وَيَافث أَبُو الرّوم
وَأخرج الْحَاكِم عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ
أَن نوحًا عَلَيْهِ السَّلَام اغْتسل فَرَأى ابْنه ينظر إِلَيْهِ فَقَالَ: تنظر إِلَيّ وَأَنا أَغْتَسِل حَار الله لونك
فاسود فَهُوَ أَبُو السودَان
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَتَركنَا عَلَيْهِ فِي الآخرين} قَالَ: لِسَان صدق للأنبياء عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام كلهم
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ {وَتَركنَا عَلَيْهِ فِي الآخرين} قَالَ: هُوَ السَّلَام كَمَا قَالَ {سَلام على نوح فِي الْعَالمين}(7/99)
وَأخرج عبد الله بن أَحْمد فِي زَوَائِد الزّهْد عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ {وَتَركنَا عَلَيْهِ فِي الآخرين} قَالَ: الثَّنَاء الْحسن
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وَإِن من شيعته} قَالَ: من أهل ذُريَّته
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَإِن من شيعته لإِبراهيم} قَالَ: من شيعَة نوح إِبْرَاهِيم
على منهاجه وسننه {إِذْ جَاءَ ربه بقلب سليم} قَالَ: لَيْسَ فِيهِ شكّ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَإِن من شيعته لإِبراهيم} قَالَ: على دينه {إِذْ جَاءَ ربه بقلب سليم} من الشّرك (أئفكا آلِهَة دون الله تُرِيدُونَ فَمَا ظنكم بِرَبّ الْعَالمين) إِذا لقيتموه وَقد عَبدْتُمْ غَيره
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن الْمسيب فِي قَوْله {فَنظر نظرة فِي النُّجُوم} قَالَ: رأى نجماً طالعاً فَقَالَ {إِنِّي سقيم} قَالَ [] كايديني فِي النُّجُوم قَالَ: كلمة من كَلَام الْعَرَب يَقُول الله عز دينه
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فَنظر نظرة فِي النُّجُوم} قَالَ: كلمة من كَلَام الْعَرَب يَقُول إِذا تفكر
نظر فِي النُّجُوم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فَنظر نظرة فِي النُّجُوم} قَالَ: فِي السَّمَاء {فَقَالَ إِنِّي سقيم} قَالَ: مطعون
وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {إِنِّي سقيم} قَالَ: مَرِيض
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سُفْيَان رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {إِنِّي سقيم} قَالَ: مطعون
وَأخرج عبد بن حميد عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {إِنِّي سقيم} قَالَ: مطعون
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سُفْيَان رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {إِنِّي سقيم} قَالَ: طعين وَكَانُوا يفرون من المطعون
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن زيد بن أسلم رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أرسل إِلَيْهِ ملكهم(7/100)
فَقَالَ: إِن غَدا عيدنا فَاخْرُج قَالَ: فَنظر إِلَى نجم فَقَالَ: إِن ذَا النَّجْم لم يطلع قطّ إِلَّا طلع بسقم لي {فتولوا عَنهُ مُدبرين}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {فتولوا عَنهُ مُدبرين} قَالَ: فنكصوا عَنهُ منطلقين {فرَاغ} قَالَ: فَمَال {إِلَى آلِهَتهم فَقَالَ أَلا تَأْكُلُونَ} يستنطقهم [] منطلقين {مَا لكم لَا تنطقون فرَاغ عَلَيْهِم ضربا بِالْيَمِينِ} أَي فاقبل عَلَيْهِنَّ فكسرهن {فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يزفون} قَالَ: يسعون {قَالَ أتعبدون مَا تنحتون} من الْأَصْنَام {وَالله خَلقكُم وَمَا تَعْمَلُونَ} قَالَ: خَلقكُم وَخلق مَا تَعْمَلُونَ بِأَيْدِيكُمْ {فأرادوا بِهِ كيداً فجعلناهم الأسفلين} قَالَ: فَمَا ناظرهم الله بعد ذَلِك حَتَّى أهلكهم {وَقَالَ إِنِّي ذَاهِب إِلَى رَبِّي} قَالَ: ذَاهِب بِعَمَلِهِ وَقَلبه وَنِيَّته
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن قَالَ: خرج قوم إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام إِلَى عيد لَهُم وَأَرَادُوا إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام على الْخُرُوج فأضطجع على ظَهره و {فَقَالَ إِنِّي سقيم} لَا أَسْتَطِيع الْخُرُوج وَجعل ينظر إِلَى السَّمَاء فَلَمَّا خَرجُوا أقبل على آلِهَتهم فَكَسرهَا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يزفون} قَالَ: يجرونَ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يزفون} قَالَ: يَنْسلونَ
والزفيف النسلان
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {يزفون} قَالَ: يسعون
وَأخرج البُخَارِيّ فِي خلق أَفعَال الْعباد وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن حُذَيْفَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن الله صانع كل صانع وصنعته
وتلا عِنْد ذَلِك {وَالله خَلقكُم وَمَا تَعْمَلُونَ}
وَأخرج ابْن جرير عَن السّديّ قَالَ {قَالُوا ابْنُوا لَهُ بنياناً فألقوه فِي الْجَحِيم} قَالَ: فحبسوه فِي بَيت وجمعوا لَهُ حطباً حَتَّى إِن كَانَت الْمَرْأَة لتمرض فَتَقول: لَئِن عافاني الله لأجمعن حطباً لإِبراهيم فَلَمَّا جمعُوا لَهُ وَأَكْثرُوا من الْحَطب حَتَّى إِن كَانَت(7/101)
الطير لتمر بهَا فتحترق من شدَّة وهجها فعمدوا إِلَيْهِ فَرَفَعُوهُ على رَأس الْبُنيان فَرفع إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام رَأسه إِلَى السَّمَاء فَقَالَت السَّمَاء وَالْأَرْض وَالْجِبَال وَالْمَلَائِكَة إِبْرَاهِيم يحرق فِيك فَقَالَ: أَنا أعلم بِهِ وَإِن دعَاكُمْ فاغيثوه
وَقَالَ إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام حِين رفع رَأسه إِلَى السَّمَاء: اللَّهُمَّ أَنْت الْوَاحِد فِي السَّمَاء وَأَنا الْوَاحِد فِي الأَرْض لَيْسَ فِي الأَرْض ولد يعبدك غَيْرِي حسبي الله وَنعم الْوَكِيل فناداها (يَا نَار كوني بردا وَسلَامًا على إِبْرَاهِيم) (الْأَنْبِيَاء 69)
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وَقَالَ إِنِّي ذَاهِب إِلَى رَبِّي سيهدين} قَالَ: حِين هَاجر
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله {رب هَب لي من الصَّالِحين} قَالَ: ولدا صَالحا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن فِي قَوْله {فبشرناه بِغُلَام حَلِيم} قَالَ: بِوِلَادَة إِسْحَق عَلَيْهِ السَّلَام
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد
مثله
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {فبشرناه بِغُلَام حَلِيم} قَالَ: بشر بِإسْحَاق قَالَ: وَلم يثن الله بالحلم على أحد إِلَّا على إِبْرَاهِيم وَإِسْحَاق عَلَيْهِمَا السَّلَام
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الشّعبِيّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فبشرناه بِغُلَام حَلِيم} قَالَ: هُوَ إِسْمَاعِيل عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: وبشره الله بنبوة إِسْحَاق بعد ذَلِك
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر من طَرِيق الزُّهْرِيّ عَن الْقَاسِم رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فبشرناه بِغُلَام حَلِيم} قَالَ: قَالَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا هُوَ إِسْحَاق عَلَيْهِ السَّلَام وَكَانَ ذَلِك بمنى
وَقَالَ كَعْب رَضِي الله عَنهُ: هُوَ إِسْحَاق عَلَيْهِ السَّلَام وَكَانَ ذَلِك بِبَيْت الْمُقَدّس
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر عَن مُحَمَّد بن كَعْب رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فبشرناه بِغُلَام حَلِيم} قَالَ: إِسْمَاعِيل عَلَيْهِ السَّلَام
وَأخرج ابْن جرير عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ {فبشرناه بِغُلَام حَلِيم} قَالَ: هُوَ إِسْحَاق عَلَيْهِ السَّلَام(7/102)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر عَن عبيد بن عُمَيْر رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فبشرناه بِغُلَام حَلِيم} قَالَ: هُوَ إِسْحَاق عَلَيْهِ السَّلَام
من آيَة 102 - 111(7/103)
فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (102) فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103) وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (105) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ (106) وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (107) وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (108) سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ (109) كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (110) إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (111)
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {بلغ مَعَه السَّعْي} قَالَ: الْعَمَل
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فَلَمَّا بلغ مَعَه السَّعْي} قَالَ: أدْرك مَعَه الْعَمَل
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فَلَمَّا بلغ مَعَه السَّعْي} قَالَ: لما مَشى مَعَ أَبِيه
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ {فَلَمَّا بلغ مَعَه السَّعْي} قَالَ: لما مَشى فَأسر فِي نَفسه حزنا فِي قِرَاءَة عبد الله {قَالَ يَا بني إِنِّي أرى فِي الْمَنَام أَنِّي أذبحك}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {فَلَمَّا بلغ مَعَه السَّعْي} قَالَ: لما شب حَتَّى أدْرك سَعْيه سعى إِبْرَاهِيم فِي الْعَمَل {فَلَمَّا أسلما} قَالَ: سلما مَا أمرا بِهِ {وتله للجبين} قَالَ: وضع وَجْهي للْأَرْض
فَفعل فَلَمَّا أَدخل يَده ليذبحه {وناديناه أَن يَا إِبْرَاهِيم قد صدقت الرُّؤْيَا} فَأمْسك(7/103)
يَده وَرفع رَأسه فَرَأى الْكَبْش ينحط إِلَيْهِ حَتَّى وَقع عَلَيْهِ فذبحه
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: لما أَرَادَ إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام أَن يذبح إِسْحَاق قَالَ لِأَبِيهِ: إِذا ذبحتني فاعتزل لَا أَضْطَرِب فينتضح عَلَيْك دمي فشده فَلَمَّا أَخذ الشَّفْرَة وَأَرَادَ أَن يذبحه نُودي من خَلفه {أَن يَا إِبْرَاهِيم قد صدقت الرُّؤْيَا}
وَأخرج أَحْمد عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن جِبْرِيل ذهب بإبراهيم إِلَى جَمْرَة الْعقبَة فَعرض لَهُ الشَّيْطَان فَرَمَاهُ بِسبع حَصَيَات فساخ ثمَّ أَتَى بِهِ الْجَمْرَة القصوى فَعرض لَهُ الشَّيْطَان فَرَمَاهُ بِسبع فساخ فَلَمَّا أَرَادَ إِبْرَاهِيم أَن يذبح إِسْحَاق عَلَيْهِمَا السَّلَام قَالَ لِأَبِيهِ: يَا أَبَت أوثقني لَا أَضْطَرِب فينتضح عَلَيْك دمي إِذا ذبحتني فشده فَلَمَّا أَخذ الشَّفْرَة فَأَرَادَ أَن يذبحه
نُودي من خَلفه {أَن يَا إِبْرَاهِيم قد صدقت الرُّؤْيَا}
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَالْحَاكِم وَصَححهُ من طَرِيق مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {وَإِن من شيعته لإِبراهيم} قَالَ: من شيعَة نوح على منهاجه وسننه {بلغ مَعَه السَّعْي} شب حَتَّى بلغ سَعْيه سعي إِبْرَاهِيم فِي الْعَمَل {فَلَمَّا أسلما} سلما مَا أمرا بِهِ {وتله} وضع وَجهه للْأَرْض فَقَالَ: لَا تذبحني وَأَنت تنظر عَسى أَن ترحمني فَلَا تجهز عَليّ وَإِن أجزع فانكص فَامْتنعَ مِنْك وَلَكِن أربط يَدي إِلَى رقبتي ثمَّ ضع وَجْهي إِلَى الأَرْض فَلَمَّا أَدخل يَده ليذبحه فَلم تصل المدية حَتَّى نُودي {أَن يَا إِبْرَاهِيم قد صدقت الرُّؤْيَا} فَأمْسك يَده فَذَلِك قَوْله {وفديناه بِذبح عَظِيم} بكبش {عَظِيم} متقبل
وَزعم ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَن الذَّبِيح إِسْمَاعِيل
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رُؤْيا الْأَنْبِيَاء وَحي
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن عبيد بن عُمَيْر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: رُؤْيا الْأَنْبِيَاء وَحي
ثمَّ تَلا هَذِه الْآيَة {إِنِّي أرى فِي الْمَنَام أَنِّي أذبحك فَانْظُر مَاذَا تُرَى}
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: رُؤْيا الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام(7/104)
حق
إِذا رَأَوْا شَيْئا فَعَلُوهُ
وَأخرج أَحْمد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: لما أَمر إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام بالمناسك عرض لَهُ الشَّيْطَان عِنْد الْمَسْعَى فسابقه فسبقه إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام ثمَّ ذهب بِهِ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام إِلَى جَمْرَة الْعقبَة فَعرض لَهُ الشَّيْطَان فَرَمَاهُ بِسبع حَصَيَات حَتَّى ذهب ثمَّ عرض لَهُ عِنْد الْجَمْرَة الْوُسْطَى فَرَمَاهُ بِسبع حَصَيَات {وتله للجبين} وعَلى إِسْمَاعِيل عَلَيْهِ السَّلَام قَمِيص أَبيض فَقَالَ: يَا أَبَت لَيْسَ لي ثوب تكفني فِيهِ غَيره فاخلعه حَتَّى تكفني فِيهِ فعالجه ليخلعه فَنُوديَ من خَلفه {أَن يَا إِبْرَاهِيم قد صدقت الرُّؤْيَا} فَالْتَفت فَإِذا كَبْش أَبيض أعين أقرن فذبحه
وَأخرج ابْن جرير وَالْحَاكِم من طَرِيق عَطاء بن أبي رَبَاح رَضِي الله عَنهُ قَالَ: المفدى إِسْمَاعِيل وَزَعَمت الْيَهُود أَنه إِسْحَاق
وكذبت الْيَهُود
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْحَاكِم وَصَححهُ من طَرِيق الشّعبِيّ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: الذَّبِيح إِسْمَاعِيل عَلَيْهِ السَّلَام
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق مُجَاهِد ويوسف بن مَاهك عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: الذَّبِيح إِسْمَاعِيل عَلَيْهِ السَّلَام
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير من طَرِيق يُوسُف بن مهْرَان وَأبي الطُّفَيْل عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: الذَّبِيح إِسْمَاعِيل عَلَيْهِ السَّلَام
وَأخرج عبد بن حميد عَن سعيد بن الْمسيب وَسَعِيد بن جُبَير قَالَا: الَّذِي أَرَادَ إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام ذبحه إِسْمَاعِيل عَلَيْهِ السَّلَام
وَأخرج ابْن جرير عَن الشّعبِيّ وَمُجاهد وَالْحسن ويوسف بن مهْرَان وَمُحَمّد بن كَعْب الْقرظِيّ
مثله
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وفديناه بِذبح عَظِيم} قَالَ: إِسْمَاعِيل ذبح عَنهُ إِبْرَاهِيم الْكَبْش
وَأخرج ابْن جرير والآمدي فِي مغازيه والخلعي فِي فَوَائده وَالْحَاكِم وَابْن مرْدَوَيْه بِسَنَد ضَعِيف عَن عبد الله بن سعيد الصنايجي قَالَ: حَضَرنَا مجْلِس مُعَاوِيَة بن أبي(7/105)
سُفْيَان فَتَذَاكَرَ الْقَوْم إِسْمَاعِيل وَإِسْحَاق أَيهمَا الذَّبِيح فَقَالَ مُعَاوِيَة: سَقَطْتُمْ على الْخَبِير كُنَّا عِنْد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَتَاهُ أَعْرَابِي فَقَالَ: يَا رَسُول الله خلفت الْكلأ يَابسا وَالْمَاء عَابِسا هلك الْعِيَال وَضاع المَال فعد عَليّ مِمَّا أَفَاء الله عَلَيْك يَا ابْن الذبيحين
فَتَبَسَّمَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلم يُنكر عَلَيْهِ فَقَالَ الْقَوْم: من الذَّبِيحَانِ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ قَالَ: إِن عبد الْمطلب لما حفر زَمْزَم نذر لله إِن سهل حفرهَا أَن ينْحَر بعض وَلَده فَلَمَّا فرغ أسْهم بَينهم وَكَانُوا عشرَة فَخرج السهْم على عبد الله فَأَرَادَ ذبحه فَمَنعه أَخْوَاله من بني مَخْزُوم وَقَالُوا: ارضِ رَبك وافْدِ ابْنك
فَفَدَاهُ بِمِائَة نَاقَة فَهُوَ الذَّبِيح وَإِسْمَاعِيل الثَّانِي
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَالْحَاكِم عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِن الَّذِي أَمر الله إِبْرَاهِيم بذَبْحه من ابنيه إِسْمَاعِيل وانا لنجد ذَلِك فِي كتاب الله وَذَلِكَ إِن الله يَقُول حِين فرغ من قصَّة الْمَذْبُوح {وبشرناه بِإسْحَاق} وَقَالَ (فبشرناه بِإسْحَاق وَمن وَرَاء إِسْحَاق يَعْقُوب) (هود الْآيَة 71) بِابْن وَابْن ابْن فَلم يكن يَأْمر بِذبح إِسْحَاق وَله فِيهِ مَوْعُود بِمَا وعده وَمَا الَّذِي أَمر بذَبْحه إِلَّا إِسْمَاعِيل
وَأخرج الْحَاكِم بِسَنَد فِيهِ الْوَاقِدِيّ عَن عَطاء بن يسَار رَضِي الله عَنهُ قَالَ سَأَلت خَوات بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ عَن ذبيح الله قَالَ: إِسْمَاعِيل عَلَيْهِ السَّلَام لما بلغ سبع سِنِين رأى إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام فِي النّوم فِي منزله بِالشَّام أَن يذبحه فَركب إِلَيْهِ على الْبراق حَتَّى جَاءَهُ فَوَجَدَهُ عِنْد أمه فَأخذ بيدَيْهِ وَمضى بِهِ لما أَمر بِهِ وَجَاء الشَّيْطَان فِي صُورَة رجل يعرفهُ [] فذبح طرفِي حلقه فَإِذا هُوَ نحر فِي نُحَاس فشحذ الشَّفْرَة مرَّتَيْنِ أَو ثَلَاثًا بِالْحجرِ وَلَا تحز قَالَ إِبْرَاهِيم: إِن هَذَا الْأَمر من الله فَرفع رَأسه فَإِذا هُوَ بوعل وَاقِف بَين يَدَيْهِ فَقَالَ إِبْرَاهِيم: قُم يَا بني قد نزل فداؤك فذبحه هُنَاكَ بمنى
وَأخرج الْحَاكِم بسندٍ فِيهِ الْوَاقِدِيّ من طَرِيق عَطاء بن يسَار رَضِي الله عَنهُ عَن عبد الله بن سَلام رَضِي الله عَنهُ قَالَ: الذَّبِيح إِسْمَاعِيل
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد وَالْحسن رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: الذَّبِيح إِسْمَاعِيل
وَأخرج عبد بن حميد من طَرِيق الفرزدق الشَّاعِر قَالَ: رَأَيْت أَبَا هُرَيْرَة رَضِي(7/106)
الله عَنهُ يخْطب على مِنْبَر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَيَقُول: إِن الَّذِي أَمر بذَبْحه إِسْمَاعِيل
وَأخرج ابْن إِسْحَق وَابْن جرير عَن مُحَمَّد بن كَعْب رَضِي الله عَنهُ
أَن عمر بن عبد الْعَزِيز رَضِي الله عَنهُ أرسل إِلَى رجل كَانَ يَهُودِيّا فَاسْلَمْ وَحسن إِسْلَامه وَكَانَ من عُلَمَائهمْ فَسَأَلَهُ: أَي ابْني إِبْرَاهِيم أَمر بذَبْحه فَقَالَ: إِسْمَاعِيل وَالله يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ وَإِن الْيَهُود لتعلم بذلك وَلَكنهُمْ يحسدونكم معشر الْعَرَب
وَأخرج الْبَزَّار وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: قَالَ نَبِي الله دَاوُد: يَا رب أسمع النَّاس يَقُولُونَ رب إِبْرَاهِيم وَإِسْحَق وَيَعْقُوب فَاجْعَلْنِي رَابِعا قَالَ: إِن إِبْرَاهِيم ألقِي فِي النَّار فَصَبر من أَجلي وَإِن إِسْحَاق جاد لي بِنَفسِهِ وَإِن يَعْقُوب غَابَ عَنهُ يُوسُف وَتلك بلية لم تَنَلكَ)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن عبيد بن عُمَيْر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام: يَا رب يَقُولُونَ يَا رب إِبْرَاهِيم وَإِسْحَق وَيَعْقُوب لأي شَيْء يَقُولُونَ ذَلِك قَالَ: لِأَن إِبْرَاهِيم لم يعدل بِي شَيْئا إِلَّا اختارني عَلَيْهِ وَإِن إِسْحَاق جاد لي بِنَفسِهِ فَهُوَ على مَا سواهُ أَجود وَأما يَعْقُوب فَمَا ابْتليت ببلاء إِلَّا ازْدَادَ بِي حسن الظَّن
وَأخرج الديلمي عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن دَاوُد سَأَلَ ربه مَسْأَلَة فَقَالَ: اجْعَلنِي مثل إِبْرَاهِيم وَإِسْحَق وَيَعْقُوب فَأوحى الله إِلَيْهِ أَنِّي: ابْتليت إِبْرَاهِيم بالنَّار فَصَبر وابتليت إِسْحَاق بِالذبْحِ فَصَبر وابتليت يَعْقُوب فَصَبر)
وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ فِي الْأَفْرَاد والديلمي عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: الذَّبِيح إِسْحَاق
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن بهار وَكَانَت لَهُ صُحْبَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِسْحَاق ذبيح
وَأخرج عبد بن حميد وَالطَّبَرَانِيّ عَن أبي الْأَحْوَص قَالَ: فاخر أَسمَاء بن خَارِجَة عِنْد ابْن مَسْعُود فَقَالَ: أَنا ابْن الْأَشْيَاخ الْكِرَام فَقَالَ ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ: ذَاك يُوسُف بن يَعْقُوب بن إِسْحَق ذبيح الله بن إِبْرَاهِيم خَلِيل الله(7/107)
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: سُئِلَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أكْرم النَّاس قَالَ يُوسُف بن يَعْقُوب بن إِسْحَاق ذبيح الله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط بِسَنَد ضَعِيف عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن الله خيرني بَين أَن يغْفر لنصف أمتِي أَو شَفَاعَتِي فاخترت شَفَاعَتِي ورجوت أَن تكون أَعم لأمتي وَلَوْلَا الَّذِي سبقني إِلَيْهِ العَبْد الصَّالح لعجلت دَعْوَتِي إِن الله لما فرج عَن إِسْحَاق كرب الذّبْح قيل لَهُ: يَا ابا إِسْحَاق سل تعطيه قَالَ: أما وَالله لَا تعجلها قبل نزغات الشَّيْطَان اللَّهُمَّ من مَاتَ لَا يُشْرك بك شَيْئا قد أحسن فَاغْفِر لَهُ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن كَعْب رَضِي الله عَنهُ
أَنه قَالَ لأبي هُرَيْرَة: أَلا أخْبرك عَن إِسْحَاق قَالَ: بلَى
قَالَ: رأى إِبْرَاهِيم أَن يذبح إِسْحَاق قَالَ الشَّيْطَان: وَالله لَئِن لم أفتن عِنْد هَذِه آل إِبْرَاهِيم لَا أفتن أحدا مِنْهُم أبدا فتمثل الشَّيْطَان رجلا يعرفونه فاقبل حَتَّى خرج إِبْرَاهِيم بِإسْحَاق ليذبحه دخل على سارة فَقَالَ: أَيْن أصبح إِبْرَاهِيم غادياً بِإسْحَاق قَالَت: لبَعض حَاجته قَالَ: لَا وَالله قَالَت: فَلِمَ غَدا قَالَ: ليذبحه قَالَت: لم يكن ليذبح ابْنه قَالَ: بلَى وَالله قَالَت سارة: فَلم يذبحه قَالَ: زعم أَن ربه أمره بذلك قَالَت: قد أحسن أَن يُطِيع ربه إِن كَانَ أمره بذلك
فَخرج الشَّيْطَان فَأدْرك إِسْحَاق وَهُوَ يمشي على أثر أَبِيه قَالَ: أَيْن أصبح أَبوك غادياً قَالَ: لبَعض حَاجته قَالَ: لَا وَالله بل غَدا بك ليذبحك قَالَ: مَا كَانَ أبي ليذبحني قَالَ: بلَى قَالَ: لِمَ قَالَ: زعم أَن الله أمره بذلك قَالَ إِسْحَق: فوَاللَّه لَئِن أمره ليطيعنه
فَتَركه الشَّيْطَان وأسرع إِلَى إِبْرَاهِيم فَقَالَ أَيْن أَصبَحت غادياً بابنك قَالَ: لبَعض حَاجَتي قَالَ: لَا وَالله مَا غَدَوْت بِهِ إِلَّا لتذبحه
قَالَ: ولِمَ أذبحه قَالَ: زعمت أَن الله أَمرك بذلك فَقَالَ: وَالله لَئِن كَانَ الله أَمرنِي لَأَفْعَلَنَّ
قَالَ فَتَركه ويئس أَن يطاع فَلَمَّا أَخذ إِبْرَاهِيم إِسْحَاق ليذبحه وَسلم إِسْحَاق عافاه الله وفداه بِذبح عَظِيم
فَقَالَ: قُم أَي بني فَإِن الله قد عافاك فَأوحى الله إِلَى إِسْحَاق: أَنِّي قد(7/108)
أَعطيتك دَعْوَة اسْتُجِيبَ لَك فِيهَا قَالَ: فَإِنِّي أَدْعُوك أَن تَسْتَجِيب لي
أَيّمَا عبد لقيك من الأوّلين والآخرين لَا يُشْرك بك شَيْئا فَادْخُلْهُ الْجنَّة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَسَعِيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر عَن عليّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: الذَّبِيح إِسْحَاق
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ الذَّبِيح إِسْحَاق
وَأخرج عبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ فِي تَارِيخه وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب قَالَ: الذَّبِيح إِسْحَاق
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَسَعِيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَالْحَاكِم وَصَححهُ من طَرِيق عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الذَّبِيح إِسْحَاق
وَأخرج عبد الله بن أَحْمد فِي زَوَائِد الزّهْد عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما رأى إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام فِي الْمَنَام ذبح إِسْحَاق سَار بِهِ من منزله إِلَى المنحر بمنى مسيرَة شهر فِي غَدَاة وَاحِدَة فَلَمَّا صرف عَنهُ الذّبْح وَأمر بِذبح الْكَبْش ذبحه ثمَّ رَاح بِهِ وراحا إِلَى منزله فِي عَشِيَّة وَاحِدَة مسيرَة شهر طويت لَهُ الأودية وَالْجِبَال
وَأخرج الْحَاكِم بِسَنَد فِيهِ الْوَاقِدِيّ عَن جَابر بن عبد الله رَضِي الله عَنهُ قَالَ: رأى إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام فِي الْمَنَام
أَن يذبح إِسْحَاق
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مَسْرُوق رَضِي الله عَنهُ قَالَ: الذَّبِيح إِسْحَاق
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن نوح بن حبيب قَالَ: سَمِعت الشَّافِعِي يَقُول كلَاما مَا سَمِعت قطّ أحسن مِنْهُ سمعته يَقُول: قَالَ خَلِيل الله إِبْرَاهِيم لوَلَده فِي وَقت مَا قصّ عَلَيْهِ مَا رأى مَاذَا ترى أَي مَاذَا تُشِير بِهِ ليستخرج بِهَذِهِ اللَّفْظَة مِنْهُ ذكر التَّفْوِيض وَالصَّبْر وَالتَّسْلِيم والانقياد لأمر الله لَا لمواراته لدفع أَمر الله تَعَالَى {يَا أبتِ افْعَل مَا تُؤمر ستجدني إِن شَاءَ الله من الصابرين} قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ والتفويض هُوَ الصَّبْر وَالتَّسْلِيم هُوَ الصَّبْر والانقياد هُوَ ملاك الصَّبْر فَجمع لَهُ الذَّبِيح جمع مَا ابتغاه بِهَذِهِ اللَّفْظَة الْيَسِيرَة
وَأخرج الْخَطِيب فِي تالي التَّلْخِيص عَن فُضَيْل بن عِيَاض قَالَ: أضجعه وَوضع(7/109)
الشَّفْرَة فاقلب جِبْرِيل الشَّفْرَة فَقَالَ: يَا أَبَت شدني فَإِنِّي أَخَاف أَن ينتضح عَلَيْك من دمي ثمَّ قَالَ: يَا أَبَت حلني فَإِنِّي أَخَاف أَن تشهد عليَّ الْمَلَائِكَة أَنِّي جزعت من أَمر الله تَعَالَى
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أَتَى إِبْرَاهِيم فِي النّوم فَقيل لَهُ: أوف بِنَذْرِك الَّذِي نذرت
إِن الله رزقك غُلَاما من سارة أَن تذبحه
فَقَالَ: يَا إِسْحَاق انْطلق فَقرب قرباناً إِلَى الله فَأخذ سكيناً وحبلاً ثمَّ انْطلق بِهِ حَتَّى إِذا ذهب بِهِ بَين الْجبَال قَالَ الْغُلَام: يَا أَبَت أَيْن قربانك {قَالَ يَا بني إِنِّي أرى فِي الْمَنَام أَنِّي أذبحك فَانْظُر مَاذَا ترى قَالَ يَا أَبَت افْعَل مَا تُؤمر ستجدني إِن شَاءَ الله من الصابرين} قَالَ لَهُ إِسْحَاق: يَا أَبَت اشْدُد رباطي حَتَّى لَا أَضْطَرِب وأكفف عني ثِيَابك حَتَّى لَا ينضح عَلَيْهَا من دمي شَيْء فتراه سارة فتحزن وأسرع مر السكين على حلقي ليَكُون أَهْون للْمَوْت عليَّ فَإِذا أتيت سارة فاقرأ عَلَيْهَا السَّلَام مني
فَأقبل عَلَيْهِ إِبْرَاهِيم بِقَلْبِه وَهُوَ يبكي وَإِسْحَاق يبكي ثمَّ إِنَّه جر السكين على حلقه فَلم تنحر وَضرب الله على حلق إِسْحَاق صفيحة من نُحَاس فَلَمَّا رأى ذَلِك ضرب بِهِ على جَبينه وحز من قَفاهُ
وَذَلِكَ قَول الله {فَلَمَّا أسلما} يَقُول: سلما لله الْأَمر {وتله للجبين} فَنُوديَ يَا إِبْرَاهِيم (قد صدقت الرُّؤْيَا) بِإسْحَاق فَالْتَفت فَإِذا هُوَ بكبش فَأَخذه وَحل عَن ابْنه وأكب عَلَيْهِ يقبله وَجعل يَقُول: الْيَوْم يَا بني وهبت لي
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة قَالَ: إِن الله لما أَمر إِبْرَاهِيم بِذبح ابْنه قَالَ لَهُ: يَا بني خُذ الشَّفْرَة فَقَالَ الشَّيْطَان: هَذَا أَوَان أُصِيب حَاجَتي من آل إِبْرَاهِيم فلقي إِبْرَاهِيم متشبهاً بصديق لَهُ فَقَالَ لَهُ: يَا إِبْرَاهِيم أَيْن تعمد قَالَ: لحَاجَة قَالَ: وَالله مَا تذْهب إِلَّا لتذبح ابْنك من أجل رُؤْيا رَأَيْتهَا والرؤيا تخطىء وتصيب وَلَيْسَ فِي رُؤْيا رَأَيْتهَا مَا تذْهب إِسْحَاق فَلَمَّا رأى أَنه لم يستفد من إِبْرَاهِيم شَيْئا
لَقِي إِسْحَاق فَقَالَ: أَيْن تعمد يَا إِسْحَاق قَالَ: لحَاجَة إِبْرَاهِيم قَالَ: إِن إِبْرَاهِيم إِنَّمَا يذهب بك ليذبحك فَقَالَ إِسْحَاق: وَمَا شَأْنه يذبحني وَهل رَأَيْت أحدا يذبح ابْنه قَالَ: يذبحك لله قَالَ: فَإِن يذبحني لله أَصْبِر وَالله لذَلِك أهل فَلَمَّا رأى أَنه لم يستفد من إِسْحَاق شَيْئا جَاءَ إِلَى سارة فَقَالَ: أَيْن يذهب إِسْحَاق قَالَت: ذهب مَعَ إِبْرَاهِيم(7/110)
لِحَاجَتِهِ فَقَالَ: إِنَّمَا ذهب بِهِ ليذبحه فَقَالَت: وَهل رَأَيْت أحدا يذبح ابْنه قَالَ: يذبحه لله قَالَت: فَإِن ذبحه لله فَإِن إِبْرَاهِيم وَإِسْحَاق لله وَالله لذَلِك أهل فَلَمَّا رأى أَنه لم يستفد مِنْهُمَا شَيْئا أَتَى الْجَمْرَة فانتفخ حَتَّى سد الْوَادي وَمَعَ إِبْرَاهِيم الْملك فَقَالَ الْملك: ارْمِ يَا إِبْرَاهِيم فَرمى بِسبع حَصَيَات يكبر فِي أثر كل حَصَاة فأفرج لَهُ عَن طَرِيق ثمَّ انْطلق حَتَّى أَتَى الْجَمْرَة الثَّانِيَة فانتفخ حَتَّى سد الْوَادي فَقَالَ لَهُ الْملك: ارْمِ يَا إِبْرَاهِيم فَرمى بِسبع حَصَيَات يكبر مَعَ كل حَصَاة فافرج لَهُ عَن الطَّرِيق ثمَّ انْطلق حَتَّى أَتَى الْجَمْرَة الثَّالِثَة فانتفخ حَتَّى سد الْوَادي عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ الْملك: ارْمِ يَا إِبْرَاهِيم فَرمى بِسبع حَصَيَات يكبر فِي أثر كل حَصَاة فأفرج لَهُ عَن الطَّرِيق حَتَّى أَتَى المنحر
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان من طَرِيق الْكَلْبِيّ عَن أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: إِنَّمَا سميت تروية وعرفة لِأَن إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام أَتَاهُ الْوَحْي فِي مَنَامه: أَن يذبح ابْنه فَرَأى فِي نَفسه أَمن الله هَذَا أم من الشَّيْطَان فاصبح صَائِما فَلَمَّا كَانَ لَيْلَة عَرَفَة أَتَاهُ الْوَحْي فَعرف أَنه الْحق من ربه فسميت عَرَفَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فَلَمَّا أسلما} قَالَ: أسلم هَذَا نَفسه لله وَأسلم هَذَا ابْنه لله {وتله} أَي كَبه لفيه
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي صَالح رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فَلَمَّا أسلما} قَالَ: اتفقَا على أَمر وَاحِد {وتله للجبين} قَالَ: أكبه للجبين
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وتله للجبين} قَالَ: أكبه على وَجهه
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وتله للجبين} قَالَ: صرعه
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما أَرَادَ إِبْرَاهِيم أَن يذبح ابْنه قَالَ: يَا أبتاه خُذ بناصيتي واجلس بَين كَتِفي حَتَّى لَا أؤذيك إِذا مسني حر السكين فَفعل فَانْقَلَبت السكين قَالَ: مَالك يَا أبتاه قَالَ: انقلبت(7/111)
السكين قَالَ: فاطعن بهَا طَعنا قَالَ: فتثنت قَالَ: مَالك يَا أبتاه قَالَ: تثنت فَعرف الصدْق فَفَدَاهُ الله بِذبح عَظِيم وَهُوَ إِسْحَاق
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وتله للجبين} قَالَ: سَاجِدا
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي صَالح رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما أَن وضع السكين على حلقه انقلبت صَارَت نُحَاسا
وَأخرج عبد بن حميد عَن عُثْمَان بن حَاضر قَالَ: لما أَرَادَ إِبْرَاهِيم أَن يذبح ابْنه إِسْحَاق ترك أمه سارة فِي مَسْجِد الْخيف وَذهب بِإسْحَاق مَعَه فَلَمَّا بلغ حَيْثُ أَرَادَ أَن يذبحه قَالَ إِبْرَاهِيم لمن كَانَ مَعَه: استأخروا مني وَأخذ بيد ابْنه إِسْحَاق فَعَزله فَقَالَ: يَا بني {إِنِّي أرى فِي الْمَنَام أَنِّي أذبحك فَانْظُر مَاذَا ترى} قَالَ لَهُ إِسْحَاق: يَا أَبَت رَبِّي أَمرك قَالَ إِبْرَاهِيم: نعم يَا إِسْحَاق قَالَ إِسْحَاق: {افْعَل مَا تُؤمر ستجدني إِن شَاءَ الله من الصابرين فَلَمَّا أسلما} لأمر الله {وتله} قَالَ إِسْحَاق لِأَبِيهِ: يَا أبتِ أوثقتني لأطيش بك نُودي {يَا إِبْرَاهِيم قد صدقت الرُّؤْيَا} وَهَبَطَ عَلَيْهِ الْكَبْش من ثبير وَقد قيل: إِنَّه ارتعى فِي الْجنَّة أَرْبَعِينَ سنة فَلَمَّا كشف عَن إِسْحَاق دَعَا ربه وَرغب إِلَيْهِ وحمده وَأوحى إِلَيْهِ: أَن أدع فَإِن دعاءك مستجاب فَقَالَ: اللَّهُمَّ من خرج من الدُّنْيَا لَا يُشْرك بك شَيْئا فَادْخُلْهُ الْجنَّة
قَالَ ابْن خاضر: إِن إِبْرَاهِيم كَانَ قَالَ لرَبه: يَا رب أَي وَلَدي أذبح فَأوحى الرب إِلَيْهِ: أحبهما إِلَيْك
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ: أَن دَاوُد قَالَ: يَا رب إِن النَّاس يَقُولُونَ رب إِبْرَاهِيم وَإِسْحَق وَيَعْقُوب فَاجْعَلْنِي لَهُم رَابِعا
فَأوحى الله إِلَيْهِ: أَن تِلْكَ بلية لم تصل إِلَيْك بعد
إِن إِبْرَاهِيم لم يعدل بِي شَيْئا إِلَّا اختارني ووفى بِجَمِيعِ مَا أَمرته
وَإِن إِسْحَق جاد لي بِنَفسِهِ
وَإِن يَعْقُوب أخذت خاصته غيبته عَنهُ طول الدَّهْر فَلم ييأس من روحي
وَأخرج سعد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر عَن عَطاء بن يسَار رَضِي الله عَنهُ قَالَ: خرج إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام بِابْنِهِ إِسْمَاعِيل وَإِسْحَاق عَلَيْهِمَا السَّلَام فتمثل لَهُ الشَّيْطَان فِي صُورَة رجل فَقَالَ لَهُ: أَيْن تذْهب فَقَالَ إِبْرَاهِيم: عَلَيْهِ السَّلَام مَا لَك وَلذَلِك(7/112)
اذْهَبْ فِي حَاجَتي قَالَ: فَإنَّك تزْعم أَنَّك تذْهب بابنك فتذبحه قَالَ: وَالله إِن كَانَ الله أَمرنِي بذلك أَنِّي لحقيق أَن أطيع رَبِّي ثمَّ ذهب إِلَى ابْنه وَهُوَ وَرَاءه يمشي فَقَالَ لَهُ: أَيْن تذْهب قَالَ: اذْهَبْ مَعَ أبي فَقَالَ: إِن أَبَاك يزْعم أَن الله أمره بذبحك فَقَالَ لَهُ مثل مَا قَالَ إِبْرَاهِيم ثمَّ انْطلق إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام حَتَّى إِذا كَانُوا على جبل قَالَ لِابْنِهِ {يَا بني إِنِّي أرى فِي الْمَنَام أَنِّي أذبحك فَانْظُر مَاذَا ترى قَالَ يَا أَبَت افْعَل مَا تُؤمر ستجدني إِن شَاءَ الله من الصابرين} وَيَا أَبَت أوثقني رِبَاطًا لَا ينتضح عَلَيْك من دمي فَقَامَ إِلَيْهِ إِبْرَاهِيم بالشفرة فبرك عَلَيْهِ فَجعل مَا بَين ليته إِلَى منحره نُحَاسا لَا تحيك فِيهِ الشَّفْرَة ثمَّ إِن إِبْرَاهِيم الْتفت وَرَاء فَإِذا هُوَ بالكبش فَقَالَ لَهُ: أَي بني قُم فَإِن الله فدَاك فذبح إِبْرَاهِيم الْكَبْش وَترك ابْنه ثمَّ إِن إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: يَا بني إِن الله قد أَعْطَاك بصبرك الْيَوْم فسل مَا شِئْت تُعْطى قَالَ: فَإِنِّي أسأَل الله أَن لَا يلقاه لَهُ عبد مُؤمن بِهِ يشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ إِلَّا غفر لَهُ وَأدْخلهُ الْجنَّة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وفديناه بِذبح عَظِيم} قَالَ: كَبْش أَبيض أعين أقرن قد ربط بسمرة فِي أصل ثبير
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وفديناه بِذبح عَظِيم} قَالَ: كَبْش قد رعى فِي الْجنَّة أَرْبَعِينَ خَرِيفًا
وَأخرج البُخَارِيّ فِي تَارِيخه عَن عَليّ بن أبي طَالب قَالَ: هَبَط الْكَبْش الَّذِي فدى ابْن إِبْرَاهِيم من هَذِه الخيبة على يسَار الْجَمْرَة الْوُسْطَى
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: الصَّخْرَة الَّتِي بمنى بِأَصْل ثبير هِيَ الَّتِي ذبح عَلَيْهَا إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام فدى ابْنه إِسْحَاق هَبَط عَلَيْهِ من ثبير كَبْش أعين أقرن لَهُ ثُغَاء وَهُوَ الْكَبْش الَّذِي قربه ابْن آدم فَتقبل مِنْهُ وَكَانَ مخزوناً فِي الْجنَّة حَتَّى فدى بِهِ إِسْحَاق عَلَيْهِ السَّلَام(7/113)
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَأحمد وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن امْرَأَة من بني سليم قَالَت: أرسل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى عُثْمَان بن طَلْحَة فَسَأَلت عُثْمَان لما دَعَاهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: قَالَ إِنِّي كنت رَأَيْت قَرْني الْكَبْش حِين دخلت الْكَعْبَة فنسيت أَن آمُرك أَن تخمرهما فخمرهما فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَن يكون فِي الْبَيْت شَيْء يشغل الْمُصَلِّين
وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: فدى الله إِسْمَاعِيل عَلَيْهِ السَّلَام بكبشين أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ أَعْيَنَيْنِ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {وفديناه بِذبح عَظِيم} قَالَ: بكبش متقبل
وَأخرج الْبَغَوِيّ عَن عَطاء بن السَّائِب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كنت قَاعِدا بالمنحر مَعَ رجل من قُرَيْش فَحَدثني الْقرشِي قَالَ: حَدثنِي أبي أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَهُ: إِن الْكَبْش الَّذِي نزل على إِبْرَاهِيم فِي هَذَا الْمَكَان
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وفديناه بِذبح عَظِيم} قَالَ: خرج عَلَيْهِ كَبْش من الْجنَّة وَقد رعاها قبل ذَلِك أَرْبَعِينَ خَرِيفًا فَأرْسل إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام ابْنه وَاتبع الْكَبْش فَأخْرجهُ إِلَى الْجَمْرَة الأولى فَرَمَاهُ بِسبع حَصَيَات فأفلته عِنْده فجَاء الْجَمْرَة الْوُسْطَى فَأخْرجهُ عِنْدهَا فَرَمَاهُ بِسبع حَصَيَات ثمَّ أفلته عِنْد الْجَمْرَة الْكُبْرَى فَرَمَاهُ بِسبع حَصَيَات فَأخْرجهُ عِنْدهَا ثمَّ أَخذه فَأتى بِهِ المنحر من منى فذبحه
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن قَالَ: كَانَ اسْم كَبْش إِبْرَاهِيم
جرير
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ لَهُ رجل: نذرت لأنحرن نَفسِي فَقَالَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا (لقد كَانَ لكم فِي رَسُول الله أُسْوَة حَسَنَة) (الْأَحْزَاب 21) ثمَّ تَلا {وفديناه بذبحٍ عَظِيم} فَأمره بكبش فذبحه
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: من نذر أَن يذبح نَفسه فليذبح كَبْشًا ثمَّ تَلا (لقد كَانَ لكم فِي رَسُول الله أُسْوَة حَسَنَة)
وَأخرج الديلمي عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا رَفعه لما فدى الله إِسْحَاق من الذّبْح أَتَاهُ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ: يَا إِسْحَاق إِنَّه لم يصبر أحد من الْأَوَّلين(7/114)
والآخرين [] يشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله فَاغْفِر لَهُ
سبقني أخي إِسْحَاق عَلَيْهِ السَّلَام إِلَى الدعْوَة
الْآيَات 112 - 122(7/115)
وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (112) وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ (113) وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ (114) وَنَجَّيْنَاهُمَا وَقَوْمَهُمَا مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (115) وَنَصَرْنَاهُمْ فَكَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ (116) وَآتَيْنَاهُمَا الْكِتَابَ الْمُسْتَبِينَ (117) وَهَدَيْنَاهُمَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (118) وَتَرَكْنَا عَلَيْهِمَا فِي الْآخِرِينَ (119) سَلَامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ (120) إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (121) إِنَّهُمَا مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (122)
أخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وبشرناه بِإسْحَاق نَبيا من الصَّالِحين} قَالَ: إِنَّمَا بشر بِهِ نَبيا حِين فدَاه الله من الذّبْح وَلم تكن الْبشَارَة بِالنُّبُوَّةِ حِين مولده
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وبشرناه بِإسْحَاق} قَالَ: بشرى نبوة
بشر بِهِ مرَّتَيْنِ حِين ولد
وَحين نبىء
وَأخرج عبد بن حميد عَن عبد الحميد بن جُبَير بن شيبَة قَالَ: قلت لِابْنِ الْمسيب {وفديناه بذبحٍ عَظِيم} هُوَ إِسْحَاق قَالَ معَاذ الله
وَلكنه إِسْمَاعِيل عَلَيْهِ السَّلَام فثوب بصبره إِسْحَاق
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وبشرناه بِإسْحَاق نَبيا} قَالَ: بشر بِهِ بعد ذَلِك نَبيا
بَعْدَمَا كَانَ هَذَا من أمره لما جاد لله بِنَفسِهِ {وباركنا عَلَيْهِ وعَلى إِسْحَاق وَمن ذريتهما محسن وظالم لنَفسِهِ مُبين} أَي مُؤمن وَكَافِر
وَفِي قَوْله {وَلَقَد مننا على مُوسَى وَهَارُون ونجيناهما وقومهما من الكرب الْعَظِيم}(7/115)
أَي من آل فِرْعَوْن {وآتيناهما الْكتاب المستبين} قَالَ: التَّوْرَاة {وهديناهما الصِّرَاط الْمُسْتَقيم} قَالَ: الإِسلام {وَتَركنَا عَلَيْهِمَا فِي الآخرين} قَالَ: أبقى الله عَلَيْهِمَا الثَّنَاء الْحسن فِي الآخرين
الْآيَات 123 - 132(7/116)
وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (123) إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلَا تَتَّقُونَ (124) أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ (125) اللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (126) فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ (127) إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (128) وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (129) سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ (130) إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (131) إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (132)
أخرج ابْن عَسَاكِر من طَرِيق جُوَيْبِر عَن الضَّحَّاك عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وَإِن إلْيَاس لمن الْمُرْسلين} الْآيَات
قَالَ: إِنَّمَا سمي بعلبك لعبادتهم البعل وَكَانَ موضعهم البدء فَسُمي بعلبك
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَإِن إلْيَاس} قَالَ: إِن الله تَعَالَى بعث إلْيَاس إِلَى بعلبك وَكَانُوا قوما يعْبدُونَ الْأَصْنَام وَكَانَت مُلُوك بني إِسْرَائِيل مُتَفَرِّقَة على الْعَامَّة كل ملك على نَاحيَة يأكلها وَكَانَ الْملك الَّذِي كَانَ إلْيَاس مَعَه يقوم لَهُ أمره ويقتدي بِرَأْيهِ وَهُوَ على هدي من بَين أَصْحَابه حَتَّى وَقع إِلَيْهِم قوم من عَبدة الْأَصْنَام فَقَالُوا لَهُ: مَا يَدْعُوك إِلَّا إِلَى الضَّلَالَة وَالْبَاطِل وَجعلُوا يَقُولُونَ لَهُ: أعبد هَذِه الْأَوْثَان الَّتِي تعبد الْمُلُوك وهم على مَا نَحن عَلَيْهِ
يَأْكُلُون وَيَشْرَبُونَ وهم فِي ملكهم يَتَقَلَّبُونَ وَمَا تنقص دنياهم
من رَبهم الَّذِي تزْعم أَنه بَاطِل وَمَا لنا عَلَيْهِم من فضل
فَاسْتَرْجع إلْيَاس فَقَامَ شعر رَأسه وَجلده فَخرج عَلَيْهِ إلْيَاس
قَالَ الْحسن رَضِي الله عَنهُ: وَإِن الَّذِي زين لذَلِك الْملك امْرَأَته وَكَانَت قبله تَحت ملك جَبَّار وَكَانَ من الكنعانيين فِي طول وجسم وَحسن فَمَاتَ زَوجهَا فاتخذت تمثالاً(7/116)
على صُورَة بَعْلهَا من الذَّهَب وَجعلت لَهُ حدقتين من ياقوتتين وتوجته بتاج مكلل بالدر والجوهر ثمَّ أقعدته على سَرِير تدخل عَلَيْهِ فتدخنه وتطيبه وتسجد لَهُ ثمَّ تخرج عَنهُ فَتزوّجت بعد ذَلِك هَذَا الْملك الَّذِي كَانَ إلْيَاس مَعَه وَكَانَت فاجرة قد قهرت زَوجهَا وَوضعت البعل فِي ذَلِك الْبَيْت وَجعلت سبعين سادنا فعبدوا البعل فَدَعَاهُمْ إلْيَاس إِلَى الله فَلم يزدهم ذَلِك إِلَّا بعدا
فَقَالَ إلْيَاس: اللَّهُمَّ إِن بني إِسْرَائِيل قد أَبَوا إِلَّا الْكفْر بك وَعبادَة غَيْرك فَغير مَا بهم من نِعْمَتك فَأوحى الله إِلَيْهِ: إِنِّي قد جعلت أَرْزَاقهم بِيَدِك
فَقَالَ: اللَّهُمَّ أمسك عَنْهُم الْقطر ثَلَاث سِنِين فَأمْسك الله عَنْهُم الْقطر وَأرْسل إِلَى الْملك فتاه اليسع فَقَالَ: قل لَهُ إِن إلْيَاس يَقُول لَك أَنَّك اخْتَرْت عبَادَة البعل على عبَادَة الله وَاتَّبَعت هوى امْرَأَتك فاستعد للعذاب وَالْبَلَاء فَانْطَلق اليسع فَبلغ رسَالَته للْملك فعصمه الله تَعَالَى من شَرّ الْملك وَأمْسك الله عَنْهُم الْقطر حَتَّى هَلَكت الْمَاشِيَة وَالدَّوَاب وَجهد النَّاس جهداً شَدِيدا
وَخرج إلْيَاس إِلَى ذرْوَة جبل فَكَانَ الله يَأْتِيهِ برزقه وفجر لَهُ عينا معينا لشرابه وَطهُوره حَتَّى أصَاب النَّاس الْجهد فَأرْسل الْملك إِلَى السّبْعين فَقَالَ لَهُم: سلوا البعل أَن يفرج مَا بِنَا فأخرجوا أصنامهم فقربوا لَهَا الذَّبَائِح وعطفوا عَلَيْهَا وَجعلُوا يدعونَ حَتَّى طَال ذَلِك بهم فَقَالَ لَهُم الْملك: إِن إِلَه إلْيَاس كَانَ أسْرع إِجَابَة من هَؤُلَاءِ فبعثوا فِي طلب إلْيَاس فَأتى فَقَالَ: أتحبون أَن يفرج عَنْكُم قَالُوا: نعم
قَالَ: فاخرجوا أوثانكم فَدَعَا إلْيَاس عَلَيْهِ السَّلَام ربه أَن يفرج عَنْهُم فارتفعت سَحَابَة مثل الترس
وهم ينظرُونَ ثمَّ أرسل الله عَلَيْهِم الْمَطَر فأغاثهم فتابوا وَرَجَعُوا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن عَسَاكِر عَن ابْن مَسْعُود قَالَ {إلْيَاس} هُوَ إِدْرِيس
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ يُقَال أَن {إلْيَاس} هُوَ إِدْرِيس عَلَيْهِ السَّلَام
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن كَعْب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أَرْبَعَة أَنْبيَاء الْيَوْم أَحيَاء
اثْنَان فِي الدُّنْيَا
إلْيَاس وَالْخضر
وَاثْنَانِ فِي السَّمَاء
عِيسَى وَإِدْرِيس(7/117)
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن ابْن شَوْذَب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: الْخضر عَلَيْهِ السَّلَام من وَفد فَارس وإلياس عَلَيْهِ السَّلَام من بني إِسْرَائِيل يَلْتَقِيَانِ كل عَام بِالْمَوْسِمِ
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن وهب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: دَعَا إلْيَاس عَلَيْهِ السَّلَام ربه أَن يريحه من قومه فَقيل لَهُ: انْظُر يَوْم كَذَا وَكَذَا
فَإِذا هُوَ بِشَيْء قد أقبل على صُورَة فرس فَإِذا رَأَيْت دَابَّة لَوْنهَا مثل لون النَّار فاركبها فَجعل يتَوَقَّع ذَلِك الْيَوْم فَإِذا هُوَ بِشَيْء قد أقبل على صُورَة فرس لَونه كلون النَّار حَتَّى وقف بَين يَدَيْهِ فَوَثَبَ عَلَيْهِ فَانْطَلق بِهِ فَكَانَ آخر الْعَهْد بِهِ فَكَسَاهُ الله الريش وكساه النُّور وَقطع عَنهُ لَذَّة الْمطعم وَالْمشْرَب فَصَارَ فِي الْمَلَائِكَة عَلَيْهِم السَّلَام
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إلْيَاس عَلَيْهِ السَّلَام مُوكل بالفيافي
وَالْخضر عَلَيْهِ السَّلَام بالجبال وَقد أعطيا الْخلد فِي الدُّنْيَا إِلَى الصَّيْحَة الأولى وإنهما يَجْتَمِعَانِ كل عَام بِالْمَوْسِمِ
وَأخرج الْحَاكِم عَن كَعْب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ إلْيَاس عَلَيْهِ السَّلَام صَاحب جبال وبرية يَخْلُو فِيهَا يعبد ربه عز وَجل وَكَانَ ضخم الرَّأْس خميص الْبَطن دَقِيق السَّاقَيْن فِي صَدره شامة حَمْرَاء وَإِنَّمَا رَفعه الله تَعَالَى إِلَى أَرض الشَّام لم يصعد بِهِ إِلَى السَّمَاء وَهُوَ الَّذِي سَمَّاهُ الله ذَا النُّون
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: الْخضر هُوَ إلْيَاس
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل وَضَعفه عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي سفر فنزلنا منزلا فَإِذا رجل فِي الْوَادي يَقُول: اللَّهُمَّ اجْعَلنِي من أمة مُحَمَّد المرحومة المغفورة المثاب لَهَا فاشرفت على الْوَادي فَإِذا طوله ثلثمِائة ذِرَاع وَأكْثر
فَقَالَ: من أَنْت قلت: أنس خَادِم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: أَيْن هُوَ قلت: هُوَ ذَا يسمع كلامك قَالَ: فأته وَأقرهُ مني السَّلَام وَقل لَهُ أَخُوك إلْيَاس يُقْرِئك السَّلَام
فَأتيت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَخْبَرته فجَاء حَتَّى عانقه وقعدا يتحدثان فَقَالَ لَهُ: يَا رَسُول الله إِنِّي إِنَّمَا آكل فِي كل سنة يَوْمًا وَهَذَا يَوْم فطري فَكل أَنْت وَأَنا فَنزلت عَلَيْهِمَا مائدة من السَّمَاء وخبز وحوت وكرفس فأكلا وأطعماني وصليا الْعَصْر ثمَّ وَدعنِي وودعه ثمَّ رَأَيْته مر على(7/118)
السَّحَاب نَحْو السَّمَاء قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح الإِسناد وَقَالَ الذَّهَبِيّ: بل هُوَ مَوْضُوع قبح الله من وَضعه
قَالَ: وَمَا كنت أَحسب وَلَا أجوِّز أَن الْجَهْل يبلغ بالحاكم أَن يصحح هَذَا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {أَتَدعُونَ بعلاً} قَالَ: صنماً
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {أَتَدعُونَ بعلاً} قَالَ: رَبًّا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَإِبْرَاهِيم الْحَرْبِيّ فِي غَرِيب الحَدِيث عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا
أَنه أبْصر رجلا يَسُوق بقرة فَقَالَ: من بعل هَذِه فَدَعَاهُ فَقَالَ: مِمَّن أَنْت قَالَ: من أهل الْيمن
فَقَالَ: هِيَ لُغَة {أَتَدعُونَ بعلاً} أَي رَبًّا
وَأخرج ابْن الْأَنْبَارِي عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ
استام بِنَاقَة رجل من حمير فَقَالَ لَهُ: أَنْت صَاحبهَا قَالَ: أَنا بَعْلهَا فَقَالَ ابْن عَبَّاس {أَتَدعُونَ بعلاً} أَتَدعُونَ رَبًّا
مِمَّن أَنْت قَالَ: من حمير
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ قَالَ: مر رجل يَقُول: من يعرف الْبَقَرَة فَقَالَ رجل: أَنا بَعْلهَا فَقَالَ لَهُ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا: تزْعم أَنَّك زوج الْبَقَرَة قَالَ الرجل: أما سَمِعت قَول الله {أَتَدعُونَ بعلاً وتذرون أحسن الْخَالِقِينَ} قَالَ: تدعون بعلاً وَأَنا ربكُم فَقَالَ لَهُ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا: صدقت
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {أَتَدعُونَ بعلاً} قَالَ: رَبًّا بلغَة ازدة شنوأة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن زيد بن أسلم رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {أَتَدعُونَ بعلاً} قَالَ: صنماً لَهُم كَانُوا يعبدونه فِي بعلبك وَهِي وَرَاء دمشق فَكَانَ بهَا البعل الَّذِي يعبدونه
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {أَتَدعُونَ بعلاً} قَالَ: رَبًّا باليمانية يَقُول الرجل للرجل: من بعل الثَّوْب
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قيس بن سعد قَالَ: سَأَلَ(7/119)
رجل ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ عَن قَوْله {أَتَدعُونَ بعلاً} فَسكت عَنهُ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا ثمَّ سَأَلَهُ فَسكت عَنهُ فَسمع رجلا ينشد ضَالَّة فَسمع آخر يَقُول: أَنا بَعْلهَا
فَقَالَ ابْن عَبَّاس: أَيْن السَّائِل اسْمَع مَا يَقُول السَّائِل
أَنا بَعْلهَا
أَنا رَبهَا {أَتَدعُونَ بعلاً} أَتَدعُونَ رَبًّا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {سَلام على إل ياسين} قَالَ: هُوَ إلْيَاس
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك أَنه قَرَأَ سَلام على ادراسين وَقَالَ: هُوَ مثل إلْيَاس مثل عِيسَى والمسيح وَمُحَمّد وَأحمد وَإِسْرَائِيل وَيَعْقُوب
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {سَلام على إل ياسين} قَالَ: نَحن آل مُحَمَّد {إل ياسين}
الْآيَات 133 - 138(7/120)
وَإِنَّ لُوطًا لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (133) إِذْ نَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ (134) إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ (135) ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ (136) وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ (137) وَبِاللَّيْلِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (138)
أخرج ابْن جرير عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ {إِلَّا عجوزاً فِي الغابرين} يَقُول: إِلَّا امْرَأَته تخلفت فمشخت حجرا وَكَانَت تسمى هيشفع
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {إِلَّا عجوزاً فِي الغابرين} قَالَ: الهالكين {وَإِنَّكُمْ لتمرون عَلَيْهِم} قَالَ: فِي أسفاركم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة {وَإِنَّكُمْ لتمرون عَلَيْهِم مصبحين وبالليل} قَالَ: نعم
صباحاً وَمَسَاء من أَخذ من الْمَدِينَة إِلَى الشَّام أَخذ على سدوم قَرْيَة قوم لوط
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَإِنَّكُمْ لتمرون عَلَيْهِم مصبحين وبالليل} قَالَ {لتمرون عَلَيْهِم مصبحين} قَالَ: على قَرْيَة قوم لوط {أَفلا تعقلون} قَالَ: أَفلا تتفكرون أَن يُصِيبكُم مَا أَصَابَهُم(7/120)
الْآيَات 139 - 148(7/121)
وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (139) إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (140) فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ (141) فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ (142) فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ (143) لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (144) فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ (145) وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ (146) وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ (147) فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ (148)
أخرج عبد الرَّزَّاق وَأحمد فِي الزّهْد وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن طَاوس فِي قَوْله {وَإِن يُونُس لمن الْمُرْسلين إِذْ أبق إِلَى الْفلك المشحون} قَالَ: قيل ليونس عَلَيْهِ السَّلَام إِن قَوْمك يَأْتِيهم الْعَذَاب يَوْم كَذَا وَكَذَا
فَلَمَّا كَانَ يَوْمئِذٍ خرج يُونُس عَلَيْهِ السَّلَام فَفَقدهُ قومه فَخَرجُوا بالصغير وَالْكَبِير وَالدَّوَاب وكل شَيْء
ثمَّ عزلوا الوالدة عَن وَلَدهَا وَالشَّاة عَن وَلَدهَا والناقة وَالْبَقَرَة عَن وَلَدهَا فَسمِعت لَهُم عجيجاً فَأَتَاهُم الْعَذَاب حَتَّى نظرُوا إِلَيْهِ ثمَّ صرف عَنْهُم
فَلَمَّا لم يصبهم الْعَذَاب ذهب يُونُس عَلَيْهِ السَّلَام مغاضباً فَركب فِي الْبَحْر فِي سفينة مَعَ أنَاس حَتَّى إِذا كَانُوا حَيْثُ شَاءَ الله تَعَالَى ركدت السَّفِينَة فَلم تسر فَقَالَ صَاحب السَّفِينَة: مَا يمنعنا أَن نسير إِلَّا أَن فِيكُم رجلا مشؤوماً قَالَ: فاقترعوا ليلقوا أحدهم فَخرجت الْقرعَة على يُونُس فَقَالُوا: مَا كُنَّا لنفعل بك هَذَا
ثمَّ اقترعوا أَيْضا فَخرجت الْقرعَة عَلَيْهِ ثَلَاثًا فَرمى بِنَفسِهِ فالتقمه الْحُوت قَالَ طَاوس: بَلغنِي أَنه لما نبذه الْحُوت بالعراء وَهُوَ سقيم نَبتَت عَلَيْهِ شَجَرَة من يَقْطِين واليقطين الدُّبَّاء فَمَكثَ حَتَّى إِذا رجعت إِلَيْهِ نَفسه يَبِسَتْ الشَّجَرَة فَبكى يُونُس عَلَيْهِ السَّلَام حزنا عَلَيْهَا فَأوحى الله إِلَيْهِ: أَتَبْكِي على هَلَاك شَجَرَة وَلَا تبْكي على هَلَاك مائَة ألف
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لما بعث الله يُونُس عَلَيْهِ السَّلَام إِلَى أهل قريته فَردُّوا عَلَيْهِ مَا جَاءَهُم بِهِ فامتنعوا مِنْهُ فَلَمَّا فعلوا ذَلِك أوحى الله إِلَيْهِ: إِنِّي مُرْسل عَلَيْهِم الْعَذَاب فِي يَوْم كَذَا وَكَذَا
فَأخْرج من بَين(7/121)
أظهرهم فَاعْلَم قومه الَّذِي وعد الله من عَذَابه إيَّاهُم فَقَالُوا: ارمقوه فَإِن هُوَ خرج من بَين أظْهركُم فَهُوَ الله كَائِن مَا وَعدكُم
فَلَمَّا كَانَت اللَّيْلَة الَّتِي وعدوا الْعَذَاب فِي صبيحتها أدْلج فَرَآهُ الْقَوْم فحذروا فَخَرجُوا من الْقرْيَة إِلَى برَاز من أَرضهم وَفرقُوا بَين كل دَابَّة وَوَلدهَا
ثمَّ عجوا إِلَى الله وأنابوا واستقالوا فأقالهم وانتظر يُونُس عَلَيْهِ الْخَبَر عَن الْقرْيَة وَأَهْلهَا
حَتَّى مر مار فَقَالَ: مَا فعل أهل الْقرْيَة قَالَ: فعلوا أَن نَبِيّهم لما خرج من بَين أظهرهم عرفُوا أَنه قد صدقهم مَا وعدهم من الْعَذَاب فَخَرجُوا من قريتهم إِلَى برَاز من الأَرْض ثمَّ فرقوا بَين كل ذَات ولد وَوَلدهَا ثمَّ عجوا إِلَى الله وتابوا إِلَيْهِ فَقبل مِنْهُم وَأخر عَنْهُم الْعَذَاب
فَقَالَ يُونُس عَلَيْهِ السَّلَام عِنْد ذَلِك: لَا أرجع إِلَيْهِم كذابا أبدا وَمضى على وَجهه
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عبد الله بن الْحَارِث قَالَ: لما خرج يُونُس عَلَيْهِ السَّلَام مغاضباً أَتَى السَّفِينَة فركبها فامتنعت أَن تجْرِي فَقَالَ أَصْحَاب السَّفِينَة: مَا هَذَا إِلَّا لحَدث أحدثتموه فَقَالَ بَعضهم لبَعض: تَعَالَوْا حَتَّى نقترع فَمن وَقعت عَلَيْهِ الْقرعَة فالقوه فِي المَاء فاقترعوا فَوَقَعت الْقرعَة على يُونُس عَلَيْهِ السَّلَام ثمَّ عَادوا فَوَقَعت الْقرعَة عَلَيْهِ فِي الثَّالِثَة فَلَمَّا رأى يُونُس ذَلِك قَالَ: هُوَ أَنا فَخرج فَطرح نَفسه فَإِذا حوت قد رفع رَأسه من المَاء قدر ثَلَاثَة أَذْرع فَذهب لِيطْرَح نَفسه فَاسْتَقْبلهُ الْحُوت فَإِذا هوى إِلَيْهِ ليأخذه فتحول إِلَى الْجَانِب الآخر فَإِذا الْحُوت قد استقبله فَلَمَّا رأى يُونُس عَلَيْهِ السَّلَام ذَلِك عرف أَنه أَمر من الله فَطرح نَفسه فَأَخذه الْحُوت قبل أَن يمر على المَاء فَأوحى الله إِلَى الْحُوت أَن لَا تهضم لَهُ عظما وَلَا تَأْكُل لَهُ لَحْمًا حَتَّى آمُر بأَمْري [] بِكَذَا وَكَذَا وَكَذَا
حَتَّى ألزقه بالطين فَسمع تَسْبِيح الأَرْض فَذَلِك حِين نَادَى
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لما ألْقى يُونُس عَلَيْهِ سَلام نَفسه فِي الْبَحْر التقمه الْحُوت هوى بِهِ حَتَّى انْتهى إِلَى مفجر من الأَرْض أَو كلمة تشبهها فَسمع تَسْبِيح الأَرْض (فَنَادَى فِي الظُّلُمَات أَن لَا إِلَه إِلَّا أَنْت سُبْحَانَكَ إِنِّي كنت من الظَّالِمين) (الْأَنْبِيَاء الْآيَة 87) فَأَقْبَلت الدعْوَة تحوم الْعَرْش فَقَالَت الْمَلَائِكَة: يَا رَبنَا إِنَّا نسْمع صَوتا ضَعِيفا من بِلَاد غربَة قَالَ: وتدرون مَاذَا كم قَالُوا: لَا يَا رَبنَا قَالَ: ذَاك عَبدِي يُونُس قَالُوا: الَّذِي كُنَّا لَا(7/122)
نزال نرفع لَهُ عملا متقبلاً وَدعوهُ مجابة قَالَ: نعم
قَالُوا: يَا رَبنَا أَلا ترحم مَا كَانَ يصنع فِي الرخَاء وتنجيه عِنْد الْبلَاء
قَالَ: بلَى فَأمر الْحُوت فحفظه
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ
أَن لَفظه حِين لَفظه فِي أصل يقطينة وَهِي الدُّبَّاء فلفظه وَهُوَ كَهَيئَةِ الصَّبِي وَكَانَ يستظل بظلها وهيأ الله لَهُ أرواة من الْوَحْش فَكَانَت تروح عَلَيْهِ بكرَة وَعَشِيَّة فتفشخ رِجْلَيْهَا فيشرب من لَبنهَا حَتَّى نبت لَحْمه
وَأخرج ابْن إِسْحَاق وَالْبَزَّار وَابْن جرير عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لما أَرَادَ الله حبس يُونُس عَلَيْهِ السَّلَام فِي بطن الْحُوت أوحى الله إِلَى الْحُوت أَن خُذْهُ وَلَا تخدش لَهُ لَحْمًا وَلَا تكسر لَهُ عظما فَأَخذه ثمَّ أَهْوى بِهِ إِلَى مَسْكَنه فِي الْبَحْر فَلَمَّا انْتهى بِهِ إِلَى أَسْفَل الْبَحْر سمع يُونُس حسا فَقَالَ فِي نَفسه: مَا هَذَا
فَأوحى الله إِلَيْهِ وَهُوَ فِي بطن الْحُوت: إِن هَذَا تَسْبِيح دَوَاب الأَرْض فسبح وَهُوَ فِي بطن الْحُوت فَسمِعت الْمَلَائِكَة عَلَيْهِم السَّلَام تسبيحه فَقَالُوا: رَبنَا إِنَّا نسْمع صَوتا ضَعِيفا بِأَرْض غربَة قَالَ: ذَاك عَبدِي يُونُس عَصَانِي فحبسته فِي بطن الْحُوت فِي الْبَحْر قَالُوا: العَبْد الصَّالح الَّذِي كَانَ يصعد إِلَيْك مِنْهُ فِي كل يَوْم عمل صَالح قَالَ: نعم
فشفعوا لَهُ عِنْد ذَلِك فَأمره فقذفه فِي السَّاحِل كَمَا قَالَ الله {وَهُوَ سقيم}
وَأخرج ابْن أبي شيبَة فِي المُصَنّف وَأحمد فِي الزّهْد وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِن يُونُس عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ وعد قومه الْعَذَاب وَأخْبرهمْ أَنه يَأْتِيهم إِلَى ثَلَاثَة أَيَّام ففرقوا بَين كل وَالِدَة وَوَلدهَا ثمَّ خَرجُوا فجأروا إِلَى الله واستغفروه فَكف الله عَنْهُم الْعَذَاب وَغدا يُونُس عَلَيْهِ السَّلَام ينْتَظر الْعَذَاب فَلم ير شَيْئا وَكَانَ من كذب وَلم يكن لَهُ بَيِّنَة قتل
فانظلق مغاضباً حَتَّى أَتَى قوما فِي سفينة فَحَمَلُوهُ وعرفوه فَلَمَّا دخل السَّفِينَة ركدت والسفن تسير يَمِينا وَشمَالًا فَقَالَ: مَا بَال سفينتكم قَالُوا: مَا نَدْرِي قَالَ: وَلَكِنِّي أَدْرِي
أَن فِيهَا عبدا أبق من ربه وَأَنَّهَا وَالله لَا تسير حَتَّى تلقوهُ قَالُوا: أما أَنْت وَالله يَا نَبِي الله فَلَا نلقيك
فَقَالَ لَهُم يُونُس عَلَيْهِ السَّلَام: اقترعوا فَمن قرع
فليقع فاقترعوا فقرعهم يُونُس عَلَيْهِ السَّلَام ثَلَاث مَرَّات فَوَقع(7/123)
وَقد وكل بِهِ الْحُوت فَلَمَّا وَقع ابتلعه فَأَهوى بِهِ إِلَى قَرَار الأَرْض فَسمع يُونُس عَلَيْهِ السَّلَام تَسْبِيح الْحَصَى (فَنَادَى فِي الظُّلُمَات أَن لَا إِلَه إِلَّا أَنْت سُبْحَانَكَ إِنِّي كنت من الظَّالِمين) (الْأَنْبِيَاء 87) قَالَ: ظلمَة بطن الْحُوت وظلمة الْبَحْر وظلمة اللَّيْل قَالَ {فنبذناه بالعراء وَهُوَ سقيم} قَالَ كَهَيئَةِ الفرخ الممعوط الَّذِي لَيْسَ عَلَيْهِ ريش وَأنْبت الله عَلَيْهِ شَجَرَة من يَقْطِين فَكَانَ يستظل بهَا ويصيب مِنْهَا فيبست فَبكى عَلَيْهَا حِين يَبِسَتْ فَأوحى الله إِلَيْهِ: أَتَبْكِي على شَجَرَة أَن يَبِسَتْ وَلَا تبْكي على مائَة ألف أَو يزِيدُونَ أردْت أَن تهلكهم فَخرج فَإِذا هُوَ بِغُلَام يرْعَى غنما فَقَالَ: مِمَّن أَنْت يَا غُلَام قَالَ: من قوم يُونُس قَالَ: فَإِذا رجعت إِلَيْهِم فاقرئهم السَّلَام وَأخْبرهمْ إِنَّك لقِيت يُونُس فَقَالَ لَهُ الْغُلَام: إِن تكن يُونُس فقد تعلم أَنه من كذب وَلم يكن لَهُ بَيِّنَة قتل فَمن يشْهد لي قَالَ: تشهد لَك هَذِه الشَّجَرَة وَهَذِه الْبقْعَة
فَقَالَ الْغُلَام ليونس: مرهما فَقَالَ لَهما يُونُس عَلَيْهِ السَّلَام: إِذا جاءكما هَذَا الْغُلَام فاشهدا لَهُ
قَالَتَا: نعم
فَرجع الْغُلَام إِلَى قومه وَكَانَ لَهُ إخْوَة فَكَانَ فِي مَنْعَة فَأتى الْملك فَقَالَ: إِنِّي لقِيت يُونُس وَهُوَ يقْرَأ عَلَيْكُم السَّلَام فَأمر بِهِ الْملك أَن يقتل فَقَالَ: إِن لَهُ بَيِّنَة فَأرْسل مَعَه فَانْتَهوا إِلَى الشَّجَرَة والبقعة فَقَالَ لَهما الْغُلَام: نشدتكما بِاللَّه هَل أشهدكما يُونُس قَالَتَا: نعم
فَرجع الْقَوْم مذعورين يَقُولُونَ: تشهد لَك الشَّجَرَة وَالْأَرْض فَأتوا الْملك فحدثوه بِمَا رَأَوْا فَتَنَاول الْملك يَد الْغُلَام فأجلسه فِي مَجْلِسه وَقَالَ: أَنْت أَحَق بِهَذَا الْمَكَان مني وَأقَام لَهُم أَمرهم ذَلِك الْغُلَام أَرْبَعِينَ سنة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن وهب بن مُنَبّه رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِن يُونُس بن مَتى كَانَ عبدا صَالحا وَكَانَ فِي خلقه ضيق فَلَمَّا حملت عَلَيْهِ أثقال النبوّة
وَلها أثقال لَا يحملهَا إِلَّا قَلِيل
تفسخ تحتهَا تفسخ الرّبع تَحت الْحمل فقذفها من يَده وَخرج هَارِبا مِنْهَا
يَقُول الله لنَبيه (فاصبر كَمَا صَبر أولُوا الْعَزْم من الرُّسُل وَلَا تكن كصاحب الْحُوت) (الْأَحْقَاف 35)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {فساهم فَكَانَ من المدحضين} قَالَ: من المسهومين قَالَ: اقترع فَكَانَ من المدحضين قَالَ: من المسهومين(7/124)
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَالْبَيْهَقِيّ عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {فساهم فَكَانَ من المدحضين} قَالَ: احْتبست السَّفِينَة فَعلم الْقَوْم أَنَّهَا احْتبست من حدث أحدثوه فتساهموا فقرع يُونُس عَلَيْهِ السَّلَام فَرمى بِنَفسِهِ {فالتقمه الْحُوت وَهُوَ مليم} أَي مسيء فِيمَا صنع {فلولا أَنه كَانَ من المسبحين} قَالَ: كَانَ كثير الصَّلَاة فِي الرخَاء فنجا وَكَانَ يُقَال فِي الْحِكْمَة
إِن الْعَمَل الصَّالح يرفع صَاحبه إِذا عثر وَإِذا مَا صرع
وجد متكأ {للبث فِي بَطْنه إِلَى يَوْم يبعثون} يَقُول: لَصَارَتْ لَهُ قبر إِلَى يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن وهب بن مُنَبّه رَضِي الله عَنهُ أَنه جلس هُوَ وَطَاوُس وَنَحْوهم من أهل ذَلِك الزَّمَان فَذكرُوا أَي أَمر الله أسْرع فَقَالَ بَعضهم: قَول الله تَعَالَى (كلمح الْبَصَر) (النَّحْل 77) وَقَالَ بَعضهم: السرير حِين أَتَى بِهِ سُلَيْمَان
فَقَالَ ابْن مُنَبّه: أسْرع أَمر الله أَن يُونُس على حافة السَّفِينَة إِذا أوحى الله تَعَالَى إِلَى نون فِي نيل مصر فَمَا خرَّ من حافتها إِلَّا فِي جَوْفه
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ التقمه حوت يُقَال لَهُ نجم فَجرى بِهِ فِي بَحر الرّوم ثمَّ النّيل ثمَّ فَارس ثمَّ فِي دجلة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وَهُوَ مليم} مسيء
وَأخرج ابْن الْأَنْبَارِي والطستي عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ أَخْبرنِي عَن قَوْله {وَهُوَ مليم} قَالَ: المليم الْمُسِيء والمذنب قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم أما سَمِعت أُميَّة بن أبي الصَّلْت وَهُوَ يَقُول: بَرِيء من الْآفَات لَيْسَ لَهَا بِأَهْل وَلَكِن الْمُسِيء هُوَ المليم وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {وَهُوَ مليم} قَالَ: مذنب
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن الرّبيع بن أنس رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فلولا أَنه كَانَ من المسبحين} قَالَ: لَوْلَا أَنه حَلَاله عمل صَالح {للبث فِي بَطْنه إِلَى يَوْم يبعثون} قَالَ: وَفِي الْحِكْمَة
إِن الْعَمَل الصَّالح يرفع صَاحبه
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن(7/125)
جُبَير رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فلولا أَنه كَانَ من المسبحين} قَالَ: من الْمُصَلِّين قبل أَن يدْخل بطن الْحُوت
وَأخرج أَحْمد وَابْن أبي حَاتِم وَابْن جرير عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فلولا أَنه كَانَ من المسبحين} قَالَ: مَا كَانَ إِلَّا صَلَاة أحدثها فِي بطن الْحُوت
فَذكر ذَلِك لِقَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ: لَا
إِنَّمَا كَانَ يعْمل فِي الرخَاء
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالْفِرْيَابِي وَأحمد فِي الزّهْد وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس {فلولا أَنه كَانَ من المسبحين} قَالَ: من الْمُصَلِّين
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {فلولا أَنه كَانَ من المسبحين} قَالَ: العابدين الله قبل ذَلِك
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن سعيد بن أبي الْحسن رَضِي الله عَنهُ {فلولا أَنه كَانَ من المسبحين} قَالَ: لَوْلَا أَنه كَانَ لَهُ سلف من عبَادَة وتسبيح تَدَارُكه الله بِهِ حِين أَصَابَهُ مَا أَصَابَهُ نعمه فِي بطن الْحُوت أَرْبَعِينَ من بَين يَوْم وَلَيْلَة ثمَّ أخرجه وَتَابَ عَلَيْهِ
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ {فلولا أَنه كَانَ من المسبحين} قَالَ: نعلم وَالله أَن التضرع فِي الرخَاء اسْتِعْدَادًا لنزول الْبلَاء ويجد صَاحبه متكأ إِذا نزل بِهِ وَإِن سالف السَّيئَة تلْحق صَاحبهَا وَإِن قدمت
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ قَالَ: اذْكروا الله فِي الرخَاء يذكركم فِي الشدَّة فَإِن يُونُس عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ عبدا صَالحا ذَاكِرًا لله فَلَمَّا وَقع فِي بطن الْحُوت قَالَ الله {فلولا أَنه كَانَ من المسبحين للبث فِي بَطْنه إِلَى يَوْم يبعثون} وَإِن فِرْعَوْن كَانَ عبدا طاغياً نَاسِيا لذكر الله فَلَمَّا أدْركهُ الْغَرق قَالَ: (آمَنت أَنه لَا إِلَه إِلَّا الَّذِي آمَنت بِهِ بَنو إِسْرَائِيل وَأَنا من الْمُسلمين) (يُونُس 90) فَقيل لَهُ (آلآن وَقد عصيت قبل وَكنت من المفسدين)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فلولا أَنه كَانَ من المسبحين} قَالَ: كَانَ يكثر الصَّلَاة فِي الرخَاء فَلَمَّا حصل فِي بطن الْحُوت ظن أَنه الْمَوْت فحرك رجلَيْهِ فَإِذا هِيَ تتحرك فَسجدَ(7/126)
وَقَالَ: يَا رب اتَّخذت لَك مَسْجِدا فِي مَوضِع لم يسْجد فِيهِ أحد
وَأخرج عبد الله بن أَحْمد فِي زَوَائِد الزّهْد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم عَن الشّعبِيّ قَالَ: التقمه الْحُوت ضحى وَلَفظه عَشِيَّة مَا بَات فِي بَطْنه
وَأخرج الْحَاكِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: مكث يُونُس عَلَيْهِ السَّلَام فِي بطن الْحُوت أَرْبَعِينَ يَوْمًا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن جريج قَالَ: بَقِي يُونُس فِي بطن الْحُوت أَرْبَعِينَ يَوْمًا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد فِي الزّهْد وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن أبي مَالك رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لبث يُونُس عَلَيْهِ السَّلَام فِي بطن الْحُوت أَرْبَعِينَ يَوْمًا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لبث يُونُس فِي بطن الْحُوت سَبْعَة أَيَّام فَطَافَ بِهِ الْبحار كلهَا ثمَّ نبذه على شاطىء دجلة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ {فالتقمه الْحُوت} يُقَال لَهُ نجم وَإنَّهُ لبث ثَلَاثًا فِي جَوْفه وَفِي قَوْله {فلولا أَنه كَانَ من المسبحين} قَالَ: كَانَ كثير الصَّلَاة فِي الرخَاء فنجا {للبث فِي بَطْنه} قَالَ: لصار لَهُ بطن الْحُوت قبراً {إِلَى يَوْم يبعثون} قَالَ: إِلَى يَوْم الْقِيَامَة
وَفِي قَوْله {فنبذناه بالعراء} قَالَ: شط دجلة
ونينوى على شط دجلة مكث فِي بَطْنه أَرْبَعِينَ يَوْمًا يتردّد بِهِ فِي دجلة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {فنبذناه بالعراء} قَالَ: ألقيناه بالسَّاحل
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن شهر بن حَوْشَب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: انْطلق يُونُس عَلَيْهِ السَّلَام مغضباً فَركب مَعَ قوم فِي سفينة فوقفت السَّفِينَة لم تسر فساهمهم فَتَدَلَّى فِي الْبَحْر فجَاء الْحُوت يبصبص بِذَنبِهِ فَنُوديَ الْحُوت أَنا لم نجْعَل يُونُس لَك رزقا إِنَّمَا جعلناك لَهُ حرْزا ومسجداً
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما ذهب(7/127)
مغاضباً فَكَانَ فِي بطن الْحُوت قَالَ من بطن الْحُوت: إلهي من الْبيُوت أخرجتني وَمن رُؤُوس الْجبَال أنزلتني وَفِي الْبِلَاد سيرتني وَفِي الْبَحْر قذفتني وَفِي بطن الْحُوت سجنتني فَمَا تعرف مني عملا صَالحا تروح بِهِ عني
قَالَت الْمَلَائِكَة عَلَيْهِم السَّلَام: رَبنَا صَوت مَعْرُوف من مَكَان غربَة فَقَالَ لَهُم الرب: ذَاك عَبدِي يُونُس قَالَ الله {فلولا أَنه كَانَ من المسبحين للبث فِي بَطْنه إِلَى يَوْم يبعثون} وَكَانَ فِي بطن الْحُوت أَرْبَعِينَ يَوْمًا فنبذه الله {بالعراء وَهُوَ سقيم} وَأنْبت {عَلَيْهِ شَجَرَة من يَقْطِين} قَالَ: اليقطين الدُّبَّاء فاستظل بظلها وَأكل من قرعها وَشرب من أَصْلهَا مَا شَاءَ الله
ثمَّ إِن الله تَعَالَى أيبسها وَذهب مَا كَانَ فِيهَا فَحزن يُونُس عَلَيْهِ السَّلَام فَأوحى الله إِلَيْهِ: حزنت على شَجَرَة أنبتها ثمَّ أيبستها وَلم تحزن على قَوْمك حِين جَاءَهُم الْعَذَاب فصرف عَنْهُم ثمَّ ذهبت مغاضباً
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد وَعبد بن حميد وَأَبُو الشَّيْخ عَن حميد بن هِلَال قَالَ: كَانَ يُونُس عَلَيْهِ السَّلَام يَدْعُو قومه فيأبون عَلَيْهِ فَإِذا خلا دَعَا الله لَهُم بِالْخَيرِ وَقد بعثوا عَلَيْهِ عينا فَلَمَّا أعيوه دَعَا الله عَلَيْهِم فَأَتَاهُم عينهم فَقَالَ: مَا كُنْتُم صانعين فَاصْنَعُوا فقد أَتَاكُم الْعَذَاب فقد دَعَا عَلَيْكُم فَانْطَلق وَلَا يشك أَنه يسأتيهم الْعَذَاب فَخَرجُوا قد ولهوا الْبَهَائِم عَن أَوْلَادهَا فَخَرجُوا تَائِبين فَرَحِمهمْ الله تَعَالَى وَجَاء يُونُس عَلَيْهِ السَّلَام ينظر بِأَيّ شَيْء أهلكها فَإِذا الأَرْض مسودة مِنْهُم بِدُونِ عَذَاب وَذَاكَ حِين ذهب مغاضباً فَركب مَعَ قوم فِي سفينة فَجعلت السَّفِينَة لَا تنفذ وَلَا ترجع فَقَالَ بَعضهم لبَعض مَاذَا إِلَّا لذنب بَعْضكُم فاقترعوا أَيّكُم نلقيه فِي المَاء ونخلي وجهنا فاقترعوا فَبَقيَ سهم يُونُس عَلَيْهِ السَّلَام فِي الشمَال فَقَالُوا: لَا نفتدي من أَصْحَابنَا بِنَبِي الله فَقَالَ يُونُس عَلَيْهِ السَّلَام: مَا يُرَاد غَيْرِي فاقذفوني وَلَا تنكسوني وَلَكِن صبوني على رجْلي صبا فَفَعَلُوا وَجَاء الْحُوت شاحباً فَاه فالتقمه فَاتبعهُ حوت أكبر من ذَلِك ليلتقمهما فسبقه فَكَانَ يُونُس فِي بطن الْحُوت حَتَّى رق الْعظم وَذهب اللَّحْم والبشر وَالشعر وَكَانَ سقيماً فَدَعَا بِمَا دَعَا بِهِ فنبذ بالعراء وَهُوَ سقيم فأنبت الله {عَلَيْهِ شَجَرَة من يَقْطِين} فَكَانَ فِيهَا غذاه حَتَّى اشْتَدَّ الْعظم وَنبت اللَّحْم وَالشعر والبشر فَعَاد كَمَا كَانَ فَبعث الله عَلَيْهَا ريحًا فيبست فَبكى عَلَيْهَا فَأوحى الله إِلَيْهِ يَا يُونُس أَتَبْكِي على شَجَرَة جعل(7/128)
الله لَك فِيهَا غذَاء وَلَا تبْكي على قَوْمك أَن يهْلكُوا وَأخرج عبد بن حميد عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما بعث الله يُونُس عَلَيْهِ السَّلَام إِلَى قومه يَدعُوهُم إِلَى الله وعبادته وَأَن يتْركُوا مَا هم فِيهِ أَتَاهُم فَدَعَاهُمْ فَأَبَوا عَلَيْهِ فَرجع إِلَى ربه فَقَالَ: رب إِن قومِي قد أَبَوا عليَّ وكذبوني قَالَ: فَارْجِع إِلَيْهِم فَإِن هم آمنُوا وَصَدقُوا وَإِلَّا فاخبرهم أَن الْعَذَاب مصبحهم غدْوَة فَأَتَاهُم فَدَعَاهُمْ فَأَبَوا عَلَيْهِ قَالَ: فَإِن الْعَذَاب مصبحكم غدْوَة ثمَّ تولى عَنْهُم فَقَالَ الْقَوْم بَعضهم لبَعض وَالله مَا جربنَا عَلَيْهِ من كذب مُنْذُ كَانَ فِينَا فانظروا صَاحبكُم فَإِن بَات فِيكُم اللَّيْلَة وَلم يخرج من قريتكم وَلم يبت فِيهَا فاعلموا أَن الْعَذَاب مصبحكم حَتَّى إِذا كَانَ فِي جَوف اللَّيْل أَخذ مخلاة فَجعل فِيهَا طعيماً لَهُ ثمَّ خرج فَلَمَّا رَأَوْهُ فرقوا بَين كل وَالِدَة وَوَلدهَا من بَهِيمَة أَو إِنْسَان ثمَّ عجوا إِلَى الله مُؤمنين ومصدقين بِيُونُس عَلَيْهِ السَّلَام وَبِمَا جَاءَ بِهِ فَلَمَّا رأى الله ذَلِك مِنْهُم بعد مَا كَانَ قد غشيهم الْعَذَاب كَمَا يغشى الْقَبْر بِالثَّوْبِ كشفه عَنْهُم وَمكث ينظر مَا أَصَابَهُم من الْعَذَاب فَلَمَّا أصبح رأى الْقَوْم يخرجُون لم يصبهم شَيْء من الْعَذَاب قَالَ: لَا وَالله لَا آتيهم وَقد جربوا عليَّ كذبة فَخرج فَذهب مغاضباً لرَبه فَوجدَ قوما يركبون فِي سفينة فَركب مَعَهم فَلَمَّا جنحت بهم السَّفِينَة تكفت ووقفت فَقَالَ الْقَوْم: إِن فِيكُم لرجلاً عَظِيم الذَّنب فاستهموا لَا تغرقوا جَمِيعًا فاستهم الْقَوْم فسهمهم يُونُس عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ الْقَوْم: لَا نلقي فِيهِ نَبِي الله اخْتلطت سهامكم فأعيدوها فاسهموا فسهمهم يُونُس فَلَمَّا رأى يُونُس عَلَيْهِ السَّلَام ذَلِك قَالَ للْقَوْم: فالقوني لَا تغرقوا جَمِيعًا فألقوه فَوكل الله تَعَالَى بِهِ حوتاً فالتقمه لَا يكسر لَهُ عظما وَلَا يَأْكُل لَهُ لَحْمًا فهبط بِهِ الْحُوت إِلَى أَسْفَل الْبَحْر فَلَمَّا جنه الليلنادى فِي الظُّلُمَات ثَلَاث
ظلمَة بطن الْحُوت وظلمة اللَّيْل وظلمة الْبَحْر (أَن لَا إِلَه إِلَّا أَنْت سُبْحَانَكَ إِنِّي كنت من الظَّالِمين) (الْأَنْبِيَاء 87) فَأوحى الله إِلَى الْحُوت: أَن ألقيه فِي الْبر فارتفع الْحُوت فَأَلْقَاهُ فِي الْبر لَا شعر لَهُ وَلَا جلد وَلَا ظفر فَلَمَّا طلعت عَلَيْهِ الشَّمْس أَذَاهُ حرهَا فَدَعَا الله فأنبتت {عَلَيْهِ شَجَرَة من يَقْطِين} وَهِي الدُّبَّاء
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: لما ألقِي(7/129)
يُونُس عَلَيْهِ السَّلَام فِي بطن الْحُوت طَاف فِي البحور كلهَا سَبْعَة أَيَّام ثمَّ انْتهى بِهِ إِلَى شط دجلة فقذفه على شط دجلة فأنبت الله {عَلَيْهِ شَجَرَة من يَقْطِين} قَالَ من نَبَات الْبَريَّة فَأرْسلهُ {إِلَى مائَة ألف أَو يزِيدُونَ} قَالَ: يزِيدُونَ بسبعين ألفا وَقد كَانَ أظلهم الْعَذَاب ففرقوا بَين كل ذَات رحم ورحمها من النَّاس والبهائم ثمَّ عجوا إِلَى الله فصرف عَنْهُم الْعَذَاب ومطرت السَّمَاء دَمًا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَأحمد فِي الزّهْد وَعبد بن حميد عَن وهب قَالَ: أَمر الْحُوت أَن لَا يضرّهُ وَلَا يكلمهُ
قَالَ الله {فلولا أَنه كَانَ من المسبحين} قَالَ: من العابدين قبل ذَلِك فَذكر بِعِبَادَتِهِ فَلَمَّا خرج من الْبَحْر نَام نومَة فأنبت الله {عَلَيْهِ شَجَرَة من يَقْطِين} وَهِي الدُّبَّاء فأظلته فبلغت فِي يَوْمهَا فرآها قد أظلته وَرَأى خضرتها فَأَعْجَبتهُ ثمَّ نَام نومَة فَاسْتَيْقَظَ فَإِذا هِيَ قد يَبِسَتْ فَجعل يحزن عَلَيْهَا فَقيل أَنْت الَّذِي لم تخلق وَلم تسق وَلم تنْبت تحزن عَلَيْهَا
وَأَنا الَّذِي خلقت مائَة ألف من النَّاس أَو يزِيدُونَ ثمَّ رحمتهم فشق عَلَيْك
وَأخرج ابْن جرير من طَرِيق ابْن قسيط أَنه سمع أَبَا هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ يَقُول: طرح بالعراء فأنبت الله عَلَيْهِ يقطينة فَقُلْنَا يَا أَبَا هُرَيْرَة: مَا اليقطينة قَالَ: شَجَرَة الدُّبَّاء
هيأ الله تَعَالَى لَهُ أروية وحشية تَأْكُل من خشَاش الأَرْض فتفشخ عَلَيْهِ فترويه من لَبنهَا كل عَشِيَّة وبكرة
حَتَّى نبت وَقَالَ ابْن أبي الصَّلْت قبل الإِسلام فِي ذَلِك بَيْتا من شعر: فأنبت يقطيناً عَلَيْهِ برحمة من الله لَوْلَا الله ألفى ضاحيا وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وأنبتنا عَلَيْهِ شَجَرَة من يَقْطِين} قَالَ: القرع
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {شَجَرَة من يَقْطِين} قَالَ: القرع
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كُنَّا نُحدث أَنَّهَا الدُّبَّاء هَذَا القرع الَّذِي رَأَيْتُمْ أنبتها الله عَلَيْهِ يَأْكُل مِنْهَا(7/130)
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {شَجَرَة من يَقْطِين} قَالَ: القرع
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن عِكْرِمَة وَسَعِيد بن جُبَير فِي قَوْله {شَجَرَة من يَقْطِين} قَالَا: هِيَ الدُّبَّاء
وَأخرج الديلمي عَن الْحسن بن عَليّ رَفعه كلوا اليقطين فَلَو علم الله عز وَجل شَجَرَة أخف مِنْهَا لأنبتها على يُونُس عَلَيْهِ السَّلَام وَإِذا اتخذ أحدكُم مرقا فليكثر فِيهِ من الدُّبَّاء فَإِنَّهُ يزِيد فِي الدِّمَاغ وَفِي الْعقل
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن زيد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أنبت الله شَجَرَة من يَقْطِين وَكَانَ لَا يتَنَاوَل مِنْهَا ورقة فيأخذها إِلَّا أروته لَبَنًا
أَو قَالَ: يشرب مِنْهَا مَا شَاءَ حَتَّى نبت
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {وأنبتنا عَلَيْهِ شَجَرَة من يَقْطِين} قَالَ: غير ذَات أصل من الدُّبَّاء أَو غَيره من شَجَرَة لَيْسَ لَهَا سَاق
وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {وأنبتنا عَلَيْهِ شَجَرَة من يَقْطِين} قَالَ: كل شَيْء نبت ثمَّ يَمُوت من عَامه
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر من طَرِيق سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: مَا بَال الْبِطِّيخ من القرع هُوَ كل شَيْء يذهب على وَجه الأَرْض
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كل شَجَرَة لَا سَاق لَهَا فَهِيَ من اليقطين وَالَّذِي يكون على وَجه الأَرْض من الْبِطِّيخ والقثاء
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ أَنه سُئِلَ عَن اليقطين أهوَ القرع قَالَ: لَا
وَلكنهَا شَجَرَة سَمَّاهَا الله اليقطين أظلته
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وأرسلناه} قبل أَن يلتقمه الْحُوت
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن وَقَتَادَة فِي قَوْله {وأرسلناه} قَالَا بَعثه الله تَعَالَى قبل أَن يُصِيبهُ مَا أَصَابَهُ أرسل إِلَى أهل نِينَوَى من أَرض الْموصل(7/131)
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: إِنَّمَا كَانَت رِسَالَة يُونُس عَلَيْهِ السَّلَام بَعْدَمَا نبذه الْحُوت ثمَّ تَلا {فنبذناه بالعراء} إِلَى قَوْله {وأرسلناه إِلَى مائَة ألف}
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي بن كَعْب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: سَأَلت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن قَول الله {وأرسلناه إِلَى مائَة ألف أَو يزِيدُونَ} قَالَ: يزِيدُونَ عشْرين ألفا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {أَو يزِيدُونَ} قَالَ: يزِيدُونَ ثَلَاثِينَ ألفا
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب الْعُقُوبَات وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {أَو يزِيدُونَ} قَالَ: يزِيدُونَ بضعَة وَثَلَاثِينَ ألفا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {إِلَى مائَة ألف أَو يزِيدُونَ} قَالَ: كَانُوا مائَة ألف وَبضْعَة وَأَرْبَعين ألفا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله {مائَة ألف أَو يزِيدُونَ} قَالَ: يزِيدُونَ بسبعين ألفا
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر عَن نوف فِي قَوْله {مائَة ألف أَو يزِيدُونَ} قَالَ: كَانَت زيادتهم سبعين
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فآمنوا فمتعناهم إِلَى حِين} قَالَ: الْمَوْت
الْآيَات 149 - 160(7/132)
فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ (149) أَمْ خَلَقْنَا الْمَلَائِكَةَ إِنَاثًا وَهُمْ شَاهِدُونَ (150) أَلَا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ (151) وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (152) أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ (153) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (154) أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (155) أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُبِينٌ (156) فَأْتُوا بِكِتَابِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (157) وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ (158) سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (159) إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (160)
أخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فاستفتهم} قَالَ: فسلهم يَعْنِي مُشْركي قُرَيْش {ألربك الْبَنَات وَلَهُم البنون} قَالَ: لأَنهم قَالُوا: لله الْبَنَات وَلَهُم البنون وَقَالُوا: إِن الْمَلَائِكَة أناث فَقَالَ {أم خلقنَا الْمَلَائِكَة أناثاً وهم شاهدون} كَذَلِك {أَلا إِنَّهُم من إفكهم ليقولون ولد الله وَإِنَّهُم لَكَاذِبُونَ اصْطفى الْبَنَات على الْبَنِينَ} فَكيف يَجْعَل لكم الْبَنِينَ ولنفسه الْبَنَات {مَا لكم كَيفَ تحكمون} إِن هَذَا لحكم جَائِر {أَفلا تذكرُونَ أم لكم سُلْطَان مُبين} أَي عذر مُبين {فَأتوا بِكِتَابِكُمْ} أَي بعذركم {إِن كُنْتُم صَادِقين وَجعلُوا بَينه وَبَين الْجنَّة نسبا} قَالَ: زعم أَعدَاء الله أَنه تبَارك وَتَعَالَى أَنه هُوَ وإبليس أَخَوان
وَأخرج آدم بن أبي إِيَاس وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَجعلُوا بَينه وَبَين الْجنَّة نسبا} قَالَ: قَالَ كفار قُرَيْش الْمَلَائِكَة بَنَات الله فَقَالَ لَهُم أَبُو بكر الصّديق: فَمن أمهاتهم فَقَالُوا: بَنَات سروات الْجِنّ
فَقَالَ الله {وَلَقَد علمت الْجنَّة إِنَّهُم لمحضرون} يَقُول: إِنَّهَا ستحضر الْحساب قَالَ: وَالْجنَّة الْمَلَائِكَة
وَأخرج جُوَيْبِر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: أنزلت هَذِه الْآيَة فِي ثَلَاثَة أَحيَاء من قُرَيْش
سليم وخزاعة وجهينة {وَجعلُوا بَينه وَبَين الْجنَّة نسبا} قَالَ: قَالُوا صاهر إِلَى كرام الْجِنّ الْآيَة
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ {وَجعلُوا بَينه وَبَين الْجنَّة نسبا} قَالَ: قَالُوا الْمَلَائِكَة بَنَات الله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَطِيَّة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَجعلُوا بَينه وَبَين الْجنَّة نسبا} قَالَ: قَالُوا صاهر إِلَى كرام الْجِنّ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر عَن أبي صَالح رَضِي الله عَنهُ قَالَ {الْجنَّة} الْمَلَائِكَة(7/133)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي مَالك رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِنَّهُم سموا الْجِنّ لأَنهم كَانُوا على الْجنان وَالْمَلَائِكَة كلهم أجنة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَلَقَد علمت الْجنَّة إِنَّهُم لمحضرون} قَالَ: فِي النَّار {سُبْحَانَ الله عَمَّا يصفونَ} قَالَ: عَمَّا يكذبُون {إِلَّا عباد الله المخلصين} قَالَ: هَذِه ثنيا الله من الْجِنّ وَالْإِنْس
الْآيَات 161 - 163(7/134)
فَإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ (161) مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ (162) إِلَّا مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ (163)
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {فَإِنَّكُم} يَا معشر الْمُشْركين {وَمَا تَعْبدُونَ} يَعْنِي الْآلهَة {مَا أَنْتُم عَلَيْهِ بفاتنين} بمصلين {إِلَّا من هُوَ صال الْجَحِيم} يَقُول: إِلَّا من سبق فِي علمي أَنه سيصلى الْجَحِيم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم واللالكائي فِي السّنة عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {مَا أَنْتُم عَلَيْهِ بفاتنين إِلَّا من هُوَ صال الْجَحِيم} يَقُول: لَا تضلون أَنْتُم وَلَا أضلّ مِنْكُم إِلَّا من قضيت عَلَيْهِ أَنه صال الْجَحِيم
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {مَا أَنْتُم عَلَيْهِ بفاتنين} قَالَ: بمضلين
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ {مَا أَنْتُم عَلَيْهِ بفاتنين} قَالَ: بمضلين {إِلَّا من هُوَ صال الْجَحِيم} إِلَّا من قدر لَهُ أَن يصلى الْجَحِيم
وَأخرج عبد بن حميد عَن إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ وَعمر بن عبد الْعَزِيز وَالضَّحَّاك
مثله
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ فِي الْآيَة قَالَ: لَا يفتنون إِلَّا من يصلى الْجَحِيم وَلَا يفتنون الْمُؤمن وَلَا يسلطون عَلَيْهِ
وَأخرج عبد بن حميد وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن عمر بن عبد الْعَزِيز رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لَو أَرَادَ الله أَن لَا يعْصى مَا خلق إِبْلِيس ثمَّ قَرَأَ {مَا أَنْتُم عَلَيْهِ بفاتنين إِلَّا من هُوَ صال الْجَحِيم}
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ فِي الْآيَة قَالَ: يَا بني إِبْلِيس(7/134)
إِنَّكُم لن تقدروا أَن تفتنوا أحدا من عبَادي إِلَّا من سيصلى الْجَحِيم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي الْآيَة قَالَ: لَا يفتنون {إِلَّا من هُوَ صال الْجَحِيم}
الْآيَات 164 - 166(7/135)
وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ (164) وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ (165) وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ (166)
أخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وَمَا منا إِلَّا لَهُ مقَام مَعْلُوم} قَالَ: الْمَلَائِكَة {وَإِنَّا لنَحْنُ الصافون} قَالَ الْمَلَائِكَة {وَإِنَّا لنَحْنُ المسبحون} قَالَ: الْمَلَائِكَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ
مثله
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ فِي الْآيَة قَالَ: ذَاك قَول جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ {وَمَا منا إِلَّا لَهُ مقَام مَعْلُوم} قَالَ: الْمَلَائِكَة
مَا فِي السَّمَاء مَوضِع إِلَّا عَلَيْهِ ملك إِمَّا سَاجِدا أَو قَائِما حَتَّى تقوم السَّاعَة
وَأخرج مُحَمَّد بن نصر الْمروزِي فِي كتاب الصَّلَاة وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا فِي السَّمَاء مَوضِع قدم إِلَّا عَلَيْهِ ملك سَاجِدا أَو قَائِم وَذَلِكَ قَول الْمَلَائِكَة عَلَيْهِم السَّلَام {وَمَا منا إِلَّا لَهُ مقَام مَعْلُوم وَإِنَّا لنَحْنُ الصافون}
وَأخرج مُحَمَّد بن نصر وَابْن عَسَاكِر عَن الْعَلَاء بن سعد رَضِي الله عَنهُ
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ يَوْمًا لجلسائه: اطت السَّمَاء وَحقّ لَهَا أَن تئط لَيْسَ مِنْهَا مَوضِع قدم إِلَّا عَلَيْهِ ملك رَاكِع أَو ساجد
ثمَّ قَرَأَ {وَإِنَّا لنَحْنُ الصافون وَإِنَّا لنَحْنُ المسبحون}
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالْفِرْيَابِي وَسَعِيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ(7/135)
قَالَ: إِن من السَّمَوَات لسماء مَا فِيهَا مَوضِع شبر إِلَّا عَلَيْهِ جبهة ملك أَو قدماه قَائِما أَو سَاجِدا
ثمَّ قَرَأَ {وَإِنَّا لنَحْنُ الصافون وَإِنَّا لنَحْنُ المسبحون}
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {وَإِنَّا لنَحْنُ الصافون وَإِنَّا لنَحْنُ المسبحون} قَالَ: اطت السَّمَاء وَمَا تلام أَن تئط إِن فِي السَّمَاء لسماء مَا فِيهَا مَوضِع شبر إِلَّا عَلَيْهِ جبهة ملك أَو قدماه
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَحسنه وَابْن ماجة وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي ذَر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِنِّي أرى مَا لَا ترَوْنَ وأسمع مَا لَا تَسْمَعُونَ
إِن السَّمَاء اطت وَحقّ لَهَا أَن تئط مَا فِيهَا مَوضِع أَربع أَصَابِع إِلَّا وَملك وَاضع جَبهته سَاجِدا لله
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن حَكِيم بن حزَام رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كُنَّا عِنْد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: هَل تَسْمَعُونَ مَا أسمع قُلْنَا يَا رَسُول الله مَا تسمع قَالَ: اسْمَع اطيط السَّمَاء وَمَا تلام أَن تئط
مَا فِيهَا مَوضِع قدم إِلَّا وَفِيه ملك رَاكِع أَو ساجد
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانُوا يصلونَ الرِّجَال وَالنِّسَاء جَمِيعًا حَتَّى نزلت {وَمَا منا إِلَّا لَهُ مقَام مَعْلُوم} فَتقدم الرِّجَال وَتَأَخر النِّسَاء
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن زيد بن مَالك رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ النَّاس يصلونَ متبددين فَأنْزل الله {وَإِنَّا لنَحْنُ الصافون} فَأَمرهمْ أَن يصفوا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج رَضِي الله عَنهُ قَالَ: حدثت أَنهم كَانُوا لَا يصفونَ حَتَّى نزلت {وَإِنَّا لنَحْنُ الصافون}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق ابْن جريج عَن الْوَلِيد بن عبد الله بن أبي مغيث رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانُوا لَا يصفونَ فِي الصَّلَاة حَتَّى نزلت {وَإِنَّا لنَحْنُ الصافون}
وَأخرج عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ قَالَ: (كَانَت أول صَلَاة صلاهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الظّهْر
فَأَتَاهُ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ {وَإِنَّا لنَحْنُ الصافون وَإِنَّا لنَحْنُ المسبحون} فَقَامَ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام بَين يَدَيْهِ وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَلفه ثمَّ صف النِّسَاء من خَلفه وَالنِّسَاء خلف الرِّجَال فصلى بهم الظّهْر أَرْبعا حَتَّى إِذا كَانَ عِنْد الْعَصْر قَامَ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام فَفعل مثلهَا ثمَّ جَاءَهُ حِين غربت(7/136)
الشَّمْس فصلى بهم ثَلَاثًا يقْرَأ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الأولتين يجْهر فيهمَا وَلم يسمع فِي الثَّالِثَة
حَتَّى إِذا كَانَ عِنْد الْعشَاء وَغَابَ الشَّفق جَاءَ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام فصلى بِالنَّاسِ أَربع رَكْعَات يجْهر بِالْقِرَاءَةِ فِي رَكْعَتَيْنِ
حَتَّى إِذا أصبح ليلته
أَتَاهُ فصلى رَكْعَتَيْنِ يجْهر فيهمَا ويطوّل الْقِرَاءَة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أنس رَضِي الله عَنهُ
أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا قَامَ إِلَى الصَّلَاة قَالَ: اسْتَووا
تقدم يَا فلَان تَأَخّر يَا فلَان أقِيمُوا صفوفكم يُرِيد الله بكم هدي الْمَلَائِكَة
ثمَّ يَتْلُو {وَإِنَّا لنَحْنُ الصافون وَإِنَّا لنَحْنُ المسبحون}
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة عَن جَابر بن سَمُرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَلا تصفون كَمَا تصف الْمَلَائِكَة عِنْد رَبهم
قَالَ: يُقِيمُونَ الصُّفُوف الْمُقدمَة ويتراصون فِي الصَّفّ
وَأخرج مُسلم عَن حُذَيْفَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: فضلنَا على النَّاس بِثَلَاث
جعلت صُفُوفنَا كَصُفُوف الْمَلَائِكَة وَجعلت لنا الأَرْض مَسْجِدا وَجعلت لنا تربَتهَا طهُورا إِذا لم نجد المَاء
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: اعتدلوا فِي صفوفكم وتراصوا فَإِنِّي أَرَاكُم من ورائي
قَالَ أنس رَضِي الله عَنهُ: لقد رَأَيْت أَحَدنَا يلزق مَنْكِبه بمنكب صَاحبه وَقدمه بقدمه
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن النُّعْمَان بن بشير رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لقد رَأَيْت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقوّم الصُّفُوف كَمَا تقوّم القداح فأبصر يَوْمًا صدر رجل خَارِجا من الصَّفّ فَقَالَ: لتقيمن صفوفكم أَو ليخالفن الله بَين وُجُوهكُم
وَأخرج أَحْمد وَابْن أبي شيبَة عَن الْبَراء بن عَازِب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أقِيمُوا صفوفكم لَا يتخللكم الشَّيْطَان كأولاد الْحَذف
قيل يَا رَسُول الله وَمَا أَوْلَاد الْحَذف قَالَ: ضَأْن سود يكون بِأَرْض الْيمن
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يمسح مناكبنا فِي الصَّلَاة وَيَقُول: اسْتَووا وَلَا تختلفوا فتختلف قُلُوبكُمْ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أقِيمُوا صفوفكم فَإِن من حسن الصَّلَاة إِقَامَة الصَّفّ(7/137)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَطَبنَا فَبين لنا سنتنا وَعلمنَا صَلَاتنَا فَقَالَ: إِذا صليتم فأقيموا صفوفكم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي الله عَنهُ
أَنه سمع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: إِذا قُمْتُم إِلَى الصَّلَاة فاعدلوا صفوفكم وسدوا الْفرج فَإِنِّي أَرَاكُم من وَرَاء ظَهْري
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عَطاء رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من سد فُرْجَة فِي صف رَفعه الله بهَا دَرَجَة وَبنى لَهُ بَيْتا فِي الْجنَّة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي سعيد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: سوّوا صفوفكم واحسنوا ركوعكم وسجودكم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: اسْتَووا تستوي قُلُوبكُمْ وتَراصُّوا تُرْحَمُوا
وَأخرج مُحَمَّد بن نصر عَن أبي صَالح رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما نزلت هَذِه الْآيَة (إِن رَبك يعلم أَنَّك تقوم أدنى من ثُلثي اللَّيْل) (المزمل 20) إِلَى قَوْله (علم أَن لن تحصوه) قَالَ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام: أشق ذَلِك عَلَيْكُم قَالَ: نعم
قَالَ {وَمَا منا إِلَّا لَهُ مقَام مَعْلُوم وَإِنَّا لنَحْنُ الصافون وَإِنَّا لنَحْنُ المسبحون}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَإِنَّا لنَحْنُ الصافون} قَالَ: صُفُوف فِي السَّمَاء {وَإِنَّا لنَحْنُ المسبحون} أَي المصلون هَذَا قَول الْمَلَائِكَة يبينون مكانهم من الْعباد
الْآيَات 166 - 179(7/138)
وَإِنْ كَانُوا لَيَقُولُونَ (167) لَوْ أَنَّ عِنْدَنَا ذِكْرًا مِنَ الْأَوَّلِينَ (168) لَكُنَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (169) فَكَفَرُوا بِهِ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (170) وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (171) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ (172) وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ (173) فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ (174) وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ (175) أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ (176) فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ (177) وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ (178) وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ (179)
أخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {لَو أَن عندنَا ذكرا من الْأَوَّلين} قَالَ: لما جَاءَ الْمُشْركين من أهل مَكَّة ذكر الْأَوَّلين وَعلم الآخرين كفرُوا بِالْكتاب {فَسَوف يعلمُونَ}
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَإِن كَانُوا ليقولون} قَالَ: قَالَت هَذِه الْأمة ذَلِك قبل أَن يبْعَث مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَول أهل الشّرك من أهل مَكَّة فَلَمَّا جَاءَهُم ذكر الْأَوَّلين وَعلم الآخرين كفرُوا بِهِ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَإِن كَانُوا ليقولون} قَالَ: قَالَت هَذِه الْأمة ذَلِك قبل أَن يبْعَث مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا جَاءَهُم مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {فَكَفرُوا بِهِ فَسَوف يعلمُونَ} وَفِي قَوْله {وَلَقَد سبقت كلمتنا} قَالَ: كَانَت الْأَنْبِيَاء تقتل وهم منصورون والمؤمنون يقتلُون وهم منصورون نصروا بالحجج فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَلم يقتل نَبِي قطّ وَلَا قوم يدعونَ إِلَى الْحق من الْمُؤمنِينَ فتذهب تِلْكَ الْأمة والقرن حَتَّى يبْعَث الله قرنا ينتصر بهم مِنْهُم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فتول عَنْهُم حَتَّى حِين} قَالَ: إِلَى الْمَوْت {وأبصرهم فَسَوف يبصرون} قَالَ: ابصروا حِين لم يَنْفَعهُمْ الْبَصَر
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فتول عَنْهُم حَتَّى حِين} قَالَ: يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فتول عَنْهُم حَتَّى حِين} قَالَ: يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فتول عَنْهُم حَتَّى حِين} قَالَ: يَوْم بدر
وَفِي قَوْله {فَإِذا نزل بِسَاحَتِهِمْ} قَالَ: بدارهم {فسَاء صباح الْمُنْذرين} قَالَ: بئْسَمَا يُصْبِحُونَ
وَأخرج جُوَيْبِر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: قَالُوا يَا مُحَمَّد أرنا الْعَذَاب الَّذِي تخوّفنا بِهِ عجله لنا فَنزلت {أفبعذابنا يستعجلون}
وَأخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن أنس(7/139)
رَضِي الله عَنهُ قَالَ: صبح رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَيْبَر وَقد خَرجُوا بِالْمَسَاحِي فَلَمَّا نظرُوا إِلَيْهِ قَالُوا: مُحَمَّد وَالْخَمِيس
فَقَالَ: الله أكبر خربَتْ خَيْبَر إِنَّا أنزلنَا بِسَاحَة قوم {فسَاء صباح الْمُنْذرين} فأصبنا حمراً خَارِجَة من الْقرْيَة فطبخناها فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الله وَرَسُوله يَنْهَاكُم عَن الْحمر الْأَهْلِيَّة فَإِنَّهَا رِجْس من عمل الشَّيْطَان
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وتول عَنْهُم حَتَّى حِين} قَالَ: قيل لَهُ أعرض عَنْهُم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن زيد بن أسلم رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَأبْصر فَسَوف يبصرون} قَالَ: يَقُول يَوْم الْقِيَامَة مَا صَنَعُوا من أَمر الله وكفرهم بِاللَّه وَرَسُوله وَكتابه قَالَ {أبْصر} وأبصرهم وَاحِد
الْآيَات 180 - 182(7/140)
سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (180) وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (181) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (182)
أخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {سُبْحَانَ رَبك رب الْعِزَّة} قَالَ: يسبح نَفسه إِذْ كذب عَلَيْهِ وَقيل عَلَيْهِ الْبُهْتَان {عَمَّا يصفونَ} قَالَ: عَمَّا يكذبُون {وَسَلام على الْمُرْسلين} قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِذا سلمتم عَليّ فَسَلمُوا على الْمُرْسلين فَإِنَّمَا أَنا رَسُول من الْمُرْسلين
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق أبي الْعَوام عَن قَتَادَة عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِذا سلمتم عَليّ فَسَلمُوا على الْمُرْسلين فَإِنَّمَا أَنا رَسُول من الْمُرْسلين قَالَ أَبُو الْعَوام رَضِي الله عَنهُ: كَانَ قَتَادَة يذكر هَذَا الحَدِيث إِذا تَلا هَذِه الْآيَة {سُبْحَانَ رَبك رب الْعِزَّة عَمَّا يصفونَ وَسَلام على الْمُرْسلين وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين}
وَأخرج ابْن سعد وَابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق سعيد عَن قَتَادَة عَن أنس عَن أبي طَلْحَة
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِذا سلمتم على الْمُرْسلين فَسَلمُوا عليَّ فَإِنَّمَا أَنا بشر من الْمُرْسلين(7/140)
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: كُنَّا نَعْرِف انصراف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الصَّلَاة بقوله {سُبْحَانَ رَبك رب الْعِزَّة عَمَّا يصفونَ وَسَلام على الْمُرْسلين وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين}
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَأَبُو يعلى وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي سعيد عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَنه كَانَ إِذا أَرَادَ أَن يسلم من صلَاته قَالَ {سُبْحَانَ رَبك رب الْعِزَّة عَمَّا يصفونَ وَسَلام على الْمُرْسلين وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين}
وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ فِي الْأَفْرَاد عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يقْرَأ هَذِه الْآيَات {سُبْحَانَ رَبك رب الْعِزَّة عَمَّا يصفونَ وَسَلام على الْمُرْسلين وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين}
وَأخرج الْخَطِيب عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: بعد أَن يسلم {سُبْحَانَ رَبك رب الْعِزَّة عَمَّا يصفونَ وَسَلام على الْمُرْسلين وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين}
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن زيد بن أَرقم عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: من قَالَ دبر كل صَلَاة {سُبْحَانَ رَبك رب الْعِزَّة عَمَّا يصفونَ وَسَلام على الْمُرْسلين وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين} ثَلَاث مَرَّات فقد اكتال بالمكيال الأوفى من الْأجر)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الشّعبِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من سره أَن يكتال بالمكيال الأوفى من الْأجر يَوْم الْقِيَامَة فَلْيقل آخر مَجْلِسه حِين يُرِيد أَن يقوم {سُبْحَانَ رَبك رب الْعِزَّة عَمَّا يصفونَ وَسَلام على الْمُرْسلين وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين}
وَأخرج الْبَغَوِيّ فِي تَفْسِيره من وَجه آخر مُتَّصِل عَن عَليّ مَوْقُوفا
وَأخرج حميد بن زَنْجوَيْه فِي ترغيبه من طَرِيق الْأَصْبَغ بن نباتة عَن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: من سره أَن يكتال بالمكيال الأوفى فليقرأ هَذِه الْآيَة ثَلَاث مَرَّات {سُبْحَانَ رَبك رب الْعِزَّة عَمَّا يصفونَ وَسَلام على الْمُرْسلين وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين}(7/141)
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم (38)
سُورَة ص
مَكِّيَّة وآياتها ثَمَان وَثَمَانُونَ
مُقَدّمَة سُورَة ص أخرج ابْن الضريس والنحاس وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: نزلت سُورَة (ص) بِمَكَّة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَعبد بن حميد وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لما مرض أَبُو طَالب دخل عَلَيْهِ رَهْط من قُرَيْش فيهم أَبُو جهل فَقَالُوا: إِن ابْن أَخِيك يشْتم آلِهَتنَا وَيفْعل وَيفْعل
وَيَقُول وَيَقُول
فَلَو بعثت إِلَيْهِ فنهيته فَبعث إِلَيْهِ فجَاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَدخل الْبَيْت وَبينهمْ وَبَين أبي طَالب قدر مجْلِس فخشي أَبُو جهل أَن جلس إِلَى أبي طَالب أَن يكون أرق عَلَيْهِ فَوَثَبَ فَجَلَسَ فِي ذَلِك الْمجْلس فَلم يجد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَجْلِسا قرب عَمه فَجَلَسَ عِنْد الْبَاب فَقَالَ لَهُ أَبُو طَالب: أَي ابْن أخي مَا بَال قَوْمك يشكونك يَزْعمُونَ أَنَّك تَشْتُم آلِهَتهم وَتقول وَتقول
قَالَ وَأَكْثرُوا عَلَيْهِ من القَوْل وَتكلم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا عَم إِنِّي أريدهم على كلمة وَاحِدَة يَقُولُونَهَا تدين لَهُم بهَا الْعَرَب وَتُؤَدِّي إِلَيْهِم بهَا الْعَجم الْجِزْيَة ففزعوا لكلمته وَلقَوْله
فَقَالَ الْقَوْم: كلمة وَاحِدَة نعم وَأَبِيك عشرا قَالُوا: فَمَا هِيَ قَالَ: لَا إِلَه إِلَّا الله فَقَامُوا فزعين يَنْفضونَ ثِيَابهمْ وهم يَقُولُونَ {أجعَل الْآلهَة إِلَهًا وَاحِدًا إِن هَذَا لشَيْء عُجاب} فَنزل فيهم {ص وَالْقُرْآن ذِي الذّكر بل الَّذين كفرُوا فِي عزة وشقاق} إِلَى قَوْله {بل لما يَذُوقُوا عَذَاب}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ
أَن نَاسا من قُرَيْش اجْتَمعُوا فيهم أَبُو جهل بن هِشَام والعاصي بن وَائِل وَالْأسود بن الْمطلب بن عبد يَغُوث فِي نفر من مشيخة قُرَيْش
فَقَالَ بَعضهم لبَعض: انْطَلقُوا بِنَا إِلَى أبي طَالب نكلمه فِيهِ فلينصفنا مِنْهُ فليكف عَن شتم آلِهَتنَا وندعه وإلهه الَّذِي يعبد فإننا نَخَاف أَن(7/142)
يَمُوت هَذَا الشَّيْخ فَيكون منا شَيْء فتعيرنا الْعَرَب يَقُولُونَ: تَرَكُوهُ حَتَّى إِذا مَاتَ عَمه تناولوه
فبعثوا رجلا مِنْهُم يُسمى الْمطلب فَاسْتَأْذن لَهُم عَليّ أبي طَالب فَقَالَ: هَؤُلَاءِ مشيخة قَوْمك وسرواتهم يستأذنون عَلَيْك قَالَ: أدخلهم
فَلَمَّا دخلُوا عَلَيْهِ قَالُوا: يَا أَبَا طَالب أَنْت كَبِيرنَا وَسَيِّدنَا فأنصفنا من ابْن أَخِيك فمره فليكف عَن شتم آلِهَتنَا ونعده وإلهه فَبعث إِلَيْهِ أَبُو طَالب فَلَمَّا دخل عَلَيْهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: يَا ابْن أخي هَؤُلَاءِ مشيخة قَوْمك وسرواتهم قد سألوك النّصْف
أَن تكف عَن شتم آلِهَتهم ويدعوك وَإِلَهك فَقَالَ: أَي عَم أَولا أدعوهم إِلَى مَا هُوَ خير لَهُم مِنْهَا قَالَ: وإلام تدعوهم قَالَ: أدعوهم إِلَى أَن يتكلموا بِكَلِمَة يدين لَهُم بهَا الْعَرَب ويملكون بهَا الْعَجم فَقَالَ أَبُو جهل من بَين الْقَوْم: مَا هِيَ وَأَبِيك لنعطينكها وَعشر أَمْثَالهَا قَالَ: تَقول لَا إِلَه إِلَّا الله
فنفروا وَقَالُوا سلنا غير هَذِه قَالَ: لَو جئتموني بالشمس حَتَّى تضعوها فِي يَدي مَا سألتكم غَيرهَا فغضبوا وَقَامُوا من عِنْده غضابا وَقَالُوا: وَالله لنشتمنك وَإِلَهك الَّذِي يَأْمُرك بِهَذَا {وَانْطَلق الْمَلأ مِنْهُم أَن امشوا} إِلَى قَوْله {اخْتِلَاق}
الْآيَات 1 - 3(7/143)
ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ (1) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ (2) كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنَادَوْا وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ (3)
أخرج عبد بن حميد عَن أبي صَالح قَالَ: سُئِلَ جَابر بن عبد الله وَابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا عَن {ص} فَقَالَا: مَا نَدْرِي مَا هُوَ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {ص} قَالَ: حَادث الْقُرْآن
وَأخرج ابْن جرير عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله أَنه كَانَ يقْرَأ {ص وَالْقُرْآن} بخفض الدَّال وَكَانَ يَجْعَلهَا من المصاداة يَقُول عَارض الْقُرْآن قَالَ عبد الْوَهَّاب: أعرضه على عَمَلك فَأنْظر أَيْن عَمَلك من الْقُرْآن
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {ص} يَقُول: إِنِّي أَنا الله الصَّادِق(7/143)
وَأخرج ابْن جرير عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله {ص} قَالَ: صدق الله
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ {ص} مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس {ص وَالْقُرْآن ذِي الذّكر} قَالَ: نزلت فِي مجَالِسهمْ
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس {ص وَالْقُرْآن ذِي الذّكر} قَالَ: ذِي الشّرف
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْأَنْبَارِي فِي الْمَصَاحِف عَن قَتَادَة {بل الَّذين كفرُوا فِي عزة} قَالَ: هَهُنَا وَقع الْقسم {فِي عزة وشقاق} قَالَ: فِي حمية وفراق
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {بل الَّذين كفرُوا فِي عزة وشقاق} قَالَ: معازين {شقَاق} قَالَ: عاصين وَفِي قَوْله {فَنَادوا ولات حِين مناص} قَالَ: مَا هَذَا بِحِين فرار
وَأخرج الطَّيَالِسِيّ وَعبد الرَّزَّاق وَالْفِرْيَابِي وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن التَّمِيمِي قَالَ: سَأَلت ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ عَن قَول الله {فَنَادوا ولات حِين مناص} قَالَ: لَيْسَ بِحِين تزور وَلَا فرار
وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ أَن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله {ولات حِين} قَالَ: لَيْسَ بِحِين فرار قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم
أما سَمِعت الْأَعْشَى وَهُوَ يَقُول: تذكرت ليلى لات حِين تذكر وَقد تبت عَنْهَا والمناص بعيد وَأخرج ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {فَنَادوا ولات حِين مناص} قَالَ: نادوا والنداء حِين لَا يَنْفَعهُمْ وَأنْشد تذكرت
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق أبي ظبْيَان عَن ابْن عَبَّاس {ولات حِين مناص} قَالَ: لَا حِين فرار
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عَليّ بن طَلْحَة عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {ولات حِين مناص} قَالَ: لَيْسَ بِحِين مغاث(7/144)
وَأخرج عبد بن حميد عَن سعيد بن جُبَير {ولات حِين مناص} لَيْسَ بِحِين جزع
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ {ولات حِين مناص} قَالَ: وَلَيْسَ حِين نِدَاء
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ فِي قَوْله {ولات حِين مناص} قَالَ: نادوا بِالتَّوْحِيدِ وَالْعِقَاب حِين مَضَت الدُّنْيَا عَنْهُم فاستناصوا التَّوْبَة حِين زَالَت الدُّنْيَا عَنْهُم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة {فَنَادوا ولات حِين مناص} قَالَ: نَادَى الْقَوْم على غير حِين نِدَاء وَأَرَادُوا التَّوْبَة حِين عاينوا عَذَاب الله فَلم يَنْفَعهُمْ وَلم يقبل مِنْهُم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ {ولات حِين مناص} قَالَ: لَيْسَ حِين انقلاب
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن وهب بن مُنَبّه {ولات حِين مناص} قَالَ: إِذا أَرَادَ السرياني أَن يَقُول وَلَيْسَ يَقُول ولات
الْآيَات 4 - 16(7/145)
وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ (4) أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ (5) وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ (6) مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ (7) أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ (8) أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ (9) أَمْ لَهُمْ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبَابِ (10) جُنْدٌ مَا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزَابِ (11) كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتَادِ (12) وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ أُولَئِكَ الْأَحْزَابُ (13) إِنْ كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقَابِ (14) وَمَا يَنْظُرُ هَؤُلَاءِ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ (15) وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ (16)
أخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة {وعجبوا أَن جَاءَهُم مُنْذر مِنْهُم} يَعْنِي مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحر كَذَّاب أجعَل الْآلهَة إِلَهًا وَاحِدًا إِن هَذَا لشَيْء عُجاب} قَالَ: عجب الْمُشْركُونَ أَن دعوا إِلَى الله وَحده وَقَالُوا: إِنَّه لَا يسمع حاجتنا جَمِيعًا إِلَه وَاحِدًا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي مجلز قَالَ: قَالَ رجل يَوْم بدر مَا هم إِلَّا النِّسَاء
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: بل هم الْمَلأ وتلا {وَانْطَلق الْمَلأ مِنْهُم}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وَانْطَلق الْمَلأ مِنْهُم} قَالَ: نزلت حِين انْطلق أَشْرَاف قُرَيْش إِلَى أبي طَالب يكلموه فِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {وَانْطَلق الْمَلأ مِنْهُم} قَالَ: أَبُو جهل
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَانْطَلق الْمَلأ مِنْهُم أَن امشوا واصبروا} قَالَ: هُوَ عقبَة بن أبي معيط
وَفِي قَوْله {مَا سمعنَا بِهَذَا فِي الْملَّة الْآخِرَة} قَالَ: النَّصْرَانِيَّة قَالُوا: لَو كَانَ هَذَا الْقُرْآن حَقًا لأخبرتنا بِهِ النَّصَارَى
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُحَمَّد بن كَعْب {مَا سمعنَا بِهَذَا فِي الْملَّة الْآخِرَة} قَالَ: مِلَّة عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {مَا سمعنَا بِهَذَا فِي الْملَّة الْآخِرَة} قَالَ: النَّصْرَانِيَّة
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {مَا سمعنَا بِهَذَا فِي الْملَّة الْآخِرَة} قَالَ: النَّصْرَانِيَّة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {مَا سمعنَا بِهَذَا فِي الْملَّة الْآخِرَة} أَي فِي ديننَا هَذَا وَلَا فِي زَمَاننَا هَذَا {إِن هَذَا إِلَّا اخْتِلَاق} قَالَ: قَالُوا إِن هَذَا إِلَّا شَيْء يخلقه
وَفِي قَوْله {أم عِنْدهم خَزَائِن رَحْمَة رَبك الْعَزِيز الْوَهَّاب} قَالَ: لَا وَالله مَا عِنْدهم مِنْهَا شَيْء وَلَكِن الله يخْتَص برحمته من يَشَاء {أم لَهُم ملك السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَمَا بَينهمَا فليرتقوا فِي الْأَسْبَاب} قَالَ: فِي السَّمَاء(7/146)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {فليرتقوا فِي الْأَسْبَاب} قَالَ: فِي السَّمَاء
وَأخرج ابْن جرير عَن الرّبيع بن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ {الْأَسْبَاب} أدق من الشّعْر وأحدّ من الْحَدِيد وَهُوَ بِكُل مَكَان غير أَنه لَا يرى
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فليرتقوا فِي الْأَسْبَاب} قَالَ: طرق السَّمَاء أَبْوَابهَا
وَفِي قَوْله {جند مَا هُنَالك} قَالَ: قُرَيْش {من الْأَحْزَاب} قَالَ: الْقُرُون الْمَاضِيَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {جند مَا هُنَالك مهزوم من الْأَحْزَاب} قَالَ: وعده الله وَهُوَ بِمَكَّة أَنه سَيهْزمُ لَهُ جند الْمُشْركين فجَاء تَأْوِيلهَا يَوْم بدر
وَفِي قَوْله {وَفرْعَوْن ذُو الْأَوْتَاد} قَالَ: كَانَت لَهُ أوتاد وارسان وملاعب يلْعَب لَهُ عَلَيْهَا
وَفِي قَوْله {إِن كل إِلَّا كذب الرُّسُل فَحق عِقَاب} قَالَ: هَؤُلَاءِ كلهم قد كذبُوا الرُّسُل فَحق عَلَيْهِم عِقَاب {وَمَا ينظر هَؤُلَاءِ} يَعْنِي أمة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {إِلَّا صَيْحَة وَاحِدَة} يَعْنِي السَّاعَة {مَا لَهَا من فوَاق} يَعْنِي مَا لَهَا من رُجُوع وَلَا مثوبة وَلَا ارتداد {وَقَالُوا رَبنَا عجل لنا قطنا} أَي نصيبنا حظنا من الْعَذَاب {قبل يَوْم} الْقِيَامَة قد كَانَ قَالَ ذَلِك أَبُو جهل: اللَّهُمَّ إِن كَانَ مَا يَقُول مُحَمَّد حَقًا (فَأمْطر علينا حِجَارَة من السَّمَاء أَو ائتنا بعذابٍ أَلِيم) (الْأَنْفَال 32)
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {مَا لَهَا من فوَاق} قَالَ: رُجُوع {وَقَالُوا رَبنَا عجل لنا قطنا} قَالَ: عذابنا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {مَا لَهَا من فوَاق} قَالَ: من رَجْعَة {وَقَالُوا رَبنَا عجل لنا قطنا} قَالَ: سَأَلُوا الله أَن يعجل لَهُم
وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله تَعَالَى {عجل لنا قطنا} قَالَ: القط الْجَزَاء
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم
أما سَمِعت الْأَعْشَى وَهُوَ يَقُول: وَلَا الْملك النُّعْمَان يَوْم لَقيته بِنِعْمَة يعطيني القطوط وَيُطلق(7/147)
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {عجل لنا قطنا} قَالَ: عقوبتنا
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {عجل لنا قطنا} قَالَ: كتَابنَا
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ {عجل لنا قطنا} قَالَ: حظنا
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَطاء رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَقَالُوا رَبنَا عجل لنا قطنا} قَالَ: هُوَ النَّضر بن الْحَرْث بن عَلْقَمَة بن كلدة أَخُو بني عبد الدَّار وَهُوَ الَّذِي قَالَ (سَأَلَ سَائل بِعَذَاب وَاقع) (المعارج 1) قَالَ: سَأَلَ بِعَذَاب هُوَ وَاقع بِهِ فَكَانَ الَّذِي سَأَلَ أَن قَالَ (اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَذَا هُوَ الْحق من عنْدك فَأمْطر علينا حِجَارَة من السَّمَاء أَو ائتنا بِعَذَاب أَلِيم) (الْأَنْفَال 32) قَالَ عَطاء رَضِي الله عَنهُ: لقد نزلت فِيهِ بضع عشرَة آيَة من كتاب الله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق الزبير بن عدي عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {عجل لنا قطنا} قَالَ: نصيبنا من الْجنَّة
الْآيَة 17(7/148)
اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ (17)
أخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {دَاوُد ذَا الأيد} قَالَ: الْقُوَّة فِي الْعَمَل فِي طَاعَة الله تَعَالَى
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {ذَا الأيد} قَالَ: القوّة فِي الْعِبَادَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَاذْكُر عَبدنَا دَاوُد ذَا الأيد} قَالَ: أعطي قوّة فِي الْعِبَادَة وفقهاً فِي الإِسلام
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ {ذَا الأيد} قَالَ: الْقُوَّة فِي الْعِبَادَة وَالْبَصَر فِي الْهدى(7/148)
وَأخرج البُخَارِيّ فِي تَارِيخه عَن أبي الدَّرْدَاء رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا ذكر دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام وَحدث عَنهُ قَالَ: كَانَ أعبد الْبشر
وَأخرج الديلمي عَن عمر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا يَنْبَغِي لأحد أَن يَقُول إِنِّي أعبد من دَاوُد
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن ثَابت رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام يُطِيل الصَّلَاة من اللَّيْل فيركع الرَّكْعَة ثمَّ يرفع رَأسه فَينْظر إِلَى أَدِيم السَّمَاء ثمَّ يَقُول: إِلَيْك رفعت رَأْسِي يَا عَامر السَّمَاء نظر العبيد إِلَى أَرْبَابهَا
وَأخرج أَحْمد عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام: إلهي أَي رزق أطيب قَالَ: ثَمَرَة يدك يَا دَاوُد
وَأخرج أَحْمد عَن عُرْوَة بن الزبير رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام يصنع القفة من الخوص وَهُوَ على الْمِنْبَر ثمَّ يُرْسل بهَا إِلَى السُّوق فيبيعها ثمَّ يَأْكُل بِثمنِهَا
وَأخرج أَحْمد عَن سعيد بن أبي هِلَال رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام إِذا قَامَ من اللَّيْل يَقُول: اللَّهُمَّ نَامَتْ الْعُيُون وَغَارَتْ النُّجُوم وَأَنت الْحَيّ القيوم الَّذِي لَا تأخذك سنة وَلَا نوم
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: الأواب المسبح
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: الأواب المسبح
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَمْرو بن شُرَحْبِيل رَضِي الله عَنهُ قَالَ: الأواب المسبح بلغَة الْحَبَشَة
وَأخرج الديلمي عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: سَأَلت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَنهُ فَقَالَ هُوَ الرجل يذكر ذنُوبه فِي الْخَلَاء فيستغفر الله
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {إِنَّه أوّاب} قَالَ: منيب رَاجع عَن الذُّنُوب
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: الأواب التائب الرَّاجِع
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {إِنَّه أواب} قَالَ: كَانَ مُطيعًا لرَبه كثير الصَّلَاة(7/149)
وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: الأواب الموقن
الْآيَة 18(7/150)
إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ (18)
أخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {إِنَّا سخرنا الْجبَال مَعَه يسبحْنَ} قَالَ: يسبحْنَ مَعَه إِذا سبح {بالْعَشي والإِشراق} قَالَ: إِذا أشرقت الشَّمْس
وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله عزَّ وَجل {بالْعَشي والإِشراق} قَالَ: إِذا أشرقت الشَّمْس وَجَبت الصَّلَاة قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم
أما سَمِعت الْأَعْشَى وَهُوَ يَقُول: لم ينم لَيْلَة التَّمام لكَي يَصِيح حَتَّى إضاءة الاشراق وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن عَطاء الْخُرَاسَانِي أَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لم يزل فِي نَفسِي من صَلَاة الضُّحَى شَيْء حَتَّى قَرَأت هَذِه الْآيَة {سخرنا الْجبَال مَعَه يسبحْنَ بالْعَشي وَالْإِشْرَاق}
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا لَا يُصَلِّي الضُّحَى وَيَقُول: أَيْن هِيَ فِي الْقُرْآن حَتَّى قَالَ بعد هِيَ قَول الله {يسبحْنَ بالْعَشي والإِشراق} هِيَ الإِشراق فَصلاهَا ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا بعد
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: لقد أَتَى عَليّ زمَان وَمَا أَدْرِي مَا وَجه هَذِه الْآيَة {يسبحْنَ بالْعَشي والإِشراق} قَالَ: رَأَيْت النَّاس يصلونَ الضُّحَى
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: كنت أَمر بِهَذِهِ الْآيَة {يسبحْنَ بالْعَشي والإِشراق} فَمَا أَدْرِي مَا هِيَ حَتَّى حَدَّثتنِي أم هانىء بنت أبي طَالب رَضِي الله عَنْهَا
ذكرت أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى يَوْم فتح مَكَّة صَلَاة الضُّحَى ثَمَان رَكْعَات فَقَالَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا: قد ظنت أَن لهَذِهِ السَّاعَة صَلَاة لقَوْل الله تَعَالَى {يسبحْنَ بالْعَشي والإِشراق}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عبد الله بن الْحَارِث قَالَ: دخلت على أم هانىء رَضِي الله(7/150)
عَنْهَا فحدثتني: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى صَلَاة الضُّحَى فَخرجت فَلَقِيت ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فَقلت: انْطلق إِلَى أم هانىء فَدَخَلْنَا عَلَيْهَا فَقلت: حَدثنِي ابْن عمك عَن صَلَاة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الضُّحَى فَحَدَّثته فَقَالَ: تَأَول هَذِه الْآيَة صَلَاة الإِشراق وَهِي صَلَاة الضُّحَى
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق مُجَاهِد عَن سعيد عَن أم هانىء بنت أبي طَالب رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: دخل عليَّ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم فتح مَكَّة وَقد علاهُ الْغُبَار فَأمر بقصعة فَإِنِّي أنظر إِلَى أثر الْعَجِين فَسَكَبت فِيهَا فَأمر بِثَوْب فِيمَا بيني وَبَينه فاستتر فَقَامَ فَأَفَاضَ عَلَيْهِ المَاء ثمَّ قَامَ فصلى الضُّحَى ثَمَان رَكْعَات قَالَ مُجَاهِد: فَحدثت ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا بِهَذَا الحَدِيث فَقَالَ: هِيَ صَلَاة الإِشراق
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عبد الله بن الْحَرْث رَضِي الله عَنهُ قَالَ: سَأَلت عَن صَلَاة الضُّحَى فِي إِمَارَة عُثْمَان بن عَفَّان وَأَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم متوافرون فَلم أجد أحدا أثبت لي صَلَاة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَّا أم هانىء قَالَت: رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلاهَا مرّة وَاحِدَة ثَمَان رَكْعَات يَوْم الْفَتْح فِي ثوب وَاحِد مُخَالفا بَين طَرفَيْهِ لم أره صلاهَا قبلهَا وَلَا بعْدهَا
فَذكرت ذَلِك لِابْنِ عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فَقَالَ: إِنِّي كنت لأمر على هَذِه الْآيَة {يسبحْنَ بالْعَشي وَالْإِشْرَاق} فَأَقُول أَي صَلَاة صَلَاة الإِشراق فَهَذِهِ صَلَاة الإِشراق
وَأخرج ابْن جرير وَالْحَاكِم عَن عبد الله بن الْحَارِث عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا
كَانَ لَا يُصَلِّي الضُّحَى حَتَّى أدخلْنَاهُ على أم هانىء فَقُلْنَا لَهَا: أَخْبِرِي ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا بِمَا أخبرتنا بِهِ
فَقَالَت: دخل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَيْتِي فصلى الضُّحَى ثَمَان رَكْعَات
فَخرج ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا وَهُوَ يَقُول: لقد قَرَأت مَا بَين اللَّوْحَيْنِ فَمَا عرفت صَلَاة الإِشراق إِلَّا السَّاعَة {يسبحْنَ بالْعَشي والإِشراق}
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: طلبت صَلَاة الضُّحَى فِي الْقُرْآن فَوَجَدتهَا {بالْعَشي والإِشراق}
وَأخرج البُخَارِيّ فِي تَارِيخه وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا يحافظ على صَلَاة الضُّحَى إِلَّا أواب هِيَ صَلَاة الْأَوَّابِينَ(7/151)
وَأخرج الْأَصْبَهَانِيّ فِي التَّرْغِيب عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أَوْصَانِي خليلي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا أنس صل صَلَاة الضُّحَى فَإِنَّهَا صَلَاة الْأَوَّابِينَ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَمُسلم وَالطَّبَرَانِيّ عَن زيد بن أَرقم رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خرج على أهل قبَاء وهم يصلونَ الضُّحَى
وَفِي لفظ وهم يصلونَ بعد طُلُوع الشَّمْس فَقَالَ صَلَاة الْأَوَّابِينَ إِذا رمضت الفصال
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن أبي الدَّرْدَاء رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا يحافظ على سبْحَة الضُّحَى إِلَّا أواب
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَابْن ماجة عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من صلى الضُّحَى اثْنَتَيْ عشرَة رَكْعَة بنى لَهُ الله فِي الْجنَّة قصراً من ذهب
وَأخرج أَبُو نعيم عَن أنس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: صلِ صَلَاة الضُّحَى فَإِنَّهَا صَلَاة الْأَوَّابِينَ
وَأخرج حميد بن زَنْجوَيْه فِي فَضَائِل الْأَعْمَال وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن الْحسن بن عَليّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من صلى الْفجْر ثمَّ جلس فِي مُصَلَّاهُ يذكر الله حَتَّى تطلع الشَّمْس ثمَّ صلى من الضُّحَى رَكْعَتَيْنِ حرمه الله على النَّار أَن تلفحه أَو تطعمه
وَأخرج حميد بن زَنْجوَيْه وَالطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن عتيبة بن عبد الله السّلمِيّ وَأبي أُمَامَة الْبَاهِلِيّ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: من صلى الصُّبْح فِي مَسْجِد جمَاعَة ثمَّ ثَبت فِيهِ حَتَّى يسبح تَسْبِيحَة الضُّحَى كَانَ لَهُ كَأَجر حَاج أَو مُعْتَمر قَامَ لَهُ حجَّته وعمرته
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَالطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن معَاذ بن أنس الْجُهَنِيّ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من قعد فِي مُصَلَّاهُ حِين ينْصَرف من صَلَاة الصُّبْح حَتَّى يصبح رَكْعَتي الضُّحَى لَا يَقُول إِلَّا خيرا غفر لَهُ خطاياه وَإِن كَانَت أَكثر من زبد الْبَحْر
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن أبي الدَّرْدَاء رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من صلى الضُّحَى رَكْعَتَيْنِ لم يكْتب من الغافلين وَمن صلى أَرْبعا كتب من العابدين وَمن صلى سِتا كفي ذَلِك الْيَوْم وَمن صلى ثمانياً كتب من القانتين وَمن صلى إثنتي عشرَة بنى الله لَهُ بَيْتا فِي الْجنَّة
وَأخرج حميد بن زَنْجوَيْه وَالْبَزَّار وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي ذَر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ(7/152)
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن صليت الضُّحَى رَكْعَتَيْنِ لم تكْتب من الغافلين وَإِن صليتها أَرْبعا كنت من الْمُحْسِنِينَ وَإِن صليتها سِتا كتبت من القانتين وَإِن صليتها ثمانياً كتبت من الفائزين وَإِن صليتها عشرا لم يكْتب لَك ذَلِك الْيَوْم ذَنْب وَإِن صليتها إثنتي عشرَة بنى الله لَك بَيْتا فِي الْجنَّة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالتِّرْمِذِيّ وَأحمد وَابْن ماجة عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: من حَافظ على سبْحَة الضُّحَى غفر لَهُ ذنُوبه وَإِن كَانَت مثل زبد الْبَحْر
الْآيَات 19 - 20(7/153)
وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ (19) وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ (20)
أخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {وَالطير محشورة} قَالَ: مسخرة لَهُ {كل لَهُ أوّاب} قَالَ: مُطِيع {وشددنا ملكه وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَة} أَي السّنة {وَفصل الْخطاب} قَالَ: الْبَيِّنَة على الطَّالِب وَالْيَمِين على الْمَطْلُوب
وَأخرج عبد بن حميد وَالْحَاكِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {وشددنا ملكه} قَالَ: كَانَ أَشد مُلُوك أهل الدُّنْيَا لله سُلْطَانا {وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَة وَفصل الْخطاب} قَالَ: مَا قَالَ من شَيْء أنفذه وعدله فِي الحكم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: ادّعى رجل من بني إِسْرَائِيل عِنْد دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام [قتل وَلَده فَسَأَلَ] (مَا بَين القوسين [قتل وَلَده فَسَأَلَ] زِيَادَة اقتضاها اتمام الْمَعْنى) الرجل على ذَلِك فجحده فَسَأَلَ الآخر الْبَيِّنَة فَلم تكن بَيِّنَة فَقَالَ لَهما دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام: قوما حَتَّى أنظر فِي أمركما فقاما من عِنْده فَأتى دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام فِي مَنَامه فَقيل لَهُ: أقتل الرجل الَّذِي استعدى فَقَالَ: إِن هَذِه رُؤْيا وَلست أعجل حَتَّى أثبت فَأتى اللَّيْلَة الثَّانِيَة فِي مَنَامه فَقيل لَهُ: أقتل الرجل فَلم يفعل
ثمَّ أَتَى اللَّيْلَة الثَّالِثَة فَقيل لَهُ: أقتل الرجل أَو تَأْتِيك الْعقُوبَة من الله تَعَالَى فَأرْسل دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام إِلَى الرجل فَقَالَ: إِن الله أَمرنِي أَن أَقْتلك فَقَالَ: تقتلني بِغَيْر بَيِّنَة وَلَا(7/153)
تثبت قَالَ: نعم
وَالله لأنفذن أَمر الله فِيك فَقَالَ لَهُ الرجل: لَا تعجل عليَّ حَتَّى أخْبرك
إِنِّي مَا أخذت بِهَذَا الذَّنب وَلَكِنِّي كنت اغتلت وَالِد هَذَا فَقتلته فبذلك أخذت فَأمر بِهِ دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام فَقتل فاشتدت هيبته فِي بني إِسْرَائِيل وشدد بِهِ ملكه
فَهُوَ قَول الله تَعَالَى {وشددنا ملكه}
وَأخرج ابْن جرير وَالْحَاكِم عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وشددنا ملكه} قَالَ: كَانَ يَحْرُسهُ كل يَوْم وَلَيْلَة أَرْبَعَة آلَاف وَفِي قَوْله {وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَة} قَالَ: النُّبُوَّة {وَفصل الْخطاب} قَالَ: علم الْقَضَاء
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَة} قَالَ: أعطي الْفَهم
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَة} قَالَ: الصَّوَاب {وَفصل الْخطاب} قَالَ: الإِيمان وَالشُّهُود
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {وَفصل الْخطاب} قَالَ: إِصَابَة الْقَضَاء وفهمه
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن أبي عبد الرَّحْمَن رَضِي الله عَنهُ {وَفصل الْخطاب} قَالَ: فصل الْقَضَاء
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ {وَفصل الْخطاب} قَالَ: الْفَهم فِي الْقَضَاء
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَالْبَيْهَقِيّ عَن شُرَيْح رَضِي الله عَنهُ {وَفصل الْخطاب} قَالَ: الشُّهُود والإِيمان
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن أبي عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ رَضِي الله عَنهُ
إِن دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام أَمر بِالْقضَاءِ فَقطع بِهِ فَأوحى الله تَعَالَى إِلَيْهِ: أَن استحلفهم باسمي وسلهم الْبَينَات قَالَ: فَذَلِك {وَفصل الْخطاب}
وَأخرج ابْن جرير وَالْبَيْهَقِيّ عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {وَفصل الْخطاب} قَالَ: الْبَيِّنَة على الْمُدَّعِي وَالْيَمِين على الْمُدعى عَلَيْهِ
وَأخرج ابْن جرير عَن الشّعبِيّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَفصل الْخطاب} قَالَ: هُوَ قَول الرجل: أما بعد(7/154)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم والديلمي عَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أول من قَالَ أما بعد دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام وَهُوَ فصل الْخطاب
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة وَابْن سعد وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن الشّعبِيّ رَضِي الله عَنهُ أَنه سمع زِيَاد بن أبي سُفْيَان رَضِي الله عَنهُ يَقُول {وَفصل الْخطاب} الَّذِي أُوتِيَ دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام أما بعد
الْآيَات 21 - 24(7/155)
وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ (21) إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لَا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ (22) إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ (23) قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ (24)
أخرج ابْن أبي شيبَة فِي المُصَنّف وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا
أَن دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام حدث نَفسه إِن ابْتُلِيَ أَن يعتصم فَقيل لَهُ إِنَّك ستبتلى وستعلم الْيَوْم الَّذِي تبتلى فِيهِ فَخذ حذرك فَقيل لَهُ: هَذَا الْيَوْم الَّذِي تبتلى فِيهِ فَأخذ الزبُور وَدخل الْمِحْرَاب وأغلق بَاب الْمِحْرَاب وَأدْخل الزبُور فِي حجره وأقعد منصفاً على الْبَاب وَقَالَ لَا تَأذن لأحد عليّ الْيَوْم
فَبَيْنَمَا هُوَ يقْرَأ الزببور إِذْ جَاءَ طَائِر مَذْهَب كأحسن مَا يكون للطير فِيهِ من كل لون فَجعل يدرج بَين يَدَيْهِ فَدَنَا مِنْهُ فَأمكن أَن يَأْخُذهُ فتناوله بِيَدِهِ ليأخذه فطار فَوْقه على كوّة الْمِحْرَاب فَدَنَا مِنْهُ ليأخذه فطار فَأَشْرَف عَلَيْهِ لينْظر أَيْن وَقع فَإِذا هُوَ بِامْرَأَة عِنْد بركتها تَغْتَسِل من الْحيض فَلَمَّا رَأَتْ ظله حركت رَأسهَا فغطت جَسدهَا أجمع بشعرها وَكَانَ زَوجهَا غازياً فِي سَبِيل الله فَكتب دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام إِلَى رَأس الْغُزَاة
انْظُر فاجعله فِي حَملَة التابوت أما أَن يفتح عَلَيْهِم وَإِمَّا أَن(7/155)
يقتلُوا
فقدمه فِي حَملَة التابوت فَقتل
فَلَمَّا انْقَضتْ عدتهَا خطبهَا دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام فاشترطت عَلَيْهِ أَن ولدت غُلَاما أَن يكون الْخَلِيفَة من بعده وأشهدت عَلَيْهِ خمْسا من بني إِسْرَائِيل وكتبت عَلَيْهِ بذلك كتابا فأشعر بِنَفسِهِ أَنه كتب حَتَّى ولدت سُلَيْمَان عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وشب فتسوّر عَلَيْهِ الْملكَانِ الْمِحْرَاب فَكَانَ شَأْنهمَا مَا قصّ الله تَعَالَى فِي كِتَابه وخر دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام سَاجِدا فغفر الله لَهُ وَتَابَ عَلَيْهِ
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: مَا أَصَابَهُ الْقدر إِلَّا من عجب عجب بِنَفسِهِ
وَذَلِكَ أَنه قَالَ يَا رب مَا من سَاعَة من ليل ونهار إِلَّا وعابد من بني إِسْرَائِيل يعبدك يُصَلِّي لَك أَو يسبح أَو يكبر وَذكر أَشْيَاء فكره الله ذَلِك فَقَالَ يَا دَاوُد إِن ذَلِك لم يكن إِلَّا بِي فلولا عوني مَا قويت عَلَيْهِ
وَجَلَالِي لآكِلُكَ إِلَى نَفسك يَوْمًا
قَالَ: يَا رب فاخبرني بِهِ فأصابته الْفِتْنَة ذَلِك الْيَوْم
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم بِسَنَد ضَعِيف عَن أنس رَضِي الله عَنهُ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: إِن دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام حِين نظر إِلَى الْمَرْأَة قطع على بني إِسْرَائِيل وَأوصى صَاحب الْجَيْش فَقَالَ: إِذا حضر الْعَدو تضرب فلَانا بَين يَدي التابوت وَكَانَ التابوت فِي ذَلِك الزَّمَان يستنصر بِهِ من قدم بَين يَدي التابوت لم يرجع حَتَّى يقتل أَو ينهزم مِنْهُ الْجَيْش
فَقتل وتزوّج الْمَرْأَة وَنزل الْملكَانِ على دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام فَسجدَ فَمَكثَ أَرْبَعِينَ لَيْلَة سَاجِدا حَتَّى نبت الزَّرْع من دُمُوعه على رَأسه فَأكلت الأَرْض جَبينه وَهُوَ يَقُول فِي سُجُوده: رب زل دَاوُد زلَّة أبعد مِمَّا بَين الْمشرق وَالْمغْرب
رب إِن لم ترحم ضعف دَاوُد وَتغْفر ذنُوبه جعلت ذَنبه حَدِيثا فِي الْمَخْلُوق من بعده
فجَاء جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام من بعد أَرْبَعِينَ لَيْلَة فَقَالَ: يَا دَاوُد إِن الله قد غفر لَك وَقد عرفت أَن الله عدل لَا يمِيل فَكيف بفلان إِذا جَاءَ يَوْم الْقِيَامَة فَقَالَ: يَا رب دمي الَّذِي عِنْد دَاوُد قَالَ جِبْرِيل: مَا سَأَلت رَبك عَن ذَلِك فَإِن شِئْت لَأَفْعَلَنَّ فَقَالَ: نعم
ففرح جِبْرِيل وَسجد دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام فَمَكثَ مَا شَاءَ الله ثمَّ نزل فَقَالَ: قد سَأَلت(7/156)
الله يَا دَاوُد عَن الَّذِي أرسلتني فِيهِ
فَقَالَ: قل لداود إِن الله يجمعكما يَوْم الْقِيَامَة فَيَقُول هَب لي دمك الَّذِي عِنْد دَاوُد فَيَقُول: هُوَ لَك يَا رب فَيَقُول: فَإِن لَك فِي الْجنَّة مَا شِئْت وَمَا اشْتهيت عوضا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وهناد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما أصَاب دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام الْخَطِيئَة وَإِنَّمَا كَانَت خطيئته أَنه لما أبصرهَا أَمر بهَا فعزلها فَلم يقربهَا فَأَتَاهُ الخصمان فتسورا فِي الْمِحْرَاب فَلَمَّا أبصرهما قَامَ إِلَيْهِمَا فَقَالَ: أخرجَا عني مَا جَاءَ بكما إليَّ فَقَالَا: إِنَّمَا نكلمك بِكَلَام يسير {إِن هَذَا أخي لَهُ تسع وَتسْعُونَ نعجة} وَأَنا {ولي نعجة وَاحِدَة} وَهُوَ يُرِيد أَن يَأْخُذهَا مني فَقَالَ دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام: وَالله أَنا أَحَق أَن ينشر مِنْهُ من لدن هَذِه إِلَى هَذِه
يَعْنِي من أَنفه إِلَى صَدره فَقَالَ رجل: هَذَا دَاوُد فعله فَعرف دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام إِنَّمَا عني بذلك وَعرف ذَنبه فَخر سَاجِدا لله عز وَجل أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَأَرْبَعين لَيْلَة وَكَانَت خطيئته مَكْتُوبَة فِي يَده ينظر إِلَيْهَا لكَي لَا يغْفل حَتَّى نبت البقل حوله من دُمُوعه مَا غطى رَأسه فَنُوديَ أجائع فتطعم أم عَار فتكسى أم مظلوم فَتَنَصَّرَ قَالَ: فَنحب نحبة هاج مَا يَلِيهِ من البقل حِين لم يذكر ذَنبه فَعِنْدَ ذَلِك غفر لَهُ فَإِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة قَالَ لَهُ ربه: كن امامي فَيَقُول أَي رب ذَنبي ذَنبي
فَيَقُول الله: كن خَلْفي فَيَقُول لَهُ: خُذ بقدمي فَيَأْخُذ بقدمه
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وَهل أَتَاك نبأ الْخصم إِذْ تسوّروا الْمِحْرَاب} قَالَ: أَن دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: يَا رب قد أَعْطَيْت إِبْرَاهِيم وَإِسْحَق وَيَعْقُوب من الذّكر مَا لَو وددت أَنَّك أَعْطَيْتنِي مثله
قَالَ الله عز وَجل إِنِّي ابتليتهم بِمَا لم ابتلك بِهِ فَإِن شِئْت ابتليتك بِمثل مَا ابتليتهم بِهِ وأعطيتك كَمَا أَعطيتهم قَالَ: نعم
قَالَ لَهُ: فاعمل حَتَّى أرى بلاءك
فَكَانَ مَا شَاءَ الله أَن يكون وَطَالَ ذَلِك عَلَيْهِ فكاد أَن ينساه فَبَيْنَمَا هُوَ فِي محرابه إِذْ وَقعت عَلَيْهِ حمامة فَأَرَادَ أَن يَأْخُذهَا فطارت على كوَّة الْمِحْرَاب فَذهب ليأخذها فطارت فَاطلع من الكوة فَرَأى امْرَأَة تَغْتَسِل فَنزل من الْمِحْرَاب فَذهب ليأخذها فَأرْسل إِلَيْهَا فَجَاءَتْهُ فَسَأَلَهَا عَن زَوجهَا وَعَن شَأْنهَا فَأَخْبَرته أَن زَوجهَا غَائِب فَكتب إِلَى أَمِير تِلْكَ السّريَّة أَن يؤمره على السَّرَايَا ليهلك زَوجهَا(7/157)
فَفعل فَكَانَ يصاب أَصْحَابه وينجو وَرُبمَا نصروا
وَإِن الله عز وَجل لما رأى الَّذِي وَقع فِيهِ دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام أَرَادَ أَن ينفذ أمره فَبَيْنَمَا دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام ذَات يَوْم فِي محرابه إِذْ تسور عَلَيْهِ الْملكَانِ من قبل وَجهه فَلَمَّا رآهما وَهُوَ يقْرَأ فزع وَسكت وَقَالَ: لقد استضعفت فِي ملكي حَتَّى أَن النَّاس يتسوّرون على محرابي فَقَالَا لَهُ {لَا تخف خصمان بغى بَعْضنَا على بعض} وَلم يكن لنا بُد من أَن نَأْتِيك فاسمع منا فَقَالَ أَحدهمَا {إِن هَذَا أخي لَهُ تسع وَتسْعُونَ نعجة ولي نعجة وَاحِدَة فَقَالَ أكفلنيها} يُرِيد أَن يتم مائَة ويتركني لَيْسَ لي شَيْء {وعزني فِي الْخطاب} قَالَ: إِن دَعَوْت ودعا كَانَ أَكثر مني وَإِن بطشت وبطش كَانَ أَشد مني
فَذَلِك قَوْله {وعزني فِي الْخطاب} قَالَ لَهُ دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام: أَنْت كنت أحْوج إِلَى نعجتك مِنْهُ {لقد ظلمك بسؤال نعجتك إِلَى نعاجه} إِلَى قَوْله {وَقَلِيل مَا هم} وَنسي نَفسه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَنظر الْملكَانِ أَحدهمَا إِلَى الآخر حِين قَالَ فَتَبَسَّمَ أَحدهمَا إِلَى الآخر فراه دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام فَظن إِنَّمَا فتن {فَاسْتَغْفر ربه وخر رَاكِعا وأناب} أَرْبَعِينَ لَيْلَة حَتَّى نَبتَت الخضرة من دموع عَيْنَيْهِ ثمَّ شدد الله ملكه
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ أَن دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام جزأ الدَّهْر أَرْبَعَة أَجزَاء
يَوْمًا لنسائه وَيَوْما لِلْعِبَادَةِ وَيَوْما للْقَضَاء بَين بني إِسْرَائِيل وَيَوْما لبني إِسْرَائِيل
ذكرُوا فَقَالُوا: هَل يَأْتِي على الإِنسان يَوْم لَا يُصِيب فِيهِ ذَنبا فاضمر دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام فِي نَفسه أَنه سيطيق ذَلِك فَلَمَّا كَانَ فِي يَوْم عِبَادَته غلق أبوابه وَأمر أَن لَا يدْخل عَلَيْهِ أحد وأكب على التَّوْرَاة
فَبَيْنَمَا هُوَ يقرأوها إِذْ حمامة من ذهب فِيهَا من كل لون حسن قد وَقعت بَين يَدَيْهِ فاهوى إِلَيْهَا ليأخذها فطارت فَوَقَعت غير بعيد من غير مرتبتها فَمَا زَالَ يتبعهَا حَتَّى أشرف على امْرَأَة تَغْتَسِل فاعجبه حسنها وخلقها فَلَمَّا رَأَتْ ظله فِي الأَرْض جللت نَفسهَا بشعرها فَزَاد ذَلِك أَيْضا بهَا اعجاباً وَكَانَ قد بعث زَوجهَا على بعض بعوثه فَكتب إِلَيْهِ أَن يسير إِلَى مَكَان كَذَا وَكَذَا
مَكَان إِذا سَار إِلَيْهِ قتل وَلم يرجع فَفعل فاصيب فَخَطَبَهَا دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام
فَتَزَوجهَا
فَبَيْنَمَا هُوَ فِي الْمِحْرَاب إِذْ تسور الْملكَانِ عَلَيْهِ وَكَانَ الخصمان إِنَّمَا يأتونه من بَاب الْمِحْرَاب فَفَزعَ مِنْهُم حِين تسوّروا الْمِحْرَاب فَقَالُوا: {لَا تخف خصمان بغى بَعْضنَا على بعض فاحكم بَيْننَا بِالْحَقِّ وَلَا تشطط}(7/158)
أَي لَا تمل {واهدنا إِلَى سَوَاء الصِّرَاط} أَي أعدله وخيره {إِن هَذَا أخي لَهُ تسع وَتسْعُونَ نعجة ولي نعجة وَاحِدَة} يَعْنِي تسعا وَتِسْعين امْرَأَة لداود وللرجل نعجة وَاحِدَة فَقَالَ {أكفلْنيها وعزني فِي الْخطاب} أَي قهرني وظلمني قَالَ {لقد ظلمك بسؤال نعجتك إِلَى نعاجه وَإِن كثيرا من الخلطاء ليبغي بَعضهم على بعض إِلَّا الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات وَقَلِيل مَا هم وَظن دَاوُد أَنما فتناه فَاسْتَغْفر ربه وخر رَاكِعا وأناب} قَالَ: سجد أَرْبَعِينَ لَيْلَة حَتَّى أوحى الله إِلَيْهِ: أَنِّي قد غفرت لَك
قَالَ: رب كَيفَ تغْفر لي وَأَنت حكم عدل لَا تظلم أحدا قَالَ إِنِّي أقضيك لَهُ ثمَّ استوهبه دمك ثمَّ أثيبه من الْجنَّة حَتَّى يرضى قَالَ: الْآن طابت نَفسِي وَعلمت أَن قد غفرت لي
قَالَ الله تَعَالَى {فغفرنا لَهُ ذَلِك وَإِن لَهُ عندنَا لزلفى وَحسن مآب}
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن أبي عمرَان الْجونِي رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَهل أَتَاك نبأ الْخصم} فَجَلَسَا فَقَالَ لَهما قَضَاء فَقَالَ أَحدهمَا إِلَى الآخر {أخي لَهُ تسع وَتسْعُونَ نعجة ولي نعجة وَاحِدَة فَقَالَ أكفلنيها وعزني فِي الْخطاب} فَعجب دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام وَقَالَ {لقد ظلمك بسؤال نعجتك إِلَى نعاجه} فاغلظ لَهُ أَحدهمَا وارتفع
فَعرف دَاوُد إِنَّمَا ذَلِك بِذَنبِهِ فَسجدَ فَكَانَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَلَيْلَة لَا يرفع رَأسه إِلَّا إِلَى صَلَاة الْفَرِيضَة حَتَّى يَبِسَتْ وقرحت جَبهته وقرحت كَفاهُ وَركبَتَاهُ فاتاه ملك فَقَالَ: يَا دَاوُد إِنِّي رَسُول رَبك إِلَيْك وَإنَّهُ يَقُول لَك ارْفَعْ رَأسك فقد غفرت لَك فَقَالَ: يَا رب كَيفَ وَأَنت حكم عدل كَيفَ تغْفر لي ظلامة الرجل فَترك مَا شَاءَ الله ثمَّ أَتَاهُ ملك آخر فَقَالَ: يَا دَاوُد إِنِّي رَسُول رَبك إِلَيْك وَإنَّهُ يَقُول لَك إِنَّك تَأتِينِي يَوْم الْقِيَامَة وَابْن صوريا تختصمان إليّ فأقضي لَهُ عَلَيْك ثمَّ أسألها إِيَّاه فيهبها لي ثمَّ أعْطِيه من الْجنَّة حَتَّى يرضى
وَأخرج ابْن جرير وَالْحَاكِم عَن السّديّ قَالَ: إِن دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام قد قسم الدَّهْر ثَلَاثَة أَيَّام
يَوْمًا يقْضِي فِيهِ بَين النَّاس وَيَوْما يَخْلُو فِيهِ لعبادة ربه وَيَوْما يَخْلُو فِيهِ بنسائه وَكَانَ لَهُ تسع وَتسْعُونَ امْرَأَة وَكَانَ فِيمَا يقْرَأ من الْكتب قَالَ: يَا رب أرى الْخَيْر قد ذهب بِهِ آبَائِي الَّذين كَانُوا قبلي
فاعطني مثل مَا أَعطيتهم وَافْعل بِي مثل مَا فعلت بهم
فَأوحى الله إِلَيْهِ إِن آباءك قد ابتلوا ببلايا لم تبتل بهَا
ابتلى(7/159)
إِبْرَاهِيم بِذبح وَلَده وابتلي إِسْحَق بذهاب بَصَره وابتلى يَعْقُوب بحزنه على يُوسُف وَإنَّك لم تبتل بِشَيْء من ذَلِك
قَالَ: رب ابتلني بِمَا ابتليتهم بِهِ واعطني مثل مَا أَعطيتهم فَأوحى الله إِلَيْهِ: إِنَّك مبتلي فاحترس
فَمَكثَ بعد ذَلِك مَا شَاءَ الله تَعَالَى أَن يمْكث إِذْ جَاءَهُ الشَّيْطَان قد تمثل فِي صُورَة حمامة حَتَّى وَقع عِنْد رجلَيْهِ وَهُوَ قَائِم يُصَلِّي فمدَّ يَده ليأخذه فَتنحّى فَتَبِعَهُ فتباعد حَتَّى وَقع فِي كوّة فَذهب ليأخذه فطار من الكوّة فَنظر أَيْن يَقع فَبعث فِي أَثَره فابصر امْرَأَة تَغْتَسِل على سطح لَهَا فَرَأى امْرَأَة من أجمل النَّاس خلقا فحانت مِنْهَا التفاتة فابصرته فالتَفَّتْ بشعرها فاستترت بِهِ فزاده ذَلِك فِيهَا رَغْبَة فَسَأَلَ عَنْهَا فاخبر أَن لَهَا زوجا غَائِبا بمسلحة كَذَا وَكَذَا
فَبعث إِلَى صَاحب المسلحة يَأْمُرهُ
أَن يبْعَث إِلَى عدوّ كَذَا وَكَذَا
فَبَعثه فَفتح لَهُ أَيْضا فَكتب إِلَى دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام بذلك فَكتب إِلَيْهِ أَن ابعثه إِلَى عدوّ كَذَا وَكَذَا
فَبَعثه فَقتل فِي الْمرة الثَّالِثَة وتزوّج امْرَأَته
فَلَمَّا دخلت عَلَيْهِ لم يلبث إِلَّا يَسِيرا حَتَّى بعث الله لَهُ ملكَيْنِ فِي صُورَة انسيين فطلبا أَن يدخلا عَلَيْهِ فتسورا عَلَيْهِ الحراب فَمَا شعر وَهُوَ يُصَلِّي إِذْ هما بَين يَدَيْهِ جالسين فَفَزعَ مِنْهُمَا فَقَالَا {لَا تخف} إِنَّمَا نَحن {خصمان بغى بَعْضنَا على بعض فاحكم بَيْننَا بِالْحَقِّ وَلَا تشطط} يَقُول: لَا تخف {واهدنا إِلَى سَوَاء الصِّرَاط} إِلَى عدل الْقَضَاء فَقَالَ: قصا عليَّ قصتكما فَقَالَ أَحدهمَا {إِن هَذَا أخي لَهُ تسع وَتسْعُونَ نعجة ولي نعجة وَاحِدَة} قَالَ الآخر: وَأَنا أُرِيد أَن آخذها فاكمل بهَا نعاجي مائَة قَالَ وَهُوَ كَارِه قَالَ إِذا لَا نَدعك وَذَاكَ قَالَ: يَا أخي أَنْت على ذَلِك بِقَادِر قَالَ: فَإِن ذهبت تروم ذَلِك ضربنا مِنْك هَذَا وَهَذَا
يَعْنِي طرف الْأنف والجبهة
قَالَ: يَا دَاوُد أَنْت أَحَق أَن يضْرب مِنْك هَذَا وَهَذَا
حَيْثُ لَك تسع وَتسْعُونَ امْرَأَة وَلم يكن لاوريا إِلَّا امْرَأَة وَاحِدَة فَلم تزل تعرضه للْقَتْل حَتَّى قتلته
وَتَزَوَّجت امْرَأَته فَنظر فَلم ير شَيْئا فَعرف مَا قد وَقع فِيهِ وَمَا قد ابْتُلِيَ بِهِ {وخر رَاكِعا} فَبكى فَمَكثَ يبكي أَرْبَعِينَ يَوْمًا لَا يرفع رَأسه إِلَّا لحَاجَة ثمَّ يَقع سَاجِدا يبكي ثمَّ يَدْعُو حَتَّى نبت العشب من دموع عَيْنَيْهِ فَأوحى الله إِلَيْهِ بعد أَرْبَعِينَ يَوْمًا يَا دَاوُد ارْفَعْ رَأسك قد غفر لَك قَالَ: يَا رب كَيفَ أعلم أَنَّك قد غفرت(7/160)
لي وَأَنت حكم عدل لَا تحيف فِي الْقَضَاء إِذا جَاءَ يَوْم الْقِيَامَة أَخذ رَأسه بِيَمِينِهِ أَو بِشمَالِهِ تشخب أوداجه دَمًا فيّ يَقُول: يَا رب سل هَذَا فيمَ قتلني فَأوحى الله إِلَيْهِ إِذا كَانَ ذَلِك دَعَوْت أوريا فاستوهبك مِنْهُ فيهبك لي فاثيبه بذلك الْجنَّة قَالَ: رب الْآن علمت أَنَّك غفرت لي فَمَا اسْتَطَاعَ أَن يملاء عَيْنَيْهِ من السَّمَاء حَيَاء من ربه حَتَّى قبض صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ رَضِي الله عَنهُ
نَحوه
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {إِذْ تسوّروا الْمِحْرَاب} قَالَ: الْمَسْجِد
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن أبي الْأَحْوَص قَالَ: دخل الخصمان على دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام وكل وَاحِد مِنْهُمَا آخذ بِرَأْس صَاحبه
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله {فَفَزعَ مِنْهُم} قَالَ: كَانَ الْخُصُوم يدْخلُونَ من الْبَاب فَفَزعَ من تسوّرهما
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {وَلَا تشطط} أَي لَا تمل
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {إِن هَذَا أخي} قَالَ: على ديني
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالْفِرْيَابِي وَأحمد فِي الزّهْد وَابْن جرير وَالطَّبَرَانِيّ عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: مَا زَاد دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام على أَن قَالَ {أكفلنيها}
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {فَقَالَ أكفلنيها} قَالَ: فَمَا زَاد دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام على أَن قَالَ: تحوّل لي عَنْهَا
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: مَا زَاد دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام على أَن قَالَ: انْزِلْ لي عَنْهَا
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن زيد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {أكفلنيها} قَالَ: أعطنيها طَلقهَا لي أنْكحهَا وخل سَبِيلهَا {وعزني فِي الْخطاب} قَالَ: قهرني ذَلِك الْعِزّ الْكَلَام وَالْخطاب
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {أكفلنيها} قَالَ:(7/161)
أعطنيها {وعزني فِي الْخطاب} قَالَ: إِذا تكلم كَانَ أبلغ مني وَإِذا دَعَا كَانَ أَكثر قَالَ أحد الْملكَيْنِ: مَا جَزَاؤُهُ قَالَ: يضْرب هَهُنَا وَهَهُنَا وَهَهُنَا
وَوضع يَده على جَبهته ثمَّ على أَنفه ثمَّ تَحت الْأنف قَالَ: ترى ذَلِك جزاءه
فَلم يزل يردد ذَلِك عَلَيْهِ حَتَّى علم أَنه ملك وَخرج الْملك فَخر دَاوُد سَاجِدا قَالَ: ذكر أَنه لم يرفع رَأسه أَرْبَعِينَ صباحاً يبكي حَتَّى أعشب الدُّمُوع مَا حول رَأسه حَتَّى إِذا مضى أَرْبَعُونَ صباحاً زفر زفرَة هاج مَا حول رَأسه من ذَلِك العشب
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وَقَلِيل مَا هم} يَقُول: قَلِيل الَّذين هم فِيهِ
وَفِي قَوْله {إِنَّمَا فتناه} قَالَ: اختبرناه
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {وَظن دَاوُد} قَالَ: علم دَاوُد
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {وَظن دَاوُد أَنما فتناه} قَالَ: ظن إِنَّمَا ابْتُلِيَ بذلك
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِنَّمَا كَانَ فتْنَة دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام النّظر
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وخر رَاكِعا} قَالَ: سَاجِدا
وَأخرج عبد بن حميد عَن كَعْب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: سجد دَاوُد نَبِي الله أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَأَرْبَعين لَيْلَة لَا يرفع رَأسه حَتَّى رقأ دمعه ويبس وَكَانَ من آخر دُعَائِهِ وَهُوَ ساجد أَن قَالَ: يَا رب رزقتني الْعَافِيَة فسألتك الْبلَاء فَلَمَّا ابتليتني لم أَصْبِر فَإِن تعذبني فَأَنا أهل ذَاك وَإِن تغْفر لي فانت أهل ذَاك
قَالَ: وَإِذا جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام قَائِم على رَأسه قَالَ: يَا دَاوُد إِن الله قد غفر لَك فارفع رَأسك فَلم يلْتَفت إِلَيْهِ وناجى ربه وَهُوَ ساجد فَقَالَ: يَا رب كَيفَ تغْفر لي وَأَنت الحكم الْعدْل قَالَ إِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة دفعتك إِلَى أوريا ثمَّ استوهبك مِنْهُ فيهبك لي وأثيبه الْجنَّة قَالَ: يَا رب الْآن علمت أَنَّك قد غفرت لي فَذهب يرفع رَأسه فَإِذا هُوَ يَابِس لَا يَسْتَطِيع فمسحه جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام بِبَعْض ريشه فانبسط فَأوحى الله تَعَالَى إِلَيْهِ بعد ذَلِك: يَا دَاوُد قد أحللت لَك امْرَأَة أوريا فَتَزَوجهَا فَولدت لَهُ سُلَيْمَان عَلَيْهِ(7/162)
الصَّلَاة وَالسَّلَام
لم تَلد قبله وَلَا بعده) قَالَ كَعْب رَضِي الله عَنهُ: فو الله لقد كَانَ دَاوُد بعد ذَلِك يظل صَائِما الْيَوْم الْحَار فَيقرب الشَّرَاب إِلَى فِيهِ فيذكر خطيئته فَينزل دمعه فِي الشَّرَاب حَتَّى يفيضه ثمَّ يردهُ وَلَا يشربه
وَأخرج أَحْمد وَعبد بن حميد عَن يُونُس بن خباب رَضِي الله عَنهُ أَن دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام بَكَى أَرْبَعِينَ لَيْلَة حَتَّى نبت العشب حوله من دُمُوعه ثمَّ قَالَ: يَا رب قرح الجبين وَرقا الدمع وخطيئتي عليَّ كَمَا هِيَ فَنُوديَ: أَن يَا دَاوُد أجائع فتطعم أم ظمآن فتسقى أم مظلوم فَتَنَصَّرَ فَنحب نحبة هاج مَا هُنَالك من الخضرة فغفر لَهُ عِنْد ذَلِك
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد عَن عبيد بن عُمَيْر اللَّيْثِيّ رَضِي الله عَنهُ
أَن دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام سجد حَتَّى نبت مَا حوله خضرًا من دُمُوعه فَأوحى الله إِلَيْهِ: أَن يَا دَاوُد سجدت أَتُرِيدُ أَن أزيدك فِي ملكك وولدك وعمرك فَقَالَ: يَا رب أَبِهَذَا ترد عليَّ أُرِيد أَن تغْفر لي
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد والحكيم التِّرْمِذِيّ عَن الْأَوْزَاعِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مثل عَيْني دَاوُد كالقربتين ينطفان مَاء وَلَقَد خددت الدُّمُوع فِي وَجهه خديد المَاء فِي الأَرْض
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَعبد بن حميد من طَرِيق عَطاء بن السَّائِب عَن أبي عبد الله الجدلي قَالَ: مَا رفع دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام رَأسه إِلَى السَّمَاء بعد الْخَطِيئَة حَتَّى مَاتَ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَعبد بن حميد عَن صَفْوَان بن مُحرز قَالَ: كَانَ لداود عَلَيْهِ السَّلَام يَوْم يتأوّه فِيهِ يَقُول: أوه من عَذَاب الله أوه من عَذَاب الله أوه من عَذَاب الله قيل لَا أوه
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لما أوحى الله إِلَى دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام: ارْفَعْ رَأسك فقد غفرت لَك فَقَالَ: يَا رب كَيفَ تكون هَذِه الْمَغْفِرَة وَأَنت قَضَاء بِالْحَقِّ وَلست بظلام للعبيد وَرجل ظلمته غصبته قتلته فَأوحى الله تَعَالَى إِلَيْهِ: بلَى يَا دَاوُد إنَّكُمَا تجتمعان عِنْدِي فاقضي لَهُ عَلَيْك فَإِذا برز الْحق عَلَيْك أستوهبك مِنْهُ فوهبك لي وأرضيته من قبلي وأدخلته الْجنَّة فَرفع(7/163)
دَاوُد رَأسه وَطَابَتْ نَفسه وَقَالَ: نعم
يَا رب هَكَذَا تكون الْمَغْفِرَة
وَأخرج عبد الله بن أَحْمد فِي زَوَائِد الزّهْد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد قَالَ: لما أصَاب دَاوُد الْخَطِيئَة {خر سَاجِدا} أَرْبَعِينَ لَيْلَة حَتَّى نبت من دموع عَيْنَيْهِ من البقل مَا غطى رَأسه ثمَّ نَادَى رب قرح الجبين وجمدت الْعين وَدَاوُد لم يرجع إِلَيْهِ فِي خطيئته شَيْء
فَنُوديَ أجائع فَتُطعَم أم مَرِيض فتشفى أم مظلوم فَتَنَصَّرَ فَنحب نحباً هاج مِنْهُ نبت الْوَادي كُله فَعِنْدَ ذَلِك غفر لَهُ وَكَانَ يُؤْتى بالاناء فيشرب فيذكر خطيئته فينتحب فتكاد مفاصله تَزُول بَعْضهَا من بعض فَمَا يشرب بعض الاناء حَتَّى يمتلىء من دُمُوعه وَكَانَ يُقَال دمعة دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام تعدل دمعة الْخَلَائق ودمعة آدم عَلَيْهِ السَّلَام تعدل دمعة دَاوُد ودمعة الْخَلَائق فَيَجِيء يَوْم الْقِيَامَة مَكْتُوبَة بكفه يَقْرَأها يَقُول: ذَنبي ذَنبي
فَيَقُول رب قدمني فيتقدم فَلَا يَأْمَن ويتأخر فَلَا يَأْمَن حَتَّى يَقُول تبَارك وَتَعَالَى: خُذ بقدمي
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن عَلْقَمَة بن يزِيد قَالَ: لَو عدل بكاء أهل الأَرْض ببكاء دَاوُد مَا عدله وَلَو عدل بكاء دَاوُد وبكاء أهل الأَرْض ببكاء آدم عَلَيْهِ السَّلَام حِين أهبط إِلَى الأَرْض مَا عدله
وَأخرج أَحْمد عَن إِسْمَعِيل بن عبد الله بن أبي المُهَاجر
أَن دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يُعَاتب فِي كَثْرَة الْبكاء فَيَقُول: ذروني أبْكِي قبل يَوْم الْبكاء قبل تحريق الْعِظَام واشتعال اللحى وَقبل أَن يُؤمر بِي (مَلَائِكَة غِلَاظ شَدَّاد لَا يعصون الله مَا أَمرهم ويفعلون مَا يؤمرون) (التَّحْرِيم 6)
وَأخرج أَحْمد والحكيم التِّرْمِذِيّ وَابْن جرير عَن عَطاء الْخُرَاسَانِي أَن دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام نقش خطيئته فِي كَفه لكيلا ينساها وَكَانَ إِذا رَآهَا اضْطَرَبَتْ يَدَاهُ
وَأخرج عَن مُجَاهِد قَالَ: يحْشر دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام وخطيئته منقوشة فِي كَفه
وَأخرج أَحْمد عَن عُثْمَان بن أبي العاتكة قَالَ: كَانَ من دُعَاء دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام
سُبْحَانَكَ إلهي إِذا ذكرت خطيئتي ضَاقَتْ عليَّ الأَرْض برحبها وَإِذا ذكرت رحمتك ارْتَدَّت إليَّ روحي سُبْحَانَكَ إلهي فكلهم [رَآنِي] (مَا بَين قوسين زِيَادَة اقتضاها أتمام الْمَعْنى فأثبتها الْمُصَحح) عليل بذنبي(7/164)
وَأخرج أَحْمد عَن ثَابت قَالَ: اتخذ دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام سبع حشايا من سعد وحشاهن من الرماد ثمَّ بَكَى حَتَّى أنفذها دموعاً وَلم يشرب شرابًا إِلَّا مزجه بدموع عَيْنَيْهِ
وَأخرج أَحْمد عَن وهب بن مُنَبّه قَالَ: بَكَى دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام حَتَّى خددت الدُّمُوع فِي وَجهه وَاعْتَزل النِّسَاء وَبكى حَتَّى رعش
وَأخرج أَحْمد عَن مَالك بن دِينَار قَالَ: إِذا خرج دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام من قَبره فَرَأى الأَرْض نَارا وضع يَده على رَأسه وَقَالَ: خطيئتي الْيَوْم موبقتي
وَأخرج عَن عبد الرَّحْمَن بن جُبَير
أَن دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يَقُول: اللَّهُمَّ مَا كتبت فِي هَذَا الْيَوْم من مُصِيبَة فخلصني مِنْهَا ثَلَاث مَرَّات وَمَا أنزلت فِي هَذَا الْيَوْم من خير فائتني مِنْهُ نَصِيبا ثَلَاث مَرَّات وَإِذا أَمْسَى قَالَ مثل ذَلِك فَلم ير بعد ذَلِك مَكْرُوها
وَأخرج أَحْمد عَن معمر
أَن دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام لما أصَاب الذَّنب قَالَ: رب كنت أبْغض الْخَطَّائِينَ فانا الْيَوْم أحب أَن تغْفر لَهُم
وَأخرج عبد الله ابْنه والحكيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول عَن سعيد بن أبي هِلَال
أَن دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يعودهُ النَّاس وَمَا يظنون إِلَّا أَنه مَرِيض وَمَا بِهِ إِلَّا شدَّة الْفرق من الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن كَعْب قَالَ: كَانَ دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام إِذا أفطر اسْتقْبل الْقبْلَة
وَقَالَ: اللَّهُمَّ خلصني من كل مُصِيبَة نزلت من السَّمَاء ثَلَاثًا وَإِذا طلع حَاجِب الشَّمْس قَالَ: اللَّهُمَّ اجْعَل لي سَهْما فِي كل حَسَنَة نزلت اللَّيْلَة من السَّمَاء إِلَى الأَرْض ثَلَاثًا
وَأخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ: فِي السُّجُود فِي {ص} لَيست من عزائم السُّجُود وَقد رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يسْجد فِيهَا
وَأخرج النَّسَائِيّ وَابْن مرْدَوَيْه بِسَنَد جيد عَن ابْن عباسط أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سجد فِي {ص} وَقَالَ: سجدها دَاوُد ونسجدها شكرا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ عَن الْعَوام قَالَ: سَأَلت مُجَاهدًا عَن سَجْدَة ص فَقَالَ: سَأَلت ابْن عَبَّاس من أَيْن سجدت فَقَالَ: أَو مَا تقْرَأ (وَمن ذُريَّته(7/165)
دَاوُد وَسليمَان) (الْأَنْعَام 84) إِلَى قَوْله (أُولَئِكَ الَّذين هدى الله فبهداهم اقتده) فَكَانَ دَاوُد مِمَّن أَمر نَبِيكُم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن يَقْتَدِي بِهِ فَسجدَ بهَا دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام فسجدها رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور عَن الْحسن قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يسْجد فِي ص حَتَّى نزلت (أُولَئِكَ الَّذين هدى الله فبهداهم اقتده) (الْأَنْعَام 90) فَسجدَ فِيهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَابْن ماجة وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: جَاءَ رجل إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا رَسُول الله إِنِّي رَأَيْت فِي هَذِه اللَّيْلَة فِيمَا يرى النَّائِم كَأَنِّي أُصَلِّي عِنْد شَجَرَة وَكَأَنِّي قَرَأت سُورَة السَّجْدَة فسجدت فَرَأَيْت الشَّجَرَة سجدت بسجودي وَكَأَنِّي أسمعها وَهِي تَقول اللَّهُمَّ اكْتُبْ لي بهَا عنْدك ذكرا وضع عني بهَا وزراً وَاجْعَلْهَا إليّ عنْدك ذخْرا وَأعظم بهَا أجرا وَتقبل مني كَمَا تقبلت من عَبدك دَاوُد
قَالَ ابْن عَبَّاس فَقَرَأَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم السَّجْدَة فَسَمعته يَقُول فِي سُجُوده كَمَا أخبر الرجل عَن قَول الشَّجَرَة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سجد فِي ص
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن السَّائِب بن يزِيد قَالَ: صليت خلف عمر الْفجْر فَقَرَأَ بِنَا سُورَة ص فَسجدَ فِيهَا فَلَمَّا قضى الصَّلَاة قَالَ لَهُ رجل: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ وَمن عزائم السُّجُود هَذِه فَقَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يسْجد فِيهَا
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أنس
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سجد فِي ص
وَأخرج الدَّارمِيّ وَأَبُو دَاوُد وَابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: قَرَأَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ على الْمِنْبَر ص فَلَمَّا بلغ السَّجْدَة نزل فَسجدَ وَسجد النَّاس مَعَه فَلَمَّا كَانَ آخر يَوْم قَرَأَهَا فَلَمَّا بلغ السَّجْدَة تهَيَّأ النَّاس للسُّجُود فَقَالَ: إِنَّمَا هِيَ تَوْبَة نَبِي وَلَكِنِّي رأيتكم تهيأتم للسُّجُود فَنزل فَسجدَ
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة عَن سعيد بن جُبَير أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَرَأَ سُورَة ص وهوعلى الْمِنْبَر فَلَمَّا أَتَى على السَّجْدَة قَرَأَهَا ثمَّ نزل فَسجدَ
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة عَن سعيد بن جُبَير
إِن عمر بن الْخطاب كَانَ يسْجد فِي ص(7/166)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن عمر قَالَ: فِي ص سَجْدَة
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة وَالطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن مَسْعُود
أَنه كَانَ لَا يسْجد فِي ص وَيَقُول: إِنَّمَا هِيَ تَوْبَة نَبِي ذكرت
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي الْعَالِيَة قَالَ: كَانَ بعض أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يسْجد فِي ص وَبَعْضهمْ لَا يسْجد فَأَي ذَلِك شِئْت فافعل
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي مَرْيَم قَالَ: لما قدم عمر الشَّام أَتَى محراب دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام فصلى فِيهِ فَقَرَأَ سُورَة ص فَلَمَّا انْتهى إِلَى السَّجْدَة سجد
وَأخرج أَحْمد وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن أبي سعيد
أَنه رأى رُؤْيا أَنه يكْتب ص فَلَمَّا انْتهى إِلَى الَّتِي يسْجد بهَا رأى الدواة والقلم وكل شَيْء بِحَضْرَتِهِ انْقَلب سَاجِدا فَقَصَّهَا على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلم يزل يسْجد بهَا بعد
وَأخرج أَبُو يعلى عَن أبي سعيد قَالَ: رَأَيْت فِيمَا يرى النَّائِم كَأَنِّي تَحت شَجَرَة وَكَأن الشَّجَرَة تقْرَأ ص فَلَمَّا أَتَت على السَّجْدَة سجدت فَقَالَت فِي سجودها: اللَّهُمَّ اغْفِر بهَا اللَّهُمَّ حط عني بهَا وزراً واحدث لي بهَا شكرا وتقبلها مني كَمَا تقبلت من عَبدك دَاوُد سجدته فَغَدَوْت على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فاخبرته فَقَالَ سجدت أَنْت يَا أَبَا سعيد فَقلت: لَا فَقَالَ
أَنْت أَحَق بِالسُّجُود من الشَّجَرَة ثمَّ قَرَأَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ص ثمَّ أَتَى على السَّجْدَة وَقَالَ فِي سُجُوده مَا قَالَت الشَّجَرَة فِي سجودها
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ والخطيب عَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ السَّجْدَة الَّتِي فِي ص سجدها دَاوُد تَوْبَة وَنحن نسجدها شكرا
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: دخلت على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي سَفَره وَهُوَ يقْرَأ ص فَسجدَ فِيهَا
آيَة 25(7/167)
فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ (25)
أخرج أَحْمد فِي الزّهْد والحكيم التِّرْمِذِيّ وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مَالك(7/167)
بن دِينَار فِي قَوْله {وَإِن لَهُ عندنَا لزلفى وَحسن مآب} قَالَ: مقَام دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام يَوْم الْقِيَامَة عِنْد سَاق الْعَرْش ثمَّ يَقُول الرب جلّ وَعلا يَا دَاوُد مجدني الْيَوْم بذلك الصَّوْت الْحسن الرخيم الَّذِي كنت تمجدني بِهِ فِي الدُّنْيَا فَيَقُول: يَا رب كَيفَ وَقد سلبته فَيَقُول: إِنِّي راده عَلَيْك الْيَوْم فيندفع بِصَوْت يستفز نعيم أهل الْجنَّة
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر عَن مُحَمَّد بن كَعْب أَنه قَالَ {وَإِن لَهُ عندنَا لزلفى} أول الْكَائِن يَوْم الْقِيَامَة دَاوُد
وَابْنه عَلَيْهِمَا السَّلَام
وَأخرج عبد بن حميد عَن السّديّ بن يحيى قَالَ: حَدثنِي أَبُو حَفْص رجل قد أدْرك عمر بن الْخطاب أَن النَّاس يصيبهم يَوْم الْقِيَامَة عَطش وحر شَدِيد فينادي الْمُنَادِي دَاوُد فيسقي على رُؤُوس الْعَالمين فَهُوَ الَّذِي ذكر الله {وَإِن لَهُ عندنَا لزلفى وَحسن مآب}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عمر بن الْخطاب عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه ذكر يَوْم الْقِيَامَة فَعظم شَأْنه
وشدته قَالَ: وَيَقُول الرَّحْمَن لداود عَلَيْهِ السَّلَام مر بَين يَدي فَيَقُول دَاوُد: يَا رب أَخَاف أَن تدحضني خطيئتي
فَيَقُول خُذ بقدومي فَيَأْخُذ بقدمه عز وَجل فيمر قَالَ فَتلك {لزلفى} الَّتِي قَالَ الله {وَإِن لَهُ عندنَا لزلفى وَحسن مآب}
وَأخرج عبد بن حميد عَن عبيد بن عُمَيْر رَضِي الله عَنهُ {وَإِن لَهُ عندنَا لزلفى وَحسن مآب} قَالَ: يدنو حَتَّى يضع يَده عَلَيْهِ
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فغفرنا لَهُ ذَلِك الذَّنب {وَإِن لَهُ عندنَا لزلفى وَحسن مآب} قَالَ حسن المنقلب
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: يبْعَث دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام يَوْم الْقِيَامَة وخطيئته فِي كَفه فَإِذا رَآهَا يَوْم الْقِيَامَة لم يجد مِنْهَا مخرجا إِلَّا أَن يلجأ إِلَى رَحْمَة الله تَعَالَى ثمَّ يرى فيقلق
فَيُقَال لَهُ: هَهُنَا
فَذَلِك قَوْله {وَإِن لَهُ عندنَا لزلفى وَحسن مآب}(7/168)
من الْآيَات 26 - 27(7/169)
يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ (26) وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ (27)
أخرج الثَّعْلَبِيّ من طَرِيق العوّام بن حَوْشَب قَالَ: حَدثنِي رجل من قومِي شهد عمر رَضِي الله عَنهُ أَنه سَأَلَ طَلْحَة وَالزُّبَيْر وكعباً وسلمان مَا الْخَلِيفَة من الْملك قَالَ طَلْحَة وَالزُّبَيْر: مَا نَدْرِي فَقَالَ سلمَان رَضِي الله عَنهُ: الْخَلِيفَة الَّذِي يعدل فِي الرّعية وَيقسم بَينهم بِالسَّوِيَّةِ ويشفق عَلَيْهِم شَفَقَة الرجل على أَهله وَيَقْضِي بِكِتَاب الله تَعَالَى
فَقَالَ كَعْب: مَا كنت أَحسب أحدا يعرف الْخَلِيفَة من الْملك غَيْرِي
وَأخرج ابْن سعد من طَرِيق مردان عَن سلمَان رَضِي الله عَنهُ: أَن عمر رَضِي الله عَنهُ قَالَ لَهُ: أَنا ملك أم خَليفَة فَقَالَ لَهُ سلمَان رَضِي الله عَنهُ: الْخَلِيفَة الَّذِي يعدل أَن أَتَت جَبَيْتَ من أَرض الْمُسلمين درهما أَو أقل أَو أَكثر ثمَّ وَضعته فِي غير حَقه فَأَنت ملك غير خَليفَة فاستعبر عمر رَضِي الله عَنهُ
وَأخرج ابْن سعد عَن ابْن أبي العرجاء قَالَ: قَالَ عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ: وَالله مَا أَدْرِي أخليفة أَنا أم ملك قَالَ قَائِل: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِن بَينهمَا فرقا قَالَ: مَا هُوَ قَالَ: الْخَلِيفَة لَا يَأْخُذ إِلَّا حَقًا وَلَا يَضَعهُ إِلَّا فِي حق وَأَنت الْحَمد لله كَذَلِك
وَالْملك يعسف النَّاس فَيَأْخُذ من هَذَا وَيُعْطِي هَذَا
وَأخرج ابْن سعد عَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِن الامارة مَا ائتمرتها وَإِن الْملك مَا غلب عَلَيْهِ بِالسَّيْفِ
وَأخرج الثَّعْلَبِيّ عَن مُعَاوِيَة رَضِي الله عَنهُ
أَنه كَانَ يَقُول إِذا جلس على الْمِنْبَر: يَا أَيهَا النَّاس إِن الْخلَافَة لَيست بِجمع المَال وَلَكِن الْخلَافَة الْعَمَل بِالْحَقِّ وَالْحكم بِالْعَدْلِ وَأخذ النَّاس بِأَمْر الله(7/169)
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ عَن سَالم مولى أبي جَعْفَر قَالَ: خرجنَا مَعَ أبي جَعْفَر أَمِير الْمُؤمنِينَ إِلَى بَيت الْمُقَدّس فَلَمَّا دخل وشق بعث إِلَى الْأَوْزَاعِيّ فَأَتَاهُ فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ حَدثنِي حسان بن عَطِيَّة عَن جدك ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ مَا فِي قَوْله {يَا دَاوُد إِنَّا جعلناك خَليفَة فِي الأَرْض فاحكم بَين النَّاس بِالْحَقِّ وَلَا تتبع الْهوى فيضلك عَن سَبِيل الله} قَالَ: إِذا ارْتَفع إِلَيْك الخصمان فَكَانَ لَك فِي أَحدهمَا هوى فَلَا تشتهِ فِي نَفسك الْحق لَهُ فيفلح على صَاحبه فأمحو اسْمك من نبوتي ثمَّ لَا تكون خليفتي وَلَا كَرَامَة
يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ حَدثنَا حسان بن عَطِيَّة عَن جدك قَالَ: من كره الْحق فقد كره الله لِأَن الْحق هُوَ الله
يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ حَدثنِي حسان بن عَطِيَّة عَن جدك فِي قَوْله (لَا يُغَادر صَغِيرَة وَلَا كَبِيرَة) (الْكَهْف 49) قَالَ: الصَّغِيرَة التبسم والكبيرة الضحك فَكيف مَا جنته الْأَيْدِي وَأخرج ابْن جرير عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فاحكم بَين النَّاس بِالْحَقِّ} يَعْنِي بِالْعَدْلِ والانصاف {وَلَا تتبع الْهوى} يَقُول: وَلَا تُؤثر هَوَاك فِي قضائك بَينهم على الْحق وَالْعدْل فتزوغ عَن الْحق فيضلك عَن سَبِيل الله
وَأخرج ابْن جرير عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {لَهُم عَذَاب شَدِيد بِمَا نسوا يَوْم الْحساب} قَالَ: هَذَا من التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير
يَقُول: لَهُم يَوْم الْحساب عَذَاب شَدِيد بِمَا نسوا
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن أبي السَّلِيل رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام يدْخل الْمَسْجِد فَينْظر أغمض حَلقَة من بني إِسْرَائِيل فيجلس إِلَيْهِم ثمَّ يَقُول: مِسْكينا بَين ظهراني مَسَاكِين
وَأخرج أَحْمد عَن زيد بن أسلم رَضِي الله عَنهُ
أَن ابْنا لداود مَاتَ فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ جزعه فَقيل مَا كَانَ يعدل عنْدك قَالَ: كَانَ أحب إليَّ من ملْء الأَرْض ذَهَبا
فَقيل لَهُ: إِن الْأجر على قدر ذَلِك
وَأخرج عبد الله فِي زوائده عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ من دُعَاء دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام
سُبْحَانَ مستخرج الشُّكْر بالعطاء ومستخرج الدُّعَاء بالبلاء
وَأخرج عبد الله عَن الْأَوْزَاعِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أوحى الله إِلَى دَاوُد عَلَيْهِ(7/170)
السَّلَام الا أعلمك علمين إِذا عملتهما ألقيت وُجُوه النَّاس إِلَيْك وَبَلغت بهما رضاي
قَالَ: بلَى يَا رب قَالَ احتجز فِيمَا بيني وَبَيْنك بالورع وخالط النَّاس باخلاقهم
وَأخرج أَحْمد عَن يزِيد بن مَنْصُور رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام إِلَّا ذَاكر لله فاذكر مَعَه إِلَّا مُذَكّر فاذكر مَعَه
وَأخرج أَحْمد عَن عُرْوَة بن الزبير رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام يصنع القفة من الخوص وَهُوَ على الْمِنْبَر ثمَّ يُرْسل بهَا إِلَى السُّوق فيبيعها فيأكل بِثمنِهَا
وَأخرج أَحْمد عَن سعيد بن أبي هِلَال رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام إِذا قَامَ من اللَّيْل يَقُول: اللَّهُمَّ نَامَتْ الْعُيُون وَغَارَتْ النُّجُوم وَأَنت الْحَيّ القيوم الَّذِي لَا تأخذك سنة وَلَا نوم
وَأخرج أَحْمد عَن عُثْمَان الشحام أبي سَلمَة قَالَ: حَدثنِي شيخ من أهل الْبَصْرَة كَانَ لَهُ فضل وَكَانَ لَهُ سنّ قَالَ: بَلغنِي أَن دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام سَأَلَ ربه قَالَ: يَا رب كَيفَ لي أَن أَمْشِي لَك فِي الأَرْض بنصح واعمل لَك فِيهَا بنصح قَالَ يَا دَاوُد تحب من يحبني من أَحْمَر وأبيض وَلَا تزَال شفتاك رطبتين من ذكري واجتنب فرَاش الْغَيْبَة قَالَ: رب كَيفَ لي أَن تحببني فِي أهل الدُّنْيَا الْبر والفاجر قَالَ: يَا دَاوُد تصانع أهل الدُّنْيَا لدنياهم وتحب أهل الْآخِرَة لآخرتهم وتختار إِلَيْك دينك بيني وَبَيْنك فَإنَّك إِذا فعلت ذَلِك لَا يَضرك من ضل إِذا اهتديت قَالَ: رب فأرني أضيافك من خلقك من هم قَالَ: نقي الْكَفَّيْنِ نقي الْقلب يمشي تَمامًا وَيَقُول صَوَابا
وَأخرج الْخَطِيب فِي تَارِيخه عَن يحيى بن أبي كثير رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام لِابْنِهِ سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام: أَتَدْرِي مَا جهد الْبلَاء قَالَ شِرَاء الْخبز من السُّوق والانتقال من منزل إِلَى منزل
وَأخرج أَحْمد عَن مَالك بن دِينَار رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام: اللَّهُمَّ اجْعَل حبك أحب إليَّ من نَفسِي وسمعي وبصري وَأَهلي وَمن المَاء الْبَارِد(7/171)
وَأخرج أَحْمد عَن وهب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام رب أَي عِبَادك أحب إِلَيْك قَالَ: مُؤمن حسن الصُّورَة قَالَ: فَأَي عِبَادك أبْغض إِلَيْك قَالَ كَافِر حسن الصُّورَة شكر هَذَا وَكفر هَذَا قَالَ: يَا رب فَأَي عِبَادك أبْغض إِلَيْك قَالَ عبد استخارني فِي أَمر فَخِرْتُ لَهُ فَلم يرض بِهِ
وَأخرج عبد الله فِي زوائده عَن عبد الله بن أبي مليكَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام: إلهي لَا تجْعَل لي أهل سوء فَأَكُون رجل سوء
وَأخرج أَحْمد عَن عبد الرَّحْمَن قَالَ: بَلغنِي أَنه كَانَ من دُعَاء دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام: اللَّهُمَّ لَا تفقرني فأنسى وَلَا تغنني فأطغى
وَأخرج أَحْمد عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام: إلهي أَي رزق أطيب قَالَ: ثَمَرَة يدك يَا دَاوُد
وَأخرج أَحْمد عَن أبي الْجلد رَضِي الله عَنهُ
أَن الله تَعَالَى أوحى إِلَى دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام: يَا دَاوُد انذر عبَادي الصديقين لَا يعجبن بِأَنْفسِهِم وَلَا يتكلن على أَعْمَالهم فَإِنَّهُ لَيْسَ أحد من عبَادي أنصبه لِلْحسابِ وأقيم عَلَيْهِ عدلي إِلَّا عَذبته من غير أَن أظلمه وَبشر الخاطئين أَنه لَا يتعاظم ذَنْب أَن أغفره وأتجاوز عَنهُ
وَأخرج أَحْمد عَن أبي الْجلد رَضِي الله عَنهُ
إِن دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام أَمر منادياً فَنَادَى: الصَّلَاة جَامِعَة فَخرج النَّاس وهم يرَوْنَ أَنه سَيكون مِنْهُ يَوْمئِذٍ موعظة وتأديب وَدُعَاء فَلَمَّا رقي مَكَانَهُ قَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِر لنا وَانْصَرف فَاسْتقْبل آخر النَّاس أوائلهم قَالُوا: مَا لكم قَالُوا: إِن النَّبِي إِنَّمَا دَعَا بدعوة وَاحِدَة فاوحى الله تَعَالَى إِلَيْهِ: أَن أبلغ قَوْمك عني فَإِنَّهُم قد استقلوا دعاءك
إِنِّي من أَغفر لَهُ أصلح لَهُ أَمر آخرته ودنياه
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد عَن عبد الرَّحْمَن بن أَبْزَى رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام اصبر النَّاس على الْبلَاء وأحلمهم وأكظمهم للغيظ
وَأخرج أَحْمد عَن سعيد بن عبد الْعَزِيز رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام يَا رب كَيفَ أسعى لَك فِي الأَرْض بِالنَّصِيحَةِ قَالَ: تكْثر ذكري وتحب من أَحبَّنِي من أَبيض وأسود وتحكم للنَّاس كَمَا تحكم لنَفسك وتجتنب فرَاش الْغَيْبَة(7/172)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي عبد الله الجدلي رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام يَقُول: اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من جَار عينه تراني وَقَلبه يرعاني
إِن رأى خيرا دَفنه وَإِن رأى شرا أشاعه
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن سعيد بن أبي سعيد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ من دُعَاء دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام: اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من الْجَار السوء
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن بُرَيْدَة رَضِي الله عَنهُ
أَن دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يَقُول: اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من عمل يخزيني وهم يرديني وفقر ينسيني وغنى يطغيني
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد عَن عبد الله بن الْحَارِث رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أوحى الله إِلَى دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام: أحبب عبَادي وحببني إِلَى عبَادي قَالَ: يَا رب هَذَا أحبك وَأحب عِبَادك فَكيف أحببك إِلَى عِبَادك قَالَ تذكرني عِنْدهم فَإِنَّهُم لَا يذكرُونَ مني إِلَّا الْحسن
وَأخرج أَحْمد عَن أبي الْجَعْد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: بلغنَا أَن دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: إلهي مَا جَزَاء من عزى حَزينًا لَا يُرِيد بِهِ إِلَّا وَجهك قَالَ: جَزَاؤُهُ إِن ألبسهُ لِبَاس التَّقْوَى قَالَ: إلهي مَا جَزَاء من شيع جَنَازَة لَا يُرِيد بهَا إِلَّا وَجهك قَالَ: جَزَاؤُهُ أَن تشيعه ملائكتي إِذا مَاتَ وَإِن أُصَلِّي على روحه فِي الْأَرْوَاح قَالَ: إلهي مَا جَزَاء من أسْند يَتِيما أَو أرملة لَا يُرِيد بهَا إِلَّا وَجهك قَالَ جَزَاؤُهُ إِن أظلهُ تَحت ظلّ عَرْشِي يَوْم لَا ظلّ إِلَّا ظِلِّي قَالَ: إلهي مَا جَزَاء من فاضت عَيناهُ من خشيتك قَالَ: جَزَاؤُهُ أَن أؤمنه يَوْم الْفَزع الْأَكْبَر وَأَن أقي وَجهه فيح جَهَنَّم
وَأخرج أَحْمد عَن أبي الْجلد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَرَأت فِي مساءلة دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام أَنه قَالَ: إلهي مَا جَزَاء من يعزي الحزين الْمُصَاب ابْتِغَاء مرضاتك قَالَ: جَزَاؤُهُ أَن أكسوه رِدَاء من أردية الإِيمان أستره بِهِ من النَّار وَأدْخلهُ الْجنَّة قَالَ: إلهي فَمَا جَزَاء من شيع الْجِنَازَة ابْتِغَاء مرضاتك قَالَ: جَزَاؤُهُ أَن تشيعه الْمَلَائِكَة يَوْم يَمُوت إِلَى قَبره وَإِن أُصَلِّي على روحه فِي الْأَرْوَاح قَالَ: إلهي فَمَا جَزَاء من أسْند الْيَتِيم والأرملة ابْتِغَاء مرضاتك قَالَ: جَزَاؤُهُ أَن أظلهُ فِي ظلّ عَرْشِي يَوْم لَا ظلّ إِلَّا ظِلِّي قَالَ: إلهي فَمَا جَزَاء من بَكَى من خشيتك حَتَّى تسيل دُمُوعه على وَجهه قَالَ:(7/173)
جَزَاؤُهُ إِن أحرم وَجهه على النَّار وَأَن أؤمنه يَوْم الْفَزع الْأَكْبَر
وَأخرج أَحْمد عَن عبد الرَّحْمَن بن أَبْزَى رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام لِسُلَيْمَان: كن للْيَتِيم كَالْأَبِ الرَّحِيم وَأعلم أَنَّك كَمَا تزرع تحصد وَأعلم أَن خَطِيئَة [إِمَام] (مَا بَين قوسين زِيَادَة إقتضاها إتْمَام الْمَعْنى فأثبتناها) الْقَوْم كالمسيء عِنْد رَأس الْمَيِّت وَاعْلَم أَن الْمَرْأَة الصَّالِحَة لأَهْلهَا كالملك المتوج بالتاج المخوّص بِالذَّهَب وَاعْلَم أَن الْمَرْأَة السوء لأَهْلهَا كالشيخ الضَّعِيف على ظَهره الْحمل الثقيل وَمَا أقبح الْفقر بعد الْغنى وأقبح من ذَلِك الضَّلَالَة بعد الْهدى وَإِن وعدت صَاحبك فانجز مَا وعدته فَإنَّك إِن لَا تفعل تورث بَيْنك وَبَينه عَدَاوَة ونعوذ بِاللَّه من صَاحب إِذا ذكرت لم يعنك وَإِذا نسيت لم يذكرك
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام يَقُول: اللَّهُمَّ لَا مرض يفنيني وَلَا صِحَة تنسيني وَلَكِن بَين ذَلِك
وَأخرج عبد الله بن زيد بن رفيع قَالَ: نظر دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام مبخلاً يهوي بَين السَّمَاء وَالْأَرْض فَقَالَ: يَا رب مَا هَذَا قَالَ: هَذِه لَعْنَتِي أدخلها بَيت كل ظلام
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن أَبْزي رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام: نعم العون الْيَسَار على الدّين
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام: يَا رب طَال عمري وَكبر سني وَضعف ركني فَأوحى الله إِلَيْهِ يَا دَاوُد طُوبَى لمن طَال عمره وَحسن عمله
وَأخرج الْخَطِيب من طَرِيق الْأَوْزَاعِيّ عَن عبد الله بن عَامر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أُعطي دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام من حسن الصَّوْت مَا لم يُعْطَ أحد قطّ حَتَّى إِن كَانَ الطير والوحش حوله حَتَّى تَمُوت عطشاً وجوعاً وَإِن الْأَنْهَار لتقف
وَالله أعلم
الْآيَة 28(7/174)
أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ (28)
أخرج ابْن عَسَاكِر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {أم نجْعَل الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات كالمفسدين فِي الأَرْض}(7/174)
قَالَ {الَّذين آمنُوا} عَليّ وَحَمْزَة وَعبيدَة بن الْحَارِث والمفسدين فِي الأَرْض عتبَة وَشَيْبَة والوليد وهم تبارزوا يَوْم بدر
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {أم نجْعَل الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات} إِلَى قَوْله {كالفجار} قَالَ: لعمري مَا اسْتَووا لقد تفرق الْقَوْم فِي الدُّنْيَا عِنْد الْمَوْت
أما قَوْله تَعَالَى: {أم نجْعَل الْمُتَّقِينَ كالفجار}
أخرج أَبُو يعلى عَن أبي ذَر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ أَبُو الْقَاسِم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: كَمَا أَنه لَا يجتنى من الشوك الْعِنَب كَذَلِك لَا تنَال الْفجار منَازِل الْأَبْرَار
الْآيَة 29(7/175)
كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (29)
أخرج سعيد بن مَنْصُور عَن الْحُسَيْن رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {ليدبروا آيَاته} اتِّبَاعه بِعَمَلِهِ
وَأخرج ابْن جرير عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ {أولُوا الْأَلْبَاب} قَالَ: أولُوا الْعُقُول من النَّاس
الْآيَات 30 - 33(7/175)
وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (30) إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ (31) فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ (32) رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ (33)
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مَكْحُول قَالَ: لما وهب الله لداود سُلَيْمَان قَالَ لَهُ: يَا بني مَا أحسن قَالَ: سكينَة الله والإِيمان قَالَ: فَمَا أقبح قَالَ: كفر بعد إِيمَان قَالَ: فَمَا أحلى قَالَ: روح الله بَين عباده قَالَ: فَمَا أبرد قَالَ: عَفْو الله عَن النَّاس وعفو النَّاس بَعضهم عَن بعض قَالَ دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام: فَأَنت نَبِي(7/175)
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: أوحى الله تبَارك وَتَعَالَى إِلَى دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام
إِنِّي سَائل ابْنك عَن سبع كَلِمَات
فَإِن أخْبرك فورثه الْعلم والنبوة فَقَالَ لَهُ دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام: إِن الله أوحى إليَّ أَن أَسأَلك عَن سبع كَلِمَات فَإِن أَخْبَرتنِي وَرَّثْتُكَ العلمَ والنبوَّة قَالَ: سلني عَمَّا شِئْت قَالَ: أَخْبرنِي مَا أحلى من الْعَسَل وَمَا أبرد من الثَّلج وَمَا الين من الْخَزّ وَمَا لَا يرى أَثَره فِي المَاء وَمَا لَا يرى أَثَره فِي الصفاء وَمَا لَا يرى أَثَره فِي السَّمَاء وَمن يسمن فِي الخصب والجدب
قَالَ: أما مَا أحلى من الْعَسَل فَروح الله للمتحابين فِي الله
واما مَا أبرد من الثَّلج فَكَلَام الله إِذا قرع أَفْئِدَة أَوْلِيَاء الله
وَأما مَا الين شَيْئا من الْخَزّ فحكمة الله تَعَالَى إِذا أنشدها أَوْلِيَاء الله بَينهم
وَأما مَا لَا يرى أَثَره فِي المَاء فالفلك تمر فَلَا يرى أَثَرهَا
وَأما مَا لَا يرى أَثَره فِي الصفاء فالنملة تمر على الْحجر فَلَا يرى أَثَرهَا
وَأما مَا لَا يرى أَثَره فِي السَّمَاء فالطير يطير وَلَا يرى أَثَره فِي السَّمَاء وَأما من يسمن فِي الجدب وَالْخصب فَهُوَ الْمُؤمن إِذا أعطَاهُ الله شكر وَإِذا ابتلاه صَبر فقلبه أجرد أَزْهَر
قَالَ: انْظُر إِلَى ابْنك فَاسْأَلْهُ عَن أَربع عشرَة كلمة فَإِن أخْبرك فورثه الْعلم والنبوّة فَسَأَلَهُ فَقَالَ: مَا لي من ذِي علم فَقَالَ دَاوُد لِسُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام: أَخْبرنِي يَا بني أَيْن مَوضِع الْعقل مِنْك قَالَ: الدِّمَاغ قَالَ: أَيْن مَوضِع الْحيَاء مِنْك قَالَ: العينان قَالَ: أَيْن مَوضِع الْبَاطِل مِنْك قَالَ: الأذنان قَالَ: أَيْن بَاب الْخَطَايَا مِنْك قَالَ: اللِّسَان قَالَ: أَيْن الطَّرِيق مِنْك قَالَ: المنخران قَالَ: أَيْن مَوضِع الْأَدَب وَالْبَيَان مِنْك قَالَ: الكلوتان قَالَ: أَيْن بَاب الفظاظة والغلظة مِنْك قَالَ: الكبد قَالَ: أَيْن بَيت الرّيح مِنْك قَالَ: الرئة قَالَ: أَيْن بَاب الْفَرح مِنْك قَالَ: الطحال قَالَ: أَيْن بَاب الْكسْب مِنْك قَالَ: اليدان قَالَ: أَيْن بَاب النصب مِنْك قَالَ: الرّجلَانِ قَالَ: أَيْن بَاب الشَّهْوَة مِنْك قَالَ: الْفرج قَالَ: أَيْن بَاب الذُّرِّيَّة مِنْك قَالَ: الصلب قَالَ: أَيْن بَاب الْعلم والفهم وَالْحكمَة مِنْك قَالَ: الْقلب
إِذا صلح الْقلب صلح ذَلِك كُله وَإِذا فسد الْقلب فسد ذَلِك كُله
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {وَوَهَبْنَا لداود سُلَيْمَان نعم العَبْد إِنَّه أواب} قَالَ: كَانَ مُطيعًا لله كثير الصَّلَاة {إِذْ عرض عَلَيْهِ بالْعَشي الصافنات الْجِيَاد}(7/176)
قَالَ: يَعْنِي الْخَيل وصفونها قِيَامهَا وبسطها قَوَائِمهَا {فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْت حب الْخَيْر} أَي المَال {عَن ذكر رَبِّي} عَن صَلَاة الْعَصْر {حَتَّى تَوَارَتْ بالحجاب}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ {الصافنات الْجِيَاد} قَالَ: الْخَيل خيل خلقت على مَا شَاءَ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {الصافنات} قَالَ: صفون الْفرس: رفع إِحْدَى يَدَيْهِ حَتَّى يكون على أَطْرَاف الْحَافِر
وَفِي قَوْله الْجِيَاد قَالَ: السراع
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن الْحسن وَقَتَادَة رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {الصافنات الْجِيَاد} قَالَ: الْخَيل إِذا صفن قِيَامهَا [] عقرهَا تطلع أعناقها وسوقها
وَفِي قَوْله {أَحْبَبْت حب الْخَيْر عَن ذكر رَبِّي} قَالَ: الْخَيْر المَال وَالْخَيْل من ذَلِك فَقَوله شغلته عَن الصَّلَاة قَالَ: لَا وَالله لَا تشغلني عَن عبَادَة الله تَعَالَى جرها عَلَيْك فكشف عراقيبها وَضرب أعناقها
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن عَوْف رَضِي الله عَنهُ قَالَ: بَلغنِي أَن الْخَيل الَّتِي عقر سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام كَانَت خيلاً ذَات أَجْنِحَة أخرجت لَهُ من الْبَحْر لم تكن لأحد قبله وَلَا بعده
وَأخرج ابْن الْمُنْذر من طَرِيق ابْن جريج رَضِي الله عَنهُ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {حب الْخَيْر} قَالَ: المَال وَفِي قَوْله {ردوهَا عليّ} قَالَ: الْخَيل {فَطَفِقَ مسحاً} قَالَ: عقراً بِالسَّيْفِ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: الصَّلَاة الَّتِي فرط فِيهَا سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام صَلَاة الْعَصْر
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن كَعْب رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {حَتَّى تَوَارَتْ بالحجاب} قَالَ: حجاب من ياقوت أَخْضَر مُحِيط بالخلائق فَمِنْهُ اخضرت السَّمَاء الَّتِي يُقَال لَهَا السَّمَاء الخضراء واخضر الْبَحْر من السَّمَاء فَمن ثمَّ يُقَال: الْبَحْر الْأَخْضَر
وَأخرج أَبُو دَاوُد عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَت: قدم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من غَزْوَة(7/177)
تَبُوك أَو خَيْبَر فَجئْت فَكشفت نَاحيَة السّتْر عَن بَنَات لعب لعَائِشَة فَقَالَ: مَا هَذَا يَا عَائِشَة قَالَت: بَنَاتِي
وَرَأى بَينهُنَّ فرسا لَهَا جَنَاحَانِ من رقاع فَقَالَ: مَا هَذَا الَّذِي أرى وسطهن قَالَت: فرس لَهُ جَنَاحَانِ قَالَ: وَمَا هَذَا الَّذِي عَلَيْهِ فَقلت: جَنَاحَانِ قَالَ: فرس لَهُ جَنَاحَانِ قَالَت: أما سَمِعت أَن لِسُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام خيلاً لَهَا أَجْنِحَة فَضَحِك حَتَّى رؤيت نَوَاجِذه
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {إِذْ عرض عَلَيْهِ بالْعَشي الصافنات الْجِيَاد} قَالَ: كَانَت عشْرين ألف فرس ذَات أَجْنِحَة فعقرها
وَأخرج ابْن إِسْحَق وَابْن جرير عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {حَتَّى تَوَارَتْ بالحجاب} قَالَ {تَوَارَتْ} من وَرَاء قَرْيَة خضرَة السَّمَاء مِنْهَا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة فِي المُصَنّف عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام لَا يكلم اعظاماً لَهُ فَلَقَد فَاتَتْهُ صَلَاة الْعَصْر وَمَا اسْتَطَاعَ أحد أَن يكلمهُ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {عَن ذكر رَبِّي} يَقُول: من ذكر رَبِّي {فَطَفِقَ مسحا} يَقُول: جعل يمسح أعراف الْخَيل وعراقيبها
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط والاسماعيلي فِي مُعْجَمه وَابْن مرْدَوَيْه بِسَنَد حسن عَن أُبيّ بن كَعْب رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله {فَطَفِقَ مسحاً بِالسوقِ والأعناق} قَالَ: قطع سوقها وأعناقها بِالسَّيْفِ
الْآيَة 34(7/178)
وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ (34)
أخرج الْفرْيَابِيّ والحكيم التِّرْمِذِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وَلَقَد فتنا سُلَيْمَان وألقينا على كرسيه جسداً} قَالَ: هُوَ الشَّيْطَان الَّذِي كَانَ على كرسيه يقْضِي بَين النَّاس أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَكَانَ لِسُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام امْرَأَة يُقَال لَهَا جَرَادَة وَكَانَ بَين بعض أَهلهَا وَبَين قوم خُصُومَة فَقضى بَينهم بِالْحَقِّ إِلَّا أَنه ودَّ أَن(7/178)
الْحق كَانَ لأَهْلهَا
فَأوحى الله تَعَالَى إِلَيْهِ: أَنه سيصيبك بلَاء فَكَانَ لَا يدْرِي يَأْتِيهِ من السَّمَاء أم من الأَرْض
وَأخرج النَّسَائِيّ وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم بِسَنَد قوي عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: أَرَادَ سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام أَن يدْخل الْخَلَاء فَأعْطى الجرادة خَاتمه وَكَانَت جَرَادَة امْرَأَته وَكَانَت أحب نِسَائِهِ إِلَيْهِ فجَاء الشَّيْطَان فِي صُورَة سُلَيْمَان فَقَالَ لَهَا: هَاتِي خَاتمِي فَأَعْطَتْهُ فَلَمَّا لبسه دَانَتْ لَهُ الْجِنّ والإِنس وَالشَّيَاطِين فَلَمَّا خرج سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام من الْخَلَاء قَالَ لَهَا: هَاتِي خَاتمِي
فَقَالَت: قد أَعْطيته سُلَيْمَان قَالَ: أَنا سُلَيْمَان قَالَت: كذبت لست سُلَيْمَان
فَجعل لَا يَأْتِي أحدا يَقُول أَنا سُلَيْمَان إِلَّا كذبه حَتَّى جعل الصّبيان يرمونه بِالْحِجَارَةِ فَلَمَّا رأى ذَلِك عرف أَنه من أَمر الله عز وَجل وَقَامَ الشَّيْطَان يحكم بَين النَّاس
فَلَمَّا أَرَادَ الله تَعَالَى أَن يرد على سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام سُلْطَانه ألْقى فِي قُلُوب النَّاس انكار ذَلِك الشَّيْطَان فارسلوا إِلَى نسَاء سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالُوا لَهُنَّ: أَيكُون من سُلَيْمَان شَيْء قُلْنَا: نعم
إِنَّه يأتينا وَنحن حيض وَمَا كَانَ يأتينا قبل ذَلِك
فَلَمَّا رأى الشَّيْطَان أَنه قد فطن لَهُ ظن أَن أمره قد انْقَطع فَكَتَبُوا كتبا فِيهَا سحر ومكر فدفنوها تَحت كرْسِي سُلَيْمَان ثمَّ أَثَارُوهَا وقرأوها على النَّاس قَالُوا: بِهَذَا كَانَ يظْهر سُلَيْمَان على النَّاس ويغلبهم فَأكفر النَّاس سُلَيْمَان فَلم يزَالُوا يكفرونه وَبعث ذَلِك الشَّيْطَان بالخاتم فطرحه فِي الْبَحْر فَتَلَقَّتْهُ سَمَكَة فَأَخَذته وَكَانَ سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام يعْمل على شط الْبَحْر بِالْأَجْرِ فجَاء رجل فَاشْترى سمكًا فِيهِ تِلْكَ السَّمَكَة الَّتِي فِي بَطنهَا الْخَاتم فَدَعَا سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ: تحمل لي هَذِه السّمك ثمَّ انْطلق إِلَى منزله فَلَمَّا انْتهى الرجل إِلَى بَاب دَاره أعطَاهُ تِلْكَ السَّمَكَة الَّتِي فِي بَطنهَا الْخَاتم فَأَخذهَا سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام فشق بَطنهَا فَإِذا الْخَاتم فِي جوفها فَأَخذه فلبسه فَلَمَّا لبسه دَانَتْ لَهُ الانس وَالْجِنّ وَالشَّيَاطِين وَعَاد إِلَى حَاله وهرب الشَّيْطَان حَتَّى لحق بِجَزِيرَة من جزائر الْبَحْر فَأرْسل سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام فِي طلبه وَكَانَ شَيْطَانا مرِيدا يطلبونه وَلَا يقدرُونَ عَلَيْهِ حَتَّى وجدوه يَوْمًا نَائِما فجاؤا فَنقبُوا عَلَيْهِ بنياناً من رصاص فَاسْتَيْقَظَ فَوَثَبَ فَجعل لَا يثبت فِي مَكَان من الْبَيْت إِلَّا أَن دَار مَعَه الرصاص فَأَخَذُوهُ وأوثقوه وجاؤا بِهِ إِلَى سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام فَأمر بِهِ(7/179)
فَنقرَ لَهُ فِي رُخَام ثمَّ أَدخل فِي جَوْفه ثمَّ سد بِالنُّحَاسِ ثمَّ أَمر بِهِ فَطرح فِي الْبَحْر
فَذَلِك قَوْله {وَلَقَد فتنا سُلَيْمَان وألقينا على كرسيه جسدا} يَعْنِي الشَّيْطَان الَّذِي كَانَ تسلط عَلَيْهِ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: أَربع آيَات من كتاب الله لم أدر مَا هِيَ حَتَّى سَأَلت عَنْهُن كَعْب الْأَحْبَار رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله (قوم تبع) (الدُّخان 73) فِي الْقُرْآن وَلم يذكر تبع فَقَالَ: إِن تبعا كَانَ ملكا وَكَانَ قومه كهاناً وَكَانَ فِي قومه قوم من أهل الْكتاب وَكَانَ الْكُهَّان يَبْغُونَ على أهل الْكتاب وَيقْتلُونَ تَابعهمْ فَقَالَ أهل الْكتاب لتبع: أَنهم يكذبُون علينا فَقَالَ تبع: إِن كُنْتُم صَادِقين فقربوا قرباناً فَأَيكُمْ كَانَ أفضل أكلت النَّار قربانه
فَقرب أهل الْكتاب والكهان فَنزلت نَار من السَّمَاء فَأكلت قرْبَان أهل الْكتاب فأتبعهم تبع فَأسلم
فَلهَذَا ذكر الله قومه فِي الْقُرْآن وَلم يذكرهُ قَالَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ وَسَأَلته عَن قَوْله {وألقينا على كرسيه جسداً ثمَّ أناب} قَالَ: الشَّيْطَان أَخذ خَاتم سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام الَّذِي فِيهِ ملكه فقذف بِهِ فِي الْبَحْر فَوَقع فِي بطن سَمَكَة فَانْطَلق سُلَيْمَان يطوف إِذْ تصدق عَلَيْهِ بِتِلْكَ السَّمَكَة فاشتواها فَأكلهَا فَإِذا فِيهَا خَاتمه فَرجع إِلَيْهِ ملكه
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وألقينا على كرسيه جسداً ثمَّ أناب} قَالَ: صَخْر الجني
مثل على كرسيه على صورته
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أَمر سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام بِبِنَاء بَيت الْمُقَدّس فَقيل لَهُ: ابْنه وَلَا يسمع فِيهِ صَوت حَدِيد فَطلب ذَلِك فَلم يقدر عَلَيْهِ فَقيل لَهُ إِن شَيْطَانا يُقَال لَهُ صَخْر شبه المارد فَطَلَبه وَكَانَت عين فِي الْبَحْر يردهَا فِي كل سَبْعَة أَيَّام مرّة فنزح ماءها وَجعل فِيهَا خمرًا فجَاء يَوْم وُرُوده فَإِذا هُوَ بِالْخمرِ فَقَالَ: إِنَّك لشراب طيب تصيب من الْحَلِيم وتزيد من الْجَاهِل جهلا ثمَّ جفل حَتَّى عَطش عطشاً شَدِيدا ثمَّ أَتَاهَا فَشربهَا حَتَّى غلب على عقله فأوتي بالخاتم فختم بَين كَتفيهِ فذل وَكَانَ ملكه فِي خَاتمه فَأتي بِهِ سُلَيْمَان فَقَالَ: أَنا قد أمرنَا بِبِنَاء هَذَا الْبَيْت فَقيل لنا: لَا تسمعن فِيهِ صَوت حَدِيد فَأتى ببيض الهدهد فَجعل عَلَيْهِ زجاجة فجَاء(7/180)
الهدهد فدار حولهَا فَجعل يرى بيضه وَلَا يقدر عَلَيْهِ فَذهب فجَاء بألماس فوضعها عَلَيْهِ فقطعها حَتَّى أفْضى إِلَى بيضه فَأخذُوا الماس فَجعلُوا يقطعون بِهِ الْحِجَارَة
وَكَانَ سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام إِذا أَرَادَ أَن يدْخل الْخَلَاء أَو الْحمام لم يدْخل بِخَاتمِهِ
فَانْطَلق يَوْمًا إِلَى الْحمام وَذَلِكَ الشَّيْطَان صَخْر مَعَه فَدخل الْحمام وَأعْطى الشَّيْطَان خَاتمه فَأَلْقَاهُ فِي الْبَحْر فالتقمته سَمَكَة وَنزع ملك سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام مِنْهُ وَألقى على الشَّيْطَان شبه سُلَيْمَان فجَاء فَقعدَ على كرسيه وسلط على ملك سُلَيْمَان كُله غير نِسَائِهِ فَجعل يقْضِي بَينهم أَرْبَعِينَ يَوْمًا حَتَّى وجد سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام خَاتمه فِي بطن السَّمَكَة فَأقبل فَجعل لَا يستقبله جني وَلَا طير إِلَّا سجد لَهُ حَتَّى انْتهى إِلَيْهِم {وألقينا على كرسيه جسداً} قَالَ: هُوَ الشَّيْطَان صَخْر {ثمَّ أناب} قَالَ: تَابَ ثمَّ أقبل يَعْنِي سُلَيْمَان
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {وألقينا على كرسيه جسداً} قَالَ: شَيْطَانا يُقَال لَهُ آصف
فَقَالَ لَهُ سُلَيْمَان: كَيفَ تفتنون النَّاس قَالَ أَرِنِي خاتمك أخْبرك
فَلَمَّا أعطَاهُ إِيَّاه نبذه آصف فِي الْبَحْر فساح سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام وَذهب ملكه وَقعد آصف على كرسيه وَمنعه الله تَعَالَى نسَاء سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام فَلم يقربهن وَلَا يقربنه وأنكرنه وَأنكر النَّاس أَمر سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام
وَكَانَ سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام يستطعم فَيَقُول: أتعرفوني أَنا سُلَيْمَان فيكذبوه حَتَّى أَعطَتْهُ امْرَأَة يَوْمًا حوتاً وَطيب بَطْنه فَوجدَ خَاتمه فِي بَطْنه فَرجع إِلَيْهِ ملكه وفر الشَّيْطَان فَدخل الْبَحْر فَارًّا
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَابْن مرْدَوَيْه بِسَنَد ضَعِيف عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ولد لِسُلَيْمَان ولد فَقَالَ للشَّيْطَان: تواريه من الْمَوْت قَالُوا نَذْهَب بِهِ إِلَى الْمشرق
فَقَالَ يصل إِلَيْهِ الْمَوْت
قَالُوا فَإلَى الْمغرب
قَالَ يصل إِلَيْهِ
قَالُوا إِلَى الْبحار
قَالَ يصل إِلَيْهِ الْمَوْت
قَالَ نضعه بَين السَّمَاء وَالْأَرْض وَنزل عَلَيْهِ ملك الْمَوْت فَقَالَ: إِنِّي أمرت بِقَبض نسمَة طلبتها فِي الْبحار وطلبتها فِي تخوم الأَرْض
فَلم أصبها فَبينا أَنا صاعد أصبتها فقبضتها وَجَاء جسده حَتَّى وَقع على(7/181)
كرْسِي سُلَيْمَان فَهُوَ قَول الله {وَلَقَد فتنا سُلَيْمَان وألقينا على كرسيه جسداً ثمَّ أناب}
وَقَالَ ابْن سعد رَضِي الله عَنهُ أخبرنَا الْوَاقِدِيّ حَدثنَا معشر عَن المَقْبُري: أَن سُلَيْمَان بن دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: لأطوفن اللَّيْلَة بِمِائَة امْرَأَة من نسَائِي فتأتي كل امْرَأَة مِنْهُنَّ بِفَارِس يُجَاهد فِي سَبِيل الله
وَلم يستثنِ وَلَو اسْتثْنى لَكَانَ فَطَافَ على مائَة امْرَأَة فَلم تحمل امْرَأَة إِلَّا امْرَأَة وَاحِدَة حملت بشق إِنْسَان قَالَ: وَلم يكن شَيْء أحب إِلَى سُلَيْمَان من تِلْكَ الشقة
قَالَ وَكَانَ أَوْلَاده يموتون فجَاء ملك الْمَوْت فِي صُورَة رجل فَقَالَ لَهُ سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام: إِن اسْتَطَعْت أَن تُؤخر إبني هَذَا ثَمَانِيَة أَيَّام إِذا جَاءَهُ أَجله فَقَالَ: لَا
وَلَكِن أخْبرك قبل مَوته بِثَلَاثَة أَيَّام
قَالَ لمن عِنْده من الْجِنّ: أَيّكُم يُخَبِّىء لي إبني هَذَا قَالَ أحدهم أَنا أخبؤه لَك فِي الْمشرق قَالَ: مِمَّن تخبؤه قَالَ: من ملك الْمَوْت
قَالَ يبصره
قَالَ آخر: أَنا أخبؤه لَك بَين قرينين لَا يريان
قَالَ سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام إِن كَانَ شَيْء فَهَذَا
فَلَمَّا جَاءَ أَجله نظر ملك الْمَوْت فِي الأَرْض فَلم يره فِي مشرقها وَلَا فِي مغْرِبهَا وَلَا شَيْء من الْبحار وَرَآهُ بَين قرينين فَجَاءَهُ فَأَخذه فَقبض روحه على كرْسِي سُلَيْمَان
فَذَلِك قَوْله {وَلَقَد فتنا سُلَيْمَان} وَهُوَ قَول الله {وألقينا على كرسيه جسداً}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: بَيْنَمَا سُلَيْمَان بن دَاوُد جَالِسا على شاطىء الْبَحْر وَهُوَ يعبث بِخَاتمِهِ إِذْ سقط مِنْهُ فِي الْبَحْر وَكَانَ ملكه فِي خَاتمه فَانْطَلق وَخلف شَيْطَانا فِي أَهله فَأتى عجوزاً فأوى إِلَيْهَا فَقَالَت لَهُ الْعَجُوز: إِن شِئْت أَن تَنْطَلِق فتطلب وأكفيك عمل الْبَيْت وَإِن شِئْت أَن تكفيني عمل الْبَيْت وَانْطَلق فالتمس
قَالَ: فَانْطَلق يلْتَمس فَأتى قوما يصيدون السّمك فَجَلَسَ إِلَيْهِم فنبذوا سمكات فَانْطَلق بِهن حَتَّى أَتَى الْعَجُوز فَأخذت تصلحه فشقت بطن سَمَكَة فَإِذا فِيهَا الْخَاتم فَأَخَذته وَقَالَت لِسُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام: مَا هَذَا فَأَخذه سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام فلبسه فَأَقْبَلت إِلَيْهِ الشَّيَاطِين والانس وَالْجِنّ وَالطير والوحش وهرب الشَّيْطَان الَّذِي خلف فِي أَهله فَأتى جَزِيرَة فِي الْبَحْر فَبعث إِلَيْهِ الشَّيَاطِين فَقَالُوا: لَا نقدر عَلَيْهِ أَنه يرد عينا فِي جَزِيرَة فِي الْبَحْر فِي سَبْعَة أَيَّام وَلَا نقدر عَلَيْهِ حَتَّى يسكر(7/182)
قَالَ فصب لَهُ فِي تِلْكَ الْعين خمرًا فَأقبل فَشرب فَسَكِرَ فأروه الْخَاتم فَقَالَ: سمعا وَطَاعَة فأوثقه سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام ثمَّ بعث بِهِ إِلَى جبل فَذكرُوا أَنه جبل الدُّخان فالدخان الَّذِي يرَوْنَ من نَفسه وَالْمَاء الَّذِي يخرج من الْجَبَل بَوْله
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن الْحسن {وألقينا على كرسيه جسداً} قَالَ: هُوَ الشَّيْطَان
دخل سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام الْحمام فَوضع خَاتمه عِنْد امْرَأَة من أوثق نِسَائِهِ فِي نَفسه فَأَتَاهَا الشَّيْطَان فتمثل لَهَا على صُورَة سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام فَأخذ الْخَاتم مِنْهَا فَلَمَّا خرج سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام أَتَاهَا فَقَالَ لَهَا: هَاتِي الْخَاتم فَقَالَت: قد دَفعته إِلَيْك
قَالَ مَا فعلت
فهرب سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام وَجلسَ الشَّيْطَان على ملكه وَانْطَلق سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام هَارِبا فِي الأَرْض يتتبع ورق الشّجر خمسين لَيْلَة فَأنْكر بَنو إِسْرَائِيل أَمر الشَّيْطَان فَقَالَ بَعضهم لبَعض: هَل تنكرون من أَمر ملككم مَا ننكر عَلَيْهِ قَالُوا: نعم
قَالَ أما لقد هلكتم أَنْتُم الْعَامَّة وَأما قد هلك ملككم فَقَالُوا: وَالله ان عنْدكُمْ من هَذَا الْخَبَر نساؤه مَعكُمْ فَاسْأَلُوهُنَّ فَإِن كن أنكرن مَا أَنْكَرْنَا فقد ابتلينا
فَسْأَلُوهُنَّ فَقُلْنَ: أَي وَالله لقد أَنْكَرْنَا
فَلَمَّا انْقَضتْ مدَّته انْطلق سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام حَتَّى أَتَى سَاحل الْبَحْر فَوجدَ صيادين يصيدون السّمك فصادوا سمكًا كثيرا غلبهم بعضه فألقوه فَأَتَاهُم سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام فاستطعمهم فَأَعْطوهُ تِلْكَ الْحيتَان قَالَ: لَا بل أَطْعمُونِي من هَذَا فَأَبَوا فَقَالَ: أَطْعمُونِي فَإِنِّي سُلَيْمَان فَوَثَبَ إِلَيْهِ بَعضهم بالعصا فَضَربهُ غَضبا لِسُلَيْمَان فَأتى إِلَى تِلْكَ الْحيتَان الَّتِي ألقوا فَأخذ مِنْهَا حوتين فَانْطَلق بهما إِلَى الْبَحْر فغسلهما فشق بطن أَحدهمَا فَإِذا فِيهِ الْخَاتم فَأَخذه فَجعله فِي يَده فَعَاد فِي ملكه فَجَاءَهُ الصيادون يبيعون إِلَيْهِ فَقَالَ لَهُم: لقد كنت استطعمتكم فَلم تطعموني فَلم أظلمكم إِذا هنتموني وَلم أحمدكم إِذا أكرمتموني
وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ مَا قَالَ: كَانَ سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام إِذا دخل الْخَلَاء أعْطى خَاتمه أحب نِسَائِهِ إِلَيْهِ فَإِذا هُوَ قد خرج وَقد وضع لَهُ وضوء فَدفع خَاتمه إِلَى امْرَأَته فَلبث مَا شَاءَ الله
وَخرج عَلَيْهَا شَيْطَان فِي صُورَة سُلَيْمَان فَدفعت الْخَاتم إِلَيْهِ فَضَاقَ درعا بِهِ فَأَلْقَاهُ فِي الْبَحْر فالتقمته سَمَكَة فَخرج سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام على امْرَأَته فَسَأَلَهَا(7/183)
الْخَاتم فَقَالَت: قد دَفعته إِلَيْك
فَعلم سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام أَنه قد ابتلى فَخرج وَترك ملكه وَلزِمَ الْبَحْر فَجعل يجوع فَأتى يَوْمًا على صيادين قد صادوا سمكًا بالْأَمْس فنبذوه وصادوا يومهم سمكًا فَهُوَ بَين أَيْديهم فَقَامَ عَلَيْهِم سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ: أَطْعمُونِي بَارك الله فِيكُم فَإِنِّي ابْن سَبِيل فَلم يلتفتوا إِلَيْهِ ثمَّ عَاد فَقَالَ لَهُم: مثل ذَلِك فَرفع رجل مِنْهُم رَأسه إِلَيْهِ فَقَالَ: ائْتِ ذَلِك السّمك فَخذ مِنْهُ سَمَكَة فَأَتَاهُ سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام فَأخذ مِنْهُ أدنى سَمَكَة فَلَمَّا أَخذهَا إِذا فِيهَا ريح فَأتى بهَا الْبَحْر فغسلها وشق بَطنهَا فَإِذا هُوَ بِخَاتمِهِ فَحَمدَ الله وَأَخذه فتختم بِهِ ونطق كل شَيْء كَانَ حوله من جُنُوده وفزع الصيادون لذَلِك فَقَامُوا إِلَيْهِ وحيل بَينهم وَلم يصلوا إِلَيْهِ ورد الله إِلَيْهِ ملكه
وَأخرج عبد بن حميد والحكيم التِّرْمِذِيّ من طَرِيق عَليّ بن زيد عَن سعيد بن الْمسيب رَضِي الله عَنهُ أَن سُلَيْمَان بن دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام احتجب عَن النَّاس ثَلَاثَة أَيَّام فَأوحى الله إِلَيْهِ أَن يَا سُلَيْمَان احْتَجَبت عَن النَّاس ثَلَاثَة أَيَّام فَلم تنظر فِي أُمُور الْعباد وَلم تنصف مَظْلُوما من ظَالِم
وَكَانَ ملكه فِي خَاتمه وَكَانَ إِذا دخل الْحمام وضع خَاتمه تَحت فرَاشه فجَاء الشَّيْطَان فَأَخذه فَأقبل النَّاس على الشَّيْطَان فَقَالَ سُلَيْمَان: يَا أَيهَا النَّاس أَنا سُلَيْمَان نَبِي الله فدفعوه فساح أَرْبَعِينَ يَوْمًا فَأتى أهل سفينة فَأَعْطوهُ حوتاً فَشَقهَا فَإِذا هُوَ بالخاتم فِيهَا فتختم بِهِ ثمَّ جَاءَ فَأخذ بناصيته فَقَالَ عِنْد ذَلِك (رب هَب لي ملكا لَا يَنْبَغِي لأحد من بعدِي)
قَالَ وَكَانَ أول من أنكرهُ نساؤه
فَقَالَ بَعضهم لبَعض: أتنكرون مِنْهُ شَيْئا قُلْنَ: نعم
وَكَانَ يأتيهن وَهن حيض فَقَالَ عَليّ: فَذكرت ذَلِك لِلْحسنِ فَقَالَ: مَا كَانَ الله يُسَلِّطهُ على نِسَائِهِ
وَأخرج عبد بن حميد عَن عبد الرَّحْمَن بن رَافع رَضِي الله عَنهُ قَالَ: بَلغنِي أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: حدث عَن فتْنَة سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: إِنَّه كَانَ فِي قومه رجل كعمر بن الْخطاب فِي أمتِي فَلَمَّا أنكر حَال الجان الَّذِي كَانَ مَكَانَهُ أرسل إِلَى أفاضل نِسَائِهِ فَقَالَ: هَل تنكرن من صاحبكن شَيْئا قُلْنَ: نعم
كَانَ لَا يأتينا حيضا وَهَذَا يأتينا حيضا فَاشْتَمَلَ على سَيْفه ليَقْتُلهُ فَرد الله على سُلَيْمَان ملكه فَأقبل(7/184)
فَوَجَدَهُ فِي مَكَانَهُ فَأخْبرهُ بِمَا يُرِيد
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {وَلَقَد فتنا سُلَيْمَان وألقينا على كرسيه جسداً} قَالَ: الْجَسَد الشَّيْطَان الَّذِي كَانَ دفع سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام إِلَيْهِ خَاتمه فقذفه فِي الْبَحْر وَكَانَ ملك سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام فِي خَاتمه وَكَانَ اسْم الجني صخراً
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {وألقينا على كرسيه جسداً} قَالَ: الْجَسَد الشَّيْطَان الَّذِي كَانَ دفع إِلَيْهِ سُلَيْمَان خَاتمه شَيْطَانا يُقَال لَهُ آصف
وَأخرج ابْن جرير عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وألقينا على كرسيه جسداً} قَالَ: الشَّيْطَان حِين جلس على كرسيه أَرْبَعِينَ يَوْمًا
كَانَ لِسُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام مائَة امْرَأَة وَكَانَت امْرَأَة مِنْهُنَّ يُقَال لَهَا جَرَادَة وَهِي آثر نِسَائِهِ عِنْده وآمنهن وَكَانَ إِذا أجنب أَو أَتَى حَاجَة نزع خَاتمه وَلم يأتمن عَلَيْهِ أحدا من النَّاس غَيرهَا فَجَاءَتْهُ يَوْمًا من الْأَيَّام فَقَالَت: إِن أخي بَينه وَبَين فلَان خُصُومَة وَأَنا أحب أَن تقضي لَهُ إِذا جَاءَك فَقَالَ: نعم
وَلم يفعل وابتلى فَأَعْطَاهَا خَاتمه وَدخل الْمخْرج فَخرج الشَّيْطَان فِي صورته فَقَالَ: هَات الْخَاتم
فَأَعْطَتْهُ فجَاء حَتَّى جلس على مجْلِس سُلَيْمَان وَخرج سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام بعد فَسَأَلَهَا أَن تعطيه خَاتمه فَقَالَت: ألم تَأْخُذهُ قبل قَالَ: لَا
قَالَ وَخرج مَكَانَهُ تائهاً وَمكث الشَّيْطَان يحكم بَين النَّاس أَرْبَعِينَ يَوْمًا فَأنْكر النَّاس أَحْكَامه فَاجْتمع قراء بني إِسْرَائِيل وعلماؤهم فجاؤا حَتَّى دخلُوا على نِسَائِهِ فَقَالُوا: إِنَّا قد أَنْكَرْنَا هَذَا وَأَقْبلُوا يَمْشُونَ حَتَّى أَتَوْهُ فأحدقوا بِهِ ثمَّ نشرُوا فقرأوا التَّوْرَاة فطار من بَين أَيْديهم حَتَّى وَقع على شرفة والخاتم مَعَه ثمَّ طَار حَتَّى ذهب إِلَى الْبَحْر فَوَقع الْخَاتم مِنْهُ فِي الْبَحْر فابتلعه حوت من حيتان الْبَحْر
وَأَقْبل سُلَيْمَان فِي حَالَته الَّتِي كَانَ فِيهَا حَتَّى انْتهى إِلَى صياد من صيادي الْبَحْر وَهُوَ جَائِع فاستطعمه من صيدهم فَأعْطَاهُ سمكتين فَقَامَ إِلَى شط الْبَحْر فشق بطونهما فَوجدَ خَاتمه فِي بطن أَحدهمَا فَأَخذه فلبسه فَرد الله عَلَيْهِ بهاءه وَملكه
فَأرْسل إِلَى الشَّيْطَان فجيء بِهِ فَأمر بِهِ فَجعل فِي صندوق من حَدِيد ثمَّ أطبق عَلَيْهِ وأقفل عَلَيْهِ بقفل وَختم عَلَيْهِ بِخَاتمِهِ ثمَّ أَمر بِهِ فألقي فِي الْبَحْر
فَهُوَ فِيهِ(7/185)
حَتَّى تقوم السَّاعَة وَكَانَ اسْمه حبقيق
وَأخرج ابْن جرير عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {ثمَّ أناب} قَالَ: دخل سُلَيْمَان على امْرَأَة تبيع السّمك فَاشْترى مِنْهَا سَمَكَة فشق بَطنهَا فَوجدَ خَاتمه فَجعل لَا يمر على شَجَرَة وَلَا على شَيْء إِلَّا سجد لَهُ حَتَّى أَتَى ملكه وَأَهله
فَذَلِك قَوْله {ثمَّ أناب} يَقُول: ثمَّ رَجَعَ
الْآيَات 35 - 40(7/186)
قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (35) فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ (36) وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ (37) وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ (38) هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (39) وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ (40)
أخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد فِي مُسْنده وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن سَلمَة بن الْأَكْوَع رَضِي الله عَنهُ قَالَ: مَا سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دَعَا إِلَّا استفتحه بسبحان رَبِّي الْأَعْلَى الْوَهَّاب
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {رب اغْفِر لي وهب لي ملكا لَا يَنْبَغِي لأحد من بعدِي} يَقُول: لَا أسلبه كَمَا سلبته
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ {رب اغْفِر لي وهب لي ملكا لَا يَنْبَغِي لأحد من بعدِي} قَالَ: لَا تسلبنيه كَمَا سلبتنيه
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: عرض لي الشَّيْطَان فِي مصلاي اللَّيْلَة كَأَنَّهُ هرُّكم هَذَا فَأَرَدْت أَن أحبسه حَتَّى أصبح فَذكرت دَعْوَة أخي سُلَيْمَان {رب اغْفِر لي وهب لي ملكا لَا يَنْبَغِي لأحد من بعدِي} فتركته
وَأخرج عبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالنَّسَائِيّ والحكيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن(7/186)
عفريتاً جعل يتلفت عَليّ البارحة ليقطع عليَّ صَلَاتي وَإِن الله تَعَالَى أمكنني مِنْهُ فَلَقَد هَمَمْت أَن أربطه إِلَى سَارِيَة من سواري الْمَسْجِد حَتَّى تصبحوا فتنظروا إِلَيْهِ كلكُمْ فَذكرت قَول أخي سُلَيْمَان {رب اغْفِر لي وهب لي ملكا لَا يَنْبَغِي لأحد من بعدِي} فَرده الله خاسئاً
وَأخرج عبد بن حميد عَن سعيد بن الْمسيب رَضِي الله عَنهُ
أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: بَينا أَنا قَائِم أُصَلِّي اعْترض الشَّيْطَان فَأخذت حلقه فخنقته حَتَّى أَنِّي لأجد برد لِسَانه على ابهامي فيرحم الله سُلَيْمَان لَوْلَا دَعوته لأصبح مربوطاً تنْظرُون إِلَيْهِ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: خرجت لصَلَاة الصُّبْح فلقيني شَيْطَان فِي السدة
سدة الْمَسْجِد فزحمني حَتَّى أَنِّي لأجد مس شعره فاستمكنت مِنْهُ فخنقته حَتَّى أَنِّي لأجد برد لِسَانه على يَدي فلولا دَعْوَة أخي سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام لأصبح مقتولاً تنْظرُون إِلَيْهِ
وَأخرج أَحْمد عَن أبي سعيد رَضِي الله عَنهُ
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: قَامَ يُصَلِّي صَلَاة الصُّبْح فَقَرَأَ فألبست عَلَيْهِ الْقِرَاءَة فَلَمَّا فرغ من صلَاته قَالَ: لَو رَأَيْتُمُونِي وإبليس
فَأَهْوَيْت بيَدي فَمَا زلت أخنقه حَتَّى وجدت برد لعابه بَين أُصْبُعِي هَاتين الإِبهام وَالَّتِي تَلِيهَا وَلَوْلَا دَعْوَة أخي سُلَيْمَان لأصبح مربوطاً بِسَارِيَة من سواري الْمَسْجِد فتلاعب بِهِ صبيان الْمَدِينَة
وَأخرج أَحْمد وَعبد بن حميد وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ عَن عبد الله بن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مر عليَّ الشَّيْطَان فتناولته فخنقته حَتَّى وجدت برد لِسَانه على يَدي فَقَالَ: أوجعتني أوجعتني
وَلَوْلَا مَا دَعَا بِهِ سُلَيْمَان لأصبح مناطا إِلَى اسطوانة من أساطين الْمَسْجِد ينظر إِلَيْهِ وِلْدَانُ أهل الْمَدِينَة
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن جَابر بن سَمُرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن الشَّيْطَان أَرَادَ أَن يمر بَين يَدي فخنقته حَتَّى وجدت برد لِسَانه على يَدي
وأيم الله لَوْلَا مَا سبق إِلَيْهِ أخي سُلَيْمَان لربطته إِلَى سَارِيَة من سواري الْمَسْجِد حَتَّى بِهِ ولدان أهل الْمَدِينَة
وَأخرج الْحَاكِم فِي الْمُسْتَدْرك عَن عمر بن عَليّ بن حُسَيْن قَالَ: مشيت مَعَ عمي(7/187)
وَأخي جَعْفَر فَقلت: زَعَمُوا أَن سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام سَأَلَ ربه أَن يَهبهُ ملكا قَالَ: حَدثنِي أبي عَن أَبِيه عَن عَليّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لن يعمر ملك فِي أمة نَبِي مضى قبله مَا بلغ بذلك النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الْعُمر فِي أمته
وَأخرج عبد بن حميد عَن وهب بن مُنَبّه رَضِي الله عَنهُ
أَنه ذكر من ملك سُلَيْمَان وتعظيم ملكه أَنه كَانَ فِي رباطه اثْنَا عشر ألف حصان وَكَانَ يذبح على غدائه كل يَوْم سبعين ثوراً سوى الكباش وَالطير وَالصَّيْد فَقيل لوهب أَكَانَ يسع هَذَا مَاله قَالَ: كَانَ إِذا ملك الْملك على بني إِسْرَائِيل اشْترط عَلَيْهِم أَنهم رَقِيقه وَإِن أَمْوَالهم لَهُ
مَا شَاءَ أَخذ مِنْهَا وَمَا شَاءَ ترك
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي خَالِد البَجلِيّ رضّي الله عَنهُ قَالَ: بَلغنِي أَن سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام ركب يَوْمًا فِي موكبه فَوضع سَرِيره فَقعدَ عَلَيْهِ وألقيت كراسي يَمِينا وَشمَالًا فَقعدَ النَّاس عَلَيْهَا يلونه وَالْجِنّ وَرَاءَهُمْ ومردة الْجِنّ وَالشَّيَاطِين وَرَاء الْجِنّ
فَأرْسل إِلَى الطير فأظلته بأجنحتها وَقَالَ للريح: احملينا يُرِيد بعض مسيره فاحتملته الرّيح وَهُوَ على سَرِيره وَالنَّاس على كراسيهم يُحَدِّثهُمْ ويحدثونه لَا يرْتَفع كرْسِي وَلَا يتضع وَالطير تظلهم
وَكَانَ موكب سُلَيْمَان يسمع من مَكَان بعيد وَرجل من بني إِسْرَائِيل آخذ مسحاته فِي زرع لَهُ قَائِما يهيئه إِذْ سمع الصَّوْت فَقَالَ: إِن هَذَا الصَّوْت مَا هُوَ إِلَّا لموكب سُلَيْمَان وَجُنُوده فحان من سُلَيْمَان التفاتة وَهُوَ على سَرِيره فَإِذا هُوَ بِرَجُل يشْتَد يُبَادر الطَّرِيق فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام فِي نَفسه: إِن هَذَا الرجل ملهوف أَو طَالب حَاجَة فَقَالَ للريح حِين وقفت بِهِ: قفي
فوقفت بِهِ وبجنود حَتَّى انْتهى إِلَيْهِ الرجل وَهُوَ منبهر فَتَركه سُلَيْمَان حَتَّى ذهب بهره ثمَّ أقبل عَلَيْهِ فَقَالَ أَلَك حَاجَة وَقد وقف عَلَيْهِ الْخلق فَقَالَ: الْحَاجة جَاءَت بِي إِلَى هَذَا الْمَكَان يَا رَسُول الله
إِنِّي رَأَيْت الله أَعْطَاك ملكا لم يُعْطه أحدا قبلك وَلَا أرَاهُ يُعْطِيهِ أحدا بعْدك فَكيف تَجِد مَا مضى من ملكك هَذِه السَّاعَة قَالَ: أخْبرك عَن ذَاك إِنِّي كنت نَائِما فَرَأَيْت رُؤْيا ثمَّ تنبهت فعبرتها قَالَ: لَيْسَ إِلَّا ذَاك قَالَ: فَأَخْبرنِي كَيفَ تَجِد مَا بَقِي من ملكك السَّاعَة قَالَ: تَسْأَلنِي عَن شَيْء لم أره قَالَ: فَإِنَّمَا هِيَ هَذِه السَّاعَة ثمَّ انْصَرف عَنهُ موليا(7/188)
فَجَلَسَ سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام ينظر فِي قَفاهُ ويتفكر فِيمَا قَالَه ثمَّ قَالَ للريح إمضي بِنَا فمضت بِهِ قَالَ الله {رخاء حَيْثُ أصَاب} قَالَ: الرخَاء الَّتِي لَيست بالعاصف وَلَا باللينة وسطا قَالَ الله تَعَالَى (غدوها شهر ورواحها شهر) (سُورَة سبأ 12) لَيست بالعاصف الَّتِي تؤذيه وَلَا باللينة الَّتِي تشق عَلَيْهِ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد عَن سلمَان بن عَامر الشَّيْبَانِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: بَلغنِي أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: أَرَأَيْتُم سُلَيْمَان وَمَا أعطَاهُ الله تَعَالَى من ملكه فَلم يكن يرفع طرفه إِلَى السَّمَاء تخشعاً حَتَّى قَبضه الله تَعَالَى
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا رفع سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام طرفه إِلَى السَّمَاء تخشعاً حَيْثُ أعطَاهُ الله تَعَالَى مَا أعطَاهُ
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن عَطاء رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام يعْمل الخوص بِيَدِهِ وَيَأْكُل خبز الشّعير وَيطْعم بني إِسْرَائِيل الْحوَاري
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول وَابْن الْمُنْذر وَابْن عَسَاكِر عَن صَالح بن سمار رَضِي الله عَنهُ قَالَ: بَلغنِي أَنه لما مَاتَ دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام أوحى الله تَعَالَى إِلَى سُلَيْمَان عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام سلني حَاجَتك قَالَ: أَسأَلك أَن تجْعَل قلبِي يخشاك كَمَا كَانَ قلب أُمِّي وَأَن تجْعَل قلبِي يحبك كَمَا كَانَ قلب أبي
فَقَالَ: أرْسلت إِلَى عَبدِي أسأله حَاجته فَكَانَت حَاجته أَن أجعَل قلبه يخشاني وَأَن أجعَل قلبه يحبني لأهبن لَهُ ملكا لَا يَنْبَغِي لأحد من بعده قَالَ الله تَعَالَى {فسخرنا لَهُ الرّيح تجْرِي بأَمْره رخاء حَيْثُ أصَاب} وَالَّتِي بعْدهَا مِمَّا أعطَاهُ وَفِي الْآخِرَة لَا حِسَاب عَلَيْهِ
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فسخرنا لَهُ الرّيح} قَالَ: لم يكن فِي ملكه يَوْم دَعَا الرّيح وَالشَّيَاطِين
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما عقر سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام الْخَيل أبدله الله خيرا مِنْهَا وَأمر الرّيح تجْرِي بأَمْره كَيفَ يَشَاء {رخاء} قَالَ: لَيست بالعاصف وَلَا باللينة بَين ذَلِك
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الْحسن وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {تجْرِي بأَمْره رخاء} قَالَ: مطيعة لَهُ حَيْثُ أَرَادَ(7/189)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {رخاء حَيْثُ أصَاب} قَالَ: حَيْثُ شَاءَ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {رخاء} قَالَ: لينَة {حَيْثُ أصَاب} قَالَ: حَيْثُ أَرَادَ {وَالشَّيَاطِين كل بِنَاء} قَالَ: يعْملُونَ لَهُ مَا يَشَاء من محاريب وتماثيل {وغواص} قَالَ: يستخرجون لَهُ الحلى من الْبَحْر {وَآخَرين مُقرنين فِي الأصفاد} قَالَ: مَرَدَة الشَّيَاطِين فِي الأغلال
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله {رخاء} قَالَ: الطّيبَة {وَالشَّيَاطِين كل بِنَاء وغواص} قَالَ: يغوص للحلية وَبِنَاء بنوا لِسُلَيْمَان قصراً على المَاء فَقَالَ: اهدموه من غير أَن تمسه الْأَيْدِي
فَرَمَوْهُ بالفادقات حَتَّى وضعوه فَبَقيت لنا منفعَته بعدهمْ فَكَانَ من عمل الْجِنّ وَبقيت لنا مَنْفَعَة السِّيَاط كَانَ يضْرب الْجِنّ بالخشب فيكسر أيديها وأرجلها فَقَالُوا هَل توجعنا فَلَا تكسرنا قَالَ: نعم
فدلوه على السِّيَاط والتمويه أَمر الْجِنّ فموهت على [] ثمَّ أَمر بِهِ فَألْقى على الأساطين تَحت قَوَائِم خيل بلقيس والقارورة لما أخرج الْأَعْوَر شَيْطَان الْبَحْر حَيْثُ أَرَادَ بِنَاء بَيت الْمُقَدّس قَالَ الْأَعْوَر: ابْتَغوا لي بَيْضَة هدهد ثمَّ قَالَ اجعلوا عَلَيْهَا قَارُورَة فجَاء الهدهد فَجعل يرى بيضته وَهُوَ لَا يقدر عَلَيْهَا ويطيف بهَا فَانْطَلق فجَاء بماسة مثل هَذِه فوضعها على القارورة فانشقت فانشق بَيت الْمُقَدّس بِتِلْكَ الماسة والقذافة
وَكَانَ فِي الْبَحْر كنز فدلوا عَلَيْهِ سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام وَزَعَمُوا أَن سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام يدْخل الْجنَّة بعد الْأَنْبِيَاء بِأَرْبَعِينَ سنة لما أعطيَ من الْملك فِي الدُّنْيَا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جرير رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {هَذَا عطاؤنا} قَالَ: كل هَذَا أعطَاهُ إِيَّاه بعد رد الْخَاتم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {فَامْنُنْ} يَقُول: اعْتِقْ من الْجِنّ من شِئْت {أَو أمسك} مِنْهُم من شِئْت
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {هَذَا عطاؤنا} قَالَ الْحسن: الْملك الَّذِي أعطيناك فأعط مَا شِئْت وامنع مَا شِئْت فَلَيْسَ لَك تبعة وَلَا حِسَاب عَلَيْك فِي ذَلِك(7/190)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {هَذَا عطاؤنا فَامْنُنْ أَو أمسك بِغَيْر حِسَاب} قَالَ: بِغَيْر حرج إِن شِئْت أَمْسَكت وَإِن شِئْت أَعْطَيْت
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ فِي الْآيَة قَالَ: مَا أَعْطَيْت أَو أَمْسَكت فَلَيْسَ عَلَيْك فِيهِ حِسَاب
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: مَا من نعْمَة أنعم الله على عبد إِلَّا وَقد سَأَلَهُ فِيهَا الشُّكْر إِلَّا سُلَيْمَان بن دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام
قَالَ الله لِسُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام فَامْنُنْ أَو أمسك بِغَيْر حِسَاب
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِن الله أعْطى سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام ملكا هَنِيئًا فَقَالَ الله {هَذَا عطاؤنا فَامْنُنْ أَو أمسك بِغَيْر حِسَاب} قَالَ: إِن أعطيَ أجر وَإِن لم يُعْط لم يكن عَلَيْهِ تبعة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَإِن لَهُ عندنَا لزلفى وَحسن مآب} أَي حسن مصير
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن أبي صَالح رَضِي الله عَنهُ {وَإِن لَهُ عندنَا لزلفى وَحسن مآب} قَالَ: الزلفى الْقرب {وَحسن مآب} قَالَ: الْمرجع
الْآيَات 41 - 44(7/191)
وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ (41) ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ (42) وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ (43) وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (44)
أخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {وَاذْكُر عَبدنَا أَيُّوب إِذْ نَادَى ربه أَنِّي مسني الشَّيْطَان بِنصب وَعَذَاب} قَالَ: ذهَاب الْأَهْل وَالْمَال والضر الَّذِي أَصَابَهُ فِي جسده
قَالَ: ابتلى سبع سِنِين وأشهراً فَألْقى على كناسَة بني إِسْرَائِيل تخْتَلف الدَّوَابّ فِي جسده فَفرج الله عَنهُ وَأعظم لَهُ الْأجر وَأحسن(7/191)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {بِنصب وَعَذَاب} قَالَ {بِنصب} الضّر فِي الْجَسَد {وَعَذَاب} قَالَ: فِي المَال
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد وَابْن أبي حَاتِم وَابْن عَسَاكِر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا
أَن الشَّيْطَان عرج إِلَى السَّمَاء قَالَ: يَا رب سَلطنِي على أَيُّوب عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ الله: قد سلطتك على مَاله وَولده وَلم أسلطك على جسده
فَنزل فَجمع جُنُوده فَقَالَ لَهُم: قد سلطت على أَيُّوب عَلَيْهِ السَّلَام فأروني سلطانكم فصاروا نيراناً ثمَّ صَارُوا مَاء فَبَيْنَمَا هم بالمشرق إِذا هم بالمغرب وبينما هم بالمغرب إِذا هم بالمشرق فَأرْسل طَائِفَة مِنْهُم إِلَى زرعه وَطَائِفَة إِلَى أَهله وَطَائِفَة إِلَى بقره وَطَائِفَة إِلَى غنمه وَقَالَ: إِنَّه لَا يعتصم مِنْكُم إِلَّا بِالْمَعْرُوفِ
فَأتوهُ بالمصائب بَعْضهَا على بعض
فجَاء صَاحب الزَّرْع فَقَالَ: يَا أَيُّوب ألم تَرَ إِلَى رَبك أرسل على زرعك عدوّاً فَذهب بِهِ وَجَاء صَاحب الإِبل فَقَالَ: يَا أَيُّوب ألم تَرَ إِلَى رَبك أرسل على إبلك عدوا فَذهب بهَا ثمَّ جَاءَهُ صَاحب الْبَقر فَقَالَ: ألم تَرَ إِلَى رَبك أرسل على بقرك عدوا فَذهب بهَا وَتفرد هُوَ ببنيه جمعهم فِي بَيت أكبرهم
فَبَيْنَمَا هم يَأْكُلُون وَيَشْرَبُونَ إِذْ هبت ريح فَأخذت بأركان الْبَيْت فألقته عَلَيْهِم فجَاء الشَّيْطَان إِلَى أَيُّوب بِصُورَة غُلَام فَقَالَ: يَا أَيُّوب ألم تَرَ إِلَى رَبك جمع بنيك فِي بَيت أكبرهم فَبَيْنَمَا هم يَأْكُلُون وَيَشْرَبُونَ إِذْ هبت ريح فَأخذت بأركان الْبَيْت فألقته عَلَيْهِم فَلَو رَأَيْتهمْ حِين اخْتلطت دِمَاؤُهُمْ ولحومهم بطعامهم وشرابهم
فَقَالَ لَهُ أَيُّوب أَنْت الشَّيْطَان ثمَّ قَالَ لَهُ أَنا الْيَوْم كَيَوْم ولدتني أُمِّي فَقَامَ فحلق رَأسه وَقَامَ يُصَلِّي فرن إِبْلِيس رنة سمع بهَا أهل السَّمَاء وَأهل الأَرْض ثمَّ خرج إِلَى السَّمَاء فَقَالَ: أَي رب انه قد اعْتصمَ فسلطني عَلَيْهِ فَإِنِّي لَا أستطيعه إِلَّا بسلطانك قَالَ: قد سلطتك على جسده وَلم أسلطك على قلبه
فَنزل فَنفخ تَحت قدمه نفخة قرح مَا بَين قَدَمَيْهِ إِلَى قرنه فَصَارَ قرحَة وَاحِدَة وَأُلْقِي على الرماد حَتَّى بدا حجاب قلبه فَكَانَت امْرَأَته تسْعَى إِلَيْهِ حَتَّى قَالَت لَهُ: أما ترى يَا أَيُّوب نزل بِي وَالله من الْجهد والفاقة مَا أَن بِعْت قروني برغيف
فأطعمك فَادع الله أَن يشفيك ويريحك قَالَ: وَيحك
كُنَّا فِي النَّعيم سبعين عَاما فأصبري حَتَّى نَكُون فِي الضّر سبعين عَاما فَكَانَ فِي الْبلَاء سبع سِنِين ودعا(7/192)
فجَاء جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام يَوْمًا فَأخذ بِيَدِهِ ثمَّ قَالَ: قُم
فَقَامَ فنحاه عَن مَكَانَهُ وَقَالَ {اركض برجلك هَذَا مغتسل بَارِد وشراب} فركض بِرجلِهِ فنبعت عين فَقَالَ: اغْتسل
فاغتسل مِنْهَا ثمَّ جَاءَ أَيْضا فَقَالَ {اركض برجلك} فنبعت عين أُخْرَى
فَقَالَ لَهُ: اشرب مِنْهَا وَهُوَ قَوْله {اركض برجلك هَذَا مغتسل بَارِد وشراب} وَألبسهُ الله تَعَالَى حلَّة من الْجنَّة فَتنحّى أَيُّوب فَجَلَسَ فِي نَاحيَة وَجَاءَت امْرَأَته فَلم تعرفه فَقَالَت: يَا عبد الله أَيْن المبتلي الَّذِي كَانَ هَهُنَا لَعَلَّ الْكلاب ذهبت بِهِ والذئاب وَجعلت تكَلمه سَاعَة فَقَالَ: وَيحك
أَنا أَيُّوب قد رد الله عليّ جَسَدِي ورد الله عَلَيْهِ مَاله وَولده عيَانًا {وَمثلهمْ مَعَهم} وأمطر عَلَيْهِم جَرَادًا من ذهب فَجعل يَأْخُذ الْجَرَاد بِيَدِهِ ثمَّ يَجعله فِي ثَوْبه وينشر كساءه فَيجْعَل فِيهِ فَأوحى الله إِلَيْهِ: يَا أَيُّوب أما شبعت قَالَ: يَا رب من ذَا الَّذِي يشْبع من فضلك ورحمتك
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد وَعبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: إِن إِبْلِيس قعد على الطَّرِيق فَاتخذ تابوتاً يداوي النَّاس فَقَالَت امْرَأَة أَيُّوب: يَا عبد الله إِن هَهُنَا مبتلي من أمره كَذَا وَكَذَا
فَهَل لَك أَن تداويه قَالَ: نعم
بِشَرْط إِن أَنا شفيته أَن يَقُول أَنْت شفيتني لَا أُرِيد مِنْهُ أجرا غَيره
فَأَتَت أَيُّوب عَلَيْهِ السَّلَام فَذكرت ذَلِك لَهُ فَقَالَ: وَيحك
ذَاك الشَّيْطَان لله عليَّ إِن شفاني الله تَعَالَى أَن أجلدك مائَة جلدَة فَلَمَّا شفَاه الله تَعَالَى أمره أَن يَأْخُذ ضغثاً فَأخذ عذقاً فِيهِ مائَة شِمْرَاخ فَضرب بهَا ضَرْبَة وَاحِدَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم قَالَ: الشَّيْطَان الَّذِي مس أَيُّوب يُقَال لَهُ مسوط
فَقَالَت امْرَأَة أَيُّوب ادْع الله يشفيك فَجعل لَا يَدْعُو حَتَّى مر بِهِ نفر من بني إِسْرَائِيل فَقَالَ بَعضهم لبَعض: مَا أَصَابَهُ مَا أَصَابَهُ إِلَّا بذنب عَظِيم أَصَابَهُ فَعِنْدَ ذَلِك قَالَ: (ربِ أَنِّي مسني الضّر وَأَنت أرْحم الرَّاحِمِينَ) (الْأَنْبِيَاء 83)
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جرير رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {اركض برجلك هَذَا} المَاء {مغتسل بَارِد وشراب} قَالَ: ركض رجله الْيُمْنَى فنبعت عين وَضرب بِيَدِهِ الْيُمْنَى خلف ظَهره فنبعت عين فَشرب من إِحْدَاهمَا واغتسل من الْأُخْرَى
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: ضرب بِرجلِهِ(7/193)
أَرضًا يُقَال لَهَا الْحَمَامَة فَإِذا عينان ينبعان فَشرب من إِحْدَاهمَا واغتسل من الْأُخْرَى
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ أَن نَبِي الله أَيُّوب عَلَيْهِ السَّلَام لما اشْتَدَّ بِهِ الْبلَاء إِمَّا دَعَا وَإِمَّا عرض بِالدُّعَاءِ فَأوحى الله تَعَالَى إِلَيْهِ {اركض برجلك} فنبعت عين فاغتسل مِنْهَا فَذهب مَا بِهِ ثمَّ مَشى أَرْبَعِينَ ذِرَاعا ثمَّ ضرب بِرجلِهِ فنبعت عين فَشرب مِنْهَا
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُعَاوِيَة بن قُرَّة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِن نَبِي الله أَيُّوب عَلَيْهِ السَّلَام لما أَصَابَهُ الَّذِي أَصَابَهُ قَالَ إِبْلِيس: يَا رب مَا يُبَالِي أَيُّوب أَن تعطيه أَهله وَمثلهمْ مَعَهم وتخلف لَهُ مَاله وسلطانه سَلطنِي على جسده قَالَ: اذْهَبْ فقد سلطتك على جسده وَإِيَّاك يَا خَبِيث وَنَفسه قَالَ فَنفخ فِيهِ نفخة سقط لَحْمه فَلَمَّا أعياه صرخَ صرخة اجْتمعت إِلَيْهِ جُنُوده قَالُوا يَا سيدنَا مَا أغضبك فَقَالَ الا أغضب إِنِّي أخرجت آدم من الْجنَّة وَإِن وَلَده هَذَا الضَّعِيف قد غلبني فَقَالُوا: يَا سيدنَا مَا فعلت امْرَأَته فَقَالَ: حَيَّة فَقَالَ: أما هِيَ فقد كفيك أمرهَا فَقَالَ لَهُ: فَإِن أطلقتها فقد أصبت وَإِلَّا [] فأعطه فجَاء إِلَيْهَا فاستبرأها فَأَتَت أَيُّوب فَقَالَت لَهُ: يَا أَيُّوب إِلَى مَتى هَذَا الْبلَاء كلمة وَاحِدَة ثمَّ اسْتغْفر رَبك فَيغْفر لَك فَقَالَ لَهَا: فعلتها أَنْت أَيْضا
ثمَّ قَالَ لَهَا أما وَالله لَئِن الله تَعَالَى عافاني لأجلدنك مائَة جلدَة فَقَالَ {ربه أَنِّي مسني الشَّيْطَان بِنصب وَعَذَاب} قأتاه جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ {اركض برجلك هَذَا مغتسل بَارِد وشراب} فَرجع إِلَيْهِ حسنه وشبابه ثمَّ جلس على تل من التُّرَاب فَجَاءَتْهُ امْرَأَته بطعامه فَلم تَرَ لَهُ أثرا فَقَالَت لأيوب عَلَيْهِ السَّلَام وَهُوَ على التل: يَا عبد الله هَل رَأَيْت مبتلي كَانَ هَهُنَا فَقَالَ لَهَا: إِن رَأَيْتِيه تعرفينه فَقَالَت لَهُ لَعَلَّك أَنْت هُوَ قَالَ: نعم
فَأوحى الله إِلَيْهِ أَن {وَخذ بِيَدِك ضغثاً فَاضْرب بِهِ وَلَا تَحنث} قَالَ: والضغث أَن يَأْخُذ الحزمة من السِّيَاط فَيضْرب بهَا الضَّرْبَة الْوَاحِدَة
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن عبد الرَّحْمَن بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ قَالَ: ابتلى أَيُّوب عَلَيْهِ السَّلَام بِمَالِه وَولده وَجَسَده وَطرح فِي المزبلة فَجعلت امْرَأَته تخرج فتكتسب عَلَيْهِ مَا تطعمه فحسده الشَّيْطَان بذلك فَكَانَ يَأْتِي أَصْحَاب الْخَيْر والغنى الَّذين كَانُوا يتصدقون عَلَيْهَا فَيَقُول: اطردوا هَذِه الْمَرْأَة الَّتِي تغشاكم فَإِنَّهَا تعالج صَاحبهَا وتلمسه بِيَدِهَا فَالنَّاس يتقذرون طَعَامكُمْ من أجلهَا انها تَأْتيكُمْ وتغشاكم(7/194)
فَجعلُوا لَا يدنونها مِنْهُم وَيَقُولُونَ: تباعدي عَنَّا وَنحن نُطْعِمك وَلَا تقربينا فَأخْبرت بذلك أَيُّوب عَلَيْهِ السَّلَام فَحَمدَ الله تَعَالَى على ذَلِك وَكَانَ يلقاها إِذا خرجت كالمتحزن بِمَا لَقِي أَيُّوب فَيَقُول: لج صَاحبك وأبى إِلَّا مَا أَبى الله وَلَو تكلم بِكَلِمَة وَاحِدَة تكشف عَنهُ كل ضرّ ولرجع إِلَيْهِ مَاله وَولده
فتجيء فتخبر أَيُّوب فَيَقُول لَهَا: لقيك عدوّ الله فلقنك هَذَا الْكَلَام لَئِن أقامني الله من مرضِي لأجلدنك مائَة
فَلذَلِك قَالَ الله تَعَالَى {وَخذ بِيَدِك ضغثاً فَاضْرب بِهِ وَلَا تَحنث} يَعْنِي بالضغث القبضة من الكبائس
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {وَخذ بِيَدِك ضغثاً} قَالَ: الضغث القبضة من المرعى الطّيب
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {وَخذ بِيَدِك ضغثاً} قَالَ: حزمة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَخذ بِيَدِك ضغثا} قَالَ: عود فِيهِ تِسْعَة وَتسْعُونَ عوداً وَالْأَصْل تَمام الْمِائَة
وَذَلِكَ أَن امْرَأَته قَالَ لَهَا الشَّيْطَان: قولي لزوجك يَقُول كَذَا وَكَذَا
فَقَالَت لَهُ
فَحلف أَن يضْربهَا مائَة فضربها تِلْكَ الضَّرْبَة فَكَانَت تَحِلَّة ليمينه وتخفيفا عَن امْرَأَته
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن سعيد بن الْمسيب رَضِي الله عَنهُ أَنه بلغه أَن أَيُّوب عَلَيْهِ السَّلَام حلف ليضربن امْرَأَته مائَة فِي أَن جَاءَتْهُ فِي زِيَادَة على مَا كَانَت تَأتي بِهِ من الْخبز الَّذِي كَانَت تعْمل عَلَيْهِ وخشي أَن تكون قارفت من الْخِيَانَة فَلَمَّا رَحمَه الله وكشف عَنهُ الضّر علم بَرَاءَة امْرَأَته مِمَّا اتهمها بِهِ فَقَالَ الله عز وَجل {وَخذ بِيَدِك ضغثاً فَاضْرب بِهِ وَلَا تَحنث} فَأخذ ضغثاً من ثمام وَهُوَ مائَة عود فَضرب بِهِ كَمَا أمره الله تَعَالَى
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر من طَرِيق ابْن أبي نجيح عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَخذ بِيَدِك ضغثا} قَالَ: هِيَ لأيوب عَلَيْهِ السَّلَام خَاصَّة وَقَالَ عَطاء: هِيَ للنَّاس عَامَّة
وَأخرج عبد بن حميد عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ {وَخذ بِيَدِك ضغثاً} قَالَ:(7/195)
جمَاعَة من الشّجر وَكَانَت لأيوب عَلَيْهِ السَّلَام خَاصَّة وَهِي لنا عَامَّة
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وَخذ بِيَدِك ضغثا}
وَذَلِكَ أَنه أمره أَن يَأْخُذ ضغثاً فِيهِ مائَة طاق من عيدَان القت فَيضْرب بِهِ امْرَأَته للْيَمِين الَّتِي كَانَ يحلف عَلَيْهَا قَالَ: وَلَا يجوز ذَلِك لأحد بعد أَيُّوب إِلَّا الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَسَعِيد بن مَنْصُور وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن أبي أُمَامَة بن سهل بن حنيف قَالَ: حملت وليدة فِي بني سَاعِدَة من زنا فَقيل لَهَا: مِمَّن حملك قَالَت: من فلَان المقعد فَسَأَلَ المقعد فَقَالَ صدقت فَرفع ذَلِك إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: خُذُوا لَهُ عثكولاً فِيهِ مائَة شِمْرَاخ فَاضْرِبُوهُ بِهِ ضَرْبَة وَاحِدَة فَفَعَلُوا
وَأخرج أَحْمد وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن عَسَاكِر من طَرِيق أبي أُمَامَة بن سهل بن حنيف عَن سعد بن عبَادَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ فِي أَبْيَاتنَا إِنْسَان ضَعِيف مجدع فَلم يرع أهل الدَّار إِلَّا وَهُوَ على أمة من إِمَاء أهل الدَّار يعبث بهَا وَكَانَ مُسلما فَرفع سعد رَضِي الله عَنهُ شَأْنه إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: اضْرِبُوهُ حَده فَقَالُوا يَا رَسُول الله: إِنَّه أَضْعَف من ذَلِك ان ضَرَبْنَاهُ مائَة قَتَلْنَاهُ قَالَ: فَخُذُوا لَهُ عثْكَالًا فِيهِ مائَة شِمْرَاخ فَاضْرِبُوهُ ضَرْبَة وَاحِدَة وخلوا سَبيله)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن عَن ثَوْبَان رَضِي الله عَنهُ
أَن رجلا أصَاب فَاحِشَة على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ مَرِيض على شفا موت فَأخْبر أَهله بِمَا صنع فَأمر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بقنو فِيهِ مائَة شِمْرَاخ فَضَربهُ ضَرْبَة وَاحِدَة
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن سهل بن سعد أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَتَى بشيخ قد ظَهرت عروقه قد زنى بِامْرَأَة فَضَربهُ بضغث فِيهِ مائَة شِمْرَاخ ضَرْبَة وَاحِدَة
أما قَوْله تَعَالَى: {إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نعم العَبْد}
أخرج ابْن عَسَاكِر عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أَيُّوب عَلَيْهِ السَّلَام رَأس الصابرين يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن سعيد بن العَاصِي رَضِي الله عَنهُ قَالَ: نُودي أَيُّوب عَلَيْهِ السَّلَام يَا أَيُّوب لَوْلَا أفرغت مَكَان كل شَعْرَة مِنْك صبرا مَا صبرت(7/196)
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن لَيْث بن أبي سُلَيْمَان رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قيل لأيوب عَلَيْهِ السَّلَام لَا تعجب بصبرك فلولا أَنِّي أَعْطَيْت مَوضِع كل شَعْرَة مِنْك صبرا مَا صبرت
وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَن امْرَأَة أَيُّوب قَالَت: يَا أَيُّوب إِنَّك رجل مجاب الدعْوَة فَادع الله أَن يشفيك فَقَالَ: وَيحك
كُنَّا فِي النعماء سبعين عَاما فدعينا نَكُون فِي الْبلَاء سبع سِنِين
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن وهب بن مُنَبّه رَضِي الله عَنهُ قَالَ: زَوْجَة أَيُّوب عَلَيْهِ السَّلَام رَحْمَة رَضِي الله عَنْهَا بنت مِيشَا بن يُوسُف بن يَعْقُوب بن إِسْحَق بن إِبْرَاهِيم عَلَيْهِم السَّلَام
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد فِي الزّهْد عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ أَيُّوب عَلَيْهِ السَّلَام كلما أَصَابَهُ مُصِيبَة قَالَ: اللَّهُمَّ أَنْت أخذت وَأَنت أَعْطَيْت مهما تبقى نَفسك أحمدك على حسن بلائك
الْآيَات 45 - 48(7/197)
وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ (45) إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ (46) وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ (47) وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِنَ الْأَخْيَارِ (48)
أخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَنه كَانَ يقْرَأ {وَاذْكُر عبادنَا إِبْرَاهِيم} وَيَقُول: إِنَّمَا ذكر إِبْرَاهِيم ثمَّ ذكر بعده وَلَده
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم رَضِي الله عَنهُ أَنه قَرَأَ {وَاذْكُر عبادنَا} على الْجمع إِبْرَاهِيم وَإِسْحَق وَيَعْقُوب
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {أولي الْأَيْدِي} قَالَ: الْقُوَّة فِي الْعِبَادَة {والأبصار} قَالَ: الْبَصَر فِي أَمر الله
وَأخرج عبد بن حميد عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ {أولي الْأَيْدِي والأبصار}(7/197)
قَالَ: أما الْيَد فَهُوَ الْقُوَّة فِي الْعَمَل وَأما الْأَبْصَار فالبصر مَا هم فِيهِ من أَمر دينهم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {أولي الْأَيْدِي} قَالَ: الْقُوَّة فِي أَمر الله {والأبصار} قَالَ: الْعقل
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {أولي الْأَيْدِي والأبصار} قَالَ: أولي الْقُوَّة فِي الْعِبَادَة ونصراً فِي الدّين
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {إِنَّا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدَّار} قَالَ: اخلصوا بذلك وبذكرهم دَار يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {إِنَّا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدَّار} قَالَ: بِذكر الْآخِرَة وَلَيْسَ لَهُم هم وَلَا ذكر غَيرهَا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ {إِنَّا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدَّار} قَالَ: لهَذِهِ أخلصهم الله تَعَالَى كَانُوا يدعونَ إِلَى الْآخِرَة وَإِلَى الله تَعَالَى
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن {إِنَّا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدَّار} قَالَ: بِفضل أهل الْجنَّة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن سعيد بن جُبَير {ذكرى الدَّار} قَالَ: عُقبى الدَّار
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ وَالْيَسع خَفِيفَة
وَعَن الْأَعْمَش أَنه قَرَأَ اليسع مُشَدّدَة
الْآيَات 49 - 61(7/198)
هَذَا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ (49) جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوَابُ (50) مُتَّكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ (51) وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ (52) هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسَابِ (53) إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ (54) هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ (55) جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمِهَادُ (56) هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ (57) وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ (58) هَذَا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ لَا مَرْحَبًا بِهِمْ إِنَّهُمْ صَالُو النَّارِ (59) قَالُوا بَلْ أَنْتُمْ لَا مَرْحَبًا بِكُمْ أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا فَبِئْسَ الْقَرَارُ (60) قَالُوا رَبَّنَا مَنْ قَدَّمَ لَنَا هَذَا فَزِدْهُ عَذَابًا ضِعْفًا فِي النَّارِ (61)
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن الْحسن فِي قَوْله {جنَّات عدن مفتحة لَهُم الْأَبْوَاب} قَالَ: يرى ظَاهرهَا من بَاطِنهَا وباطنها من ظَاهرهَا
يُقَال لَهَا انفتحي وانغلقي تكلمي فتفهم وتتكلم
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر عَن مُحَمَّد بن كَعْب فِي قَوْله {وَعِنْدهم قاصرات الطّرف أتراب} قَالَ: قصرن طرفهن على أَزوَاجهنَّ فَلَا يردن غَيْرهنَّ {أتراب} قَالَ: سنّ وَاحِد
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث والنشور عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {أتراب} قَالَ: أَمْثَال
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {إِن هَذَا لرزقنا مَا لَهُ من نفاد} أَي من انْقِطَاع {هَذَا فليذوقوه حميم وغساق} قَالَ: كُنَّا نُحدث أَن الغساق مَا يسيل من بَين جلده ولحمه {وَآخر من شكله أَزوَاج} قَالَ: من نَحوه أَزوَاج من الْعَذَاب
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وهناد وَعبد بن حميد عَن أبي رزين قَالَ: الغساق مَا يسيل من صديدهم
وَأخرج هناد عَن عَطِيَّة فِي قَوْله {وغساق} قَالَ: الَّذِي يسيل من جُلُودهمْ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وغساق} قَالَ: الزَّمْهَرِير {وَآخر من شكله} قَالَ: نَحوه {أَزوَاج} قَالَ: ألوان من الْعَذَاب
وَأخرج هناد بن السّري فِي الزّهْد وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد قَالَ: الغساق الَّذِي لَا يَسْتَطِيعُونَ أَن يذوقوه من شدَّة برده
وَأخرج ابْن جرير عَن عبد الله بن بُرَيْدَة قَالَ: الغساق المنتن وَهُوَ بالطخاوية
وَأخرج أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن(7/199)
مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث والنشور عَن أبي سعيد قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَو أَن دلو من غساق يُهْرَاقُ فِي الدُّنْيَا لأنتن أهل الدُّنْيَا
وَأخرج ابْن جرير عَن كَعْب قَالَ {وغساق} عين فِي جَهَنَّم يسيل إِلَيْهَا حمة كل ذَات حمة من حَيَّة أَو عقرب أَو غَيرهَا فليستنقع
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالْفِرْيَابِي وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن مَسْعُود فِي قَوْله {وَآخر من شكله أَزوَاج} قَالَ: الزَّمْهَرِير
وَأخرج عبد بن حميد عَن مرّة قَالَ: ذكرُوا الزَّمْهَرِير فَقَالَ عبد الله {وَآخر من شكله أَزوَاج} فَقَالُوا لعبد الله: إِن للزمهرير بردا فَقَرَأَ هَذِه الْآيَة (لَا يذوقون فِيهَا بردا وَلَا شرابًا إِلَّا حميماً وغساقاً) (النبأ 24 - 25)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن الْحسن فِي قَوْله {وَآخر من شكله أَزوَاج} قَالَ: ألوان من الْعَذَاب
وَأخرج ابْن جرير عَن الْحسن قَالَ: ذكر الله الْعَذَاب فَذكر السلَاسِل والأغلال وَمَا يكون فِي الدُّنْيَا ثمَّ قَالَ {وَآخر من شكله أَزوَاج} قَالَ: آخر لم ير فِي الدُّنْيَا
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد أَنه قَرَأَ وَآخر من شكله بِرَفْع الْألف وَنصب الْخَاء
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ وَآخر من شكله ممدودة مَنْصُوبَة الْألف
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله {هَذَا فَوْج مقتحم مَعكُمْ} إِلَى قَوْله {فبئس الْقَرار} قَالَ: هَؤُلَاءِ الأتباع يَقُولُونَهُ للرؤوس
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ عَن ابْن مَسْعُود فِي قَوْله {فزده عذَابا ضعفا فِي النَّار} قَالَ: أفاعي وحيات
الْآيَات 62 - 64(7/200)
وَقَالُوا مَا لَنَا لَا نَرَى رِجَالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرَارِ (62) أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصَارُ (63) إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ (64)
أخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن عَسَاكِر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَقَالُوا مَا لنا لَا نرى رجَالًا كُنَّا نعدهم من الأشرار} قَالَ: ذَلِك قَول أبي جهل بن هِشَام فِي النَّار: مَا لي لَا أرى بِلَالًا وَعمَّارًا وصهيباً وخباب وَفُلَانًا
{أتخذناهم سخرياً} وَلَيْسوا كَذَلِك {أم زاغت عَنْهُم الْأَبْصَار} أم هم فِي النَّار وَلَا نراهم
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {مَا لنا لَا نرى رجَالًا كُنَّا نعدهم من الأشرار} قَالَ: عبد الله بن مَسْعُود وَمن مَعَه
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن شمر بن عَطِيَّة {وَقَالُوا مَا لنا لَا نرى رجَالًا} قَالَ أَبُو جهل فِي النَّار: أَيْن خباب أَيْن صُهَيْب أَيْن بِلَال أَيْن عمار
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة {وَقَالُوا مَا لنا لَا نرى رجَالًا كُنَّا نعدهم من الأشرار} قَالَ: فقدوا أهل الْجنَّة {أتخذناهم سخرياً أم زاغت عَنْهُم الْأَبْصَار} قَالَ: أم هم مَعنا فِي النَّار وَلَا نراهم {زاغت} أبصارنا عَنْهُم فَلم ترهم حِين أدخلُوا النَّار
الْآيَات 65 - 66(7/201)
قُلْ إِنَّمَا أَنَا مُنْذِرٌ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (65) رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ (66)
أخرج النَّسَائِيّ وَمُحَمّد بن نصر وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا قَامَ من اللَّيْل قَالَ: لَا إِلَه إِلَّا الله الْوَاحِد القهار رب السَّمَوَات وَالْأَرْض وَمَا بَينهمَا الْعَزِيز الْغفار
من آيَة 67 - 70(7/201)
قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ (67) أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ (68) مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلَى إِذْ يَخْتَصِمُونَ (69) إِنْ يُوحَى إِلَيَّ إِلَّا أَنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (70)
أخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو نصر السجْزِي فِي(7/201)
الإِبانة عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {قل هُوَ نبأ عَظِيم} قَالَ: الْقُرْآن
وَأخرج عبد بن حميد فِي الابانة وَمُحَمّد بن نصر فِي كتاب الصَّلَاة وَابْن جرير عَن قَتَادَة {قل هُوَ نبأ عَظِيم} قَالَ: إِنَّكُم تراجعون نبأ عَظِيما فأعقلوه عَن الله {مَا كَانَ لي من علم بالملإِ الْأَعْلَى إِذْ يختصمون} قَالَ: هم الْمَلَائِكَة عَلَيْهِم السَّلَام كَانَت خصومتهم فِي شَأْن آدم عَلَيْهِ السَّلَام (إِذْ قَالَ رَبك للْمَلَائكَة إِنِّي جَاعل فِي الأَرْض خَليفَة قَالُوا أَتجْعَلُ فِيهَا من يفْسد فِيهَا ويسفك المَاء) إِلَى قَوْله (إِنِّي خَالق بشرا من طين فَإِذا سوّيته ونفخت فِيهِ من روحي فقعوا لَهُ ساجدين) (الْبَقَرَة 30) فَفِي هَذَا اخْتصم الْمَلأ الْأَعْلَى
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {مَا كَانَ لي من علم بالملإِ الْأَعْلَى} قَالَ: الْمَلَائِكَة حِين شووروا فِي خلق آدم عَلَيْهِ السَّلَام فاختصموا فِيهِ: قَالُوا أَتجْعَلُ فِي الأَرْض خَليفَة
وَأخرج مُحَمَّد بن نصر فِي كتاب الصَّلَاة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {مَا كَانَ لي من علم بالملإِ الْأَعْلَى إِذْ يختصمون} قَالَ: هِيَ الْخُصُومَة فِي شَأْن آدم {أَتجْعَلُ فِيهَا من يفْسد فِيهَا}
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: هَل تَدْرُونَ فيمَ يخْتَصم الملاء الْأَعْلَى قَالُوا: الله وَرَسُوله أعلم قَالَ: يختصمون فِي الْكَفَّارَات الثَّلَاث
اسباغ الْوضُوء فِي المكروهات وَالْمَشْي على الْأَقْدَام إِلَى الْجَمَاعَات وانتظار الصَّلَاة بعد الصَّلَاة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَأحمد وَعبد بن حميد وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه وَمُحَمّد بن نصر رَضِي الله عَنهُ فِي كتاب الصَّلَاة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَتَانِي رَبِّي اللَّيْلَة فِي أحسن صُورَة أَحْسبهُ قَالَ فِي الْمَنَام قَالَ: يَا مُحَمَّد هَل تَدْرِي فيمَ يخْتَصم الْمَلأ الْأَعْلَى قلت لَا
فَوضع يَده بَين كَتِفي حَتَّى وجدت بردهَا بَين ثديي أَو فِي نحري فَعلمت مَا فِي السَّمَوَات وَمَا فِي الأَرْض ثمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّد هَل تَدْرِي فيمَ يخْتَصم الملاء الْأَعْلَى قلت: نعم
فِي الْكَفَّارَات والمكث فِي الْمَسْجِد بعد الصَّلَوَات وَالْمَشْي على الْأَقْدَام إِلَى الْجَمَاعَات واسباغ الْوضُوء فِي المكاره وَمن فعل ذَلِك عَاشَ بِخَير وَكَانَ من خطيئته كَيَوْم وَلدته أمه وَقل يَا مُحَمَّد إِذا صليت: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك فعل(7/202)
الْخيرَات وَترك الْمُنْكَرَات وَحب الْمَسَاكِين وَإِذا أردْت بعبادك فتْنَة فاقبضني إِلَيْك غير مفتون
قَالَ: والدرجات
افشاء السَّلَام واطعام الطَّعَام وَالصَّلَاة بِاللَّيْلِ وَالنَّاس نيام
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَمُحَمّد بن نصر وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن معَاذ بن جبل رَضِي الله عَنهُ قَالَ: احْتبسَ عَنَّا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَات غَدَاة من صَلَاة الصُّبْح حَتَّى كدنا نتراءى عين الشَّمْس فَخرج سَرِيعا فثوّب بِالصَّلَاةِ فصلى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا سلم دَعَا بِسَوْطِهِ فَقَالَ: على مَصَافكُمْ كَمَا أَنْتُم
ثمَّ انْفَتَلَ إِلَيْنَا ثمَّ قَالَ: أما أَنِّي أحدثكُم مَا حَبَسَنِي عَنْكُم الْغَدَاة
إِنِّي قُمْت اللَّيْلَة فَقُمْت وَصليت مَا قدر لي ونعست فِي صَلَاتي حَتَّى استثقلت فَإِذا أَنا بربي تبَارك وَتَعَالَى فِي أحسن صُورَة فَقَالَ: يَا مُحَمَّد قلت لبيْك رَبِّي قَالَ: فيمَ يخْتَصم الملاء الْأَعْلَى قلت: لَا أَدْرِي
فَوضع كَفه بَين كَتِفي فَوجدت برد أنامله بَين ثديي فتجلى لي كل شَيْء وعرفته فَقَالَ: يَا مُحَمَّد قلت لبيْك رب قَالَ: فيمَ يخْتَصم الْمَلأ الْأَعْلَى قلت: فِي الدَّرَجَات وَالْكَفَّارَات فَقَالَ: مَا الدَّرَجَات فَقلت: اطعام الطَّعَام وإفشاء السَّلَام وَالصَّلَاة بِاللَّيْلِ وَالنَّاس نيام
قَالَ: صدقت فَمَا الْكَفَّارَات قلت: اسباغ الْوضُوء فِي المكاره وانتظار الصَّلَاة بعد الصَّلَاة وَنقل الاقدام إِلَى الْجَمَاعَات
قَالَ: صدقت قل يَا مُحَمَّد: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك فعل الْخيرَات وَترك الْمُنْكَرَات وَحب الْمَسَاكِين وَإِن تغْفر لي وترحمني وَإِذا أردْت بعبادك فتْنَة فاقبضني إِلَيْك غير مفتون
اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك حبك وَحب من أحبك وَحب عمل يقربنِي إِلَى حبك
قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: تُعَلِّمُوهُنَّ وادرسوهن فانهن حق
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي السّنة وَابْن مرْدَوَيْه عَن جَابر بن سَمُرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن الله تجلى لي فِي أحسن صُورَة فَسَأَلَنِي فيمَ يخْتَصم الْمَلَائِكَة قلت: يَا رب مَا لي بِهِ علم
فَوضع يَده بَين كَتِفي حَتَّى وجدت بردهَا بَين ثديي فَمَا سَأَلَني عَن شَيْء إِلَّا عَلمته قلت: فِي الدَّرَجَات وَالْكَفَّارَات واطعام الطَّعَام وافشاء السَّلَام وَالصَّلَاة بِاللَّيْلِ وَالنَّاس نيام)
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي السّنة وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: رَأَيْت رَبِّي فِي أحسن صُورَة قَالَ: يَا مُحَمَّد فَقلت لبيْك رَبِّي(7/203)
وسعيدك ثَلَاث مَرَّات
قَالَ: هَل تَدْرِي فيمَ يخْتَصم الْمَلأ الْأَعْلَى قلت: لَا
فَوضع يَده بَين كَتِفي فَوجدت بردهَا بَين ثديي ففهمت الَّذِي سَأَلَني عَنهُ فَقلت: نعم يَا رب
يختصمون فِي الدَّرَجَات وَالْكَفَّارَات
قلت: الدَّرَجَات: اسباغ الْوضُوء بالسبرات وَالْمَشْي على الْأَقْدَام إِلَى الْجَمَاعَات وانتظار الصَّلَاة بعد الصَّلَاة وَالْكَفَّارَات: اطعام الطَّعَام وافشاء السَّلَام وَالصَّلَاة بِاللَّيْلِ وَالنَّاس نيام
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي السّنة والشيرازي فِي الألقاب وَابْن مرْدَوَيْه عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أَصْبَحْنَا يَوْمًا فَأَتَانَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأخْبرنَا فَقَالَ: أَتَانِي رَبِّي البارحة فِي مَنَامِي فِي أحسن صُورَة فَوضع يَده بَين ثدي وَبَين كَتِفي فَوجدت بردهَا بَين ثديي فعلمني كل شَيْء قَالَ: يَا مُحَمَّد قلت: لبيْك رب وَسَعْديك قَالَ: هَل تَدْرِي فيمَ يخْتَصم الْمَلأ الْأَعْلَى قلت: نعم يَا رب فِي الْكَفَّارَات والدرجات قَالَ: فَمَا الْكَفَّارَات قلت: افشاء السَّلَام وإطعام الكعام وَالصَّلَاة وَالنَّاس نيام
قَالَ: فَمَا الدَّرَجَات قلت: اسباغ الْوضُوء فِي المكروهات وَالْمَشْي على الْأَقْدَام إِلَى الْجَمَاعَات وانتظار الصَّلَاة بعد الصَّلَاة
وَأخرج ابْن نصر وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي أُمَامَة رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أَتَانِي رَبِّي فِي أحسن صُورَة فَقَالَ: يَا مُحَمَّد فَقلت: لبيْك وَسَعْديك
قَالَ: فيمَ يخْتَصم الْمَلأ الْأَعْلَى قلت لَا أَدْرِي فَوضع يَده بَين ثديي فَعلمت فِي مَنَامِي ذَلِك مَا سَأَلَني عَنهُ من أَمر الدُّنْيَا وَالْآخِرَة فَقَالَ: فيمَ يخْتَصم الْمَلأ الْأَعْلَى فَقلت فِي الدَّرَجَات وَالْكَفَّارَات فَأَما الدَّرَجَات: فاسباغ الْوضُوء فِي السبرات وانتظار الصَّلَاة بعد الصَّلَاة
قَالَ: صدقت من فعل ذَلِك عَاشَ بِخَير وَمَات بِخَير وَكَانَ من خطيئته كَيَوْم وَلدته أمه
وَأما الْكَفَّارَات: فاطعام الطَّعَام وافشاء السَّلَام وَطيب الْكَلَام وَالصَّلَاة وَالنَّاس نيام
ثمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك فعل الْحَسَنَات وَترك السَّيِّئَات وَحب الْمَسَاكِين ومغفرة وَأَن تتوب عليّ وَإِذا أردْت فِي قوم فتْنَة فنجني غير مفتون
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن طَارق بن شهَاب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: سَأَلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فيمَ يخْتَصم الْمَلأ الْأَعْلَى قَالَ: فِي الدَّرَجَات وَالْكَفَّارَات
فَأَما(7/204)
الدَّرَجَات: فاطعام الطَّعَام وافشاء السَّلَام وَالصَّلَاة بِاللَّيْلِ وَالنَّاس نيام
وَأما الْكَفَّارَات: فاسباغ الْوضُوء فِي السبرات وَنقل الْأَقْدَام إِلَى الْجَمَاعَات وانتظار الصَّلَاة بعد الصَّلَاة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عدي بن حَاتِم رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما سري بِي إِلَى السَّمَاء السَّابِعَة قَالَ: يَا مُحَمَّد فيمَ يخْتَصم الْمَلأ الْأَعْلَى فَذكر الحَدِيث
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي السّنة والخطيب عَن أبي عُبَيْدَة بن الْجراح رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لما كَانَ لَيْلَة أسرِي بِي رَأَيْت رَبِّي عز وَجل فِي أحسن صُورَة فَقَالَ: يَا مُحَمَّد فيمَ يخْتَصم الْمَلأ الْأَعْلَى قلت: فِي الْكَفَّارَات والدرجات
قَالَ: وَمَا الْكَفَّارَات قلت: اسباغ الْوضُوء فِي السبرات وَنقل الْأَقْدَام إِلَى الْجَمَاعَات وانتظار الصَّلَاة بعد الصَّلَاة قَالَ: فَمَا الدَّرَجَات قلت: اطعام الطَّعَام وإفشاء السَّلَام وَالصَّلَاة بِاللَّيْلِ وَالنَّاس نيام
ثمَّ قَالَ: قل
قلت: فَمَا أَقُول قَالَ: قل اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك عملا بِالْحَسَنَاتِ وَترك الْمُنْكَرَات وَإِذا أردْت بِقوم فتْنَة وَأَنا فيهم فاقبضني إِلَيْك غير مفتون
وَأخرج مُحَمَّد بن نصر فِي كتاب الصَّلَاة وَالطَّبَرَانِيّ فِي السّنة عَن عبد الرَّحْمَن بن عَابس الْحَضْرَمِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: صلى بِنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَات غَدَاة فَقَالَ لَهُ قَائِل: مَا رَأَيْنَاك أَسْفر وَجها مِنْك الْغَدَاة قَالَ: وَمَا لي لَا أكون كَذَلِك وَقد رَأَيْت رَبِّي عز وَجل فِي أحسن صُورَة فَقَالَ: فيمَ يخْتَصم الْمَلأ الْأَعْلَى يَا مُحَمَّد فَقلت: فِي الْكَفَّارَات
قَالَ: وَمَا هن قلت: الْمَشْي على الاقدام إِلَى الْجَمَاعَات وَالْجُلُوس فِي الْمَسَاجِد لانتظار الصَّلَوَات وَوضع الْوضُوء أماكنه فِي الْمَكَان قَالَ: وفيم قلت: فِي الدَّرَجَات
قَالَ: وَمَا هن قَالَ: اطعام الطَّعَام وافشاء السَّلَام وَالصَّلَاة بِاللَّيْلِ وَالنَّاس نيام
ثمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّد قل اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك الطَّيِّبَات وَترك الْمُنْكَرَات وَحب الْمَسَاكِين فو الَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ إنَّهُنَّ حق
وَأخرج ابْن نصر وَالطَّبَرَانِيّ فِي السّنة عَن ثَوْبَان رَضِي الله عَنهُ قَالَ خرج إِلَيْنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعد صَلَاة الصُّبْح فَقَالَ: إِن رَبِّي عز وَجل أَتَانِي اللَّيْلَة فِي أحسن صُورَة فَقَالَ لي: يَا مُحَمَّد هَل تَدْرِي فيمَ يخْتَصم الْمَلأ الْأَعْلَى فَقلت: لَا أعلم يَا رب(7/205)
قَالَ فَوضع كفيه بَين كَتِفي حَتَّى وجدت أنامله فِي صَدْرِي فتجلى لي بَين السَّمَاء وَالْأَرْض قلت: نعم يَا رب يختصمون فِي الْكَفَّارَات والدرجات قَالَ: فَمَا الدَّرَجَات قلت: اطعام الطَّعَام وافشاء السَّلَام وَقيام اللَّيْل وَالنَّاس نيام
وَأما الْكَفَّارَات: فمشي على الْأَقْدَام إِلَى الْجَمَاعَات واسباغ الْوضُوء فِي الكراهيات وجلوس فِي الْمَسَاجِد خلف الصَّلَوَات
ثمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّد قل يسمع وسل تعطه وَاشْفَعْ تشفع قلت: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك فعل الْخيرَات وَترك الْمُنْكَرَات وَحب الْمَسَاكِين وَإِن تغْفر لي وترحمني وَإِذا أردْت فِي قوم فتْنَة فتوفني إِلَيْك وَأَنا غير مفتون
اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك حبك وَحب من أحبك وَحب عمل يبلغنِي إِلَى حبك
الْآيَات 71 - 74(7/206)
إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ (71) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (72) فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (73) إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (74)
أخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {مَا كَانَ لي من علم بالملإِ الْأَعْلَى إِذْ يختصمون} {إِذْ قَالَ رَبك للْمَلَائكَة} قَالَ: هَذِه الْخُصُومَة
من آيَة 75 - 83(7/206)
قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ (75) قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (76) قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (77) وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ (78) قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (79) قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (80) إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (81) قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (83)
أخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي صفة الْجنَّة وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن عبد الله بن الْحَارِث رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: خلق الله ثَلَاثَة أَشْيَاء بِيَدِهِ
خلق آدم بِيَدِهِ وَكتب التَّوْرَاة بِيَدِهِ وغرس الفردوس بِيَدِهِ
ثمَّ قَالَ: وَعِزَّتِي لَا يسكنهَا مدمن خمر وَلَا ديوث
قَالُوا: يَا رَسُول الله قد عرفنَا مدمن الْخمر فَمَا الديوث قَالَ: الَّذِي يُشِير لأَهله السوء
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: خلق الله أَرْبعا بِيَدِهِ
الْعَرْش وجنات عدن والقلم وآدَم
ثمَّ قَالَ لكل شَيْء كن فَكَانَ
واحتجب من خلقه بأَرْبعَة
بِنَار وظلمة وَنور []
وَأخرج هناد عَن ميسرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: خلق الله أَرْبَعَة بِيَدِهِ
خلق آدم بِيَدِهِ وَكتب التَّوْرَاة بِيَدِهِ وغرس جنَّة عدن بِيَدِهِ وَخلق الْقَلَم بِيَدِهِ
وَأخرج هناد عَن إِبْرَاهِيم رَضِي الله عَنهُ
مثله
وَأخرج عبد بن حميد عَن كَعْب قَالَ: إِن الله لم يخلق بِيَدِهِ إِلَّا ثَلَاثَة أَشْيَاء
خلق آدم بِيَدِهِ وَكتب التَّوْرَاة بِيَدِهِ وغرس جنَّة عدن بِيَدِهِ
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة قَالَ: الرَّجِيم اللعين
قَوْله {إِلَّا عِبَادك مِنْهُم المخلصين} قَالَ: المخلصين بِالنّصب
فَقلت كل شَيْء فِي الْقُرْآن هَكَذَا نقرأوها قَالَ: نعم
الْآيَات 84 - 85(7/207)
قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ (84) لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ (85)
أخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {فَالْحق وَالْحق أَقُول} قَالَ: أَنا الْحق أَقُول الْحق
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم رَضِي الله عَنهُ قَالَ {فَالْحق} رفع {وَالْحق} نصب {أَقُول} رفع
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ أَنه قَرَأَهَا فَالْحق بِالرَّفْع وَالْحق(7/207)
أَقُول نصبا قَالَ: يَقُول الله أَنا الْحق وَالْحق أَقُول
الْآيَات 86 - 87(7/208)
قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ (86) إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (87)
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي الْآيَة قَالَ: قل يَا مُحَمَّد {مَا أَسأَلكُم} على مَا أدعوكم إِلَيْهِ من أجر عرض من الدُّنْيَا
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه عَن مَسْرُوق رَضِي الله عَنهُ قَالَ: بَيْنَمَا رجل يحدث فِي الْمَسْجِد فَقَالَ فِيمَا يَقُول (يَوْم تَأتي السَّمَاء بِدُخَان) يكون يَوْم الْقِيَامَة يَأْخُذ بأسماع الْمُنَافِقين وأبصارهم وَيَأْخُذ الْمُؤمنِينَ مِنْهُ كَهَيئَةِ الزُّكَام قَالَ: فقمنا حَتَّى دَخَلنَا على عبد الله رَضِي الله عَنهُ وَهُوَ فِي بَيته فاخبرناه وَكَانَ مُتكئا فَاسْتَوَى قَاعِدا فَقَالَ: أَيهَا النَّاس من علم مِنْكُم علما فَلْيقل بِهِ وَمن لم يعلم فَلْيقل الله أعلم
قَالَ الله لرَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {قل مَا أَسأَلكُم عَلَيْهِ من أجر وَمَا أَنا من المتكلفين}
وَأخرج الديلمي وَابْن عَسَاكِر عَن الزبير رَضِي الله عَنهُ
أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِنِّي لَا أَلِي من التَّكَلُّف وصالحوا أمتِي
وَأخرج أَحْمد وَابْن عدي وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الْإِيمَان عَن شَقِيق رَضِي الله عَنهُ قَالَ: دخلت أَنا وَصَاحب لي على سلمَان رَضِي الله عَنهُ فَقرب إِلَيْنَا خبْزًا وملحاً فَقَالَ: لَوْلَا أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَهَانَا عَن التكلفت لتكلف لكم فَقَالَ صَاحِبي لَو كَانَ فِي ملحتنا صعتر فَبعث مطهرته فرهنها فجَاء الصعتر فَلَمَّا أكلنَا قَالَ صَاحِبي: الْحَمد لله الَّذِي قنعنا بِمَا رزقنا
فَقَالَ سلمَان رَضِي الله عَنهُ: لَو قنعت مَا كَانَت مطهرتي مَرْهُونَة عِنْد الْبَقَّال
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ عَن سلمَان رَضِي الله عَنهُ قَالَ: نَهَانَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن نتكلف للضيف
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن سلمَان رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أمرنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن لَا نتكلف للضيف مَا لَيْسَ عندنَا وَأَن نقدم مَا حضر(7/208)
وَأخرج ابْن عدي عَن أبي بَرزَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَلا أنبئكم بِأَهْل الْجنَّة قُلْنَا بلَى يَا رَسُول الله قَالَ: الرُّحَمَاء بَينهم
أَلا أنبئكم بِأَهْل النَّار قُلْنَا بلَى
قَالَ: هم الآيسون والقانطون والكذابون والمتكلفون
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن الْمُنْذر قَالَ: آيَة الْمُتَكَلف ثَلَاث
تكلّف فِيمَا لَا يعلم وينازل من فَوْقه وَيتَعَاطَى مَا لَا ينَال
وَأخرج ابْن سعد عَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: من علم علما فليعلمه وَلَا يَقُولَن مَا لَيْسَ لَهُ بِهِ علم فَيكون من المتكلفين ويمرق من الدّين
الْآيَة 88(7/209)
وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ (88)
أخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {ولتعلمن نبأه بعد حِين} قَالَ: بعد الْمَوْت وَقَالَ الْحسن رَضِي الله عَنهُ: يَا ابْن آدم عِنْد الْمَوْت يَأْتِيك الْخَبَر الْيَقِين
وَأخرج ابْن جرير عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {ولتعلمن نبأه بعد حِين} قَالَ بَعضهم: يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن زيد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {ولتعلمن نبأه} قَالَ: صدق هَذَا الحَدِيث نبأ مَا كذبُوا بِهِ بعد حِين من الدُّنْيَا وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة وَقَرَأَ (لكل نبأ مُسْتَقر) (الْأَنْعَام الْآيَة 67) قَالَ: وَهُوَ الْآخِرَة يسْتَقرّ فِيهَا الْحق وَيبْطل فِيهَا الْبَاطِل(7/209)
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم (39)
سُورَة الزمر
مَكِّيَّة وآياتها خمس وَسَبْعُونَ
مُقَدّمَة سُورَة الزمر أخرج ابْن الضريس وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: أنزلت سُورَة الزمر بِمَكَّة
وَأخرج النّحاس فِي تَارِيخه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: نزلت بِمَكَّة سُورَة الزمر سوى ثَلَاث آيَات نزلت بِالْمَدِينَةِ فِي وَحشِي قَاتل حَمْزَة (قل يَا عبَادي الَّذين أَسْرفُوا على أنفسهم
) إِلَى ثَلَاث آيَات
الْآيَات 1 - 4(7/210)
تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (1) إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ (2) أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ (3) لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لَاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (4)
أخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {إِنَّا أنزلنَا إِلَيْك الْكتاب بِالْحَقِّ} يَعْنِي الْقُرْآن {فاعبد الله مخلصاً لَهُ الدّين أَلا لله الدّين الْخَالِص} قَالَ: شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله {وَالَّذين اتَّخذُوا من دونه أَوْلِيَاء مَا نعبدهم إِلَّا ليقربونا إِلَى الله زلفى} قَالَ: مَا نعْبد هَذِه الْآلهَة إِلَّا ليشفعوا لنا عِنْد الله تَعَالَى(7/210)
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن يزِيد الرقاشِي رَضِي الله عَنهُ
أَن رجلا قَالَ: يَا رَسُول الله انا نعطي أَمْوَالنَا التمَاس الذّكر فَهَل لنا فِي ذَلِك من أجر فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن الله لَا يقبل إِلَّا من أخْلص لَهُ
ثمَّ تَلا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَذِه الْآيَة {أَلا لله الدّين الْخَالِص}
وَأخرج ابْن جرير من طَرِيق جُوَيْبِر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {وَالَّذين اتَّخذُوا من دونه أَوْلِيَاء} قَالَ: أنزلت فِي ثَلَاثَة أَحيَاء
عَامر وكنانة وَبني سَلمَة
كَانُوا يعْبدُونَ الْأَوْثَان وَيَقُولُونَ الْمَلَائِكَة بَنَاته
فَقَالُوا {مَا نعبدهم إِلَّا ليقربونا إِلَى الله زلفى}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {مَا نعبدهم إِلَّا ليقربونا إِلَى الله زلفى} قَالَ: قُرَيْش يَقُولُونَ للأوثان وَمن قبلهم يَقُولُونَهُ للْمَلَائكَة ولعيسى بن مَرْيَم ولعزيز
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ قَالَ كَانَ عبد الله رَضِي الله عَنهُ يقْرَأ {وَالَّذين اتَّخذُوا من دونه أَوْلِيَاء مَا نعبدهم إِلَّا ليقربونا إِلَى الله زلفى}
وَأخرج عبد بن حميد عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ أَنه كَانَ يَقْرَأها قَالُوا مَا نعبدهم إِلَّا ليقربونا إِلَى الله زلفى
الْآيَة 5(7/211)
خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أَلَا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ (5)
أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {يكوّر اللَّيْل على النَّهَار} قَالَ: يحمل اللَّيْل
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {يكوّر اللَّيْل على النَّهَار ويكوّر النَّهَار على اللَّيْل} قَالَ: هُوَ غشيان أَحدهمَا على الآخر
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {يكوّر اللَّيْل على النَّهَار ويكوّر النَّهَار على اللَّيْل}(7/211)
قَالَ: يغشي هَذَا هَذَا وَهَذَا هَذَا
آيَة 6(7/212)
خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (6)
أخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {خَلقكُم من نفس وَاحِدَة} يَعْنِي آدم {وَخلق مِنْهَا زَوجهَا} خلقهَا من ضلع من أضلاعه و {وَأنزل لكم من الْأَنْعَام ثَمَانِيَة أَزوَاج يخلقكم فِي بطُون أُمَّهَاتكُم خلقا من بعد خلق} قَالَ: نُطْفَة ثمَّ علقَة ثمَّ مُضْغَة ثمَّ عظاماً ثمَّ لَحْمًا ثمَّ أنبت الشّعْر أطواراً {فِي ظلمات ثَلَاث} قَالَ: الْبَطن وَالرحم والمشيمة {فَأنى تصرفون} قَالَ: كَقَوْلِه (فَأنى تؤفكون) (الزخرف 87)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَأنزل لكم من الْأَنْعَام ثَمَانِيَة أَزوَاج} من الإِبل وَالْبَقر والضان والمعز
وَفِي قَوْله {من بعد خلق} قَالَ: نُطْفَة ثمَّ مَا يتبعهَا حَتَّى يتم خلقه {فِي ظلمات ثَلَاث} قَالَ: الْبَطن وَالرحم والمشيمة
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {خلقا من بعد خلق} قَالَ: علقَة ثمَّ مُضْغَة ثمَّ عظاماً {فِي ظلمات ثَلَاث} قَالَ: ظلمَة الْبَطن وظلمة الرَّحِم وظلمة المشيمة
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي مَالك رَضِي الله عَنهُ فِي ظلمات ثَلَاث قَالَ الْبَطن وَالرحم والمشيمة
الْآيَة 7(7/212)
إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (7)
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {إِن تكفرُوا فَإِن الله غَنِي عَنْكُم} يَعْنِي الْكفَّار الَّذين لم يرد الله أَن يطهر قُلُوبهم فَيَقُولُونَ لَا إِلَه إِلَّا الله
ثمَّ قَالَ {وَلَا يرضى لِعِبَادِهِ الْكفْر} وهم عباده المخلصون الَّذين قَالَ (إِن عبَادي لَيْسَ لَك عَلَيْهِم سُلْطَان) (الْحجر 42) فألزمهم شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وحببها إِلَيْهِم
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ {وَلَا يرضى لِعِبَادِهِ الْكفْر} قَالَ: لَا يرضى لِعِبَادِهِ الْمُسلمين الْكفْر
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: وَالله مَا رَضِي الله لعَبْدِهِ ضَلَالَة وَلَا أمره بهَا وَلَا دَعَا إِلَيْهَا وَلَكِن رَضِي لكم طَاعَته وأمركم بهَا ونهاكم عَن مَعْصِيَته
الْآيَة 8(7/213)
وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ (8)
أخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {دَعَا ربه منيباً إِلَيْهِ} قَالَ: أَي مخلصاً إِلَيْهِ
الْآيَة 9(7/213)
أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (9)
أخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية وَابْن عَسَاكِر عَن(7/213)
ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا
أَنه تَلا هَذِه الْآيَة {أم من هُوَ قَانِت آنَاء اللَّيْل سَاجِدا وَقَائِمًا يحذر الْآخِرَة ويرجو رَحْمَة ربه} قَالَ: ذَاك عُثْمَان بن عَفَّان
وَفِي لفظ نزلت فِي عُثْمَان بن عَفَّان
وَأخرج ابْن سعد فِي طبقاته وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {أم من هُوَ قَانِت آنَاء اللَّيْل سَاجِدا وَقَائِمًا} قَالَ: نزلت فِي عمار بن يَاسر
وَأخرج جُوَيْبِر عَن عِكْرِمَة
مثله
وَأخرج جُوَيْبِر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: نزلت هَذِه الْآيَة فِي ابْن مَسْعُود وعمار وَسَالم مولى أبي حُذَيْفَة رَضِي الله عَنهُ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {يحذر الْآخِرَة} يَقُول: يحذر عَذَاب الْآخِرَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ
أَنه كَانَ يقْرَأ أَمن هُوَ قَانِت آنَاء اللَّيْل سَاجِدا وَقَائِمًا يحذر عَذَاب الْآخِرَة وَالله تَعَالَى أعلم
أما قَوْله تَعَالَى: {يحذر الْآخِرَة ويرجو رَحْمَة ربه}
أخرج التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: دخل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على رجل وَهُوَ فِي الْمَوْت فَقَالَ كَيفَ تجدك قَالَ: أَرْجُو وأخاف قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا يَجْتَمِعَانِ فِي قلب عبد فِي مثل هَذَا الموطن إِلَّا أعطَاهُ الَّذِي يَرْجُو وأمنه الَّذِي يخَاف
الْآيَات 10 - 14(7/214)
قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (10) قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ (11) وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ (12) قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (13) قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي (14)
أخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَأَرْض الله وَاسِعَة} قَالَ: أرضي وَاسِعَة فَهَاجرُوا واعتزلوا الْأَوْثَان(7/214)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {إِنَّمَا يُوفى الصَّابِرُونَ أجرهم بِغَيْر حِسَاب} قَالَ: لَا وَالله مَا هُنَاكَ مكيال وَلَا ميزَان
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {إِنَّمَا يُوفى الصَّابِرُونَ أجرهم بِغَيْر حِسَاب} قَالَ: بَلغنِي أَنه لَا يحْسب عَلَيْهِم ثَوَاب عَمَلهم وَلَكِن يزادون على ذَلِك
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أنس بن مَالك رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن الله إِذا أحب عبدا أَو أَرَادَ أَن يصافيه صب عَلَيْهِ الْبلَاء صبا ويحثه عَلَيْهِ حثاً فَإِذا دَعَا قَالَت الْمَلَائِكَة عَلَيْهِم السَّلَام: صَوت مَعْرُوف قَالَ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام: يَا رب عَبدك فلَان اقْضِ حَاجته
فَيَقُول الله تَعَالَى: دَعه إِنِّي أحب أَن أسمع صَوته
فَإِذا قَالَ يَا رب
قَالَ الله تَعَالَى لبيْك عَبدِي وَسَعْديك
وَعِزَّتِي لَا تَدعُونِي بِشَيْء إِلَّا استجبت لَك وَلَا تَسْأَلنِي شَيْئا إِلَّا اعطيتك
أما أَن أعجل لَك مَا سَأَلت وَأما أَن أدخر لَك عِنْدِي أفضل مِنْهُ وَأما أَن أدفَع عَنْك من الْبلَاء أعظم مِنْهُ
ثمَّ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: وتنصب الموازين يَوْم الْقِيَامَة فَيَأْتُونَ بِأَهْل الصَّلَاة فَيُوَفَّوْنَ أُجُورهم بِالْمَوَازِينِ وَيُؤْتى بِأَهْل الصّيام فَيُوَفَّوْنَ أُجُورهم بِالْمَوَازِينِ وَيُؤْتى بِأَهْل الصَّدَقَة فَيُوَفَّوْنَ أُجُورهم بِالْمَوَازِينِ وَيُؤْتى بِأَهْل الْحَج فَيُوَفَّوْنَ أُجُورهم بِالْمَوَازِينِ وَيُؤْتى بِأَهْل الْبلَاء فَلَا ينصب لَهُم ميزَان وَيصب عَلَيْهِم الْأجر صبا بِغَيْر حِسَاب حَتَّى يتَمَنَّى أهل الْعَافِيَة أَنهم كَانُوا فِي الدُّنْيَا تقْرض أَجْسَادهم بِالْمَقَارِيضِ مِمَّا يذهب بِهِ أهل الْبلَاء من الْفضل
وَذَلِكَ قَوْله {إِنَّمَا يُوفى الصَّابِرُونَ أجرهم بِغَيْر حِسَاب}
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن عَسَاكِر وَابْن مرْدَوَيْه عَن الْحسن بن عَليّ رضى الله عَنهُ قَالَ: سَمِعت جدي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: إِن فِي الْجنَّة شَجَرَة يُقَال لَهَا شَجَرَة الْبلوى يُؤْتى بِأَهْل الْبلَاء يَوْم الْقِيَامَة فَلَا يرفع لَهُم ديوَان وَلَا ينصب لَهُم ميزَان يصب عَلَيْهِم الْأجر صبا
وَقَرَأَ {إِنَّمَا يُوفى الصَّابِرُونَ أجرهم بِغَيْر حِسَاب}
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: يود أهل الْبلَاء يَوْم الْقِيَامَة أَن جُلُودهمْ كَانَت تقْرض بِالْمَقَارِيضِ(7/215)
الْآيَة 15(7/216)
فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (15)
أخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {قل إِن الخاسرين الَّذين خسروا أنفسهم} الْآيَة
قَالَ: هم الْكفَّار الَّذين خلقهمْ الله للنار زَالَت عَنْهُم الدُّنْيَا وَحرمت عَلَيْهِم الْجنَّة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {خسروا أنفسهم وأهليهم يَوْم الْقِيَامَة} قَالَ {أَهْليهمْ} من أهل الْجنَّة كَانُوا أعدُّوا لَهُم لَو عمِلُوا بِطَاعَة الله فغبنوهم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {إِن الخاسرين الَّذين خسروا أنفسهم} يخسرونها فيتحسرون فِي النَّار أَحيَاء ويخسرون أَهْليهمْ فَلَا يكون لَهُم أهل يرجعُونَ إِلَيْهِم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر وَعبد بن حميد عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {الَّذين خسروا أنفسهم وأهليهم يَوْم الْقِيَامَة} قَالَ: لَيْسَ أحد إِلَّا قد أعد الله تَعَالَى لَهُ أَهلا فِي الْجنَّة إِن أطاعه
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن مُجَاهِد
مثله
الْآيَة 16(7/216)
لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ (16)
أخرج ابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {لَهُم من فَوْقهم ظلل} قَالَ: غواش {وَمن تَحْتهم ظلل} قَالَ: مهاد
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن سُوَيْد بن غَفلَة قَالَ: إِذا أَرَادَ الله أَن يعذب أهل النَّار جعل لكل إِنْسَان مِنْهُم تابوتاً من نَار على قدره ثمَّ أقفل عَلَيْهِ بأقفال من نَار فَلَا(7/216)
يعرف مِنْهُ عرق إِلَّا وَفِيه مِسْمَار ثمَّ جعل ذَلِك التابوت فِي تَابُوت آخر من نَار ثمَّ يقفل باقفال من نَار ثمَّ يضرم بَينهمَا نَار فَلَا يرى أحد مِنْهُم أَن فِي النَّار غَيره
فَذَلِك قَوْله {لَهُم من فَوْقهم ظلل من النَّار وَمن تَحْتهم ظلل} وَقَوله (لَهُم من جَهَنَّم مهاد وَمن فَوْقهم غواش) (الْأَعْرَاف 41)
الْآيَات 17 - 18(7/217)
وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ (17) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ (18)
أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن زيد بن أسلم فِي قَوْله {وَالَّذين اجتنبوا الطاغوت أَن يعبدوها} قَالَ: نزلت هَاتَانِ الْآيَتَانِ فِي ثَلَاثَة نفر كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّة يَقُولُونَ: لَا إِلَه إِلَّا الله
فِي زيد بن عَمْرو بن نفَيْل وَأبي ذَر الْغِفَارِيّ وسلمان الْفَارِسِي
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ سعيد بن زيد وَأَبُو ذَر وسلمان يتبعُون فِي الْجَاهِلِيَّة أحسن القَوْل وَأحسن القَوْل وَالْكَلَام لَا إِلَه إِلَّا الله
قَالُوا بهَا فَانْزِل الله تَعَالَى على نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {يَسْتَمِعُون القَوْل فيتبعون أحْسنه} الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد قَالَ {الطاغوت} الشَّيْطَان هُوَ هَهُنَا وَاحِد وَهِي جمَاعَة
مثل قَوْله (يَا أَيهَا الإِنسان مَا غَرَّك) (الِانْتِصَار 6) قَالَ: هِيَ للنَّاس كلهم الَّذين قَالَ لَهُم النَّاس إِنَّمَا هُوَ وَاحِد
وخ عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {وَالَّذين اجتنبوا الطاغوت} قَالَ: الشَّيْطَان
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة {وأنابوا إِلَى الله لَهُم الْبُشْرَى} قَالَ: أَقبلُوا إِلَى الله {فبشر عبادِ الَّذين يَسْتَمِعُون القَوْل فيتبعون أحْسنه} قَالَ: أحْسنه طَاعَة الله(7/217)
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله {فيتبعون أحْسنه} قَالَ: مَا أَمر الله تَعَالَى النَّبِيين عَلَيْهِم السَّلَام من الطَّاعَة
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور عَن الْكَلْبِيّ فِي قَوْله {الَّذين يَسْتَمِعُون القَوْل فيتبعون أحْسنه} قَالَ: لَوْلَا ثَلَاث يسرني أَن أكون قد مت
لَوْلَا أَن أَضَع جبيني لله وأجالس قوما يلتقطون طيب الْكَلَام كَمَا يلتقطون طيب الثَّمر وَالسير فِي سَبِيل الله
وَأخرج جُوَيْبِر عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: لما نزلت (لَهَا سَبْعَة أَبْوَاب
) (الْحجر 44)
أَتَى رجل من الْأَنْصَار إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا رَسُول الله إِن لي سَبْعَة مماليك وَأَنِّي أعتقت لكل بَاب مِنْهَا مَمْلُوكا
فَنزلت هَذِه الْآيَة {فبشر عبادِ الَّذين يَسْتَمِعُون القَوْل فيتبعون أحْسنه}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي سعيد قَالَ لما نزلت {فبشر عبادِ الَّذين يَسْتَمِعُون القَوْل فيتبعون أحْسنه} أرسل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم منادياً فَنَادَى من مَاتَ لَا يُشْرك بِاللَّه شَيْئا دخل الْجنَّة
فَاسْتقْبل عمر الرَّسُول فَرده فَقَالَ: يَا رَسُول الله خشيت أَن يتكل النَّاس فَلَا يعْملُونَ
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَو يعلم النَّاس قدر رَحْمَة الله لاتكلوا وَلَو يعلمُونَ قدر سخط الله وعقابه لاستصغروا أَعْمَالهم
الْآيَات 19 - 20(7/218)
أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ (19) لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ (20)
أخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {لَهُم غرف من فَوْقهَا غرف} قَالَ: علالي
الْآيَة 21(7/218)
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ (21)
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {ألم تَرَ أَن الله أنزل من السَّمَاء مَاء فسلكه ينابيع فِي الأَرْض} قَالَ: مَا أنزل الله من السَّمَاء وَلَكِن عروق فِي الأَرْض تغمره فَذَلِك قَوْله {فسلكه ينابيع فِي الأَرْض} فَمن سره أَن يعود الْملح عذباً فليصعد
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة والخرائطي فِي مَكَارِم الْأَخْلَاق عَن الشّعبِيّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فسلكه ينابيع فِي الأَرْض} أَصله من السَّمَاء
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فسلكه ينابيع فِي الأَرْض} قَالَ: عيُونا
وَأخرج عبد بن حميد عَن الكبي رَضِي الله عَنهُ قَالَ: الْعُيُون والركايا مِمَّا أنزل الله من السَّمَاء {فسلكه ينابيع فِي الأَرْض} وَالله أعلم
الْآيَة 22(7/219)
أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (22)
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {أَفَمَن شرح الله صَدره للإِسلام} الْآيَة
قَالَ: لَيْسَ المشروح صَدره كالقاسية قُلُوبهم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {أَفَمَن شرح الله صَدره لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ على نور من ربه} قَالُوا: يَا رَسُول الله فَهَل ينفرج الصَّدْر قَالَ: نعم
قَالُوا: هَل لذَلِك عَلامَة قَالَ: نعم
التَّجَافِي عَن دَار الْغرُور والإِنابة إِلَى دَار الخلود والإِستعداد للْمَوْت قبل نزُول الْمَوْت
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عبد الله بن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: تَلا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَذِه الْآيَة {أَفَمَن شرح الله صَدره لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ على نور من ربه} فَقُلْنَا يَا رَسُول الله كَيفَ انْشِرَاح صَدره قَالَ: إِذا دخل النُّور الْقلب انْشَرَحَ وَانْفَسَحَ
قُلْنَا يَا رَسُول الله فَمَا عَلامَة ذَلِك قَالَ: الإِنابة إِلَى دَار الخلود والتجافي عَن دَار الْغرُور وَالتَّأَهُّب للْمَوْت قبل نزُول الْمَوْت(7/219)
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا
أَن رجلا قَالَ: يَا نَبِي الله أَي الْمُؤمنِينَ أَكيس قَالَ أَكْثَرهم ذكر للْمَوْت وَأَحْسَنهمْ لَهُ اسْتِعْدَادًا وَإِذا دخل النُّور الْقلب اِنْفَسَحَ وَاسْتَوْسَعَ
فَقَالُوا مَا آيَة ذَلِك يَا نَبِي الله قَالَ: الإِنابة إِلَى دَار الخلود والتجافي عَن دَار الْغرُور والاستعداد للْمَوْت قبل نزُول الْمَوْت ثمَّ أخرج عَن أبي جَعْفَر عبد الله بن الْمسور عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَحوه وَزَاد فِيهِ {أَفَمَن شرح الله صَدره لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ على نور من ربه}
أما قَوْله تَعَالَى: {فويل للقاسية قُلُوبهم}
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَابْن شاهين فِي التَّرْغِيب فِي الذّكر فِي شعب الإِيمان عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا تكثروا الْكَلَام بِغَيْر ذكر الله فَإِن كَثْرَة الْكَلَام بِغَيْر ذكر الله قسوة للقلب وَإِن أبعد النَّاس من الله القاسي
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن أبي الْجلد رَضِي الله عَنهُ
أَن عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام أوصى إِلَى الحواريين: أَن لَا تكثروا الْكَلَام بِغَيْر ذكر الله فتقسوا قُلُوبكُمْ وَأَن القاسي قلبه بعيد من الله وَلَكِن لَا يعلم
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أكل الْعباد ونومهم عَلَيْهِ قسوة فِي قُلُوبهم
وَأخرج الْعقيلِيّ وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَابْن عدي وَابْن السّني وَأَبُو نعيم كِلَاهُمَا فِي الطِّبّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان وَابْن مرْدَوَيْه عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: أذيبوا طَعَامكُمْ بِذكر الله وَالصَّلَاة وَلَا تناموا عَلَيْهِ فتقسوا قُلُوبكُمْ
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: يُورث الْقَسْوَة فِي الْقلب ثَلَاث خِصَال
حب الطَّعَام وَحب النّوم وَحب الرَّاحَة
وَالله أعلم
الْآيَة 23(7/220)
اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (23)
أخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: قَالُوا: يَا رَسُول الله لَو حَدَّثتنَا فَنزل {الله نزل أحسن الحَدِيث}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {الله نزل أحسن الحَدِيث كتابا متشابهاً مثاني} قَالَ: الْقُرْآن كُله مثاني
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {مثاني} قَالَ: الْقُرْآن يشبه بعضه بَعْضًا وَيرد بعضه إِلَى بعض
وَأخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {كتابا متشابهاً} حَلَاله وَحَرَامه لَا يخْتَلف شَيْء مِنْهُ
الْآيَة تشبه الْآيَة والحرف يشبه الْحَرْف {مثاني} قَالَ: يثني الله فِيهِ الْفَرَائِض وَالْحُدُود وَالْقَضَاء
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {كتابا متشابهاً} قَالَ: الْقُرْآن كُله مثاني
قَالَ: من ثَنَاء الله إِلَى عَبده
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {متشابهاً} قَالَ: يُفَسر بعضه بَعْضًا وَيدل بعضه على بعض
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن أبي رَجَاء رَضِي الله عَنهُ قَالَ: سَأَلت الْحسن رَضِي الله عَنهُ عَن قَول الله تَعَالَى {الله نزل أحسن الحَدِيث كتابا متشابهاً} قَالَ: ثنى الله فِيهِ الْقَضَاء
تكون فِي هَذِه السُّورَة الْآيَة وَفِي السُّورَة الْآيَة الْأُخْرَى تشبه بهَا
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي [] رَضِي الله عَنهُ قَالَ: سَأَلَ عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ عَنْهَا وَأَنا أسمع فَقَالَ: ثنى الله فِيهِ الْقَضَاء
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {تقشعر مِنْهُ جُلُود الَّذين يَخْشونَ رَبهم} هَذَا نعت أَوْلِيَاء الله نعتهم الله تَعَالَى قَالَ: تقشعر جُلُودهمْ وتبكي أَعينهم وتطمئن قُلُوبهم إِلَى ذكر الله تَعَالَى
وَلم ينعتهم الله تَعَالَى بذهاب عُقُولهمْ والغشيان عَلَيْهِم إِنَّمَا هَذَا فِي أهل الْبدع وَإِنَّمَا هُوَ من الشَّيْطَان
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {تقشعر مِنْهُ جُلُود الَّذين يَخْشونَ رَبهم} قَالَ: إِذا سمعُوا ذكر الله والوعيد اقشعروا {ثمَّ تلين جُلُودهمْ}(7/221)
إِذا سمعُوا ذكر الْجنَّة واللين {يرجون رَحْمَة الله}
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه وَابْن أبي حَاتِم وَابْن عَسَاكِر عَن عبد الله بن عُرْوَة بن الزبير قَالَ: قلت لجدتي أَسمَاء رَضِي الله عَنْهَا كَيفَ كَانَ يصنع أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا قرأوا الْقُرْآن قَالَت: كَانُوا كَمَا نعتهم الله تَعَالَى تَدْمَع أَعينهم وتقشعر جُلُودهمْ
قلت: فَإِن نَاسا هَهُنَا إِذا سمعُوا ذَلِك تأخذهم عَلَيْهِ غشية فَقَالَت: أعوذ بِاللَّه من الشَّيْطَان الرَّجِيم
وَأخرج الزبير بن بكار فِي الموفقيات عَن عَامر بن عبد الله بن الزبير رَضِي الله عَنهُ قَالَ: جِئْت أُمِّي فَقلت: وجدت قوما مَا رَأَيْت خيرا مِنْهُم قطّ يذكرُونَ الله تَعَالَى فيرعد أحدهم حَتَّى يغشى عَلَيْهِ من خشيَة الله فَقَالَت: لَا تقعد مَعَهم
ثمَّ قَالَت: رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَتْلُو الْقُرْآن وَرَأَيْت أَبَا بكر وَعمر يتلوان الْقُرْآن فَلَا يصيبهم هَذَا
افتراهم أخْشَى من أبي بكر وَعمر وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن قيس بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ قَالَ: الصعقة من الشَّيْطَان
أخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر عَن إِبْرَاهِيم رَضِي الله عَنهُ فِي الرجل يرى الضَّوْء قَالَ: من الشَّيْطَان لَو كَانَ يرى خيرا لأوثر بِهِ أهل بدر
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول عَن الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب رَضِي الله عَنهُ: إِذا اقشعر جلد العَبْد من خشيَة الله تحاتت عَنهُ خطاياه كَمَا يتحات عَن الشَّجَرَة البالية وَرقهَا
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ عَن أبي بن كَعْب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لَيْسَ من عبد على سَبِيل ذكر سنة ذكر الرَّحْمَن فاقشعر جلده من مَخَافَة الله تَعَالَى إِلَّا كَانَ مثله مثل شَجَرَة يبس وَرقهَا وَهِي كَذَلِك فاصابتها ريح تحات [] وَرقهَا كَمَا تحات عَن الشَّجَرَة البالية وَرقهَا وَلَيْسَ من عبد على سَبِيل وَذكر سنة وَذكر الرَّحْمَن فَفَاضَتْ عَيناهُ من خشيَة الله إِلَّا لم تمسه النَّار أبدا
الْآيَات 24 - 27(7/222)
أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (24) كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ (25) فَأَذَاقَهُمُ اللَّهُ الْخِزْيَ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (26) وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (27)
أخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {أَفَمَن يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سوء الْعَذَاب يَوْم الْقِيَامَة} قَالَ: يجر على وَجهه فِي النَّار وَهُوَ مثل قَوْله (أَفَمَن يلقى فِي النَّار خير أَمن يَأْتِي آمنا يَوْم الْقِيَامَة) (فصلت الْآيَة 40)
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: ينْطَلق بِهِ إِلَى النَّار مكتوفاً ثمَّ يرْمى فِيهَا فَأول مَا تمس وَجهه النَّار
الْآيَة 28(7/223)
قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (28)
أخرج الْآجُرِيّ فِي الشَّرِيعَة وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {قُرْآنًا عَرَبيا غير ذِي عوج} قَالَ: غير مَخْلُوق
وَأخرج الديلمي فِي مُسْند الفردوس عَن أنس رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله {قُرْآنًا عَرَبيا غير ذِي عوج} قَالَ: غير مَخْلُوق
وَأخرج ابْن شاهين فِي السّنة عَن أبي الدَّرْدَاء رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الْقُرْآن كَلَام الله غير مَخْلُوق
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم فِي السّنة وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن الْفرج بن زيد الكلَاعِي رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالُوا لعَلي رَضِي الله عَنهُ: حكمت كَافِرًا ومنافقاً فَقَالَ: مَا حكمت مخلوقاً مَا حكمت إِلَّا الْقُرْآن
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ وَابْن عدي عَن أنس بن مَالك رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ: الْقُرْآن كَلَام الله وَلَيْسَ كَلَام الله بمخلوق
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: صلى ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا على جَنَازَة فَلَمَّا وضع الْمَيِّت فِي قَبره قَالَ لَهُ رجل: اللَّهُمَّ رب الْقُرْآن اغْفِر لَهُ
فَقَالَ(7/223)
لَهُ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ: مَهْ لَا تقل مثل هَذَا مِنْهُ بدا وَإِلَيْهِ يعود
وَفِي لفظ فَقَالَ ابْن عَبَّاس: ثكلتك أمك
إِن الْقُرْآن مِنْهُ
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: الْقُرْآن كَلَام الله
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أدْركْت مشيختنا مُنْذُ سبعين سنة مِنْهُم عَمْرو بن دِينَار يَقُولُونَ: الْقُرْآن كَلَام الله لَيْسَ بمخلوق
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد عَن أَبِيه قَالَ: سَأَلَ عَليّ بن الْحُسَيْن عَن الْقُرْآن فَقَالَ: لَيْسَ بخالق وَلَا بمخلوق وَهُوَ كَلَام الْخَالِق
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن قيس بن الرّبيع قَالَ سَأَلت جَعْفَر بن مُحَمَّد رَضِي الله عَنهُ عَن الْقُرْآن فَقَالَ: كَلَام الله قلت: مَخْلُوق قَالَ: لَا
قلت: فَمَا تَقول فِيمَن زعم أَنه مَخْلُوق قَالَ: يقتل وَلَا يُسْتَتَاب
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {قُرْآنًا عَرَبيا غير ذِي عوج} قَالَ: غير ذِي سَلس
الْآيَة 29(7/224)
ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (29)
أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {ضرب الله مثلا رجلا فِيهِ شُرَكَاء متشاكسون} قَالَ: الرجل يعبد آلِهَة شَتَّى
فَهَذَا مثل ضربه الله تَعَالَى لأهل الْأَوْثَان {ورجلاً سلما} يعبد إِلَهًا وَاحِدًا ضرب لنَفسِهِ مثلا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {ضرب الله مثلا رجلا فِيهِ شُرَكَاء متشاكسون} قَالَ: هُوَ الْمُشرك تنازعه الشَّيَاطِين لَا يعرفهُ بَعضهم لبَعض {ورجلاً سلما لرجل} قَالَ: هَذَا الْمُؤمن أخْلص لله الدعْوَة وَالْعِبَادَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {ضرب الله مثلا رجلا فِيهِ شُرَكَاء متشاكسون ورجلاً سلما لرجل} قَالَ: آلِهَة الْبَاطِل وإله الْحق(7/224)
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ {شُرَكَاء متشاكسون} يَعْنِي الصَّنَم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {ورجلاً سلما} قَالَ: لَيْسَ لأحد فِيهِ شَيْء
وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَنه قَرَأَهَا ورجلاً سلما لرجل بِغَيْر ألف مَنْصُوبَة اللَّام
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُبشر بن عبيد الْقرشِي رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قِرَاءَة عبد الله بن عمر رَضِي الله عَنهُ {ورجلاً سلما لرجل} قَالَ: خَالِصا
فَإِنَّمَا يَعْنِي مستسلما لرجل
الْآيَات 30 - 31(7/225)
إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (30) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ (31)
أخرج عبد بن حميد وَالنَّسَائِيّ وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لقد لبثنا بُرْهَة من دَهْرنَا وَنحن نرى أَن هَذِه الْآيَة نزلت فِينَا وَفِي أهل الْكِتَابَيْنِ من قبل {إِنَّك ميت وَإِنَّهُم ميتون ثمَّ إِنَّكُم يَوْم الْقِيَامَة عِنْد ربكُم تختصمون} قُلْنَا: كَيفَ نَخْتَصِم وَنَبِينَا وَاحِد وَكِتَابنَا وَاحِد حَتَّى رَأَيْت بَعْضنَا يضْرب وُجُوه بعض بِالسَّيْفِ فَعرفت أَنَّهَا نزلت فِينَا
وَأخرج نعيم بن حَمَّاد فِي الْفِتَن وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: عِشْنَا بُرْهَة من دَهْرنَا وَنحن نرى هَذِه الْآيَة نزلت فِينَا {إِنَّك ميت وَإِنَّهُم ميتون ثمَّ إِنَّكُم يَوْم الْقِيَامَة عِنْد ربكُم تختصمون} فَقلت: لم نَخْتَصِم
أما نَحن فَلَا نعْبد إِلَّا الله وَأما ديننَا فالإِسلام وَأما كتَابنَا فالقرآن لَا نغيره أبدا وَلَا نحرف الْكتاب وَأما قبلتنا فالكعبة وَأما حرمنا فواحد وَأما نَبينَا فمحمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَكيف نَخْتَصِم حَتَّى كفح بَعْضنَا وَجه بعض بِالسَّيْفِ فَعرفت أَنَّهَا نزلت فِينَا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا(7/225)
قَالَ: نزلت علينا الْآيَة {ثمَّ إِنَّكُم يَوْم الْقِيَامَة عِنْد ربكُم تختصمون} وَمَا نَدْرِي مَا تَفْسِيرهَا وَلَفظ عبد بن حميد: وَمَا نَدْرِي فيمَ نزلت قُلْنَا لَيْسَ بَيْننَا خُصُومَة فَمَا التخاصم حَتَّى وَقعت الْفِتْنَة فَقُلْنَا: هَذَا الَّذِي وعدنا رَبنَا أَن نَخْتَصِم فِيهِ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن عَسَاكِر عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أنزلت هَذِه الْآيَة {إِنَّك ميت وَإِنَّهُم ميتون ثمَّ إِنَّكُم يَوْم الْقِيَامَة عِنْد ربكُم تختصمون} وَمَا نَدْرِي فيمَ نزلت قُلْنَا: لَيْسَ بَيْننَا خُصُومَة قَالُوا وَمَا خُصُومَتنَا وَنحن اخوان فَلَمَّا قتل عُثْمَان بن عَفَّان رَضِي الله عَنهُ قَالُوا: هَذِه خُصُومَة مَا بَيْننَا
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْفضل بن عِيسَى رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما قَرَأت هَذِه الْآيَة {إِنَّك ميت وَإِنَّهُم ميتون ثمَّ إِنَّكُم يَوْم الْقِيَامَة عِنْد ربكُم تختصمون} قيل: يَا رَسُول الله فَمَا الْخُصُومَة قَالَ: فِي الدِّمَاء
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {إِنَّك ميت وَإِنَّهُم ميتون} قَالَ: نعى لنَبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَفسه ونعى لكم أَنفسكُم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَأحمد وَابْن منيع وَعبد بن حميد وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث والنشور عَن الزبير بن الْعَوام رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما نزلت {إِنَّك ميت وَإِنَّهُم ميتون ثمَّ إِنَّكُم يَوْم الْقِيَامَة عِنْد ربكُم تختصمون} قلت: يَا رَسُول الله أينكر علينا مَا يكون بَيْننَا فِي الدُّنْيَا مَعَ خَواص الذُّنُوب قَالَ: نعم
لينكرن ذَلِك عَلَيْكُم حَتَّى يُؤدى إِلَى كل ذِي حق حَقه
قَالَ الزبير رَضِي الله عَنهُ: فو الله إِن الْأَمر لشديد
وَأخرج ابْن جرير وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم عَن عبد الله بن الزبير رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما أنزلت هَذِه الْآيَة {إِنَّك ميت وَإِنَّهُم ميتون ثمَّ إِنَّكُم يَوْم الْقِيَامَة عِنْد ربكُم تختصمون} قَالَ الزبير رَضِي الله عَنهُ: يَا رَسُول الله يُكَرر علينا مَا كَانَ بَيْننَا فِي الدُّنْيَا مَعَ خَواص الذُّنُوب فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: نعم
ليكرر ذَلِك عَلَيْكُم حَتَّى يُؤدى إِلَى كل ذِي حق حَقه قَالَ الزبير رَضِي الله عَنهُ: إِن الْأَمر لشديد
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما نزلت {ثمَّ إِنَّكُم يَوْم الْقِيَامَة عِنْد ربكُم تختصمون} كُنَّا نقُول رَبنَا وَاحِد وَدِيننَا وَاحِد فَمَا(7/226)
هَذِه الْخُصُومَة فَلَمَّا كَانَ يَوْم صفّين وَشد بَعْضنَا على بعض بِالسُّيُوفِ قُلْنَا: نعم
هُوَ هَذَا
وَأخرج أَحْمد بِسَنَد حسن عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ليختصمن يَوْم الْقِيَامَة كل شَيْء حَتَّى الشاتين فِيمَا انتطحتا
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه بِسَنَد لَا بَأْس بِهِ عَن أبي أَيُّوب رَضِي الله عَنهُ
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: أول من يخْتَصم يَوْم الْقِيَامَة الرجل وَامْرَأَته
وَالله مَا يتَكَلَّم لسانها وَلَكِن يداها ورجلاها يَشْهَدَانِ عَلَيْهَا بِمَا كَانَت لزَوجهَا وَتشهد يَدَاهُ وَرجلَاهُ بِمَا كَانَ يوليها
ثمَّ يدعى الرجل وخادمه بِمثل ذَلِك ثمَّ يدعى أهل الْأَسْوَاق وَمَا يُوجد ثمَّ دوانق وَلَا قراريط وَلَكِن حَسَنَات هَذَا تدفع إِلَى هَذَا الَّذِي ظلم وسيئآت هَذَا الَّذِي ظلمه تُوضَع عَلَيْهِ ثمَّ يُؤْتى بالجبارين فِي مَقَامِع من حَدِيد فَيُقَال: أوردوهم إِلَى النَّار
فو الله مَا أَدْرِي يدْخلُونَهَا أَو كَمَا قَالَ الله (وَإِن مِنْكُم إِلَّا واردها) (مَرْيَم الْآيَة 71)
وَأخرج أَحْمد وَالطَّبَرَانِيّ بِسَنَد حسن عَن عقبَة بن عَامر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أول خصمين يَوْم الْقِيَامَة جاران
وَأخرج الْبَزَّار عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يجاء بالأمير الجائر فتخاصمه الرّعية
وَأخرج ابْن مندة عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: يخْتَصم النَّاس يَوْم الْقِيَامَة حَتَّى يخْتَصم الرّوح مَعَ الْجَسَد
فَتَقول الرّوح للجسد أَنْت فعلت وَيَقُول الْجَسَد للروح أَنْت أمرت وَأَنت سوّلت
فيبعث الله تَعَالَى ملكا فَيَقْضِي بَينهمَا فَيَقُول لَهما: إِن مثلكما كَمثل رجل مقْعد بَصِير وَآخر ضَرِير دخلا بستاناً فَقَالَ المقعد للضرير: إِنِّي أرى هَهُنَا ثماراً وَلَكِن لَا أصل إِلَيْهَا
فَقَالَ لَهُ الضَّرِير: اركبني فَتَنَاولهَا فَرَكبهُ فَتَنَاولهَا فَأَيّهمَا المعتدي فَيَقُولَانِ: كِلَاهُمَا فَيَقُول لَهما الْملك: فإنكما قد حكمتما على أنفسكما
يَعْنِي أَن الْجَسَد للروح كالمطية وَهُوَ رَاكِبه
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {ثمَّ إِنَّكُم يَوْم الْقِيَامَة عِنْد ربكُم تختصمون} يَقُول: يُخَاصم الصَّادِق الْكَاذِب والمظلوم الظَّالِم والمهتدي الضال والضعيف المستكبر(7/227)
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن أبي الدَّرْدَاء رَضِي الله عَنهُ
أَن رجلا أبْصر جَنَازَة فَقَالَ: من هَذَا قَالَ: أَبُو الدَّرْدَاء رَضِي الله عَنهُ: هَذَا أَنْت هَذَا أَنْت
يَقُول الله {إِنَّك ميت وَإِنَّهُم ميتون}
الْآيَات 32 - 35(7/228)
فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ (32) وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (33) لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ (34) لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ (35)
أخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {فَمن أظلم مِمَّن كذب على الله وَكذب بِالصّدقِ} أَي بِالْقُرْآنِ {وَصدق بِهِ} قَالَ: الْمُؤْمِنُونَ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَالَّذِي جَاءَ بِالصّدقِ} يَعْنِي بِلَا إِلَه إِلَّا الله {وَصدق بِهِ} يَعْنِي برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {أُولَئِكَ هم المتقون} يَعْنِي اتَّقوا الشّرك
وَأخرج ابْن جرير والباوردي فِي معرفَة الصَّحَابَة وَابْن عَسَاكِر من طَرِيق أسيد بن صَفْوَان وَله صُحْبَة عَن عَليّ بن أبي طَالب قَالَ {وَالَّذِي جَاءَ بِالصّدقِ} مُحَمَّد {وَصدق بِهِ} أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ هَكَذَا الرِّوَايَة {بِالْحَقِّ} ولعلها قِرَاءَة لعَلي رَضِي الله عَنهُ
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة {وَالَّذِي جَاءَ بِالصّدقِ} قَالَ: رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وَصدق بِهِ} قَالَ: عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله {وَالَّذِي جَاءَ بِالصّدقِ} قَالَ: هُوَ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام {وَصدق بِهِ} قَالَ: هُوَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن الضريس وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر(7/228)
عَن مُجَاهِد أَنه كَانَ يقْرَأ وَالَّذِي جَاءَ بِالصّدقِ وَصَدقُوا بِهِ قَالَ: هم أهل الْقُرْآن يجيئون بِالْقُرْآنِ يَوْم الْقِيَامَة يَقُولُونَ: هَذَا مَا أعطيتمونا قد اتَّبعنَا مَا فِيهِ
الْآيَات 36 - 37(7/229)
أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (36) وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُضِلٍّ أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقَامٍ (37)
أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله {أَلَيْسَ الله بكاف عَبده} قَالَ: مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة قَالَ: قَالَ لي رجل: قَالُوا للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لتكفن عَن شتم آلِهَتنَا أَو لتأمرنها فلتخبلنك
فَنزلت {ويخوفونك بالذين من دونه}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم وَابْن جرير عَن قَتَادَة {ويخوفونك بالذين من دونه} قَالَ: بالآلهة قَالَ: بعث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَالِد بن الْوَلِيد ليكسر الْعُزَّى فَقَالَ سادنها: - وَهُوَ قيمها - يَا خَالِد إِنِّي أحذركها لَا يقوم لَهَا شَيْء فَمشى إِلَيْهَا خَالِد بالفأس وهشم أنفها
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد عَن مُجَاهِد {ويخوفونك بالذين من دونه} قَالَ: الْأَوْثَان
وَالله أعلم
الْآيَات 38 - 41(7/229)
وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ (38) قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (39) مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ (40) إِنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (41)
أخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة {قل أَرَأَيْتُم مَا تدعون من دون الله} يَعْنِي الْأَصْنَام
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ {هَل هن كاشفات ضره} مُضَاف لآمنون كاشفات
وممسكات رَحمته مثلهَا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة {وَمَا أَنْت عَلَيْهِم بوكيل} قَالَ: بحفيظ
وَالله أعلم
الْآيَة 42(7/230)
اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (42)
أخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {الله يتوفى الْأَنْفس} الْآيَة
قَالَ: نفس وروح بَينهمَا شُعَاع الشَّمْس فيتوفى الله النَّفس فِي مَنَامه ويدع الرّوح فِي جسده وجوفه يتقلب ويعيش فَإِن بدا لله أَن يقبضهُ قبض الرّوح فَمَاتَ أَو أُخِّر أَجله رد النَّفس إِلَى مَكَانهَا من جَوْفه
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة والضياء فِي المختارة عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {الله يتوفى الْأَنْفس حِين مَوتهَا} الْآيَة قَالَ: يلتقي أَرْوَاح الْأَحْيَاء وأرواح الْأَمْوَات فِي الْمَنَام فيتساءلون بَينهم مَا شَاءَ الله تَعَالَى ثمَّ يمسك الله أَرْوَاح الْأَمْوَات وَيُرْسل أَرْوَاح الْأَحْيَاء إِلَى(7/230)
أجسادها {إِلَى أجل مُسَمّى} لَا يغلط بِشَيْء من ذَلِك
فَذَلِك قَوْله {إِن فِي ذَلِك لآيَات لقوم يتفكرون}
وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {الله يتوفى الْأَنْفس حِين مَوتهَا} قَالَ: كل نفس لَهَا سَبَب تجْرِي فِيهِ فَإِذا قضى عَلَيْهَا الْمَوْت نَامَتْ حَتَّى يَنْقَطِع السَّبَب {وَالَّتِي لم تمت} تتْرك
وَأخرج جُوَيْبِر عَن ابْن عَبَّاس فِي الْآيَة قَالَ: سَبَب مَمْدُود بَين السَّمَاء وَالْأَرْض فأرواح الْمَوْتَى وأرواح الْأَحْيَاء إِلَى ذَلِك السَّبَب فَتعلق النَّفس الْميتَة بِالنَّفسِ الْحَيَّة فَإِذا أذن لهَذِهِ الْحَيَّة بالانصراف إِلَى جَسدهَا لتستكمل رزقها أَمْسَكت النَّفس الْميتَة وَأرْسلت الْأُخْرَى
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن فرقد قَالَ: مَا من لَيْلَة من ليَالِي الدُّنْيَا إِلَّا والرب تبَارك وَتَعَالَى يقبض الْأَرْوَاح كلهَا مؤمنها وكافرها
فَيسْأَل كل نفس مَا عمل صَاحبهَا من النَّهَار وَهُوَ أعلم ثمَّ يَدْعُو ملك الْمَوْت فَيَقُول: اقبض هَذَا واقبض هَذَا من قضى عَلَيْهِ الْمَوْت {وَيُرْسل الْأُخْرَى إِلَى أجل مُسَمّى}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن سليم بن عَامر أَن عمر بن الْخطاب قَالَ: الْعجب من رُؤْيا الرجل أَنه يبيت فَيرى الشَّيْء لم يخْطر لَهُ على باله فَتكون رُؤْيَاهُ كأخذ بِالْيَدِ وَيرى الرجل الرُّؤْيَا فَلَا تكون رُؤْيَاهُ شَيْئا فَقَالَ عَليّ بن أبي طَالب: أَفلا أخْبرك بذلك يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ يَقُول الله تَعَالَى {الله يتوفى الْأَنْفس حِين مَوتهَا وَالَّتِي لم تمت فِي منامها فَيمسك الَّتِي قضى عَلَيْهَا الْمَوْت وَيُرْسل الْأُخْرَى إِلَى أجل مُسَمّى} فَالله يتوفى الْأَنْفس كلهَا فَمَا رَأَتْ وَهِي عِنْده فِي السَّمَاء فَهِيَ الرُّؤْيَا الصادقة وَمَا رَأَتْ إِذا أرْسلت إِلَى أجسادها تلقتها الشَّيَاطِين فِي الْهَوَاء فكذبتها وأخبرتها بالأباطيل فَكَذبت فِيهَا
فَعجب عمر من قَوْله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي أَيُّوب
أَنه سمع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين كَانَ نازلاً عَلَيْهِ فِي بَيته حِين أَرَادَ أَن يرقد قَالَ كلَاما لم نفهمه قَالَ: فَسَأَلته عَن ذَلِك فَقَالَ اللَّهُمَّ أَنْت تتوفى الْأَنْفس حِين مَوتهَا وَالَّتِي لم تمت فِي منامها فتمسك الَّتِي قضى عَلَيْهَا الْمَوْت وَترسل الْأُخْرَى إِلَى أجل مُسَمّى أَنْت خلقتني وَأَنت تتوفاني فَإِن أَنْت توفيتني فَاغْفِر لي وَإِن أَنْت أخرتني فاحفظني(7/231)
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِذا أَوَى أحدكُم إِلَى فرَاشه فلينفضه بداخلة إزَاره فَإِنَّهُ لَا يدْرِي مَا خَلفه عَلَيْهِ ثمَّ ليقل: اللَّهُمَّ بِاسْمِك رَبِّي وضعت جَنْبي وباسمك ارفعه إِن أَمْسَكت نَفسِي فارحمها وَإِن أرسلتها فاحفظها بِمَا تحفظ بِهِ الصَّالِحين من عِبَادك
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي جُحَيْفَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي سَفَره الَّذِي نَامُوا فِيهِ حَتَّى طلعت الشَّمْس ثمَّ قَالَ: إِنَّكُم كُنْتُم أَمْوَاتًا فَرد الله إِلَيْكُم أرواحكم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَالْبُخَارِيّ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ عَن أبي قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ
أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَهُم لَيْلَة الْوَادي: إِن الله قبض أرواحكم حِين شَاءَ وردهَا عَلَيْكُم حِين شَاءَ
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أنس بن مَالك رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كنت مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي سفر فَقَالَ: من يكلؤنا اللَّيْلَة فَقلت: أَنا
فَنَامَ ونام النَّاس ونمت فَلم نستيقظ إِلَّا بحرِّ الشَّمْس
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَيهَا النَّاس إِن هَذِه الْأَرْوَاح عَارِية فِي أجساد الْعباد فيقبضها إِذا شَاءَ ويرسلها إِذا شَاءَ
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن أبي أُمَامَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي سفر فَلم يَسْتَيْقِظ حَتَّى طلعت الشَّمْس فَأَقَامَ الصَّلَاة ثمَّ صلى بهم
ثمَّ قَالَ: إِذا رقد أحدكُم فغلبته عَيناهُ فَلْيفْعَل هَكَذَا
فَإِن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {يتوفى الْأَنْفس حِين مَوتهَا وَالَّتِي لم تمت فِي منامها}
الْآيَات 43 - 45(7/232)
أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلَا يَعْقِلُونَ (43) قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (44) وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (45)
أخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {أم اتَّخذُوا من دون الله شُفَعَاء} قَالَ: الْآلهَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث والنشور عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {قل لله الشَّفَاعَة جَمِيعًا} قَالَ: لَا يشفع عِنْده أحد إِلَّا بِإِذْنِهِ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَإِذا ذكر الله وَحده اشمأزت} قَالَ: انقبضت قَالَ: هُوَ يَوْم قَرَأَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلَيْهِم {والنجم} عِنْد بَاب الْكَعْبَة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {وَإِذا ذكر الله وَحده اشمأزت قُلُوب الَّذين لَا يُؤمنُونَ بِالآخِرَة} قَالَ: قست ونفرت قُلُوب هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَة الَّذين لَا يُؤمنُونَ بِالآخِرَة: أَبُو جهل بن هِشَام والوليد بن عتبَة وَصَفوَان وأُبيّ بن خلف {وَإِذا ذكر الَّذين من دونه} اللات والعزى {إِذا هم يستبشرون}
وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله عزَّ وَجل {اشمأزت قُلُوب الَّذين لَا يُؤمنُونَ بِالآخِرَة} قَالَ: نفرت قُلُوب الْكَافرين من ذكر الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم
أما سَمِعت عَمْرو بن كُلْثُوم الثَّعْلَبِيّ وَهُوَ يَقُول: إِذا غض النِّفَاق لَهَا اشمأزت وولته عشورته زبونا وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَإِذا ذكر الله وَحده اشمأزت قُلُوب الَّذين لَا يُؤمنُونَ بِالآخِرَة} قَالَ: استكبرت ونفرت {وَإِذا ذكر الَّذين من دونه} قَالَ: الْآلهَة
الْآيَات 46 - 48(7/233)
قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (46) وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ (47) وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (48)
أخرج مُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا قَامَ من اللَّيْل افْتتح صلَاته اللَّهُمَّ رب جِبْرِيل وَمِيكَائِيل وإسرافيل {فاطر السَّمَاوَات وَالْأَرْض} عَالم الْغَيْب وَالشَّهَادَة أَنْت تحكم بَين عِبَادك فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ
اهدني لما اخْتلفت من الْحق بإذنك انك تهدي من تشَاء إِلَى صِرَاط مُسْتَقِيم
الْآيَات 49 - 52(7/234)
فَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (49) قَدْ قَالَهَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (50) فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هَؤُلَاءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ (51) أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (52)
أخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {ثمَّ إِذا خوّلناه نعْمَة منا} قَالَ: أعطيناه {قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتهُ على علم} أَي على شرف أعطانيه
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {ثمَّ إِذا خوّلناه نعْمَة منا} قَالَ: أعطيناه
وَعَن قَتَادَة فِي قَوْله {إِنَّمَا أُوتِيتهُ على علم} قَالَ: قَالَ: على خبر عِنْدِي {بل هِيَ فتْنَة} قَالَ: بلَاء
وَأخرج ابْن جرير عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {قد قَالَهَا الَّذين من قبلهم} الْأُمَم الْمَاضِيَة {وَالَّذين ظلمُوا من هَؤُلَاءِ} قَالَ: من أمة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم(7/234)
الْآيَة 53(7/235)
قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53)
أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {قل يَا عبَادي الَّذين أَسْرفُوا على أنفسهم} فِي مُشْركي أهل مَكَّة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا [] فكتبتها بيَدي ثمَّ بعثت إِلَى هِشَام بن العَاصِي
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان بِسَنَد لين عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: بعث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى وَحشِي بن حَرْب قَاتل حَمْزَة يَدعُوهُ إِلَى الإِسلام فَأرْسل إِلَيْهِ: يَا مُحَمَّد كَيفَ تَدعُونِي وَأَنت تزْعم أَن من قتل أَو أشرك أَو زنى (يلقَ أثاماً) (يُضَاعف لَهُ الْعَذَاب يَوْم الْقِيَامَة ويخلد فِيهِ مهاناً) (الْفرْقَان 69) وَأَنا صنعت ذَلِك فَهَل تَجِد لي من رخصَة فَأنْزل الله (إِلَّا من تَابَ وآمن وَعمل عملا صَالحا فَأُولَئِك يُبدل الله سيئاتهم حَسَنَات وَكَانَ الله غَفُورًا رحِيما) (الْفرْقَان 70) فَقَالَ وَحشِي: هَذَا شَرط شَدِيد (إِلَّا من تَابَ وآمن وَعمل عملا صَالحا) (الْفرْقَان 70) فلعلي لَا أقدر على هَذَا
فَأنْزل الله (إِن الله لَا يغْفر أَن يُشْرك بِهِ وَيغْفر مَا دون ذَلِك لمن يَشَاء) (النِّسَاء 48) فَقَالَ وَحشِي: هَذَا أرى بعد مَشِيئَة فَلَا يدْرِي يغْفر لي أم لَا فَهَل غير هَذَا فَأنْزل الله {يَا عبَادي الَّذين أَسْرفُوا على أنفسهم} الْآيَة قَالَ وَحشِي: هَذَا فهم
فَأسلم فَقَالَ النَّاس: يَا رَسُول الله: إِنَّا أصبْنَا مَا أصَاب وَحشِي قَالَ: بلَى للْمُسلمين عَامَّة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي سعيد قَالَ: لما أسلم وَحشِي أنزل الله (وَالَّذين لَا يدعونَ مَعَ الله إِلَهًا آخر وَلَا يقتلُون النَّفس الَّتِي حرم الله إِلَّا بِالْحَقِّ) (الْفرْقَان 68) قَالَ وَحشِي وَأَصْحَابه: فَنحْن قد ارتكبنا هَذَا كُله
فَأنْزل الله {قل يَا عبَادي الَّذين أَسْرفُوا على أنفسهم} الْآيَة
وَأخرج مُحَمَّد بن نصر فِي كتاب الصَّلَاة عَن وَحشِي قَالَ: لما كَانَ فِي أَمر حَمْزَة(7/235)
مَا كَانَ ألْقى الله خوف مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قلبِي خرجت هَارِبا أكمن النَّهَار وأسير اللَّيْل حَتَّى صرت إِلَى أقاويل حمير فَنزلت فيهم فاقمت حَتَّى أَتَانِي رَسُول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يدعوني إِلَى الْإِسْلَام قلت: وَمَا الإِسلام قَالَ: تؤمن بِاللَّه وَرَسُوله وتترك الشّرك بِاللَّه وَقتل النَّفس الَّتِي حرم الله وَشرب الْخمر وَالزِّنَا وَالْفَوَاحِش كلهَا وتستحم من الْجَنَابَة وَتصلي الْخمس
قَالَ: إِن الله قد أنزل هَذِه الْآيَة {يَا عبَادي الَّذين أَسْرفُوا على أنفسهم} فَقلت: أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله فصافحني وَكَنَّانِي بِأبي حَرْب
وَأخرج البُخَارِيّ فِي الْأَدَب الْمُفْرد عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: خرج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على رَهْط من أَصْحَابه يَضْحَكُونَ فَقَالَ: وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لَو تعلمُونَ مَا أعلم لضحكتم قَلِيلا ولبكيتم كثيرا
ثمَّ انْصَرف وَبكى الْقَوْم فَأوحى الله إِلَيْهِ: يَا مُحَمَّد لم تقنط عبَادي فَرجع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ: أَبْشِرُوا وقربوا وسددوا
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن عمر بن الْخطاب قَالَ: اتّفقت أَنا وَعَيَّاش بن أبي ربيعَة وَهِشَام بن العَاصِي بن وَائِل أَن نهاجر إِلَى الْمَدِينَة
فَخرجت أَنا وَعَيَّاش بن أبي ربيعَة وَهِشَام بن العَاصِي بن وَائِل أَن نهاجر إِلَى الْمَدِينَة
فَخرجت أَنا وَعَيَّاش وَفتن هِشَام فَافْتتنَ فَقدم على عَيَّاش أَخُوهُ أَبُو جهل والْحَارث بن هِشَام فَقَالَا: إِن أمك قد نذرت أَن لَا يُظِلّهَا ظلّ وَلَا يمس رَأسهَا غسل حَتَّى تراك
فَقلت: وَالله إِن يريداك إِلَّا أَن يفتناك عَن دينك وخرجا بِهِ
وفتنوه فَافْتتنَ قَالَ: فَنزلت {يَا عبَادي الَّذين أَسْرفُوا على أنفسهم لَا تقنطوا من رَحْمَة الله} قَالَ: عمر رَضِي الله عَنهُ: فَكتبت إِلَى هِشَام فَقدم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {يَا عبَادي الَّذين أَسْرفُوا على أنفسهم لَا تقنطوا من رَحْمَة الله} وَذَلِكَ أَن أهل مَكَّة قَالُوا: يزْعم مُحَمَّد أَن من عبد الْأَوْثَان ودعا مَعَ الله إِلَهًا آخر وَقتل النَّفس الَّتِي حرم الله لم يغْفر لَهُ فَكيف نهاجر ونسلم وَقد عَبدنَا الْآلهَة وقتلنا النَّفس وَنحن أهل الشّرك فَأنْزل الله {يَا عبَادي الَّذين أَسْرفُوا على أنفسهم لَا تقنطوا من رَحْمَة الله إِن الله يغْفر الذُّنُوب جَمِيعًا} وَقَالَ (وأنيبوا إِلَى ربكُم وَأَسْلمُوا لَهُ) وَإِنَّمَا يُعَاتب الله أولي الْأَلْبَاب وَإِنَّمَا الْحَلَال وَالْحرَام لأهل الإِيمان فإياهم عَاتب وإياهم أَمر إِذا أسرف أحدهم على نَفسه أَن لَا يقنط من رَحْمَة الله وَأَن يَتُوب وَلَا يضن بِالتَّوْبَةِ على لَك الإِسراف(7/236)
والذنب الَّذِي عمل وَقد ذكر الله تَعَالَى فِي سُورَة آل عمرَان الْمُؤمنِينَ حِين سَأَلُوا الْمَغْفِرَة فَقَالُوا: (رَبنَا اغْفِر لنا ذنوبنا وإسرافنا فِي أمرنَا) (آل عمرَان 147) فَيَنْبَغِي أَن يعلم أَنهم كَانُوا يصيبون الْأَمريْنِ فَأَمرهمْ بِالتَّوْبَةِ
وَأخرج ابْن جرير عَن عَطاء بن يسَار قَالَ: نزلت هَذِه الْآيَات الثَّلَاث بِالْمَدِينَةِ فِي وَحشِي وَأَصْحَابه {يَا عبَادي الَّذين أَسْرفُوا على أنفسهم} إِلَى قَوْله (وَأَنْتُم لَا تشعرون) (النِّسَاء 110)
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عمر قَالَ: نزلت هَذِه الْآيَة فِي عَيَّاش بن أبي ربيعَة والوليد بن الْوَلِيد وَنَفر من الْمُسلمين كَانُوا أَسْلمُوا ثمَّ فتنُوا وعذبوا فافتتنوا فَكُنَّا نقُول: لَا يقبل الله من هَؤُلَاءِ صرفا وَلَا عدلا أبدا
أَقوام أَسْلمُوا ثمَّ تركُوا دينهم بِعَذَاب عذبوه فَنزلت هَؤُلَاءِ الْآيَات وَكَانَ عمر بن الْخطاب كَاتبا فكتبها بِيَدِهِ ثمَّ كتب بهَا إِلَى عَيَّاش والوليد وَإِلَى أُولَئِكَ النَّفر
فاسلموا وَهَاجرُوا
وَأخرج أَحْمد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ثَوْبَان قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: مَا أحب أَن لي الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا بِهَذِهِ الْآيَة {يَا عبَادي الَّذين أَسْرفُوا على أنفسهم} إِلَى آخر الْآيَة
فَقَالَ رجل: يَا رَسُول الله فَمن أشرك فَسكت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِلَّا وَمن أشرك ثَلَاث مَرَّات
وَأخرج أَحْمد وَعبد بن حميد وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه وَابْن الْمُنْذر وَابْن الْأَنْبَارِي فِي الْمَصَاحِف وَالْحَاكِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن أَسمَاء بنت يزِيد سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقْرَأ {يَا عبَادي الَّذين أَسْرفُوا على أنفسهم لَا تقنطوا من رَحْمَة الله إِن الله يغْفر الذُّنُوب جَمِيعًا} وَلَا يُبَالِي أَنه هُوَ الغفور الرَّحِيم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي حسن الظَّن وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن مَسْعُود أَنه مر على قاصٍّ يذكر النَّاس فَقَالَ: يَا مُذَكّر النَّاس لَا تقنط النَّاس ثمَّ قَرَأَ {يَا عبَادي الَّذين أَسْرفُوا على أنفسهم لَا تقنطوا من رَحْمَة الله}
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن سِيرِين قَالَ: قَالَ عَليّ أَي آيَة أوسع فَجعلُوا يذكرُونَ آيَات من الْقُرْآن (من يعْمل سوء أَو يظلم نَفسه) (النِّسَاء 110)
وَنَحْوهَا
فَقَالَ عَليّ(7/237)
رَضِي الله عَنهُ: مَا فِي الْقُرْآن أوسع آيَة من {يَا عبَادي الَّذين أَسْرفُوا على أنفسهم}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {يَا عبَادي الَّذين أَسْرفُوا على أنفسهم}
قد دَعَا الله إِلَى مغفرته من زعم أَن الْمَسِيح هُوَ الله وَمن زعم أَن الْمَسِيح ابْن الله وَمن زعم أَن عُزَيْرًا ابْن الله وَمن زعم أَن الله فَقير وَمن زعم أَن يَد الله مغلولة وَمن زعم أَن الله ثَالِث ثَلَاثَة
يَقُول الله تَعَالَى لهَؤُلَاء (أَفلا يتوبون إِلَى الله ويستغفرونه وَالله غَفُور رَحِيم) (الْمَائِدَة 74) ثمَّ دَعَا إِلَى تَوْبَته من هُوَ أعظم قولا من هَؤُلَاءِ
من قَالَ (أَنا ربكُم الْأَعْلَى) (النازعات 24) وَقَالَ (مَا علمت لكم من إِلَه غَيْرِي) (الْقَصَص 38) قَالَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا: من آيس الْعباد من التَّوْبَة بعد هَذَا فقد جحد كتاب الله وَلَكِن لَا يقدر العَبْد أَن يَتُوب حَتَّى يَتُوب الله عَلَيْهِ
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن عبيد بن عُمَيْر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِن إِبْلِيس قَالَ: يَا رب زِدْنِي قَالَ: صدوركم مسَاكِن لكم وَتجرونَ مِنْهُم مجْرى الدَّم قَالَ: يَا رب زِدْنِي
قَالَ: (اجلب عَلَيْهِم بخيلك ورجلك وشاركهم فِي الْأَمْوَال وَالْأَوْلَاد وعدهم وَمَا يعدهم الشَّيْطَان إِلَّا غرُورًا) (الْإِسْرَاء 64) فَقَالَ آدم عَلَيْهِ السَّلَام: يَا رب قد سلطته عليَّ وَأَنِّي لَا أمتنع مِنْهُ إِلَّا بك فَقَالَ: لَا يُولد لَك ولد إِلَّا وكلت بِهِ من يحفظه من قرناء السوء
قَالَ: يَا رب زِدْنِي
قَالَ: الْحَسَنَة عشرا أَو ازيد والسيئة وَاحِدَة أَو امحوها قَالَ: يَا رب زِدْنِي قَالَ: بَاب التَّوْبَة مَفْتُوح مَا كَانَ الرّوح فِي الْجَسَد
قَالَ: يَا رب زِدْنِي قَالَ {يَا عبَادي الَّذين أَسْرفُوا على أنفسهم لَا تقنطوا من رَحْمَة الله إِن الله يغْفر الذُّنُوب جَمِيعًا أَنه هُوَ الغفور الرَّحِيم}
وَأخرج أَحْمد وَأَبُو يعلى والضياء عَن أنس رضى الله عَنهُ قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لَو أخطأتم حَتَّى تملأ خطاياكم مَا بَين السَّمَاء وَالْأَرْض ثمَّ استغفرتم لغفر لكم
وَالَّذِي نفس مُحَمَّد بِيَدِهِ لَو لم تخطئوا لجاء الله بِقوم يخطئون ثمَّ يَسْتَغْفِرُونَ فَيغْفر لَهُم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَمُسلم عَن أبي أَيُّوب الْأنْصَارِيّ رَضِي الله عَنهُ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: لَوْلَا أَنكُمْ تذنبون لخلق الله خلقا يذنبون فَيغْفر لَهُم
وَأخرج الْخَطِيب عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: أوحى الله إِلَى دَاوُد عَلَيْهِ(7/238)
السَّلَام: يَا دَاوُد إِن العَبْد من عَبِيدِي ليأتيني بِالْحَسَنَة فاحكمه فيّ
قَالَ دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام: وَمَا تِلْكَ الْحَسَنَة قَالَ: كربَة فرجهَا عَن مُؤمن قَالَ دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام: اللَّهُمَّ حقيق على من عرفك حق معرفتك أَن لَا يقنط مِنْك
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ عَن جَابر بن عبد الله رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: قَالَ لي جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام: يَا مُحَمَّد إِن الله يخاطبني يَوْم الْقِيَامَة فَيَقُول: يَا جِبْرِيل مَا لي أرى فلَان بن فلَان فِي صُفُوف أهل النَّار فَأَقُول: يَا رب إِنَّا لم نجد لَهُ حَسَنَة يعود عَلَيْهِ خَيرهَا الْيَوْم
فَيَقُول الله: إِنِّي سمعته فِي دَار الدُّنْيَا يَقُول: يَا حنان يَا منان فأته فَاسْأَلْهُ فَيَقُول وَهل من حنان ومنان غَيْرِي فآخذ بِيَدِهِ من صُفُوف أهل النَّار فَادْخُلْهُ فِي صُفُوف أهل الْجنَّة
وَأخرج ابْن الضريس وَأَبُو القسام بن بشير فِي أَمَالِيهِ عَن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِن الْفَقِيه كل الْفَقِيه من لم يقنط النَّاس من رَحْمَة الله تَعَالَى وَلم يرخص لَهُم فِي مَعَاصيه وَلم يؤمنهم عَذَاب الله وَلم يدع الْقُرْآن رَغْبَة مِنْهُ إِلَى غَيره إِنَّه لَا خير فِي عبَادَة لَا علم فِيهَا وَلَا علم لَا فهم فِيهِ وَلَا قِرَاءَة لَا تدبر فِيهَا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عَطاء بن يسَار رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِن للمتقنطين جِسْرًا يطَأ النَّاس يَوْم الْقِيَامَة على أَعْنَاقهم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا أَنَّهَا قَالَت: ألم أحدث أَنَّك تعظ النَّاس قَالَ: بلَى
قَالَت: فإياك واهلاك النَّاس وتقنيطهم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر عَن زيد بن أسلم رَضِي الله عَنهُ أَن رجلا كَانَ فِي الْأُمَم الْمَاضِيَة يجْتَهد فِي الْعِبَادَة ويشدد على نَفسه ويقنط النَّاس من رَحْمَة الله تَعَالَى ثمَّ مَاتَ فَقَالَ: أَي رب مَا لي عنْدك قَالَ: النَّار قَالَ: فَأَيْنَ عبادتي واجتهادي فَقيل لَهُ كنت تقنط النَّاس من رَحْمَتي وَأَنا اقنطك الْيَوْم من رَحْمَتي
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: ذكر لنا أَن نَاسا أَصَابُوا فِي الشّرك عظاماً فَكَانُوا يخَافُونَ أَن لَا يغْفر لَهُم فَدَعَاهُمْ الله لهَذِهِ الْآيَة {يَا عبَادي الَّذين أَسْرفُوا}
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي مجلز لَاحق بن حميد السدُوسِي قَالَ: لما أنزل الله على نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {قل يَا عبَادي الَّذين أَسْرفُوا على أنفسهم لَا تقنطوا من رَحْمَة الله إِن الله يغْفر الذُّنُوب جَمِيعًا}(7/239)
إِلَى آخر الْآيَة قَامَ نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَخَطب النَّاس وتلا عَلَيْهِم
فَقَامَ رجل فَقَالَ: يَا رَسُول الله والشرك بِاللَّه فَسكت فَأَعَادَ ذَلِك مَا شَاءَ الله فَأنْزل الله (إِن الله لَا يغْفر أَن يُشْرك بِهِ وَيغْفر مَا دون ذَلِك لمن يَشَاء) (النِّسَاء 48)
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ {يَا عبَادي الَّذين أَسْرفُوا على أنفسهم} إِلَى قَوْله (وأنيبوا إِلَى ربكُم وَأَسْلمُوا لَهُ) (الزمر 54) قَالَ عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ: قَالَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِيهَا علقَة (وأنيبوا إِلَى ربكُم)
الْآيَات 54 - 59(7/240)
وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ (54) وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (55) أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ (56) أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (57) أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (58) بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ (59)
أخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {وأنيبوا إِلَى ربكُم وَأَسْلمُوا لَهُ} قَالَ: اقْبَلُوا إِلَى ربكُم
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن عبيد بن يعلى رَضِي الله عَنهُ قَالَ: الإِنابة الدُّعَاء
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {أَن تَقول نفس يَا حسرتى على مَا فرطت} الْآيَات
قَالَ أخبر الله سُبْحَانَهُ مَا الْعباد قَائِلُونَ قبل أَن يقولوه وعملهم قبل أَن يعلموه (وَلَا ينبئك مثل خَبِير) (فاطر 14) {أَن تَقول نفس يَا حسرتى على مَا فرطت فِي جنب الله وَإِن كنت لمن الساخرين} يَقُول [] المحلوقين {أَو تَقول لَو أَن الله هَدَانِي لَكُنْت من الْمُتَّقِينَ أَو تَقول حِين ترى الْعَذَاب لَو أَن لي كرة فَأَكُون من الْمُحْسِنِينَ} يَقُول: من المهتدين
فَأخْبر الله سُبْحَانَهُ(7/240)
وَتَعَالَى: أَنهم لَو ردوا لم يقدروا على الْهدى قَالَ الله تَعَالَى (وَلَو ردوا لعادوا لما نهوا عَنهُ وَإِنَّهُم لَكَاذِبُونَ) (الْأَنْعَام 38) وَقَالَ (ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كَمَا لم يُؤمنُوا بِهِ أوّل مرّة) (الْأَنْعَام 110) قَالَ: وَلَو ردوا إِلَى الدُّنْيَا لحيل بَينهم الْهدى كَمَا حلنا بَينهم وَبَينه أوّل مرّة فِي الدُّنْيَا
وَأخرج آدم بن أبي إِيَاس وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {على مَا فرطت فِي جنب الله} قَالَ: فِي ذكر الله
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {أَن تَقول نفس يَا حسرتى على مَا فرطت فِي جنب الله وَإِن كنت لمن الساخرين} قَالَ: فَلم يكفه أَن ضيع طَاعَة الله تَعَالَى حَتَّى جعل يسخر بِأَهْل طَاعَة الله
قَالَ: هَذَا قَول صنف مِنْهُم {أَو تَقول لَو أَن الله هَدَانِي لَكُنْت من الْمُتَّقِينَ} قَالَ: هَذَا قَول صنف مِنْهُم آخر {أَو تَقول حِين ترى الْعَذَاب لَو أَن لي كرة فَأَكُون من الْمُحْسِنِينَ} قَالَ: لَو رجعت إِلَى الدُّنْيَا قَالَ: هَذَا قَول صنف آخر
يَقُول الله ردا لقَولهم وتكذيباً لَهُم {بلَى قد جاءتك آياتي فَكَذبت بهَا واستكبرت وَكنت من الْكَافرين}
وَأخرج أَحْمد وَالنَّسَائِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: كل أهل النَّار يرى مَقْعَده من الْجنَّة فَيَقُول {لَو أَن الله هَدَانِي} فَيكون عَلَيْهِ حسرة وكل أهل الْجنَّة يرى مَقْعَده من النَّار فيحمد الله فَيكون لَهُ شكرا ثمَّ تَلا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {أَن تَقول نفس يَا حسرتى على مَا فرطت فِي جنب الله}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: مَا جلس قوم مَجْلِسا لَا يذكرُونَ الله فِيهِ إِلَّا كَانَ عَلَيْهِم حسرة يَوْم الْقِيَامَة وَإِن كَانُوا من أهل الْجنَّة يرَوْنَ ثَوَاب كل مجْلِس ذكرُوا الله فِيهِ وَلَا يرَوْنَ ثَوَاب ذَلِك الْمجْلس فَيكون عَلَيْهِم حسرة
وَأخرج البُخَارِيّ فِي تَارِيخه وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي بكرَة رضى الله عَنهُ قَالَ: سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقْرَأ {بلَى قد جاءتك آياتي فَكَذبت بهَا واستكبرت وَكنت من الْكَافرين}(7/241)
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ بلَى قد جاءتك آياتي بِنصب الْكَاف فَكَذبت بهَا واستكبرت وَكنت من الْكَافرين بِنصب التَّاء فِيهِنَّ كُلهنَّ وينجي الله الَّذين اتَّقوا بمفازاتهم على الْجِمَاع
الْآيَات 60 - 61(7/242)
وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ (60) وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (61)
أخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَالْبُخَارِيّ فِي الْأَدَب وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه وَالنَّسَائِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الْإِيمَان عَن عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: يحْشر المتكبرون يَوْم الْقِيَامَة أَمْثَال الذَّر فِي صور الرِّجَال يَغْشَاهُم الذل من كل مَكَان
يساقون إِلَى سجن فِي جَهَنَّم
يشربون من عصارة أهل النَّار طِينَة الخبال
وَأخرج عبد بن حميد وَالْبَيْهَقِيّ عَن أنس رَضِي الله عَنهُ
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن المتكبرين يَوْم الْقِيَامَة يجْعَلُونَ فِي توابيت من نَار يطبق عَلَيْهِم ويجعلون فِي الدَّرك الْأَسْفَل من النَّار
وَأخرج عبد بن حميد وَالْبَيْهَقِيّ عَن كَعْب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: يحْشر المتكبرون يَوْم الْقِيَامَة رجَالًا فِي صور الذَّر
يَغْشَاهُم الذل من كل مَكَان
يسلكون فِي نَار الأنيار
يسقون من طِينَة الخبال عصارة أهل النَّار
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ يجاء بالجبارين والمتكبرين رجَالًا فِي صور الذَّر يطؤهم النَّاس من هوانهم على الله حَتَّى يقْضى بَين النَّاس ثمَّ يذهب بهم إِلَى نَار الأنيار
قيل يَا رَسُول الله وَمَا نَار الأنيار قَالَ: عصارة أهل النَّار
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن زيد رَضِي الله عَنهُ {وينجي الله الَّذين اتَّقوا بمفازتهم} قَالَ: بأعمالهم(7/242)
الْآيَة 62(7/243)
اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (62)
أخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ليسألنكم النَّاس عَن كل شَيْء حَتَّى يسألوكم هَذَا الله خَالق كل شَيْء فَمن خلق الله فَإِن سئلتم فَقولُوا: الله كَانَ قبل كل شَيْء وَهُوَ خَالق كل شَيْء وَهُوَ كَائِن بعد كل شَيْء
وَالله أعلم
الْآيَة 63(7/243)
لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (63)
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {لَهُ مقاليد السَّمَاوَات وَالْأَرْض} قَالَ: مفاتيحها
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {لَهُ مقاليد السَّمَاوَات} قَالَ: مَفَاتِيح بِالْفَارِسِيَّةِ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة وَالْحسن رَضِي الله عَنْهُمَا {لَهُ مقاليد السَّمَاوَات وَالْأَرْض} مفاتيحها
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: خرج علينا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَات غَدَاة فَقَالَ:: إِنِّي رَأَيْت فِي غداتي هَذِه كَأَنِّي أتيت بالمقاليد والموازين
فاما المقاليد: فالمفاتيح
وَأما الموازين: فموازينكم هَذِه الَّتِي تزنون بهَا
وَجِيء بِالْمَوَازِينِ فَوضعت مَا بَين السَّمَاء وَالْأَرْض ثمَّ وضعت فِي كَفه
وَجِيء بالأمة فَوضعت فِي الكفة الْأُخْرَى فرجحت بهم
ثمَّ جِيءَ بِأبي بكر فَوضع فِي كفة فوزن بهم ثمَّ جِيءَ بعمر فَوضع فِي كفة وَالْأمة فِي كفة فوزنهم ثمَّ رفعت الْمِيزَان
وَأخرج أَبُو يعلى ويوسف القَاضِي فِي سنَنه وَأَبُو الْحسن الْقطَّان فِي المطولات وَابْن السّني فِي عمل يَوْم وَلَيْلَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن عُثْمَان بن عَفَّان رَضِي الله عَنهُ قَالَ: سَأَلت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن قَول الله تَعَالَى {لَهُ مقاليد السَّمَاوَات وَالْأَرْض}(7/243)
قَالَ: لَا إِلَه إِلَّا الله وَالله أكبر سُبْحَانَ الله وَالْحَمْد لله
أسْتَغْفر الله الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ الأول وَالْآخر وَالظَّاهِر وَالْبَاطِن يحيي وَيُمِيت وَهُوَ حَيّ لَا يَمُوت بِيَدِهِ الْخَيْر وَهُوَ على كل شَيْء قدير
يَا عُثْمَان من قَالَهَا كل يَوْم مائَة مرّة أعطي بهَا عشر خِصَال
أما أَولهَا فَيغْفر لَهُ مَا تقدم من ذَنبه
وَأما الثَّانِيَة فَيكْتب لَهُ بَرَاءَة من النَّار
وَأما الثَّالِثَة فيوكل بِهِ ملكان يحفظانه فِي ليله ونهاره من الْآفَات والعاهات
وَأما الرَّابِعَة فَيعْطى قِنْطَارًا من الاجر
وَأما الْخَامِسَة فَيكون لَهُ أجر من أعتق مائَة رَقَبَة محررة من ولد إِسْمَعِيل
وَأما السَّادِسَة فيزوّج من الْحور الْعين
وَأما السَّابِعَة فيحرس من إِبْلِيس وَجُنُوده
وَأما الثَّامِنَة فيعقد على رَأسه تَاج الْوَقار
وَأما التَّاسِعَة فَيكون مَعَ إِبْرَاهِيم
وَأما الْعَاشِرَة فَيشفع فِي سبعين رجلا من أهل بَيته
يَا عُثْمَان إِن اسْتَطَعْت فَلَا يفوتك يَوْمًا من الدَّهْر تفز بهَا من الفائزين وتسبق بهَا الْأَوَّلين والآخرين
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا
أَن عُثْمَان بن عَفَّان رَضِي الله عَنهُ جَاءَ إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن {مقاليد السَّمَاوَات وَالْأَرْض} فَقَالَ: سُبْحَانَ الله وَالْحَمْد لله وَلَا إِلَه إِلَّا الله وَالله أكبر وَلَا حول(7/244)
وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه الْعلي الْعَظِيم الأول وَالْآخر وَالظَّاهِر وَالْبَاطِن بِيَدِهِ الْخَيْر يحيي وَيُمِيت وَهُوَ على كل شَيْء قدير
يَا عُثْمَان من قَالَهَا إِذا أصبح عشر مَرَّات وَإِذا أَمْسَى أعطَاهُ الله سِتّ خِصَال
أما أولهنَّ فيحرس من إِبْلِيس وَجُنُوده
وَأما الثَّانِيَة فَيعْطى قِنْطَارًا من الاجر
وَأما الثَّالِثَة فَيَتَزَوَّج من الْحور الْعين
وَأما الرَّابِعَة فَيغْفر لَهُ ذنُوبه
وَأما الْخَامِسَة فَيكون مَعَ إِبْرَاهِيم
وَأما السَّادِسَة فيحضره اثْنَا عشر ملكا عِنْد مَوته يُبَشِّرُونَهُ بِالْجنَّةِ ويزفونه من قَبره إِلَى الْموقف فَإِن أَصَابَهُ شَيْء من أهاويل يَوْم الْقِيَامَة قَالُوا لَهُ: لَا تخف إِنَّك من الْآمنينَ ثمَّ يحاسبه الله حسابا يَسِيرا ثمَّ يُؤمر بِهِ إِلَى الْجنَّة يزفونه إِلَى الْجنَّة من موقفه كَمَا تزف الْعَرُوس حَتَّى يدخلوه الْجنَّة بِإِذن الله وَالنَّاس فِي شدَّة الْحساب
وَأخرج الْحَارِث بن أبي أُسَامَة وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: سَأَلَ عُثْمَان بن عَفَّان رَضِي الله عَنهُ عَن {مقاليد السَّمَاوَات وَالْأَرْض} فَقَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: سُبْحَانَ الله وَالْحَمْد لله وَلَا إِلَه إِلَّا الله وَالله أكبر وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه الْعلي الْعَظِيم من كنوز الْعَرْش
وَأخرج الْعقيلِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا
أَن عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ سَأَلَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن تَفْسِير {لَهُ مقاليد السَّمَاوَات وَالْأَرْض} فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا سَأَلَني عَنْهَا أحد تَفْسِيرهَا لَا إِلَه إِلَّا الله وَالله أكبر وَسُبْحَان الله وَالله أكبر واستغفر الله وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه الأول وَالْآخر وَالظَّاهِر وَالْبَاطِن بِيَدِهِ الْخَيْر يحيي وَيُمِيت وَهُوَ على كل شَيْء قدير
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن زيد رَضِي الله عَنهُ {لَهُ مقاليد السَّمَاوَات وَالْأَرْض} لَهُ مَفَاتِيح خَزَائِن السَّمَوَات وَالْأَرْض
الْآيَات 64 - 66(7/245)
قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ (64) وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (65) بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (66)
أخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا
أَن قُريْشًا دعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن يعطوه مَالا فَيكون أغْنى رجل بِمَكَّة ويزوّجوه مَا أَرَادَ من النِّسَاء ويطأون عقبه
فَقَالُوا لَهُ: هَذَا لَك عندنَا يَا مُحَمَّد وتكف عَن شتم آلِهَتنَا وَلَا تذكرها بِسوء
فَإِن لم تفعل فَإنَّا نعرض عَلَيْك خصْلَة وَاحِدَة هِيَ لنا وَلَك [] فدلوه قَالَ: حَتَّى أنظر مَا يأتيني من رَبِّي فجَاء الْوَحْي (قل يَا أَيهَا الْكَافِرُونَ) (الْكَافِرُونَ الْآيَة 1) إِلَى آخر السُّورَة وَأنزل الله عَلَيْهِ {قل أفغير الله تأمروني أعبد أَيهَا الجاهلون} {وَلَقَد أُوحِي إِلَيْك وَإِلَى الَّذين من قبلك لَئِن أشركت ليحبطن عَمَلك ولتكونن من الخاسرين}
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ الْمُشْركُونَ للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إياك وأجدادك يَا مُحَمَّد
فَأنْزل الله {قل أفغير الله تأمروني أعبد أَيهَا الجاهلون} إِلَى قَوْله {بل الله فاعبد وَكن من الشَّاكِرِينَ}
الْآيَة 67(7/245)
وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (67)
أخرج سعيد بن مَنْصُور وَأحمد وَعبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: جَاءَ حبر من الْأَحْبَار إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا مُحَمَّد إِنَّا نجد أَن الله يحمل السَّمَوَات يَوْم الْقِيَامَة على إِصْبَع وَالْأَرضين على إِصْبَع وَالشَّجر على إِصْبَع وَالْمَاء وَالثَّرَى على إِصْبَع وَسَائِر الْخلق على إِصْبَع
فَيَقُول: أَنا الْملك
فَضَحِك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى بَدَت نَوَاجِذه تَصْدِيقًا لقَوْل الحبر ثمَّ قَرَأَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وَمَا قدرُوا الله حق قدره وَالْأَرْض جَمِيعًا قَبضته يَوْم الْقِيَامَة}
وَأخرج أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: مر يَهُودِيّ برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ جَالس قَالَ: كَيفَ تَقول يَا أَبَا الْقَاسِم إِذا وضع الله السَّمَوَات على ذه وَأَشَارَ بالسبابة وَالْأَرضين على ذه وَالْجِبَال على ذه وَسَائِر الْخلق على ذه
كل ذَلِك يُشِير باصابعه فَأنْزل الله {وَمَا قدرُوا الله حق قدره}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ قَالَ: تَكَلَّمت الْيَهُود فِي صفة الرب فَقَالُوا مَا لم يعلموه وَمَا لم يرَوا
فَأنْزل الله {وَمَا قدرُوا الله حق قدره}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ قَالَ: الْيَهُود نظرُوا فِي خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض وَالْمَلَائِكَة فَلَمَّا زاغوا أخذُوا يقدرونه
فَأنْزل الله {وَمَا قدرُوا الله حق قدره}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن الرّبيع بن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما نزلت (وسع كرسيه السَّمَوَات وَالْأَرْض) (الْبَقَرَة الْآيَة 255) قَالُوا: يَا رَسُول الله هَذَا الْكُرْسِيّ هَكَذَا فَكيف بالعرش فَأنْزل الله {وَمَا قدرُوا الله حق قدره}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَعبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: يقبض الله الأَرْض يَوْم الْقِيَامَة ويطوي السَّمَوَات بِيَمِينِهِ ثمَّ يَقُول أَنا الْملك أَيْن مُلُوك الأَرْض
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير(7/246)
وَابْن ماجة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي السَّمَاء وَالصِّفَات عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَرَأَ هَذِه الْآيَة ذَات يَوْم على الْمِنْبَر {وَمَا قدرُوا الله حق قدره وَالْأَرْض جَمِيعًا قَبضته يَوْم الْقِيَامَة وَالسَّمَاوَات مَطْوِيَّات بِيَمِينِهِ} وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول هَكَذَا بِيَدِهِ ويحركها يقبل بهَا وَيُدبر يمجد الرب نَفسه أَنا الْجَبَّار أَنا المتكبر أَنا الْملك أَنا الْكَرِيم
فَرَجَفَ برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمِنْبَر حَتَّى قُلْنَا ليخرنَّ بِهِ)
وَأخرج أَحْمد وَعبد بن حميد وَالتِّرْمِذِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: حَدَّثتنِي عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا أَنَّهَا سَأَلت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن هَذِه الْآيَة {وَمَا قدرُوا الله حق قدره وَالْأَرْض جَمِيعًا قَبضته يَوْم الْقِيَامَة وَالسَّمَاوَات مَطْوِيَّات بِيَمِينِهِ} قَالَ: يَقُول أَنا الْجَبَّار أَنا أَنا
ويمجد نَفسه فَرَجَفَ برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمِنْبَر حَتَّى أَن قُلْنَا ليخرن بِهِ قَالُوا: فَأَيْنَ النَّاس يَوْمئِذٍ يَا رَسُول الله قَالَ: على جسر جَهَنَّم
وَأخرج الْبَزَّار وَابْن عدي وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَرَأَ هَذِه الْآيَة على الْمِنْبَر {وَمَا قدرُوا الله حق قدره} حَتَّى بلغ {عَمَّا يشركُونَ} فَقَالَ: الْمِنْبَر هَكَذَا
فَذهب وَجَاء ثَلَاث مَرَّات
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ فِي العظمة وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة جمع الله السَّمَوَات السَّبع وَالْأَرضين السَّبع فِي قَبضته ثمَّ يَقُول أَنا الله أَنا الرَّحْمَن أَنا الْملك أَنا القدوس أَنا السَّلَام أَنا الْمُؤمن أَنا الْمُهَيْمِن أَنا الْعَزِيز أَنا الْجَبَّار أَنا المتكبر أَنا الَّذِي بدأت الدُّنْيَا وَلم تَكُ شَيْئا أَنا الَّذِي أعيدها ايْنَ الْمُلُوك
أَيْن الجبارون
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ بِسَنَد ضَعِيف عَن جرير رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لنفر من أَصْحَابه: أَنا قارىء عَلَيْكُم آيَات من آخر الزمر فَمن بَكَى مِنْكُم وَجَبت لَهُ الْجنَّة
فقرأها من عِنْد {وَمَا قدرُوا الله حق قدره} إِلَى آخر السُّورَة فمنا من بَكَى وَمنا من لم يبك فَقَالَ الَّذين لم يبكوا: يَا رَسُول الله لقد جهدنا أَن نبكي فَلم نبك فَقَالَ: إِنِّي سأقرأوها عَلَيْكُم فَمن لم يبكِ فليتباكَ(7/247)
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ بِسَنَد مقارب وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن أبي مَالك الْأَشْعَرِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن الله يَقُول: ثَلَاث خلال غيبتهن عَن عبَادي لَو رآهن رجل مَا عمل سوء أبدا
لَو كشفت غطائي فرآني حَتَّى استيقن وَيعلم كَيفَ أعمل بخلقي إِذا أمتهم
وقبضت السَّمَوَات بيَدي ثمَّ قبضت الْأَرْضين ثمَّ قلت: أَنا الْملك من ذَا الَّذِي لَهُ الْملك دوني
ثمَّ أريهم الْجنَّة وَمَا أَعدَدْت لَهُم فِيهَا من كل خير فيستيقنوا بهَا وأريهم النَّار وَمَا أَعدَدْت لَهُم فِيهَا من كل شَرّ فيستيقنوا بهَا
وَلَكِن عمدا غيبت عَنْهُم ذَلِك لأعْلم كَيفَ يعْملُونَ وَقد بَينته لَهُم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن مرْدَوَيْه عَن مَسْرُوق رَضِي الله عَنهُ
أَن نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ ليهودي إِذْ ذكر من عَظمَة رَبنَا فَقَالَ: السَّمَوَات على الْخِنْصر والأرضون على البنصر وَالْجِبَال على الْوُسْطَى وَالْمَاء على السبابَة وَسَائِر الْخلق على الْإِبْهَام
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: {وَمَا قدرُوا الله حق قدره وَالْأَرْض جَمِيعًا قَبضته}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: يطوي الله السَّمَوَات بِمَا فِيهَا من الخليقة وَالْأَرضين السَّبع بِمَا فِيهَا من الخليقة
يطوي كُله بِيَمِينِهِ يكون ذَلِك فِي يَده بِمَنْزِلَة خردلة
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {وَالسَّمَاوَات مَطْوِيَّات بِيَمِينِهِ}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ {وَالْأَرْض جَمِيعًا قَبضته يَوْم الْقِيَامَة وَالسَّمَاوَات مَطْوِيَّات بِيَمِينِهِ} قَالَ: كُلهنَّ فِي يَمِينه
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن شَيبَان النَّحْوِيّ رَضِي الله عَنهُ {وَمَا قدرُوا الله حق قدره وَالْأَرْض جَمِيعًا قَبضته يَوْم الْقِيَامَة} قَالَ: لم يُفَسِّرهَا قَتَادَة
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كل مَا وصف الله من نَفسه فِي كِتَابه
فتفسيره تِلَاوَته وَالسُّكُوت عَلَيْهِ
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن أبي ذَر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَتَدْرِي مَا الْكُرْسِيّ قلت: لَا
مَا فِي السَّمَوَات وَمَا فِي الأَرْض وَمَا فِيهِنَّ فِي الْكُرْسِيّ إِلَّا كحلقة أَلْقَاهَا ملق فِي الأَرْض وَمَا الْكُرْسِيّ فِي الْعَرْش إِلَّا كحلقة أَلْقَاهَا ملق فِي الأَرْض وَمَا المَاء فِي الرّيح إِلَّا كحلقة أَلْقَاهَا ملق فِي ارْض فلاة وَمَا جَمِيع ذَلِك فِي قَبْضَة الله عز وَجل إِلَّا كحبة وأصغر من الْحبَّة فِي كف(7/248)
أحدكُم وَذَلِكَ قَوْله {وَالْأَرْض جَمِيعًا قَبضته يَوْم الْقِيَامَة}
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: مَا فِي السَّمَوَات السَّبع وَالْأَرضين السَّبع فِي يَد الله عز وَجل إِلَّا كخردلة فِي يَد أحدكُم
وَأخرج ابْن جرير عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: سَأَلت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن قَوْله {وَالْأَرْض جَمِيعًا قَبضته يَوْم الْقِيَامَة} فَأَيْنَ النَّاس يَوْمئِذٍ قَالَ: على الصِّرَاط
وَأخرج ابْن جرير عَن أبي أَيُّوب الْأنْصَارِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أَتَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حبر من الْيَهُود فَقَالَ: أَرَأَيْت إِذْ يَقُول الله عز وَجل فِي كِتَابه {وَالْأَرْض جَمِيعًا قَبضته يَوْم الْقِيَامَة وَالسَّمَاوَات مَطْوِيَّات بِيَمِينِهِ} فَأَيْنَ الْخلق عِنْد ذَلِك قَالَ: هم كرتم الْكتاب
الْآيَة 68(7/249)
وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ (68)
أخرج أَحْمد وَعبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن ماجة وَابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رجل من الْيَهُود بسوق الْمَدِينَة: وَالَّذِي اصْطفى مُوسَى على الْبشر
فَرفع رجل من الْأَنْصَار يَده فَلَطَمَهُ قَالَ: أَتَقول هَذَا وَفينَا رَسُول الله فَذكرت ذَلِك لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: قَالَ الله {وَنفخ فِي الصُّور فَصعِقَ من فِي السَّمَاوَات وَمن فِي الأَرْض إِلَّا من شَاءَ الله ثمَّ نفخ فِيهِ أُخْرَى فَإِذا هم قيام ينظرُونَ} فاكون أوّل من يرفع رَأسه فَإِذا أَنا بمُوسَى آخذ بقائمة من قَوَائِم الْعَرْش فَلَا أَدْرِي أرفع رَأسه قبلي أَو كَانَ مِمَّن اسْتثْنى الله عز وَجل
وَأخرج أَبُو يعلى وَالدَّارقطني فِي الْأَفْرَاد وَابْن الْمُنْذر وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: سُئِلَ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام عَن هَذِه الْآيَة {فَصعِقَ من فِي السَّمَاوَات وَمن فِي الأَرْض إِلَّا من شَاءَ الله} من الَّذين لم يَشَاء الله أَن يصعقهم قَالَ: هم الشُّهَدَاء مقلدون باسيافهم حول عَرْشه تتلقاهم الْمَلَائِكَة عَلَيْهِم السَّلَام يَوْم الْقِيَامَة إِلَى الْمَحْشَر بنجائب من ياقوت أزمتها الدّرّ برحائل السندس والإستبرق نمارها أَلين من الْحَرِير(7/249)
مدَّ خطاها مدَّ أبصار الرجل يَسِيرُونَ فِي الْجنَّة يَقُولُونَ عِنْد طول البرهة: انْطَلقُوا بِنَا إِلَى رَبنَا نَنْظُر كَيفَ يقْضِي بَين خلقه يضْحك اليهم إلهي وَإِذا ضحك إِلَى عبد فِي موطن فَلَا حِسَاب عَلَيْهِ
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد عَن أبي هُرَيْرَة {فَصعِقَ من فِي السَّمَاوَات وَمن فِي الأَرْض إِلَّا من شَاءَ الله} قَالَ: هم الشُّهَدَاء ثنية الله تَعَالَى
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وهناد وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله {إِلَّا من شَاءَ الله} قَالَ: هم الشُّهَدَاء ثنية الله متقلدي السيوف حول الْعَرْش
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَأَبُو نصر السجْزِي فِي الإِبانة وَابْن مرْدَوَيْه عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وَنفخ فِي الصُّور فَصعِقَ من فِي السَّمَاوَات وَمن فِي الأَرْض إِلَّا من شَاءَ الله} قَالُوا: يَا رَسُول الله من هَؤُلَاءِ الَّذين اسْتثْنى الله قَالَ جِبْرِيل وَمِيكَائِيل وَملك الْمَوْت وإسرافيل وَحَملَة الْعَرْش
فَإِذا قبض الله أَرْوَاح الْخَلَائق قَالَ لملك الْمَوْت: من بَقِي وَهُوَ أعلم فَيَقُول: رب سُبْحَانَكَ
رب تعاليت ذَا الْجلَال والاكرام بَقِي جِبْرِيل وَمِيكَائِيل واسرافيل وَملك الْمَوْت
فَيَقُول: خُذ نفس مِيكَائِيل
فَيَقَع كالطود الْعَظِيم
فَيَقُول: يَا ملك الْمَوْت من بَقِي فَيَقُول سُبْحَانَكَ رب
ذَا الْجلَال والاكرام بَقِي جِبْرِيل وَملك الْمَوْت
فَيَقُول مت يَا ملك الْمَوْت فَيَمُوت فَيَقُول يَا جِبْرِيل من بَقِي فَيَقُول: سُبْحَانَكَ
يَا ذَا الْجلَال والاكرام بَقِي جِبْرِيل وَهُوَ من الله بِالْمَكَانِ الَّذِي هُوَ بِهِ
فَيَقُول: يَا جِبْرِيل مَا بُد من موتك
فَيَقَع سَاجِدا يخْفق بجناحيه يَقُول: سُبْحَانَكَ رب
تَبَارَكت وَتَعَالَيْت ذَا الْجلَال والاكرام أَنْت الْبَاقِي وَجِبْرِيل الْمَيِّت الفاني وَيَأْخُذ روحه فِي الخفقة الَّتِي يخْفق فِيهَا فَيَقَع على حيّز من فضل خلقه على خلق مِيكَائِيل كفضل الطود الْعَظِيم
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن أنس رَفعه فِي قَوْله {وَنفخ فِي الصُّور فَصعِقَ من فِي السَّمَاوَات وَمن فِي الأَرْض إِلَّا من شَاءَ الله} قَالَ: فَكَانَ مِمَّن اسْتثْنى الله جِبْرِيل وَمِيكَائِيل وَملك الْمَوْت فَيَقُول الله - وَهُوَ أعلم: يَا ملك الْمَوْت من بَقِي فَيَقُول بَقِي وَجهك الْكَرِيم وَعَبْدك جِبْرِيل وَمِيكَائِيل وَملك(7/250)
الْمَوْت
فَيَقُول: توفَّ نفس مِيكَائِيل
ثمَّ يَقُول - وَهُوَ أعلم - يَا ملك الْمَوْت من بَقِي فَيَقُول بَقِي وَجهك الْكَرِيم وَعَبْدك جِبْرِيل وَملك الْمَوْت
فَيَقُول توف نفس جِبْرِيل
ثمَّ يَقُول - وَهُوَ أعلم - يَا ملك الْمَوْت من بَقِي فَيَقُول: بَقِي وَجهك الْبَاقِي الْكَرِيم وَعَبْدك ملك الْمَوْت وَهُوَ ميت
فَيَقُول: مت
ثمَّ يُنَادي أَنا بدأت الْخلق وَأَنا أُعِيدهُ فَأَيْنَ الجبارون المتكبرون فَلَا يجِيبه أحد
ثمَّ يُنَادي لمن الْملك الْيَوْم فَلَا يجِيبه أحد فَيَقُول هُوَ لله الْوَاحِد القهار {ثمَّ نفخ فِيهِ أُخْرَى فَإِذا هم قيام ينظرُونَ}
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن جَابر {فَصعِقَ من فِي السَّمَاوَات وَمن فِي الأَرْض إِلَّا من شَاءَ الله} قَالَ: اسْتثْنى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام لِأَنَّهُ كَانَ صعق قبل
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ {إِلَّا من شَاءَ الله} قَالَ: هم حَملَة الْعَرْش
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي الْآيَة قَالَ: مَا يبْقى أحد إِلَّا مَاتَ وَقد اسْتثْنى وَالله أعلم مثنياه
وَأخرج أَحْمد وَمُسلم عَن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يخرج الدَّجَّال فِي أمتِي فيمكث فيهم أَرْبَعِينَ يَوْمًا أَو أَرْبَعِينَ عَاما أَو أَرْبَعِينَ شهرا أَو أَرْبَعِينَ لَيْلَة فيبعث الله عِيسَى بن مَرْيَم عَلَيْهِ السَّلَام كَأَنَّهُ عُرْوَة بن مَسْعُود الثَّقَفِيّ فيطلبه فيهلكه الله تَعَالَى ثمَّ يلبث النَّاس بعده سِنِين لَيْسَ بَين اثْنَيْنِ عَدَاوَة ثمَّ يبْعَث الله ريحًا بَارِدَة من قبل الشَّام فَلَا يبْقى أحد فِي قلبه مِثْقَال ذرة من الإِيمان إِلَّا قَبضته حَتَّى لَو كَانَ أحدهم فِي كبد جبل لدخلت عَلَيْهِ
يبْقى شرار النَّاس فِي خفَّة الطير وأحلام السبَاع
لَا يعْرفُونَ مَعْرُوفا وَلَا يُنكرُونَ مُنْكرا فيتمثل لَهُم الشَّيْطَان فَيَقُول: الا تستجيبون فيأمرهم بالأوثان فيعبدوها وهم فِي ذَلِك دارة أَرْزَاقهم حسن عيشهم
ثمَّ ينْفخ فِي الصُّور فَلَا يسمعهُ أحد إِلَّا صغى
وَأول من يسمعهُ رجل يلوط حَوْضه فيصعق ثمَّ لَا يبْقى أحد إِلَّا صعق
ثمَّ يُرْسل الله مَطَرا كَأَنَّهُ الطل فتنبت مِنْهُ أجساد النَّاس {ثمَّ نفخ فِيهِ أُخْرَى فَإِذا هم قيام ينظرُونَ}(7/251)
ثمَّ يُقَال: يَا أَيهَا النَّاس هلموا إِلَى ربكُم (وقفوهم إِنَّهُم مسؤلون) (الصافات 24) ثمَّ يُقَال: اخْرُجُوا بعث النَّار فَيُقَال: من كم فَيُقَال: من كل ألف تِسْعمائَة وَتِسْعَة وَتِسْعين فَذَلِك (يَوْم يَجْعَل الْولدَان شيباً) (المزمل 17) وَذَلِكَ (يَوْم يكْشف عَن سَاق) (الْقَلَم 42)
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: بَين النفختين أَرْبَعُونَ
قَالُوا: يَا أَبَا هُرَيْرَة أَرْبَعُونَ يَوْمًا قَالَ: أَبيت قَالُوا: أَرْبَعُونَ شهر قَالَ: أَبيت قَالُوا: أَرْبَعُونَ عَاما قَالَ: أَبيت ثمَّ ينزل الله من السَّمَاء مَاء فينبتون كَمَا ينْبت البقل وَلَيْسَ من الإِنسان شَيْء إِلَّا يبْلى إِلَّا عظما وَاحِدًا وَهُوَ عجب الذَّنب وَمِنْه يركب الْخلق يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج أَبُو دَاوُد فِي الْبَعْث وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: ينْفخ فِي الصُّور والصور كَهَيئَةِ الْقرن فَصعِقَ من فِي السَّمَوَات وَمن فِي الأَرْض
وَبَين النفختين أَرْبَعُونَ عَاما فيمطر الله فِي تِلْكَ الْأَرْبَعين مَطَرا فينبتون من الأَرْض كَمَا ينْبت البقل وَمن الإِنسان عظم لَا تَأْكُله الأَرْض
عجب ذَنبه وَمِنْه يركب جسده يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج ابْن أبي عَاصِم فِي السّنة عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: كل ابْن آدم تَأْكُله الأَرْض إِلَّا عجب الذَّنب ينْبت وَيُرْسل الله مَاء الْحَيَاة فينبتون مِنْهُ نَبَات الْخضر حَتَّى إِذا خرجت الأجساد أرسل الله الْأَرْوَاح فَكَانَ كل روح أسْرع إِلَى صَاحبه من الطّرف ثمَّ ينْفخ فِي الصُّور {فَإِذا هم قيام ينظرُونَ}
وَأخرج ابْن الْمُبَارك عَن الْحسن قَالَ: بَين النفختين أَرْبَعُونَ سنة
الأولى يُمِيت الله بهَا كل حَيّ وَالْأُخْرَى يحيي الله بهَا كل ميت
وَأخرج ابْن الْمُبَارك فِي الزّهْد وَعبد بن حميد وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه وَالنَّسَائِيّ وَابْن الْمُنْذر وَابْن حبَان وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن ابْن عَمْرو
أَن أَعْرَابِيًا سَأَلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن {الصُّور} فَقَالَ: قرن ينْفخ فِيهِ
وَأخرج مُسَدّد وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ {الصُّور} كَهَيئَةِ الْقرن ينْفخ فِيهِ(7/252)
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَأحمد وَعبد بن حميد وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه وَأَبُو يعلى وَابْن حبَان وَابْن خُزَيْمَة وَابْن الْمُنْذر وَالْحَاكِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن أبي سعيد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: كَيفَ أنعم وَقد الْتَقم صَاحب الْقرن الْقرن وحنى جَبهته وأصغى سَمعه ينْتَظر أَن يُؤمر فينفخ قَالَ الْمُسلمُونَ: كَيفَ نقُول يَا رَسُول الله قَالَ: قَالُوا (حَسبنَا الله وَنعم الْوَكِيل) على الله توكلنا
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا طرف صَاحب الصُّور مُنْذُ وكل بِهِ مستعداً ينظر الْعَرْش مَخَافَة أَن يُؤمر بالصيحة قبل أَن يَرْتَد إِلَيْهِ طرفه كَأَن عَيْنَيْهِ كوكبان دريان
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: جِبْرِيل عَن يَمِينه وَمِيكَائِيل عَن يسَاره وَهُوَ صَاحب الصُّور يَعْنِي اسرافيل
وَأخرج ابْن ماجة وَالْبَزَّار وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي سعيد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن صَاحِبي الصُّور بايديهما قرنان يلاحظان النّظر حَتَّى يؤمران
وَأخرج الْبَزَّار وَالْحَاكِم عَن أبي سعيد رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ مَا من صباح إِلَّا وملكان موكلان بالصور ينتظران مَتى يؤمران فينفخان
وَأخرج أَحْمد وَالْحَاكِم عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: النافخان فِي السَّمَاء الثَّانِيَة
رَأس أَحدهمَا بالمشرق
وَرجلَاهُ بالمغرب
ينتظران مَتى يؤمران أَن ينفخا فِي الصُّور فينفخا
وَأخرج عبد بن حميد وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط بِسَنَد حسن عَن عبد الله بن الْحَارِث قَالَ: كنت عِنْد عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا وَعِنْدهَا كَعْب رَضِي الله عَنهُ فَذكر اسرافيل عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَت عَائِشَة: أَخْبرنِي عَن إسْرَافيل عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: لَهُ أَرْبَعَة أَجْنِحَة
جَنَاحَانِ فِي الْهَوَاء وَجَنَاح قد تسرول بِهِ وَجَنَاح على كَاهِله والقلم على أُذُنه
فَإِذا نزل الْوَحْي كتب الْقَلَم ودرست الْمَلَائِكَة وَملك الصُّور أَسْفَل مِنْهُ جاث على إِحْدَى رُكْبَتَيْهِ وَقد نصب الْأُخْرَى فالتقم الصُّور فحنى ظَهره وطرفه إِلَى إسْرَافيل ضم جناحيه أَن ينْفخ فِي الصُّور
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن أبي بكر الْهُذلِيّ قَالَ: إِن ملك الصُّور الَّذِي وكل بِهِ إِحْدَى قَدَمَيْهِ لفي الأَرْض السَّابِعَة وَهُوَ جاث على رُكْبَتَيْهِ شاخص ببصره إِلَى(7/253)
إسْرَافيل عَلَيْهِ السَّلَام مَا طرف
مُنْذُ خلقه الله ينظر مَتى يُشِير إِلَيْهِ فينفخ فِي الصُّور
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن وهب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: خلق الله الصُّور من لؤلؤة بَيْضَاء فِي صفاء الزجاجة ثمَّ قَالَ للعرش: خُذ الصُّور فَتعلق بِهِ ثمَّ قَالَ كن فَكَانَ إسْرَافيل فَأمره أَن يَأْخُذ الصُّور فَأَخذه وَبِه ثقب بِعَدَد كل روح مخلوقة وَنَفس منفوسة لَا يخرج روحاً من ثقب وَاحِد وَفِي وسط الصُّور كوَّة كاستدارة السَّمَاء وَالْأَرْض
وإسرافيل عَلَيْهِ السَّلَام وَاضع فَمه على تِلْكَ الكوة
ثمَّ قَالَ لَهُ الرب عز وَجل: قد وَكلتك بالصور فَأَنت للنفخة وللصيحة فَدخل إسْرَافيل فِي مُقَدّمَة الْعَرْش فَادْخُلْ رجله الْيُمْنَى تَحت الْعَرْش وقدَّم الْيُسْرَى وَلم يطرف مُنْذُ خلقه الله تَعَالَى لينْظر مَا يُؤمر بِهِ
وَأخرج أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان وَالْحَاكِم عَن أَوْس بن أَوْس
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن من أفضل أيامكم يَوْم الْجُمُعَة
فِيهِ خلق آدم وَفِيه قبض وَفِيه نفخة الصُّور وَفِيه الصعقة
وَأخرج ابْن جرير عَن الْحسن قَالَ: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: كَأَنِّي أنفض رَأْسِي من التُّرَاب أول خَارج فَالْتَفت فَلَا أرى أحدا إِلَّا مُوسَى مُتَعَلقا بالعرش فَلَا أَدْرِي أممن اسْتثْنى الله أَن لَا تصيبه النفخة فَبعث قبلي
وَأخرج ابْن جرير عَن السّديّ {فَصعِقَ} قَالَ: مَاتَ {إِلَّا من شَاءَ الله} قَالَ: جِبْرِيل وإسرافيل وَملك الْمَوْت ثمَّ نفخ فِيهِ أُخْرَى قَالَ: فِي الصُّور
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي عمرَان الْجونِي قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لما بعث الله إِلَى صَاحب الصُّور فَأَخذه فَأَهوى بِيَدِهِ إِلَى فِيهِ فَقدم رجلا وَأخر رجلا حَتَّى يُؤمر فينفخ فَاتَّقُوا النفخة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {فَإِذا هم قيام ينظرُونَ}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة قَالَ: ذكر لنا أَن نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: أَتَانِي ملك فَقَالَ: يَا مُحَمَّد اختر نَبيا ملكا أَو نَبيا عبدا قَالَ: فَأَوْمأ إِلَى جِبْرِيل أَن تواضع فَقلت: نَبيا عبدا فَأعْطيت خَصْلَتَيْنِ
ان جعلت أول من تَنْشَق عَنهُ(7/254)
الأَرْض
وَأول شَافِع فارفع رَأْسِي فاجد مُوسَى آخِذا بالعرش فَالله أعلم أصعق لهَذِهِ الصعقة الأولى أم أَفَاق قبلي (ثمَّ نفخ فِيهِ أُخْرَى فَإِذا هم قيام ينظرُونَ)
وَأخرج عبد بن حميد عَن إِبْرَاهِيم عَن أَبِيه قَالَ: كنت جَالِسا عِنْد عِكْرِمَة فَذكرُوا الَّذين يغرقون فِي الْبَحْر فَقَالَ عِكْرِمَة: الْحَمد لله الَّذين يغرقون فِي الْبحار فَلَا يبْقى مِنْهُم شَيْء إِلَّا الْعِظَام فتقبلها الأمواج حَتَّى تلقيها إِلَى الْبر فتمكث الْعِظَام حينا حَتَّى تصير حائلة نخرة فتمر بهَا الإِبل فتأكلها ثمَّ تسير الإِبل فتبعر ثمَّ يَجِيء بعدهمْ قوم فينزلون فَيَأْخُذُونَ ذَلِك البعر فيوقدونه فِي تِلْكَ النَّار فتجيء ريح فتلقي ذَلِك الرماد على الأَرْض فَإِذا جَاءَت النفخة قَالَ الله {فَإِذا هم قيام ينظرُونَ} فَخرج أُولَئِكَ وَأهل الْقُبُور سَوَاء
وَأخرج عبد بن حميد عَن عبد الله بن العَاصِي قَالَ: ينْفخ فِي الصُّور النفخة الأولى من بَاب ايليا الشَّرْقِي
أَو قَالَ الغربي
والنفخة الثَّانِيَة من بَاب آخر
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن قَالَ: بَلغنِي أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: بَين النفختين أَرْبَعُونَ يَقُول الْحسن فَلَا نَدْرِي أَرْبَعِينَ سنة أَو أَرْبَعِينَ شهرا أَو أَرْبَعِينَ لَيْلَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: بَين النفختين أَرْبَعُونَ قَالَ أَصْحَابه: فَمَا سألناه عَن ذَلِك وَمَا زَاد
غير أَنهم كَانُوا يرَوْنَ من رَأْيهمْ أَنَّهَا أَرْبَعُونَ سنة قَالَ: وَذكر لنا أَنه يبْعَث فِي تِلْكَ الْأَرْبَعين مطر يُقَال لَهُ مطر الْحَيَاة
حَتَّى تطيب الأَرْض وتهتز وتنبت أجساد النَّاس نَبَات البقل ثمَّ ينْفخ النفخة الثَّانِيَة {فَإِذا هم قيام ينظرُونَ}
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله {وَنفخ فِي الصُّور} قَالَ: {الصُّور} مَعَ إسْرَافيل عَلَيْهِ السَّلَام وَفِيه أَرْوَاح كل شَيْء يكون فِيهِ {ثمَّ نفخ فِيهِ} نفخة الصعقة فَإِذا نفخ فِيهِ نفخة الْبَعْث قَالَ الله بعزتي ليرجعن كل روح إِلَى جسده قَالَ: ودارة مِنْهَا أعظم من سبع سموات وَمن الأَرْض
فحلق الصُّور على إسْرَافيل وَهُوَ شاخص ببصره إِلَى الْعَرْش حَتَّى يُؤمر بالنفخة فينفخ فِي الصُّور
وَأخرج ابْن جرير عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله {وَنفخ فِي الصُّور} قَالَ: الأولى من الدُّنْيَا والأخيرة من الْآخِرَة(7/255)
وَأخرج عبد بن حميد وَعلي بن سعيد فِي كتاب الطَّاعَة والعصيان وَأَبُو يعلى وَأَبُو الْحسن الْقطَّان فِي المطولات وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَأَبُو مُوسَى الْمَدِينِيّ كِلَاهُمَا فِي المطولات وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث والنشور عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: وَعِنْده طَائِفَة من أَصْحَابه: إِن الله تبَارك وَتَعَالَى لما فرغ من خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض خلق الصُّور فَأعْطَاهُ إسْرَافيل فَهُوَ وَاضعه على فِيهِ شاخص بَصَره إِلَى السَّمَاء فَينْظر مَتى يُؤمر فينفخ فِيهِ
قلت: يَا رَسُول الله وَمَا الصُّور قَالَ: الْقرن قلت فَكيف هُوَ قَالَ: عَظِيم
وَالَّذِي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ إِن عظم دارة فِيهِ لعرض السَّمَوَات وَالْأَرْض فينفخ فِيهِ النفخة الأولى فيصعق من فِي السَّمَوَات وَمن فِي الأَرْض ثمَّ ينْفخ فِيهِ أُخْرَى {فَإِذا هم قيام ينظرُونَ} لرب الْعَالمين فيأمر الله إسْرَافيل عَلَيْهِ السَّلَام فِي النفخة الأولى أَن يمدها ويطولها فَلَا يفتر وَهُوَ الَّذِي يَقُول الله (مَا ينظر هَؤُلَاءِ إِلَّا صَيْحَة وَاحِدَة مَا لَهَا من فوَاق) (ص 15) فيسير الله الْجبَال فَتكون سرابا وترتج الأَرْض بِأَهْلِهَا رجا فَتكون كالسفينة الموسقة فِي الْبَحْر تضربها الرِّيَاح تنكفأ بِأَهْلِهَا كالقناديل الْمُعَلقَة بالعرش تميلها الرِّيَاح وَهِي الَّتِي يَقُول الله (يَوْم ترجف الراجفة تتبعها الرادفة قُلُوب يَوْمئِذٍ واجفة) (النازعات 5 - 8) فيميد النَّاس على ظهرهَا وتذهل المراضع وتضع الْحَوَامِل وتشيب الْولدَان وَتَطير الشَّيَاطِين هاربة من الْفَزع حَتَّى تَأتي الأقطار فتلقاها الْمَلَائِكَة فَتضْرب وجوهها فترجع وتولي النَّاس بِهِ مُدبرين يُنَادي بَعضهم بَعْضًا
فَبَيْنَمَا على ذَلِك إِذْ تصدعت الأَرْض كل صدع من قطر إِلَى قطر فَرَأَوْا أمرا عَظِيما لم يرَوا مثله وَأَخذهم لذَلِك من الكرب والهول مَا الله بِهِ عليم ثمَّ نظرُوا إِلَى السَّمَاء فَإِذا هِيَ كَالْمهْلِ ثمَّ انشقت وانتثرت نجومها وَخسف شمسها وقمرها
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: والأموات لَا يعلمُونَ شَيْئا من ذَلِك فَقلت: يَا رَسُول الله فَمن اسْتثْنى الله حِين يَقُول {فَفَزعَ من فِي السَّمَاوَات وَمن فِي الأَرْض إِلَّا من شَاءَ الله} قَالَ: أُولَئِكَ الشُّهَدَاء وَإِنَّمَا يصل الْفَزع إِلَى الْأَحْيَاء وهم أَحيَاء عِنْد رَبهم يرْزقُونَ ووقاهم الله فزع ذَلِك الْيَوْم وآمنهم مِنْهُ وَهُوَ الَّذِي يَقُول الله (يَا أَيهَا النَّاس اتَّقوا ربكُم إِن زَلْزَلَة السَّاعَة شَيْء عَظِيم) (الْحَج 1) إِلَى قَوْله (وَلَكِن عَذَاب الله شَدِيد) (الْحَج 2)
فينفخ الصُّور فيصعق أهل السمموات وَأهل الأَرْض {إِلَّا من شَاءَ الله} فَإِذا(7/256)
هم خمود ثمَّ يَجِيء ملك الْمَوْت إِلَى الْجَبَّار فَيَقُول: يَا رب قد مَاتَ أهل السَّمَوَات وَأهل الأَرْض إِلَّا من شِئْت
فَيَقُول - وَهُوَ أعلم - فَمن بَقِي فَيَقُول: يَا رب بقيت أَنْت الْحَيّ الَّذِي لَا يَمُوت وَبَقِي حَملَة عرشك وَبَقِي جِبْرِيل وَمِيكَائِيل وإسرافيل وَبقيت أَنا
فَيَقُول الله: ليمت جِبْرِيل وَمِيكَائِيل وإسرافيل وينطق الله الْعَرْش فَيَقُول: يَا رب تميت جِبْرِيل وَمِيكَائِيل وإسرافيل فَيَقُول الله لَهُ: اسْكُتْ فَإِنِّي كتبت الْمَوْت على من كَانَ تَحت عَرْشِي
فيموتون ثمَّ يَأْتِي ملك الْمَوْت إِلَى الْجَبَّار فَيَقُول: يَا رب قد مَاتَ جِبْرِيل وَمِيكَائِيل وإسرافيل فَيَقُول الله عز وَجل - وَهُوَ أعلم - فَمن بَقِي فَيَقُول: يَا رب بقيت أَنْت الْحَيّ الَّذِي لَا تَمُوت وَبَقِي حَملَة عرشك وَبقيت أَنا
فَيَقُول الله لَهُ: ليمت حَملَة عَرْشِي
فيموتون وَيَأْمُر الله الْعَرْش فَيقبض الصُّور ثمَّ يَأْتِي ملك الْمَوْت الرب عز وَجل فَيَقُول: يَا رب مَاتَ حَملَة عرشك فَيَقُول الله - وَهُوَ أعلم - فَمن بَقِي فَيَقُول: يَا رب بقيت أَنْت الْحَيّ الَّذِي لَا يَمُوت وَبقيت أَنا
فَيَقُول الله لَهُ: أَنْت خلق من خلقي خلقتك لما رَأَيْت فمت فَيَمُوت فَإِذا لم يبْق إِلَّا الله الْوَاحِد القهار الصَّمد الَّذِي لم يلد وَلم يُولد كَانَ آخرا كَمَا كَانَ أَولا طوى السَّمَوَات وَالْأَرْض كطي السّجل للْكتاب
ثمَّ قَالَ بهما فلفهما
ثمَّ قَالَ: أَنا الْجَبَّار أَنا الْجَبَّار أَنا الْجَبَّار ثَلَاث مَرَّات
ثمَّ هتف بِصَوْتِهِ لمن الْملك الْيَوْم لمن الْملك الْيَوْم لمن الْملك الْيَوْم فَلَا يجِيبه أحد
ثمَّ يَقُول لنَفسِهِ: لله الْوَاحِد القهار (يَوْم تبدل الأَرْض غير الأَرْض وَالسَّمَوَات) (إِبْرَاهِيم 48) فبسطها وسطحها ثمَّ مدها مد الْأَدِيم العكاظي (لَا ترى فِيهَا عوجا وَلَا أمتا) (طه الْآيَة 107) ثمَّ يزْجر الله الْخلق زَجْرَة وَاحِدَة فَإِذا هم فِي هَذِه المبدلة من كَانَ فِي بَطنهَا كَانَ فِي بَطنهَا وَمن كَانَ على ظهرهَا كَانَ على ظهرهَا
ثمَّ ينزل الله عَلَيْكُم مَاء من تَحت الْعَرْش فيأمر الله السَّمَاء أَن تمطر فتمطر أَرْبَعِينَ يَوْمًا حَتَّى يكون المَاء فَوْقكُم إثني عشر ذِرَاعا ثمَّ يَأْمر الله الأجساد أَن تنْبت فتنبت نَبَات [] الطوانيت كنبات البقل حَتَّى إِذا تكاملت أجسامهم وَكَانَت كَمَا كَانَت قَالَ الله: ليحيى حَملَة الْعَرْش فيحيون وَيَأْمُر الله إسْرَافيل فَيَأْخُذ الصُّور فيضعه على فِيهِ ثمَّ يَقُول الله: ليحيى جِبْرِيل وَمِيكَائِيل فيحييان
ثمَّ يَدْعُو الله بالأرواح(7/257)
فَيُؤتى بِهن توهج أَرْوَاح الْمُؤمنِينَ نورا وَالْأُخْرَى ظلمَة فيقبضهن الله جَمِيعًا ثمَّ يلقيها فِي الصُّور ثمَّ يَأْمر إسْرَافيل أَن ينْفخ نفخة الْبَعْث فَتخرج الْأَرْوَاح كَأَنَّهَا النَّحْل قد مَلَأت مَا بَين السَّمَاء وَالْأَرْض
فَيَقُول: وَعِزَّتِي وَجَلَالِي ليرجعن كل روح إِلَى جسده فَتدخل الْأَرْوَاح فِي الأَرْض إِلَى الأجساد فَتدخل فِي الخياشيم ثمَّ تمشي فِي الأجساد كَمَا يمشي السم فِي اللديغ ثمَّ تَنْشَق الأَرْض عَنْكُم
وَأَنا أول من تَنْشَق الأَرْض عَنهُ فتخرجون مِنْهَا سرَاعًا إِلَى ربكُم تنسلون مهطعين إِلَى الدَّاعِي يَقُول الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْم عسر حُفَاة عُرَاة غلفًا غرلًا
فَبَيْنَمَا نَحن وقُوف إِذْ سمعنَا حسا من السَّمَاء شَدِيدا فَينزل أهل سَمَاء الدُّنْيَا بمثلي من فِي الأَرْض من الْجِنّ وَالْإِنْس حَتَّى إِذا دنوا من الأَرْض أشرقت الأَرْض بنورهم
ثمَّ ينزل أهل السَّمَاء الثَّانِيَة بمثلي من نزل من الْمَلَائِكَة ومثلي من فِيهَا من الْجِنّ وَالْإِنْس حَتَّى إِذا دنوا من الأَرْض أشرقت الأَرْض بنورهم وَأخذُوا مَصَافهمْ
ثمَّ ينزل أهل السَّمَاء الثَّالِثَة بمثلي من نزل من الْمَلَائِكَة ومثلي من فِيهَا من الْجِنّ وَالْإِنْس حَتَّى إِذا دنوا من الأَرْض أشرقت الأَرْض بنورهم وَأخذُوا مَصَافهمْ
ثمَّ ينزلون على قدر ذَلِك من التَّضْعِيف إِلَى السَّمَوَات السَّبع
ثمَّ ينزل الْجَبَّار (فِي ظلل من الْغَمَام) (الْبَقَرَة 210) وَالْمَلَائِكَة يحمل عَرْشه يَوْمئِذٍ ثَمَانِيَة وهم الْيَوْم أَرْبَعَة
أَقْدَامهم على تخوم الأَرْض السُّفْلى والأرضون وَالسَّمَوَات إِلَى حُجَزهمْ وَالْعرش على مَنَاكِبهمْ لَهُم زجل بالتسبيح فَيَقُولُونَ: سُبْحَانَ ذِي الْعِزَّة والجبروت سُبْحَانَ ذِي الْملك والملكوت سُبْحَانَ الْحَيّ الَّذِي لَا يَمُوت سُبْحَانَ الَّذِي يُمِيت الْخَلَائق وَلَا يَمُوت سبوح قدوس رب الْمَلَائِكَة وَالروح سُبْحَانَ رَبنَا الْأَعْلَى الَّذِي يُمِيت الْخَلَائق وَلَا يَمُوت
فَيَضَع عَرْشه حَيْثُ يَشَاء من الأَرْض ثمَّ يَهْتِف بِصَوْتِهِ فَيَقُول: يَا معشر الْجِنّ وَالْإِنْس إِنِّي قد أنصت لكم مُنْذُ يَوْم خَلقكُم إِلَى يَوْمك هَذَا
أسمع قَوْلكُم وَأبْصر أَعمالكُم فأنصتوا إِلَيّ
فَإِنَّمَا هِيَ أَعمالكُم وصحفكم تقْرَأ عَلَيْكُم فَمن وجد خيرا فليحمد الله وَمن وجد غير ذَلِك فَلَا يَلُومن إِلَّا نَفسه
ثمَّ يَأْمر الله جَهَنَّم فَيخرج مِنْهَا عنق سَاطِع مظلم ثمَّ يَقُول (ألم أَعهد إِلَيْكُم يَا بني آدم أَن لَا تعبدوا الشَّيْطَان إِنَّه لكم عَدو مُبين وَأَن اعبدوني هَذَا صِرَاط مُسْتَقِيم) (يس 60) إِلَى قَوْله (وامتازوا الْيَوْم أَيهَا(7/258)
المجرمون) (يس 59) فيميز بَين النَّاس وتجثو الْأُمَم قَالَ (وَترى كل أمة جاثية كل أمة تدعى إِلَى كتابها) (الجاثية الْآيَة 28) ويقفون موقفا وَاحِدًا مِقْدَار سبعين عَاما لَا يقْضى بَينهم فيبكون حَتَّى تَنْقَطِع الدُّمُوع ويدمعون دَمًا ويعرقون عرقا إِلَى أَن يبلغ ذَلِك مِنْهُم أَن يلجمهم الْعرق وَأَن يبلغ الأذقان مِنْهُم
فيصيحون وَيَقُولُونَ: من يشفع لنا إِلَى رَبنَا فَيَقْضِي بَيْننَا فَيَقُولُونَ: وَمن أَحَق بذلك من أبيكم آدم عَلَيْهِ السَّلَام فيطلبون ذَلِك إِلَيْهِ فيأبى وَيَقُول: مَا أَنا بِصَاحِب ذَلِك
ثمَّ يستفزون الْأَنْبِيَاء نَبيا نَبيا كلما جاؤا نَبيا أَبى عَلَيْهِم
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: حَتَّى يأتوني فأنطلق حَتَّى أُتِي فَأخر سَاجِدا قَالَ: أَبُو هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ وَرُبمَا قَالَ قُدَّام الْعَرْش حَتَّى يبْعَث إِلَيّ ملكا فَيَأْخُذ بعضدي فيرفعني فَيَقُول لي: يَا مُحَمَّد فَأَقُول: نعم يَا رب: مَا شَأْنك - وَهُوَ أعلم - فَأَقُول: يَا رب وَعَدتنِي الشَّفَاعَة فشفعني فِي خلقك فَاقْض بَينهم
قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: فأرجع فأقف مَعَ النَّاس فَيَقْضِي الله بَين الْخَلَائق فَيكون أول من يقْضى فِيهِ فِي الدِّمَاء وَيَأْتِي كل من قتل فِي سَبِيل الله يحمل رَأسه وتشخب أوداجه فَيَقُولُونَ: يَا رَبنَا قتلنَا فلَان وَفُلَان
فَيَقُول الله - وَهُوَ أعلم - أقتلتم فَيَقُولُونَ: يَا رَبنَا قتلنَا لتَكون الْعِزَّة لَك
فَيَقُول الله لَهُم: صَدقْتُمْ
فَيجْعَل لوجوههم نورا مثل نور الشَّمْس ثمَّ توصلهم الْمَلَائِكَة إِلَى الْجنَّة وَيَأْتِي من كَانَ قتل على غير ذَلِك يحمل رَأسه وتشخب أوداجه فَيَقُولُونَ: يَا رَبنَا قتلنَا فلَان وَفُلَان
فَيَقُول: لم - وَهُوَ أعلم - فَيَقُولُونَ: لتَكون الْعِزَّة لَك فَيَقُول الله: تعستم ثمَّ مَا يبْقى نفس قَتلهَا إِلَّا قتل بهَا وَلَا مظْلمَة ظلمها إِلَّا أَخذ بهَا
وَكَانَ فِي مَشِيئَة الله تَعَالَى إِن شَاءَ عذبه وَإِن شَاءَ رَحمَه ثمَّ يقْضِي الله بَين من بَقِي من خلقه حَتَّى لَا يبْقى مظْلمَة لأحد عِنْد أحد إِلَّا أَخذهَا الله تَعَالَى للمظلوم من الظَّالِم
حَتَّى إِنَّه ليكلف يَوْمئِذٍ شائب اللَّبن للْبيع الَّذِي كَانَ يشوب اللَّبن بِالْمَاءِ ثمَّ يَبِيعهُ فيكلف أَن يخلص اللَّبن من المَاء
فَإِذا فرغ الله من ذَلِك نَادَى نِدَاء أسمع الْخَلَائق كلهم: أَلا ليلحق كل قوم بآلهتهم وَمَا كَانُوا يعْبدُونَ من دون الله
فَلَا يبْقى أحد عبد من دون الله شَيْئا إِلَّا مثلت لَهُ آلِهَة بَين يَدَيْهِ وَيجْعَل يَوْمئِذٍ من الْمَلَائِكَة على صُورَة عُزَيْر وَيجْعَل ملك(7/259)
من الْمَلَائِكَة على صُورَة عِيسَى فَيتبع هَذَا الْيَهُود وَهَذَا النَّصَارَى ثمَّ يعود بهم آلِهَتهم إِلَى النَّار
فَهِيَ الَّتِي قَالَ الله (لَو كَانَ هَؤُلَاءِ آلِهَة مَا وردوها وكل فِيهَا خَالدُونَ) (الْأَنْبِيَاء الْآيَة 99) فَإِذا لم يبْق إِلَّا الْمُؤْمِنُونَ وَفِيهِمْ المُنَافِقُونَ فَيُقَال لَهُم: يَا أَيهَا النَّاس ذهب النَّاس فالحقوا بآلهتكم وَمَا كُنْتُم تَعْبدُونَ
فَيَقُولُونَ: وَالله مَا لنا إِلَه إِلَّا الله وَمَا كُنَّا نعْبد غَيره فَيُقَال لَهُم: الثَّانِيَة
وَالثَّالِثَة فَيَقُولُونَ: مثل ذَلِك فَيَقُول: أَنا ربكُم فَهَل بَيْنكُم وَبَين ربكُم آيَة تعرفونه بهَا فَيَقُولُونَ: نعم
فَيكْشف عَن سَاق وَيُرِيهمْ الله مَا شَاءَ من الْآيَة أَن يُرِيهم فيعرفون أَنه رَبهم فَيَخِرُّونَ لَهُ سجدا لوجوههم ويخر كل مُنَافِق على قَفاهُ يَجْعَل الله أصلابهم كصياصي الْبَقر ثمَّ يَأْذَن الله لَهُم فيرفعون رؤوسهم وَيضْرب الصِّرَاط بَين ظهراني جَهَنَّم كدقة الشّعْر وكحد السَّيْف عَلَيْهِ كلاليب وخطاطيف وحسك كحسك السعدان دونه جسر دحض مزلة فيمرون كطرف الْعين وكلمح الْبَرْق وكمر الرّيح وكجياد الْخَيل وكجياد الركاب وكجياد الرِّجَال فناج مُسلم وناج مخدوش ومكدوش على وَجهه فِي جَهَنَّم
فَإِذا أفْضى أهل الْجنَّة إِلَى الْجنَّة فَدَخَلُوهَا
فو الَّذِي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ مَا أَنْتُم فِي الدُّنْيَا بأعرف بأزواجكم ومساكنكم من أهل الْجنَّة بأزواجهم ومساكنهم إِذْ دخلُوا الْجنَّة
فَدخل كل رجل مِنْهُم على اثْنَتَيْنِ وَسبعين زَوْجَة مِمَّا ينشىء الله فِي الْجنَّة واثنتين آدميتين من ولد آدم لَهما فضل على من أنشأ الله لعبادتهما فِي الدُّنْيَا
فَيدْخل على الأولى مِنْهُنَّ فِي غرفَة من ياقوتة على سَرِير من ذهب مكلل بِاللُّؤْلُؤِ عَلَيْهِ سَبْعُونَ زوجا من سندس
واستبرق ثمَّ إِنَّه يضع يَده بَين كتفيها فَينْظر إِلَى يَدهَا من صدرها وَمن وَرَاء ثِيَابهَا ولحمها وجلدها
وَإنَّهُ لينْظر إِلَى مخ سَاقهَا كَمَا ينظر أحدكُم إِلَى السلك فِي الياقوتة كَبِدهَا لَهُ مرْآة
فَبَيْنَمَا هُوَ عِنْدهَا لَا يملها وَلَا تمله وَلَا يَأْتِيهَا مرّة إِلَّا وجدهَا عذراء لَا يفتران وَلَا يألمان
فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِك إِذْ نُودي فَيُقَال لَهُ: إِنَّا قد عرفنَا أَنَّك لَا تمل وَلَا تمل وَإِن لَك أَزْوَاجًا غَيرهَا فَيخرج فيأتيهن وَاحِدَة وَاحِدَة كلما جَاءَ وَاحِدَة قَالَت لَهُ: وَالله مَا أرى فِي الْجنَّة شَيْئا أحسن مِنْك وَلَا شَيْئا فِي الْجنَّة أحب إِلَيّ مِنْك
قَالَ وَإِذا وَقع أهل النَّار فِي النَّار وَقع فِيهَا خلق من خلق الله أوبقتهم أَعْمَالهم فَمنهمْ من تَأْخُذهُ النَّار إِلَى رُكْبَتَيْهِ وَمِنْهُم من تَأْخُذهُ النَّار فِي جسده كُله إِلَّا وَجهه حرم(7/260)
الله صورهم على النَّار
فينادون فِي النَّار فَيَقُولُونَ: من يشفع لنا إِلَى رَبنَا حَتَّى يخرجنا من النَّار فَيَقُولُونَ: وَمن أَحَق بذلك من أبيكم آدم فَينْطَلق الْمُؤْمِنُونَ إِلَى آدم فَيَقُولُونَ: خلقك الله بِيَدِهِ وَنفخ فِيك من روحه وكلمك
فيذكر آدم ذَنبه فَيَقُول: مَا أَنا بِصَاحِب ذَلِك وَلَكِن عَلَيْكُم بِنوح فَإِنَّهُ أول رسل الله فَيَأْتُونَ نوحًا عَلَيْهِ السَّلَام ويذكرون ذَلِك إِلَيْهِ فيذكر ذَنبا فَيَقُول: مَا أَنا بِصَاحِب ذَلِك وَلَكِن عَلَيْكُم بإبراهيم فَإِن الله اتَّخذهُ خَلِيلًا
فَيُؤتى إِبْرَاهِيم فيطلب ذَلِك إِلَيْهِ
فيذكر ذَنبا فَيَقُول: مَا أَنا بِصَاحِب ذَلِك وَلَكِن عَلَيْكُم بمُوسَى فَإِن الله قربه نجيا وَكَلمه وَأنزل عَلَيْهِ التَّوْرَاة
فَيُؤتى مُوسَى فيطلب ذَلِك إِلَيْهِ فيذكر ذَنبا وَيَقُول: مَا أَنا بِصَاحِب ذَلِك وَلَكِن عَلَيْكُم بِروح الله وكلمته عِيسَى بن مَرْيَم عَلَيْهِ السَّلَام
فَيُؤتى عِيسَى بن مَرْيَم عَلَيْهِ السَّلَام فيطلب ذَلِك إِلَيْهِ فَيَقُول: مَا أَنا بِصَاحِب ذَلِك وَلَكِن عَلَيْكُم بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَيَأْتُوني ولي عِنْد رَبِّي ثَلَاث شفاعات وعدنيهن فأنطلق حَتَّى آتِي بَاب الْجنَّة فآخذ بِحَلقَة الْبَاب فَاسْتَفْتَحَ فَيفتح لي فَأخر سَاجِدا فَيَأْذَن لي من حَمده وتمجيده بِشَيْء مَا أذن بِهِ لأحد من خلقه ثمَّ يَقُول: ارْفَعْ رَأسك يَا مُحَمَّد اشفع تشفع وسل تعطه
فَإِذا رفعت رَأْسِي قَالَ لي - وَهُوَ أعلم - مَا شَأْنك فَأَقُول: يَا رب وَعَدتنِي الشَّفَاعَة فشفعني
فَأَقُول يَا رب من وَقع فِي النَّار من أمتِي فَيَقُول الله: أخرجُوا من عَرَفْتُمْ صورته فَيخرج أُولَئِكَ حَتَّى لَا يبْقى مِنْهُم أحد ثمَّ يَأْذَن الله بالشفاعة فَلَا يبْقى نَبِي وَلَا شَهِيد إِلَّا شفع فَيَقُول الله: أخرجُوا من وجدْتُم فِي قلبه زنة دِينَار من خير فَيخرج أُولَئِكَ حَتَّى لَا يبْقى مِنْهُم أحد وَحَتَّى لَا يبْقى فِي النَّار من عمل خيرا قطّ وَلَا يبْقى أحد لَهُ شَفَاعَة إِلَّا شفع
حَتَّى أَن إِبْلِيس ليتطاول فِي النَّار لما يرى من رَحْمَة الله رَجَاء أَن يشفع لَهُ ثمَّ يَقُول الله: بقيت وَأَنا أرْحم الرَّاحِمِينَ فَيقبض قَبْضَة فَيخرج مِنْهَا مَا لَا يُحْصِيه غَيره فينبتهم على نهر يُقَال لَهُ نهر الْحَيَوَان فينبتون فِيهِ كَمَا تنْبت الْحبَّة فِي حميل السَّيْل فَمَا يَلِي الشَّمْس أَخْضَر وَمَا يَلِي الظل أصفر فينبتون كالدر مَكْتُوب فِي رقابهم: الجهنميون عُتَقَاء الرَّحْمَن لم يعملوا لله خيرا قطّ يَقُول مَعَ التَّوْحِيد فيمكثون فِي الْجنَّة(7/261)
مَا شَاءَ الله وَذَلِكَ الْكتاب فِي رقابهم ثمَّ يَقُولُونَ: يَا رَبنَا امح عَنَّا هَذَا الْكتاب فيمحوه عَنْهُم
من الْآيَات 69 - 70(7/262)
وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (69) وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ (70)
أخرج ابْن جرير عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ {وأشرقت الأَرْض} قَالَ: أَضَاءَت {وَوضع الْكتاب} قَالَ: الْحساب
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {وأشرقت الأَرْض بِنور رَبهَا} قَالَ: فَمَا يتضارون فِي نوره إِلَّا كَمَا يتضارون فِي الْيَوْم الصحو الَّذِي لَا دخن فِيهِ {وَجِيء بالنبيين وَالشُّهَدَاء} قَالَ: الَّذين اسْتشْهدُوا
وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {وَجِيء بالنبيين وَالشُّهَدَاء} قَالَ: النَّبِيُّونَ الرُّسُل {وَالشُّهَدَاء} الَّذين يشْهدُونَ بالبلاغ لَيْسَ فيهم طعان وَلَا لعان
وَأخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {وَجِيء بالنبيين وَالشُّهَدَاء} قَالَ: يشْهدُونَ بتبليغ الرسَالَة وَتَكْذيب الْأُمَم إيَّاهُم
الْآيَات 71 - 72(7/262)
وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ (71) قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (72)
أخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن جَهَنَّم إِذا سيق إِلَيْهَا أَهلهَا تلفحهم بعنق مِنْهَا لفحة لم تدع لَحْمًا على عظم إِلَّا ألقته على العرقوب
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {وَلَكِن حقت كلمة الْعَذَاب على الْكَافرين} قَالَ: بأعمالهم أَعمال السوء
وَالله أعلم
الْآيَة 73(7/263)
وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ (73)
أخرج أَحْمد وَعبد بن حميد وَمُسلم عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أول زمرة يدْخلُونَ الْجنَّة على صُورَة الْقَمَر لَيْلَة الْبَدْر وَالَّذين يَلُونَهُمْ على صُورَة أَشد كَوْكَب دري فِي السَّمَاء إضاءة
وَأخرج ابْن الْمُبَارك فِي الزّهْد وَعبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة وَابْن رَاهَوَيْه وَعبد بن حميد وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي صفة الْجنَّة وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث والضياء فِي المختارة عَن عليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: يساق الَّذين اتَّقوا رَبهم إِلَى الْجنَّة زمراً حَتَّى إِذا انْتَهوا إِلَى بَاب من أَبْوَابهَا وجدوا عِنْده شَجَرَة يخرج من تَحت سَاقهَا عينان تجريان فعمدوا إِلَى إحدهما فَشَرِبُوا مِنْهَا فَذهب مَا فِي بطونهم من أَذَى أَو قذى وبأس ثمَّ عَمدُوا إِلَى الْأُخْرَى فتطهروا مِنْهَا فجرت عَلَيْهِم نَضرة النَّعيم فَلَنْ تغير أبشارهم بعْدهَا أبدا وَلنْ تشعث أشعارهم كَأَنَّمَا دهنوا بالدهان ثمَّ انْتَهوا إِلَى خَزَنَة الْجنَّة فَقَالُوا {سَلام عَلَيْكُم طبتم فادخلوها خَالِدين} ثمَّ تلقاهم الْوِلْدَان يطوفون بهم كَمَا يطِيف أهل الدُّنْيَا بالحميم فَيَقُولُونَ: اُبْشُرْ بِمَا أعد الله لَك من الْكَرَامَة ثمَّ ينْطَلق غُلَام من أُولَئِكَ الْولدَان إِلَى بعض أَزوَاجه من الْحور الْعين فَيَقُول: قد جَاءَ فلَان باسمه الَّذِي يدعى بِهِ فِي الدُّنْيَا فَتَقول: أَنْت رَأَيْته فَيَقُول: أَنا رَأَيْته فيستخفها الْفَرح حَتَّى تقوم على أُسْكُفَّة بَابهَا فَإِذا انْتهى إِلَى منزله نظر شَيْئا من أساس بُنْيَانه فَإِذا جندل اللُّؤْلُؤ فَوْقه أَخْضَر وأصفر وأحمر من كل لون
ثمَّ رفع رَأسه فَنظر إِلَى(7/263)
سقفه فَإِذا مثل الْبَرْق
وَلَوْلَا أَن الله تَعَالَى قدر أَنه لَا ألم لذهب ببصره
ثمَّ طأطأ بِرَأْسِهِ فَنظر إِلَى أَزوَاجه (وأكواب مَوْضُوعَة ونمارق مصفوفة وزرابيّ مبثوثة) (الغاشية 14 - 16) فَنظر إِلَى تِلْكَ النِّعْمَة ثمَّ اتكأ على أريكة من أريكته ثمَّ قَالَ (الْحَمد لله الَّذِي هدَانَا لهَذَا وَمَا كُنَّا لنهتدي لَوْلَا أَن هدَانَا الله
) (الْأَعْرَاف 43)
ثمَّ يُنَادي منادٍ: تحيون فَلَا تموتون أبدا وتقيمون فَلَا تظعنون أبدا وتصحون فَلَا تمرضون أبدا
وَالله تَعَالَى أعلم
أما قَوْله تَعَالَى: {وَفتحت أَبْوَابهَا}
أخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَالطَّبَرَانِيّ عَن سهل بن سعد رَضِي الله عَنهُ
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: فِي الْجنَّة ثَمَانِيَة أَبْوَاب مِنْهَا بَاب يُسمى الريان لَا يدْخلهُ إِلَّا الصائمون
وَأخرج مَالك وَأحمد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن حبَان عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: من أنْفق زَوْجَيْنِ من مَاله فِي سَبِيل الله دعِي من أَبْوَاب الْجنَّة وللجنة أَبْوَاب فَمن كَانَ من أهل الصَّلَاة دعِي من بَاب الصَّلَاة وَمن كَانَ من أهل الصّيام دعِي من بَاب الريان وَمن كَانَ من أهل الصَّدَقَة دعِي من بَاب الصَّدَقَة وَمن كَانَ من أهل الْجِهَاد دعِي من بَاب الْجِهَاد
فَقَالَ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ: يَا رَسُول الله فَهَل يدعى أحد مِنْهَا كلهَا قَالَ: نعم وَأَرْجُو أَن تكون مِنْهُم
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي صفة الْجنَّة وَأَبُو يعلى وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: للجنة ثَمَانِيَة أَبْوَاب
سَبْعَة مغلقة وَبَاب مَفْتُوح للتَّوْبَة حَتَّى تطلع الشَّمْس من نَحوه
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: للجنة ثَمَانِيَة أَبْوَاب
بَاب للمصلين وَبَاب للصائمين وَبَاب للحاجين وَبَاب للمعتمرين وَبَاب للمجاهدين وَبَاب لِلذَّاكِرِينَ وَبَاب للشاكرين
وَأخرج أَحْمد عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لكل عمل أهل من أَبْوَاب الْجنَّة يدعونَ مِنْهُ بذلك الْعَمَل
وَأخرج الْبَزَّار عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة دعِي الإِنسان بأكبر عمله فَإِذا كَانَت الصَّلَاة أفضل دعِي بهَا وَإِن(7/264)
كَانَ صِيَامه أفضل دعِي بِهِ وَإِن كَانَ الْجِهَاد أفضل دعِي بِهِ
فَقَالَ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ: أحد يدعى بعملين قَالَ: نعم
أَنْت
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط والخطيب فِي الْمُتَّفق المفترق عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن فِي الْجنَّة بَابا يُقَال لَهُ الضُّحَى فَإِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة نَادَى مُنَاد: أَيْن الَّذين كَانُوا يديمون صَلَاة الضُّحَى هَذَا بَابَكُمْ فادخلوه برحمة الله
وَأخرج أَحْمد عَن مُعَاوِيَة بن حيدة رَضِي الله عَنهُ
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: مَا بَين مصراعين من مصاريع الْجنَّة أَرْبَعُونَ عَاما وليأتين عَلَيْهِم يَوْم وَأَنه لكظيظ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لما بَين المصراعين من مصاريع الْجنَّة لَكمَا بَين مَكَّة وهجر
أَو كَمَا بَين مَكَّة وَبصرى
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عتبَة بن غَزوَان رَضِي الله عَنهُ أَنه خطب فَقَالَ: إِن مَا بَين المصراعين من مصاريع الْجنَّة لمسيرة أَرْبَعِينَ عَاما وليأتين على أَبْوَاب الْجنَّة يَوْم وَلَيْسَ مِنْهَا بَاب إِلَّا وَهُوَ كظيظ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن كَعْب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: مَا بَين مصراعي الْجنَّة أَرْبَعُونَ خَرِيفًا للراكب الْمجد وليأتين عَلَيْهِ يَوْم وَهُوَ كظيظ الزحام
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي حَرْب بن أبي الْأسود الديلمي قَالَ إِن الرجل ليوقف على بَاب الْجنَّة مائَة عَام بالذنب عمله وَإنَّهُ ليرى أَزوَاجه وخدمه
وَأخرج أَحْمد وَالْبَزَّار عَن معَاذ بن جبل رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ لي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَفَاتِيح الْجنَّة شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله
وَأخرج الطَّيَالِسِيّ والدارمي عَن جَابر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَفَاتِيح الْجنَّة الصَّلَاة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد والدارمي وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَابْن ماجة عَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: مَا مِنْكُم من أحد يسبغ الْوضُوء ثمَّ يَقُول: أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله إِلَّا فتحت لَهُ من الْجنَّة ثَمَانِيَة أَبْوَاب من أَيهَا شَاءَ دخل(7/265)
وَأخرج النَّسَائِيّ وَالْحَاكِم وَابْن حبَان عَن أبي هُرَيْرَة وَأبي سعيد رَضِي الله عَنْهُمَا
أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: مَا من عبد يُصَلِّي الصَّلَوَات الْخمس ويصوم رَمَضَان وَيخرج الزَّكَاة ويجتنب الْكَبَائِر السَّبع إِلَّا فتحت لَهُ أَبْوَاب الْجنَّة الثَّمَانِية يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج أَحْمد وَابْن جرير وَالْبَيْهَقِيّ عَن عتبَة بن عبد الله السّلمِيّ رضى الله عَنهُ قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: مَا من عبد يَمُوت لَهُ ثَلَاثَة من الْوَلَد لم يبلغُوا الْحِنْث إِلَّا تلقوهُ من أَبْوَاب الْجنَّة الثَّمَانِية
من أَيهَا شَاءَ دخل
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من كَانَ لَهُ بنتان أَو أختَان أَو عمتان أَو خالتان فَعَالَهُنَّ فتحت لَهُ أَبْوَاب الْجنَّة
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط بِسَنَد حسن عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَيّمَا امْرَأَة اتقت رَبهَا وحفظت فرجهَا فتحت لَهَا ثَمَانِيَة أَبْوَاب الْجنَّة فَقيل لَهَا: ادخلي من حَيْثُ شِئْت
وَأخرج أَبُو نعيم عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من حفظ على أمتِي أَرْبَعِينَ حَدِيثا يَنْفَعهُمْ الله بهَا قيل لَهُ: أَدخل من أَي أَبْوَاب الْجنَّة شِئْت
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {سَلام عَلَيْكُم طبتم} قَالَ: كُنْتُم طيبين بِطَاعَة الله
الْآيَات 74 - 75(7/266)
وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (74) وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (75)
أخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وأورثنا الأَرْض} قَالَ: أَرض الْجنَّة
وَأخرج هناد عَن أبي الْعَالِيَة رَضِي الله عَنهُ مثله
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {نتبوأ من الْجنَّة حَيْثُ نشَاء} قَالَ: انْتَهَت مشيئتهم إِلَى مَا أعْطوا
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: ذكر لنا أَن نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سُئِلَ عَن أَرض الْجنَّة قَالَ: هِيَ بَيْضَاء نقية
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أَرض الْجنَّة رُخَام من فضَّة
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَطاء رَضِي الله عَنهُ {وَترى الْمَلَائِكَة حافين من حول الْعَرْش} قَالَ: مديرين
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {وَترى الْمَلَائِكَة حافين من حول الْعَرْش} قَالَ: محدقين بِهِ
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن كَعْب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: جبل الْخَلِيل وَالطور والجودي يكون كل وَاحِد مِنْهُم يَوْم الْقِيَامَة لؤلؤة بَيْضَاء تضيء مَا بَين السَّمَاء وَالْأَرْض
يَعْنِي يرجعن إِلَى بَيت الْمُقَدّس حَتَّى يجعلن فِي زواياه وَيَضَع عَلَيْهَا كرسيه حَتَّى يقْضى بَين أهل الْجنَّة وَالنَّار {الْمَلَائِكَة حافين من حول الْعَرْش يسبحون بِحَمْد رَبهم وَقضي بَينهم بِالْحَقِّ}
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَقضي بَينهم بِالْحَقِّ وَقيل الْحَمد لله رب الْعَالمين} قَالَ: افْتتح أول الْخلق بِالْحَمْد وَختم بِالْحَمْد فتح بقوله {الْحَمد لله الَّذِي خلق السَّمَاوَات وَالْأَرْض} وَختم بقوله {وَقيل الْحَمد لله رب الْعَالمين}
وَأخرج عبد بن حميد عَن وهب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: من أَرَادَ أَن يعرف قَضَاء الله فِي خلقه فليقرأ آخر سُورَة الزمر(7/267)
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم (40)
سُورَة غَافِر
مَكِّيَّة وآياتها خمس وَثَمَانُونَ
مُقَدّمَة سُورَة غَافِر أخرج ابْن الضريس والنحاس وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: أنزلت الحواميم السَّبع بِمَكَّة
وَأخرج ابْن جرير عَن الشّعبِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أَخْبرنِي مَسْرُوق رَضِي الله عَنهُ أَنَّهَا أنزلت بِمَكَّة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه والديلمي عَن سَمُرَة بن جُنْدُب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: نزلت الحواميم جَمِيعًا بِمَكَّة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: نزلت حم (الْمُؤمن) بِمَكَّة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أنس بن مَالك رَضِي الله عَنهُ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: إِن الله أَعْطَانِي السَّبع مَكَان التَّوْرَاة وَأَعْطَانِي الراآت إِلَى الطواسين
مَكَان الْإِنْجِيل وَأَعْطَانِي مَا بَين الطواسين إِلَى الحواميم مَكَان الزبُور وفضلني بالحواميم والمفصل
مَا قرأهن نَبِي قبلي
وَأخرج أَبُو عبيد فِي فضائله عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: إِن لكل شَيْء لبابا وَإِن لباب الْقُرْآن الحواميم
وَأخرج أَبُو عبيد وَابْن الضريس وَابْن الْمُنْذر وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: الحواميم ديباج الْقُرْآن
وَأخرج أَبُو عبيد وَمُحَمّد بن نصر وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِذا وَقعت فِي الحواميم وَقعت فِي روضات أتأنق فِيهِنَّ
وَأخرج مُحَمَّد بن نصر وَحميد بن زَنْجوَيْه
من وَجه آخر عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِن مثل الْقُرْآن كَمثل رجل انْطلق يرتاد لأَهله منزلا فَمر(7/268)
بأثر غيث فَبَيْنَمَا هُوَ يسير فِيهِ ويتعجب مِنْهُ إِذْ هَبَط على روضات دمثات فَقَالَ: عجبت من الْغَيْث الأول فَهَذَا أعجب وأعجب
فَقيل لَهُ: إِن مثل الْغَيْث الأول كَمثل عظم الْقُرْآن وَإِن مثل هَؤُلَاءِ الروضات الدمثات مثل آل حم فِي الْقُرْآن
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ وَأَبُو النَّعيم والديلمي عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: الحواميم ديباج الْقُرْآن
وَأخرج الديلمي وَابْن مرْدَوَيْه عَن سَمُرَة بن جُنْدُب رَضِي الله عَنهُ مَرْفُوعا الحواميم رَوْضَة من رياض الْجنَّة
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن الْخَلِيل بن مرّة رَضِي الله عَنهُ
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: الحواميم سبع وأبواب جَهَنَّم سبع تَجِيء كل حم مِنْهَا تقف على بَاب من هَذِه الْأَبْوَاب تَقول: اللَّهُمَّ لَا تدخل من هَذَا الْبَاب من كَانَ يُؤمن بِي ويقرأني
وَأخرج الدَّارمِيّ وَمُحَمّد بن نصر عَن سعد بن إِبْرَاهِيم قَالَ: كن الحواميم يسمين العرائس
وَأخرج أَبُو عبيد وَابْن سعد وَمُحَمّد بن نصر وَالْحَاكِم عَن أبي الدَّرْدَاء رَضِي الله عَنهُ
أَنه بنى مَسْجِدا فَقيل لَهُ: مَا هَذَا فَقَالَ لآل حم
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَالْبَزَّار وَمُحَمّد بن نصر وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من قَرَأَ (حم) إِلَى (وَإِلَيْهِ الْمصير) (غَافِر الْآيَة 1 - 3) وَآيَة الْكُرْسِيّ حِين يصبح حُفِظَ بهما حَتَّى يُمْسِي وَمن قرأهما حِين يُمْسِي حُفِظَ بهما حَتَّى يصبح
الْآيَة 1 - 3(7/269)
حم (1) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (2) غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ (3)
أخرج ابْن الضريس عَن إِسْحَق بن عبد الله رَضِي الله عَنهُ قَالَ: بلغنَا أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لكل شَجَرَة ثمراً وَإِن ثَمَرَات الْقُرْآن ذَوَات (حم) من روضات(7/269)
مخصبات معشبات ومتجاورات فَمن أحب أَن يرتع فِي رياض الْجنَّة فليقرأ الحواميم وَمن قَرَأَ سُورَة الدُّخان فِي لَيْلَة الْجُمُعَة أصبح مغفوراً لَهُ وَمن قَرَأَ ألم تَنْزِيل السَّجْدَة وتبَارك الَّذِي بِيَدِهِ الْملك فِي يَوْم وَلَيْلَة فَكَأَنَّمَا وَافق لَيْلَة الْقدر وَمن قَرَأَ إِذا زلزلت الأَرْض زِلْزَالهَا فَكَأَنَّمَا قَرَأَ ربع الْقُرْآن وَمن قَرَأَ قل يَا أَيهَا الْكَافِرُونَ فَكَأَنَّمَا قَرَأَ ربع الْقُرْآن وَمن قَرَأَ قل هُوَ الله أحد عشر مَرَّات بنى الله لَهُ قصرا فِي الْجنَّة
فَقَالَ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ: إِذن نَسْتَكْثِر من الْقُصُور فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: الله أَكثر وَأطيب وَمن قَرَأَ أقل أعوذ بِرَبّ الفلق وَقل أعوذ بِرَبّ النَّاس لم يَبْقَ شَيْء من الْبشر إِلَّا قَالَ: أَي رب أعذه من شري وَمن قَرَأَ أم الْقُرْآن فَكَأَنَّمَا قَرَأَ ربع الْقُرْآن وَمن قَرَأَ أَلْهَاكُم التكاثر فَكَأَنَّمَا قَرَأَ ألف آيَة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي أُمَامَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ {حم} اسْم من أَسمَاء الله تَعَالَى
وَأخرج عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف وَأَبُو عبيد وَابْن سعد وَابْن أبي شيبَة وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه عَن الْمُهلب بن أبي صفرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: حَدثنِي من سمع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن قُلْتُمْ اللَّيْلَة (حم) لَا ينْصرُونَ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالنَّسَائِيّ وَالْحَاكِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن الْبَراء بن عَازِب رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِنَّكُم تلقونَ عدوّكم غداًَ فَلْيَكُن شِعَاركُمْ {حم} لَا ينْصرُونَ
وَأخرج أَبُو نعيم فِي الدَّلَائِل عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: انهزم الْمُسلمُونَ بِخَيْبَر فَأخذ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حفْنَة من تُرَاب حفنها فِي وُجُوههم وَقَالَ {حم} لَا ينْصرُونَ فَانْهَزَمَ الْقَوْم وَمَا رميناهم بِسَهْم وَلَا طعن بِرُمْح
وَأخرج الْبَغَوِيّ وَالطَّبَرَانِيّ عَن شيبَة بن عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما كَانَ يَوْم خَيْبَر تنَاول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الْحَصَى ينْفخ فِي وُجُوههم وَقَالَ: شَاهَت الْوُجُوه {حم} لَا ينْصرُونَ
وَأخرج عبد بن حميد عَن يزِيد بن الْأَصَم رَضِي الله عَنهُ أَن رجلا كَانَ ذَا بَأْس وَكَانَ من أهل الشَّام وَأَن عمر فَقده فَسَأَلَ عَنهُ فَقيل لَهُ: فِي الشَّرَاب فَدَعَا عمر رَضِي الله عَنهُ كَاتبه فَقَالَ لَهُ: اكْتُبْ: من عمر بن الْخطاب إِلَى فلَان بن فلَان(7/270)
سَلام عَلَيْكُم فَإِنِّي أَحْمد إِلَيْكُم الله الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ {غَافِر الذَّنب وقابل التوب شَدِيد الْعقَاب ذِي الطول لَا إِلَه إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمصير} ثمَّ دَعَا وَأمن من عِنْده فدعوا لَهُ أَن يقبل الله عَلَيْهِ بِقَلْبِه وَأَن يَتُوب الله عَلَيْهِ
فَلَمَّا أَتَت الصَّحِيفَة الرجل جعل يَقْرَأها وَيَقُول {غَافِر الذَّنب} قد وَعَدَني أَن يغْفر لي {وقابل التوب شَدِيد الْعقَاب} قد حذرني الله عِقَابه {ذِي الطول} الْكثير الْخَيْر {إِلَيْهِ الْمصير} فَلم يزل يُرَدِّدهَا على نَفسه حَتَّى بَكَى ثمَّ نزع فاحسن النزع
فَلَمَّا بلغ عمر رَضِي الله عَنهُ أمره قَالَ: هَكَذَا فافعلوا إِذا رَأَيْتُمْ حالكم فِي زلَّة فَسَدِّدُوهُ ووفقوه وَادعوا الله لَهُ أَن يَتُوب عَلَيْهِ وَلَا تَكُونُوا أعواناً للشَّيْطَان عَلَيْهِ
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ شَاب بِالْمَدِينَةِ صَاحب عبَادَة وَكَانَ عمر رَضِي الله عَنهُ يُحِبهُ فَانْطَلق إِلَى مصر فانفسد فَجعل لَا يمْتَنع من شَرّ فَقدم على عمر رَضِي الله عَنهُ بعض أَهله فَسَأَلَهُ حَتَّى سَأَلَهُ عَن الشَّاب فَقَالَ: لَا تَسْأَلنِي عَنهُ قَالَ: لم قَالَ: لِأَنَّهُ قد فسد وخلع فَكتب إِلَيْهِ عمر رَضِي الله عَنهُ: من عمر إِلَّا فلَان {حم تَنْزِيل الْكتاب من الله الْعَزِيز الْعَلِيم غَافِر الذَّنب وقابل التوب شَدِيد الْعقَاب ذِي الطول لَا إِلَه إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمصير} فَجعل يَقْرَأها على نَفسه فَأقبل بِخَير
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {غَافِر الذَّنب وقابل التوب} قَالَ {غَافِر الذَّنب} لمن لم يتب {وقابل التوب} لمن تَابَ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن الْمُنْذر عَن أبي إِسْحَق السبيعِي قَالَ: جَاءَ رجل إِلَى عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِن قتلت فَهَل لي من تَوْبَة فَقَرَأَ عَلَيْهِ {حم تَنْزِيل الْكتاب من الله الْعَزِيز الْعَلِيم غَافِر الذَّنب وقابل التوب} وَقَالَ: اعْمَلْ وَلَا تيأس
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {ذِي الطول} السعَة والغنى
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {ذِي الطول} قَالَ: ذِي الْغنى
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {ذِي الطول} قَالَ: ذِي النعم(7/271)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ {ذِي الطول} قَالَ: ذِي الْمَنّ
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {غَافِر الذَّنب وقابل التوب} قَالَ {غَافِر الذَّنب} لمن يَقُول لَا إِلَه إِلَّا الله {وقابل التوب} لمن يَقُول لَا إِلَه إِلَّا الله {شَدِيد الْعقَاب} لمن لَا يَقُول لَا إِلَه إِلَّا الله {ذِي الطول} ذِي الْغنى {لَا إِلَه إِلَّا هُوَ} كَانَت كفار قُرَيْش لَا يوحدونه فَوحد نَفسه {إِلَيْهِ الْمصير} مصير من يَقُول لَا إِلَه إِلَّا هُوَ فيدخله الْجنَّة ومصير من لَا يَقُول لَا إِلَه إِلَّا هُوَ فيدخله النَّار
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن أبي حَاتِم عَن ثَابت الْبنانِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كنت مَعَ مُصعب بن الزبير رَضِي الله عَنهُ فِي سَواد الْكُوفَة فَدخلت حَائِطا أُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ فافتتحت {حم} الْمُؤمن حَتَّى بلغت {لَا إِلَه إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمصير} فَإِذا خَلْفي رجل على بغلة شهباء عَلَيْهِ مقطنات يمنية فَقَالَ: إِذا قلت {وقابل التوب} فَقل: يَا قَابل التوب اقبل تَوْبَتِي وَإِذا قلت {شَدِيد الْعقَاب} فَقل: يَا شَدِيد الْعقَاب لَا تعاقبني وَلَفظ ابْن أبي شيبَة اعْفُ عني وَإِذ قلت {ذِي الطول} فَقل: يَا ذَا الطول طل عَليّ بِخَير قَالَ: فقلتها ثمَّ الْتفت فَلم أر أحدا فَخرجت إِلَى الْبَاب فَقلت: مر بكم رجل عَلَيْهِ مقطنات يمينة قَالُوا: مارأينا أحدا
كَانُوا يَقُولُونَ أَنه إلْيَاس
الْآيَات 4 - 6(7/272)
مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلَادِ (4) كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزَابُ مِنْ بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ (5) وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ (6)
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي مَالك رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {مَا يُجَادِل فِي آيَات الله إِلَّا الَّذين كفرُوا} وَنزلت فِي الْحَرْث بن قيس السّلمِيّ
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن جدالاً فِي الْقُرْآن كفر
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مراء فِي الْقُرْآن كفر
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي جهم رَضِي الله عَنهُ قَالَ: اخْتلف رجلَانِ من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي آيَة فَقَالَ أَحدهمَا: تلقيتها من فِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَقَالَ الآخر أَنا تلقيتها من فِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَأتيَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فذكرا ذَلِك لَهُ فَقَالَ: أُنْزِلَ الْقُرْآن على سَبْعَة أحرف وَإِيَّاكُم والمراء فِيهِ فَإِن المراء كفر
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: جِدَال فِي الْقُرْآن كفر
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فَلَا يغررك تقلبهم فِي الْبِلَاد} قَالَ: إقبالهم وإدبارهم وتقلبهم فِي أسفارهم
وَفِي قَوْله {والأحزاب من بعدهمْ} قَالَ: من بعد قوم نوح عَاد وَثَمُود وَتلك الْقُرُون
كَانُوا أحزاباً على الْكفَّار {وهمت كل أمة برسولهم} ليأخذوه فيقتلوه {وَكَذَلِكَ حقت كلمة رَبك على الَّذين كفرُوا} قَالَ: حق عَلَيْهِم الْعَذَاب بأعمالهم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فَلَا يغررك تقلبهم فِي الْبِلَاد} قَالَ: فسادهم فِيهَا وكفرهم {فَأَخَذتهم فَكيف كَانَ عِقَاب} قَالَ: وَالله شَدِيد الْعقَاب
أما قَوْله تَعَالَى: {وجادلوا بِالْبَاطِلِ ليدحضوا بِهِ الْحق}
أخرج الطَّبَرَانِيّ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: من أعَان بَاطِلا ليدحض بباطله حَقًا فقد بَرِئت مِنْهُ ذمَّة الله وَذمَّة رَسُوله(7/273)
الْآيَات 7 - 9(7/274)
الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (7) رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (8) وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (9)
أخرج أَبُو يعلى وَابْن مرْدَوَيْه بِسَنَد صَحِيح عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أذن لي أَن أحدث عَن ملك قد مرقت رِجْلَاهُ الأَرْض السَّابِعَة وَالْعرش على مَنْكِبَيْه وَهُوَ يَقُول: سُبْحَانَكَ أَيْن كنت وَأَيْنَ تكون
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات بِسَنَد صَحِيح عَن جَابر رَضِي الله عَنهُ
أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: أذن لي أَن أحدث عَن ملك من مَلَائِكَة الله من حَملَة الْعَرْش
مَا بَين شحمة أُذُنه إِلَى عَاتِقه مسيرَة سَبْعمِائة سنة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن حبَان بن عَطِيَّة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: حَملَة الْعَرْش ثَمَانِيَة
أَقْدَامهم مثقفة فِي الأَرْض السَّابِعَة ورؤوسهم قد جَاوَزت السَّمَاء السَّابِعَة وقرونهم مثل طولهم عَلَيْهَا الْعَرْش
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن ذاذان رَضِي الله عَنهُ قَالَ: حَملَة الْعَرْش أَرجُلهم فِي التخوم لَا يَسْتَطِيعُونَ أَن يرفعوا أَبْصَارهم من شُعَاع النُّور
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن هرون بن ربَاب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: حَملَة الْعَرْش ثَمَانِيَة يتجاوبون بِصَوْت رخيم
يَقُول أَرْبَعَة مِنْهُم: سُبْحَانَكَ وَبِحَمْدِك على عفوك بعد قدرتك
وَأَرْبَعَة مِنْهُم يَقُولُونَ: سُبْحَانَكَ وَبِحَمْدِك على حلمك بعد علمك(7/274)
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق أبي قبيل أَنه سمع عبد الله بن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا يَقُول: حَملَة الْعَرْش ثَمَانِيَة
مَا بَين موق أحدهم إِلَى مؤخرة عَيْنَيْهِ مسيرَة خَمْسمِائَة عَام
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن وهب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: حَملَة الْعَرْش الَّذِي يحملونه لكل ملك مِنْهُم أَرْبَعَة وُجُوه وَأَرْبَعَة أَجْنِحَة جَنَاحَانِ على وَجهه ينظر إِلَى الْعَرْش فيصعق وجناحان يطير بهما
أَقْدَامهم فِي الثرى وَالْعرش على أكتافهم
لكل وَاحِد مِنْهُم وَجه ثَوْر وَوجه أَسد وَوجه إِنْسَان وَوجه نسر
لَيْسَ لَهُم كَلَام إِلَّا أَن يَقُولُوا: قدوس الله الْقوي مَلَأت عَظمته السَّمَوَات وَالْأَرْض
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن وهب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: حَملَة الْعَرْش أَرْبَعَة فَإِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة أيدوا بأَرْبعَة آخَرين
ملك مِنْهُم فِي صُورَة إِنْسَان يشفع لبني آدم فِي أَرْزَاقهم وَملك مِنْهُم فِي صُورَة نسر يشفع للطير فِي أَرْزَاقهم وَملك مِنْهُم فِي صُورَة ثَوْر يشفع للبهائم فِي أَرْزَاقهم وَملك فِي صُورَة أَسد يشفع للسباع فِي أَرْزَاقهم
فَلَمَّا حملُوا الْعَرْش وَقَعُوا على ركبهمْ من عَظمَة الله فلقنوا لَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه فاستووا قيَاما على أَرجُلهم
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن مَكْحُول رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن فِي حَملَة الْعَرْش أَرْبَعَة أَمْلَاك
ملك على صُورَة سيد الصُّور وَهُوَ ابْن آدم وَملك على صُورَة سيد السبَاع وَهُوَ الْأسد وَملك على صُورَة سيد الْأَنْعَام وَهُوَ الثور فَمَا زَالَ غَضْبَان مذ يَوْم الْعجل إِلَى سَاعَتِي هَذِه وَملك على صُورَة سيد الطير وَهُوَ النسْر
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أم سعد رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول الْعَرْش على ملك من لؤلؤة على صُورَة ديك رِجْلَاهُ فِي تخوم الأَرْض وجناحاه فِي الشرق وعنقه تَحت الْعَرْش
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: حَملَة الْعَرْش كلهم على صور
قيل: يَا عِكْرِمَة وَمَا صور فأمال خَدّه قَلِيلا
وَأخرج عبد بن حميد عَن ميسرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لَا تَسْتَطِيع الْمَلَائِكَة الَّذين يحملون الْعَرْش أَن ينْظرُوا إِلَى مَا فَوْقهم من شُعَاع النُّور
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن ابْن عَبَّاس(7/275)
رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: حَملَة الْعَرْش مَا بَين منْكب أحدهم إِلَى أَسْفَل قَدَمَيْهِ مسيرَة خَمْسمِائَة عَام وَذكر: إِن خطْوَة تِلْكَ الْملك مَا بَين الْمشرق وَالْمغْرب
وَأخرج عبد بن حميد عَن ميسرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: حَملَة الْعَرْش أَرجُلهم فِي الأَرْض السُّفْلى ورؤوسهم قد خرقت الْعَرْش وهم خشوع لَا يرفعون طرفهم وهم أَشد خوفًا من أهل السَّمَاء السَّابِعَة وَأهل السَّمَاء السَّابِعَة أَشد خوفًا من أهل السَّمَاء الَّتِي تَلِيهَا وَأهل السَّمَاء الَّتِي تَلِيهَا أَشد خوفًا من الَّتِي تَلِيهَا
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن عُرْوَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: حَملَة الْعَرْش مِنْهُم من صورته صُورَة الإِنسان وَمِنْهُم من صورته صُورَة النسْر وَمِنْهُم من صورته صُورَة الثور وَمِنْهُم من صورته صُورَة الْأسد
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي أُمَامَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِن الْمَلَائِكَة الَّذين يحملون الْعَرْش يَتَكَلَّمُونَ بِالْفَارِسِيَّةِ
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خرج على أَصْحَابه فَقَالَ: مَا جمعكم قَالُوا: اجْتَمَعنَا نذْكر رَبنَا ونتفكر فِي عَظمته فَقَالَ: لن تدركوا التفكر فِي عَظمته
أَلا أخْبركُم بِبَعْض عَظمَة ربكُم قيل: بلَى يَا رَسُول الله قَالَ: إِن ملكا من حَملَة الْعَرْش يُقَال لَهُ إسْرَافيل زَاوِيَة من زَوَايَا الْعَرْش على كَاهِله
قد مرقت قدماه فِي الأَرْض السَّابِعَة السُّفْلى ومرق رَأسه من السَّمَاء السَّابِعَة فِي مثله من خَلِيقَة ربكُم تَعَالَى
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: فِي بعض الْقِرَاءَة الَّذين يحملون الْعَرْش فَالَّذِينَ حوله الْمَلَائِكَة يسبحون بِحَمْد رَبهم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {وَيَسْتَغْفِرُونَ للَّذين آمنُوا} قَالَ مطرف بن عبد الله بن الشخير: وجدنَا أنصح عباد الله لِعِبَادِهِ الْمَلَائِكَة عَلَيْهِم السَّلَام وَوجدنَا أغش عباد الله لِعِبَادِهِ الشَّيَاطِين
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: فِي بعض الْقِرَاءَة {الَّذين يحملون الْعَرْش} فِي قَوْله فَاغْفِر للَّذين تَابُوا من الشّرك وَاتبعُوا سَبِيلك قَالَ: طَاعَتك وَفِي قَوْله {وأدخلهم جنَّات عدن} قَالَ: إِن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: يَا كَعْب مَا عدن قَالَ: قُصُور من ذهب فِي الْجنَّة(7/276)
يسكنهَا النَّبِيُّونَ وَالصِّدِّيقُونَ وأئمة الْعدْل وَفِي قَوْله {وقهم السيئآت} قَالَ: الْعَذَاب
الْآيَة 10(7/277)
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ (10)
أخرج عبد بن حميد عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {إِن الَّذين كفرُوا ينادون لمقت الله أكبر من مقتكم أَنفسكُم} قَالَ: إِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة فَرَأَوْا مَا صَارُوا إِلَيْهِ مقتوا أنفسهم فَقيل لَهُم {لمقت الله} إيَّاكُمْ فِي الدُّنْيَا إِذْ تدعون إِلَى الإِيمان فتكفرون {أكبر من مقتكم أَنفسكُم} الْيَوْم
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن قَالَ: مقتوا أنفسهم لما دخل الْمُؤْمِنُونَ الْجنَّة وأدخلوا النَّار فَأَكَلُوا أناملهم من المقت قَالَ: ينادون فِي النَّار {لمقت الله} إيَّاكُمْ فِي الدُّنْيَا إِذْ تدعون إِلَى الإِيمان فتكفرون {أكبر من مقتكم أَنفسكُم} فِي النَّار
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {لمقت الله أكبر من مقتكم أَنفسكُم} الْآيَة
يَقُول: لمقت الله أهل الضَّلَالَة حِين يعرض عَلَيْهِم الإِيمان فِي الدُّنْيَا فَتَرَكُوهُ وَأَبُو أَن يقبلُوا أكبر مِمَّا مقتوا أنفسهم حِين عاينوا عَذَاب الله يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن زر الْهَمدَانِي رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {إِن الَّذين كفرُوا ينادون لمقت الله أكبر من مقتكم أَنفسكُم} قَالَ: هَذَا شَيْء يُقَال لَهُم يَوْم الْقِيَامَة حِين مقتوا أنفسهم فَيُقَال لَهُم {لمقت الله أكبر من مقتكم أَنفسكُم} قَالَ: مقتوا أنفسهم حِين عاينوا عَذَاب الله يَوْم الْقِيَامَة حِين مقتوا أنفسهم الْآن حِين علمْتُم أَنكُمْ من أَصْحَاب النَّار
الْآيَات 11 - 13(7/277)
قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ (11) ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ (12) هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقًا وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ (13)
أخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {أمتنَا اثْنَتَيْنِ وأحييتنا اثْنَتَيْنِ} قَالَ: هِيَ مثل الَّتِي فِي الْبَقَرَة (كُنْتُم أَمْوَاتًا فأحياكم ثمَّ يميتكم ثمَّ يُحْيِيكُمْ) (الْبَقَرَة الْآيَة 28) كَانُوا أموتا فِي أصلاب آبَائِهِم ثمَّ أخرجهم فأحياهم ثمَّ يميتهم ثمَّ يحييهم بعد الْمَوْت
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {أمتنَا اثْنَتَيْنِ وأحييتنا اثْنَتَيْنِ} قَالَ: كُنْتُم أَمْوَاتًا قبل أَن يخلقكم فَهَذِهِ ميتَة ثمَّ أحياكم فَهَذِهِ حَيَاة ثمَّ يميتكم فترجعون إِلَى الْقُبُور فَهَذِهِ ميتَة أُخْرَى ثمَّ يبعثكم يَوْم الْقِيَامَة فَهَذِهِ حَيَاة فهما ميتَتَانِ وحياتان
فَهُوَ كَقَوْلِه (كَيفَ تكفرون بِاللَّه وكنتم أَمْوَاتًا فأحياكم ثمَّ يميتكم ثمَّ يُحْيِيكُمْ ثمَّ إِلَيْهِ ترجعون) (الْبَقَرَة الْآيَة 28)
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي مَالك رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانُوا أَمْوَاتًا فأحياهم الله تَعَالَى فأماتهم ثمَّ يحييهم الله تَعَالَى يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {أمتنَا اثْنَتَيْنِ وأحييتنا اثْنَتَيْنِ} قَالَ: كَانُوا أَمْوَاتًا فِي أصلاب آبَائِهِم فأحياهم الله تَعَالَى فِي الدُّنْيَا ثمَّ أماتهم الموتة الَّتِي لَا بُد مِنْهَا ثمَّ أحياهم للبعث يَوْم الْقِيَامَة
فهما حياتان وموتتان {فاعترفنا بذنوبنا فَهَل إِلَى خُرُوج من سَبِيل} فَهَل إِلَى كرة إِلَى الدُّنْيَا من سَبِيل
الْآيَة 14(7/278)
فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (14)
أخرج مُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ عَن عبد الله بن الزبير رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول دبر الصَّلَاة لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ لَهُ الْملك وَله الْحَمد وهوعلى كل شَيْء قدير
وَلَا إِلَه إِلَّا الله وَلَا نعْبد إِلَّا إِيَّاه مُخلصين لَهُ الدّين وَلَو كره الْكَافِرُونَ
الْآيَات 15 - 16(7/278)
رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ (15) يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (16)
أخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {يلقِي الرّوح من أمره} قَالَ: الْوَحْي وَالرَّحْمَة {لينذر يَوْم التلاق} قَالَ: يَوْم يتلاقى أهل السَّمَاء وَأهل الأَرْض والخالق وخلقه {يَوْم هم بارزون} وَلَا يسترهم جبل وَلَا شَيْء
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: يَوْم التلاق وَيَوْم الآزفة وَنَحْو هَذَا من أَسمَاء يَوْم الْقِيَامَة عَظمَة الله وحذره عباده
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {يَوْم هم بارزون لَا يخفى على الله مِنْهُم شَيْء} قَالَ: وَالْيَوْم لَا يخفى على الله مِنْهُم شَيْء وَلَكنهُمْ برزوا لله يَوْم الْقِيَامَة لَا يستترون بجبل وَلَا مدر
وَأخرج عبد بن حميد فِي زَوَائِد الزّهْد وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: يُنَادي مُنَاد بَين يَدي السَّاعَة: يَا أَيهَا النَّاس أتتكم السَّاعَة فيسمعها الْأَحْيَاء والأموات وَينزل الله إِلَى السَّمَاء الدُّنْيَا فَيَقُول {لمن الْملك الْيَوْم لله الْوَاحِد القهار}
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي الْبَعْث والديلمي عَن أبي سعيد رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: يُنَادي مُنَاد بَين الصَّيْحَة: يَا أَيهَا النَّاس أتتكم السَّاعَة - وَمد بهَا صَوته يسمعهُ الْأَحْيَاء والأموات - وَينزل الله إِلَى السَّمَاء الدُّنْيَا ثمَّ يُنَادي مُنَاد: لمن الْملك الْيَوْم
لله الْوَاحِد القهار
الْآيَة 17(7/279)
الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (17)
أخرج الْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن جَابر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: بَلغنِي حَدِيث عَن رجل من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْقصاص فَأتيت بعير فشددت عَلَيْهِ رحلي ثمَّ سرت إِلَيْهِ شهرا حَتَّى قدمت مصر فَأتيت عبد الله بن أنيس فَقلت لَهُ: حَدِيث بَلغنِي عَنْك فِي الْقصاص فَقَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول:(7/279)
يحْشر الله الْعباد حُفَاة عُرَاة غرلًا
قُلْنَا مَا هما قَالَ: لَيْسَ مَعَهم شَيْء ثمَّ يناديهم بِصَوْت يسمعهُ من بعد كَمَا يسمعهُ من قرب
أَنا الْملك أَنا الديَّان لَا يَنْبَغِي لأحد من أهل الْجنَّة أَن يدْخل الْجنَّة وَلَا لأحد من أهل النَّار أَن يدْخل النَّار وَعِنْده مظْلمَة حَتَّى أقصه مِنْهَا حَتَّى اللَّطْمَة
قُلْنَا كَيفَ وان نأتي الله غرلًا بهما قَالَ: بِالْحَسَنَاتِ والسيئآت وتلا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {الْيَوْم تجزى كل نفس بِمَا كسبت لَا ظلم الْيَوْم}
وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: الذُّنُوب ثَلَاثَة
فذنب يغْفر وذنب لَا يغْفر وذنب لَا يتْرك مِنْهُ شَيْء
فالذنب الَّذِي يغْفر العَبْد يُذنب الذَّنب فيستغفر الله فَيغْفر لَهُ وَأما النذب الَّذِي لَا يغْفر فالشرك وَأما الذَّنب الَّذِي لَا يتْرك مِنْهُ شَيْء فمظلمة الرجل أَخَاهُ
ثمَّ قَرَأَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {الْيَوْم تجزى كل نفس بِمَا كسبت لَا ظلم الْيَوْم إِن الله سريع الْحساب} يُؤْخَذ للشاة الْجَمَّاء من ذَات الْقُرُون بِفضل نطحها
وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: يجمع الله الْخلق يَوْم الْقِيَامَة بصعيد وَاحِد بِأَرْض بَيْضَاء كَأَنَّهَا سبيكة فضَّة لم يعْص الله عَلَيْهَا قطّ وَلم يخط فِيهَا
فَأول مَا يتَكَلَّم أَن يُنَادي مُنَاد: لمن الْملك الْيَوْم
لله الْوَاحِد القهار {الْيَوْم تجزى كل نفس بِمَا كسبت لَا ظلم الْيَوْم إِن الله سريع الْحساب} فَأول مَا يبدؤن بِهِ من الْخُصُومَات الدِّمَاء فَيُؤتى بالقاتل والمقتول فَيَقُول: سل عَبدك هَذَا فيمَ قتلتني فَيَقُول: نعم
فَإِن قَالَ قتلته لتَكون الْعِزَّة لله فَإِنَّهَا لَهُ وَإِن قَالَ قتلته لتَكون الْعِزَّة لفُلَان فَإِنَّهَا لَيست لَهُ ويبوء بإئمه فيقتله
وَمن كَانَ قتل بالغين مَا بلغُوا ويذوقوا الْمَوْت كَمَا ذاقوه فِي الدُّنْيَا
وَأخرج الْخَطِيب فِي تَارِيخه بسندٍ واهٍ عَن عمر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يحْشر النَّاس يَوْم الْقِيَامَة كَمَا ولدتهم أمهاتهم
حُفَاة عُرَاة غرلًا
فَقَالَت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا: واسوأتاه
ينظر بَعْضنَا إِلَى بعض فَضرب على منكبها وَقَالَ: يَا بنت أبي قُحَافَة شغل النَّاس يَوْمئِذٍ عَن النّظر وَسموا بِأَبْصَارِهِمْ إِلَى السَّمَاء موقوفون أَرْبَعِينَ سنة
لَا يَأْكُلُون وَلَا يشربون وَلَا يَتَكَلَّمُونَ سامين أَبْصَارهم إِلَى السَّمَاء
يلجمهم الْعرق فَمنهمْ من بلغ الْعرق قَدَمَيْهِ وَمِنْهُم من بلغ سَاقيه وَمِنْهُم من بلغ فَخذيهِ
وبطنه وَمِنْهُم من يلجمه الْعرق(7/280)
ثمَّ يرحم بعد ذَلِك على الْعباد فيأمر الْمَلَائِكَة المقربين فيحملون عرش الرب عز وَجل حَتَّى يوضع فِي أَرض بَيْضَاء كَأَنَّهَا الْفضة لم يسفك فِيهَا دم حرَام وَلم يعْمل فِيهَا خَطِيئَة وَذَلِكَ أول يَوْم نظرت عين إِلَى الله تَعَالَى
ثمَّ تقوم الْمَلَائِكَة (حافين من حول الْعَرْش) (الزمر 75) ثمَّ يُنَادي منادٍ فينادي بِصَوْت يسمع الثقلَيْن الْجِنّ والإِنس يستمع النَّاس لذَلِك الصَّوْت ثمَّ يخرج الرجل من الْموقف فيعرق النَّاس كلهم ثمَّ يعرق بِأخذ حَسَنَاته فَتخرج مَعَه فَيخرج بِشَيْء لم ير النَّاس مثله كَثْرَة وَيعرف النَّاس تِلْكَ الْحَسَنَات فَإِذا وقف بَين يَدي رب الْعَالمين قَالَ: أَيْن أَصْحَاب الْمَظَالِم فَيَقُول لَهُ الرَّحْمَن تَعَالَى: أظلمت فلَان بن فلَان فِي كَذَا وَكَذَا
فَيَقُول: نعم يَا رب وَذَلِكَ (يَوْم تشهد عَلَيْهِ ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بِمَا كَانُوا يعْملُونَ) (النُّور 24) فَإِذا فرغ من ذَلِك فَيُؤْخَذ من حَسَنَاته فيدع إِلَى من ظلمه
وَذَلِكَ يَوْم لَا دِينَار وَلَا دِرْهَم إِلَّا أَخذ من الْحَسَنَات وَترك من السيئآت فَإِذا لم يبْق حَسَنَة قَالَ: من بَقِي يَا رَبنَا مَا بَال غَيرنَا استوفوا حُقُوقهم وَبَقينَا قيل: لَا تعجلوا فَيُؤْخَذ من سيئآتهم عَلَيْهِ فَإِذا لم يبْق أحد يَطْلُبهُ قيل لَهُ ارْجع إِلَى أمك الهاوية فَإِنَّهُ {لَا ظلم الْيَوْم إِن الله سريع الْحساب} وَلَا يبْقى ملك مقرب وَلَا نَبِي مُرْسل وَلَا صديق وَلَا شَهِيد إِلَّا ظن أَنه لم ينج لما رأى من شدَّة الْحساب
الْآيَة 18(7/281)
وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ (18)
أخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {وَأَنْذرهُمْ يَوْم الآزفة} قَالَ: السَّاعَة {إِذْ الْقُلُوب لَدَى الْحَنَاجِر} قَالَ: وَقعت فِي حَنَاجِرهمْ من المخافة فَلَا تخرج وَلَا تعود إِلَى أماكنها
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {وَأَنْذرهُمْ يَوْم الآزفة} قَالَ: يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج رَضِي الله عَنهُ {إِذْ الْقُلُوب لَدَى الْحَنَاجِر} قَالَ: إِذا عاين أهل النَّار النَّار حَتَّى تبلغ حَنَاجِرهمْ فَلَا تخرج فيموتون وَلَا ترجع(7/281)
إِلَى أماكنها من أَجْوَافهم
وَفِي قَوْله {كاظمين} قَالَ: بَاكِينَ
الْآيَات 19 - 20(7/282)
يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ (19) وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (20)
أخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {يعلم خَائِنَة الْأَعْين وَمَا تخفي الصُّدُور} قَالَ: الرجل يكون فِي الْقَوْم فتمر بهم الْمَرْأَة فيريهم أَنه يغض بَصَره عَنْهَا وَإِذا غفلوا لحظ إِلَيْهَا وَإِذا نظرُوا غض بَصَره عَنْهَا وَقد اطلع الله من قلبه أَنه ودَّ أَنه ينظر إِلَى عورتها
وَأخرج أَبُو نعيم فِي الْحِلْية وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {يعلم خَائِنَة الْأَعْين} قَالَ: نظرت اليها لتريد الْخِيَانَة أم لَا {وَمَا تخفي الصُّدُور} قَالَ: إِذا قدرت عَلَيْهَا أتزني بهَا أم لَا أَلا أخْبركُم {وَالله يقْضِي بِالْحَقِّ} قَادر على أَن يَجْزِي بِالْحَسَنَة الْحَسَنَة وبالسيئة السَّيئَة
وَأخرج عبد بن حميد وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {يعلم خَائِنَة الْأَعْين} قَالَ: يعلم همزه وإضمامه بِعَيْنيهِ فِيمَا لَا يحب الله تَعَالَى
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {يعلم خَائِنَة الْأَعْين} قَالَ: نظر الْعين إِلَى مَا نهي عَنهُ
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي الجوزاء رَضِي الله عَنهُ {يعلم خَائِنَة الْأَعْين} قَالَ: كَانَ الرجل يدْخل على الْقَوْم فِي الْبَيْت وَفِي الْبَيْت امْرَأَة فيرفع رَأسه فيلحظ إِلَيْهَا ثمَّ ينكس
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن سعد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما كَانَ يَوْم فتح مَكَّة أَمن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم النَّاس إِلَّا أَرْبَعَة نفر وَامْرَأَتَيْنِ وَقَالَ: أقتلوهم وَإِن وَجَدْتُمُوهُمْ مُتَعَلقين بِأَسْتَارِ الْكَعْبَة مِنْهُم عبد الله بن سعد بن أبي سرح
فَاخْتَبَأَ عِنْد عُثْمَان بن عَفَّان رَضِي الله عَنهُ فَلَمَّا دَعَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم النَّاس إِلَى الْبيعَة جَاءَ بِهِ(7/282)
فَقَالَ: يَا رَسُول الله بَايع عبد الله
فَرفع رَأسه فَنظر إِلَيْهِ ثَلَاثًا كل ذَلِك يَأْبَى يبايعه ثمَّ أقبل على أَصْحَابه فَقَالَ: أما كَانَ فِيكُم رجل رشيد يقوم إِلَى هَذَا حِين رَآنِي كَفَفْت يَدي عَن بيعَته فيقتله فَقَالُوا: مَا يُدْرِينَا يَا رَسُول الله مَا فِي نَفسك هلا أَوْمَأت إِلَيْنَا بِعَيْنِك قَالَ: أَنه لَا يَنْبَغِي لنَبِيّ أَن يكون لَهُ خَائِنَة الْأَعْين
وَأخرج الْخَطِيب فِي تَارِيخه والحكيم التِّرْمِذِيّ عَن أم معبد رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: اللَّهُمَّ طهر قلبِي من النِّفَاق وعملي من الرِّيَاء ولساني من الْكَذِب وعيني من الْخِيَانَة فَإنَّك تعلم خَائِنَة الْأَعْين وَمَا تخفي الصُّدُور
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَالله يقْضِي بِالْحَقِّ} قَالَ: قَادر على أَن يقْضِي بِالْحَقِّ {وَالَّذين يدعونَ من دونه} لَا يقدرُونَ على أَن يقضوا بِالْحَقِّ
من آيَة 21 - 22(7/283)
أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ (21) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَكَفَرُوا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ إِنَّهُ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ (22)
أخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {وَمَا كَانَ لَهُم من الله من واق} قَالَ: من واق يقيهم وَلَا يَنْفَعهُمْ
من آيَة 23 - 27(7/283)
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ (23) إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ (24) فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا اقْتُلُوا أَبْنَاءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِسَاءَهُمْ وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ (25) وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ (26) وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ (27)
أخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {فَلَمَّا جَاءَهُم بِالْحَقِّ من عندنَا قَالُوا اقْتُلُوا أَبنَاء الَّذين آمنُوا}
قَالَ: هَذَا بعد الْقَتْل الأول وَلَفظ عبد بن حميد هَذَا قتل غير الْقَتْل الأوّل الَّذِي كَانَ
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَقَالَ فِرْعَوْن ذروني أقتل مُوسَى} قَالَ: أنظر من يمنعهُ مني
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج رَضِي الله عَنهُ {إِنِّي أَخَاف أَن يُبدل دينكُمْ أَو أَن يظْهر فِي الأَرْض الْفساد} قَالَ: أَن يقتلُوا أبناءكم ويستحيوا نساءكم إِذا ظَهَرُوا عَلَيْكُم كَمَا كُنْتُم تَفْعَلُونَ بهم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {إِنِّي أَخَاف أَن يُبدل دينكُمْ} أَي أَمركُم الَّذِي أَنْتُم عَلَيْهِ {أَو أَن يظْهر فِي الأَرْض الْفساد} وَالْفساد عِنْده أَن يعْمل بِطَاعَة الله (إِن الله لَا يهدي من هُوَ مُسْرِف كَذَّاب) قَالَ: الْمُشرك أسرف على نَفسه بالشرك
الْآيَة 28(7/284)
وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ (28)
أخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: لم يكن فِي آل فِرْعَوْن مُؤمن غَيره وَغير امْرَأَة فِرْعَوْن وَغير الْمُؤمن الَّذِي أنذر مُوسَى عَلَيْهِ(7/284)
السَّلَام
الَّذِي قَالَ: أَن الْمَلأ يأتمرون بك ليقتلوك) قَالَ ابْن الْمُنْذر أخْبرت ان اسْمه حزقيل
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي إِسْحَق رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ سم الرجل الَّذِي آمن من آل فِرْعَوْن حبيب
وَأخرج البُخَارِيّ وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق عُرْوَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قلت لعبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ رَضِي الله عَنهُ أَخْبرنِي بأشد شَيْء صنعه الْمُشْركُونَ برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: بَينا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي بِفنَاء الْكَعْبَة إِذْ أقبل عقبَة بن أبي معيط فَأخذ بمنكب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ولوى ثَوْبه فِي عُنُقه فخنقه خنقاً شَدِيدا فَأقبل أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ فَأخذ بمنكبيه وَدفعه عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
ثمَّ قَالَ {أَتقْتلونَ رجلا أَن يَقُول رَبِّي الله وَقد جَاءَكُم بِالْبَيِّنَاتِ من ربكُم}
وَأخرج ابْن أبي شيبَة والحكيم التِّرْمِذِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن عَمْرو بن الْعَاصِ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: مَا رأى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شَيْئا كَانَ أَشد من أَن طَاف بِالْبَيْتِ ضحى فَلَقوهُ حِين فرغ فَأخذُوا بِمَجَامِع رِدَائه وَقَالُوا: أَنْت الَّذِي تَنْهَانَا عَمَّا كَانَ يعبد آبَاؤُنَا قَالَ: أَنا ذَاك
فَقَامَ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ فَالْتَزمهُ من وَرَائه ثمَّ قَالَ {أَتقْتلونَ رجلا أَن يَقُول رَبِّي الله وَقد جَاءَكُم بِالْبَيِّنَاتِ من ربكُم وَإِن يَك كَاذِبًا فَعَلَيهِ كذبه وَإِن يَك صَادِقا يصبكم بعض الَّذِي يَعدكُم إِن الله لَا يهدي من هُوَ مُسْرِف كَذَّاب} رَافعا صَوته بذلك وَعَيناهُ يسحان حَتَّى أَرْسلُوهُ
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أنس بن مَالك رَضِي الله عَنهُ قَالَ: ضربوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى غشي عَلَيْهِ
فَقَامَ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ فَجعل يُنَادي وَيْلكُمْ {أَتقْتلونَ رجلا أَن يَقُول رَبِّي الله} قَالُوا: من هَذَا قَالَ: هَذَا ابْن أبي قُحَافَة
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ وَابْن مرْدَوَيْه من حَدِيث أَسمَاء بنت أبي بكر رَضِي الله عَنْهُمَا
نَحوه
وَأخرج الْبَزَّار وَأَبُو نعيم فِي فَضَائِل الصَّحَابَة عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ: أَيهَا النَّاس أخبروني بأشجع النَّاس قَالُوا: أَنْت
قَالَ: لَا
قَالُوا: فَمن قَالَ: أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ
لقد رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأخذته قُرَيْش
هَذَا يحثه وَهَذَا يبلبله وهم يَقُولُونَ: أَنْت الَّذِي جعلت الْآلهَة إِلَهًا وَاحِدًا قَالَ: فوَاللَّه مَا دنا منا أحد(7/285)
إِلَّا أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ
يضْرب هَذَا ويجاهد هَذَا وَهُوَ يَقُول وَيْلكُمْ {أَتقْتلونَ رجلا أَن يَقُول رَبِّي الله} ثمَّ رفع عَليّ رَضِي عَنهُ بردة كَانَت عَلَيْهِ فَبكى حَتَّى اخضلت لحيته ثمَّ قَالَ: أنْشدكُمْ بِاللَّه أمؤمن آل فِرْعَوْن خير أم أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ خير من مُؤمن آل فِرْعَوْن ذَاك رجل يكتم إيمَانه وَهَذَا رجل أعلن إيمَانه
الْآيَة 29 - 31(7/286)
يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ (29) وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ (30) مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ (31)
أخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس {مثل دأب} مثل حَال
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {مثل دأب قوم نوح} قَالَ: هم الْأَحْزَاب {قوم نوح وعادٍ وَثَمُود}
الْآيَات 32 - 33(7/286)
وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ (32) يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (33)
أخرج ابْن الْمُبَارك وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة أَمر الله السَّمَاء الدُّنْيَا فتشققت بِأَهْلِهَا فَتكون الْمَلَائِكَة على حافتها حَتَّى يَأْمُرهُم الرب فينزلون فيحيطون بِالْأَرْضِ وَمن بهَا ثمَّ الثَّانِيَة ثمَّ الثَّالِثَة ثمَّ الرَّابِعَة ثمَّ الْخَامِسَة ثمَّ السَّادِسَة ثمَّ السَّابِعَة
فصفوا صفا دون صف ثمَّ ينزل الْملك الْأَعْلَى ليسري جَهَنَّم فَإِذا رَآهَا أهل الأَرْض هربوا فَلَا يأْتونَ قطراً من أقطار الأَرْض إِلَّا وجدوا سَبْعَة صُفُوف من الْمَلَائِكَة فيرجعون إِلَى الْمَكَان الَّذِي كَانُوا فِيهِ
فَذَلِك قَوْله {يَوْم التناد} يَعْنِي بتَشْديد الدَّال {يَوْم تولون مُدبرين مَا لكم من الله من عَاصِم}(7/286)
وَذَلِكَ قَوْله (وَجَاء رَبك وَالْملك صفا صفا وَجِيء يَوْمئِذٍ بجهنم) (الْفجْر الْآيَة 22 - 23) وَقَوله (يَا معشر الْجِنّ والإِنس إِن اسْتَطَعْتُم أَن تنفذوا من أقطار السَّمَوَات وَالْأَرْض فانفذوا لَا تنفذون إِلَّا بسُلْطَان) (الرَّحْمَن الْآيَة 33) وَقَوله (وانشقت السَّمَاء فَهِيَ يَوْمئِذٍ واهية وَالْملك على أرجائها) (الحاقة الْآيَة 17) يَعْنِي مَا تشقق فِيهَا
فَبَيْنَمَا هم كَذَلِك إِذْ سمعُوا الصَّوْت فَأَقْبَلُوا إِلَى الْحساب
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {يَوْم التناد} قَالَ: يُنَادى كل قوم بأعمالهم
فنادي أهل النَّار أهل الْجنَّة
وَأهل الْجنَّة أهل النَّار {يَوْم تولون مُدبرين} إِلَى النَّار {مَا لكم من الله من عَاصِم} أَي من نَاصِر
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {وَيَا قوم إِنِّي أَخَاف عَلَيْكُم يَوْم التناد} قَالَ: يُنَادي أهل الْجنَّة أهل النَّار (أَن قد وجدنَا مَا وعدنا رَبنَا حَقًا فَهَل وجدْتُم مَا وعد ربكُم حَقًا) (الْأَعْرَاف الْآيَة 44) قَالَ: وينادي أهل النَّار أهل الْجنَّة (أَن أفيضوا علينا من المَاء أَو مِمَّا رزقكم الله) (الْأَعْرَاف الْآيَة 50)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {يَوْم تولون مُدبرين} قَالَ: قَادِرين غير معجزين
الْآيَات 34 - 38(7/287)
وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ (34) الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ (35) وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ (36) أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبَابٍ (37) وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ (38)
أخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَلَقَد جَاءَكُم يُوسُف من قبل بِالْبَيِّنَاتِ} قَالَ: رُؤْيا يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله {الَّذين يجادلون فِي آيَات الله بِغَيْر سُلْطَان} قَالَ: بِغَيْر برهَان
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: مَا رَآهُ الْمُؤْمِنُونَ حسنا فَهُوَ حسن عِنْد الله وَمَا رَآهُ الْمُؤْمِنُونَ سَيِّئًا فَهُوَ سيء عِنْد الله
وَكَانَ الْأَعْمَش رَضِي الله عَنهُ يتَأَوَّل بعده {كبر مقتاً عِنْد الله وَعند الَّذين آمنُوا}
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم رَضِي الله عَنهُ {كَذَلِك يطبع الله على كل قلب متكبر} مُضَاف لَا ينون فِي قلب
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {وَقَالَ فِرْعَوْن يَا هامان ابْن لي صرحاً} قَالَ: كَانَ أوّل من بنى بِهَذَا الْآجر وطبخه {لعَلي أبلغ الْأَسْبَاب} قَالَ: الْأَبْوَاب {أَسبَاب} أَي أَبْوَاب {كَاذِبًا وَكَذَلِكَ زيّن لفرعون سوء عمله وَصد عَن السَّبِيل} قَالَ: فعل ذَلِك بِهِ {زيّن لفرعون سوء عمله وَصد عَن السَّبِيل وَمَا كيد فِرْعَوْن إِلَّا فِي تباب} أَي فِي ضلال وخسار
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {يَا هامان ابنِ لي صرحاً} قَالَ: اَوْقِدْ على الطين حَتَّى يكون الآجُرُّ
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي صَالح رَضِي الله عَنْهُم فِي قَوْله {أَسبَاب السَّمَاوَات} قَالَ: طرق السَّمَوَات
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {إِلَّا فِي تباب} قَالَ: خسران
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد {فِي تباب} قَالَ: فِي خسارة
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم رَضِي الله عَنهُ أَنه قَرَأَ (وصدوا عَن السَّبِيل) بِرَفْع الصَّاد
الْآيَات 39 - 40(7/288)
يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ (39) مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ (40)
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: الدُّنْيَا جُمُعَة من جمع الْآخِرَة
سَبْعَة آلَاف سنة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن الْحَيَاة الدُّنْيَا مَتَاع وَلَيْسَ من مَتَاعه شَيْء خيرا من الْمَرْأَة الصَّالِحَة الَّتِي إِذا نظرت إِلَيْهَا سرتك وَإِذا غبت عَنْهَا حفظتك فِي نَفسهَا وَمَالك
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {وَإِن الْآخِرَة هِيَ دَار الْقَرار} اسْتَقَرَّتْ الْجنَّة بِأَهْلِهَا واستقرت النَّار بِأَهْلِهَا {من عمل سَيِّئَة} قَالَ: الشّرك {فَلَا يجزى إِلَّا مثلهَا وَمن عمل صَالحا} أَي خيرا {من ذكر أَو أُنْثَى وَهُوَ مُؤمن فَأُولَئِك يدْخلُونَ الْجنَّة يرْزقُونَ فِيهَا بِغَيْر حِسَاب} لَا وَالله مَا هُنَاكَ مكيال وَلَا ميزَان
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم رَضِي الله عَنهُ أَنه قَرَأَ فَأُولَئِك يدْخلُونَ الْجنَّة بِنصب الْيَاء
الْآيَات 41 - 45(7/289)
وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ (41) تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ (42) لَا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ (43) فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (44) فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ (45)
أخرج الْفرْيَابِيّ وَسَعِيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَيَا قوم مَا لي أدعوكم إِلَى النجَاة} قَالَ: إِلَى الإِيمان وَفِي قَوْله {لَا جرم إِنَّمَا تدعونني إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَة فِي الدُّنْيَا} قَالَ: الوثن لَيْسَ بِشَيْء {وَإِن المسرفين} السفاكين الدِّمَاء بِغَيْر حَقّهَا {هم أَصْحَاب النَّار}
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة قَالَ {لَيْسَ لَهُ دَعْوَة فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَة} قَالَ: لَا يضر وَلَا ينفع {وَإِن المسرفين هم أَصْحَاب النَّار} قَالَ: [] جَمِيع أَصْحَابنَا {وَإِن المسرفين هم أَصْحَاب النَّار}
وَأخرج عبد بن حميد وَعبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله {فوقاه الله سيئآت مَا مكروا} قَالَ: كَانَ قبطياً من قوم فِرْعَوْن فنجا مَعَ مُوسَى وَبني إِسْرَائِيل حِين نَجوا
الْآيَات 46 - 50(7/290)
النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ (46) وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِنَ النَّارِ (47) قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ (48) وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ (49) قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ (50)
أخرج ابْن أبي شيبَة وهناد وَعبد بن حميد عَن هُذَيْل بن شُرَحْبِيل رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِن أَرْوَاح آل فِرْعَوْن فِي أَجْوَاف طير سود تَغْدُو وَتَروح على النَّار
فَذَلِك عرضهَا وأرواح الشُّهَدَاء فِي أَجْوَاف طير خضر وَأَوْلَاد الْمُسلمين الَّذين لم يبلغُوا الْحِنْث فِي أَجْوَاف عصافير من عصافير الْجنَّة ترعى وتسرح(7/290)
وَأخرج عبد بن حميد عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ أَنه سُئِلَ عَن أَرْوَاح الشُّهَدَاء قَالَ: تجْعَل أَرْوَاحهم فِي أَجْوَاف طير خضر تسرح فِي الْجنَّة وتأوي بِاللَّيْلِ إِلَى قناديل من ذهب معلقَة بالعرش فتأوي فِيهَا
قيل فأرواح الْكفَّار قَالَ: تُوجد أَرْوَاحهم فتجعل فِي أَجْوَاف طير سود تَغْدُو وَتَروح على النَّار
ثمَّ قَرَأَ هَذِه الْآيَة {النَّار يعرضون عَلَيْهَا غدواً وعشياً}
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أَرْوَاح الشُّهَدَاء فِي أَجْوَاف طير خضر تسرح بهم فِي الْجنَّة حَيْثُ شَاءُوا وَإِن أَرْوَاح ولدان الْمُؤمنِينَ فِي أَجْوَاف عصافير تسرح فِي الْجنَّة حَيْثُ شَاءَت وَإِن أَرْوَاح آل فِرْعَوْن فِي أَجْوَاف طير سود تَغْدُو على جَهَنَّم وَتَروح
فَذَلِك عرضهَا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {النَّار يعرضون عَلَيْهَا غدواً وعشياً} قَالَ: صباحاً وَمَسَاء
يُقَال لَهُم: هَذِه مَنَازِلكُمْ فانظروا إِلَيْهَا توبيخاً ونقمة وصغاراً
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {يعرضون عَلَيْهَا غدواً وعشياً} قَالَ: مَا كَانَت الدُّنْيَا تعرض أَرْوَاحهم
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ
أَنه كَانَ لَهُ صرختان فِي كل يَوْم غدْوَة وَعَشِيَّة
كَانَ يَقُول أول النَّهَار: ذهب اللَّيْل وَجَاء النَّهَار وَعرض آل فِرْعَوْن على النَّار فَلَا يسمع أحد صَوته إِلَّا استعاذ بِاللَّه من النَّار
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب من عَاشَ بعد الْمَوْت وَابْن جرير عَن الْأَوْزَاعِيّ رَضِي الله عَنهُ
أَنه سَأَلَهُ رجل فَقَالَ: يَا أَبَا عَمْرو إِنَّا نرى طيراً أسود تخرج من الْبَحْر فوجاً فوجاً لَا يعلم عَددهَا إِلَّا الله تَعَالَى فَإِذا كَانَ الْعشَاء عَاد مثلهَا بيضًا قَالَ: وفطنتم لذَلِك قَالُوا: نعم
قَالَ: تِلْكَ فِي حواصلها أَرْوَاح آل فِرْعَوْن {يعرضون عَلَيْهَا غدواً وعشياً} فترجع وكورها وَقد أحرقت رياشها وَصَارَت سَوْدَاء فينبت عَلَيْهَا ريش أَبيض وتتناثر السود ثمَّ تعرض على النَّار ثمَّ ترجع إِلَى وكورها فَذَلِك دأبهم فِي الدُّنْيَا فَإِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة قَالَ الله {أدخلُوا آل فِرْعَوْن أَشد الْعَذَاب}
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عمر رَضِي الله(7/291)
عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن أحدكُم إِذا مَاتَ عرض عَلَيْهِ مَقْعَده من الْغَدَاة والعشي
إِن كَانَ من أهل الْجنَّة فَمن أهل الْجنَّة وَإِن كَانَ من أهل النَّار فَمن أهل النَّار
يُقَال: هَذَا مَقْعَدك حَتَّى يَبْعَثك الله يَوْم الْقِيَامَة
زَاد ابْن مرْدَوَيْه {النَّار يعرضون عَلَيْهَا غدواً وعشياً}
وَأخرج الْبَزَّار وَابْن أبي حَاتِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: مَا أحسن محسن مُسلم أَو كَافِر إِلَّا أثابه الله
قُلْنَا يَا رَسُول الله مَا إثابة الْكَافِر قَالَ: المَال وَالْولد وَالصِّحَّة وَأَشْبَاه ذَلِك
قُلْنَا: وَمَا إثابته فِي الْآخِرَة قَالَ: عذَابا دون الْعَذَاب
وَقَرَأَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {أدخلُوا آل فِرْعَوْن أَشد الْعَذَاب} قِرَاءَة مَقْطُوعَة الْألف
الْآيَات 51 - 55(7/292)
إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ (51) يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (52) وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْهُدَى وَأَوْرَثْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ (53) هُدًى وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ (54) فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ (55)
أخرج أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي ذمّ الْغَيْبَة وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن أبي الدَّرْدَاء رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: من رد عَن عرض أَخِيه رد الله عَن وَجهه نَار جَهَنَّم
ثمَّ تَلا {إِنَّا لننصر رسلنَا} الْآيَة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ
مثله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي الْعَالِيَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {إِنَّا لننصر رسلنَا} الْآيَة
قَالَ: ذَلِك فِي الْحجَّة
يفتح الله حجتهم فِي الدُّنْيَا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ فِي هَذِه الْآيَة قَالَ: لم يبْعَث الله(7/292)
إِلَيْهِم من ينصرهم فيطلب بدمائهم مِمَّن فعل ذَلِك بهم فِي الدُّنْيَا وهم منصورون فِيهَا
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَيَوْم يقوم الأشهاد} قَالَ: هم الْمَلَائِكَة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ
مثله
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن سُفْيَان رَضِي الله عَنهُ قَالَ: سَأَلت الْأَعْمَش عَن قَوْله {وَيَوْم يقوم الأشهاد} قَالَ: الْمَلَائِكَة
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ {الأشهاد} مَلَائِكَة الله وأنبياؤه والمؤمنون
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن زيد بن أسلم رَضِي الله عَنهُ قَالَ {الأشهاد} أَرْبَعَة: الْمَلَائِكَة الَّذين يُحصونَ أَعمالنَا
وَقَرَأَ (وَجَاءَت كل نفس مَعهَا سائق وشهيد) (ق 21)
والنبيون شُهَدَاء على أممهم
وَقَرَأَ (فَكيف إِذا جِئْنَا من كل أمة بِشَهِيد) (النِّسَاء 41)
وَأمة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شُهَدَاء على الْأُمَم
وَقَرَأَ (لِتَكُونُوا شُهَدَاء على النَّاس) (الْحَج 78)
والأجساد والجلود
وَقَرَأَ (وَقَالُوا لجلودهم لم شهدتم علينا قَالُوا أنطقنا الله الَّذِي أنطق كل شَيْء) (فصلت 21)
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الضَّحَّاك {وَسبح بِحَمْد رَبك بالْعَشي والإِبكار} قَالَ: صل لِرَبِّك {بالْعَشي والإِبكار} قَالَ: الصَّلَوَات المكتوبات
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {بالْعَشي والإِبكار} قَالَ: صَلَاة الْفجْر وَالْعصر
الْآيَات 56 - 59(7/293)
إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (56) لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (57) وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَلَا الْمُسِيءُ قَلِيلًا مَا تَتَذَكَّرُونَ (58) إِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ (59)
أخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم بِسَنَد صَحِيح عَن أبي الْعَالِيَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِن الْيَهُود أَتَوا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالُوا: إِن الدَّجَّال يكون منا فِي آخر الزَّمَان وَيكون من أمره فَعَظمُوا أمره وَقَالُوا: يصنع كَذَا
فَأنْزل الله {إِن الَّذين يجادلون فِي آيَات الله بِغَيْر سُلْطَان أَتَاهُم إِن فِي صُدُورهمْ إِلَّا كبر مَا هم ببالغيه} قَالَ: لَا يبلغ الَّذِي يَقُول {فاستعذ بِاللَّه} فَأمر نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن يتَعَوَّذ من فتْنَة الدَّجَّال {لخلق السَّمَاوَات وَالْأَرْض أكبر من خلق النَّاس} الدَّجَّال
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن كَعْب الْأَحْبَار رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {إِن الَّذين يجادلون فِي آيَات الله بِغَيْر سُلْطَان} قَالَ: هم الْيَهُود نزلت فيهم فِيمَا ينتظرونه من أَمر الدَّجَّال
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {لخلق السَّمَاوَات وَالْأَرْض أكبر من خلق النَّاس} قَالَ: زَعَمُوا أَن الْيَهُود قَالُوا: يكون منا ملك فِي آخر الزَّمَان الْبَحْر إِلَى رُكْبَتَيْهِ والسحاب دون رَأسه يَأْخُذ الطير بَين السَّمَاء وَالْأَرْض
مَعَه جبل خبز ونهر
فَنزلت {لخلق السَّمَاوَات وَالْأَرْض أكبر من خلق النَّاس}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {إِن فِي صُدُورهمْ إِلَّا كبر} قَالَ: عَظمَة
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة
إِنَّمَا حملهمْ على التَّكْذِيب الزيغ الَّذِي فِي قُلُوبهم
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة {وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى والبصير} قَالَ {الْأَعْمَى} الْكَافِر {والبصير} الْمُؤمن {وَالَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات وَلَا الْمُسِيء قَلِيلا مَا تتذكرون} قَالَ: هم فِي بغيهم بعد
وَأخرج أَحْمد وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن جَابر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا كَانَ من فتْنَة وَلَا تكون حَتَّى تقوم السَّاعَة أعظم من فتْنَة الدَّجَّال وَمَا من نَبِي إِلَّا حذر(7/294)
قومه ولأخبرنكم عَنهُ بِشَيْء مَا أخبرهُ نَبِي قبلي فَوضع يَده على عينه ثمَّ قَالَ: أشهد أَن الله لَيْسَ بأعور
وَأخرج ابْن عدي قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: مَا من نَبِي إِلَّا وَقد حذر أمته الدَّجَّال
وَهُوَ أَعور بَين عَيْنَيْهِ طفرة مَكْتُوب عَلَيْهِ كَافِر مَعَه واديان
أَحدهمَا جنَّة وَالْآخر نَار
فناره جنَّة وجنته نَار
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد عَن دَاوُد بن عَامر بن أبي وَقاص عَن أَبِيه عَن جده قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِنَّه لم يكن نَبِي قبلي إِلَّا وَقد وصف الدَّجَّال لأمته
وَلأَصِفَنَّهُ صفة لم يصفها أحد كَانَ قبلي إِنَّه أَعور وَإِن الله عز وَجل لَيْسَ بأعور
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه عَن أبي عُبَيْدَة بن الْجراح
سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: إِنَّه لم يكن نَبِي إِلَّا قد أنذر قومه الدَّجَّال وَأَنا أنذركموه
فوصف لنا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ: لَعَلَّه سيدركه بعض من رَآنِي وَسمع كَلَامي قَالُوا: يَا رَسُول الله كَيفَ قُلُوبنَا يَوْمئِذٍ قَالَ: مثلهَا الْيَوْم أَو خير
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَعبد بن حميد فِي مُسْنده وَالْحَاكِم عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِنِّي خَاتم ألف نَبِي أَو أَكثر
مَا بعث نَبِي إِلَّا وَقد حذر أمته وَإِنِّي قد بَين لي من أمره مَا لم يتَبَيَّن لأحد وَإنَّهُ أَعور وَإِن ربكُم لَيْسَ بأعور وعينه الْيُمْنَى جاحظة كَأَنَّهَا فِي حَائِط مجصص وعينه الْيُسْرَى كَأَنَّهَا كَوْكَب دري مَعَه من كل لِسَان وَمَعَهُ صُورَة الْجنَّة خضراء يجْرِي فِيهَا المَاء وَمَعَهُ صُورَة النَّار سَوْدَاء تدخن
يتبعهُ من كل قوم يَدعُونَهُمْ بلسانهم إِلَيْهَا
وَأخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا بعث نَبِي إِلَّا أنذر أمته الْأَعْوَر والكذاب
أَلا أَنه أَعور وَإِن ربكُم لَيْسَ بأعور ومكتوب بَين عَيْنَيْهِ كَافِر
وَأخرج يَعْقُوب بن سُفْيَان عَن معَاذ بن جبل قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: مَا من نَبِي إِلَّا وَقد حذر أمته الدَّجَّال وَإِنِّي أحذركم أمره إِنَّه أَعور وَإِن ربكُم عز وَجل لَيْسَ بأعور مَكْتُوب بَين عَيْنَيْهِ كَافِر يقرأه الْكَاتِب وَغير الْكَاتِب مَعَه جنَّة ونار فناره جنَّة وجنته نَار(7/295)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبَزَّار وَابْن مرْدَوَيْه عَن جَابر بن عبد الله رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِنِّي لخاتم ألف نَبِي أَو أَكثر وَإنَّهُ لَيْسَ مِنْهُم نَبِي إِلَّا وَقد أنذر قومه الدَّجَّال وَإنَّهُ تبين لي مَا لم يتَبَيَّن لأحد مِنْهُم وَإنَّهُ أَعور وَإِن ربكُم لَيْسَ بأعور
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَالْبُخَارِيّ عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: قَامَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي النَّاس فَأثْنى على الله بِمَا هُوَ أَهله ثمَّ ذكر الدَّجَّال فَقَالَ: إِنِّي انذركموه وَمَا من نَبِي إِلَّا قد أنذر قومه
لقد أنذر نوح قومه
وَلَكِن سأقول لكم فِيهِ قولا لم يقلهُ نَبِي لِقَوْمِهِ تعلمُونَ إِنَّه أَعور وَإِن الله لَيْسَ بأعور
وَأخرج أَحْمد عَن عبد الله بن عمر قَالَ: كُنَّا نُحدث بِحجَّة الْوَدَاع وَلَا نرى أَنه الْوَدَاع من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذكر الْمَسِيح الدَّجَّال فأطنب فِي ذكره قَالَ: مَا بعث الله من نَبِي إِلَّا قد أنذر أمته
لقد أنذر نوح أمته والنبيون من بعده
إِلَّا مَا خَفِي عَلَيْكُم من شَأْنه فَلَا يخفين عَلَيْكُم
إِن ربكُم لَيْسَ بأعور
قَالَهَا ثَلَاثًا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أنس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: الدَّجَّال أَعور الْعين عَلَيْهَا طفرة
مَكْتُوب بَين عَيْنَيْهِ كَافِر
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن الدَّجَّال أَعور جعد حجان أَحْمَر كَانَ رَأسه غُصْن شَجَرَة
أشبه النَّاس بِعَبْد الْعُزَّى فَأَما هلك الهلك فَإِنَّهُ أَعور وَإِن ربكُم لَيْسَ بأعور
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن حُذَيْفَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لأَنا أعلم بِمَا مَعَ الدَّجَّال
مَعَه نهران يجريان
أَحدهمَا رأى الْعين نَار تتأجج فَمن أدْرك ذَلِك فليأت النَّار الَّذِي يرَاهُ فليغمض عَيْنَيْهِ ثمَّ يطأطىء رَأسه يشرب فَإِنَّهُ بَارِد وَإِن الدَّجَّال مَمْسُوح الْعين عَلَيْهِ طفرة غَلِيظَة مَكْتُوب بَين عَيْنَيْهِ كَافِر يَقْرَأها كل مُؤمن كَاتب وَغير كَاتب
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: الا أحدثكُم عَن الدَّجَّال حَدِيثا مَا حَدثهُ نَبِي قطّ
إِنَّه أَعور وَإنَّهُ يَجِيء مَعَه بِمثل الْجنَّة وَالنَّار فَالَّذِي يَقُول هِيَ الْجنَّة هِيَ النَّار إِنِّي أنذركم بِهِ كَمَا أنذر نوح قومه(7/296)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَأَبُو دَاوُد وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم عَن عمرَان بن حُصَيْن رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من سمع مِنْكُم بِخُرُوج الدَّجَّال فلينأى عَنهُ مَا اسْتَطَاعَ فَإِن الرجل يَأْتِيهِ وَهُوَ يحْسب أَنه مُؤمن فَمَا يزَال بِهِ حَتَّى يتبعهُ مِمَّا يرى من الشُّبُهَات
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الْمُغيرَة بن شُعْبَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: مَا كَانَ أحد يسْأَل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الدَّجَّال أَكثر مني قَالَ: وَمَا تَسْأَلنِي عَنهُ قلت: إِن النَّاس يَقُولُونَ: إِن مَعَه الطَّعَام وَالشرَاب
قَالَ: هُوَ أَهْون على الله من ذَلِك
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِذا تشهد أحدكُم فليستعذ بِاللَّه من شَرّ فتْنَة الْمَسِيح الدَّجَّال
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من نجا من ثَلَاثَة فقد نجا قَالَهَا ثَلَاث مَرَّات قَالُوا: مَا ذَاك يَا رَسُول الله قَالَ: دَاء والدجال وَقتل خَليفَة يصطبر بِالْحَقِّ يُعْطِيهِ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عبد الله بن سَلام رَضِي الله عَنهُ قَالَ: يمْكث النَّاس بعد خُرُوج الدَّجَّال أَرْبَعِينَ عَاما ويغرس النّخل وَتقوم الْأَسْوَاق
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي الْعَلَاء بن الشخير رَضِي الله عَنهُ: أَن نوحًا عَلَيْهِ السَّلَام وَمن بعده من الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام كَانُوا يتعوّذون من فتْنَة الدَّجَّال
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن حُذَيْفَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لَا يخرج الدَّجَّال حَتَّى يكون خُرُوجه أشهى إِلَى الْمُسلمين من شرب المَاء على الظمأ فَقَالَ لَهُ رجل: لم قَالَ: من شدَّة الْبلَاء وَالشَّر
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن حُذَيْفَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: حَتَّى لَا يكون غَائِب أحب إِلَى الْمُؤمن خُرُوجًا مِنْهُ وَمَا خُرُوجه بأضر لِلْمُؤمنِ من حَصَاة يرفعها من الأَرْض وَمَا علم أحدهم أَدْنَاهُم وأقصاهم إِلَّا سَوَاء
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي وَائِل رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أَكثر أَتبَاع الدَّجَّال الْيَهُود وَأَوْلَاد الْأُمَّهَات
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن كَعْب قَالَ: كَانَ بمقدمة الْأَعْوَر الدَّجَّال سِتّمائَة ألف يلبسُونَ التيجان(7/297)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَمُسلم عَن هِشَام بن عَامر رضى الله عَنهُ قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: مَا بَين خلق آدم إِلَى قيام السَّاعَة أَمر أكبر من الدَّجَّال
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَابْن ماجة عَن أبي بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ قَالَ: حَدثنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَن الدَّجَّال يخرج من أَرض بالمشرق يُقَال لَهَا خُرَاسَان يتبعهُ أَقوام كَانَ وُجُوههم المجان المطرقة
وَأخرج أَحْمد عَن أبيّ بن كَعْب
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذكر عِنْده الدَّجَّال فَقَالَ: إِحْدَى عَيْنَيْهِ كَأَنَّهَا زجاجة خضراء
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن عَاصِم قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أما مسيح الضَّلَالَة فَرجل أجلى الْجَبْهَة ممسوخ الْعين الْيُسْرَى عريض النَّحْر فِيهِ دمامة كَأَنَّهُ فلَان بن عبد الْعُزَّى أَو عبد الْعُزَّى بن فلَان
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن سفينة قَالَ: خَطَبنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: إِنَّه لم يكن نَبِي إِلَّا حذر الدَّجَّال أمته
أَعور الْعين الْيُسْرَى بِعَيْنِه الْيُمْنَى طفرة غَلِيظَة بَين عَيْنَيْهِ كَافِر مَعَه واديان
أَحدهمَا جنَّة
وَالْآخر نَار فجنته نَار وناره جنَّة وَمَعَهُ ملكان يشبهان نبيين من الْأَنْبِيَاء
أَحدهمَا عَن يَمِينه وَالْآخر عَن شِمَاله فَيَقُول [] من النَّاس إِلَّا صَاحبه فَيَقُول صَاحبه: صدقت
فيسمعه النَّاس فيحسبون مَا صدق الدَّجَّال وَذَلِكَ فتْنَة ثمَّ يسير حَتَّى يَأْتِي الشَّام فَينزل عِيسَى فيقتله الله عِنْد عقبَة أفِيق
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي بكر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يمْكث أَبُو الدَّجَّال ثَلَاثِينَ عَاما لَا يُولد لَهما ولد ثمَّ يُولد لَهما غُلَام أَعور
أضرّ شَيْء وَأقله نفعا تنام عَيناهُ وَلَا ينَام قلبه
ثمَّ نعت أَبَوَيْهِ فَقَالَ: أَبوهُ رجل طوال ضرب اللَّحْم طَوِيل الْأنف كَانَ أَنفه مهار
وَأمه امْرَأَة فرغانية عَظِيمَة الثديين
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَمُسلم
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن الدَّجَّال يطوي الأَرْض كلهَا إِلَّا مَكَّة وَالْمَدينَة فَيَأْتِي الْمَدِينَة فيجد كل نقب من أنقابها صُفُوفا من الْمَلَائِكَة فَيَأْتِي سبخَة الجرف فَيضْرب رواقه ثمَّ ترتجف الْمَدِينَة ثَلَاث رجفات فَيخرج إِلَيْهِ كل مُنَافِق وَمُنَافِقَة(7/298)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن حُذَيْفَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لَو خرج الدَّجَّال لآمن بِهِ قوم فِي قُبُورهم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: يهْبط الدَّجَّال من كور كرهان مَعَه ثَمَانُون ألفا عَلَيْهِم الطيالسة ينتعلون كَأَن وُجُوههم مجان مطرقة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة من طَرِيق حوط الْعَبْدي عَن عبد الله رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِن أذن حمَار الدَّجَّال لتظل سبعين ألفا
وَأخرج ابْن أبي شُهْبَة عَن جُنَادَة بن أُميَّة الدُّرِّي رَضِي الله عَنهُ قَالَ: دخلت أَنا وَصَاحب لي على رجل من أَصْحَاب رَسُول الله فَقُلْنَا: حَدثنَا مَا سَمِعت من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا تحدثنا عَن غَيره وَإِن كَانَ عندنَا مُصدقا قَالَ: نعم
قَامَ فِينَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَات يَوْم فَقَالَ: أنذركم الدَّجَّال أنذركم الدَّجَّال أنذركم الدَّجَّال
فَإِنَّهُ لم يكن نَبِي إِلَّا أنذره أمته وَأَنه فِيكُم أيتها الْأمة وَأَنه جعد آدم ممسوخ الْعين الْيُسْرَى وَإِن مَعَه جنَّة وَنَارًا فناره جنَّة وجنته نَار وَإِن مَعَه نهر مَاء وجبل خبز وَإنَّهُ يُسَلط على نفس فيقتلها ثمَّ يُحْيِيهَا لَا يُسَلط على غَيرهَا وَإنَّهُ يمطر السَّمَاء وينبت الأَرْض وَإنَّهُ يلبث فِي الأَرْض أَرْبَعِينَ صباحاً حَتَّى يبلغ مِنْهَا كل منهل وَإنَّهُ لَا يقرب أَرْبَعَة مَسَاجِد
مَسْجِد الْحَرَام وَمَسْجِد الرَّسُول وَمَسْجِد الْمُقَدّس وَمَسْجِد الطّور وَمَا عَلَيْكُم من الْأَشْيَاء فَإِن الله لَيْسَ بأعور مرَّتَيْنِ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالطَّبَرَانِيّ عَن سَمُرَة بن جُنْدُب رَضِي الله عَنهُ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: وَالله لَا تقوم السَّاعَة حَتَّى يخرج ثَلَاثُونَ كذابا آخِرهم الْأَعْوَر الدَّجَّال ممسوخ الْعين الْيُسْرَى كَأَنَّهَا عين أبي يحيى الشَّيْخ من الْأَنْصَار وَإنَّهُ مَتى يخرج فَإِنَّهُ يزْعم أَنه الله فَمن آمن بِهِ وَصدقه وَاتبعهُ فَلَيْسَ يَنْفَعهُ صَالح لَهُ من عمل لَهُ سلف وَمن كفر بِهِ وَكذبه فَلَيْسَ يُعَاقب بِشَيْء من عمل لَهُ سلف
وَإنَّهُ سَيظْهر على الأَرْض كلهَا إِلَّا الْحرم وَبَيت الْمُقَدّس فَهَزَمَهُ الله وَجُنُوده
حَتَّى أَن حرم الْحَائِط أَو أصل الشَّجَرَة يُنَادي: يَا مُؤمن هَذَا كَافِر يسْتَتر بِي فتعال فاقتله وَلنْ يكون ذَاك كَذَلِك حَتَّى تروا أُمُور يَتَفَاقَم شَأْنهَا فِي أَنفسكُم فتتساءلون بَيْنكُم: هَل كَانَ نَبِيكُم ذكر لكم مِنْهَا شَيْئا ذكر أَو حَتَّى تَزُول جبال عَن مراتبها ثمَّ على أثر ذَلِك الْقَبْض
وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى الْمَوْت(7/299)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: الدَّجَّال يَخُوض الْبحار إِلَى رُكْبَتَيْهِ ويتناول السَّحَاب ويسبق الشَّمْس إِلَى مغْرِبهَا وَفِي جَبهته قرن مِنْهُ الْحَيَّات وَقد صور فِي جسده السِّلَاح كُله حَتَّى ذكر السَّيْف وَالرمْح والدرق
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: يخرج الدَّجَّال فيمكث فِي الأَرْض أَرْبَعِينَ صباحاً يبلغ مِنْهَا كل منهل
الْيَوْم مِنْهَا كَالْجُمُعَةِ وَالْجُمُعَة كالشهر والشهر كالسنة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عبيد بن عُمَيْر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ليصحبن الدَّجَّال قوم يَقُولُونَ: انا لنصحبه وانا لنعلم انه كَذَّاب وَلَكنَّا إِنَّمَا نصحبه لنأكل من الطَّعَام وَنرعى من الشّجر وَإِذا نزل غضب الله نزل عَلَيْهِم كلهم
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن أَشْعَث بن أبي الشعْثَاء عَن أَبِيه قَالَ: ذكر الدَّجَّال عِنْد عبد الله بن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ: لَا تكثروا ذكره فَإِن الْأَمر إِذا قضي فِي السَّمَاء كَانَ أسْرع لنزوله إِلَى الأَرْض أَن يظْهر على أَلْسِنَة النَّاس
الْآيَات 60 - 64(7/300)
وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ (60) اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ (61) ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (62) كَذَلِكَ يُؤْفَكُ الَّذِينَ كَانُوا بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (63) اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (64)
أخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة وَأحمد وَعبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ فِي الْأَدَب الْمُفْرد وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن حبَان وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن النُّعْمَان بن بشير رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: الدُّعَاء تلو الْعِبَادَة
ثمَّ قَرَأَ {وَقَالَ ربكُم ادْعُونِي أَسْتَجِب لكم إِن الَّذين يَسْتَكْبِرُونَ عَن عبادتي} قَالَ: عَن دعائي {سيدخلون جَهَنَّم داخرين} هَل تَدْرُونَ مَا عبَادَة الله قُلْنَا: الله وَرَسُوله أعلم قَالَ: هُوَ اخلاص الله مِمَّا سواهُ
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه والخطيب عَن الْبَراء رَضِي الله عَنهُ
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن الدُّعَاء هُوَ الْعِبَادَة
وَقَرَأَ {وَقَالَ ربكُم ادْعُونِي أَسْتَجِب لكم}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {ادْعُونِي أَسْتَجِب لكم} قَالَ: اعبدوني
وَأخرج ابْن جرير عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {سيدخلون جَهَنَّم داخرين} قَالَ: صاغرين
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: الدُّعَاء الإِستغفار
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْحَاكِم وَأحمد عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من لم يدع الله يغْضب عَلَيْهِ
وَأخرج أَحْمد والحكيم التِّرْمِذِيّ وَأَبُو يعلى وَالطَّبَرَانِيّ عَن معَاذ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لن ينفع حذر من قدر وَلَكِن الدُّعَاء ينفع مِمَّا نزل وَمِمَّا لم ينزل
فَعَلَيْكُم بِالدُّعَاءِ عباد الله
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول عَن أنس بن مَالك رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِذا فتح الله على عبد بِالدُّعَاءِ فَليدع فَإِن الله يستجيب لَهُ
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ وَابْن عدي فِي نَوَادِر الْأُصُول عَن أنس بن مَالك رضى الله عَنهُ قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: إِن الله يحب الملحين فِي الدُّعَاء
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ عَن وهب بن مُنَبّه رَضِي الله عَنهُ قَالَ: نجد فِيمَا أنزل الله(7/301)
تَعَالَى فِي بعض الْكتب أَن الله تَعَالَى يَقُول: أنزل الْبلَاء استخرج بِهِ الدُّعَاء
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن أنس بن مَالك رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {ادْعُونِي أَسْتَجِب لكم} قَالَ: قَالَ ربكُم: عَبدِي إِنَّك مَا دعوتني ورجوتني فَإِنِّي سَأَغْفِرُ لَك على مَا كَانَ فِيك وَلَو لقيتني بقراب الأَرْض خَطَايَا لقيتك بقرابها مغْفرَة وَلَو أَخْطَأت حَتَّى تبلغ خطاياك عنان السَّمَاء ثمَّ استغفرتني غفرت لَك وَلَا أُبَالِي
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: أفضل الْعِبَادَة الدُّعَاء وَقَرَأَ {وَقَالَ ربكُم ادْعُونِي أَسْتَجِب لكم}
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {ادْعُونِي أَسْتَجِب لكم}
قَالَ: اعْمَلُوا وابشروا فَإِنَّهُ حق على الله أَن يستجيب للَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات ويزيدهم من فَضله
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر عَن كَعْب رَضِي الله عَنهُ أَنه تَلا هَذِه الْآيَة فَقَالَ: مَا أعطي أحد من الْأُمَم مَا أَعْطَيْت هَذِه الْأمة إِلَّا بني الرجل الْمُجْتَبى يُقَال لَهُ: سل تعطه
وَأخرج البُخَارِيّ فِي الْأَدَب عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: سُئِلَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَي الْعِبَادَة أفضل فَقَالَ: دُعَاء الْمَرْء لنَفسِهِ
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول عَن كَعْب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ الله تَعَالَى لمُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: قل للْمُؤْمِنين لَا يستعجلوني إِذا دَعونِي وَلَا يبخلوني أَلَيْسَ يعلمُونَ أَنِّي أبْغض الْبَخِيل فَكيف أكون بَخِيلًا يَا مُوسَى لَا تخف مني بخلا أَن تَسْأَلنِي عَظِيما وَلَا تَسْتَحي أَن تَسْأَلنِي صَغِيرا اطلب إليَّ الدقة واطلب إليَّ الْعلف لشاتك
يَا مُوسَى أما علمت أَنِّي خلقت الخردلة فَمَا فَوْقهَا وَأَنِّي لم أخلق شَيْئا إِلَّا وَقد علمت أَن الْخلق يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ فَمن يسألني مَسْأَلَة وَهُوَ يعلم أَنِّي قَادر أعطي وَأَمْنَع وأعطيته مَسْأَلته مَعَ الْمَغْفِرَة فَإِن حمدني حِين أَعْطيته وَحين أمْنَعهُ أسكنته دَار الحمادين وَأَيّمَا عبد لم يسألني مَسْأَلَة ثمَّ أَعْطيته كَانَ أَشد عَلَيْهِ من الْحساب
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ عَن مَالك بن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ عُرْوَة بن الزبير رَضِي الله عَنهُ: أَنِّي لأسأل الله تَعَالَى حوائجي فِي صَلَاتي
حَتَّى أسأله الْملح لأهلي(7/302)
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ عَن زهرَة بن معبد رضى الله عَنهُ قَالَ: سَمِعت مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر رَضِي الله عَنهُ يَدْعُو يَقُول: اللَّهُمَّ قوِّ ذكري فَإِن فِيهِ مَنْفَعَة لأهلي
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن ثَابت الْبنانِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: تعبد رجل سبعين سنة فَكَانَ يَقُول فِي دُعَائِهِ: رب اجزني بعملي فَادْخُلْ الْجنَّة فَمَكثَ فِيهَا سبعين عَاما فَلَمَّا وفت قيل لَهُ: اخْرُج قد استوفيت عَمَلك
أَي شَيْء كَانَ فِي الدُّنْيَا أوثق فِي نَفسه فَلم يجد شَيْئا أوثق فِي نَفسه مِمَّا دَعَا الله سُبْحَانَهُ فَأقبل يَقُول فِي دُعَائِهِ: رب سَمِعتك وَأَنا فِي الدُّنْيَا وَأَنت تقيل العثرات فَأَقل الْيَوْم عثرتي
فَترك فِي الْجنَّة
أما قَوْله تَعَالَى: {الله الَّذِي جعل لكم اللَّيْل لتسكنوا فِيهِ}
أخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عبد الله بن مُغفل قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَن عِيسَى بن مَرْيَم عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: يَا معشر الحواريين الصَّلَاة جَامِعَة فَخرج الحواريون فِي هَيْئَة الْعِبَادَة قد تضمرت الْبُطُون وَغَارَتْ الْعُيُون واصفرت الألوان فَسَار بهم عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام إِلَى فلاة من الأَرْض فَقَامَ على رَأس جرثومة فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ ثمَّ أنشأ يَتْلُو عَلَيْهِم آيَات الله وحكمته فَقَالَ: يَا معشر الحواريين اسمعوا مَا أَقُول لكم
اني لأجد فِي كتاب الله الْمنزل الَّذِي أنزل الله فِي الإِنجيل أَشْيَاء مَعْلُومَة فاعملوا بهَا قَالُوا: يَا روح الله وَمَا هِيَ قَالَ: خلق اللَّيْل لثلاث خِصَال وَخلق النَّهَار لسبع خِصَال فَمن مضى عَلَيْهِ اللَّيْل وَالنَّهَار وَهُوَ فِي غير هَذِه الْخِصَال خاصمه اللَّيْل وَالنَّهَار يَوْم الْقِيَامَة فخصماه
خلق اللَّيْل لتسكن فِيهِ الْعُرُوق الفاترة الَّتِي أتعبتها فِي نهارك وَتَسْتَغْفِر لذنبك الَّذِي كسبته فِي النَّهَار ثمَّ لَا تعود فِيهِ وتقنت فِيهِ قنوت الصابرين
فثلث تنام وَثلث تقوم وَثلث تتضرع إِلَى رَبك فَهَذَا مَا خلق لَهُ اللَّيْل وَخلق النَّهَار لتؤدي فِيهِ الصَّلَاة الْمَفْرُوضَة الَّتِي عَنْهَا تسْأَل وَبهَا تُحاسَبْ وبر والديك وَأَن تضرب فِي الأَرْض تبتغي الْمَعيشَة معيشة يَوْمك وَأَن تعود فِيهِ وليا لله تَعَالَى كَيْمَا يتعهدكم الله برحمته وَأَن تشيعوا فِيهِ جَنَازَة كَيْمَا تنقلبوا مغفوراً لكم وَأَن تأمروا بِمَعْرُوف وتنهوا عَن مُنكر فَهُوَ ذرْوَة الإِيمان وقوام الدّين وَأَن تُجَاهِد فِي سَبِيل الله تراحموا إِبْرَاهِيم خَلِيل الرَّحْمَن عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فِي قُبَّته
وَمن مضى عَلَيْهِ اللَّيْل وَالنَّهَار وَهُوَ فِي غير هَذِه الْخِصَال خاصمه الله وَالنَّهَار يَوْم الْقِيَامَة وَهُوَ عِنْد مليك مقتدر(7/303)
آيَة 65(7/304)
هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (65)
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: من قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله فَلْيقل على أثرهما الْحَمد لله رب الْعَالمين
وَذَلِكَ قَوْله {فَادعوهُ مُخلصين لَهُ الدّين الْحَمد لله رب الْعَالمين}
وَأخرج عبد بن حميد عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ أَنه كَانَ يسْتَحبّ إِذا قَالَ: لَا إِلَه إِلَّا الله يتبعهَا: الْحَمد لله رب الْعَالمين ثمَّ يقْرَأ هَذِه الْآيَة {هُوَ الْحَيّ لَا إِلَه إِلَّا هُوَ فَادعوهُ مُخلصين لَهُ الدّين} وَالله أعلم
آيَة 66(7/304)
قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَمَّا جَاءَنِيَ الْبَيِّنَاتُ مِنْ رَبِّي وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (66)
أخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَن الْوَلِيد بن الْمُغيرَة وَشَيْبَة بن ربيعَة قَالَا: يَا مُحَمَّد ارْجع عَمَّا تَقول وَعَلَيْك بدين آبَائِك وأجدادك
فَأنْزل الله تَعَالَى {قل إِنِّي نهيت أَن أعبد الَّذين تدعون من دون الله لما جَاءَنِي الْبَينَات من رَبِّي وَأمرت أَن أسلم لرب الْعَالمين}
الْآيَات 67 - 70(7/304)
هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (67) هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ فَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (68) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ أَنَّى يُصْرَفُونَ (69) الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتَابِ وَبِمَا أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (70)
أخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: يثغر الْغُلَام لسبع ويحتلم لأربعة عشر وَيَنْتَهِي طوله لإِحدى وَعشْرين وَيَنْتَهِي عقله لثمان وَعشْرين ويبلغ أشده لثلاث وَثَلَاثِينَ
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جرير رَضِي الله عَنهُ {ومنكم من يتوفى من قبل} قَالَ: من قبل أَن يكون شَيخا {ولتبلغوا أَََجَلًا مُسَمّى} الشَّيْخ والشاب {ولعلكم تعقلون} عَن ربكُم أَنه يُحْيِيكُمْ كَمَا أماتكم وَهَذِه لأهل مَكَّة كَانُوا يكذبُون بِالْبَعْثِ
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {أنّى يصرفون} قَالَ: أنّى يكذبُون وهم يعْقلُونَ
الْآيَات 71 - 77(7/305)
إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلَاسِلُ يُسْحَبُونَ (71) فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ (72) ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ (73) مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُو مِنْ قَبْلُ شَيْئًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ الْكَافِرِينَ (74) ذَلِكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ (75) ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (76) فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ (77)
أخرج أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث والنشور عَن عبد الله بن عَمْرو رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: تَلا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {إِذْ الأغلال فِي أَعْنَاقهم والسلاسل يسْحَبُونَ فِي الْحَمِيم ثمَّ فِي النَّار يسجرون} فَقَالَ: لَو أَن رصاصة مثل هَذِه - وَأَشَارَ إِلَى جمجمة أرْسلت من السَّمَاء إِلَى الأَرْض وَهِي مسيرَة خَمْسمِائَة سنة - لبلغت الأَرْض قبل اللَّيْل وَلَو أَنَّهَا أرْسلت من رَأس السلسلة لَسَارَتْ أَرْبَعِينَ خَرِيفًا - اللَّيْل وَالنَّهَار - قبل أَن تبلغ أَصْلهَا أَو قَالَ قعرها
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَابْن مرْدَوَيْه عَن يعلى بن مُنَبّه رَضِي الله عَنهُ رفع الحَدِيث إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: ينشىء الله سَحَابَة لأهل النَّار سَوْدَاء(7/305)
مظْلمَة يُقَال لَهَا وَلأَهل النَّار أَي شَيْء تطلبون فَيذكرُونَ بهَا سَحَاب الدُّنْيَا فَيَقُولُونَ: يَا رَبنَا الشَّرَاب فتمطرهم أغلالاً تزيد فِي أَعْنَاقهم وسلاسل تزيد فِي سلاسلهم وجمر يلتهب عَلَيْهِم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَنه قَرَأَ {والسلاسل يسْحَبُونَ فِي الْحَمِيم}
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ وَهُوَ يُصَلِّي فِي شهر رَمَضَان يردد هَذِه الْآيَة {فَسَوف يعلمُونَ إِذْ الأغلال فِي أَعْنَاقهم والسلاسل يسْحَبُونَ فِي الْحَمِيم ثمَّ فِي النَّار يسجرون}
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي صفة النَّار عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ {يسْحَبُونَ فِي الْحَمِيم} فيسلخ كل شَيْء عَلَيْهِم من جلد وَلحم وعرق حَتَّى يصير فِي عقبه
حَتَّى ان لَحْمه قدر طوله سِتُّونَ ذِرَاعا
ثمَّ يكسى جلدا آخر ثمَّ يسجر فِي الْحَمِيم فيسلخ كل شَيْء عَلَيْهِم من جلد وَلحم وعرق
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {يسجرون} قَالَ: توقد بهم النَّار
وَفِي قَوْله {تمرحون} قَالَ: تبطرون وتاشرون
الْآيَة 78(7/306)
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ فَإِذَا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ (78)
أخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَابْن مرْدَوَيْه عَن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَمِنْهُم من لم نَقْصُصْ عَلَيْك} قَالَ: بعث الله عبدا حَبَشِيًّا نَبيا فَهُوَ مِمَّن لم يُقَصَّص على مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
الْآيَات 79 - 85(7/306)
اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعَامَ لِتَرْكَبُوا مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (79) وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْهَا حَاجَةً فِي صُدُورِكُمْ وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ (80) وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَأَيَّ آيَاتِ اللَّهِ تُنْكِرُونَ (81) أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (82) فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (83) فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ (84) فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ (85)
أخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {ولتبلغوا عَلَيْهَا حَاجَة فِي صدوركم} قَالَ: أسفاركم لحاجتكم مَا كَانَت
وَفِي قَوْله {وآثاراً فِي الأَرْض} قَالَ: الْمَشْي فِيهَا بأرجلهم
وَفِي قَوْله {فرحوا بِمَا عِنْدهم من الْعلم} قَالَ: قَوْلهم نَحن أعلم مِنْهُم وَلنْ نعذب وَفِي قَوْله {وحاق بهم مَا كَانُوا بِهِ يستهزؤون} قَالَ: مَا جَاءَت بِهِ رسلهم من الْحق
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {ولتبلغوا عَلَيْهَا حَاجَة فِي صدوركم} قَالَ: من بلد إِلَى بلد
وَفِي قَوْله {سنة الله الَّتِي قد خلت فِي عباده} قَالَ: سنَنه أَنهم كَانُوا إِذا رَأَوْا بأسنا آمنُوا فَلم يَنْفَعهُمْ إِيمَانهم عِنْد ذَلِك(7/307)
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم (41)
سُورَة فصلت
مَكِّيَّة وآياتها أَربع وَخَمْسُونَ
مُقَدّمَة السُّورَة أخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: نزلت (حم) السَّجْدَة بِمَكَّة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن الزبير رَضِي الله عَنهُ
مثله
الْآيَات 1 - 4(7/308)
حم (1) تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (2) كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (3) بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ (4)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَأَبُو يعلى وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم وَالْبَيْهَقِيّ كِلَاهُمَا فِي الدَّلَائِل وَابْن عَسَاكِر عَن جَابر بن عبد الله رَضِي الله عَنهُ قَالَ: اجْتمع قُرَيْش يَوْمًا فَقَالُوا: انْظُرُوا أعلمكُم بِالسحرِ وَالْكهَانَة وَالشعر فليأت هَذَا الرجل الَّذِي قد فرق جماعتنا وشتت أمرنَا وَعَابَ ديننَا فليكلمه ولينظر مَاذَا يرد عَلَيْهِ فَقَالُوا: مَا نعلم أحدا غير عتبَة بن ربيعَة قَالُوا: أَنْت يَا أَبَا الْوَلِيد
فَأَتَاهُ فَقَالَ: يَا مُحَمَّد أَنْت خير أم عبد الله
أَنْت خير أم عبد الْمطلب
فَسكت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: فَإِن كنت تزْعم أَن هَؤُلَاءِ خير مِنْك فقد عبدُوا الْآلهَة الَّتِي عبت وَإِن كنت تزْعم أَنَّك خير مِنْهُم فَتكلم حَتَّى نسْمع لَك أما وَالله مَا رَأينَا سلحة قطّ اشأم على قومه مِنْك فرقت جماعتنا وشتت أمرنَا وعبت ديننَا وفضحتنا فِي الْعَرَب
حَتَّى لقد طَار فيهم أَن فِي قُرَيْش ساحراً وَأَن فِي قُرَيْش كَاهِنًا وَالله مَا نَنْتَظِر إِلَّا مثل صَيْحَة الحبلى أَن يقوم بَعْضنَا إِلَى بعض بِالسُّيُوفِ
يَا أَيهَا الرجل إِن كَانَ إِنَّمَا بك الْحَاجة جَمعنَا لَك حَتَّى تكون أغْنى قُرَيْش رجلا(7/308)
وَاحِدًا وَإِن كَانَ نما بك الْبَاءَة فاختر أَي نسَاء قُرَيْش شِئْت فلنزوّجك عشرا
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: فرغت قَالَ: نعم
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم {حم تَنْزِيل من الرَّحْمَن الرَّحِيم كتاب فصلت آيَاته قُرْآنًا عَرَبيا لقوم يعلمُونَ} حَتَّى بلغ {فَإِن أَعرضُوا فَقل أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَة مثل صَاعِقَة عادٍ وَثَمُود} فَقَالَ عتبَة: حَسبك
مَا عنْدك غير هَذَا قَالَ: لَا
فَرجع إِلَى قُرَيْش فَقَالُوا: مَا وَرَاءَك قَالَ: مَا تركت شَيْئا أرى أَنكُمْ تكَلمُون بِهِ إِلَّا كَلمته قَالُوا: فَهَل أجابك قَالَ: وَالَّذِي نصبها بنية مَا فهمت شَيْئا مِمَّا قَالَ غير أَنه قَالَ {أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَة مثل صَاعِقَة عَاد وَثَمُود} قَالُوا: وَيلك
يكلمك الرجل بِالْعَرَبِيَّةِ وَمَا تَدْرِي مَا قَالَ قَالَ: لَا
وَالله مَا فهمت شَيْئا مِمَّا قَالَ غير ذكر الصاعقة
وَأخرج ابْن إِسْحَق وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل وَابْن عَسَاكِر عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: حدثت أَن عتبَة بن ربيعَة وَكَانَ أَشد قُرَيْش حلماً
قَالَ ذَات يَوْم وَهُوَ جَالس فِي نَادِي قُرَيْش وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جَالس وَحده فِي الْمَسْجِد يَا معشر قُرَيْش أَلا أقوم إِلَى هَذَا فأكلمه فَأَعْرض عَلَيْهِ أموراً لَعَلَّه أَن يقبل مِنْهَا بعضه ويكف عَنَّا قَالُوا: بلَى يَا أَبَا الْوَلِيد فَقَامَ عتبَة حَتَّى جلس إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذكر الحَدِيث فِيمَا قَالَ لَهُ عتبَة وَفِيمَا عرض عَلَيْهِ من المَال وَالْملك وَغير ذَلِك
حَتَّى إِذا فرغ عتبَة قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أفرغت يَا أَبَا الْوَلِيد قَالَ: نعم
قَالَ: فاستمع مني
قَالَ أفعل
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم {حم تَنْزِيل من الرَّحْمَن الرَّحِيم كتاب فصلت آيَاته قُرْآنًا عَرَبيا لقوم يعلمُونَ} فَلَمَّا سَمعهَا عتبَة انصت لَهَا وَألقى يَدَيْهِ خلف ظَهره مُعْتَمدًا عَلَيْهِمَا يستمع مِنْهُ حَتَّى انْتهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى السَّجْدَة فَسجدَ فِيهَا ثمَّ قَالَ: سَمِعت يَا أَبَا الْوَلِيد قَالَ: سَمِعت قَالَ: أَنْت وَذَاكَ
فَقَامَ عتبَة إِلَى أَصْحَابه فَقَالَ بَعضهم لبَعض: نحلف بِاللَّه لقد جَاءَكُم أَبُو الْوَلِيد بِغَيْر الْوَجْه الَّذِي ذهب بِهِ فَلَمَّا جلس إِلَيْهِم قَالُوا: مَا وَرَاءَك يَا أَبَا الْوَلِيد قَالَ: وَالله إِنِّي قد سَمِعت قولا مَا سَمِعت بِمثلِهِ قطّ وَالله مَا هُوَ بالشعر وَلَا بِالسحرِ وَلَا بالكهانة وَالله لَيَكُونن لقَوْله الَّذِي سَمِعت نبا
وَأخرج أَبُو نعيم وَالْبَيْهَقِيّ كِلَاهُمَا فِي الدَّلَائِل عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: لما قَرَأَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على عتبَة بن ربيعَة {حم تَنْزِيل من الرَّحْمَن الرَّحِيم} أَتَى أَصْحَابه(7/309)
فَقَالَ: يَا قوم أَطِيعُونِي فِي هَذَا الْيَوْم واعصوني بعده فوَاللَّه لقد سَمِعت من هَذَا الرجل كلَاما مَا سَمِعت مثله قطّ وَمَا دَريت مَا أرد عَلَيْهِ
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن ابْن شهَاب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: بعث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُصعب بن عُمَيْر فَنزل فِي بني غنم على أسعد بن زُرَارَة فَجعل يَدْعُو النَّاس فجَاء سعد بن معَاذ فتوعده فَقَالَ لَهُ أسعد بن زُرَارَة: اسْمَع من قَوْله فَإِن سَمِعت مُنْكرا فأردده يَا هَذَا وَإِن سَمِعت حَقًا فأجب إِلَيْهِ
فَقَالَ: مَاذَا تَقول فَقَرَأَ مُصعب {حم وَالْكتاب الْمُبين إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبيا لَعَلَّكُمْ تعقلون} قَالَ: سعد بن معَاذ رَضِي الله عَنهُ: مَا أسمع الا مَا أعرف فَرجع وَقد هداه الله
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل وَابْن عَسَاكِر عَن جَابر بن عبد الله رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ أَبُو جهل وَالْمَلَأ من قُرَيْش: قد انْتَشَر علينا أَمر مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَو الْتَمَسْتُمْ رجلا عَالما بِالسحرِ وَالْكهَانَة وَالشعر
فَقَالَ عتبَة
علمت من ذَلِك علما وَمَا يخفى عَليّ إِن كَانَ كَذَلِك فَأَتَاهُ فَلَمَّا أَتَاهُ قَالَ لَهُ: يَا مُحَمَّد أَنْت خير أم هَاشم أَنْت خير أم عبد الْمطلب
فَلم يجبهُ قَالَ: فيمَ تَشْتُم آلِهَتنَا وتضلل آبَاءَنَا فَإِن كنت إِنَّمَا بك الرياسة عَقدنَا ألويتنا لَك فَكنت رَأْسنَا مَا بقيت وَإِن كَانَ بك الْبَاءَة زوّجناك عشرَة نسْوَة تخْتَار من أَي بَنَات قُرَيْش وَإِن كَانَ بك المَال جَمعنَا لَك من أَمْوَالنَا مَا تَسْتَغْنِي بِهِ أَنْت وَعَقِبك من بعْدك - وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَاكِت لَا يتَكَلَّم - فَلَمَّا فرغ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم {حم تَنْزِيل من الرَّحْمَن الرَّحِيم كتاب فصلت آيَاته قُرْآنًا عَرَبيا} فَقَرَأَ حَتَّى بلغ (فَإِن أَعرضُوا فَقل أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَة مثل صَاعِقَة عَاد وَثَمُود) فَأمْسك عتبَة على فِيهِ وَنَاشَدَهُ الرَّحِم أَن يكف عَنهُ لم يخرج إِلَى أَهله وَاحْتبسَ عَنْهُم فَقَالَ أَبُو جهل: يَا معشر قُرَيْش مَا نرى عتبَة إِلَّا قد صَبأ إِلَى مُحَمَّد وَأَعْجَبهُ طَعَامه وَمَا ذَاك إِلَّا من حَاجَة أَصَابَته انتقلوا بِنَا إِلَيْهِ
فَأتوهُ فَقَالَ أَبُو جهل: وَالله يَا عتبَة مَا حَسبنَا إِلَّا أَنَّك صبوت إِلَى مُحَمَّد وَأَعْجَبَك أمره فَإِن كنت بك حَاجَة جَمعنَا لَك من أَمْوَالنَا مَا يُغْنِيك عَن مُحَمَّد
فَغَضب وَأقسم بِاللَّه لَا يكلم مُحَمَّد أبدا وَقَالَ: لقد علمْتُم أَنِّي أَكثر قُرَيْش مَالا وَلَكِنِّي أَتَيْته
فَقص عَلَيْهِم الْقِصَّة فَأَجَابَنِي بِشَيْء وَالله مَا هُوَ بِسحر وَلَا شعر وَلَا كهَانَة فَقَرَأَ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم {حم تَنْزِيل من الرَّحْمَن الرَّحِيم كتاب فصلت آيَاته قُرْآنًا عَرَبيا}(7/310)
حَتَّى بلغ (أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَة مثل صَاعِقَة عَاد وَثَمُود) فَأَمْسَكت بِفِيهِ وَنَاشَدْته الرَّحِم فَكيف وَقد علمْتُم أَن مُحَمَّدًا إِذا قَالَ شَيْئا لم يكذب فَخفت أَن ينزل بكم الْعَذَاب
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا
أَن قُريْشًا اجْتمعت برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جَالس فِي الْمَسْجِد فَقَالَ لَهُم عتبَة بن ربيعَة: دَعونِي حَتَّى أقوم إِلَى مُحَمَّد ُأكَلِّمهُ فَإِنِّي عَسى أَن أكون ارْفُقْ بِهِ مِنْكُم
فَقَامَ عتبَة حَتَّى جلس إِلَيْهِ فَقَالَ: يَا ابْن أخي إِنَّك أوسطنا بَيْتا وأفضلنا مَكَانا وَقد أدخلت فِي قَوْمك مَا لم يدْخل رجل على قومه قبلك فَإِن كنت تطلب بِهَذَا الحَدِيث مَالا فَذَلِك لَك على قَوْمك أَن تجمع لَك حَتَّى تكون أكثرنا مَالا وَإِن كنت تُرِيدُ شرفاً فَنحْن مشرفوك حَتَّى لَا يكون أحد من قَوْمك فَوْقك وَلَا نقطع الْأُمُور دُونك وَإِن كَانَ هَذَا عَن لمَم يصيبك لَا تقدر على النُّزُوع عَنهُ بذلنا لَك خزائنا فِي طلب الطِّبّ لذَلِك مِنْهُ وَإِن كنت تُرِيدُ ملكا ملكناك
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أفرغت يَا أَبَا الْوَلِيد قَالَ: نعم
فَقَرَأَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {حم} السَّجْدَة حَتَّى مر بِالسَّجْدَةِ فَسجدَ وَعتبَة ملق يَده خلف ظَهره حَتَّى فرغ من قِرَاءَته وَقَامَ عتبَة لَا يدْرِي مَا يُرَاجِعهُ بِهِ
حَتَّى أَتَى نَادِي قومه فَلَمَّا رَأَوْهُ مُقبلا قَالُوا: لقد رَجَعَ إِلَيْكُم بِوَجْه مَا قَامَ بِهِ من عنْدكُمْ فَجَلَسَ إِلَيْهِم فَقَالَ: يَا معشر قُرَيْش قد كَلمته بِالَّذِي أَمرْتُمُونِي بِهِ
حَتَّى إِذا فرغت كلمني بِكَلَام لَا وَالله مَا سَمِعت أذناي بِمثلِهِ قطّ فَمَا دَريت مَا أَقُول لَهُ يَا معشر قُرَيْش أَطِيعُونِي الْيَوْم واعصوني فِيمَا بعده
اتْرُكُوا الرجل واعتزلوه فوَاللَّه مَا هُوَ بتارك مَا هُوَ عَلَيْهِ وخلوا بَينه وَبَين سَائِر الْعَرَب فَإِن يكن يظْهر عَلَيْهِم يكن شرفه شرفكم وعزه عزكم وَملكه ملككم وان يظهروا عَلَيْهِ تَكُونُوا قد كفيتموه بغيركم
قَالُوا: أصبأت إِلَيْهِ يَا أَبَا الْوَلِيد
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي بكر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: جِئْت أَزور عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُوحى إِلَيْهِ ثمَّ سرى عَنهُ فَقَالَ: يَا عَائِشَة ناوليني رِدَائي فناولته ثمَّ أَتَى الْمَسْجِد فَإِذا مُذَكّر يذكر فَجَلَسَ حَتَّى إِذا قضى الْمُذكر تذكره إفتتح (حم تَنْزِيل من الرَّحْمَن الرَّحِيم) (السَّجْدَة الْآيَة 1) فَسجدَ حَتَّى طَالَتْ سجدته ثمَّ تسامع بِهِ من كَانَ على ميلين وتلا عَلَيْهِ السَّجْدَة فَأرْسلت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا فِي خاصتها أَن احضروا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم(7/311)
فَلَقَد رَأَيْت مَا لم أره مُنْذُ كنت مَعَه فَرفع رَأسه فَقَالَ: سجدت هَذِه السَّجْدَة شكر لرَبي فِيمَا أبلاني فِي أمتِي فَقَالَ لَهُ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ: وماذا ابلاك فِي أمتك قَالَ: أَعْطَانِي سبعين ألفا من أمتِي يدْخلُونَ الْجنَّة بِغَيْر حِسَاب
فَقَالَ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ: يَا رَسُول الله إِن أمتك كثير طيب فازدد قَالَ: قد فعلت فَأَعْطَانِي مَعَ كل وَاحِد من السّبْعين ألفا سبعين ألفا فَقَالَ: يَا رَسُول الله ازدد لأمتك فَقَالَ بِيَدِهِ ثمَّ قَالَ بهَا على صَدره فَقَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ: وعيت يَا رَسُول الله
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن الْخَلِيل بن مرّة رَضِي الله عَنهُ
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ لَا ينَام حَتَّى يقْرَأ تبَارك وحم السَّجْدَة
الْآيَة 5(7/312)
وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ (5)
أخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَقَالُوا قُلُوبنَا فِي أكنة} قَالُوا: كالجعبة للنبل
وَأخرج أَبُو سهل السّري بن سهل الجنديسابوري فِي حَدِيثه من طَرِيق عبد القدوس عَن نَافِع بن الْأَزْرَق عَن ابْن عمر عَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَقَالُوا قُلُوبنَا فِي أكنة} الْآيَة
قَالَ: أَقبلت قُرَيْش إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لَهُم مَا يمنعكم من الإِسلام فتسودوا الْعَرَب فَقَالُوا: يَا مُحَمَّد مَا نفقه مَا تَقول وَلَا نَسْمَعهُ وَإِن على قُلُوبنَا لغلفا
وَأخذ أَبُو جهل ثوبا فمده فِيمَا بَينه وَبَين رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا مُحَمَّد {قُلُوبنَا فِي أكنة مِمَّا تدعونا إِلَيْهِ وَفِي آذاننا وقر وَمن بَيْننَا وَبَيْنك حجاب}
قَالَ لَهُم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أدعوكم إِلَى خَصْلَتَيْنِ
أَن تشهدوا أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ وَإِنِّي رَسُول الله
فَلَمَّا سمعُوا شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله (وَلَو على أدبارهم نفوراً) (الْإِسْرَاء 46) وَقَالُوا (أجعَل الْآلهَة إِلَهًا وَاحِدًا إِن هَذَا لشَيْء عُجاب) (ص 5) وَقَالَ بَعضهم لبَعض (امشوا واصبروا على آلِهَتكُم إِن هَذَا لشَيْء يُرَاد مَا سمعنَا بِهَذَا فِي الْملَّة الْآخِرَة إِن هَذَا إِلَّا اخْتِلَاق أأنزل عَلَيْهِ الذّكر من بَيْننَا) (ص 7)(7/312)
وَهَبَطَ جِبْرِيل فَقَالَ: يَا مُحَمَّد إِن الله يُقْرِئك السَّلَام وَيَقُول: أَلَيْسَ يزْعم هَؤُلَاءِ أَن على قُلُوبهم أكنَّة أَن يفقهوه وَفِي آذانهم وقر فَلَيْسَ يسمعُونَ قَوْلك كَيفَ (وَإِذا ذكرت رَبك فِي الْقُرْآن وَحده ولوا على أدبارهم نفوراً) (الْإِسْرَاء 46) لَو كَانَ كَمَا زَعَمُوا لم ينفروا وَلَكنهُمْ كاذبون يسمعُونَ وَلَا يَنْتَفِعُونَ بذلك كَرَاهِيَة لَهُ
فَلَمَّا كَانَ من الْغَد أقبل مِنْهُم سَبْعُونَ رجلا إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالُوا: يَا مُحَمَّد أعرض علينا الْإِسْلَام فَلَمَّا عرض عَلَيْهِم الإِسلام أَسْلمُوا عَن آخِرهم فَتَبَسَّمَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: الْحَمد الله ألستم بالْأَمْس تَزْعُمُونَ أَن على قُلُوبكُمْ غلفًا وقلوبكم فِي أكنة مِمَّا ندعوكم إِلَيْهِ وَفِي آذانكم وقرا وأصبحتم الْيَوْم مُسلمين فَقَالُوا: يَا رَسُول الله كذبنَا وَالله بالْأَمْس لَو كَانَ كَذَلِك مَا اهتدينا أبدا وَلَكِن الله الصَّادِق والعباد الْكَاذِبُونَ عَلَيْهِ وَهُوَ الْغَنِيّ وَنحن الْفُقَرَاء إِلَيْهِ
الْآيَات 6 - 8(7/313)
قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ (6) الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (7) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (8)
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وويل للْمُشْرِكين الَّذين لَا يُؤْتونَ الزَّكَاة} قَالَ: لَا يشْهدُونَ أَن لَا إِلَه إِلَّا الله
وَفِي قَوْله {لَهُم أجر غير ممنون} قَالَ: غير مَنْقُوص
وَأخرج عبد بن حميد والحكيم التِّرْمِذِيّ وَابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وويل للْمُشْرِكين الَّذين لَا يُؤْتونَ الزَّكَاة} قَالَ: لَا يَقُولُوا لَا إِلَه إِلَّا الله
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله {الَّذين لَا يُؤْتونَ الزَّكَاة} قَالَ: كَانَ يُقَال الزَّكَاة قنطرة الإِسلام من قطعهَا برىء وَنَجَا وَمن لم يقطعهَا هلك
وَالله أعلم(7/313)
الْآيَات 9 - 12(7/314)
قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ (9) وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ (10) ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ (11) فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (12)
أخرج ابْن جرير والنحاس فِي ناسخه وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا
أَن الْيَهُود أَتَت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَسَأَلته عَن خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض فَقَالَ: خلق الله الأَرْض يَوْم الْأَحَد والإثنين وَخلق الْجبَال وَمَا فِيهِنَّ من مَنَافِع يَوْم الثُّلَاثَاء وَخلق يَوْم الْأَرْبَعَاء الشّجر وَالْمَاء والمدائن والعمران والخراب فَهَذِهِ أَرْبَعَة فَقَالَ تَعَالَى {قل أئنكم لتكفرون بِالَّذِي خلق الأَرْض فِي يَوْمَيْنِ وتجعلون لَهُ أنداداً ذَلِك رب الْعَالمين وَجعل فِيهَا رواسي من فَوْقهَا وَبَارك فِيهَا وَقدر فِيهَا أقواتها فِي أَرْبَعَة أَيَّام سَوَاء للسائلين} وَخلق يَوْم الْخَمِيس السَّمَاء وَخلق يَوْم الْجُمُعَة النُّجُوم وَالشَّمْس وَالْقَمَر وَالْمَلَائِكَة إِلَى ثَلَاث سَاعَات بَقينَ مِنْهُ
فخلق فِي أول سَاعَة من هَذِه الثَّلَاثَة الْآجَال حِين يَمُوت من مَاتَ
وَفِي الثَّانِيَة ألْقى الآفة على كل شَيْء من منتفع بِهِ
وَفِي الثَّالِثَة خلق آدم وَأَسْكَنَهُ الْجنَّة وَأمر إِبْلِيس بِالسُّجُود لَهُ وَأخرجه مِنْهَا فِي آخر سَاعَة قَالَت الْيَهُود: ثمَّ مَاذَا يَا مُحَمَّد قَالَ: ثمَّ اسْتَوَى على الْعَرْش قَالُوا: لقد أصبت لَو أتممت
ثمَّ قَالُوا: استراح
فَغَضب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غَضبا شَدِيدا
فَنزل (وَلَقَد خلقنَا السَّمَوَات وَالْأَرْض وَمَا بَينهمَا فِي سِتَّة أَيَّام وَمَا مسنا من لغوب فاصبر على مَا يَقُولُونَ) (ق 38)
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله {وَقدر فِيهَا أقواتها} قَالَ: شقّ الْأَنْهَار وغرس الْأَشْجَار وَوضع الْجبَال وأجرى الْبحار وَجعل فِي هَذِه مَا لَيْسَ فِي هَذِه وَفِي هَذِه مَا لَيْسَ فِي هَذِه(7/314)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله {وَقدر فِيهَا أقواتها} قَالَ: قدر فِي كل أَرض شَيْئا لَا يصلح فِي غَيرهَا
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله {وَقدر فِيهَا أقواتها} قَالَ: لَا يصلح النَّيْسَابُورِي إِلَّا بنيسابور وَلَا ثِيَاب الْيمن إِلَّا بِالْيمن
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن الْحسن {وَقدر فِيهَا أقواتها} قَالَ: أرزاقها
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله {سَوَاء للسائلين} قَالَ: من سَأَلَ فَهُوَ كَمَا قَالَ الله
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: خلق الله السَّمَوَات من دُخان ثمَّ ابْتَدَأَ خلق الأَرْض يَوْم الْأَحَد وَيَوْم الْإِثْنَيْنِ فَذَلِك قَول الله تَعَالَى {قل أئنكم لتكفرون بِالَّذِي خلق الأَرْض فِي يَوْمَيْنِ} ثمَّ {وَقدر فِيهَا أقواتها} فِي يَوْم الثُّلَاثَاء وَيَوْم الْأَرْبَعَاء فَذَلِك قَوْله {وَقدر فِيهَا أقواتها فِي أَرْبَعَة أَيَّام سَوَاء للسائلين ثمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِي دُخان} فسمكها وزينها بالنجوم وَالشَّمْس وَالْقَمَر وأجراهما فِي فلكهما وَخلق فِيهَا مَا شَاءَ من خلقه وَمَلَائِكَته يَوْم الْخَمِيس وَيَوْم الْجُمُعَة وَخلق الْجنَّة يَوْم الْجُمُعَة وَخلق الْيَهُود يَوْم السبت لِأَنَّهُ يسبت فِيهِ كل شَيْء وعظمت النَّصَارَى يَوْم الْأَحَد لِأَنَّهُ ابتدىء فِيهِ خلق كل شَيْء وَعظم الْمُسلمُونَ يَوْم الْجُمُعَة لِأَن الله فرغ فِيهِ من خلقه وَخلق فِي الْجنَّة رَحمته وَجمع فِيهِ آدم عَلَيْهِ السَّلَام وَفِيه هَبَط من الْجنَّة وَفِيه قبلت تَوْبَته وَهُوَ أعظمها
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: إِن الله تَعَالَى خلق يَوْمًا فَسَماهُ الْأَحَد ثمَّ خلق ثَانِيًا فَسَماهُ الِاثْنَيْنِ ثمَّ خلق ثَالِثا فَسَماهُ الثُّلَاثَاء ثمَّ خلق رَابِعا فَسَماهُ الْأَرْبَعَاء وَخلق خَامِسًا فَسَماهُ الْخَمِيس فخلق الأَرْض يَوْم الْأَحَد والاثنين وَخلق الْجبَال يَوْم الثُّلَاثَاء وَلذَلِك يَقُول النَّاس إِنَّه يَوْم ثقيل كَذَلِك وَخلق مَوَاضِع الْأَنْهَار وَالشَّجر والقرى يَوْم الْأَرْبَعَاء وَخلق الطير والوحش وَالسِّبَاع والهوام والآفة يَوْم الْخَمِيس وَخلق الإِنسان يَوْم الْجُمُعَة وَفرغ من الْخلق يَوْم السبت
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن عبد الله بن سَلام رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِن الله تَعَالَى ابْتَدَأَ الْخلق وَخلق الأَرْض يَوْم الْأَحَد والاثنين وَخلق الأقوات والرواسي يَوْم الثُّلَاثَاء وَالْأَرْبِعَاء وَخلق السَّمَوَات يَوْم الْخَمِيس وَالْجُمُعَة إِلَى صَلَاة الْعَصْر وَخلق آدم(7/315)
عَلَيْهِ السَّلَام فِي تِلْكَ السَّاعَة الَّتِي لَا يُوَافِقهَا عبد يَدْعُو ربه إِلَّا اسْتَجَابَ لَهُ فَهُوَ مَا بَين صَلَاة الْعَصْر إِلَى أَن تغيب الشَّمْس
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ أَن الْيَهُود قَالُوا للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا يَوْم الْأَحَد قَالَ: خلق الله فِيهِ الأَرْض قَالُوا: فَيوم الْأَرْبَعَاء قَالَ: الأقوات قَالُوا: فَيوم الْخَمِيس قَالَ: فِيهِ خلق الله السَّمَوَات قَالُوا: فَيوم الْجُمُعَة قَالَ: خلق فِي ساعتين الْمَلَائِكَة وَفِي ساعتين الْجنَّة وَالنَّار وَفِي ساعتين الشَّمْس وَالْقَمَر وَالْكَوَاكِب وَفِي ساعتين اللَّيْل وَالنَّهَار قَالُوا: أَلَسْت تذكر الرَّاحَة فَقَالَ سُبْحَانَ الله
فَأنْزل الله (وَلَقَد خلقنَا السَّمَوَات وَالْأَرْض وَمَا بَينهمَا فِي سِتَّة أَيَّام وَمَا مسنا من لغوب) (ق 38)
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ من وَجه آخر عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن الله تَعَالَى فرغ من خلقه فِي سِتَّة أَيَّام
أولهنَّ يَوْم الْأَحَد والاثنين وَالثُّلَاثَاء وَالْأَرْبِعَاء وَالْخَمِيس وَالْجُمُعَة خلق يَوْم الْأَحَد السَّمَوَات وَخلق يَوْم الِاثْنَيْنِ الشَّمْس وَالْقَمَر وَخلق يَوْم الثُّلَاثَاء دَوَاب الْبَحْر ودواب الأَرْض وفجر الْأَنْهَار وقوت الأقوات وَخلق الْأَشْجَار يَوْم الْأَرْبَعَاء وَخلق يَوْم الْخَمِيس الْجنَّة وَالنَّار وَخلق آدم عَلَيْهِ السَّلَام يَوْم الْجُمُعَة ثمَّ أقبل على الْأَمر يَوْم السبت
وَأخرج ابْن جرير عَن أبي بكر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: جَاءَ الْيَهُود إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالُوا: يَا مُحَمَّد أخبرنَا مَا خلق الله من الْخلق فِي هَذِه الْأَيَّام السِّتَّة فَقَالَ: خلق الله الأَرْض يَوْم الْأَحَد والإثنين وَخلق الْجبَال يَوْم الثُّلَاثَاء وَخلق الْمَدَائِن والاقوات والأنهار وعمرانها وخرابها يَوْم الْأَرْبَعَاء وَخلق السَّمَوَات وَالْمَلَائِكَة يَوْم الْخَمِيس إِلَى ثَلَاث سَاعَات يَعْنِي من يَوْم الْجُمُعَة وَخلق فِي أول سَاعَة الْآجَال وَفِي الثَّانِيَة الآفة وَفِي الثَّالِثَة آدم قَالُوا: صدقت أَن تممت فَعرف النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا يُرِيدُونَ فَغَضب فَأنْزل الله (وَمَا مسنا من لغوب فاصبر على مَا يَقُولُونَ)
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {فَقَالَ لَهَا وللأرض ائتيا طَوْعًا أَو كرها} قَالَ: قَالَ(7/316)
للسماء أَخْرِجِي شمسك اخْرُجِي قمرك ونجومك وَقَالَ للْأَرْض: شققي أنهارك وأخرجي ثمارك {قَالَتَا أَتَيْنَا طائعين}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {ائتيا} قَالَ: اعطيا وَفِي قَوْله {أَتَيْنَا} قَالَ: أعطينا
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَأوحى فِي كل سَمَاء أمرهَا} قَالَ: مَا أَمر بِهِ وأراده من خلق النيرات وَغير ذَلِك
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {وَأوحى فِي كل سَمَاء أمرهَا} قَالَ: خلق فِيهَا شمسها وقمرها ونجومها وصلاحها
الْآيَات 13 - 18(7/317)
فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ (13) إِذْ جَاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ قَالُوا لَوْ شَاءَ رَبُّنَا لَأَنْزَلَ مَلَائِكَةً فَإِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (14) فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (15) فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنْصَرُونَ (16) وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (17) وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (18)
أخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن الْكَلْبِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كل شَيْء فِي الْقُرْآن {صَاعِقَة} فَهُوَ عَذَاب
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَة مثل صَاعِقَة عادٍ وَثَمُود} يَقُول: أَنْذَرْتُكُمْ وقيعة عَاد وَثَمُود
وَفِي قَوْله {ريحًا صَرْصَرًا} بَارِدَة
وَفِي قَوْله {نحسات} قَالَ: مشؤمات نكدات(7/317)
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {فَأَرْسَلنَا عَلَيْهِم ريحًا صَرْصَرًا} قَالَ: شَدِيدَة الشؤم قَالَ: مشؤومات
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وَأما ثَمُود فهديناهم} قَالَ: بَينا لَهُم
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {وَأما ثَمُود فهديناهم} يَقُول: بَينا لَهُم سَبِيل الْخَيْر وَالشَّر وَالله أعلم
الْآيَات 19 - 24(7/318)
وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (19) حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (20) وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (21) وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ (22) وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ (23) فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ (24)
أخرج الطَّبَرَانِيّ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {وَيَوْم يحْشر أَعدَاء الله إِلَى النَّار فهم يُوزعُونَ} قَالَ: يحبس أَوَّلهمْ على آخِرهم
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد وَأبي رزين رَضِي الله عَنهُ
مثله
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {يُوزعُونَ} قَالَ: يدْفَعُونَ
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَيَوْم يحْشر أَعدَاء الله إِلَى النَّار فهم يُوزعُونَ} قَالَ الوزعة السَّاقَة من الْمَلَائِكَة عَلَيْهِم السَّلَام يسوقونهم إِلَى النَّار ويردون الآخر على الأول(7/318)
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي الْآيَة قَالَ: عَلَيْهِم وزعة ترد أَوَّلهمْ على آخِرهم
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فهم يُوزعُونَ} قَالَ: يحبسون بَعْضًا على بعض قَالَ: عَلَيْهِم وزعة ترد أَوَّلهمْ على آخِرهم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق أبي الضُّحَى عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَنه قَالَ لِابْنِ الْأَزْرَق: إِن يَوْم الْقِيَامَة يَأْتِي على النَّاس مِنْهُ حِين لَا ينطقون وَلَا يَعْتَذِرُونَ وَلَا يَتَكَلَّمُونَ حَتَّى يُؤذن لَهُم فيختصمون فيجحد الجاحد بشركه بِاللَّه تَعَالَى فَيحلفُونَ لَهُ كَمَا يحلفُونَ لكم فيبعث الله عَلَيْهِم حِين يجحدون شُهُودًا من أنفسهم جُلُودهمْ وأبصارهم وأيديهم وأرجلهم وَيخْتم على أَفْوَاههم ثمَّ تفتح الأفواه فتخاصم الْجَوَارِح فَتَقول {أنطقنا الله الَّذِي أنطق كل شَيْء وَهُوَ خَلقكُم أول مرّة وَإِلَيْهِ ترجعون} فتقر الْأَلْسِنَة بعد
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَأحمد وَعبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كنت مستتراً بِأَسْتَارِ الْكَعْبَة فجَاء ثَلَاثَة نفر قرشي وثقفيان أَو ثقفي وقرشيان كثير لحم بطونهم قَلِيل فقه قُلُوبهم فتكلموا بِكَلَام لم أسمعهُ فَقَالَ أحدهم: أَتَرَوْنَ أَن الله يسمع كلامنا هَذَا فَقَالَ الآخر: انا إِذا رفعنَا أصواتنا سَمعه وَإِذا لم نرفعه لم يسمع
فَقَالَ الْآخرَانِ: سمع مِنْهُ شَيْئا سَمعه كُله قَالَ: فَذكرت ذَلِك للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأنْزل الله {وَمَا كُنْتُم تستترون أَن يشْهد عَلَيْكُم سمعكم وَلَا أبصاركم} إِلَى قَوْله {من الخاسرين}
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَأحمد وَالنَّسَائِيّ وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن مُعَاوِيَة بن حيدة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: تحشرون هَهُنَا - وأوما بِيَدِهِ إِلَى الشَّام - مشَاة وركباناً على وُجُوهكُم وتعرضون على الله وعَلى أَفْوَاهكُم الْفِدَام وَإِن أول مَا يعرب عَن أحدكُم فَخذه وكفه وتلا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وَمَا كُنْتُم تستترون أَن يشْهد عَلَيْكُم سمعكم وَلَا أبصاركم وَلَا جلودكم}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: مَا كُنْتُم تظنون(7/319)
وَأخرج ابْن جرير عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ {وَمَا كُنْتُم تستترون} قَالَ: تستخفون
وَأخرج أَحْمد وَالطَّبَرَانِيّ وَعبد بن حميد وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَابْن ماجة وَابْن حبَان وَابْن مرْدَوَيْه عَن جَابر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا يموتن أحدكُم إِلَّا وَهُوَ يحسن الظَّن بِاللَّه فَإِن قوما قد أَرَادَهُم سوء ظنهم بِاللَّه عز وَجل قَالَ الله عز وَجل {وذلكم ظنكم الَّذِي ظننتم بربكم أرداكم فأصبحتم من الخاسرين}
الْآيَة 25(7/320)
وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ (25)
أخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وقيضنا لَهُم قرناء} قَالَ: شياطين
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فزينوا لَهُم مَا بَين أَيْديهم} قَالَ: الدُّنْيَا يرغبونهم فِيهَا {وَمَا خَلفهم} قَالَ: الْآخِرَة زَينُوا لَهُم نسيانها وَالْكفْر بهَا
الْآيَات 26 - 28(7/320)
وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ (26) فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذَابًا شَدِيدًا وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ (27) ذَلِكَ جَزَاءُ أَعْدَاءِ اللَّهِ النَّارُ لَهُمْ فِيهَا دَارُ الْخُلْدِ جَزَاءً بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (28)
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ بِمَكَّة إِذا قَرَأَ الْقُرْآن يرفع صَوته فَكَانَ الْمُشْركُونَ يطردون النَّاس عَنهُ وَيَقُولُونَ {لَا تسمعوا لهَذَا الْقُرْآن والغوا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تغلبون} وَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا أخْفى قِرَاءَته لم يسمع من يحب أَن يسمع الْقُرْآن فَأنْزل الله (وَلَا تجْهر بصلاتك وَلَا تخَافت بهَا) (الإِسراء 110)(7/320)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {والغوا فِيهِ} قَالَ: بالتصفير والتخليط فِي الْمنطق على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا قَرَأَ الْقُرْآن قُرَيْش تَفْعَلهُ
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {والغوا فِيهِ} قَالَ: يَقُولُونَ اجحدوا بِهِ وانكروه وعادوه
وَالله أعلم
الْآيَة 29(7/321)
وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنَا أَرِنَا اللَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الْأَسْفَلِينَ (29)
أخرج عبد الرَّزَّاق وَالْفِرْيَابِي وَسَعِيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَابْن عَسَاكِر عَن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ أَنه سُئِلَ عَن قَوْله {رَبنَا أرنا الَّذين أضلانا من الْجِنّ والإِنس} قَالَ: هُوَ ابْن آدم الَّذِي قتل أَخَاهُ وإبليس
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة وَإِبْرَاهِيم
مثله
الْآيَات 30 - 32(7/321)
إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31) نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ (32)
أخرج التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَالْبَزَّار وَأَبُو يعلى وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن عدي وَابْن مرْدَوَيْه قَالَ: قَرَأَ علينا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَذِه الْآيَة {إِن الَّذين قَالُوا رَبنَا الله ثمَّ استقاموا} قَالَ: قد قَالَهَا نَاس من النَّاس ثمَّ كفر أَكْثَرهم فَمن قَالَهَا حَتَّى يَمُوت فَهُوَ مِمَّن استقام عَلَيْهَا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالْفِرْيَابِي وَسَعِيد بن مَنْصُور ومسدد وَابْن سعد وَعبد بن(7/321)
حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق سعيد بن عمرَان عَن أبي بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {إِن الَّذين قَالُوا رَبنَا الله ثمَّ استقاموا} قَالَ الاسْتقَامَة أَن لَا تُشْرِكُوا بِاللَّه شَيْئا
وَأخرج ابْن رَاهَوَيْه وَعبد بن حميد والحكيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول وَابْن جرير وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية من طَرِيق الْأسود بن هِلَال عَن أبي بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ: مَا تَقولُونَ فِي هَاتين الْآيَتَيْنِ {إِن الَّذين قَالُوا رَبنَا الله ثمَّ استقاموا} و {الَّذين آمنُوا وَلم يلبسوا إِيمَانهم بظُلْم} الْأَنْعَام قَالُوا: لم يذنبوا قَالَ: لقد حملتموها على أَمر شَدِيد (الَّذين آمنُوا وَلم يلبسوا إِيمَانهم بظُلْم) يَقُول: بشرك و {الَّذين قَالُوا رَبنَا الله ثمَّ استقاموا} فَلم يرجِعوا إِلَى عبَادَة الْأَوْثَان
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق الثَّوْريّ رَضِي الله عَنهُ عَن بعض أَصْحَابه عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله {إِن الَّذين قَالُوا رَبنَا الله ثمَّ استقاموا} قَالَ: على فَرَائض الله
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {إِن الَّذين قَالُوا رَبنَا الله ثمَّ استقاموا} قَالَ: على شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله
وَأخرج ابْن الْمُبَارك وَسَعِيد بن مَنْصُور وَأحمد فِي الزّهْد وَعبد بن حميد والحكيم التِّرْمِذِيّ وَابْن الْمُنْذر عَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ {إِن الَّذين قَالُوا رَبنَا الله ثمَّ استقاموا} قَالَ: استقاموا بِطَاعَة الله وَلم يروغوا روغان الثَّعْلَب
وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن عَبَّاس أَنه سُئِلَ أَي آيَة فِي كتاب الله أرحب قَالَ: قَوْله {إِن الَّذين قَالُوا رَبنَا الله ثمَّ استقاموا} على شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله قيل لَهُ: فَأَيْنَ قَوْله تَعَالَى (يَا عبَادي الَّذين أَسْرفُوا على أنفسهم
) (الزمر 53) [] زَاد قَرَأَ (وأنيبوا إِلَى ربكُم) (الزمر 54) فيهمَا علقه اعْمَلُوا
وَأخرج عبد بن حميد عَن إِبْرَاهِيم وَمُجاهد رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {ثمَّ استقاموا} قَالَ: قَالُوا لَا إِلَه إِلَّا الله لم يشركوا بعْدهَا بِاللَّه شَيْئا حَتَّى يلقوه
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {قَالُوا رَبنَا الله} وَحده {ثمَّ استقاموا} يَقُول: على أَدَاء فَرَائض الله {تتنزل عَلَيْهِم الْمَلَائِكَة} قَالَ: فِي الْآخِرَة(7/322)
وَأخرج أَحْمد وَعبد بن حميد والدارمي وَالْبُخَارِيّ فِي تَارِيخه وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَابْن حبَان عَن سُفْيَان الثَّقَفِيّ أَن رجلا قَالَ يَا رَسُول الله مرني بِأَمْر فِي الإِسلام لَا أسأَل عَنهُ أحدا بعْدك قَالَ: قل آمَنت بِاللَّه ثمَّ اسْتَقِم قلت: فَمَا اتَّقى فأوما إِلَى لِسَانه
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {تتنزل عَلَيْهِم الْمَلَائِكَة} قَالَ: عِنْد الْمَوْت
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي الْآيَة قَالَ {أَلا تخافوا} مِمَّا تقدمون عَلَيْهِ من الْمَوْت وَأمر الْآخِرَة {وَلَا تحزنوا} على مَا خَلفْتُمْ من أَمر دنياكم من ولد وَأهل وَدين مِمَّا استخلفكم فِي ذَلِك كُله
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن زيد بن أسلم قَالَ: يُؤْتى الْمُؤمن عِنْد الْمَوْت فَيُقَال: لَا تخف مِمَّا أَنْت قادم عَلَيْهِ فَيذْهب خَوفه وَلَا تحزن على الدُّنْيَا وَلَا على أَهلهَا وأبشر بِالْجنَّةِ فَيَمُوت وَقد قر الله عينه
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن أبي حَاتِم عَن زيد بن أسلم فِي الْآيَة قَالَ: يبشر بهَا عِنْد مَوته وَفِي قَبره وَيَوْم يبْعَث فَإِنَّهُ لَقِي الْجنَّة وَمَا رميت فرحة الْبشَارَة من قلبه
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة فِي الْآيَة قَالَ {أَلا تخافوا} من ضيعتكم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي ذكر الْمَوْت عَن عَليّ بن أبي طَالب قَالَ: حرَام على كل نفس أَن تخرج من الدُّنْيَا حَتَّى تعلم مصيرها وَأخرج أَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن مُجَاهِد قَالَ: إِن الْمُؤمن يبشر بصلاح وَلَده من بعده لتقر عينه
وَأخرج أَحْمد وَالنَّسَائِيّ عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من أحب لِقَاء الله أحب الله لقاءه قُلْنَا: يَا رَسُول الله كلنا يكره الْمَوْت قَالَ: لَيْسَ ذَلِك كَرَاهِيَة الْمَوْت وَلَكِن الْمُؤمن إِذا احْتضرَ جَاءَهُ البشير من الله بِمَا هُوَ صائر إِلَيْهِ فَلَيْسَ شَيْء أحب إِلَيْهِ من أَن يكون لَقِي الله فَأحب الله لقاءه وَإِن الْكَافِر والفاجر إِذا احْتضرَ جَاءَهُ بِمَا هُوَ صائر إِلَيْهِ من الشَّرّ فكره الله لقاءه
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ثَابت أَنه قَرَأَ السَّجْدَة حَتَّى بلغ {تتنزل عَلَيْهِم الْمَلَائِكَة} فَوقف قَالَ: بلغنَا أَن العَبْد الْمُؤمن يَبْعَثهُ الله من قَبره يتلقاه ملكاه(7/323)
اللَّذَان كَانَا مَعَه فِي الدُّنْيَا فَيَقُولَانِ لَهُ: لَا تخف وَلَا تحزن وأبشر بِالْجنَّةِ الَّتِي كنت توعد فَيُؤمن الله خَوفه ويقر عينه وَبِمَا عصمه أَلا وَهِي لِلْمُؤمنِ قُرَّة عين لما هداه الله تَعَالَى وَلما كَانَ يعْمل فِي الدُّنْيَا
وَأخرج ابْن الْمُبَارك وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {نَحن أولياؤكم} قَالَ: رفقاؤكم فِي الدُّنْيَا لَا نفارقكم حَتَّى ندخل مَعكُمْ الْجنَّة وَلَفظ عبد بن حميد قَالَ: قرناؤهم الَّذين مَعَهم فِي الدُّنْيَا
فَإِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة قَالُوا: لن نفارقكم حَتَّى ندخلكم الْجنَّة
وَأخرج أَبُو نعيم فِي صفة الْجنَّة وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن جَابر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: بَينا أهل الْجنَّة فِي مجْلِس لَهُم إِذْ سَطَعَ لَهُم نور على بَاب الْجنَّة فَرفعُوا رؤوسهم فَإِذا الرب تَعَالَى قد أشرف فَقَالَ يَا أهل الْجنَّة سلوني فَقَالُوا: نَسْأَلك الرِّضَا عَنَّا قَالَ: رضاي أَحَلَّكُمْ دَاري وأنَالَكُم كَرَامَتِي هَذِه وأيها تَسْأَلُونِي قَالُوا: نَسْأَلك الزِّيَادَة قَالَ: فيؤتون بنجائب من ياقوت أَحْمَر أزمتها زبرجد أَخْضَر وَيَاقُوت أَحْمَر فجاؤا عَلَيْهَا تضع حوافرها عِنْد مُنْتَهى طرفها فَأمر الله بأشجار عَلَيْهَا الثِّمَار فتجيء حور من الْعين وَهن يقلن: نَحن الناعمات فَلَا نباس وَنحن الخالدات فَلَا نموت أَزوَاج قوم مُؤمنين كرام وَيَأْمُر الله بكثبان من مسك أَبيض أذفر فتنثر عَلَيْهِم ريحًا يُقَال لَهَا المثيرة حَتَّى تَنْتَهِي بهم إِلَى جنَّة عدن وَهِي قَصَبَة الْجنَّة فَتَقول الْمَلَائِكَة: يَا رَبنَا قد جَاءَ الْقَوْم فَيَقُول: مرْحَبًا بالصادقين فَيكْشف لَهُم الْحجاب فَيَنْظُرُونَ إِلَى الله فيتمتعون بِنور الرَّحْمَن حَتَّى لَا يبصر بَعضهم بَعْضًا
ثمَّ يَقُول ارجعوهم إِلَى الْقُصُور بالتحف فيرجعون وَقد أبْصر بَعضهم بَعْضًا
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: فَذَلِك قَوْله تَعَالَى {نزلا من غَفُور رَحِيم}
وَأخرج ابْن النجار من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ
مثله سَوَاء
الْآيَة 33(7/324)
وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33)
أخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا {وَمن أحسن قولا مِمَّن دَعَا إِلَى الله} قَالَت: الْمُؤَذّن {وَعمل صَالحا} قَالَت: رَكْعَتَانِ فِيمَا بَين الآذان والإِقامة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه من وَجه آخر عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: مَا أرى هَذِه الْآيَة نزلت إِلَّا فِي المؤذنين {وَمن أحسن قولا مِمَّن دَعَا إِلَى الله}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَمن أحسن قولا مِمَّن دَعَا إِلَى الله} قَالَ: هُوَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن سِيرِين رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَمن أحسن قولا مِمَّن دَعَا إِلَى الله} قَالَ: ذَلِك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ فِي الْآيَة قَالَ: هُوَ الْمُؤمن عمل صَالحا ودعا إِلَى الله تَعَالَى
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {وَمن أحسن قولا مِمَّن دَعَا إِلَى الله وَعمل صَالحا وَقَالَ إِنَّنِي من الْمُسلمين} قَالَ: هَذَا عبد صدق قَوْله وَعَمله ومولجه ومخرجه وسره وعلانيته ومشهده ومغيبه
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ {وَمن أحسن قولا مِمَّن دَعَا إِلَى الله} قَالَ: قَول لَا إِلَه إِلَّا الله يَعْنِي الْمُؤَذّن {وَعمل صَالحا} صَامَ وَصلى
وَأخرج الْخَطِيب فِي تَارِيخه عَن قيس بن أبي حَازِم رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَمن أحسن قولا مِمَّن دَعَا إِلَى الله} قَالَ الْأَذَان {وَعمل صَالحا} قَالَ: الصَّلَاة بَين الآذان والاقامة قَالَ الْخَطِيب: قَالَ أَبُو بكر النقاش رَضِي الله عَنهُ قَالَ لي أَبُو بكر بن أبي دَاوُد فِي تَفْسِيره عشرُون وَمِائَة ألف حَدِيث لَيْسَ فِيهِ هَذَا الحَدِيث
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور عَن عَاصِم بن هُبَيْرَة قَالَ: إِذا فرغت من اذانك فَقل: لَا إِلَه إِلَّا الله وَالله أكبر وَأَنا من الْمُسلمين ثمَّ قَرَأَ {وَمن أحسن قولا مِمَّن دَعَا إِلَى الله وَعمل صَالحا وَقَالَ إِنَّنِي من الْمُسلمين}
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن ماجة عَن مُعَاوِيَة رَضِي الله عَنهُ سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: إِن المؤذنين أطول النَّاس أعناقاً يَوْم الْقِيَامَة(7/325)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة والديلمي عَن زيد بن أَرقم رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: بِلَال سيد المؤذنين يَوْم الْقِيَامَة وَلَا يتبعهُ إِلَّا مُؤمن والمؤذنون أطول النَّاس أعناقاً يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمُؤَذّن يغْفر لَهُ مد صَوته ويصدقه كل رطب ويابس
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عمر رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ لرجل: مَا عَمَلك قَالَ: الآذان قَالَ: نعم الْعَمَل عَمَلك يشْهد لَك كل شَيْء سَمعك
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لَو أطقت الآذان مَعَ الخليفي لأذنت
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن سعد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لِأَن أقوى على الآذان أحب إليّ من أَن أحج أَو أعتمر أَو أجاهد
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لَو كنت مُؤذنًا مَا باليت أَن لَا أحج وَلَا أغزو
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن كَعْب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: من أذن كتب لَهُ سَبْعُونَ حَسَنَة وَإِن أَقَامَ فَهُوَ أفضل
وَأخرج ابْن أبي شيبَة من طَرِيق هِشَام عَن يحيى رَضِي الله عَنهُ قَالَ: حدثت أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَو علم النَّاس مَا فِي الآذان لتجاذبوه قَالَ وَكَانَ يُقَال: ابتدروا الآذان وَلَا تبتدروا الإِمامة
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ قَالَ: الْمُؤَذّن الْمُحْتَسب أول مَا يكسى يَوْم الْقِيَامَة
الْآيَات 34 - 35(7/326)
وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (35)
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وَلَا تستوي الْحَسَنَة وَلَا السَّيئَة ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أحسن} قَالَ: أَمر الله الْمُؤمنِينَ بِالصبرِ عِنْد الْغَضَب والحلم عِنْد الْجَهْل وَالْعَفو عِنْد الإِساءة فَإِذا فعلوا ذَلِك عصمهم الله من الشَّيْطَان وخضع لَهُم عدوهم {كَأَنَّهُ ولي حميم}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وَلَا تستوي الْحَسَنَة وَلَا السَّيئَة ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أحسن} قَالَ: ألقه بِالسَّلَامِ {فَإِذا الَّذِي بَيْنك وَبَينه عَدَاوَة كَأَنَّهُ ولي حميم}
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَسَعِيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الْإِيمَان عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أحسن} قَالَ: السَّلَام إِن تسلم عَلَيْهِ إِذا لَقيته
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَطاء رَضِي الله عَنهُ {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أحسن} قَالَ: السَّلَام
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {كَأَنَّهُ ولي حميم} قَالَ: ولي رَقِيب
وَفِي قَوْله {إِلَّا ذُو حَظّ عَظِيم} قَالَ: الْجنَّة
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ {وَمَا يلقاها إِلَّا الَّذين صَبَرُوا} قَالَ: وَالله لَا يُصِيبهَا صَاحبهَا حَتَّى يَكْظِم غيظاً ويصفح عَن بعض مَا يكره
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن أنس رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَمَا يلقاها إِلَّا الَّذين صَبَرُوا وَمَا يلقاها إِلَّا ذُو حَظّ عَظِيم} قَالَ: الرجل يشتمه أَخُوهُ فَيَقُول إِن كنت صَادِقا يغْفر الله لي وَإِن كنت كَاذِبًا يغْفر الله لَك
وَالله أعلم
الْآيَة 36(7/327)
وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (36)
أخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَالْحَاكِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن سُلَيْمَان بن صرد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: استب رجلَانِ عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَاشْتَدَّ غضب(7/327)
أَحدهمَا فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِنِّي لأعْلم كلمة لَو قَالَهَا لذهب عَنهُ الْغَضَب
أعوذ بِاللَّه من الشَّيْطَان الرَّجِيم
فَقَالَ الرجل أمجنون تراني فَتلا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وَإِمَّا يَنْزغَنك من الشَّيْطَان نَزغ فاستعذ بِاللَّه إِنَّه سميع عليم}
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن معَاذ بن جبل رَضِي الله عَنهُ قَالَ: استب رجلَانِ عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى عرف الْغَضَب فِي وَجه أَحدهمَا فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِنِّي لأعْلم كلمة لَو قَالَهَا ذهب غَضَبه
أعوذ بِاللَّه من الشَّيْطَان الرَّجِيم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي سعيد رضى الله عَنهُ قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: إتقوا الْغَضَب فَإِنَّهَا جَمْرَة توقد فِي قلب ابْن آدم ألم ترَ انتفاخ أوداجه وَحُمرَة عَيْنَيْهِ فَمن أحس من ذَلِك شَيْئا فليلزق بِالْأَرْضِ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن خَيْثَمَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ يُقَال إِن الشَّيْطَان يَقُول: كَيفَ يغلبني ابْن آدم إِذا رَضِي حَيْثُ أكون فِي قلبه وَإِذا غضب طرت حَيْثُ أكون على رَأسه
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَإِمَّا يَنْزغَنك من الشَّيْطَان نَزغ فاستعذ بِاللَّه} قَالَ: ذكر لنا أَن نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَيْنَمَا هُوَ يُصَلِّي إِذْ جعل يسند حَتَّى يسْتَند السارية ثمَّ يَقُول ألعنك بلعنة الله التَّامَّة فَقَالَ بعض أَصْحَابه: يَا نَبِي الله مَا شَيْء رَأَيْنَاك تَصنعهُ قَالَ: أَتَانِي الشَّيْطَان بشهاب من نَار ليحرقني بِهِ فلعنته بلعنة الله التَّامَّة فانكب لفيه وطفئت ناره
الْآيَات 37 - 38(7/328)
وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (37) فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ (38)
أخرج أَبُو يعلى وَابْن مرْدَوَيْه عَن جَابر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:(7/328)
لَا تسبوا اللَّيْل وَالنَّهَار وَلَا الشَّمْس وَلَا الْقَمَر وَلَا الرِّيَاح فَإِنَّهَا ترسل رَحْمَة لقوم وَعَذَابًا لقوم
وَأخرج الطستي فِي مسَائِله عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَن نَافِع بن الْأَزْرَق سَأَلَهُ عَن قَوْله {لَا يسأمون} قَالَ: لَا يملون وَلَا يفترون قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم أما سَمِعت قَول الشَّاعِر: من الْخَوْف لَا ذِي سأمة من عبَادَة وَلَا مُؤمن طول التَّعَبُّد يجْهد وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه من طَرِيق سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا كَانَ يسْجد بآخر الْآيَتَيْنِ من (حم) السَّجْدَة وَكَانَ ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ يسْجد الأولى مِنْهُمَا
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور عَن أبي إِسْحَق قَالَ: كَانَ عبد الله رَضِي الله عَنهُ وَأَصْحَابه يَسْجُدُونَ بِالْآيَةِ الأولى
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن رجل من بني سليم أَنه سمع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يسْجد بِالْآيَةِ الأولى
وَأخرج ابْن سعد وَابْن أبي شيبَة من طَرِيق نَافِع عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا أَنه كَانَ يسْجد بِالْآيَةِ الأولى
وَأخرج البُخَارِيّ عَن عَبدة بن حسن الْبَصْرِيّ رَضِي الله عَنهُ وَله صُحْبَة أَنه سجد فِي الْآيَة الأولى من (حم)
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور من طَرِيق مُجَاهِد عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَنه كَانَ يسْجد فِي الْآيَة الْأَخِيرَة
الْآيَة 39(7/329)
وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِ الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (39)
أخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَمن آيَاته أَنَّك ترى الأَرْض خاشعة} قَالَ: غبراء متهشمة {فَإِذا أنزلنَا عَلَيْهَا المَاء اهتزت وربت} قَالَ: [] تغرف الْغَيْث وربوها إِذا مَا أَصَابَهَا(7/329)
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {اهتزت} قَالَ: بالنبات {وربت} قَالَ: ارتعشت قبل أَن تنْبت
الْآيَة 40(7/330)
إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (40)
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {إِن الَّذين يلحدون فِي آيَاتنَا} قَالَ: هُوَ أَن يوضع الْكَلَام على غير مَوْضِعه
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {إِن الَّذين يلحدون فِي آيَاتنَا} قَالَ: هُوَ أَن يوضع الْكَلَام على غير مَوْضِعه
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {إِن الَّذين يلحدون فِي آيَاتنَا} قَالَ: إلحاد مَا ذكر مَعَه
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي الْآيَة قَالَ الإِلحاد التَّكْذِيب
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِن هَذَا الْقُرْآن كَلَام الله فضعوه على موَاضعه وَلَا تتبعوا فِيهِ هواكم
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {أَفَمَن يلقى فِي النَّار خير} قَالَ: أَبُو جهل بن هِشَام {أم من يَأْتِي آمنا يَوْم الْقِيَامَة} قَالَ: أَبُو بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن عَسَاكِر عَن بشير بن تَمِيم رَضِي الله عَنهُ قَالَ: نزلت هَذِه الْآيَة فِي أبي جهل وعمار بن يَاسر {أَفَمَن يلقى فِي النَّار} أَبُو جهل {أم من يَأْتِي آمنا يَوْم الْقِيَامَة} عمار
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {أَفَمَن يلقى فِي النَّار خير أم من يَأْتِي آمنا يَوْم الْقِيَامَة} نزلت فِي عمار بن يَاسر وَفِي أبي جهل
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {اعْمَلُوا مَا شِئْتُم} قَالَ: هَذَا وَعِيد
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة {اعْمَلُوا مَا شِئْتُم} قَالَ: خَيَّركُمْ وأمركم(7/330)
بِالْعَمَلِ وَاتخذ الْحجَّة وَبعث رَسُوله وَأنزل كِتَابه وشرّع شرائعه حجَّة وتقدمة إِلَى خلقه
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {اعْمَلُوا مَا شِئْتُم} قَالَ: هَذَا لأهل بدرخاصة
وَأخرج عبد بن حميد عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: ذكر أَن السَّمَاء فرجت يَوْم بدر فَقيل {اعْمَلُوا مَا شِئْتُم}
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ قَالَ: فأبيحت لَهُم الْأَعْمَال
الْآيَات 41 - 42(7/331)
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (41) لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (42)
أخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قيل لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَو سُئِلَ: مَا الْمخْرج مِنْهَا فَقَالَ: كتاب الله الْعَزِيز الَّذِي لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِل من بَين يَدَيْهِ وَلَا من خَلفه {تَنْزِيل من حَكِيم حميد}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن سعد لَا أَحْسبهُ إِلَّا أسْندهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: مثل الْقُرْآن وَمثل النَّاس كَمثل الأَرْض والغيث بَيْنَمَا الأَرْض ميتَة هامدة ثمَّ لَا يزَال ترسل الْأَدْوِيَة حَتَّى تبذر وتنبت وَيتم شَأْنهَا وَيخرج الله مَا فِيهَا من زينتها ومعايش النَّاس وَكَذَلِكَ فعل الله بِهَذَا الْقُرْآن وَالنَّاس
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن عقبَة بن عَامر رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَلا {إِن الَّذين كفرُوا بِالذكر لما جَاءَهُم} إِلَى قَوْله {حميد} فَقَالَ: إِنَّكُم لن ترجعوا إِلَى الله بِشَيْء أحب إِلَيْهِ من شَيْء خرج مِنْهُ يَعْنِي الْقُرْآن
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن أبي ذَر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِنَّكُم لن ترجعوا إِلَى الله بِشَيْء أفضل مِمَّا خرج مِنْهُ يَعْنِي الْقُرْآن
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن عَطِيَّة بن قيس رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: مَا تكلم الْعباد بِكَلَام أحب إِلَى الله من كَلَامه وَمَا أناب الْعباد إِلَى الله بِكَلَام أحب إِلَيْهِ من كَلَامه بِالذكر قَالَ بِالْقُرْآنِ(7/331)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِل} قَالَ: الشَّيْطَان
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي الْآيَة {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِل من بَين يَدَيْهِ وَلَا من خَلفه} قَالَ: لَا يدْخل فِيهِ الشَّيْطَان مَا لَيْسَ مِنْهُ وَلَا أحد من الْكَفَرَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الضريس عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {وَإنَّهُ لكتاب عَزِيز لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِل من بَين يَدَيْهِ وَلَا من خَلفه} قَالَ: أعزه الله لِأَنَّهُ كَلَامه وَحفظه من الْبَاطِل وَالْبَاطِل إِبْلِيس لَا يَسْتَطِيع أَن ينقص مِنْهُ حَقًا وَلَا يزِيد فِيهِ بَاطِلا
الْآيَة 43(7/332)
مَا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ (43)
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {مَا يُقَال لَك} من التَّكْذِيب {إِلَّا مَا قد قيل للرسل من قبلك} فَكَمَا كذبت فقد كذبُوا وكما صَبَرُوا على أَذَى قَومهمْ لَهُم فاصبر على أَذَى قَوْمك إِلَيْك
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن أبي صَالح رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {مَا يُقَال لَك إِلَّا مَا قد قيل للرسل من قبلك} قَالَ: من الْأَذَى
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي الْآيَة قَالَ: تَعْزِيَة
آيَة 44(7/332)
وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ (44)
أخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وَلَو جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أعجمياً} الْآيَة يَقُول لَو جعلنَا الْقُرْآن أعجمياً وَلِسَانك يَا مُحَمَّد عَرَبِيّ(7/332)
{لقالوا لَوْلَا فصلت آيَاته أأعجمي وعربي} يأتينا بِهِ مُخْتَلفا أَو مختلطاً {لَوْلَا فصلت آيَاته} فَكَانَ الْقُرْآن مثل اللِّسَان يَقُول فَلم يفعل لِئَلَّا يَقُولُوا فَكَانَت حجَّة عَلَيْهِم
وَأخرج عبد بن حميد عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ فِي الْآيَة قَالَ: لَو نزل أعجمياً قَالَ الْمُشْركُونَ: كَيفَ يكون أعجمياً وَهُوَ عَرَبِيّ وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَت: قُرَيْش لَوْلَا أنزل هَذَا الْقُرْآن أعجمياً وعربياً فَأنْزل الله {لقالوا لَوْلَا فصلت آيَاته أأعجمي وعربي} وَأنزل الله تَعَالَى بعد هَذِه الْآيَة فِيهِ بِكُل لِسَان حِجَارَة من سجيل قَالَ ابْن جُبَير رَضِي الله عَنهُ
وَالْقِرَاءَة على هَذَا أعجمي بالاستفهام
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن أبي ميسرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: فِي الْقُرْآن بِكُل لِسَان
وَأخرج عبد بن حميد وَعبد الرَّزَّاق عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {أُولَئِكَ ينادون من مَكَان بعيد} قَالَ: بعيد من قُلُوبهم
الْآيَات 45 - 46(7/333)
وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (45) مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (46)
أخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَلَوْلَا كلمة سبقت من رَبك} قَالَ: سبق لَهُم من الله حِين واجلهم [] بالغرة
الْآيَات 47 - 54(7/334)
إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ وَمَا تَخْرُجُ مِنْ ثَمَرَاتٍ مِنْ أَكْمَامِهَا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكَائِي قَالُوا آذَنَّاكَ مَا مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ (47) وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَدْعُونَ مِنْ قَبْلُ وَظَنُّوا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ (48) لَا يَسْأَمُ الْإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ (49) وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِمَا عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ (50) وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ (51) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ (52) سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (53) أَلَا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَاءِ رَبِّهِمْ أَلَا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ (54)
أخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَمَا تخرج من ثَمَرَات من أكمامها} قَالَ: حِين تطلع
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {آذناك} أعلمناك
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم فِي قَوْله {لَا يسأم الإِنسان} قَالَ: لَا يمل
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَلَئِن أذقناه رَحْمَة منا} الْآيَة
قَالَ: عَافِيَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {سنريهم آيَاتنَا فِي الْآفَاق} قَالَ: كَانُوا يسافرون فيرون آثَار عَاد وَثَمُود يَقُولُونَ وَالله لقد صدق مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وَمَا أَرَاهُم فِي أنفسهم} قَالَ: الْأَمْرَاض(7/334)
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم (42)
سُورَة الشورى
مَكِّيَّة وآياتها ثَلَاث وَخَمْسُونَ
مُقَدّمَة السُّورَة
أخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: نزلت {حم عسق} بِمَكَّة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن الزبير - رَضِي الله عَنْهُمَا - قَالَ: أنزلت بِمَكَّة {حم عسق}
الْآيَات 1 - 4(7/335)
حم (1) عسق (2) كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (3) لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (4)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد رَضِي الله عَنهُ
أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَرَأَ ذَات لَيْلَة {حم عسق} فرددها مرَارًا {حم عسق} فِي بَيت مَيْمُونَة
فَقَالَ: يَا مَيْمُونَة أَمَعَك {حم عسق} قَالَت: نعم قَالَ: فاقرئيها فَلَقَد نسيت مَا بَين أَولهَا وَآخِرهَا
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ بِسَنَد صَحِيح عَن مَيْمُونَة قَالَت: قَرَأَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {حم عسق} فَقَالَ: يَا مَيْمُونَة أتعرفين {حم عسق} لقد نسيت مَا بَين أَولهَا وَآخِرهَا
قَالَت: فقرأتها فقرأها رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم ونعيم بن حَمَّاد والخطيب عَن ابْن [] قَالَ: جَاءَ رجل إِلَى ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - وَعِنْده حُذَيْفَة بن الْيَمَان - رَضِي الله عَنهُ - فَقَالَ: أَخْبرنِي عَن تَفْسِير {حم عسق} فاعرض عَنهُ ثمَّ كرر مقَالَته فاعرض عَنهُ ثمَّ كررها الثَّالِثَة فَلم يجبهُ فَقَالَ لَهُ حُذَيْفَة: رَضِي الله(7/335)
عَنهُ - أَنا أنبئك بهَا لم كررتها نزلت فِي رجل من أهل بَيته يُقَال لَهُ عبد إِلَه أَو عبد الله ينزل على نهر من أَنهَار الْمشرق يَبْنِي عَلَيْهِ مدينتين يشق النَّهر بَينهمَا شقاً يجْتَمع فِيهَا كل جَبَّار عنيد فَإِذا أذن الله فِي زَوَال ملكهم وَانْقِطَاع دولتهم ومدتهم بعث الله على إحدهما نَارا لَيْلًا فَتُصْبِح سَوْدَاء مظْلمَة قد احترقت كَأَنَّهَا لم تكن مَكَانهَا وتصبح صاحبتها متعجبة كَيفَ أفلتت فَمَا هُوَ إِلَّا بَيَاض يَوْمهَا وَذَلِكَ حَتَّى يجْتَمع فِيهَا كل جَبَّار عنيد مِنْهُم ثمَّ يخسف الله بهَا وبهم جَمِيعًا فَذَلِك عدل مِنْهُ سين - يَعْنِي سَيكون
ق - يَعْنِي وَاقع بِهَاتَيْنِ المدينتين
وَأخرج أَبُو يعلى وَابْن عَسَاكِر بِسَنَد ضَعِيف عَن أبي مُعَاوِيَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: صعد عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ الْمِنْبَر فَقَالَ: يَا أَيهَا النَّاس هَل سمع أحد مِنْكُم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقْرَأ {حم عسق} فَوَثَبَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فَقَالَ: إِن حم اسْم من أَسمَاء الله تَعَالَى
قَالَ: فعين قَالَ: عاين الْمَذْكُور عَذَاب يَوْم بدر
قَالَ: فسين قَالَ: (سَيعْلَمُ الَّذين ظلمُوا أَي مُنْقَلب يَنْقَلِبُون) (الشُّعَرَاء الْآيَة 227) قَالَ: فقاف فَسكت فَقَامَ أَبُو ذَر رَضِي الله عَنهُ ففسر كَمَا فسر ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا وَقَالَ: قَاف قَارِعَة من السَّمَاء تصيب النَّاس
الْآيَات 5 - 9(7/336)
تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَلَا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (5) وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (6) وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ (7) وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (8) أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِ الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (9)
أخرج الطَّبَرَانِيّ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: كُنَّا نَقْرَأ هَذِه الْآيَة تكَاد السَّمَوَات يتفطرن من فوقهن
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا تكَاد السَّمَوَات ينفطرن من فوقهن قَالَ: مِمَّن فوقهن وَقرأَهَا خصيف بِالتَّاءِ الْمُشَدّدَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {تكَاد السَّمَاوَات يتفطرن من فوقهن} قَالَ: من عَظمَة الله تَعَالَى وجلاله وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {تكَاد السَّمَاوَات يتفطرن من فوقهن} قَالَ: من الثّقل
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَيَسْتَغْفِرُونَ لمن فِي الأَرْض} قَالَ: الْمَلَائِكَة عَلَيْهِم السَّلَام يَسْتَغْفِرُونَ للَّذين آمنُوا
وَأخرج أَبُو عبيد وَابْن الْمُنْذر عَن إِبْرَاهِيم قَالَ: كَانَ أَصْحَاب عبد الله يَقُولُونَ: الْمَلَائِكَة خير من ابْن الْكواء يسبحون بِحَمْد رَبهم وَيَسْتَغْفِرُونَ لمن فِي الأَرْض وَابْن الْكواء يشْهد عَلَيْهِم بالْكفْر
وَأخرج ابْن جرير عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ {وتنذر يَوْم الْجمع} قَالَ: يَوْم الْقِيَامَة
قَوْله تَعَالَى: {فريق فِي الْجنَّة وفريق فِي السعير}
وَأخرج أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه عَن عبد الله بن عَمْرو رَضِي الله عَنهُ قَالَ: خرج علينا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَفِي يَده كِتَابَانِ فَقَالَ: أَتَدْرُونَ مَا هَذَانِ الكتابان قُلْنَا لَا أَلا أَن تخبرنا يَا رَسُول الله قَالَ: للَّذي فِي يَده الْيُمْنَى هَذَا كتاب من رب الْعَالمين بأسماء أهل الْجنَّة وَأَسْمَاء آبَائِهِم وقبائلهم ثمَّ أجمل على آخِرهم فَلَا يُزَاد فيهم وَلَا ينقص مِنْهُم ثمَّ قَالَ للَّذي فِي شِمَاله هَذَا كتاب من رب الْعَالمين بأسماء أهل النَّار وَأَسْمَاء آبَائِهِم وقبائلهم ثمَّ أجمل على آخِرهم فَلَا يُزَاد فيهم وَلَا ينقص مِنْهُم أبدا فَقَالَ أَصْحَابه: فَفِيمَ الْعَمَل يَا رَسُول الله إِن كَانَ قد فرغ مِنْهُ فَقَالَ: سددوا وقاربوا فَإِن صَاحب الْجنَّة يخْتم لَهُ بِعَمَل أهل الْجنَّة وَإِن عمل أَي(7/337)
عمل ثمَّ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: بيدَيْهِ فنبذهما ثمَّ قَالَ: فرغ ربكُم من الْعباد {فريق فِي الْجنَّة وفريق فِي السعير}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن الْبَراء بن عَازِب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: خرج علينا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي يَده كتاب ينظر فِيهِ قَالَ: انْظُرُوا إِلَيْهِ كَيفَ وَهُوَ أُمِّي لَا يقْرَأ قَالَ: فعلمها رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: هَذَا كتاب من رب الْعَالمين بأسماء أهل الْجنَّة وَأَسْمَاء آبَائِهِم وقبائلهم لَا يُزَاد فيهم وَلَا ينقص مِنْهُم وَقَالَ: {فريق فِي الْجنَّة وفريق فِي السعير} فرغ ربكُم من أَعمال الْعباد
الْآيَات 10 - 11(7/338)
وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (10) فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11)
أخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد {وَمَا اختلفتم فِيهِ من شَيْء فَحكمه إِلَى الله} قَالَ: فَهُوَ يحكم فِيهِ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة {جعل لكم من أَنفسكُم أَزْوَاجًا وَمن الْأَنْعَام أَزْوَاجًا يذرؤكم فِيهِ} قَالَ: عَيْش من الله يعيشكم الله فِيهِ
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {يذرؤكم فِيهِ} قَالَ: نَسْلًا من بعد نسل من النَّاس والأنعام
وَأخرج ابْن جرير عَن السّديّ فِي قَوْله {يذرؤكم} قَالَ: يخلقكم
وَأخرج عبد بن حميد وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن أبي وَائِل رَضِي الله عَنهُ قَالَ: بَيْنَمَا عبد الله رَضِي الله عَنهُ يمدح ربه إِذْ قَالَ مصعد: نعم الرب يذكر
فَقَالَ عبد الله: إِنِّي لأَجله عَن ذَلِك {لَيْسَ كمثله شَيْء وَهُوَ السَّمِيع الْبَصِير}
الْآيَة 12(7/339)
لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (12)
أخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَالطَّبَرَانِيّ وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن عبد الله بن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِن ربكُم لَيْسَ عِنْده ليل وَلَا نَهَار نور السَّمَوَات من نور وَجهه إِن مِقْدَار كل يَوْم من أيامكم عِنْده اثْنَتَا عشرَة سَاعَة فَيعرض عَلَيْهِ أَعمالكُم بالْأَمْس أول النَّهَار وَالْيَوْم فَينْظر فِيهِ ثَلَاث سَاعَات فَيطلع مِنْهَا على مَا يكره فيغضبه ذَلِك وَأول من يعلم بغضبه الَّذين يحملون الْعَرْش وسرادقات الْعَرْش وَالْمَلَائِكَة المقربون وَسَائِر الْمَلَائِكَة وينفخ جِبْرِيل فِي الْقرن فَلَا يبْقى شَيْء إِلَّا سَمعه إِلَّا الثقلَيْن: الْجِنّ والإِنس فيسبحونه ثَلَاث سَاعَات حَتَّى يمتلىء الرَّحْمَن رَحْمَة فَتلك سِتّ سَاعَات ثمَّ يُؤْتى بِمَا فِي الْأَرْحَام فَينْظر فِيهَا ثَلَاث سَاعَات (هُوَ الَّذِي يصوركم فِي الْأَرْحَام كَيفَ يَشَاء لَا إِلَه إِلَّا هُوَ الْعَزِيز الْحَكِيم) (آل عمرَان 6) (يخلق مَا يَشَاء يهب لمن يَشَاء إِنَاثًا ويهب لمن يَشَاء الذُّكُور) (الشورى 49) حَتَّى بلغ (عليم) فَتلك تسع سَاعَات ثمَّ ينظر فِي أرزاق الْخلق كُله ثَلَاث سَاعَات (يبسط الرزق لمن يَشَاء وَيقدر إِنَّه بِكُل شَيْء عليم) (الرَّعْد 26) فَتلك اثْنَتَا عشرَة سَاعَة ثمَّ قَالَ: (كل يَوْم هُوَ فِي شَأْن) (الرَّحْمَن 29) فَهَذَا شَأْن ربكُم كل يَوْم
الْآيَات 13 - 14(7/339)
شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ (13) وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (14)
أخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {شرع لكم من الدّين مَا وصّى بِهِ نوحًا} : قَالَ: وصاك يَا مُحَمَّد وأنبياءه كلهم دينا وَاحِدًا(7/339)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة {شرع لكم من الدّين مَا وصّى بِهِ نوحًا} قَالَ: الْحَلَال وَالْحرَام
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة - رَضِي الله عَنهُ قَالَ: بعث نوح عَلَيْهِ السَّلَام حِين بعث بالشريعة بتحليل الْحَلَال وَتَحْرِيم الْحَرَام
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن زيد بن رفيع بَقِيَّة أهل الجزيرة قَالَ: بعث الله نوحًا عَلَيْهِ السَّلَام وَشرع لَهُ الدّين فَكَانَ النَّاس فِي شَرِيعَة نوح عَلَيْهِ السَّلَام مَا كَانُوا فَمَا أطفأها إِلَّا الزندقة ثمَّ بعث الله مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام وَشرع لَهُ الدّين فَكَانَ النَّاس فِي شَرِيعَة من بعد مُوسَى مَا كَانُوا فَمَا أطفأها إِلَّا الزندقة ثمَّ بعث الله عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام وَشرع لَهُ الدّين فَكَانَ النَّاس فِي شَرِيعَة عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام مَا كَانُوا فَمَا أطفأها إِلَّا الزندقة قَالَ: وَلَا يخَاف على هَلَاك هَذَا الدّين إِلَّا الزندقة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن الحكم قَالَ: {شرع لكم من الدّين مَا وصّى بِهِ نوحًا} قَالَ: جَاءَ نوح عَلَيْهِ السَّلَام بالشريعة بِتَحْرِيم الْأُمَّهَات وَالْأَخَوَات وَالْبَنَات
وَأخرج ابْن جرير عَن السّديّ - رَضِي الله عَنهُ {أَن أقِيمُوا الدّين} قَالَ: اعْمَلُوا بِهِ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة: {أَن أقِيمُوا الدّين وَلَا تتفرقوا فِيهِ}
قَالَ: تعلمُوا أَن الْفرْقَة هلكة وَأَن الْجَمَاعَة ثِقَة {كَبُرَ على الْمُشْركين مَا تدعوهم إِلَيْهِ}
قَالَ: استكبر الْمُشْركُونَ أَن قيل لَهُم: لَا إِلَه إِلَّا الله ضانها إِبْلِيس وَجُنُوده ليردوها فَأبى الله إِلَّا أَن يمضيها وينصرها ويظهرها على مَا ناوأها وَهِي كلمة من خَاصم بهَا فلج وَمن انتصر بهَا نصر
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد - رَضِي الله عَنهُ - {الله يجتبي إِلَيْهِ من يَشَاء} قَالَ: يخلص لنَفسِهِ من يَشَاء
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن سعيد بن جُبَير - رَضِي الله عَنهُ - {بغياً بَينهم} قَالَ: كثرت أَمْوَالهم فبغى بَعضهم على بعض
وَأخرج ابْن جرير عَن السّديّ فِي قَوْله {وَيهْدِي إِلَيْهِ من ينيب} قَالَ: من(7/340)
يقبل إِلَى طَاعَة الله وَفِي قَوْله {وَإِن الَّذين أورثوا الْكتاب من بعدهمْ} قَالَ: الْيَهُود وَالنَّصَارَى
وَأخرج عبد بن حميد عَن كَعْب - رَضِي الله عَنهُ {وَمَا تفَرقُوا إِلَّا من بعد مَا جَاءَهُم الْعلم بغياً بَينهم} قَالَ: فِي الدُّنْيَا
الْآيَات 15 - 16(7/341)
فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (15) وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ (16)
أخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة {وَأمرت لأعدل بَيْنكُم} قَالَ: أَمر نَبِي الله - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - ان يَعْدلَ فَعدل حَتَّى مَاتَ
وَالْعدْل ميزَان الله فِي الأَرْض بِهِ يَأْخُذ للمظلوم من الظَّالِم وللضعيف من الشَّديد وبالعدل يصدق الله الصَّادِق ويكذب الْكَاذِب وبالعدل يرد المعتدي ويوبخه
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله: {لَا حجَّة بَيْننَا وَبَيْنكُم} قَالَ: لَا خُصُومَة بَيْننَا وَبَيْنكُم
قَوْله تَعَالَى: {وَالَّذين يحاجون فِي الله}
أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - فِي قَوْله: {وَالَّذين يحاجون فِي الله من بعد مَا اسْتُجِيبَ لَهُ} قَالَ: هم أهل الْكتاب كَانُوا يجادلون الْمُسلمين ويصدونهم عَن الْهدى من بعد مَا اسْتَجَابُوا لله
وَقَالَ: هم قوم من أهل الضَّلَالَة وَكَانَ اسْتُجِيبَ على ضلالتهم وهم يتربصون بِأَن تأتيهم الْجَاهِلِيَّة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد - رَضِي الله عَنهُ - {وَالَّذين يحاجون فِي الله من بعد مَا اسْتُجِيبَ لَهُ} قَالَ: طمع رجال بِأَن تعود الْجَاهِلِيَّة(7/341)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {وَالَّذين يحاجون فِي الله} الْآيَة قَالَ: هم الْيَهُود وَالنَّصَارَى حاجوا الْمُسلمين فِي رَبهم فَقَالُوا: أنزل كتَابنَا قبل كتابكُمْ وَنَبِينَا قبل نَبِيكُم فَنحْن أولى بِاللَّه مِنْكُم فَأنْزل الله (من كَانَ يُرِيد حرث الْآخِرَة نزد لَهُ فِي حرثه وَمن كَانَ يُرِيد حرث الدُّنْيَا نؤته مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَة من نصيب) (آل عمرَان الْآيَة 6) وَأما قَوْله: {من بعد مَا اسْتُجِيبَ لَهُ} قَالَ: من بعد مَا اسْتَجَابَ الْمُسلمُونَ لله وصلوا لله
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن - رَضِي الله عَنهُ - {وَالَّذين يحاجون فِي الله من بعد مَا اسْتُجِيبَ لَهُ} الْآيَة قَالَ: قَالَ أهل الْكتاب لأَصْحَاب مُحَمَّد - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - نَحن أولى بِاللَّه مِنْكُم فَأنْزل الله {وَالَّذين يحاجون فِي الله من بعد مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حجتهم داحضة عِنْد رَبهم} يَعْنِي أهل الْكتاب
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: لما نزلت (إِذا جَاءَ نصر الله وَالْفَتْح) (النَّصْر الْآيَة 1) قَالَ الْمُشْركُونَ بِمَكَّة: لمن بَين أظهرهم من الْمُؤمنِينَ قد دخل النَّاس فِي الدّين الله أَفْوَاجًا فاخرجوا من بَين أظهرنَا فعلام تقيمون بَين أظهرنَا فَنزلت {وَالَّذين يحاجون فِي الله من بعد مَا اسْتُجِيبَ لَهُ} الْآيَة
الْآيَة 17(7/342)
اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ (17)
أخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد - رَضِي الله عَنهُ {الله الَّذِي أنزل الْكتاب بِالْحَقِّ وَالْمِيزَان} قَالَ: الْعدْل
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عمر - رَضِي الله عَنهُ - أَنه كَانَ وَاقِفًا بِعَرَفَة فَنظر إِلَى الشَّمْس حِين تدلت مثل الترس للغروب فَبكى وَاشْتَدَّ بكاؤه وتلا قَول الله تَعَالَى {الله الَّذِي أنزل الْكتاب بِالْحَقِّ وَالْمِيزَان} إِلَى {الْعَزِيز} فَقيل لَهُ فَقَالَ: ذكرت رَسُول الله - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَهُوَ وَاقِف بمكاني هَذَا فَقَالَ: أَيهَا النَّاس لم يبْق من دنياكم هَذِه فِيمَا مضى إِلَّا كَمَا بَقِي من يومكم هَذَا فِيمَا مضى(7/342)
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أنس بن مَالك - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: قد كَانَ الرجل منا يدْخل الْخَلَاء فَيحمل الاداوة من المَاء فَإِذا خرج تَوَضَّأ خشيَة من أَن تقوم السَّاعَة وَأَن يكون عِنْده الفصلة من الطَّعَام فَيَقُول لَا آكلها حَتَّى تقوم السَّاعَة
وَأخرج أَحْمد وهناد بن السّري وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه والضياء عَن جَابر بن سَمُرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: بعثت أَنا والساعة كهاتين
الْآيَات 18 - 19(7/343)
يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ أَلَا إِنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ (18) اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (19)
أخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن مَسْعُود - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: لَا تقوم السَّاعَة حَتَّى يتمناها المتمنون فَقيل لَهُ {يستعجل بهَا الَّذين لَا يُؤمنُونَ بهَا وَالَّذين آمنُوا مشفقون مِنْهَا} قَالَ: إِنَّمَا يتمنونها خشيَة على إِيمَانهم
الْآيَة 20(7/343)
مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ (20)
أخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {من كَانَ يُرِيد حرث الْآخِرَة} قَالَ: عَيْش الْآخِرَة {نزد لَهُ فِي حرثه} {وَمن كَانَ يُرِيد حرث الدُّنْيَا نؤته مِنْهَا} الْآيَة قَالَ: من يُؤثر دُنْيَاهُ على آخرته لم يَجْعَل لَهُ نَصِيبا فِي الْآخِرَة إِلَّا النَّار وَلم يَزْدَدْ بذلك من الدُّنْيَا شَيْئا إِلَّا رزقا قد فرغ مِنْهُ وَقسم لَهُ(7/343)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة {من كَانَ يُرِيد حرث الْآخِرَة} قَالَ: من كَانَ يُرِيد عَيْش الْآخِرَة نزد لَهُ فِي حرثه {وَمن كَانَ يُرِيد حرث الدُّنْيَا نؤته مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَة من نصيب} قَالَ: من يُؤثر دُنْيَاهُ على آخرته لم يَجْعَل الله لَهُ نَصِيبا فِي الْآخِرَة إِلَّا النَّار وَلم يَزْدَدْ بذلك من الدُّنْيَا شَيْئا إِلَّا رزقا قد فرغ مِنْهُ وَقسم لَهُ
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق قَتَادَة عَن أنس - رَضِي الله عَنهُ {وَمن كَانَ يُرِيد حرث الدُّنْيَا نؤته مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَة من نصيب} قَالَ: نزلت فِي الْيَهُود
وَأخرج أَحْمد وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَابْن حبَان عَن أبي بن كَعْب - رَضِي الله عَنهُ - أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: بشر هَذِه الْأمة بالسنا والرفعة والنصر والتمكين فِي الأَرْض مَا لم يطلبوا الدُّنْيَا بِعَمَل الْآخِرَة فَمن عمل مِنْهُم عمل الْآخِرَة للدنيا لم يكن لَهُ فِي الْآخِرَة من نصيب
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن أبي هُرَيْرَة - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: تَلا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {من كَانَ يُرِيد حرث الْآخِرَة نزد لَهُ فِي حرثه} الْآيَة
ثمَّ قَالَ: يَقُول الله: ابْن آدم تفرغ لعبادتي أملأ صدرك غنى وَأسد فقرك وَإِلَّا تفعل مَلَأت صدرك شغلا وَلم أَسد فقرك
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عمر - رَضِي الله عَنْهُمَا - مَرْفُوعا: من جعل الْهم هما وَاحِدًا كَفاهُ الله هم دُنْيَاهُ وَمن تشعبته الهموم لم يبالِ الله فِي أَي أَوديَة الدُّنْيَا هلك
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَابْن عَسَاكِر عَن عَليّ - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: الْحَرْث حرثان فحرث الدُّنْيَا المَال والبنون وحرث الْآخِرَة الْبَاقِيَات الصَّالِحَات
وَأخرج ابْن الْمُبَارك عَن مرّة - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: ذكر عِنْد عبد الله بن مَسْعُود - رَضِي الله عَنهُ - قوم قتلوا فِي سَبِيل الله فَقَالَ: إِنَّه لَيْسَ على مَا تذهبون وترون إِنَّه إِذا التقى الزحقان نزلت الْمَلَائِكَة فَكتبت النَّاس على مَنَازِلهمْ فلَان يُقَاتل للدنيا وَفُلَان يُقَاتل للْملك وَفُلَان يُقَاتل للذّكر وَنَحْو هَذَا وَفُلَان يُقَاتل يُرِيد وَجه الله فَمن قتل يُرِيد وَجه الله فَذَلِك فِي الْجنَّة
وَأخرج ابْن النجار فِي تَارِيخه عَن رزين بن حُصَيْن - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: قَرَأت الْقُرْآن من أَوله إِلَى آخِره على عَليّ بن أبي طَالب - رَضِي الله عَنهُ - فَلَمَّا بلغت الحواميم قَالَ لي: قد بلغت عرائس الْقُرْآن فَلَمَّا بلغت اثْنَتَيْنِ وَعشْرين آيَة من {حم عسق} بَكَى ثمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك اخبات المخبتين وخلاص الموقنين ومرافقة الْأَبْرَار وَاسْتِحْقَاق حقائق الإِيمان وَالْغنيمَة من كل بر والسلامة من كل إِثْم ورجوت رحمتك والفوز بِالْجنَّةِ والنجاة من النَّار ثمَّ قَالَ: يَا(7/344)
رزين إِذْ ختمت فَادع بِهَذِهِ فَإِن رَسُول الله - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَمرنِي أَن أَدْعُو بِهن عِنْد ختم الْقُرْآن
الْآيَات 21 - 26(7/345)
أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (21) تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (22) ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ (23) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَإِنْ يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (24) وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ (25) وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَالْكَافِرُونَ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ (26)
أخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {وَلَوْلَا كلمة الْفَصْل} قَالَ: يَوْم الْقِيَامَة أخروا إِلَيْهِ وَفِي قَوْله {روضات الجنات} قَالَ: الْمَكَان الْمُوفق
أما قَوْله تَعَالَى: {لَهُم مَا يشاؤون}
أخرج ابْن جرير عَن أبي ظَبْيَة - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: إِن السرب من أهل الْجنَّة لتظلهم السحابة فَتَقول مَا أمطركم قَالَ: فَمَا يَدْعُو دَاع من الْقَوْم بِشَيْء إِلَّا أمطرتهم حَتَّى أَن الْقَائِل مِنْهُم ليقول: أمطرينا كواعب أَتْرَابًا
وَأخرج أَحْمد وَعبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه(7/345)
من طَرِيق طَاوس عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - أَنه سُئِلَ عَن قَوْله {إِلَّا الْمَوَدَّة فِي الْقُرْبَى} فَقَالَ سعيد بن جُبَير: - رَضِي الله عَنهُ - قربى آل مُحَمَّد فَقَالَ ابْن عَبَّاس: - رَضِي الله عَنْهُمَا - عجلت أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يكن بطن من قُرَيْش إِلَّا كَانَ لَهُ فيهم قرَابَة فَقَالَ: إِلَّا أَن تصلوا مَا بيني وَبَيْنكُم من الْقَرَابَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - قَالَ: قَالَ لَهُم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا أَسأَلكُم عَلَيْهِ أجرا إِلَّا أَن تودوني فِي نَفسِي لقرابتي مِنْكُم وتحفظوا الْقَرَابَة الَّتِي بيني وَبَيْنكُم
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن سعد وَعبد بن حميد وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن الشّعبِيّ - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: أَكثر النَّاس علينا فِي هَذِه الْآيَة {قل لَا أَسأَلكُم عَلَيْهِ أجرا إِلَّا الْمَوَدَّة فِي الْقُرْبَى} فكتبنا إِلَى ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنهُ - نَسْأَلهُ فَكتب ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا - أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ وَاسِط النّسَب فِي قُرَيْش لَيْسَ بطن من بطونهم إِلَّا وَقد ولدوه فَقَالَ الله {قل لَا أَسأَلكُم عَلَيْهِ أجرا} على مَا أدعوكم إِلَيْهِ {إِلَّا الْمَوَدَّة فِي الْقُرْبَى} تودوني لقرابتي مِنْكُم وتحفظوني بهَا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ من طَرِيق عَليّ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {إِلَّا الْمَوَدَّة فِي الْقُرْبَى} قَالَ: كَانَ لرَسُول الله - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - قرَابَة من جَمِيع قُرَيْش فَلَمَّا كذبوه وأبوا أَن يبايعوه قَالَ: يَا قوم إِذا أَبَيْتُم أَن تُبَايِعُونِي فاحفظوا قَرَابَتي فِيكُم وَلَا يكون غَيْركُمْ من الْعَرَب أولى بحفظي ونصرتي مِنْكُم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق الضَّحَّاك عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - قَالَ: نزلت هَذِه الْآيَة بِمَكَّة
وَكَانَ الْمُشْركُونَ يُؤْذونَ رَسُول الله - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأنْزل الله تَعَالَى: {قل} لَهُم يَا مُحَمَّد {لَا أَسأَلكُم عَلَيْهِ} يَعْنِي على مَا أدعوكم إِلَيْهِ {أجرا} عوضا من الدُّنْيَا {إِلَّا الْمَوَدَّة فِي الْقُرْبَى} إِلَّا الْحِفْظ لي فِي قَرَابَتي فِيكُم قَالَ: الْمَوَدَّة إِنَّمَا هِيَ لرَسُول الله - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي قرَابَته فَلَمَّا هَاجر إِلَى الْمَدِينَة أحب أَن يلْحقهُ بإخوته من الْأَنْبِيَاء - عَلَيْهِم السَّلَام - فَقَالَ: {لَا أَسأَلكُم عَلَيْهِ أجرا} فَهُوَ لكم (إِن أجري إِلَّا على الله) يَعْنِي ثَوَابه وكرامته فِي الْآخِرَة كَمَا قَالَ: نوح عَلَيْهِ السَّلَام(7/346)
(وَمَا أَسأَلكُم عَلَيْهِ من أجر إِن أجري إِلَّا على رب الْعَالمين) (الشُّعَرَاء الْآيَة 109) وكما قَالَ هود وَصَالح وَشُعَيْب: لم يستثنوا أجرا كَمَا اسْتثْنى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَرده عَلَيْهِم
وَهِي مَنْسُوخَة
وَأخرج أَحْمد وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق مُجَاهِد - رَضِي الله عَنهُ عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْآيَة {قل لَا أَسأَلكُم} على مَا أتيتكم بِهِ من الْبَينَات وَالْهدى {أجرا} إِلَّا أَن تودوا الله وَأَن تتقربوا إِلَيْهِ بِطَاعَتِهِ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله: {قل لَا أَسأَلكُم عَلَيْهِ أجرا إِلَّا الْمَوَدَّة فِي الْقُرْبَى} قَالَ: أَن تتبعوني وتصدقوني وتصلوا رحمي
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق الْعَوْفِيّ عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - فِي الْآيَة قَالَ: إِن مُحَمَّدًا قَالَ: لقريش: لَا أَسأَلكُم من أَمْوَالكُم شَيْئا وَلَكِن أَسأَلكُم أَن تودوني لقرابة مَا بيني وَبَيْنكُم فَإِنَّكُم قومِي وأحق من أَطَاعَنِي وأجابني
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق ابْن الْمُبَارك عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {إِلَّا الْمَوَدَّة فِي الْقُرْبَى} قَالَ: تحفظوني فِي قَرَابَتي
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - فِي الْآيَة - قَالَ: إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يكن فِي قُرَيْش بطن إِلَّا وَله فيهم أم حَتَّى كَانَت لَهُ من هُذَيْل أم فَقَالَ الله: {قل لَا أَسأَلكُم عَلَيْهِ أجرا} إِلَّا أَن تحفظوني فِي قَرَابَتي إِن كذبتموني فَلَا تؤذوني
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق مقسم عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - قَالَ: قَالَت الْأَنْصَار: فعلنَا وَفعلنَا وَكَأَنَّهُم فَخَروا فَقَالَ ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - لنا الْفضل عَلَيْكُم فَبلغ ذَلِك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَتَاهُم فِي مجَالِسهمْ فَقَالَ يَا معشر الْأَنْصَار ألم تَكُونُوا أَذِلَّة فَأَعَزكُم الله قَالُوا: بلَى يَا رَسُول الله قَالَ: أَفلا تُجِيبُونِي قَالُوا: مَا تَقول يَا رَسُول الله قَالَ: أَلا تَقولُونَ: ألم يخْرجك قَوْمك فَآوَيْنَاك أَو لم يُكذِّبُوك فَصَدَّقْنَاك أَو لم يَخْذُلُوك(7/347)
فَنَصَرْنَاك فَمَا زَالَ يَقُول: حَتَّى جثوا على الركب وَقَالُوا: أَمْوَالنَا وَمَا فِي أَيْدِينَا لله وَرَسُوله فَنزلت {قل لَا أَسأَلكُم عَلَيْهِ أجرا إِلَّا الْمَوَدَّة فِي الْقُرْبَى}
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَابْن مرْدَوَيْه بِسَنَد ضَعِيف من طَرِيق سعيد بن جُبَير قَالَ: قَالَت الْأَنْصَار فِيمَا بَينهم: لَوْلَا جَمعنَا لرَسُول الله - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - مَالا يبسط يَده لَا يحول بَينه وَبَينه أحد فَقَالُوا: يَا رَسُول الله إِنَّا أردنَا أَن نجمع لَك من أَمْوَالنَا فَأنْزل الله: {قل لَا أَسأَلكُم عَلَيْهِ أجرا إِلَّا الْمَوَدَّة فِي الْقُرْبَى} فَخَرجُوا مُخْتَلفين فَقَالُوا: لمن ترَوْنَ مَا قَالَ رَسُول الله - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ: بَعضهم إِنَّمَا قَالَ هَذَا لنقاتل عَن أهل بَيته وننصرهم
فَأنْزل الله: {أم يَقُولُونَ افترى على الله كذبا} إِلَى قَوْله {وَهُوَ الَّذِي يقبل التَّوْبَة عَن عباده} فَعرض لَهُم بِالتَّوْبَةِ إِلَى قَوْله: {ويستجيب الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات ويزيدهم من فَضله} هم الَّذين قَالُوا هَذَا: أَن يتوبوا إِلَى الله ويستغفرونه
وَأخرج أَبُو نعيم والديلمي من طَرِيق مُجَاهِد عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {لَا أَسأَلكُم عَلَيْهِ أجرا إِلَّا الْمَوَدَّة فِي الْقُرْبَى} أَن تحفظوني فِي أهل بَيْتِي وتودّوهم بِي
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه بِسَنَد ضَعِيف من طَرِيق سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لما نزلت هَذِه الْآيَة {قل لَا أَسأَلكُم عَلَيْهِ أجرا إِلَّا الْمَوَدَّة فِي الْقُرْبَى} قَالُوا: يَا رَسُول الله من قرابتك هَؤُلَاءِ الَّذين وَجَبت مَوَدَّتهمْ قَالَ: عَليّ وَفَاطِمَة وولداها
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور عَن سعيد بن جُبَير {إِلَّا الْمَوَدَّة فِي الْقُرْبَى} قَالَ: قربى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج ابْن جرير عَن أبي الديلم قَالَ: لما جِيءَ بعلي بن الْحُسَيْن - رَضِي الله عَنهُ - أَسِيرًا فأقيم على درج دمشق قَامَ رجل من أهل الشَّام فَقَالَ: الْحَمد لله الَّذِي قتلكم واستأصلكم فَقَالَ لَهُ عَليّ بن الْحُسَيْن - رَضِي الله عَنهُ: أَقرَأت الْقُرْآن قَالَ: نعم
قَالَ: أَقرَأت آل حم لَا
قَالَ: أما قَرَأت {قل لَا أَسأَلكُم عَلَيْهِ أجرا إِلَّا الْمَوَدَّة فِي الْقُرْبَى} قَالَ: فَإِنَّكُم لَأَنْتُم هم قَالَ: نعم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس {وَمن يقترف حَسَنَة} قَالَ: الْمَوَدَّة لآل مُحَمَّد(7/348)
وَأخرج أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَالنَّسَائِيّ وَالْحَاكِم عَن الْمطلب بن ربيعَة - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: دخل الْعَبَّاس على رَسُول الله - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ: إِنَّا لنخرج فنرى قُريْشًا تحدث فَإِذا رأونا سكتوا فَغَضب رَسُول الله - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - ودر عرق بَين عَيْنَيْهِ ثمَّ قَالَ: وَالله لَا يدْخل قلب امرىء مُسلم إِيمَان حَتَّى يحبكم لله ولقرابتي
وَأخرج مُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ عَن زيد بن أَرقم: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: أذكركم الله فِي أهل بَيْتِي
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَحسنه وَابْن الْأَنْبَارِي فِي الْمَصَاحِف عَن زيد بن أَرقم - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِنِّي تَارِك فِيكُم مَا إِن تمسكتم بِهِ لن تضلوا بعدِي أَحدهمَا أعظم من الآخر كتاب الله حَبل مَمْدُود من السَّمَاء إِلَى الأَرْض وعترتي أهل بَيْتِي وَلنْ يَتَفَرَّقَا حَتَّى يردا عليّ الْحَوْض فانظروا كَيفَ تخلفوني فيهمَا
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَحسنه وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَحبُّوا الله لما يغذوكم بِهِ من نعمه وأحبوني لحب الله وأحبوا أهل بَيْتِي لحبي
وَأخرج البُخَارِيّ عَن أبي بكر الصّديق - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: ارقبوا مُحَمَّدًا - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي أهل بَيته
وَأخرج ابْن عدي عَن أبي سعيد قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من أبغضنا أهل الْبَيْت فَهُوَ مُنَافِق
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن الْحسن بن عَليّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا يبغضنا أحد وَلَا يحسدنا أحد إِلَّا ذيد يَوْم الْقِيَامَة بسياط من نَار
وَأخرج أَحْمد وَابْن حبَان وَالْحَاكِم عَن أبي سعيد قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لَا يبغضنا أهل الْبَيْت رجل إِلَّا أدخلهُ الله النَّار
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ والخطيب من طَرِيق أبي الضُّحَى عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: جَاءَ الْعَبَّاس إِلَى رَسُول الله - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ: إِنَّك قد تركت فِينَا ضغائن مُنْذُ صنعت الَّذِي صنعت فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا يبلغُوا الْخَيْر أَو الإِيمان حَتَّى يحبوكم(7/349)
وَأخرج الْخَطِيب من طَرِيق أبي الضُّحَى عَن مَسْرُوق عَن عَائِشَة - رَضِي الله عَنْهَا - قَالَت: أَتَى الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب رَسُول الله - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ: يَا رَسُول الله إِنَّا لنعرف الضغائن فِي أنَاس من قَومنَا من وقائع أوقعناها فَقَالَ: أما وَالله إِنَّهُم لن يبلغُوا خيرا حَتَّى يحبوكم لقرابتي ترجو سليم شَفَاعَتِي وَلَا يرجوها بَنو عبد الْمطلب
وَأخرج ابْن النجار فِي تَارِيخه عَن الْحسن بن عَليّ - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لكل شَيْء أساس وأساس الإِسلام حب أَصْحَاب رَسُول الله - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَحب أهل بَيته
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله: {قل لَا أَسأَلكُم عَلَيْهِ أجرا إِلَّا الْمَوَدَّة فِي الْقُرْبَى} قَالَ: مَا كَانَ النَّبِي - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - يسألهم على هَذَا الْقُرْآن أجرا وَلكنه أَمرهم أَن يتقربوا إِلَى الله بِطَاعَتِهِ وَحب كِتَابه
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن الْحسن - رَضِي الله عَنهُ - فِي الْآيَة قَالَ: كل من تقرب إِلَى الله بِطَاعَتِهِ وَجَبت عَلَيْهِ محبته
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن فِي قَوْله: {إِلَّا الْمَوَدَّة فِي الْقُرْبَى} قَالَ: إِلَّا التَّقَرُّب إِلَى الله بِالْعَمَلِ الصَّالح
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة فِي الْآيَة قَالَ: كن لَهُ عشر أُمَّهَات فِي المشركات وَكَانَ إِذا مر بهم أذوه فِي تنقيصهن وشتمهن فَهُوَ قَوْله: {إِلَّا الْمَوَدَّة فِي الْقُرْبَى} يَقُول: لَا تؤذوني فِي قَرَابَتي
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله: {إِن الله غَفُور شكور} قَالَ: غَفُور للذنوب شكور للحسنات يُضَاعِفهَا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {فَإِن يشإ الله يخْتم على قَلْبك} قَالَ: إِن يشإ الله أنساك مَا قد آتاك وَالله تَعَالَى أعلم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر عَن الزُّهْرِيّ فِي قَوْله: {وَهُوَ الَّذِي يقبل التَّوْبَة عَن عباده} أَن أَبَا هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: الله أَشد فَرحا بتوبة عَبده من أحدكُم يجد ضالته فِي الْمَكَان الَّذِي يخَاف أَن يقْتله فِيهِ الْعَطش(7/350)
وَأخرج مُسلم وَالتِّرْمِذِيّ عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لله أفرح بتوبة أحدكُم من أحدكُم بضالته إِذا وجدهَا
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لله أفرح بتوبة العَبْد من رجل نزل منزلا مهلكة وَمَعَهُ رَاحِلَته عَلَيْهَا طَعَامه وَشَرَابه فَوضع رَأسه فَنَامَ نومَة فَاسْتَيْقَظَ وَقد ذهبت رَاحِلَته فطلبها حَتَّى إِذا اشْتَدَّ عَلَيْهِ الْعَطش وَالْحر قَالَ: ارْجع إِلَى مَكَاني الَّذِي كنت فِيهِ فأنام حَتَّى أَمُوت فَرجع فَنَامَ نومَة ثمَّ رفع رَأسه فَإِذا رَاحِلَته عِنْده عَلَيْهِ زَاده وَطَعَامه وَشَرَابه فَالله أَشد فَرحا بتوبة العَبْد الْمُؤمن من هَذَا براحلته وزاده
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَسَعِيد بن مَنْصُور وَابْن سعد وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ أَنه سُئِلَ عَن الرجل يفجر بِالْمَرْأَةِ ثمَّ يتزوّجها قَالَ: لَا بَأْس بِهِ ثمَّ قَرَأَ {وَهُوَ الَّذِي يقبل التَّوْبَة عَن عباده}
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن عتبَة بن الْوَلِيد حَدثنِي بعض الرهاويين قَالَ: سمع جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام خَلِيل الرَّحْمَن إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام وَهُوَ يَقُول: يَا كريم الْعَفو فَقَالَ: لَهُ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام وَتَدْرِي مَا كريم الْعَفو قَالَ: لَا يَا جِبْرِيل
قَالَ: ان يعْفُو عَن السَّيئَة ويكتبها حَسَنَة
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَالطَّبَرَانِيّ عَن الْأَخْنَس قَالَ: امترينا فِي قِرَاءَة هَذَا الْحَرْف: وَيعلم مَا يَفْعَلُونَ أَو تَفْعَلُونَ فأتينا ابْن مَسْعُود فَقَالَ: تَفْعَلُونَ
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَلْقَمَة رَضِي الله عَنهُ أَنه قَرَأَ فِي {حم عسق} {وَيعلم مَا تَفْعَلُونَ} بِالتَّاءِ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن سَلمَة بن سُبْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: خَطَبنَا معَاذ رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ: أَنْتُم الْمُؤْمِنُونَ وَأَنْتُم أهل الْجنَّة وَالله إِنِّي لأطمع أَن يكون عَامَّة من تنصبون بِفَارِس وَالروم فِي الْجنَّة فَإِن أحدهم يعْمل الْخَيْر فَيَقُول أَحْسَنت بَارك الله فِيك أَحْسَنت رَحِمك الله وَالله يَقُول: {ويستجيب الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات ويزيدهم من فَضله}
وَأخرج ابْن جرير من طَرِيق قَتَادَة عَن أبي إِبْرَاهِيم اللَّخْمِيّ فِي قَوْله: {ويزيدهم من فَضله} قَالَ يشفعون فِي إخْوَان اخوانهم(7/351)
الْآيَة 27(7/352)
وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ (27)
أخرج ابْن الْمُنْذر وَسَعِيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان بِسَنَد صَحِيح عَن أبي هانىء الْخَولَانِيّ قَالَ: سَمِعت عَمْرو بن حُرَيْث وَغَيره يَقُولُونَ: إِنَّمَا أنزلت هَذِه الْآيَة فِي أَصْحَاب الصّفة
{وَلَو بسط الله الرزق لِعِبَادِهِ لبغوا فِي الأَرْض} وَذَلِكَ أَنهم قَالُوا: لَو أَن لنا فتمنوا الدُّنْيَا
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِنَّمَا أنزلت هَذِه الْآيَة فِي أَصْحَاب الصّفة {وَلَو بسط الله الرزق لِعِبَادِهِ لبغوا فِي الأَرْض} وَذَلِكَ أَنهم قَالُوا: لَو أَن لنا فتمنوا الدُّنْيَا
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة فِي الْآيَة قَالَ: يُقَال خير الرزق مَا لَا يُطْغِيك وَلَا يُلْهِيك
قَالَ: ذكر لنا أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: أخوف مَا أَخَاف على أمتِي زهرَة الدُّنْيَا وزخرفها فَقَالَ لَهُ قَائِل: يَا نَبِي الله هَل يَأْتِي الْخَيْر بِالشَّرِّ فَأنْزل الله عَلَيْهِ عِنْد ذَلِك {وَلَو بسط الله الرزق لِعِبَادِهِ لبغوا فِي الأَرْض} وَكَانَ إِذا نزل عَلَيْهِ كُرْبُ لذَلِك وتَرَبَّدَ وَجهه حَتَّى إِذا سري عَنهُ
قَالَ: هَل يَأْتِي الْخَيْر بِالشَّرِّ يَقُولهَا ثَلَاثًا إِن الْخَيْر لَا يَأْتِي إِلَّا بِالْخَيرِ وَلكنه وَالله مَا كَانَ ربيع قطّ إِلَّا أحبط أَو ألم فاما عبد أعطَاهُ الله مَالا فَوَضعه فِي سَبِيل الله الَّتِي افْترض وارتضى فَذَلِك عبد أُرِيد بِهِ خير وعزم لَهُ على الْخَيْر وَأما عبد أعطَاهُ الله مَالا فَوَضعه فِي شهواته ولذاته وَعدل عَن حق الله عَلَيْهِ فَذَلِك عبد أُرِيد بِهِ شَرّ وعزم لَهُ على شَرّ
وَأخرج أَحْمد وَالطَّيَالِسِي وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالنَّسَائِيّ وَأَبُو يعلى وَابْن حبَان عَن أبي سعيد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ان أخوف مَا أَخَاف عَلَيْكُم مَا يخرج الله لكم من زهرَة الدُّنْيَا وَزينتهَا فَقَالَ لَهُ رجل: يَا رَسُول الله أويأتي الْخَيْر بِالشَّرِّ فَسكت عَنهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَرَأَيْنَا أَنه ينزل عَلَيْهِ فَقيل لَهُ: مَا شَأْنك تكلم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا يكلمك فَسرِّي عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَجعل يمسح عَنهُ الرحضاء فَقَالَ: أَيْن السَّائِل فَرَأَيْنَا أَنه حَمده فَقَالَ: إِن الْخَيْر لَا يَأْتِي بِالشَّرِّ وَإِن مِمَّا ينْبت الرّبيع يقتل حَبطًا أَو يلم الا آكِلَة الْخضر فَإِنَّهَا أكلت حَتَّى امْتَلَأت(7/352)
خاصرتاها فاستقبلت عين الشَّمْس فثلطت وبالت ثمَّ رتعت وان المَال حلوة خضرَة وَنعم صَاحبهَا الْمُسلم هُوَ ان وصل الرَّحِم وَأنْفق فِي سَبِيل الله وَمثل الَّذِي يَأْخُذهُ بِغَيْر حَقه كَمثل الَّذِي يَأْكُل وَلَا يشْبع وَيكون عَلَيْهِ شَهِيدا يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة {وَلَو بسط الله الرزق لِعِبَادِهِ لبغوا فِي الأَرْض} قَالَ: كَانَ يُقَال خير الْعَيْش مَا لَا يُطْغِيك وَلَا يُلْهِيك
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب الْأَوْلِيَاء والحكيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية وَابْن عَسَاكِر فِي تَارِيخه عَن أنس رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن جِبْرِيل عَن الله عز وَجل قَالَ: يَقُول الله عز وَجل: من أهان لي وليا فقد بارزني بالمحاربة وَإِنِّي لأغضب لأوليائي كَمَا يغْضب اللَّيْث الحرود وَمَا تقرب إِلَيّ عَبدِي الْمُؤمن بِمثل أَدَاء مَا افترضت عَلَيْهِ وَمَا يزَال عَبدِي الْمُؤمن يتَقرَّب إليَّ بالنوافل حَتَّى أحبه فَإِذا أحببته كنت لَهُ سمعا وبصراً ويداً ومؤيداً إِن دَعَاني أَجَبْته وَإِن سَأَلَني أَعْطيته وَمَا ترددت فِي شَيْء أَنا فَاعله ترددي فِي قبض روح عَبدِي الْمُؤمن يكره الْمَوْت وأكره مساءته وَلَا بُد لَهُ مِنْهُ وَإِن من عبَادي الْمُؤمنِينَ لمن يسألني الْبَاب من الْعِبَادَة فأكفه عَنهُ أَن لَا يدْخلهُ عجب فيفسده ذَلِك وَإِن من عبَادي الْمُؤمنِينَ لمن لَا يصلح إيمَانه إِلَّا الصِّحَّة وَلَو أسقمته لأفسده ذَلِك وَإِن من عبَادي الْمُؤمنِينَ لمن لَا يصلح إيمَانه إِلَّا السقم وَلَو أصححته لأفسده ذَلِك إِنِّي أدبر أَمر عبَادي بعلمي بقلوبهم إِنِّي عليم خَبِير
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَلَو بسط الله الرزق لِعِبَادِهِ لبغوا} قَالَ: الْمَطَر
الْآيَات 28 - 29(7/353)
وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ (28) وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ (29)
أخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة قَالَ: ذكر لنا أَن رجلا قَالَ لعمر رَضِي الله عَنهُ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ قحط الْمَطَر وَقَنطَ النَّاس فَقَالَ عمر: مطرتم إِذا ثمَّ قَرَأَ {وَهُوَ الَّذِي ينزل الْغَيْث من بعد مَا قَنطُوا}(7/353)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {من بعد مَا قَنطُوا} قَالَ: يئسوا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ثَابت رَضِي الله عَنهُ قَالَ: بلغنَا أَنه يُسْتَجَاب الدُّعَاء عِنْد الْمَطَر ثمَّ تَلا هَذِه الْآيَة {وَهُوَ الَّذِي ينزل الْغَيْث من بعد مَا قَنطُوا}
وَأخرج الْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن سهل بن سعد رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: ثِنْتَانِ مَا تردان: الدُّعَاء عِنْد النداء وَتَحْت الْمَطَر
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي أُمَامَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: تفتح أَبْوَاب السَّمَاء ويستجاب الدُّعَاء فِي أَرْبَعَة مَوَاطِن: عِنْد التقاء الصُّفُوف فِي سَبِيل الله وَعند نزُول الْغَيْث وَعند إِقَامَة الصَّلَاة وَعند رُؤْيَة الْكَعْبَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وَمَا بَث فيهمَا من دَابَّة} قَالَ: النَّاس وَالْمَلَائِكَة
وَالله أعلم
الْآيَات 30 - 31(7/354)
وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ (30) وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (31)
أخرج أَحْمد وَابْن رَاهَوَيْه وَابْن منيع وَعبد بن حميد والحكيم وَالتِّرْمِذِيّ وَأَبُو يعلى وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْحَاكِم عَن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أَلا أخْبركُم بِأَفْضَل آيَة فِي كتاب الله حَدثنَا بهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وَمَا أَصَابَكُم من مُصِيبَة فبمَا كسبت أَيْدِيكُم وَيَعْفُو عَن كثير} وسأفسرها لَك يَا عَليّ مَا أَصَابَك من مرض أَو عُقُوبَة أَو بلَاء فِي الدُّنْيَا فبمَا كسبت أَيْدِيكُم وَالله أكْرم من أَن يثني عَلَيْكُم الْعقُوبَة فِي الْآخِرَة وَمَا عَفا الله عَنهُ فِي الدُّنْيَا فَالله أكْرم من أَن يعود بعد عَفوه
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وهناد وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن الْبَصْرِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما نزلت هَذِه الْآيَة {وَمَا أَصَابَكُم من مُصِيبَة فبمَا كسبت أَيْدِيكُم} قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ مَا من خدش عود وَلَا اخْتِلَاج عرق وَلَا نكبة حجر وَلَا عَثْرَة قدم إِلَّا بذنب وَمَا يعْفُو الله عَنهُ أَكثر(7/354)
وَأخرج عبد بن حميد وَالتِّرْمِذِيّ عَن أبي مُوسَى رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَا يُصِيب عبدا نكبة فَمَا فَوْقهَا أَو دونهَا إِلَّا بذنب وَمَا يعْفُو الله عَنهُ أَكثر وَقَرَأَ {وَمَا أَصَابَكُم من مُصِيبَة فبمَا كسبت أَيْدِيكُم وَيَعْفُو عَن كثير}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي الْكَفَّارَات وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن عمرَان بن حُصَيْن رَضِي الله عَنهُ أَنه دخل عَلَيْهِ بعض أَصْحَابه وَكَانَ قد ابْتُلِيَ فِي جسده فَقَالَ انا لنبأس لَك لما نرى فِيك قَالَ: فَلَا تبتئس لما ترى وَهُوَ بذنب وَمَا يعْفُو الله عَنهُ أَكثر ثمَّ تَلا {وَمَا أَصَابَكُم من مُصِيبَة فبمَا كسبت أَيْدِيكُم وَيَعْفُو عَن كثير}
وَأخرج ابْن الْمُبَارك وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن الضَّحَّاك قَالَ: مَا تعلم أحد الْقُرْآن ثمَّ نَسيَه إِلَّا بذنب يحدثه ثمَّ قَرَأَ هَذِه الْآيَة {وَمَا أَصَابَكُم من مُصِيبَة فبمَا كسبت أَيْدِيكُم} وَقَالَ: وَأي مُصِيبَة أعظم من نِسْيَان الْقُرْآن
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن الْعَلَاء بن بدر رَضِي الله عَنهُ أَن رجلا سَأَلَهُ عَن هَذِه الْآيَة وَقَالَ: قد ذهب بَصرِي وَأَنا غُلَام صَغِير
قَالَ: ذَلِك بذنوب والديك
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {وَمَا أَصَابَكُم من مُصِيبَة} الْآيَة
قَالَ: ذكر لنا أَن نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَقُول: لَا يُصِيب ابْن آدم خدش عود وَلَا اخْتِلَاج عرق إِلَّا بذنب وَمَا يعْفُو الله عَنهُ أَكثر
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن الْبَراء رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا عَثْرَة قدم وَلَا اخْتِلَاج عرق وَلَا خدش عود إِلَّا بِمَا قدمت أَيْدِيكُم وَمَا يعْفُو الله عَنهُ أَكثر
وَأخرج ابْن سعد عَن ابْن أبي مليكَة رَضِي الله عَنهُ - أَن أَسمَاء بنت أبي بكر الصّديق رَضِي الله عَنْهُمَا - كَانَت تصدع فتضع يَدهَا على رَأسهَا وَتقول بذنبي وَمَا يغفره الله أَكثر
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وَمَا أَصَابَكُم من مُصِيبَة فبمَا كسبت أَيْدِيكُم} قَالَ: الْحُدُود(7/355)
الْآيَات 32 - 37(7/356)
وَمِنْ آيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ (32) إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (33) أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ (34) وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِنَا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ (35) فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (36) وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ (37)
أخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وَمن آيَاته الْجوَار فِي الْبَحْر} قَالَ: السفن {كالأعلام} قَالَ: كالجبال
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ - فِي الْآيَة قَالَ: سفن هَذَا الْبَحْر تجْرِي بِالرِّيحِ فَإِذا مسكت عَنْهَا الرّيح ركدت
وَأخرج ابْن الْمُنْذر من طَرِيق عَطاء عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا - فِي قَوْله: {فيظللن رواكد على ظَهره} قَالَ: لَا يتحركن وَلَا يجرين فِي الْبَحْر
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا - {رواكد} قَالَ: وقوفاً {أَو يوبقهن} قَالَ: يهلكهن
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الضَّحَّاك: {أَو يوبقهن} قَالَ: يغرقهن
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {أَو يوبقهن} قَالَ: يهلكهن
وَأخرج ابْن جرير عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ {مَا لَهُم من محيص} من ملْجأ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة: {أَو يوبقهن بِمَا كسبوا} قَالَ: بذنوب أَهلهَا
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن أبي ظبْيَان قَالَ: كُنَّا نعرض الْمَصَاحِف عِنْد عَلْقَمَة - رَضِي الله عَنهُ فَقَرَأَ هَذِه الْآيَة: {إِن فِي ذَلِك لآيَات لكل صبار شكور} فَقَالَ: قَالَ عبد الله: الصَّبْر نصف الإِيمان(7/356)
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور عَن الشّعبِيّ رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: الشُّكْر نصف الإِيمان وَالصَّبْر نصف الإِيمان وَالْيَقِين الإِيمان كُله
وَقَرَأَ {إِن فِي ذَلِك لآيَات لكل صبار شكور} و {آيَات للموقنين}
الْآيَة 38(7/357)
وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (38)
أخرج عبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ فِي الْأَدَب وَابْن الْمُنْذر عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: مَا تشَاور قوم قطّ إِلَّا هُدُوا وأرشد أَمرهم ثمَّ تَلا {وَأمرهمْ شُورَى بَينهم}
وَأخرج الْخَطِيب فِي رُوَاة مَالك عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قلت: يَا رَسُول الله: الْأَمر ينزل بِنَا بعْدك لم ينزل فِيهِ قُرْآن وَلم يسمع مِنْك فِيهِ شَيْء قَالَ: اجْمَعُوا لَهُ العابد من أمتِي واجعلوه بَيْنكُم شُورَى وَلَا تقضوه بِرَأْي وَاحِد
وَأخرج الْخَطِيب فِي رُوَاة مَالك عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ - مَرْفُوعا اسْتَرْشِدوا الْعَاقِل ترشدوا وَلَا تعصوه فتندموا
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: من أَرَادَ أمرا فَشَاور فِيهِ وَقضى اهْتَدَى لأَرْشَد الْأُمُور
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن يحيى بن أبي كثير رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: قَالَ سُلَيْمَان بن دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام لِابْنِهِ: يَا بني عَلَيْك بخشية الله فَإِنَّهَا غَايَة كل شَيْء
يَا بني لَا تقطع أمرا حَتَّى تؤامر مرشداً فَإنَّك إِذا فعلت ذَلِك رشدت عَلَيْهِ يَا بني عَلَيْك بالحبيب الأول فَإِن الاخير لَا يعدله
الْآيَة 39(7/357)
وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (39)
أخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله: {وَالَّذين إِذا أَصَابَهُم الْبَغي هم ينتصرون} قَالَ: كَانُوا يكْرهُونَ للْمُؤْمِنين أَن يستذلوا وَكَانُوا إِذا قدرُوا عَفَوْا(7/357)
وَأخرج عبد بن حميد عَن مَنْصُور قَالَ: سَأَلت إِبْرَاهِيم عَن قَوْله: {وَالَّذين إِذا أَصَابَهُم الْبَغي هم ينتصرون} قَالَ: كَانُوا يكْرهُونَ للْمُؤْمِنين أَن يذلوا أنفسهم فيجترىء الْفُسَّاق عَلَيْهِم
وَأخرج النَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَابْن مرْدَوَيْه عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا - قَالَت: دخلت عليّ زَيْنَب وَعِنْدِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَقْبَلت عليّ تسبني فردعها النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلم تَنْتَهِ فَقَالَ لي: سبيهَا فسببتها حَتَّى جف رِيقهَا فِي فمها وَوجه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم متهلل سُرُورًا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن عَليّ بن زيد بن جدعَان رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: لم أسمع فِي الْأَنْصَار مثل حَدِيث حَدَّثتنِي بِهِ أم ولد أبي مُحَمَّد عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا - قَالَت: كنت فِي الْبَيْت وَعِنْدنَا زَيْنَب بنت جحش فَدخل علينا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَقْبَلت عَلَيْهِ زَيْنَب فَقَالَت: مَا كل وَاحِدَة منا عنْدك إِلَّا على خلابة ثمَّ أَقبلت عليّ تسبني فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: قولي لَهَا كَمَا تَقول لَك فَأَقْبَلت عَلَيْهَا - وَكنت أطول وأجود لِسَانا مِنْهَا فَقَامَتْ
وَأخرج ابْن جرير عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ {وَالَّذين إِذا أَصَابَهُم الْبَغي هم ينتصرون} قَالَ: ينتصرون مِمَّن بغى عَلَيْهِم من غير أَن يعتدوا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وَالَّذين إِذا أَصَابَهُم الْبَغي} قَالَ: هَذَا مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - ظُلم وبغي عَلَيْهِ وَكذب {هم ينتصرون} قَالَ: ينتصر مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالسَّيْفِ
الْآيَة 40(7/358)
وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (40)
أخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله: {وَجَزَاء سَيِّئَة سَيِّئَة مثلهَا} قَالَ: مَا يكون من النَّاس فِي الدُّنْيَا مِمَّا يُصِيب بَعضهم بَعْضًا وَالْقصاص
وَأخرج أَحْمد وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم المستبّان مَا قَالَا من شَيْء فعلى البادىء حَتَّى يعتدي الْمَظْلُوم ثمَّ قَرَأَ {وَجَزَاء سَيِّئَة سَيِّئَة مثلهَا}(7/358)
وَأخرج ابْن جرير عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وَجَزَاء سَيِّئَة سَيِّئَة مثلهَا} قَالَ: إِذا شتمك فاشتمه بِمِثْلِهَا من غير أَن تعتدي
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن أبي نجيح فِي قَوْله: {وَجَزَاء سَيِّئَة سَيِّئَة مثلهَا} قَالَ: يَقُول أَخْزَاهُ الله فَيَقُول أَخْزَاهُ الله
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة أَمر الله منادياً يُنَادي أَلا ليقمْ من كَانَ لَهُ على الله أجر فَلَا يقوم إِلَّا من عَفا فِي الدُّنْيَا وَذَلِكَ قَوْله {فَمن عَفا وَأصْلح فَأَجره على الله}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة نَادَى مُنَاد من كَانَ لَهُ على الله أجر فَليقمْ فَيقوم عنق كثير فَيُقَال لَهُم: مَا أجركُم على الله فَيَقُولُونَ: نَحن الَّذين عَفَوْنَا عَمَّن ظلمنَا وَذَلِكَ قَول الله {فَمن عَفا وَأصْلح فَأَجره على الله} فَيُقَال لَهُم: ادخُلُوا الْجنَّة بِإِذن الله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الْإِيمَان عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِذا وقف الْعباد لِلْحسابِ يُنَادي منادٍ ليَقُمْ من أجره على الله فَلْيدْخلْ الْجنَّة ثمَّ نَادَى الثَّانِيَة ليقمْ من أجره على الله قَالُوا: وَمن ذَا الَّذِي أجره على الله قَالَ: الْعَافُونَ عَن النَّاس فَقَامَ كَذَا وَكَذَا ألفا فَدَخَلُوا الْجنَّة بِغَيْر حِسَاب
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن أنس رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: يُنَادي مُنَاد من كَانَ أجره على الله فَلْيدْخلْ الْجنَّة مرَّتَيْنِ فَيقوم من عَفا عَن أَخِيه
قَالَ الله {فَمن عَفا وَأصْلح فَأَجره على الله}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن أول مُنَاد من عِنْد الله يَقُول: أَيْن الَّذين أجرهم على الله فَيقوم من عَفا فِي الدُّنْيَا فَيَقُول الله أَنْتُم الَّذين عفوتم لي ثوابكم الْجنَّة
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر عَن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة صرخَ صارخ الأَرْض أَلا من كَانَ لَهُ على الله حق فَليقمْ فَيقوم من عَفا وَأصْلح
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله(7/359)
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يُنَادي مُنَاد يَوْم الْقِيَامَة لَا يقوم الْيَوْم أحد إِلَّا من لَهُ عِنْد الله يَد فَتَقول الْخَلَائق: سُبْحَانَكَ بل لَك الْيَد فَيَقُول بلَى من عَفا فِي الدُّنْيَا بعد قدرَة
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الْإِيمَان عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: قَالَ مُوسَى بن عمرَان عَلَيْهِ السَّلَام: يَا رب من أعز عِبَادك عنْدك قَالَ: من إِذا قدر عَفا
وَأخرج أَحْمد وَأَبُو دَاوُد عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ - أَن رجلا شتم أَبَا بكر رَضِي الله عَنهُ وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جَالس فَجعل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يعجب ويبتسم فَلَمَّا أَكثر رد عَلَيْهِ بعض قَوْله فَغَضب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَامَ فَلحقه أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ يَا رَسُول الله كَانَ يَشْتمنِي وَأَنت جَالس فَلَمَّا رددت عَلَيْهِ بعض قَوْله غضِبت وَقمت قَالَ: إِنَّه كَانَ مَعَك ملك يرد عَنْك فَلَمَّا رددت عَلَيْهِ بعض قَوْله وَقع الشَّيْطَان فَلم أكن لأقعد مَعَ الشَّيْطَان ثمَّ قَالَ: يَا أَبَا بكر نلْت من حق مَا من عبد ظلم بمظلمة فيغضي عَنْهَا لله إِلَّا أعز الله بهَا نَصره وَمَا فتح رجل بَاب عَطِيَّة يُرِيد بهَا صلَة إِلَّا زَاده الله بهَا كَثْرَة وَمَا فتح رجل بَاب مَسْأَلَة يُرِيد بهَا كَثْرَة إِلَّا زَاده الله بهَا قلَّة
الْآيَات 41 - 44(7/360)
وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (41) إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (42) وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (43) وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلَى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ (44)
أخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {وَلمن انتصر بعد ظلمه فَأُولَئِك مَا عَلَيْهِم من سَبِيل} قَالَ: هَذَا فِي الخماشة تكون بَين النَّاس فَأَما إِن ظلمك رجل فَلَا تظلمه وَإِن فجر بك فَلَا تفجر بِهِ وَإِن خانك فَلَا تخنه فَإِن الْمُؤمن هُوَ الموفي الْمُؤَدِّي وَإِن الْفَاجِر هُوَ الخائن الغادر
وخ ابْن أبي شيبَة وَالتِّرْمِذِيّ وَالْبَزَّار وَابْن مرْدَوَيْه عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من دَعَا على مَنْ ظلمه فقد انتصر(7/360)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا: إِن سَارِقا سرق لَهَا فدعَتْ عَلَيْهِ فَقَالَ لَهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تسبخي عَلَيْهِ
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وَلمن انتصر بعد ظلمه} قَالَ: لمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَيْضا انتصاره بِالسَّيْفِ وَفِي قَوْله: {إِنَّمَا السَّبِيل على الَّذين يظْلمُونَ النَّاس} الْآيَة
قَالَ: من أهل الشّرك
وَأخرج ابْن جرير عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {هَل إِلَى مرد من سَبِيل} يَقُول: إِلَى الدُّنْيَا
الْآيَات 45 - 48(7/361)
وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ وَقَالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُقِيمٍ (45) وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ أَوْلِيَاءَ يَنْصُرُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ سَبِيلٍ (46) اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ (47) فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ كَفُورٌ (48)
أخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {ينظرُونَ من طرف خَفِي} قَالَ: ذليل
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ مثله
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُحَمَّد بن كَعْب رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {ينظرُونَ من طرف خَفِي} قَالَ: يسارقون النّظر إِلَى النَّار
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ مثله
وَأخرج عبد بن حميد عَن خلف بن حَوْشَب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَرَأَ زيد بن(7/361)
صوحان رَضِي الله عَنهُ {اسْتجِيبُوا لربكم من قبل أَن يَأْتِي يَوْم لَا مردّ لَهُ من الله} فَقَالَ: لبيْك من زيد لبيْك
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {من ملْجأ يَوْمئِذٍ} قَالَ: تحرز {وَمَا لكم من نَكِير} نَاصِر ينصركم
الْآيَات 49 - 51(7/362)
لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ (49) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (50) وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ (51)
أخرج ابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن أَوْلَادكُم هبة الله {يهب لمن يَشَاء إِنَاثًا ويهب لمن يَشَاء الذُّكُور} فهم وَأَمْوَالهمْ لكم إِذا احتجتم إِلَيْهَا
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: من بركَة الْمَرْأَة ابتكارها بِالْأُنْثَى لِأَن الله قَالَ: {يهب لمن يَشَاء إِنَاثًا ويهب لمن يَشَاء الذُّكُور}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ {يهب لمن يَشَاء إِنَاثًا ويهب لمن يَشَاء الذُّكُور} قَالَ: لَا إناث مَعَهم {أَو يزوّجهم ذكراناً وإناثاً} قَالَ: يُولد لَهُ جَارِيَة وَغُلَام {وَيجْعَل من يَشَاء عقيماً} لَا يُولد لَهُ
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي مَالك رَضِي الله عَنهُ: {يهب لمن يَشَاء إِنَاثًا} قَالَ: يكون الرجل لَا يُولد إِلَّا الإِناث
{ويهب لمن يَشَاء الذُّكُور} قَالَ: يكون الرجل لَا يُولد لَهُ إِلَّا الذُّكُور {أَو يزوجهم ذكراناً وإناثاً} قَالَ: يكون الرجل يُولد لَهُ الذُّكُور والإِناث {وَيجْعَل من يَشَاء عقيماً} قَالَ: يكون الرجل لَا يُولد لَهُ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُحَمَّد بن الْحَنَفِيَّة: {أَو يزوّجهم ذكراناً وإناثاً} قَالَ: التوأم(7/362)
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {وَيجْعَل من يَشَاء عقيماً} قَالَ: الَّذِي لَا يُولد لَهُ ولد
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس {وَيجْعَل من يَشَاء عقيماً} قَالَ: لَا يلقح
وَأخرج عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف عَن عبد الله بن الْحَرْث بن عُمَيْر أَن أَبَا بكر رَضِي الله عَنهُ أصَاب وليدة لَهُ سَوْدَاء فعزلها ثمَّ بَاعهَا فَانْطَلق بهَا سَيِّدهَا حَتَّى إِذا كَانَ فِي بعض الطَّرِيق أرادها فامتنعت مِنْهُ فَإِذا هُوَ براعي غنم فَدَعَاهُ فراطنها فاخبرها أَنه سَيِّدهَا قَالَت: إِنِّي قد حملت من سَيِّدي الَّذِي كَانَ قبل هَذَا وَأَنا فِي ديني أَن لَا يُصِيبنِي رجل فِي حمل من آخر فَكتب سَيِّدهَا إِلَى أبي بكر أَو عمر فَأخْبرهُ الْخَبَر فَذكر ذَلِك للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَكَّة فَمَكثَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى إِذا كَانَ من الْغَد وَكَانَ مجلسهم الْحجر قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: جَاءَنِي جِبْرِيل فِي مجلسي هَذَا عَن الله: إِن أحدكُم لَيْسَ بِالْخِيَارِ على الله إِذا شجع ذَلِك المشجع وَلكنه {يهب لمن يَشَاء إِنَاثًا ويهب لمن يَشَاء الذُّكُور} فاعترف بولدك فَكتب بذلك فِيهَا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن غيلَان عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: ابْتَاعَ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ جَارِيَة أَعْجَمِيَّة من رجل قد كَانَ أَصَابَهَا فَحملت لَهُ فَأَرَادَ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ أَن يَطَأهَا فَأَبت عَلَيْهِ وأخبرت أَنَّهَا حَامِل فَرفع ذَلِك إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِنَّهَا حفظت فحفظ الله لَهَا أَن أحدكُم إِذا شجع ذَلِك المشجع فَلَيْسَ بِالْخِيَارِ على الله فَردهَا إِلَى صَاحبهَا الَّذِي بَاعهَا
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن يُونُس بن يزِيد رضى الله عَنهُ قَالَ: سَمِعت الزُّهْرِيّ رَضِي الله عَنهُ سُئِلَ عَن قَول الله {وَمَا كَانَ لبشر أَن يكلمهُ الله إِلَّا وَحيا} الْآيَة قَالَ: نزلت هَذِه الْآيَة تعم من أوحى الله إِلَيْهِ من النَّبِيين فَالْكَلَام كَلَام الله الَّذِي كلم بِهِ مُوسَى من وَرَاء حجاب وَالْوَحي مَا يوحي الله بِهِ إِلَى نَبِي من أنبيائه فَيثبت الله مَا أَرَادَ من وحيه فِي قلب النَّبِي فيتكلم بِهِ النَّبِي ويعيه وَهُوَ كَلَام الله ووحيه وَمِنْه مَا يكون بَين الله وَرُسُله لَا يكلم بِهِ أحدا من الْأَنْبِيَاء وَلكنه سر غيب بَين الله وَرُسُله وَمِنْه مَا يتَكَلَّم بِهِ الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام وَلَا يكتبونه لأحد وَلَا يأمرون بكتابته وَلَكنهُمْ يحدثُونَ بِهِ النَّاس حَدِيثا ويبينون لَهُم أَن الله أَمرهم أَن يبينوه للنَّاس ويبلغوهم وَمن الْوَحْي مَا يُرْسل الله بِهِ من يَشَاء من اصْطفى من مَلَائكَته(7/363)
فيكلمون أنبياءه وَمن الْوَحْي مَا يُرْسل بِهِ إِلَى من يَشَاء فيوحون بِهِ وَحيا فِي قُلُوب من يَشَاء من رسله
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَالْبَيْهَقِيّ عَن عَائِشَة: أَن الْحَارِث بن هِشَام سَأَلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَيفَ يَأْتِيك الْوَحْي قَالَ: أَحْيَانًا يأتيني الْملك فِي مثل صلصلة الجرس فَيفْصم عني وَقد وعيت عَنهُ مَا قَالَ وَهُوَ أشده عَليّ وَأَحْيَانا يتَمَثَّل لي الْملك رجلا فيكلمني فأعي مَا يَقُول قَالَت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا: وَلَقَد رَأَيْته ينزل عَلَيْهِ الْوَحْي فِي الْيَوْم الشَّديد الْبرد فَيفْصم وَإِن جَبينه ليتفصد عرقاً
وَأخرج أَبُو يعلى والعقيلي وَالطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات وَضَعفه عَن سهل بن سعد وَعبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ رَضِي الله عَنهُ قَالَا: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: دون الله سَبْعُونَ ألف حجاب من نور وظلمة مَا يسمع من نفس من حس تِلْكَ الْحجب إِلَّا زهقت نَفسه
الْآيَات 52 - 53(7/364)
وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (52) صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ (53)
أخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وَكَذَلِكَ أَوْحَينَا إِلَيْك روحاً من أمرنَا} قَالَ: الْقُرْآن
وَأخرج أَبُو نعيم فِي الدَّلَائِل وَابْن عَسَاكِر عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قيل للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: هَل عبدت وثناً قطّ قَالَ: لَا قَالُوا: فَهَل شربت خمرًا قطّ قَالَ: لَا وَمَا زلت أعرف الَّذِي هم عَلَيْهِ كفر (وَمَا كنت أَدْرِي مَا الْكتاب وَلَا الإِيمان) وَبِذَلِك نزل الْقُرْآن (مَا كنت تَدْرِي مَا الْكتاب وَلَا الإِيمان)
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وَإنَّك لتهدي} قَالَ: لتدعو
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {وَإنَّك لتهدي إِلَى صِرَاط مُسْتَقِيم} قَالَ: قَالَ الله (وَلكُل قوم هاد) (يُوسُف 7) قَالَ: دَاع يَدْعُو إِلَى الله تَعَالَى
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {وَإنَّك لتهدي إِلَى صِرَاط مُسْتَقِيم} قَالَ: تَدْعُو(7/364)
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم (43)
سُورَة الزخرف
مَكِّيَّة وآياتها تسع وَثَمَانُونَ
مُقَدّمَة السُّورَة أخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: نزلت بِمَكَّة سُورَة {حم} الزخرف
الْآيَات 1 - 3(7/365)
حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (3)
أما قَوْله تَعَالَى: {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبيا}
أخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن طَاوس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: جَاءَ رجل إِلَى ابْن عَبَّاس من حَضرمَوْت فَقَالَ لَهُ: يَا ابْن عَبَّاس اخبرني عَن الْقُرْآن أكلام من كَلَام الله أم خلق من خلق الله قَالَ: بل كَلَام من كَلَام الله
أَو مَا سَمِعت الله يَقُول: (وَإِن أحد من الْمُشْركين استجارك فَأَجره حَتَّى يسمع كَلَام الله) (التَّوْبَة الْآيَة 6) فَقَالَ لَهُ الرجل: أَفَرَأَيْت قَوْله {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبيا} قَالَ: كتبه الله فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ بِالْعَرَبِيَّةِ
أما سَمِعت الله يَقُول (بل هُوَ قُرْآن مجيد فِي لوح مَحْفُوظ) (البروج الْآيَة 22) الْمجِيد: هُوَ الْعَزِيز أَي كتبه الله فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن مقَاتل بن حَيَّان رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَلَام أهل السَّمَاء الْعَرَبيَّة
ثمَّ قَرَأَ {حم وَالْكتاب الْمُبين} {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبيا} الْآيَتَيْنِ
الْآيَة 4(7/365)
وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ (4)
أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: إِن أول مَا خلق الله من شَيْء الْقَلَم فَأمره أَن يكْتب مَا هُوَ كَائِن إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وَالْكتاب عِنْده ثمَّ قَرَأَ {وَإنَّهُ فِي أم الْكتاب لدينا لعليّ حَكِيم}
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وَإنَّهُ فِي أم الْكتاب} قَالَ: فِي أصل الْكتاب وَجُمْلَته
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ {وَإنَّهُ فِي أم الْكتاب} قَالَ: الْقُرْآن عِنْد الله {فِي أم الْكتاب}
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وَإنَّهُ فِي أم الْكتاب لدينا} قَالَ: الذّكر الْحَكِيم فِيهِ كل شَيْء كَانَ وكل شَيْء يكون وَمَا نزل من كتاب فَمِنْهُ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن ابْن سابط رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وَإنَّهُ فِي أم الْكتاب} مَا هُوَ كَائِن إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وكل ثَلَاثَة من الْمَلَائِكَة يحفظون فَوكل جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام بِالْوَحْي ينزل بِهِ إِلَى الرُّسُل عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام وبالهلاك إِذا أَرَادَ أَن يهْلك قوما كَانَ صَاحب ذَلِك ووكل أَيْضا بالنصر فِي الحروب إِذا أَرَادَ الله أَن ينصر ووكل مِيكَائِيل عَلَيْهِ السَّلَام بالقطر أَن يحفظه ووكل ملك الْمَوْت عَلَيْهِ السَّلَام بِقَبض الْأَنْفس فَإِذا ذهبت الدُّنْيَا جمع بَين حفظهم وَحفظ [] أهل الْكتاب فَوَجَدَهُ سَوَاء
الْآيَات 5 - 18(7/366)
أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا أَنْ كُنْتُمْ قَوْمًا مُسْرِفِينَ (5) وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِنْ نَبِيٍّ فِي الْأَوَّلِينَ (6) وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (7) فَأَهْلَكْنَا أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشًا وَمَضَى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ (8) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ (9) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (10) وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَنْشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ (11) وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ (12) لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ (13) وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ (14) وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ (15) أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُمْ بِالْبَنِينَ (16) وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلًا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (17) أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ (18)
أخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {أفنضرب عَنْكُم الذّكر صفحاً} قَالَ: أحسبتم أَن نصفح عَنْكُم وَلم تَفعلُوا مَا أمرْتُم بِهِ وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {أفنضرب عَنْكُم الذّكر صفحاً} قَالَ: تكذبون بِالْقُرْآنِ ثمَّ لَا تعاقبون عَلَيْهِ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن أبي صَالح رَضِي الله عَنهُ {أفنضرب عَنْكُم الذّكر صفحاً} قَالَ: وَالله لَو أَن هَذَا الْقُرْآن رفع حَيْثُ رده أَوَائِل هَذِه الْأمة لهلكوا وَلَكِن الله تَعَالَى عَاد عَلَيْهِم بعائدته وَرَحمته فكرره عَلَيْهِم ودعاهم إِلَيْهِ
وَأخرج مُحَمَّد بن نصر فِي كتاب الصَّلَاة عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لم يبْعَث الله رَسُولا إِلَّا أَن أنزل عَلَيْهِ كتابا فَإِن قبله قومه وَإِلَّا رُفِعَ فَذَلِك قَوْله: {أفنضرب عَنْكُم الذّكر صفحاً إِن كُنْتُم قوما مسرفين} لَا تقبلونه فيلقنه قلب نبيه
قَالُوا: قبلناه رَبنَا قبلناه رَبنَا وَلَو لم يَفْعَلُوا لَرُفِعَ وَلم يتْرك مِنْهُ شَيْء على ظهر الأَرْض
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وَمضى مثل الأوّلين} قَالَ: عُقُوبَة الْأَوَّلين
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم رَضِي الله عَنهُ أَنه قَرَأَ {صفحاً أَن كُنْتُم} بِنصب الْألف {جعل لكم الأَرْض مهداً} بِنصب الْمِيم بِغَيْر ألف
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا أَنَّهَا سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقْرَأ هَذِه الْآيَة {وَجعل لكم من الْفلك والأنعام مَا تَرْكَبُونَ لتستووا على ظُهُوره ثمَّ تَذكرُوا نعْمَة ربكُم إِذا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ}(7/367)
أَن تَقولُوا: الْحَمد لله الَّذِي منّ علينا بِمُحَمد عَبده وَرَسُوله ثمَّ تَقولُوا: {سُبْحَانَ الَّذِي سخر لنا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقرنين}
وَأخرج مُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَالْحَاكِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا سَافر ركب رَاحِلَته ثمَّ كبر ثَلَاثًا ثمَّ قَالَ: {سُبْحَانَ الَّذِي سخر لنا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقرنين} {وَإِنَّا إِلَى رَبنَا لمنقلبون}
وَأخرج الطَّيَالِسِيّ وَعبد الرَّزَّاق وَسَعِيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة وَأحمد وَعبد بن حميد وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَابْن جرير وَالنَّسَائِيّ وَابْن الْمُنْذر وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ أَنه أَتَى بِدَابَّة فَلَمَّا وضع رجله فِي الركاب قَالَ: بِسم الله فَلَمَّا اسْتَوَى على ظهرهَا قَالَ: الْحَمد لله ثَلَاثًا وَالله أكبر ثَلَاثًا {سُبْحَانَ الَّذِي سخر لنا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقرنين} {وَإِنَّا إِلَى رَبنَا لمنقلبون} سُبْحَانَكَ لَا إِلَه إِلَّا أَنْت قد ظلمت نَفسِي فَاغْفِر لي ذُنُوبِي إِنَّه لَا يغْفر الذُّنُوب إِلَّا أَنْت ثمَّ ضحك فَقلت: مِم ضحِكت يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ قَالَ: رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فعل كَمَا فعلت ثمَّ ضحك فَقلت يَا رَسُول الله: مِم ضحِكت فَقَالَ: يعجب الرب من عَبده إِذا قَالَ: رب اغْفِر لي وَيَقُول: علم عَبدِي أَنه لَا يغْفر الذُّنُوب غَيْرِي
وَأخرج أَحْمد عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أردفه على دَابَّته فَلَمَّا اسْتَوَى عَلَيْهَا (كبر ثَلَاثًا وَهَلل الله وَحده ثمَّ ضحك إِلَيْهِ كَمَا ضحِكت إِلَيْك)
وَأخرج أَحْمد وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن مُحَمَّد بن حَمْزَة بن عمر الْأَسْلَمِيّ عَن أَبِيه رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: فَوق ظهر كل بعير شَيْطَان فَإِذا ركبتموه فاذكروا اسْم الله ثمَّ لَا تقصرُوا عَن حاجاتكم
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: على ذرْوَة كل بعير شَيْطَان فامتهنوهن بالركوب فَإِنَّمَا يحمل الله
وَأخرج ابْن سعد وَأحمد وَالْبَغوِيّ وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن أبي لاس الْخُزَاعِيّ رَضِي الله عَنهُ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: مَا من بعير إِلَّا فِي(7/368)
ذروته شَيْطَان فاذكروا اسْم الله عَلَيْهِ إِذا ركبتموه كَمَا أَمركُم ثمَّ امتهنوها لأنفسكم فَإِنَّمَا يحمل الله
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن شهر بن حَوْشَب رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {ثمَّ تَذكرُوا نعْمَة ربكُم إِذا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ} قَالَ: نعْمَة الإِسلام
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن أبي مجلز رَضِي الله عَنهُ قَالَ: رأى حُسَيْن بن عَليّ رَضِي الله عَنهُ رجلا يركب دَابَّة فَقَالَ {سُبْحَانَ الَّذِي سخر لنا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقرنين} {وَإِنَّا إِلَى رَبنَا لمنقلبون} قَالَ: أَو بذلك أمرت قَالَ: فَكيف أَقُول قَالَ: الْحَمد لله الَّذِي هدَانَا للإِسلام الْحَمد لله الَّذِي من علينا بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْحَمد لله الَّذِي جعلني فِي خير أمة أخرجت للنَّاس ثمَّ تَقول: {سُبْحَانَ الَّذِي سخر لنا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقرنين}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن طَاوس رَضِي الله عَنهُ أَنه كَانَ إِذْ ركب دَابَّة قَالَ: بِسم الله اللَّهُمَّ هَذَا من مَنِّكَ وفضلك علينا فلك الْحَمد رَبنَا {سُبْحَانَ الَّذِي سخر لنا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقرنين} {وَإِنَّا إِلَى رَبنَا لمنقلبون}
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وَمَا كُنَّا لَهُ مُقرنين} قَالَ: الإِبل وَالْخَيْل وَالْبِغَال وَالْحمير
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {وَمَا كُنَّا لَهُ مُقرنين} قَالَ: مطيقين
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {وَمَا كُنَّا لَهُ مُقرنين} قَالَ: لَا فِي الْأَيْدِي وَلَا فِي القوّة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن سُلَيْمَان بن يسَار رَضِي الله عَنهُ أَن قوما كَانُوا فِي سفر فَكَانُوا إِذا ركبُوا قَالُوا: {سُبْحَانَ الَّذِي سخر لنا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقرنين} وَكَانَ فيهم رجل لَهُ نَاقَة رازم فَقَالَ: أما أَنا فَأَنا لهَذِهِ مقرن فقمصت بِهِ فصرعته فاندقت عُنُقه
وَالله أعلم
وَأخرج عبد بن حميد وَعبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {وَجعلُوا لَهُ من عباده جُزْءا} قَالَ: عدلا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي(7/369)
قَوْله: {وَجعلُوا لَهُ من عباده جُزْءا} قَالَ: ولدا وَبَنَات من الْمَلَائِكَة
وَفِي قَوْله: {وَإِذا بشر أحدهم بِمَا ضرب للرحمن مثلا} قَالَ: ولدا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {وَإِذا بشر أحدهم بِمَا ضرب للرحمن مثلا ظلّ وَجهه مسوداً وَهُوَ كظيم} قَالَ: حَزِين
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم رَضِي الله عَنهُ أَنه قَرَأَ {بِمَا ضرب للرحمن مثلا} بِنصب الضَّاد
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {أَو من ينشأ فِي الْحِلْية} قَالَ: الْجَوَارِي جعلتموهن للرحمن ولدا {كَيفَ تحكمون} الصافات الْآيَة 154
وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {أَو من ينشأ فِي الْحِلْية} قَالَ: هن النِّسَاء فرق بَين زيهن وزي الرِّجَال ونقصهن من الْمِيرَاث وبالشهادة وأمرهن بالقعدة وسماهن الْخَوَالِف
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {أَو من ينشأ فِي الْحِلْية} قَالَ: جعلُوا لله الْبَنَات {وَإِذا بشر أحدهم} بِهن {ظلّ وَجهه مسوداً وَهُوَ كظيم} حَزِين
وَأما قَوْله: {وَهُوَ فِي الْخِصَام غير مُبين} قَالَ: قَلما تَكَلَّمت امْرَأَة تُرِيدُ أَن تَتَكَلَّم بحجتها الا تَكَلَّمت بِالْحجَّةِ عَلَيْهَا
وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَنه كَانَ يقْرَأ {أَو من ينشأ فِي الْحِلْية} مُخَفّفَة الْيَاء
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم رَضِي الله عَنهُ أَنه قَرَأَ {ينشأ فِي الْحِلْية} مُخَفّفَة مَنْصُوبَة الْيَاء مَهْمُوزَة
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي الْعَالِيَة رَضِي الله عَنهُ أَنه سُئِلَ عَن الذَّهَب للنِّسَاء فَقَالَ لَا بَأْس بِهِ
يَقُول الله: {أَو من ينشأ فِي الْحِلْية}
الْآيَات 19 - 25(7/370)
وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ (19) وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ (20) أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ (21) بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ (22) وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ (23) قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (24) فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (25)
أخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {وَجعلُوا الْمَلَائِكَة الَّذين هم عباد الرَّحْمَن إِنَاثًا} قَالَ: قد قَالَ ذَلِك أنَاس من النَّاس وَلَا نعلمهُمْ إِلَّا الْيَهُود: أَن الله عز وَجل صاهر الْجِنّ فَخرجت من بنيه الْمَلَائِكَة
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كنت أَقرَأ هَذَا الْحَرْف {الَّذين هم عباد الرَّحْمَن إِنَاثًا} فَسَأَلت ابْن عَبَّاس فَقَالَ: {عباد الرَّحْمَن} قلت: فَإِنَّهَا فِي مصحفي عِنْد الرَّحْمَن قَالَ: فامحها واكتبها {عباد الرَّحْمَن} بِالْألف وَالْبَاء
وَقَالَ: أَتَانِي رجل الْيَوْم وددت أَنه لم يأتني فَقَالَ: كَيفَ تقْرَأ هَذَا الْحَرْف {وَجعلُوا الْمَلَائِكَة الَّذين هم عباد الرَّحْمَن إِنَاثًا} قَالَ: إِن أُنَاسًا يقرأون الَّذين هم عِنْد الرَّحْمَن فَسكت عَنهُ فَقلت: اذْهَبْ إِلَى أهلك
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ أَنه قَرَأَهَا الَّذين هم عِنْد الرَّحْمَن بالنُّون
وَأخرج أَبُو عبيد وَابْن الْمُنْذر عَن مَرْوَان وَجعلُوا الْمَلَائِكَة عِنْد الرَّحْمَن إِنَاثًا لَيْسَ فِيهِ {الَّذين هم}
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم رَضِي الله عَنهُ أَنه قَرَأَ {عباد الرَّحْمَن} بِالْألف وَالْبَاء {أشهدوا خلقهمْ} بنصبهم الْألف والشين {ستكتب} بِالتَّاءِ وَرفع التَّاء
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ(7/371)
فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {وَقَالُوا لَو شَاءَ الرَّحْمَن مَا عبدناهم} قَالَ: يعنون الْأَوْثَان لأَنهم عبدُوا الْأَوْثَان يَقُول الله: {مَا لَهُم بذلك من علم} يَعْنِي الْأَوْثَان أَنهم لَا يعلمُونَ {إِن هم إِلَّا يخرصون} قَالَ: يعلمُونَ قدرَة الله على ذَلِك
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة {وَقَالُوا لَو شَاءَ الرَّحْمَن مَا عبدناهم} قَالَ: عبدُوا الْمَلَائِكَة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله: {أم آتَيْنَاهُم كتابا من قبله} قَالَ: قبل هَذَا الْكتاب
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {بل قَالُوا إِنَّا وجدنَا آبَاءَنَا على أمة} قَالَ: على دين
وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله عزَّ وَجل: {إِنَّا وجدنَا آبَاءَنَا على أمة} قَالَ: على مِلَّة غير الْملَّة الَّتِي تدعونا إِلَيْهَا
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم أما سَمِعت نَابِغَة بني ذبيان وَهُوَ يعْتَذر إِلَى النُّعْمَان بن الْمُنْذر وَيَقُول: حَلَفت فَلم أترك لنَفسك رِيبَة وَهل يأثمن ذُو أمة وَهُوَ طائع وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة {بل قَالُوا إِنَّا وجدنَا آبَاءَنَا على أمة وَإِنَّا على آثَارهم مهتدون} قَالَ: قد قَالَ: ذَلِك مشركو قُرَيْش: انا وجدنَا آبَاءَنَا على دين وانا متبعوهم على ذَلِك
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {إِنَّا وجدنَا آبَاءَنَا على أمة وَإِنَّا على آثَارهم مقتدون} قَالَ: بفعلهم
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم رَضِي الله عَنهُ قَالَ: الْأمة فِي الْقُرْآن على وُجُوه (وَاذْكُر بعد أمة) (يُوسُف الْآيَة 45) قَالَ: بعد حِين
(وَوجد عَلَيْهِ أمة من النَّاس يسقون) (يُوسُف الْآيَة 23) قَالَ: جمَاعَة من النَّاس {إِنَّا وجدنَا آبَاءَنَا على أمة} قَالَ: على دين
وَرفع الْألف فِي كلهَا
وَقَرَأَ {قَالَ أولو جِئتُكُمْ} بِغَيْر ألف بِالتَّاءِ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {فانتقمنا مِنْهُم فَانْظُر كَيفَ كَانَ عَاقِبَة المكذبين}(7/372)
قَالَ: شَرّ وَالله كَانَ عاقبتهم أَخذهم بخسف وغرق فأهلكهم الله ثمَّ أدخلهم النَّار
الْآيَات 26 - 28(7/373)
وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ (26) إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ (27) وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (28)
أخرج الْفضل بن شَاذان فِي كتاب الْقرَاءَات بِسَنَدِهِ عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ أَنه قَرَأَ: إِنَّنِي بَرِيء مِمَّا تَعْبدُونَ بِالْيَاءِ
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ: إِنَّنِي بَرِيء مِمَّا تَعْبدُونَ إِلَّا الَّذِي فطرني فَإِنَّهُ سيهدين: قَالَ: إِنَّهُم يَقُولُونَ إِن الله رَبنَا (وَلَئِن سَأَلتهمْ من خلقهمْ ليَقُولن الله) فَلم يبرأ من ربه
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة {وَجعلهَا كلمة بَاقِيَة فِي عقبه} قَالَ: فِي الإِسلام أوصى بهَا وَلَده
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد {وَجعلهَا كلمة بَاقِيَة فِي عقبه} قَالَ: الإِخلاص والتوحيد لَا يزَال فِي ذُريَّته من يَقُولهَا من بعده {لَعَلَّهُم يرجعُونَ} قَالَ: يتوبون أَو يذكرُونَ
وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن عَبَّاس {وَجعلهَا كلمة بَاقِيَة فِي عقبه} قَالَ: لَا إِلَه إِلَّا الله فِي عقبه قَالَ: عقب إِبْرَاهِيم وَلَده
وَأخرج عبد بن حميد عَن الزُّهْرِيّ قَالَ: عقب الرجل وَلَده الذُّكُور والاناث وَأَوْلَاد الذُّكُور
وَأخرج عبد بن حميد عَن عُبَيْدَة قَالَ: قلت لإِبراهيم: مَا الْعقب قَالَ: وَلَده الذّكر
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَطاء فِي رجل أسْكنهُ رجل لَهُ ولعقبه من بعده أتكون امْرَأَته من عقبه قَالَ: لَا وَلَكِن وَلَده عقبه
الْآيَات 29 - 30(7/373)
بَلْ مَتَّعْتُ هَؤُلَاءِ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى جَاءَهُمُ الْحَقُّ وَرَسُولٌ مُبِينٌ (29) وَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كَافِرُونَ (30)
أخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ {بل متعت هَؤُلَاءِ} بِرَفْع التَّاء
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {بل متعت هَؤُلَاءِ وآباءهم حَتَّى جَاءَهُم الْحق وَرَسُول مُبين} قَالَ: هَذَا قَول أهل الْكتاب لهَذِهِ الْأمة وَكَانَ قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ يقْرؤهَا {بل متعت هَؤُلَاءِ} بِنصب التَّاء
وَأخرج ابْن جرير عَن السّديّ: {وَلما جَاءَهُم الْحق قَالُوا هَذَا سحر} قَالَ: هَؤُلَاءِ قُرَيْش قَالُوا لِلْقُرْآنِ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: هَذَا سحر
الْآيَات 31 - 32(7/374)
وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ (31) أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (32)
أخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَنه سُئِلَ عَن قَول الله: {لَوْلَا نزل هَذَا الْقُرْآن على رجل من القريتين عَظِيم} مَا القريتان قَالَ: الطَّائِف وَمَكَّة قيل: فَمن الرّجلَانِ قَالَ: عُرْوَة بن مَسْعُود وَخيَار قُرَيْش
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَنه سُئِلَ عَن قَول الله {لَوْلَا نزل هَذَا الْقُرْآن على رجل من القريتين عَظِيم} قَالَ: يَعْنِي بالقريتين مَكَّة والطائف والعظيم الْوَلِيد بن الْمُغيرَة الْقرشِي وحبِيب بن عُمَيْر الثَّقَفِيّ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {وَقَالُوا لَوْلَا نزل هَذَا الْقُرْآن على رجل من القريتين عَظِيم} قَالَ: يَعْنِي من القريتين مَكَّة والطائف والعظيم الْوَلِيد بن الْمُغيرَة الْقرشِي وحبِيب بن عُمَيْر الثَّقَفِيّ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {لَوْلَا نزل هَذَا الْقُرْآن على رجل من القريتين عَظِيم} قَالَ: يعنون أشرف من مُحَمَّد الْوَلِيد بن الْمُغيرَة من أهل مَكَّة ومسعود بن عَمْرو الثَّقَفِيّ من أهل الطَّائِف(7/374)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة قَالَ: قَالَ الْوَلِيد بن الْمُغيرَة: لَو كَانَ مَا يَقُول مُحَمَّد حَقًا أنزل عَليّ هَذَا الْقُرْآن أَو على عُرْوَة بن مَسْعُود الثَّقَفِيّ فَنزلت {وَقَالُوا لَوْلَا نزل هَذَا الْقُرْآن على رجل من القريتين عَظِيم}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة {وَقَالُوا لَوْلَا نزل هَذَا الْقُرْآن على رجل من القريتين عَظِيم} قَالَ: القريتان مَكَّة والطائف
قَالَ ذَلِك مشركو قُرَيْش
قَالَ: بلغنَا أَنه لَيْسَ فَخذ من قُرَيْش إِلَّا قد ادَّعَتْهُ فَقَالُوا: هُوَ منا وَكُنَّا نُحدث أَنه الْوَلِيد بن الْمُغيرَة وَعُرْوَة بن مَسْعُود الثَّقَفِيّ
قَالَ: يَقُولُونَ فَهَلا كَانَ أنزل على أحد هذَيْن الرجلَيْن لَيْسَ على مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {على رجل من القريتين عَظِيم} قَالَ: عتبَة بن ربيعَة من مَكَّة وَابْن عبد ياليل بن كنَانَة الثَّقَفِيّ من الطَّائِف وَعُمَيْر بن مَسْعُود الثَّقَفِيّ وَفِي لفظ وَأَبُو مَسْعُود الثَّقَفِيّ
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وَقَالُوا لَوْلَا نزل هَذَا الْقُرْآن على رجل من القريتين عَظِيم} قَالَ: هُوَ عتبَة بن ربيعَة - وَكَانَ رَيْحَانَة قُرَيْش يَوْمئِذٍ
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر عَن الشّعبِيّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {على رجل من القريتين عَظِيم} قَالَ: هُوَ الْوَلِيد بن الْمُغيرَة المَخْزُومِي أَو كنَانَة بن عمر بن عُمَيْر عَظِيم أهل الطَّائِف
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {نَحن قسمنا بَينهم معيشتهم فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا} قَالَ: قسم بَينهم معيشتهم فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا كَمَا قسم بَينهم صورهم وأخلاقهم فتعالى رَبنَا وتبارك {ورفعنا بَعضهم فَوق بعض دَرَجَات} قَالَ: فَتَلقاهُ ضَعِيف الْحِيلَة عييّ اللِّسَان وَهُوَ مَبْسُوط لَهُ فِي الرزق وتلقاه شَدِيد الْحِيلَة سليط اللِّسَان وَهُوَ مقتور عَلَيْهِ {ليتَّخذ بَعضهم بَعْضًا سخرياً} قَالَ: ملكة يسخر بَعضهم بَعْضًا يَبْتَلِي الله بِهِ عباده فَالله الله فِيمَا ملكت يَمِينك {وَرَحْمَة رَبك خير مِمَّا يجمعُونَ} قَالَ: الْجنَّة(7/375)
الْآيَات 33 - 35(7/376)
وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ (33) وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ (34) وَزُخْرُفًا وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ (35)
أخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يَقُول الله لَوْلَا أَن يجزع عَبدِي الْمُؤمن لعصبت الْكَافِر عِصَابَة من حَدِيد فَلَا يشتكي شَيْئا ولصببت عَلَيْهِ الدُّنْيَا صبا قَالَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا: قد أنزل الله شبه ذَلِك فِي كِتَابه فِي قَوْله {وَلَوْلَا أَن يكون النَّاس أمة وَاحِدَة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن} الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {وَلَوْلَا أَن يكون النَّاس أمة وَاحِدَة} الْآيَة يَقُول: لَوْلَا أَن أجعَل النَّاس كلهم كفَّارًا لجعلْتُ لبيوت الْكفَّار سقفاً من فضَّة {ومعارج} من فضَّة وَهِي درج {عَلَيْهَا يظهرون} يصعدون إِلَى الغرف وسرر فضَّة {وزخرفاً} وَهُوَ الذَّهَب
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {وَلَوْلَا أَن يكون النَّاس أمة وَاحِدَة} قَالَ: لَوْلَا أَن يكون النَّاس كفَّارًا {لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفاً من فضَّة} قَالَ: السّقف أعالي الْبيُوت {ومعارج عَلَيْهَا يظهرون} قَالَ: درج عَلَيْهَا يصعدون {وزخرفاً} قَالَ: الذَّهَب {وَالْآخِرَة عِنْد رَبك لِلْمُتقين} قَالَ: خُصُوصا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {وَلَوْلَا أَن يكون النَّاس أمة وَاحِدَة} قَالَ: لَوْلَا أَن يكفروا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن الشّعبِيّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {سقفاً} قَالَ: الجزوع {ومعارج} قَالَ: الدرج {وزخرفاً} قَالَ: الذَّهَب
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ فِي(7/376)
قَوْله: {وَلَوْلَا أَن يكون النَّاس أمة وَاحِدَة} قَالَ: لَوْلَا أَن يكون النَّاس أَجْمَعُونَ كفَّارًا فيميلوا إِلَى الدُّنْيَا لجعل الله لَهُم الَّذِي قَالَ
قَالَ: وَقد مَالَتْ الدُّنْيَا بأكبر همها وَمَا فعل ذَلِك فَكيف لَو فعله
وَأخرج أَحْمد وَالْحَاكِم عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {أهم يقسمون رَحْمَة رَبك} قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: إِن الله قسم بَيْنكُم أخلاقكم كَمَا قسم بَيْنكُم أرزاقكم وَإِن الله يُعْطي الدُّنْيَا من يحب وَمن لَا يحب وَلَا يُعْطي الدّين إِلَّا من يحب فَمن أعطَاهُ الدّين فقد أحبه
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَابْن ماجة عَن سهل بن سعد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَو كَانَت الدُّنْيَا تزن عِنْد الله جنَاح بعوضة مَا سقى كَافِرًا مِنْهَا شربة مَاء
الْآيَات 36 - 40(7/377)
وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (36) وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (37) حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ (38) وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ (39) أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (40)
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُحَمَّد بن عُثْمَان المخرمي أَن قُريْشًا قَالَت: قيضوا لكل رجل رجلا من أَصْحَاب مُحَمَّد يَأْخُذهُ فقيضوا لأبي بكر رَضِي الله عَنهُ طَلْحَة بن عبيد الله فَأَتَاهُ وَهُوَ فِي الْقَوْم فَقَالَ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ: إلام تَدعُونِي قَالَ: أَدْعُوك إِلَى عبَادَة اللات والعزى قَالَ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ: وَمَا اللات قَالَ: رَبنَا
قَالَ: وَمَا الْعُزَّى قَالَ: بَنَات الله
قَالَ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ: فَمن أمّهم فَسكت طَلْحَة فَلم يجبهُ فَقَالَ طَلْحَة لأَصْحَابه: أجِيبُوا الرجل فَسكت الْقَوْم فَقَالَ طَلْحَة: قُم يَا أَبَا بكر أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله فَأنْزل الله {وَمن يَعش عَن ذكر الرَّحْمَن نقيض لَهُ شَيْطَانا} الْآيَة(7/377)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس {وَمن يَعش عَن ذكر الرَّحْمَن} قَالَ: يعمى قَالَ ابْن جرير: هَذَا على قِرَاءَة فتح الشين
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة {وَمن يَعش} قَالَ: يعرض {وَإِنَّهُم ليصدونهم عَن السَّبِيل} قَالَ: عَن الدّين {حَتَّى إِذا جَاءَنَا} جَمِيعًا هُوَ وقرينه
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم رَضِي الله عَنهُ أَنه قَرَأَ حَتَّى إِذا جَاءَنَا على معنى اثْنَيْنِ هُوَ وقرينه
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {وَمن يَعش} الْآيَة
قَالَ: من جَانب الْحق وَأنْكرهُ وَهُوَ يعلم أَن الْحَلَال حَلَال وَأَن الْحَرَام حرَام فَترك الْعلم بالحلال وَالْحق لهوى نَفسه وَقضى حَاجته ثمَّ أَرَادَ من الْحَرَام قيض لَهُ شَيْطَان
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن سعيد الْجَزرِي فِي قَوْله: {نقيض لَهُ شَيْطَانا} قَالَ: بلغنَا أَن الْكَافِر إِذا بعث يَوْم الْقِيَامَة من قَبره شفع بِيَدِهِ شَيْطَان وَلم يُفَارِقهُ حَتَّى يصيرهما الله إِلَى النَّار فَذَلِك حِين يَقُول: {يَا لَيْت بيني وَبَيْنك بعد المشرقين فبئس القرين} قَالَ: وَأما الْمُؤمن فيوكل بِهِ ملك حَتَّى يقْضى بَين النَّاس أَو يصير إِلَى الْجنَّة
وَأخرج ابْن حبَان وَالْبَغوِيّ وَابْن قَانِع وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن شريك بن طَارق رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَيْسَ مِنْكُم أحد إِلَّا وَمَعَهُ شَيْطَان قَالُوا: ومعك يَا رَسُول الله قَالَ: وَمَعِي إِلَّا أَن الله أعانني عَلَيْهِ فَأسلم
وَأخرج مُسلم وَابْن مرْدَوَيْه عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خرج من عِنْدهَا لَيْلًا قَالَت: فغرت عَلَيْهِ فجَاء فَرَأى مَا أصنع فَقَالَ مَا لَك يَا عَائِشَة أَغِرْت فَقلت: وَمَا لي لَا يغار مثلي على مثلك فَقَالَ: أقد جَاءَ شَيْطَانك قلت: يَا رَسُول الله أمعي شَيْطَان قَالَ: نعم وَمَعَ كل إِنْسَان
قلت: ومعك قَالَ: نعم وَلَكِن رَبِّي أعانني عَلَيْهِ حَتَّى أسلم
وَأخرج مُسلم وَابْن مرْدَوَيْه عَن عبد الله بن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا مِنْكُم من أحد إِلَّا وَقد وكل الله بِهِ قرينه من الْجِنّ
قَالُوا:(7/378)
وَإِيَّاك يَا رَسُول الله قَالَ: وإياي إِلَّا أَن الله أعانني عَلَيْهِ فَأسلم فَلَا يَأْمُرنِي الا بِخَير
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا مِنْكُم من أحد إِلَّا وَقد وكل الله بِهِ قرينه من الْجِنّ
قَالُوا: وَإِيَّاك يَا رَسُول الله قَالَ: وإياي إِلَّا أَن الله أعانني عَلَيْهِ فَأسلم
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن وهب بن مُنَبّه رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لَيْسَ من الْآدَمِيّين أحد إِلَّا وَمَعَهُ شَيْطَان مُوكل بِهِ أما الْكَافِر فيأكل مَعَه من طَعَامه وَيشْرب مَعَه من شرابه وينام مَعَه على فرَاشه وَأما الْمُؤمن فَهُوَ بِجَانِب لَهُ ينتظره حَتَّى يُصِيب مِنْهُ غَفلَة أَو غرَّة فيثب عَلَيْهِ وَأحب الْآدَمِيّين إِلَى الشَّيْطَان الأكول النؤوم
الْآيَات 41 - 43(7/379)
فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ (41) أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ (42) فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (43)
أخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {فإمَّا نذهبن بك فَإنَّا مِنْهُم منتقمون} قَالَ: قَالَ أنس رَضِي الله عَنهُ: ذهب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَبقيت النقمَة فَلم يُرِ الله نبيه فِي أمته شَيْئا يكرههُ حَتَّى قُبِضَ وَلم يكن نَبِي قطّ إِلَّا وَقد رأى الْعقُوبَة فِي أمته إِلَّا نَبِيكُم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رأى مَا يُصِيب أمته بعده فَمَا رُؤِيَ ضَاحِكا منبسطاً حَتَّى قبض
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان من طَرِيق حميد عَن أنس بن مَالك رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {فإمَّا نذهبن بك فَإنَّا مِنْهُم منتقمون} الْآيَة
قَالَ: أكْرم الله نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن يرِيه فِي أمته مَا يكره فرفعه إِلَيْهِ وَبقيت النقمَة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عبد الرَّحْمَن بن مَسْعُود الْعَبْدي قَالَ: قَرَأَ عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ هَذِه الْآيَة {فإمَّا نذهبن بك فَإنَّا مِنْهُم منتقمون} قَالَ: ذهب نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَبقيت نقمته فِي عدوه
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {فإمَّا نذهبن بك فَإنَّا مِنْهُم منتقمون}(7/379)
قَالَ: لقد كَانَت نقمة شَدِيدَة أكْرم الله نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن يرِيه فِي أمته مَا كَانَ من النقمَة بعده
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق مُحَمَّد بن مَرْوَان عَن الْكَلْبِيّ عَن أبي صَالح عَن جَابر بن عبد الله: عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله: {فإمَّا نذهبن بك فَإنَّا مِنْهُم منتقمون} نزلت فِي عَليّ بن أبي طَالب أَنه ينْتَقم من النَّاكِثِينَ والقاسطين بعدِي
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {أَو نرينك الَّذِي وعدناهم} الْآيَة قَالَ: يَوْم بدر
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {إِنَّك على صِرَاط مُسْتَقِيم} قَالَ: على الْإِسْلَام
الْآيَة 44(7/380)
وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ (44)
أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان من طرق عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {وَإنَّهُ لذكر لَك ولقومك} قَالَ: الْقُرْآن شرف لَك ولقومك
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {وَإنَّهُ لذكر لَك} يَعْنِي الْقُرْآن ولقومك يَعْنِي من اتبعك من أمتك
وَأخرج الشَّافِعِي وَعبد الرَّزَّاق وَسَعِيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {وَإنَّهُ لذكر لَك ولقومك} قَالَ: يُقَال مِمَّن هَذَا الرجل فَيُقَال: من الْعَرَب فَيُقَال: من أَي الْعَرَب فَيُقَال: من قُرَيْش فَيُقَال: من أَي قُرَيْش فَيُقَال: من بني هَاشم
وَأخرج ابْن عدي وَابْن مرْدَوَيْه عَن عَليّ وَابْن عَبَّاس قَالَا: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يعرض نَفسه على الْقَبَائِل بِمَكَّة ويعدهم الظُّهُور فَإِذا قَالُوا لمن الْملك بعْدك أمسك فَلم يجبهم بِشَيْء لِأَنَّهُ لم يُؤمر فِي ذَلِك بِشَيْء حَتَّى نزلت {وَإنَّهُ لذكر لَك ولقومك} فَكَانَ بعد إِذا سُئِلَ قَالَ: لقريش فَلَا يجيبونه حَتَّى قبلته الْأَنْصَار على ذَلِك(7/380)
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن عدي بن حَاتِم رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كنت قَاعِدا عِنْد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: الا إِن الله علم مَا فِي قلبِي من حبي لقومي فشرفني فيهم فَقَالَ: {وَإنَّهُ لذكر لَك ولقومك وسوف تسْأَلُون} فَجعل الذّكر والشرف لقومي فِي كِتَابه ثمَّ قَالَ (وأنذر عشيرتك الْأَقْرَبين) (الشُّعَرَاء الْآيَة 214) (واخفض جناحك لمن اتبعك من الْمُؤمنِينَ) (الشُّعَرَاء الْآيَة 215) يَعْنِي قومِي فَالْحَمْد لله الَّذِي جعل الصّديق من قومِي والشهيد من قومِي ان الله قلب الْعباد ظهرا وبطناً فَكَانَ خير الْعَرَب قُرَيْش وَهِي الشَّجَرَة الْمُبَارَكَة الَّتِي قَالَ الله فِي كِتَابه (وَمثل كلمة طيبَة كشجرة طيبَة) (إِبْرَاهِيم الْآيَة 24) يَعْنِي بهَا قُريْشًا (أَصْلهَا ثَابت) يَقُول: أَصْلهَا كَرَمٌ (وفرعها فِي السَّمَاء) يَقُول: الشّرف الَّذِي شرفهم الله بالإِسلام الَّذِي هدَاهُم لَهُ وجعلهم أَهله
ثمَّ أنزل فيهم سُورَة من كتاب الله بِمَكَّة (لإِيلاف قُرَيْش) (قُرَيْش الْآيَة 1 - 2 - 3 - 4) إِلَى آخرهَا قَالَ عدي بن حَاتِم: مَا رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذكر عِنْده قُرَيْش بِخَير قطّ إِلَّا سره حَتَّى يتَبَيَّن ذَلِك السرُور للنَّاس كلهم فِي وَجهه وَكَانَ كثيرا مَا يَتْلُوا هَذِه الْآيَة {وَإنَّهُ لذكر لَك ولقومك وسوف تسْأَلُون}
الْآيَة 45(7/381)
وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ (45)
أخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله {واسأل من أرسلنَا من قبلك من رسلنَا} قَالَ: لَيْلَة اسري بِهِ لَقِي الرُّسُل
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله: {واسأل من أرسلنَا من قبلك من رسلنَا} قَالَ: بلغنَا أَنه لَيْلَة أسرِي بِهِ أرِي الْأَنْبِيَاء فأري آدم فَسلم عَلَيْهِ: وأري مَالِكًا خَازِن النَّار وأري الْكذَّاب الدَّجَّال
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة {واسأل من أرسلنَا من قبلك من رسلنَا أجعلنا من دون الرَّحْمَن آلِهَة يعْبدُونَ} قَالَ: سل(7/381)
أهل التَّوْرَاة والإِنجيل هَل جَاءَت الرُّسُل إِلَّا بِالتَّوْحِيدِ وَقَالَ: فِي بعض الْقِرَاءَة واسأل من أرسلنَا إِلَيْهِم رسلنَا قبلك
وَأخرج عبد بن حميد من طَرِيق الْكَلْبِيّ عَن أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس {واسأل من أرسلنَا من قبلك من رسلنَا} قَالَ: سل الَّذين أرسلنَا إِلَيْهِم قبلك من رسلنَا
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد قَالَ: كَانَ عبد الله يقْرَأ / واسأل الَّذين أرسلنَا إِلَيْهِم قبلك من رسلنَا / قَالَ: فِي قِرَاءَة ابْن مَسْعُود واسأل الَّذين يقرأون الْكتاب من قبل مؤمني أهل الْكتاب
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن زيد فِي قَوْله: {واسأل من أرسلنَا من قبلك من رسلنَا} قَالَ: جمعُوا لَهُ لَيْلَة أسرِي بِهِ بِبَيْت الْمُقَدّس
الْآيَات 46 - 56(7/382)
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَقَالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (46) فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِآيَاتِنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَضْحَكُونَ (47) وَمَا نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا وَأَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (48) وَقَالُوا يَا أَيُّهَ السَّاحِرُ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ (49) فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ (50) وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ (51) أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ (52) فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ (53) فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (54) فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ (55) فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلًا لِلْآخِرِينَ (56)
أخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله: {وَمَا نريهم من آيَة إِلَّا هِيَ أكبر من أُخْتهَا} قَالَ: الطوفان وَمَا مَعَه من الْآيَات(7/382)
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة {وأخذناهم بِالْعَذَابِ} قَالَ: هُوَ عَام السّنة
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة {وأخذناهم بِالْعَذَابِ لَعَلَّهُم يرجعُونَ} قَالَ: يتوبون أَو يذكرُونَ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد {ادْع لنا رَبك بِمَا عهد عنْدك} لَئِن آمنا ليكشفن عَنَّا الْعَذَاب
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة فِي قَوْله {إِذا هم ينكثون} قَالَ: يغدرون
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله: {ونادى فِرْعَوْن فِي قومه} قَالَ: لَيْسَ هُوَ نَفسه وَلَكِن أَمر أَن يُنَادي
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْأسود بن يزِيد قَالَ: قلت لعَائِشَة: أَلا تعجبين من رجل من الطُّلَقَاء يُنَازع أَصْحَاب مُحَمَّد فِي الْخلَافَة قَالَت: وَمَا تعجب من ذَلِك هُوَ سُلْطَان الله يؤتيه الْبر والفاجر وَقد ملك فِرْعَوْن أهل مصر أَرْبَعمِائَة سنة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة {أَلَيْسَ لي ملك مصر وَهَذِه الْأَنْهَار تجْرِي من تحتي} قَالَ: قد كَانَ لَهُم جنان وأنهار {أم أَنا خير من هَذَا الَّذِي هُوَ مهين} قَالَ: ضَعِيف {وَلَا يكَاد يبين} قَالَ: عيي اللِّسَان {فلولا ألقِي عَلَيْهِ أسورة من ذهب} قَالَ: أحلية من ذهب {أَو جَاءَ مَعَه الْمَلَائِكَة مقترنين} أَي مُتَتَابعين
{فَلَمَّا آسفونا} قَالَ: أغضبونا {فجعلناهم سلفا} قَالَ: إِلَى النَّار {ومثلاً} قَالَ: عظة {للآخرين}
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وَلَا يكَاد يبين} قَالَ: كَانَت لمُوسَى لثغة فِي لِسَانه
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {أَو جَاءَ مَعَه الْمَلَائِكَة مقترنين} قَالَ: يَمْشُونَ مَعًا
وَأخرج ابْن عبد الحكم فِي فتوح مصر عَن عِكْرِمَة قَالَ: لم يخرج فِرْعَوْن من زَاد على الْأَرْبَعين سنة وَمن دون الْعشْرين فَذَلِك قَوْله: {فاستخف قومه فأطاعوه} يَعْنِي استخف قومه فِي طلب مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة {فَلَمَّا آسفونا} قَالَ: أغضبونا(7/383)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {فَلَمَّا آسفونا} قَالَ: أغضبونا
وَفِي قَوْله: {سلفا} قَالَ: أهواء مُخْتَلفَة
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {فَلَمَّا آسفونا} قَالَ: أغضبونا {فجعلناهم سلفا} قَالَ: هم قوم فِرْعَوْن كفارهم {سلفا} لكفار أمة مُحَمَّد {ومثلاً للآخرين} قَالَ: عِبْرَة لمن بعدهمْ
وَأخرج أَحْمد وَالطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب وَابْن أبي حَاتِم عَن عقبَة بن عَامر أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِذا رَأَيْت الله يُعْطي العَبْد مَا شَاءَ وَهُوَ مُقيم على مَعَاصيه فَإِنَّمَا ذَلِك اسْتِدْرَاج مِنْهُ لَهُ ثمَّ تَلا {فَلَمَّا آسفونا انتقمنا مِنْهُم فأغرقناهم أَجْمَعِينَ}
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن طَارق بن شهَاب قَالَ: كنت عِنْد عبد الله فَذكر عِنْد موت الْفجأَة فَقَالَ: تَخْفيف على الْمُؤمن وحسرة على الْكَافِر {فَلَمَّا آسفونا انتقمنا مِنْهُم}
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم أَنه كَانَ يقْرَأ {فجعلناهم سلفا} بِنصب السِّين وَاللَّام
الْآيَات 57 - 65(7/384)
وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ (57) وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ (58) إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ (59) وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلَائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ (60) وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (61) وَلَا يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيْطَانُ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (62) وَلَمَّا جَاءَ عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (63) إِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (64) فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذَابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ (65)
أخرج أَحْمد وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لقريش: إِنَّه لَيْسَ أحد يعبد من دون الله فِيهِ خير فَقَالُوا: أَلَسْت: تزْعم أَن عِيسَى كَانَ نَبيا وعبداً من عباد الله صَالحا وَقد عبدته النَّصَارَى فَإِن كنت صَادِقا فَإِنَّهُ كآلهتهم
فَأنْزل الله {وَلما ضرب ابْن مَرْيَم مثلا إِذا قَوْمك مِنْهُ يصدون} قَالَ: يضجون {وَإنَّهُ لعلم للساعة} قَالَ: هُوَ خُرُوج عِيسَى بن مَرْيَم قبيل يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما ذكر عِيسَى بن مَرْيَم جزعت قُرَيْش وَقَالُوا: مَا ذكر مُحَمَّد عِيسَى بن مَرْيَم مَا يُرِيد مُحَمَّد إِلَّا أَن نصْنَع بِهِ كَمَا صنعت النَّصَارَى بِعِيسَى بن مَرْيَم
فَقَالَ الله: {مَا ضربوه لَك إِلَّا جدلاً}
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالْفِرْيَابِي وَسَعِيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه من طرق عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَنه كَانَ يقْرؤهَا {يصدون} يَعْنِي بِكَسْر الصَّاد يَقُول: يضجون
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن أبي عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ رَضِي الله عَنهُ أَنه قَرَأَ {يصدون} بِضَم الصَّاد
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن إِبْرَاهِيم {يصدون} قَالَ: يعرضون
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن سعيد بن معبد بن أخي عبيد بن عُمَيْر اللَّيْثِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ لي ابْن عَبَّاس: مَا لعمك يقْرَأ هَذِه الْآيَة {إِذا قَوْمك مِنْهُ يصدون} انها لَيست كَذَا إِنَّمَا هِيَ {إِذا قَوْمك مِنْهُ يصدون} إِذا هم يَهْجُونَ إِذا هم يضجون
وَأخرج عبد بن حميد عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ {إِذا قَوْمك مِنْهُ يصدون} قَالَ: يضجون
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد وَالْحسن وَقَتَادَة رَضِي الله عَنْهُمَا مثله
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ: سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقْرَأ {يصدون} بِالْكَسْرِ
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَأحمد وَعبد بن حميد وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَابْن ماجة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب(7/385)
الْإِيمَان عَن أبي أُمَامَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا ضل قوم بعد هدى كَانُوا عَلَيْهِ إِلَّا أُوتُوا الجدل ثمَّ قَرَأَ {مَا ضربوه لَك إِلَّا جدلاً} الْآيَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي أُمَامَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: مَا ضلت أمة بعد نبيها إِلَّا أعْطوا الجدل
ثمَّ قَرَأَ {مَا ضربوه لَك إِلَّا جدلاً}
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور عَن أبي إِدْرِيس الْخَولَانِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا ثار قوم فتْنَة إِلَّا أُوتُوا بهَا جدلاً وَمَا ثار قوم فِي فتْنَة إِلَّا كَانُوا لَهَا حرْزا
وَأخرج ابْن عدي والخرائطي فِي مساوىء الْأَخْلَاق عَن أبي أُمَامَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن الْكَذِب بَاب من أَبْوَاب النِّفَاق وَإِن آيَة النِّفَاق أَن يكون الرجل جدلاً خصما)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما ذكر الله عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام فِي الْقُرْآن قَالَ مشركو مَكَّة إِنَّمَا أَرَادَ مُحَمَّد أَن نحبه كَمَا أحب النَّصَارَى عِيسَى قَالَ: {مَا ضربوه لَك إِلَّا جدلاً} قَالَ: مَا قَالُوا هَذَا القَوْل إِلَّا ليجادلوا {إِن هُوَ إِلَّا عبد أنعمنا عَلَيْهِ} قَالَ: ذَلِك نَبِي الله عِيسَى أَن كَانَ عبدا صَالحا أنعم الله عَلَيْهِ {وجعلناه مثلا} قَالَ: آيَة {لبني إِسْرَائِيل} {وَلَو نشَاء لجعلنا مِنْكُم مَلَائِكَة فِي الأَرْض يخلفون} قَالَ: يخلف بَعضهم بَعْضًا مَكَان بني آدم
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا: أَن الْمُشْركين أَتَوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالُوا لَهُ: أَرَأَيْت مَا يعبد من دون الله أَيْن هم قَالَ: فِي النَّار
قَالُوا: وَالشَّمْس وَالْقَمَر قَالَ: وَالشَّمْس وَالْقَمَر قَالُوا: فعيسى بن مَرْيَم فَأنْزل الله {إِن هُوَ إِلَّا عبد أنعمنا عَلَيْهِ وجعلناه مثلا لبني إِسْرَائِيل}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {لجعلنا مِنْكُم مَلَائِكَة فِي الأَرْض يخلفون} قَالَ: يعمرون الأَرْض بَدَلا مِنْكُم
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَسَعِيد بن مَنْصُور ومسدد وَعبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ من طرق عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وَإنَّهُ لعلم للساعة} قَالَ: خُرُوج عِيسَى قبل يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ {وَإنَّهُ لعلم للساعة}(7/386)
قَالَ: خُرُوج عِيسَى يمْكث فِي الأَرْض أَرْبَعِينَ سنة تكون تِلْكَ الْأَرْبَعُونَ أَربع سِنِين يحجّ ويعتمر
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {وَإنَّهُ لعلم للساعة} قَالَ: آيَة للساعة خُرُوج عِيسَى بن مَرْيَم قبل يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ {وَإنَّهُ لعلم للساعة} قَالَ: نزُول عِيسَى
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {وَإنَّهُ لعلم للساعة} قَالَ: نزُول عِيسَى علم للساعة وناس يَقُولُونَ: الْقُرْآن علم للساعة
وَأخرج عبد بن حميد عَن شَيبَان رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ الْحسن يَقُول {وَإنَّهُ لعلم للساعة} قَالَ: هَذَا الْقُرْآن
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم رَضِي الله عَنهُ أَنه قَرَأَ {وَإنَّهُ لعلم للساعة} قَالَ: هَذَا الْقُرْآن بخفض الْعين
وَأخرج عبد بن حميد عَن حَمَّاد بن سَلمَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قرأتها فِي مصحف أبيّ وَإنَّهُ لذكر للساعة
وَأخرج ابْن جرير من طرق عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {وَإنَّهُ لعلم للساعة} قَالَ: نزُول عِيسَى
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {ولأبيِّن لكم بعض الَّذِي تختلفون فِيهِ} قَالَ: من تَبْدِيل التَّوْرَاة
الْآيَة 66(7/387)
هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (66)
أخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي سعيد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: تقوم السَّاعَة وَالرجلَانِ يحلبان اللقحة وَالرجلَانِ يطويان الثَّوْب ثمَّ قَرَأَ {هَل ينظرُونَ إِلَّا السَّاعَة أَن تأتيهم بَغْتَة وهم لَا يَشْعُرُونَ}
الْآيَات 67 - 71(7/388)
الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ (67) يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (68) الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ (69) ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ (70) يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (71)
أخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن سعد بن معَاذ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة انْقَطَعت الْأَرْحَام وَقلت الْأَنْسَاب وَذَهَبت الأخوّة إِلَّا الْأُخوة فِي الله وَذَلِكَ قَوْله: {الأخلاء يَوْمئِذٍ بَعضهم لبَعض عَدو إِلَّا الْمُتَّقِينَ}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {الأخلاء يَوْمئِذٍ بَعضهم لبَعض عَدو إِلَّا الْمُتَّقِينَ} قَالَ: مَعْصِيّة الله فِي الدُّنْيَا متعادين
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {الأخلاء يَوْمئِذٍ بَعضهم لبَعض عَدو إِلَّا الْمُتَّقِينَ} قَالَ: وَذكر لنا أَن نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَقُول: الأخلاء أَرْبَعَة مُؤْمِنَانِ وَكَافِرَانِ فَمَاتَ أحد الْمُؤمنِينَ فَسئلَ عَن خَلِيله فَقَالَ: اللَّهُمَّ لم أر خَلِيلًا آمُر بِمَعْرُوف وَلَا أنهى عَن مُنكر مِنْهُ اللَّهُمَّ اهده كَمَا هديتني وَأمته على مَا أمتني عَلَيْهِ وَمَات أحد الْكَافرين فَسئلَ عَن خَلِيله فَقَالَ: اللَّهُمَّ لم أر خَلِيلًا آمُر بمنكر مِنْهُ وَلَا أنهى عَن مَعْرُوف مِنْهُ اللَّهُمَّ أضلّهُ كَمَا أضللتني وَأمته على مَا أمتني عَلَيْهِ قَالَ: ثمَّ يبعثون يَوْم الْقِيَامَة فَقَالَ: ليثن بَعْضكُم على بعض فاما المؤمنان فاثنى كل وَاحِد مِنْهُمَا على صَاحبه كأحسن الثَّنَاء وَأما الكافران فَأثْنى كل وَاحِد مِنْهُمَا على صَاحبه كأقبح الثَّنَاء
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن كَعْب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: يُؤْتى بالرئيس فِي الْخَيْر يَوْم الْقِيَامَة فَيُقَال: أجب رَبك فَينْطَلق بِهِ إِلَى ربه فَلَا يحجب عَنهُ فَيُؤْمَر بِهِ إِلَى الْجنَّة فَيرى منزله ومنازل أَصْحَابه الَّذين كَانُوا يجامعونه على الْخَيْر ويعينونه عَلَيْهِ فَيُقَال هَذِه منزلَة فلَان وَهَذِه منزلَة فلَان فَيرى مَا أعد الله فِي الْجنَّة من الْكَرَامَة وَيرى مَنْزِلَته أفضل من مَنَازِلهمْ ويكسى من ثِيَاب الْجنَّة وَيُوضَع على رَأسه تَاج ويعلقه من ريح الْجنَّة ويشرق وَجهه حَتَّى يكون مثل الْقَمَر لَيْلَة الْبَدْر فَيخرج فَلَا يرَاهُ أهل مَلأ إِلَّا قَالُوا: اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ مِنْهُم حَتَّى يَأْتِي أَصْحَابه الَّذين كَانُوا يجامعونه على الْخَيْر ويعينونه عَلَيْهِ فَيَقُول أبشر يَا فلَان فَإِن الله أعد لَك فِي الْجنَّة(7/388)
كَذَا وَأعد لَك فِي الْجنَّة كَذَا وَكَذَا فَلَا يزَال يُخْبِرهُمْ بِمَا أعد الله لَهُم فِي الْجنَّة من الْكَرَامَة حَتَّى يَعْلُو وُجُوههم من الْبيَاض مثل مَا علا وَجهه فيعرفهم النَّاس ببياض وُجُوههم فَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ أهل الْجنَّة
وَيُؤْتى بالرئيس فِي الشَّرّ فَيُقَال أجب رَبك فَينْطَلق بِهِ إِلَى ربه فيحجب عَنهُ وَيُؤمر بِهِ إِلَى النَّار فَيرى منزله ومنازل أَصْحَابه فَيُقَال هَذِه منزلَة فلَان وَهَذِه منزلَة فلَان فَيرى مَا أَعَدَّ الله فِيهَا من الهوان وَيرى مَنْزِلَته شرا من مَنَازِلهمْ فَيَسْوَدُّ وَجْهَهُ وَتَزْرَقُّ عَيناهُ وَيُوضَع على رَأسه قلنسوة من نَار فَيخرج فَلَا يرَاهُ أهل مَلأ إِلَّا تعوذوا بِاللَّه مِنْهُ فَيَقُول مَا أعاذكم الله مني أما تذكر يَا فلَان كَذَا وَكَذَا فيذكرهم الشَّرّ الَّذِي كَانُوا يجامعونه ويعينونه عَلَيْهِ فَمَا يزَال يُخْبِرهُمْ بِمَا أعد الله لَهُم فِي النَّار حَتَّى يَعْلُو وُجُوههم من السوَاد مثل الَّذِي علا وَجهه فيعرفهم النَّاس بسواد وُجُوههم فَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ أهل النَّار
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَحميد بن زَنْجوَيْه فِي ترغيبه وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {الأخلاء يَوْمئِذٍ بَعضهم لبَعض عَدو إِلَّا الْمُتَّقِينَ} قَالَ: خليلان مُؤْمِنَانِ وخليلان كَافِرَانِ توفّي أحد الْمُؤمنِينَ فبشر بِالْجنَّةِ فَذكر خَلِيله فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّا خليلي فلَانا كَانَ يَأْمُرنِي بطاعتك وَطَاعَة رَسُولك ويأمرني بِالْخَيرِ وينهاني عَن الشَّرّ وينبئني أَنِّي ملاقيك اللَّهُمَّ فَلَا تضله بعدِي حَتَّى تريه مَا أريتني وترضى عَنهُ كَمَا رضيت عني فَيُقَال لَهُ اذْهَبْ فَلَو تعلم مَا لَهُ عِنْدِي لضحكت كثيرا ولبكيت قَلِيلا ثمَّ يَمُوت الآخر فَيجمع بَين أرواحهما فَيُقَال: ليثن كل وَاحِد مِنْكُمَا على صَاحبه فَيَقُول كل وَاحِد مِنْهُمَا لصَاحبه نعم الْأَخ وَنعم الصاحب وَنعم الْخَلِيل وَإِذا مَاتَ أحد الْكَافرين بشر بالنَّار فيذكر خَلِيله فَيَقُول: اللَّهُمَّ إِن خليلي فلَانا كَانَ يَأْمُرنِي بمعصيتك ومعصية رَسُولك ويأمرني بِالشَّرِّ وينهاني عَن الْخَيْر وينبئني أَنِّي غير ملاقيك اللَّهُمَّ فَلَا تهده بعدِي حَتَّى تريه مثل مَا اريتني وتسخط عَلَيْهِ كَمَا سخطت عَليّ فَيَمُوت الآخر فَيجمع بَين أرواحهما فَيُقَال ليثن كل وَاحِد مِنْكُمَا على صَاحبه فَيَقُول كل وَاحِد لصَاحبه بئس الْأَخ وَبئسَ الصاحب وَبئسَ الْخَلِيل
وَأخرج ابْن جرير عَن سُلَيْمَان التَّيْمِيّ قَالَ: سَمِعت أَن النَّاس حِين يبعثون لَيْسَ(7/389)
فيهم إِلَّا فزع فينادي منادٍ {يَا عبادِ لَا خوف عَلَيْكُم الْيَوْم وَلَا أَنْتُم تَحْزَنُونَ} فيرجوها النَّاس كلهم فيتبعها {الَّذين آمنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسلمين}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {تحبرون} قَالَ: تكرمون وَالله تَعَالَى أعلم
وَأخرج ابْن الْمُبَارك وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي صفة الْجنَّة وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط بسندٍ رِجَاله ثِقَات عَن أنس رَضِي الله عَنهُ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: إِن أَسْفَل أهل الْجنَّة أَجْمَعِينَ دَرَجَة لمن يقوم على رَأسه عشرَة آلَاف بيد كل وَاحِد صحفتان: وَاحِدَة من ذهب وَالْأُخْرَى من فضَّة فِي كل وَاحِدَة لون لَيْسَ فِي الْأُخْرَى مثله يَأْكُل من آخرهَا مثل مَا يَأْكُل من أَولهَا يجد لآخرها من الطّيب واللذة مثل الَّذِي يجد لأولها ثمَّ يكون ذَلِك ريح الْمسك الأذفر لَا يَبُولُونَ وَلَا يَتَغَوَّطُونَ وَلَا يَمْتَخِطُونَ إخْوَانًا على سرر مُتَقَابلين
وَأخرج ابْن جرير عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ {بصحاف} قَالَ: القصاع
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن كَعْب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِن أدنى أهل الْجنَّة منزلَة يَوْم الْقِيَامَة ليؤتى بغدائه فِي سبعين ألف صَحْفَة فِي كل صَحْفَة لون لَيْسَ كالآخر فيجد للْآخر لذته أَوله لَيْسَ مِنْهُ أول
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: الأكواب الجرار من الْفضة
وَأخرج هناد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: الأكواب الَّتِي لَيْسَ لَهَا آذان
وَأخرج الطستي فِي مسَائِله عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا: أَن نَافِع بن الْأَزْرَق سَأَلَهُ عَن قَوْله: {وأكواب} قَالَ: القلال الَّتِي لَا عرا لَهَا
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم أما سَمِعت قَول الْهُذلِيّ فَلم ينْطق الديك حَتَّى مَلَأت كوب الذُّبَاب لَهُ فاستدارا وَأخرج ابْن جرير عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله: {بأكواب} قَالَ: جرار لَيْسَ لَهَا عرا وَهِي بالنبطية كوى
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن أَهْون أهل النَّار عذَابا رجل يطَأ على جَمْرَة يغلي مِنْهَا دماغه قَالَ أَبُو بكر الصّديق: وَمَا كَانَ(7/390)
جرمه يَا رَسُول الله قَالَ: كَانَت لَهُ مَاشِيَة يغشى بهَا الزَّرْع ويؤذيه وَحرم الله الزَّرْع وَمَا حوله رمية بِحجر فَلَا تستحبوا أَمْوَالكُم فِي الدُّنْيَا وتهلكوا أَنفسكُم فِي الْآخِرَة
وَقَالَ: إِن أدنى أهل الْجنَّة منزلَة وأسفلهم دَرَجَة لَا يدْخل بعده أحد يفسح لَهُ فِي بَصَره مسيرَة عَام فِي قُصُور من ذهب وخيام من لُؤْلُؤ لَيْسَ فِيهَا مَوضِع شبر إِلَّا معمور يغدى عَلَيْهِ كل يَوْم وَيرَاح بسبعين ألف صَحْفَة فِي كل صَحْفَة لون لَيْسَ فِي الآخر مثله شَهْوَته فِي آخرهَا كشهوته فِي أَولهَا لَو نزل بِهِ جَمِيع أهل الأَرْض لوسع عَلَيْهِم مِمَّا أعْطى لَا ينقص ذَلِك مِمَّا أُوتِيَ شَيْئا
وَأخرج ابْن جرير عَن أبي أُمَامَة قَالَ: إِن الرجل من أهل الْجنَّة يَشْتَهِي الطَّائِر وَهُوَ يطير فَيَقَع منفلقاً نضيجاً فِي كَفه فيأكل مِنْهُ حَتَّى يَنْتَهِي ثمَّ يطير ويشتهي الشَّرَاب فَيَقَع الإِبريق فِي يَده فيشرب مِنْهُ مَا يُرِيد ثمَّ يرجع إِلَى مَكَانَهُ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة {وأكواب} قَالَ: هِيَ دون الأباريق بلغنَا أَنَّهَا مدوّرة الرَّأْس
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي أُمَامَة: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَدثهمْ وَذكر الْجنَّة فَقَالَ: وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ ليأخذن أحدكُم اللُّقْمَة فيجعلها فِي فِيهِ ثمَّ يخْطر على باله طَعَام آخر فيتحول الطَّعَام الَّذِي فِي فِيهِ على الَّذِي اشْتهى ثمَّ قَرَأَ {وفيهَا مَا تشتهيه الْأَنْفس وتلذ الْأَعْين وَأَنْتُم فِيهَا خَالدُونَ}
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي صفة الْجنَّة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الرمانة من رمان الْجنَّة يجْتَمع عَلَيْهَا بشر كثير يَأْكُلُون مِنْهَا فان جرى على ذكر أحدهم شَيْء وجده فِي مَوضِع يَده حَيْثُ يَأْكُل
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَالْبَزَّار وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: قَالَ لي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِنَّك ستنظر إِلَى الطير فِي الْجنَّة فتشتهيه فيخر بَين يَديك مشوياً
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن مَيْمُونَة: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن الرجل ليشتهي الطير فِي الْجنَّة فَيَجِيء مثل البختي حَتَّى يَقع على خوانه لم يصبهُ دُخان وَلم تمسه نَار فيأكل مِنْهُ حَتَّى يشْبع ثمَّ يطير
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: أخس أهل الْجنَّة منزلا لَهُ سَبْعُونَ ألف خَادِم مَعَ كل خَادِم صَحْفَة من ذهب لَو نزل بِهِ أهل الأَرْض(7/391)
جَمِيعًا لأوصلهم لَا يَسْتَعِين عَلَيْهِم بِشَيْء من عِنْد غَيره
وَذَلِكَ فِي قَول الله {وفيهَا مَا تشتهيه الْأَنْفس}
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس أَنه سُئِلَ فِي الْجنَّة ولد قَالَ: إِن شاؤوا
وَأخرج أَحْمد وهناد والدارمي وَعبد بن حميد وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه وَابْن ماجة وَابْن الْمُنْذر وَابْن حبَان وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: قُلْنَا يَا رَسُول الله إِن الْوَلَد من قُرَّة الْعين وَتَمام السرُور فَهَل يُولد لأهل الْجنَّة فَقَالَ: إِن الْمُؤمن إِذا اشْتهى الْوَلَد فِي الْجنَّة كَانَ حمله وَوَضعه وسنه فِي سَاعَة: كَمَا يَشْتَهِي
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن ابْن سابط قَالَ: قَالَ رجل يَا رَسُول الله: أَفِي الْجنَّة خيل فَإِنِّي أحب الْخَيل قَالَ: إِن يدْخلك الله الْجنَّة مَا من شَيْء شِئْت إِلَّا فعلت فَقَالَ الْأَعرَابِي: أَفِي الْجنَّة إبل فَإِنِّي أحب الإِبل فَقَالَ يَا اعرابي: إِن أدْخلك الله الْجنَّة أصبت فِيهَا مَا تشْتَهي نَفسك ولذت عَيْنك
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن بُرَيْدَة قَالَ: جَاءَ رجل إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: هَل فِي الْجنَّة خيل فَإِنَّهَا تعجبني قَالَ: إِن أَحْبَبْت ذَلِك أتيت بفرس من ياقوتة حَمْرَاء فتطير بك فِي الْجنَّة حَيْثُ شِئْت فَقَالَ لَهُ رجل: إِن الإِبل تعجبني فَهَل فِي الْجنَّة من إبل فَقَالَ: يَا عبد الله إِن أدخلت الْجنَّة فلك فِيهَا مَا تشْتَهي نَفسك ولذت عَيْنك
وَأخرج عبد بن حميد عَن كثير بن مرّة الْحَضْرَمِيّ قَالَ: إِن السحابة لتمر بِأَهْل الْجنَّة فَتَقول مَا أمطركم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن سابط قَالَ: إِن الرَّسُول يَجِيء إِلَى الشَّجَرَة من شجر الْجنَّة فَيَقُول: إِن رَبِّي يَأْمُرك أَن تفتقي لهَذَا مَا شَاءَ فَإِن الرَّسُول ليجيء إِلَى الرجل من أهل الْجنَّة فينشر عَلَيْهِ الْحلَّة فَيَقُول: قد رَأَيْت الْحلَل فَمَا رَأَيْت مثل هَذِه
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عمر بن قيس قَالَ: إِن الرجل من أهل الْجنَّة ليشتهي الثَّمَرَة فتجيء حَتَّى تسيل فِي فِيهِ وَإِنَّهَا فِي أَصْلهَا فِي الشَّجَرَة
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن عبد الرَّحْمَن بن سابط قَالَ: إِن الرجل من أهل الْجنَّة ليزوّج خَمْسمِائَة حوراء وَأَرْبَعمِائَة بكر وَثَمَانِية آلَاف ثيب مَا مِنْهُنَّ(7/392)
وَاحِدَة إِلَّا يعانقها عمر الدُّنْيَا كلهَا لَا يُوجد وَاحِد مِنْهُمَا من صَاحبه وَإنَّهُ لتوضع مائدته فَمَا تَنْقَضِي مِنْهَا نهمته عمر الدُّنْيَا كلهَا وَإنَّهُ ليَأْتِيه الْملك بِتَحِيَّة من ربه وَبَين أصبعيه مائَة أَو سَبْعُونَ حلَّة فَيَقُول مَا أَتَانِي من رَبِّي شَيْء أعجب إليّ من هَذِه فَيَقُول: أيعجبك هَذَا فَيَقُول: نعم فَيَقُول الْملك: لأدنى شَجَرَة بِالْجنَّةِ تلوني لفُلَان من هَذَا مَا اشتهت نَفسه
وَأخرج ابْن جرير عَن أبي ظَبْيَة السّلمِيّ قَالَ: إِن السرب من أهل الْجنَّة لتظلهم السحابة فَتَقول: مَا أمطركم فَمَا يَدْعُو دَاع من الْقَوْم بِشَيْء إِلَّا أمطرتهم حَتَّى أَن الْقَائِل مِنْهُم ليقول: أمطرينا كواعب أَتْرَابًا
الْآيَات 72 - 89(7/393)
وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (72) لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا تَأْكُلُونَ (73) إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ (74) لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ (75) وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ (76) وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ (77) لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ (78) أَمْ أَبْرَمُوا أَمْرًا فَإِنَّا مُبْرِمُونَ (79) أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ (80) قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ (81) سُبْحَانَ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (82) فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (83) وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (84) وَتَبَارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (85) وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (86) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (87) وَقِيلِهِ يَا رَبِّ إِنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ لَا يُؤْمِنُونَ (88) فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (89)
أخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: مَا من أحد إِلَّا وَله منزل فِي الْجنَّة ومنزل فِي النَّار فالكافر يَرث الْمُؤمن منزله فِي النَّار وَالْمُؤمن يَرث الْكَافِر منزله فِي الْجنَّة وَذَلِكَ قَوْله {وَتلك الْجنَّة الَّتِي أورثتموها بِمَا كُنْتُم تَعْمَلُونَ}
وَأخرج هناد بن السّري وَعبد بن حميد فِي الزّهْد عَن عبد الله بن مَسْعُود قَالَ: تجوزون الصِّرَاط بِعَفْو الله وتدخلون الْجنَّة برحمة الله وتقتسمون الْمنَازل بأعمالكم
قَوْله تَعَالَى: {إِن الْمُجْرمين}
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {وهم فِيهِ مبلسون} قَالَ: مستسلمون
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ وَابْن الْأَنْبَارِي فِي الْمَصَاحِف وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن يعلى بن أُميَّة قَالَ: سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقْرَأ على الْمِنْبَر {وَنَادَوْا يَا مَالك}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عَليّ أَنه سمع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقْرَأ على الْمِنْبَر {وَنَادَوْا يَا مَالك}
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْأَنْبَارِي عَن مُجَاهِد قَالَ: فِي قِرَاءَة عبد الله بن مَسْعُود {وَنَادَوْا يَا مَالك}
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن يعلى بن أُميَّة قَالَ: سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقْرَأ على الْمِنْبَر {وَنَادَوْا يَا مَالك ليَقْضِ علينا رَبك}
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالْفِرْيَابِي وَعبد بن حميد وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي صفة النَّار وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث والنشور عَن ابْن عَبَّاس: {وَنَادَوْا يَا مَالك} قَالَ: مكث عَنْهُم ألف سنة ثمَّ يُجِيبهُمْ {إِنَّكُم مَاكِثُونَ}
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {أم أبرموا أمرا فَإنَّا مبرمون} قَالَ: أم أَجمعُوا أمرا فَإنَّا مجمعون إِن كَادُوا شرا كدناهم مثله
وَأخرج ابْن جرير عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ قَالَ: بَينا ثَلَاثَة بَين الْكَعْبَة واستارها قرشيان وثقفي أَو ثقفيان وقرشي فَقَالَ وَاحِد مِنْهُم: ترَوْنَ الله يسمع(7/394)
كلامنا فَقَالَ وَاحِد: إِذا جهرتم سمع وَإِذا أسررتم لم يسمع فَنزلت {أم يحسبون أَنا لَا نسْمع سرهم ونجواهم} الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {قل إِن كَانَ للرحمن ولد} يَقُول: لم يكن للرحمن ولد {فَأَنا أول العابدين} قَالَ: الشَّاهِدين
وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس: إِن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله عزَّ وَجل {فَأَنا أول العابدين} قَالَ: أَنا أول متبرىء من أَن يكون لله ولد
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم أما سَمِعت تبعا وَهُوَ يَقُول: وَقد علمت فهر بِأَنِّي رَبهم طراً وَلم تعبد [] وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن وَقَتَادَة {قل إِن كَانَ للرحمن ولد} قَالَا: مَا كَانَ للرحمن ولد {فَأَنا أول العابدين} قَالَ: يَقُول مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: فَأَنا أول من عبد الله من هَذِه الْأمة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد {قل إِن كَانَ للرحمن ولد} فِي زعمكم {فَأَنا أوّل العابدين} فَأَنا أول من عبد الله وَحده وكذبكم بِمَا تَقولُونَ
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد {قل إِن كَانَ للرحمن ولد فَأَنا أول العابدين} قَالَ: الْمُؤمنِينَ بِاللَّه فَقولُوا مَا شِئْتُم
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة قَالَ: هَذِه كلمة من كَلَام الْعَرَب: {إِن كَانَ للرحمن ولد} أَي إِن ذَلِك لم يكن
وَأخرج ابْن جرير عَن زيد بن أسلم قَالَ: هَذَا مقول من قَول الْعَرَب إِن كَانَ هَذَا الْأَمر قطّ أَي مَا كَانَ
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْأَعْمَش أَنه كَانَ يقْرَأ: كل شَيْء بعد السَّجْدَة فِي مَرْيَم ولد وَالَّتِي فِي الزخرف ونوح وَسَائِر (لَعَلَّهَا: وَسَائِر السُّور مصححه) ولد
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن قَتَادَة فِي قَوْله {عَمَّا يصفونَ} قَالَ: عَمَّا يكذبُون
وَفِي قَوْله {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاء إِلَه وَفِي الأَرْض إِلَه} قَالَ: هُوَ الَّذِي يعبد فِي السَّمَاء ويعبد فِي الأَرْض(7/395)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {وَلَا يملك الَّذين يدعونَ من دونه الشَّفَاعَة} قَالَ: عِيسَى وعزير وَالْمَلَائِكَة {إِلَّا من شهد بِالْحَقِّ} قَالَ: كلمة الإِخلاص {وهم يعلمُونَ} إِن الله حق وَعِيسَى وعزير وَالْمَلَائِكَة - يَقُول: لَا يشفع عِيسَى وعزير وَالْمَلَائِكَة {إِلَّا من شهد بِالْحَقِّ} وَهُوَ يعلم الْحق
وَأخرج عبد بن حميد وَعبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {إِلَّا من شهد بِالْحَقِّ وهم يعلمُونَ} قَالَ: الْمَلَائِكَة وَعِيسَى وعزيز فَإِن لَهُم عِنْد الله شَفَاعَة
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن مُجَاهِد فِي الْآيَة قَالَ: {شهد بِالْحَقِّ} وَهُوَ يعلم أَن الله ربه
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَوْف قَالَ: سَأَلت إِبْرَاهِيم عَن الرجل يجد شَهَادَته فِي الْكتاب وَيعرف الْخط والخاتم وَلَا يحفظ الدَّرَاهِم فَتلا {إِلَّا من شهد بِالْحَقِّ وهم يعلمُونَ}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {وقيله يَا رب إِن هَؤُلَاءِ قوم لَا يُؤمنُونَ} قَالَ: هَذَا قَول نَبِيكُم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يشكو قومه إِلَى ربه وَعَن ابْن مَسْعُود أَنه قَرَأَ وَقَالَ الرَّسُول يَا رب
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ {وقيله يَا رب} بخفض اللَّام وَالْهَاء
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة {فاصفح عَنْهُم} قَالَ: نسخ الصفح
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن شُعَيْب بن الْحجاب قَالَ: كنت مَعَ عَليّ بن عبد الله الْبَارِقي فَمر علينا يَهُودِيّ أَو نَصْرَانِيّ فَسلم عَلَيْهِ فَقَالَ شُعَيْب: قلت إِنَّه يَهُودِيّ أَو نَصْرَانِيّ فَقَرَأَ عَليّ آخر سُورَة الزخرف {وقيله يَا رب إِن هَؤُلَاءِ قوم لَا يُؤمنُونَ فاصفح عَنْهُم وَقل سَلام فَسَوف يعلمُونَ}
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عون بن عبد الله قَالَ: سُئِلَ عمر بن عبد الْعَزِيز عَن ابْتِدَاء أهل الذِّمَّة بِالسَّلَامِ فَقَالَ: ترد عَلَيْهِم وَلَا تبتدئهم
قلت: فَكيف تَقول أَنْت قَالَ: مَا أرى بَأْسا أَن نبدأهم
قلت: لم قَالَ: لقَوْل الله تَعَالَى {فاصفح عَنْهُم وَقل سَلام فَسَوف يعلمُونَ}(7/396)
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم (44)
سُورَة الدُّخان
مَكِّيَّة وآياتها تسع وَخَمْسُونَ
مُقَدّمَة سُورَة الدُّخان أخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: نزلت بِمَكَّة سُورَة {حم} الدُّخان
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عبد الله بن الزبير رَضِي الله عَنهُ قَالَ: نزلت بِمَكَّة سُورَة الدُّخان
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من قَرَأَ حم الدُّخان فِي لَيْلَة أصبح يسْتَغْفر لَهُ سَبْعُونَ ألف ملك
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَمُحَمّد بن نصر وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من قَرَأَ حم الدُّخان فِي لَيْلَة أصبح يسْتَغْفر لَهُ سَبْعُونَ ألف ملك
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَمُحَمّد بن نصر وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من قَرَأَ حم الدُّخان فِي لَيْلَة جُمُعَة أصبح مغفورا لَهُ
وَأخرج ابْن الضريس وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من قَرَأَ لَيْلَة الْجُمُعَة {حم} الدُّخان و {يس} أصبح مغفورا لَهُ
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي أُمَامَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من قَرَأَ {حم} الدُّخان فِي لَيْلَة جُمُعَة أَو يَوْم جُمُعَة بنى الله لَهُ بَيْتا فِي الْجنَّة
وَأخرج ابْن الضريس عَن الْحسن: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: من قَرَأَ سُورَة الدُّخان فِي لَيْلَة غفر لَهُ مَا تقدم من ذَنبه(7/397)
وَأخرج الدَّارمِيّ وَمُحَمّد بن نصر عَن أبي رَافع قَالَ: من قَرَأَ الدُّخان فِي لَيْلَة الْجُمُعَة أصبح مغفورا لَهُ وَزوج من الْحور الْعين
وَأخرج الدَّارمِيّ عَن عبد الله بن عِيسَى قَالَ: أخْبرت أَنه من قَرَأَ {حم} الدُّخان لَيْلَة الْجُمُعَة إِيمَانًا وَتَصْدِيقًا بهَا أصبح مغفورا لَهُ
وَأخرج الْبَزَّار عَن زيد بن حَارِثَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لِابْنِ صياداني: خبأت لَك خبيا فَمَا هُوَ وخبا لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سُورَة الدُّخان فَقَالَ: هُوَ الدخ فَقَالَ: اخسه مَا شَاءَ الله كَانَ ثمَّ انْصَرف
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن الْأسود بن يزِيد وعنبسة أَن رجلا أَتَى عبد الله بن مَسْعُود فَقَالَ: قَرَأت الْمفصل فِي رَكْعَة فَقَالَ عبد الله: بل هذذت كهذ الشّعْر وكنثر الدقل وَلَكِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يقْرَأ النَّظَائِر فِي رَكْعَة فَذكر عشر رَكْعَات بِعشْرين سُورَة عَن تأليف عبد الله آخِرهنَّ إِذا الشَّمْس كورت وَالدُّخَان
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: لقد علمت النَّظَائِر الَّتِي كَانَ يُصَلِّي بِهن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الذاريات وَالطور والنجم واقتربت والرحمن والواقعة وَنون والحاقة والمزمل وَلَا أقسم بِيَوْم الْقِيَامَة وَهل أَتَى على الْإِنْسَان والمرسلات وَعم يتساءلون والنازعات وَعَبس وويل لِلْمُطَفِّفِينَ وَإِذا الشَّمْس كورت وَالدُّخَان
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: لِأَنِّي لأحفظ الْقَرَائِن الَّتِي كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقْرَأ بِهن ثَمَان عشرَة من الْمفصل وسورتين من آل حم
وَأخرج ابْن أبي عمر فِي مُسْنده عَن ابْن مَسْعُود أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَرَأَ فِي الْمغرب {حم} الَّتِي يذكر فِيهَا الدُّخان
الْآيَات 1 - 5(7/398)
حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ (3) فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (4) أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (5)
أخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَة مباركة} قَالَ: أنزل الْقُرْآن فِي لَيْلَة الْقدر ثمَّ نزل بِهِ جِبْرِيل على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نجوماً بِجَوَاب كَلَام النَّاس(7/398)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن قَتَادَة {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَة مباركة} قَالَ: هِيَ (لَيْلَة الْقدر)
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي الْجلد قَالَ: نزلت صحف إِبْرَاهِيم فِي أول لَيْلَة من رَمَضَان وَأنزل الإِنجيل لثمان عشرَة لَيْلَة خلت من رَمَضَان وَأنزل الْفرْقَان لأَرْبَع وَعشْرين
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ فِي قَوْله: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَة مباركة} قَالَ: نزل الْقُرْآن جملَة على جِبْرِيل وَكَانَ جِبْرِيل يَجِيء بعد إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: نزل الْقُرْآن من السَّمَاء الْعليا إِلَى السَّمَاء الدُّنْيَا جَمِيعًا فِي (لَيْلَة الْقدر) ثمَّ فصل بعد ذَلِك فِي تِلْكَ السنين
وَأخرج مُحَمَّد بن نصر وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {فِيهَا يفرق كل أَمر حَكِيم} قَالَ: يكْتب من (أم الْكتاب) (الرَّعْد الْآيَة 39) (فِي لَيْلَة الْقدر) مَا يكون فِي السّنة من رزق أَو موت أَو حَيَاة أَو مطر حَتَّى يكْتب الْحَاج يحجّ فلَان ويحج فلَان
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عمر فِي قَوْله {فِيهَا يفرق كل أَمر حَكِيم} قَالَ: أَمر السّنة إِلَى السّنة إِلَّا الشَّقَاء والسعادة فَإِنَّهُ فِي كتاب الله لَا يُبدل وَلَا يُغير
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عَطاء الْخُرَاسَانِي عَن عِكْرِمَة {فِيهَا يفرق كل أَمر حَكِيم} قَالَ: يقْضِي فِي (لَيْلَة الْقدر) (كل أَمر مُحكم)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَمُحَمّد بن نصر وَابْن الْمُنْذر من طَرِيق مُحَمَّد بن سوقة عَن عِكْرِمَة قَالَ: يُؤذن للْحَاج بِبَيْت الله فِي (لَيْلَة الْقدر) فيكتبون بِأَسْمَائِهِمْ وَأَسْمَاء آبَائِهِم فَلَا يُغَادر تِلْكَ اللَّيْلَة أحد مِمَّن كتب ثمَّ قَرَأَ {فِيهَا يفرق كل أَمر حَكِيم} فَلَا يُزَاد فيهم وَلَا ينقص مِنْهُم
وَأخرج سعيد وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ أَنه سُئِلَ عَن قَوْله {حم وَالْكتاب الْمُبين إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَة مباركة إِنَّا كُنَّا منذرين} {فِيهَا يفرق كل أَمر حَكِيم} قَالَ: يفرق {فِي لَيْلَة الْقدر} مَا يكون من السّنة إِلَى السّنة إِلَّا الْحَيَاة وَالْمَوْت يفرق فِيهَا المعايش والمصائب كلهَا(7/399)
وَأخرج عبد بن حميد وَمُحَمّد بن نصر وَابْن جرير عَن ربيعَة بن كُلْثُوم قَالَ: كنت عِنْد الْحسن فَقَالَ لَهُ رجل يَا أَبَا سعيد (لَيْلَة الْقدر) فِي كل رَمَضَان هِيَ قَالَ: أَي وَالله إِنَّهَا لفي كل رَمَضَان وَإنَّهُ لليلة {فِيهَا يفرق كل أَمر حَكِيم} فِيهَا يقْضِي الله كل أجل وَعمل ورزق إِلَى مثلهَا
وَأخرج ابْن جرير عَن عمر مولى غفرة قَالَ: يُقَال ينْسَخ لملك الْمَوْت من يَمُوت من (لَيْلَة الْقدر) إِلَى مثلهَا وَذَلِكَ لِأَن الله يَقُول: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَة مباركة} إِلَى قَوْله {فِيهَا يفرق كل أَمر حَكِيم} فتجد الرجل ينْكح النِّسَاء ويفرش الْفرش واسْمه فِي الْأَمْوَات
وَأخرج ابْن جرير عَن هِلَال بن يسَاف قَالَ: كَانَ يُقَال انتظروا الْقَضَاء فِي شهر رَمَضَان
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَة مباركة} قَالَ: (لَيْلَة الْقدر)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: إِنَّك لترى الرجل يمشي فِي الْأَسْوَاق وَقد وَقع اسْمه فِي الْمَوْتَى ثمَّ قَرَأَ {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَة مباركة إِنَّا كُنَّا منذرين} {فِيهَا يفرق كل أَمر حَكِيم} يَعْنِي (لَيْلَة الْقدر) قَالَ: فَفِي تِلْكَ اللَّيْلَة يفرق أَمر الدُّنْيَا إِلَى مثلهَا من قَابل موت أَو حَيَاة أَو رزق كل أَمر الدُّنْيَا يفرق تِلْكَ اللَّيْلَة إِلَى مثلهَا من قَابل
وَأخرج عبد بن حميد وَمُحَمّد بن نصر وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي مَالك فِي قَوْله: {فِيهَا يفرق كل أَمر حَكِيم} قَالَ: عمل السّنة إِلَى السّنة
وَأخرج عبد بن حميد وَمُحَمّد بن نصر وَابْن جرير وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ فِي قَوْله: {فِيهَا يفرق كل أَمر حَكِيم} قَالَ: يدبر أَمر السّنة إِلَى السّنة (فِي لَيْلَة الْقدر)
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن أبي الجوزاء {فِيهَا يفرق كل أَمر حَكِيم} قَالَ: هِيَ (لَيْلَة الْقدر) يجاء بالديوان الْأَعْظَم السّنة إِلَى السّنة فَيغْفر الله عز وَجل لمن يَشَاء أَلا ترى أَنه قَالَ: {رَحْمَة من رَبك}
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن نصر وَابْن جرير وَالْبَيْهَقِيّ عَن قَتَادَة فِي(7/400)
قَوْله: {فِيهَا يفرق كل أَمر حَكِيم} قَالَ: فِيهَا يفرق أَمر السّنة إِلَى السّنة وَفِي لفظ قَالَ: فِيهَا يقْضى مَا يكون من السّنة إِلَى السّنة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن نصر وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي نَضرة {فِيهَا يفرق كل أَمر حَكِيم} قَالَ: يفرق أَمر السّنة فِي كل (لَيْلَة قدر) خَيرهَا وشرها وَرِزْقهَا وأجلها وبلاؤها ورخاؤها ومعاشها إِلَى مثلهَا من السّنة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق مُحَمَّد بن سوقة عَن عِكْرِمَة {فِيهَا يفرق كل أَمر حَكِيم} قَالَ: فِي لَيْلَة النّصْف من شعْبَان يبرم أَمر السّنة وينسخ الْأَحْيَاء من الْأَمْوَات وَيكْتب الْحَاج فَلَا يُزَاد فيهم وَلَا ينقص مِنْهُم أحد
وَأخرج ابْن زَنْجوَيْه والديلمي عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: تقطع الْآجَال من شعْبَان إِلَى شعْبَان حَتَّى أَن الرجل لينكح ويولد لَهُ وَقد خرج اسْمه فِي الْمَوْتَى
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عَطاء بن يسَار قَالَ: لم يكن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي شهر أَكثر صياما مِنْهُ فِي شعْبَان وَذَلِكَ أَنه ينْسَخ فِيهِ آجال من ينْسَخ فِي السّنة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه وَابْن عَسَاكِر عَن عَائِشَة قَالَت: لم يكن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي شهر أَكثر صياما مِنْهُ فِي شعْبَان لِأَنَّهُ ينْسَخ فِيهِ أَرْوَاح الْأَحْيَاء فِي الْأَمْوَات حَتَّى أَن الرجل يتَزَوَّج وَقد رفع اسْمه فِيمَن يَمُوت وَإِن الرجل ليحج وَقد رفع اسْمه فِيمَن يَمُوت
وَأخرج أَبُو يعلى عَن عَائِشَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَصُوم شعْبَان كُله فَسَأَلته قَالَ: إِن الله يكْتب فِيهِ كل نفس مبتة تِلْكَ السّنة فَأحب أَن يأتيني أَجلي وَأَنا صَائِم
وَأخرج الدينَوَرِي فِي المجالسة عَن رَاشد بن سعد أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: فِي لَيْلَة النّصْف من شعْبَان يوحي الله إِلَى ملك الْمَوْت بِقَبض كل نفس يُرِيد قبضهَا فِي تِلْكَ السّنة
وَأخرج ابْن جرير وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن الزُّهْرِيّ عَن عُثْمَان بن مُحَمَّد بن الْمُغيرَة بن الْأَخْنَس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: تقطع الْآجَال من شعْبَان إِلَى شعْبَان حَتَّى أَن الرجل ينْكح ويولد لَهُ وَقد خرج اسْمه فِي الْمَوْتَى قَالَ: الزُّهْرِيّ وحَدثني أَيْضا عُثْمَان بن مُحَمَّد بن الْمُغيرَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: مَا من يَوْم(7/401)
طلعت شمسه إِلَّا يَقُول من اسْتَطَاعَ أَن يعْمل فيّ خيرا فليعمله فَإِنِّي غير مكر عَلَيْكُم أبدا وَمَا من يَوْم إِلَّا يُنَادي مناديان من السَّمَاء يَقُول أَحدهمَا: يَا طَالب الْخَيْر أبشر وَيَقُول الآخر: يَا طَالب الشَّرّ أقصر وَيَقُول أَحدهمَا: اللَّهُمَّ أعْط منفقاً مَالا خلفا وَيَقُول الآخر: اللَّهُمَّ اعط ممسكاً مَالا تلفاً
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن عَطاء بن يسَار قَالَ: إِذا كَانَ لَيْلَة النّصْف من شعْبَان دفع إِلَى ملك الْمَوْت صحيفَة فَيُقَال اقبض من فِي هَذِه الصَّحِيفَة فَإِن العَبْد ليفرش الْفراش وينكح الْأزْوَاج وَيَبْنِي الْبُنيان وان اسْمه قد نسخ فِي الْمَوْتَى
وَأخرج الْخَطِيب فِي رُوَاة مَالك عَن عَائِشَة: سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: يفتح الله الْخَيْر فِي أَربع لَيَال لَيْلَة الْأَضْحَى وَالْفطر وَلَيْلَة النّصْف من شعْبَان ينْسَخ فِيهَا الْآجَال والأرزاق وَيكْتب فِيهَا الْحَاج وَفِي لَيْلَة عَرَفَة إِلَى الْأَذَان
وَأخرج الْخَطِيب وَابْن النجار عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَصُوم شعْبَان كُله حَتَّى يصله برمضان وَلم يكن يَصُوم شهرا تَاما إِلَّا شعْبَان فَقلت يَا رَسُول الله: إِن شعْبَان لمن أحب الشُّهُور إِلَيْك أَن تصومه فَقَالَ: نعم يَا عَائِشَة إِنَّه لَيْسَ نفس تَمُوت فِي سنة إِلَّا كتب أجلهَا فِي شعْبَان فَأحب أَن يكْتب أَجلي وَأَنا فِي عبَادَة رَبِّي وَعمل صَالح وَلَفظ ابْن النجار يَا عَائِشَة إِنَّه يكْتب فِيهِ ملك الْمَوْت وَمن يقبض فَأحب أَن لَا ينْسَخ اسْمِي إِلَّا وَأَنا صَائِم وَأخرج ابْن ماجة وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الْإِيمَان عَن عَليّ بن أبي طَالب قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِذا كَانَ لَيْلَة النّصْف من شعْبَان فَقومُوا لَيْلهَا وصوموا نَهَارهَا فَإِن الله ينزل فِيهَا لغروب الشَّمْس إِلَى سَمَاء الدُّنْيَا فَيَقُول أَلا مُسْتَغْفِر فَأغْفِر لَهُ أَلا مسترزق فأرزقه أَلا مبتلى فأعافيه أَلا سَائل فَأعْطِيه أَلا كَذَا أَلا كَذَا حَتَّى يطلع الْفجْر
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن ماجة وَالْبَيْهَقِيّ عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: فقدت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَات لَيْلَة فَخرجت أطلبه فَإِذا هُوَ بِالبَقِيعِ رَافعا رَأسه إِلَى السَّمَاء فَقَالَ يَا عَائِشَة: أَكنت تَخَافِينَ أَن يَحِيف الله عَلَيْك وَرَسُوله قلت: مَا بِي من ذَلِك وَلَكِنِّي ظَنَنْت أَنَّك أتيت بعض نِسَائِك فَقَالَ: إِن الله عز وَجل ينزل لَيْلَة النّصْف من شعْبَان إِلَى السَّمَاء الدُّنْيَا فَيغْفر لأكْثر من عدد شعر غنم كلب(7/402)
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن الْقَاسِم بن مُحَمَّد بن أبي بكر عَن أَبِيه أَو عَن عَمه أَو جده أبي بكر الصّديق عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: ينزل الله إِلَى السَّمَاء الدُّنْيَا لَيْلَة النّصْف من شعْبَان فَيغْفر لكل شَيْء إِلَّا لرجل مُشْرك أَو فِي قلبه شَحْنَاء
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن أبي ثَعْلَبَة الْخُشَنِي عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِذا كَانَ لَيْلَة النّصْف من شعْبَان اطلع الله تَعَالَى إِلَى خلقه فَيغْفر للْمُؤْمِنين ويملي للْكَافِرِينَ ويدع أهل الحقد بحقدهم حَتَّى يَدعُوهُ
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن معَاذ بن جبل عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: يطلع الله فِي لَيْلَة النّصْف من شعْبَان فَيغْفر لجَمِيع خلقه إِلَّا لِمُشْرِكٍ أَو مُشَاحِن
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ مَرْفُوعا نَحوه
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن عَائِشَة قَالَت: قَامَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من اللَّيْل يُصَلِّي فَأطَال السُّجُود حَتَّى ظَنَنْت أَنه قد قبض فَلَمَّا رَأَيْت ذَلِك قُمْت حَتَّى حركت إبهامه فَتحَرك فَرَجَعت فَلَمَّا رفع رَأسه من السُّجُود وَفرغ من صلَاته فَقَالَ: يَا عَائِشَة أَو يَا حميراء ظَنَنْت أَن النَّبِي قد خاس بك قلت: لَا وَالله يَا نَبِي الله وَلَكِنِّي ظَنَنْت أَنَّك قبضت لطول سجودك فَقَالَ: أَتَدْرِينَ أَي لَيْلَة هَذِه قلت: الله وَرَسُوله أعلم قَالَ: هَذِه لَيْلَة النّصْف من شعْبَان فَيغْفر للمستغفرين وَيرْحَم المسترحمين وَيُؤَخر أهل الحقد كَمَا هم
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ وَضَعفه عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: دخل عليَّ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَرفع عَنهُ ثوبيه ثمَّ لم يستتم أَن قَامَ فلبسهما فَأَخَذَتْنِي غيرَة شَدِيدَة ظَنَنْت أَنه يَأْتِي بعض صُوَيْحِبَاتِي فَخرجت أتبعه فَأَدْرَكته بِالبَقِيعِ بَقِيع الْغَرْقَد يسْتَغْفر للْمُؤْمِنين وَالْمُؤْمِنَات وَالشُّهَدَاء فَقلت: بِأبي أَنْت وَأمي أَنْت فِي حَاجَة رَبك وَأَنا فِي حَاجَة الدُّنْيَا فَانْصَرَفت فَدخلت فِي حُجْرَتي ولي نَفَسٌ عالٍ ولحقني النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: مَا هَذَا النَّفس يَا عَائِشَة فَقلت: بِأبي أَنْت وَأمي أتيتني فَوضعت عَنْك ثوبيك ثمَّ لن تستتم أَن قُمْت فلبستهما فَأَخَذَتْنِي غيرَة شَدِيدَة ظَنَنْت أَنَّك تَأتي بعض صُوَيْحِبَاتِي حَتَّى رَأَيْتُك بِالبَقِيعِ تصنع مَا تصنع
قَالَ يَا عَائِشَة: أَكنت تَخَافِينَ أَن يَحِيف الله عَلَيْك وَرَسُوله بل أَتَانِي جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ هَذِه اللَّيْلَة لَيْلَة النّصْف من شعْبَان وَللَّه فِيهَا عُتَقَاء من النَّار بِعَدَد شُعُور غنم كلب لَا ينظر الله فِيهَا إِلَى مُشْرك وَلَا إِلَى مُشَاحِن وَلَا إِلَى قَاطع رحم وَلَا إِلَى مُسبل وَلَا إِلَى عَاق لوَالِديهِ وَلَا(7/403)
إِلَى مدمن خمر
قَالَت: ثمَّ وضع عَنهُ ثوبيه فَقَالَ لي: يَا عَائِشَة أَتَأْذَنِينَ لي فِي الْقيام هَذِه اللَّيْلَة فَقلت: نعم بِأبي وَأمي فَقَامَ فَسجدَ لَيْلًا طَويلا حَتَّى ظَنَنْت أَنه قد قبض فَقُمْت أَلْتَمِسهُ وَوضعت يَدي على بَاطِن قَدَمَيْهِ فَتحَرك وسمعته يَقُول فِي سُجُوده: أعوذ بعفوك من عُقُوبَتك وَأَعُوذ برضاك من سخطك وَأَعُوذ بك مِنْك جلّ وَجهك لَا أحصي ثَنَاء عَلَيْك أَنْت كَمَا أثنيت على نَفسك فَلَمَّا أصبح ذكرتهن لَهُ فَقَالَ يَا عَائِشَة: تعلمتيهن فَقلت: نعم فَقَالَ: تعلميهن وعلميهن فَإِن جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام علمنيهن وَأَمرَنِي أَن أرددهن فِي السُّجُود
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن عَائِشَة قَالَت: كَانَت لَيْلَة النّصْف من شعْبَان لَيْلَتي وَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عِنْدِي فَلَمَّا كَانَ فِي جَوف اللَّيْل فقدته فأخذني مَا يَأْخُذ النِّسَاء من الْغيرَة فتلفعت بمرطي فطلبته فِي حجر نِسَائِهِ فَلم أَجِدهُ فَانْصَرَفت إِلَى حُجْرَتي فَإِذا أَنا بِهِ كَالثَّوْبِ السَّاقِط وَهُوَ يَقُول فِي سُجُوده: سجد لَك خيالي وسوادي وآمن بك فُؤَادِي فَهَذِهِ يَدي وَمَا جنيت بهَا على نَفسِي يَا عَظِيم يُرْجَى لكل عَظِيم يَا عَظِيم اغْفِر الذَّنب الْعَظِيم سجد وَجْهي للَّذي خلقه وشق سَمعه وبصره ثمَّ رفع رَأسه ثمَّ عَاد سَاجِدا فَقَالَ: أعوذ برضاك من سخطك وَأَعُوذ بعفوك من عقابك وَأَعُوذ بك مِنْك أَنْت كَمَا أثنيت على نَفسك أَقُول كَمَا قَالَ أخي دَاوُد أعفر وَجْهي فِي التُّرَاب لسيدي وَحقّ لَهُ أَن يسْجد ثمَّ رفع رَأسه فَقَالَ: اللَّهُمَّ ارزقني قلباً تقياً من الشَّرّ نقياً لَا جَافيا وَلَا شقياً ثمَّ انْصَرف فَدخل معي فِي الخميلة ولي نفس عَال فَقَالَ مَا هَذَا النَّفس يَا حميراء فَأَخْبَرته فَطَفِقَ يمسح بيدَيْهِ على ركبتي وَيَقُول: وَيْح هَاتين الرُّكْبَتَيْنِ مَا لقيتا فِي هَذِه اللَّيْلَة هَذِه لَيْلَة النّصْف من شعْبَان ينزل الله فِيهَا إِلَى السَّمَاء الدُّنْيَا فَيغْفر لِعِبَادِهِ إِلَّا الْمُشرك والمشاحن
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن عُثْمَان بن أبي الْعَاصِ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِذا كَانَ لَيْلَة النّصْف من شعْبَان ينزل فِيهَا إِلَى السَّمَاء الدُّنْيَا نَادَى مُنَاد هَل من مُسْتَغْفِر فَأغْفِر لَهُ هَل من سَائل فَأعْطِيه فَلَا يسْأَل أحد إِلَّا أعطي إِلَّا زَانِيَة بفرجها أَو مُشْرك
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن عَليّ قَالَ: رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْلَة النّصْف من شعْبَان قَامَ فصلى أَربع عشرَة رَكْعَة ثمَّ جلس بعد الْفَرَاغ فَقَرَأَ بِأم الْقُرْآن أَربع عشرَة مرّة وَقل هُوَ الله أحد أَربع عشرَة مرّة وَقل أعوذ بِرَبّ الفلق أَربع عشرَة مرّة وَقل أعوذ بِرَبّ النَّاس أَربع عشرَة مرّة وَآيَة الْكُرْسِيّ مرّة (لقد جَاءَكُم رَسُول من(7/404)
أَنفسكُم) (سُورَة التَّوْبَة الْآيَة 128) الْآيَة فَلَمَّا فرغ من صلَاته سَأَلته عَمَّا رَأَيْت من صَنِيعه قَالَ: من صنع مثل الَّذِي رَأَيْت كَانَ لَهُ ثَوَاب عشْرين حجَّة مبرورة وَصِيَام عشْرين سنة مَقْبُولَة فَإِذا أصبح فِي ذَلِك الْيَوْم صَائِما كَانَ لَهُ كصيام سنتَيْن سنة مَاضِيَة وَسنة مُسْتَقْبلَة قَالَ الْبَيْهَقِيّ: يشبه أَن يكون هَذَا الحَدِيث مَوْضُوعا وَهُوَ مُنكر وَفِي رُوَاته مَجْهُولُونَ
الْآيَات 6 - 9(7/405)
رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (6) رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ (7) لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (8) بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ (9)
أخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ {إِنَّه هُوَ السَّمِيع الْعَلِيم} {رب السَّمَاوَات وَالْأَرْض} بالخفض
الْآيَات 10 - 16(7/405)
فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ (10) يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ (11) رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ (12) أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ (13) ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ (14) إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ (15) يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ (16)
أخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة {فَارْتَقِبْ} أَي فانتظر
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق أبي عُبَيْدَة عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: آيَة الدُّخان قد مَضَت
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق أبي عُبَيْدَة وَأبي الْأَحْوَص عَن عبد الله قَالَ: الدُّخان جوع أصَاب قُريْشًا حَتَّى كَانَ أحدهم لَا يبصر السَّمَاء من الْجُوع
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق عتبَة بن عبد الله بن عتبَة بن مَسْعُود عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: الدُّخان قد مضى كَانَ أنَاس أَصَابَهُم مَخْمَصَة وجوع شَدِيد حَتَّى كَانُوا يرَوْنَ الدُّخان فِيمَا بَينهم وَبَين السَّمَاء(7/405)
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق أبي وَائِل عَن عبد الله {فَارْتَقِبْ يَوْم تَأتي السَّمَاء بِدُخَان مُبين} قَالَ: جوع أصَاب النَّاس بِمَكَّة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن أبي الْعَالِيَة قَالَ: مضى الدُّخان وَالْبَطْشَة الْكُبْرَى يَوْم بدر
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُحَمَّد بن سِيرِين قَالَ: قَالَ ابْن مَسْعُود: كل مَا وعدنا الله وَرَسُوله فقد رَأَيْنَاهُ غير أَربع: طُلُوع الشَّمْس من مغْرِبهَا والدجال ودابة الأَرْض ويأجوج وَمَأْجُوج فاما الدُّخان فقد مضى وَكَانَ سني كَسِنِي يُوسُف وَأما الْقَمَر فقد انْشَقَّ على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأما البطشة الْكُبْرَى فَيوم بدر
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَأحمد وَعبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ وَأَبُو نعيم واليهقي مَعًا فِي الدَّلَائِل عَن مَسْرُوق قَالَ: جَاءَ رجل إِلَى عبد الله فَقَالَ: إِنِّي تركت رجلا فِي الْمَسْجِد يَقُول: فِي هَذِه الْآيَة {يَوْم تَأتي السَّمَاء بِدُخَان} {يغشى النَّاس} يَوْم الْقِيَامَة دُخان فَيَأْخُذ بأسماع الْمُنَافِقين وأبصارهم وَيَأْخُذ الْمُؤمن مِنْهُ كَهَيئَةِ الزُّكَام فَغَضب وَكَانَ مُتكئا فَجَلَسَ ثمَّ قَالَ: من علم مِنْكُم علما فَلْيقل بِهِ وَمن لم يكن يعلم فَلْيقل الله أعلم فَإِن من الْعلم أَن يَقُول لما يَقُول لما لَا يعلم الله أعلم وَسَأُحَدِّثُكُمْ عَن الدُّخان: إِن قُريْشًا لما استصعبت على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأبطأوا عَن الإِسلام قَالَ: اللَّهُمَّ أَعني عَلَيْهِم بِسبع كسبع يُوسُف فَأَصَابَهُمْ قحط وَجهد حَتَّى أكلُوا الْعِظَام فَجعل الرجل ينظر إِلَى السَّمَاء فَيرى مَا بَينه وَبَينهَا كَهَيئَةِ الدُّخان من الْجُوع فَأنْزل الله {فَارْتَقِبْ يَوْم تَأتي السَّمَاء بِدُخَان مُبين يغشى النَّاس هَذَا عَذَاب أَلِيم} فَأتي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقيل يَا رَسُول الله: استسق الله لمضر فَاسْتَسْقَى لَهُم فسقوا فَأنْزل الله {إِنَّا كاشفو الْعَذَاب قَلِيلا إِنَّكُم عائدون} أفيكشف عَنْهُم الْعَذَاب يَوْم الْقِيَامَة فَلَمَّا أَصَابَتْهُم الرَّفَاهِيَة عَادوا إِلَى حَالهم
فَأنْزل الله {يَوْم نبطش البطشة الْكُبْرَى إِنَّا منتقمون} فانتقم الله مِنْهُم يَوْم بدر فقد مضى البطشة وَالدُّخَان وَاللزَام
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: لما رأى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من النَّاس إدباراً قَالَ: اللَّهُمَّ سبع كسبع يُوسُف فَأَخَذتهم سنة حَتَّى أكلُوا الْميتَة والجلود وَالْعِظَام فَجَاءَهُ أَبُو سُفْيَان وناس من أهل مَكَّة فَقَالُوا يَا مُحَمَّد: إِنَّك تزْعم أَنَّك قد بعثت رَحْمَة وَأَن قَوْمك قد هَلَكُوا فَادع الله لَهُم فَدَعَا رَسُول الله(7/406)
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فسقوا الْغَيْث فأطبقت عَلَيْهِم سبعا فَشَكا النَّاس كَثْرَة الْمَطَر فَقَالَ: اللَّهُمَّ حوالينا وَلَا علينا فانحدرت السحابة على رَأسه فسقي النَّاس حَولهمْ
قَالَ: فقد مَضَت آيَة الدُّخان وَهُوَ الْجُوع الَّذِي أَصَابَهُم
وَهُوَ قَوْله: {إِنَّا كاشفو الْعَذَاب قَلِيلا إِنَّكُم عائدون} وَآيَة الرّوم وَالْبَطْشَة الْكُبْرَى وانشقاق الْقَمَر وَذَلِكَ كُله يَوْم بدر
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {يَوْم تَأتي السَّمَاء بِدُخَان مُبين} قَالَ: الجدب وإمساك الْمَطَر عَن كفار قُرَيْش
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {يغشى النَّاس هَذَا عَذَاب أَلِيم} قَالَ: الْأَلِيم الموجع {رَبنَا اكشف عَنَّا الْعَذَاب إِنَّا مُؤمنُونَ} قَالَ: الدُّخان {أَنى لَهُم الذكرى} قَالَ: أَنى لَهُم التَّوْبَة {إِنَّا كاشفو الْعَذَاب قَلِيلا} يَعْنِي الدُّخان {إِنَّكُم عائدون} إِلَى عَذَاب الله يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {أَنى لَهُم الذكرى} قَالَ: بعد وُقُوع الْبلَاء بهم {ثمَّ توَلّوا عَنهُ} عَن مُحَمَّد {وَقَالُوا معلم مَجْنُون} ثمَّ كشف عَنْهُم الْعَذَاب
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق ابْن لَهِيعَة عَن عبد الرَّحْمَن الْأَعْرَج {يَوْم تَأتي السَّمَاء بِدُخَان مُبين} قَالَ: كَانَ يَوْم فتح مَكَّة
وَأخرج ابْن سعد من طَرِيق ابْن لَهِيعَة عَن الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: كَانَ يَوْم فتح مَكَّة دُخان وَهُوَ قَول الله {فَارْتَقِبْ يَوْم تَأتي السَّمَاء بِدُخَان مُبين}
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن عَليّ قَالَ: إِن الدُّخان لم يمض بعد يَأْخُذ الْمُؤمن كَهَيئَةِ الزُّكَام وينفخ الْكَافِر حَتَّى ينْفد
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم بِسَنَد صَحِيح عَن ابْن أبي مليكَة قَالَ: دخلت على ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فَقَالَ: لم أنم هَذِه اللَّيْلَة فَقلت: لم قَالَ: طلع الْكَوْكَب ذُو الذَّنب فَخَشِيت أَن يطْرق الدُّخان
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عمر قَالَ: يخرج الدُّخان فَيَأْخُذ الْمُؤمن كَهَيئَةِ الزكمة وَيدخل فِي مسامع الْكَافِر وَالْمُنَافِق حَتَّى يكون كالرأس الحنيذ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن الْحسن قَالَ: بَلغنِي أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم(7/407)
قَالَ: إِن الدُّخان إِذا جَاءَ نفخ الْكَافِر حَتَّى يخرج من كل مسمع من مسامعه وَيَأْخُذ الْمُؤمن مِنْهُ كالزكمة
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن قَالَ: الدُّخان قد بَقِي وَهُوَ أول الْآيَات
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير من طَرِيق الْحسن عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: يهيج الدُّخان بِالنَّاسِ فَأَما الْمُؤمن فَيَأْخذهُ كَهَيئَةِ الزكمة وَأما الْكَافِر فينفخه حَتَّى يخرج من كل مسمع مِنْهُ
وَأخرج ابْن جرير عَن حُذَيْفَة بن الْيَمَان مَرْفُوعا: أول الْآيَات: الدَّجَّال ونزول عِيسَى ونار تخرج من قَعْر عدن أبين تَسوق النَّاس إِلَى الْمَحْشَر تقيل مَعَهم إِذا قَالُوا وَالدُّخَان قَالَ: حُذَيْفَة يَا رَسُول الله وَمَا الدُّخان فَتلا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {فَارْتَقِبْ يَوْم تَأتي السَّمَاء بِدُخَان مُبين} يمْلَأ مَا بَين الْمشرق وَالْمغْرب يمْكث أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَلَيْلَة أما الْمُؤمن فَيُصِيبهُ مِنْهُ كَهَيئَةِ الزكمة وَأما الْكَافِر بِمَنْزِلَة السَّكْرَان يخرج من مَنْخرَيْهِ وَأُذُنَيْهِ وَدبره
وَأخرج ابْن جرير وَالطَّبَرَانِيّ بِسَنَد جيد عَن أبي مَالك الْأَشْعَرِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن ربكُم أنذركم ثَلَاثًا الدُّخان يَأْخُذ الْمُؤمن مِنْهُ كالزكمة وَيَأْخُذ الْكَافِر فينفخ حَتَّى يخرج من كل مسمع مِنْهُ وَالثَّانيَِة الدَّابَّة وَالثَّالِثَة الدَّجَّال وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: يهيج الدُّخان بِالنَّاسِ فَأَما الْمُؤمن فَيَأْخذهُ كالزكمة وَأما الْكَافِر فينفخه حَتَّى يخرج من كل مسمع مِنْهُ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ {يَوْم نبطش البطشة الْكُبْرَى إِنَّا منتقمون} قَالَ: يَوْم بدر
وَأخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا مثله
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن أبيّ بن كَعْب وَمُجاهد وَالْحسن وَأبي الْعَالِيَة وَسَعِيد بن جُبَير وَمُحَمّد بن سِيرِين وَقَتَادَة وعطية مثله
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِن يَوْم البطشة الْكُبْرَى يَوْم الْقِيَامَة(7/408)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي الْعَالِيَة قَالَ: كُنَّا نتحدث أَن قَوْله: {يَوْم نبطش البطشة الْكُبْرَى} يَوْم بدر وَالدُّخَان قد مضى
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير بِسَنَد صَحِيح عَن عِكْرِمَة قَالَ: قَالَ ابْن عَبَّاس قَالَ: ابْن مَسْعُود {البطشة الْكُبْرَى} يَوْم بدر وَأَنا أَقُول: هِيَ يَوْم الْقِيَامَة
الْآيَات 17 - 28(7/409)
وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجَاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ (17) أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (18) وَأَنْ لَا تَعْلُوا عَلَى اللَّهِ إِنِّي آتِيكُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (19) وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ (20) وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ (21) فَدَعَا رَبَّهُ أَنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ مُجْرِمُونَ (22) فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلًا إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ (23) وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ (24) كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (25) وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (26) وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ (27) كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ (28)
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وَلَقَد فتنا} قَالَ: بلونا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وَلَقَد فتنا} قَالَ: ابتلينا {قبلهم قوم فِرْعَوْن وجاءهم رَسُول كريم} قَالَ: هُوَ مُوسَى {أَن أَدّوا إليَّ عباد الله} قَالَ: يَعْنِي أرْسلُوا بني إِسْرَائِيل {وَأَن لَا تعلوا على الله} قَالَ: لَا تعثوا {إِنِّي آتيكم بسُلْطَان مُبين} قَالَ: بِعُذْر مُبين {وَإِنِّي عذت بربي وربكم أَن ترجمون} قَالَ: بِالْحِجَارَةِ {وَإِن لم تؤمنوا لي فاعتزلون} أَي خلوا سبيلي
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {أَن أَدّوا إليَّ عباد الله} قَالَ: يَقُول اتبعوني إِلَى مَا أدعوكم إِلَيْهِ من الْحق وَفِي قَوْله {وَأَن لَا تعلوا} قَالَ: لَا تفتروا وَفِي قَوْله {أَن ترجمون} قَالَ: تشتمون(7/409)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن عبد الحكم فِي فتوح مصر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {رهواً} قَالَ: سمتاً
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق مُجَاهِد عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {واترك الْبَحْر رهواً} قَالَ: كَهَيْئَته وامضه
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن عبد الله بن الْحَارِث الْهَاشِمِي أَن ابْن عَبَّاس سَأَلَ كَعْبًا عَن قَوْله {واترك الْبَحْر رهواً} قَالَ: طَرِيقا
وَأخرج ابْن الْأَنْبَارِي فِي كتاب الأضداد عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {واترك الْبَحْر رهواً} قَالَ: طَرِيقا يبساً
وَأخرج ابْن الْأَنْبَارِي عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {واترك الْبَحْر رهواً} قَالَ: سَاكِنا
وَأخرج ابْن جرير عَن الرّبيع {واترك الْبَحْر رهواً} قَالَ: سهلاً
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {واترك الْبَحْر رهواً} قَالَ: الرهو أَن يتْرك كَمَا كَانَ فَإِنَّهُم لن يخلصوا من وَرَائه
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس {واترك الْبَحْر رهواً} قَالَ: دمثاً
وَأخرج ابْن جرير عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ {واترك الْبَحْر رهواً} قَالَ: جدداً
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالْفِرْيَابِي وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {واترك الْبَحْر رهواً} قَالَ: طَرِيقا يَابسا كَهَيْئَته يَوْم ضربه يَقُول: لَا تَأمره أَن يرجع بل اتركه حَتَّى يدْخل آخِرهم
وَأخرج ابْن عبد الحكم عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ {رهواً} قَالَ: سهلاً دمثاً
وَأخرج مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ {رهواً} قَالَ: طَرِيقا مَفْتُوحًا
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {رهواً} قَالَ: طَرِيقا منفرجاً
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما قطع مُوسَى الْبَحْر عطف ليضْرب الْبَحْر بعصاه ليلتئم: وَخَافَ أَن يتبعهُ فِرْعَوْن وَجُنُوده فَقيل لَهُ {واترك الْبَحْر رهواً} يَقُول: كَمَا هُوَ طَرِيقا يَابسا {إِنَّهُم جند مغرقون}(7/410)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {ومقام كريم} قَالَ: المنابر
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن جَابر مثله
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {ومقام كريم} قَالَ: مقَام حسن {ونعمة كَانُوا فِيهَا فاكهين} قَالَ: ناعمين أخرجه الله من جناته وعيونه وزروعه حَتَّى أورطه فِي الْبَحْر كَذَلِك {وأورثناها قوما آخَرين} يَعْنِي بني إِسْرَائِيل وَالله أعلم
الْآيَات 29 - 31(7/411)
فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ (29) وَلَقَدْ نَجَّيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ الْعَذَابِ الْمُهِينِ (30) مِنْ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كَانَ عَالِيًا مِنَ الْمُسْرِفِينَ (31)
أخرج التِّرْمِذِيّ وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي ذكر الْمَوْت وَأَبُو يعلى وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية والخطيب عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا من عبد إِلَّا وَله فِي السَّمَاء بَابَانِ بَاب يصعد مِنْهُ عمله وَبَاب ينزل عَلَيْهِ مِنْهُ رزقه فَإِذا مَاتَ فقداه وبكيا عَلَيْهِ وتلا هَذِه الْآيَة {فَمَا بَكت عَلَيْهِم السَّمَاء وَالْأَرْض} وَذكر أَنهم لم يَكُونُوا يعْملُونَ على وَجه الأَرْض عملا صَالحا يبكي عَلَيْهِم وَلم يصعد لَهُم إِلَى السَّمَاء من كَلَامهم وَلَا من عَمَلهم كَلَام طيب وَلَا عمل صَالح فتفقدهم فتبكي عَلَيْهِم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَنه سُئِلَ عَن قَوْله: {فَمَا بَكت عَلَيْهِم السَّمَاء وَالْأَرْض} هَل تبْكي السَّمَاء وَالْأَرْض على أحد قَالَ: نعم إِنَّه لَيْسَ أحد من الْخَلَائق إِلَّا لَهُ بَاب فِي السَّمَاء مِنْهُ ينزل رزقه وَفِيه يصعد عمله فَإِذا مَاتَ الْمُؤمن فأغلق بَابه من السَّمَاء فَقده فَبكى عَلَيْهِ وَإِذا فَقده مُصَلَّاهُ من الأَرْض الَّتِي كَانَ يُصَلِّي فِيهَا وَيذكر الله فِيهَا بَكت عَلَيْهِ وَإِن قوم فِرْعَوْن لم يكن لَهُم فِي الأَرْض آثَار صَالِحَة وَلم يكن يصعد إِلَى الله مِنْهُم خير فَلم تبك عَلَيْهِم السَّمَاء وَالْأَرْض
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة {فَمَا بَكت عَلَيْهِم السَّمَاء وَالْأَرْض}(7/411)
قَالَ: هم كَانُوا أَهْون على الله من ذَلِك
قَالَ: وَكُنَّا نُحدث أَن الْمُؤمن تبْكي عَلَيْهِ بقاعه الَّتِي كَانَ يُصَلِّي فِيهَا من الأَرْض ومصعد عمله من السَّمَاء
وَأخرج عبد بن حميد وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {فَمَا بَكت عَلَيْهِم السَّمَاء وَالْأَرْض} قَالَ: مَا مَاتَ مُؤمن إِلَّا بَكت عَلَيْهِ السَّمَاء وَالْأَرْض صياحاً
قَالَ: فَقيل لَهُ تبْكي مَا تعجب وَمَا للْأَرْض لَا تبْكي على عبد كَانَ يعمرها بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُود وَمَا للسماء لَا تبْكي على عبد كَانَ لتسبيحه وتكبيره دويّ كَدَوِيِّ النَّحْل وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِن الْعَالم إِذا مَاتَ بَكت عَلَيْهِ السَّمَاء وَالْأَرْض أَرْبَعِينَ صباحاً
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُعَاوِيَة بن قُرَّة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِن الْبقْعَة الَّتِي يُصَلِّي عَلَيْهَا الْمُؤمن تبْكي عَلَيْهِ إِذا مَاتَ وبحذائها من السَّمَاء ثمَّ قَرَأَ {فَمَا بَكت عَلَيْهِم السَّمَاء وَالْأَرْض}
وَأخرج عبد بن حميد عَن وهب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِن الأَرْض لتحزن على العَبْد الصَّالح أَرْبَعِينَ صباحاً
وَأخرج عبد بن حميد عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ {فَمَا بَكت عَلَيْهِم السَّمَاء وَالْأَرْض} قَالَ: لم تبك عَلَيْهِم السَّمَاء لأَنهم لم يَكُونُوا يرفع لَهُم فِيهَا عمل صَالح وَلم تبك عَلَيْهِم الأَرْض لأَنهم لم يَكُونُوا يعْملُونَ فِيهَا بِعَمَل صَالح
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ يُقَال: الأَرْض تبْكي على الْمُؤمن أَرْبَعِينَ صباحاً
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: يُقَال الأَرْض تبْكي على الْمُؤمن أَرْبَعِينَ صباحاً
وَأخرج ابْن الْمُبَارك وَأَبُو الشَّيْخ عَن ثَوْر بن يزِيد عَن مولى لهذيل قَالَ: مَا من عبد يضع جَبهته فِي بقْعَة من الأَرْض سَاجِدا لله عز وَجل إِلَّا شهِدت لَهُ بهَا يَوْم الْقِيَامَة وبكت عَلَيْهِ يَوْم يَمُوت
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَابْن جرير عَن شُرَيْح بن عبيد الْحَضْرَمِيّ مُرْسلا رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن الإِسلام بدا غَرِيبا وَسَيَعُودُ غَرِيبا أَلا لَا غربَة على مُؤمن مَا مَاتَ مُؤمن فِي غربَة غَابَتْ عَنهُ فِيهَا بوَاكِيهِ إِلَّا بَكت عَلَيْهِ السَّمَاء(7/412)
وَالْأَرْض ثمَّ قَرَأَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {فَمَا بَكت عَلَيْهِم السَّمَاء وَالْأَرْض} ثمَّ قَالَ: إنَّهُمَا لَا يَبْكِيَانِ على كَافِر
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عباد بن عبد الله رَضِي الله عَنهُ قَالَ: سَأَلَ رجل عليا هَل تبْكي السَّمَاء وَالْأَرْض على أحد فَقَالَ: إِنَّه لَيْسَ من عبد إِلَّا لَهُ مصلى فِي الأَرْض ومصعد عمله فِي السَّمَاء وَإِن آل فِرْعَوْن لم يكن لَهُم عمل صَالح فِي الأَرْض وَلَا مصعد فِي السَّمَاء
وَأخرج ابْن الْمُبَارك وَعبد بن حميد وَابْن أبي الدُّنْيَا وَابْن الْمُنْذر من طَرِيق الْمسيب بن رَافع عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِن الْمُؤمن إِذا مَاتَ بَكَى عَلَيْهِ مُصَلَّاهُ من الأَرْض ومصعد عمله من السَّمَاء ثمَّ تَلا {فَمَا بَكت عَلَيْهِم السَّمَاء وَالْأَرْض}
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبَيْهَقِيّ عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: مَا من ميت يَمُوت إِلَّا تبْكي عَلَيْهِ الأَرْض أَرْبَعِينَ صباحاً
وَأخرج ابْن الْمُبَارك وَعبد بن حميد وَابْن أبي الدُّنْيَا وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - قَالَ: إِن الأَرْض لتبكي على الْمُؤمن أَرْبَعِينَ صباحاً
ثمَّ قَرَأَ {فَمَا بَكت عَلَيْهِم السَّمَاء وَالْأَرْض}
وَأخرج ابْن الْمُبَارك وَابْن أبي الدُّنْيَا عَن عَطاء الْخُرَاسَانِي - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: مَا من عبد يسْجد لله سَجْدَة فِي بقْعَة من بقاع الأَرْض إِلَّا شهِدت لَهُ يَوْم الْقِيَامَة وبكت عَلَيْهِ يَوْم يَمُوت
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عبيد الْمكتب عَن إِبْرَاهِيم - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: مَا بَكت السَّمَاء مُنْذُ كَانَت الدُّنْيَا إِلَّا على اثْنَيْنِ
قيل لِعبيد: أَلَيْسَ السَّمَاء وَالْأَرْض تبْكي على الْمُؤمن قَالَ: ذَاك مقَامه وَحَيْثُ يصعد عمله
قَالَ: وَتَدْرِي مَا بكاء السَّمَاء قَالَ: لَا
قَالَ: تحمر وَتصير وردة كالدهان أَن يحيى بن ذكريا لما قتل احْمَرَّتْ السَّمَاء وقطرت دَمًا
وَإِن حُسَيْن بن عَليّ يَوْم قتل احْمَرَّتْ السَّمَاء
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن زيد بن زِيَاد - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: لما قتل الْحُسَيْن احْمَرَّتْ آفَاق السَّمَاء أَرْبَعَة أشهر
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن عَطاء - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: بكاء السَّمَاء حمرَة أطرافها(7/413)
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن الْحسن - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: بكاء السَّمَاء حمرتها
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن سُفْيَان الثَّوْريّ - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: كَانَ يُقَال: هَذِه الْحمرَة الَّتِي تكون فِي السَّمَاء بكاء السَّمَاء على الْمُؤمن
الْآيَات 32 - 36(7/414)
وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ (32) وَآتَيْنَاهُمْ مِنَ الْآيَاتِ مَا فِيهِ بَلَاءٌ مُبِينٌ (33) إِنَّ هَؤُلَاءِ لَيَقُولُونَ (34) إِنْ هِيَ إِلَّا مَوْتَتُنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ (35) فَأْتُوا بِآبَائِنَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (36)
أخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله: {وَلَقَد اخترناهم على علم على الْعَالمين} قَالَ: فضلناهم على من بَين أظهرهم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي الْآيَة قَالَ: اخترناهم على خير علمه الله فيهم على الْعَالمين
قَالَ: الْعَالم الَّذِي كَانُوا فِيهِ وَلكُل زمَان عَالم {وآتيناهم من الْآيَات مَا فِيهِ بلَاء مُبين} قَالَ: أنجاهم من عدوهم وأقطعهم الْبَحْر وظلل عَلَيْهِم الْغَمَام وَأنزل عَلَيْهِم الْمَنّ والسلوى {إِن هَؤُلَاءِ ليقولون إِن هِيَ إِلَّا موتتنا الأولى} قَالَ: قد قَالَ مشركو الْعَرَب {وَمَا نَحن بمنشرين} قَالَ: بمبعوثين
الْآيَات 37 - 42(7/414)
أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ (37) وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ (38) مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (39) إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ (40) يَوْمَ لَا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئًا وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (41) إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللَّهُ إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (42)
أخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا تسبوا تبعا فَإِنَّهُ قد أسلم
وَأخرج أَحْمد وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن سهل بن سعد السَّاعِدِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا تسبوا تبعا فَإِنَّهُ كَانَ قد أسلم
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: لَا يشتبهن عَلَيْكُم أَمر تبع فَإِنَّهُ كَانَ مُسلما
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: لَا تَقولُوا لتبع إِلَّا خيرا فَإِنَّهُ قد حج الْبَيْت وآمن بِمَا جَاءَ بِهِ عِيسَى بن مَرْيَم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن كَعْب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لَا تَقولُوا لتبع إِلَّا خيرا فَإِنَّهُ قد حج الْبَيْت وآمن بِمَا جَاءَ بِهِ عِيسَى بن مَرْيَم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن كَعْب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِن تبعا نعت الرجل الصَّالح ذمّ الله قومه وَلم يذمه
قَالَ: وَكَانَت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا تَقول: لَا تسبوا تبعا فَإِنَّهُ كَانَ رجلا صَالحا
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: كَانَ تبع رجلا صَالحا أَلا ترى أَن الله ذمّ قومه وَلم يذمه وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن عَطاء بن أبي رَبَاح رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لَا تسبوا تبعا فَإِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَن سبه
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن عَسَاكِر عَن وهب بن مُنَبّه قَالَ: نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن سبّ أسعد وَهُوَ تبع
قيل: وَمَا كَانَ أسعد قَالَ: كَانَ عَليّ دين إبراهييم وَكَانَ إِبْرَاهِيم يُصَلِّي كل يَوْم صَلَاة وَلم تكن شَرِيعَة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا تسبوا أسعد الْحِمْيَرِي وَقَالَ: هُوَ أوّل من كسا الْكَعْبَة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن عَسَاكِر عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: ان تبعا كسا الْبَيْت
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن سعيد بن عبد الْعَزِيز قَالَ: كَانَ تبع إِذا عرض الْخَيل قَامُوا صفا من دمشق إِلَى صنعاء الْيمن
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن عَسَاكِر عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: سَأَلت كَعْبًا عَن تبع فَإِنِّي أسمع الله يذكر فِي الْقُرْآن قوم تبع وَلَا يذكر تبعا فَقَالَ: إِن تبعا كَانَ رجلا من أهل الْيمن ملكا منصوراً فَسَار بالجيوش حَتَّى انْتهى إِلَى سَمَرْقَنْد رَجَعَ فَأخذ طَرِيق(7/415)
الشَّام فَأسر بهَا أحباراً فَانْطَلق بهم نَحْو الْيمن - حَتَّى إِذا دنا من ملكه طَار فِي النَّاس أَنه هَادِم الْكَعْبَة فَقَالَ لَهُ الْأَحْبَار: مَا هَذَا الَّذِي تحدث بِهِ نَفسك فَإِن هَذَا الْبَيْت لله وَإنَّك لن تُسَلَّط عَلَيْهِ فَقَالَ: إِن هَذَا لله وَأَنا أَحَق من حرمه فَأسلم من مَكَانَهُ وَأحرم فَدَخلَهَا محرما فَقضى نُسكه ثمَّ انْصَرف نَحْو الْيمن رَاجعا حَتَّى قدم على قومه فَدخل عَلَيْهِ أَشْرَافهم فَقَالُوا: يَا تبع أَنْت سيدنَا وَابْن سيدنَا خرجت من عندنَا على دين وَجئْت على غَيره فاختر منا أحد أَمريْن إِمَّا أَن تخلينا وملكنا وَتعبد مَا شِئْت وَإِمَّا أَن تذر دينك الَّذِي أحدثت - وَبينهمْ يَوْمئِذٍ نَار تنزل من السَّمَاء - فَقَالَ الْأَحْبَار عِنْد ذَلِك: اجْعَل بَيْنك وَبينهمْ النَّار فتواعد الْقَوْم عِنْد ذَلِك جَمِيعًا على أَن يجْعَلُوا بَينهم النَّار فجيء بالأحبار وكتبهم وَجِيء بالأصنام وعمارها وَقدمُوا جَمِيعًا إِلَى النَّار وَقَامَت الرِّجَال خَلفهم بِالسُّيُوفِ فهدرت النَّار هدير الرَّعْد ورمت شعاعاً لَهَا فنكص أَصْحَاب الْأَصْنَام وَأَقْبَلت النَّار فأحرقت الْأَصْنَام وعمالها وَسلم الْآخرُونَ فَأسلم قوم واستسلم قوم فلبثوا بعد ذَلِك عمر تبع حَتَّى إِذا نزل بتبع الْمَوْت اسْتخْلف أَخَاهُ وَهلك فَقتلُوا أَخَاهُ وَكَفرُوا صَفْقَة وَاحِدَة
وَأخرج ابْن سعد وَابْن عَسَاكِر عَن أبيّ بن كَعْب قَالَ: لما قدم تبع الْمَدِينَة وَنزل بفناه بعث إِلَى أَحْبَار يهود فَقَالَ: إِنِّي مخرب هَذَا الْبَلَد حَتَّى لَا تقوم بِهِ يَهُودِيَّة وَيرجع الْأَمر إِلَى دين الْعَرَب
فَقَالَ لَهُ شَابُور الْيَهُودِيّ: - وَهُوَ يَوْمئِذٍ اعلمهم - أَيهَا الْملك إِن هَذَا بلد يكون إِلَيْهِ مهَاجر نَبِي من بني إِسْمَاعِيل مولده بِمَكَّة اسْمه أَحْمد وَهَذِه دَار هجرته إِن مَنْزِلك هَذَا الَّذِي نزلت بِهِ يكون من الْقِتَال والجراح أَمر كثير فِي أَصْحَابه وَفِي عدوهم
قَالَ تبع: وَمن يقاتله يَوْمئِذٍ وَهُوَ نَبِي كَمَا تزْعم قَالَ: يسير إِلَيْهِ قومه فيقتتلون هَهُنَا
قَالَ: فَأَيْنَ قَبره قَالَ: بِهَذَا الْبَلَد
قَالَ: فَإِذا قوتل لمن تكون الدبرة قَالَ: تكون عَلَيْهِ مرّة وَله مرّة وَبِهَذَا الْمَكَان الَّذِي أَنْت بِهِ يكون عَلَيْهِ وَيقتل بِهِ أَصْحَابه مقتلة عَظِيمَة لم تقتل فِي موطن ثمَّ تكون الْعَاقِبَة لَهُ وَيظْهر فَلَا ينازعه هَذَا الْأَمر أحد
قَالَ: وَمَا صفته قَالَ: رجل لَيْسَ بالقصير وَلَا بالطويل فِي عَيْنَيْهِ حمرَة يركب الْبَعِير ويلبس الشملة سَيْفه على عَاتِقه وَلَا يُبَالِي من لَاقَى حَتَّى يظْهر أمره
فَقَالَ تبع: مَا إِلَى هَذَا الْبَلَد من سَبِيل وَمَا كَانَ ليَكُون خرابها على يَدي فَرجع تبع منصرفاً إِلَى الْيمن
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن عباد بن زِيَاد المري عَمَّن أدْرك [] قَالَ: أقبل تبع يفْتَتح(7/416)
الْمَدَائِن وَيعْمل الْعَرَب حَتَّى نزل الْمَدِينَة وَأَهْلهَا يَوْمئِذٍ يهود فَظهر على أَهلهَا وَجمع أَحْبَار الْيَهُود فأخبروه أَنه سيخرج نبيّ بِمَكَّة يكون قراره بِهَذَا الْبَلَد اسْمه أَحْمد وَأَخْبرُوهُ أَنه لَا يُدْرِكهُ فَقَالَ تبع لِلْأَوْسِ والخزرج: أقِيمُوا بِهَذَا الْبَلَد فَإِن خرج فِيكُم فآزروه وَصَدقُوهُ وَإِن لم يخرج فأوصوا بذلك أَوْلَادكُم وَقَالَ فِي شعره: حدثت أَن رَسُول المليك يخرج حقّاً بِأَرْض الْحرم وَلَو مدّ دهري إِلَى دهره لَكُنْت وزيراً لَهُ وَابْن عَم وَأخرج أَبُو نعيم فِي الدَّلَائِل عَن عبد الله بن سَلام قَالَ: لم يمت تبع حَتَّى صدق بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما كَانَ يهود يثرب يخبرونه
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن ابْن إِسْحَق قَالَ: أرِي تبع فِي مَنَامه أَن يكسو الْبَيْت فَكَسَاهُ الخصف ثمَّ أرِي ان يكسوه أحسن من ذَلِك فَكَسَاهُ العافر ثمَّ أرِي ان يكسوه أحسن من ذَلِك فَكَسَاهُ الوصائل وصائل الْيمن فَكَانَ تبع فِيمَا ذكر لي أول من كَسَاه وَأوصى بهَا ولاته من جرهم وَأمر بتطهيره وَجعل لَهُ بَابا ومفتاحاً
وَأخرج عبد بن حميد ابْن جرير عَن قَتَادَة {أَن يَوْم الْفَصْل ميقاتهم أَجْمَعِينَ} قَالَ يَوْم يفصل بَين النَّاس بأعمالهم يُوفي فِيهِ للأولين والآخرين {يَوْم لَا يُغني مولى عَن مولى شَيْئا} قَالَ: انْقَطَعت الْأَسْبَاب يَوْمئِذٍ وَذَهَبت الآصار وَصَارَ النَّاس إِلَى أَعْمَالهم فَمن أصَاب يَوْمئِذٍ خيرا سعد بِهِ وَمن أصَاب يَوْمئِذٍ شرّاً شقي بِهِ
وَأخرج ابْن الْمُبَارك عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله {يَوْم لَا يُغني مولى عَن مولى شَيْئا} قَالَ: ولي عَن ولي
الْآيَات 43 - 59(7/417)
إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ (43) طَعَامُ الْأَثِيمِ (44) كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ (45) كَغَلْيِ الْحَمِيمِ (46) خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ (47) ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ (48) ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ (49) إِنَّ هَذَا مَا كُنْتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ (50) إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ (51) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (52) يَلْبَسُونَ مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ (53) كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (54) يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ (55) لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (56) فَضْلًا مِنْ رَبِّكَ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (57) فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (58) فَارْتَقِبْ إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ (59)
أخرج سعيد بن مَنْصُور عَن أبي مَالك قَالَ: إِن أَبَا جهل كَانَ يَأْتِي بِالتَّمْرِ والزبد فَيَقُول تزقموا بِهَذَا الزقوم الَّذِي يَعدكُم بِهِ مُحَمَّد فَنزلت {إِن شَجَرَة الزقوم طَعَام الأثيم}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم والخطيب فِي تَارِيخه عَن سعيد بن جُبَير فِي الْآيَة قَالَ: {الأثيم} أَبُو جهل
وَأخرج أَبُو عبيد فِي فضائله وَابْن الْأَنْبَارِي وَابْن الْمُنْذر عَن عون بن عبد الله أَن ابْن مَسْعُود أَقرَأ رجلا {إِن شَجَرَة الزقوم طَعَام الأثيم} فَقَالَ الرجل: طَعَام الْيَتِيم فرددها عَلَيْهِ فَلم يستقم بهَا لِسَانه فَقَالَ: أتستطيع أَن تَقول: طَعَام الْفَاجِر قَالَ: نعم
قَالَ: فافعل
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن همام بن الْحَارِث قَالَ: كَانَ أَبُو الدَّرْدَاء يقرىء رجلا {إِن شَجَرَة الزقوم طَعَام الأثيم} فَجعل الرجل يَقُول: طَعَام الْيَتِيم
فَلَمَّا رأى أَبُو الدَّرْدَاء أَنه لَا يفهم قَالَ: إِن شَجَرَة الزقوم طَعَام الْفَاجِر
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {خذوه فاعتلوه} قَالَ: ادفعوه
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {ذُقْ إِنَّك أَنْت الْعَزِيز الْكَرِيم} يَقُول: لست بعزيز وَلَا كريم
وَأخرج الْأمَوِي فِي مغازيه عَن عِكْرِمَة قَالَ: لَقِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَبَا جهل فَقَالَ: إِن الله أَمرنِي أَن أَقُول لَك (أولى لَك فَأولى ثمَّ أولى لَك فَأولى) (سُورَة الْقِيَامَة 34 - 35) قَالَ: فَنزع يَده من يَده وَقَالَ: مَا تَسْتَطِيع لي أَنْت وَلَا صَاحبك من شَيْء لقد علمت أَنِّي أمنع(7/418)
أهل بطحاء وَأَنا الْعَزِيز الْكَرِيم فَقتله الله يَوْم بدر وأذله وعيره بكلمته {ذُقْ إِنَّك أَنْت الْعَزِيز الْكَرِيم}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة قَالَ: قَالَ أَبُو جهل: أيوعدني مُحَمَّد وَأَنا أعز من مَشى بَين جبليها فَنزلت {ذُقْ إِنَّك أَنْت الْعَزِيز الْكَرِيم}
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن [] قَالَ: أخْبرت أَن أَبَا جهل قَالَ: يَا معشر قُرَيْش أخبروني مَا اسْمِي فَذكرت لَهُ ثَلَاثَة أَسمَاء عَمْرو والجلاس وَأَبُو الحكم قَالَ: مَا أصبْتُم اسْمِي أَلا أخْبركُم قَالُوا: بلَى
قَالَ: اسْمِي الْعَزِيز الْكَرِيم
فَنزلت {إِن شَجَرَة الزقوم} الْآيَات
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة قَالَ لما نزلت {خذوه فاعتلوه إِلَى سَوَاء الْجَحِيم} قَالَ أَبُو جهل: مَا بَين جبليها رجل أعز وَلَا أكْرم مني فَقَالَ الله {ذُقْ إِنَّك أَنْت الْعَزِيز الْكَرِيم}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {إِن شَجَرَة الزقوم طَعَام الأثيم} قَالَ: أَبُو جهل
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي بن كَعْب أَنه كَانَ يقرىء رجلا فارسياً فَكَانَ إِذا قَرَأَ عَلَيْهِ {إِن شَجَرَة الزقوم طَعَام الأثيم} قَالَ: طَعَام الْيَتِيم فَمر بِهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: قل لَهُ طَعَام الظَّالِم فَقَالَهَا ففصح بهَا لِسَانه
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن وَعَمْرو بن مَيْمُون إنَّهُمَا قرآ (كَالْمهْلِ تغلي فِي الْبُطُون) بِالتَّاءِ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد {خذوه فاعتلوه} فاقصفوه كَمَا يقصف الْحَطب
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن الضَّحَّاك {خذوه فاعتلوه إِلَى سَوَاء الْجَحِيم} قَالَ: خذوه فادفعوه فِي وسط الْجَحِيم
وَأخرج عبد بن حميد عَن سعيد بن جُبَير {إِلَى سَوَاء الْجَحِيم} قَالَ: وسط الْجَحِيم
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله: {ذُقْ إِنَّك أَنْت الْعَزِيز الْكَرِيم} قَالَ: هُوَ يَوْمئِذٍ ذليل وَلكنه يستهزأ بِهِ كَمَا كنت تعزز فِي الدُّنْيَا وتكرم بِغَيْر كرم الله وعزه(7/419)
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله: {إِن الْمُتَّقِينَ فِي مقَام أَمِين} قَالَ: أمنُوا الْمَوْت وَالْعَذَاب
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله {فِي مقَام أَمِين} قَالَ: أمنُوا الْمَوْت أَن يموتوا وأمنوا الْهَرم أَن يهرموا وَلَا يجوعوا وَلَا يعروا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة فِي قَوْله {إِن الْمُتَّقِينَ فِي مقَام أَمِين} قَالَ أَمِين من الشَّيْطَان والأوصاب وَالْأَحْزَان وَفِي قَوْله {وزوجناهم بحور عين} قَالَ: بيض عين
قَالَ: وَفِي قِرَاءَة ابْن مَسْعُود بعيس عين وَفِي قَوْله {يدعونَ فِيهَا بِكُل فَاكِهَة آمِنين} قَالَ: أمنُوا من الْمَوْت والأوصاب والشيطان
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وزوجناهم بحور عين} قَالَ: أنكحناهم حوراً والحور الَّتِي يحار فِيهَا الطّرف بادياً يرى مخ سوقهن من وَرَاء ثيابهن وَيرى النَّاظر وَجهه فِي كبد إِحْدَاهُنَّ كالمرآة من رقة الْجلد وصفاء اللَّوْن
وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس إِن نَافِع بن الْأَزْرَق سَأَلَهُ عَن قَوْله {وحور عين} قَالَ الْحَوْرَاء الْبَيْضَاء الممتعة
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم أما سَمِعت الْأَعْشَى الشَّاعِر وَهُوَ يَقُول: وحور كأمثال الدمى ومناصف وَمَاء وَرَيْحَان وَرَاح يصفق وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن عَطاء فِي قَوْله {بحور عين} قَالَ: سَوْدَاء الحدقة عَظِيمَة الْعين
وَأخرج هناد بن السّري وَعبد بن حميد عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله {بحور عين} قَالَ الْحور الْبيض وَالْعين الْعِظَام الْأَعْين
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ عَن أبي أُمَامَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: خلق الْحور الْعين من الزَّعْفَرَان
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه والخطيب عَن أنس بن مَالك قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: الْحور الْعين خُلِقْنَ من زعفران
وَأخرج ابْن جرير عَن لَيْث بن أبي سليم قَالَ: بَلغنِي أَن الْحور الْعين خُلِقْنَ من الزَّعْفَرَان
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد قَالَ: خلق الْحور الْعين من الزَّعْفَرَان(7/420)
وَأخرج ابْن الْمُبَارك عَن زيد بن أسلم قَالَ: إِن الله لم يخلق الْحور الْعين من تُرَاب إِنَّمَا خَلقهنَّ من مسك وكافور وزعفران
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي صفة الْجنَّة وَابْن أبي حَاتِم عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَو أَن حوراء بزقت فِي بَحر لجي لعذب ذَلِك الْبَحْر من عذوبة رِيقهَا
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن ابْن عَمْرو قَالَ: لشفر الْمَرْأَة أطول من جنَاح النسْر
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لَو أَن حوراء أخرجت كفها بَين السَّمَاء وَالْأَرْض لافتتن الْخَلَائق بحسنها وَلَو أخرجت نصيفها لكَانَتْ الشَّمْس عِنْد حسنه مثل الفتيلة فِي الشَّمْس لَا ضوء لَهَا وَلَو أخرجت وَجههَا لأضاء حسنها مَا بَين السَّمَاء وَالْأَرْض
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه والديلمي عَن عَائِشَة قَالَت: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: حور الْعين خَلقهنَّ من تَسْبِيح الْمَلَائِكَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ: ليوجد ريح الْمَرْأَة من الْحور الْعين من مسيرَة خَمْسمِائَة سنة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وزوجناهم بحور عين} قَالَ: هِيَ لُغَة يَمَانِية وَذَلِكَ أَن أهل الْيمن يَقُولُونَ: زَوجْنَا فلَانا بفلانة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: فِي قِرَاءَة ابْن مَسْعُود لَا يذقون فِيهَا طعم الْمَوْت
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أنس رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: يجاء بِالْمَوْتِ يَوْم الْقِيَامَة فِي صُورَة كَبْش أَمْلَح فَيُوقف بَين الْجنَّة وَالنَّار فيعرفه هَؤُلَاءِ ويعرفه هَؤُلَاءِ فَيَقُول أهل النَّار: اللَّهُمَّ سلطه علينا وَيَقُول أهل الْجنَّة: اللَّهُمَّ إِنَّك قضيت أَن لَا نذوق فِيهَا الْمَوْت إِلَّا الموتة الأولى فَيذْبَح بَينهمَا فييأس أهل النَّار من الْمَوْت ويأمن أهل الْجنَّة من الْمَوْت
وَأخرج الْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث بِسَنَد صَحِيح عَن جَابر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قيل يَا رَسُول الله أَيَنَامُ أهل الْجنَّة قَالَ: لَا النّوم أَخُو الْمَوْت وَأهل الْجنَّة لَا يموتون وَلَا ينامون
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فَإِنَّمَا يسرناه بلسانك} يَعْنِي الْقُرْآن وَفِي قَوْله {فَارْتَقِبْ إِنَّهُم مرتقبون} فانتظر إِنَّهُم منتظرون(7/421)
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم (45)
سُورَة الجاثية
مَكِّيَّة وآياتها سبع وَثَلَاثُونَ
مُقَدّمَة سُورَة الجاثية أخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: أنزلت بِمَكَّة سُورَة {حم} الجاثية
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن الزبير رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: أنزلت سُورَة الشَّرِيعَة بِمَكَّة
الْآيَات 1 - 11(7/422)
حم (1) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (2) إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ (3) وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (4) وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (5) تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ (6) وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (7) يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (8) وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آيَاتِنَا شَيْئًا اتَّخَذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (9) مِنْ وَرَائِهِمْ جَهَنَّمُ وَلَا يُغْنِي عَنْهُمْ مَا كَسَبُوا شَيْئًا وَلَا مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (10) هَذَا هُدًى وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ (11)
أخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وَمَا أنزل الله من السَّمَاء من رزق} قَالَ: الْمَطَر
وَفِي قَوْله {وتصريف الرِّيَاح} إِذا شَاءَ جعلهَا رَحْمَة وَإِذا شَاءَ جعلهَا عذَابا
وَفِي قَوْله {لكل أفاك أثيم} قَالَ: كَذَّاب
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {لكل أفاك أثيم} قَالَ: الْمُغيرَة بن مَخْزُوم
الْآيَات 12 - 13(7/423)
اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (12) وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (13)
أخرج ابْن الْمُنْذر من طَرِيق عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَنه لم يكن يُفَسر أَربع آيَات قَوْله {وسخر لكم مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْض جَمِيعًا مِنْهُ} والرقيم والغسلين
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة قَالَ: لم يُفَسر ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا هَذِه الْآيَة إِلَّا لندبة القارىء {وسخر لكم مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْض جَمِيعًا مِنْهُ}
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالْفِرْيَابِي وَعبد بن حميد وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة من طَرِيق عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وسخر لكم مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْض جَمِيعًا مِنْهُ} نور الشَّمْس وَالْقَمَر
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وسخر لكم مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْض جَمِيعًا مِنْهُ} قَالَ: كل شَيْء هُوَ من الله
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر والحاكمي وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن طَاوس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: جَاءَ رجل إِلَى عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ رَضِي الله عَنْهُمَا فَسَأَلَهُ مِم خلق الْخلق قَالَ: من المَاء والنور والظلمة(7/423)
وَالرِّيح وَالتُّرَاب
قَالَ: فمم خلق هَؤُلَاءِ قَالَ: لَا أَدْرِي
ثمَّ أَتَى الرجل عبد الله بن الزبير رَضِي الله عَنهُ فَسَأَلَهُ فَقَالَ لَهُ مثل قَول عبد الله بن عَمْرو رَضِي الله عَنهُ فَأتى ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فَسَأَلَهُ: مِم خلق الْخلق قَالَ: من المَاء والنور والظلمة وَالرِّيح وَالتُّرَاب
قَالَ: فمم خلق هَؤُلَاءِ فَقَرَأَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {وسخر لكم مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْض جَمِيعًا مِنْهُ} فَقَالَ الرجل: مَا كَانَ ليَأْتِي بِهَذَا إِلَّا رجلٌ من أهل بَيت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
الْآيَات 14 - 15(7/424)
قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْمًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (14) مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (15)
أخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {قل للَّذين آمنُوا يغفروا} الْآيَة قَالَ: مَا زَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَأْمر بِالْعَفو ويحث عَلَيْهِ ويرغب فِيهِ حَتَّى أَمر أَن يعْفُو عَمَّن لَا يَرْجُو أَيَّام الله وَذكر أَنَّهَا مَنْسُوخَة نسختها الْآيَة الَّتِي فِي الْأَنْفَال {فإمَّا تثقفنهم فِي الْحَرْب} سُورَة الْأَنْفَال 57 الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {قل للَّذين آمنُوا يغفروا} الْآيَة قَالَ: كَانَ نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يعرض عَن الْمُشْركين إِذا أذوه وَكَانَ يستهزئون بِهِ ويكذبونه فَأمره الله أَن يُقَاتل الْمُشْركين كَافَّة فَكَانَ هَذَا من الْمَنْسُوخ
وَأخرج أَبُو دَاوُد فِي تَارِيخه وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {قل للَّذين آمنُوا يغفروا للَّذين لَا يرجون أَيَّام الله}
قَالَ: اللَّذين لَا يَدْرُونَ أنعم الله عَلَيْهِم أم لم ينعم قَالَ سُفْيَان رَضِي الله عَنهُ: بَلغنِي أَنَّهَا نسختها آيَة الْقِتَال
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْأَنْبَارِي فِي الْمَصَاحِف عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {قل للَّذين آمنُوا يغفروا للَّذين لَا يرجون أَيَّام الله} قَالَ: هِيَ مَنْسُوخَة بقول الله (فَإِذا انْسَلَخَ الْأَشْهر الْحرم فَاقْتُلُوا الْمُشْركين حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ)
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن أبي مُسلم الْخَولَانِيّ رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ لجارية لَهُ: لَوْلَا أَن الله تَعَالَى يَقُول {قل للَّذين آمنُوا يغفروا للَّذين لَا يرجون أَيَّام الله}(7/424)
لأوجعتك
فَقَالَت: وَالله إِنِّي لممن يَرْجُو أَيَّامه فَمَا لَك لَا توجعني فَقَالَ: إِن الله تَعَالَى يَأْمُرنِي أَن أَغفر للَّذين لَا يرجون أَيَّامه فعمّن يَرْجُو أَيَّامه أَحْرَى انطلقي فَأَنت حرَّة
الْآيَات 16 - 22(7/425)
وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (16) وَآتَيْنَاهُمْ بَيِّنَاتٍ مِنَ الْأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (17) ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (18) إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ (19) هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (20) أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (21) وَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (22)
أخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَلَقَد آتَيْنَا بني إِسْرَائِيل الْكتاب وَالْحكم} قَالَ: اللب
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله {ثمَّ جعلناك على شَرِيعَة} قَالَ: على طَريقَة
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {ثمَّ جعلناك على شَرِيعَة من الْأَمر} يَقُول: على هدى من الْأَمر وَبَيِّنَة
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {ثمَّ جعلناك على شَرِيعَة من الْأَمر} قَالَ: الشَّرِيعَة الْفَرَائِض وَالْحُدُود وَالْأَمر وَالنَّهْي(7/425)
وَأخرج ابْن الْمُبَارك وَسَعِيد بن مَنْصُور وَابْن سعد وَابْن أبي شيبَة وَعبد الله بن أَحْمد فِي زَوَائِد الزّهْد وَالطَّبَرَانِيّ عَن أبي الضُّحَى رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَرَأَ تَمِيم الدَّارِيّ رَضِي الله عَنهُ سُورَة الجاثية فَلَمَّا أَتَى على هَذِه الْآيَة {أم حسب الَّذين اجترحوا السَّيِّئَات} الْآيَة فَلم يزل يكررها ويبكي حَتَّى أصبح وَهُوَ عِنْد الْمقَام
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن بشير مولى الرّبيع بن خَيْثَم رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَامَ تَمِيم الدَّارِيّ يُصَلِّي فَمر بِهَذِهِ الْآيَة {أم حسب الَّذين اجترحوا السَّيِّئَات} فَلم يزل يُرَدِّدهَا حَتَّى أصبح
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {سَوَاء محياهم ومماتهم} قَالَ: الْمُؤمن فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة مُؤمن وَالْكَافِر فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة كَافِر
آيَة 23(7/426)
أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (23)
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم واللالكائي فِي السّنة وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي الْآيَة {أَفَرَأَيْت من اتخذ إلهه هَوَاهُ} قَالَ: ذَاك الْكَافِر اتخذ دينه بِغَيْر هدى من الله وَلَا برهَان {وأضله الله على علم} يَقُول: أضلّهُ الله فِي سَابق علمه
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {أَفَرَأَيْت من اتخذ إلهه هَوَاهُ} قَالَ: لَا يهوى شَيْئا إِلَّا رَكبه لَا يخَاف الله عز وَجل
وَأخرج النَّسَائِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ الرجل من الْعَرَب يعبد الْحجر فَإِذا رأى أحسن مِنْهُ أَخذه وَألقى الآخر فَأنْزل الله {أَفَرَأَيْت من اتخذ إلهه هَوَاهُ}
الْآيَات 24 - 26(7/426)
وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ (24) وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ مَا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتُوا بِآبَائِنَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (25) قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (26)
أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ أهل الْجَاهِلِيَّة يَقُولُونَ: إِنَّمَا يُهْلِكنَا اللَّيْل وَالنَّهَار فَقَالَ الله فِي كِتَابه {وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حياتنا الدُّنْيَا نموت ونحيا وَمَا يُهْلِكنَا إِلَّا الدَّهْر} وَقَالَ الله: يُؤْذِينِي ابْن آدم يسب الدَّهْر وَأَنا الدَّهْر بيَدي الْأَمر أقلب اللَّيْل وَالنَّهَار
وَأخرج أَبُو عبيد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ أَنه قَرَأَ {وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حياتنا الدُّنْيَا نموت ونحيا}
وَأخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: قَالَ الله عز وَجل: (يُؤْذِينِي ابْن آدم يسب الدَّهْر وَأَنا الدَّهْر بيَدي الْأَمر أقلب اللَّيْل وَالنَّهَار)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَمَا يُهْلِكنَا إِلَّا الدَّهْر} قَالَ: الزَّمَان
وَأخرج ابْن جرير وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: قَالَ الله تبَارك وَتَعَالَى: لَا يقل ابْن آدم يسب الدَّهْر بأخيبة الدَّهْر فَإِنِّي أَنا الدَّهْر أرسل اللَّيْل وَالنَّهَار فَإِذا شِئْت قبضتهما
وَأخرج ابْن جرير وَالْحَاكِم عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: يَقُول الله تَعَالَى: استقرضت عَبدِي فَلم يُعْطِنِي وسبني عَبدِي يَقُول وادهراه وَأَنا الدَّهْر
الْآيَات 27 - 37(7/427)
وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ (27) وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (28) هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (29) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ (30) وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنْتُمْ قَوْمًا مُجْرِمِينَ (31) وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لَا رَيْبَ فِيهَا قُلْتُمْ مَا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ (32) وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (33) وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (34) ذَلِكُمْ بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَغَرَّتْكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ لَا يُخْرَجُونَ مِنْهَا وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (35) فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (36) وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (37)
أخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن عبد الله بن عمر رَضِي الله عَنهُ أَنه مرّ على قوم وَعَلِيهِ بردة حَمْرَاء حسناء فَقَالَ رجل من الْقَوْم إِن أَنا سلبته بردته فَمَا لي عنْدكُمْ فَجعلُوا لَهُ شَيْئا فَأَتَاهُ فَقَالَ: يَا أَبَا عبد الرَّحْمَن بردتك هَذِه لي
فَقَالَ: إِنِّي اشْتَرَيْتهَا أمس
قَالَ: قد أعلمتك وَأَنت فِي حرج من لبسهَا
فخلعها ليدفعها إِلَيْهِ فَضَحِك الْقَوْم
فَقَالَ: مَا لكم فَقَالُوا: هَذَا رجل بطال
فَالْتَفت إِلَيْهِ فَقَالَ يَا أخي: أما علمت أَن الْمَوْت أمامك لَا تَدْرِي مَتى يَأْتِيك صباحاً أَو مسَاء أَو نَهَارا ثمَّ الْقَبْر ومنكر وَنَكِير وَبعد ذَلِك الْقِيَامَة يَوْم يخسر فِيهِ المبطلون فأبكاهم وَمضى
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ {وَترى كل أمة جاثية} قَالَ: متميزة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {وَترى كل أمة جاثية} قَالَ: تستفز على الركب
وَأخرج ابْن جرير عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ {وَترى كل أمة جاثية} يَقُول: على الركب عِنْد الْحساب
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد الله بن أَحْمد فِي زَوَائِد الزّهْد وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن عبد الله بن باباه رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: كَأَنِّي أَرَاكُم بالكوم دون جَهَنَّم جاثين ثمَّ قَرَأَ سُفْيَان {وَترى كل أمة جاثية}(7/428)
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وَترى كل أمة جاثية} كل أمة مَعَ نبيها حَتَّى يَجِيء رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على كوم قد علا الْخَلَائق فَذَلِك الْمقَام الْمَحْمُود
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {كل أمة تدعى إِلَى كتابها} قَالَ يعلمُونَ أَنه يدعى أمة قبل أمة وَقوم قبل قوم وَرجل قبل رجل ذكر لنا أَن نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَقُول يمثل لكل أمة يَوْم الْقِيَامَة مَا كَانَت تعبد من حجر أَو وثن أَو خَشَبَة أَو دَابَّة ثمَّ يُقَال: من كَانَ يعبد شَيْئا فليتبعه فَيكون أول ذَلِك الْأَوْثَان قادة إِلَى النَّار حَتَّى تقذفهم فِيهَا فَيبقى أمة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأهل الْكتاب فَيُقَال للْيَهُود: مَا كُنْتُم تَعْبدُونَ فَيَقُولُونَ: كُنَّا نعْبد الله وعزيزا إِلَّا قَلِيلا مِنْهُم ثمَّ يُقَال لَهُم: أما عُزَيْر فَلَيْسَ مِنْكُم ولستم مِنْهُ فَيُؤْخَذ بهم ذَات الشمَال فَيَنْطَلِقُونَ لَا يَسْتَطِيعُونَ مكوثاً
ثمَّ يدعى بالنصارى فَيُقَال لَهُم: مَا كُنْتُم تَعْبدُونَ فَيَقُولُونَ: كُنَّا نعْبد الله والمسيح بن مَرْيَم إِلَّا قَلِيلا مِنْهُم فَيُقَال: أما الْمَسِيح فَلَيْسَ مِنْكُم ولستم مِنْهُ فَيُؤْخَذ بهم ذَات الشمَال فَيَنْطَلِقُونَ وَلَا يَسْتَطِيعُونَ مكوثاً
وَتبقى أمة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَيُقَال: مَا كُنْتُم تَعْبدُونَ فَيَقُولُونَ: كُنَّا نعْبد الله وَحده وَإِنَّمَا فارقنا فِي الدُّنْيَا مَخَافَة يَوْمنَا هَذَا فَيُؤذن للْمُؤْمِنين فِي السُّجُود فَيسْجد الْمُؤْمِنُونَ وَيمْنَع كل مُنَافِق فيقصم ظهر الْمُنَافِق عَن السُّجُود وَيجْعَل الله سُجُود الْمُؤمنِينَ عَلَيْهِ توبيخاً وصغاراً وحسرة وندامة
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {هَذَا كتَابنَا ينْطق عَلَيْكُم بِالْحَقِّ} قَالَ: هُوَ أم الْكتاب فِيهِ أَعمال بني آدم {إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخ مَا كُنْتُم تَعْمَلُونَ} قَالَ: هم الْمَلَائِكَة عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام يستنسخون أَعمال بني آدم
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَنه سُئِلَ عَن هَذِه الْآيَة {إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخ مَا كُنْتُم تَعْمَلُونَ} فَقَالَ: إِن أوّل مَا خلق الله الْقَلَم ثمَّ خلق النُّون وَهِي الدواة ثمَّ خلق الألواح فَكتب الدُّنْيَا وَمَا يكون فِيهَا حَتَّى تفنى من خلق مَخْلُوق وَعمل مَعْمُول من بر أَو فَاجر وَمَا كَانَ من رزق حَلَال أَو حرَام وَمَا كَانَ من رطب ويابس ثمَّ ألزم كل شَيْء من ذَلِك شَأْنه دُخُوله فِي الدُّنْيَا حَيّ وبقاؤه فِيهَا كم وَإِلَى كم تفنى ثمَّ وكل بذلك الْكتاب الْمَلَائِكَة ووكل بالخلق مَلَائِكَة فتأتي مَلَائِكَة الْخلق إِلَى مَلَائِكَة ذَلِك الْكتاب فيستنسخون مَا يكون فِي كل يَوْم وَلَيْلَة مقسوم على مَا وكلوا بِهِ ثمَّ يأْتونَ إِلَى النَّاس فيحفظونهم بِأَمْر الله ويسوقونهم إِلَى مَا فِي أَيْديهم(7/429)
من تِلْكَ النّسخ فَقَامَ رجل يَا ابْن عَبَّاس
ألستم قوما عربا {إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخ مَا كُنْتُم تَعْمَلُونَ} هَل يستنسخ الشَّيْء إِلَّا من كتاب
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: إِن الله خلق النُّون وَهُوَ الدواة وَخلق الْقَلَم فَقَالَ: اكْتُبْ
قَالَ: مَا أكتب قَالَ: اكْتُبْ مَا هُوَ كَائِن إِلَى يَوْم الْقِيَامَة من عمل مَعْمُول بر أَو فَاجر أَو رزق مقسوم حَلَال أَو حرَام ثمَّ ألزم كل شَيْء من ذَلِك شَأْنه: دُخُوله فِي الدُّنْيَا ومقامه فِيهَا كم وَخُرُوجه مِنْهَا كَيفَ ثمَّ جعل على الْعباد حفظَة وعَلى الْكتاب خزاناً تحفظه ينسخون كل يَوْم من الْخزَّان عمل ذَلِك الْيَوْم فَإِذا فني ذَلِك الرزق انْقَطع الْأَمر وانقضى الْأَجَل أَتَت الْحفظَة الخزنة يطْلبُونَ عمل ذَلِك الْيَوْم فَتَقول لَهُم الخزنة: مَا نجد لصاحبكم عندنَا شَيْئا فترجع الْحفظَة فيجدونهم قد مَاتُوا
قَالَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا: ألستم قوما عربا تَسْمَعُونَ الْحفظَة يَقُولُونَ {إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخ مَا كُنْتُم تَعْمَلُونَ} وَهل يكون الاستنساخ إِلَّا من أصل
وَأخرج ابْن جرير عَن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِن لله مَلَائِكَة يتولون فِي كل يَوْم بِشَيْء يَكْتُبُونَ فِيهِ أَعمال بني آدم
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن أول شَيْء خلق الله الْقَلَم فَأَخذه بِيَمِينِهِ وكلتا يَدَيْهِ يَمِين فَكتب الدُّنْيَا وَمَا يكون فِيهَا من عمل مَعْمُول بر أَو فَاجر رطب أَو يَابِس فأحصاه عِنْده فِي الذّكر وَقَالَ اقرؤوا إِن شِئْتُم {هَذَا كتَابنَا ينْطق عَلَيْكُم بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخ مَا كُنْتُم تَعْمَلُونَ} فَهَل تكون النُّسْخَة إِلَّا من شَيْء قد فرغ مِنْهُ
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه بِسَنَد ضَعِيف عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله {إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخ مَا كُنْتُم تَعْمَلُونَ} قَالَ: هِيَ أَعمال أهل الدُّنْيَا الْحَسَنَات والسيئات تنزل من السَّمَاء كل غَدَاة أَو عَشِيَّة مَا يُصِيب الإِنسان فِي ذَلِك الْيَوْم أَو اللَّيْلَة الَّذِي يقتل وَالَّذِي يغرق وَالَّذِي يَقع من فَوق بَيت وَالَّذِي يتردى من فَوق جبل وَالَّذِي يَقع فِي بِئْر وَالَّذِي يحرق بالنَّار فيحفظون عَلَيْهِ ذَلِك كُله
فَإِذا كَانَ الْعشي صعدوا بِهِ إِلَى السَّمَاء فيجدونه كَمَا فِي السَّمَاء مَكْتُوبًا فِي الذّكر الْحَكِيم
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي الْآيَة قَالَ: تستنسخ(7/430)
الْحفظَة من أم الْكتاب مَا يعْمل بَنو آدم فَإِنَّمَا يعْمل الإِنسان على مَا استنسخ الْملك من أم الْكتاب
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: كتب فِي الذّكر عِنْده كل شَيْء هُوَ كَائِن ثمَّ بعث الْحفظَة على آدم عَلَيْهِ السَّلَام وَذريته فالحفظة ينسخون من الذّكر مَا يعْمل الْعباد ثمَّ قَرَأَ {هَذَا كتَابنَا ينْطق عَلَيْكُم بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخ مَا كُنْتُم تَعْمَلُونَ}
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخ مَا كُنْتُم تَعْمَلُونَ} قَالَ: إِن الله وكل مَلَائِكَة ينسخون من ذَلِك الْعَام فِي رَمَضَان لَيْلَة الْقدر مَا يكون فِي الأَرْض من حدث إِلَى مثلهَا من السّنة الْمُسْتَقْبلَة فيعارضون بِهِ حفظَة الله على الْعباد عَشِيَّة كل خَمِيس فيجدون مَا رفع الْحفظَة مُوَافقا لما فِي كِتَابهمْ ذَلِك لَيْسَ فِيهِ زِيَادَة وَلَا نُقْصَان
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وَقيل الْيَوْم ننساكم كَمَا نسيتم لِقَاء يومكم هَذَا} قَالَ: تركْتُم ذكري وطاعتني فَكَذَا أترككم {كَمَا نسيتم لِقَاء يومكم هَذَا} قَالَ: تركْتُم ذكري وطاعتي فَكَذَا تركْتُم فِي النَّار
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن عمر بن ذَر عَن أَبِيه أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: مَا قعد قوم يذكرُونَ الله إِلَّا قعد مَعَهم عَددهمْ من الْمَلَائِكَة فَإِذا حمدوا الله حمدوه وَإِن سبحوا الله سبحوه وَإِن كبروا الله كبروه وَإِن اسْتَغْفرُوا الله أمنُوا ثمَّ عرجوا إِلَى رَبهم فيسألهم فَقَالُوا: رَبنَا عبيد لَك فِي الأَرْض ذكروك فذكرناك
قَالَ: مَاذَا قَالُوا: قَالُوا: رَبنَا حمدوك فَقَالَ: أوّل من عبد وَآخر من حمد
قَالُوا: وسبحوك
قَالَ: مدحي لَا يَنْبَغِي لأحد غَيْرِي قَالُوا: رَبنَا كبروك
قَالَ: لي الْكِبْرِيَاء فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض وَأَنا الْعَزِيز الْحَكِيم
قَالُوا: رَبنَا استغفروك
قَالَ: أشهدكم أَنِّي قد غفرت لَهُم
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ رَفعه أَن لله ثَلَاثَة أَثوَاب: اتزر بِالْعِزَّةِ وتسربل الرَّحْمَة وارتدى بالكبرياء فَمن تعزز بِغَيْر مَا أعز الله فَذَلِك الَّذِي يُقَال لَهُ (ذُقْ إِنَّك أَنْت الْعَزِيز الْكَرِيم) (سُورَة الدُّخان الْآيَة 49) وَمن رحم رَحمَه(7/431)
الله وَمن تكبر فقد نَازع الله الَّذِي يَنْبَغِي لَهُ فَإِنَّهُ تبَارك وَتَعَالَى يَقُول: لَا يَنْبَغِي لمن نَازَعَنِي أَن أدخلهُ الْجنَّة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَابْن ماجة وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يَقُول الله عز وَجل: الْكِبْرِيَاء رِدَائي وَالْعَظَمَة إزَارِي فَمن نَازَعَنِي فِي وَاحِد مِنْهُمَا أَلقيته فِي النَّار وَالله أعلم(7/432)
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم (46)
سُورَة الْأَحْقَاف
مَكِّيَّة وآياتها خمس وَثَلَاثُونَ
مُقَدّمَة سُورَة الْأَحْقَاف أخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: نزلت بِمَكَّة سُورَة {حم} الْأَحْقَاف
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن الزبير مثله
الْآيَات 1 - 3(7/433)
حم (1) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (2) مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ (3)
وَأخرج أَحْمد بِسَنَد جيد عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: أَقْرَأَنِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سُورَة من آل {حم} وَهِي الْأَحْقَاف قَالَ: وَكَانَت السُّورَة إِذا كَانَت أَكثر من ثَلَاثِينَ آيَة سميت ثَلَاثِينَ
وَأخرج ابْن الضريس وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: اقرأني رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سُورَة الْأَحْقَاف وأقرأها آخر فَخَالف قِرَاءَته فَقلت: من أقرأكها قَالَ: رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَقلت: وَالله لقد أَقْرَأَنِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غير ذَا
فأتينا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقلت يَا رَسُول الله: ألم تقرئني كَذَا وَكَذَا قَالَ: بلَى فَقَالَ الآخر: ألم تقرئني كَذَا وَكَذَا قَالَ: بلَى
فتمعر (تمعر وَجهه: تغير) وَجه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: ليقْرَأ كل واحدٍ مِنْكُمَا مَا سمع فَإِنَّمَا هلك من كَانَ قبلكُمْ بالإختلاف(7/433)
الْآيَات 4 - 8(7/434)
قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (4) وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ (5) وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ (6) وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (7) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلَا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللَّهِ شَيْئًا هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ كَفَى بِهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (8)
أخرج أَحْمد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق أبي سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن عَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {أَو أثارة من علم} قَالَ: الْخط
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه والخطيب من طَرِيق أبي سَلمَة عَن ابْن عَبَّاس {أَو أثارة من علم} قَالَ: هَذَا الْخط
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور من طَرِيق صَفْوَان بن سليم عَن عَطاء بن يسَار قَالَ: سُئِلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الْخط فَقَالَ: علمه نَبِي وَمن كَانَ وَافقه علم
قَالَ: صَفْوَان: فَحدثت بِهِ أَبَا سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن فَقَالَ: سَأَلت ابْن عَبَّاس فَقَالَ: {أَو أثارة من علم}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: كَانَ نَبِي من الْأَنْبِيَاء يخط فَمن صَادف مثل خطه علم
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي سعيد عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله {أَو أثارة من علم} قَالَ: حسن خطّ
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَالْحَاكِم من طَرِيق الشّعبِيّ عَن ابْن عَبَّاس {أَو أثارة من علم} قَالَ: جودة الْخط(7/434)
وَأخرج ابْن جرير من طَرِيق أبي سَلمَة عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {أَو أثارة من علم} قَالَ: خطّ كَانَ تخطه الْعَرَب فِي الأَرْض
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة فِي قَوْله {أَو أثارة من علم} قَالَ: أَو خَاصَّة من علم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس {أَو أثارة من علم} يَقُول: بَيِّنَة من الْأَمر
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {أَو أثارة من علم} قَالَ: أحد يأثر علما وَفِي قَوْله {هُوَ أعلم بِمَا تفيضون فِيهِ} قَالَ: تَقولُونَ
الْآيَة 9(7/435)
قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ (9)
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس {قل مَا كنت بدعاً من الرُّسُل} يَقُول لست بأوّل الرُّسُل {وَمَا أَدْرِي مَا يفعل بِي وَلَا بكم} فَأنْزل الله بعد هَذَا (ليغفر لَك الله مَا تقدم من ذَنْبك وَمَا تَأَخّر) (الْفَتْح الْآيَة 2) وَقَوله {ليدْخل الْمُؤمنِينَ وَالْمُؤْمِنَات جنَّات} الْفَتْح الْآيَة 3 الْآيَة فَأعْلم الله سُبْحَانَهُ نبيه مَا يفعل بِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ جَمِيعًا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {قل مَا كنت بدعاً من الرُّسُل} قَالَ: مَا كنت بأوّلهم
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة {قل مَا كنت بدعاً من الرُّسُل} قَالَ: يَقُول: قد كَانَت الرُّسُل قبله
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن عَطِيَّة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَمَا أَدْرِي مَا يفعل بِي وَلَا بكم} قَالَ: هَل يتْرك بِمَكَّة أَو يخرج مِنْهَا
وَأخرج أَبُو دَاوُد فِي ناسخه من طَرِيق عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وَمَا أَدْرِي مَا يفعل بِي وَلَا بكم} قَالَ: نسختها هَذِه الْآيَة الَّتِي فِي الْفَتْح(7/435)
فَخرج إِلَى النَّاس فبشرهم بِالَّذِي غفر لَهُ مَا تقدم من ذَنبه وَمَا تَأَخّر
فَقَالَ رجل من الْمُؤمنِينَ: هَنِيئًا لَك يَا نَبِي الله قد علمنَا الْآن مَا يفعل بك فَمَاذَا يفعل بِنَا فَأنْزل الله فِي سُورَة الْأَحْزَاب (وَبشر الْمُؤمنِينَ بِأَن لَهُم من الله فضلا كَبِيرا) (الْأَحْزَاب الْآيَة 47) وَقَالَ (ليدْخل الْمُؤمنِينَ وَالْمُؤْمِنَات جنَّات تجْرِي من تحتهَا الْأَنْهَار خَالِدين فِيهَا وَيكفر عَنْهُم سيئاتهم وَكَانَ ذَلِك عِنْد الله فوزاً عَظِيما) (الْفَتْح الْآيَة 5) فَبين الله مَا بِهِ يفعل وبهم
وَأخرج ابْن جرير عَن عِكْرِمَة وَالْحسن مثله
وَأخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أم الْعَلَاء رَضِي الله عَنْهَا وَكَانَت بَايَعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنَّهَا قَالَت: لما مَاتَ عُثْمَان بن مَظْعُون رَضِي الله عَنهُ قلت: رَحْمَة الله عَلَيْك أَبَا السَّائِب شهادتي عَلَيْك لقد أكرمك الله
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: وَمَا يدْريك أَن الله أكْرمه أما هُوَ فقد جَاءَهُ الْيَقِين من ربه وَإِنِّي لأرجو لَهُ الْخَيْر وَالله مَا أَدْرِي وَأَنا رَسُول الله مَا يفعل بِي وَلَا بكم
قَالَت أم الْعَلَاء: فو الله مَا أزكي بعده أحدا
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: لما مَاتَ عُثْمَان بن مَظْعُون رَضِي الله عَنهُ قَالَت: امْرَأَته أَو امْرَأَة: هَنِيئًا لَك ابْن مَظْعُون الْجنَّة
فَنظر إِلَيْهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نظر مغضب وَقَالَ: وَمَا يدْريك وَالله إِنِّي لرَسُول الله وَمَا أَدْرِي مَا يفعل الله بِي
قَالَ: وَذَلِكَ قبل أَن ينزل (ليغفر لَك الله مَا تقدم من ذَنْبك وَمَا تَأَخّر) (الْفَتْح الْآيَة 1 - 2) فَقَالَت يَا رَسُول الله صَاحبك وفارسك وَأَنت أعلم فَقَالَ: أَرْجُو لَهُ رَحْمَة ربه وأخاف عَلَيْهِ ذَنبه
وَأخرج ابْن حبَان وَالطَّبَرَانِيّ عَن زيد بن ثَابت رَضِي الله عَنهُ أَن عُثْمَان بن مَظْعُون رَضِي الله عَنهُ لما قبض قَالَت أم الْعَلَاء: طبت أَبَا السَّائِب نفسا إِنَّك فِي الْجنَّة
فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: وَمَا يدْريك قَالَت: يَا رَسُول الله عُثْمَان بن مَظْعُون قَالَ: أجل مَا رَأينَا إِلَّا خيرا وَالله مَا أَدْرِي مَا يصنع بِي
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ قَالَ لما نزلت هَذِه الْآيَة {وَمَا أَدْرِي مَا يفعل بِي وَلَا بكم} عمل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْخَوْف زَمَانا فَلَمَّا نزلت (إِنَّا فتحنا لَك فتحا مُبينًا ليغفر لَك الله مَا تقدم من ذَنْبك وَمَا تَأَخّر) (الْفَتْح الْآيَة 1 - 2) اجْتهد(7/436)
فَقيل لَهُ: تجهد نَفسك وَقد غفر الله لَك مَا تقدم من ذَنْبك وَمَا تَأَخّر
قَالَ: أَفلا أكون عبدا شكُورًا
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {وَمَا أَدْرِي مَا يفعل بِي وَلَا بكم} قَالَ: ثمَّ درى نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعد ذَلِك مَا يفعل بِهِ بقوله (إِنَّا فتحنا لَك فتحا مُبينًا ليغفر لَك الله مَا تقدم من ذَنْبك وَمَا تَأَخّر)
وَأخرج ابْن جرير عَن الْحسن فِي قَوْله {وَمَا أَدْرِي مَا يفعل بِي وَلَا بكم} قَالَ: أما فِي الْآخِرَة فمعاذ الله قد علم أَنه فِي الْجنَّة حِين أَخذ ميثاقه فِي الرُّسُل وَلَكِن {وَمَا أَدْرِي مَا يفعل بِي وَلَا بكم} فِي الدُّنْيَا أخرج كَمَا أخرجت الْأَنْبِيَاء من قبلي أم أقتل كَمَا قتلت الْأَنْبِيَاء من قبلي {وَلَا بكم} أمتِي المكذبة أم أمتِي المصدقة أم أمتِي المرمية بِالْحِجَارَةِ من السَّمَاء قذفا أم يخسف بهَا خسفاً ثمَّ أُوحِي إِلَيْهِ (وَإِذ قُلْنَا لَك أَن رَبك أحَاط بِالنَّاسِ) (الْإِسْرَاء الْآيَة 60) يَقُول: أحطت لَك بالعرب أَن لَا يَقْتُلُوك فَعرف أَنه لَا يقتل ثمَّ أنزل الله (هُوَ الَّذِي أرسل رَسُوله بِالْهدى وَدين الْحق لِيظْهرهُ على الدّين كُله وَكفى بِاللَّه شَهِيدا) (التَّوْبَة الْآيَة 33) يَقُول: أشهد لَك على نَفسه أَنه سَيظْهر دينك على الْأَدْيَان ثمَّ قَالَ لَهُ فِي أمته (وَمَا كَانَ الله ليعذبهم وَأَنت فيهم وَمَا كَانَ الله معذبهم وهم يَسْتَغْفِرُونَ) (الرَّعْد الْآيَة 43) فَأخْبر الله مَا صنع بِهِ وَمَا يصنع بأمته
الْآيَة 10(7/437)
قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (10)
أخرج أَبُو يعلى وَابْن جرير وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ بِسَنَد صَحِيح عَن عَوْف بن مَالك الْأَشْجَعِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: انْطلق النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَنا مَعَه حَتَّى دَخَلنَا على كَنِيسَة الْيَهُود يَوْم عيدهم فكرهوا دخولنا عَلَيْهِم فَقَالَ لَهُم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أروني اثْنَي عشر رجلا مِنْكُم يشْهدُونَ أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله يحبط الله عَن كل يَهُودِيّ تَحت أَدِيم السَّمَاء الْغَضَب الَّذِي عَلَيْهِ
فَسَكَتُوا فَمَا أَجَابَهُ مِنْهُم أحد ثمَّ رد عَلَيْهِ فَلم يجبهُ أحد فثلث فَلم يجبهُ أحد فَقَالَ: أَبَيْتُم فو الله لأَنا الحاشر وَأَنا(7/437)
العاقب وَأَنا المقفي آمنتم أَو كَذبْتُمْ
ثمَّ انْصَرف وَأَنا مَعَه حَتَّى كدنا أَن نخرج فَإِذا رجل من خَلفه فَقَالَ: كَمَا أَنْت يَا مُحَمَّد فَأقبل فَقَالَ ذَلِك الرجل أَي رجل تعلموني فِيكُم يَا معشر الْيَهُود فَقَالُوا: وَالله مَا نعلم فِينَا رجلا أعلم بِكِتَاب الله وَلَا أفقه مِنْك وَلَا من أَبِيك وَلَا من جدك
قَالَ: فَإِنِّي أشهد بِاللَّه أَنه النَّبِي الَّذِي تجدونه فِي التَّوْرَاة والإِنجيل
قَالُوا: كذبت ثمَّ ردوا عَلَيْهِ وَقَالُوا شرا
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: كَذبْتُمْ لن يقبل مِنْكُم قَوْلكُم
فخرجنا وَنحن ثَلَاث: رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَنا وَابْن سَلام
فَأنْزل الله {قل أَرَأَيْتُم إِن كَانَ من عِنْد الله وكفرتم بِهِ وَشهد شَاهد من بني إِسْرَائِيل على مثله فَآمن وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِن الله لَا يهدي الْقَوْم الظَّالِمين}
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه عَن سعد بن أبي وَقاص رَضِي الله عَنهُ قَالَ: مَا سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول لأحد يمشي على وَجه الأَرْض إِنَّه من أهل الْجنَّة إِلَّا لعبد الله بن سَلام وَفِيه نزلت {وَشهد شَاهد من بني إِسْرَائِيل على مثله}
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن عبد الله بن سَلام رَضِي الله عَنهُ قَالَ: نزلت فِي آيَات من كتاب الله نزلت فيّ {وَشهد شَاهد من بني إِسْرَائِيل على مثله فَآمن وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِن الله لَا يهدي الْقَوْم الظَّالِمين} وَنزل فيَّ (قل كفى بِاللَّه شَهِيدا بيني وَبَيْنكُم وَمن عِنْده علم الْكتاب) (الْأَحْقَاف الْآيَة 16)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {وَشهد شَاهد من بني إِسْرَائِيل} قَالَ: عبد الله بن سَلام
وَأخرج ابْن سعد وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد وَالضَّحَّاك مثله
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن زيد بن أسلم وَقَتَادَة مثله
وَأخرج ابْن سعد وَابْن عَسَاكِر عَن مُجَاهِد وَعَطَاء وَعِكْرِمَة {وَشهد شَاهد من بني إِسْرَائِيل} قَالَ: عبد الله بن سَلام
وَأخرج الْحسن بن مُسلم رَضِي الله عَنهُ نزلت هَذِه الْآيَة بِمَكَّة وَعبد الله بن سَلام بِالْمَدِينَةِ
وَأخرج ابْن سعد وَابْن عَسَاكِر عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ قَالَ: نزلت {حم} وَعبد الله بِالْمَدِينَةِ مُسلم(7/438)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُحَمَّد بن سِيرِين رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانُوا يرَوْنَ أَن هَذِه الْآيَة نزلت فِي عبد الله بن سَلام {وَشهد شَاهد من بني إِسْرَائِيل على مثله} قَالَ: وَالسورَة مَكِّيَّة وَالْآيَة مَدَنِيَّة
قَالَ: وَكَانَت الْآيَة تنزل فَيُؤْمَر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن يَضَعهَا بَين آيتي كَذَا وَكَذَا فِي سُورَة كَذَا يرَوْنَ أَن هَذِه مِنْهُنَّ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة {وَشهد شَاهد من بني إِسْرَائِيل على مثله} قَالَ: لَيْسَ بِعَبْد الله بن سَلام هَذِه الْآيَة مَكِّيَّة فَيَقُول: من آمن من بني إِسْرَائِيل فَهُوَ كمن آمن بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الشّعبِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: مَا نزل فِي عبد الله بن سَلام رَضِي الله عَنهُ شَيْء من الْقُرْآن
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن مَسْرُوق رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَشهد شَاهد من بني إِسْرَائِيل على مثله} قَالَ: وَالله مَا نزلت فِي عبد الله بن سَلام مَا نزلت إِلَّا بِمَكَّة وَإِنَّمَا كَانَ إِسْلَام ابْن سَلام بِالْمَدِينَةِ وَإِنَّمَا كَانَت خُصُومَة خَاصم بهَا مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج ابْن سعد وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن عَسَاكِر عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما أَرَادَ عبد الله بن سَلام الإِسلام دخل على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ: أشهد أَنَّك رَسُول الله أرسلك بِالْهدى وَدين الْحق وَإِن الْيَهُود تَجِد ذَلِك عِنْدهم فِي التَّوْرَاة منعوتاً
ثمَّ قَالَ لَهُ: أرسل إِلَى نفر من الْيَهُود فسلهم عني وَعَن وَالِدي فَإِنَّهُم سيخبرونك وَإِنِّي سأخرج عَلَيْهِم فَأشْهد أَنَّك رَسُول الله لَعَلَّهُم يسلمُونَ
فَأرْسل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى النَّفر فَدَعَاهُمْ وخبأهم فِي بَيته فَقَالَ لَهُم مَا عبد الله بن سَلام فِيكُم وَمَا كَانَ وَالِده قَالُوا: سيدنَا وَابْن سيدنَا وعالمنا وَابْن عالمنا
قَالَ: أَرَأَيْتُم إِن أسلم أتسلمون قَالُوا: إِنَّه لَا يسلم
فَخرج عَلَيْهِم فَقَالَ: أشهد أَنَّك رَسُول الله وَإِنَّهُم ليعلمون مِنْك مثل مَا أعلم
فَخَرجُوا من عِنْده وَأنزل الله فِي ذَلِك {قل أَرَأَيْتُم إِن كَانَ من عِنْد الله} الْآيَة
وَأخرج ابْن مردوية عَن جُنْدُب قَالَ: جَاءَ عبد الله بن سَلام حَتَّى أَخذ بِعضَادَتَيْ الْبَاب ثمَّ قَالَ: أنْشدكُمْ بِاللَّه أَي قوم أتعلمون أَنِّي الَّذِي أنزلت فِيهِ {وَشهد شَاهد من بني إِسْرَائِيل على مثله} الْآيَة قَالُوا: اللَّهُمَّ نعم
وَأخرج عبد بن حميد عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: جَاءَ مَيْمُون بن يَامِين إِلَى النَّبِي(7/439)
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَانَ رَأس الْيَهُود بِالْمَدِينَةِ قد أسلم وَقَالَ: يَا رَسُول الله ابْعَثْ إِلَيْهِم فَاجْعَلْ بَيْنك وَبينهمْ حكما من أنفسهم فَإِنَّهُم سيرضوني فَبعث إِلَيْهِم وَأدْخلهُ الدَّاخِل فَأتوهُ فخاطبوه مليّاً فَقَالَ لَهُم: اخْتَارُوا رجلا من أَنفسكُم يكون حكما بيني وَبَيْنكُم قَالُوا: فَإنَّا قد رَضِينَا بميمون بن يَامِين فَأخْرجهُ إِلَيْهِم فَقَالَ لَهُم مَيْمُون أشهد أَنه رَسُول الله وَأَنه على الْحق فَأَبَوا أَن يصدقوه فَأنْزل الله فِيهِ {قل أَرَأَيْتُم إِن كَانَ من عِنْد الله} الْآيَة
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مَسْرُوق رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَشهد شَاهد من بني إِسْرَائِيل على مثله} قَالَ: مُوسَى مثل مُحَمَّد والتوراة مثل الْقُرْآن فَآمن هَذَا بكتابه وَنبيه وكفرتم أَنْتُم يَا أهل مَكَّة
الْآيَات 11 - 14(7/440)
وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ (11) وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً وَهَذَا كِتَابٌ مُصَدِّقٌ لِسَانًا عَرَبِيًّا لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ (12) إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (13) أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (14)
أخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ نَاس من الْمُشْركين: نَحن أعز وَنحن وَنحن فَلَو كَانَ خيرا مَا سبقنَا إِلَيْهِ فلَان وَفُلَان فَنزل {وَقَالَ الَّذين كفرُوا للَّذين آمنُوا لَو كَانَ خيرا مَا سبقُونَا إِلَيْهِ}
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن عون بن أبي شَدَّاد قَالَ: كَانَت لعمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ أمة أسلمت قبله يُقَال لَهَا زنيرة فَكَانَ عمر رَضِي الله عَنهُ يضْربهَا على اسلامها وَكَانَ كفار قُرَيْش يَقُولُونَ: لَو كَانَ خيرا مَا سبقتنا إِلَيْهِ زنيرة فَأنْزل الله فِي شَأْنهَا {وَقَالَ الَّذين كفرُوا للَّذين آمنُوا لَو كَانَ خيرا} الْآيَة
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن سَمُرَة بن جُنْدُب أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: بَنو غفار وَأسلم كَانُوا الْكثير من النَّاس فتْنَة يَقُولُونَ لَو كَانَ خيرا مَا جعلهم الله أول النَّاس فِيهِ يَقُولُونَ لَو كَانَ خيرا ماجعلهم الله أول النَّاس فِيهِ(7/440)
الْآيَات 15 - 16(7/441)
وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (15) أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ (16)
أخرج ابْن عَسَاكِر من طَرِيق الْكَلْبِيّ عَن أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: نزلت فِي أبي بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ {وَوَصينَا الإِنسان بِوَالِديهِ إحساناً} إِلَى قَوْله: {وعد الصدْق الَّذِي كَانُوا يوعدون}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {حَملته أمه كرها} قَالَ: مشقة عَلَيْهَا
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن أَنه قَالَ: وَحمله وفصله بِغَيْر ألف
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن بعجة بن عبد الله الْجُهَنِيّ قَالَ: تزوّج رجل منا امْرَأَة من جُهَيْنَة فَولدت لَهُ تَمامًا لسِتَّة أشهر فَانْطَلق زَوجهَا إِلَى عُثْمَان بن عَفَّان فَأمر برجمها فَبلغ ذَلِك عليا رَضِي الله عَنهُ فَأَتَاهُ فَقَالَ: مَا تصنع قَالَ: ولدت تَمامًا لسِتَّة أشهر وَهل يكون ذَلِك قَالَ عَليّ رَضِي الله عَنهُ: أما سَمِعت الله تَعَالَى يَقُول {وَحمله وفصاله ثَلَاثُونَ شهرا} وَقَالَ: (حَوْلَيْنِ كَامِلين) (الْبَقَرَة الْآيَة 233) فكم تَجدهُ بَقِي إِلَّا سِتَّة أشهر فَقَالَ عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ: وَالله مَا فطنت لهَذَا عَليّ بِالْمَرْأَةِ فوجدوها قد فرغ مِنْهَا
وَكَانَ من قَوْلهَا لاختها: يَا أَخِيه لَا تحزني فو الله مَا كشف فَرجي أحد قطّ غَيره
قَالَ: فشب الْغُلَام بعدُ فاعترف الرجل بِهِ وَكَانَ أشبه النَّاس بِهِ
قَالَ: فَرَأَيْت الرجل بعد يتساقط عضوا عضوا على فرَاشه
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر من طَرِيق قَتَادَة عَن أبي حَرْب ابْن أبي الْأسود الدؤَلِي قَالَ: رفع إِلَى عمر رَضِي الله عَنهُ امْرَأَة ولدت لسِتَّة أشهر(7/441)
فَسَأَلَ عَنْهَا أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ عَليّ رَضِي الله عَنهُ: لَا رجم عَلَيْهَا أَلا ترى أَنه يَقُول {وَحمله وفصاله ثَلَاثُونَ شهرا} وَقَالَ: (وفصاله فِي عَاميْنِ) (لُقْمَان 14) وَكَانَ الْحمل هَهُنَا سِتَّة أشهر
فَتَركهَا عمر رَضِي الله عَنهُ
قَالَ: ثمَّ بلغنَا أَنَّهَا ولدت آخر لسِتَّة أشهر
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر عَن نَافِع بن جُبَير أَن ابْن عَبَّاس أخبرهُ قَالَ: إِنِّي لصَاحب الْمَرْأَة الَّتِي أُتِي بهَا عمر وضعت لسِتَّة أشهر فَأنْكر النَّاس ذَلِك فَقلت لعمر: لَا تظلم
قَالَ: كَيفَ قلت: اقْرَأ {وَحمله وفصاله ثَلَاثُونَ شهرا} {والوالدات يرضعن أَوْلَادهنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلين} الْبَقَرَة الْآيَة 233 كم الْحول قَالَ: سنة
قلت: كم السّنة قَالَ: اثْنَا عشر شهرا
قلت: فَأَرْبَعَة وَعشْرين شهرا حولان كاملان وَيُؤَخر الله من الْحمل مَا شَاءَ وَيقدم
قَالَ: فاستراح عمر رَضِي الله عَنهُ إِلَى قولي
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن أبي عبيد مولى عبد الرَّحْمَن بن عَوْف قَالَ: رفعت امْرَأَة إِلَى عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ ولدت لسِتَّة أشهر فَقَالَ عُثْمَان: إِنَّهَا قد رفعت إِلَيّ امْرَأَة مَا أَرَاهَا إِلَّا جَاءَت بشرّ فَقَالَ ابْن عَبَّاس: إِذا كملت الرضَاعَة كَانَ الْحمل سِتَّة أشهر وَقَرَأَ (وَحمله وفصاله ثَلَاثُونَ شهرا)
فدرأ عُثْمَان عَنْهَا
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَنه كَانَ يَقُول: إِذا ولدت الْمَرْأَة لتسعة أشهر كفاها من الرَّضَاع أحد وَعِشْرُونَ شهرا وَإِذا ولدت لسبعة أشهر كفاها من الرَّضَاع ثَلَاثَة وَعِشْرُونَ شهرا وَإِذا وضعت لسِتَّة أشهر فحولين كَامِلين لِأَن الله تَعَالَى يَقُول {وَحمله وفصاله ثَلَاثُونَ شهرا}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْقَاسِم بن عبد الرَّحْمَن قَالَ: قلت لمسروق رَضِي الله عَنهُ: مَتى يُؤْخَذ الرجل بذنوبه قَالَ: إِذا بلغت الْأَرْبَعين فَخذ حذرك
وَأخرج ابْن الْجَوْزِيّ فِي كتاب الحدائق بِسَنَد ضَعِيف عَن عبَادَة بن الصَّامِت رَضِي الله عَنهُ قَالَ: جَاءَ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: إِن الله أَمر الحافظين فَقَالَ لَهما رفقا بعبدي فِي حداثته فَإِذا بلغ الْأَرْبَعين فاحفظا وحققا
وَأخرج أَبُو الْفَتْح الْأَزْدِيّ من طَرِيق جُوَيْبِر عَن الضَّحَّاك عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا مَرْفُوعا من أَتَى عَلَيْهِ الْأَرْبَعُونَ سنة فَلم يغلب خَيره شَره فليتجهز إِلَى النَّار(7/442)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مَالك بن مغول قَالَ شكا أَبُو معشر ابْنه إِلَى طَلْحَة بن مصرف فَقَالَ طَلْحَة رَضِي الله عَنهُ: اسْتَعِنْ عَلَيْهِ بِهَذِهِ الْآيَة {رب أوزعني أَن أشكر نِعْمَتك} الْآيَة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: أنزلت هَذِه الْآيَة فِي أبي بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ {حَتَّى إِذا بلغ أشده وَبلغ أَرْبَعِينَ سنة قَالَ رب أوزعني} الْآيَة فَاسْتَجَاب الله لَهُ فَأسلم والداه جَمِيعًا وإخوانه وَولده كلهم وَنزلت فِيهِ أَيْضا {فَأَما من أعْطى وَاتَّقَى} الْآيَة (اللَّيْل الْآيَة 5) إِلَى آخر السُّورَة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {وَأصْلح لي فِي ذريتي} قَالَ: اجعلهم لي صالحين
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الرّوح الْأمين قَالَ: يُؤْتى بحسنات العَبْد وسيئاته فيقتص بَعْضهَا من بعض فَإِن بقيت لَهُ حَسَنَة وسع الله لَهُ بهَا إِلَى الْجنَّة قَالَ: فَدخلت على يَزْدَان فَحدثت مثل هَذَا الحَدِيث قلت: فَإِن ذهبت الْحَسَنَة
قَالَ {أُولَئِكَ الَّذين نتقبل عَنْهُم أحسن مَا عمِلُوا} الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد قَالَ دَعَا أَبُو بكر عمر رَضِي الله عَنْهُمَا فَقَالَ لَهُ: إِنِّي مُوصِيك بِوَصِيَّة أَن تحفظها إِن لله فِي اللَّيْل حَقًا لَا يقبله بِالنَّهَارِ وَحقا بِالنَّهَارِ لَا يقبله بِاللَّيْلِ إنّه لَيْسَ لأحد نَافِلَة حَتَّى يُؤَدِّي الْفَرِيضَة إِنَّه إِنَّمَا ثقلت مَوَازِين من ثقلت مَوَازِينه يَوْم الْقِيَامَة باتبَاعهمْ الْحق فِي الدُّنْيَا وَثقل ذَلِك عَلَيْهِم وَحقّ لِمِيزَانٍ لَا يوضع فِيهِ إِلَّا الْحق أَن يثقل وَخفت مَوَازِين من خفت مَوَازِينه يَوْم الْقِيَامَة لاتباعهم الْبَاطِل فِي الدُّنْيَا وَخِفته عَلَيْهِم وَحقّ لِمِيزَانٍ لَا يوضع فِيهِ إِلَّا الْبَاطِل أَن يخف
ألم ترَ أَن الله ذكر أهل الْجنَّة بِأَحْسَن أَعْمَالهم فَيَقُول: أَيْن يبلغ عَمَلك من عمل هَؤُلَاءِ وَذكر أهل النَّار بِأَسْوَأ أَعْمَالهم حَتَّى يَقُول الْقَائِل أَنا خير من عمل هَؤُلَاءِ وَذَلِكَ بِأَن الله تَعَالَى رد عَلَيْهِم أحسن أَعْمَالهم ألم تَرَ أَن الله أنزل آيَة الشدَّة عِنْد آيَة الرخَاء وَآيَة الرخَاء عِنْد آيَة الشدَّة ليَكُون الْمُؤمن رَاغِبًا رَاهِبًا لِئَلَّا يلقى بِيَدِهِ إِلَى التَّهْلُكَة وَلَا يتَمَنَّى على الله أُمْنِية يتَمَنَّى على الله فِيهَا غير الْحق(7/443)
الْآيَات 17 - 19(7/444)
وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (17) أُولَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ (18) وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (19)
أخرج البُخَارِيّ عَن يُوسُف بن مَاهك قَالَ: كَانَ مَرْوَان على الْحجاز اسْتَعْملهُ مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان فَخَطب فَجعل يذكر يزِيد بن مُعَاوِيَة لكَي يُبَايع لَهُ بعد أَبِيه فَقَالَ عبد الرَّحْمَن بن أبي بكر رَضِي الله عَنهُ شَيْئا فَقَالَ: خذوه
فَدخل بَيت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا فَلم يقدروا عَلَيْهِ فَقَالَ مَرْوَان: إِن هَذَا أنزل فِيهِ {وَالَّذِي قَالَ لوَالِديهِ أُفٍّ لَكمَا} فَقَالَت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا من وَرَاء الْحجاب: مَا أنزل الله فِينَا شَيْئا من الْقُرْآن إِلَّا أَن الله أنزل عُذْري
وَأخرج عبد بن حميد وَالنَّسَائِيّ وَابْن الْمُنْذر وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه عَن مُحَمَّد بن زِيَاد قَالَ: لما بَايع مُعَاوِيَة لِابْنِهِ قَالَ مَرْوَان: سنة أبي بكر وَعمر فَقَالَ عبد الرَّحْمَن: سنة هِرقل وَقَيْصَر
فَقَالَ مَرْوَان: هَذَا الَّذِي أنزل الله فِيهِ {وَالَّذِي قَالَ لوَالِديهِ أُفٍّ لَكمَا} الْآيَة فَبلغ ذَلِك عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا فَقَالَت: كذب مَرْوَان كذب مَرْوَان وَالله مَا هُوَ بِهِ وَلَو شِئْت أَن أسمي الَّذِي أنزلت فِيهِ لَسَمَّيْته وَلَكِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعن أَبَا مَرْوَان فِي صلبه فمروان فضفض (فضفض: سَعَة) من لعنة الله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن عبد الله قَالَ: إِنِّي لفي الْمَسْجِد حِين خطب مَرْوَان فَقَالَ: إِن الله قد أرى أَمِير الْمُؤمنِينَ فِي يزِيد رَأيا حسنا وَإِن يستخلفه فقد اسْتخْلف أَبُو بكر وَعمر
فَقَالَ عبد الرَّحْمَن بن أبي بكر رَضِي الله عَنهُ: أهرقلية أَن أَبَا بكر رَضِي الله عَنهُ وَالله مَا جعلهَا فِي أحد من وَلَده وَلَا أحد من أهل بَيته وَلَا جعلهَا مُعَاوِيَة إِلَّا رَحْمَة وكرامة لوَلَده فَقَالَ مَرْوَان: أَلَسْت الَّذِي قَالَ لوَالِديهِ أفّ لَكمَا فَقَالَ عبد الرَّحْمَن: أَلَسْت ابْن اللعين الَّذِي لعن أَبَاك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: وَسمعتهَا(7/444)
عَائِشَة فَقَالَت: يَا مَرْوَان أَنْت الْقَائِل لعبد الرَّحْمَن كَذَا وَكَذَا كذبت وَالله مَا فِيهِ نزلت نزلت فِي فلَان بن فلَان
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي {وَالَّذِي قَالَ لوَالِديهِ أفّ لَكمَا} الْآيَة قَالَ: هَذَا ابْن لأبي بكر
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ قَالَ: نزلت هَذِه الْآيَة {وَالَّذِي قَالَ لوَالِديهِ أفّ لَكمَا} فِي عبد الرَّحْمَن بن أبي بكر قَالَ لوَالِديهِ وَكَانَا قد أسلما وأبى هُوَ أَن يسلم فَكَانَا يأمرانه بالإِسلام وَيرد عَلَيْهِمَا ويكذبهما فَيَقُول فَأَيْنَ فلَان وَأَيْنَ فلَان يَعْنِي مَشَايِخ قُرَيْش مِمَّن قد مَاتَ
ثمَّ أسلم بعد فَحسن إِسْلَامه فَنزلت تَوْبَته فِي هَذِه الْآيَة {وَلكُل دَرَجَات مِمَّا عمِلُوا}
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق ميناء أَنه سمع عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا تنكر أَن تكون الْآيَة نزلت فِي عبد الرَّحْمَن بن أبي بكر رَضِي الله عَنهُ وَقَالَت: إِنَّمَا نزلت فِي فلَان بن فلَان سمت رجلا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {أتعدانني أَن أخرج} قَالَ: يَعْنِي الْبَعْث بعد الْمَوْت
الْآيَة 20(7/445)
وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ (20)
أخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن حَفْص بن أبي العَاصِي قَالَ: كُنَّا نتغدى مَعَ عمر رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: قَالَ الله فِي كِتَابه {وَيَوْم يعرض الَّذين كفرُوا على النَّار أَذهَبْتُم طَيِّبَاتكُمْ} الْآيَة
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا أَن عمر رَضِي الله عَنهُ رأى فِي يَد جَابر بن عبد الله درهما فَقَالَ: مَا هَذَا الدِّرْهَم قَالَ: أُرِيد أَن أَشْتَرِي بِهِ لَحْمًا لأهلي قرموا (قرموا إِلَيْهِ: اشتهوه) إِلَيْهِ(7/445)
فَقَالَ: أفكلما اشتهيتم شَيْئا اشتريتموه أَيْن تذْهب عَنْكُم هَذِه الْآيَة {أَذهَبْتُم طَيِّبَاتكُمْ فِي حَيَاتكُم الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بهَا}
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن الْأَعْمَش قَالَ: مر جَابر بن عبد الله وَهُوَ مُتَعَلق لَحْمًا على عمر رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ مَا هَذَا يَا جَابر قَالَ: هَذَا لحم اشتهيته اشْتَرَيْته
قَالَ: وَكلما اشْتهيت شَيْئا اشْتَرَيْته أما تخشى أَن تكون من أهل هَذِه الْآيَة {أَذهَبْتُم طَيِّبَاتكُمْ فِي حَيَاتكُم الدُّنْيَا}
وَأخرج أَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن سَالم بن عبد الله بن عمر أَن عمر كَانَ يَقُول: وَالله مَا يَعْنِي بلذات الْعَيْش أَن نأمر بصغار المعزى فتسمط لنا ونأمر بلباب الْحِنْطَة فتخبز لنا ونأمر بالزبيب فينبذ لنا فِي الأسعان (الأسعان: جمع سعنة: الْقرْبَة) حَتَّى إِذا صَار مثل عين اليعقوب أكلنَا هَذَا وشربنا هَذَا وَلَكنَّا نُرِيد أَن نستبقي طيباتنا لأَنا سمعنَا الله يَقُول: {أَذهَبْتُم طَيِّبَاتكُمْ فِي حَيَاتكُم الدُّنْيَا} الْآيَة
وَأخرج أَبُو نعيم عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قدم على عمر رَضِي الله عَنهُ ناسٌ من الْعرَاق فَرَأى كَأَنَّهُمْ يَأْكُلُون هديرا (الهدير: العشب طَال وَعظم) فَقَالَ يَا أهل الْعرَاق لَو شِئْت أَن يدهمق لي كَمَا يدهمق لكم لفَعَلت وَلَكنَّا نستبقي من رَبنَا مَا نجده فِي آخرتنا أما سَمِعْتُمْ الله يَقُول لقوم {أَذهَبْتُم طَيِّبَاتكُمْ فِي حَيَاتكُم الدُّنْيَا} الْآيَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {أَذهَبْتُم طَيِّبَاتكُمْ فِي حَيَاتكُم الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بهَا} قَالَ: تعلمُوا أَن أَقْوَامًا يسترطون حسناتهم فِي الدُّنْيَا استبقى رجل طيباته إِن اسْتَطَاعَ وَلَا قوّة إِلَّا بِاللَّه
قَالَ: وَذكر لنا أَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ كَانَ يَقُول: لَو شِئْت لَكُنْت أطيبكُم طَعَاما وألينكم لباساً وَلَكِنِّي أستبقي طَيِّبَاتِي وَذكر لنا أَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ لما قدم الشَّام صنع لَهُ طَعَام لم ير قبله مثله قَالَ: هَذَا لنا فَمَا لفقراء الْمُسلمين الَّذين مَاتُوا وهم لَا يشبعون من خبز الشّعير فَقَالَ خَالِد بن الْوَلِيد رَضِي الله عَنهُ: لَهُم الْجنَّة
فاغرورقت عينا عمر رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ: لَئِن كَانَ حظنا من هَذَا الحطام وذهبوا بِالْجنَّةِ لقد باينونا بوناً بَعيدا(7/446)
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي مجلز رَضِي الله عَنهُ قَالَ: ليطلبن نَاس حَسَنَات عملوها فَيُقَال لَهُم {أَذهَبْتُم طَيِّبَاتكُمْ فِي حَيَاتكُم الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بهَا} الْآيَة
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أُتِي عمر رَضِي الله عَنهُ بِشَربَة عسل فَقَالَ: وَالله لَا أتحمل فَضلهَا اسقوها فلَانا
وَأخرج عبد بن حميد عَن وهب بن كيسَان عَن جَابر بن عبد الله رَضِي الله عَنهُ قَالَ: رَآنِي عمر رَضِي الله عَنهُ وَأَنا مُتَعَلق لَحْمًا فَقَالَ يَا جَابر مَا هَذَا قلت: لحم اشْتَرَيْته بدرهم لنسوة عِنْدِي قرمن إِلَيْهِ فَقَالَ أما يَشْتَهِي أحدكُم شَيْئا إِلَّا صنعه أما يجد أحدكُم أَن يطوي بَطْنه لجاره وَابْن عَمه أَيْن تذْهب هَذِه الْآيَة {أَذهَبْتُم طَيِّبَاتكُمْ فِي حَيَاتكُم الدُّنْيَا} قَالَ فَمَا انفلتّ مِنْهُ حَتَّى كدت أَن لَا أنفلت
وَأخرج ابْن سعد وَعبد بن حميد عَن حميد بن هِلَال قَالَ: كَانَ حَفْص رَضِي الله عَنهُ يكثر غشيان أَمِير الْمُؤمنِينَ عمر رَضِي الله عَنهُ وَكَانَ إِذا قرب طَعَامه اتَّقَاهُ فَقَالَ لَهُ عمر رَضِي الله عَنهُ: مَا لَك ولطعامنا فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِن أَهلِي يصنعون لي طَعَاما هُوَ أبين من طَعَامك فَاخْتَارَ طعامهم على طَعَامك فَقَالَ: ثكلتك أمك أما تراني لَو شِئْت أمرت بِشَاة فتية سَمِينَة فألقي عَنْهَا شعرهَا ثمَّ أمرت بدقيق فنخل فِي خرقَة فَجعل خبْزًا مرققاً وَأمرت بِصَاع من زبيب فَجعل فِي سمن حَتَّى يكون كَدم الغزال فَقَالَ حَفْص: إِنِّي أَرَاك تعرف لين الطَّعَام
فَقَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ: ثكلتك أمك وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لَوْلَا كَرَاهِيَة أَن ينقص من حسناتي يَوْم الْقِيَامَة لأشركتكم فِي لين طَعَامكُمْ
وَأخرج ابْن الْمُبَارك وَابْن سعد وَأحمد فِي الزّهْد وَعبد بن حميد وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن الْحسن قَالَ: قدم وَفد أهل الْبَصْرَة على عمر مَعَ أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ فَكَانَ لَهُ فِي كل يَوْم خبز يلت فَرُبمَا وَافَقْنَاهَا مَأْدُومَة بِزَيْت وَرُبمَا وَافَقْنَاهَا مَأْدُومَة بِسمن وَرُبمَا وَافَقْنَاهَا مَأْدُومَة بِلَبن وَرُبمَا وَافَقْنَاهَا القدائد الْيَابِسَة قد دقَّتْ ثمَّ أغلي لَهَا وَرُبمَا وَافَقْنَاهَا اللَّحْم الْغَرِيض وَهُوَ قَلِيل
قَالَ وَقَالَ لنا عمر رَضِي الله عَنهُ: إِنِّي وَالله لقد أرى تقديركم وَكَرَاهِيَتُكُمْ طَعَامي أما وَالله لَو شِئْت لَكُنْت أطيبكُم طَعَاما وَأَرَقِّكُمْ عَيْشًا أما وَالله مَا أَجْهَل عَن كراكر وَأَسْنِمَة وَعَن صلى وَصِنَاب وسلائق وَلَكِنِّي وجدت الله عير قوما بِأَمْر فَعَلُوهُ فَقَالَ {أَذهَبْتُم طَيِّبَاتكُمْ فِي حَيَاتكُم الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بهَا}(7/447)
وَأخرج أَحْمد وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الايمان عَن ثَوْبَان رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا سَافر كَانَ آخر عَهده بِإِنْسَان من أَهله فَاطِمَة وأوّل من يدْخل عَلَيْهِ إِذا قدم فَاطِمَة فَقدم من غزَاة فَأَتَاهَا فَإِذا بمسح على بَابهَا وَرَأى على الْحسن وَالْحُسَيْن قلبين من فضَّة فَرجع وَلم يدْخل عَلَيْهَا فَلَمَّا رَأَتْ ذَلِك فَاطِمَة ظنت أَنه لم يدْخل من أجل مَا رأى فهتكت السّتْر ونزعت القلبين من الصَّبِيَّيْنِ فقطعتهما فَبكى الصّبيان فقسمته بَينهمَا فَانْطَلقَا إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وهما يَبْكِيَانِ فَأَخذه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِنْهُمَا فَقَالَ: يَا ثَوْبَان اذْهَبْ بِهَذَا إِلَى بني فلَان أهل بَيت بِالْمَدِينَةِ واشتر لفاطمة قلادة من عصب وسوارين من عاج فَإِن هَؤُلَاءِ أهل بَيْتِي وَلَا أحب أَن يَأْكُلُوا طَيِّبَاتهمْ فِي حياتهم الدُّنْيَا وَالله تَعَالَى أعلم
الْآيَات 21 - 23(7/448)
وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (21) قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ آلِهَتِنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (22) قَالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَأُبَلِّغُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ (23)
أخرج ابْن مَاجَه وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يَرْحَمنَا الله وأخا عَاد
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: خير واديين فِي النَّاس وَادي مَكَّة ووادي أرم بِأَرْض الْهِنْد وشرّ واديين فِي النَّاس وَادي الْأَحْقَاف وواد بحضرموت يدعى برهوت يلقى فِيهِ أَرْوَاح الْكفَّار وَخير بِئْر فِي النَّاس زَمْزَم وَشر بِئْر فِي النَّاس برهوت وَهِي فِي ذَاك الْوَادي الَّذِي بحضرموت
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: الْأَحْقَاف جبل بِالشَّام
وَأخرج ابْن جرير عَن الضَّحَّاك قَالَ: الْأَحْقَاف جبل بِالشَّام يُسمى الْأَحْقَاف
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: الْأَحْقَاف الأَرْض
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: الْأَحْقَاف جساق من جسمي(7/448)
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: ذكر لنا أَن عاداً كَانُوا أَحيَاء بِالْيمن أهل رمل مشرفين على الْبَحْر بِأَرْض يُقَال لَهَا الشحر
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله بالأحقاف قَالَ: تلال من أَرض الْيمن
وَأخرج ابْن جرير عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَقد خلت النّذر من بَين يَدَيْهِ وَمن خَلفه أَلا تعبدوا إِلَّا الله} قَالَ: لم يبْعَث الله رَسُولا إِلَّا بِأَن يعبد الله
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن زيد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {لتأفكنا} قَالَ لتزيلنا وَقَرَأَ إِن كَاد ليضلنا عَن آلِهَتنَا قَالَ: يضلنا ويزيلنا ويأفكنا وَاحِد
الْآيَات 24 - 25(7/449)
فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ (24) تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (25)
أخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم من طرق عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {هَذَا عَارض مُمْطِرنَا} قَالَ: هُوَ السَّحَاب
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَأحمد وَعبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: مَا رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مستجمعاً ضَاحِكا حَتَّى أرى مِنْهُ لهواته إِنَّمَا كَانَ يتبسم وَكَانَ إِذا رأى غيماً أَو ريحًا عرف ذَلِك فِي وَجهه
قلت يَا رَسُول الله إِن النَّاس إِذا رَأَوْا الْغَيْم فرحوا رَجَاء أَن يكون فِيهِ الْمَطَر وَإِذا رَأَيْته عرف فِي وَجهك الْكَرَاهِيَة
قَالَ يَا عَائِشَة وَمَا يؤمنني أَن يكون فِيهِ عَذَاب قد عذب قوم بِالرِّيحِ وَقد رأى قوم الْعَذَاب فَقَالُوا {هَذَا عَارض مُمْطِرنَا}
وَأخرج عبد بن حميد وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا عصفت الرّيح قَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك خَيرهَا وَخير مَا فِيهَا وَخير مَا أرْسلت بِهِ وَأَعُوذ بك من شَرها وَشر مَا فِيهَا وَشر مَا أرْسلت بِهِ(7/449)
فَإِذا تخليت السَّمَاء تغير لَونه وَخرج وَدخل وَأَقْبل وَأدبر فَإِذا أمْطرت سري عَنهُ فَسَأَلته فَقَالَ لَا أَدْرِي لَعَلَّه كَمَا قَالَ قوم عَاد {هَذَا عَارض مُمْطِرنَا}
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب السَّحَاب وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {فَلَمَّا رَأَوْهُ عارضاً مُسْتَقْبل أَوْدِيَتهمْ} قَالَ غيم فِيهِ مطر فَأول مَا عرفُوا أَنه عَذَاب رَأَوْا مَا كَانَ خَارِجا من رحالهم ومواشيهم يطير بَين السَّمَاء وَالْأَرْض مثل الريش دخلُوا بُيُوتهم وَأَغْلقُوا أَبْوَابهم فَجَاءَت الرّيح ففتحت أَبْوَابهم ومالت عَلَيْهِم بالرمل فَكَانُوا تَحت الرمل سبع لَيَال وَثَمَانِية أَيَّام حسوماً لَهُم أَنِين ثمَّ أَمر الرّيح فكشف عَنْهُم الرمل وطرحتهم فِي الْبَحْر فَهُوَ قَوْله {فَأَصْبحُوا لَا يرى إِلَّا مساكنهم}
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَأَبُو يعلى وَالطَّبَرَانِيّ وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا فتح الله على عَاد من الرّيح الَّتِي هَلَكُوا فِيهَا إِلَّا مثل الْخَاتم فمرت بِأَهْل الْبَادِيَة فحملتهم وَأَمْوَالهمْ فجعلتهم بَين السَّمَاء وَالْأَرْض فَلَمَّا رأى ذَلِك أهل الْحَاضِرَة من عَاد الرّيح وَمَا فِيهَا {قَالُوا هَذَا عَارض مُمْطِرنَا} فَأَلْقَت أهل الْبَادِيَة ومواشيهم على أهل الحاضره
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا فتح الله على عَاد من الرّيح إِلَّا مَوضِع الْخَاتم أرْسلت عَلَيْهِم فَحملت البدو إِلَى الْحَضَر فَلَمَّا رَآهَا أهل الْحَضَر {قَالُوا هَذَا عَارض مُمْطِرنَا} مُسْتَقْبل أوديتنا وَكَانَ أهل الْبَوَادِي فِيهَا فألقي أهل الْبَادِيَة على أهل الْحَاضِرَة حَتَّى هَلَكُوا قَالَ: عَتَتْ على خزَّانِها حَتَّى خرجت من خلال الْأَبْوَاب
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير عَن عَمْرو بن مَيْمُون رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ هود قَاعِدا فِي قومه فجَاء سَحَاب مكفهر فَقَالُوا {هَذَا عَارض مُمْطِرنَا} فَقَالَ هود {بل هُوَ مَا استعجلتم بِهِ ريح فِيهَا عَذَاب أَلِيم} فَجعلت تلقي الْفسْطَاط وتجيء بِالرجلِ الْغَائِب
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: مَا أرسل الله على عَاد من الرّيح إِلَّا قدر خَاتمِي هَذَا
وَأخرج عبد بن حميد عَن مَيْمُون رَضِي الله عَنهُ أَنه قَرَأَ لَا ترى إِلَّا مساكنهم بِالتَّاءِ وَالنّصب(7/450)
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم رَضِي الله عَنهُ أَنه قَرَأَ {لَا يرى إِلَّا مساكنهم} بِالْيَاءِ وَرفع النُّون
الْآيَات 26 - 28(7/451)
وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (26) وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرَى وَصَرَّفْنَا الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (27) فَلَوْلَا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ قُرْبَانًا آلِهَةً بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ وَذَلِكَ إِفْكُهُمْ وَمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (28)
أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وَلَقَد مكناهم فِيمَا إِن مكناكم فِيهِ} يَقُول: لم نمكنكم فِيهِ
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وَلَقَد مكناهم} الْآيَة قَالَ: عَاد مكنوا فِي الأَرْض أفضل مِمَّا مكنت فِيهِ هَذِه الْأمة وَكَانُوا أَشد قُوَّة وَأكْثر أَوْلَادًا وأطول أعماراً
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَلَقَد أهلكنا مَا حَوْلكُمْ من الْقرى} هَهُنَا وَهَهُنَا شَيْئا بِالْيمن واليمامة وَالشَّام
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور عَن ابْن الزبير رَضِي الله عَنهُ أَنه قَرَأَ وَتلك إفكهم
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس أَنه كَانَ يَقْرَأها وَذَلِكَ أفكهم يَعْنِي بِفَتْح الْألف وَالْكَاف وَقَالَ: أصلهم
الْآيَات 29 - 34(7/451)
وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ (29) قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ (30) يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (31) وَمَنْ لَا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءُ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (32) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (33) وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (34)
أخرج أَحْمد وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن الزبير {وَإِذ صرفنَا إِلَيْك نَفرا من الْجِنّ يَسْتَمِعُون الْقُرْآن} قَالَ: بنخلة قَالَ: وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي الْعشَاء الْآخِرَة كَادُوا يكونُونَ عَلَيْهِ لبداً
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن منيع وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم وَالْبَيْهَقِيّ مَعًا فِي الدَّلَائِل عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: هَبَطُوا على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ يقْرَأ الْقُرْآن بِبَطن نَخْلَة فَلَمَّا سَمِعُوهُ قَالُوا: أَنْصتُوا قَالُوا: صه وَكَانُوا تِسْعَة أحدهم زَوْبَعَة فَأنْزل الله {وَإِذ صرفنَا إِلَيْك نَفرا من الْجِنّ} إِلَى قَوْله {ضلال مُبين}
وَأخرج ابْن جرير وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {وَإِذ صرفنَا إِلَيْك نَفرا من الْجِنّ يَسْتَمِعُون الْقُرْآن} الْآيَة قَالَ: كَانُوا تِسْعَة عشر من أهل نَصِيبين فجعلهم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رسلًا إِلَى قَومهمْ
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: صُرِفَتِ الْجِنّ إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مرَّتَيْنِ وَكَانَ أَشْرَاف الْجِنّ بنصيبين
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو نعيم فِي الدَّلَائِل عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {وَإِذ صرفنَا إِلَيْك نَفرا من الْجِنّ} قَالَ: كَانُوا من أهل نَصِيبين أَتَوْهُ بِبَطن نَخْلَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: بت اللَّيْلَة أَقرَأ على الْجِنّ []- رفقا بالحجون
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَابْن مرْدَوَيْه عَن مَسْرُوق قَالَ: سَأَلت ابْن مَسْعُود من آذن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالجن لَيْلَة اسْتَمعُوا الْقُرْآن قَالَ: آذنته بهم شَجَرَة(7/452)
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ أَنه سُئِلَ أَيْن قَرَأَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على الْجِنّ فَقَالَ: قَرَأَ عَلَيْهِم بشعب يُقَال لَهُ الْحجُون
وَأخرج عبد بن حميد وَأحمد وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ عَن عَلْقَمَة قَالَ: قلت لِابْنِ مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ: هَل صحب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْلَة الْجِنّ مِنْكُم أحد قَالَ: مَا صَحبه منا أحد وَلَكنَّا فقدناه ذَات لَيْلَة فَقُلْنَا اغتيل استطير مَا فعل قَالَ: فبتنا بشر لَيْلَة بَات بهَا قوم فَلَمَّا كَانَ فِي وَجه الصُّبْح إِذا نَحن بِهِ يَجِيء من قبل حرا فَأَخْبَرنَاهُ فَقَالَ: إِنَّه أَتَانِي دَاعِي الْجِنّ فأتيتهم فَقَرَأت عَلَيْهِم الْقُرْآن فَانْطَلق فأرانا آثَارهم وآثار نيرانهم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله {وَإِذ صرفنَا إِلَيْك نَفرا من الْجِنّ} قَالَ: هم اثْنَا عشر ألفا من جَزِيرَة الْموصل
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَإِذ صرفنَا إِلَيْك نَفرا من الْجِنّ} قَالَ: كَانُوا سَبْعَة ثَلَاثَة من أهل حران وَأَرْبَعَة من نَصِيبين وَكَانَ أَسمَاؤُهُم حسى ومسى وشاصر وماصر والأرد وإينان والأحقم وسرق
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن صَفْوَان بن الْمُعَطل قَالَ: خرجنَا حجاجاً فَلَمَّا كُنَّا بالعرج إِذا نَحن بحية تضطرب فَمَا لبث أَن مَاتَت فلفها رجل فِي خرقَة ودفنها ثمَّ قدمنَا مَكَّة فَإنَّا لبالمسجد الْحَرَام إِذْ وقف علينا شخص فَقَالَ: أَيّكُم صَاحب عَمْرو قُلْنَا: مَا نَعْرِف عمرا
قَالَ: أَيّكُم صَاحب الجان قَالُوا: هَذَا
قَالَ: أما أَنه آخر التِّسْعَة موتا الَّذين أَتَوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَسْتَمِعُون الْقُرْآن
وَأخرج أَبُو نعيم فِي الدَّلَائِل والواقدي عَن أبي جَعْفَر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قدم على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْجِنّ فِي ربيع الأول سنة إِحْدَى عشرَة من النُّبُوَّة
وَأخرج الْوَاقِدِيّ وَأَبُو نعيم عَن كَعْب الْأَحْبَار رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما انْصَرف النَّفر التِّسْعَة من أهل نَصِيبين من بطن نَخْلَة وهم فلَان وَفُلَان وَفُلَان والأرد واينان والأحقب جاؤوا قَومهمْ منذرين فَخَرجُوا بعد وافدين إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وهم ثلثمِائة فَانْتَهوا إِلَى الْحجُون فجَاء الأحقب فَسلم على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: إِن قَومنَا قد حَضَرُوا الْحجُون يلقونك فواعده رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لساعة من اللَّيْل بالحجون وَالله أعلم
الْآيَة 35(7/453)
فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلَاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ (35)
أخرج ابْن أبي حَاتِم والديلمي عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: ظلّ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَائِما ثمَّ طوى ثمَّ ظلّ صَائِما ثمَّ طوى ثمَّ ظلّ صَائِما قَالَ: يَا عَائِشَة إِن الدُّنْيَا لَا تنبغي لمُحَمد وَلَا لآل مُحَمَّد
يَا عَائِشَة إِن الله لم يرض من أولي الْعَزْم من الرُّسُل إِلَّا بِالصبرِ على مكروهها وَالصَّبْر عَن محبوبها ثمَّ لم يرض مني إِلَّا أَن يكلفني مَا كلفهم فَقَالَ: {فاصبر كَمَا صَبر أولُوا الْعَزْم من الرُّسُل} وَإِنِّي وَالله لأصبرنَّ كَمَا صَبَرُوا جهدي وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: أولو الْعَزْم من الرُّسُل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ونوح وَإِبْرَاهِيم ومُوسَى وَعِيسَى
وَأخرج عبد بن حميد وَأَبُو الشَّيْخ وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان وَابْن عَسَاكِر عَن أبي الْعَالِيَة {فاصبر كَمَا صَبر أولُوا الْعَزْم من الرُّسُل} قَالَ: نوح وَهود وَإِبْرَاهِيم فَأمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يصبر كَمَا صَبَرُوا وَكَانُوا ثَلَاثَة وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رابعهم قَالَ نوح: يَا قوم إِن كَانَ كبر عَلَيْكُم مقَامي وتذكيري بآيَات الله) (يُونُس الْآيَة 71) إِلَى آخرهَا فأظهر لَهُم الْمُفَارقَة وَقَالَ هود حِين (قَالُوا: إِن نقُول الا اعتراك بعض آلِهَتنَا بِسوء قَالَ إِنِّي أشهد الله واشهدوا أَنِّي بَرِيء مِمَّا تشركون من دونه) (تعود الْآيَة 53) فأظهر لَهُم الْمُفَارقَة قَالَ لإِبراهيم (لقد كَانَ لكم أُسْوَة حَسَنَة فِي إِبْرَاهِيم) (الممتحنة الْآيَة 4) إِلَى آخر الْآيَة فأظهر لَهُم الْمُفَارقَة قَالَ يَا مُحَمَّد: (قل إِنِّي نهيت أَن أعبد الَّذين تدعون من دون الله) (الْأَنْعَام الْآيَة 56) فَقَامَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عِنْد الْكَعْبَة فقرأها على الْمُشْركين فأظهر لَهُم الْمُفَارقَة
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن قَتَادَة فِي قَوْله {أولُوا الْعَزْم} قَالَ: هم نوح وَهود وَإِبْرَاهِيم وَشُعَيْب ومُوسَى
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج قَالَ {أولُوا الْعَزْم} إِسْمَاعِيل وَيَعْقُوب وَأَيوب وَلَيْسَ آدم مِنْهُم وَلَا يُونُس وَلَا سُلَيْمَان(7/454)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة قَالَ: {أولُوا الْعَزْم} نوح وَإِبْرَاهِيم ومُوسَى وَعِيسَى
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس {فاصبر كَمَا صَبر أولُوا الْعَزْم من الرُّسُل} قَالَ: هم الَّذين أمروا بِالْقِتَالِ حَتَّى مضوا على ذَلِك نوح وَهود وَصَالح ومُوسَى وَدَاوُد وَسليمَان
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن جَابر بن عبد الله رَضِي الله عَنهُ قَالَ: بَلغنِي أَن أولي الْعَزْم من الرُّسُل كَانُوا ثلثمِائة وَثَلَاثَة عشر
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فَهَل يهْلك إِلَّا الْقَوْم الْفَاسِقُونَ} قَالَ: تعلمُوا وَالله مَا يهْلك على الله إِلَّا هَالك مُشْرك ولى الإِسلام ظَهره أَو مُنَافِق صدق بِلِسَانِهِ وَخَالف بِقَلْبِه
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الدُّعَاء عَن أنس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِذا طلبت وأحببت أَن تنجح فَقل: لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ الْعلي الْعَظِيم لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ رب السَّمَوَات وَالْأَرْض وَرب الْعَرْش الْعَظِيم الْحَمد لله رب الْعَالمين كَأَنَّهُمْ يَوْم يرونها لم يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّة أَو ضحاها كَأَنَّهُمْ يَوْم يرَوْنَ مَا يوعدون لم يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَة من نَهَار بَلَاغ فَهَل يهْلك إِلَّا الْقَوْم الْفَاسِقُونَ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك مُوجبَات رحمتك وعزائم مغفرتك والسلامة من كل إِثْم وَالْغنيمَة من كل بر والفوز بِالْجنَّةِ والنجاة من النَّار اللَّهُمَّ لَا تدع لي ذَنبا إِلَّا غفرته وَلَا همّاً إِلَّا فرجته وَلَا حَاجَة هِيَ لَك رضَا إِلَّا قضيتها يَا أرْحم الرَّاحِمِينَ وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين(7/455)
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم (47)
سُورَة مُحَمَّد
مَدَنِيَّة وآياتها ثَمَان وَثَلَاثُونَ
مُقَدّمَة سُورَة مُحَمَّد أخرج ابْن ضريس عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: أنزلت سُورَة الْقِتَال بِالْمَدِينَةِ وَأخرج النّحاس وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: نزلت سُورَة مُحَمَّد بِالْمَدِينَةِ
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عبد الله بن الزبير قَالَ: نزلت بِالْمَدِينَةِ سُورَة {الَّذين كفرُوا}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عَليّ قَالَ: سُورَة مُحَمَّد آيَة فِينَا وَآيَة فِي بني أُميَّة
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يقْرَأ بهم فِي الْمغرب {الَّذين كفرُوا وصدوا عَن سَبِيل الله}
الْآيَات 1 - 3(7/456)
الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ (1) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ (2) ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ (3)
أخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {الَّذين كفرُوا وصدوا عَن سَبِيل الله أضلّ أَعْمَالهم} قَالَ: هم أهل مَكَّة قُرَيْش نزلت فيهم {وَالَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات} قَالَ: هم أهل الْمَدِينَة الْأَنْصَار {وَأصْلح بالهم} قَالَ: أَمرهم
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {أضلّ أَعْمَالهم} قَالَ: كَانَت لَهُم أَعمال فاضلة لَا يقبل الله مَعَ الْكفْر عملا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة {وَأصْلح بالهم} قَالَ: أصلح حَالهم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَأصْلح بالهم} قَالَ: شَأْنهمْ
وَفِي قَوْله {ذَلِك بِأَن الَّذين كفرُوا اتبعُوا الْبَاطِل} قَالَ: الشَّيْطَان
الْآيَات 4 - 6(7/457)
فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ (4) سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ (5) وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ (6)
أخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله {فَإِذا لَقِيتُم الَّذين كفرُوا فَضرب الرّقاب} قَالَ: مُشْركي الْعَرَب يَقُول {فَضرب الرّقاب} قَالَ: حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَه إِلَّا الله
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله {حَتَّى إِذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق} قَالَ: لَا تأسروهم وَلَا تفادوهم حَتَّى تثخنوهم بِالسَّيْفِ
وَأخرج النّحاس عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {فإمَّا منَّا بعد وَإِمَّا فدَاء} قَالَ: فَجعل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْمُؤمنِينَ بِالْخِيَارِ فِي الأسرى إِن شاؤوا قتلوهم وَإِن شاؤوا استعبدوهم وَإِن شاؤوا فادوهم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {فإمَّا منَّا بعد وَإِمَّا فدَاء} قَالَ: هَذَا مَنْسُوخ نسختها (فَإِذا انْسَلَخَ الْأَشْهر الْحرم فَاقْتُلُوا الْمُشْركين) (التَّوْبَة الْآيَة 5)(7/457)
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فإمَّا منَّا بعد وَإِمَّا فدَاء} قَالَ: فَرخص لَهُم أَن يمنوا على من شاؤوا مِنْهُم نسخ الله ذَلِك بعد فِي بَرَاءَة فَقَالَ: (فَاقْتُلُوا الْمُشْركين حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) (التَّوْبَة الْآيَة 5)
وَأخرج عبد بن حميد وَأَبُو دَاوُد فِي ناسخه وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فإمَّا منَّا بعد وَإِمَّا فدَاء} قَالَ: كَانَ الْمُسلمُونَ إِذا لقوا الْمُشْركين قاتلوهم فَإِذا أَسرُّوا مِنْهُم أَسِيرًا فَلَيْسَ لَهُم إِلَّا أَن يفادوه أَو يمنوا عَلَيْهِ ثمَّ نسخ ذَلِك بعد (فإمَّا تثقفنهم فِي الْحَرْب فشرد بهم من خَلفهم) (الْأَنْفَال 57)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن الضَّحَّاك وَمُجاهد فِي قَوْله {فإمَّا منَّا بعد وَإِمَّا فدَاء} قَالَا: نسختها (فَاقْتُلُوا الْمُشْركين حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن السّديّ مثله
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن عمرَان بن حُصَيْن رَضِي الله عَنهُ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَادى رجلَيْنِ من أَصْحَابه برجلَيْن من الْمُشْركين أَسرُّوا
وَأخرج عبد بن حميد عَن أَشْعَث قَالَ: سَأَلت الْحسن وَعَطَاء عَن قَوْله {فإمَّا منَّا بعد وَإِمَّا فدَاء} قَالَ: أَحدهمَا يمن عَلَيْهِ أَو لَا يفادى وَقَالَ الآخر: يصنع كَمَا صنع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يمن عَلَيْهِ أَو لَا يفادى
وَأخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أَتَى الْحجَّاج بِأسَارَى فَدفع إِلَى ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا رجلا يقْتله فَقَالَ ابْن عمر: لَيست بِهَذَا أمرنَا إِنَّمَا قَالَ الله {حَتَّى إِذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإمَّا منَّا بعد وَإِمَّا فدَاء}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن نَافِع أَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا أعتق ولد زنية وَقَالَ: قد أمرنَا الله وَرَسُوله أَن نمنَّ على من هُوَ شَرّ مِنْهُ قَالَ الله {فإمَّا منَّا بعدُ وَإِمَّا فدَاء}
وَأخرج عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه عَن لَيْث رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قلت لمجاهد: بلغنى أَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: لَا يحل قتل الْأُسَارَى لِأَن الله تَعَالَى قَالَ {فإمَّا منَّا بعدُ وَإِمَّا فدَاء} فَقَالَ مُجَاهِد: لَا تعبأ بِهَذَا شَيْئا أدْركْت أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكلهمْ يُنكر هَذَا وَيَقُول: هَذِه مَنْسُوخَة إِنَّمَا كَانَت(7/458)
فِي الْهُدْنَة الَّتِي كَانَت بَين رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَبَين الْمُشْركين فَأَما الْيَوْم فَلَا يَقُول الله (فَاقْتُلُوا الْمُشْركين حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) وَيَقُول {فَإِذا لَقِيتُم الَّذين كفرُوا فَضرب الرّقاب} فَإِن كَانُوا من مُشْركي الْعَرَب لم يقبل مِنْهُم شَيْء إِلَّا الإِسلام فَإِن لم يسلمُوا فالقتل وَأما من سواهُم فَإِنَّهُم إِذا أَسرُّوا فالمسلمون فيهم بِالْخِيَارِ إِن شاؤوا قتلوهم وَإِن شاؤوا استحيوهم وَإِن شاؤوا فادوهم إِذا لم يتحوّلوا عَن دينهم فَإِن أظهرُوا الإِسلام لم يفادوا وَنهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن قتل الصَّغِير وَالْمَرْأَة وَالشَّيْخ الفاني
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: نسخت (فَاقْتُلُوا الْمُشْركين حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) (النِّسَاء 89) مَا كَانَ قبل ذَلِك من فدَاء أَو مَنّ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف عَن عَطاء رَضِي الله عَنهُ أَنه كَانَ يكره قتل أهل الشّرك صبرا وَيَتْلُو {فشدوا الوثاق فإمَّا منَّا بعد وَإِمَّا فدَاء} ثمَّ نسختها {فخذوهم واقتلوهم حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} وَنزلت زَعَمُوا فِي الْعَرَب خَاصَّة وَقتل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عقبَة بن أبي معيط [] يَوْم بدر صبرا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن أَيُّوب رَضِي الله عَنهُ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَن قتل الوصفاء والعسفاء
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن الضَّحَّاك بن مُزَاحم رَضِي الله عَنهُ قَالَ: نهى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن قتل النِّسَاء والولدان إِلَّا من عدا مِنْهُم بِالسَّيْفِ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير عَن الْقَاسِم بن عبد الرَّحْمَن رَضِي الله عَنهُ قَالَ: بعث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَرِيَّة فطلبوا رجلا فَصَعدَ شَجَرَة فأحرقوها بالنَّار فَلَمَّا قدمُوا على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَخْبرُوهُ بذلك فَتغير وَجه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ: إِنِّي لم أبْعث أعذب بِعَذَاب الله إِنَّمَا بعثت بِضَرْب الرّقاب وَشد الوثاق
أما قَوْله تَعَالَى: {حَتَّى تضع الْحَرْب أَوزَارهَا}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {حَتَّى تضع الْحَرْب أَوزَارهَا} قَالَ: حَتَّى لَا يكون شرك
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ {حَتَّى تضع الْحَرْب أَوزَارهَا} قَالَ: حَتَّى يعبد الله وَلَا يُشْرك بِهِ
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن(7/459)
مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {حَتَّى تضع الْحَرْب أَوزَارهَا} قَالَ: حَتَّى يخرج عِيسَى بن مَرْيَم عَلَيْهِ السَّلَام فَيسلم كل يَهُودِيّ وَنَصْرَانِي وَصَاحب مِلَّة وتأمن الشَّاة من الذِّئْب وَلَا تقْرض فَأْرَة جراباً وَتذهب الْعَدَاوَة من النَّاس كلهَا ذَلِك ظُهُور الإِسلام على الدّين كُله وينعم الرجل الْمُسلم حَتَّى تقطر رجله دَمًا إِذا وَضعهَا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: يُوشك من عَاشَ مِنْكُم أَن يلقى عِيسَى بن مَرْيَم إِمَامًا مهدياً وَحكما عدلا فيكسر الصَّلِيب وَيقتل الْخِنْزِير وتوضع الْجِزْيَة وتضع الْحَرْب أَوزَارهَا
وَأخرج عبد بن حميد عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ {حَتَّى تضع الْحَرْب أَوزَارهَا} قَالَ: خُرُوج عِيسَى بن مَرْيَم عَلَيْهِ السَّلَام
وَأخرج ابْن سعد وَأحمد وَالنَّسَائِيّ وَالْبَغوِيّ وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن سَلمَة بن نفَيْل رَضِي الله عَنهُ قَالَ: بَيْنَمَا أَنا جَالس عِنْد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذْ جَاءَهُ رجل فَقَالَ يَا رَسُول الله: إِن الْخَيل قد سُيبت وَوُضِعَ السلاحُ وَزعم أَقوام أَن لَا قتال وأنْ قد وضعت الْحَرْب أَوزَارهَا فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: كذبُوا فَالْآن جَاءَ الْقِتَال وَلَا تزَال طَائِفَة من أمتِي يُقَاتلُون فِي سَبِيل الله لَا يضرهم من خالفهم يزِيغ الله قُلُوب قوم ليرزقهم مِنْهُم ويقاتلون حَتَّى تقوم السَّاعَة وَلَا تزَال الْخَيل معقوداً فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْر حَتَّى تقوم السَّاعَة وَلَا تضع الْحَرْب أَوزَارهَا حَتَّى يخرج يَأْجُوج وَمَأْجُوج
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن حُذَيْفَة بن الْيَمَان رَضِي الله عَنهُ قَالَ: فتح لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فتح فَقلت يَا رَسُول الله الْيَوْم ألْقى الإِسلام بجرانه وَوضعت الْحَرْب أَوزَارهَا فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن دون أَن تضع الْحَرْب أَوزَارهَا خلالاً سِتا أولهنَّ موتِي ثمَّ فتح بَيت الْمُقَدّس ثمَّ فئتان من أمتِي دَعوَاهُم وَاحِدَة يقتل بَعضهم بَعْضًا وَيفِيض المَال حَتَّى يُعْطي الرجل الْمِائَة دِينَار فيتسخط وَمَوْت يكون كقعاص الْغنم وَغُلَام من بني الْأَصْفَر ينْبت فِي الْيَوْم كنبات الشَّهْر وَفِي الشَّهْر كنبات السّنة فيرغب فِيهِ قومه فيملكونه يَقُولُونَ نرجو أَن ير بك علينا ملكنا فَيجمع جمعا عَظِيما ثمَّ يسير حَتَّى يكون فِيمَا بَين الْعَريش وأنطاكية وأميركم يَوْمئِذٍ نعم الْأَمِير فَيَقُول لأَصْحَابه: مَا ترَوْنَ فَيَقُولُونَ نقاتلهم حَتَّى يحكم الله بَيْننَا وَبينهمْ فَيَقُول لَا أرى ذَلِك نحرز ذرارينا وعيالنا ونخلي بَينهم وَبَين الأَرْض ثمَّ نغزوهم وَقد أحرزنا ذرارينا فيسيرون فيخلون بَينهم وَبَين أَرضهم حَتَّى يَأْتُوا مدينتي هَذِه فيستهدون أهل الإِسلام فيهدونهم ثمَّ يَقُول لَا ينتدبن(7/460)
معي إِلَّا من يهب نَفسه لله حَتَّى نلقاهم فنقاتل حَتَّى يحكم الله بيني وَبينهمْ فينتدب مَعَه سَبْعُونَ ألفا وَيزِيدُونَ على ذَلِك فَيَقُول حسبي سَبْعُونَ ألفا لَا تحملهم الأَرْض وَفِيهِمْ عين لعدوّهم فيأتيهم فيخبرهم بِالَّذِي كَانَ فيسيرون إِلَيْهِم حَتَّى إِذا الْتَقَوْا سَأَلُوا أَن يخلي بَينهم وَبَين من كَانَ بَينهم وَبَينه نسب فيدعونهم فَيَقُولُونَ مَا ترَوْنَ فِيمَا يَقُولُونَ فَيَقُول: مَا أَنْتُم بِأَحَق بقتالهم وَلَا أبعد مِنْهُم فَيَقُول: فعندكم فأكسروا أغمادكم فيسل الله سَيْفه عَلَيْهِم فَيقْتل مِنْهُم الثُّلُثَانِ ويقر فِي السفن الثُّلُث وصاحبهم فيهم حَتَّى إِذا تراءت لَهُم جبالهم بعث الله عَلَيْهِم ريحًا فردتهم إِلَى مراسيهم من الشَّام فأخِذوا فَذُبِحوا عِنْد أرجل سفنهم عِنْد السَّاحِل فَيَوْمئِذٍ تضع الْحَرْب أَوزَارهَا
أما قَوْله تَعَالَى: {ذَلِك وَلَو يَشَاء الله لانتصر مِنْهُم}
أخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {ذَلِك وَلَو يَشَاء الله لانتصر مِنْهُم} قَالَ: أَي وَالله بجُنُوده الْكَثِيرَة كل خلقه لَهُ جند فَلَو سلط أَضْعَف خلقه لَكَانَ لَهُ جنداً
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله ذَلِك {وَلَو يَشَاء الله لانتصر مِنْهُم} قَالَ: لأرسل عَلَيْهِم ملكا فدمر عَلَيْهِم وَفِي قَوْله {وَالَّذين قتلوا فِي سَبِيل الله فَلَنْ يضل أَعْمَالهم} قَالَ: نزلت فِيمَن قتل من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم أُحد
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم رَضِي الله عَنهُ أَنه قَرَأَ وَالَّذين قَاتلُوا بِالْألف
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَالَّذين قتلوا فِي سَبِيل الله فَلَنْ يضل أَعْمَالهم} الْآيَة
قَالَ: ذكر لنا أَن هَذِه الْآيَة نزلت فِي يَوْم أحد وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الشّعب وَقد فَشَتْ فيهم الْجِرَاحَات وَالْقَتْل وَقد نَادَى الْمُشْركُونَ يَوْمئِذٍ: أعلُ هُبَل ونادى الْمُسلمُونَ الله أَعلَى وَأجل ففادى الْمُشْركُونَ يَوْم بِيَوْم بدر وَإِن الْحَرْب سِجَال لنا عُزّى وَلَا عُزّى لكم فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: قُولُوا الله مَوْلَانَا وَلَا مولى لكم إِن الْقَتْلَى مُخْتَلفَة أما قَتْلَانَا فأحياء يرْزقُونَ وَأما قَتْلَاكُمْ فَفِي النَّار يُعَذبُونَ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {ويدخلهم الْجنَّة عرفهَا لَهُم} قَالَ: يهدي أَهلهَا إِلَى بُيُوتهم ومساكنهم وَحَيْثُ قسم الله لَهُم مِنْهَا لَا يخطئون كَأَنَّهُمْ ساكنوها مُنْذُ خلقُوا لَا يستدلون عَلَيْهَا أحدا(7/461)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {عرفهَا لَهُم} قَالَ: عرفهم مَنَازِلهمْ فِيهَا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مقَاتل رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {ويدخلهم الْجنَّة عرفهَا لَهُم} قَالَ: بلغنَا أَن الْملك الَّذِي كَانَ وُكّلَ بِحِفْظ عمله فِي الدُّنْيَا يمشي بَين يَدَيْهِ فِي الْجنَّة ويتبعه ابْن آدم حَتَّى يَأْتِي أقْصَى منزل هُوَ لَهُ فيعرفه كل شَيْء أعطَاهُ الله فِي الْجنَّة فَإِذا انْتهى إِلَى أقْصَى منزله فِي الْجنَّة دخل إِلَى منزله وأزواجه وَانْصَرف الْملك عَنهُ
الْآيَات 7 - 11(7/462)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (7) وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ (8) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ (9) أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا (10) ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ (11)
أخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {إِن تنصرُوا الله ينصركم وَيثبت أقدامكم} قَالَ: على نَصره
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {إِن تنصرُوا الله ينصركم} قَالَ: حق على الله أَن يُعْطي من سَأَلَهُ وَأَن ينصر من نَصره {وَالَّذين كفرُوا فتعساً لَهُم وأضل أَعْمَالهم ذَلِك بِأَنَّهُم كَرهُوا مَا أنزل الله فأحبط أَعْمَالهم} قَالَ: أما الأولى فَفِي الْكفَّار الَّذين قتل الله يَوْم بدر وَأما الْأُخْرَى فَفِي الْكفَّار عَامَّة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن عَمْرو بن مَيْمُون رَضِي الله عَنهُ: {ذَلِك بِأَنَّهُم كَرهُوا مَا أنزل الله} قَالَ: كَرهُوا الْفَرَائِض
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {أفلم يَسِيرُوا فِي الأَرْض فينظروا كَيفَ كَانَ عَاقِبَة الَّذين من قبلهم دمر الله عَلَيْهِم} قَالَ: أهلكهم الله بألوان الْعَذَاب بِأَن يتفكر متفكر ويتذكر متذكر وَيرجع رَاجع فَضرب الْأَمْثَال وَبعث الرُّسُل ليعقلوا عَن الله أمره(7/462)
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {وللكافرين أَمْثَالهَا} قَالَ: لكفار قَوْمك يَا مُحَمَّد مثل مَا دمرت بِهِ الْقرى فأهلكوا بِالسَّيْفِ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وللكافرين أَمْثَالهَا} قَالَ: مثل مَا دمرت بِهِ الْقُرُون الأولى وَعِيد من الله تَعَالَى لَهُم وَفِي قَوْله {ذَلِك بِأَن الله مولى الَّذين آمنُوا} قَالَ: وليهم الله
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {ذَلِك بِأَن الله مولى الَّذين آمنُوا} قَالَ: لَيْسَ لَهُم مولى غَيره
الْآيَات 12 - 14(7/463)
إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ (12) وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلَا نَاصِرَ لَهُمْ (13) أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ (14)
أخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وَالَّذين كفرُوا يتمتعون ويأكلون كَمَا تَأْكُل الْأَنْعَام} قَالَ: لَا يلْتَفت إِلَى آخرته
قَوْله تَعَالَى: {وكأين من قَرْيَة} الْآيَتَيْنِ
وَأخرج عبد بن حميد وَأَبُو يعلى وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما خرج من مَكَّة إِلَى الْغَار الْتفت إِلَى مَكَّة وَقَالَ: أَنْت أحب بِلَاد الله إِلَى الله وَأَنت أحب بِلَاد الله إِلَيّ وَلَوْلَا أَن أهلك أَخْرجُونِي مِنْك لم أخرج مِنْك فأعتى الْأَعْدَاء من عدا على الله فِي حرمه أَو قتل غير قَاتله أَو قتل بذحول أهل الْجَاهِلِيَّة فَأنْزل الله تَعَالَى {وكأين من قَرْيَة هِيَ أَشد قوّة من قريتك الَّتِي أخرجتك أهلكناهم فَلَا نَاصِر لَهُم}
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وكأين من قَرْيَة هِيَ أَشد قوّة من قريتك} قَالَ: قريته مَكَّة وَفِي قَوْله {أَفَمَن كَانَ على بَيِّنَة من ربه} قَالَ: هُوَ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {كمن زين لَهُ سوء عمله} قَالَ: هم الْمُشْركُونَ(7/463)
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كلُّ هوى ضَلَالَة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن طَاوس قَالَ: مَا ذكر الله هوى فِي الْقُرْآن إِلَّا ذمه
الْآيَة 15(7/464)
مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ (15)
أخرج ابْن جريج وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {أَنهَار من مَاء غير آسن} قَالَ: غير متغير
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {من مَاء غير آسن} قَالَ: غير منتن
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ {وأنهار من لبن لم يتَغَيَّر طعمه} قَالَ: قَالَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا: لم يحلب
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وأنهار من لبن لم يتَغَيَّر طعمه} قَالَ: لم يخرج من بَين فرث وَدم {وأنهار من خمر لَذَّة للشاربين} قَالَ: لم تدنسه الرِّجَال بأرجلهم {وأنهار من عسل مصفى} قَالَ: لم يخرج من بطُون النَّحْل
وَأخرج أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث والنشور عَن مُعَاوِيَة بن حيدة رَضِي الله عَنهُ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول فِي الْجنَّة بَحر اللَّبن وبحر المَاء وبحر الْعَسَل وبحر الْخمر ثمَّ تشقق الْأَنْهَار مِنْهَا بعد
وَأخرج الْحَرْث بن أبي أُسَامَة فِي مُسْنده وَالْبَيْهَقِيّ عَن كَعْب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: نهر النّيل نهر الْعَسَل فِي الْجنَّة ونهر دجلة نهر اللَّبن فِي الْجنَّة ونهر الْفُرَات نهر الْخمر فِي الْجنَّة
ونهر سيحان نهر المَاء فِي الْجنَّة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن الْكَلْبِيّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {مثل الْجنَّة الَّتِي وعد المتقون فِيهَا أَنهَار من مَاء غير آسن} الْآيَة قَالَ: حَدثنِي أَبُو صَالح عَن ابْن عَبَّاس(7/464)
رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لما أسرِي بِي فَانْطَلق بِي الْملك فَانْتهى بِي إِلَى نهر الْخمر فَإِذا عَلَيْهِ إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فَقلت للْملك: أَي نهر هَذَا فَقَالَ: هَذَا نهر دجلة
فَقلت لَهُ: إِنَّه مَاء قَالَ هُوَ فِي مَاء فِي الدُّنْيَا يسْقِي الله بِهِ من يَشَاء وَهُوَ فِي الْآخِرَة خمر لأهل الْجنَّة
قَالَ: ثمَّ انْطَلَقت مَعَ الْملك إِلَى نهر الرب فَقلت للْملك: أَي نهر هَذَا قَالَ: هُوَ جيحون وَهُوَ المَاء غير آسن وَهُوَ فِي الدُّنْيَا مَاء يسْقِي الله بِهِ من يَشَاء وَهُوَ فِي الْآخِرَة مَاء غير آسن ثمَّ انْطلق بِي فأبلغني نهر اللَّبن الَّذِي يَلِي الْقبْلَة فَقلت للْملك: أيّ نهر هَذَا قَالَ: هَذَا نهر الْفُرَات فَقلت: هُوَ مَاء
قَالَ: هُوَ مَاء يسْقِي الله بِهِ من يَشَاء فِي الدُّنْيَا وَهُوَ لبن فِي الْآخِرَة لذرية الْمُؤمنِينَ الَّذين رَضِي الله عَنْهُم وَعَن آبَائِهِم ثمَّ انْطلق بِي فأبلغني نهر الْعَسَل الَّذِي يخرج من جَانب الْمَدِينَة فَقلت للْملك الَّذِي أرسل معي: أيّ نهر هَذَا قَالَ: هَذَا نهر مصر
قلت: هُوَ مَاء
قَالَ: هُوَ مَاء يسْقِي الله بِهِ من يَشَاء فِي الدُّنْيَا وَهُوَ فِي الْآخِرَة عسلٌ لأهل الْجنَّة {وَلَهُم فِيهَا من كل الثمرات} يَقُول: فِي الْجنَّة {ومغفرة من رَبهم} يَقُول: لذنوبهم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ عَن أبي وَائِل رَضِي الله عَنهُ قَالَ: جَاءَ رجل يُقَال لَهُ نهيك بن سِنَان ألى ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ: يَا أَبَا عبد الرَّحْمَن كَيفَ تقْرَأ هَذَا الْحَرْف أياء تَجدهُ أم الْفَا من مَاء غير ياسن أَو من مَاء غير آسن فَقَالَ لَهُ عبد الله رَضِي الله عَنهُ: وكل الْقُرْآن أحصيت غير هَذَا فَقَالَ أَنِّي لأقرأ الْمفصل فِي رَكْعَة
قَالَ: هَذَا كَهَذا الشّعْر إِن قوما يقرأون الْقُرْآن لَا يُجَاوز تراقيهم وَلَكِن الْقُرْآن إِذا وَقع فِي الْقلب فَرسَخ نفع إِنِّي لأعرف النَّظَائِر الَّتِي كَانَ يقْرَأ بِهن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج ابْن جرير عَن سعد بن طريف رَضِي الله عَنهُ قَالَ: سَأَلت أَبَا إِسْحَق رَضِي الله عَنهُ عَن {مَاء غير آسن} قَالَ: سَأَلت عَنْهَا الْحَارِث فَحَدثني أَن المَاء الَّذِي غير آسن تسنيم قَالَ: بَلغنِي أَنه لَا تمسه يَد وَأَنه يَجِيء المَاء هَكَذَا حَتَّى يدْخل فَمه وَالله تَعَالَى أعلم
الْآيَات 16 - 19(7/465)
وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ (16) وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ (17) فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ (18) فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ (19)
أخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ الْمُؤْمِنُونَ والمنافقون يَجْتَمعُونَ إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فيستمع الْمُؤْمِنُونَ مِنْهُ مَا يَقُول ويعونه ويسمعه المُنَافِقُونَ فَلَا يعونه فَإِذا اخْرُجُوا سَأَلُوا الْمُؤمنِينَ مَاذَا قَالَ آنِفا فَنزلت {وَمِنْهُم من يستمع إِلَيْك}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانُوا يدْخلُونَ على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِذا خَرجُوا من عِنْده قَالُوا لِابْنِ عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا: مَاذَا قَالَ آنِفا فَيَقُول: كَذَا وَكَذَا
وَكَانَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا من الَّذين أُوتُوا الْعلم
وَأخرج ابْن جرير وَالْحَاكِم وَصَححهُ من طَرِيق سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {حَتَّى إِذا خَرجُوا من عنْدك قَالُوا للَّذين أُوتُوا الْعلم مَاذَا قَالَ آنِفا} قَالَ: أَنا مِنْهُم وَلَقَد سُئِلت
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَمِنْهُم من يستمع إِلَيْك} قَالَ: هَؤُلَاءِ المُنَافِقُونَ دخل رجلَانِ فَرجل عقل عَن الله وانتفع بِمَا يسمع وَرجل لم يعقل عَن الله وَلم يعه وَلم ينْتَفع بِهِ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن عَسَاكِر عَن ابْن بُرَيْدَة رَضِي الله عَنهُ {قَالُوا للَّذين أُوتُوا الْعلم مَاذَا قَالَ آنِفا} قَالَ: هُوَ عبد الله بن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ
وَأخرج ابْن عَسَاكِر من طَرِيق الْكَلْبِيّ عَن أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: هُوَ عبد الله بن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ
قَوْله تَعَالَى: {وَالَّذين اهتدوا} الْآيَة
أخرج ابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ أَن نَاسا من أهل الْكتاب آمنُوا برسلهم وصدقوهم وآمنوا بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قبل أَن يبْعَث فَلَمَّا بعث كفرُوا بِهِ فَذَلِك قَوْله {فَأَما الَّذين اسودّت وُجُوههم أكفرتم بعد إيمَانكُمْ} وَكَانَ قوم(7/466)
من أهل الْكتاب آمنُوا برسلهم وَبِمُحَمَّدٍ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قبل أَن يبْعَث فَلَمَّا بعث آمنُوا بِهِ فَذَلِك قَوْله {وَالَّذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وَالَّذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم} قَالَ: لما أنزل الْقُرْآن آمنُوا بِهِ فَكَانَ هدى فَلَمَّا تبين النَّاسِخ من الْمَنْسُوخ زادهم هدى
أما قَوْله تَعَالَى: {فَهَل ينظرُونَ إِلَّا السَّاعَة أَن تأتيهم بَغْتَة فقد جَاءَ أشراطها}
أخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فقد جَاءَ أشراطها} قَالَ: دنت السَّاعَة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {فقد جَاءَ أشراطها} قَالَ: أول السَّاعَات
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فقد جَاءَ أشراطها} قَالَ: مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أشراطها
وَأخرج البُخَارِيّ عَن سهل بن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ بِأُصْبُعِهِ هَكَذَا الْوُسْطَى وَالَّتِي تَلِيهَا بعثت أَنا والساعة كهاتين
وَأخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: بعثت أَنا والساعة كهاتين وَأَشَارَ بالسبابة وَالْوُسْطَى
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن سعيد بن أبي عرُوبَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فَهَل ينظرُونَ إِلَّا السَّاعَة أَن تأتيهم بَغْتَة فقد جَاءَ أشراطها} قَالَ: كَانَ قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ يَقُول: قد دنت السَّاعَة ودنا مِنْكُم فدَاء ودنا من الله فرَاغ للعباد قَالَ قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ وَذكر لنا أَن نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خطب أَصْحَابه بعد الْعَصْر حَتَّى كَادَت الشَّمْس تغرب وَلم يبْق مِنْهَا إِلَّا أَسف أَي شَيْء قَالَ: وَالَّذِي نفس مُحَمَّد بِيَدِهِ مَا مثل مَا مضى من الدُّنْيَا فِيمَا بَقِي مِنْهَا إِلَّا مثل مَا مضى من يومكم هَذَا فِيمَا بَقِي مِنْهُ وَمَا بَقِي مِنْهُ إِلَّا الْيَسِير
وَأخرج أَحْمد عَن بُرَيْدَة رَضِي الله عَنهُ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: بعثت أَنا والساعة جَمِيعًا إِن كَادَت تسبقني
وَأخرج البُخَارِيّ وَابْن ماجة عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: بعثت أَنا والساعة كهاتين(7/467)
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن أبي جبيرَة بن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: بعثت فِي سم السَّاعَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَابْن مرْدَوَيْه عَن أنس رَضِي الله عَنهُ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: إِن من أَشْرَاط السَّاعَة أَن يرفع الْعلم وَيظْهر الْجَهْل وَيشْرب الْخمر وَيظْهر الزِّنَا ويقل الرِّجَال وَيكثر النِّسَاء حَتَّى يكون على خمسين امْرَأَة قيم وَاحِد
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَابْن ماجة وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمًا بارزاً للنَّاس فَأَتَاهُ رجل فَقَالَ: يَا رَسُول الله مَتى السَّاعَة فَقَالَ: مَا المسؤول عَنْهَا بِأَعْلَم من السَّائِل وَلَكِن سأحدثك عَن أشراطها إِذا ولدت الْأمة ربتها فَذَاك من أشراطها وَإِذا كَانَت الحفاة العراة رعاء الشَّاء رُؤُوس النَّاس فَذَاك من أشراطها وَإِذا تطاول رعاء الْغنم فِي الْبُنيان فَذَاك من أشراطها
وَأخرج البُخَارِيّ عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ أَن أَعْرَابِيًا سَأَلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: مَتى السَّاعَة فَقَالَ: إِذا ضيعت الْأَمَانَة فانتظر السَّاعَة
قَالَ يَا رَسُول الله وَكَيف إضاعتها قَالَ: إِذا وسد الْأَمر إِلَى غير أَهله فانتظر السَّاعَة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أَتَى رجل فَقَالَ يَا رَسُول الله مَتى السَّاعَة قَالَ: مَا السَّائِل بِأَعْلَم من المسؤول
قَالَ: فَلَو علمتنا أشراطها
قَالَ: تقَارب الْأَسْوَاق
قلت: وَمَا تقَارب الْأَسْوَاق قَالَ: أَن يشكو النَّاس بَعضهم إِلَى بعض قلَّة إصابتهم وَيكثر ولد الْبَغي وتفشوا الْغَيْبَة ويعظم رب المَال وترتفع أصوات الْفُسَّاق فِي الْمَسَاجِد وَيظْهر أهل الْمُنكر وَيظْهر الْبغاء
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه والديلمي عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من أَشْرَاط السَّاعَة سوء الْجوَار وَقَطِيعَة الْأَرْحَام وَأَن يعطل السَّيْف من الْجِهَاد وَأَن ينتحل الدُّنْيَا بِالدّينِ
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: إِن من أَشْرَاط السَّاعَة أَن يكون أسعد النَّاس بالدنيا لكع بن لكع
وَأخرج أَحْمد عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لن تذْهب الدُّنْيَا حَتَّى تصير للكع بن لكع(7/468)