وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة فِي المُصَنّف وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن خَيْثَمَة قَالَ: قيل للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن شِئْت أعطيناك خَزَائِن الأَرْض ومفاتيحها مَا لم يُعْط نَبِي قبلك وَلَا يعطاه أحد بعْدك وَلَا ينْقصك ذَلِك مِمَّا لَك عِنْد الله شَيْئا وَإِن شِئْت جمعتها لَك فِي الْآخِرَة قَالَ: اجمعها لي فِي الْآخِرَة فَأنْزل الله {تبَارك الَّذِي إِن شَاءَ جعل لَك خيرا من ذَلِك جنَّات تجْرِي من تحتهَا الْأَنْهَار وَيجْعَل لَك قصوراً}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ بَيْنَمَا جِبْرِيل عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذْ قَالَ هَذَا ملك تدلى من السَّمَاء إِلَى الأَرْض
مَا نزل إِلَى الأَرْض قطّ قبلهَا اسْتَأْذن ربه فِي زيارتك فَأذن لَهُ فَلم يلبث ان جَاءَ فَقَالَ: السَّلَام عَلَيْك يَا رَسُول الله قَالَ: وَعَلَيْك السَّلَام قَالَ: إِن الله يُخْبِرك إِن شِئْت أَن يعطيك من خَزَائِن كل شَيْء ومفاتيح كل شَيْء لم يُعْط أحد قبلك وَلَا يُعْطِيهِ أحدا بعْدك وَلَا ينْقصك مِمَّا دخر لَك عِنْده شَيْئا فَقَالَ: لَا بل يجمعهما لي فِي الْآخِرَة جَمِيعًا فَنزلت {تبَارك الَّذِي إِن شَاءَ جعل لَك خيرا من ذَلِك}(6/238)
إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا (12)
- قَوْله تَعَالَى: إِذا رأتهم من مَكَان بعيد سمعُوا لَهَا تغيظا ونفيرا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله {إِذا رأتهم من مَكَان بعيد} قَالَ: من مسيرَة مائَة عَام
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق مَكْحُول عَن أبي أُمَامَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من كذب عليّ مُتَعَمدا فليتبوّأ مقْعدا من بَين عَيْني جَهَنَّم قَالُوا: يَا رَسُول الله وَهل لِجَهَنَّم من عين قَالَ: نعم
أما سَمِعْتُمْ الله يَقُول {إِذا رأتهم من مَكَان بعيد} فَهَل تراهم إِلَّا بعينين
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق خَالِد بن دريك عَن رجل من الصَّحَابَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من يقل عليَّ مَا لم أقل أَو ادّعى إِلَى غير وَالِديهِ أَو انْتَمَى إِلَى غير موَالِيه فَليَتَبَوَّأ بَين عَيْني جَهَنَّم مقْعدا
قيل: يَا رَسُول الله وَهل لَهَا من عينين قَالَ: نعم
أما سَمِعْتُمْ الله يَقُول {إِذا رأتهم من مَكَان بعيد}(6/238)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم بِسَنَد صَحِيح عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: إِن العَبْد ليجر إِلَى النَّار فتشهق إِلَيْهِ شهقة البغلة إِلَى الشّعير ثمَّ تزفر زفرَة لَا يبْقى أحد إِلَّا خَافَ وَإِن الرجل من أهل النَّار مَا بَين شحمة أُذُنَيْهِ وَبَين مَنْكِبَيْه مسيرَة سبعين سنة وَإِن فِيهَا لأودية من قيح تكال ثمَّ تصب فِي فِيهِ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن عبيد بن عُمَيْر فِي قَوْله {سمعُوا لَهَا تغيظاً وزفيراً} قَالَ: إِن جَهَنَّم لتزفر زفرَة لَا يبْقى ملك مقرب وَلَا نَبِي مُرْسل إِلَّا ترْعد فرائصه حَتَّى أَن إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام ليجثوا على رُكْبَتَيْهِ وَيَقُول: يَا رب لَا أَسأَلك الْيَوْم إِلَّا نَفسِي
وَأخرج ابْن وهب فِي الْأَهْوَال عَن العطاف بن خَالِد قَالَ: يُؤْتى بجهنم يَوْمئِذٍ يَأْكُل بَعْضهَا بَعْضًا يَقُودهَا سَبْعُونَ ألف ملك فَإِذا رَأَتْ النَّاس فَذَلِك قَوْله {إِذا رأتهم من مَكَان بعيد سمعُوا لَهَا تغيظاً وزفيراً} زفرت زفرَة لَا يبْقى نَبِي وَلَا صديق إِلَّا برك لِرُكْبَتَيْهِ وَيَقُول: يَا رب نَفسِي نَفسِي وَيَقُول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أمتِي
أمتِي
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن مغيث بن سمي قَالَ: مَا خلق الله من شَيْء إِلَّا وَهُوَ يسمع زفير جَهَنَّم غدْوَة وَعَشِيَّة إِلَّا الثقلَيْن الَّذين عَلَيْهِم الْحساب وَالْعِقَاب
وَأخرج آدم بن أبي إِيَاس فِي تَفْسِيره عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {إِذا رأتهم من مَكَان بعيد} قَالَ: من مسيرَة مائَة عَام وَذَلِكَ إِذا أُتِي بجهنم تقاد بسبعين ألف زِمَام يشد بِكُل زِمَام سَبْعُونَ ألف ملك لَو تركت لأتت على كل بر وَفَاجِر {سمعُوا لَهَا تغيظاً وزفيراً} تزفر زفرَة لَا يبْقى قَطْرَة من دمع إِلَّا بدرت ثمَّ تزفر الثَّانِيَة فتقطع الْقُلُوب من أماكنها وتبلغ الْقُلُوب الْحَنَاجِر
وَأخرج أَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن كَعْب قَالَ: إِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة جمع الله الأوّلين والآخرين فِي صَعِيد وَاحِد وَنزلت الْمَلَائِكَة صُفُوفا فَيَقُول الله لجبريل: ائْتِ بجهنم فَيَأْتِي بهَا تقاد بسبعين ألف زِمَام حَتَّى إِذا كَانَت من الْخَلَائق على قدر مائَة عَام زفرت زفرَة طارت لَهَا أَفْئِدَة الْخَلَائق ثمَّ تزفر زفرَة ثَانِيَة فَلَا يبْقى ملك مقرب وَلَا نَبِي مُرْسل إِلَّا جثى لِرُكْبَتَيْهِ ثمَّ تزفر الثَّالِثَة فتبلغ الْقُلُوب الْحَنَاجِر وتذهل الْعُقُول فَيفزع كل أمرئ إِلَى عمله حَتَّى أَن إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام يَقُول: بخلتي لَا أَسأَلك إِلَّا نَفسِي
وَيَقُول مُوسَى: بمناجاتي لَا أَسأَلك إِلَّا نَفسِي
وَيَقُول عِيسَى:(6/239)
بِمَا أكرمتني لَا أَسأَلك إِلَّا نَفسِي لَا أَسأَلك مَرْيَم الَّتِي ولدتني
وَمُحَمّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: أمتِي
أمتِي
لَا أَسأَلك الْيَوْم نَفسِي
فَيُجِيبهُ الْجَلِيل جلّ جَلَاله أَلا إِن أوليائي من أمتك لَا خوف عَلَيْهِم وَلَا هم يَحْزَنُونَ
فَوَعِزَّتِي لَا قرن عَيْنك فِي أمتك ثمَّ تقف الْمَلَائِكَة بَين يَدي الله تَعَالَى ينتظرون مَا يؤمرون(6/240)
وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا (13) لَا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا (14)
- قَوْله تَعَالَى: وَإِذا ألقوا مِنْهَا مَكَانا ضيقا مُقرنين دعوا هُنَالك ثبورا لَا تدعوا الْيَوْم ثبوراً وَاحِدًا وَادعوا ثبورا كثيرا
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن يحيى بن أبي أسيد أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سُئِلَ عَن قَول الله {وَإِذا ألقوا مِنْهَا مَكَانا ضيقا مُقرنين} قَالَ وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ أَنهم ليستكرهون فِي النَّار كَمَا يستكره الوتد فِي الْحَائِط
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم من طرق عَن قَتَادَة عَن أبي أَيُّوب عَن عبد الله بن عمر {وَإِذا ألقوا مِنْهَا مَكَانا ضيقا} قَالَ: مثل الزج فِي الرمْح
وَأخرج ابْن الْمُبَارك فِي الزّهْد وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق قَتَادَة فِي الْآيَة قَالَ ذكر لنا أَن عبد الله كَانَ يَقُول: إِن جَهَنَّم لتضيق على الْكَافِر كضيق الزج على الرمْح
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي صَالح فِي قَوْله {مُقرنين} قَالَ: مكتفين
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك {دعوا هُنَالك ثبوراً} قَالَ: دعوا بِالْهَلَاكِ فَقَالُوا: واهلاكاه
واهلكتاه
فَقيل لَهُم: لَا تدعوا الْيَوْم بِهَلَاك وَاحِد وَلَكِن ادعوا بِهَلَاك كثير
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث بِسَنَد صَحِيح عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن أول من يكسى حلَّة من النَّار إِبْلِيس فَيَضَعهَا على حاجبيه ويسحبها من خَلفه وَذريته من بعده وَهُوَ يُنَادي: يَا ثبوراه وَيَقُولُونَ: يَا ثبورهم حَتَّى يقف على النَّار فَيَقُول: يَا ثبوراه
وَيَقُولُونَ: واثبورهم فَيُقَال لَهُم {لَا تدعوا الْيَوْم ثبوراً وَاحِدًا وَادعوا ثبوراً كثيرا}
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة {دعوا هُنَالك ثبوراً} قَالَ: ويلاً وهلاكاً(6/240)
قُلْ أَذَلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كَانَتْ لَهُمْ جَزَاءً وَمَصِيرًا (15) لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ خَالِدِينَ كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْدًا مَسْئُولًا (16)
- قَوْله تَعَالَى: قل أذلك خيرأم جنَّة الْخلد الَّتِي وعد المتقون كَانَت لَهُم جَزَاء ومصيرا لَهُم فِيهَا مَا يشاؤون خَالِدين كَانَ على رَبك وَعدا مسؤولا
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {كَانَت لَهُم جَزَاء} أَي من الله {ومصيراً} أَي منزلا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَطاء بن يسَار قَالَ: قَالَ كَعْب الْأَحْبَار: من مَاتَ وَهُوَ يشرب الْخمر لم يشْربهَا فِي الْآخِرَة وَإِن دخل الْجنَّة قَالَ عَطاء: فَقلت لَهُ: فَإِن الله تَعَالَى يَقُول {لَهُم فِيهَا مَا يشاؤون} قَالَ كَعْب: إِنَّه ينساها فَلَا يذكرهَا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {كَانَ على رَبك وَعدا مسؤولا} يَقُول: سلوا الَّذِي وعدتكم تنجزوه
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ من طَرِيق سعيد بن هِلَال عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ فِي قَوْله {كَانَ على رَبك وَعدا مسؤولا} قَالَ: إِن الْمَلَائِكَة تسْأَل لَهُم ذَلِك فِي قَوْلهم {وأدخلهم جنَّات عدن الَّتِي وعدتهم} غَافِر الْآيَة 8 قَالَ سعيد: وَسمعت أَبَا حَازِم يَقُول: إِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة قَالَ الْمُؤْمِنُونَ رَبنَا عَملنَا لَك بالذين أمرتنا فانجز لنا مَا وعدتنا
فَذَلِك قَوْله {وَعدا مسؤولا}(6/241)
وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ (17) قَالُوا سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا (18) فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفًا وَلَا نَصْرًا وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا (19)
- قَوْله تَعَالَى: وَيَوْم يحشرهم وَمَا يعْبدُونَ من دون الله فَيَقُول أأنتم أضللتم عبَادي هَؤُلَاءِ أم هم ضلوا السَّبِيل قَالُوا سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنْبَغِي لنا أَن نتَّخذ من دُونك من أَوْلِيَاء وَلَكِن متعتهم وآباءهم حَتَّى نسوا الذّكر وَكَانُوا قوما بورا فقد كذبُوا بِمَا تَقولُونَ فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صرفا وَلَا نصرا وَمن يظلم مِنْكُم نذقه عذَابا كَبِيرا
أخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَيَوْم يحشرهم وَمَا يعْبدُونَ من دون الله فَيَقُول أأنتم أضللتم عبَادي} قَالَ: عِيسَى وعزير وَالْمَلَائِكَة(6/241)
وَأخرج الْحَاكِم وَابْن مرْدَوَيْه بِسَنَد ضَعِيف عَن عبد الله بن غنم قَالَ: سَأَلت معَاذ بن جبل عَن قَول الله {مَا كَانَ يَنْبَغِي لنا أَن نتَّخذ من دُونك من أَوْلِيَاء} أَو نتَّخذ فَقَالَ: سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقْرَأ {إِن نتَّخذ} بِنصب النُّون فَسَأَلته عَن {الم غلبت الرّوم} الرّوم الْآيَتَانِ 1 - 2 أَو غلبت قَالَ: أَقْرَأَنِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {غلبت الرّوم}
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد عَن الضَّحَّاك قَالَ: قَرَأَ رجل عِنْد عَلْقَمَة {مَا كَانَ يَنْبَغِي لنا أَن نتَّخذ من دُونك} بِرَفْع النُّون وَنصب الْخَاء فَقَالَ عَلْقَمَة {أَن نتَّخذ} بِنصب النُّون وخفض الْخَاء
وَأخرج عبد بن حميد عَن سعيد بن جُبَير أَنه كَانَ يقْرؤهَا {مَا كَانَ يَنْبَغِي لنا أَن نتَّخذ من دُونك} بِرَفْع النُّون وَنصب الْخَاء
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة {قَالُوا سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنْبَغِي لنا أَن نتَّخذ من دُونك من أَوْلِيَاء} قَالَ: هَذَا قَول الْآلهَة {وَلَكِن متعتهم وآباءهم حَتَّى نسوا الذّكر وَكَانُوا قوما بوراً} قَالَ: البور: الْفَاسِد
وانه مَا نسي الذّكر قوم قطّ إلاَّ باروا وفسدوا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {قوما بوراً} قَالَ: هلكى
وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس أَن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ أَخْبرنِي عَن قَوْله عزَّ وَجل {قوما بوراً} قَالَ: هلكى بلغَة عمان وهم من الْيمن قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم
أما سَمِعت قَول الشَّاعِر وَهُوَ يَقُول: فَلَا تكفرُوا مَا قد صنعنَا إِلَيْكُم وكافوا بِهِ فالكفر بور لصانعه وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة قَالَ: البور: بِكَلَام عمان
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن {بوراً} قَالَ قاسين لَا خير فيهم
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {قوما بوراً} قَالَ: هالكين {فقد كذبوكم بِمَا تَقولُونَ} يَقُول الله للَّذين كَانُوا يعْبدُونَ عِيسَى وعزيراً وَالْمَلَائِكَة حِين قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْت ولينا من دونهم فقد كذبوكم بِمَا تَقولُونَ عِيسَى وعزيراً وَالْمَلَائِكَة حِين يكذبُون الْمُشْركين بقَوْلهمْ {فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صرفا وَلَا نصرا} قَالَ: الْمُشْركُونَ لَا يَسْتَطِيعُونَ صرف الْعَذَاب وَلَا نصر أنفسهم(6/242)
أما قَوْله تَعَالَى {وَمن يظلم مِنْكُم نذقه عذَابا كَبِيرا}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن وهب بن مُنَبّه قَالَ: قَرَأت اثْنَيْنِ وَسبعين كتابا كلهَا نزلت من السَّمَاء مَا سَمِعت كتابا أَكثر تكريراً فِيهِ الظُّلم معاتبة عَلَيْهِ من الْقُرْآن
وَذَلِكَ أَن الله علم أَن فتْنَة هَذِه الْأمة تكون فِي الظُّلم وَأما الآخر فَإِن أَكثر مُعَاتَبَته إيَّاهُم فِي الشّرك وَعبادَة الْأَوْثَان
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير عَن الْحسن فِي قَوْله {وَمن يظلم مِنْكُم} قَالَ هُوَ الشّرك
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن جريج فِي قَوْله {وَمن يظلم مِنْكُم} قَالَ: يُشْرك(6/243)
وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا (20)
- قَوْله تَعَالَى: وَمَا أرسلنَا قبلك من الْمُرْسلين إِلَّا إِنَّهُم يَأْكُلُون الطَّعَام ويمشون فِي الْأَسْوَاق وَجَعَلنَا بَعْضكُم لبَعض فتْنَة أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبك بَصيرًا
أخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة {وَمَا أرسلنَا قبلك من الْمُرْسلين إِلَّا أَنهم ليأكلون الطَّعَام ويمشون فِي الْأَسْوَاق} يَقُول: إِن الرُّسُل قبل مُحَمَّد كَانُوا بِهَذِهِ الْمنزلَة {ليأكلون الطَّعَام ويمشون فِي الْأَسْوَاق وَجَعَلنَا بَعْضكُم لبَعض فتْنَة} قَالَ: بلَاء
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن الْحسن {وَجَعَلنَا بَعْضكُم لبَعض فتْنَة} قَالَ: يَقُول الْفَقِير: لَو شَاءَ الله لجعلني غَنِيا مثل فلَان
وَيَقُول السقيم: لَو شَاءَ الله لجعلني صَحِيحا مثلا فلَان
وَيَقُول الْأَعْمَى: لَو شَاءَ الله لجعلني بَصيرًا مثل فلَان
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة {وَجَعَلنَا بَعْضكُم لبَعض فتْنَة} قَالَ: هُوَ التَّفَاضُل فِي الدُّنْيَا وَالْقُدْرَة والقهر
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله {وَجَعَلنَا بَعْضكُم لبَعض فتْنَة} قَالَ: يمسك على هَذَا ويوسع على هَذَا فَيَقُول: لم يُعْطِنِي رَبِّي مَا أعْطى فلَانا
ويبتلى بالوجع فَيَقُول: لم يَجْعَلنِي رَبِّي صَحِيحا مثل فلَان
فِي أشباه ذَلِك(6/243)
من الْبلَاء ليعلم من يصبر مِمَّن يجزع {وَكَانَ رَبك بَصيرًا} بِمن يصبر وَمن يجزع
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الْحسن عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَو شَاءَ الله لجعلكم أَغْنِيَاء كلكُمْ لَا فَقير فِيكُم
وَلَو شَاءَ الله لجعلكم فُقَرَاء كلكُمْ لَا غَنِي فِيكُم
وَلَكِن ابتلى بَعْضكُم بِبَعْض
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول عَن رِفَاعَة بن رَافع الزرقي قَالَ: قَالَ رجل: يَا رَسُول الله كَيفَ ترى فِي رقيقنا
أَقوام مُسلمين يصلونَ صَلَاتنَا وَيَصُومُونَ صومنا نضربهم فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم توزن ذنوبهم وعقوبتكم إيَّاهُم فَإِن كَانَت عقوبتكم أَكثر من ذنوبهم أخذُوا مِنْكُم قَالَ: أَفَرَأَيْت سبا اياهم قَالَ
يُوزن ذنبهم واذا كم اياهم فان كَانَ اذا كم أَكثر أعْطوا مِنْكُم قَالَ الرجل: مَا أسمع عدوّاً أقرب اليّ مِنْهُم فَتلا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وَجَعَلنَا بَعْضكُم لبَعض فتْنَة أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبك بَصيرًا} فَقَالَ الرجل: أَرَأَيْت يَا رَسُول الله وَلَدي أضربهم قَالَ: انك لاتتهم فِي ولدك فَلَا تطيب نفسا تشبع ويجوع وَلَا تكتسي ويعروا(6/244)
وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا (21)
- قَوْله تَعَالَى: وَقَالَ الَّذين لَا يرجون لقاءنا لَوْلَا أنزل علينا الْمَلَائِكَة أَو نرى رَبنَا لقد استكبروا فِي أنفسهم وعتوا عتوا كَبِيرا
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله {وَقَالَ الَّذين لَا يرجون لقاءنا} قَالَ: هَذَا قَول كفار قُرَيْش {لَوْلَا أنزل علينا الْمَلَائِكَة أَو نرى رَبنَا} فيخبرنا أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عبيد بن عُمَيْر فِي قَوْله {وَقَالَ الَّذين لَا يرجون لقاءنا} قَالَ لَا يسْأَلُون
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة {لَوْلَا أنزل علينا الْمَلَائِكَة} أَي نراهم عيَانًا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وعتوا عتواً كَبِيرا} قَالَ: شدَّة الْكفْر
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة قَالَ العتو فِي كتاب الله التجبر(6/244)
يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ لَا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا (22)
- قَوْله تَعَالَى: يَوْم يرَوْنَ الْمَلَائِكَة لَا بشرى يَوْمئِذٍ للمجرمين وَيَقُولُونَ حجرا مَحْجُورا(6/244)
أخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {يَوْم يرَوْنَ الْمَلَائِكَة} قَالَ: يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَطِيَّة فِي قَوْله {لَا بشرى يَوْمئِذٍ للمجرمين} قَالَ: إِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة يلقى الْمُؤمن بالبشرى فَإِذا رأى ذَلِك الْكفَّار قَالُوا للْمَلَائكَة: بشرونا قَالُوا: حجرا مَحْجُورا
حَرَامًا محرما أَن نتلقاكم بالبشرى
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد {وَيَقُولُونَ حجرا مَحْجُورا} قَالَ: عوذاً معَاذًا الْمَلَائِكَة تَقوله
وَفِي لفظ قَالَ: حَرَامًا محرما أَن تكون الْبُشْرَى الْيَوْم إِلَّا للْمُؤْمِنين
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة {وَيَقُولُونَ حجرا مَحْجُورا} قَالَ: تَقول الْمَلَائِكَة: حَرَامًا محرما على الْكفَّار الْبُشْرَى يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن الضَّحَّاك {وَيَقُولُونَ حجرا مَحْجُورا} قَالَ: تَقول الْمَلَائِكَة: حَرَامًا محرما على الْكفَّار الْبُشْرَى حِين رَأَيْتُمُونَا
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عَطِيَّة الْعَوْفِيّ عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ {وَيَقُولُونَ حجرا مَحْجُورا} قَالَ: حَرَامًا محرما أَن نبشركم بِمَا نبشر بِهِ الْمُتَّقِينَ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن وَقَتَادَة فِي قَوْله {وَيَقُولُونَ حجرا مَحْجُورا} قَالَ: هِيَ كلمة كَانَت الْعَرَب تَقُولهَا
كَانَ الرجل إِذا نزلت بِهِ شدَّة قَالَ: حجرا مَحْجُورا حَرَامًا محرما
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن قَالَ: كَانَت الْمَرْأَة إِذا رَأَتْ الشَّيْء تكرههُ تَقول: حجر من هَذَا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك فِي الْآيَة قَالَ: لما جَاءَت زلازل السَّاعَة فَكَانَ من زلازلها أَن السَّمَاء انشقت فَهِيَ يَوْمئِذٍ واهية وَالْملك على ارجائها: على سَعَة كل شَيْء [] تشقق
فَهِيَ من السَّمَاء فَذَلِك قَوْله {يَوْم يرَوْنَ الْمَلَائِكَة لَا بشرى يَوْمئِذٍ للمجرمين وَيَقُولُونَ حجرا مَحْجُورا} حَرَامًا محرما أَيهَا المجرمون أَن تكون لكم الْبُشْرَى الْيَوْم حِين رَأَيْتُمُونَا(6/245)
وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا (23)
- قَوْله تَعَالَى: وَقدمنَا إِلَى مَا عمِلُوا من عمل فجعلناه هباء منثوراً
أخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد {وَقدمنَا إِلَى مَا عمِلُوا من عمل} قَالَ: قدمنَا إِلَى مَا عمِلُوا من خير مِمَّن لَا يتَقَبَّل مِنْهُ فِي الدُّنْيَا
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن عَليّ بن أبي طَالب فِي قَوْله {هباء منثوراً} قَالَ: الهباء: شُعَاع الشَّمْس الَّذِي يخرج من الكوة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالْفِرْيَابِي وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن عَليّ بن أبي طَالب قَالَ: الهباء: ريح الْغُبَار يسطع ثمَّ يذهب فَلَا يبْقى مِنْهُ شَيْء فَجعل الله أَعْمَالهم كَذَلِك
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الهباء: الَّذِي يطير من النَّار إِذا اضطرمت يطير مِنْهَا الشرر فَإِذا وَقع لم يكن شَيْئا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {هباء منثوراً} قَالَ: المَاء المهراق
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن فِي قَوْله {هباء منثوراً} قَالَ: الشعاع فِي كوّة أحدهم
لَو ذهبت تقبض عَلَيْهِ لم تستطع
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {هباء منثوراً} قَالَ: شُعَاع الشَّمْس من الكوّة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة {هباء منثوراً} قَالَ: شُعَاع الشَّمْس الَّذِي فِي الكوّة
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي مَالك وعامر فِي الهباء المنثور: شُعَاع الشَّمْس
وَأخرج عبد بن حميد عَن الضَّحَّاك {هباء منثوراً} قَالَ: الْغُبَار
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة {هباء منثوراً} قَالَ: هُوَ مَا تَذْرُوهُ الرِّيَاح من حطام هَذَا الشّجر
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُعلى بن عُبَيْدَة قَالَ: الهباء: الرماد(6/246)
وَأخرج سمويه فِي فَوَائده عَن سَالم مولى أبي حُذَيْفَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ليجاء يَوْم الْقِيَامَة بِقوم مَعَهم حَسَنَات مِثَال جبال تهَامَة حَتَّى إِذا جِيءَ بهم جعل الله تَعَالَى أَعْمَالهم هباء ثمَّ قذفهم فِي النَّار قَالَ سَالم: بِأبي وَأمي يَا رَسُول الله حل لنا هَؤُلَاءِ الْقَوْم قَالَ: كَانُوا يصلونَ وَيَصُومُونَ وَيَأْخُذُونَ سنة من اللَّيْل وَلَكِن كَانُوا إِذا عرض عَلَيْهِم شَيْء من الْحَرَام وَثبُوا عَلَيْهِ فأدحض الله تَعَالَى أَعْمَالهم(6/247)
أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا (24)
- قَوْله تَعَالَى: أَصْحَاب الْجنَّة يَوْمئِذٍ خير مُسْتَقرًّا وَأحسن مقيلا
أخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله {أَصْحَاب الْجنَّة يَوْمئِذٍ خير مُسْتَقرًّا وَأحسن مقيلاً} قَالَ: أحسن منزلا وَخير مأوى
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله {وَأحسن مقيلاً} قَالَ: مصيراً
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {خير مُسْتَقرًّا وَأحسن مقيلاً} قَالَ: فِي الغرف من الْجنَّة
وَكَانَ حسابهم أَن عرضوا على رَبهم عرضة وَاحِدَة وَذَلِكَ الْحساب الْيَسِير وَذَلِكَ مثل قَوْله {فَأَما من أُوتِيَ كِتَابه بِيَمِينِهِ فَسَوف يُحَاسب حسابا يَسِيرا وينقلب إِلَى أَهله مَسْرُورا}
وَأخرج ابْن الْمُبَارك فِي الزّهْد وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: لَا ينتصف النَّهَار من يَوْم الْقِيَامَة حَتَّى يقبل هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاء
ثمَّ قَرَأَ {أَصْحَاب الْجنَّة يَوْمئِذٍ خير مُسْتَقرًّا وَأحسن مقيلاً} وَقَرَأَ / ثمَّ إِن مقيلهم لإِلى الْجَحِيم /
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: إِنَّمَا هِيَ ضحوة فيقيل أَوْلِيَاء الله على الأسرة مَعَ الْحور الْعين ويقيل أَعدَاء الله مَعَ الشَّيَاطِين مُقرنين
وَأخرج ابْن الْمُبَارك وَسَعِيد بن مَنْصُور وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ قَالَ: كَانُوا يرَوْنَ أَنه يفرغ من حِسَاب النَّاس يَوْم الْقِيَامَة نصف النَّهَار فيقيل أهل الْجنَّة فِي الْجنَّة وَأهل النَّار فِي النَّار فَذَلِك قَوْله {أَصْحَاب الْجنَّة يَوْمئِذٍ خير مُسْتَقرًّا وَأحسن مقيلاً}
وَأخرج ابْن جرير عَن سعيد بن الصوّاف قَالَ: بَلغنِي أَن يَوْم الْقِيَامَة يقصر على الْمُؤمن حَتَّى يكون كَمَا بَين الْعَصْر إِلَى غرُوب الشَّمْس وَإِنَّهُم ليقيلون فِي رياض الْجنَّة(6/247)
حِين يفرغ النَّاس من الْحساب
وَذَلِكَ قَوْله {أَصْحَاب الْجنَّة يَوْمئِذٍ خير مُسْتَقرًّا وَأحسن مقيلاً}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {أَصْحَاب الْجنَّة يَوْمئِذٍ خير مُسْتَقرًّا وَأحسن مقيلاً} أَي مأوى ومنزلاً قَالَ قَتَادَة: حدث صَفْوَان ابْن مُحرز قَالَ: إِنَّه ليجاء يَوْم الْقِيَامَة برجلَيْن
كَانَ أَحدهمَا ملكا فِي الدُّنْيَا فيحاسب فَإِذا عبد لم يعْمل خيرا فَيُؤْمَرُ بِهِ إِلَى النَّار
وَالْآخر كَانَ صَاحب كَسَاه فِي الدُّنْيَا فيحاسب فَيَقُول: يَا رب مَا أَعْطَيْتنِي من شَيْء فتحاسبني بِهِ فَيَقُول: صدق عَبدِي فارسلوه فَيُؤْمَر بِهِ إِلَى الْجنَّة ثمَّ يتركان مَا شَاءَ الله ثمَّ يدعى صَاحب النَّار فَإِذا هُوَ مثل الحممة السَّوْدَاء فَيُقَال لَهُ: كَيفَ وجدت مقيلك فَيَقُول: شَرّ مقيل
فَيُقَال لَهُ: عد
ثمَّ يدعى صَاحب الْجنَّة فَإِذا هُوَ مثل الْقَمَر لَيْلَة الْبَدْر فَيُقَال لَهُ: كَيفَ وجدت مقيلك فَيَقُول رب خير مقيل فَيُقَال: عد
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة قَالَ: إِنِّي لأعرف السَّاعَة الَّتِي يدْخل فِيهَا أهل الْجنَّة الْجنَّة وَأهل النَّار النَّار: السَّاعَة الَّتِي يكون فِيهَا ارْتِفَاع الضُّحَى الْأَكْبَر إِذا انْقَلب النَّاس إِلَى أَهْليهمْ للقيلولة
فَيَنْصَرِف أهل النَّار إِلَى النَّار وَأما أهل الْجنَّة فَينْطَلق بهم الْجنَّة فَكَانَت قيلولتهم فِي الْجنَّة وأطعموا كبد الْحُوت فاشبعهم كلهم فَذَلِك قَوْله {أَصْحَاب الْجنَّة يَوْمئِذٍ خير مُسْتَقرًّا وَأحسن مقيلاً}
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن عِكْرِمَة أَنه سُئِلَ عَن يَوْم الْقِيَامَة أَمن الدُّنْيَا هُوَ أم من الْآخِرَة فَقَالَ: صدر ذَلِك الْيَوْم من الدُّنْيَا وآخرة من الْآخِرَة(6/248)
وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنْزِيلًا (25) الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا (26)
- قَوْله تَعَالَى: وَيَوْم تشقق السَّمَاء بالغمام وَنزل الْمَلَائِكَة تَنْزِيلا الْملك يَوْمئِذٍ الْحق للرحمن وَكَانَ يَوْمًا على الْكَافرين عسيرا
أخرج عبد بن حميد وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي الْأَهْوَال وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَرَأَ {وَيَوْم تشقق السَّمَاء بالغمام وَنزل الْمَلَائِكَة تَنْزِيلا} قَالَ: يجمع الله الْخلق يَوْم الْقِيَامَة فِي صَعِيد وَاحِد
الْجِنّ والإِنس والبهائم وَالسِّبَاع وَالطير وَجَمِيع الْخلق فتشقق السَّمَاء الدُّنْيَا فَينزل أَهلهَا وهم أَكثر مِمَّن فِي(6/248)
الأَرْض من الْجِنّ والإِنس وَجَمِيع الْخلق فيحيطون بالجن والانس وَجَمِيع الْخلق فَيَقُول أهل الأَرْض: أفيكم رَبنَا فَيَقُولُونَ: لَا
ثمَّ تشقق السَّمَاء الثَّانِيَة فَينزل أَهلهَا وهم أَكثر من أهل السَّمَاء الدُّنْيَا وَمن الْجِنّ والإِنس وَجَمِيع الْخلق فيحيطون بِالْمَلَائِكَةِ الَّذين نزلُوا قبلهم وَالْجِنّ والانس وَجَمِيع الْخلق
ثمَّ ينزل أهل السَّمَاء الثَّالِثَة فيحيطون بِالْمَلَائِكَةِ الَّذين نزلُوا قبلهم وَالْجِنّ والانس وَجَمِيع الْخلق
ثمَّ ينزل أهل السَّمَاء الرَّابِعَة وهم أَكثر من أهل الثَّالِثَة وَالثَّانيَِة وَالْأولَى وَأهل الأَرْض ثمَّ ينزل أهل السَّمَاء الْخَامِسَة وهم أَكثر مِمَّن تقدم ثمَّ أهل السَّمَاء السَّادِسَة كَذَلِك ثمَّ أهل السَّمَاء السَّابِعَة
وهم أَكثر من أهل السَّمَوَات وَأهل الأَرْض ثمَّ ينزل رَبنَا فِي ظلل من الْغَمَام وَحَوله الكروبيون وهم أَكثر من أهل السَّمَوَات السَّبع والانس وَالْجِنّ وَجَمِيع الْخلق لَهُم قُرُون ككعوب القنا وهم حَملَة الْعَرْش لَهُم زجل بالتسبيح والتحميد وَالتَّقْدِيس لله تَعَالَى وَمن أَخْمص قدم أحدهم إِلَى كعبة مسيرَة خَمْسمِائَة عَام وَمن كَعبه إِلَى ركبته خَمْسمِائَة عَام وَمن ركبته إِلَى فَخذه مسيرَة خَمْسمِائَة عَام وَمن فَخذه إِلَى ترقوته مسيرَة خَمْسمِائَة عَام وَمن ترقوته إِلَى مَوضِع القرط مسيرَة خَمْسمِائَة عَام وَمَا فَوق ذَلِك خَمْسمِائَة عَام
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك {وَيَوْم تشقق السَّمَاء بالغمام} قَالَ: هُوَ قطع السَّمَاء إِذا انشقت
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد {وَيَوْم تشقق السَّمَاء بالغمام} قَالَ: هُوَ الَّذِي قَالَ {فِي ظلل من الْغَمَام} الْبَقَرَة الْآيَة 120 الَّذِي يَأْتِي الله فِيهِ يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي الْآيَة
يَقُول: تشقق عَن الْغَمَام الَّذِي يَأْتِي الله فِيهِ
غمام زَعَمُوا فِي الْجنَّة(6/249)
وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27) يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا (28) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا (29) وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا (30) وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا (31)
- قَوْله تَعَالَى: وَيَوْم يعَض الظَّالِم على يَدَيْهِ يَقُول يَا لَيْتَني اتَّخذت مَعَ الرَّسُول سَبِيلا يَا ويلتي لَيْتَني لم أَتَّخِذ فلَانا خَلِيلًا لقد أضلني عَن الذّكر بعد إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَان للْإنْسَان خذولا وَقَالَ الرَّسُول يَا رب إِن قومِي(6/249)
اتَّخذُوا هَذَا الْقُرْآن مَهْجُورًا وَكَذَلِكَ جعلنَا لكل نَبِي عدوّاً من الْمُجْرمين وَكفى بِرَبِّك هاديا ونصيرا
أخرج ابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم فِي الدَّلَائِل بِسَنَد صَحِيح من طَرِيق سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا: ان أَبَا معيط كَانَ يجلس مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَكَّة لَا يُؤْذِيه وَكَانَ رجلا حَلِيمًا وَكَانَ بَقِيَّة قُرَيْش إِذا جَلَسُوا مَعَه آذوه وَكَانَ لأبي معيط خَلِيل غَائِب عَنهُ بِالشَّام فَقَالَت قُرَيْش: صبا أَبُو معيط وَقدم خَلِيله من الشَّام لَيْلًا فَقَالَ لامْرَأَته: مَا فعل مُحَمَّد مِمَّا كَانَ عَلَيْهِ فَقَالَت: أَشد مِمَّا كَانَ أمرا أَبُو معيط فحياه فَلم يرد عَلَيْهِ التَّحِيَّة فَقَالَ: مَالك
لَا ترد عليَّ تحيتي فَقَالَ: كَيفَ أرد عَلَيْك تحيتك وَقد صبوت قَالَ: أوقد فعلتها قُرَيْش قَالَ: نعم
قَالَ فَمَا يبرىء صُدُورهمْ إِن أَنا فعلت قَالَ: نأتيه فِي مَجْلِسه وتبصق فِي وَجهه وتشمته بأخبث مَا تعلمه من الشتم
فَفعل فَلم يزدْ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن مسح وَجهه من البصاق ثمَّ الْتفت إِلَيْهِ فَقَالَ: إِن وَجَدْتُك خَارِجا من جبال مَكَّة أضْرب عُنُقك صبرا
فَلَمَّا كَانَ يَوْم بدر وَخرج أَصْحَابه أَبى أَن يخرج فَقَالَ لَهُ أَصْحَابه: اخْرُج مَعنا قَالَ: قد وَعَدَني هَذَا الرجل إِن وجدني خَارِجا من جبال مَكَّة أَن يضْرب عنقِي صبرا فَقَالُوا: لَك جمل أَحْمَر لَا يُدْرَكَ فَلَو كَانَت الْهَزِيمَة طرت عَلَيْهِنَّ فَخرج مَعَهم فَلَمَّا هزم الله الْمُشْركين وَحل بِهِ جمله فِي جدد من الأَرْض فَأَخذه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَسِيرًا فِي فِي سبعين من قُرَيْش وَقدم إِلَيْهِ أَبُو معيط فَقَالَ: تقتلني من بَين هَؤُلَاءِ قَالَ: نعم
بِمَا بصقت فِي وَجْهي فَأنْزل الله فِي أبي معيط {وَيَوْم يعَض الظَّالِم على يَدَيْهِ} إِلَى قَوْله {وَكَانَ الشَّيْطَان للإِنسان خذولاً}
وَأخرج أَبُو نعيم من طَرِيق الْكَلْبِيّ عَن أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَ عقبَة بن أبي معيط لَا يقدم من سفر إِلَّا صنع طَعَاما فَدَعَا إِلَيْهِ أهل مَكَّة كلهم وَكَانَ يكثر مجالسة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَيُعْجِبهُ حَدِيثه وَغلب عَلَيْهِ الشَّقَاء فَقدم ذَات يَوْم من سفر فَصنعَ طَعَاما ثمَّ دَعَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى طَعَامه فَقَالَ: مَا أَنا بِالَّذِي آكل من(6/250)
طَعَامك حَتَّى تشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَنِّي رَسُول الله
فَقَالَ: أطْعم يَا ابْن أخي
قَالَ: مَا أَنا بِالَّذِي أفعل حَتَّى تَقول
فَشهد بذلك وَطعم من طَعَامه
فَبلغ ذَلِك أبي خلف فَأَتَاهُ فَقَالَ: أَصَبَوْت يَا عقبَة - وَكَانَ خَلِيله - فَقَالَ: لَا وَالله مَا صبوت
وَلَكِن دخل عليّ رجل فَأبى أَن يطعم من طَعَامي إِلَّا أَن أشهد لَهُ فَاسْتَحْيَيْت أَن يخرج من بَيْتِي قبل أَن يطعم فَشَهِدت لَهُ فَطَعِمَ
فَقَالَ: مَا أَنا بِالَّذِي أرْضى عَنْك حَتَّى تَأتيه فتبصق فِي وَجهه
فَفعل عقبَة فَقَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا أَلْقَاك خَارِجا من مَكَّة إِلَّا عَلَوْت رَأسك بِالسَّيْفِ فَأسر عقبَة يَوْم بدر فَقتل صبرا وَلم يقتل من الْأُسَارَى يَوْمئِذٍ غَيره
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه من طرق عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَ أبي بن خلف يحضر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فزجره عقبَة بن أبي معيط فَنزل {وَيَوْم يعَض الظَّالِم على يَدَيْهِ} إِلَى قَوْله {وَكَانَ الشَّيْطَان للإِنسان خذولاً}
وَأخرج عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مقسم مولى ابْن عَبَّاس قَالَ: إِن عقبَة بن أبي معيط وَأبي بن خلف الجُمَحِي التقيا فَقَالَ عقبَة بن أبي معيط لأبي بن خلف وَكَانَا خليلين فِي الْجَاهِلِيَّة وَكَانَ أبي قد أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَعرض عَلَيْهِ الإِسلام فَلَمَّا سمع بذلك عقبَة قَالَ: لَا أرْضى عَنْك حَتَّى تَأتي مُحَمَّدًا فتتفل فِي وَجهه وتشمته وَتكَذبه
قَالَ: فَلم يُسَلِّطهُ الله على ذَلِك
فَلَمَّا كَانَ يَوْم بدر أسر عقبَة بن أبي معيط فِي الاسارى فامر بِهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَليّ بن أبي طَالب أَن يقْتله فَقَالَ عقبَة: يَا مُحَمَّد أَمن بَين هَؤُلَاءِ أقتل قَالَ: نعم
قَالَ: بِمَ قَالَ: بكفرك وفجورك وعتوك على الله وعَلى رَسُوله فَقَامَ إِلَيْهِ عَليّ بن أبي طَالب فَضرب عُنُقه
وَأما أبي بن خلف فَقَالَ: وَالله لَا قتلن مُحَمَّدًا
فَبلغ ذَلِك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: بل أَنا أَقتلهُ إِن شَاءَ الله
فافزعه ذَلِك فَوَقَعت فِي نَفسه لأَنهم لم يسمعوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ قولا إِلَّا كَانَ حَقًا فَلَمَّا كَانَ يَوْم أحد خرج مَعَ الْمُشْركين فَجعل يلْتَمس غَفلَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ليحمل عَلَيْهِ
فيحول رجل من الْمُسلمين بَين النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَبَينه
فَلَمَّا رأى ذَلِك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لاصحابه: خلوا عَنهُ فَأخذ الحربة فَرَمَاهُ بهَا فَوَقَعت فِي ترقوته فَلم يخرج مِنْهُ كَبِير دم واحتقن الدَّم فِي جَوْفه فخار كَمَا يخور الثور فَأتى(6/251)
أَصْحَابه حَتَّى احتملوه وَهُوَ يخور وَقَالُوا: مَا هَذَا فوَاللَّه مَا بك إِلَّا خدش فَقَالَ: وَالله لَو لم يُصِبْنِي إِلَّا بريقه لَقَتَلَنِي أَلَيْسَ قد قَالَ: أَنا أَقتلهُ وَالله لَو كَانَ الَّذِي بِي بِأَهْل ذِي الْمجَاز لقتلهم
قَالَ: فَمَا لبث إِلَّا يَوْمًا أَو نَحْو ذَلِك حَتَّى مَاتَ إِلَى النَّار وَأنزل الله فِيهِ {وَيَوْم يعَض الظَّالِم على يَدَيْهِ} إِلَى قَوْله {وَكَانَ الشَّيْطَان للإِنسان خذولاً}
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن سابط قَالَ: صنع أبي بن خلف طَعَاما ثمَّ أَتَى مَجْلِسا فِيهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: قومُوا
فَقَامُوا غير النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَا أقوم حَتَّى تشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَنِّي رَسُول الله فَتشهد
فَقَامَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَقِيَهُ عقبَة بن أبي معيط فَقَالَ: قلت: كَذَا وَكَذَا قَالَ: إِنَّمَا أردْت لطعامنا فَذَلِك قَوْله {وَيَوْم يعَض الظَّالِم على يَدَيْهِ}
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَيَوْم يعَض الظَّالِم على يَدَيْهِ} قَالَ: عقبَة بن أبي معيط دَعَا مَجْلِسا فِيهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لطعام فَأبى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يَأْكُل وَقَالَ: لَا آكل حَتَّى تشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله
فَلَقِيَهُ أُميَّة بن خلف فَقَالَ: أقد صبوت فَقَالَ: إِن أَخَاك على مَا تعلم وَلَكِن صنعت طَعَاما فَأبى أَن يَأْكُل حَتَّى قلت ذَلِك فقلته وَلَيْسَ من نَفسِي
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن هِشَام فِي قَوْله {وَيَوْم يعَض الظَّالِم على يَدَيْهِ} قَالَ: يَأْكُل كفيه ندامة حَتَّى يبلغ مَنْكِبه لَا يجد مَسهَا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سُفْيَان فِي قَوْله {وَيَوْم يعَض الظَّالِم على يَدَيْهِ} قَالَ: يَأْكُل يَده ثمَّ تنْبت
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي عمرَان الْجونِي فِي قَوْله {وَيَوْم يعَض الظَّالِم على يَدَيْهِ} قَالَ: بَلغنِي أَنه يعضه حَتَّى يكسر الْعظم ثمَّ يعود
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن الْمسيب قَالَ: نزلت فِي أُميَّة بن خلف وَعقبَة بن أبي معيط {وَيَوْم يعَض الظَّالِم على يَدَيْهِ} قَالَ: هَذَا عقبَة
{لم أَتَّخِذ فلَانا خَلِيلًا} قَالَ: أُميَّة وَكَانَ عقبَة خدناً لأمية فَبلغ أُميَّة أَن عقبَة يُرِيد الإِسلام فَأَتَاهُ وَقَالَ: وَجْهي من وَجهك حرَام إِن أسلمت أَن أُكَلِّمك أبدا(6/252)
فَفعل فَنزلت هَذِه الْآيَة فيهمَا
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن أبي مَالك فِي قَوْله {لم أَتَّخِذ فلَانا خَلِيلًا} قَالَ: عقبَة بن أبي معيط وَأُميَّة بن خلف كَانَا متواخيين فِي الْجَاهِلِيَّة يَقُول أُميَّة بن خلف: ياليتني لم أَتَّخِذ عقبَة بن أبي معيط خَلِيلًا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَمْرو بن مَيْمُون فِي قَوْله {وَيَوْم يعَض الظَّالِم على يَدَيْهِ} قَالَ: نزلت فِي عقبَة بن أبي معيط وَأبي بن خلف دخل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على عقبَة فِي حَاجَة وَقد صنع طَعَاما للنَّاس فَدَعَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى طَعَامه قَالَ: لَا
حَتَّى تسلم
فَأسلم فَأكل
وَبلغ الْخَبَر أبي بن خلف فَأتى عقبَة فَذكر لَهُ مَا صنع فَقَالَ لَهُ عقبَة: أَتَرَى مثل مُحَمَّد يدْخل منزلي وَفِيه طَعَام ثمَّ يخرج وَلَا يَأْكُل قَالَ: فوجهي من وَجهك حرَام حَتَّى ترجع عَمَّا دخلت فِيهِ
فرجعز فَنزلت الْآيَة
وَأخرج ابْن مردوية عَن ابْن عَبَّاس قَالَ {وَيَوْم يعَض الظَّالِم على يَدَيْهِ} قَالَ: أبي بن خلف وَعقبَة بن أبي معيط
وهما الخليلان فِي جَهَنَّم على مِنْبَر من نَار
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة قَالَ: ذكر لنا أَن رجلا من قُرَيْش كَانَ يغشى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَقِيَهُ رجل من قُرَيْش - وَكَانَ لَهُ صديقا - فَلم يزل بِهِ حَتَّى صرفه وصده عَن غشيان رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأنْزل الله فيهمَا مَا تَسْمَعُونَ
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد {لَيْتَني لم أَتَّخِذ فلَانا خَلِيلًا} قَالَ: الشَّيْطَان
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة {وَكَانَ الشَّيْطَان للإِنسان خذولاً} قَالَ: خذل يَوْم الْقِيَامَة وتبرأ مِنْهُ {وَقَالَ الرَّسُول يَا رب إِن قومِي اتَّخذُوا هَذَا الْقُرْآن مَهْجُورًا} هَذَا قَول نَبِيكُم يشتكي قومه إِلَى ربه قَالَ الله يعزي نبيه: {وَكَذَلِكَ جعلنَا لكل نَبِي عدوّاً من الْمُجْرمين} يَقُول: إِن الرُّسُل قد لقِيت هَذَا من قَومهَا قبلك فَلَا يكبرن عَلَيْك
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وابنجرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {اتَّخذُوا هَذَا الْقُرْآن مَهْجُورًا} قَالَ: يهجرون فِيهِ بالْقَوْل السيء
يَقُولُونَ: هَذَا سحر
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَسَعِيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن(6/253)
أبي حَاتِم عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ فِي قَوْله {اتَّخذُوا هَذَا الْقُرْآن مَهْجُورًا} قَالُوا: فِيهِ هجيراً غير الْحق
ألم تَرَ الْمَرِيض إِذا هذى قيل: هجر أَي قَالَ: غير الْحق
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله {وَكَذَلِكَ جعلنَا لكل نَبِي عدوّاً من الْمُجْرمين} قَالَ: لم يبْعَث نَبِي قطّ إِلَّا كَانَ المجرمون لَهُ أَعدَاء
وَلم يبْعَث نَبِي قطّ إِلَّا كَانَ بعض الْمُجْرمين أَشد عَلَيْهِ من بعض
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس {وَكَذَلِكَ جعلنَا لكل نَبِي عدوّاً من الْمُجْرمين} قَالَ: كَانَ عدوّ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَبُو جهل وعدوّ مُوسَى قَارون وَكَانَ قَارون ابْن عَم مُوسَى
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس {وَكَذَلِكَ جعلنَا لكل نَبِي عدوّاً من الْمُجْرمين} قَالَ: يوطن مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه جَاعل لَهُ عدوّاً من الْمُجْرمين كَمَا جعل لمن قبله(6/254)
وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا (32) وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا (33)
- قَوْله تَعَالَى: وَقَالَ الَّذين كفرُوا لَوْلَا نزل عَلَيْهِ الْقُرْآن جملَة وَاحِدَة كَذَلِك لنثبت بِهِ فُؤَادك ورتلناه ترتيلاً وَلَا يأتونك بِمثل إِلَّا جئْنَاك بِالْحَقِّ وَأحسن تَفْسِيرا
أخرج ابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه والضياء فِي المختارة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ الْمُشْركُونَ: إِن كَانَ مُحَمَّد كَمَا يزْعم نَبيا فَلم يعذبه ربه
أَلا ينزل عَلَيْهِ الْقُرْآن جملَة وَاحِدَة ينزل عَلَيْهِ الْآيَة والآيتين وَالسورَة
فَأنْزل الله على نبيه جَوَاب مَا قَالُوا {وَقَالَ الَّذين كفرُوا لَوْلَا نزل عَلَيْهِ الْقُرْآن جملَة وَاحِدَة} إِلَى {وأضل سَبِيلا}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة {وَقَالَ الَّذين كفرُوا لَوْلَا نزل عَلَيْهِ الْقُرْآن جملَة وَاحِدَة} يَقُولُونَ: كَمَا أنزل على مُوسَى وعَلى عِيسَى قَالَ الله {كَذَلِك لنثبت بِهِ فُؤَادك ورتلناه ترتيلاً} قَالَ: بَيناهُ تبييناً {وَلَا يأتونك بِمثل إِلَّا جئْنَاك بِالْحَقِّ وَأحسن تَفْسِيرا} قَالَ: أحسن تَفْصِيلًا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {كَذَلِك لنثبت بِهِ فُؤَادك} قَالَ: كَانَ الله ينزل عَلَيْهِ الْآيَة فَإِذا علمهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نزلت آيَة(6/254)
أُخْرَى ليعلمه الْكتاب عَن ظهر قلبه وَيثبت بِهِ فُؤَادك {وَلَا يأتونك بِمثل إِلَّا جئْنَاك بِالْحَقِّ وَأحسن تَفْسِيرا} يَقُول: أحسن تَفْصِيلًا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {كَذَلِك لنثبت} قَالَ: لنشدد بِهِ فُؤَادك ونربط على قَلْبك {ورتلناه ترتيلاً} قَالَ: رسلناه ترسيلاً يَقُول: شَيْئا بعد شَيْء {وَلَا يأتونك بِمثل} يَقُول: لوأنزلنا عَلَيْك الْقُرْآن جملَة وَاحِدَة ثمَّ سألوك لم يكن عنْدك مَا تجيب
وَلَكنَّا نمسك عَلَيْك فَإِذا سألوك أجبْت
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَت قُرَيْش مَا لِلْقُرْآنِ لم ينزل على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جملَة وَاحِدَة قَالَ الله فِي كِتَابه {وَقَالَ الَّذين كفرُوا لَوْلَا نزل عَلَيْهِ الْقُرْآن جملَة وَاحِدَة كَذَلِك لنثبت بِهِ فُؤَادك ورتلناه ترتيلا} قَالَ: قليلاز قَلِيلا
كَيْمَا لَا يجيؤك بِمثل إِلَّا جئْنَاك بِمَا ينْقض عَلَيْهِم فأنزلناه عَلَيْك تَنْزِيلا قَلِيلا قَلِيلا
كلما جاؤا بِشَيْء جئناهم بِمَا هُوَ أحسن مِنْهُ تَفْسِيرا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن فِي قَوْله {ورتلناه ترتيلاً} قَالَ: كَانَ ينزل عَلَيْهِ الْآيَة
والآيتان
والآيات
كَانَ ينزل عَلَيْهِ جَوَابا لَهُم
اذا سَأَلُوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن شَيْء أنزل الله جَوَابا لَهُم وردا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيمَا تكلمُوا بِهِ وَكَانَ بَين أوّله وَآخره نَحْو من عشْرين سنة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج {كَذَلِك لنثبت بِهِ فُؤَادك ورتلناه ترتيلاً} قَالَ: كَانَ ينزل عَلَيْهِ الْقُرْآن جَوَابا لقَولهم
ليعلم أَن الله هُوَ يُجيب الْقَوْم عَمَّا يَقُولُونَ {وَلَا يأتونك بِمثل إِلَّا جئْنَاك بِالْحَقِّ} قَالَ: لَا يَأْتِيك الْكفَّار إِلَّا جئْنَاك بِمَا ترد بِهِ مَا جاؤك بِهِ من الامثال الَّتِي جاؤا بهَا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ {ورتلناه ترتيلاً} يَقُول: أنزل مُتَفَرقًا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ {ورتلناه ترتيلاً} قَالَ: فصلنا تَفْصِيلًا
وأخرجابن أبي حَاتِم عَن عَطاء فِي قَوْله {وَأحسن تَفْسِيرا} قَالَ: تَفْصِيلًا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَأحسن تَفْسِيرا} قَالَ: بَيَانا(6/255)
الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلَى جَهَنَّمَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ سَبِيلًا (34)
- قَوْله تَعَالَى: الَّذين يحشرون على وُجُوههم إِلَى جَهَنَّم أُولَئِكَ شَرّ مَكَانا وأضل سَبِيلا
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله {أُولَئِكَ شَرّ مَكَانا} يَقُول: من أهل الْجنَّة {وأضل سَبِيلا} قَالَ: طَرِيقا(6/256)
وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيرًا (35) فَقُلْنَا اذْهَبَا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَدَمَّرْنَاهُمْ تَدْمِيرًا (36) وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَابًا أَلِيمًا (37) وَعَادًا وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا (38)
- قَوْله تَعَالَى: وَلَقَد آتَيْنَا مُوسَى الْكتاب وَجَعَلنَا مَعَه أَخَاهُ هَارُون وزيراً فَقُلْنَا اذْهَبَا إِلَى الْقَوْم الَّذين كذبُوا بِآيَاتِنَا فدمرناهم تدميرا وَقوم نوح لما كذبُوا الرُّسُل أغرقناهم وجعلناهم للنَّاس آيَة واعتدنا للظالمين عذَابا أَلِيمًا وَعَاد وَثَمُود وَأَصْحَاب الرس وقروناً بَين ذَلِك كثيرا
أخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَجَعَلنَا مَعَه أَخَاهُ هَارُون وزيراً} قَالَ: عوناً وعضداً
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {فدمرناهم تدميراً} قَالَ: أهلكناهم بِالْعَذَابِ
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ {وعادا وَثَمُود} ينوّن ثَمُود
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ {الرس} قَرْيَة من ثَمُود
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ {الرس} بِئْر بِأَذربِيجَان
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَأَصْحَاب الرس} قَالَ: قوم شُعَيْب
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَأَصْحَاب الرس} قَالَ: حَدثنَا أَن أَصْحَاب الرس كَانُوا أهل فلج بِالْيَمَامَةِ وآبار كَانُوا عَلَيْهَا
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد قَالَ {الرس} بِئْر كَانَ عَلَيْهَا قوم يُقَال لَهُم: أَصْحَاب الرس
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة قَالَ {وَأَصْحَاب الرس} رسوا نَبِيّهم فِي بِئْر(6/256)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس أَنه سَأَلَ كَعْبًا عَن أَصْحَاب الرس قَالَ: صَاحب الْبِئْر الَّذِي {قَالَ يَا قوم اتبعُوا الْمُرْسلين} فرسه قومه فِي بِئْر بالحجار
وَأخرج ابْن جرير عَن الضَّحَّاك قَالَ {الرس} بِئْر قتل بِهِ صَاحب يس
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي ذمّ الملاهي وَالْبَيْهَقِيّ وَابْن عَسَاكِر عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد بن عَليّ: ان امْرَأتَيْنِ سألتاه هَل تَجِد غشيان الْمَرْأَة الْمَرْأَة محرما فِي كتاب الله قَالَ: نعم
هن اللواتي كن على عهد تبعن وَهن صَوَاحِب الرس وكل نهر وبئر رس
قَالَ: يقطع لَهُنَّ جِلْبَاب من نَار وَدرع من نَار ونطاق من نَار وتاج من نَار وخفان من نَار وَمن فَوق ذَلِك ثوب غليظ جَاف جلف منتن من نَار قَالَ جَعْفَر: علمُوا هَذَا نساءكم
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن وَاثِلَة بن الْأَسْقَع رَفعه قَالَ: سحاق النِّسَاء زنا بَينهُنَّ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف عَن عبد الله بن كَعْب بن مَالك قَالَ: لعن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الراكبة والمركوبة
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة قَالَ: إِن أَصْحَاب الأيكة
وَأَصْحَاب الرس
كَانَتَا أمتين فَبعث الله إِلَيْهِمَا نَبيا وَاحِدًا شعيباً وعذبهما الله بعذابين
وَأخرج ابْن إِسْحَق وَابْن جرير عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن أول النَّاس يدْخل الْجنَّة يَوْم الْقِيَامَة العَبْد الْأسود وَذَلِكَ أَن الله تَعَالَى بعث نَبيا إِلَى أهل قريته فَلم يُؤمن بِهِ من أَهلهَا أحد إِلَّا ذَلِك الْأسود ثمَّ إِن أهل الْقرْيَة عدوا على النَّبِي فَحَفَرُوا لَهُ بِئْر فألقوه فِيهَا ثمَّ أطبقوا عَلَيْهِ بِحجر ضخم فَكَانَ ذَلِك العَبْد يذهب فيحتطب على ظَهره ثمَّ يَأْتِي بحطبه فيبيعه فيشتري بِهِ طَعَاما وَشَرَابًا ثمَّ يَأْتِي بِهِ إِلَى تِلْكَ الْبِئْر فيرفع تِلْكَ الصَّخْرَة فيعينه الله عَلَيْهَا فيدلي طَعَامه وَشَرَابه ثمَّ يردهَا كَمَا كَانَت مَا شَاءَ الله أَن يكون
ثمَّ انه ذهب يحتطب كَمَا كَانَ يصنع فَجمع حطبه وحزم حزمته وَفرغ مِنْهَا فَلَمَّا أَرَادَ أَن يحتملها وجد سنة فاضطجع فَنَامَ فَضرب على أُذُنه سبع سِنِين نَائِما ثمَّ إِنَّه هَب فتمطى فتحوّل لِشقِّهِ الآخر فاضطجع فَضرب الله على أُذُنه سبع سِنِين أُخْرَى ثمَّ(6/257)
انه هَب فاحتم حزمته وَلَا يحْسب إِلَّا أَنه نَام سَاعَة من نَهَار فجَاء إِلَى الْقرْيَة فَبَاعَ حزمته ثمَّ اشْترى طَعَاما وَشَرَابًا كَمَا كَانَ يصنع ثمَّ ذهب إِلَى الحفرة فِي موضعهَا الَّتِي كَانَت فِيهِ فالتمسه فَلم يجده وَفد كَانَ بدا لِقَوْمِهِ بداء فاستخرجوه فآمنوا بِهِ وَصَدقُوهُ
وَكَانَ النَّبِي يسألهم عَن ذَلِك الْأسود مَا فعل فَيَقُولُونَ لَهُ: مَا نَدْرِي
حَتَّى قبض ذَلِك النَّبِي فأهب الله الْأسود من نومته بعد ذَلِك
ان ذَلِك لأوّل من يدْخل الْجنَّة
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن أم سَلمَة سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول بعد عدنان بن أدد بن زين بن الْبَراء واعراق الثرى
قَالَت: ثمَّ قَرَأَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أهلك {وعادا وَثَمُود وَأَصْحَاب الرس وقروناً بَين ذَلِك كثيرا} {لَا يعلمهُمْ إِلَّا الله} قَالَت: واعراق الثرى: اسمعيل وَزيد وهميسع وبرانيت
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة {وقروناً بَين ذَلِك كثيرا} قَالَ: كَانَ يُقَال إِن الْقرن سَبْعُونَ سنة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن زُرَارَة بن أوفى قَالَ: الْقرن مائَة وَعِشْرُونَ عَاما قَالَ: فَبعث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قرن كَانَ آخِره الْعَام الَّذِي مَاتَ فِيهِ يزِيد بن مُعَاوِيَة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ بَين آدم وَبَين نوح عشرَة قُرُون وَبَين نوح وَإِبْرَاهِيم عشرَة قُرُون قَالَ أبوسلمة: الْقرن مائَة سنة
وَأخرج الْحَاكِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن عبد الله بن بسر قَالَ: وضع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَده على رَأْسِي فَقَالَ: هَذَا الْغُلَام يعِيش قرنا
فَعَاشَ مائَة سنة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق مُحَمَّد بن الْقَاسِم الْحِمصِي عَن عبد الله بسر الْمَازِني قَالَ: وضع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَده على رَأْسِي وَقَالَ: سيعيش هَذَا الْغُلَام قرنا قلت: يَا رَسُول الله كم الْقرن قَالَ: مائَة سنة
قَالَ مُحَمَّد بن الْقَاسِم: مَا زلنا نعد لَهُ حَتَّى تمت مائَة سنة
ثمَّ مَاتَ
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي الْهَيْثَم بن دهر الأسلمى قَالَ: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم(6/258)
الْقرن خَمْسُونَ سنة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أمتِي خمس قُرُون الْقرن أَرْبَعُونَ سنة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن حَمَّاد بن إِبْرَاهِيم قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْقرن أَرْبَعُونَ سنة
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن سِيرِين قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْقرن أَرْبَعُونَ سنة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن قَالَ الْقرن سِتُّونَ سنة
وَأخرج الْحَاكِم فِي الكني عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا انْتهى إِلَى معد بن عدنان أمسك
ثمَّ يَقُول: كذب النسابون قَالَ الله تَعَالَى {وقروناً بَين ذَلِك كثيرا}(6/259)
وَكُلًّا ضَرَبْنَا لَهُ الْأَمْثَالَ وَكُلًّا تَبَّرْنَا تَتْبِيرًا (39) وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَهَا بَلْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ نُشُورًا (40) وَإِذَا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا (41) إِنْ كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلَا أَنْ صَبَرْنَا عَلَيْهَا وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذَابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلًا (42)
- قَوْله تَعَالَى: وكلاًّ ضربنا لَهُ الْأَمْثَال وكلاًّ تبرنا تتبيرا وَلَقَد أَتَوا على الْقرْيَة الَّتِي أمْطرت مطر السوء أفلم يَكُونُوا يرونها بل كَانُوا لَا يرجون نشوراً وَإِذا رأوك إِن يتخذونك إِلَّا هزوا أَهَذا الَّذِي بعث الله رَسُولا إِن كَاد ليضلنا عَن آلِهَتنَا لَوْلَا أَن صَبرنَا عَلَيْهَا وسوف يعلمُونَ حِين يرَوْنَ الْعَذَاب من أضلّ سَبِيلا
أخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة {وكلاًّ ضربنا لَهُ الْأَمْثَال وكلاًّ تبرنا تتبيراً} قَالَ: كل قد أعذر الله إِلَيْهِ وَبَين لَهُ ثمَّ انتقم مِنْهُ {وَلَقَد أَتَوا على الْقرْيَة الَّتِي أمْطرت مطر السوء} قَالَ: قَرْيَة لوط {بل كَانُوا لَا يرجون نشوراً} قَالَ: بعثا وَلَا حسابا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن فِي قَوْله {وكلاًّ تبرنا تتبيراً} قَالَ: تبر الله كلا بِالْعَذَابِ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير قَالَ {تبرنا} بالنبطية(6/259)
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَلَقَد أَتَوا على الْقرْيَة} قَالَ: هِيَ سدوم قَرْيَة قوم لوط {الَّتِي أمْطرت مطر السوء} قَالَ: الْحِجَارَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَطاء {وَلَقَد أَتَوا على الْقرْيَة} قَالَ: قَرْيَة لوط
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن {وَلَقَد أَتَوا على الْقرْيَة} قَالَ: هِيَ بَين الشَّام وَالْمَدينَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله {لَا يرجون نشورا} قَالَ: بعثا وَفِي قَوْله {لَوْلَا أَن صَبرنَا عَلَيْهَا} قَالَ: ثبتنا(6/260)
أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا (43) أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا (44)
- قَوْله تَعَالَى: أَرَأَيْت من اتخذ إلهه هَوَاهُ أفأنت تكون عَلَيْهِ وَكيلا أم تحسب أَن أَكْثَرهم يسمعُونَ أَو يعْقلُونَ إِن هم إِلَّا كالأنعام بل هم أضلّ سَبِيلا
أخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {أَرَأَيْت من اتخذ إلهه هَوَاهُ} قَالَ: كَانَ الرجل يعبد الْحجر الْأَبْيَض زَمَانا من الدَّهْر فِي الْجَاهِلِيَّة فَإِذا وجد حجرا أحسن مِنْهُ رمى بِهِ وَعبد الآخر فَأنْزل الله الْآيَة
وَأخرج ابْن مردوية عَن أبي رَجَاء العطاردي قَالَ: كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّة يَأْكُلُون الدَّم بالعلهز ويعبدون الْحجر فَإِذا وجدوا مَا هُوَ أحسن مِنْهُ رموا بِهِ وعبدوا الآخر فَإِذا فقدوا الآخر أمروا منادياً فَنَادَى: أَيهَا النَّاس إِن إِلَهكُم قد ضل فالتمسوه
فَانْزِل الله هَذِه الْآيَة {أَرَأَيْت من اتخذ إلهه هَوَاهُ}
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {أَرَأَيْت من اتخذ إلهه هَوَاهُ} قَالَ: لَا يهوى شَيْئا إِلَّا تبعه
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة {أَرَأَيْت من اتخذ إلهه هَوَاهُ} قَالَ: كلما هوى شَيْئا رَكبه وَكلما اشْتهى شَيْئا أَتَاهُ
لَا يحجزه عَن ذَلِك ورع وَلَا تقوى(6/260)
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن أَنه قيل لَهُ: فِي أهل الْقبْلَة شرك فَقَالَ: نعم
الْمُنَافِق مُشْرك إِن الْمُشرك يسْجد للشمس وَالْقَمَر من دون الله وَإِن الْمُنَافِق عِنْد هَوَاهُ
ثمَّ تَلا هَذِه الْآيَة {أَرَأَيْت من اتخذ إلهه هَوَاهُ أفأنت تكون عَلَيْهِ وَكيلا}
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن أبي أُمَامَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا تَحت ظلّ السَّمَاء من إِلَه يعبد من دون الله أعظم عِنْد الله من هوى مُتبع
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {أم تحسب أَن أَكْثَرهم يسمعُونَ} قَالَ: مثل الَّذين كفرُوا كَمثل الْبَعِير وَالْحمار وَالشَّاة
إنْ قلت لبَعْضهِم كل لم يعلم مَا تَقول غير أَنه يسمع صَوْتك
كَذَلِك الْكَافِر إِن أَمرته بِخَير أَو نهيته عَن شَرّ أَو وعظته لم يعقل مَا تَقول غير أَنه يسمع صَوْتك
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مقَاتل فِي قَوْله {بل هم أضلّ سَبِيلا} قَالَ: أَخطَأ السَّبِيل(6/261)
أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا (45) ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا (46) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا (47)
- قَوْله تَعَالَى: ألم تَرَ إِلَى رَبك كَيفَ مد الظل وَلَو شَاءَ لجعله سَاكِنا ثمَّ جعلنَا الشَّمْس عَلَيْهِ دَلِيلا ثمَّ قبضناه إِلَيْنَا قبضا يَسِيرا وَهُوَ الَّذِي جعل لكم الَّيْلِ لباسا وَالنَّوْم سباتا وَجعل النَّهَار نشورا
أخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {ألم تَرَ إِلَى رَبك كَيفَ مد الظل} قَالَ: بعد الْفجْر قبل أَن تطلع الشَّمْس
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {ألم تَرَ إِلَى رَبك كَيفَ مد الظل} الْآيَة
قَالَ: ألم تَرَ إِنَّك إِذا صليت الْفجْر كَانَ مَا بَين مطلع الشَّمْس إِلَى مغْرِبهَا ظلاً ثمَّ بعث الله عَلَيْهِ الشَّمْس دَلِيلا فَقبض الله الظل
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس {ألم تَرَ إِلَى رَبك كَيفَ مد الظل} قَالَ: مَا بَين طُلُوع الشَّمْس {وَلَو شَاءَ لجعله سَاكِنا} قَالَ: دَائِما {ثمَّ جعلنَا الشَّمْس عَلَيْهِ دَلِيلا} يَقُول: طُلُوع الشَّمْس {ثمَّ قبضناه إِلَيْنَا قبضا يَسِيرا} قَالَ: سَرِيعا
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي(6/261)
حَاتِم عَن مُجَاهِد {ألم تَرَ إِلَى رَبك كَيفَ مد الظل} قَالَ: ظلّ الْغَدَاة قبل طُلُوع الشَّمْس {وَلَو شَاءَ لجعله سَاكِنا} قَالَ: لَا تصيبه الشَّمْس وَلَا يَزُول {ثمَّ جعلنَا الشَّمْس عَلَيْهِ دَلِيلا} قَالَ: تحويه {ثمَّ قبضناه إِلَيْنَا} فاجوينا الشَّمْس إِيَّاه {قبضا يَسِيرا} قَالَ: خَفِيفا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن {ألم تَرَ إِلَى رَبك كَيفَ مد الظل} قَالَ: مده من الْمشرق إِلَى الْمغرب فِيمَا بَين طُلُوع الْفجْر إِلَى طُلُوع الشَّمْس {وَلَو شَاءَ لجعله سَاكِنا} قَالَ: تَركه كَمَا هُوَ ظلاً ممدوداً مَا بَين الْمشرق وَالْمغْرب
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أَيُّوب بن مُوسَى {ألم تَرَ إِلَى رَبك كَيفَ مد الظل} قَالَ: الأَرْض كلهَا ظلّ
مَا بَين صَلَاة الْغَدَاة إِلَى طُلُوع الشَّمْس {ثمَّ قبضناه إِلَيْنَا قبضا يَسِيرا} قَالَ: قَلِيلا قَلِيلا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ وَالضَّحَّاك وَأبي مَالك الْغِفَارِيّ فِي قَوْله {كَيفَ مد الظل} قَالُوا: مَا بَين طُلُوع الْفجْر إِلَى طُلُوع الشَّمْس {ثمَّ جعلنَا الشَّمْس عَلَيْهِ دَلِيلا} قَالُوا: على الظل {ثمَّ قبضناه إِلَيْنَا قبضا يَسِيرا} يَعْنِي مَا تقبض الشَّمْس من الظل
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي الْعَالِيَة {كَيفَ مد الظل} قَالَ: من حِين يطلع الْفجْر إِلَى حِين تطلع الشَّمْس
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ {جعلنَا الشَّمْس عَلَيْهِ دَلِيلا} قَالَ: يتبعهُ فيقبضه حَيْثُ كَانَ
وَأما قَوْله تَعَالَى: {وَجعل النَّهَار نشوراً}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الرّبيع بن أنس قَالَ: إِن النَّهَار اثْنَتَا عشرَة سَاعَة فَأول السَّاعَة مَا بَين طُلُوع الْفجْر إِلَى أَن ترى شُعَاع الشَّمْس ثمَّ السَّاعَة الثَّانِيَة إِذا رَأَيْت شُعَاع الشَّمْس إِلَى أَن يضيء الاشراق
عِنْد ذَلِك لم يبْق من قُرُونهَا شَيْء وَصفا لَوْنهَا فَإِذا كَانَت بِقدر مَا تريك عَيْنك قيد رحمين فَذَلِك أول الضُّحَى وَذَلِكَ أَو سَاعَة من سَاعَات الضُّحَى ثمَّ من بعد ذَلِك الضُّحَى ساعتين ثمَّ السَّاعَة السَّادِسَة حِين نصف النَّهَار
فَإِذا زَالَت الشَّمْس عَن نصف النَّهَار فَتلك سَاعَة صَلَاة الظّهْر وَهِي الَّتِي قَالَ الله {أقِم الصَّلَاة لدلوك الشَّمْس} ثمَّ من بعد ذَلِك الْعشي ساعتين(6/262)
ثمَّ السَّاعَة الْعَاشِرَة مِيقَات صَلَاة الْعَصْر وَهِي الآصال ثمَّ من بعد ذَلِك ساعتين إِلَى اللَّيْل
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله وَجعل النَّهَار نشوراً {وَجعل النَّهَار نشورا} قَالَ: ينشر فِيهِ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة {وَجعل النَّهَار نشوراً} قَالَ: لمعايشهم وحوائجهم وتصرفهم(6/263)
وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا (48) لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا (49)
- قَوْله تَعَالَى: وَهُوَ الَّذِي أرسل الرِّيَاح بشرا بَين يَدي رَحمته وأنزلنا من السَّمَاء مَاء طهُورا لنحيي بِهِ بَلْدَة مَيتا ونسقيه مِمَّا خلقنَا أنعاما وأناسي كثيرا
أخرج عبد بن حميد عَن عَطاء أَنه قَرَأَ {وَهُوَ الَّذِي أرسل الرِّيَاح} على الْجمع بشرا بِالْبَاء وَرفع الْبَاء بنُون فيهمَا خَفِيفَة
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد عَن مَسْرُوق أَنه قَرَأَ {الرِّيَاح بشرا} بالنُّون وَنصب النُّون منونة ومخففة
وَأخرج عبد بن حميد عَن سعيد بن الْمسيب فِي قَوْله {وأنزلنا من السَّمَاء مَاء طهُورا} قَالَ: لَا يُنجسهُ شَيْء
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالدَّارقطني عَن سعيد بن الْمسيب قَالَ: أنزل الله المَاء طهُورا لَا يُنجسهُ شَيْء
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: المَاء لَا يُنجسهُ شَيْء
يطهر وَلَا يطهره شَيْء فَإِن الله قَالَ {وأنزلنا من السَّمَاء مَاء طهُورا}
وَأخرج الشَّافِعِي وَأحمد وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَالدَّارقطني وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: يَا رَسُول الله انتوضأ من بِئْر بضَاعَة وَهِي بِئْر يلقى فِيهَا الْحيض وَلُحُوم الْكلاب وَالنَّتن
فَقَالَ: ان المَاء طهُورا لاينجسه شَيْء(6/263)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف عَن الْقَاسِم بن أبي بزَّة قَالَ: سَأَلَ رجل عبد الله بن الزبير عَن طين الْمَطَر قَالَ: سَأَلتنِي عَن طهورين جَمِيعًا قَالَ الله تَعَالَى {وأنزلنا من السَّمَاء مَاء طهُورا} وَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جعلت لي الأَرْض مَسْجِدا وَطهُورًا(6/264)
وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا (50) وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيرًا (51) فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا (52)
- قَوْله تَعَالَى: وَلَقَد صرفناه بَينهم لِيذكرُوا فَأبى أَكثر النَّاس إِلَّا كفورا وَلَو شِئْنَا لبعثنا فِي كل قَرْيَة نذيرا فَلَا تُطِع الْكَافرين وجاهدهم بِهِ جهادا كَبِيرا
أخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله {وَلَقَد صرفناه بَينهم} يَعْنِي الْمَطَر تسقى هَذِه الأَرْض وتمنع هَذِه {لِيذكرُوا فَأبى أَكثر النَّاس إِلَّا كفوراً} قَالَ عِكْرِمَة: قَالَ ابْن عَبَّاس: قَوْلهم مُطِرْنَا بالانواء
فَأنْزل الله فِي الْوَاقِعَة {وتجعلون رزقكم أَنكُمْ تكذبون} الْوَاقِعَة الْآيَة 82
وَأخرج سنيد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج عَن مُجَاهِد {وَلَقَد صرفناه بَينهم} قَالَ: الْمَطَر
ينزله فِي الأَرْض وَلَا ينزله فِي أُخْرَى {فَأبى أَكثر النَّاس إِلَّا كفوراً} قَوْلهم مُطِرْنَا بِنَوْء كَذَا وبنوء كَذَا
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة {وَلَقَد صرفناه بَينهم لِيذكرُوا} قَالَ: إِن الله قسم هَذَا الرزق بَين عباده وَصَرفه بَينهم
قَالَ: وَذكر لنا أَن ابْن عَبَّاس كَانَ يَقُول: مَا كَانَ عَام قطّ أقل مَطَرا من عَام وَلَكِن الله يصرفهُ بَين عباده
قَالَ قَتَادَة: فترزقه الأَرْض وتحرمه الْأُخْرَى
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: مَا من عَام بِأَقَلّ مَطَرا من عَام وَلَكِن الله يصرفهُ حَيْثُ يَشَاء
ثمَّ قَرَأَ هَذِه الْآيَة {وَلَقَد صرفناه بَينهم لِيذكرُوا} الْآيَة
وَأخرج الخرائطي فِي مَكَارِم الْأَخْلَاق عَن ابْن مَسْعُود
مثله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عمر مولى غفرة قَالَ: كَانَ جِبْرِيل فِي مَوضِع الْجَنَائِز فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَا جِبْرِيل إِنِّي أحب أَن أعلم أَمر السَّحَاب
فَقَالَ جِبْرِيل: هَذَا ملك السَّحَاب فَسَأَلَهُ فَقَالَ: تَأْتِينَا صكاك مختتمة اسقوا بِلَاد كَذَا وَكَذَا قَطْرَة(6/264)
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن عَطاء الخرساني فِي قَوْله {وَلَقَد صرفناه بَينهم} قَالَ: أَلا ترى إِلَى قَوْله {وَلَو شِئْنَا لبعثنا فِي كل قَرْيَة نذيراً} وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وجاهدهم بِهِ} قَالَ: بِالْقُرْآنِ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد فِي قَوْله {وجاهدهم بِهِ جهاداً كَبِيرا} قَالَ: هُوَ قَوْله {وَاغْلُظْ عَلَيْهِم} التَّوْبَة الْآيَة 73 وَالله تَعَالَى أعلم(6/265)
وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا (53)
- قَوْله تَعَالَى: وَهُوَ الَّذِي مرج الْبَحْرين هَذَا عذب فرات وَهَذَا ملح أجاج وَجعل بَينهمَا برزخا وحجرا مَحْجُورا
أخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس {وَهُوَ الَّذِي مرج الْبَحْرين} الْآيَة
يَعْنِي خلع أَحدهمَا على الآخر فَلَيْسَ يفْسد العذب المالح وَلَيْسَ يفْسد المالح العذب
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَهُوَ الَّذِي مرج الْبَحْرين} قَالَ: أَفَاضَ أَحدهمَا فِي الآخر
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن فِي قَوْله {مرج الْبَحْرين} قَالَ: بَحر فِي السَّمَاء وبحر فِي الأَرْض
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَطاء فِي قَوْله {فرات} قَالَ: العذب
وَفِي قَوْله {أجاج} قَالَ: الاجاج: المالح
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَهَذَا ملح أجاج} قَالَ: المر
وَأخرج عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: هما بحران فَتَوَضَّأ بِأَيِّهِمَا شِئْت
ثمَّ تَلا هَذِه الْآيَة {هَذَا عذب فرات وَهَذَا ملح أجاج}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن فِي قَوْله {وَجعل بَينهمَا برزخاً} قَالَ: هُوَ اليبس(6/265)
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {برزخاً} قَالَ: هُوَ اليبس
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَجعل بَينهمَا برزخاً} قَالَ: محبساً لَا يخْتَلط الْبَحْر العذب بالبحر الْملح
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَجعل بَينهمَا برزخاً} قَالَ: التخوم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق ابْن جريج عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَجعل بَينهمَا برزخا} قَالَ: حجازا لَا يخْتَلط العذب بالملح وَلَا يخْتَلط بَحر الرّوم وَفَارِس
وبحر الرّوم ملح قَالَ ابْن جريج: فَلم أجد بحراً عذباً إِلَّا الْأَنْهَار الْعَذَاب
فَإِن دجلة تقع فِي الْبَحْر فَلَا تمور فِيهِ يَجْعَل فِيهِ بَينهمَا مثل الْخَيط الْأَبْيَض فَإِذا رجعت لم يرجع فِي طريقهما من الْبَحْر شَيْء
والنيل زَعَمُوا ينصب فِي الْبَحْر
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر عَن الْكَلْبِيّ فِي قَوْله {وَجعل بَينهمَا برزخاً} قَالَ: حاجزاً
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وحجراً مَحْجُورا} يَقُول: حجر أَحدهمَا عَن الآخر بأَمْره وقضائه
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وحجراً مَحْجُورا} قَالَ: إِن الله حجر الْملح عَن العذب والعذب عَن الْملح أَن يخْتَلط بِلُطْفِهِ وَقدرته(6/266)
وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا (54)
- قَوْله تَعَالَى: وَهُوَ الَّذِي خلق من المَاء بشرا فَجعله نسبا وصهرا وَكَانَ رَبك قَدِيرًا
أخرج عبد بن حميد عَن عبد الله بن الْمُغيرَة قَالَ: سُئِلَ عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ عَن نسب وصهر فَقَالَ: مَا أَرَاكُم إِلَّا قد عَرَفْتُمْ النّسَب
فَأَما الصهر: فالاختان وَالصَّحَابَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله {فَجعله نسبا وصهراً} قَالَ: النّسَب الرَّضَاع والصهر الختونة
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة {فَجعله نسبا وصهراً} قَالَ: ذكر الله الصهر مَعَ النّسَب(6/266)
وَحرم أَربع عشرَة امْرَأَة
سبعا من النّسَب وَسبعا من الصهر
فَاسْتَوَى تَحْرِيم الله فِي النّسَب والصهر(6/267)
وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُهُمْ وَلَا يَضُرُّهُمْ وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيرًا (55)
- قَوْله تَعَالَى: ويعبدون من دون الله مَا لَا يَنْفَعهُمْ وَلَا يضرهم وَكَانَ الْكَافِر على ربه ظهيراً
أخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَكَانَ الْكَافِر على ربه ظهيراً} يَعْنِي أَبَا الحكم: الَّذِي سَمَّاهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَبَا جهل ابْن هِشَام
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الشّعبِيّ فِي قَوْله {وَكَانَ الْكَافِر على ربه} قَالَ: أَبُو جهل
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن عَطِيَّة فِي قَوْله {وَكَانَ الْكَافِر على ربه ظهيراً} قَالَ: هُوَ أَبُو جهل
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَسَعِيد بن مَنْصُور وَالْفِرْيَابِي وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد {وَكَانَ الْكَافِر على ربه ظهيراً} قَالَ: معينا للشَّيْطَان على معاصي الله
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن وَالضَّحَّاك
مثله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير {وَكَانَ الْكَافِر على ربه ظهيراً} قَالَ: عوناً للشَّيْطَان على ربه بالعداوة والشرك
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة {وَكَانَ الْكَافِر على ربه ظهيراً} قَالَ: معينا للشَّيْطَان على عَدَاوَة ربه(6/267)
وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (56) قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا (57)
- قَوْله تَعَالَى: وَمَا أَرْسَلْنَاك إِلَّا مبشراً وَنَذِيرا قل مَا أَسأَلكُم عَلَيْهِ من أجر إِلَّا من شَاءَ أَن يتَّخذ إِلَى ربه سَبِيلا
أخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَمَا أَرْسَلْنَاك إِلَّا مبشراً وَنَذِيرا} قَالَ: مبشراً بِالْجنَّةِ وَنَذِيرا من النَّار
وَفِي قَوْله {إِلَّا من شَاءَ أَن يتَّخذ إِلَى ربه سَبِيلا} قَالَ: بِطَاعَتِهِ(6/267)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {قل مَا أَسأَلكُم عَلَيْهِ من أجر} قَالَ: قل لَهُم يَا مُحَمَّد لَا أَسأَلكُم على مَا أدعوكم إِلَيْهِ من أجر يَقُول: عرض من عرض الدُّنْيَا(6/268)
وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا (58)
- قَوْله تَعَالَى: وتوكل على الْحَيّ الَّذِي لَا يَمُوت وَسبح بِحَمْدِهِ وَكفى بِهِ بذنوب عباده خَبِيرا
أخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن عتبَة بن أبي ثبيت قَالَ: مَكْتُوب فِي التَّوْرَاة لَا تتوكل على ابْن آدم فَإِن ابْن آدم لَيْسَ لَهُ قوام وَلَكِن توكل على الْحَيّ الَّذِي لَا يَمُوت(6/268)
الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا (59) وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا (60)
- قَوْله تَعَالَى: الَّذِي خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض وَمَا بَينهمَا فِي سِتَّة أَيَّام ثمَّ اسْتَوَى على الْعَرْش الرَّحْمَن فاسأل بِهِ خَبِيرا وَإِذا قيل لَهُم اسجدوا للرحمن قَالُوا وَمَا الرَّحْمَن أنسجد لما تَأْمُرنَا وَزَادَهُمْ نفورا
أخرج الْفرْيَابِيّ وَسَعِيد بن مَنْصُور وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {فاسأل بِهِ خَبِيرا} قَالَ: مَا أَخْبَرتك من شَيْء فَهُوَ مَا أَخْبَرتك بِهِ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن شمر بن عَطِيَّة فِي قَوْله {الرَّحْمَن فاسأل بِهِ خَبِيرا} قَالَ: هَذَا الْقُرْآن خَبِير بِهِ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَطاء فِي قَوْله {وَإِذا قيل لَهُم اسجدوا للرحمن قَالُوا وَمَا الرَّحْمَن} قَالَ: قَالُوا مَا نَعْرِف الرَّحْمَن إِلَّا رَحْمَن الْيَمَامَة
فَأنْزل الله {وإلهكم إِلَه وَاحِد لَا إِلَه إِلَّا هُوَ الرَّحْمَن الرَّحِيم} الْبَقَرَة الْآيَة 163
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن حُسَيْن الجحفي فِي قَوْله {قَالُوا وَمَا الرَّحْمَن} قَالَ: جوابها {الرَّحْمَن علم الْقُرْآن} الرَّحْمَن الْآيَتَانِ 1 - 2
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد عَن إِبْرَاهِيم قَالَ: قَرَأَ الْأسود {أنسجد لما تَأْمُرنَا} فَسجدَ فِيهَا قَالَ: وَقرأَهَا يحيى {أنسجد لما تَأْمُرنَا}(6/268)
وَأخرج عبد بن حميد عَن سُلَيْمَان قَالَ: قَرَأَ إِبْرَاهِيم فِي الْفرْقَان (أنسجد لما يَأْمُرنَا) بِالْيَاءِ
وَقَرَأَ سُلَيْمَان كَذَلِك(6/269)
تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا (61)
- قَوْله تَعَالَى: تبَارك الَّذِي جعل فِي السَّمَاء بروجاً وَجعل فِيهَا سِرَاجًا وقمراً منيراً
أخرج الْخَطِيب فِي كتاب النُّجُوم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {تبَارك الَّذِي جعل فِي السَّمَاء بروجاً} قَالَ: هِيَ هَذِه الاثنا عشر برجاً
أَولهَا الْحمل ثمَّ الثثور ثمَّ الجوزاء ثمَّ السرطان ثمَّ الْأسد ثمَّ السنبلة ثمَّ الْمِيزَان ثمَّ الْعَقْرَب ثمَّ الْقوس ثمَّ الجدي ثمَّ الدَّلْو ثمَّ الْحُوت
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة {تبَارك الَّذِي جعل فِي السَّمَاء بروجاً} قَالَ: قصوراً على أَبْوَاب السَّمَاء فِيهَا الحرس
وَأخرج هناد عبد بن حميد وَابْن جرير عَن يحيى بن رَافع {جعل فِي السَّمَاء بروجاً} قَالَ: قصوراً فِي السَّمَاء
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن عَطِيَّة {جعل فِي السَّمَاء بروجاً} قَالَ: الْقُصُور
ثمَّ تأوّل هَذِه الْآيَة {وَلَو كُنْتُم فِي بروج مشيدة} النِّسَاء الْآيَة 78
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة فِي قَوْله {جعل فِي السَّمَاء بروجاً} قَالَ: البروج النُّجُوم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {جعل فِي السَّمَاء بروجاً} قَالَ: النُّجُوم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن أبي صَالح {جعل فِي السَّمَاء بروجاً} قَالَ: النُّجُوم الْكِبَار
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة {تبَارك الَّذِي جعل فِي السَّمَاء بروجاً} قَالَ: هِيَ النجومز وَقَالَ عِكْرِمَة: إِن أهل السَّمَاء يرَوْنَ نور مَسَاجِد الدُّنْيَا كَمَا يرَوْنَ أهل الدُّنْيَا نُجُوم السَّمَاء
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن قَتَادَة {وَجعل فِيهَا سِرَاجًا} قَالَ: هِيَ الشَّمْس(6/269)
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ {وَجعل فِيهَا سِرَاجًا} بِكَسْر السِّين على معنى الْوَاحِد
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور عَن الْحسن: أَنه كَانَ يقْرَأ {سِرَاجًا} وَأخرج سعيد بن مَنْصُور عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ: أَنه كَانَ يقْرَأ {وَجعل فِيهَا سِرَاجًا وقمراً منيراً}(6/270)
وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا (62)
- قَوْله تَعَالَى: وَهُوَ الَّذِي جعل اللَّيْل وَالنَّهَار خلفة لمن أَرَادَ أَن يذكر أَو أَرَادَ شكُورًا
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَهُوَ الَّذِي جعل اللَّيْل وَالنَّهَار خلفة} قَالَ: أَبيض وأسود
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {جعل اللَّيْل وَالنَّهَار خلفة} قَالَ: هَذَا يخلف هَذَا وَهَذَا يخلف هَذَا {لمن أَرَادَ أَن يذكر} قَالَ: يذكر نعْمَة ربه عَلَيْهِ فيهمَا {أَو أَرَادَ شكُورًا} قَالَ: شكور نعْمَة ربه عَلَيْهِ فيهمَا
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد {جعل اللَّيْل وَالنَّهَار خلفة} قَالَ: يَخْتَلِفَانِ
هَذَا أسود وَهَذَا أَبيض وَإِن الْمُؤمن قد ينسى بِاللَّيْلِ وَيذكر بِالنَّهَارِ وينسى بِالنَّهَارِ وَيذكر بِاللَّيْلِ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس {جعل اللَّيْل وَالنَّهَار خلفة} يَقُول: من فَاتَهُ شَيْء من اللَّيْل أَن يعمله أدْركهُ بِالنَّهَارِ وَمن فَاتَهُ شَيْء من النَّهَار أَن يعمله أدْركهُ بِاللَّيْلِ
وَأخرج الطَّيَالِسِيّ وَابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن: أَن عمر أَطَالَ صَلَاة الضُّحَى فَقيل: لَهُ: صنعت الْيَوْم شَيْئا لم تكن تَصنعهُ فَقَالَ: إِنَّه بَقِي عليَّ من وردي شَيْء وأحببت أَن أتمه
أَو قَالَ اقضيه
وتلا هَذِه الْآيَة {وَهُوَ الَّذِي جعل اللَّيْل وَالنَّهَار خلفة} الْآيَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير {جعل اللَّيْل وَالنَّهَار خلفة} يَقُول: جعل اللَّيْل خلفا من النَّهَار وَالنَّهَار خلفا من اللَّيْل لمن فرط فِي عمل أَن يَقْضِيه(6/270)
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن {جعل اللَّيْل وَالنَّهَار خلفة} قَالَ: إِن لم يسْتَطع عمل اللَّيْل عمله بِالنَّهَارِ وَإِن لم يسْتَطع عمل النَّهَار عمله بِاللَّيْلِ
فَهَذَا خلفة لهَذَا
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن فِي قَوْله {جعل اللَّيْل وَالنَّهَار خلفة} قَالَ: من عجز بِاللَّيْلِ كَانَ لَهُ فِي أول النَّهَار مستعتب وَمن عجز بِالنَّهَارِ كَانَ لَهُ فِي اللَّيْل مستعتب
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة
إِن سلمَان جَاءَهُ رجل فَقَالَ: لَا أَسْتَطِيع قيام اللَّيْل قَالَ: إِن كنت لَا تَسْتَطِيع قيام اللهيل فَلَا تعجز بِالنَّهَارِ قَالَ قَتَادَة: ذكر لنا أَن نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ وَالَّذِي نفس مُحَمَّد بِيَدِهِ أَن فِي كل لَيْلَة سَاعَة
لَا يُوَافِقهَا رجل مُسلم يُصَلِّي فِيهَا يسْأَل الله فِيهَا خيرا إِلَّا أعطَاهُ إِيَّاه قَالَ قَتَادَة: فأروا الله من أَعمالكُم خيرا فِي هَذَا اللَّيْل وَالنَّهَار فَإِنَّهُمَا مطيتان تحملان النَّاس إِلَى آجالهم تقربان كل بعيد وتبليان كل جَدِيد وتجيئان بِكُل مَوْعُود إِلَى يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ (لمن أَرَادَ أَن يذكر) مُشَدّدَة
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ أَنه كَانَ يقْرَأ (لمن أَرَادَ أَن يذكر)(6/271)
وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا (63) وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا (64) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا (65) إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (66) وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا (67)
- قَوْله تَعَالَى: وَعباد الرَّحْمَن الَّذين يَمْشُونَ على الأَرْض هونا وَإِذا خاطبهم الجاهلون قَالُوا سَلاما وَالَّذين يبيتُونَ لرَبهم سجدا وقياماً وَالَّذين يَقُولُونَ رَبنَا اصرف عَنَّا عَذَاب جَهَنَّم إِن عَذَابهَا كَانَ غراما إِنَّهَا ساءت مُسْتَقرًّا ومقاما وَالَّذين إِذا أَنْفقُوا لم يُسْرِفُوا وَلم يقترُوا وَكَانَ بَين ذَلِك قواما
أخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَعباد الرَّحْمَن} قَالَ: هم الْمُؤْمِنُونَ {الَّذين يَمْشُونَ على الأَرْض هونا} قَالَ: بِالطَّاعَةِ والعفاف والتواضع
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {يَمْشُونَ على الأَرْض هونا} قَالَ: عُلَمَاء حكماء(6/271)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله {هونا} قَالَ: بالسُّرْيَانيَّة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي عمرَان الْجونِي فِي قَوْله {هونا} قَالَ: حلماء بالسُّرْيَانيَّة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مَيْمُون بن مهْرَان فِي قَوْله {هونا} قَالَ: حلماء بالسُّرْيَانيَّة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالْفِرْيَابِي وَسَعِيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَعباد الرَّحْمَن الَّذين يَمْشُونَ على الأَرْض هونا} قَالَ: بالوقار والسكينة {وَإِذا خاطبهم الجاهلون قَالُوا سَلاما} قَالَ: سداداً من القَوْل
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة
مثله
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن زيد بن أسلم فِي قَوْله {يَمْشُونَ على الأَرْض هونا} قَالَ: لَا يَشْتَدُّونَ
وَأخرج أَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن أبي هُرَيْرَة وَابْن النجار عَن ابْن عَبَّاس قَالَا: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سرعَة الْمَشْي تذْهب بهاء الْمُؤمن
وَأخرج الخرائطي فِي مَكَارِم الْأَخْلَاق عَن الفضيل بن عِيَاض فِي قَوْله {الَّذين يَمْشُونَ على الأَرْض هونا} قَالَ: بِالسَّكِينَةِ وَالْوَقار {وَإِذا خاطبهم الجاهلون قَالُوا سَلاما} قَالَ: إِن جهل عَلَيْهِ حلم وَإِن أُسِيء إِلَيْهِ أحسن وَإِن حرم أعْطى وَإِن قطع وصل
وَأخرج الْآمِدِيّ فِي شرح ديوَان الْأَعْشَى بِسَنَدِهِ عَن عمر بن الْخطاب: أَنه رأى غُلَاما يتبختر فِي مشيته فَقَالَ: إِن البخترة مشْيَة تكره إِلَّا فِي سَبِيل الله وَقد مدح الله أَقْوَامًا فَقَالَ {وَعباد الرَّحْمَن الَّذين يَمْشُونَ على الأَرْض هونا} فاقصد فِي مشيتك
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {الَّذين يَمْشُونَ على الأَرْض هونا} قَالَ: تواضعاً لله لعظمته {وَإِذا خاطبهم الجاهلون قَالُوا سَلاما} قَالَ: كَانُوا لَا يجهلون على أهل الْجَهْل
وَأخرج أَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن مُحَمَّد بن عَليّ الباقر قَالَ: سلَاح اللئام قَبِيح الْكَلَام(6/272)
وَأخرج أَحْمد عَن النُّعْمَان بن مقرن الْمُزنِيّ: أَن رجلا سبّ رجلا عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَجعل الرجل المسبوب يَقُول: عَلَيْك السَّلَام فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اما أَن ملكا بَيْنكُمَا يذب عَنْك كلما شتمك هَذَا قَالَ لَهُ: بل أَنْت
وَأَنت أَحَق بِهِ وَإِذا قلت لَهُ: عَلَيْك السَّلَام قَالَ: لَا
بل لَك أَنْت أَحَق بِهِ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير {وَإِذا خاطبهم الجاهلون} قَالَ: السُّفَهَاء {قَالُوا سَلاما} يَعْنِي ردوا مَعْرُوفا {وَالَّذين يبيتُونَ لرَبهم سجدا وقياماً} يَعْنِي يصلونَ بِاللَّيْلِ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن الْحسن {يَمْشُونَ على الأَرْض هونا} قَالَ: يَمْشُونَ حلماء متواضعين لَا يجهلون على أحد وَإِن جهل عَلَيْهِم جَاهِل لم يجهلوا
هَذَا نهارهم إِذا انتشروا فِي النَّاس {وَالَّذين يبيتُونَ لرَبهم سجدا وقياماً} قَالَ: هَذَا ليلهم إِذا خلوا بَينهم وَبَين رَبهم
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن قَالَ: كَانَ يُقَال: ابْن آدم عف عَن محارم الله تكن عابداً وَارْضَ بِمَا قسم الله لَك تكن غَنِيا وَأحسن مجاورة من جاورك من النَّاس تكن مُسلما وَصَاحب النَّاس بِالَّذِي تحب أَن يصاحبوك بِهِ تكن عدلا وَإِيَّاك وَكَثْرَة الضحك فَإِن كَثْرَة الضحك تميت الْقلب
إِنَّه قد كَانَ يديكم أَقوام يجمعُونَ كثيرا ويبنون شَدِيدا ويأملون بَعيدا فَأَيْنَ هم أصبح جمعهم بوراً وَأصْبح عَمَلهم غرُورًا وأصبحت مساكنهم قبوراً
ابْن آدم إِنَّك مُرْتَهن بعملك وَأَنت على أَجلك معروض على رَبك فَخذ مِمَّا فِي يَديك لما بَين يَديك عِنْد الْمَوْت يَأْتِيك من الْخَيْر
يَا ابْن آدم طأ الأَرْض بقدمك فَإِنَّهَا عَن قَلِيل قبرك إِنَّك لم تزل فِي هدم عمرك مُنْذُ سَقَطت من بطن أمك
يَا ابْن آدم خالط النَّاس وزايلهم: خالطهم ببدنك وزايلهم بقلبك وعملك
يَا ابْن آدم أَتُحِبُّ أَن تذكر بسحناتك وَتكره أَن تذكر بسيئاتك وَتبْغض على الظَّن [] وتقيم على الْيَقِين
وَكَانَ يُقَال: أَن الْمُؤمنِينَ لما جَاءَتْهُم هَذِه الدعْوَة من الله صدقُوا بهَا
وافضاء [] بِعَينهَا خضعت لذَلِك قلوبهموأبدانهم وأبصارهم كنت وَالله إِذا رَأَيْتهمْ قوما كَأَنَّهُمْ رَأْي عين
وَالله مَا كَانُوا بِأَهْل جدل وباطل وَلَكِن جَاءَهُم من الله أَمر فصدقوا بِهِ فنعتهم الله فِي الْقُرْآن أحسن نعت فَقَالَ {وَعباد الرَّحْمَن الَّذين يَمْشُونَ على الأَرْض هونا}(6/273)
قَالَ: الْحسن والهون فِي كَلَام الْعَرَب: اللين والسكينة وَالْوَقار {وَإِذا خاطبهم الجاهلون قَالُوا سَلاما} قَالَ: حلماء لَا يجهلون وَإِن جهل عَلَيْهِم حلموا
يصاحبون عباد الله نهارهم مِمَّا تَسْمَعُونَ
ثمَّ ذكر ليلهم خير ليل قَالَ {وَالَّذين يبيتُونَ لرَبهم سجدا وقياماً} ينتصبون لله على أَقْدَامهم ويفترشون وُجُوههم سجدا لرَبهم تجْرِي دموعهم على خدودهم خوفًا من رَبهم
قَالَ الْحسن: لأمر مّا سهر ليلهم ولأمر مَا خشع نهارهم {وَالَّذين يَقُولُونَ رَبنَا اصرف عَنَّا عَذَاب جَهَنَّم إِن عَذَابهَا كَانَ غراماً} قَالَ: كل شَيْء يُصِيب ابْن آدم لم يدم عَلَيْهِ فَلَيْسَ بغرام إِنَّمَا الغرام اللَّازِم لَهُ مَا دَامَت السَّمَوَات وَالْأَرْض قَالَ: صدق الْقَوْم
وَالله الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ فَعَلمُوا وَلم يتمنوا
فاياكم وَهَذِه الْأَمَانِي يَرْحَمكُمْ الله فَإِن الله لم يُعْط عبد بالمنية خيرا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة قطّ
وَكَانَ يَقُول: يَا لَهَا من موعظة لَو وَافَقت من الْقُلُوب حَيَاة وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله {إِن عَذَابهَا كَانَ غراماً} قَالَ: ملازماً شَدِيدا كلزوم الْغَرِيم الْغَرِيم قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم
أما سَمِعت قَول بشر بن أبي حَازِم وَيَوْم النسار وَيَوْم الجفار كَانَا عذَابا وَكَانَا غراماً وَأخرج ابْن الْأَنْبَارِي عَن ابْن عَبَّاس إِن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله {كَانَ غراماً} مَا الغرام قَالَ: المولع
قَالَ فِيهِ الشَّاعِر: وَمَا أَكلَة إِن نلتها بغنيمة وَلَا جوعة إِن جعتها بغرام وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن فِي قَوْله {إِن عَذَابهَا كَانَ غراماً} قَالَ: قد علمُوا أَن كل غَرِيم يُفَارق غَرِيمه إِلَّا غَرِيم جَهَنَّم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَالَّذين إِذا أَنْفقُوا لم يُسْرِفُوا وَلم يقترُوا} قَالَ: هم الْمُؤْمِنُونَ
لَا يسرفون فيقعوا فِي مَعْصِيّة الله وَلَا يقترون فيمنعون حُقُوق الله(6/274)
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ (وَلم يقترُوا) بِنصب الْيَاء وَرفع التَّاء
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَالَّذين إِذا أَنْفقُوا لم يُسْرِفُوا وَلم يقترُوا} قَالَ: الاسراف النَّفَقَة فِي مَعْصِيّة الله والاقتار الامساك عَن حق الله قَالَ: وَإِن الله قد فَاء لكم فيئة فَانْتَهوا إِلَى فيئة الله
قَالَ فِي الْمُنفق {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا اتَّقوا الله وَقُولُوا قولا سديداً} الاحزاب الْآيَة 70 قَالَ: قُولُوا صدقا عدلا
وَقَالَ للْمُؤْمِنين {قل للْمُؤْمِنين يغضوا من أَبْصَارهم} النُّور الْآيَة 30 عَمَّا لَا يحل لَهُم
وَقَالَ فِي الِاسْتِمَاع {الَّذين يَسْتَمِعُون القَوْل فيتبعون أحْسنه} الزمر الْآيَة 18 وَأحسنه طَاعَة الله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن شهَاب فِي قَوْله {لم يُسْرِفُوا وَلم يقترُوا} قَالَ لَا يُنْفِقهُ فِي بَاطِل وَلَا يمنعهُ من حق
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن يزِيد بن أبي حبيب {وَالَّذين إِذا أَنْفقُوا لم يُسْرِفُوا وَلم يقترُوا} قَالَ: أُولَئِكَ أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانُوا لَا يَأْكُلُون طَعَاما يُرِيدُونَ بِهِ نعيماً وَلَا يلبسُونَ ثوبا يُرِيدُونَ بِهِ جمالاً كَانَت قُلُوبهم على قلب وَاحِد
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْأَعْمَش فِي قَوْله {بَين ذَلِك قواماً} قَالَ: عدلا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن عمر مولى غفرة قَالَ القوام أَن لَا تنْفق من غير حق وَلَا تمسك من حق هُوَ عَلَيْك
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن وهب بن مُنَبّه {وَكَانَ بَين ذَلِك قواماً} قَالَ: الشّطْر من أَمْوَالهم
وَأخرج ابْن جرير عَن يزِيد بن مرّة الْجعْفِيّ قَالَ: الْعلم خير من الْعَمَل والحسنة بَين السيئين
يَعْنِي إِذا أَنْفقُوا لم يُسْرِفُوا وَلم يقترُوا وَخير الْأُمُور أوساطها
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن الْحسن فِي قَوْله {لم يُسْرِفُوا وَلم يقترُوا} أَن عمر بن الْخطاب قَالَ: كفى سَرفًا أَن الرجل لَا يَشْتَهِي شَيْئا إِلَّا اشْتَرَاهُ فَأَكله
وَأخرج أَحْمد عَن أبي الدَّرْدَاء عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من فقه الرجل رفقه فِي معيشته(6/275)
وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (70) وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا (71)
- قَوْله تَعَالَى: وَالَّذين لَا يدعونَ مَعَ الله إِلَهًا آخر وَلَا يقتلُون النَّفس الَّتِي حرم الله إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يزنون وَمن يفعل ذَلِك يلقَ أثاماً يُضَاعف لَهُ(6/275)
الْعَذَاب يَوْم الْقِيَامَة ويخلد فِيهِ مهانا إِلَّا من تَابَ وآمن وَعمل عملا صَالحا فَأُولَئِك يُبدل الله سيآتهم حَسَنَات وَكَانَ الله غَفُورًا رحِيما وَمن تَابَ وَعمل صَالحا فَإِنَّهُ يَتُوب إِلَى الله متابا
أخرج الْفرْيَابِيّ وَأحمد وَعبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الْإِيمَان عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: سُئِلَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَي الذَّنب أكبر قَالَ أَن تجْعَل لله ندا وَهُوَ خلقك قلت: ثمَّ أَي قَالَ أَن تقتل ولدك خشيَة أَن يطعم مَعَك قلت: ثمَّ أَي قَالَ: أَن تُزَانِي حَلِيلَة جَارك فَأنْزل الله تَصْدِيق ذَلِك {وَالَّذين لَا يدعونَ مَعَ الله إِلَهًا آخر وَلَا يقتلُون النَّفس الَّتِي حرم الله إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يزنون}
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ من طَرِيق سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس: أَن نَاسا من أهل الشّرك قد قتلوا فَأَكْثرُوا وزنوا ثمَّ أَتَوا مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالُوا: إِن الَّذِي تَقول وَتَدْعُو إِلَيْهِ لَحَسَنٌ لَو تخبرنا أَن لما عَملنَا كَفَّارَة
فَنزل {وَالَّذين لَا يدعونَ مَعَ الله إِلَهًا آخر} وَنزلت {قل يَا عبَادي الَّذين أَسْرفُوا على أنفسهم} الزمر الآيه 53
وَأخرج البُخَارِيّ وَابْن الْمُنْذر من طَرِيق الْقَاسِم بن أبي بزَّة أَنه سَأَلَ سعيد بن جُبَير هَل لمن قتل مُؤمنا مُتَعَمدا من تَوْبَة فَقَرَأت عَلَيْهِ {وَلَا يقتلُون النَّفس الَّتِي حرم الله إِلَّا بِالْحَقِّ} فَقَالَ سعيد: قرأتها على ابْن عَبَّاس كَمَا قرأتها عليَّ فَقَالَ: هَذِه مَكِّيَّة نسختها آيَة مَدَنِيَّة الَّتِي فِي سُورَة النِّسَاء
وَأخرج ابْن الْمُبَارك عَن شفي الأصبحي قَالَ: إِن فِي جَهَنَّم جبلا يدعى: صعُودًا
يطلع فِيهِ الْكَافِر أَرْبَعِينَ خَرِيفًا قبل أَن يرقاه وَإِن فِي جَهَنَّم قصراً يُقَال لَهُ: هوى
يرْمى الْكَافِر من أَعْلَاهُ فَيهْوِي أَرْبَعِينَ خَرِيفًا قبل أَن يبلغ أَصله
قَالَ تَعَالَى {وَمن يحلل عَلَيْهِ غَضَبي فقد هوى} طه الْآيَة 81 وَأَن فِي جَهَنَّم وَاديا يدعى: أثاماً
فِيهِ حيات وعقارب فِي فقار احداهن مِقْدَار سبعين قلَّة من السم وَالْعَقْرَب مِنْهُنَّ مثل البغلة الموكفة وَإِن فِي جَهَنَّم وَاديا يدعى: غياً
يسيل قَيْحا ودماً(6/276)
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن مَسْعُود قَالَ سَأَلت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَي الْأَعْمَال أفضل قَالَ: الصَّلَوَات لمواقيتهن
قلت: ثمَّ أَي قَالَ: بر الْوَالِدين قلت: ثمَّ أَي قَالَ: ثمَّ الْجِهَاد فِي سَبِيل الله وَلَو استزدته لزادني
وَسَأَلته أَي الذَّنب أعظم عِنْد الله قَالَ: الشّرك بِاللَّه قلت: ثمَّ أَي قَالَ: أَن تقتل ولدك أَن يطعم مَعَك فَمَا لبثنا إِلَّا يَسِيرا حَتَّى أنزل الله {وَالَّذين لَا يدعونَ مَعَ الله إِلَهًا آخر وَلَا يقتلُون النَّفس الَّتِي حرم الله إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يزنون}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عون بن عبد الله قَالَ: سَأَلت الْأسود بن يزِيد هَل كَانَ ابْن مَسْعُود يفضل عملا على عمل قَالَ: نعم
سَأَلت ابْن مَسْعُود قَالَ: سَأَلتنِي عَمَّا سَأَلت عَنهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقلت يَا رَسُول الله أَي الْأَعْمَال أحبها إِلَى الله وأقربها من الله قَالَ: الصَّلَاة لوَقْتهَا قلت: ثمَّ مَاذَا على اثر ذَلِك قَالَ: ثمَّ بر الْوَالِدين قلت: ثمَّ مَاذَا على اثر ذَلِك قَالَ: الْجِهَاد فِي سَبِيل الله وَلَو استزدته لزادني قلت: فَأَي الْأَعْمَال أبغضها إِلَى الله وأبعدها من الله قَالَ: أَن تجْعَل لله ندا وَهُوَ خلقك وَأَن تقتل ولدك أَن يَأْكُل مَعَك وَإِن تُزَانِي حَلِيلَة جَارك ثمَّ قَرَأَ {وَالَّذين لَا يدعونَ مَعَ الله إِلَهًا آخر}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي قَتَادَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لرجل إِن الله ينهاك أَن تعبد الْمَخْلُوق وَتَذَر الْخَالِق وينهاك أَن تقتل ولدك وتغذو كلبك وينهاك أَن تَزني بحليلة جَارك
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن عبد الله بن عمر فِي قَوْله {يلق أثاماً} قَالَ: وَاد فِي جَهَنَّم
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد {يلق أثاماً} قَالَ: وَاد فِي جَهَنَّم من قيح وَدم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن عطرمة قَالَ: أثام أَوديَة فِي جَهَنَّم فِيهَا الزناة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة {يلق أثاماً} قَالَ: نكالاً
وَكُنَّا نُحدث أَنه وَاد فِي جَهَنَّم وَذكر لنا أَن لُقْمَان كَانَ يَقُول: يَا بني إياك وَالزِّنَا فَإِن أوّله مَخَافَة وَآخره ندامة(6/277)
وَأخرج ابْن الْمُبَارك فِي الزّهْد عَن شفي الأصبحي قَالَ: إِن فِي جَهَنَّم وَاديا يدعى: أثاماً
فِيهِ حيات وعقارب فِي فقار احداهن مِقْدَار سبعين قلَّة من السم وَالْعَقْرَب مِنْهُنَّ مثل البغلة الموكفة
وَأخرج ابْن الْأَنْبَارِي عَن ابْن عَبَّاس إِن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله {يلق أثاماً} مَا الأثام قَالَ: الْجَزَاء قَالَ فِيهِ عَامر بن الطُّفَيْل: وروّينا الأسنة من صداء وَلَا قت حمير منا أثاما وَأخرج الطَّبَرَانِيّ بِسَنَد ضَعِيف عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَرَأَ {وَمن يفعل ذَلِك يلق أثاماً}
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ {يُضَاعف} بِالرَّفْع {لَهُ الْعَذَاب يَوْم الْقِيَامَة ويخلد فِيهِ} بِنصب الْيَاء وَرفع اللَّام
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير {ويخلد فِيهِ} يَعْنِي فِي الْعَذَاب {مهاناً} يَعْنِي يهان فِيهِ
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لما نزلت {وَالَّذين لَا يدعونَ مَعَ الله إِلَهًا آخر} اشْتَدَّ ذَلِك على الْمُسلمين فَقَالُوا: مَا منا أحد إِلَّا أشرك وقتلن وزنى فَأنْزل الله {يَا عبَادي الَّذين أَسْرفُوا} الزمر الْآيَة 53
يَقُول لهَؤُلَاء الَّذين أَصَابُوا هَذَا فِي الشّرك ثمَّ نزلت بعده {إِلَّا من تَابَ وآمن وَعمل عملا صَالحا فَأُولَئِك يُبدل الله سيئاتهم حَسَنَات} فأبدلهم الله بالْكفْر الإِسلام وبالمعصية الطَّاعَة وبالانكار الْمعرفَة وبالجهالة الْعلم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: نزلت آيَة من تبَارك بِالْمَدِينَةِ فِي شَأْن قَاتل حَمْزَة وَحشِي وَأَصْحَابه كَانُوا يَقُولُونَ: انا لنعرف الإِسلام وفضله فَكيف لنا بِالتَّوْبَةِ وَقد عَبدنَا الْأَوْثَان وقتلنا أَصْحَاب مُحَمَّد وشربنا الْخُمُور ونكحنا المشركات فَأنْزل الله فيهم {وَالَّذين لَا يدعونَ مَعَ الله إِلَهًا آخر} الْآيَة
ثمَّ نزلت تَوْبَتهمْ {إِلَّا من تَابَ وآمن وَعمل عملا صَالحا فَأُولَئِك يُبدل الله سيئاتهم حَسَنَات} فأبدلهم الله بِقِتَال الْمُسلمين قتال الْمُشْركين وَنِكَاح المشركات نِكَاح الْمُؤْمِنَات وبعبادة الْأَوْثَان عبَادَة الله
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَامر أَنه سُئِلَ عَن هَذِه الْآيَة {وَالَّذين لَا يدعونَ مَعَ الله إِلَهًا آخر}(6/278)
قَالَ: هَؤُلَاءِ كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّة فأشركوا وَقتلُوا وزنوا
فَقَالُوا: لن يغْفر الله لنا
فَأنْزل الله {إِلَّا من تَابَ}
قَالَ: كَانَت التَّوْبَة والإِيمان وَالْعَمَل الصَّالح وَكَانَ الشّرك وَالْقَتْل وَالزِّنَا
كَانَت ثَلَاث مَكَان ثَلَاث
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي مَالك قَالَ: لما نزلت {وَالَّذين لَا يدعونَ مَعَ الله إِلَهًا آخر} قَالَ بعض أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: كُنَّا أشركنا فِي الْجَاهِلِيَّة وقتلنا فَنزلت {إِلَّا من تَابَ}
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَرَأنَا على عهد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سِنِين {وَالَّذين لَا يدعونَ مَعَ الله إِلَهًا آخر وَلَا يقتلُون النَّفس الَّتِي حرم الله إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يزنون وَمن يفعل ذَلِك يلق أثاماً} ثمَّ نزلت {إِلَّا من تَابَ وآمن} فَمَا رَأَيْت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَرح بِشَيْء قطّ فرحه بهَا وفرحه ب {إِنَّا فتحنا لَك فتحا مُبينًا} الْفَتْح الْآيَة 1
وَأخرج أَبُو دَاوُد فِي تَارِيخه عَن ابْن عَبَّاس {وَالَّذين لَا يدعونَ مَعَ الله إِلَهًا آخر وَلَا يقتلُون النَّفس الَّتِي حرم الله إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يزنون وَمن يفعل ذَلِك يلق أثاماً} ثمَّ اسْتثْنى {إِلَّا من تَابَ وآمن وَعمل عملا صَالحا فَأُولَئِك يُبدل الله سيئاتهم حَسَنَات}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه بِسَنَد ضَعِيف عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: صليت مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْعَتَمَة ثمَّ انصرفت فاذا امْرَأَة عِنْد بَابي فَقَالَت: جئْتُك أَسأَلك عَن عمل عملته هَل ترى لي مِنْهُ تَوْبَة قلت: وَمَا هُوَ قَالَت: زَنَيْت وَولد لي وقتلته قلت: لَا
وَلَا كَرَامَة
فَقَامَتْ وَهِي تَقول: واحسرتاه
أيخلق هَذَا الْجَسَد للنار فَلَمَّا صليت مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الصُّبْح من تِلْكَ اللَّيْلَة قصصت عَلَيْهِ أَمر الْمَرْأَة قَالَ: مَا قلت لَهَا قلت لَا
وَلَا كَرَامَة قَالَ: بئس مَا قلت
أما كنت تقْرَأ هَذِه الْآيَة {وَالَّذين لَا يدعونَ مَعَ الله إِلَهًا آخر} إِلَى قَوْله {إِلَّا من تَابَ} الْآيَة
قَالَ أَبُو هُرَيْرَة: فَخرجت فَمَا بقيت دَار بِالْمَدِينَةِ وَلَا خطة إِلَّا وقفت عَلَيْهَا فَقلت: إِن كَانَ فِيكُم الْمَرْأَة الَّتِي جَاءَت أَبَا هُرَيْرَة فلتأت ولتبشر
فَلَمَّا انصرفت من الْعشي إِذا هِيَ عِنْد بَابي فَقلت: ابشري إِنِّي ذكرت للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا قلت لي وَمَا قلت لَك فَقَالَ: بئس مَا قلت أما كنت تقْرَأ هَذِه الْآيَة وقرأتها عَلَيْهَا فخرت سَاجِدَة وَقَالَت: أَحْمد الله الَّذين جعل لي تَوْبَة ومخرجاً أشهد أَن هَذِه الْجَارِيَة لجارية مَعهَا وَابْن لَهَا حران لوجه الله وَإِنِّي قد تبت مِمَّا عملت(6/279)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {فَأُولَئِك يُبدل الله سيئاتهم حَسَنَات} قَالَ: هم الْمُؤْمِنُونَ
كَانُوا من قبل إِيمَانهم على السَّيِّئَات فَرغب الله بهم عَن ذَلِك فحولهم إِلَى الْحَسَنَات فأبدلهم مَكَان السَّيِّئَات الْحَسَنَات
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله {إِلَّا من تَابَ} قَالَ: من ذَنبه {وآمن} قَالَ: بربه
{وَعمل صَالحا} قَالَ: فِيمَا بَينه وَبَين ربه {فَأُولَئِك يُبدل الله سيئاتهم حَسَنَات} قَالَ: إِنَّمَا التبديل طَاعَة الله بعد عصيانه وَذكر الله بعد نسيانه وَالْخَيْر تعمله بعد الشَّرّ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن {فَأُولَئِك يُبدل الله سيئاتهم حَسَنَات} قَالَ: التبديل فِي الدُّنْيَا يُبدل الله بِالْعَمَلِ السيء الْعَمَل الصَّالح وبالشرك اخلاصاً وبالفجور عفافاً وَنَحْو ذَلِك
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وعبد بن حميد عَن مُجَاهِد {يُبدل الله سيئاتهم حَسَنَات} قَالَ: الإِيمان بعد الشّرك
وَأخرج عبد بن حميد عَن مَكْحُول {يُبدل الله سيئاتهم حَسَنَات} قَالَ: اذا تابعوا جعل الله مَا عمِلُوا من سيئاتهم حَسَنَات
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَليّ بن الْحُسَيْن {يُبدل الله سيئاتهم حَسَنَات} قَالَ: فِي الْآخِرَة وَقَالَ الْحسن: فِي الدُّنْيَا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن أبي عُثْمَان النَّهْدِيّ قَالَ: إِن الْمُؤمن يعْطى كِتَابه فِي ستر من الله فَيقْرَأ سيئاته فَإِذا قَرَأَ تغير لَهَا لَونه حَتَّى يمر بحسناته فيقرأها فَيرجع إِلَيْهِ لَونه ثمَّ ينظر فَإِذا سيئاته قد بُدِّلَتْ حَسَنَات فَعِنْدَ ذَلِك يَقُول {هاؤم اقرؤوا كِتَابيه} الحاقة الْآيَة 19
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن سلمَان قَالَ: يعْطى رجل يَوْم الْقِيَامَة صحيفَة فَيقْرَأ أَعْلَاهَا فَإِذا سيئاته فَإِذا كَاد يسوء ظَنّه نظر فِي أَسْفَلهَا فَإِذا حَسَنَاته ثمَّ ينظر فِي أَعْلَاهَا فَإِذا هِيَ قد بدلت حَسَنَات
وَأخرج أَحْمد وهناد وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن جرير وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن أبي ذَر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُؤْتى بِالرجلِ يَوْم الْقِيَامَة فَيُقَال اعرضوا عَلَيْهِ(6/280)
صغَار ذنُوبه فَيعرض عَلَيْهِ صغارها وينحى عَنهُ كِبَارهَا فَيُقَال: عملت يَوْم كَذَا وَكَذَا
كَذَا وَكَذَا وَهُوَ مقرّ لَيْسَ يُنكر وَهُوَ مُشْفِقٌ من الْكِبَار أَن تَجِيء فَيُقَال: اعطوه مَكَان كل سَيِّئَة عَملهَا حسنه
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ليَأْتِيَن نَاس يَوْم الْقِيَامَة ودوا انهم استكثروا من السَّيِّئَات قبل: وَمن هم يَا رَسُول الله قَالَ: الَّذين بدل الله سيئاتهم حَسَنَات
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَمْرو بن مَيْمُون {فَأُولَئِك يُبدل الله سيئاتهم حَسَنَات} قَالَ: حَتَّى يتَمَنَّى العَبْد أَن سيئاته كَانَت أَكثر مِمَّا هِيَ
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي الْعَالِيَة أَنه قيل لَهُ: إِن أُنَاسًا يَزْعمُونَ أَنهم يتمنون أَن يستكثروا من الذُّنُوب قَالَ: وَلم ذَاك قَالَ: يتأوّلون هَذِه الْآيَة {يُبدل الله سيئاتهم حَسَنَات} فَقَالَ أَبُو الْعَالِيَة: وَكَانَ إِذا أخبر بِمَا لَا يعلم قَالَ: آمَنت بِمَا أنزل الله من كتاب
ثمَّ تَلا هَذِه الْآيَة {يَوْم تَجِد كل نفس مَا عملت من خير محضراً وَمَا عملت من سوء تودُّ لَو أَن بَينهَا وَبَينه أمداً بَعيدا}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مَكْحُول قَالَ: جَاءَ شيخ كَبِير فَقَالَ: يَا رَسُول الله رجل غدر وفجر فَلم يدع حَاجَة وَلَا داجة إِلَّا اقتطعها بِيَمِينِهِ وَلَو قسمت خطيئته بَين أهل الأَرْض وَلَا وبقتهم
فَهَل لَهُ من تَوْبَة فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أسلمت
قَالَ: نعم
قَالَ: فَإِن الله غَافِر لَك ومبدل سيئاتك حَسَنَات قَالَ: يَا رَسُول الله وغدارتي
وفجراتي
قَالَ: وغدراتك وفجراتك
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن سَلمَة بن جهيل قَالَ: جَاءَ شَاب فَقَالَ: يَا رَسُول الله أَرَأَيْت من لم يدع سَيِّئَة إِلَّا عَملهَا وَلَا خَطِيئَة إِلَّا ركبهَا وَلَا أشرف لَهُ سهم فَمَا فَوْقه إِلَّا اقتطعه بِيَمِينِهِ وَمن لَو قسمت خطاياه على أهل الْمَدِينَة لغمرتهم فَقَالَ النَّبِي: صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أأسلمت
قَالَ: أما أَنا فاشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله قَالَ: اذْهَبْ فقد بدل الله سيئاتك حَسَنَات قَالَ: يَا رَسُول الله وغدارتي
وفجراتي
قَالَ: وغدارتك وفجراتك ثَلَاثًا
فولى الشَّاب وَهُوَ يَقُول: الله أكبر
وَأخرج الْبَغَوِيّ وَابْن قَانِع وَالطَّبَرَانِيّ عَن أبي طَوِيل شطب الْمَمْدُود أَنه أَتَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: أَرَأَيْت رجلا عمل الذُّنُوب كلهَا فَذكر نَحوه(6/281)
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي مُوسَى قَالَ: التبديل يَوْم الْقِيَامَة إِذا وقف العَبْد بَين يَدي الله وَالْكتاب بَين يَدَيْهِ ينظر فِي السَّيِّئَات والحسنات فَيَقُول: قد غفرت لَك وَيسْجد بَين يَدَيْهِ فَيَقُول: قد بدلت فَيسْجد فَيَقُول: قد بدلت فَيسْجد فَيَقُول الْخَلَائق: طُوبَى لهَذَا العَبْد الَّذِي لم يعْمل سَيِّئَة قطّ
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن أبي مَالك الْأَشْعَرِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا نَام ابْن آدم قَالَ الْملك للشَّيْطَان: اعطني صحيفتك فيعطيه إِيَّاهَا فَمَا وجد فِي صَحِيفَته من حَسَنَة محا بهَا عشر سيئات من صحيفَة الشَّيْطَان وكتبهن حَسَنَات فَإِذا أَرَادَ أحدكُم أَن ينَام فليكبر ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ تَكْبِيرَة ويحمد أَرْبعا وَثَلَاثِينَ تَحْمِيدَة ويسبح ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ تَسْبِيحَة فَتلك مائَة
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن سعيد بن عبد الْعَزِيز عَن مَكْحُول فِي قَوْله {يُبدل الله سيئاتهم حَسَنَات} قَالَ: يَجْعَل مَكَان السَّيِّئَات شال: فَرَأَيْت مَكْحُولًا غضب حَتَّى جعل يرتعد(6/282)
وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا (72) وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا (73) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا (74)
- قَوْله تَعَالَى: وَالَّذين لَا يشْهدُونَ الزُّور وَإِذا مروا بِاللَّغْوِ مروا كراماً وَالَّذين إِذا ذكرُوا بآيَات رَبهم لم يخروا عَلَيْهَا صمًّا وعمياناً وَالَّذين يَقُولُونَ رَبنَا هَب لنا من أَزوَاجنَا وَذُرِّيَّاتنَا قُرَّة أعين واجعلنا لِلْمُتقين إِمَامًا
أخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَالَّذين لَا يشْهدُونَ الزُّور} قَالَ: إِن الزُّور كَانَ صنماً بِالْمَدِينَةِ يَلْعَبُونَ حوله كل سَبْعَة أَيَّام وَكَانَ أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا مروا بِهِ مروا كراماً لَا ينظرُونَ إِلَيْهِ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك {وَالَّذين لَا يشْهدُونَ الزُّور} قَالَ: الشّرك
وَأخرج الْخَطِيب عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَالَّذين لَا يشْهدُونَ الزُّور} قَالَ: أعياد الْمُشْركين
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَالَّذين لَا يشْهدُونَ الزُّور} قَالَ: الْكَذِب(6/282)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {وَالَّذين لَا يشْهدُونَ الزُّور} قَالَ: لَا يساعدون أهل الْبَاطِل على باطلهم وَلَا يمالؤنهم فِيهِ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَمْرو بن قيس الْملَائي {وَالَّذين لَا يشْهدُونَ الزُّور} قَالَ: مجَالِس السوء
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة {وَالَّذين لَا يشْهدُونَ الزُّور} قَالَ: لعب كَانَ فِي الجاهليلة
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد بن الْحَنَفِيَّة {وَالَّذين لَا يشْهدُونَ الزُّور} قَالَ: الْغناء وَاللَّهْو
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي الجحاف {وَالَّذين لَا يشْهدُونَ الزُّور} قَالَ: الْغناء
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن {وَالَّذين لَا يشْهدُونَ الزُّور} قَالَ: الْغناء النِّيَاحَة
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي ذمّ الْغَضَب وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الْإِيمَان عَن مُجَاهِد {وَالَّذين لَا يشْهدُونَ الزُّور} قَالَ: مجَالِس الْغناء {وَإِذا مروا بِاللَّغْوِ مروا كراماً} قَالَ: إِذا أوذوا صفحوا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله {وَإِذا مروا بِاللَّغْوِ مروا كراماً} قَالَ: يعرضون عَنْهُم لَا يكلمونهم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ {وَإِذا مروا بِاللَّغْوِ مروا كراماً} قَالَ: هِيَ مَكِّيَّة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن عَسَاكِر عَن إِبْرَاهِيم بن ميسرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: بَلغنِي ان ابْن مَسْعُود مر معرضًا وَلم يقف فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لقد أصبح ابْن مَسْعُود أَو أَمْسَى كَرِيمًا ثمَّ تَلا إِبْرَاهِيم {وَإِذا مروا بِاللَّغْوِ مروا كراماً}
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الضَّحَّاك {وَإِذا مروا بِاللَّغْوِ مروا كراماً} قَالَ: لم يكن اللَّغْو من حَالهم وَلَا بالهم(6/283)
وَأخرج ابْن جرير عَن الْحسن فِي قَوْله {وَإِذا مروا بِاللَّغْوِ} قَالَ: اللَّغْو كُله الْمعاصِي
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَإِذا مروا بِاللَّغْوِ مروا كراماً} قَالَ: كَانُوا إِذا أَتَوا على ذكر النِّكَاح كفوا عَنهُ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَالَّذين إِذا ذكرُوا بآيَات رَبهم لم يخروا عَلَيْهَا صمًّا وعمياناً} قَالَ: لم يصموا عَن الْحق وَلم يعموا عَنهُ هم قوم عقلوا عَن الله فانتفعوا بِمَا سمعُوا من كتاب الله
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {لم يخروا عَلَيْهَا صمًّا وعمياناً} قَالَ: كم من قارىء يَقْرَأها بِلِسَانِهِ يخر عَلَيْهَا أَصمّ أعمى
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس {وَالَّذين يَقُولُونَ رَبنَا هَب لنا من أَزوَاجنَا وَذُرِّيَّاتنَا قُرَّة أعين} قَالَ: يعنون من يعْمل بِالطَّاعَةِ فتقر بِهِ أَعيننَا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة
{واجعلنا لِلْمُتقين إِمَامًا} قَالَ: أَئِمَّة هدى يهتدى بِنَا وَلَا تجعلنا أَئِمَّة ضَلَالَة لِأَنَّهُ قَالَ لأهل السَّعَادَة {وجعلناهم أَئِمَّة يهْدُونَ بأمرنا} الْأَنْبِيَاء الْآيَة 73 وَلأَهل الشقاوة {وجعلناهم أَئِمَّة يدعونَ إِلَى النَّار} الْقَصَص الْآيَة 41
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ {وَالَّذين يَقُولُونَ رَبنَا هَب لنا من أَزوَاجنَا وَذُرِّيَّاتنَا قُرَّة أعين} قَالَ: لم يُرِيدُوا بذلك صباحة وَلَا جمالاً وَلَكِن أَرَادوا أَن يَكُونُوا مُطِيعِينَ
وَأخرج ابْن الْمُبَارك فِي الْبر والصلة وَسَعِيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن الْحسن أَنه سُئِلَ عَن هَذِه الْآيَة {هَب لنا من أَزوَاجنَا وَذُرِّيَّاتنَا قُرَّة أعين} أهذه القرة أعين فِي الدُّنْيَا أم فِي الْآخِرَة قَالَ: لَا وَالله بل فِي الدُّنْيَا
قيل: وَمَا هِيَ قَالَ: هِيَ أَن يرى الرجل الْمُسلم من زَوجته من ذُريَّته من أَخِيه من حميمه طَاعَة الله وَلَا وَالله مَا شَيْء أحب إِلَى الْمَرْء الْمُسلم من أَن يرى ولدا أَو والداً أَو حميماً أَو أَخا مُطيعًا لله
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَالَّذين يَقُولُونَ رَبنَا هَب لنا من أَزوَاجنَا وَذُرِّيَّاتنَا قُرَّة أعين}(6/284)
قَالَ: يحسنون عبادتك وَلَا يجرونَ عَلَيْهَا الجرائر {واجعلنا لِلْمُتقين إِمَامًا} قَالَ: اجْعَلْنَا مؤتمين بهم مقتدين بهم
وَأخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ فِي الْأَدَب الْمُفْرد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن الْمِقْدَاد بن الْأسود قَالَ: لقد بعث الله النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على أَشد حَال بعث عَلَيْهَا نَبيا من الْأَنْبِيَاء فِي قومه من جَاهِلِيَّة مَا يرَوْنَ أَن دينا أفضل من عبَادَة الْأَوْثَان فجَاء بفرقان فرق بِهِ بَين الْحق وَالْبَاطِل وَفرق بِهِ بَين الْوَالِد وَولده حَتَّى إِن كَانَ الرجل ليرى وَالِده أَو وَلَده أَو أَخَاهُ كَافِرًا وَقد فتح الله قفل قلبه بالإِيمان وَيعلم أَنه إِن هلك دخل النَّار فَلَا تقر عينه وَهُوَ يعلم أَن حَبِيبه فِي النَّار
إِنَّهَا للَّتِي قَالَ الله {وَالَّذين يَقُولُونَ رَبنَا هَب لنا من أَزوَاجنَا وَذُرِّيَّاتنَا قُرَّة أعين}
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ (هَب لنا من أَزوَاجنَا وَذُرِّيَّتنَا وَاحِدَة)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة {واجعلنا لِلْمُتقين إِمَامًا} يَقُول: قادة فِي الْخَيْر ودعاة وَهُدَاة يؤتم بهم فِي الْخَيْر
وَأخرج الْفرْيَابِيّ عَن أبي صَالح فِي قَوْله {واجعلنا لِلْمُتقين إِمَامًا} قَالَ: أَئِمَّة يقْتَدى بهدانا وَالله تَعَالَى أعلم(6/285)
أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا (75) خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (76)
- قَوْله تَعَالَى: أُولَئِكَ يجزون الغرفة بِمَا صَبَرُوا ويلقون فِيهَا تَحِيَّة وَسلَامًا خَالِدين فِيهَا حسنت مُسْتَقرًّا ومقاما
أخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول عَن سهل بن سعد عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله {أُولَئِكَ يجزون الغرفة} قَالَ: هِيَ من ياقوته حَمْرَاء أَو زبرجدة خضراء أَو درة بَيْضَاء لَيْسَ فِيهَا قَصم وَلَا وهم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {أُولَئِكَ يجزون الغرفة} قَالَ: الْجنَّة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن أبي جَعْفَر فِي قَوْله {أُولَئِكَ يجزون الغرفة بِمَا صَبَرُوا} قَالَ: على الْفقر فِي دَار الدُّنْيَا(6/285)
وَأخرج زَاهِر بن طَاهِر الشحامي عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن فِي الْجنَّة لغرفاً لَيْسَ فِيهَا مغاليق من فَوْقهَا وَلَا عماد من تحتهَا قيل: يَا رَسُول الله وَكَيف يدخلهَا أَهلهَا قَالَ: يدْخلُونَهَا أشباه الطير قيل يَا رَسُول الله: لمن هِيَ قَالَ: لأهل الاسقام والأوجاع والبلوى
وَأخرج أَحْمد عَن أبي مَالك الْأَشْعَرِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن فِي الْجنَّة غرفَة يرى ظَاهرهَا من بَاطِنهَا وباطنها من ظَاهرهَا أعدهَا الله لمن أطْعم الطَّعَام وألان الْكَلَام وتابع الصّيام وَصلى وَالنَّاس نيام
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير {أُولَئِكَ} يَعْنِي الَّذين فِي هَؤُلَاءِ الْآيَات {يجزون الغرفة} يَعْنِي فِي الْآخِرَة {الغرفة} الْجنَّة {بِمَا صَبَرُوا} على أَمر رَبهم {ويلقون فِيهَا} يَعْنِي تتلقاهم الْمَلَائِكَة بالتحية وَالسَّلَام {خَالِدين فِيهَا} لَا يموتون {حسنت مُسْتَقرًّا} يَعْنِي مستقرهم فِي الْجنَّة {ومقاماً} يَعْنِي مقَام أهل الْجنَّة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَاصِم قَالَ: لَقِي ابْن سِيرِين رجل فَقَالَ: حياك الله فَقَالَ: إِن أفضل التَّحِيَّة تَحِيَّة أهل الْجنَّة السَّلَام
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ (أُولَئِكَ يجزون الغرفة (وَاحِدَة) بِمَا صَبَرُوا ويلقون) خَفِيفَة مَنْصُوبَة الْيَاء وَالله تَعَالَى أعلم(6/286)
قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا (77)
- قَوْله تَعَالَى: قل مَا يعبؤ بكم رَبِّي لَوْلَا دعاؤكم فقد كَذبْتُمْ فَسَوف يكون لزاما
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {قل مَا يعبأ بكم رَبِّي لَوْلَا دعاؤكم} يَقُول: لَوْلَا إيمَانكُمْ
فاخبر الله أَنه لَا حَاجَة لَهُ بهم إِذْ لم يخلقهم مُؤمنين وَلَو كنت لَهُ بهم حَاجَة لحبب إِلَيْهِم الإِيمان كَمَا حببه إِلَى الْمُؤمنِينَ {فَسَوف يكون لزاماً} قَالَ: موتا
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {قل مَا يعبأ بكم رَبِّي} قَالَ: مَا يفعل {لَوْلَا دعاؤكم} قَالَ: لَوْلَا دعاؤه إيَّاكُمْ لتعبدوه وتطيعوه
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن الْوَلِيد بن أبي الْوَلِيد قَالَ:(6/286)
بَلغنِي أَن تَفْسِير هَذِه الْآيَة {قل مَا يعبأ بكم رَبِّي لَوْلَا دعاؤكم} أَي مَا خلقتكم لي بكم حَاجَة إِلَّا أَن تَسْأَلُونِي فَأغْفِر لكم وتسألوني فأعطيكم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن الزبير انه قَرَأَ فِي صَلَاة الصُّبْح الْفرْقَان فَلَمَّا أَتَى على هَذِه الْآيَة قَرَأَ (فقد كذب الْكَافِرُونَ فَسَوف يكون لزاماً)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن الْأَنْبَارِي فِي الْمَصَاحِف عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَرَأَ (فقد كذب الْكَافِرُونَ فَسَوف يكون لزاماً)
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُحَمَّد بن كَعْب فِي قَوْله {فَسَوف يكون لزاماً} قَالَ: موتا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة {فَسَوف يكون لزاماً} قَالَ أبي بن كَعْب: هُوَ الْقَتْل يَوْم بدر
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ قَالَ (اللزام) هُوَ الْقَتْل الَّذِي أَصَابَهُم يَوْم بدر
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: قد مضى اللزام كَانَ يَوْم بدر
قتلوا سبعين وأسروا سبعين
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَسَعِيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: خمس قد مضين: الدُّخان وَالْقَمَر وَالروم وَالْبَطْشَة وَاللزَام
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة قَالَ: كُنَّا نُحدث أَن (اللزام) يَوْم بدر
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد {فَسَوف يكون لزاماً} قَالَ: يَوْم بدر
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي مَالك
مثله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن {فَسَوف يكون لزاماً} قَالَ: ذَاك يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: مضى خمس آيَات وَبَقِي خمس مِنْهَا
انْشِقَاق الْقَمَر وَقد رَأَيْنَاهُ وَمضى الدُّخان وَمَضَت البطشة الْكُبْرَى وَمضى الْيَوْم الْعَقِيم وَمضى اللزام وَالله أعلم(6/287)
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم -
سُورَة الشُّعَرَاء
مَكِّيَّة وآياتها سبع وَعِشْرُونَ ومائتان
- مُقَدّمَة سُورَة الشُّعَرَاء أخرج ابْن ضريس وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: نزلت سُورَة {طسم} الشُّعَرَاء
بِمَكَّة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عبد الله بن الزبير قَالَ: أنزلت سُورَة الشُّعَرَاء بِمَكَّة
وَأخرج النّحاس عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: سُورَة الشُّعَرَاء نزلت بِمَكَّة سوى خمس آيَات من آخرهَا نزلت بِالْمَدِينَةِ {وَالشعرَاء يتبعهُم الْغَاوُونَ} إِلَى آخرهَا
وَأخرج أَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن معدي كرب قَالَ: أَتَيْنَا عبد الله بن مَسْعُود نَسْأَلهُ عَن {طسم} الشُّعَرَاء
قَالَ: لَيست معي وَلَكِن عَلَيْكُم مِمَّن أَخذهَا من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلَيْكُم بِأبي عبد الله خباب بن الْأَرَت(6/288)
طسم (1)
- طسم
أخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة قَالَ: إسم من أَسمَاء الْقُرْآن
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُحَمَّد بن كَعْب فِي قَوْله {طسم} قَالَ: الطَّاء من ذِي الطول وَالسِّين من القدوس وَالْمِيم من الرَّحْمَن(6/288)
تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (3) إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ (4) وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ (5) فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (6) أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (7) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (8) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (9)
- قَوْله تَعَالَى: تِلْكَ آيَات الْكتاب الْمُبين لَعَلَّك باخع نَفسك أَلاَّ يَكُونُوا مُؤمنين إِن نَشأ ننزل عَلَيْهِم من السَّمَاء آيَة فظلت أَعْنَاقهم لَهَا خاضعين وَمَا يَأْتِيهم من ذكر من الرَّحْمَن مُحدث إِلَّا كَانُوا عَنهُ معرضين فقد كذبُوا فسيأتيهم أنباء مَا كَانُوا بِهِ يستهزؤون أولم يرَوا إِلَى الأَرْض كم أنبتنا فِيهَا من كل زوج كريم إِن فِي ذَلِك لآيَة وَمَا كَانَ أَكْثَرهم مُؤمنين وَإِن رَبك لَهو العزيزالرحيم
أخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {لَعَلَّك باخع نَفسك} قَالَ: لَعَلَّك قَاتل نَفسك {أَلا يَكُونُوا مُؤمنين}(6/288)
{إِن نَشأ ننزل عَلَيْهِم من السَّمَاء آيَة فظلت أَعْنَاقهم لَهَا خاضعين} قَالَ: لَو شَاءَ الله أنزل عَلَيْهِم آيَة يذلون بهَا فَلَا يلوي أحدهم عُنُقه إِلَى مَعْصِيّة الله {وَمَا يَأْتِيهم من ذكر من الرَّحْمَن مُحدث} يَقُول: مَا يَأْتِيهم من شَيْء من كتاب الله إِلَّا أَعرضُوا عَنهُ {فسيأتيهم} يَعْنِي يَوْم الْقِيَامَة {أنباء} مَا استهزأوا بِهِ من كتاب الله وَفِي قَوْله {كم أنبتنا فِيهَا من كل زوج كريم} قَالَ: حسن
وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس أَن نَافِع بن الْأَزْرَق سَأَلَهُ عَن قَوْله {فظلت أَعْنَاقهم لَهَا خاضعين} قَالَ: الْعُنُق الْجَمَاعَة من النَّاس قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم
أما سَمِعت الْحَرْث بن هِشَام وَهُوَ يَقُول وَيذكر أَبَا جهل: يخبرنا الْمخبر أَن عمرا أَمَام الْقَوْم من عنق مخيل وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {فظلت أَعْنَاقهم لَهَا خاضعين} قَالَ: ذليلين
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد قَالَ: الخاضع: الذَّلِيل
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {كم أنبتنا فِيهَا من كل زوج كريم} قَالَ: من نَبَات الأَرْض مِمَّا يَأْكُل النَّاس والأنعام
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن الشّعبِيّ {كم أنبتنا فِيهَا من كل زوج كريم} قَالَ: النَّاس من نَبَات الأَرْض
فَمن دخل الْجنَّة فَهُوَ كريم وَمن دخل النَّار فَهُوَ لئيم
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن جريج قَالَ: كل شَيْء فِي الشُّعَرَاء من قَوْله {الْعَزِيز الرَّحِيم} فَهُوَ مَا هلك مِمَّن مضى من الْأُمَم يَقُول {عَزِيز} حِين انتقم من أعدائه {رَحِيم} بِالْمُؤْمِنِينَ حِين أنجاهم مِمَّا أهلك بِهِ أعداءه(6/289)
وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (10) قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلَا يَتَّقُونَ (11) قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (12) وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلَا يَنْطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ (13) وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (14) قَالَ كَلَّا فَاذْهَبَا بِآيَاتِنَا إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ (15) فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (16) أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ (17) قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ (18) وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ (19) قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ (20) فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ (21) وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ (22) قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ (23) قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ (24) قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلَا تَسْتَمِعُونَ (25) قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (26) قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ (27) قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (28) قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ (29) قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ (30) قَالَ فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (31) فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ (32) وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ (33) قَالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ (34) يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ (35) قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (36) يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ (37) فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (38) وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ (39) لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ (40) فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالُوا لِفِرْعَوْنَ أَئِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ (41) قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذًا لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (42) قَالَ لَهُمْ مُوسَى أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ (43) فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ (44) فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ (45) فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ (46) قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (47) رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ (48) قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (49) قَالُوا لَا ضَيْرَ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ (50) إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ (51)
- قَوْله تَعَالَى: وَإِذ نَادَى رَبك مُوسَى أَن إئت الْقَوْم الظَّالِمين قوم فِرْعَوْن أَلا يَتَّقُونَ قَالَ رب أَنِّي أَخَاف أَن يكذبُون ويضيق صَدْرِي وَلَا ينْطَلق لساني فَأرْسل إِلَيّ هَارُون وَلَهُم عَليّ ذَنْب فَأَخَاف أَن يقتلُون قَالَ كلا فاذهبا بِآيَاتِنَا إِنَّا(6/289)
مَعكُمْ مستمعون فَأتيَا فِرْعَوْن فقولا إِنَّا رَسُول رب الْعَالمين أَن أرسل مَعنا بني إِسْرَائِيل قَالَ ألم نربك فِينَا وليداً وَلَبِثت فِينَا من عمرك سِنِين وَفعلت فعلتك الَّتِي فعلت وَأَنت من الْكَافرين قَالَ فعلتها إِذا وَأَنا من الضَّالّين ففررت مِنْكُم لما خفتكم فوهب لي رَبِّي حكما وَجَعَلَنِي من الْمُرْسلين وَتلك نعْمَة تمنها عليَّ أَن عبدت بني إِسْرَائِيل قَالَ فِرْعَوْن وَمَا رب الْعَالمين قَالَ رب السَّمَوَات وَالْأَرْض وَمَا بَينهمَا إِن كُنْتُم موقنين قَالَ لمن حوله أَلا تستمعون قَالَ ربكُم وَرب آبائكم الْأَوَّلين قَالَ إِن رَسُولكُم الَّذِي أرسل إِلَيْكُم لمَجْنُون قَالَ رب الْمشرق وَالْمغْرب وَمَا بَينهمَا إِن كُنْتُم تعقلون قَالَ لَئِن اتَّخذت إِلَهًا غَيْرِي لأجعلنك من المسجونين قَالَ أولو جئْتُك بِشَيْء مُبين قَالَ فأت بِهِ إِن كنت من الصَّادِقين فَألْقى عَصَاهُ فَإِذا هِيَ ثعبان مُبين وَنزع يَده فَإِذا هِيَ بَيْضَاء للناظرين قَالَ للملأ حوله إِن هَذَا لساحر عليم يُرِيد أَن يخرجكم من أَرْضكُم بسحره فَمَاذَا تأمرون قَالُوا أرجه وأخاه وَابعث فِي الْمَدَائِن حاشرين يأتوك بِكُل سحار عليم فَجمع السَّحَرَة لميقات يَوْم مَعْلُوم وَقيل للنَّاس هَل أَنْتُم مجتمعون لَعَلَّنَا نتبع السَّحَرَة إِن كَانُوا هم الغالبين فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَة قَالُوا لفرعون أئنا لنا لأجراً إِن كُنَّا نَحن الغالبين قَالَ نعم وَإِنَّكُمْ إِذا لمن المقربين قَالَ لَهُم مُوسَى ألقوا مَا أَنْتُم ملقون فَألْقوا حبالهم وعصيهم وَقَالُوا بعزة فِرْعَوْن إِنَّا لنَحْنُ الغالبون فَألْقى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذا هِيَ تلقف مَا يأفكون فألقي السَّحَرَة ساجدين قَالُوا آمنا بِرَبّ الْعَالمين رب مُوسَى وَهَارُون قَالَ أآمنتم لَهُ قبل أَن آذن لكم إِنَّه لكبيركم الَّذِي علمكُم السحرفلسوف تعلمُونَ لأقطعن أَيْدِيكُم وأرجلكم من(6/290)
خلاف ولأصلبنكم أَجْمَعِينَ قَالُوا لَا ضير إِنَّا إِلَى رَبنَا منقلبون إِنَّا نطمع أَن يغْفر لنا رَبنَا خطايانا إِن كُنَّا أول الْمُؤمنِينَ
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ {وَإِذ نَادَى رَبك مُوسَى} قَالَ: حِين نُودي من جَانب الطّور الْأَيْمن
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَلَهُم عليّ ذَنْب} قَالَ: قتل النَّفس الَّتِي قتل فيهم وَفِي قَوْله {وَفعلت فعلتك الَّتِي فعلت} قَالَ: قتل النَّفس أَيْضا
وَفِي قَوْله {فعلتها إِذا وَأَنا من الضَّالّين} قَالَ: من الْجَاهِلين
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَلَهُم عليّ ذَنْب} قَالَ: قتل النَّفس
وَفِي قَوْله {ألم نربّك فِينَا وليداً} قَالَ: التقطه آل فِرْعَوْن فربوه وليداً حَتَّى كَانَ رجلا {وَفعلت فعلتك الَّتِي فعلت} قَالَ: قتلت النَّفس الَّتِي قتلت {وَأَنت من الْكَافرين} قَالَ: فتبرأ من ذَلِك نَبِي الله قَالَ: {فعلتها إِذا وَأَنا من الضَّالّين} قَالَ: من الْجَاهِلين
قَالَ: وَهِي فِي بعض الْقِرَاءَة {إِذا وَأَنا من الضَّالّين} فَإِنَّمَا هُوَ شَيْء جَهله وَلم يتعمده
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَفعلت فعلتك الَّتِي فعلت وَأَنت من الْكَافرين} قَالَ: من فِرْعَوْن على مُوسَى حِين رباه
يَقُول: كفرت نعمتي
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {وَتلك نعْمَة تمنها عليَّ أَن عبدت بني إِسْرَائِيل} قَالَ: قهرتهم واستعملتهم
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وَفعلت فعلتك الَّتِي فعلت وَأَنت من الْكَافرين} قَالَ: للنعمة
إِن فِرْعَوْن لم يكن يعلم مَا الْكفْر وَفِي قَوْله {قَالَ فعلتها إِذا وَأَنا من الضَّالّين} قَالَ: من الْجَاهِلين
وَأخرج أَبُو عبيد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج قَالَ فِي قِرَاءَة ابْن مَسْعُود (فعلتها إِذن وَأَنا من الْجَاهِلين)(6/291)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فوهب لي رَبِّي حكما} قَالَ: النُّبُوَّة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {وَتلك نعْمَة تمنها عليَّ} قَالَ: يَقُول مُوسَى لفرعون: أتمن عليَّ يَا فِرْعَوْن بِأَن اتَّخذت بني إِسْرَائِيل عبيدا وَكَانُوا أحراراً فقهرتهم واتخذتهم عبيدا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {قَالَ فِرْعَوْن وَمَا رب الْعَالمين} إِلَى قَوْله {إِن كُنْتُم تعقلون} قَالَ: فَلم يزده إِلَّا رغماً
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {فَألْقى عَصَاهُ فَإِذا هِيَ ثعبان مُبين} يَقُول: مُبين لَهُ خلق حَيَّة {وَنزع يَده} يَقُول: وَأخرج مُوسَى يَده من جيبه {فَإِذا هِيَ بَيْضَاء} تلمع {للناظرين} ينظر إِلَيْهَا ويراها
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أقبل مُوسَى بأَهْله فَسَار بهم نَحْو مصر حَتَّى أَتَاهَا لَيْلًا فتضيف على أمه وَهُوَ لَا يعرفهُمْ فِي لَيْلَة كَانُوا يَأْكُلُون مِنْهَا [] الطقشيل فَنزل فِي جَانب الدَّار فجَاء هرون فَلَمَّا أبْصر ضَيفه سَأَلَ عَنهُ أمه فَأَخْبَرته أَنه ضيف فَدَعَاهُ فَأكل مَعَه فَلَمَّا قعدا فتحدثا فَسَأَلَهُ هرون من أَنْت قَالَ: أَنا مُوسَى
فَقَامَ كل وَاحِد مِنْهُمَا إِلَى صَاحبه فاعتنقه فَلَمَّا أَن تعارفا قَالَ لَهُ مُوسَى: يَا هرون انْطلق بِي إِلَى فِرْعَوْن فَإِن الله قد أرسلنَا إِلَيْهِ
قَالَ هرون: سمعا وَطَاعَة فَقَامَتْ أمهما فصاحت وَقَالَت: أنشدكما بِاللَّه أَن لَا تذهبا الى فِرْعَوْن فيقتلكما فأبيا فَانْطَلقَا إِلَيْهِ لَيْلًا فَأتيَا الْبَاب فضرباه فَفَزعَ فِرْعَوْن وفزع البواب فَقَالَ فِرْعَوْن: من هَذَا الَّذِي يضْرب ببابي هَذِه السَّاعَة فَأَشْرَف عَلَيْهِمَا البواب فكلمهما فَقَالَ لَهُ مُوسَى: {إِنَّا رَسُول رب الْعَالمين} فَفَزعَ البواب فَأتى فِرْعَوْن فَأخْبرهُ فَقَالَ: إِن هَهُنَا إنْسَانا مَجْنُونا يزْعم أَنه رَسُول رب الْعَالمين فَقَالَ: أدخلهُ فَدخل فَقَالَ: إِنَّه رَسُول رب الْعَالمين
{قَالَ فِرْعَوْن وَمَا رب الْعَالمين} قَالَ: {رَبنَا الَّذِي أعْطى كل شَيْء خلقه ثمَّ هدى} طه الْآيَة 50 قَالَ: {إِن كنت جِئْت بِآيَة فأت بهَا إِن كنت من الصَّادِقين فَألْقى عَصَاهُ فَإِذا هِيَ ثعبان مُبين} الْأَعْرَاف الْآيَة 106 والثعبان الذّكر من الْحَيَّات فَاتِحَة فمها لحيها الْأَسْفَل فِي الأَرْض والأعلى على سُورَة الْقصر ثمَّ تَوَجَّهت نَحْو فِرْعَوْن لتأخذه فَلَمَّا رَآهَا ذعر(6/292)
مِنْهَا ووثب فأحدث وَلم يكن يحدث قبل ذَلِك وَصَاح: يَا مُوسَى خُذْهَا وَأَنا أوؤمن بك وَأرْسل مَعَك بني إِسْرَائِيل
فَأَخذهَا مُوسَى فَصَارَت عَصا فَقَالَت السَّحَرَة فِي نَجوَاهُمْ {إِن هَذَانِ لساحران يُريدَان أَن يخرجاكم من أَرْضكُم بسحرهما} طه الْآيَة 63 فَالتقى مُوسَى وأمير السَّحَرَة فَقَالَ لَهُ مُوسَى: أَرَأَيْت أَن غلبتك غذا أتؤمن بِي وَتشهد أَن مَا جِئْت بِهِ حق قَالَ السَّاحر: لآتينَّ غَدا بِسحر لَا يغلبه شَيْء فو الله لَئِن غلبتني لأؤمنن بك ولأشهدن أَنَّك حق
وَفرْعَوْن ينظر إِلَيْهِمَا
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن زيد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَقيل للنَّاس هَل أَنْتُم مجتمعون} قَالَ: كَانُوا بالاسكندرية قَالَ: وَيُقَال بلغ ذَنْب الْحَيَّة من وَرَاء الْبحيرَة يَوْمئِذٍ قَالَ: وهزموا وَسلم فِرْعَوْن وهمت بِهِ فَقَالَ: خُذْهَا يَا مُوسَى
وَكَانَ مِمَّا بلي النَّاس بِهِ مِنْهُ أَنه كَانَ لَا يضع على الأَرْض شَيْئا فاحدث يَوْمئِذٍ تَحْتَهُ وَكَانَ ارساله الْحَيَّة فِي الْقبَّة الخضراء
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَقَالُوا بعزة فِرْعَوْن إِنَّا لنَحْنُ الغالبون} قَالَ: فوجدوا الله أعز مِنْهُ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن بشر بن مَنْصُور قَالَ: بَلغنِي أَنه لما تكلم بِبَعْض هَذَا {وَقَالُوا بعزة فِرْعَوْن} قَالَت الْمَلَائِكَة: قصمه وَرب الْكَعْبَة فَقَالَ الله تالون عليَّ قد أمهلته أَرْبَعِينَ عَاما
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن زيد فِي قَوْله {لَا ضير} قَالَ: يَقُولُونَ لَا يضرنا الَّذِي تَقول وَإِن صنعت بِنَا وصلبتنا {إِنَّا إِلَى رَبنَا منقلبون} يَقُول: انا إِلَى رَبنَا رَاجِعُون
وَهُوَ مجازينا بصبرنا على عُقُوبَتك ايانا وثباتنا على توحيده والبراءة من الْكفْر بِهِ وَفِي قَوْله {أَن كُنَّا أول الْمُؤمنِينَ} قَالَ: كَانُوا كَذَلِك يَوْمئِذٍ أول من آمن بآياته حِين رَآهَا(6/293)
وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ (52) فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (53) إِنَّ هَؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ (54) وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ (55) وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ (56) فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (57) وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (58) كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ (59) فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ (60) فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61) قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ (62)
- قَوْله تَعَالَى: وأوحينا إِلَى مُوسَى إِن أسرِي بعبادي إِنَّكُم متبعون فَأرْسل فِرْعَوْن فِي الْمَدَائِن حاشرين إِن هَؤُلَاءِ لشرذمة قَلِيلُونَ وَإِنَّهُم لنا لغائظون وَإِنَّا لجَمِيع حاذرون فأخرجناهم من جنَّات وعيون وكنوز ومقام كريم كَذَلِك(6/293)
وأورثناها بني إِسْرَائِيل فاتبعوهم مشرقين فَلَمَّا تراءا الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَاب مُوسَى إِنَّا لمدركون قَالَ كلا إِن معي رَبِّي سيهدين
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: ثمَّ إِن الله أَمر مُوسَى أَن يخرج ببني إِسْرَائِيل فَقَالَ {فَأسر بعبادي لَيْلًا} فَأمر مُوسَى بني إِسْرَائِيل أَن يخرجُوا وَأمرهمْ أَن يستعيروا الْحلِيّ من القبط وَأمر أَن لَا يُنَادي أحد مِنْهُم صَاحبه وَأَن يسرجوا فِي بُيُوتهم حَتَّى الصُّبْح وَأَن من خرج مِنْهُم أَمَام بَابه يكب من دم حَتَّى يعلم أَنه قد خرج وَأَن الله قد أخرج كل ولد زنا فِي القبط من بني إِسْرَائِيل إِلَى بني إِسْرَائِيل وَأخرج كل ولد زنا فِي بني إِسْرَائِيل من القبط إِلَى القبط حَتَّى أَتَوا آبَاءَهُم
ثمَّ خرج مُوسَى ببني إِسْرَائِيل لَيْلًا والقبط لَا يعلمُونَ وَألقى على القبط الْمَوْت فَمَاتَ كل بكر رجل مِنْهُم فَأَصْبحُوا يدفنونهم فشغلوا عَن طَلَبهمْ حَتَّى طلعت الشَّمْس وَخرج مُوسَى فِي سِتّمائَة ألف وَعشْرين ألفا
لَا يعدون ابْن عشْرين لصغره وَلَا ابْن سِتِّينَ لكبره وَإِنَّمَا عدوا مَا بَين ذَلِك سوى الذُّرِّيَّة
وتبعهم فِرْعَوْن على مُقَدّمَة هامان فِي ألف ألف وَسَبْعمائة ألف حصان فِيهَا ماذيانة وَذَلِكَ حِين يَقُول الله {فَأرْسل فِرْعَوْن فِي الْمَدَائِن حاشرين إِن هَؤُلَاءِ لشرذمة قَلِيلُونَ} فَكَانَ مُوسَى على ساقة بني إِسْرَائِيل وَكَانَ هرون أمامهم يقدمهم فَقَالَ الْمُؤمن لمُوسَى: أَيْن أمرت قَالَ: الْبَحْر
فَأَرَادَ أَن يقتحم فَمَنعه مُوسَى
فَنَظَرت بَنو إِسْرَائِيل إِلَى فِرْعَوْن قد رَدفَهُمْ قَالُوا: يَا مُوسَى {إِنَّا لمدركون} قَالَ مُوسَى {كلا إِن معي رَبِّي سيهدين} يَقُول: سيكفين
فَتقدم هرون فَضرب الْبَحْر فَأبى الْبَحْر أَن ينفتح وَقَالَ: من هَذَا الْجَبَّار الَّذِي يضربني حَتَّى أَتَاهُ مُوسَى فكناه أَبَا خَالِد وضربه {فانفلق فَكَانَ كل فرق كالطود الْعَظِيم} يَقُول: كالجبل الْعَظِيم فَدخلت بَنو إِسْرَائِيل وَكَانَ فِي الْبَحْر اثْنَا عشر طَرِيقا فِي كل طَرِيق سبط وَكَانَت الطّرق إِذا انفلقت بجدران فَقَالَ كل سبط: قد قتل أصحابناز فَلَمَّا رأى ذَلِك مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام دَعَا الله فَجَعلهَا لَهُم قناطر كَهَيئَةِ الطَّبَقَات ينظر آخِرهم إِلَى أَوَّلهمْ حَتَّى خَرجُوا جَمِيعًا ثمَّ دنا فِرْعَوْن وَأَصْحَابه فَلَمَّا نظر(6/294)
فِرْعَوْن إِلَى الْبَحْر منفلقاً قَالَ: أَلا ترَوْنَ إِلَى الْبَحْر منفلقاً قد فرق مني فانفتح لي حَتَّى أدْرك أعدائي فاقتلهم فَلَمَّا قَامَ فِرْعَوْن على أَفْوَاه الطّرق أَبَت خيله أَن تقتحم فَنزل على ماذيانة فشامت الْحصن ريح الماذيانة فَاقْتَحَمت فِي أَثَرهَا حَتَّى إِذا هم أَوَّلهمْ أَن يخرج وَدخل آخِرهم
أَمر الله الْبَحْر أَن يَأْخُذهُمْ فالتطم عَلَيْهِم وَتفرد جِبْرِيل بفرعون يمقله من مقل الْبَحْر فَجعل يدسها فِي فِيهِ
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله {إِن هَؤُلَاءِ لشرذمة قَلِيلُونَ} قَالَ: ذكر لنا أَن بني إِسْرَائِيل الَّذين قطع بهم مُوسَى الْبَحْر كَانُوا سِتّمائَة ألف مقَاتل وَعشْرين ألفا فَصَاعِدا
واتبعهم فِرْعَوْن على ألف ألف حصان ومائتي ألف حصان
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن مَسْعُود فِي قَوْله {إِن هَؤُلَاءِ لشرذمة قَلِيلُونَ} قَالَ سِتّمائَة ألف وَسَبْعُونَ ألفا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير عَن أبي عُبَيْدَة
مثله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {إِن هَؤُلَاءِ لشرذمة قَلِيلُونَ} قَالَ: كَانُوا سِتّمائَة ألف
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {لشرذمة} قَالَ: قِطْعَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {لشرذمة} قَالَ: الفريد من النَّاس
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ أَصْحَاب مُوسَى الَّذين جاوزوا الْبَحْر اثْنَي عشر سبط فَكَانَ فِي كل طَرِيق اثْنَا عشر ألفا كلهم ولد يَعْقُوب عَلَيْهِ السَّلَام
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد {إِن هَؤُلَاءِ لشرذمة قَلِيلُونَ} قَالَ: هم يَوْمئِذٍ سِتّمائَة ألف
وَلَا يُحْصى عدد أَصْحَاب فِرْعَوْن
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه بسندٍ واهٍ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ فِرْعَوْن عَدو الله حَيْثُ غرقه الله هُوَ وَأَصْحَابه فِي سبعين قَائِد مَعَ كل قَائِد سَبْعُونَ ألفا
وَكَانَ مُوسَى مَعَ سبعين ألفا حِين عبروا الْبَحْر
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج قَالَ: أوحى الله إِلَى مُوسَى: أَن أجمع بني إِسْرَائِيل كل أَرْبَعَة أَبْيَات من بني إِسْرَائِيل فِي بَيت ثمَّ اذْبَحْ أَوْلَاد الضان(6/295)
فَاضْرب بدمائها على كل بَاب فَإِنِّي سآمر الْمَلَائِكَة أَن لَا تدخل بَيْتا على بَابه دم وسآمر الْمَلَائِكَة فَتقْتل أبكار آل فِرْعَوْن من أنفسهم وأهليهم ثمَّ اخبزوا خبز فطيرا فَإِنَّهُ أسْرع لكم ثمَّ سر حَتَّى تَأتي الْبَحْر ثمَّ قف حَتَّى يَأْتِيك أَمْرِي
فَلَمَّا أَن أصبح فِرْعَوْن قَالَ: هَذَا عمل مُوسَى وَقَومه قتلوا أبكارنا من أَنْفُسنَا وأهلينا
وَأخرج ابْن إِسْحَق وَابْن الْمُنْذر عَن يحيى بن عُرْوَة بن الزبير قَالَ: إِن الله أَمر مُوسَى أَن يسير ببني إِسْرَائِيل وَقد كَانَ مُوسَى وعد بني إِسْرَائِيل أَن يسير بهم إِذا طلع الْقَمَر فَدَعَا الله أَن يُؤَخر طلوعه حَتَّى يفرغ فَلَمَّا سَار مُوسَى ببني إِسْرَائِيل أذن فِرْعَوْن فِي النَّاس {إِن هَؤُلَاءِ لشرذمة قَلِيلُونَ}
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن مُحَمَّد بن كَعْب قَالَ: خرج مُوسَى من مصر وَمَعَهُ سِتّمائَة ألف من بني إِسْرَائِيل لَا يعدون فيهم أقل من ابْن عشْرين وَلَا ابْن أَكثر من أَرْبَعِينَ سنة فَقَالَ فِرْعَوْن: {إِن هَؤُلَاءِ لشرذمة قَلِيلُونَ} وَخرج فِرْعَوْن على فرس حصان أدهم وَمَعَهُ ثَمَانمِائَة ألف على خيل أدهم سوى ألوان الْخَيل وَكَانَ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام على فرس شَائِع يسير بَين يَدي الْقَوْم وَيَقُول: لَيْسَ الْقَوْم بِأَحَق بِالطَّرِيقِ مِنْكُم
وَفرْعَوْن على فرس أدهم حصان
وَجِبْرِيل على فرس أُنْثَى
فاتبعها فرس فِرْعَوْن وَكَانَ مِيكَائِيل فِي أُخْرَى الْقَوْم يَقُول: الحقوا أصحابكم حَتَّى دخل آخِرهم وَأَرَادَ أَوَّلهمْ أَن يخرجُوا فأطبق عَلَيْهِم الْبَحْر
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَمْرو بن مَيْمُون قَالَ: لما أَرَادَ مُوسَى أَن يخرج ببني إِسْرَائِيل من مصر بلغ ذَلِك فِرْعَوْن فَقَالَ: أمهلوهم حَتَّى إِذا صَاح الديك فأتوهم
فَلم يُصِحْ فِي تِلْكَ اللَّيْلَة الديك فَخرج مُوسَى ببني إِسْرَائِيل وَغدا فِرْعَوْن فَلَمَّا أصبح فِرْعَوْن أَمر بِشَاة فَأتي بهَا فَأمر بهَا أَن تذبح ثمَّ قَالَ: لَا يفرغ من سلخها حَتَّى يجْتَمع عِنْدِي خَمْسمِائَة ألف فَارس
فَاجْتمعُوا إِلَيْهِ فاتبعهم فَلَمَّا انْتهى مُوسَى إِلَى الْبَحْر قَالَ لَهُ: وَصِيّه يَا نَبِي الله أَيْن أمرت قَالَ: هَهُنَا فِي الْبَحْر
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَ طلائع فِرْعَوْن الَّذين بَعثهمْ فِي أَثَرهم سِتّمائَة ألف لَيْسَ فيهم أحد إِلَّا على بهيم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَت سِيمَا خيل فِرْعَوْن الْخرق الْبيض فِي أصداغها وَكَانَت جريدته مائَة ألف حصان(6/296)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن كَعْب الْأَحْبَار قَالَ: اجْتمع آل يَعْقُوب إِلَى يُوسُف وهم سِتَّة وَثَمَانُونَ انساناً ذكرهم وأنثاهم
فَخرج بهم مُوسَى يَوْم خرج وهم سِتّمائَة ألف ونيف
وَخرج فِرْعَوْن على أَثَرهم يطلبهم على فرس أدهم على لَونه من الدهم ثَمَانمِائَة ألف أدهم سوى ألوان الْخَيل وحالت الرّيح الشمَال
وَتَحْت جِبْرِيل فرس وريق وَمِيكَائِيل يسوقهم لَا يشذ مِنْهُم شَاذَّة إِلَّا ضمه فَقَالَ الْقَوْم: يَا رَسُول الله قد كُنَّا نلقى من فِرْعَوْن من التعس وَالْعَذَاب مَا نلقى فَكيف إِن صنعا مَا صنعنَا فَأَيْنَ الملجأ قَالَ: الْبَحْر
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس
أَنه قَرَأَ {وَإِنَّا لجَمِيع حاذرون} قَالَ: مؤدون مُقِرّون
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن الْأسود بن يزِيد انه كَانَ يَقْرَأها {وَإِنَّا لجَمِيع حاذرون} يَقُول: رادون مستعدون
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير
أَنه كَانَ يقْرَأ {وَإِنَّا لجَمِيع حاذرون} يَقُول: مَا دون فِي السِّلَاح
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَمْرو بن دِينَار قَالَ: قَرَأَ عبيد {وَإِنَّا لجَمِيع حاذرون}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك {وَإِنَّا لجَمِيع حاذرون} يَعْنِي شاكي السِّلَاح
وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن مَسْعُود {وَإِنَّا لجَمِيع حاذرون} قَالَ: مؤدون مقوّون فِي السِّلَاح والكراع
وَأخرج عبد بن حميد عَن إِبْرَاهِيم
أَنه كَانَ يَقْرَأها {وَإِنَّا لجَمِيع حاذرون}
وَأخرج ابْن الْأَنْبَارِي فِي الْوَقْف عَن ابْن عَبَّاس
إِن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله {وَإِنَّا لجَمِيع حاذرون} مَا الحاذرون قَالَ: التامون السِّلَاح قَالَ فِيهِ النَّجَاشِيّ: لعمر أبي أَتَانِي حَيْثُ أَمْسَى لقد تأذت بِهِ أَبنَاء بكر خَفِيفَة فِي كتاب حاذرات يقودهم أَبُو شبْل هزبر(6/297)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة {فأخرجناهم من جنَّات وعيون وكنوز ومقام كريم} قَالَ: كَانُوا فِي ذَلِك فِي الدُّنْيَا فَأخْرجهُمْ الله من ذَلِك وأورثها بني إِسْرَائِيل
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {ومقام كريم} قَالَ: المنابر
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {فأتبعوهم مشرقين} قَالَ: اتبعهم فِرْعَوْن وَجُنُوده حِين أشرقت الشَّمْس {قَالَ أَصْحَاب مُوسَى إِنَّا لمدركون} قَالَ مُوسَى وَكَانَ أعلمهم بِاللَّه {كلا إِن معي رَبِّي سيهدين}
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ {فأتبعوهم مشرقين} مَهْمُوزَة مَقْطُوعَة الْألف
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {فأتبعوهم مشرقين} قَالَ: خرج أَصْحَاب مُوسَى لَيْلًا فكسف الْقَمَر لَيْلًا وأظلمت الأَرْض فَقَالَ أَصْحَابه: أَن يُوسُف كَانَ أخبرنَا: أَنا سننجى من فِرْعَوْن وَأخذ علينا الْعَهْد لَنخْرجَنَّ بعظامه مَعنا فَخرج مُوسَى من ليلته يسْأَل عَن قَبره فَوجدَ عجوزاً سَأَلَهَا على قَبره فَأَخْرَجته لَهُ بحكمها فَكَانَ حكمهَا أَن قَالَت لَهُ: احملني فاخرجني مَعَك فَجعل عِظَام يُوسُف فِي كسَاء ثمَّ حمل الْعَجُوز على كسَاء فَجعله على رقبته وخيل فِرْعَوْن فِي ملْء أعنتها خضراء فِي أَعينهم وَلَا يبرح حسه عَن مُوسَى وَأَصْحَابه حَتَّى برزوا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن خَالِد بن عبد الله الْقَسرِي: إِن مُؤمن آل فِرْعَوْن كَانَ امام الْقَوْم قَالَ: يَا نَبِي الله أَيْن أمرت قَالَ: أمامك
قَالَ: وَهل أَمَامِي إِلَّا الْبَحْر قَالَ: وَالله مَا كذبت وَلَا كذبت
ثمَّ سَار سَاعَة فَقَالَ مثل ذَلِك فَرد عَلَيْهِ مُوسَى مثل ذَلِك قَالَ مُوسَى وَكَانَ أعلم الْقَوْم بِاللَّه {كلا إِن معي رَبِّي سيهدين}(6/298)
فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ (63) وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ (64) وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ (65) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ (66) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (67) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (68)
- قَوْله تَعَالَى: فأوحينا إِلَى مُوسَى أَن اضْرِب بعصاك الْبَحْر فانفلق فَكَانَ كل فرق كالطود الْعَظِيم وأزلفنا ثمَّ الآخرين وأنجينا مُوسَى وَمن مَعَه أَجْمَعِينَ ثمَّ أغرقنا الآخرين إِن فِي ذَلِك لآيَة وَمَا كَانَ أَكْثَرهم مُؤمنين وَإِن رَبك لَهو الْعَزِيز الرَّحِيم(6/298)
أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {كالطود} قَالَ: كالجبل
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن مَسْعُود فِي قَوْله {كالطود} قَالَ: كالجبل
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة قَالَ الطود الْجَبَل
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وأزلفنا ثمَّ الآخرين} قَالَ: هم قوم فِرْعَوْن قربهم الله حَتَّى أغرقهم فِي الْبَحْر
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عبد الله بن مَسْعُود قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَلا أعلمك الْكَلِمَات الَّتِي قالهن مُوسَى حِين انْفَلق الْبَحْر قلت: بلَى
قَالَ: اللَّهُمَّ لَك الْحَمد وَإِلَيْك المتكل وَبِك المستغاث وَأَنت الْمُسْتَعَان وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه قَالَ ابْن مَسْعُود: فَمَا تركتهن مُنْذُ سَمِعتهنَّ من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُحَمَّد بن حَمْزَة بن يُوسُف بن عبد الله بن سَلام: أَن مُوسَى لما انْتهى إِلَى الْبَحْر قَالَ: يَا من كَانَ قبل كل شَيْء والمكوّن لكل شَيْء والكائن بعد كل شَيْء اجْعَل لنا مخرجا
فَأوحى الله إِلَيْهِ {أَن اضْرِب بعصاك الْبَحْر}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: كَانَ الْبَحْر سَاكِنا لَا يَتَحَرَّك فَلَمَّا كَانَ لَيْلَة ضربه مُوسَى بالعصا صَار يمد ويجزر
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قيس بن عباد قَالَ: لما انْتهى مُوسَى ببني إِسْرَائِيل إِلَى الْبَحْر قَالَت بَنو إِسْرَائِيل لمُوسَى: أَيْن مَا وعدتنا هَذَا الْبَحْر بَين أَيْدِينَا وَهَذَا فِرْعَوْن وَجُنُوده قد دهمنا من خلفنا
فَقَالَ مُوسَى للبحر: انفرق أَبَا خَالِد فَقَالَ: لن أفرق لَك يَا مُوسَى انا أقدم مِنْك وَأَشد خلقا فَنُوديَ {أَن اضْرِب بعصاك الْبَحْر}
وَأخرج أَبُو الْعَبَّاس مُحَمَّد بن إِسْحَاق السراج فِي تَارِيخه وَابْن عبد الْبر فِي التَّمْهِيد من طَرِيق يُوسُف بن مهْرَان عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كتب صَاحب الرّوم إِلَى مُعَاوِيَة يسْأَله عَن أفضل الْكَلَام مَا هُوَ وَالثَّانِي
وَالثَّالِث
وَالرَّابِع
وَعَن أكْرم الْخلق على الله وَأكْرم الْأَنْبِيَاء على الله وَعَن أَرْبَعَة من الْخلق لم يركضوا فِي رحم وَعَن قبر سَار بِصَاحِبِهِ وَعَن المجرة وَعَن الْقوس وَعَن مَكَان طلعت فِيهِ الشَّمْس لم تطلع(6/299)
قبله وَلَا بعده فَلَمَّا قَرَأَ مُعَاوِيَة الْكتاب قَالَ: أَخْزَاهُ الله وَمَا علمي مَا هَهُنَا فَقيل لَهُ: اكْتُبْ إِلَى ابْن عَبَّاس فسله
فَكتب إِلَيْهِ يسْأَله
فَكتب إِلَيْهِ ابْن عَبَّاس: إِن أفضل الْكَلَام لَا إِلَه إِلَّا الله كلمة الاخلاص لَا يقبل عمل إِلَّا بهَا وَالَّتِي تَلِيهَا سُبْحَانَ الله وَبِحَمْدِهِ أحب الْكَلَام إِلَى الله وَالَّتِي تَلِيهَا الْحَمد لله كلمة الشُّكْر وَالَّتِي تَلِيهَا الله أكبر فَاتِحَة الصَّلَوَات وَالرُّكُوع وَالسُّجُود وَأكْرم الْخلق على الله آدم عَلَيْهِ السَّلَام وَأكْرم اماء الله مَرْيَم
وَأما الْأَرْبَعَة الَّتِي لم يركضوا فِي رحم فآدم وحوّاء والكبش الَّذِي فدى بِهِ اسمعيل وعصا مُوسَى حَيْثُ أَلْقَاهَا فَصَارَ ثعباناً مُبينًا
وَأما الْقَبْر الَّذِي سَار بِصَاحِبِهِ فَالْحُوت حِين الْتَقم يُونُس وَأما المجرة فباب السَّمَاء وَأما الْقوس فَإِنَّهَا أَمَان لأهل الأَرْض من الْغَرق بعد قوم نوح وَأما الْمَكَان الَّذِي طلعت فِيهِ الشَّمْس لم تطلع قبله وَلَا بعده فالمكان الَّذِي انفرج من الْبَحْر لبني إِسْرَائِيل
فَلَمَّا قَرَأَ عَلَيْهِ الْكتاب أرسل بِهِ إِلَى صَاحب الرّوم فَقَالَ: لقد علمت أَن مُعَاوِيَة لم يكن لَهُ بِهَذَا علم وَمَا أصَاب هَذَا إِلَّا رجلٌ من أهل بَيت النُّبُوَّة
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن جرير عَن عبد الله بن شَدَّاد بن الْهَاد قَالَ: جَاءَ مُوسَى إِلَى فِرْعَوْن وَعَلِيهِ جُبَّة من صوف وَمَعَهُ عَصا فَضَحِك فِرْعَوْن
فَألْقى عَصَاهُ فَانْطَلَقت نَحوه كَأَنَّهَا عنق بخْتِي فِيهَا أَمْثَال الرماح تهتز
فَجعل فِرْعَوْن يتَأَخَّر وَهُوَ على سَرِيره فَقَالَ فِرْعَوْن: خُذْهَا واسلم
فَعَادَت كَمَا كَانَت وَعَاد فِرْعَوْن كَافِرًا
فَأمر مُوسَى أَن يسير إِلَى الْبَحْر فَسَار بهم فِي سِتّمائَة ألف فَلَمَّا أَتَى الْبَحْر أَمر الْبَحْر إِذا ضربه مُوسَى بعصاه أَن ينفرج لَهُ فَضرب مُوسَى بعصاه الْبَحْر فانفلق مِنْهُ اثْنَا عشر طَرِيقا لكل سبط مِنْهُم طَرِيق وَجعل لَهُم فِيهَا أَمْثَال الكوى ينظر بَعضهم إِلَى بعض
وَاقْبَلْ فِرْعَوْن فِي ثَمَانمِائَة ألف حَتَّى أشرف على الْبَحْر
فَلَمَّا رَآهُ هابه وَهُوَ على حصان لَهُ وَعرض لَهُ ملك وَهُوَ على فرس لَهُ أُنْثَى فَلم يملك فِرْعَوْن فرسه حَتَّى أقحمه وَخرج آخر بني إِسْرَائِيل وولج أَصْحَاب فِرْعَوْن حَتَّى إِذا صَارُوا فِي الْبَحْر فاطبق عَلَيْهِم فغرق فِرْعَوْن بِأَصْحَابِهِ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: أوحى(6/300)
الله إِلَى مُوسَى: أَن اسر بعبادي لَيْلًا إِنَّكُم متبعون
فَأسْرى مُوسَى ببني إِسْرَائِيل لَيْلًا فاتبعهم فِرْعَوْن فِي ألف ألف حصان سوى الاناث وَكَانَ مُوسَى فِي سِتّمائَة ألف فَلَمَّا عاينهم فِرْعَوْن قَالَ {إِن هَؤُلَاءِ لشرذمة قَلِيلُونَ وَإِنَّهُم لنا لغائظون وَإِنَّا لجَمِيع حاذرون} الشُّعَرَاء الْآيَة 54 - 56 فاسرى مُوسَى ببني إِسْرَائِيل حَتَّى هجموا على الْبَحْر فالتفتوا فَإِذا هم برهج دَوَاب فِرْعَوْن فَقَالُوا: يَا مُوسَى {أوذينا من قبل أَن تَأْتِينَا وَمن بعد مَا جئتنا} الْأَعْرَاف الْآيَة 129 هَذَا الْبَحْر أمامنا وَهَذَا فِرْعَوْن قد رهقنا بِمن مَعَه قَالَ: {عَسى ربكُم أَن يهْلك عَدوكُمْ ويستخلفكم فِي الأَرْض فَينْظر كَيفَ تَعْمَلُونَ} الْأَعْرَاف الْآيَة 129 {فأوحينا إِلَى مُوسَى أَن اضْرِب بعصاك الْبَحْر}
وَأوحى إِلَى الْبَحْر: أَن اسْمَع لمُوسَى وأطع إِذا ضربك
فَثَابَ الْبَحْر لَهُ أفكل يَعْنِي رعدة لَا يدْرِي من أَي جوانبه يضْرب
فَقَالَ يُوشَع لمُوسَى: بِمَاذَا أمرت قَالَ: أمرت أَن أضْرب الْبَحْر
قَالَ: فَاضْرِبْهُ: فَضرب مُوسَى الْبَحْر بعصاه فانفلق فَكَانَ فِيهِ اثْنَا عشر طَرِيق كل طَرِيق كالطود الْعَظِيم فَكَانَ لكل سبط فيهم طَرِيق يَأْخُذُونَ فِيهِ فَلَمَّا أخذُوا فِي الطَّرِيق قَالَ بَعضهم لبَعض: مَا لنا لَا نرى أَصْحَابنَا
فَقَالُوا لمُوسَى: إِن أَصْحَابنَا لَا نراهم قَالَ: سِيرُوا فانهم على طَرِيق مثل طريقكم قَالُوا: لن نؤمن حَتَّى نراهم قَالَ مُوسَى: اللَّهُمَّ أَعنِي على أخلاقكم السَّيئَة
فَأوحى الله إِلَيْهِ: أَن قل بعصاك هَكَذَا وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ يديرها على الْبَحْر
قَالَ مُوسَى بعصاه على الْحِيطَان هَكَذَا فَصَارَ فِيهَا كوات ينظر بَعضهم إِلَى بعض فَسَارُوا حَتَّى خَرجُوا من الْبَحْر
فَلَمَّا جَازَ آخر قوم مُوسَى هجم فِرْعَوْن على الْبَحْر هُوَ وَأَصْحَابه وَكَانَ فِرْعَوْن على فرس أدهم حصان فَلَمَّا هجم على الْبَحْر هاب الحصان أَن يقتحم فِي الْبَحْر فتمثل لَهُ جِبْرِيل على فرس أُنْثَى فَلَمَّا رَآهَا الحصان اقتحم خلفهَا وَقيل لمُوسَى {واترك الْبَحْر رهوا} الدُّخان الْآيَة 24 قَالَ: طرقاً على حَاله
وَدخل فِرْعَوْن وَقَومه فِي الْبَحْر فَلَمَّا دخل آخر قوم فِرْعَوْن وَجَاز آخر قوم مُوسَى أطبق الْبَحْر على فِرْعَوْن وَقَومه فأغرقوا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ أَن مُوسَى حِين أسرى ببني إِسْرَائِيل بلغ فِرْعَوْن فَأمر بِشَاة فذبحت ثمَّ قَالَ: لَا يفرغ من سلخها حَتَّى يجْتَمع إِلَيّ سِتّمائَة ألف من القبط
فَانْطَلق مُوسَى حَتَّى انْتهى إِلَى(6/301)
الْبَحْر فَقَالَ لَهُ: انفرق
فَقَالَ لَهُ الْبَحْر: لقد استكثرت يَا مُوسَى وَهل انفرقت لأحد من ولد آدم وَمَعَ مُوسَى رجل على حصان لَهُ فَقَالَ أَيْن أمرت يَا نَبِي الله بهؤلاء قَالَ: مَا أمرت إِلَّا بِهَذَا الْوَجْه
فاقتحم فرسه فسبح بِهِ ثمَّ خرج فَقَالَ: أَيْن أمرت يَا نَبِي الله قَالَ: مَا أمرت إِلَّا بِهَذَا الْوَجْه
قَالَ: مَا كذبت وَلَا كذبت
فَأوحى الله إِلَى مُوسَى: أَن اضْرِب بعصاك الْبَحْر
فَضَربهُ مُوسَى بعصاه فانفلق فَكَانَ فِيهِ اثْنَا عشر طَرِيقا لكل سبط طَرِيق يترأون فَلَمَّا خرج أَصْحَاب مُوسَى وتتام أَصْحَاب فِرْعَوْن التقى الْبَحْر عَلَيْهِم فأغرقهم
وَأخرج عبد بن حميد وَالْفِرْيَابِي وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن أبي مُوسَى عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن مُوسَى لما أَرَادَ أَن يسير ببني إِسْرَائِيل أضلّ الطَّرِيق فَقَالَ لبني إِسْرَائِيل: مَا هَذَا فَقَالَ لَهُ عُلَمَاء بني إِسْرَائِيل: أَن يُوسُف لما حَضَره الْمَوْت أَخذ علينا موثقًا أَن لَا نخرج من مصر حَتَّى ننقل تابوته مَعنا فَقَالَ لَهُم مُوسَى: أَيّكُم يدْرِي أَيْن قَبره فَقَالُوا: مَا يعلم أحد مَكَان قَبره إِلَّا عَجُوز لبني إِسْرَائِيل
فَأرْسل إِلَيْهَا مُوسَى فَقَالَ: دلينا على قبر يُوسُف فَقَالَت: لَا وَالله حَتَّى تُعْطِينِي حكمي قَالَ: وَمَا حكمك قَالَت: أَن أكون مَعَك فِي الْجنَّة
فَكَأَنَّهُ ثقل عَلَيْهِ ذَلِك فَقيل لَهُ: اعطها حكمهَا
فَانْطَلَقت بهم إِلَى بحيرة مشقشقة مَاء فَقَالَت لَهُم: انضبوا عَنْهَا المَاء فَفَعَلُوا قَالَت: احفروا
فَحَفَرُوا فَاسْتَخْرَجُوا قبر يُوسُف فَلَمَّا احتملوه إِذا الطَّرِيق مثل ضوء النَّهَار
وَأخرج ابْن عبد الحكم فِي فتوح مصر عَن سماك بن حَرْب
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لما أسرى مُوسَى ببني إِسْرَائِيل غشيتهم غمامة حَالَتْ بَينهم وَبَين الطَّرِيق أَن يبصروه
وَقيل لمُوسَى: لن تعبر إِلَّا ومعك عِظَام يُوسُف قَالَ: وَأَيْنَ موضعهَا قَالُوا: ابْنَته عَجُوز كَبِيرَة ذَاهِبَة الْبَصَر تركناها فِي الديار
فَرجع مُوسَى فَلَمَّا سَمِعت حسه قَالَت: مُوسَى قَالَ: مُوسَى
قَالَت: مَا وَرَاءَك قَالَ: أمرت أَن أحمل عِظَام يُوسُف
قَالَت: مَا كُنْتُم لتعبروا إِلَّا وَأَنا مَعكُمْ قَالَ: دليني على عِظَام يُوسُف قَالَت: لَا أفعل إِلَّا أَن تُعْطِينِي مَا سَأَلتك قَالَ: فلك مَا سَأَلت قَالَت: خُذ بيَدي
فَأخذ بِيَدِهَا فانتهت بِهِ إِلَى عَمُود على شاطىء النّيل فِي أَصله سكَّة من حَدِيد موتدة فِيهَا(6/302)
سلسلة فَقَالَت: انا دفناه من ذَلِك الْجَانِب
فأخصب ذَلِك الْجَانِب وأجدب ذَاك الْجَانِب فحولناه إِلَى هَذَا الْجَانِب وأجدب ذَاك فَلَمَّا رَأينَا ذَلِك جَمعنَا عِظَامه فجعلناها فِي صندوق من حَدِيد وألقيناه فِي وسط النّيل فأخصب الجانبان جَمِيعًا
فَحمل الصندوق على رقبته وَأخذ بِيَدِهَا فألحقها بالعسكر وَقَالَ لَهَا: سَلِي مَا شِئْت قَالَت: فَإِنِّي أَسأَلك أَن أكون أَنا وَأَنت فِي دَرَجَة وَاحِدَة فِي الْجنَّة وَيرد عَليّ بَصرِي وشبابي حَتَّى أكون شَابة كَمَا كنت
قَالَ: فلك ذَلِك
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أوصى يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام إِن جَاءَ نَبِي من بعدِي فَقولُوا لَهُ: يخرج عِظَامِي من هَذِه الْقرْيَة
فَلَمَّا كَانَ من أَمر مُوسَى مَا كَانَ يَوْم قرعون فَمر بالقرية الَّتِي فِيهَا قبر يُوسُف فَسَأَلَ عَن قَبره فَلم يجد أحد يُخبرهُ فَقيل لَهُ: هَهُنَا عَجُوز بقيت من قوم يُوسُف
فَجَاءَهَا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ لَهَا: تدليني على قبر يُوسُف فَقَالَت: لَا أفعل حَتَّى تُعْطِينِي مَا اششترط عَلَيْك
فَأوحى الله إِلَى مُوسَى: أَن أعْطهَا شَرطهَا قَالَ لَهَا: وَمَا تريدين قَالَت: أكون زَوجتك فِي الْجنَّة
فاعطاها فدلته على قَبره
فحفر مُوسَى الْقَبْر ثمَّ بسط رِدَاءَهُ وَأخرج عِظَام يُوسُف فَجعله فِي وسط ثَوْبه ثمَّ لف الثَّوْب بالعظام فَحَمله على يَمِينه فَقَالَ لَهُ الْملك الَّذِي على يَمِينه: الْحمل يحمل على الْيَمين قَالَ: صدقت هُوَ على الشمَال وَإِنَّمَا فعلت ذَلِك كَرَامَة ليوسف
وَأخرج ابْن عبد الحكم من طَرِيق الْكَلْبِيّ عَن أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَ يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام قد عهد عِنْد مَوته أَن يخرجُوا بعظامه مَعَهم من مصر
قَالَ: فتجهز الْقَوْم وَخَرجُوا فتحيروا فَقَالَ لَهُم مُوسَى: إِنَّمَا تحيركم هَذَا من أجل عِظَام يُوسُف فَمن يدلني عَلَيْهَا فَقَالَت عَجُوز يُقَال لَهَا شَارِح ابْنة آي بن يَعْقُوب: أَنا رَأَيْت عمي يُوسُف حِين دفن فَمَا تجْعَل لي إِن دللتك عَلَيْهِ قَالَ: حكمك
فدلته عَلَيْهِ فَأخذ عِظَام يُوسُف ثمَّ قَالَ: احتكمي قَالَت: أكون مَعَك حَيْثُ كنت فِي الْجنَّة
وَأخرج ابْن عبد الحكم من طَرِيق الْكَلْبِيّ عَن أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس
أَن الله أوحى إِلَى مُوسَى: أَن أسر بعبادي
وَكَانَ بَنو إِسْرَائِيل استعاروا من قوم فِرْعَوْن(6/303)
حليا وثياباً
إِن لنا عيداً نخرج إِلَيْهِ فَخرج بهم مُوسَى لَيْلًا وهم سِتّمائَة ألف وَثَلَاثَة آلَاف ونيف
فَذَلِك قَول فِرْعَوْن {إِن هَؤُلَاءِ لشرذمة قَلِيلُونَ} وَخرج فِرْعَوْن ومقدمته خَمْسمِائَة ألف سوى الجنبين وَالْقلب فَلَمَّا انْتهى مُوسَى إِلَى الْبَحْر أقبل يُوشَع بن نون على فرسه فَمشى على المَاء واقتحم غَيره بخيولهم فَوَثَبُوا فِي المَاء وَخرج فِرْعَوْن فِي طَلَبهمْ حِين أصبح وَبَعْدَمَا طلعت الشَّمْس فَذَلِك قولهل {فأتبعوهم مشرقين فَلَمَّا ترَاءى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَاب مُوسَى إِنَّا لمدركون} فَدَعَا مُوسَى ربه فغشيتهم ضَبَابَة حَالَتْ بَينهم وَبَينه وَقيل لَهُ: اضْرِب بعصاك الْبَحْر
فَفعل {فانفلق فَكَانَ كل فرق كالطود الْعَظِيم} يَعْنِي الْجَبَل
فانفلق مِنْهُ اثْنَا عشر طَرِيقا فَقَالُوا: انا نَخَاف أَن توحل فِيهِ الْخَيل
فَدَعَا مُوسَى ربه فَهبت عَلَيْهِم الصِّبَا فجف فَقَالُوا: انا نَخَاف أَن يغرق منا وَلَا نشعر فَقَالَ بعصاه فَنقبَ المَاء فَجعل بَينهم كوى حَتَّى يرى بَعضهم بَعْضًا ثمَّ دخلُوا حَتَّى جاوزوا الْبَحْر
وَأَقْبل فِرْعَوْن حَتَّى انْتهى إِلَى الْموضع الَّذِي عبر مِنْهُ مُوسَى وطرقه على حَالهَا فَقَالَ لَهُ أدلاؤه: إِن مُوسَى قد سحر الْبَحْر حَتَّى صَار كَمَا ترى وَهُوَ قَوْله {واترك الْبَحْر رهواً} الدُّخان الْآيَة 24 يَعْنِي كَمَا هُوَ
فحذ هَهُنَا حَتَّى نلحقهم وَهُوَ مسيرَة ثَلَاثَة أَيَّام فِي الْبر
وَكَانَ فِرْعَوْن يَوْمئِذٍ على حصان فَأقبل جِبْرِيل على فرس أُنْثَى فِي ثَلَاثَة وَثَلَاثِينَ من الْمَلَائِكَة ففرقوا النَّاس وَتقدم جِبْرِيل فَسَار بَين يَدي فِرْعَوْن وَتَبعهُ فِرْعَوْن وصاحت الْمَلَائِكَة فِي النَّاس: الحقوا الْملك
حَتَّى إِذا دخل آخِرهم وَلم يخرج أَوَّلهمْ
التقى الْبَحْر عَلَيْهِم فَغَرقُوا
فَسمع بَنو إِسْرَائِيل وجبة الْبَحْر حِين التقى فَقَالُوا: مَا هَذَا قَالَ مُوسَى: غرق فِرْعَوْن وَأَصْحَابه
فَرَجَعُوا ينظرُونَ فألقاهم الْبَحْر على السَّاحِل
وَأخرج ابْن عبد الحكم وَعبد بن حميد عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ جِبْرِيل بَين النَّاس
بَين بني إِسْرَائِيل وَبَين آل فِرْعَوْن فَيَقُول: رويدكم ليلحقكم آخركم
فَقَالَت بَنو إِسْرَائِيل: مَا رَأينَا سائقاً أحسن سياقاً من هَذَا
وَقَالَ آل فِرْعَوْن: مَا رَأينَا وازعاً أحسن زعة من هَذَا
فَلَمَّا انْتهى مُوسَى وَبَنُو إِسْرَائِيل إِلَى الْبَحْر قَالَ مُؤمن آل فِرْعَوْن
يَا نَبِي الله أَيْن أمرت هَذَا الْبَحْر أمامك وَقد غشينا آل فِرْعَوْن فَقَالَ:(6/304)
أمرت بالبحر
فاقتحم مُؤمن آل فِرْعَوْن فرسه فَرده التيار فَجعل مُوسَى لَا يدْرِي كَيفَ يصنع وَكَانَ الله قد أوحى إِلَى الْبَحْر: أَن أطع مُوسَى وَآيَة ذَلِك إِذا ضربك بعصا فَأوحى الله إِلَى مُوسَى: أَن اضْرِب بعصاك الْبَحْر
فَضَربهُ {فانفلق فَكَانَ كل فرق كالطود الْعَظِيم} فَدخل بَنو إِسْرَائِيل واتبعهم آل فِرْعَوْن فَلَمَّا خرج آخر بني إِسْرَائِيل وَدخل آخر آل فِرْعَوْن أطبق الله عَلَيْهِم الْبَحْر
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ قَالَ: نزل جِبْرِيل يَوْم غرق فِرْعَوْن وَعَلِيهِ عِمَامَة سَوْدَاء
وَأخرج الْخَطِيب فِي الْمُتَّفق والمفترق عَن أبي الدَّرْدَاء قَالَ جعل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يصفق بيدَيْهِ ويعجب من بني إِسْرَائِيل وتعنتهم لما حَضَرُوا الْبَحْر وحضرهم عدوهم
جاؤا مُوسَى فَقَالُوا: قد حَضَرنَا العدوّ فَمَاذَا أمرت قَالَ: أَن أنزل هَهُنَا فاما أَن يفتح لي رَبِّي ويهزمهم وَأما أَن يفرق لي هَذَا الْبَحْر
فَضَربهُ فتأطط كَمَا تتأطط الْفرش ثمَّ ضربه الثَّانِيَة فانصدع فَقَالَ: هَذَا من سُلْطَان رَبِّي
فاجازوا الْبَحْر فَلم يسمع بِقوم أعظم ذَنبا وَلَا أسْرع تَوْبَة مِنْهُم(6/305)
وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ (69) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ (70) قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ (71) قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ (72) أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ (73) قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ (74) قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (75) أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ (76) فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ (77)
- قَوْله تَعَالَى: واتل عَلَيْهِم نبأ إِبْرَاهِيم إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَومه مَا تَعْبدُونَ قَالُوا نعْبد أصناما فنظل لَهَا عاكفين قَالَ هَل يسمعونكم إِذْ تدعون أَو ينفعونكم أَو يضرون قَالُوا بل وجدنَا آبَاءَنَا كَذَلِك يَفْعَلُونَ قَالَ أَفَرَأَيْتُم مَا كُنْتُم تَعْبدُونَ أَنْتُم وآباؤكم الأقدمون فَإِنَّهُم عَدو لي إِلَّا رب الْعَالمين
أخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {فنظل لَهَا عاكفين} قَالَ: عابدين {قَالَ هَل يسمعونكم إِذْ تدعون} يَقُول: هَل تجيبكم آلِهَتكُم إِذا دعوتموهم
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {هَل يسمعونكم} قَالَ: هَل يسمعُونَ أَصْوَاتكُم(6/305)
الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (79) وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80) وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (81) وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ (82) رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (83) وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ (84) وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ (85)
- قَوْله تَعَالَى: الَّذِي خلقني فَهُوَ يهدين وَالَّذِي هُوَ يطعمني ويسقين وَإِذا مَرضت فَهُوَ يشفين وَالَّذِي يميتني ثمَّ يحيين وَالَّذِي أطمع أَن يغْفر لي خطيئتي يَوْم الدّين(6/305)
رب هَب لي حكما وألحقني بالصالحين وَاجعَل لي لِسَان صدق فِي الآخرين واجعلني من وَرَثَة جنَّة النَّعيم
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة قَالَ: كَانَ يُقَال أول نعْمَة الله على عَبده حِين خلقه
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {أطمع أَن يغْفر لي خطيئتي يَوْم الدّين} قَالَ: قَوْله {إِنِّي سقيم} الصافات الْآيَة 29 وَقَوله {بل فعله كَبِيرهمْ هَذَا} الْأَنْبِيَاء الْآيَة 63 وَقَوله لسارة: إِنَّهَا أُخْتِي
حِين أَرَادَ فِرْعَوْن من الفراعنة أَن يَأْخُذهَا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وألحقني بالصالحين} يَعْنِي أهل الْجنَّة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وَاجعَل لي لِسَان صدق فِي الآخرين} قَالَ: يُؤمن بإبراهيم كل مِلَّة
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي الذّكر وَابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق الْحسن عَن سَمُرَة بن جُنْدُب قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا تَوَضَّأ العَبْد لصَلَاة مَكْتُوبَة فاسبغ الْوضُوء ثمَّ خرج من بَاب دَاره يُرِيد الْمَسْجِد فَقَالَ حِين يخرج: بِسم الله الَّذِي خلقني فَهُوَ يهدين
هداه الله للصَّوَاب - وَلَفظ ابْن مرْدَوَيْه: لصواب الْأَعْمَال - وَالَّذِي هُوَ يطعمني ويسقين
أطْعمهُ الله من طَعَام الْجنَّة وسقاه من شراب الْجنَّة وَإِذا مَرضت فَهُوَ يشفين
شفَاه الله وَجعل مَرضه كَفَّارَة لذنوبه وَالَّذِي يميتني ثمَّ يحيين
أَحْيَاهُ الله حَيَاة السُّعَدَاء وأماته ميتَة الشُّهَدَاء وَالَّذِي أطمع أَن يغْفر لي خطيئتي يَوْم الدّين
غفر الله خطاياه كلهَا وَإِن كَانَت أَكثر من زبد الْبَحْر رب هَب لي حكما وألحقني بالصالحين
وهب الله لَهُ حكما وألحقه بِصَالح من مضى وَصَالح من بَقِي وَاجعَل لي لِسَان صدق فِي الآخرين
كتب فِي ورقة بَيْضَاء أَن فلَان بن فلَان من الصَّادِقين ثمَّ وَفقه الله بعد ذَلِك للصدق واجعلني من وَرَثَة جنَّة النَّعيم
جعل الله لَهُ الْقُصُور والمنازل فِي الْجنَّة وَكَانَ الْحسن يزِيد فِيهِ - واغفر لوالدي كَمَا ربياني صَغِيرا(6/306)
وَأخرج ابْن جرير وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن عَائِشَة أَنَّهَا قَالَت: يَا رَسُول الله إِن ابْن جدعَان كَانَ يقري الضَّيْف ويصل الرَّحِم وَيفْعل وَيفْعل
أينفعه ذَلِك قَالَ: لَا
إِنَّه لم يقل يَوْمًا قطّ: رب اغْفِر لي خطيئتي يَوْم الدّين(6/307)
وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ (86) وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ (87) يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88)
- قَوْله تَعَالَى: واغفر لأبي إِنَّه كَانَ من الضَّالّين وَلَا تخزني يَوْم يبعثون يَوْم لَا ينفع مَال وَلَا بنُون
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {واغفر لأبي} قَالَ: اُمْنُنْ عَلَيْهِ بتوبة يسْتَحق بهَا مغفرتك
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَلَا تخزني يَوْم يبعثون} قَالَ: ذكر لنا أَن نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: ليجيئن رجل يَوْم الْقِيَامَة من الْمُؤمنِينَ آخِذا بيد أَب لَهُ مُشْرك حَتَّى يقطعهُ النَّار ويرجو أَن يدْخلهُ الْجنَّة فيناديه مُنَاد: أَنه لَا يدْخل الْجنَّة مششرك
فَيَقُول: رب أبي
ووعدت أَن لَا تخزيني
قَالَ: فَمَا يزَال متشبثاً بِهِ حَتَّى يحوله الله فِي صُورَة سَيِّئَة وريح مُنْتِنَة فِي سُورَة ضبعان فَإِذا رَآهُ كَذَلِك تَبرأ مِنْهُ وَقَالَ: لست بِأبي قَالَ: فَكُنَّا نرى أَنه يَعْنِي إِبْرَاهِيم وَمَا سمى بِهِ يَوْمئِذٍ
وَأخرج البُخَارِيّ وَالنَّسَائِيّ عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: يلقى إِبْرَاهِيم أَبَاهُ آزر يَوْم الْقِيَامَة وعَلى وَجه آزر قترة وغبرة فَيَقُول لَهُ إِبْرَاهِيم: ألم أقل لَك لَا تعصيني فَيَقُول أَبوهُ: فاليوم لَا أعصيك فَيَقُول إِبْرَاهِيم: رب إِنَّك وَعَدتنِي أَن لَا تخزيني يَوْم يبعثون فَأَي خزي أخزى من أبي الْأَبْعَد
فَيَقُول الله: إِنِّي حرَّمت الْجنَّة على الْكَافرين
ثمَّ يُقَال: يَا إِبْرَاهِيم مَا تَحت رجليك فَإِذا هُوَ بذيخ متلطخ فَيُؤْخَذ بقوائمه فَيلقى فِي النَّار
وَأخرج أَحْمد عَن رجل من بني كنَانَة قَالَ: صليت خلف النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَام الْفَتْح فَسَمعته يَقُول اللَّهُمَّ لَا تخزني يَوْم الْقِيَامَة(6/307)
إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89)
- قَوْله تَعَالَى: إِلَّا من أَتَى الله بقلب سليم
أخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {إِلَّا من أَتَى الله بقلب سليم} قَالَ: شهداة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله(6/307)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة فِي قَوْله {إِلَّا من أَتَى الله بقلب سليم} قَالَ: كَانَ يُقَال: سليم من الشّرك
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {إِلَّا من أَتَى الله بقلب سليم} قَالَ: من الشّرك
لَيْسَ فِيهِ شكّ فِي الْحق
وَأخرج عبد بن حميد عَن عون قَالَ: ذكرُوا الْحجَّاج عِنْد ابْن سِيرِين فَقَالَ: غير مَا تَقولُونَ أخوف على الْحجَّاج عِنْدِي مِنْهُ قلت: وَمَا هُوَ قَالَ: إِن كَانَ لَقِي الله بقلب سليم فقد أصَاب الذُّنُوب خير مِنْهُ قلت: وَمَا الْقلب السَّلِيم قَالَ: إِن يعلم أَنه لَا إِلَه إِلَّا الله(6/308)
وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ (90) وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ (91) وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (92) مِنْ دُونِ اللَّهِ هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ أَوْ يَنْتَصِرُونَ (93)
- قَوْله تَعَالَى: وأزلفت الْجنَّة لِلْمُتقين وبرزت الْجَحِيم للغاوين وَقيل لَهُم أَيْن مَا كُنْتُم تَعْبدُونَ من دون الله هَل ينصرونكم أَو ينتصرون
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك {وأزلفت الْجنَّة لِلْمُتقين} قَالَ: قربت لأَهْلهَا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن نُبيح ابْن امْرَأَة كَعْب قَالَ: تزلف الْجنَّة ثمَّ تزخرف ثمَّ ينظر إِلَيْهَا من خلق الله
من مُسلم أَو يَهُودِيّ أَو نَصْرَانِيّ إِلَّا رجلَانِ
رجلا قتل مُؤمنا مُتَعَمدا أَو رجلا قتل معاهدا مُتَعَمدا(6/308)
فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ (94) وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ (95) قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ (96) تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (97) إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (98)
- قَوْله تَعَالَى: فكبكبوا فِيهَا هم والغاوون وجنود إِبْلِيس أَجْمَعُونَ قَالُوا وهم فِيهَا يختصمون تالله إِن كُنَّا لفي ضلال مُبين إِذْ نسويكم بِرَبّ الْعَالمين
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {فكبكبوا فِيهَا} قَالَ: جمعُوا فِيهَا {هم والغاوون} قَالَ: مُشْرِكُوا الْعَرَب والآلهة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد {فكبكبوا} قَالَ: رموا
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ {فكبكبوا فِيهَا} قَالَ: فِي النَّار {هم} قَالَ: الْآلهَة {والغاوون} قَالَ: مشركو قُرَيْش {وجنود إِبْلِيس} قَالَ: ذُرِّيَّة إِبْلِيس وَمن ولد(6/308)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {والغاوون} قَالَ: الشَّيَاطِين
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن جَابر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن النَّاس يَمرونَ يَوْم الْقِيَامَة على الصِّرَاط: والصراط دحض مزلة يَتَكَفَّأ بأَهْله
وَالنَّار تَأْخُذ مِنْهُم وَإِن جَهَنَّم لتنطف عَلَيْهِم مثل الثَّلج إِذا وَقع لَهَا زفير وشهيق
فَبَيْنَمَا هم كَذَلِك اذا جَاءَهُم نِدَاء من الرَّحْمَن: عبَادي من كُنْتُم تَعْبدُونَ فِي دَار الدُّنْيَا فَيَقُولُونَ: رب أَنْت تعلم انا إياك كُنَّا نعْبد
فَيُجِيبهُمْ بِصَوْت لم يسمع الْخَلَائق مثله قطّ: عبَادي حق عليّ أَن لَا أَكِلَكُمُ الْيَوْم إِلَى أحد غَيْرِي فقد عَفَوْت عَنْكُم ورضيت عَنْكُم
فتقوم الْمَلَائِكَة عِنْد ذَلِك بالشفاعة فينحون من ذَلِك الْمَكَان فَيَقُول الَّذين تَحْتهم فِي النَّار {فَمَا لنا من شافعين وَلَا صديق حميم فَلَو أَن لنا كرة فنكون من الْمُؤمنِينَ} إِبْرَاهِيم الْآيَة 43 قَالَ الله {فكبكبوا فِيهَا هم والغاوون} قَالَ ابْن عَبَّاس: ادخروا فِيهَا إِلَى آخر الدَّهْر)
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عبد الله بن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن أمتِي ستحشر يَوْم الْقِيَامَة فَبَيْنَمَا هم وقُوف إِذْ جَاءَهُم مُنَاد من الله: ليعتزل سفاكو الدِّمَاء بِغَيْر حَقّهَا
فيميزون على حِدة فيسيل عِنْدهم سيل من دم ثمَّ يَقُول لَهُم الدَّاعِي: اعيدوا هَذِه الدِّمَاء فِي أجسادها فَيَقُول: احشروهم إِلَى النَّار
فَبَيْنَمَا هم يجرونَ إِلَى النَّار إِذْ نَادَى مُنَاد فَقَالَ: إِن الْقَوْم قد كَانُوا يهللون
فيوقفون مِنْهَا مَكَانا يَجدونَ وهجها حَتَّى يفرغ من حِسَاب أمة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ يكبكبون فِي النَّار {هم والغاوون} {وجنود إِبْلِيس أَجْمَعُونَ}
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي أُمَامَة أَن عَائِشَة قَالَت: يَا رَسُول الله يكون يَوْم لَا يغنى عَنَّا فِيهِ من الله شَيْء قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نعم
فِي ثَلَاث مَوَاطِن عِنْد الْمِيزَان وَعند النُّور والظلمة وَعند الصِّرَاط
من شَاءَ الله سلمه وَأَجَازَهُ وَمن شَاءَ كبكبه فِي النَّار قَالَت: يَا رَسُول الله وَمَا الصِّرَاط قَالَ: طَرِيق بَين الْجنَّة وَالنَّار يجوز النَّاس عَلَيْهِ مثل حد الموسى وَالْمَلَائِكَة صافون يَمِينا وَشمَالًا يخطفونهم بالكلاليب مثل شوك السعدان وهم يَقُولُونَ: سلم سلم {وأفئدتهم هَوَاء} إِبْرَاهِيم الْآيَة 43 فَمن شَاءَ الله سلمه وَمن شَاءَ كبكبه فِي النَّار(6/309)
وَمَا أَضَلَّنَا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ (99) فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ (100) وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ (101) فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (102) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (103) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (104)
- قَوْله تَعَالَى: وَمَا أضلنا إِلَّا المجرمون فَمَا لنا من شافعين وَلَا صديق حميم فَلَو أَن لنا كرة فنكون من الْمُؤمنِينَ إِن فِي ذَلِك لآيَة وَمَا كَانَ أَكْثَرهم مُؤمنين وَإِن رَبك لَهو الْعَزِيز الرَّحِيم
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله {وَمَا أضلنا إِلَّا المجرمون} يَقُول: الأوّلون الَّذين كَانُوا قبلنَا اقتدينا بهم فضللنا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة {وَمَا أضلنا إِلَّا المجرمون} قَالَ: إِبْلِيس وَابْن آدم الْقَاتِل
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج {فَمَا لنا من شافعين} قَالَ: من أهل السَّمَاء {وَلَا صديق حميم} قَالَ: من أهل الأَرْض
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد {وَلَا صديق حميم} قَالَ: شفيق
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {فَلَو أَن لنا كرة} قَالَ: رَجْعَة إِلَى الدُّنْيَا {فنكون من الْمُؤمنِينَ} قَالَ: حَتَّى تحل لنا الشَّفَاعَة كَمَا حلت لهَؤُلَاء
وَالله أعلم(6/310)
كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ (105) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلَا تَتَّقُونَ (106) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (107) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (108) وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (109) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (110) قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ (111) قَالَ وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (112) إِنْ حِسَابُهُمْ إِلَّا عَلَى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ (113) وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الْمُؤْمِنِينَ (114) إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ (115) قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ (116) قَالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ (117) فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحًا وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (118) فَأَنْجَيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (119) ثُمَّ أَغْرَقْنَا بَعْدُ الْبَاقِينَ (120) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (121) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (122)
- قَوْله تَعَالَى: كذبت قوم نوح الْمُرْسلين إِذْ قَالَ لَهُم أخوهم نوح أَلا تَتَّقُون إِنِّي لكم رَسُول أَمِين فَاتَّقُوا الله وأطيعون وَمَا أَسأَلكُم عَلَيْهِ من أجر إِن أجري إِلَّا على رب الْعَالمين فَاتَّقُوا الله وأطيعون قَالُوا أنؤمن لَك واتبعك الأرذلون قَالَ وَمَا علمي بِمَا كَانُوا يعْملُونَ إِن حسابهم إِلَّا على رَبِّي لَو تشعرون وَمَا أَنا بطارد الْمُؤمنِينَ إِن أَنا إِلَّا نَذِير مُبين قَالُوا لَئِن لم تَنْتَهِ يانوح لتكونن من المرجومين قَالَ رب إِن قومِي كذبون فافتح بيني وَبينهمْ فتحا ونجني وَمن معي من الْمُؤمنِينَ فأنجيناه وَمن مَعَه فِي الْفلك المشحون ثمَّ أغرقنا بعد البَاقِينَ إِن فِي ذَلِك لآيَة وَمَا كَانَ أَكْثَرهم مُؤمنين وَإِن رَبك لَهو الْعَزِيز الرَّحِيم(6/310)
أخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس {قَالُوا أنؤمن لَك} قَالُوا: أنصدقك
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {واتبعك الأرذلون} قَالَ: الحوّاكون
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {واتبعك الأرذلون} قَالَ: سفلَة النَّاس وَأَرَاذِلهمْ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة {واتبعك الأرذلون} قَالَ: الحوّاكون
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج {إِن حسابهم إِلَّا على رَبِّي} قَالَ: هُوَ أعلم بِمَا فِي أنفسهم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {لتكونن من المرجومين} قَالَ: بِالْحِجَارَةِ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن {لتكونن من المرجومين} قَالَ: بالشتيمة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {فافتح بيني وَبينهمْ فتحا} قَالَ: اقْضِ بيني وَبينهمْ قَضَاء
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن أبي صَالح
مثله
وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس إِن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله عزَّ وَجل {الْفلك المشحون} قَالَ: السَّفِينَة الموقورة الممتلئة
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم
أما سَمِعت قَول عبيد بن الأبرص: شحنا أَرضهم بِالْخَيْلِ حَتَّى تركناهم أذلّ من الصِّرَاط وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ: تَدْرُونَ مَا المشحون قُلْنَا: لَا
قَالَ هُوَ الموقر
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {الْفلك المشحون} قَالَ: الممتلىء
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {الْفلك المشحون} قَالَ: المملوء المفروغ مِنْهُ تحميلاً
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة {فِي الْفلك المشحون} قَالَ: الْمحمل(6/311)
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة {فِي الْفلك المشحون} كُنَّا نُحدث: إِنَّه الموقر
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن الشّعبِيّ {فِي الْفلك المشحون} قَالَ: المثقل
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس
مثله
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي صَالح {فِي الْفلك المشحون} قَالَ: سفينة نوح(6/312)
كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ (123) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلَا تَتَّقُونَ (124) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (125) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (126) وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (127) أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ (128) وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ (129) وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ (130) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (131) وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ (132) أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ (133) وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (134) إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (135) قَالُوا سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْوَاعِظِينَ (136) إِنْ هَذَا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ (137) وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (138) فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (139) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (140)
- قَوْله تَعَالَى: كذبت عَاد الْمُرْسلين إِذْ قَالَ لَهُم أخوهم هود أَلا تَتَّقُون إِنِّي لكم رَسُول أَمِين فَاتَّقُوا الله وأطيعون وَمَا أَسأَلكُم عَلَيْهِ من أجر إِن أجري إِلَّا على رب العلمين أتبنون بِكُل ريع آيَة تعبثون وتتخذون مصانع لَعَلَّكُمْ تخلدون وَإِذا بطشتم بطشتم جبارين فَاتَّقُوا الله وأطيعون وَاتَّقوا الَّذِي أمدكم بِمَا تعلمُونَ أمدكم بأنعام وبنين وجنات وعيون إِنِّي أَخَاف عَلَيْكُم عَذَاب يَوْم عَظِيم قَالُوا سَوَاء علينا أوعظت أم لم تكن من الواعظين إِن هَذَا إِلَّا خلق الْأَوَّلين وَمَا نَحن بمعذبين فَكَذبُوهُ فأهلكناهم إِن فِي ذَلِك لآيَة وَمَا كَانَ أَكْثَرهم مُؤمنين وَإِن رَبك لَهو الْعَزِيز الرَّحِيم
أخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {أتبنون بِكُل ريع} قَالَ: طَرِيق {آيَة} قَالَ: علما {تعبثون} قَالَ: تلعبون
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {أتبنون بِكُل ريع} قَالَ: شرف
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة {أتبنون بِكُل ريع} قَالَ: طَرِيق
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي صَخْر قَالَ الرّيع مَا اسْتقْبل الطَّرِيق بَين الْجبَال والظراب
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَسَعِيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير(6/312)
وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {أتبنون بِكُل ريع} قَالَ: بِكُل فج بَين جبلين {آيَة} قَالَ: بنيانا {وتتخذون مصانع} قَالَ: بروج الْحمام
وَأخرج ابْن جرير عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله {تعبثون} قَالَ: تلعبون
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد {وتتخذون مصانع} قَالَ: قصوراً مشيدة وبنياناً مخلداً
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة {وتتخذون مصانع} قَالَ: مآخذ للْمَاء قَالَ: وَكَانَ فِي بعض الْقِرَاءَة (وتتخذون مصانع كأنكم خَالدُونَ)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {لَعَلَّكُمْ تخلدون} قَالَ: كأنكم تخلدون
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَإِذا بطشتم بطشتم جبارين} قَالَ: بِالسَّوْطِ وَالسيف
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {بطشتم جبارين} قَالَ: أقوياء
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {بطشتم جبارين} قَالَ: أقوياء
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {إِن هَذَا إِلَّا خلق الْأَوَّلين} قَالَ: دين الأوّلين
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {إِن هَذَا إِلَّا خلق الْأَوَّلين} قَالَ: أساطير الْأَوَّلين
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالطَّبَرَانِيّ عَن ابْن مَسْعُود أَنه كَانَ يقْرَأ {إِن هَذَا إِلَّا خلق الْأَوَّلين} يَقُول شَيْء اختلقوه وَفِي لفظ يَقُول / اخْتِلَاق الْأَوَّلين /
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {إِن هَذَا إِلَّا خلق الْأَوَّلين} قَالَ: كذبهمْ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن عَلْقَمَة {إِن هَذَا إِلَّا خلق الْأَوَّلين} قَالَ: اختلاقهم(6/313)
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ {أَن هَذَا إِلَّا خلق الْأَوَّلين} مَرْفُوعَة الْخَاء مثقلة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {إِن هَذَا إِلَّا خلق الْأَوَّلين} قَالَ: هَكَذَا خلقت الْأَولونَ وَهَكَذَا كَانَ النَّاس يعيشون مَا عاشوا ثمَّ يموتون وَلَا بعث عَلَيْهِم وَلَا حِسَاب {وَمَا نَحن بمعذبين} أَي إِنَّمَا نَحن مثل الْأَوَّلين نَعِيش كَمَا عاشوا ثمَّ نموت لَا حِسَاب وَلَا عَذَاب علينا وَلَا بعث(6/314)
كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ (141) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ أَلَا تَتَّقُونَ (142) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (143) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (144) وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (145) أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَا آمِنِينَ (146) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (147) وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ (148) وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ (149) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (150) وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ (151) الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ (152) قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ (153) مَا أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا فَأْتِ بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (154) قَالَ هَذِهِ نَاقَةٌ لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (155) وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ (156) فَعَقَرُوهَا فَأَصْبَحُوا نَادِمِينَ (157) فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (158) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (159)
- قَوْله تَعَالَى: كذبت ثَمُود الْمُرْسلين إِذْ قَالَ لَهُم أخوهم صَالح أَلا تَتَّقُون إِنِّي لكم رَسُول أَمِين فَاتَّقُوا الله وأطيعون وَمَا أَسأَلكُم عَلَيْهِ من أجر إِن أجري إِلَّا على رب الْعَالمين أتتركون فِيمَا هَاهُنَا آمِنين فِي جنَّات وعيون وزروع ونخل طلعها هضيم وتنحتون من الْجبَال بُيُوتًا فرهين فَاتَّقُوا الله وأطيعون وَلَا تطيعوا أَمر المسرفين الَّذين يفسدون فِي الأَرْض وَلَا يصلحون قَالُوا إِنَّمَا أَنْت من المسحرين مَا أَنْت إِلَّا بشر مثلنَا فأت بِآيَة إِن كنت من الصَّادِقين قَالَ هَذِه نَاقَة لَهَا شرب وَلكم شرب يَوْم مَعْلُوم وَلَا تمسوها بِسوء فيأخذكم عَذَاب يَوْم عَظِيم فَعَقَرُوهَا فَأَصْبحُوا نادمين وَأَخذهم الْعَذَاب إِن فِي ذَلِك لآيَة وَمَا كَانَ أَكْثَرهم مُؤمنين وَإِن رَبك لَهو الْعَزِيز الرَّحِيم
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {ونخل طلعها هضيم} قَالَ: معشب
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس أَن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ أَخْبرنِي عَن قَوْله عزَّ وجلَّ {طلعها هضيم} قَالَ: منضم بعضه إِلَى بعض قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم
أما سَمِعت قَول امرىء الْقَيْس: دَار لبيضاء الْعَوَارِض طفلة مهضومة الكشحين ريا المعصم(6/314)
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد عَن يزِيد بن أبي زِيَاد {ونخل طلعها هضيم} قَالَ: هُوَ الرطب وَفِي لفظ قَالَ: المذنب الَّذِي قد رطب بعضه
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة {طلعها هضيم} قَالَ: لين
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن {طلعها هضيم} قَالَ: الرخو
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن الضَّحَّاك قَالَ الهضيم إِذا بلغ الْبُسْر فِي عذوقه فَعظم
فَذَلِك الهضم
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد {طلعها هضيم} قَالَ: يتهشم تهشماً
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد {طلعها هضيم} قَالَ: الطلعة إِذا مسستها تناثرت
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن {طلعها هضيم} قَالَ: لَيْسَ فِيهِ نوى
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة قَالَ الهضيم الرطب اللين
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ {وتنحتون} بِكَسْر الْحَاء (الْجبَال بُيُوتًا فارهين) بِالْألف
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {فارهين} قَالَ: حاذقين
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي صَالح فِي قَوْله {فارهين} قَالَ: حاذقين بنحتها
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُعَاوِيَة بن قُرَّة {فارهين} قَالَ: حاذقين
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {فارهين} قَالَ: أشرين
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {فارهين} قَالَ: شرهين
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَطِيَّة فِي قَوْله {فارهين} قَالَ: متجبرين(6/315)
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن عبد الله بن شَدَّاد فِي قَوْله {فارهين} قَالَ: يتجبرون
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {فارهين} قَالَ: معجبين بصنعكم
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَلَا تطيعوا أَمر المسرفين} قَالَ: هم الْمُشْركُونَ وَفِي قَوْله {إِنَّمَا أَنْت من المسحرين} قَالَ: هم الساحرون
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {إِنَّمَا أَنْت من المسحرين} قَالَ: المسحورين
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر والخطيب وَابْن عَسَاكِر من طرق عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {إِنَّمَا أَنْت من المسحرين} قَالَ: من المخلوقين ثمَّ أنْشد قَول لبيد بن ربيعَة: إِن تسألينا فيمَ نَحن فإننا عصافير من هَذَا الْأَنَام المسحر وَأخرج ابْن الْأَنْبَارِي فِي الْوَقْف والابتداء عَن أبي صَالح وَمُجاهد فِي قَوْله {من المسحرين} قَالَا: من المخدوعين
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ {إِنَّمَا أَنْت من المسحرين} مثقلة وَقَالَ: المسحر: السوقة الَّذِي لَيْسَ بِملك
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب من عَاشَ بعد الْمَوْت وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس
أَن صَالحا بَعثه الله إِلَى قومه فآمنوا بِهِ ثمَّ إِنَّه لما مَاتَ كفر قومه وَرَجَعُوا عَن الإِسلام فاحيا الله لَهُم صَالحا وَبَعثه إِلَيْهِم فَقَالَ: أَنا صَالح فَقَالُوا: قد مَاتَ صَالح إِن كنت صَالحا {فأت بِآيَة إِن كنت من الصَّادِقين} فَبعث الله النَّاقة فَعَقَرُوهَا وَكَفرُوا فاهلكوا وعاقرها رجل نساج يُقَال لَهُ قدار بن سالف
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة قَالَ {هَذِه نَاقَة لَهَا شرب وَلكم شرب يَوْم مَعْلُوم} قَالَ: كَانَت إِذا كَانَ يَوْم شربهَا شربت مَاءَهُمْ كُله فَإِذا كَانَ يَوْم شربهم كَانَ لأَنْفُسِهِمْ ومواشيهم وأرضهم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: إِذا كَانَ يَوْمهَا أصدرتهم لَبَنًا مَا شاؤا(6/316)
كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ (160) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلَا تَتَّقُونَ (161) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (162) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (163) وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (164) أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ (165) وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ (166) قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ (167) قَالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقَالِينَ (168) رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ (169) فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ (170) إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ (171) ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ (172) وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ (173) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (174) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (175)
- قَوْله تَعَالَى: كذبت قوم لوط الْمُرْسلين إِذْ قَالَ لَهُم أخوهم لوط أَلا تَتَّقُون إِنِّي لكم رَسُول أَمِين فَاتَّقُوا الله وأطيعون وَمَا أَسأَلكُم عَلَيْهِ من أجر إِن أجري إلاعلى رب الْعَالمين أتأنون الذكران من الْعَالمين وتذرون مَا خلق لكم ربكُم من أزواجكم بل أَنْتُم قوم عادون قَالُوا لَئِن لم تَنْتَهِ يَا لوط لتكونن من الخرجين قَالَ إِنِّي لعملكم من القالين رب نجني وَأَهلي مِمَّا يعْملُونَ فنجيناه وَأَهله أَجْمَعِينَ إِلَّا عجوزاً فِي الغابرين ثمَّ دمرنا الآخرين وأمطرنا عَلَيْهِم مَطَرا فسَاء مطر الْمُنْذرين إِن فِي ذَلِك لآيَة وَمَا كَانَ أَكْثَرهم مُؤمنين وَإِن رَبك لَهو الْعَزِيز الرَّحِيم
أخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وتذرون مَا خلق لكم ربكُم من أزواجكم} قَالَ: تركْتُم اقبال النِّسَاء إِلَى أدبار الرِّجَال وأدبار النِّسَاء
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد {وتذرون مَا خلق لكم ربكُم من أزواجكم} قَالَ: مَا أصلح لكم يَعْنِي الْقبل
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة {وتذرون مَا خلق لكم ربكُم من أزواجكم} يَقُول: ترك اقبال النِّسَاء إِلَى ادبار الرِّجَال
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله {بل أَنْتُم قوم عادون} قَالَ: متعدون
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد قَالَ: فِي قِرَاءَة عبد الله (وواعدناه أَن نؤمنه أَجْمَعِينَ إِلَّا عجوزاً فِي الغابرين)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة {إِلَّا عجوزاً فِي الغابرين} قَالَ: هِيَ امْرَأَة لوط غبرت فِي عَذَاب
وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس
أَن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله {فِي الغابرين} قَالَ: فِي البَاقِينَ قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم
أما سَمِعت قَول عبيد بن الأبرص: ذَهَبُوا وخلفني المخلف فيهم فكأنني فِي الغابرين غَرِيب(6/317)
كَذَّبَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ (176) إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلَا تَتَّقُونَ (177) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (178) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (179) وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (180) أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ (181) وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ (182) وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (183) وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ (184) قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ (185) وَمَا أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ (186) فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (187) قَالَ رَبِّي أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ (188) فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (189) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (190) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (191)
- قَوْله تَعَالَى: كذب أَصْحَاب الأيكة الْمُرْسلين إِذْ قَالَ لَهُم شُعَيْب أَلا تَتَّقُون إِنِّي لكم رَسُول أَمِين فَاتَّقُوا الله وأطيعون وَمَا أَسأَلكُم عَلَيْهِ من أجر إِن أجري إِلَّا على رب الْعَالمين وأوفوا الْكَيْل وَلَا تَكُونُوا من المخسرين وزنوا بالقسطاس الْمُسْتَقيم وَلَا تبخسوا النَّاس أشياءهم وَلَا تعثوا فِي الأَرْض مفسدين وَاتَّقوا الَّذِي خَلقكُم والجبلة الْأَوَّلين قَالُوا إِنَّمَا أنتمن المسحرين وَمَا أَنْت إِلَّا بشر مثلنَا وَإِن نظنك لمن الْكَاذِبين فأسقط علينا كسفا من السَّمَاء إِن كنت من الصَّادِقين قَالَ رَبِّي أعلم بِمَا تَعْمَلُونَ فَكَذبُوهُ فَأَخذهُم عَذَاب يَوْم الظلة أَنه كَانَ عَذَاب يَوْم عَظِيم إِن فِي ذَلِك لآيَة وَمَا كَانَ أَكْثَرهم مُؤمنين وَإِن رَبك لَهو الْعَزِيز الرَّحِيم
أخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد ليكة قَالَ {الأيكة}
وَأخرج اسحق بن بشر وَابْن عَسَاكِر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {كذب أَصْحَاب الأيكة الْمُرْسلين} قَالَ: كَانُوا أَصْحَاب غيضة بَين سَاحل الْبَحْر إِلَى مَدين وَقد أهلكوا فِيمَا يأْتونَ
وَكَانَ أَصْحَاب الأيكة مَعَ مَا كَانُوا فِيهِ من الشّرك استنوا سنة أَصْحَاب مَدين
فَقَالَ لَهُم شُعَيْب {إِنِّي لكم رَسُول أَمِين} {فَاتَّقُوا الله وأطيعون} {وَمَا أَسأَلكُم} على مَا أدعوكم عَلَيْهِ أجرا فِي العاجل فِي أَمْوَالكُم {إِن أجري إِلَّا على رب الْعَالمين} {وَاتَّقوا الَّذِي خَلقكُم والجبلة} يَعْنِي وَخلق الجبلة {الْأَوَّلين} يَعْنِي الْقُرُون الْأَوَّلين الَّذين أهلكوا بِالْمَعَاصِي وَلَا تهلكوا مثلهم {قَالُوا إِنَّمَا أَنْت من المسحرين} يَعْنِي من المخلوقين {وَمَا أَنْت إِلَّا بشر مثلنَا وَإِن نظنك لمن الْكَاذِبين} {فأسقط علينا كسفاً من السَّمَاء} يَعْنِي قطعا من السَّمَاء {فَأَخذهُم عَذَاب يَوْم الظلة} أرسل الله عَلَيْهِم سموماً من جَهَنَّم فأطاف بهم سَبْعَة أَيَّام حَتَّى انضجهم الْحر فحميت بُيُوتهم وغلت مِيَاههمْ فِي الْآبَار والعيون فَخَرجُوا من مَنَازِلهمْ ومحلتهم هاربين والسموم مَعَهم فَسلط الله عَلَيْهِم الشَّمْس من فَوق رؤوسهم فتغشتهم حَتَّى تقلقلت فِيهَا جماجمهم وسلط الله عَلَيْهِم الرمضاء من(6/318)
تَحت أَرجُلهم حَتَّى تساقطت لُحُوم أَرجُلهم ثمَّ أنشأت لَهُم ظلة كالسحابة السَّوْدَاء فَلَمَّا رأوها ابتدروها يستغيثون بظلها حَتَّى إِذا كَانُوا تحتهَا جَمِيعًا
أطبقت عَلَيْهِم فهلكو ونجَّى الله شعيباً وَالَّذين آمنُوا بِهِ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {والجبلة الْأَوَّلين} قَالَ: الْخلق الْأَوَّلين
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد {والجبلة الْأَوَّلين} قَالَ: الخليقة
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة {فأسقط علينا كسفاً من السَّمَاء} قَالَ: قطعا من السَّمَاء
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ قَالَ: إِن أهل مَدين عذبُوا بِثَلَاثَة أَصْنَاف من الْعَذَاب
أخذتهم الرجفة فِي دَارهم حَتَّى خَرجُوا عَلَيْهِم
فَأرْسل الله عَلَيْهِم الظلة فَدخل تحتهَا رجل قَالَ: مَا رَأَيْت كَالْيَوْمِ ظلاً أطيب وَلَا ابرد هلموا أَيهَا النَّاس فَدَخَلُوا جَمِيعًا تَحت الظلة فصاح فيهم صَيْحَة وَاحِدَة فماتوا جَمِيعًا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة قَالَ: {أَصْحَاب الأيكة} أَصْحَاب شجر وهم قوم شُعَيْب وَأَصْحَاب الرس: أَصْحَاب آبار وهم قوم شُعَيْب
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن السّديّ قَالَ: بعث شعيباً إِلَى أَصْحَاب الأيكة - والايكة غيضة - فَكَذبُوهُ فَأَخذهُم عَذَاب يَوْم الظلة
قَالَ: فتح الله عَلَيْهِم بَابا من أَبْوَاب جَهَنَّم فغشيهم من حره مَا لم يطيقوه فتبردوا بِالْمَاءِ وَبِمَا قدرُوا عَلَيْهِ فَبَيْنَمَا هم كَذَلِك اذا رفعت لَهُم سَحَابَة فِيهَا ريح بَارِدَة طيبَة فَلَمَّا وجدوا بردهَا سَارُوا نَحْو الظلة فاتوها يتبردون بهَا فَخَرجُوا من كل شَيْء كَانُوا فِيهِ فَلَمَّا تكاملوا تحتهَا طبقت عَلَيْهِم بِالْعَذَابِ
فَذَلِك قَوْله {فَأَخذهُم عَذَاب يَوْم الظلة}
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن قَالَ: سلط الله الْحر على قوم شُعَيْب سَبْعَة أَيَّام ولياليهن حَتَّى كَانُوا لَا يَنْتَفِعُونَ بِظِل بَيت وَلَا بِبرد مَاء ثمَّ رفعت لَهُم(6/319)
سَحَابَة فِي الْبَريَّة فوجدوا تحتهَا الرّوح فَجعلُوا يدعوا بَعضهم بَعْضًا
حَتَّى إِذا اجْتَمعُوا تحتهَا أشعلها الله عَلَيْهِم نَارا
فَذَلِك قَوْله {فَأَخذهُم عَذَاب يَوْم الظلة}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم عَن ابْن عَبَّاس أَنه سُئِلَ عَن قَوْله {فَأَخذهُم عَذَاب يَوْم الظلة} فَقَالَ: بعث الله عَلَيْهِم وهدة وحراً شَدِيدا فَأخذ بِأَنْفَاسِهِمْ فَدَخَلُوا أَجْوَاف الْبيُوت فَدخل عَلَيْهِم أَجْوَاف الْبيُوت فَأخذ بِأَنْفَاسِهِمْ فَخَرجُوا من الْبيُوت هراباً إِلَى الْبَريَّة
فَبعث الله عَلَيْهِم سَحَابَة فاظلتهم من الشَّمْس فوجدوا لَهَا بردا وَلَذَّة فَنَادَى بَعضهم بَعْضًا حَتَّى إِذا اجْتَمعُوا تحتهَا أسقطها الله عَلَيْهِم نَارا
فَذَلِك قَوْله {عَذَاب يَوْم الظلة}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة {فَأَخذهُم عَذَاب يَوْم الظلة} قَالَ: ذكر لنا أَنه سلط الله عَلَيْهِم الْحر سَبْعَة أَيَّام لَا يظلهم ظلّ وَلَا يَنْفَعهُمْ مِنْهُ شَيْء فَبعث الله عَلَيْهِم سَحَابَة فَلَحقُوا إِلَيْهَا يَلْتَمِسُونَ الرّوح فِي ظلها
فَجَعلهَا الله عَلَيْهِم عذَابا فَأَحْرَقَتْهُمْ
بعثت عَلَيْهِم نَارا فاضطرمت فاكلتهم
فَذَلِك عَذَاب يَوْم الظلة
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَلْقَمَة {فَأَخذهُم عَذَاب يَوْم الظلة} قَالَ: أَصَابَهُم الْحر حَتَّى أقلقهم من بُيُوتهم فَخَرجُوا وَرفعت لَهُم سَحَابَة فَانْطَلقُوا إِلَيْهَا فَلَمَّا استظلوا بهَا أرْسلت إِلَيْهِم فَلم ينفلت مِنْهُم أحد
وَأخرج الْحَاكِم عَن زيد بن أسلم قَالَ: كَانَ ينهاهم عَن قطع الدَّرَاهِم {فَأَخذهُم عَذَاب يَوْم الظلة} حَتَّى إِذا اجْتَمعُوا كلهم كشف الله عَنْهُم الظلة وأحمى عَلَيْهِم الشَّمْس فاحترقوا كَمَا يَحْتَرِق الْجَرَاد فِي المقلى
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {فَأَخذهُم عَذَاب يَوْم الظلة} قَالَ: ظلل من الْعَذَاب اتاهم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: من حَدثَك من الْعلمَاء: مَا عَذَاب يَوْم الظلة
فكذبه
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: من حَدثَك من الْعلمَاء مَا عَذَاب يَوْم الظلة [] قَالَ: أَخذهم حر أقلقهم من بُيُوتهم فانشئت لَهُم سَحَابَة فأتوها فصيح بهم فِيهَا وَالله أعلم(6/320)
وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (194) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (195) وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ (196) أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ (197) وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ (198) فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ مَا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ (199) كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ (200) لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (201) فَيَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (202) فَيَقُولُوا هَلْ نَحْنُ مُنْظَرُونَ (203) أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ (204) أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ (205) ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ (206) مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ (207) وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا لَهَا مُنْذِرُونَ (208) ذِكْرَى وَمَا كُنَّا ظَالِمِينَ (209) وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ (210) وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ (211) إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ (212) فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ (213)
- قَوْله تَعَالَى: وَإنَّهُ لتنزيلرب الْعَالمين نزل بِهِ الرّوح الْأمين على قَلْبك لتَكون من الْمُنْذرين بِلِسَان عَرَبِيّ مُبين وَإنَّهُ لفي زبر الْأَوَّلين أولم يكن لَهُم آيَة أَن يُعلمهُ عُلَمَاء بني إِسْرَائِيل وَلَو أَنزَلْنَاهُ على بعض الأعجمين فقرأه عَلَيْهِم مَا كَانُوا بِهِ مُؤمنين كَذَلِك سلكناه فِي قُلُوب الْمُجْرمين لَا يُؤمنُونَ بِهِ حَتَّى يرَوا الْعَذَاب الْأَلِيم فيأتيهم بَغْتَة وهم لَا يَشْعُرُونَ فيقولوا هَل نَحن منظرون أفبعذابنا يستعجلون أَفَرَأَيْت إِن متعناهم سِنِين ثمَّ جَاءَهُم مَا كَانُوا يوعدون مَا أغْنى عَنْهُم مَا كَانُوا يمتعون وَمَا أهلكنا من قَرْيَة إِلَّا لَهَا منذرون ذكرى وَمَا كُنَّا ظالمين وَمَا تنزلت بِهِ الشَّيَاطِين وَمَا يَنْبَغِي لَهُم وَمَا يَسْتَطِيعُونَ إِنَّهُم عَن السّمع لمعزولون فَلَا تدع مَعَ الله إِلَهًا آخر فَتكون من الْمُعَذَّبين
أخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة {وَإنَّهُ لتنزيل رب الْعَالمين} قَالَ: هَذَا الْقُرْآن {نزل بِهِ الرّوح الْأمين} قَالَ: جِبْرِيل
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس {نزل بِهِ الرّوح الْأمين} قَالَ: الرّوح الْأمين: جِبْرِيل رَأَيْت لَهُ سِتّمائَة جنَاح من لُؤْلُؤ قد نشرها فهم مثل ريش الطواويس
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن الْحسن أَظُنهُ عَن سعد قَالَ: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الأوان الرّوح الْأمين نفث فِي روعي أَنه لن تَمُوت نفس حَتَّى تستكمل رزقها وَإِن أَبْطَأَ عَلَيْهَا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عبد الله بن مَسْعُود قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَيهَا النَّاس إِنَّه لَيْسَ من شَيْء يقربكم من الْجنَّة ويبعدكم من النَّار إِلَّا قد أَمرتكُم بِهِ وَإنَّهُ لَيْسَ شَيْء يقربكم من النَّار ويبعدكم من الْجنَّة إِلَّا قد نَهَيْتُكُمْ عَنهُ وَأَن الرّوح الْأمين نفث فِي روعي أَنه لَيْسَ من نفس تَمُوت حَتَّى تستوفي رزقها فَاتَّقُوا الله واجملوا فِي الطّلب وَلَا يحملنكم استبطاء الرزق على أَن تطلبوه بمعاصي الله فَإِنَّهُ لَا ينَال مَا عِنْد الله إِلَّا بِطَاعَتِهِ(6/321)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {بِلِسَان عَرَبِيّ مُبين} قَالَ: بِلِسَان قُرَيْش
وَلَو كَانَ غير عَرَبِيّ مَا فهموه
وَأخرج ابْن النجار فِي تَارِيخه عَن ابْن عَبَّاس وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن بُرَيْدَة فِي قلوه {بِلِسَان عَرَبِيّ مُبين} قَالَ: بِلِسَان جرهم
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن بُرَيْدَة
مثله
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عبد الله بن سَلام قَالَ: كَانَ نفر من قُرَيْش من أهل مَكَّة قدمُوا على قوم من يهود من بني قُرَيْظَة لبَعض حوائجهم فوجدوهم يقرأون التَّوْرَاة فَقَالَ القرشيون: مَاذَا نلقى مِمَّن يقْرَأ توراتكم هَذِه لهَؤُلَاء أَشد علينا من مُحَمَّد وَأَصْحَابه
فَقَالَ الْيَهُود: نَحن من أُولَئِكَ بُرَآء
وَأُولَئِكَ يكذبُون على التَّوْرَاة وَمَا أنزل الله فِي الْكتب إِنَّمَا أَرَادوا عرض الدُّنْيَا
فَقَالَ القرشيون: فَإِذا لقيتموهم فسوِّدوا وُجُوههم وَقَالَ المُنَافِقُونَ: وَمَا يُعلمهُ إِلَّا بشر مثله
وَأنزل الله {وَإنَّهُ لتنزيل رب الْعَالمين} إِلَى قَوْله {وَإنَّهُ لفي زبر الْأَوَّلين} يَعْنِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَصفته ونعته وَأمره
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد {وَإنَّهُ لفي زبر الْأَوَّلين} يَقُول: فِي الْكتب الَّتِي أنزلهَا على الْأَوَّلين
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَإنَّهُ لفي زبر الْأَوَّلين} قَالَ: كتب الْأَوَّلين {أَو لم يكن لَهُم آيَة أَن يُعلمهُ عُلَمَاء بني إِسْرَائِيل} قَالَ: يَعْنِي بذلك الْيَهُود وَالنَّصَارَى كَانُوا يعلمُونَ أَنهم يَجدونَ مُحَمَّدًا مَكْتُوبًا عِنْدهم فِي التَّوْرَاة والإِنجيل أَنه رَسُول الله
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ (أَو لم يكن لَهُم آيَة) بِالْيَاءِ
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {أَو لم يكن لَهُم آيَة أَن يُعلمهُ عُلَمَاء بني إِسْرَائِيل} قَالَ: عبد الله بن سَلام وَغَيره من عُلَمَائهمْ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَ عبد الله بن سَلام من عُلَمَاء بني إِسْرَائِيل وَكَانَ من خيارهم فَآمن بِكِتَاب مُحَمَّد فَقَالَ لَهُم الله {أَو لم يكن لَهُم آيَة أَن يُعلمهُ عُلَمَاء بني إِسْرَائِيل}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُبشر بن عبيد الْقرشِي فِي قَوْله {أَو لم يكن لَهُم آيَة}(6/322)
يَقُول: أَو لم يكن لَهُم الْقُرْآن آيَة
وَأخرج ابْن سعد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن عَطِيَّة الْعَوْفِيّ فِي قَوْله {أَو لم يكن لَهُم آيَة أَن يُعلمهُ عُلَمَاء بني إِسْرَائِيل} قَالَ: كَانُوا خَمْسَة
أَسد وَأسيد وَابْن يَامِين وثعلبة وَعبد الله بن سَلام
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَلَو نزلناه على بعض الأعجمين} قَالَ: يَقُول لَو نزلنَا هَذَا الْقُرْآن على بعض الأعجمين لكَانَتْ الْعَرَب أشر النَّاس فِيهِ
لَا يفهمونه وَلَا يَدْرُونَ مَا هُوَ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة {وَلَو نزلناه على بعض الأعجمين} قَالَ: لَو أنزلهُ الله عجمياً لكانوا أخسر النَّاس بِهِ لأَنهم لَا يعْرفُونَ العجمية
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله {وَلَو نزلناه على بعض الأعجمين} قَالَ: الْفرس
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن الْحسن فِي قَوْله {كَذَلِك سلكناه} قَالَ: الشّرك جَعَلْنَاهُ {فِي قُلُوب الْمُجْرمين}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي جَهْضَم قَالَ رُؤِيَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَأَنَّهُ متحير فَسَأَلُوهُ عَن ذَلِك فَقَالَ: وَلم
رَأَيْت عدوّي يلون أَمر أمتِي من بعدِي
فَنزلت {أَفَرَأَيْت إِن متعناهم سِنِين} {ثمَّ جَاءَهُم مَا كَانُوا يوعدون} {مَا أغْنى عَنْهُم مَا كَانُوا يمتعون} فطابت نَفسه
وَأخرج عبد بن حميد عَن سُلَيْمَان بن عبد الْملك
أَنه كَانَ لايدع أَن يَقُول فِي خطبَته كل جُمُعَة: إِنَّمَا أهل الدُّنْيَا فِيهَا على وَجل لم تمض لَهُم نِيَّة وَلم تطمئِن لَهُم دَار حَتَّى يَأْتِي أَمر الله وهم على ذَلِك
لَا يَدُوم نعيمها وَلَا تؤمن فجعاتها وَلَا يبْقى فِيهَا شَيْء ثمَّ يَتْلُو {أَفَرَأَيْت إِن متعناهم سِنِين} {ثمَّ جَاءَهُم مَا كَانُوا يوعدون} {مَا أغْنى عَنْهُم مَا كَانُوا يمتعون}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَمَا أهلكنا من قَرْيَة إِلَّا لَهَا منذرون} قَالَ: الرُّسُل
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَمَا أهلكنا من قَرْيَة إِلَّا لَهَا منذرون} قَالَ: مَا أهلك(6/323)
الله من قَرْيَة إِلَّا من بعد مَا جَاءَتْهُم الرُّسُل وَالْحجّة وَالْبَيَان من الله
وَللَّه الْحجَّة على طَلْقَة {ذكرى} قَالَ: تذكرة لَهُم وموعظة وَحجَّة لله {وَمَا كُنَّا ظالمين} يَقُول: مَا كُنَّا لنعذبهم إِلَّا من بعد الْبَيِّنَة وَالْحجّة والعذر
حَتَّى نرسل الرُّسُل وننزل الْكتب وَفِي قَوْله {وَمَا تنزلت بِهِ الشَّيَاطِين} يَعْنِي الْقُرْآن {وَمَا يَنْبَغِي لَهُم} أَن ينزلُوا بِهِ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ يَقُول لَا يقدرُونَ على ذَلِك وَلَا يستطيعونه {إِنَّهُم عَن السّمع لمعزولون} قَالَ: عَن سمع السَّمَاء
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد فِي قَوْله {وَمَا تنزلت بِهِ الشَّيَاطِين} قَالَ: زَعَمُوا أَن الشَّيَاطِين تنزلت بِهِ على مُحَمَّد
فَأخْبرهُم الله أَنَّهَا لَا تقدر على ذَلِك وَلَا تسطيعه وَمَا يَنْبَغِي لَهُم أَن ينزلُوا بِهَذَا وَهُوَ مَحْجُور عَلَيْهِم(6/324)
وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (214)
- قَوْله تَعَالَى: وأنذر عشيرتك الْأَقْرَبين
أخرج أَحْمد وَعبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الْإِيمَان وَفِي الدَّلَائِل عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما نزلت هَذِه الْآيَة {وأنذر عشيرتك الْأَقْرَبين} دَعَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قُريْشًا وَعم وَخص فَقَالَ يَا معشر قُرَيْش أَنْقِذُوا أَنفسكُم من النَّار فَإِنِّي لَا أملك لكم ضراً وَلَا نفعا يَا معشر بني كَعْب بني لؤَي أَنْقِذُوا أَنفسكُم من النَّار فَإِنِّي لَا أملك لكم ضراً وَلَا نفعا يَا معشر بني قصي أَنْقِذُوا أَنفسكُم من النَّار فَإِنِّي لَا أملك لكم ضراً وَلَا نفعا يَا معشر بني عبد منَاف أَنْقِذُوا أَنفسكُم من النَّار فَإِنِّي لَا أملك لكم ضراً وَلَا نفعا يَا بني عبد الْمطلب أَنْقِذُوا أَنفسكُم من النَّار فَإِنِّي لَا أملك لكم ضراً وَلَا نفعا يَا فَاطِمَة بنت مُحَمَّد انقذي نَفسك من النَّار فَإِنِّي لَا أملك لَك ضراً وَلَا نفعا أَلا إِن لكم رحما وسابلها بِبلَالِهَا
وَأخرج أَحْمد وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: لما نزلت {وأنذر عشيرتك الْأَقْرَبين} قَامَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ يَا فَاطِمَة ابْنة مُحَمَّد يَا صَفِيَّة ابْنة عبد الْمطلب يَا بني عبد الْمطلب لَا أملك لكم من الله شَيْئا سلوني من مَالِي مَا شِئْتُم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن عُرْوَة مُرْسلا
مثلا(6/324)
وَأخرج مُسَدّد وَمُسلم وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير وَالْبَغوِيّ فِي مُعْجَمه والباوردي والطَّحَاوِي وَأَبُو عوَانَة وَابْن قَانِع وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن قبيصَة بن مُخَارق وزفير بن عَمْرو قَالَا: لما نزلت {وأنذر عشيرتك الْأَقْرَبين} انْطلق رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى ربوة من جبل فعلا أَعْلَاهَا حجرا ثمَّ قَالَ يَا بني عبد منَاف أَنِّي نَذِير لكم إِنَّمَا مثلي ومثلكم كَمثل رجل رأى الْعَدو فَانْطَلق يُرِيد أَهله فخشي أَن يسبقوه إِلَى أَهله فَجعل يَهْتِف: يَا صَبَاحَاه
يَا صَبَاحَاه
أتيتم
أتيتم
وَأخرج عبد بن حميد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ قَالَ: لما نزلت {وأنذر عشيرتك الْأَقْرَبين} وضع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إصبعيه فِي أُذُنَيْهِ وَرفع صَوته وَقَالَ يَا بني عبد منَاف يَا صَبَاحَاه
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما نزلت {وأنذر عشيرتك الْأَقْرَبين} بَكَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ جمع أَهله فَقَالَ يَا بني عبد منَاف أَنْقِذُوا أَنفسكُم من النَّار يَا بني عبد الْمطلب أَنْقِذُوا أَنفسكُم من النَّار يَا بني هَاشم أَنْقِذُوا أَنفسكُم من النَّار
ثمَّ الْتفت إِلَى فَاطِمَة فَقَالَ: يَا فَاطِمَة بنت مُحَمَّد انقذي نَفسك من النَّار فَإِنِّي لَا أُغني عَنْكُم من الله شَيْئا غير أَن لكم رحما سابلها بِبلَالِهَا
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن الْبَراء قَالَ: لما نزلت على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وأنذر عشيرتك الْأَقْرَبين} صعد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ربوة من جبل فَنَادَى يَا صَبَاحَاه
فَاجْتمعُوا فَحَذَّرَهُمْ وَأَنْذرهُمْ ثمَّ قَالَ: لَا أملك لكم من الله شَيْئا يَا فَاطِمَة بنت مُحَمَّد انقذي نَفسك من النَّار فَإِنِّي لَا أملك من الله شَيْئا
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن الزبير بن الْعَوام قَالَ: لما نزلت {وأنذر عشيرتك الْأَقْرَبين} صَاح على أبي قبيس يَا آل عبد منَاف إِنِّي نَذِير
فَجَاءَتْهُ قُرَيْش فَحَذَّرَهُمْ
وَأَنْذرهُمْ
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عدي بن حَاتِم أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذكر قُريْشًا فَقَالَ {وأنذر عشيرتك الْأَقْرَبين} يَعْنِي: قومِي
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: لما نزلت {وأنذر عشيرتك الْأَقْرَبين} جعل يَدعُوهُم قبائل قبائل(6/325)
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَالْبُخَارِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: لما نزلت {وأنذر عشيرتك الْأَقْرَبين} ورهطك مِنْهُم المخلصين خرج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى صعد على الصَّفَا فَنَادَى يَا صَبَاحَاه
فَقَالُوا من هَذَا الَّذِي يَهْتِف قَالُوا: مُحَمَّد
فَاجْتمعُوا إِلَيْهِ فَجعل الرجل إِذا لم يسْتَطع أَن يخرج أرسل رَسُولا لينْظر مَا هُوَ فجَاء أَبُو لَهب وقريش فَقَالَ: أَرَأَيْتكُم لَو أَخْبَرتكُم أَن خيلاً بالوادي تُرِيدُ أَن تغير عَلَيْكُم أَكُنْتُم مصدقيَّ قَالُوا: نعم
مَا جربنَا عَلَيْك إِلَّا صدقا قَالَ: فَإِنِّي نَذِير لكم بَين يَدي عَذَاب شَدِيد فَقَالَ أَبُو لَهب: تَبًّا لَك سَائِر الْيَوْم أَلِهَذَا جمعتنَا فَنزلت {تبت يدا أبي لَهب وَتب} المسد الْآيَة 1 - 2
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {وأنذر عشيرتك الْأَقْرَبين} قَالَ: ذكر لنا أَن نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَادَى على الصَّفَا بأفخاذ عشيرته
فخذا فخذاً يَدعُوهُم إِلَى الله
فَقَالَ فِي ذَلِك الْمُشْركُونَ: لقد بَات هَذَا الرجل يهوّت مُنْذُ اللَّيْلَة قَالَ: وَقَالَ الْحسن رَضِي الله عَنهُ: جمع نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أهل بَيته قبل مَوته فَقَالَ أَلا إِن لي عَمَلي وَلكم عَمَلكُمْ أَلا إِنِّي لَا أُغني عَنْكُم من الله شَيْئا أَلا إِن أوليائي مِنْكُم المتقون أَلا لَا أعرفنكم يَوْم الْقِيَامَة تأتون بالدنيا تحملونها على رِقَابكُمْ وَيَأْتِي النَّاس يحملون الْآخِرَة
يَا صَفِيَّة بنت عبد الْمطلب يَا فَاطِمَة بنت مُحَمَّد اعملا فَإِنِّي لَا أُغني عنكما من الله شَيْئا
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ يَا بني هَاشم وَيَا صَفِيَّة عمَّة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنِّي لَا أُغني عَنْكُم من الله شَيْئا
إيَّاكُمْ أَن يَأْتِي النَّاس يحملون الْآخِرَة وتأتون أَنْتُم تحملون الدُّنْيَا وأنكم تردون عليّ الْحَوْض ذَات الشمَال وَذَات الْيَمين فَيَقُول الْقَائِل مِنْكُم: يَا رَسُول الله أَنا فلَان بن فلَان
فاعرف الْحسب وانكر الْوَصْف فاياكم أَن يَأْتِي أحدكُم يَوْم الْقِيَامَة وَهُوَ يحمل على ظَهره فرسا ذَات جمعمة أَبُو بَعِيرًا لَهُ رُغَاء أَو شَاة لَهَا ثُغَاء أَو يحمل قشعاً من أَدَم فيختلجون من دوني وَيُقَال لي: أَنَّك لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بعْدك
فاطيبوا نفسا وَإِيَّاكُم أَن ترجعوا الْقَهْقَرَى من بعدِي قَالَ عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ: إِنَّمَا قَالَ لَهُم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَذَا القَوْل حَيْثُ أنزل الله عَلَيْهِ {وأنذر عشيرتك الْأَقْرَبين}(6/326)
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي امامة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما نزلت {وأنذر عشيرتك الْأَقْرَبين} جمع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بني هَاشم فاجلسهم على الْبَاب وَجمع نِسَاءَهُ وَأَهله فأجلسهم فِي الْبَيْت ثمَّ اطلع عَلَيْهِم فَقَالَ يَا بني هَاشم اشْتَروا أَنفسكُم من النَّار واسعوا فِي فكاك رِقَابكُمْ أَو افتكوها بِأَنْفُسِكُمْ من الله فَإِنِّي لَا أملك لكم من الله شَيْئا ثمَّ أقبل على أهل بَيته فَقَالَ: يَا عَائِشَة بنت أبي بكر وَيَا حَفْصَة بنت عمر وَيَا أم سَلمَة وَيَا فَاطِمَة بنت مُحَمَّد وَيَا أم الزبير عمَّة رَسُول الله اشْتَروا أَنفسكُم من الله واسعوا فِي فكاك رِقَابكُمْ فَإِنِّي لَا أملك لكم من الله شَيْئا وَلَا أُغني فَبَكَتْ عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا وَقَالَت: وَهل يكون ذَلِك يَوْم لَا تغني عَنَّا شئياً قَالَ: نعم
فِي ثَلَاثَة مَوَاطِن
يَقُول الله {وَنَضَع الموازين الْقسْط ليَوْم الْقِيَامَة} الْأَنْبِيَاء الْآيَة 47 فَعِنْدَ ذَلِك لَا أُغني عَنْكُم من الله شَيْئا وَلَا أملك لكم من الله شَيْئا وَعند النُّور من شَاءَ الله أتم لَهُ نوره وَمن شَاءَ أكبه فِي الظُّلُمَات يغمه فِيهَا فَلَا أملك لكم من الله شَيْئا وَلَا أُغني عَنْكُم
من الله شَيْئا وَعند الصِّرَاط من شَاءَ الله سلمه وَمن شَاءَ أجَازه وَمن شَاءَ كبكبه فِي النَّار
قَالَت: عَائِشَة قد علمنَا الموازين: هِيَ الكفتان
فَيُوضَع فِي هَذِه الْيُسْرَى فترجح احداهما وتخف الْأُخْرَى وَقد علمنَا النُّور والظلمة فَمَا الصِّرَاط قَالَ: طَرِيق بَين الْجنَّة وَالنَّار يجوز النَّاس عَلَيْهَا وَهُوَ مثل حد الموس وَالْمَلَائِكَة حفافه يَمِينا وَشمَالًا يخطفونهم بالكلاليب مثل شوك السعدان وهم يَقُولُونَ: رب سلم سلم {وأفئدتهم هَوَاء} فَمن شَاءَ الله سلمه وَمن شَاءَ كبكبه فِيهَا
وَأخرج ابْن إِسْحَق وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل من طَرِيق عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما نزلت هَذِه الْآيَة على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وأنذر عشيرتك الْأَقْرَبين} دَعَاني رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ يَا عليّ إِن الله أَمرنِي أَن أنذر عشيرتي الاقربين فضقت ذرعاً وَعرفت أَنِّي مهما أبادئهم بِهَذَا الامر أرى مِنْهُم مَا أكره
قصمت عَلَيْهَا حَتَّى جَاءَ جِبْرِيل فَقَالَ: يَا مُحَمَّد إِنَّك إِن لم تفعل مَا تُؤمر بِهِ يعذبك رَبك فَاصْنَعْ لي صَاعا من طَعَام وَاجعَل عَلَيْهِ رجل شَاة(6/327)
وَاجعَل لنا عسا من لبن ثمَّ اجْمَعْ لي بني عبد الْمطلب حَتَّى أكلمهم وأبلغ مَا أمرت بِهِ فَفعلت مَا أَمرنِي بِهِ ثمَّ دعوتهم لَهُ وهم يَوْمئِذٍ أَرْبَعُونَ رجلا يزِيدُونَ رجلا أَو ينقصونه فيهم أَعْمَامه أَبُو طَالب وَحَمْزَة وَالْعَبَّاس وَأَبُو لَهب
فَلَمَّا اجتعوا إِلَيْهِ دَعَاني بِالطَّعَامِ الَّذِي صنعت لَهُم فَجئْت بِهِ فَلَمَّا وَضعته تنَاول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بضعَة من اللَّحْم فَشَقهَا باسنانه ثمَّ أَلْقَاهَا فِي نواحي الصحفة ثمَّ قَالَ: كلوا بِسم الله
فَأكل الْقَوْم حَتَّى تهلوا عَنهُ مَا ترى إِلَّا آثَار أَصَابِعهم
وَالله إِن كَانَ الرجل الْوَاحِد ليَأْكُل مَا قدمت لجميعهم
ثمَّ قَالَ: اسْقِ الْقَوْم يَا عَليّ فجئتهم بذلك الْعس فَشَرِبُوا مِنْهُ حَتَّى رووا جَمِيعًا
وَايْم الله إِن كَانَ الرجل مِنْهُم ليشْرب مثله
فَلَمَّا أَرَادَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يكلمهم بدره أَبُو لَهب إِلَى الْكَلَام فَقَالَ: لقد سحركم صَاحبكُم
فَتفرق الْقَوْم وَلم يكلمهم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَلَمَّا كَانَ الْغَد قَالَ: يَا عَليّ ان هَذَا الرجل قد سبقني إِلَى مَا سَمِعت من القَوْل فَتفرق الْقَوْم قبل أَن أكلمهم فعد لنا بِمثل الَّذِي صنعت بالْأَمْس من الطَّعَام وَالشرَاب ثمَّ اجمعهم لي
فَفعلت ثمَّ جمعتهم ثمَّ دَعَاني بِالطَّعَامِ فقربته فَفعل كَمَا فعل بالْأَمْس فَأَكَلُوا وَشَرِبُوا حَتَّى نَهِلُوا ثمَّ تكلم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا بني عبد الْمطلب إِنِّي وَالله مَا أعلم أحدا فِي الْعَرَب جَاءَ قومه بَافضل مِمَّا جِئتُكُمْ بِهِ إِنِّي قد جِئتُكُمْ بِخَير الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَقد أَمرنِي الله ان أدعوكم إِلَيْهِ فايكم يوازرني على أَمْرِي هَذَا فَقلت وَأَنا احدثهم سنا: إِنَّه أَنا
فَقَامَ الْقَوْم يَضْحَكُونَ
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن الْبَراء بن عَازِب قَالَ: لما نزلت هَذِه الْآيَة {وأنذر عشيرتك الْأَقْرَبين} جمع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بني عبد الْمطلب وهم يَوْمئِذٍ أَرْبَعُونَ رجلا مِنْهُم الْعشْرَة يَأْكُلُون المسنة وَيَشْرَبُونَ الْعس وامر عليا بِرَجُل شَاة صنعها لَهُم ثمَّ قربهَا إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأخذ مِنْهَا بضعَة فاكل مِنْهَا ثمَّ تتبع بهَا جَوَانِب الْقَصعَة ثمَّ قَالَ ادْنُوا بِسم الله
فَدَنَا الْقَوْم عشرَة
عشرَة
فَأَكَلُوا حَتَّى صدرُوا ثمَّ دَعَا بِقَعْبٍ من لبن فجرع مِنْهَا جرعة فناولهم فَقَالَ: اشربوا بِسم الله
فَشَرِبُوا حَتَّى رووا عَن آخِرهم فَقطع كَلَامهم رجل فَقَالَ لَهُم: مَا سحركم مثل هَذَا الرجل(6/328)
فاسكت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمئِذٍ فَلم يتَكَلَّم
ثمَّ دعاهم من الْغَد على مثل ذَلِك من الطَّعَام وَالشرَاب ثمَّ بدرهم بالْكلَام فَقَالَ: يَا بني عبد الْمطلب إِنِّي أَنا النذير إِلَيْكُم من الله والبشير قد جِئتُكُمْ بِمَا لم يَجِيء بِهِ أحد
جِئتُكُمْ بالدنيا وَالْآخِرَة فاسلموا تسلموا وَأَطيعُوا تهتدوا
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وأنذر عشيرتك الْأَقْرَبين} قَالَ: أَمر الله مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن ينذر قومه وَيبدأ بِأَهْل بَيته وفصيلته قَالَ: {وَكذب بِهِ قَوْمك وَهُوَ الْحق} الانعام الْآيَة 66
وَأخرج ابْن جرير عَن عَمْرو بن مرّة أَنه كَانَ يقْرَأ (وأنذر عشيرتك الْأَقْرَبين ورهطك مِنْهُم المخلصين)
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه وَابْن عَسَاكِر والديلمي عَن عبد الْوَاحِد الدِّمَشْقِي قَالَ: رَأَيْت أَبَا الدَّرْدَاء يحدث النَّاس ويفتيهم
وَولده وَأهل بَيته جُلُوس فِي جَانب الدَّار يتحدثون فَقيل لَهُ: يَا أَبَا الدَّرْدَاء مَا بَال النَّاس يرغبون فِيمَا عنْدك من الْعلم وَأهل بَيْتك جُلُوس لاهين فَقَالَ: اني سَمِعت نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول أَن ازهد النَّاس فِي الْأَنْبِيَاء واشدهم عَلَيْهِم
الاقربون وَذَلِكَ فِيمَا أنزل الله {وأنذر عشيرتك الْأَقْرَبين} إِلَى آخر الْآيَة
ثمَّ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن أزهد النَّاس فِي الْعَالم أَهله حَتَّى يفارقهم وَأَنه يشفع فِي أَهله وجيرانه فَإِذا مَاتَ خلا عَنْهُم من مَرَدَة الشَّيَاطِين أَكثر من عدد ربيعَة وَمُضر قد كَانُوا مشتغلين بِهِ فَأَكْثرُوا التَّعَوُّذ بِاللَّه مِنْهُم
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن مُحَمَّد بن جحادة
أَن كَعْبًا لَقِي أَبَا مُسلم الْخَولَانِيّ فَقَالَ: كَيفَ كرامتك على قَوْمك قَالَ: إِنِّي عَلَيْهِم لكريم
قَالَ: إِنِّي أجد فِي التَّوْرَاة غير مَا تَقول قَالَ: وَمَا هُوَ قَالَ: وجدت فِي التَّوْرَاة أَنه لم يكن حَكِيم فِي قوم إِلَّا كَانَ أزهدهم فِيهِ قومه ثمَّ الْأَقْرَب فَالْأَقْرَب وَإِن كَانَ فِي حَبسه شَيْء عيروه بِهِ وَإِن كَانَ عمل بُرْهَة من دهره ذَنبا عيروه بِهِ
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن كَعْب أَنه قَالَ لأبي مُسلم: كَيفَ تَجِد قَوْمك لَك قَالَ: مكرمين مُطِيعِينَ
قَالَ: مَا صدقتني التَّوْرَاة إِذن مَا كَانَ رجل حَكِيم فِي قوم إِلَّا بغوا عَلَيْهِ وحسدوه(6/329)
وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (215) فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (216) وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (217)
- قَوْله تَعَالَى: واخفض جناحك لمن اتبعك من الْمُؤمنِينَ فَإِن عصوك فَقل إِنِّي بَرِيء مِمَّا تَعْمَلُونَ وتوكل على الْعَزِيز الرَّحِيم
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج قَالَ: لما نزلت {وأنذر عشيرتك الْأَقْرَبين} بَدَأَ بِأَهْل بَيته وفصيلته فشق ذَلِك على الْمُسلمين فَأنْزل الله {واخفض جناحك لمن اتبعك من الْمُؤمنِينَ}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد فِي قَوْله {واخفض جناحك لمن اتبعك} يَقُول ذَلِك لَهُم وَفِي قَوْله {فَإِن عصوك فَقل إِنِّي بَرِيء مِمَّا تَعْمَلُونَ} وَقَالَ: أمره بِهَذَا ثمَّ نسخه فَأمره بجهادهم(6/330)
الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ (218) وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ (219) إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (220)
- قَوْله تَعَالَى: الَّذِي يراك حِين تقوم وتقلبك فِي الساجدين إِنَّه هُوَ السَّمِيع الْعَلِيم
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {الَّذِي يراك حِين تقوم} قَالَ: للصَّلَاة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك {الَّذِي يراك حِين تقوم} قَالَ: من فراشك أَو من مجلسك
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد {الَّذِي يراك حِين تقوم} قَالَ: أَيْنَمَا كنت
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن سعيد ابْن جُبَير {الَّذِي يراك حِين تقوم} قَالَ: فِي صَلَاتك {وتقلبك فِي الساجدين} قَالَ: كَمَا كَانَت تقلب الْأَنْبِيَاء قبلك
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله {الَّذِي يراك حِين تقوم وتقلبك فِي الساجدين} قَالَ: قِيَامه وركوعه وَسُجُوده وجلوسه
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {الَّذِي يراك حِين تقوم}(6/330)
قَالَ: يراك قَائِما وَقَاعِدا وعَلى حالاتك {وتقلبك فِي الساجدين} قَالَ: قِيَامه وركوعه وَسُجُوده وجلوسه
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {الَّذِي يراك حِين تقوم} قَالَ: يراك قَائِما وَقَاعِدا وعَلى حالاتك {وتقلبك فِي الساجدين} قَالَ: فِي الصَّلَاة يراك وَحدك ويراك فِي الْجَمِيع
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة {وتقلبك فِي الساجدين} قَالَ: فِي الْمُصَلِّين
وَأخرج الْفرْيَابِيّ عَن مُجَاهِد
مثله
وَأخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس {الَّذِي يراك حِين تقوم وتقلبك فِي الساجدين} يَقُول: قيامك وركوعك وسجودك
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس {وتقلبك فِي الساجدين} قَالَ: يراك وَأَنت مَعَ الساجدين تقوم وتقعد مَعَهم
وَأخرج سُفْيَان بن عُيَيْنَة وَالْفِرْيَابِي والْحميدِي وَسَعِيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن مُجَاهِد فِي قَوْله(6/331)
{وتقلبك فِي الساجدين} قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يرى من خَلفه فِي الصَّلَاة كَمَا يرى من بَين يَدَيْهِ
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس {وتقلبك فِي الساجدين} قَالَ: كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا قَامَ إِلَى الصَّلَاة رأى من خَلفه كَمَا يرى من بَين يَدَيْهِ
وَأخرج مَالك وَسَعِيد بن مَنْصُور وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَل ترَوْنَ قِبْلَتِي هَهُنَا فو الله مَا يخفى عَليّ خُشُوعكُمْ وَلَا ركوعكم واني لَا راكم من وَرَاء ظَهْري
وَأخرج ابْن أبي عمر الْعَدنِي فِي مُسْنده وَالْبَزَّار وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وتقلبك فِي الساجدين} قَالَ: من نَبِي إِلَى نَبِي حَتَّى أخرجت نَبيا
وَأخرج سُفْيَان بن عُيَيْنَة وَالْفِرْيَابِي والْحميدِي وَسَعِيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرديوه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الادئل عَن مُجَاهِد {وتقلبك فِي الساجدين} قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يرى من خَلفه فِي الصَّلَاة كَمَا يرى من بَين يَدَيْهِ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم فِي الدَّلَائِل عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وتقلبك فِي الساجدين} قَالَ: مَا زَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يتقلب فِي أصلاب الْأَنْبِيَاء حَتَّى وَلدته أمه
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: سَأَلت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقلت: بأبى أَنْت وَأمي أَيْن كنت وآدَم فِي الْجنَّة فَتَبَسَّمَ حَتَّى بَدَت نواجده ثمَّ قَالَ إِنِّي كنت فِي صلبه وَهَبَطَ إِلَى الأَرْض وَأَنا فِي صلبه وَركبت السَّفِينَة فِي صلب أبي نوح وقذفت فِي النَّار فِي صلب أبي إِبْرَاهِيم وَلم يلتق أبواي قطّ على سفاح لم يزل الله ينقلني من الإِصلاب الطّيبَة إِلَى الْأَرْحَام الطاهرة مصفى مهذباً لَا تتشعب شعبتان إِلَّا كنت فِي خيرهما
قد أَخذ الله بالنبوّة ميثاقي وبالإِسلام هَدَانِي وَبَين فِي التَّوْرَاة والإِنجيل ذكري وَبَين كل شَيْء من صِفَتي فِي شَرق الأَرْض وغربها وَعَلمنِي كِتَابه ورقي بِي فِي سمائه وشق لي من أَسْمَائِهِ فذو الْعَرْش مَحْمُود وَأَنا مُحَمَّد ووعدني أَن يحبوني بالحوض وَأَعْطَانِي الْكَوْثَر
وَأَنا أَو شَافِع وَأول مُشَفع ثمَّ أخرجني فِي خير قُرُون أمتِي وَأمتِي الْحَمَّادُونَ يأمرون بِالْمَعْرُوفِ وَينْهَوْنَ عَن الْمُنكر(6/332)
هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ (221) تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (222) يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ (223)
- قَوْله تَعَالَى: هَل أنبئكم على من تنزل الشَّيَاطِين تنزل على كل أفاك أثيم يلقون السّمع وَأَكْثَرهم كاذبون
أخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد عَن سعيد بن وهب قَالَ: كنت عِنْد عبد الله بن الزبير فَقيل لَهُ: إِن الْمُخْتَار يزْعم أَنه يُوحى إِلَيْهِ فَقَالَ ابْن الزبير: صدق ثمَّ تَلا {هَل أنبئكم على من تنزل الشَّيَاطِين تنزل على كل أفاك أثيم}
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {على كل أفاك أثيم} قَالَ: كَذَّاب من النَّاس {يلقون السّمع} قَالَ: مَا سَمعه الشَّيْطَان أَلْقَاهُ {على كل أفاك} كَذَّاب من النَّاس(6/332)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {تنزل على كل أفاك أثيم} قَالَ: الأفاك: الْكذَّاب
وهم الكهنة تسْتَرق الْجِنّ السّمع ثمَّ يأْتونَ بِهِ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ من الإِنس
وَفِي قَوْله {يلقون السّمع وَأَكْثَرهم كاذبون} قَالَ: كَانَت الشَّيَاطِين تصعد إِلَى السَّمَاء فَتسمع ثمَّ تنزل إِلَى الكهنة فتخبرهم فَتحدث الكهنة بِمَا أنزلت بِهِ الشَّيَاطِين من السّمع وتخلط الكهنة كذبا كثيرا فيحدثون بِهِ النَّاس
فَأَما مَا كَانَ من سمع السَّمَاء فَيكون حَقًا وَأما مَا خلطوا بِهِ من الْكَذِب فَيكون كذبا
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَابْن مرْدَوَيْه عَن عَائِشَة قَالَت: سَأَلَ أنَاس النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الْكُهَّان فَقَالَ إِنَّهُم لَيْسُوا بِشَيْء فَقَالُوا: يَا رَسُول الله إِنَّهُم يحدثوننا أَحْيَانًا بالشَّيْء يكون حَقًا
قَالَ: تِلْكَ الْكَلِمَة من الْحق يَخْطفهَا الجني فيقذفها فِي أذن وليه فَيَخْلِطُونَ فِيهَا أَكثر من مائَة كذبة
وَأخرج البُخَارِيّ وَابْن الْمُنْذر عَن عَائِشَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الْمَلَائِكَة تحدث فِي الْعَنَان - والعنان: الْغَمَام - بِالْأَمر فِي الأَرْض
فَيسمع الشَّيْطَان الْكَلِمَة فيقرها فِي أذن الكاهن كَمَا تقر القارورة فيزيدون مَعهَا مائَة كذبة(6/333)
وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ (224) أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ (225) وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ (226) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ (227)
- قَوْله تَعَالَى: وَالشعرَاء يتبعهُم الْغَاوُونَ ألم تَرَ أَنهم فِي كل وَاد يهيمون وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ إِلَّا الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات وَذكروا الله كثيرا وانتصروا من بعد مَا ظلمُوا وَسَيعْلَمُ الَّذين ظلمُوا أَي مُنْقَلب يَنْقَلِبُون
أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: تهاجى رجلَانِ على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
أَحدهمَا من الْأَنْصَار
وَالْآخر من قوم آخَرين وَكَانَ مَعَ كل وَاحِد مِنْهُمَا غواة من قومه وهم السُّفَهَاء
فَأنْزل الله {وَالشعرَاء يتبعهُم الْغَاوُونَ} الْآيَات
وَأخرج ابْن جرير عَن الضَّحَّاك
مثله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة قَالَ: تهاجى شاعران فِي الْجَاهِلِيَّة وَكَانَ مَعَ كل وَاحِد مِنْهُمَا فِئَام من النَّاس
فَأنْزل الله {وَالشعرَاء يتبعهُم الْغَاوُونَ}(6/333)
وَأخرج ابْن سعد وَعبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم وَابْن عَسَاكِر عَن عُرْوَة قَالَ: لما نزلت {وَالشعرَاء} إِلَى قَوْله {مَا لَا يَفْعَلُونَ} قَالَ عبد الله بن رَوَاحَة: يَا رَسُول الله قد علم الله أَنِّي مِنْهُم
فَأنْزل الله {إِلَّا الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات} إِلَى قَوْله {يَنْقَلِبُون}
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَأَبُو دَاوُد فِي ناسخه وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي حسن سَالم البراد قَالَ: لما نزلت {وَالشعرَاء} جَاءَ عبد الله بن رَوَاحَة وَكَعب بن مَالك وَحسان بن ثَابت وهم يَبْكُونَ فَقَالُوا: يَا رَسُول الله لقد أنزل الله هَذِه الْآيَة وَهُوَ يعلم انا شعراء أهلكنا فَأنْزل الله {إِلَّا الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات} فَدَعَاهُمْ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَتَلَاهَا عَلَيْهِم
وَأخرج عبد بن حميد وَالْحَاكِم عَن أبي الْحسن مولى بني نَوْفَل
أَن عبد الله بن رَوَاحَة وَحسان بن ثَابت أَتَيَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين نزلت الشُّعَرَاء يَبْكِيَانِ وَهُوَ يقْرَأ {وَالشعرَاء يتبعهُم الْغَاوُونَ} حَتَّى بلغ {إِلَّا الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات} قَالَ: أَنْتُم {وَذكروا الله كثيرا} قَالَ: أَنْتُم {وانتصروا من بعد مَا ظلمُوا} قَالَ: أَنْتُم {وَسَيعْلَمُ الَّذين ظلمُوا أَي مُنْقَلب يَنْقَلِبُون} قَالَ: الْكفَّار
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس {يتبعهُم الْغَاوُونَ} قَالَ: هم الْكفَّار
يتبعُون ضلال الْجِنّ والإِنس {فِي كل وَاد يهيمون} فِي كل لَغْو يَخُوضُونَ {وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ} أَكثر وَلَهُم مكذبون ثمَّ اسْتثْنى مِنْهُم فَقَالَ {إِلَّا الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات وَذكروا الله كثيرا} فِي كَلَامهم {وانتصروا من بعد مَا ظلمُوا} قَالَ: ردوا على الْكفَّار الَّذين كانون يَهْجُونَ الْمُؤمنِينَ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس {وَالشعرَاء} قَالَ: الْمُشْركُونَ مِنْهُم الَّذين كَانُوا يَهْجُونَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {يتبعهُم الْغَاوُونَ} غواة الْجِنّ {فِي كل وَاد يهيمون} فِي كل فن من الْكَلَام يَأْخُذُونَ ثمَّ اسْتثْنى فَقَالَ {إِلَّا الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات} يَعْنِي حسان بن ثَابت وَعبد الله بن رَوَاحَة وَكَعب بن مَالك كَانُوا يَذبُّونَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه هجاء الْمُشْركين(6/334)
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس {يتبعهُم الْغَاوُونَ} قَالَ: هم الروَاة
وَأخرج البُخَارِيّ فِي الْأَدَب وَأَبُو دَاوُد فِي ناسخه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ {وَالشعرَاء يتبعهُم الْغَاوُونَ} فنسخ من ذَلِك وَاسْتثنى فَقَالَ {إِلَّا الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات وَذكروا الله كثيرا}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه وَابْن عَسَاكِر عَن ابْن عَبَّاس {إِلَّا الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات وَذكروا الله كثيرا} قَالَ: أَبُو بكر وَعمر وَعلي وَعبد الله بن رَوَاحَة
وَأخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ فِي تَارِيخه وَأَبُو يعلى وَابْن مرْدَوَيْه عَن كَعْب بن مَالك أَنه قَالَ للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن الله قد أنزل فِي الشُّعَرَاء مَا أنزل فَكيف ترى فِيهِ فَقَالَ إِن الْمُؤمن يُجَاهد بِسَيْفِهِ وَلسَانه - وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ - لكَأَنَّمَا بوجههم مثل نضج النبل
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي سعيد قَالَ: بَيْنَمَا نَحن نسير مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذْ عرض شَاعِر ينشد فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِأَن يمتلىء جَوف أحدكُم قَيْحا خير لَهُ من أَن يمتلىء شعرًا
وَأخرج الديلمي عَن ابْن مَسْعُود مَرْفُوعا: الشُّعَرَاء الَّذين يموتون فِي الإِسلام يَأْمُرهُم الله أَن يَقُولُوا شعرًا تتغنى بِهِ الْحور الْعين لِأَزْوَاجِهِنَّ فِي الْجنَّة وَالَّذين مَاتُوا فِي الشّرك يدعونَ بِالْوَيْلِ وَالثُّبُور فِي النَّار
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن من الشّعْر حِكْمَة قَالَ: وَأَتَاهُ قرظة بن كَعْب وَعبد الله بن رَوَاحَة وَحسان بن ثَابت فَقَالُوا: إِنَّا نقُول الشّعْر وَقد نزلت هَذِه الْآيَة
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اقرأوا {وَالشعرَاء} إِلَى قَوْله {إِلَّا الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات} قَالَ: أَنْتُم هم {وَذكروا الله كثيرا} قَالَ: أَنْتُم هم {وانتصروا من بعد مَا ظلمُوا} قَالَ: أَنْتُم هم
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله {وَالشعرَاء يتبعهُم الْغَاوُونَ} قَالَ: كَانَ الشاعران يتقاولان ليَكُون لهَذَا تبع وَلِهَذَا تبع
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن عِكْرِمَة {وَالشعرَاء يتبعهُم الْغَاوُونَ} قَالَ: هم عصاة الْجِنّ(6/335)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة {وَالشعرَاء يتبعهُم الْغَاوُونَ} قَالَ: الشَّيَاطِين {ألم تَرَ أَنهم فِي كل وادٍ يهيمون} قَالَ: يمدحون قوما بباطل ويشتمون قوما بباطل
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن جرير وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد {وَالشعرَاء يتبعهُم الْغَاوُونَ} قَالَ: الشَّيَاطِين {ألم تَرَ أَنهم فِي كل وادٍ يهيمون} قَالَ: فِي كل فن يفتنون {إِلَّا الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات} قَالَ: عبد الله بن رَوَاحَة وَأَصْحَابه
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة {إِلَّا الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات} قَالَ: هَذِه ثنية الله من الشُّعَرَاء وَمن غَيرهم {وَذكروا الله كثيرا وانتصروا من بعد مَا ظلمُوا} قَالَ: فِي بعض الْقِرَاءَة {وانتصروا من بعد مَا ظلمُوا} قَالَ: نزلت هَذِه الْآيَة فِي رَهْط من الْأَنْصَار هاجوا عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِنْهُم كَعْب بن مَالك وَعبد الله بن رَوَاحَة وَحسان بن ثَابت {وَسَيعْلَمُ الَّذين ظلمُوا} من الشُّعَرَاء وَغَيرهم {أَي مُنْقَلب يَنْقَلِبُون}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {إِلَّا الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات} قَالَ: نزلت فِي عبد الله بن رَوَاحَة
وَفِي شعراء الْأَنْصَار
وَأخرج ابْن سعد وَابْن أبي شيبَة عَن الْبَراء بن عَازِب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لحسان بن ثَابت اهج الْمُشْركين فَإِن جِبْرِيل مَعَك
وَأخرج ابْن سعد عَن الْبَراء بن عَازِب رَضِي الله عَنهُ قَالَ قيل يَا رَسُول الله إِن أَبَا سُفْيَان بن الْحَرْث بن عبد الْمطلب يهجوك فَقَامَ ابْن رَوَاحَة فَقَالَ: يَا رَسُول الله ائْذَنْ لي فِيهِ قَالَ: أَنْت الَّذِي تَقول ثَبت الله قَالَ: نعم
يَا رَسُول الله قلت: ثَبت الله مَا أَعْطَاك من حسن تثبيت مُوسَى ونصراً مثل مَا نصرا قَالَ: وَأَنت يفعل الله بك مثل ذَلِك ثمَّ وثب كَعْب فَقَالَ: يَا رَسُول الله ائْذَنْ لي فِيهِ فَقَالَ: أَنْت الَّذِي تَقول هَمت قَالَ: نعم يَا رَسُول الله قلت: هَمت سخينة أَن تغالب رَبهَا فليغلبن مغالب الغلاب قَالَ: أما إِن الله لم ينس لَك ذَلِك ثمَّ قَامَ حسان الحسام فَقَالَ: يَا رَسُول الله ائْذَنْ لي فِيهِ وَأخرج لِسَانا لَهُ اسود فَقَالَ: يَا رَسُول الله ائْذَنْ لي فِيهِ فَقَالَ: اذْهَبْ إِلَى(6/336)
أبي بكر فليحدثك الْقَوْم وأيامهم وأحسابهم واهجهم وَجِبْرِيل مَعَك
وَأخرج ابْن سعد عَن ابْن بُرَيْدَة
أَن جِبْرِيل أعَان حسان بن ثَابت على مدحته النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بسبعين بَيْتا
وَأخرج ابْن سعد وَأحمد عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: مر عمر بِحسان وَهُوَ ينشد فِي الْمَسْجِد فلحظ إِلَيْهِ
فَنظر إِلَيْهِ فَقَالَ: قد كنت أنْشد فِيهِ وَفِيه من هُوَ خير مِنْك
فَسكت
ثمَّ الْتفت حسان إِلَى أبي هُرَيْرَة فَقَالَ: أنْشدك بِاللَّه هَل سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول أجب عني اللَّهُمَّ أيده بِروح الْقُدس قَالَ: نعم
وَأخرج ابْن سعد عَن ابْن سِيرِين قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْلَة وهم فِي سفر أَيْن حسان بن ثَابت فَقَالَ: لبيْك يَا رَسُول الله وَسَعْديك قَالَ: أحد
فَجعل ينشده ويصغي إِلَيْهِ حَتَّى فرغ من نشيده فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لهَذَا أَشد عَلَيْهِم من وَقع النَّبِي
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن حسن بن عَليّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعبد الله بن رَوَاحَة مَا الشّعْر قَالَ: شَيْء يختلج فِي صدر الرجل فيخرجه على لِسَانه شعرًا
وَأخرج ابْن سعد عَن مدرك بن عمَارَة قَالَ: قَالَ عبد الله بن رَوَاحَة: قَالَ لي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: كَيفَ تَقول الشّعْر إِذا أردْت أَن تَقول - كَأَنَّهُ يتعجب لذاك - قلت: انْظُر فِي ذَاك ثمَّ أَقُول
قَالَ: فَعَلَيْك بالمشركين
وَأخرج ابْن سعد عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من يحمي أَعْرَاض الْمُسلمين فَقَالَ عبد الله بن رَوَاحَة: أَنا
وَقَالَ كَعْب بن مَالك: أَنا
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِنَّك تحسن الشّعْر
وَقَالَ حسان بن ثَابت: أَنا
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أهجهم فَإِن روح الْقُدس سيعينك
وَأخرج ابْن سعد عَن مُحَمَّد بن سِيرِين رَضِي الله عَنهُ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِذا نصر الْقَوْم بسلاحهم أنفسهم فألسنتهم أَحَق
فَقَامَ رجل فَقَالَ: يَا رَسُول الله أَنا
قَالَ: لست هُنَاكَ
فَجَلَسَ فَقَامَ آخر فَقَالَ: يَا رَسُول الله أَنا
فَقَالَ بِيَدِهِ معنى اجْلِسْ
فَقَامَ حسان فَقَالَ: يَا رَسُول الله مَا يسرني بِهِ مقولاً بَين صنعاء وَبصرى وَإنَّك مَا سببت قوما قطّ بِشَيْء هُوَ أَشد عَلَيْهِم من شَيْء يعرفونه فَمر بِي إِلَى من يعرف أيامهم وبيوتاتهم حَتَّى أَضَع لساني فَأمر بِهِ إِلَى أبي بكر(6/337)
وَأخرج ابْن سعد عَن مُحَمَّد بن سِيرِين رَضِي الله عَنهُ قَالَ: هجا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه ثَلَاثَة من كفار قُرَيْش
أَبُو سُفْيَان بن الْحَرْث وَعَمْرو بن الْعَاصِ وَابْن الزبعري قَالَ قَائِل: لعَلي أهج عَنَّا هَؤُلَاءِ الْقَوْم الَّذين قد هجونا فَقَالَ عَليّ: إِن أذن لي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فعلت
فَقَالَ: الرجل: يَا رَسُول الله ائْذَنْ لعَلي كَيْمَا يهجو عَنَّا هَؤُلَاءِ الْقَوْم الَّذين هجونا فَقَالَ: لَيْسَ هُنَاكَ
ثمَّ قَالَ للْأَنْصَار: مَا يمْنَع الْقَوْم الَّذين قد نصروا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بسلاحهم وأنفسهم أَن ينصروه بألسنتهم فَقَالَ حسان بن ثَابت: أَنا لَهَا يَا رَسُول الله وَأخذ بِطرف لِسَانه فَقَالَ: وَالله مَا يسرني بهم مقولاً بَين بصرى وَصَنْعَاء فَقَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: وَكَيف تهجوهم وَأَنا مِنْهُم فَقَالَ: إِنِّي أسُلّكَ مِنْهُم كَمَا تسل الشعرة من الْعَجِين فَكَانَ يهجوهم ثَلَاثَة من الْأَنْصَار يجيبونهم
حسان بن ثَابت وَكَعب بن مَالك وَعبد الله بن رَوَاحَة
فَكَانَ حسان وَكَعب يعارضانهم بِمثل قَوْلهم بالوقائع وَالْأَيَّام والمآثر ويعيرونهم بالمناقب وَكَانَ ابْن رَوَاحَة يعيرهم بالْكفْر وينسبهم إِلَى الْكفْر وَيعلم أَنه لَيْسَ فيهم شَيْء شرا من الْكفْر
وَكَانُوا فِي ذَلِك الزَّمَان أَشد القَوْل عَلَيْهِم قَول حسان وَكَعب وأهون القَوْل عَلَيْهِم قَول ابْن رَوَاحَة فَلَمَّا أَسْلمُوا وفقهوا الإِسلام كَانَ أَشد القَوْل عَلَيْهِم قَول ابْن رَوَاحَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن بُرَيْدَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن من الشّعْر حكما
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَقُول إِن من الشّعْر حكما
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن مَسْعُود عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن من الشّعْر حكما وَإِن من الْبَيَان سحرًا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن فضَالة ابْن عُبَيْدَة فِي قَوْله {وَسَيعْلَمُ الَّذين ظلمُوا أَي مُنْقَلب يَنْقَلِبُون} قَالَ: هَؤُلَاءِ الَّذين يخربون الْبَيْت
وَأخرج أَحْمد عَن أبي أُمَامَة بن سهل حنيف قَالَ: سَمِعت رجلا من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: أتركوا الْحَبَشَة مَا تركوكم فَإِنَّهُ لَا يسْتَخْرج كنز الْكَعْبَة إِلَّا ذُو السويقتين من الْحَبَشَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن أبي هُرَيْرَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ يُبَايع رجل بَين الرُّكْن وَالْمقَام وَلنْ يسْتَحل هَذَا الْبَيْت إِلَّا أَهله فَإِذا اسْتَحَلُّوهُ فَلَا تسْأَل عَن هلكة الْعَرَب ثمَّ تَجِيء الْحَبَشَة فتخربه خراباً لَا يعمر بعده أبدا وهم الَّذين يستخرجون كنزه
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن عبد الله بن عَمْرو أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ اتْرُكُوا الْحَبَشَة مَا تركوكم فَإِنَّهُ لَا يسْتَخْرج كنز الْكَعْبَة إِلَّا ذُو السويقتين من الْحَبَشَة(6/338)
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن عبد الله بن عَمْرو قَالَ: من آخر أَمر الْكَعْبَة أَن الْحَبَشَة يغزون الْبَيْت فَيتَوَجَّه الْمُسلمُونَ نحوهم فيبعث الله عَلَيْهِم ريحًا شرقية فَلَا تدع لله عبدا فِي قلبه مِثْقَال ذرة من تقى إِلَّا قَبضته حَتَّى إِذا فرغوا من خيارهم بَقِي عجاج من النَّاس
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالنَّسَائِيّ عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ يخرب الْكَعْبَة ذُو السويقتين من الْحَبَشَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عَليّ ابْن أبي طَالب قَالَ كَأَنِّي أنظر إِلَى رجل من الْحَبَش
أصلع أجمع حمش السَّاقَيْن جَالس عَلَيْهَا وَهُوَ يَهْدِمهَا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عبد الله بن عَمْرو قَالَ: كَأَنِّي بِهِ
أصيلع أفيدع قَائِم عَلَيْهَا يَهْدِمهَا بمسحاته
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَائِشَة قَالَت: كتب أبي فِي وَصيته سطرين بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
هَذَا مَا أوصى بِهِ أَبُو بكر بن أبي قُحَافَة عِنْد خُرُوجه من الدُّنْيَا حِين يُؤمن الْكَافِر وَيَتَّقِي الْفَاجِر وَيصدق الْكَاذِب
إِنِّي اسْتخْلفت عَلَيْكُم عمر بن الْخطاب فَإِن يعدل فَذَلِك ظَنِّي بِهِ ورجائي فِيهِ وَإِن يجر ويبدل فَلَا أعلم الْغَيْب {وَسَيعْلَمُ الَّذين ظلمُوا أَي مُنْقَلب يَنْقَلِبُون}
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عبد الله بن رَبَاح قَالَ: كَانَ صَفْوَان بن مجرز إِذا قَرَأَ هَذِه الْآيَة بَكَى {وَسَيعْلَمُ الَّذين ظلمُوا أَي مُنْقَلب يَنْقَلِبُون}(6/339)
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم -
سُورَة النَّمْل
مَكِّيَّة وآياتها ثَلَاث وَتسْعُونَ
- مُقَدّمَة سُورَة النَّمْل أخرج ابْن الضريس والنحاس وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: أنزلت سُورَة النَّمْل بِمَكَّة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن الزبير
مثله(6/340)
طس تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ (1) هُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (3) إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ (4) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذَابِ وَهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ (5) وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ (6)
- طس تِلْكَ آيَات الْقُرْآن وَكتاب مُبين هدى وبشرا للْمُؤْمِنين الَّذين يُقِيمُونَ الصَّلَاة وَيُؤْتونَ الزَّكَاة وهم بِالآخِرَة هم يوقنون إِن الَّذين لَا يُؤمنُونَ بِالآخِرَة زينا لَهُم أَعْمَالهم فهم يعمهون أُولَئِكَ الَّذين لَهُم سوء الْعَذَاب وهم فِي الْآخِرَة هم الأخسرون وَإنَّك لتلقى الْقُرْآن من لدن حَكِيم عليم
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {طس} قَالَ: هُوَ اسْم الله الْأَعْظَم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {طس} قَالَ: هُوَ اسْم الله الْأَعْظَم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {طس} قَالَ: هُوَ اسْم من أَسمَاء الْقُرْآن
وَفِي قَوْله {إِن الَّذين لَا يُؤمنُونَ بِالآخِرَة} قَالَ: لَا يُقِرّون بهَا وَلَا يُؤمنُونَ بهَا {فهم يعمهون} قَالَ: فِي صلَاتهم وَفِي قَوْله {وَإنَّك لتلقى الْقُرْآن} يَقُول: تَأْخُذ الْقُرْآن من عِنْد {حَكِيم عليم}(6/340)
إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ نَارًا سَآتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (7)
- قَوْله تَعَالَى: إِذْ قَالَ مُوسَى لأَهله إِنِّي آنست نَارا سآتيكم مِنْهَا بِخَبَر أَو آتيكم بشهاب قبس لَعَلَّكُمْ تصطلون(6/340)
أخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس
أَن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله عزَّ وجلَّ {بشهاب قبس} قَالَ: شعلة من نَار يقتبسون مِنْهُ قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم
أما سَمِعت قَول طرفَة: هم عراني فَبت أدفعه دون سهادي كشعلة القبس(6/341)
فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (8) يَا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (9)
- قَوْله تَعَالَى: فَلَمَّا جاءها نُودي أَن بورك من فِي النَّار وَمن حولهَا وَسُبْحَان الله رب الْعَالمين يَا مُوسَى إِنَّه أَنا الله الْعَزِيز الْحَكِيم
أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {فَلَمَّا جاءها نُودي أَن بورك من فِي النَّار} يَعْنِي تبَارك وَتَعَالَى نَفسه
كَانَ نور رب الْعَالمين فِي الشَّجَرَة {وَمن حولهَا} يَعْنِي الْمَلَائِكَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير وَابْن مرْدَوَيْه عَنهُ عَن ابْن عَبَّاس {نُودي أَن بورك من فِي النَّار وَمن حولهَا} يَقُول: بروكت بالنَّار ناداه الله وَهُوَ فِي النُّور
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي الْآيَة قَالَ: كَانَت تِلْكَ النَّار نورا {أَن بورك من فِي النَّار وَمن} حول النَّار
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس {أَن بورك من فِي النَّار} قَالَ: بوركت النَّار
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد
مثله
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة قَالَ: فِي مصحف أبي بن كَعْب (بوركت النَّار وَمن حولهَا) أما النَّار فيزعمون أَنَّهَا نور رب الْعَالمين {وَمن حولهَا} الْمَلَائِكَة
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة أَنه كَانَ يقْرَأ (أَن بوركت النَّار)
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن مُحَمَّد بن كَعْب فِي الْآيَة قَالَ: النَّار: نور الرَّحْمَن {وَمن حولهَا} مُوسَى وَالْمَلَائِكَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله {بورك} قَالَ: قدس(6/341)
وَأخرج عبد بن حميد وَمُسلم وَابْن ماجة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات من طَرِيق أبي عُبَيْدَة عَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ قَالَ: قَامَ فِينَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ إِن الله لَا ينَام وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَن ينَام يخْفض الْقسْط وَيَرْفَعهُ
يرفع إِلَيْهِ عمل اللَّيْل قبل النَّهَار وَعمل النَّهَار قبل اللَّيْل
حجابه النُّور لَو رفع الْحجاب لَا حرقت سبحات وَجهه كل شَيْء أدْركهُ بَصَره ثمَّ قَرَأَ أَبُو عُبَيْدَة {أَن بورك من فِي النَّار وَمن حولهَا وَسُبْحَان الله رب الْعَالمين}(6/342)
وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ (10) إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (11) وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (12) فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (13) وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (14)
- قَوْله تَعَالَى: وألق عصاك فَلَمَّا رَآهَا تهتز كَأَنَّهَا جَان ولى مُدبرا وَلم يعقب يَا مُوسَى لَا تخف إِنِّي لَا يخَاف لديَّ المُرْسَلُونَ إِلَّا من ظلم ثمَّ بدل حسنا بعد سوء فَإِنِّي غَفُور رَحِيم وَأدْخل يدك فِي جيبك تخرج بَيْضَاء من غير سوء فِي تسع آيَات إِلَى فِرْعَوْن وَقَومه إِنَّهُم كَانُوا قوما فاسقين فَلَمَّا جَاءَتْهُم آيَاتنَا مبصرة قَالُوا هَذَا سحر مُبين وجحدوا بهَا واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا فَانْظُر كَيفَ كَانَ عَاقِبَة المفسدين
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله {فَلَمَّا رَآهَا تهتز كَأَنَّهَا جَان} قَالَ: حِين تحوّلت حَيَّة تسْعَى
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَلم يعقب يَا مُوسَى} قَالَ: لم يرجع وَفِي قَوْله {إِلَّا من ظلم ثمَّ بدل حسنا بعد سوء} قَالَ: ثمَّ تَابَ من بعد ظلمه واساءته
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {ولى مُدبرا} قَالَ: فَارًّا {وَلم يعقب} قَالَ: لم يلْتَفت
وَفِي قَوْله {لَا يخَاف لدي} قَالَ: عِنْدِي وَفِي قَوْله {إِلَّا من ظلم} قَالَ: إِن الله لم يجز ظَالِما
ثمَّ عَاد الله بعائدته وبرحمته فَقَالَ {ثمَّ بدل حسنا بعد سوء} أَي فَعمل عملا صَالحا بعد عمل سيء عمله {فَإِنِّي غَفُور رَحِيم}(6/342)
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن مَيْمُون قَالَ: إِن الله قَالَ لمُوسَى {إِنِّي لَا يخَاف لديَّ المُرْسَلُونَ إِلَّا من ظلم} وَلَيْسَ للظالم عِنْدِي أَمَان حَتَّى يَتُوب
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور عَن زيد بن أسلم أَنه قَرَأَ {إِلَّا من ظلم}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَت على مُوسَى جُبَّة لَا تبلغ مرفقيه فَقَالَ لَهُ {وَأدْخل يدك فِي جيبك} فادخلها
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر عَن مقسم قَالَ: إِنَّمَا قيل {وَأدْخل يدك فِي جيبك} لِأَنَّهُ لم يكن لَهَا كم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد قَالَ: كَانَت عَلَيْهِ مدرعة إِلَى بعض يَده
وَلَو كَانَ لَهَا كم أمره أَن يدْخل يَده فِي كمه
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله {وَأدْخل يدك فِي جيبك} قَالَ: جيب الْقَمِيص
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة {وَأدْخل يدك فِي جيبك} قَالَ: فِي جيب قَمِيصك {تخرج بَيْضَاء من غير سوء} قَالَ: من غير برص {فِي تسع آيَات} قَالَ: يَقُول هَاتَانِ الْآيَتَانِ: يَد مُوسَى وَعَصَاهُ والطوفان وَالْجَرَاد وَالْقمل والضفادع وَالدَّم والسنين فِي بواديهم ومواشيهم وَنقص من الثمرات فِي أمصارهم
وَفِي قَوْله {فَلَمَّا جَاءَتْهُم آيَاتنَا مبصرة} قَالَ: بَيِّنَة {وجحدوا بهَا} قَالَ: كذبت الْقَوْم بآيَات الله بَعْدَمَا استيقنتها أنفسهم أَنَّهَا حق
والجحود لَا يكون إِلَّا من بعد الْمعرفَة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {ظلما وعلواً} قَالَ: تَعَظُّمًا واستكباراً
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله {واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلواً} قَالَ: تكبروا وَقد استيقنتها أنفسهم
وَهَذَا من التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْأَعْمَش أَنه قَرَأَ / ظلما وعلياً / وَقَرَأَ عَاصِم {وعلواً} بِرَفْع الْعين وَاللَّام(6/343)
وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ (15)
- قَوْله تَعَالَى: وَلَقَد آتَيْنَا دَاوُد وَسليمَان علما وَقَالا الْحَمد لله الَّذِي فضلنَا على كثير من عباده الْمُؤمنِينَ
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة قَالَ: كَانَ دَاوُد أعطي ثَلَاثًا: سخرت لَهُ الْجبَال يسبحْنَ مَعَه وأُلِينَ لَهُ الْحَدِيد وَعلم منطق الطير
وَأعْطِي سُلَيْمَان: منطق الطير وسخرت لَهُ الْجِنّ وَكَانَ ذَلِك مِمَّا ورث عَنهُ
وَلم تسخر لَهُ الْجبَال وَلم يلن لَهُ الْحَدِيد
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عمر بن عبد الْعَزِيز أَنه كتب: إِن الله لم ينعم على عبد نعْمَة فَحَمدَ الله عَلَيْهَا إِلَّا كَانَ حَمده أفضل من نعْمَته
إِن كنت لَا تعرف
ذَلِك فِي كتاب الله الْمنزل قَالَ الله عز وَجل {وَلَقَد آتَيْنَا دَاوُد وَسليمَان علما وَقَالا الْحَمد لله الَّذِي فضلنَا على كثير من عباده الْمُؤمنِينَ} وَأي نعْمَة أفضل مِمَّا أُوتِيَ دَاوُد وَسليمَان(6/344)
وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ (16)
- قَوْله تَعَالَى: وَورث سُلَيْمَان دَاوُد وَقَالَ ياأيها النَّاس علمنَا منطق الطير وأوتينا من كل شَيْء إِن هَذَا لَهو الْفضل الْمُبين
أخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَورث سُلَيْمَان دَاوُد} قَالَ: وَرثهُ نبوته وَملكه وَعلمه
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْأَوْزَاعِيّ قَالَ: النَّاس عندنَا: أهل الْعلم
وَأما قَوْله تَعَالَى: {علمنَا منطق الطير}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عبد الله بن مَسْعُود قَالَ: كنت عِنْد عمر بن الْخطاب فَدخل علينا كَعْب الحبر فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أَلا أخْبرك بأغرب شَيْء قَرَأت فِي كتب الْأَنْبِيَاء: إِن هَامة جَاءَت إِلَى سُلَيْمَان فَقَالَت: السَّلَام عَلَيْك يَا نَبِي الله فَقَالَ: وَعَلَيْك السَّلَام يَا هام أَخْبرنِي كَيفَ لَا تأكلين الزَّرْع فَقَالَت: يَا نَبِي الله لِأَن آدم عصى ربه فِي سَببه لذَلِك لَا آكله قَالَ: فَكيف لَا تشربين المَاء قَالَت: يَا(6/344)
نَبِي الله لِأَن أغرق بِالْمَاءِ قوم نوح من أجل ذَلِك تركت شربه قَالَ: فَكيف تركت الْعمرَان وأسكنت الخراب قَالَت: لِأَن الخراب مِيرَاث الله وَأَنا أسكن فِي مِيرَاث الله وَقد ذكر الله ذَلِك فِي كِتَابه فَقَالَ {وَكم أهلكنا من قَرْيَة بطرت معيشتها} الْقَصَص الْآيَة 58 إِلَى قَوْله {وَكُنَّا نَحن الْوَارِثين}
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد فِي الزّهْد وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي الصّديق النَّاجِي قَالَ: خرج سُلَيْمَان بن دَاوُد يَسْتَسْقِي بِالنَّاسِ فَمر بنملة مستلقية على قفاها رَافِعَة قَوَائِمهَا إِلَى السَّمَاء وَهِي تَقول: اللَّهُمَّ إِنَّا خلق من خلقك لَيْسَ بِنَا غنى عَن رزقك فاما أَن تسقينا وَإِمَّا أَن تُهْلِكنَا فَقَالَ سُلَيْمَان للنَّاس: ارْجعُوا فقد سقيتم بدعوة غَيْركُمْ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي الدَّرْدَاء قَالَ: كَانَ دَاوُد يقْضِي بَين الْبَهَائِم يَوْمًا وَبَين النَّاس يَوْمًا فَجَاءَت بقرة فَوضعت قرنها فِي حَلقَة الْبَاب ثمَّ تنغمت كَمَا تنغم الوالدة على وَلَدهَا وَقَالَت: كنت شَابة كَانُوا ينتجوني ويستعملوني ثمَّ إِنِّي كَبرت فأرادوا أَن يذبحوني فَقَالَ دَاوُد: أَحْسنُوا إِلَيْهَا وَلَا تذبحوها ثمَّ قَرَأَ {علمنَا منطق الطير وأوتينا من كل شَيْء}
وَأخرج الْحَاكِم فِي الْمُسْتَدْرك عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد قَالَ: أعطي سُلَيْمَان ملك مَشَارِق الأَرْض وَمَغَارِبهَا فَملك سُلَيْمَان سَبْعمِائة سنة وَسِتَّة أشهر
ملك أهل الدُّنْيَا كلهم من الْجِنّ والإِنس وَالدَّوَاب وَالطير وَالسِّبَاع وَأعْطِي كل شَيْء ومنطق كل شَيْء وَفِي زَمَانه صنعت الصَّنَائِع المعجبة
حَتَّى إِذا أَرَادَ الله أَن يقبضهُ إِلَيْهِ أوحى إِلَيْهِ: أَن استودع علم الله وحكمته أَخَاهُ
وَولد دَاوُد كَانُوا أَرْبَعمِائَة وَثَمَانِينَ رجلا أَنْبيَاء بِلَا رِسَالَة
قَالَ الذَّهَبِيّ: هَذَا بَاطِل
وَأخرج الْحَاكِم عَن مُحَمَّد بن كَعْب قَالَ: بلغنَا أَن سُلَيْمَان كَانَ عسكره مائَة فَرسَخ: خَمْسَة وَعِشْرُونَ مِنْهَا للإنس وَخَمْسَة وَعِشْرُونَ للجن وَخَمْسَة وَعِشْرُونَ للوحش وَخَمْسَة وَعِشْرُونَ للطير وَكَانَ لَهُ ألف بَيت من قَوَارِير على الْخشب
فِيهَا ثلثمِائة صَرِيحَة وَسَبْعمائة سَرِيَّة وَأمر الرّيح العاصف فَرَفَعته فَأمر الرّيح فسارت بِهِ
فَأوحى الله إِلَيْهِ: إِنِّي زدتك فِي ملكك أَن لَا يتَكَلَّم أحد بِشَيْء إِلَّا جَاءَت الرّيح فأخبرتك(6/345)
وَأخرج عبد الله بن أَحْمد فِي زَوَائِد الزّهْد وَابْن الْمُنْذر عَن وهب بن مُنَبّه قَالَ: مر سُلَيْمَان بن دَاوُد وَهُوَ فِي ملكه قد حَملته الرّيح على رجل حراث من بني إِسْرَائِيل فَلَمَّا رَآهُ قَالَ - سُبْحَانَ الله - لقد أُوتِيَ آل دَاوُد ملكا
فحملتها الرّيح فَوَضَعتهَا فِي أُذُنه فَقَالَ: ائْتُونِي بِالرجلِ فَأتي بِهِ فَقَالَ: مَاذَا قلت فَأخْبرهُ فَقَالَ سُلَيْمَان: إِنِّي خشيت عَلَيْك الْفِتْنَة
لثواب سُبْحَانَ الله عِنْد الله يَوْم الْقِيَامَة أعظم مِمَّا أُوتِيَ آل دَاوُد فَقَالَ الحراث: أذهب الله همك كَمَا أذهبت همي قَالَ: وَكَانَ سُلَيْمَان رجلا أَبيض جسيماً أشقر غزاء لَا يسمع بِملك إِلَّا أَتَاهُ فقاتله فدوخه يَأْمر الشَّيَاطِين فيجعلون لَهُ دَارا من قَوَارِير فَيحمل مَا يُرِيد من آلَة الْحَرْب فِيهَا ثمَّ يَأْمر العاصف فتحمله من الأَرْض ثمَّ يَأْمر الرخَاء فتقدمه حَيْثُ شَاءَ
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن يحيى بن كثير قَالَ: قَالَ سُلَيْمَان بن دَاوُد لبني إِسْرَائِيل: أَلا أريكم بعض ملكي الْيَوْم قَالُوا: بلَى يَا نبيى الله قَالَ: يَا ريح ارفعينا
فرفعتهم الرّيح فجعلتهم بَين السَّمَاء وَالْأَرْض ثمَّ قَالَ: يَا طير أظلينا
فأظلتهم الطير بأجنحتها لَا يرَوْنَ الشَّمْس
قَالَ: يَا بني إِسْرَائِيل أَي ملك ترَوْنَ قَالُوا: نرى ملكا عَظِيما قَالَ: قَول لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ لَهُ الْملك وَله الْحَمد وَهُوَ على كل شَيْء قدير
خير من ملكي هَذَا وَمن الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا
يَا بني إِسْرَائِيل من خشِي الله فِي السِّرّ وَالْعَلَانِيَة وَقصد فِي الْغنى والفقر وَعدل فِي الْغَضَب وَالرِّضَا وَذكر الله على كل حَال فقد أعطي مثل مَا أَعْطَيْت(6/346)
وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (17)
- قَوْله تَعَالَى: وَحشر لِسُلَيْمَان جُنُوده من الْجِنّ وَالْإِنْس وَالطير فهم يُوزعُونَ
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير
كَانَ يوضع لِسُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام ثلثمِائة ألف كرْسِي فيجلس مؤمنوا الانس مِمَّا يَلِيهِ ومؤمنوا الْجِنّ من ورائهم ثمَّ يَأْمر الطير فتظله ثمَّ يَأْمر الرّيح فتحمله فيمرون على السنبلة فَلَا يحركونها
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {فهم يُوزعُونَ} قَالَ: يدْفَعُونَ(6/346)
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {فهم يُوزعُونَ} قَالَ: جعل على كل صنف مِنْهُم وزعة ترد أولاها على أخراها لِئَلَّا يتقدموا فِي الْمسير كَمَا تصنع الْمُلُوك
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ والطستي فِي مسَائِله عَن ابْن عَبَّاس
إِن نَافِع بن الْأَزْرَق سَأَلَهُ عَن قَوْله {فهم يُوزعُونَ} قَالَ: يحبس أَوَّلهمْ على آخِرهم حَتَّى تنام الطير
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم
أَو مَا سَمِعت قَول الشَّاعِر: وزعت رعيلها باقب نهد إِذا مَا الْقَوْم شدوا بعد خمس وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد وَأبي رزين فِي قَوْله {فهم يُوزعُونَ} قَالَ: يحبس أَوَّلهمْ على آخِرهم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة {فهم يُوزعُونَ} قَالَ: يرد أَوَّلهمْ على آخِرهم(6/347)
حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (18) فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ (19)
- قَوْله تَعَالَى: حَتَّى إِذا أَتَوا على وادِ النَّمْل قَالَت نملة يَا أَيهَا النَّمْل أدخلُوا مَسَاكِنكُمْ لَا يحطمنكم سُلَيْمَان وَجُنُوده وهم لَا يَشْعُرُونَ فَتَبَسَّمَ ضَاحِكا من قَوْلهَا وَقَالَ رب أوزعني أَن أشكر نِعْمَتك الَّتِي أَنْعَمت عَليّ وعَلى وَالِدي وَأَن أعمل صَالحا ترضاه وأدخلني بِرَحْمَتك فِي عِبَادك الصَّالِحين
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {حَتَّى إِذا أَتَوا على وَادي النَّمْل} قَالَ: ذكر لنا أَنه وَاد بِأَرْض الشَّام
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الشّعبِيّ قَالَ: النملة الَّتِي فقه سُلَيْمَان كَلَامهَا كَانَت من الطير ذَات جناحين وَلَوْلَا ذَلِك لم يعرف سُلَيْمَان مَا تَقول
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة قَالَ: النَّمْل من الطير
وَأخرج البُخَارِيّ فِي تَارِيخه وَابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن نوف قَالَ: كَانَ النَّمْل فِي زمن سُلَيْمَان بن دَاوُد أَمْثَال الذُّبَاب
وَفِي لفظ مثل الذُّبَاب(6/347)
وَأخرج عبد بن حميد عَن الحكم قَالَ: كَانَ النَّمْل فِي زمَان سُلَيْمَان أَمْثَال الذُّبَاب
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن وهب ابْن مُنَبّه قَالَ: أَمر الله الرّيح قَالَ لَا يتَكَلَّم أحد من الْخَلَائق بِشَيْء فِي الأَرْض بَينهم إِلَّا حَملته فَوَضَعته فِي أذن سُلَيْمَان فبذلك سمع كَلَام النملة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن سِيرِين أَنه سُئِلَ عَن التبسم فِي الصَّلَاة فَقَرَأَ هَذِه الْآيَة {فَتَبَسَّمَ ضَاحِكا من قَوْلهَا} وَقَالَ: لَا أعلم التبسم إِلَّا ضحكاً
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {أوزعني} قَالَ: ألهمني
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وأدخلني بِرَحْمَتك فِي عِبَادك الصَّالِحين} قَالَ: مَعَ الْأَنْبِيَاء وَالْمُؤمنِينَ(6/348)
وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ (20) لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (21) فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ (22) إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ (23) وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ (24) أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ (25) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (26) قَالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (27) اذْهَبْ بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ (28) قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ (29) إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (30) أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (31)
- قَوْله تَعَالَى: وتفقد الطير فَقَالَ مَا لي لَا أرى الهدهد أم كَانَ من الغائبين لأعذبنه عذَابا شَدِيدا أَو لأذبحنه أَو ليأتيني بسُلْطَان مُبين فَمَكثَ غير بعيد فَقَالَ أحطت بِمَا لم تحط بِهِ وجئتك من سبإ بنبإ يَقِين إِنِّي وجدت امْرَأَة تملكهم وَأُوتِيت من كل شَيْء وَلها عرش عَظِيم وَجدتهَا وقومها يَسْجُدُونَ للشمس من دون الله وزين لَهُم الشَّيْطَان أَعْمَالهم فصدهم عَن السَّبِيل فهم لَا يَهْتَدُونَ أَلا يسجدوا لله الَّذِي يخرج الخبء فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض وَيعلم مَا تخفون وَمَا تعلنون الله لَا إِلَه إِلَّا هُوَ رب الْعَرْش الْعَظِيم قَالَ سننظر أصدقت أم كنت من الْكَاذِبين اذْهَبْ بكتابي هَذَا فألقه إِلَيْهِم ثمَّ تولى عَنْهُم فَانْظُر مَاذَا يرجعُونَ قَالَت يَا أَيهَا الْمَلأ إِنِّي ألقِي إِلَيّ كتاب كريم إِنَّه من سُلَيْمَان وَإنَّهُ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم أَلا تعلوا عَليّ وأتوني مُسلمين
أخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ من طرق عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا انه سُئِلَ كَيفَ تفقد سليما الهدهد(6/348)
من بَين الطير قَالَ: إِن سُلَيْمَان نزل منزلا فَلم يدر مَا بعد المَاء وَكَانَ الهدهد يدل سُلَيْمَان على المَاء فَأَرَادَ أَن يسْأَله عَنهُ فَفَقدهُ
وَقيل كَيفَ ذَاك والهدهد ينصب لَهُ الفخ يلقِي عَلَيْهِ التُّرَاب وَيَضَع لَهُ الصَّبِي الحبالة فيغيبها فيصيده فَقَالَ: إِذا جَاءَ الْقَضَاء ذهب الْبَصَر
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن أبي حَاتِم عَن يُوسُف بن مَاهك أَنه حدث: أَن نَافِع بن الْأَزْرَق صَاحب الازارقة كَانَ يَأْتِي عبد الله بن عَبَّاس
فَإِذا أفتى ابْن عَبَّاس
يرى هُوَ أَنه لَيْسَ بِمُسْتَقِيم فَيَقُول: قف من أَيْن افتيت بِكَذَا وَكَذَا وَمن أَيْن كَانَ فَيَقُول ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا: أومات من كَذَا وَكَذَا
حَتَّى ذكر يَوْمًا الهدهد فَقَالَ: يعرف بعد مَسَافَة المَاء فِي الأَرْض فَقَالَ لَهُ ابْن الْأَزْرَق: قف قف
يَا ابْن الْعَبَّاس
كَيفَ تزْعم أَن الهدهد يرى مَسَافَة المَاء من تَحت الأَرْض وَهُوَ ينصب لَهُ الفخ فيذر عَلَيْهِ التُّرَاب فيصطاد فَقَالَ ابْن عَبَّاس: لَوْلَا أَن يذهب هَذَا فَيَقُول: كَذَا وَكَذَا لم أقل لَهُ شَيْئا
إِن الْبَصَر ينفع مَا لم يَأْتِ الْقدر فَإِذا جَاءَ الْقدر حَال دون الْبَصَر
فَقَالَ ابْن الْأَزْرَق: لَا أجادلك بعْدهَا فِي شَيْء
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ سُلَيْمَان إِذا أَرَادَ أَن ينزل منزلا دَعَا الهدهد ليخبره عَن المَاء
فَكَانَ إِذا قَالَ: هَهُنَا شققت الشَّيَاطِين الصخور فجرت الْعُيُون من قبل أَن يضْربُوا أبنيتهم فَأَرَادَ أَن ينزل منزلا فتفقد الطير فَلم يره فَقَالَ {مَا لي لَا أرى الهدهد أم كَانَ من الغائبين}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي الْآيَة قَالَ: ذكر لنا أَن سُلَيْمَان أَرَادَ أَن يَأْخُذ مفازة فَدَعَا بالهدهد وَكَانَ سيد الهداهد ليعلم مَسَافَة المَاء
وَكَانَ قد اعطي من الْبَصَر بذلك شَيْئا لم يُعْطِيهِ شَيْء من الطير
لقد ذكر لنا: أَنه كَانَ يبصر المَاء فِي الأَرْض كَمَا يبصر أحدكُم الخيال من وَرَاء الزجاجة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ قَالَ: اسْم هدهد سُلَيْمَان: عنبر
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالْفِرْيَابِي وَسَعِيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن الْمُنْذر وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {لأعذبنه عذَابا شَدِيدا} قَالَ: نتف ريشه(6/349)
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن جرير وَعبد بن حميد عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {لأعذبنه عذَابا شَدِيدا} قَالَ: نتف ريشه كُله
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة
مثله
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: نتف ريشة وإلقاؤه للنمل فِي الشَّمْس
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن زيد بن رُومَان قَالَ: إِن عَذَابه الَّذِي كَانَ يعذب بِهِ الطير: نتف ريش جنَاحه
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {أَو ليأتيني بسُلْطَان مُبين} قَالَ: خبر الْحق الصدْق الْبَين
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله {أَو ليأتيني بسُلْطَان مُبين} قَالَ: بِعُذْر بَين
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن عِكْرِمَة قَالَ: قَالَ ابْن عَبَّاس: كل سُلْطَان فِي الْقُرْآن حجَّة وَنزع الْآيَة الَّتِي فِي سُورَة سُلَيْمَان {أَو ليأتيني بسُلْطَان} قَالَ: وَأي سُلْطَان كَانَ للهدهد
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد قَالَ: إِنَّمَا دفع الله عَن الهدهد ببره والدته
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن عِكْرِمَة قَالَ: إِنَّمَا صرف الله عَذَاب سُلَيْمَان عَن الهدهد لِأَنَّهُ كَانَ باراً بِوَالِديهِ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {أحطت بِمَا لم تحط بِهِ} قَالَ: اطَّلَعت على مَا لم تطلع عَلَيْهِ
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وجئتك من سبإ بنبإ يَقِين} قَالَ: خبر حق
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وجئتك من سبإ} قَالَ: سبأ بِأَرْض الْيمن يُقَال لَهَا: مأرب
بَينهَا وَبَين صنعاء مسيرَة ثَلَاث لَيَال {بنبإ يَقِين} قَالَ: بِخَبَر حق
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن لَهِيعَة قَالَ: يَقُولُونَ إِن مأرب مَدِينَة بلقيس
لم يكن بَينهَا وَبَين بَيت الْمُقَدّس الا ميل فَلَمَّا غضب الله عَلَيْهَا بعْدهَا
وَهِي الْيَوْم(6/350)
بِالْيمن وَهِي الَّتِي ذكر الله الْقُرْآن {لقد كَانَ لسبإ فِي مسكنهم} سبأ الْآيَة 15
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ قَالَ: بعث إِلَى سبأ اثْنَا عشر نَبيا مِنْهُم: تبع
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن أَنه قَرَأَ {من سبإ بنبإ يَقِين} قَالَ: بجعله أَرضًا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة أَنه قَرَأَ {من سبإ بنبإ} قَالَ: يَجعله رجلا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {إِنِّي وجدت امْرَأَة تملكهم} قَالَ: كَانَ اسْمهَا بلقيس بنت أبي شبرة وَكَانَت هلباء شعراء
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن فِي قَوْله {إِنِّي وجدت امْرَأَة تملكهم} قَالَ: هِيَ بلقيس بنت شرَاحِيل ملكة سبأ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة قَالَ: بَلغنِي إِنَّهَا امْرَأَة تسمى بلقيس بنت شرَاحِيل أحد أبوايها من الْجِنّ
مُؤخر إِحْدَى قدميها مثل حافر الدَّابَّة
وَكَانَت فِي بَيت مملكة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن زُهَيْر بن مُحَمَّد قَالَ: هِيَ بلقيس بنت شرَاحِيل بن مَالك بن رَيَّان وَأمّهَا فارعة الجنية
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن جريج قَالَ: بلقيس بنت أبي شرح وَأمّهَا بلقته
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن سُفْيَان الثَّوْريّ
مثله
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن الْحسن قَالَ: كَانَت ملكة سبأ اسْمهَا ليلى وسبأ مَدِينَة بِالْيمن وبلقيس حميرية
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة وَابْن مرْدَوَيْه وَابْن عَسَاكِر عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِحْدَى أَبَوي بلقيس كَانَ جنياً
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن عَسَاكِر عَن قَتَادَة قَالَ: ذكر لنا أَن ملك سبأ كَانَت امْرَأَة بِالْيمن
كَانَت فِي بَيت مملكة يُقَال لَهَا بلقيس بنت شرَاحِيل
هلك أهل بَيتهَا فملكها قَومهَا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد قَالَ: صَاحِبَة سبأ كَانَت أمهَا(6/351)
جنية
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن عُثْمَان بن حَاضر قَالَ: كَانَت أم بلقيس امْرَأَة من الْجِنّ يُقَال لَهَا: بلقمة بنت شيصان
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن الْحسن أَنه سُئِلَ عَن ملكة سبأ فَقَالَ: إِن أحد أَبَوَيْهَا جني
فَقَالَ: الْجِنّ لَا يتوالدون أَي أَن الْمَرْأَة من الإِنس لَا تَلد من الْجِنّ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَ لصاحبة سُلَيْمَان اثْنَا عشر ألف قيل تَحت كل قيل مائَة ألف
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك قَالَ: لما قَالَ {إِنِّي وجدت امْرَأَة تملكهم} أنكر سُلَيْمَان أَن يكون لأحد على الأَرْض سُلْطَان غَيره
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله {وَأُوتِيت من كل شَيْء} قَالَ: من كل شَيْء فِي أرْضهَا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سُفْيَان فِي قَوْله {وَأُوتِيت من كل شَيْء} قَالَ: من أَنْوَاع الدُّنْيَا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَلها عرش عَظِيم} قَالَ: سَرِير كريم من ذهب وقوائمه من جَوْهَر ولؤلؤ حسن الصَّنْعَة غالي الثّمن
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن زُهَيْر بن مُحَمَّد فِي قَوْله {وَلها عرش عَظِيم} قَالَ: سَرِير من ذهب وصفحتاه مرمول بالياقوت والزبرجد طوله ثَمَانُون ذِرَاعا فِي عرض أَرْبَعِينَ ذِرَاعا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن يزِيد بن رُومَان فِي قَوْله {وَجدتهَا وقومها يَسْجُدُونَ للشمس} قَالَ: كَانَت لَهَا كوّة فِي بَيتهَا إِذا طلعت الشَّمْس نظرت إِلَيْهَا فسجدت لَهَا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {يخرج الخبء} قَالَ: يعلم كل خُفْيَة فِي السَّمَاء وَالْأَرْض
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {يخرج الخبء} قَالَ: الْغَيْب
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله {يخرج الخبء} قَالَ: السِّرّ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن قَتَادَة
مثله(6/352)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن الْمسيب فِي قَوْله {يخرج الخبء} قَالَ: المَاء
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن حَكِيم بن جَابر فِي قَوْله {يخرج الخبء} قَالَ: الْمَطَر
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد فِي الْآيَة قَالَ: خبء السَّمَوَات وَالْأَرْض
مَا جعل من الأرزاق والقطر من السَّمَاء والنبات من الأَرْض
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله {سننظر أصدقت أم كنت من الْكَاذِبين} قَالَ: لم يصدقهُ وَلم يكذبهُ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {اذْهَبْ بكتابي هَذَا} قَالَ: كتب مَعَه بِكِتَاب فَقَالَ {اذْهَبْ بكتابي هَذَا فألقه إِلَيْهِم ثمَّ تول عَنْهُم} يَقُول: كن قَرِيبا مِنْهُم {فَانْظُر مَاذَا يرجعُونَ} فَانْطَلق بِالْكتاب حَتَّى إِذا توَسط عرشها ألْقى الْكتاب إِلَيْهَا فقرأه عَلَيْهَا فَإِذا فِيهِ {إِنَّه من سُلَيْمَان وَإنَّهُ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة قَالَ: كَانَت صَاحِبَة سبأ إِذا رقدت غلقت الْأَبْوَاب وَأخذت المفاتيح فَوَضَعتهَا تَحت رَأسهَا
فَلَمَّا غلقت الْأَبْوَاب وآوت إِلَى فراشها جاءها الهدهد حَتَّى دخل من كوّة بَيتهَا فقذف الصَّحِيفَة على بَطنهَا بَين فخذيها فَأخذت الصَّحِيفَة فقرأتها فَقَالَت {يَا أَيهَا الْمَلأ إِنِّي ألقِي إليّ كتاب كريم} تَقول: حسن مَا فِيهِ
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس {إِنِّي ألقِي إليّ كتاب كريم} قَالَ: مختوم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن زُهَيْر بن مُحَمَّد فِي قَوْله {كتاب كريم} قَالَ: تُرِيدُ مختوم
وَكَذَلِكَ الْمُلُوك تختم كتبهَا
لَا تجيز بَينهَا كتابا إِلَّا بِخَاتم
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله {إِنَّه من سُلَيْمَان وَإنَّهُ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم} قَالَ: لم يزدْ زَعَمُوا [] على هَذَا الْكتاب على مَا قصّ الله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن يزِيد بن رُومَان قَالَ: كتب بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
من سُلَيْمَان بن دَاوُد إِلَى بلقيس بنت ذِي شرح وقومها
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد: أَن سُلَيْمَان بن دَاوُد كتب إِلَى ملكة سبأ
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
من عبد الله سُلَيْمَان بن دَاوُد إِلَى بلقيس ملكة سبأ(6/353)
السَّلَام على من اتبع الْهدى
أما بعد: فَلَا تعلوا عَليّ وأتوني مُسلمين
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد قَالَ: لم يكن فِي كتاب سُلَيْمَان إِلَى صَاحِبَة سبأ إِلَّا مَا تقرأون فِي الْقُرْآن {إِنَّه من سُلَيْمَان وَإنَّهُ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة {إِنَّه من سُلَيْمَان وَإنَّهُ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم ألاَّ تعلوا عَليّ} يَقُول: لَا تخالفوا عَليّ {وأتوني مُسلمين} قَالَ: وَكَذَلِكَ كَانَت الْأَنْبِيَاء تكْتب جميلا
يطْلبُونَ وَلَا يكثرون
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق سُفْيَان بن مَنْصُور قَالَ: كَانَ يُقَال كَانَ سُلَيْمَان بن دَاوُد أبلغ النَّاس فِي كتاب وَأقله كلَاما
ثمَّ قَرَأَ {إِنَّه من سُلَيْمَان}
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن سعد وَابْن أبي شيبَة وَابْن أبي حَاتِم عَن الشّعبِيّ قَالَ: كَانَ أهل الْجَاهِلِيَّة يَكْتُبُونَ بِاسْمِك اللَّهُمَّ
فَكتب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أول مَا كتب: بِاسْمِك اللَّهُمَّ
حَتَّى نزلت {بِسم الله مجْراهَا وَمرْسَاهَا} فَكتب {بِسم الله} ثمَّ نزلت {ادعوا الله أَو ادعوا الرَّحْمَن} الرَّحْمَن الْآيَة 110 فَكتب {بِسم الله الرَّحْمَن} ثمَّ أنزلت الْآيَة الَّتِي فِي {طس} {إِنَّه من سُلَيْمَان وَإنَّهُ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم} فَكتب {بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}
وَأخرج أَبُو عبيد فِي فضائله عَن الْحَرْث العكلي قَالَ: قَالَ لي الشّعبِيّ: كَيفَ كَانَ كتاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَيْكُم قلت: بِاسْمِك اللَّهُمَّ فَقَالَ: ذَاك الْكتاب الأول كتب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (بِاسْمِك اللَّهُمَّ) فجرت بذلك مَا شَاءَ الله أَن تجْرِي ثمَّ نزلت {بِسم الله مجْراهَا وَمرْسَاهَا} فَكتب (بِسم الله) فجرت بذلك مَا شَاءَ الله أَن تجْرِي ثمَّ نزلت {قل ادعوا الله أَو ادعوا الرَّحْمَن} فَكتب (بِسم الله الرَّحْمَن) فجرت بذلك مَا شَاءَ الله أَن تجْرِي ثمَّ نزلت {إِنَّه من سُلَيْمَان وَإنَّهُ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم} فَكتب بذلك
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مَيْمُون بن مهْرَان
أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يكْتب (بِاسْمِك اللَّهُمَّ) حَتَّى نزلت {إِنَّه من سُلَيْمَان وَإنَّهُ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة قَالَ: لم يكن النَّاس يَكْتُبُونَ إِلَّا (بِاسْمِك اللَّهُمَّ) حَتَّى نزلت {إِنَّه من سُلَيْمَان وَإنَّهُ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}(6/354)
وَأخرج أَبُو دَاوُد فِي مراسيله عَن أبي مَالك قَالَ: كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يكْتب (بِاسْمِك اللَّهُمَّ) فَلَمَّا نزلت {إِنَّه من سُلَيْمَان وَإنَّهُ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم} كتب (بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم)
وَأخرج أَبُو عبيد فِي فضائله وَابْن أبي شيبَة عَن سعيد بن الْمسيب قَالَ: كتب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى كسْرَى وَقَيْصَر وَالنَّجَاشِي أما بعد: فتعالوا إِلَى كلمة سَوَاء بَيْننَا وَبَيْنكُم ان لَا نعْبد إِلَّا الله وَلَا نشْرك بِهِ شَيْئا وَلَا يتَّخذ بَعْضنَا بَعْضًا أَرْبَابًا من دون الله فَإِن توَلّوا فَقولُوا اشْهَدُوا بِأَنا مُسلمُونَ) فَلَمَّا أَتَى كتاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى قَيْصر فقرأه قَالَ: إِن هَذَا الْكتاب لم أره بعد سُلَيْمَان بن دَاوُد (بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم)(6/355)
قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ (32) قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ (33) قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ (34) وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ (35) فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتَاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ (36) ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ (37) قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (38) قَالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ (39) قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ (40) قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ (41) فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ (42) وَصَدَّهَا مَا كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ كَافِرِينَ (43) قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (44)
- قَوْله تَعَالَى: قَالَت يَا أَيهَا الْمَلأ أفتوني فِي أَمْرِي مَا كنت قَاطِعَة أمرا حَتَّى تَشْهَدُون قَالُوا نَحن أولُوا قُوَّة وَأولُوا بَأْس شَدِيد وَالْأَمر إِلَيْك فانظري مَاذَا تأمرين قَالَت إِن الْمُلُوك إِذا دخلُوا قَرْيَة أفسدوها وَجعلُوا أعزة أَهلهَا أَذِلَّة كَذَلِك يَفْعَلُونَ وَإِنِّي مُرْسلَة إِلَيْهِم بهدية فناظرة بِمَ يرجع المُرْسَلُونَ فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَان قَالَ أتمدونن بِمَال فَمَا آتَانِي الله خير مِمَّا آتَاكُم بل أَنْتُم بهديتكم تفرحون ارْجع إِلَيْهِم فلنأتينهم بِجُنُود لَا قبل لَهُم بهَا ولنخرجنهم مِنْهَا أَذِلَّة وهم صاغرون قَالَ يَا أَيهَا الْمَلأ أَيّكُم يأتيني بِعَرْشِهَا قبل أَن يأتوني مُسلمين قَالَ عفريت من الْجِنّ أَنا آتِيك بِهِ قبل أَن تقوم من مقامك وَإِنِّي عَلَيْهِ لقوي أَمِين قَالَ الَّذِي عِنْده علم من الْكتاب أَنا آتِيك بِهِ قبل أَن يرْتَد إِلَيْك طرفك فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقرًّا عِنْده قَالَ هَذَا من فضل رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أم أكفر وَمن شكر فَإِنَّمَا يشْكر لنَفسِهِ وَمن كفر فَإِن رَبِّي غَنِي كريم قَالَ نكروا لَهَا عرشها نَنْظُر أتهتدي أم تكون(6/355)
من الَّذين لَا يَهْتَدُونَ فَلَمَّا جَاءَت قيل أهكذا عرشك قَالَت كَأَنَّهُ هُوَ وأوتينا الْعلم من قبلهَا وَكُنَّا مُسلمين وصدها مَا كَانَت تعبد من دون الله إِنَّهَا كَانَت من قوم كَافِرين قيل لَهَا ادخلي الصرح فَلَمَّا رَأَتْهُ حسبته لجة وكشفت عَن سَاقيهَا قَالَ إِنَّه صرح ممرد من قَوَارِير قَالَت رب إِنِّي ظلمت نَفسِي وَأسْلمت مَعَ سُلَيْمَان لله رب الْعَالمين
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {قَالَت يَا أَيهَا الْمَلأ أفتوني فِي أَمْرِي} قَالَ: جمعت رُؤُوس مملكتها فشاورتهم فِي أمرهَا فَاجْتمع رَأْيهمْ ورأيها على أَن يغزوه
فسارت حَتَّى إِذا كَانَت قريبَة قَالَت: أرسل إِلَيْهِ بهدية فَإِن قبلهَا فَهُوَ ملك أقاتله وَإِن ردهَا تابعته فَهُوَ نَبِي
فَلَمَّا دنت رسلها من سُلَيْمَان علم خبرهم فَأمر الشَّيَاطِين فهيئوا لَهُ ألف قصر من ذهب وَفِضة
فَلَمَّا رَأَتْ رسلها قُصُور ذهب قَالُوا: مَا يصنع هَذَا بهديتنا وقصوره ذهب وَفِضة فَلَمَّا دخلُوا بهديتها قَالَ: أتهدونني بِمَال ثمَّ قَالَ سُلَيْمَان {أَيّكُم يأتيني بِعَرْشِهَا قبل أَن يأتوني مُسلمين} فَقَالَ كَاتب سُلَيْمَان: ارْفَعْ بَصرك
فَرفع بَصَره
فَلَمَّا رَجَعَ إِلَيْهِ طرفه إِذا هُوَ بسريرها {قَالَ نكروا لَهَا عرشها} فَنزع عَنهُ فصوصه ومرافقه وَمَا كَانَ عَلَيْهِ من شَيْء فَقيل لَهَا {أهكذا عرشك قَالَت كَأَنَّهُ هُوَ} وَأمر الشَّيَاطِين: فَجعلُوا لَهَا صرحاً من قَوَارِير ممرداً وَجعل فِيهَا تماثيل السّمك فَقيل لَهَا {ادخلي الصرح فَلَمَّا رَأَتْهُ حسبته لجة وكشفت عَن سَاقيهَا} فَإِذا فِيهَا الشّعْر
فَعِنْدَ ذَلِك أَمر بصنعة النورة فَقيل لَهَا {إِنَّه صرح ممرد من قَوَارِير قَالَت رب إِنِّي ظلمت نَفسِي وَأسْلمت مَعَ سُلَيْمَان لله رب الْعَالمين}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن زُهَيْر بن مُحَمَّد فِي قَوْله {أفتوني فِي أَمْرِي} تَقول: أَشِيرُوا عَليّ برأيكم {مَا كنت قَاطِعَة أمرا حَتَّى تَشْهَدُون} تُرِيدُ: حَتَّى تشيروا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد قَالَ: كَانَ تَحت يَدي ملكة سبأ اثْنَا عشر ألف قيول تَحت يَدي كل قيول مائَة ألف مقَاتل وهم الَّذين قَالُوا {نَحن أولُوا قُوَّة وأولو بَأْس شَدِيد}(6/356)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة قَالَ: ذكر لنا أَنه كَانَ أولو مشورتها ثَلَاثمِائَة واثني عشر رجلا
كل رجل مِنْهُم على عشرَة آلَاف من الرِّجَال
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {إِن الْمُلُوك إِذا دخلُوا قَرْيَة أفسدوها} قَالَ: إِذا أخذوها عنْوَة أخربوها
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن زُهَيْر بن مُحَمَّد فِي قَوْله {وَجعلُوا أعزة أَهلهَا أَذِلَّة} قَالَ: بِالسَّيْفِ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَت بلقيس {إِن الْمُلُوك إِذا دخلُوا قَرْيَة أفسدوها وَجعلُوا أعزة أَهلهَا أَذِلَّة} قَالَ: يَقُول الرب تبَارك وَتَعَالَى {وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ}
وَأخرج ابْن أبي شيبَة فِي المُصَنّف وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَإِنِّي مُرْسلَة إِلَيْهِم بهدية} قَالَ: أرْسلت بلبنة من ذهب فَلَمَّا قدمُوا إِذا حيطان الْمَدِينَة من ذهب فَذَلِك قَوْله {أتمدوننِ بِمَال}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة قَالَ: قَالَت إِنِّي باعثة إِلَيْهِم بهدية فمصانعتهم بهَا عَن ملكي أَن كَانُوا أهل دنيا
فَبعثت إِلَيْهِم بلبنة من ذهب فِي حَرِير وديباج فَبلغ ذَلِك سُلَيْمَان فَأمر بلبنة من ذهب فصنعت ثمَّ قذفت تَحت أرجل الدَّوَابّ على طريقهم تبول عَلَيْهَا وتروث فَلَمَّا جَاءَ رسلها واللبنة تَحت أرجل الدَّوَابّ صغر فِي أَعينهم الَّذِي جاؤا بِهِ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ثَابت الْبنانِيّ قَالَ: أَهْدَت لَهُ صَفَائِح الذَّهَب فِي أوعية الديباج
فَلَمَّا بلغ ذَلِك سُلَيْمَان أَمر الْجِنّ فموّهوا لَهُ الْآجر بِالذَّهَب ثمَّ أَمر بِهِ فألقي فِي الطَّرِيق
فَلَمَّا جاؤا ورأوه ملقى فِي الطَّرِيق وَفِي كل مَكَان قَالُوا: جِئْنَا نحمل شَيْئا نرَاهُ هَهُنَا ملقى مَا يلْتَفت إِلَيْهِ
فصغر فِي أَعينهم مَا جاؤا بِهِ
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَإِنِّي مُرْسلَة إِلَيْهِم بهدية} قَالَ: جوَار لباسهن لِبَاس الغلمان وغلمان لباسهن لِبَاس الْجَوَارِي(6/357)
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: أرْسلت بِثَمَانِينَ من وصيف ووصيفة وحلقت رؤوسهم كلهم وَقَالَت: إِن عرف الغلمان من الْجَوَارِي فَهُوَ نَبِي وَإِن لم يعرف الغلمان من الْجَوَارِي فَلَيْسَ بِنَبِي
فَدَعَا بِوضُوء فَقَالَ: توضؤا
فَجعل الْغُلَام يَأْخُذ من مرفقيه إِلَى كفيه وَجعلت الْجَارِيَة تَأْخُذ من كفها إِلَى مرفقها فَقَالَ: هَؤُلَاءِ جوَار وَهَؤُلَاء غلْمَان
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة قَالَ: كَانَت هَدِيَّة بلقيس لِسُلَيْمَان مِائَتي فرس على كل فرس غُلَام وَجَارِيَة
الغلمان والجواري على هَيْئَة وَاحِدَة لَا يعرف الْجَوَارِي من الغلمان وَلَا الغلمان من الْجَوَارِي
على كل فرس لون لَيْسَ على الآخر
وَكَانَت أَو هديتهم عِنْد سُلَيْمَان وَآخِرهَا عِنْدهَا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة قَالَ: الْهَدِيَّة
وصفان ووصائف ولبنة من ذهب
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: كَانَت الْهَدِيَّة
جَوَاهِر
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة قَالَ: إِن الْهَدِيَّة لما جَاءَت سُلَيْمَان بَين الغلمان والجواري امتحنهم بِالْوضُوءِ
فَغسل الغلمان ظُهُور السواعد قبل بطونها وغسلت الْجَوَارِي بطُون السواعد قبل ظُهُورهَا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن السّديّ قَالَ: قَالَت: إِن هُوَ قبل الْهَدِيَّة فَهُوَ ملك فقاتلوه دون ملككم وَإِن لم يقبل الْهَدِيَّة فَهُوَ نَبِي لَا طَاقَة لكم بقتاله
فَبعثت إِلَيْهِ بهدية
غلْمَان فِي هَيْئَة الْجَوَارِي وحليهم وَجوَار فِي هَيْئَة الغلمان ولباسهم وَبعثت إِلَيْهِ بلبنات من ذهب وبخرزة مثقوبة مُخْتَلفَة وَبعثت إِلَيْهِ بقدح وَبعثت إِلَيْهِ تعلمه
فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَان الْهَدِيَّة أَمر الشَّيَاطِين فموّهوا لبن الْمَدِينَة وحيطانها ذَهَبا وَفِضة فَلَمَّا رأى ذَلِك رسلها قَالُوا: أَيْن نَذْهَب باللبنات فِي أَرض هَؤُلَاءِ وحيطانهم ذهب وَفِضة فَحَسبُوا اللبنات وأدخلوا عَلَيْهِ مَا سوى ذَلِك وَقَالُوا: أخرج لنا الغلمان من الْجَوَارِي
فَأَمرهمْ فتوضأوا وَأخرج الغلمان من الْجَوَارِي
أما الْجَارِيَة فافرغت على يَدهَا وَأما الْغُلَام فاغترف وَقَالُوا: ادخل لنا فِي هَذِه الخرزة خيطاً
فَدَعَا بالدساس فَربط فِيهِ خيطاً فَأدْخلهُ فِيهَا فجال فِيهَا واضطرب حَتَّى خرج من الْجَانِب الآخر
وَقَالُوا: املأ لنا هَذَا الْقدح بِمَاء لَيْسَ من الأَرْض وَلَا من السَّمَاء ابْن عَبَّاس(6/358)
فَأمر بِالْخَيْلِ فأجريت حَتَّى إِذا اربدت مسح عرقها فَجعله فِيهِ حَتَّى ملأَهُ
فَلَمَّا رجعت رسلها فأخبروها: أَن سُلَيْمَان رد الْهَدِيَّة
وفدت إِلَيْهِ وَأمرت بِعَرْشِهَا فَجعل فِي سَبْعَة أَبْيَات وغلقت عَلَيْهَا فَأخذت المفاتيح
فَلَمَّا بلغ سُلَيْمَان مَا صنعت بِعَرْشِهَا {قَالَ يَا أَيهَا الْمَلأ أَيّكُم يأتيني بِعَرْشِهَا قبل أَن يأتوني مُسلمين}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن زُهَيْر بن مُحَمَّد قَالَ: قَالَ للهدهد {ارْجع إِلَيْهِم فلنأتينهم بِجُنُود لَا قبل لَهُم بهَا} يَعْنِي من الانس وَالْجِنّ
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي صَالح فِي قَوْله {لَا قبل لَهُم بهَا} قَالَ: لَا طَاقَة لَهُم بهَا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة قَالَ: لما بلغ سُلَيْمَان أَنَّهَا جَاءَتْهُ وَكَانَ قد ذكر لَهُ عرشها فأعجبه
وَكَانَ عرشها من ذهب وقوائمه من لُؤْلُؤ وجوهر وَكَانَ مستتراً بالديباج وَالْحَرِير وَكَانَ عَلَيْهِ سَبْعَة مغاليق فكره أَن يَأْخُذهُ بعد إسْلَامهمْ
وَقد علم نَبِي الله سُلَيْمَان أَن الْقَوْم مَتى مَا يسلمُوا تحرم أَمْوَالهم مَعَ دِمَائِهِمْ فَأحب أَن يُؤْتى بِهِ قبل أَن يكون ذَلِك من أَمرهم فَقَالَ {أَيّكُم يأتيني بِعَرْشِهَا قبل أَن يأتوني مُسلمين}
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {أَيّكُم يأتيني بِعَرْشِهَا} قَالَ: سَرِير فِي أريكة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر من طَرِيق عَليّ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {قبل أَن يأتوني مُسلمين} قَالَ: طائعين
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {قَالَ عفريت من الْجِنّ} قَالَ: مارد {قبل أَن تقوم من مقامك} قَالَ: من مَقْعَدك
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي صَالح فِي قَوْله {قَالَ عفريت} قَالَ: عَظِيم كَأَنَّهُ جبل
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن شُعَيْب الجبائي قَالَ: كَانَ اسْم العفريت
كوزن
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن يزِيد بن رُومَان قَالَ: اسْمه كوزي(6/359)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {قَالَ عفريت من الْجِنّ} قَالَ: هُوَ صَخْر الجني {وَإِنِّي عَلَيْهِ لقوي} قَالَ: على حمله {أَمِين} قَالَ: على مَا استودع فِيهِ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {قبل أَن تقوم من مقامك} قَالَ: من مجلسك
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن زُهَيْر بن مُحَمَّد فِي قَوْله {قبل أَن تقوم من مقامك} قَالَ: من مجلسك الَّذِي تجْلِس فِيهِ للْقَضَاء
وَكَانَ سُلَيْمَان إِذا جلس للْقَضَاء لم يقم حَتَّى تَزُول الشَّمْس
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَإِنِّي عَلَيْهِ لقوي أَمِين} قَالَ: على جوهره
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {أَنا آتِيك بِهِ قبل أَن تقوم من مقامك} قَالَ: إِنِّي أُرِيد أعجل من هَذَا {قَالَ الَّذِي عِنْده علم من الْكتاب أَنا آتِيك بِهِ قبل أَن يرْتَد إِلَيْك طرفك} قَالَ: فَخرج الْعَرْش من نفق من الأَرْض
وَأخرج عبد بن حميد عَن حَمَّاد بن سَلمَة قَالَ: قَرَأت من مصحف أبي بن كَعْب {وَإِنِّي عَلَيْهِ لقوي أَمِين} قَالَ: أُرِيد أعجل من ذَلِك
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {قَالَ الَّذِي عِنْده علم من الْكتاب} قَالَ: آصف: كَاتب سُلَيْمَان
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن يزِيد بن رُومَان قَالَ: هُوَ آصف بن برخيا
وَكَانَ صديقا يعلم الِاسْم الْأَعْظَم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد قَالَ: كَانَ اسْمه أسطوم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن لَهِيعَة قَالَ: هُوَ الْخضر
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن زُهَيْر بن مُحَمَّد قَالَ: هُوَ رجل من الإِنس يُقَال لَهُ: ذُو النُّور
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن الْحسن قَالَ: هُوَ آصف بن برخيا بن مشعيا بن منكيل وَاسم أمه باطورا من بني إِسْرَائِيل
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة {قَالَ الَّذِي عِنْده علم من الْكتاب} قَالَ: كَانَ اسْمه تمليخا(6/360)
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {قَالَ الَّذِي عِنْده علم من الْكتاب} قَالَ الِاسْم الْأَعْظَم الَّذِي إِذا دعِي بِهِ أجَاب وَهُوَ يَاذَا الْجلَال والإِكرام
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {قَالَ الَّذِي عِنْده علم من الْكتاب} قَالَ: كَانَ رجلا من بني إِسْرَائِيل يعلم اسْم الله الْأَعْظَم إِذا دعى بِهِ أجَاب
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {قبل أَن يرْتَد إِلَيْك طرفك} قَالَ: ادامة النّظر حَتَّى يرْتَد إِلَيْك الطّرف خاسئاً
وَأخرج أَبُو عبيد وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد قَالَ: فِي قِرَاءَة ابْن مَسْعُود (قَالَ الَّذِي عِنْده علم من الْكتاب أَنا أنظر فِي كتاب رَبِّي ثمَّ آتِيك بِهِ قبل أَن يرْتَد إِلَيْك طرفك) قَالَ: فَتكلم ذَلِك الْعَالم بِكَلَام دخل الْعَرْش فِي نفق تَحت الأَرْض حَتَّى خرج إِلَيْهِم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله {قبل أَن يرْتَد إِلَيْك طرفك} قَالَ: قَالَ لِسُلَيْمَان: انْظُر إِلَى السَّمَاء قَالَ: فَمَا اطرق حَتَّى جَاءَهُ بِهِ فَوَضعه بَين يَدَيْهِ
وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن عَبَّاس
مثله
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن الزُّهْرِيّ قَالَ: دُعَاء الَّذِي عِنْده من الْكتاب
يَا إلهنا وإله كل شَيْء إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَه إِلَّا أَنْت: ائْتِنِي بِعَرْشِهَا
قَالَ: فَمثل لَهُ بَين يَدَيْهِ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن عَسَاكِر عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لم يجر عرش صَاحِبَة سبأ بَين الأَرْض وَالسَّمَاء وَلَكِن انشقت بِهِ الأَرْض فَجرى تَحت الأَرْض حَتَّى ظهر بَين يَدي سُلَيْمَان
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن سابط قَالَ: دَعَا باسمه الْأَعْظَم فَدخل السرير فَصَارَ لَهُ نفق فِي الأَرْض حَتَّى نبع بَين يَدي سُلَيْمَان
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد قَالَ: دَعَا باسم من أَسمَاء الله
فَإِذا عرشها(6/361)
يحمل بَين عَيْنَيْهِ
وَلَا يدْرِي ذَلِك الِاسْم
قد خَفِي ذَلِك الإِسم على سُلَيْمَان وَقد أعظم مَا أعْطى
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله {قَالَ الَّذِي عِنْده علم من الْكتاب أَنا آتِيك بِهِ قبل أَن يرْتَد إِلَيْك طرفك} قَالَ: كَانَ رجلا من بني إِسْرَائِيل يعلم اسْم الله الْأَعْظَم الَّذِي إِذا دعِي بِهِ أجَاب وَإِذا سُئِلَ لَهُ أعطي
وارتداد الطّرف أَن يرى ببصره حَيْثُ بلغ ثمَّ يرد طرفه
فَدَعَاهُ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقرًّا عِنْده جزع وَقَالَ: رجل غَيْرِي أقدر على مَا عِنْد الله مني
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله {هَذَا من فضل رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ} إِذا أتيت بالعرش {أم أكفر} إِذا رَأَيْت من هُوَ أدنى مني فِي الدُّنْيَا أعلم مني
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {قَالَ نكروا لَهَا عرشها} قَالَ: زيد فِيهِ وَنقص {نَنْظُر أتهتدي} قَالَ: لنَنْظُر إِلَى عقلهَا
فَوجدت ثَابِتَة الْعقل
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {قَالَ نكروا لَهَا عرشها} قَالَ: تنكيره أَن يَجْعَل أَسْفَله أَعْلَاهُ ومقدمه مؤخره وَيُزَاد فِيهِ أَو ينقص مِنْهُ فَلَمَّا جَاءَت {قيل أهكذا عرشك} قَالَت {كَأَنَّهُ هُوَ} شبهته بِهِ وَكَانَت قد تركته خلفهَا فَوَجَدته أمامها
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ قَالَ: لما دخلت وَقد غير عرشها
فَجعل كل شَيْء من حليته أَو فرشه فِي غير مَوْضِعه ليلبسوا عَلَيْهَا قيل {أهكذا عرشك} فرهبت أَن تَقول نعم هُوَ
فَيَقُولُونَ: مَا هَكَذَا كَانَ حليته وَلَا كسوته ورهبت أَن تَقول لَيْسَ هُوَ
فَيُقَال لَهَا: بل هُوَ وَلَكنَّا غيرناه
فَقَالَت كَأَنَّهُ هُوَ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن زُهَيْر بن مُحَمَّد فِي قَوْله {وأوتينا الْعلم من قبلهَا} قَالَ: سُلَيْمَان يَقُوله: أوتينا معرفَة الله وتوحيده
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وأوتينا الْعلم من قبلهَا} قَالَ: سُلَيْمَان يَقُوله
وَفِي قَوْله {وصدها مَا كَانَت تعبد من دون الله} قَالَ: كفرها بِقَضَاء الله غير الوثن أَن تهتدي(6/362)
للحق
فِي قَوْله {قيل لَهَا ادخلي الصرح} بركَة مَاء ضرب عَلَيْهَا سُلَيْمَان قَوَارِير وَكَانَت بلقيس عَلَيْهَا شعر قدماها حافر كحافر الْحمار وَكَانَت أمهَا جنية
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي صَالح قَالَ: كَانَ الصرح من زجاج وَجعل فِيهِ تماثيل السّمك
فَلَمَّا رَأَتْهُ وَقيل لَهَا: أدخلي الصرح
فكسفت عَن سَاقيهَا وظنت أَنه مَاء قَالَ: والممرد: الطَّوِيل
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ قَالَ: كَانَ قد نعت لَهَا خلقهَا فَأحب أَن ينظر إِلَى سَاقيهَا فَقيل لَهَا {ادخلي الصرح} فَلَمَّا رَأَتْهُ ظنت أَنه مَاء فَكشفت عَن سَاقيهَا فَنظر إِلَى سَاقيهَا أَنه عَلَيْهِمَا شعر كثير فَوَقَعت من عَيْنَيْهِ وكرهها فَقَالَت لَهُ الشَّيَاطِين: نَحن نصْنَع لَك شَيْئا يذهب بِهِ
فصنعوا لَهُ نورة من أصداف فطلوها فَذهب الشّعْر ونكحها سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله قَالَت {رب إِنِّي ظلمت نَفسِي} قَالَ: ظنت أَنه مَاء
وَأَن سُلَيْمَان أَرَادَ قَتلهَا فَقَالَت: أَرَادَ قَتْلِي - وَالله - على ذَلِك لأقتحمن فِيهِ
فَلَمَّا رَأَتْهُ أَنه قَوَارِير عرفت أَنَّهَا ظلمت سُلَيْمَان بِمَا ظنت
فَذَلِك قَوْلهَا {ظلمت نَفسِي} وَإِنَّمَا كَانَت هَذِه المكيدة من سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام لَهَا
إِن الْجِنّ تراجعوا فِيمَا بَينهم فَقَالُوا: قد كُنْتُم تصيبون من سُلَيْمَان غرَّة فَإِن نكح هَذِه الْمَرْأَة اجْتمعت فطنة الْوَحْي وَالْجِنّ فَلَنْ تصيبوا لَهُ غرَّة
فقدموا إِلَيْهِ فَقَالُوا: إِن النَّصِيحَة لَك علينا حق إِنَّمَا قدماها حافر حمَار
فَذَلِك حِين ألبس الْبركَة قَوَارِير وَأرْسل إِلَى نسَاء من نسَاء بني إِسْرَائِيل ينظرنها إِذا كشفت عَن سَاقيهَا
مَا قدماها فَإِذا هِيَ أحسن النَّاس ساقاً من سَاق شعراء وَإِذا قدماها هما قدم إِنْسَان فبشرن سُلَيْمَان
وَكره الشّعْر فَأمر الْجِنّ فَجعلت النورة
فَذَلِك أَو مَا كَانَت النورة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَ سُلَيْمَان بن دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام إِذا أَرَادَ سفرا قعد على سَرِيره وَوضعت الكراسي يَمِينا وَشمَالًا فَيُؤذن للإِنس عَلَيْهِ ثمَّ أذن للجن عَلَيْهِ بعد الانس ثمَّ أذن للشياطين بعد الْجِنّ ثمَّ أرسل إِلَى الطير فتظلهم وَأمر الرّيح فحملتهم وَهُوَ على سَرِيره وَالنَّاس على الكراسي وَالطير تظلهم وَالرِّيح تسير بهم
غدوها شهر ورواحها شهر رخاء حَيْثُ أَرَادَ
لَيْسَ بالعاصف وَلَا باللين وسطا بَين ذَلِك(6/363)
وَكَانَ سُلَيْمَان يخْتَار من كل طير طيراً فَيَجْعَلهُ رَأس تِلْكَ الطير
فَإِذا أَرَادَ أَن يسائل تِلْكَ الطير عَن شَيْء سَأَلَ رَأسهَا
فَبَيْنَمَا سُلَيْمَان يسير إِذْ نزل مفازة فَقَالَ: كم بعد المَاء هَهُنَا فَسَأَلَ الإِنس فَقَالُوا: لَا نَدْرِي فَسَأَلَ الشَّيَاطِين فَقَالُوا: لَا نَدْرِي فَغَضب سُلَيْمَان وَقَالَ: لَا أَبْرَح حَتَّى أعلم كم بعد مَسَافَة المَاء هَهُنَا فَقَالَت لَهُ الشَّيَاطِين: يَا رَسُول الله لَا تغْضب فَإِن يَك شَيْء يعلم فالهدهد يُعلمهُ
فَقَالَ سُلَيْمَان: عليَّ بالهدهد
فَلم يُوجد فَغَضب سُلَيْمَان وَقَالَ {لأعذبنه عذَابا شَدِيدا أَو لأذبحنه أَو ليأتيني بسُلْطَان مُبين} يَقُول: بِعُذْر مُبين غيبه عَن مسيري هَذَا
قَالَ: وَمر الهدهد على قصر بلقيس فَرَأى لَهَا بستاناً خلف قصرهَا فَمَال إِلَى الخضرة فَوَقع فِيهِ فَإِذا هُوَ بهدهد فِي الْبُسْتَان فَقَالَ لَهُ: هدهد سُلَيْمَان أَيْن أَنْت عَن سُلَيْمَان وَمَا تصنع هَهُنَا فَقَالَ لَهُ هدهد بلقيس: وَمن سُلَيْمَان فَقَالَ: بعث الله رجلا يُقَال لَهُ: سُلَيْمَان رَسُولا وسخر لَهُ الْجِنّ والانس وَالرِّيح وَالطير
فَقَالَ لَهُ هدهد بلقيس: أَي شَيْء تَقول قَالَ: أَقُول لَك مَا تسمع
قَالَ: إِن هَذَا لعجب وأعجب من ذَلِك أَن كَثْرَة هَؤُلَاءِ الْقَوْم تملكهم امْرَأَة {وَأُوتِيت من كل شَيْء وَلها عرش عَظِيم} جعلُوا الشُّكْر لله: أَن يسجدوا للشمس من دون الله
قَالَ: وَذكر لهدهد سُلَيْمَان فَنَهَضَ عَنهُ فَلَمَّا انْتهى إِلَى الْعَسْكَر تَلَقَّتْهُ الطير فَقَالُوا: تواعدك رَسُول الله وَأَخْبرُوهُ بِمَا قَالَ
وَكَانَ عَذَاب سُلَيْمَان للطير أَن ينتفه ثمَّ يشمسه فَلَا يطير أبدا وَيصير مَعَ هوَام الأَرْض أَو يذبحه فَلَا يكون لَهُ نسل أبدا
قَالَ الهدهد: وَمَا اسْتثْنى نَبِي الله قَالُوا: بلَى
قَالَ: أَو ليأتيني بِعُذْر مُبين
فَلَمَّا أَتَى سُلَيْمَان قَالَ: وَمَا غَيْبَتِك عَن مسيري قَالَ {أحطت بِمَا لم تحط بِهِ وجئتك من سبإ بنبإ يَقِين إِنِّي وجدت امْرَأَة تملكهم وَأُوتِيت من كل شَيْء وَلها عرش عَظِيم} قَالَ: بل اعتللت {سننظر أصدقت أم كنت من الْكَاذِبين اذْهَبْ بكتابي هَذَا فألقه إِلَيْهِم} وَكتب (بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم) إِلَى بلقيس {أَلا تعلوا عَليّ وأتوني مُسلمين} فَلَمَّا ألْقى الهدهد الْكتاب إِلَيْهَا ألْقى فِي روعها أَنه كتاب كريم وَإنَّهُ من سُلَيْمَان و {أَلا تعلوا عَليّ وأتوني مُسلمين}
قَالُوا نَحن أولُوا قُوَّة {قَالَت} إِن الْمُلُوك إِذا دخلُوا قَرْيَة أفسدوها
وَإِنِّي مُرْسلَة إِلَيْهِم(6/364)
بهدية فَلَمَّا جَاءَت الْهَدِيَّة سُلَيْمَان قَالَ: أتمدونني بِمَال ارْجع إِلَيْهِم
فَلَمَّا رَجَعَ إِلَيْهَا رسلها خرجت فزعة فَأقبل مَعهَا ألف قيل مَعَ كل قيل مائَة ألف
قَالَ: وَكَانَ سُلَيْمَان رجلا مهيباً لَا يبتدأ بِشَيْء حَتَّى يكون هُوَ الَّذِي يسْأَل عَنهُ
فَخرج يَوْمئِذٍ فَجَلَسَ على سَرِيره فَرَأى رهجاً قَرِيبا مِنْهُ قَالَ: مَا هَذَا قَالُوا:: بلقيس يَا رَسُول الله قَالَ: وَقد نزلت منا بِهَذَا الْمَكَان قَالَ ابْن عَبَّاس: وَكَانَ بَين سُلَيْمَان وَبَين ملكة سبأ وَمن مَعهَا حِين نظر إِلَى الْغُبَار كَمَا بَين الْكُوفَة والحيرة قَالَ: فَأقبل على جُنُوده فَقَالَ: أَيّكُم يأتيني بِعَرْشِهَا قبل أَن يأتوني مُسلمين قَالَ: وَبَين سُلَيْمَان وَبَين عرشها حِين نظر إِلَى الْغُبَار مسيرَة شَهْرَيْن {قَالَ عفريت من الْجِنّ أَنا آتِيك بِهِ قبل أَن تقوم من مقامك}
قَالَ: وَكَانَ لِسُلَيْمَان مجْلِس فِيهِ للنَّاس كَمَا تجْلِس الْأُمَرَاء ثمَّ يقوم قَالَ سُلَيْمَان: أُرِيد اعجل من ذَلِك
قَالَ الَّذِي عِنْده علم من الْكتاب: أَنا أنظر فِي كتاب رَبِّي ثمَّ آتِيك بِهِ قبل أَن يرْتَد إِلَيْك طرفك
فَنظر إِلَيْهِ سُلَيْمَان فَلَمَّا قطع كَلَامه رد سُلَيْمَان بَصَره فنبع عرشها من تَحت قدم سُلَيْمَان
من تَحت كرْسِي كَانَ يضع عَلَيْهِ رجله ثمَّ يصعد إِلَى السرير فَلَمَّا رأى سُلَيْمَان عرشها مُسْتَقرًّا عِنْده {قَالَ هَذَا من فضل رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ} إِذْ أَتَانِي بِهِ قبل أَن يرْتَد إليَّ طرفِي {أم أكفر} إِذْ جعل من هُوَ تَحت يَدي أقدر على الْمَجِيء مني ثمَّ {قَالَ نكروا لَهَا عرشها}
فَلَمَّا جَاءَت تقدّمت إِلَى سُلَيْمَان {قيل أهكذا عرشك قَالَت كَأَنَّهُ هُوَ} ثمَّ قَالَت: يَا سُلَيْمَان إِنِّي أُرِيد أَن أَسأَلك عَن شَيْء فَأَخْبرنِي بِهِ قَالَ: سَلِي
قَالَت: أَخْبرنِي عَن مَاء رواء لَا من الأَرْض وَلَا من السَّمَاء
قَالَ: وَكَانَ إِذا جَاءَ سُلَيْمَان شَيْء لَا يُعلمهُ يسْأَل الإِنس عَنهُ فَإِن كَانَ عِنْد الإِنس مِنْهُ علم
وَإِلَّا سَأَلَ الْجِنّ فَإِن لم يكن عِنْد الْجِنّ علم سَأَلَ الشَّيَاطِين فَقَالَت لَهُ الشَّيَاطِين: مَا أَهْون هَذَا يَا رَسُول الله مر بِالْخَيْلِ فتجري ثمَّ لتملأ الْآنِية من عرقها فَقَالَ لَهَا سُلَيْمَان: عرق الْخَيل قَالَت: صدقت قَالَت: فَأَخْبرنِي عَن لون الرب قَالَ ابْن عَبَّاس: فَوَثَبَ سُلَيْمَان عَن سَرِيره فَخر سَاجِدا فَقَامَتْ عَنهُ وَتَفَرَّقَتْ عَنهُ جُنُوده وجاءه الرَّسُول فَقَالَ: يَا سُلَيْمَان يَقُول(6/365)
لَك رَبك مَا شَأْنك قَالَ: يَا رب أَنْت أعلم بِمَا قَالَت قَالَ: فَإِن الله يَأْمُرك أَن تعود إِلَى سريرك فتقعد عَلَيْهِ وَترسل إِلَيْهَا وَإِلَى من حضرها من جنودها وَترسل إِلَى جَمِيع جنودك الَّذين حضروك فيدخلوا عَلَيْك فتسألها وتسألهم عَمَّا سَأَلتك عَنهُ قَالَ: فَفعل سُلَيْمَان ذَلِك
فَلَمَّا دخلُوا عَلَيْهِ جَمِيعًا قَالَ لَهَا: عَم سألتيني قَالَت: سَأَلتك عَن مَاء رواء لَا من الأَرْض وَلَا من السَّمَاء قَالَ: قلت لَك عرق الْخَيل قَالَت: صدقت
قَالَ: وَعَن أَي شَيْء سألتيني قَالَت: مَا سَأَلتك عَن شَيْء إِلَّا عَن هَذَا قَالَ لَهَا سُلَيْمَان: فلأي شَيْء خَرَرْت عَن سَرِيرِي قَالَت: كَانَ ذَلِك لشَيْء لَا أَدْرِي مَا هُوَ
فَسَأَلَ جنودها فَقَالُوا: مثل قَوْلهَا
فَسَأَلَ جُنُوده من الإِنس وَالْجِنّ وَالطير وكل شَيْء كَانَ حَضَره من جُنُوده فَقَالُوا: مَا سَأَلتك يَا رَسُول الله عَن شَيْء إِلَّا عَن مَاء رواء قَالَ: وَقد كَانَ
قَالَ لَهُ الرَّسُول: يَقُول الله لَك: ارْجع ثمَّة إِلَى مَكَانك فَإِنِّي قد كفيتكم فَقَالَ سُلَيْمَان للشياطين: ابنو لي صرحاً تدخل عَليّ فِيهِ بلقيس فَرجع الشَّيَاطِين بَعضهم إِلَى بعض فَقَالُوا لِسُلَيْمَان: يَا رَسُول الله قد سخر الله لَك مَا سخر وبلقيس ملكة سبأ ينْكِحهَا فتلد لَهُ غُلَاما فَلَا ننفك لَهُ من الْعُبُودِيَّة أبدا قَالَ: وَكَانَت امْرَأَة شَعْرَاء السَّاقَيْن فَقَالَت الشَّيَاطِين: ابنو لَهُ بنياناً كَأَنَّهُ المَاء يرى ذَلِك مِنْهَا فَلَا يَتَزَوَّجهَا فبنوا لَهُ صرحاً من قَوَارِير فَجعلُوا لَهُ طوابيق من قَوَارِير وَجعلُوا من بَاطِن الطوابيق كل شَيْء يكون من الدَّوَابّ فِي الْبَحْر
من السّمك وَغَيره ثمَّ اطبقوه ثمَّ قَالُوا لِسُلَيْمَان: ادخل الصرح
فألقي كرسياً فِي أقْصَى الصرح
فَلَمَّا دخله أَتَى الْكُرْسِيّ فَصَعدَ عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ: أدخلُوا عليَّ بلقيس فَقيل لَهَا ادخلي الصرح فَلَمَّا ذهبت فرأت صُورَة السّمك وَمَا يكون فِي المَاء من الدَّوَابّ {حسبته لجة وكشفت عَن سَاقيهَا} لتدخل
وَكَانَ شعر سَاقهَا ملتوياً على سَاقيهَا
فَلَمَّا رَآهُ سُلَيْمَان ناداها وَصرف وَجهه عَنْهَا {إِنَّه صرح ممرد من قَوَارِير} فَأَلْقَت ثوبها وَقَالَت {رب إِنِّي ظلمت نَفسِي وَأسْلمت مَعَ سُلَيْمَان لله رب الْعَالمين}
فَدَعَا سُلَيْمَان الإِنس فَقَالَ: مَا أقبح هَذَا مَا يذهب هَذَا قَالُوا: يَا رَسُول الله الموسى
فَقَالَ: الموسى تقطع ساقي الْمَرْأَة ثمَّ دَعَا الشَّيَاطِين فَقَالَ مثل ذَلِك فتلكؤا عَلَيْهِ ثمَّ جعلُوا لَهُ النورة قَالَ ابْن عَبَّاس: فَإِنَّهُ لأوّل يَوْم رؤيت فِيهِ النورة(6/366)
قَالَ: واستنكحها سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام
قَالَ ابْن أبي حَاتِم: قَالَ أَبُو بكر ابْن أبي شيبَة: مَا أحْسنه من حَدِيث وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَسَعِيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة فِي المُصَنّف وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن عبد الله بن شَدَّاد قَالَ: كَانَ سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام إِذا أَرَادَ أَن يسير وضع كرسيه فَيَأْتِي من أَرَادَ من الانس وَالْجِنّ ثمَّ يَأْمر الرّيح فتحملهم ثمَّ يَأْمر الطير فتظلهم
فَبينا هُوَ يسير إِذْ عطشوا فَقَالَ: مَا ترَوْنَ بعد المَاء قَالُوا: لَا نَدْرِي
فتفقد الهدهد وَكَانَ لَهُ مِنْهُ منزلَة لَيْسَ بهَا طير غَيره فَقَالَ {مَا لي لَا أرى الهدهد أم كَانَ من الغائبين لأعذبنه عذَابا شَدِيدا} وَكَانَ عَذَابه إِذا عذب الطير نتفه ثمَّ يجففه فِي الشَّمْس {أَو لأذبحنه أَو ليأتيني بسُلْطَان مُبين} يَعْنِي بِعُذْر بَين
فَلَمَّا جَاءَ الهدهد استقبلته الطير فَقَالَت لَهُ: قد أوعدك سُلَيْمَان فَقَالَ لَهُم: هَل اسْتثْنى فَقَالُوا لَهُ: نعم
قد قَالَ: إِلَّا أَن يَجِيء بِعُذْر بَين
فجَاء بِخَبَر صَاحِبَة سبأ فَكتب مَعَه إِلَيْهَا (بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم أَلا تعلوا عليَّ وائتوني مُسلمين) فَأَقْبَلت بلقيس فَلَمَّا كَانَت على قدر فَرسَخ قَالَ سُلَيْمَان {أَيّكُم يأتيني بِعَرْشِهَا قبل أَن يأتوني مُسلمين قَالَ عفريت من الْجِنّ أَنا آتِيك بِهِ قبل أَن تقوم من مقامك} فَقَالَ سُلَيْمَان: أُرِيد اعجل من ذَلِك
فَقَالَ الَّذِي عِنْده علم من الْكتاب {أَنا آتِيك بِهِ قبل أَن يرْتَد إِلَيْك طرفك} فَأتى بالعرش فِي نفق فِي الأَرْض يَعْنِي سرب فِي الأَرْض قَالَ سُلَيْمَان: غيروه
فَلَمَّا جَاءَت {قيل أهكذا عرشك} فاستنكرت السرعة وَرَأَتْ الْعَرْش {قَالَت كَأَنَّهُ هُوَ}
قيل لَهَا ادخلي الصرح فَلَمَّا رَأَتْهُ حسبته {لجة} مَاء {وكشفت عَن سَاقيهَا} فَإِذا هِيَ امْرَأَة شعراء فَقَالَ سُلَيْمَان: مَا يذهب هَذَا فَقَالَ بعض الْجِنّ: أَنا أذهبه
وصنعت لَهُ النورة
وَكَانَ أول مَا صنعت النورة وَكَانَ اسْمهَا بلقيس
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن عِكْرِمَة قَالَ: لما تزوج سُلَيْمَان بلقيس قَالَ: مَا مستني حَدِيدَة قطّ فَقَالَ للشياطين: أنظروا أَي شَيْء يذهب بالشعر غير الْحَدِيد فوضعوا لَهُ النورة فَكَانَ أول من وَضعهَا شياطين سُلَيْمَان
وَأخرج البُخَارِيّ فِي تَارِيخه والعقيلي عَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أول من صنعت لَهُ الحمامات سُلَيْمَان(6/367)
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن عدي فِي الْكَامِل وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أول من دخل الْحمام سُلَيْمَان فَلَمَّا وجد حره أوَّهَ من عَذَاب الله
وَأخرج أَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن مُجَاهِد قَالَ: لما قدمت ملكة سبأ على سُلَيْمَان رَأَتْ حطباً جزلاً فَقَالَت لغلام سُلَيْمَان: هَل يعرف مَوْلَاك كم وزن هَذَا الدُّخان فَقَالَ: أَنا أعلم فَكيف مولَايَ قَالَت: فكم وَزنه فَقَالَ الْغُلَام: يُوزن الْحَطب ثمَّ يحرق ثمَّ يُوزن الرماد فَمَا نقص فَهُوَ دخانه
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الزّهْد عَن الْأَوْزَاعِيّ قَالَ: كسر برج من أبراج تدمر فَأَصَابُوا فِيهِ امْرَأَة حسناء دعجاء مدمجى كَأَن أعطافها طي الطوامير عَلَيْهَا عِمَامَة طولهَا ثَمَانُون ذِرَاعا مَكْتُوب على طرف الْعِمَامَة بِالذَّهَب (بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم) إِنَّا بلقيس ملكة سبأ زَوْجَة سُلَيْمَان بن دَاوُد ملكت الدُّنْيَا كَافِرَة ومؤمنة مَا لم يملكهُ أحد قبلي وَلَا يملكهُ أحد بعدِي صَار مصيري إِلَى الْمَوْت فأقصروا يَا طلاب الدُّنْيَا
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن سَلمَة بن عبد الله بن ربعي قَالَ: لما أسلمت بلقيس تزَوجهَا سُلَيْمَان وَأَمْهَرهَا باعلبك(6/368)
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ (45) قَالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (46) قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ قَالَ طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ (47) وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ (48) قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (49) وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (50) فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ (51) فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (52) وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (53) وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ (54) أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (55) فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ (56) فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ (57) وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ (58)
- قَوْله تَعَالَى: وَلَقَد أرسلنَا إِلَى ثَمُود أَخَاهُم صَالحا أَن اعبدوا الله فَإِذا هم فريقا يختصمون قَالَ يَا قوم لم تَسْتَعْجِلُون بالسيئه قبل الحسنه لَوْلَا تستغفرون الله اعلكم ترحمون قَالُوا إطيرنا بك وبمن مَعَك قَالَ طائركم عِنْد الله بل أَنْتُم قوم تفتنون وَكَانَ فِي الْمَدِينَة تِسْعَة رَهْط يفسدون فِي الأَرْض وَلَا يصلحون قَالُوا تقاسموا بِاللَّه لنبيتنه وَأَهله ثمَّ لنقولن لوَلِيِّه مَا شَهِدنَا مهلك أَهله وَإِنَّا لصادقون ومكروا مكرا ومكرنا مكرا وهم لَا يَشْعُرُونَ فانظركيف كَانَ عَاقِبَة مَكْرهمْ إِنَّا دمرناهم وقومهم أَجْمَعِينَ فَتلك بُيُوتهم خاوية بِمَا ظلمُوا(6/368)
إِن فِي ذَلِك لآيَة لقوم يعلمُونَ وأنجينا الَّذين آمنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ ولوطا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أتأتون الْفَاحِشَة وَأَنْتُم تبصرون أإنكم لتأتون الرِّجَال شَهْوَة من دون النِّسَاء بل أَنْتُم قوم تجهلون فَمَا كَانَ جَوَاب قومه إِلَّا أَن قَالُوا أخرجُوا آل لوط من قريتكم إِنَّهُم أنَاس يتطهرون فأنجيناه وَأَهله إِلَّا امْرَأَته قدرناها من الغابرين وأمطرنا عَلَيْهِم مَطَرا فسَاء مطر الْمُنْذرين
أخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {فَإِذا هم فريقان يختصمون} قَالَ: مُؤمن وَكَافِر قَوْلهم صَالح مُرْسل من ربه
وَقَوْلهمْ لَيْسَ بمرسل
وَفِي قَوْله {لم تَسْتَعْجِلُون بِالسَّيِّئَةِ} قَالَ: الْعَذَاب {قبل الْحَسَنَة} قَالَ: الرَّحْمَة
وَفِي قَوْله {قَالُوا اطيرنا بك} قَالَ: تشاءمنا
وَفِي قَوْله {وَكَانَ فِي الْمَدِينَة تِسْعَة رَهْط} قَالَ: من قوم صَالح
وَفِي قَوْله {تقاسموا بِاللَّه} قَالَ: تحالفوا على هَلَاكه فَلم يصلوا إِلَيْهِ حَتَّى أهلكوا وقومهم أَجْمَعِينَ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {فَإِذا هم فريقان يختصمون} قَالَ: إِن الْقَوْم بَين مُصدق ومكذب
مُصدق بِالْحَقِّ ونازل عِنْده ومكذب بِالْحَقِّ تَاركه
فِي ذَلِك كَانَت خُصُومَة الْقَوْم {قَالُوا اطيرنا بك} قَالَ: قَالُوا: مَا أصبْنَا من شَرّ فَإِنَّمَا هُوَ من قبلك وَمن قبل من مَعَك {قَالَ طائركم عِنْد الله} يَقُول: علم أَعمالكُم عِنْد الله {بل أَنْتُم قوم تفتنون} قَالَ: تبتلون بِطَاعَة الله ومعصيته {وَكَانَ فِي الْمَدِينَة تِسْعَة رَهْط} قَالَ: من قوم صَالح {قَالُوا تقاسموا بِاللَّه لنبيتنه وَأَهله} قَالَ: توافقوا على أَن يأخذوه لَيْلًا فيقتلوه قَالَ: ذكر لنا أَنهم بَيْنَمَا هم معانيق إِلَى صَالح - يَعْنِي مُسْرِعين - ليقتلوه بعث الله عَلَيْهِم صَخْرَة فأخمدتهم {ثمَّ لنقولن لوَلِيِّه} يعنون رَهْط صَالح {ومكروا مكراً} قَالَ: مَكْرهمْ الَّذِي مكروا بِصَالح {ومكرنا مكراً} قَالَ: مكر الله الَّذِي مكر بهم: رماهم بصخرة فأهمدتهم(6/369)
{فَانْظُر كَيفَ كَانَ} مَكْرهمْ قَالَ: شَرّ وَالله {كَانَ عَاقِبَة مَكْرهمْ} أَن دمرهم الله وقومهم أَجْمَعِينَ ثمَّ صيرهم إِلَى النَّار
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {طائركم} قَالَ: مصائبكم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَكَانَ فِي الْمَدِينَة تِسْعَة رَهْط} قَالَ: كَانَ أَسمَاؤُهُم زعمي وزعيم وهرميوهريم وداب وهواب ورياب وسيطع وقدار بن سالف عَاقِر النَّاقة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَكَانَ فِي الْمَدِينَة تِسْعَة رَهْط} قَالَ: وهم الَّذين عقروا النَّاقة وَقَالُوا حِين عقروها تبيتن صَالحا وَأَهله فنقتلهم ثمَّ نقُول لأولياء صَالح مَا شَهِدنَا من هَذَا شَيْئا ومالنا بِهِ علم فدمرهم الله أَجْمَعِينَ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن عَطاء بن أبي ريَاح {وَكَانَ فِي الْمَدِينَة تِسْعَة رَهْط يفسدون فِي الأَرْض وَلَا يصلحون} قَالَ: كَانُوا يقرضون الدَّرَاهِم
وَالله أعلم(6/370)
قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ (59)
- قَوْله تَعَالَى: قل الْحَمد لله وَسَلام على عباده الَّذين اصْطفى آللَّهُ خير أأما يشركُونَ
أخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَالْبَزَّار وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَسَلام على عباده الَّذين اصْطفى الله} قَالَ: هم أَصْحَاب محم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اصطفاهم الله لنَبيه
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن سُفْيَان الثَّوْريّ فِي قَوْله {وَسَلام على عباده الَّذين اصْطفى} قَالَ: نزلت فِي أَصْحَاب مُحَمَّد خَاصَّة
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة أَنه كَانَ إِذا قَرَأَ {آللَّهُ خير أما يشركُونَ} قَالَ: بل الله خير وَأبقى وَأجل وَأكْرم(6/370)
أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ (60) أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (61)
- قَوْله تَعَالَى: أَمن خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض وَأنزل لكم من السَّمَاء مَاء فَأَنْبَتْنَا بِهِ حدائق ذَات بهجة مَا كَانَ لكم أَن تنبتوا شَجَرهَا أإله مَعَ الله بل هم قوم يعدلُونَ أَمن جعل الأَرْض قرارا وَجعل خلالها أَنهَارًا وَجعل لَهَا رواسي وَجعل بَين الْبَحْرين حاجزا أإله مَعَ الله بل أَكْثَرهم لَا يعلمُونَ
أخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس أَن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله تَعَالَى {حدائق} قَالَ: الْبَسَاتِين
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم
أما سَمِعت الشَّاعِر يَقُول: بِلَاد سَقَاهَا الله أما سهولها فقضب ودر مغدق وَحَدَائِق وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {حدائق} قَالَ: النّخل الحسان {ذَات بهجة} قَالَ: ذَات نضارة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله {حدائق} قَالَ: الْبَسَاتِين تخللها الْحِيطَان {ذَات بهجة} قَالَ: ذَات حسن
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {حدائق ذَات بهجة} قَالَ الْبَهْجَة الفقاع
يَعْنِي النوار مِمَّا يَأْكُل النَّاس والأنعام
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {أإله مَعَ الله} أَي لَيْسَ مَعَ الله إِلَه
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة {بل هم قوم يعدلُونَ} قَالَ: يشركُونَ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد {بل هم قوم يعدلُونَ} الْآلهَة الَّتِي عبدوها عدلوها بِاللَّه
لَيْسَ لله عدل وَلَا ند وَلَا اتخذ صَاحِبَة وَلَا ولدا
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة {وَجعل لَهَا رواسي} قَالَ: رواسيها: جبالها {وَجعل بَين الْبَحْرين حاجزاً} قَالَ: حاجزاً من الله لَا يَبْغِي أَحدهمَا على صَاحبه(6/371)
أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (62) أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (63) أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (64)
- قَوْله تَعَالَى: أَمن يُجيب الضطر إِذا دَعَاهُ ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأَرْض أإله مَعَ الله قَلِيلا مَا تذكرُونَ أَمن يهديكم فِي ظلمات الْبر وَالْبَحْر وَمن يُرْسل الرِّيَاح بشرا بَين يَدي رَحمته أإله مَعَ الله تَعَالَى الله عَمَّا يشركُونَ أَمن يبدؤ الْخلق ثمَّ يُعِيدهُ وَمن يرزقكم من السَّمَاء وَالْأَرْض أإله مَعَ الله قل هاتوا برهانكم إِن كُنْتُم صَادِقين
وَأخرج أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَالطَّبَرَانِيّ عَن رجل من بلجهم قَالَ: قلت يَا رَسُول الله إلام تَدْعُو قَالَ أَدْعُو إِلَى الله وَحده الَّذِي إِن نزل بك ضرّ فدعوته كشف عَنْك وَالَّذِي إِن ضللت بِأَرْض قفر فدعوته رد عَلَيْك وَالَّذِي إِن أَصَابَك سنة فدعوته أنزل لَك
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله {ويكشف السوء} قَالَ: الضّر
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن سحيم بن نَوْفَل قَالَ: بَيْنَمَا نَحن عِنْد عبد الله إِذْ جَاءَت وليدة إِلَى سَيِّدهَا فَقَالَت: مَا يحبسك وَقد لفع فلَان مهرك بِعَيْنِه فَتَركه يَدُور فِي الدَّار كَأَنَّهُ فِي فلك قُم فابتغ راقياً فَقَالَ عبد الله: لَا تبتغ راقياً وانفث فِي منخره الْأَيْمن أَرْبعا وَفِي الْأَيْسَر ثَلَاثًا وَقل: لَا بَأْس اذْهَبْ الْبَأْس رب النَّاس
اشف أَنْت الشافي لَا يكْشف الضّر إِلَّا أَنْت قَالَ: فَذهب ثمَّ رَجَعَ إِلَيْنَا فَقَالَ: فعلت مَا أَمرتنِي فَمَا جِئْت حَتَّى راث وبال وَأكل
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن سعد بن جُنَادَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من فَارق الْجَمَاعَة فَهُوَ فِي النَّار على وَجهه
لِأَن الله تَعَالَى يَقُول {أم من يُجيب الْمُضْطَر إِذا دَعَاهُ ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأَرْض} فالخلافة من الله عز وَجل فَإِن كَانَ خيرا فَهُوَ يذهب بِهِ وَإِن كَانَ شرا فَهُوَ يُؤْخَذ بِهِ عَلَيْك أَنْت بِالطَّاعَةِ فِيمَا أَمر الله تَعَالَى بِهِ
وَأخرج الْبَغَوِيّ فِي مُعْجَمه عَن اياد بن لَقِيط قَالَ: قَالَ جعدة بن هُبَيْرَة لجلسائه: إِنِّي قد علمت مَا لم تعلمُوا وَأدْركت مَا لم تدركوا أَنه سَيَجِيءُ بعد هَذَا(6/372)
- يَعْنِي مُعَاوِيَة - أُمَرَاء لَيْسَ من رِجَاله وَلَا من ضربائه وَلَيْسَ فيهم أَصْغَر أَو أَبتر حَتَّى تقوم السَّاعَة
هَذَا السُّلْطَان سُلْطَان الله جعله وَلَيْسَ أَنْتُم تجعلونه
أَلا وَإِن لِلرَّاعِي على الرّعية حَقًا وللرعية على الرَّاعِي حَقًا فأدوا إِلَيْهِم حَقهم فَإِن ظلموكم فكلوهم إِلَى الله فَإِنَّكُم وإياهم تختصمون يَوْم الْقِيَامَة وَإِن الْخصم لصَاحبه الَّذِي أدّى إِلَيْهِ الْحق الَّذِي عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا
ثمَّ قَرَأَ {فلنسألن الَّذين أرسل إِلَيْهِم ولنسألن الْمُرْسلين} الْأَعْرَاف الْآيَة 6 حَتَّى بلغ {وَالْوَزْن يَوْمئِذٍ الْحق} الْأَعْرَاف الْآيَة 8 هَكَذَا قَرَأَ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة {ويجعلكم خلفاء الأَرْض} قَالَ خلفا بعد خلف
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ {ويجعلكم خلفاء الأَرْض} قَالَ: خلفا لمن قبلكُمْ من الْأُمَم
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن جرير عَن ابْن جريج {أم من يهديكم فِي ظلمات الْبر} قَالَ: ضلال الطَّرِيق {وَالْبَحْر} قَالَ: ضَلَالَة طرقه وموجه وَمَا يكون فِيهِ(6/373)
قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (65)
- قَوْله تَعَالَى: قل لَا يعلم من فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض الْغَيْب إِلَّا الله وَمَا يَشْعُرُونَ إيان يبعثون
أخرج الطَّيَالِسِيّ وَسَعِيد بن مَنْصُور وَأحمد وَعبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن مَسْرُوق قَالَ: كنت مُتكئا عِنْد عَائِشَة فَقَالَت عَائِشَة: ثَلَاث من تكلم بِوَاحِدَة مِنْهُنَّ فقد أعظم على الله الْفِرْيَة
قلت: وَمَا هن قَالَت: من زعم أَن مُحَمَّدًا رأى ربه فقد أعظم على الله الْفِرْيَة قَالَ: وَكنت مُتكئا فَجَلَست فَقلت: يَا أم الْمُؤمنِينَ أنظريني وَلَا تعجلِي عَليّ ألم يقل الله {وَلَقَد رَآهُ بالأفق الْمُبين}
{وَلَقَد رَآهُ نزلة أُخْرَى} النَّجْم الْآيَة 13 فَقَالَت: أَنا أوّل هَذِه الْأمة سَأَلَ عَن هَذَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ جِبْرِيل: لم أره على صورته الَّتِي خلق عَلَيْهَا غير هَاتين السرتين
رَأَيْته منهبطاً من السَّمَاء
سَاد أعظم خلقه مَا بَين السَّمَاء إِلَى الأَرْض قَالَت:(6/373)
أَو لم تسمع الله عز وَجل يَقُول {لَا تُدْرِكهُ الْأَبْصَار وَهُوَ يدْرك الْأَبْصَار وَهُوَ اللَّطِيف الْخَبِير} الانعام الْآيَة 103 أَو لم تسمع الله يَقُول {وَمَا كَانَ لبشر أَن يكلمهُ الله إِلَّا وَحيا} الشورى الْآيَة 51 إِلَى قَوْله {عَليّ حَكِيم}
وَمن زعم أَن مُحَمَّدًا كتم شَيْئا من كتاب الله فقد أعظم على الله الْفِرْيَة وَالله جلّ ذكره يَقُول {يَا أَيهَا الرَّسُول بلغ مَا أنزل إِلَيْك من رَبك} إِلَى قَوْله {وَالله يَعْصِمك من النَّاس} الْمَائِدَة الْآيَة 67 قَالَت: وَمن زعم أَنه يخبر النَّاس بِمَا يكون فِي غَد فقد أعظم على الله الْفِرْيَة وَالله تَعَالَى يَقُول {قل لَا يعلم من فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض الْغَيْب إِلَّا الله}(6/374)
بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ (66) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَإِذَا كُنَّا تُرَابًا وَآبَاؤُنَا أَئِنَّا لَمُخْرَجُونَ (67) لَقَدْ وُعِدْنَا هَذَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (68) قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ (69) وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (70) وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (71) قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ (72) وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ (73) وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ (74) وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (75)
- قَوْله تَعَالَى: بل ادارك علمهمْ فِي الْآخِرَة بل هم فِي شكّ مِنْهَا بل هم مِنْهَا عمون وَقَالَ الَّذين كفرُوا أإذا كُنَّا تُرَابا وآباؤنا أإنا لمخرجون لقد وعدنا هَذَا نَحن وآباؤنا من قبل إِن هَذَا إِلَّا أساطير الْأَوَّلين قل سِيرُوا فِي الأَرْض فانظروا كَيفَ كَانَ عَاقِبَة الْمُجْرمين وَلَا تحزن عَلَيْهِم وَلَا تكن فِي ضيق مِمَّا يمكرون وَيَقُولُونَ مَتى هَذَا الْوَعْد إِن كُنْتُم صَادِقين قل عَسى أَن يكون ردف لكم بعض الَّذِي تَسْتَعْجِلُون وَإِن رَبك لذُو فضل على النَّاس وَلَكِن أَكْثَرهم لَا يشكرون وَإِن رَبك ليعلم مَا تكن صُدُورهمْ وَمَا يعلنون وَمَا من غَائِبَة فِي السَّمَاء وَالْأَرْض إِلَّا فِي كتاب مُبين
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس {بل ادارك علمهمْ فِي الْآخِرَة} قَالَ: حِين لم ينفع الْعلم
وَأخرج ابْن عبيد فِي فضائله وَسَعِيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَرَأَ {بل ادارك علمهمْ فِي الْآخِرَة} قَالَ: لم يدْرك علمهمْ قَالَ أَبُو عبيد: يَعْنِي أَنه قَرَأَهَا بالاستفهام
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس {بل ادارك علمهمْ فِي الْآخِرَة} يَقُول: غَابَ علمهمْ(6/374)
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {بل ادارك علمهمْ فِي الْآخِرَة} قَالَ: ام اِدَّرَكَ علمهمْ {أم هم قوم طاغون} الذاريات الْآيَة 53 {بل هم قوم طاغون}
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ {بل ادارك علمهمْ} مثقلة مَكْسُورَة اللَّام على معنى تدارك
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة {بل ادارك علمهمْ فِي الْآخِرَة} قَالَ: تتَابع علمهمْ فِي الْآخِرَة بسفههم وجهلهم {بل هم مِنْهَا عمون} قَالَ: عموا عَن الْآخِرَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن أَنه كَانَ يقْرَأ (بل اِدَّرَكَ علمهمْ فِي الْآخِرَة) قَالَ: اضمحل علمهمْ فِي الدُّنْيَا حِين عاينوا الْآخِرَة
وَفِي قَوْله {فانظروا كَيفَ كَانَ عَاقِبَة الْمُجْرمين} قَالَ: كَيفَ عذب الله قوم نوح وَقوم لوط وَقوم صَالح والأمم الَّتِي عذب الله
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {عَسى أَن يكون ردف لكم} قَالَ: اقْترب لكم
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة {عَسى أَن يكون ردف لكم} قَالَ: اقْترب مِنْكُم
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد {عَسى أَن يكون ردف لكم} قَالَ: عجل لكم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج {ردف لكم} قَالَ: أزف لكم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج {ردف لكم بعض الَّذِي تَسْتَعْجِلُون} قَالَ: من الْعَذَاب
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَإِن رَبك ليعلم مَا تكن صُدُورهمْ وَمَا يعلنون} قَالَ: يعلم مَا عمِلُوا بِاللَّيْلِ وَالنَّهَار
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله {ليعلم مَا تكن صُدُورهمْ} قَالَ: السِّرّ(6/375)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس {وَمَا من غَائِبَة فِي السَّمَاء وَالْأَرْض إِلَّا فِي كتاب} يَقُول: مَا من شَيْء فِي السَّمَاء وَالْأَرْض سرا وَعَلَانِيَة إِلَّا يُعلمهُ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد {وَمَا من غَائِبَة} يَقُول: مَا من قولي وَلَا عَمَلي فِي السَّمَاء وَالْأَرْض إِلَّا وَهُوَ عِنْده {فِي كتاب} فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ قبل أَن يخلق الله السَّمَوَات وَالْأَرْض(6/376)
إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (76) وَإِنَّهُ لَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (77) إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ (78) فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ (79)
- قَوْله تَعَالَى: إِن هَذَا الْقُرْآن يقص على بني إِسْرَائِيل أَكثر الَّذِي هم فِيهِ يَخْتَلِفُونَ وَإنَّهُ لهدى وَرَحْمَة للْمُؤْمِنين إِن رَبك يقْضِي بَينهم بِحكمِهِ وَهُوَ الْعَزِيز الْعَلِيم فتوكل على الله إِنَّك على الْحق الْمُبين
أخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {إِن هَذَا الْقُرْآن يقص على بني إِسْرَائِيل} يَعْنِي الْيَهُود وَالنَّصَارَى {أَكثر الَّذِي هم فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} يَقُول: هَذَا الْقُرْآن يبين لَهُم الَّذِي اخْتلفُوا فِيهِ
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن عَليّ قَالَ: قيل لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن امتك ستفتتن من بعْدك
فَسَأَلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَو سُئِلَ مَا الْمخْرج مِنْهَا فَقَالَ كتاب الله الْعَزِيز الَّذِي لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِل من بَين يَدَيْهِ وَلَا من خَلفه تَنْزِيل من حَكِيم حميد من ابْتغى الْعلم فِي غَيره أضلّهُ الله وَمن ولي هَذَا الْأَمر فَحكم بِهِ عصمه الله وَهُوَ الذّكر الْحَكِيم والنور الْمُبين والصراط الْمُسْتَقيم فِيهِ خبر من قبلكُمْ ونبأ من بعدكم وَحكم مَا بَيْنكُم وَهُوَ الْفَصْل لَيْسَ بِالْهَزْلِ(6/376)
إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (80) وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلَالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ (81)
- قَوْله تَعَالَى: إِنَّك لَا تسمع الْمَوْتَى وَلَا تسمع الصم الدُّعَاء إِذا وَلَو مُدبرين وَمَا أَنْت بهادي الْعمي عَن ضلالتهم إِن تسمع إِلَّا من يُؤمن بِآيَاتِنَا فهم مُسلمُونَ
أخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {إِنَّك لَا تسمع الْمَوْتَى} قَالَ: هَذَا مثل ضربه الله للْكَافِرِ كَمَا لَا يسمع الْمَيِّت كَذَلِك لَا يسمع(6/376)
الْكَافِر وَلَا ينْتَفع بِهِ {وَلَا تسمع الصم الدُّعَاء إِذا ولوا مُدبرين} يَقُول: لَو أَن أَصمّ ولى مُدبرا ثمَّ ناديته لم يسمع كَذَلِك الْكَافِر لَا يسمع وَلَا ينْتَفع بِمَا يستمع
وَالله أعلم(6/377)
وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ (82)
- قَوْله تَعَالَى: وَإِذا وَقع القَوْل عَلَيْهِم أخرجنَا لَهُم دَابَّة من الأَرْض تكلمهم إِن النَّاس كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يوقنون
أخرج ابْن مبارك فِي الزّهْد وَعبد الرَّزَّاق وَالْفِرْيَابِي وَابْن أبي شيبَة ونعيم بن حَمَّاد فِي الْفِتَن وَعبد بن حميد وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عمر فِي قَوْله {وَإِذا وَقع القَوْل عَلَيْهِم أخرجنَا لَهُم دَابَّة من الأَرْض تكلمهم} قَالَ: إِذا لم يأمروا بِالْمَعْرُوفِ وَلم ينهوا عَن الْمُنكر
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عمر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله {وَإِذا وَقع القَوْل عَلَيْهِم أخرجنَا لَهُم دَابَّة من الأَرْض تكلمهم} قَالَ: ذَاك حِين لَا يأمرون بِمَعْرُوف وَلَا ينهون عَن مُنكر
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: سُئِلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن قَول الله {وَإِذا وَقع القَوْل عَلَيْهِم أخرجنَا لَهُم دَابَّة من الأَرْض تكلمهم} قَالَ إِذا تركُوا الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر
وَجب السخط عَلَيْهِم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة {وَإِذا وَقع القَوْل عَلَيْهِم} قَالَ: إِذا وَجب القَوْل عَلَيْهِم {أخرجنَا لَهُم دَابَّة من الأَرْض تكلمهم} قَالَ: وَهِي فِي بعض الْقِرَاءَة تحدثهم تَقول لَهُم {إِن النَّاس كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يوقنون}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن حَفْصَة بنت سِيرِين قَالَت: سَأَلت أَبَا الْعَالِيَة عَن قَوْله {وَإِذا وَقع القَوْل عَلَيْهِم أخرجنَا لَهُم دَابَّة من الأَرْض تكلمهم} مَا وُقُوع القَوْل عَلَيْهِم فَقَالَ: {وأوحي إِلَى نوح أَنه لن يُؤمن من قَوْمك إِلَّا من قد آمن} هود الْآيَة 36 قَالَت: فَكَأَنَّمَا كشف عَن وَجْهي شَيْئا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: أَكْثرُوا الطّواف بِالْبَيْتِ قبل أَن يرفع وينسى النَّاس مَكَانَهُ وَأَكْثرُوا تِلَاوَة الْقُرْآن قبل أَن يرفع
قيل: وَكَيف يرفع مَا فِي(6/377)
صُدُور الرِّجَال قَالَ: يسري عَلَيْهِم لَيْلًا فيصبحون مِنْهُ قفراً وينسون قَول لَا إِلَه إِلَّا الله ويقعون فِي قَول الْجَاهِلِيَّة وأشعارهم
فَذَلِك حِين يَقع القَوْل عَلَيْهِم
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَقع القَوْل عَلَيْهِم} قَالَ: حق عَلَيْهِم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {دَابَّة من الأَرْض تكلمهم} قَالَ: تحدثهم
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس {تكلمهم} قَالَ: كَلَامهَا تنبئهم {أَن النَّاس كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يوقنون}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي دَاوُد ونفيع الْأَعْمَى قَالَ: سَأَلت ابْن عَبَّاس عَن قَوْله {أخرجنَا لَهُم دَابَّة من الأَرْض تكلمهم} أَو تكلمهم قَالَ: كل ذَلِك وَالله يفعل تكلم الْمُؤمن وَتكلم الْكَافِر
تجرحه
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ {دَابَّة من الأَرْض تكلمهم} مُشَدّدَة من الْكَلَام {أَن النَّاس} بِنصب الْألف
وَأخرج نعيم بن حَمَّاد وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا كَانَ الْوَعْد الَّذِي قَالَ الله {أخرجنَا لَهُم دَابَّة من الأَرْض تكلمهم} قَالَ: لَيْسَ ذَلِك حَدِيثا وَلَا كلَاما وَلكنه سمة تسم من أمرهَا الله بِهِ
فَيكون خُرُوجهَا من الصَّفَا لَيْلَة منى فيصبحون بَين رَأسهَا وذنبها لَا يدحض داحض وَلَا يخرج خَارج حَتَّى إِذا فرغت مِمَّا أمرهَا الله فَهَلَك من هلك وَنَجَا من نجا كَانَ أول خطْوَة تضعها بانطاكية
وَأخرج عبد بن حميد عَن عبد الله بن عمر وَقَالَ الدَّابَّة زغباء ذَات وبر وَرِيش
وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن عَبَّاس قَالَ الدَّابَّة ذَات وبر وَرِيش مؤلفة فِيهَا من كل لون لَهَا أَربع قَوَائِم تخرج بعقب من الْحَاج
وَأخرج عبد بن حميد عَن الشّعبِيّ قَالَ: إِن دَابَّة الأَرْض ذَات وبر تناغي السَّمَاء
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن:(6/378)
أَن مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام سَأَلَ ربه أَن يرِيه الدَّابَّة
فَخرجت ثَلَاثَة أَيَّام ولياليهن تذْهب فِي السَّمَاء لَا يرى وَاحِد من طرفها قَالَ: فَرَأى منْظرًا فظيعاً فَقَالَ: رب ردهَا
فَردهَا
وَأخرج عبد بن حميد عَن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ قَالَ: لَا تقوم السَّاعَة حَتَّى يجْتَمع أهل بَيت على الإِناء الْوَاحِد فيعرفون مؤمنيهم من كفارهم
قَالُوا: كَيفَ ذَاك قَالَ: إِن الدَّابَّة تخرج وَهِي ذامة للنَّاس تمسح كل إِنْسَان على مَسْجده
فاما الْمُؤمن فَتكون نُكْتَة بَيْضَاء
فتفشوا فِي وَجهه حَتَّى يبيض لَهَا وَجهه وَأما الْكَافِر فَتكون نُكْتَة سَوْدَاء فتفشو فِي وَجهه حَتَّى يسود لَهَا وَجهه
حَتَّى أَنهم ليتبايعون فِي أسواقهم فَيَقُولُونَ: كَيفَ تبيع هَذَا يَا مُؤمن وَكَيف تبيع هَذَا يَا كَافِر فَمَا يرد بَعضهم على بعض
وَأخرج عبد بن حميد عَن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ قَالَ: تخرج الدَّابَّة بأجياد مِمَّا يَلِي الصَّفَا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد من طَرِيق سماك عَن إِبْرَاهِيم قَالَ: تخرج الدَّابَّة من مَكَّة
وَأخرج عبد بن حميد عَن عبد الله بن عَمْرو قَالَ: تخرج الدَّابَّة فَيفزع النَّاس إِلَى الصَّلَاة فتأتي الرجل وَهُوَ يُصَلِّي فَتَقول: طوّل مَا شِئْت أَن تطول فو الله لأخطمنك
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: تخرج الدَّابَّة يَوْم تخرج وَهِي ذَات عصب وَرِيش تكلم النَّاس فتنقط فِي وَجه الْمُؤمن نقطة بَيْضَاء فيبيض وَجهه وتنقط فِي وَجه الْكَافِر نقطة سَوْدَاء فيسود وَجهه فيتبايعون فِي الْأَسْوَاق بعد ذَلِك
بِمَ تبيع هَذَا يَا مُؤمن وَبِمَ تبيع هَذَا يَا كَافِر ثمَّ يخرج الدَّجَّال وَهُوَ أَعور على عينه ظفرة غَلِيظَة مَكْتُوب بَين عَيْنَيْهِ كَافِر يقرأه كل مُؤمن وَكَافِر
وَأخرج أَحْمد وسمويه وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي أُمَامَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ تخرج الدَّابَّة فَتَسِم النَّاس على خراطيمهم ثمَّ يعمرون فِيكُم حَتَّى يَشْتَرِي الرجل الدَّابَّة فَيُقَال: مِمَّن اشْتريت فَيُقَال: من الرجل المخطم
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تخرج دَابَّة(6/379)
الأَرْض وَلها ثَلَاث خرجات
فَأول خرجَة مِنْهَا بِأَرْض الْبَادِيَة
وَالثَّانيَِة فِي أعظم الْمَسَاجِد وَأَشْرَفهَا وَأَكْرمهَا وَلها عنق مشرف يَرَاهَا من بالمشرق كَمَا يَرَاهَا من بالمغرب وَلها وَجه كوجه انسان ومنقار كمنقار الطير ذَات وبرٍ وزغب مَعهَا عَصا مُوسَى وَخَاتم سُلَيْمَان بن دَاوُد تنادي بِأَعْلَى صَوتهَا: {إِن النَّاس كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يوقنون} ثمَّ بَكَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قيل: يَا رَسُول الله وَمَا بعد قَالَ: هَنَات وهنات ثمَّ خصب وريف حَتَّى السَّاعَة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن حُذَيْفَة بن أسيد أرَاهُ رَفعه قَالَ تخرج الدَّابَّة من أعظم الْمَسَاجِد حُرْمَة فَبَيْنَمَا هم قعُود بربو الأَرْض فَبَيْنَمَا هم كَذَلِك إِذْ تصدعت قَالَ ابْن عُيَيْنَة: تخرج حِين يسري الإِمام من جمع
وَإِنَّمَا جعل سَابق [] بالحاج ليخبر النَّاس أَن الدَّابَّة لم تخرج
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عمر أَنه قَالَ: أَلا أريكم الْمَكَان الَّذِي قَالَ لي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن دَابَّة الأَرْض تخرج مِنْهُ
فَضرب بعصاه قبل الشق الَّذِي فِي الصَّفَا
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن بَين يَدي السَّاعَة الدَّجَّال وَالدَّابَّة ويأجوج وَمَأْجُوج وَالدُّخَان وطلوع الشَّمْس من مغْرِبهَا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عَائِشَة قَالَت: الدَّابَّة تخرج من أجياد
وَأخرج ابْن جرير عَن حُذَيْفَة بن الْيَمَان قَالَ: ذكر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الدَّابَّة فَقَالَ حُذَيْفَة: يَا رَسُول الله من أَيْن تخرج قَالَ من أعظم الْمَسَاجِد حُرْمَة على الله بَيْنَمَا عِيسَى يطوف بِالْبَيْتِ وَمَعَهُ الْمُسلمُونَ إِذْ تضطرب الأَرْض من تَحْتهم تحرّك الْقنْدِيل وتشق الصَّفَا مِمَّا يَلِي الْمَسْعَى وَتخرج الدَّابَّة من الصَّفَا أوّل مَا يَبْدُو رَأسهَا مُلَمَّعَة ذَات وبر وَرِيش لن يُدْرِكهَا طَالب وَلنْ يفوتها هارب تسم النَّاس مُؤمن وَكَافِر أما الْمُؤمن فَيرى وَجهه كَأَنَّهُ كَوْكَب دري وتكتب بَين عَيْنَيْهِ مُؤمن
وَأما الْكَافِر فَتنْكت بَين عَيْنَيْهِ نُكْتَة سَوْدَاء كَافِر
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن ابْن عَمْرو أَنه قَالَ وَهُوَ يَوْمئِذٍ بِمَكَّة: لَو شِئْت لأخذت سيتي هَاتين ثمَّ مشيت حَتَّى أَدخل(6/380)
الْوَادي الَّتِي تخرج مِنْهُ دَابَّة الأَرْض وَإِنَّهَا تخرج وَهِي آيَة للنَّاس تلقى الْمُؤمن فَتَسِمهُ فِي وَجهه واكية فيبيض لَهَا وَجهه وَتَسِم الْكَافِر واكية فيسوّد لَهَا وَجهه وَهِي دَابَّة ذَات زغب وَرِيش فَتَقول {أَن النَّاس كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يوقنون}
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور ونعيم ابْن حَمَّاد وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن ابْن عَبَّاس: أَن دَابَّة الأَرْض تخرج من بعض أَوديَة تهَامَة ذَات زغب وَرِيش لَهَا أَربع قَوَائِم فَتنْكت بَين عَيْني الْمُؤمن نُكْتَة يبيض لَهَا وَجهه وتنكت بَين عَيْني الْكَافِر نُكْتَة يسود بهَا وَجهه
وَأخرج أَحْمد وَالطَّيَالِسِي وَعبد بن حميد وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه وَابْن ماجة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تخرج دَابَّة الأَرْض وَمَعَهَا عَصا مُوسَى وَخَاتم سُلَيْمَان فتجلوا وَجه الْمُؤمن بالخاتم وتخطم أنف الْكَافِر بالعصا حَتَّى يجْتَمع النَّاس على الخوان يعرف الْمُؤمن من الْكَافِر
وَأخرج الطَّيَالِسِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن حُذَيْفَة ابْن أسيد الْغِفَارِيّ قَالَ: ذكر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الدَّابَّة فَقَالَ لَهَا ثَلَاث خرجات من الدَّهْر
فَتخرج خرجَة بأقصى الْيمن فينشر ذكرهَا بالبادية فِي أقْصَى الْبَادِيَة وَلَا يدْخل ذكرهَا الْقرْيَة - يَعْنِي مَكَّة - ثمَّ تكمن زَمَانا طَويلا ثمَّ تخرج خرجَة أُخْرَى دون تِلْكَ فيعلو ذكرهَا فِي أهل الْبَادِيَة وَيدخل ذكرهَا الْقرْيَة - يَعْنِي مَكَّة - قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ثمَّ بَيْنَمَا النَّاس فِي أعظم الْمَسَاجِد على الله حُرْمَة وَأَكْرمهَا الْمَسْجِد الْحَرَام لم يرعهم إِلَّا وَهِي ترغو بَين الرُّكْن وَالْمقَام وتنفض عَن رَأسهَا التُّرَاب فَارْفض النَّاس عَنْهَا شَتَّى بقيت عِصَابَة من الْمُؤمنِينَ ثمَّ عرفُوا أَنهم لن يعْجزُوا الله فَبَدَأت بهم فَجلت وُجُوههم جتى جَعلتهَا كَأَنَّهَا الْكَوْكَب الدُّرِّي وَوَلَّتْ فِي الأَرْض لَا يُدْرِكهَا طَالب وَلَا ينجو مِنْهَا هارب حَتَّى أَن الرجل ليَتَعَوَّذ مِنْهَا بِالصَّلَاةِ فَتَأْتِيه من خَلفه فَتَقول: يَا فلَان الْآن تصلي
فَيقبل عَلَيْهَا فَتَسِمهُ فِي وَجهه ثمَّ ينْطَلق ويشترك النَّاس فِي الْأَمْوَال ويصطحبون فِي الْأَمْصَار يعرف الْمُؤمن من الْكَافِر حَتَّى أَن الْمُؤمن ليقول: يَا كَافِر أقضني حَقي وَحَتَّى أَن الْكَافِر ليقول: يَا مُؤمن أقضني حَقي(6/381)
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله: صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بئس الشّعب جِيَاد مرَّتَيْنِ أَو ثَلَاثًا قَالُوا: وَبِمَ ذَاك يَا رَسُول الله قَالَ: تخرج مِنْهُ الدَّابَّة فتصرخ ثَلَاث صرخات فيسمعها من بَين الْخَافِقين
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله: صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تخرج دَابَّة الأَرْض من جِيَاد فَيبلغ صدرها الرُّكْن وَلم يخرج ذنبها بعد قَالَ: وَهِي دَابَّة ذَات وبر وقوائم
وَأخرج البُخَارِيّ فِي تَارِيخه وَابْن ماجة وَابْن مرْدَوَيْه عَن بُرَيْدَة قَالَ: ذهب بِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى مَوضِع بالبادية قريب من مَكَّة فَإِذا أَرض يابسة حولهَا رمل فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تخرج الدَّابَّة من هَذَا الْموضع فَإِذا شبر فِي شبر
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن النزال بن سُبْرَة قَالَ: قيل لعَلي بن أبي طَالب: إِن نَاسا يَزْعمُونَ أَنَّك دَابَّة الأَرْض فَقَالَ: وَالله إِن لدابة الأَرْض ريشاً وزغبا وَمَالِي ريش وَلَا زغب وَإِن لَهَا لحافر وَمَا لي من حافر وَإِنَّهَا لتخرج حضر الْفرس الْجواد ثَلَاثًا وَمَا خرج ثلثاها
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عمر قَالَ: تخرج الدَّابَّة لَيْلَة جمع وَالنَّاس يَسِيرُونَ إِلَى منى فتحملهم بَين نحرها وذنبها فَلَا يبْقى مُنَافِق إِلَّا خطمته وتمسح الْمُؤمن فيصبحون وهم بشر من الدَّجَّال
وَأخرج ابْن أبي شيبَة والخطيب فِي تالي التَّلْخِيص عَن ابْن عمر قَالَ: لتخرج الدَّابَّة من جبل جِيَاد فِي أَيَّام التَّشْرِيق وَالنَّاس بمنى قَالَ: فَلذَلِك جَاءَ سائق الْحَاج بِخَبَر سَلامَة النَّاس
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: إِن الدَّابَّة فِيهَا من كل لون مَا بَين قرنيها فَرسَخ للراكب
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عمر قَالَ: تخرج الدَّابَّة من صدع فِي الصَّفَا كجري الْفرس ثَلَاثَة أَيَّام لم يخرج ثلثهَا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عمر قَالَ: تخرج الدَّابَّة من تَحت صَخْرَة بجياد تسْتَقْبل الْمشرق فتصرخ صرخة ثمَّ تسْتَقْبل الشَّام فتصرخ صرخة منفذة ثمَّ تروح من مَكَّة فَتُصْبِح بعسفان قيل: ثمَّ مَاذَا قَالَ: لَا أعلم(6/382)
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس: الدَّابَّة مؤلفة ذَات زغب وَرِيش فِيهَا من ألوان الدَّوَابّ كلهَا وفيهَا من كل أمة سِيمَا
وسيماها من هَذِه الْأمة أَنَّهَا تَتَكَلَّم بِلِسَان عَرَبِيّ مُبين تلكمهم بكلامها
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي الزبير أَنه وصف الدَّابَّة فَقَالَ: رَأسهَا رَأس ثَوْر وعينها عين خِنْزِير وأذنها أذن فيل وقرنها قرن أيل وعنقها عنق نعَامَة وصدرها صدر أَسد ولونها لون نمر وخاصرتها خاصرة هرة وذنبها ذَنْب كَبْش وقوائمها قَوَائِم بعير بَين كل مفصلين مِنْهَا اثْنَا عشر ذِرَاعا
تخرج مَعهَا عَصا مُوسَى وَخَاتم سُلَيْمَان وَلَا يبْقى مُؤمن إِلَّا نكتته فِي مَسْجده بعصا مُوسَى نُكْتَة بَيْضَاء فتفشو تِلْكَ النُّكْتَة حَتَّى يبيض لَهَا وَجهه وَلَا يبْقى كَافِر إِلَّا نكتت فِي وَجهه نُكْتَة سَوْدَاء بِخَاتم سُلَيْمَان فتفشو تِلْكَ النُّكْتَة حَتَّى يسود لَهَا وَجهه
حَتَّى إِن النَّاس يتبايعون فِي الْأَسْوَاق: بكم ذَا يَا مُؤمن وبكم ذَا يَا كَافِر
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن صَدَقَة بن مزِيد قَالَ: تَجِيء الدَّابَّة إِلَى الرجل وَهُوَ قَائِم يُصَلِّي فِي الْمَسْجِد فتكتب بَين عَيْنَيْهِ: كَذَّاب
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن حُذَيْفَة قَالَ: تخرج الدَّابَّة مرَّتَيْنِ قبل يَوْم الْقِيَامَة حَتَّى يضْرب فِيهَا رجال ثمَّ تخرج الثَّالِثَة عِنْد أعظم مَسَاجِدكُمْ فتأتي الْقَوْم وهم مجتمعون عِنْد رجل فَتَقول: مَا يجمعكم عِنْد عَدو الله فيبتدرون فَتَسِم الْمُؤمن حَتَّى أَن الرجلَيْن ليتبايعان فَيَقُول هَذَا: خُذ يَا مُؤمن وَيَقُول هَذَا: خُذ يَا كَافِر
وَأخرج نعيم بن حَمَّاد فِي الْفِتَن عَن عَمْرو بن الْعَاصِ قَالَ: تخرج الدَّابَّة من شعب بالأجياد رَأسهَا تمس بِهِ السَّحَاب وَمَا خرجت رجلهَا من الأَرْض تَأتي الرجل وَهُوَ يُصَلِّي فَتَقول: مَا الصَّلَاة من حَاجَتك
مَا هَذَا إِلَّا تعوذ أَو رِيَاء فتخطمه
وَأخرج نعيم عَن وهب بن مُنَبّه قَالَ: أول الْآيَات الرّوم ثمَّ الدَّجَّال وَالثَّالِثَة يَأْجُوج وَمَأْجُوج وَالرَّابِعَة عِيسَى وَالْخَامِسَة الدُّخان وَالسَّادِسَة الدَّابَّة(6/383)
وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ (83) حَتَّى إِذَا جَاءُوا قَالَ أَكَذَّبْتُمْ بِآيَاتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْمًا أَمَّاذَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (84) وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ بِمَا ظَلَمُوا فَهُمْ لَا يَنْطِقُونَ (85) أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (86)
- قَوْله تَعَالَى: وَيَوْم نحْشر من كل أمة فوجا مِمَّن يكذب بِآيَاتِنَا فهم يُوزعُونَ حَتَّى إِذا جَاءُوا قَالَ أكذبتم بآياتي وَلم تحيطوا بهَا علما أماذا كُنْتُم تَعْمَلُونَ وَوَقع القَوْل(6/383)
عَلَيْهِم بِمَا ظلمُوا فهم لَا ينطقون ألم يرَوا أَنا جعلنَا اللَّيْل ليسكنوا فِيهِ وَالنَّهَار مبصرا إِن فِي ذَلِك لآيَات لقوم يُؤمنُونَ
أخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَيَوْم نحْشر من كل أمة فوجاً} قَالَ: زمرة
وَفِي قَوْله {فهم يُوزعُونَ} قَالَ: يحبس أَوَّلهمْ على آخِرهم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد فِي قَوْله {يُوزعُونَ} قَالَ: يسافون
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَوَقع القَوْل} قَالَ: وَجب القَوْل
وَالْقَوْل الْغَضَب وَفِي قَوْله {وَالنَّهَار مبصراً} قَالَ: منيراً وَالله أعلم(6/384)
وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ (87)
- قَوْله تَعَالَى: وَيَوْم ينْفخ فِي الصُّور فَفَزعَ من فِي السَّمَوَات وَمن فِي الأَرْض إِلَّا من شَاءَ الله وكل أَتَوْهُ داخرين
أخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن جرير عَن أبي هُرَيْرَة فِي قَوْله {فَفَزعَ من فِي السَّمَاوَات وَمن فِي الأَرْض إِلَّا من شَاءَ الله} قَالَ: هم الشُّهَدَاء
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ {وكل أَتَوْهُ داخرين} ممدودة مَرْفُوعَة التَّاء على معنى فاعلوه
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن مَسْعُود أَنه قَرَأَ {وكل أَتَوْهُ داخرين} خَفِيفَة بِنصب التَّاء على معنى جاؤه
يَعْنِي بِلَا مد
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: حفظت عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي النَّمْل {وكل أَتَوْهُ داخرين} على معنى جاؤه
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {داخرين} قَالَ: صاغرين
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة
مثله
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد قَالَ: الداخر: الصاغر الراهب لِأَن الْمَرْء اذا فزع إِنَّمَا همته الْهَرَب من الْأَمر الَّذِي فزع مِنْهُ فَلَمَّا نفخ فِي الصُّور فزعوا فَلم يكن لَهُم من الله منجا(6/384)
وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ (88)
- قَوْله تَعَالَى: وَترى الْجبَال تحسبها جامدة وَهِي تمر مر السَّحَاب صنع الله الَّذِي أتقن كل شَيْء إِنَّه خَبِير بِمَا تَفْعَلُونَ
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَترى الْجبَال تحسبها جامدة} قَالَ: قَائِمَة {صنع الله الَّذِي أتقن كل شَيْء} قَالَ: احكم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة {وَترى الْجبَال تحسبها جامدة} قَالَ: ثَابِتَة فِي أُصُولهَا لَا تتحرك {وَهِي تمر مر السَّحَاب}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {صنع الله الَّذِي أتقن كل شَيْء} يَقُول: أحسن كل شَيْء خلقه وأتقنه
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة {صنع الله الَّذِي أتقن كل شَيْء} قَالَ: أحسن كل شَيْء
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد {الَّذِي أتقن كل شَيْء} قَالَ: أوثق كل شَيْء
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن {الَّذِي أتقن كل شَيْء} قَالَ: ألم تَرَ إِلَى كل دَابَّة كَيفَ تبقى على نَفسهَا(6/385)
مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ (89) وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (90)
- قَوْله تَعَالَى: من جَاءَ بِالْحَسَنَة فَلهُ خير مِنْهَا وهم من فزع يَوْمئِذٍ آمنون وَمن جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فكبت وُجُوههم فِي النَّار هَل تُجْزونَ إِلَّا مَا كُنْتُم تَعْمَلُونَ
- أخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {من جَاءَ بِالْحَسَنَة فَلهُ خير مِنْهَا} قَالَ: هِيَ لَا إِلَه إِلَّا الله {وَمن جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فكبت وُجُوههم فِي النَّار} قَالَ: هِيَ الشّرك
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن جَابر قَالَ: سُئِلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الموجبتين قَالَ {من جَاءَ بِالْحَسَنَة فَلهُ خير مِنْهَا وهم من فزع يَوْمئِذٍ آمنون وَمن جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فكبت وُجُوههم فِي النَّار هَل تُجْزونَ إِلَّا مَا كُنْتُم تَعْمَلُونَ} قَالَ: من لَقِي الله لَا يُشْرك بِهِ شَيْئا دخل الْجنَّة وَمن لَقِي الله يُشْرك بِهِ دخل النَّار(6/385)
وَأخرج الْحَاكِم فِي الكنى عَن صَفْوَان بن عَسَّال قَالَ: قَالَ رَسُول الله: صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة جَاءَ الايمان والشرك يجثوان بَين يَدي الرب فَيَقُول الله للإِيمان: انْطلق أَنْت وَأهْلك إِلَى الْجنَّة
وَيَقُول للشرك: انْطلق أَنْت وَأهْلك إِلَى النَّار ثمَّ تَلا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {من جَاءَ بِالْحَسَنَة فَلهُ خير مِنْهَا} يَعْنِي: قَول لَا إِلَه إِلَّا الله {وَمن جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ} يَعْنِي: الشّرك {فكبت وُجُوههم فِي النَّار}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة وَأنس بن مَالك عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: يَجِيء الاخلاص والشرك يَوْم الْقِيَامَة فيجثوان بَين يَدي الرب فَيَقُول الرب للاخلاص: انْطلق أَنْت وَأهْلك إِلَى الْجنَّة ثمَّ يَقُول للشرك انْطلق أَنْت وَأهْلك إِلَى النَّار ثمَّ تَلا هَذِه الْآيَة {وَمن جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ} بالشرك {فكبت وُجُوههم فِي النَّار}
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه والديلمي عَن كَعْب بن عجْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله الله {من جَاءَ بِالْحَسَنَة فَلهُ خير مِنْهَا} يَعْنِي بهَا شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله {وَمن جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ} يَعْنِي بهَا الشّرك يُقَال: هَذِه تنجي
وَهَذِه تردي
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات والخارئطي فِي مَكَارِم الْأَخْلَاق عَن ابْن مَسْعُود {من جَاءَ بِالْحَسَنَة}(6/386)
قَالَ: لَا إِلَه إِلَّا الله {وَمن جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ} قَالَ: بالشرك
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر عَن الشّعبِيّ قَالَ: كَانَ حُذَيْفَة جَالِسا فِي حَلقَة فَقَالَ: مَا تَقولُونَ فِي هَذِه الْآيَة {من جَاءَ بِالْحَسَنَة فَلهُ خير مِنْهَا وهم من فزع يَوْمئِذٍ آمنون وَمن جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فكبت وُجُوههم فِي النَّار} فَقَالُوا: نعم يَا حُذَيْفَة من جَاءَ بِالْحَسَنَة ضعفت لَهُ عشرا أَمْثَالهَا
فَأخذ كفا من حَصى يضْرب بِهِ الأَرْض وَقَالَ: تَبًّا لكم
وَكَانَ حديداً وَقَالَ: من جَاءَ بِلَا إِلَه إِلَّا الله وَجَبت لَهُ الْجنَّة وَمن جَاءَ بالشرك وَجَبت لَهُ النَّار
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس {من جَاءَ بِالْحَسَنَة} قَالَ: بِلَا إِلَه إِلَّا الله {فَلهُ خير مِنْهَا} قَالَ: مِنْهَا وصل إِلَى الْخَيْر {وَمن جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ} قَالَ: الشّرك
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد {من جَاءَ بِالْحَسَنَة} قَالَ: لَا إِلَه إِلَّا الله {من جَاءَ بِالْحَسَنَة} قَالَ: الشّرك
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن وَإِبْرَاهِيم وَأبي صَالح وَسَعِيد بن جُبَير وَعَطَاء وَقَتَادَة وَمُجاهد
وَمثله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس {فَلهُ خير مِنْهَا} قَالَ: ثَوَاب
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة {من جَاءَ بِالْحَسَنَة} قَالَ شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله {فَلهُ خير مِنْهَا} قَالَ ج يُعْطي بِهِ الْجنَّة
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: ثمن الْجنَّة لَا إِلَه إِلَّا الله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن زرْعَة بن إِبْرَاهِيم {من جَاءَ بِالْحَسَنَة} قَالَ: لَا إِلَه إِلَّا الله {فَلهُ خير مِنْهَا} قَالَ: لَا إِلَه إِلَّا الله خير
لَيْسَ شَيْء أخير من لَا إِلَه إِلَّا الله
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ {وهم من فزع يَوْمئِذٍ آمنون} ينون فزع وَينصب يَوْمئِذٍ(6/387)
إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (91) وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ (92) وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (93)
- قَوْله تَعَالَى: إِنَّمَا أمرت أَن اعبد رب هَذِه الْبَلدة الَّتِي حرمهَا وَله كل شَيْء وَأمرت أَن أكون من الْمُسلمين وَأَن اتلو الْقُرْآن فَمن اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لنَفسِهِ وَمن ضل فَقل إِنَّمَا أَنا من الْمُنْذرين وَقل الْحَمد لله سيريكم آيَاته فتعرفونها وَمَا رَبك بغافل عَمَّا تَعْمَلُونَ
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {إِن أعبد رب هَذِه الْبَلدة} قَالَ: مَكَّة
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة
مثله
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج قَالَ: زعم النَّاس أَنَّهَا مَكَّة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي الْعَالِيَة قَالَ: هِيَ منى
وَأخرج أَبُو عبيد وَابْن الْمُنْذر عَن هرون قَالَ فِي حرف ابْن مَسْعُود / وَأَن اتل الْقُرْآن / على الْأَمر وَفِي حرف أُبي بن كَعْب (واتل عَلَيْهِم الْقُرْآن)(6/387)
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد {سيريكم آيَاته فتعرفونها} قَالَ: فِي أَنفسكُم وَفِي السَّمَاء وَفِي الأَرْض وَفِي الرزق
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: مَا كَانَ فِي الْقُرْآن {وَمَا الله بغافل عَمَّا تَعْمَلُونَ} بِالتَّاءِ وَمَا كَانَ {وَمَا رَبك بغافل عَمَّا يعْملُونَ} بِالْيَاءِ(6/388)
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم -
سُورَة الْقَصَص
مَكِّيَّة وآياتها ثَمَان وَثَمَانُونَ
- مُقَدّمَة سُورَة الْقَصَص أخرج النّحاس وَابْن الضريس وَابْن مردوية وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: نزلت سُورَة الْقَصَص بِمَكَّة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عبد الله بن الزبير قَالَ: أنزلت سُورَة الْقَصَص بِمَكَّة
وَأخرج أَحْمد وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه بِسَنَد جيد عَن معدي كرب قَالَ: أَتَيْنَا عبد الله بن مَسْعُود فَسَأَلْنَاهُ أَن يقْرَأ علينا (طسم) الْمِائَتَيْنِ فَقَالَ: مَا هِيَ معي وَلَكِن عَلَيْكُم بِمن أَخذهَا من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خباب بن الأرث فَأتيت خباب بن الأرث فَقلت: كَيفَ كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقْرَأ (طسم) أَو (طس) فَقَالَ: كل
كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقْرَأ(6/389)
طسم (1) تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) نَتْلُو عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (3) إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (4)
- طسم تِلْكَ آيَات الْكتاب الْمُبين نتلوا عَلَيْك من نبأ مُوسَى وَفرْعَوْن بِالْحَقِّ لقوم يُؤمنُونَ إِن فِرْعَوْن علا فِي الأَرْض وَجعل أَهلهَا شيعًا يستضعف طَائِفَة مِنْهُم يذبح أَبْنَاءَهُم ويستحيي نِسَاءَهُمْ إِنَّه كَانَ من المفسدين
أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ قَالَ: كَانَ من شَأْن فِرْعَوْن أَنه رأى رُؤْيا فِي مَنَامه: أَن نَارا أَقبلت من بَيت الْمُقَدّس حَتَّى إِذا اشْتَمَلت على بيُوت مصر أحرقت القبط وَتركت بني إِسْرَائِيل فَدَعَا السَّحَرَة والكهنة والعافة والزجرة
وهم العافة الَّذين يزجرون الطير فَسَأَلَهُمْ عَن رُؤْيَاهُ فَقَالُوا لَهُ: يخرج من هَذَا الْبَلَد الَّذِي جَاءَ بَنو إِسْرَائِيل مِنْهُ - يعنون بَيت الْمُقَدّس - رجل يكون على وَجهه هَلَاك مصر
فَأمر بني إِسْرَائِيل أَن لَا يُولد لَهُم ولد إِلَّا ذبحوه وَلَا يُولد لَهُم(6/389)
جَارِيَة إِلَّا تركت وَقَالَ للقبط: انْظُرُوا مملوكيكم الَّذين يعْملُونَ خَارِجا فادخلوهم وَاجْعَلُوا بني إِسْرَائِيل يلون تِلْكَ الْأَعْمَال القذرة فَجعلُوا بني إِسْرَائِيل فِي أَعمال غلمانهم
فَذَلِك حِين يَقُول {إِن فِرْعَوْن علا فِي الأَرْض} يَقُول: تجبر فِي الأَرْض {وَجعل أَهلهَا شيعًا} يَعْنِي بني إِسْرَائِيل {يستضعف طَائِفَة مِنْهُم} حِين جعلهم فِي الْأَعْمَال القذرة وَجعل لَا يُولد لبني إِسْرَائِيل مَوْلُود إِلَّا ذبح فَلَا يكبر صَغِير
وَقذف الله فِي مشيخة بني إِسْرَائِيل الْمَوْت فأسرع فيهم
فَدخل رُؤُوس القبط على فِرْعَوْن فكلموه فَقَالُوا: إِن هَؤُلَاءِ الْقَوْم قد وَقع فيهم الْمَوْت فيوشك أَن يَقع الْعَمَل على غلماننا تذبح أَبْنَاءَهُم فَلَا يبلغ الصغار فيعينون الْكِبَار فَلَو أَنَّك كنت تبقي من أَوْلَادهم
فَأمر أَن يذبحوا سنة ويتركوا سنة فَلَمَّا كَانَ فِي السّنة الَّتِي لَا يذبحون فِيهَا ولد هرون عَلَيْهِ السَّلَام
فَترك فَلَمَّا كَانَ فِي السّنة الَّتِي يذبحون فِيهَا حملت أم مُوسَى بمُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فَلَمَّا أَرَادَت وَضعه حزنت من شَأْنه فَلَمَّا وَضعته أَرْضَعَتْه ثمَّ دعت لَهُ نجاراً وَجعلت لَهُ تابوتاً وَجعلت مِفْتَاح التابوت من دَاخل وَجَعَلته فِيهِ وألقته فِي اليم بَين أَحْجَار عِنْد بَيت فِرْعَوْن فخرجن جواري آسِيَة امْرَأَة فِرْعَوْن يغتسلن فوجدن التابوت فادخلنه إِلَى آسِيَة وظنن أَن فِيهِ مَالا
فَلَمَّا تحرّك الْغُلَام رَأَتْهُ آسِيَة صَبيا فَلَمَّا نظرته آسِيَة وَقعت عَلَيْهِ رحمتها وأحبته
فَلَمَّا أخْبرت بِهِ فِرْعَوْن أَرَادَ أَن يذبحه فَلم تزل آسِيَة تكَلمه حَتَّى تَركه لَهَا وَقَالَ: إِنِّي أَخَاف أَن يكون هَذَا من بني إِسْرَائِيل وَأَن يكون هَذَا الَّذِي على يَدَيْهِ هلاكنا
فَبَيْنَمَا هِيَ ترقصه وتلعب بِهِ إِذْ ناولته فِرْعَوْن وَقَالَت: خُذْهُ {قُرَّة عين لي وَلَك} الْقَصَص الْآيَة 9 قَالَ فِرْعَوْن: هُوَ قُرَّة عين لَك - قَالَ عبد الله بن عَبَّاس: وَلَو قَالَ هُوَ قُرَّة عين لي إِذا لآمن بِهِ وَلكنه أَبى - فَلَمَّا أَخذه إِلَيْهِ أَخذ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام بلحيته فنتفها فَقَالَ فِرْعَوْن: عليَّ بالذباحين هُوَ ذَا
قَالَت آسِيَة: لَا تقتله {عَسى أَن ينفعنا أَو نتخذه ولدا} الْقَصَص الْآيَة 9 إِنَّمَا هُوَ صبي لَا يعقل وَإِنَّمَا صنع هَذَا من صباه أَنا أَضَع لَهُ حليا من الْيَاقُوت وأضع لَهُ جمراً فَإِن أَخذ الْيَاقُوت فَهُوَ يعقل اذبحه وَإِن أَخذ الْجَمْر فَإِنَّمَا(6/390)
هُوَ صبي فاخرجت لَهُ ياقوتاً وَوضعت لَهُ طستاً من جمر فجَاء جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام فَطرح فِي يَده جَمْرَة فطرحها مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام فِي فِيهِ فاحرقت لِسَانه فارادوا لَهُ المرضعات فَلم يَأْخُذ من أحد من النِّسَاء وجعلن النِّسَاء يطلبن ذَلِك لينزلن عِنْد فِرْعَوْن فِي الرَّضَاع فَأبى أَن يَأْخُذ
فَجَاءَت أُخْته فَقَالَت: {هَل أدلكم على أهل بَيت يكفلونه لكم وهم لَهُ ناصحون} فَأَخَذُوهَا فَقَالُوا: إِنَّك قد عرفت هَذَا الْغُلَام فدلينا على أَهله فَقَالَت: مَا أعرفهُ وَلَكِن إِنَّمَا هم للْملك ناصحون
فَلَمَّا جَاءَتْهُ أمه أَخذ مِنْهَا
وكادت تَقول: هُوَ ابْني
فعصمها الله فَذَلِك قَوْله {إِن كَادَت لتبدي بِهِ لَوْلَا أَن ربطنا على قَلبهَا لتَكون من الْمُؤمنِينَ} قَالَ: قد كَانَت من الْمُؤمنِينَ وَلَكِن بقول: {إِنَّا رادوه إِلَيْك وجاعلوه من الْمُرْسلين} قَالَ السّديّ: وَإِنَّمَا سمي مُوسَى لأَنهم وجدوه فِي مَاء وَشَجر وَالْمَاء بالنبطية مو الشّجر سى
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {نتلوا عَلَيْك من نبأ مُوسَى وَفرْعَوْن} يَقُول: فِي هَذَا الْقُرْآن نبؤهم {إِن فِرْعَوْن علا فِي الأَرْض} أَي بغى فِي الأَرْض {وَجعل أَهلهَا شيعًا} أَي فرقا
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَجعل أَهلهَا شيعًا} قَالَ: فرق بَينهم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَجعل أَهلهَا شيعًا} قَالَ: يتعبد طَائِفَة وَيقتل طَائِفَة ويستحي طَائِفَة
أما قَوْله تَعَالَى {إِنَّه كَانَ من المفسدين}
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لقد ذكر لنا أَنه كَانَ يَأْمر بالقصب فَيشق حَتَّى يَجْعَل أَمْثَال الشفار ثمَّ يصف بعضه إِلَى بعض ثمَّ يُؤْتى بحبالى من بني إِسْرَائِيل فيوقفن عَلَيْهِ فيجز أقدامهن حَتَّى أَن الْمَرْأَة مِنْهُم لتَضَع بِوَلَدِهَا فَيَقَع بَين رِجْلَيْهَا فتظل تطؤه وتتقي بِهِ حد الْقصب عَن رِجْلَيْهَا لما بلغ من جهدها
حَتَّى أسرف فِي ذَلِك وَكَانَ يفنيهم قيل لَهُ: أفنيت النَّاس وَقطعت النَّسْل وَإِنَّمَا هم خولك وعمالك فتأمر أَن يقتلُوا الغلمان وَولد مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام فِي(6/391)
السّنة الَّتِي فِيهَا يقتلُون وَكَانَ هرون عَلَيْهِ السَّلَام أكبر مِنْهُ بِسنة فَلَمَّا أَرَادَ بمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام مَا أَرَادَ واستنقاذ بني إِسْرَائِيل مِمَّا هم فِيهِ من الْبلَاء أوحى الله إِلَى أم مُوسَى حِين تقَارب ولادها {أَن أرضعيه} الْقَصَص الْآيَة 7(6/392)
وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ (6)
- قَوْله تَعَالَى: ونريد أَن نمن على الَّذين استضعفوا فِي الأَرْض ونجعلهم أَئِمَّة ونجعلهم الْوَارِثين ونمكن لَهُم فِي الأَرْض ونري فِرْعَوْن وهامان وجنودهما مِنْهُم مَا كَانُوا يحذرون
أخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {ونريد أَن نمن على الَّذين استضعفوا فِي الأَرْض} قَالَ: يُوسُف وَولده
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {ونريد أَن نمن على الَّذين استضعفوا فِي الأَرْض} قَالَ: هم بَنو إِسْرَائِيل {ونجعلهم أَئِمَّة} أَي هم وُلَاة الْأَمر {ونجعلهم الْوَارِثين} أَي يَرِثُونَ الأَرْض بعد فِرْعَوْن وَقَومه {ونري فِرْعَوْن وهامان وجنودهما مِنْهُم مَا كَانُوا يحذرون} قَالَ: مَا كَانَ الْقَوْم حذروه
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {ونجعلهم الْوَارِثين} قَالَ: يَرِثُونَ الأَرْض بعد آل فِرْعَوْن وَفِي قَوْله {ونري فِرْعَوْن} الْآيَة قَالَ: كَانَ حَاز يحزي لفرعون فَقَالَ: إِنَّه يُولد فِي هَذَا الْعَام غُلَام يذهب بملككم وَكَانَ فِرْعَوْن {يذبح أَبْنَاءَهُم ويستحيي نِسَاءَهُمْ} حذرا لقَوْل الحازي فَذَلِك قَوْله {ونري فِرْعَوْن وهامان وجنودهما مِنْهُم مَا كَانُوا يحذرون}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن رَضِي الله قَالَ: قَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ: إِنِّي اسْتعْملت عمالاً لقَوْل الله {ونريد أَن نمن على الَّذين استضعفوا فِي الأَرْض}(6/392)
وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (7) فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ (8)
- قَوْله تَعَالَى: وأوحينا إِلَى أم مُوسَى أَن أرضعيه فَإِذا خفت عَلَيْهِ فألقيه فِي اليم وَلَا تخافي ولاتحزني إِنَّا رادوه إِلَيْك وجاعلوه من الْمُرْسلين فالتقطه آل فِرْعَوْن ليَكُون لَهُم عدوا وحزنا إِن فِرْعَوْن وهامان وجنودهما كَانُوا خاطئين(6/392)
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {وأوحينا إِلَى أم مُوسَى} يَقُول: ألهمناها الَّذِي صنعت بمُوسَى
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وأوحينا إِلَى أم مُوسَى} قَالَ: قذف فِي نَفسهَا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وأوحينا إِلَى أم مُوسَى أَن أرضعيه} قَالَ: وَحي جاءها عَن الله قذف فِي قَلبهَا وَلَيْسَ بِوَحْي نبوة {فَإِذا خفت عَلَيْهِ فألقيه فِي اليم} قَالَ: فَجَعَلته فِي تَابُوت فقذفته فِي الْبَحْر
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي عبد الرَّحْمَن الحبلي قَالَ: إِن الله أوحى إِلَى أم مُوسَى حِين وضعت {أَن أرضعيه فَإِذا خفت عَلَيْهِ فألقيه فِي اليم} فَلَمَّا خَافت عَلَيْهِ جعلته فِي التابوت وَجعلت الْمِفْتَاح مَعَ التابوت وطرحته فِي الْبَحْر وَخرجت امْرَأَة فِرْعَوْن إِلَى الْبَحْر وَابْنَة لفرعون برصاء فَرَأَوْا سواداً فِي الْبَحْر فَأخْرج التابوت إِلَيْهِم فبدرت ابْنة فِرْعَوْن وَهِي برصاء إِلَى التابوت فَوجدت مُوسَى فِي التابوت وَهُوَ مَوْلُود فَأَخَذته فبرأت من برصها
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْأَعْمَش رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا: فِي قَوْله {فَإِذا خفت عَلَيْهِ} قَالَ: أَن يسمع جيرانك صَوته
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله {وأوحينا إِلَى أم مُوسَى أَن أرضعيه} قَالَ: فَجَعَلته فِي بُسْتَان فَكَانَت تَأتيه فِي كل يَوْم مره فترضعه وتأتيه فِي كل ليله فترضعه فيكفيه ذَلِك {فَإِذا خفت عَلَيْهِ} قَالَ: إِذا بلغ أَرْبَعَة أشهر وَصَاح وابتغى من الرَّضَاع أَكثر من ذَلِك
فَذَلِك قَوْله فَإِذا خفت عَلَيْهِ فألقيه فِي اليم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَلَا تخافي} قَالَ: لَا تخافي عَلَيْهِ الْبَحْر {وَلَا تحزني} يَقُول: وَلَا تحزني لفراقه
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله {فالتقطه آل فِرْعَوْن ليَكُون لَهُم عدوا} قَالَ: فِي دينهم {وحزناً} قَالَ: لما يَأْتِيهم بِهِ(6/393)
وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (9)
- قَوْله تَعَالَى: وَقَالَت امْرَأَة فِرْعَوْن قُرَّة عين لي وَلَك لَا تقتلوه عَسى أَن ينفعنا أَو نتخذه ولدا وهم لَا يَشْعُرُونَ(6/393)
أخرج ابْن جرير عَن مُحَمَّد بن قيس قَالَ: قَالَت: امْرَأَة فِرْعَوْن {قُرَّة عين لي وَلَك لَا تقتلوه} قَالَ فِرْعَوْن: قُرَّة عين لَك
أما لي فَلَا قَالَ مُحَمَّد بن قيس: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَو قَالَ فِرْعَوْن قُرَّة عين لي وَلَك لَكَانَ لَهما جَمِيعًا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَقَالَت امْرَأَة فِرْعَوْن قُرَّة عين لي وَلَك} تَعْنِي بذلك: مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام {عَسى أَن ينفعنا أَو نتخذه ولدا} قَالَ: ألقيت عَلَيْهِ رحمتها حِين ابصرته {وهم لَا يَشْعُرُونَ} إِن هلاكهم على يَدَيْهِ وَفِي زَمَانه
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وهم لَا يَشْعُرُونَ} قَالَ: آل فِرْعَوْن أَنه عدوّ لَهُم
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله {وهم لَا يَشْعُرُونَ} قَالَ: مَا يصيبهم من عَاقِبَة أمره
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي الْآيَة قَالَ: لَا يَشْعُرُونَ إِن هلاكهم على يَدَيْهِ وَالله تَعَالَى أعلم(6/394)
وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (10)
- قَوْله تَعَالَى: وَأصْبح فؤاد أم مُوسَى فَارغًا إِن كَادَت لتبدي بِهِ لَوْلَا أَن ربطنا على قَلبهَا لتَكون من الْمُؤمنِينَ
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَأصْبح فؤاد أم مُوسَى فَارغًا} قَالَ: من ذكر كل شَيْء من أَمر الدُّنْيَا إِلَّا من ذكر مُوسَى
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ من طرق عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وَأصْبح فؤاد أم مُوسَى فَارغًا} قَالَ: خَالِيا من كل شَيْء غير ذكر مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام وَفِي قَوْله {إِن كَادَت لتبدي بِهِ} قَالَ: تَقول يَا ابناه
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {وَأصْبح فؤاد أم مُوسَى فَارغًا} قَالَ: من كل شَيْء غير هم مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام
وَأخرج الْفرْيَابِيّ عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ {وَأصْبح فؤاد أم مُوسَى فَارغًا}(6/394)
قَالَ: من كل شَيْء من أَمر الدُّنْيَا وَالْآخِرَة إِلَّا من هم مُوسَى
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ {وَأصْبح فؤاد أم مُوسَى فَارغًا} قَالَ: من كل شَيْء إِلَّا من ذكر مُوسَى
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مغيث بن سمي أَو عَن أبي عُبَيْدَة فِي قَوْله {إِن كَادَت لتبدي بِهِ} أَي لتنبىء أَنه ابْنهَا من شدَّة وجدهَا {لَوْلَا أَن ربطنا على قَلبهَا} قَالَ: ربط الله على قَلبهَا بالايمان(6/395)
وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (11)
- قَوْله تَعَالَى: وَقَالَت لأخته قصيه فبصرت بِهِ عَن جنب وهم لَا يَشْعُرُونَ
أخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وَقَالَت لأخته قصيه} أَي اتبعي أَثَره {فبصرت بِهِ عَن جنب} قَالَ: عَن جَانب
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَقَالَت لأخته قصيه} أَي اتبعي أَثَره كَيفَ يصنع بِهِ {فبصرت بِهِ عَن جنب} قَالَ: عَن بعد {وهم لَا يَشْعُرُونَ} قَالَ: آل فِرْعَوْن أَنه عَدو لَهُم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَقَالَت لأخته قصيه} قَالَ: قصي أَثَره {فبصرت بِهِ عَن جنب} يَقُول: بصرت بِهِ وَهِي مجانبة لَهُم {وهم لَا يَشْعُرُونَ} انها أُخْته قَالَ: جعلت تنظر إِلَيْهِ وَكَأَنَّهَا لَا تريده
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج قَالَ: اسْم أُخْت مُوسَى يواخيد وَأمه يحانذ
وَأخرج ابْن عَسَاكِر فِي تَارِيخ دمشق عَن أبي رواد رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لِخَدِيجَة رَضِي الله عَنْهَا اما علمت أَن الله قد زَوجنِي مَعَك فِي الْجنَّة مَرْيَم بنت عمرَان وكلثوم أُخْت مُوسَى وآسية امْرَأَة فِرْعَوْن قَالَت: وَقد فعل الله ذَلِك يَا رَسُول الله قَالَ: نعم
قَالَت: بالرفاه والبنين(6/395)
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن عَسَاكِر عَن أبي أُمَامَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا شَعرت أَن الله زَوجنِي مَرْيَم بنت عمرَان وكلثوم أُخْت مُوسَى وَامْرَأَة فِرْعَوْن فَقلت: هَنِيئًا لَك يَا رَسُول الله(6/396)
وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ (12) فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (13)
- قَوْله تَعَالَى: وحرمنا عَلَيْهِ المراضع من قبل فَقَالَت هَل أدلكم على أهل بَيت يكفلونه لكم وهم لَهُ ناصحون فرددناه إِلَى أمه كي تقر عينهَا وَلَا تحزن ولتعلم أَن وعد الله حق وَلَكِن أَكْثَرهم لَا يعلمُونَ
أخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وحرمنا عَلَيْهِ المراضع من قبل} قَالَ: لَا يُؤْتى بمرضع فيقبلها
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد {وحرمنا عَلَيْهِ المراضع من قبل} قَالَ: لَا يقبل ثدي امْرَأَة حَتَّى يرجع إِلَى أمه
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج رَضِي الله عَنهُ قَالَ: حِين قَالَت {هَل أدلكم على أهل بَيت يكفلونه لكم وهم لَهُ ناصحون} قَالُوا: قد عرفتيه فَقَالَت: إِنَّمَا أردْت الْملك هم للْملك ناصحون
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وحرمنا عَلَيْهِ المراضع} قَالَ: جعل لَا يُؤْتى بِامْرَأَة إِلَّا لم يَأْخُذ ثديها وَفِي قَوْله {ولتعلم أَن وعد الله حق} قَالَ: وعدها أَنه راده إِلَيْهَا وجاعله من الْمُرْسلين فَفعل الله بهَا ذَلِك
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي عمرَان الْجونِي رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ فِرْعَوْن يُعْطي أم مُوسَى على رضَاع مُوسَى كل يَوْم دِينَارا
وَأخرج أَبُو دَاوُد فِي الْمَرَاسِيل عَن جُبَير بن نفير رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مثل الَّذين يغزون من أمتِي وَيَأْخُذُونَ الْجعل يَعْنِي: يتقوّون على عدوهم
مثل أم مُوسَى ترْضع وَلَدهَا وَتَأْخُذ أجرهَا(6/396)
وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (14)
- قَوْله تَعَالَى: وَلما بلغ أشده واستوى آتيناه حكما وعلما وَكَذَلِكَ نجزي الْمُحْسِنِينَ
أخرج عبد بن حميد ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ والمحاملي فِي أَمَالِيهِ عَن طَرِيق مُجَاهِد عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وَلما بلغ أشده} قَالَ: ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ سنة {واستوى} قَالَ: أَرْبَعِينَ سنة
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب المعمرين من طَرِيق الْكَلْبِيّ عَن أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وَلما بلغ أشده واستوى} قَالَ: الاشد مَا بَين الثماني عشرَة إِلَى الثَّلَاثِينَ والاستواء مَا بَين الثَّلَاثِينَ وَالْأَرْبَعِينَ فَإِذا زَاد على الْأَرْبَعين أَخذ فِي النُّقْصَان
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَلما بلغ أشده} قَالَ: ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ سنة {واستوى} قَالَ: أَرْبَعِينَ سنة {آتيناه حكما وعلما} قَالَ: الحكم وَالْفِقْه وَالْعقل وَالْعلم قَالَ: النبوّة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي قبيصَة رَضِي الله عَنهُ فِي الْآيَة قَالَ: يَعْنِي بالاستواء: خُرُوج لحيته
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {وَلما بلغ أشدّه} قَالَ: ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ سنة {واستوى} قَالَ: أَرْبَعِينَ سنة(6/397)
وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ (15)
- قَوْله تَعَالَى: وَدخل الْمَدِينَة على حِين غفله من أَهلهَا فَوجدَ فِيهَا رجلَانِ يقتتلان هَذَا من شيعته وَهَذَا من عدوه فاستغثه الَّذِي من شيعته على الَّذِي من عدوه فوكزه مُوسَى فَقضى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا من عمل الشَّيْطَان إِنَّه عَدو مُبين
أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ: إِن فِرْعَوْن ركب مركبا وَلَيْسَ عِنْده مُوسَى فَلَمَّا جَاءَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام قيل لَهُ: إِن فِرْعَوْن قد ركب
فَركب فِي أَثَره
فأدركه المقيل بِأَرْض يُقَال لَهَا منف فَدَخلَهَا نصف النَّهَار وَقد تغلقت أسواقها وَلَيْسَ فِي طرقها أحد
وَهِي الَّتِي يَقُول الله تَعَالَى {وَدخل الْمَدِينَة على حِين غَفلَة من أَهلهَا}(6/397)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم من طرق عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وَدخل الْمَدِينَة على حِين غَفلَة} قَالَ: نصف النَّهَار
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَدخل الْمَدِينَة على حِين غَفلَة} قَالَ: نصف النَّهَار وَالنَّاس قَائِلُونَ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي الْآيَة قَالَ: دَخلهَا عِنْد القائلة بالظهيرة وَالنَّاس نائمون
وَذَلِكَ أغفل مَا يكون النَّاس
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق ابْن جريج عَن عَطاء الْخُرَاسَانِي عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {حِين غَفلَة} قَالَ: مَا بَين الْمغرب وَالْعشَاء
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله {على حِين غَفلَة} قَالَ: مَا بَين الْمغرب وَالْعشَاء عَن أنَاس وَقَالَ آخَرُونَ: نصف النَّهَار وَقَالَ ابْن عَبَّاس: أَحدهمَا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {فَوجدَ فِيهَا رجلَيْنِ يقتتلان هَذَا من شيعته} قَالَ: اسرائيلي {وَهَذَا من عدوّه} قَالَ: قبْطِي {فاستغاثه الَّذِي من شيعته} الاسرائيلي {على الَّذِي من عدوّه} القبطي {فوكزه مُوسَى فَقضى عَلَيْهِ} قَالَ: فَمَاتَ قَالَ: فَكبر ذَلِك على مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فاستغاثه الَّذِي من شيعته} قَالَ: من قومه من بني إِسْرَائِيل
وَكَانَ فِرْعَوْن من فَارس من اصطخر {فوكزه مُوسَى} قَالَ: بِجمع كَفه
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فوكزه مُوسَى} قَالَ: بعصا وَلم يتَعَمَّد قَتله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ قَالَ: الَّذِي وكزه مُوسَى كَانَ خبازاً لفرعون
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن وهب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ الله عز وَجل (بعزتي يَا ابْن عمرَان لَو أَن هَذِه النَّفس الَّتِي وكزت فقتلت اعْترفت لي سَاعَة من ليل أَو نَهَار(6/398)
بِأَنِّي لَهَا خَالق أَو رَازِق لأذقتك فِيهَا طعم الْعَذَاب
وَلَكِنِّي عَفَوْت عَنْك فِي أمرهَا انها لم تعترف لي سَاعَة من ليل أَو نَهَار إِنِّي لَهَا خَالق أَو رَازِق)(6/399)
قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (16)
- قَوْله تَعَالَى: قَالَ رب ظلمت نَفسِي فَاغْفِر لي فغفر لَهُ إِنَّه هُوَ الغفور الرَّحِيم
أخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {إِنِّي ظلمت نَفسِي} قَالَ: بَلغنِي أَنه من أجل أَنه لَا يَنْبَغِي لنَبِيّ أَن يقتل حَتَّى يُؤمر
فَقتله وَلم يُؤمر
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {قَالَ رب إِنِّي ظلمت نَفسِي} قَالَ: عرف نَبِي الله عَلَيْهِ السَّلَام من أَيْن الْمخْرج
فَأَرَادَ الْمخْرج فَلم يلق ذَنبه على ربه
قَالَ بعض النَّاس: أَي من جِهَة الْمَقْدُور(6/399)
قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ (17)
- قَوْله تَعَالَى: قَالَ رب بِمَا أَنْعَمت عَليّ فَلَنْ أكون ظهيرا للمجرمين
أخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فَلَنْ أكون ظهيراً للمجرمين} قَالَ: معينا للمجرمين
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فَلَنْ أكون ظهيراً للمجرمين} قَالَ: إِن أعين بعْدهَا ظَالِما على فجره
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن عبيد الله بن الْوَلِيد الرصافي رَضِي الله عَنهُ
أَنه سَأَلَ عَطاء بن أبي رَبَاح عَن أَخ لَهُ كَاتب لَيْسَ يَلِي من أُمُور السُّلْطَان شَيْئا إِلَّا أَنه يكْتب لَهُم بقلم مَا يدْخل وَمَا يخرج فَإِن ترك قلمه صَار عَلَيْهِ دين واحتجاج وَإِن أَخذ بِهِ كَانَ لَهُ فِيهِ غنى قَالَ: يكْتب لمن قَالَ: لخَالِد بن عبد الله الْقَسرِي قَالَ: ألم تسمع إِلَى مَا قَالَ العَبْد الصَّالح {رب بِمَا أَنْعَمت عَليّ فَلَنْ أكون ظهيراً للمجرمين} فَلَا يهتم بِشَيْء وليرم بقلمه فَإِن الله سيأتيه برزق
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي حنظلية جَابر بن حَنْظَلَة الْكَاتِب الضَّبِّيّ قَالَ: قَالَ رجل لعامر: يَا أَبَا عَمْرو أَنِّي رجل كَاتب أكتب مَا يدْخل وَمَا يخرج آخذ وَرقا استغني بِهِ أَنا وعيالي قَالَ: فلعلك تكْتب فِي دم يسفك قَالَ: لَا
قَالَ:(6/399)
فلعلك تكْتب فِي مَال يُؤْخَذ قَالَ: لَا
قَالَ: فلعلك تكْتب فِي دَار تهدم قَالَ: لَا
قَالَ: أسمعت بِمَا قَالَ مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام {رب بِمَا أَنْعَمت عَليّ فَلَنْ أكون ظهيرا للمجرمين} قَالَ: رَضِي الله عَنهُ قَالَ: صليت إِلَى جنب ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا الْعَصْر فَسَمعته يَقُول فِي رُكُوعه {رب بِمَا أَنْعَمت عَليّ فَلَنْ أكون ظهيراً للمجرمين}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن سَلمَة بن نبيط رَضِي الله عَنهُ قَالَ: بعث عبد الرَّحْمَن ابْن مُسلم إِلَى الضَّحَّاك فَقَالَ: اذْهَبْ بعطاء أهل بُخَارى فاعطهم فَقَالَ: اعفني فَلم يزل يستعفيه حَتَّى أَعْفَاهُ فَقَالَ لَهُ بعض أَصْحَابه: مَا عَلَيْك أَن تذْهب فتعطيهم وَأَنت لَا ترزؤهم شَيْئا فَقَالَ: لَا أحب أَن أعين الظلمَة على شَيْء من أَمرهم(6/400)
فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قَالَ لَهُ مُوسَى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ (18) فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُمَا قَالَ يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ (19)
- قَوْله تَعَالَى: فَأصْبح فِي الْمَدِينَة خَائفًا يترقب فَإِذا الَّذِي استنصره بالْأَمْس يستصرخه قَالَ لع مُوسَى إِنَّك لغَوِيّ مُبين فَلَمَّا أَرَادَ أَن يبطش بِالَّذِي هُوَ عَدو لَهما قَالَ يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَن تقتلني كَمَا قتلت نفسا بالْأَمْس إِن تُرِيدُ إِلَّا أَن تكون جباراً فِي الأَرْض وَمَا تُرِيدُ أَن تكون من المصلحين
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فَأصْبح فِي الْمَدِينَة خَائفًا} قَالَ: خَائفًا أَن يُؤْخَذ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {يترقب} قَالَ: يتلفت
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله {يترقب} قَالَ: يتوحش
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {فَإِذا الَّذِي استنصره بالْأَمْس يستصرخه} قَالَ: هُوَ صَاحب مُوسَى الَّذِي استنصره بالْأَمْس
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة قَالَ: الَّذِي استنصره: هُوَ الَّذِي استصرخه(6/400)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {فَإِذا الَّذِي استنصره بالْأَمْس يستصرخه} قَالَ: الاستصراخ: الاستغاثة
قَالَ: والاستنصار والاستصراخ وَاحِد {قَالَ لَهُ مُوسَى إِنَّك لغَوِيّ مُبين} فاقبل عَلَيْهِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام فَظن الرجل أَنه يُرِيد قَتله فَقَالَ: يَا مُوسَى {أَتُرِيدُ أَن تقتلني كَمَا قتلت نفسا بالْأَمْس} قَالَ: قبْطِي قريب مِنْهُمَا يسمعهما فافشى عَلَيْهِمَا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله {فَلَمَّا أَن أَرَادَ أَن يبطش} قَالَ: ظن الَّذِي من شيعته إِنَّمَا يُريدهُ فَذَلِك قَوْله {أَتُرِيدُ أَن تقتلني كَمَا قتلت نفسا بالْأَمْس} أَنه لم يظْهر على قَتله أحد غَيره
فَسمع قَوْله {أَتُرِيدُ أَن تقتلني كَمَا قتلت نفسا بالْأَمْس} عدوّهما فَأخْبر عَلَيْهِ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن الشّعبِيّ قَالَ: من قتل رجلَيْنِ فَهُوَ جَبَّار ثمَّ تَلا هَذِه الْآيَة {أَتُرِيدُ أَن تقتلني كَمَا قتلت نفسا بالْأَمْس إِن تُرِيدُ إِلَّا أَن تكون جباراً فِي الأَرْض}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لَا يكون الرجل جباراً حَتَّى يقتل نفسين
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي عمرَان الْجونِي قَالَ: آيَة الْجَبَابِرَة الْقَتْل بِغَيْر حق
وَالله أعلم(6/401)
وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ (20) فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (21)
- قَوْله تَعَالَى: وَجَاء رجل من أقْصَى الْمَدِينَة يسْعَى قَالَ يَا مُوسَى أَن الْمَلأ يأتمرون بك ليقتلوك فَاخْرُج إِنِّي لَك من الناصحين فَخرج مِنْهَا خَائفًا يترقب قَالَ رب نجني من الْقَوْم الظَّالِمين
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله {وَجَاء رجل من أقْصَى الْمَدِينَة يسْعَى} قَالَ: مُؤمن آل فِرْعَوْن
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن شُعَيْب الجبائي قَالَ: كَانَ اسْم الَّذِي قَالَ لمُوسَى {إِن الْمَلأ يأتمرون بك} شَمْعُون(6/401)
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله {وَجَاء رجل من أقْصَى الْمَدِينَة يسْعَى} قَالَ: يعْمل لَيْسَ بالسيد
اسْمه حزقيل
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ قَالَ: ذهب القبطي فافشى عَلَيْهِ: أَن مُوسَى هُوَ الَّذِي قتل الرجل فَطَلَبه فِرْعَوْن وَقَالَ: خذوه فَإِنَّهُ الَّذِي قتل صاحبنا وَقَالَ الَّذين يطلبونه: اطلبوه فِي ثنيات الطَّرِيق فَإِن مُوسَى غُلَام لَا يَهْتَدِي للطريق
وَأخذ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام فِي ثنيات الطَّرِيق وَقد جَاءَهُ الرجل فَأخْبرهُ {أَن الْمَلأ يأتمرون بك ليقتلوك فَاخْرُج إِنِّي لَك من الناصحين فَخرج مِنْهَا خَائفًا يترقب قَالَ رب نجني من الْقَوْم الظَّالِمين} فَلَمَّا أَخذ فِي ثنيات الطَّرِيق جَاءَهُ ملك على فرس بِيَدِهِ عنزة فَلَمَّا رَآهُ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام سجد لَهُ من الْفرق
فَقَالَ: لَا تسْجد لي وَلَكِن اتبعني فَتَبِعَهُ وهداه نَحْو مَدين
فَانْطَلق الْملك حَتَّى انْتهى بِهِ إِلَى الْمَدِين فَلَمَّا أَتَى الشَّيْخ وقص عَلَيْهِ الْقَصَص {قَالَ لَا تخف نجوت من الْقَوْم الظَّالِمين} الْقَصَص الْآيَة 25 فَأمر احدى ابْنَتَيْهِ أَن تَأتيه بعصا
وَكَانَت تِلْكَ الْعَصَا عَصا استودعه إِيَّاهَا ملك فِي صُورَة رجل فَدَفعهَا إِلَيْهِ فَدخلت الجاريه فَأخذت الْعَصَا فَأَتَتْهُ بهَا فَلَمَّا رَآهَا الشَّيْخ قَالَ لابنته ائتيه بغَيْرهَا
فألقتها وَأخذت تُرِيدُ غَيرهَا فَلَا يَقع فِي يَدهَا إِلَّا هِيَ وَجعل يُرَدِّدهَا وكل ذَلِك لايخرج فِي يَدهَا غَيرهَا فَلَمَّا رآى ذَلِك عهد إِلَيْهِ فأخرجها مَعَه فرعى بهَا ثمَّ إِن الشَّيْخ نَدم وَقَالَ: كَانَت وَدِيعَة فَخرج يتلَقَّى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام فَلَمَّا رَآهُ قَالَ: أَعْطِنِي الْعَصَا
فَقَالَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام: هِيَ عصاي فَأبى أَن يُعْطِيهِ فاختصما فرضيا أَن يجعلا بَينهمَا أول رجل يلقاهما
فاتاهما ملك يمشي فَقضى بَينهمَا فَقَالَ: ضعوها فِي الأَرْض فَمن حملهَا فَهِيَ لَهُ
فعالجها الشَّيْخ فَلم يطقها وَأَخذهَا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام بِيَدِهِ فَرَفعهَا فَتَركهَا لَهُ الشَّيْخ فرعى لَهُ عشر سِنِين
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَجَاء رجل من أقْصَى الْمَدِينَة يسْعَى} قَالَ: هُوَ مُؤمن آل فِرْعَوْن جَاءَ يسْعَى وَفِي قَوْله {فَخرج مِنْهَا خَائفًا يترقب} قَالَ: أَن يَأْخُذهُ الطّلب(6/402)
وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ (22)
- قَوْله تَعَالَى: وَلما توجه تِلْقَاء مَدين قَالَ عَسى رَبِّي أَن يهديني سَوَاء السَّبِيل
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله {وَلما توجه تِلْقَاء مَدين} قَالَ: عرضت لمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام أَرْبَعَة طرق فَلم يدر أيتها يسْلك فَقَالَ {عَسى رَبِّي أَن يهديني سَوَاء السَّبِيل} فَأخذ طَرِيق مَدين
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {تِلْقَاء مَدين} قَالَ: مَدين مَاء كَانَ عَلَيْهِ شُعَيْب
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {عَسى رَبِّي أَن يهديني سَوَاء السَّبِيل} قَالَ: قصد السَّبِيل: الطَّرِيق إِلَى مَدين
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {عَسى رَبِّي أَن يهديني سَوَاء السَّبِيل} قَالَ: الطَّرِيق الْمُسْتَقيم قَالَ: فَالتقى وَالله يَوْمئِذٍ خير أهل الأَرْض
شُعَيْب ومُوسَى بن عمرَان
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن كَعْب بن عَلْقَمَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أَن مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام لما خرج هَارِبا من فِرْعَوْن قَالَ: رب أوصني قَالَ أوصيك أَن لَا تعدل بِي شَيْئا أبدا إِلَّا اخترتني عَلَيْهِ فَإِنِّي لَا أرْحم وَلَا أزكي من لم يكن كَذَلِك قَالَ: وبماذا يَا رب قَالَ: بأمك فانها حَملتك وَهنا على وَهن قَالَ: ثمَّ بِمَاذَا يَا رب قَالَ: إِن أوليتك شَيْئا من أَمر عبَادي فَلَا تعيهم إِلَيْك فِي حوائجهم فَإنَّك إِنَّمَا تعي روحي فَانِي مبصر ومسمع ومشهد(6/403)
وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ (23) فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (24) فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (25) قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (26) قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (27) قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ (28)
- قَوْله تَعَالَى: وَلما ورد مَاء مَدين وجد عَلَيْهِ أمة من النَّاس يسقون وَوجد من دونهم امْرَأتَيْنِ تذودان قَالَ مَا خطبكما قَالَتَا لَا نسقي حَتَّى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كَبِير فسقى لَهما ثمَّ تولى إِلَى الظل فَقَالَ رب إِنِّي لما أنزلت إِلَيّ من خير فَقير فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهمَا تمشي على استحياء قَالَت إِن أبي يَدْعُوك ليجزيك أجر مَا سقيت لنا فَلَمَّا جَاءَهُ قصّ عَلَيْهِ الْقَصَص قَالَ(6/403)
لَا تخف نجوت من الْقَوْم الظَّالِمين قَالَت إِحْدَاهمَا يَا أَبَت اسْتَأْجرهُ إِن خير من اسْتَأْجَرت الْقوي الْأمين قَالَ إِنِّي أُرِيد أَن أنكحك إِحْدَى ابْنَتي هَاتين على أَن تَأْجُرنِي ثَمَانِي حجج فَإِن أتممت عشرا فَمن عنْدك وَمَا أُرِيد أَن أشق عَلَيْك ستجدني إنْشَاء الله من الصَّالِحين قَالَ ذَلِك بيني وَبَيْنك أَيّمَا الْأَجَليْنِ قضيت فَلَا عدوان عَليّ وَالله على مَا نقُول وَكيل
أخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: خرج مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام خَائفًا جائعاً لَيْسَ مَعَه زَاد حَتَّى انْتهى إِلَى مَاء مَدين وَعَلِيهِ أمة من النَّاس يسقون وَامْرَأَتَانِ جالستان بشياههما فَسَأَلَهُمَا مَا خطبكما {قَالَتَا لَا نسقي حَتَّى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كَبِير} قَالَ: فَهَل قربكما مَاء قَالَتَا: لَا
إِلَّا بِئْر عَلَيْهَا صَخْرَة قد غطيت بهَا لَا يطيقها نفر قَالَ: فَانْطَلقَا فأريانيها
فانطلقتا مَعَه فَقَالَ بالصخرة بِيَدِهِ فنحاها ثمَّ استقى لَهما سجلاً وَاحِدًا فسقى الْغنم ثمَّ أعَاد الصَّخْرَة إِلَى مَكَانهَا ثمَّ تولى إِلَى الظل فَقَالَ: {رب إِنِّي لما أنزلت إِلَيّ من خير فَقير} فسمعتا مَا قَالَ فرجعتا إِلَى أَبِيهِمَا فاستنكر سرعَة مجيئهما فَسَأَلَهُمَا فاخبرتاه فَقَالَ لإِحداهما: انطلقي فادعيه فَأَتَتْهُ فَقَالَت: {إِن أبي يَدْعُوك ليجزيك أجر مَا سقيت لنا} فمشيت بَين يَدَيْهِ فَقَالَ لَهَا: امشي خَلْفي فَإِنِّي امْرُؤ من عنصر إِبْرَاهِيم لَا يحل لي أَن أنظر مِنْك مَا حرم الله عَليّ وارشديني الطَّرِيق
{فَلَمَّا جَاءَهُ وقص عَلَيْهِ الْقَصَص}
قَالَت إِحْدَاهمَا: {يَا أَبَت اسْتَأْجرهُ إِن خير من اسْتَأْجَرت الْقوي الْأمين} قَالَ لَهَا أَبوهَا: مَا رَأَيْت من قوّته وأمانته فَأَخْبَرته بِالْأَمر الَّذِي كَانَ قَالَت: أما قوّته فَإِنَّهُ قلب الْحجر وَحده وَكَانَ لَا يقلبه إِلَّا النَّفر
وَأما أَمَانَته فَإِنَّهُ قَالَ: امشي خَلْفي وارشديني الطَّرِيق لِأَنِّي امْرُؤ من عنصر إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام لَا يحل لي مِنْك مَا حرم الله تَعَالَى
قيل لِابْنِ عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا
أَي الْأَجَليْنِ قضى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: أبرهما وأوفاهما(6/404)
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة فِي المُصَنّف وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أَن مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام لما ورد مَاء مَدين وجد عَلَيْهِ أمة من النَّاس يسقون فَلَمَّا فرغوا أعادوا الصَّخْرَة على الْبِئْر وَلَا يُطيق رَفعهَا إِلَّا عشرَة رجال فَإِذا هُوَ بامرأتين {قَالَ مَا خطبكما} فحدثتاه
فَأتى الصَّخْرَة فَرَفعهَا وَحده ثمَّ استقى فَلم يستق إِلَّا دلواً وَاحِدًا حَتَّى رويت الْغنم
فَرَجَعت الْمَرْأَتَانِ إِلَى أَبِيهِمَا فحدثتاه وَتَوَلَّى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام إِلَى الظل {فَقَالَ رب إِنِّي لما أنزلت إِلَيّ من خير فَقير} قَالَ: {فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهمَا تمشي على استحياء} وَاضِعَة ثوبها على وَجههَا لَيست بسلفع من النَّاس خراجة ولاجة {قَالَت إِن أبي يَدْعُوك ليجزيك أجر مَا سقيت لنا} فَقَامَ مَعهَا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ لَهَا: امشي خَلْفي وانعتي لي الطَّرِيق فَإِنِّي أكره أَن تصيب الرّيح ثِيَابك فتصف جسدك
فَلَمَّا انْتهى إِلَى أَبِيهَا قصّ عَلَيْهِ فَقَالَت احداهما {يَا أَبَت اسْتَأْجرهُ إِن خير من اسْتَأْجَرت القوى الْأمين} قَالَ: يَا بنية مَا علمك بأمانته وقوته قَالَت: أما قوّته
فرفعه الْحجر وَلَا يطيقه إِلَّا عشرَة رجال وَأما أَمَانَته فَقَالَ: امشي خَلْفي وانعتي لي الطَّرِيق فَإِنِّي أكره أَن تصيب الرّيح ثِيَابك فتصف لي جسدك
فزاده ذَلِك رَغْبَة فِيهِ فَقَالَ {إِنِّي أُرِيد أَن أنكحك إِحْدَى ابْنَتي هَاتين} إِلَى قَوْله {ستجدني إِن شَاءَ الله من الصَّالِحين} أَي فِي حسن الصُّحْبَة وَالْوَفَاء بِمَا قلت قَالَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام {ذَلِك بيني وَبَيْنك أَيّمَا الْأَجَليْنِ قضيت فَلَا عدوان عَليّ} قَالَ: نعم
{قَالَ الله على مَا نقُول وَكيل} فزوّجه وَأقَام مَعَه يَكْفِيهِ وَيعْمل لَهُ فِي رِعَايَة غنمه وَمَا يحْتَاج إِلَيْهِ وزوّجه صفورا وَأُخْتهَا شرفا وهما الَّتِي كَانَتَا تذودان
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وَلما ورد مَاء مَدين} قَالَ: ورد المَاء حَيْثُ ورد وَأَنه لتتراءى خضرَة البقل من بَطْنه من الهزال
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: خرج مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام من مصر إِلَى مَدين وَبَينه وَبَينهَا ثَمَان لَيَال
وَلم يكن لَهُ طَعَام إِلَّا ورق الشّجر وَخرج إِلَيْهَا حافياً فَمَا وصل حَتَّى وَقع خف قدمه(6/405)
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة {وَلما ورد مَاء مَدين} قَالَ: كَانَ مسيره خَمْسَة وَثَلَاثِينَ يَوْمًا
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {أمة من النَّاس يسقون} قَالَ: أُنَاسًا
وَفِي قَوْله {إِنِّي لما أنزلت إِلَيّ من خير فَقير} قَالَ: من طَعَام
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَوجد من دونهم امْرَأتَيْنِ} قَالَ: أَسمَاؤُهُم
ليا وصفورا وَلَهُمَا أَربع أَخَوَات صغَار يسقين الْغنم فِي الصحاف
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {تذودان} قَالَ: تحبسان
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي مَالك فِي قَوْله {تذودان} قَالَ: تحبسان غنمهما حَتَّى يفرغ النَّاس وتخلو لَهما الْبِئْر
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {قَالَتَا لَا نسقي حَتَّى يصدر الرعاء} قَالَ: تنتظران أَن تسقيا من فضول مَا فِي حياضهم
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ {حَتَّى يصدر الرعاء} بِرَفْع الْيَاء وَكسر الرَّاء فِي الرعاء
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه والضياء فِي المختارة عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: لقد قَالَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام {رب إِنِّي لما أنزلت إليّ من خير فَقير} وَهُوَ أكْرم خلقه عَلَيْهِ وَلَقَد افْتقر إِلَى شقّ تَمْرَة وَلَقَد لصق بَطْنه بظهره من شدَّة الْجُوع
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {إِنِّي لما أنزلت إِلَيّ من خير فَقير} قَالَ: سَأَلَ فلقاً من الْخبز يشد بهَا صلبه من الْجُوع
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: لما هرب مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام من فِرْعَوْن أَصَابَهُ جوع كَانَت ترى أمعاؤه من ظَاهر الثِّيَاب {فَقَالَ رب إِنِّي لما أنزلت إِلَيّ من خير فَقير}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أنس بن مَالك قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما سقى مُوسَى للجاريتين {ثمَّ تولى إِلَى الظل فَقَالَ رب إِنِّي لما أنزلت إِلَيّ من خير فَقير} قَالَ: إِنَّه يَوْمئِذٍ فَقير إِلَى كف من تمر(6/406)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد فِي الزّهْد وَعبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {إِنِّي لما أنزلت إِلَيّ من خير فَقير} قَالَ: شبعه يَوْمئِذٍ
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَأحمد عَن مُجَاهِد قَالَ: مَا سَأَلَ إِلَّا طَعَاما يَأْكُلهُ
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَأحمد عَن إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ رَضِي الله عَنهُ {إِنِّي لما أنزلت إِلَيّ من خير فَقير} قَالَ: مَا كَانَ مَعَه رغيف وَلَا دِرْهَم
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عبد الله بن أبي الْهُذيْل عَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {تمشي على استحياء} قَالَ: جَاءَت مستترة بكم درعها على وَجههَا
وَأخرجه ابْن الْمُنْذر عَن ابْن أبي الْهُذيْل مَوْقُوفا عَلَيْهِ
وَأخرج أَحْمد عَن مطرف بن الشخير رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أما وَالله لَو كَانَ عِنْد نَبِي الله شَيْء مَا تبع [] مذقتها وَلَكِن حمله على ذَلِك الْجهد
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن أبي حَازِم قَالَ: لما دخل مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام على شُعَيْب عَلَيْهِ السَّلَام إِذا هُوَ بالعشاء فَقَالَ لَهُ شُعَيْب عَلَيْهِ السَّلَام: كل
قَالَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام: أعوذ بِاللَّه قَالَ وَلم
أَلَسْت بجائع قَالَ: بلَى
وَلَكِن أَخَاف أَن يكون هَذَا عوضا لما سقيت لَهما وَأَنا من أهل بَيت لَا نبتغي شَيْئا من عمل الْآخِرَة بملء الأَرْض ذَهَبا قَالَ: لَا وَالله
وَلكنهَا عادتي وَعَادَة آبَائِي نقري الضَّيْف ونطعم الطَّعَام
فَجَلَسَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام فَأكل
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مَالك بن أنس رَضِي الله عَنهُ أَنه بلغه: أَن شعيباً عَلَيْهِ السَّلَام هُوَ الَّذِي قصّ على مُوسَى الْقَصَص
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ قَالَ: يَقُول نَاس: أَنه شُعَيْب
وَلَيْسَ بشعيب وَلَكِن سيد المَاء يَوْمئِذٍ
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي عُبَيْدَة قَالَ: كَانَ صَاحب مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام أثرون ابْن أخي شُعَيْب عَلَيْهِ السَّلَام
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ اسْم ختن مُوسَى يثربي
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: الَّذِي اسْتَأْجر مُوسَى عَلَيْهِ(6/407)
السَّلَام يثرب صَاحب مَدين
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا: أَنه كَانَ يكره الكنية بِأبي مرّة وَكَانَت كنية فِرْعَوْن وَكَانَت صَاحِبَة مُوسَى صفيرا بنت يثرون
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {الْقوي} قَالَ: قوته فتح لَهما عَن بِئْر حجرا على فِيهَا فسقى لَهما {الْأمين} قَالَ: غض بَصَره عَنْهُمَا حِين سقى لَهما
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: لما قَالَت صَاحِبَة مُوسَى {يَا أَبَت اسْتَأْجرهُ إِن خير من اسْتَأْجَرت الْقوي الْأمين} قَالَ: وَمَا رَأَيْت من قوته قَالَت: جَاءَ إِلَى الْبِئْر وَعَلِيهِ صَخْرَة لَا يقلها كَذَا وَكَذَا فَرَفعهَا قَالَ: وَمَا رَأَيْت من أَمَانَته قَالَت: كنت أَمْشِي أَمَامه فجعلني خَلفه
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {إِنِّي أُرِيد أَن أنكحك إِحْدَى ابْنَتي هَاتين} قَالَ: بَلغنِي أَنه نكح الْكَبِيرَة الَّتِي دَعَتْهُ وَاسْمهَا صفورا وأبوها ابْن أخي شُعَيْب واسْمه رعاويل
وَقد أَخْبرنِي من أصدق: أَن إسمه فِي الْكتاب يثرون كَاهِن مَدين
والكاهن حبر
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن نوف الشَّامي قَالَ: ولدت الْمَرْأَة لمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام غُلَاما فَسَماهُ جرثمة
وَأخرج ابْن ماجة وَالْبَزَّار وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن عقبَة بن الْمُنْذر السّلمِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كُنَّا عِنْد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَرَأَ {طس} حَتَّى بلغ قصَّة مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: إِن مُوسَى أجر نَفسه ثَمَانِي سِنِين أَو عشرا على عفة فرجه وَطَعَام بَطْنه فَلَمَّا أَرَادَ فِرَاق شُعَيْب أَمر امْرَأَته أَن تسْأَل أَبَاهَا أَن يُعْطِيهَا من غنمه مَا يعيشون بِهِ فَأَعْطَاهَا مَا ولدت من غنمه قالب لون من ذَلِك الْعَام وَكَانَت غنمه سَوْدَاء حسناء فَانْطَلق مُوسَى إِلَى عَصَاهُ فسماها من طرفها ثمَّ وَضعهَا فِي أدنى الْحَوْض ثمَّ أوردهَا فَسَقَاهَا ووقف مُوسَى بازاء الْحَوْض فَلم يصدر مِنْهَا شَاة إِلَّا ضرب جنبها شَاة شَاة قَالَ: فأنمت وأثلثت وَوضعت كلهَا قوالب الوان
إِلَّا شَاة أَو شَاتين لَيْسَ فِيهَا فشوش وَلَا ضبوب وَلَا غزور وَلَا ثفول وَلَا كمشة(6/408)
تفوت الْكَفّ
قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: فَلَو افتتحتم الشَّام وجدْتُم بقايا تِلْكَ الْغنم
وَهِي السامرية قَالَ ابْن لَهِيعَة: الفشوش: الَّتِي تفش بلبنها وَاسِعَة الشخب والضبوب: الطَّوِيلَة الضَّرع مجترة والغزور: الضيقة الشخب والثفول: الَّتِي لَيْسَ لَهَا ضرع إِلَّا كَهَيئَةِ حلمتين والكمشة: الصَّغِيرَة الضَّرع لَا يُدْرِكهُ الْكَفّ
وَأخرج ابْن جرير عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما دَعَا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام صَاحبه إِلَى الْأَجَل الَّذِي كَانَ بَينهمَا قَالَ لَهُ صَاحبه: كل شَاة ولدت على لَوْنهَا فلك لَوْنهَا
فَعمد فَرفع خيالاً على المَاء فَلَمَّا رَأَيْت الخيال فزعت فجالت جَوْلَة فَولدت كُلهنَّ بلقاء إِلَّا شَاة وَاحِدَة
فَذهب بألوانهن ذَلِك الْعَام
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة فِي المُصَنّف وَعبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه من طرق عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَنه سُئِلَ أَي الْأَجَليْنِ قضى مُوسَى فَقَالَ: قضى أكثرهما وأطيبهما
أَن رَسُول الله إِذا قَالَ فعل
وَأخرج الْبَزَّار وَأَبُو يعلى وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَأَلَ جِبْرِيل أَي الْأَجَليْنِ قضى مُوسَى قَالَ: أتمهما وأكملهما
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن يُوسُف بن سرح أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سُئِلَ أَي الْأَجَليْنِ قضى مُوسَى فَسَأَلَ جِبْرِيل فَقَالَ: لَا علم لي
فَسَأَلَ جِبْرِيل ملكا فَوْقه فَقَالَ: لَا علم لي
فَسَأَلَ ذَلِك الْملك ربه فَقَالَ الرب عز وَجل أبرهما وأتقاهما وأزكاهما
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق عَليّ بن عَاصِم عَن أبي هُرَيْرَة عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي الله عَنهُ: أَن رجلا سَأَلَهُ أَي الْأَجَليْنِ قضى مُوسَى فَقَالَ: لَا أَدْرِي حَتَّى أسأَل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: لَا أَدْرِي حَتَّى أسأَل جِبْرِيل فَقَالَ: لَا أَدْرِي حَتَّى أسأَل مِيكَائِيل فَسَأَلَ مِيكَائِيل فَقَالَ: لَا أَدْرِي حَتَّى أسأَل الرفيع فَسَأَلَ الرفيع فَقَالَ: لَا أَدْرِي حَتَّى أسأَل اسرافيل فَسَأَلَ إسْرَافيل فَقَالَ: لَا أَدْرِي حَتَّى أسأَل ذَا الْعِزَّة فَنَادَى إسْرَافيل بِصَوْتِهِ الأشد: يَا ذَا الْعِزَّة أَي الْأَجَليْنِ قضى مُوسَى قَالَ: أتم الْأَجَليْنِ وأطيبهما عشر سِنِين قَالَ عَليّ بن عَاصِم: فَكَانَ أَبُو هرون إِذا حدث بِهَذَا الحَدِيث يَقُول: حَدثنِي أَبُو سعيد الْخُدْرِيّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن جِبْرِيل عَن مِيكَائِيل عَن الرفيع عَن إسْرَافيل عَن ذِي الْعِزَّة تبَارك وَتَعَالَى(6/409)
أَن مُوسَى قضى أتم الْأَجَليْنِ وأطيبه
عشر سِنِين
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن جَابر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: سُئِلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَي الْأَجَليْنِ قضى مُوسَى قَالَ: أَوْفَاهُمَا
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لي جِبْرِيل: يَا مُحَمَّد إِن سَأَلَك الْيَهُود أَي الْأَجَليْنِ قضى مُوسَى فَقل أَوْفَاهُمَا وَإِن سألوك أَيهمَا تزوج فَقل الصُّغْرَى مِنْهُمَا
وَأخرج الْخَطِيب فِي تَارِيخه عَن أبي ذَر رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ لي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِذا سُئِلت أَي الْأَجَليْنِ قضى مُوسَى فَقل خيرهما وَأَبَرهمَا وَإِذا سُئِلت أَي الْمَرْأَتَيْنِ تزوج فَقل الصُّغْرَى مِنْهُمَا
وَهِي الَّتِي جَاءَت فَقَالَت {يَا أَبَت اسْتَأْجرهُ إِن خير من اسْتَأْجَرت الْقوي الْأمين} فَقَالَ: مَا رَأَيْت من قوته قَالَت: أَخذ حجرا ثقيلاً فَأَلْقَاهُ على الْبِئْر قَالَ: وَمَا الَّذِي رَأَيْت من أَمَانَته قَالَت: قَالَ لي امشي خَلْفي وَلَا تمشي امامي
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ سُئِلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَي الْأَجَليْنِ قضى مُوسَى قَالَ: أبعدهُمَا وأطيبهما
وَأخرج الْبَزَّار وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَابْن مرْدَوَيْه بِسَنَد ضَعِيف عَن أبي ذَر رَضِي الله عَنهُ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سُئِلَ أَي الْأَجَليْنِ قضى مُوسَى قَالَ: أبرهما وأوفاهما
قَالَ: وَإِن سُئِلت أَي الْمَرْأَتَيْنِ تزوج فَقل الصُّغْرَى مِنْهُمَا
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَسَعِيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة فِي المُصَنّف وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ سُئِلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَي الْأَجَليْنِ قضى مُوسَى قَالَ: سَوف أسأَل جِبْرِيل فَسَأَلَهُ قَالَ: سَوف أسأَل مِيكَائِيل فَسَأَلَهُ قَالَ: سَوف أسأَل إسْرَافيل فَسَأَلَهُ فَقَالَ: سَوف أسأَل الرب فَسَأَلَهُ فَقَالَ: أبرهما وأوفاهما
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن مقسم قَالَ: لقِيت الْحسن بن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنْهُمَا فَقلت لَهُ: أَي الْأَجَليْنِ قضى مُوسَى
الأول أَو الآخر قَالَ: الآخر
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَالله على مَا نقُول وَكيل} قَالَ: على قَول مُوسَى وَخَتنه(6/410)
فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (29)
- قَوْله تَعَالَى: فَلَمَّا قضى مُوسَى الْأَجَل وَسَار بأَهْله آنس من جَانب الطّور نَارا قَالَ لأَهله امكثوا إِنِّي آنست نَارا لعَلي آتيكم مِنْهَا بِخَبَر أَو جذوة من النَّار لَعَلَّكُمْ تصطلون
أخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فَلَمَّا قضى مُوسَى الْأَجَل} قَالَ: عشر سنينثم مكث بعد ذَلِك عشرا أُخْرَى
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق السّديّ قَالَ عبد الله بن عَبَّاس
لما قضى مُوسَى الْأَجَل سَار بأَهْله فضل عَن الطَّرِيق وَكَانَ فِي الشتَاء
وَرفعت لَهُ نَار فَلَمَّا رَآهَا ظن أَنَّهَا نَار وَكَانَت من نور الله فَقَالَ لأَهله {امكثوا إِنِّي آنست نَارا لعَلي آتيكم مِنْهَا بِخَبَر} فَإِن لم أجد خَبرا آتيكم بشهاب قبس لَعَلَّكُمْ تصطلون من الْبرد
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله (آنس) قَالَ: أحس وَفِي قَوْله {إِنِّي آنست نَارا} قَالَ: أحسست
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {لعَلي آتيكم مِنْهَا بِخَبَر} قَالَ: لعَلي أجد من يدلني على الطَّرِيق
وَكَانُوا قد ضلوا الطَّرِيق
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {جذوة} قَالَ: شهَاب
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {جذوة} قَالَ: أصل شَجَرَة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {جذوة} قَالَ: أصل شَجَرَة فِي طرفها نَار
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد قَالَ الجذوة عود من حطب فِيهِ النَّار
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم رَضِي الله عَنهُ أَنه قَرَأَ (أَو جذوة) بِنصب الْجِيم
وَأخرج أَبُو عبيد وَابْن مرْدَوَيْه وَابْن عَسَاكِر عَن أبي الْمليح قَالَ: أتيت مَيْمُون بن مهْرَان لَا ودعه عِنْد خروجي فِي تِجَارَة فَقَالَ: لَا تيأس أَن تصيب فِي وَجهك هَذَا فِي أَمر دينك أفضل مِمَّا ترجو أَن تصيب فِي أَمر دنياك فَإِن صَاحِبَة سبأ خرجت(6/411)
وَلَيْسَ شَيْء أحب إِلَيْهَا من ملكهَا فأخرجها الله إِلَى مَا هُوَ خير من ذَلِك فهداها إِلَى الإِسلام وَأَن مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام خرج يُرِيد أَن يقتبس لأَهله نَارا فَأخْرجهُ الله إِلَى مَا هُوَ خير من ذَلِك: كَلمه الله تَعَالَى
وَأخرج الْخَطِيب عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: كن لما لَا ترجو أَرْجَى مِنْك لما ترجو فَإِن مُوسَى بن عمرَان عَلَيْهِ السَّلَام خرج يقتبس نَارا فَرجع بالنبوّة(6/412)
فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (30)
- قَوْله تَعَالَى: فَلَمَّا أَتَاهَا نُودي من شاطئ الْوَادي الْأَيْمن فِي الْبقْعَة الْمُبَارَكَة من الشَّجَرَة أَن يَا مُوسَى إِنِّي أَنا الله رب الْعَالمين
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {نُودي من شاطئ الْوَادي الْأَيْمن} قَالَ: كَانَ النداء من السَّمَاء الدُّنْيَا
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {من شاطئ الْوَادي الْأَيْمن} قَالَ: الْأَيْمن عَن يَمِين مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام عِنْد الطّور
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي صَالح فِي الْآيَة قَالَ: كَانَ النداء من أَيمن الشَّجَرَة
والنداء من السَّمَاء
وَذَلِكَ فِي التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: نُودي عَن يَمِين الشَّجَرَة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {من الشَّجَرَة} قَالَ: أخْبرت أَنَّهَا عَوْسَجَة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن الْكَلْبِيّ {من الشَّجَرَة} قَالَ: شَجَرَة العوسج
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن عبد الله بن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: ذكرت لي الشَّجَرَة الَّتِي أَوَى إِلَيْهَا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام فسرت إِلَيْهَا يومي وليلتي حَتَّى صبحتها فَإِذا هِيَ سَمُرَة خضراء ترف فَصليت على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فاهوى إِلَيْهَا بَعِيري وَهُوَ جَائِع فَأخذ مِنْهَا ملْء فِيهِ فلاكه فَلم يسْتَطع أَن يسغه فلفظه فَصليت على النَّبِي وسلمت ثمَّ انصرفت(6/412)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن نوف الْبكالِي: أَن مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام لما نُودي من شاطىء الْوَادي الْأَيْمن قَالَ: وَمن أَنْت الَّذِي تنادي قَالَ: أَنا رَبك الْأَعْلَى
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي بكر الثَّقَفِيّ قَالَ: أَتَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام الشَّجَرَة لَيْلًا وَهِي خضراء وَالنَّار تَتَرَدَّد فِيهَا فَذهب يتَنَاوَل النَّار فمالت عَنهُ فذعر وفزع فَنُوديَ من شاطىء الْوَادي الْأَيْمن قَالَ: عَن يَمِين الشَّجَرَة فاستأنس بالصوت فَقَالَ: أَيْن أَنْت
أَيْن أَنْت قيل: الصَّوْت
أَنا فَوْقك قَالَ: رَبِّي قَالَ: نعم(6/413)
وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ (31) اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (32) قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (33) وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (34) قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ (35) فَلَمَّا جَاءَهُمْ مُوسَى بِآيَاتِنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُفْتَرًى وَمَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ (36) وَقَالَ مُوسَى رَبِّي أَعْلَمُ بِمَنْ جَاءَ بِالْهُدَى مِنْ عِنْدِهِ وَمَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (37)
- قَوْله تَعَالَى: وَأَن ألق عصاك فَلَمَّا رَآهَا تهتز كَأَنَّهَا جَان ولى مُدبرا وَلم يعقب يَا مُوسَى أقبل ولاتخف إِنَّك من الْآمنينَ أسلك يدك فِي جيبك تخرج بَيْضَاء من غير سوء واضمم إِلَيْك جناحك من الرهب فذانك برهانان من رَبك إِلَى فِرْعَوْن وملائه إِنَّهُم كَانُوا قوما فاسقين قَالَ رب إِنِّي قتلت مِنْهُم نفسا فَأَخَاف أَن يقتلُون وَأخي هرون هُوَ أفْصح مني لِسَانا فَأرْسلهُ معي ردْءًا يصدقني أَنِّي أَخَاف أَن يكذبُون قَالَ سنشد عضدك بأخيك ونجعل لَكمَا سُلْطَانا فَلَا يصلونَ إلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا أَنْتُمَا وَمن اتبعكما الغالبون فَلَمَّا جَاءَهُم مُوسَى بِآيَاتِنَا بَيِّنَات قَالُوا مَا هَذَا إِلَّا سحر مفترى وَمَا سمعنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلين وَقَالَ مُوسَى رَبِّي أعلم بِمن جَاءَ بِالْهدى من عِنْده وَمن تكون لَهُ عَاقِبَة الدَّار إِنَّه لَا يفلح الظَّالِمُونَ
أخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {ولى مُدبرا}
من الرهب قَالَ: هَذَا من تَقْدِيم الْقُرْآن
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {واضمم إِلَيْك جناحك} قَالَ: يدك(6/413)
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {واضمم إِلَيْك جناحك} قَالَ: كَفه تَحت عضده {من الرهب} قَالَ: من الْفرق {فذانك برهانان} قَالَ: الْعَصَا وَالْيَد
وَفِي قَوْله {ردْءًا} قَالَ: عوناً وَفِي قَوْله {ونجعل لَكمَا سُلْطَانا} قَالَ: الْحجَّة
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَلم يعقب} قَالَ: لم يلْتَفت من الْفرق وَفِي قَوْله {اسلك يدك فِي جيبك} قَالَ: فِي جيب قَمِيصك {تخرج بَيْضَاء من غير سوء} قَالَ: من غير برص {واضمم إِلَيْك جناحك من الرهب} قَالَ: من الرعب {فذانك برهانان} قَالَ: آيتان من رَبك
{فَأرْسلهُ معي ردْءًا} قَالَ: عوناً لي
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم رَضِي الله عَنهُ أَنه قَرَأَ {من الرهب} مُخَفّفَة مَرْفُوعَة الرَّاء وَقَرَأَ (فذانك) مُخَفّفَة
وَأخرج عبد بن حميد عَن عبد الله بن كثير وَقيس أَنَّهُمَا كَانَا يقرآن (فذنك برهانان) مثقلة النُّون
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عَليّ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {ردْءًا يصدقني} كي يصدقني
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق ابْن وهب نبأنا نَافِع بن أبي نعيم قَالَ: سَأَلت مُسلم بن جُنْدُب رَضِي الله عَنهُ عَن قَوْله {ردْءًا يصدقني} قَالَ: الردء الزِّيَادَة أما سَمِعت قَول الشَّاعِر: واسمر خطى كَأَن كعوبه نوى الْقصب قد اردى ذِرَاعا على عشر وَأخرج الطستي فِي مسَائِله عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَن نَافِع بن الْأَزْرَق سَأَلَهُ عَن قَوْله {سنشد عضدك بأخيك} قَالَ: الْعَضُد: الْمعِين النَّاصِر قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم
أما سَمِعت قَول النَّابِغَة: فِي ذمَّة من أبي قَابُوس منقذة للخائفين وَمن لَيست لَهُ عضد وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام قد ملىء قلبه رعْبًا من فِرْعَوْن فَكَانَ إِذا رَآهُ قَالَ: اللَّهُمَّ أدرأ بك فِي نَحره وَأَعُوذ بك(6/414)
من شَره فَفَزعَ الله تَعَالَى مَا كَانَ فِي قلب مُوسَى وَجعله فِي قلب فِرْعَوْن فَكَانَ إِذا رَآهُ بَال كَمَا يَبُول الْحمار
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ قَالَ: دُعَاء مُوسَى حِين توجه إِلَى فِرْعَوْن وَدُعَاء النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام يَوْم حنين وَدُعَاء كل مكروب كنت وَتَكون وَأَنت حَيّ لَا تَمُوت تنام الْعُيُون وتكدر النُّجُوم وَأَنت حَيّ قيوم لَا تأخذك سنة وَلَا نوم يَا حَيّ يَا قيوم(6/415)
وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ (38) وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ (39)
- قَوْله تَعَالَى: وَقَالَ فِرْعَوْن يَا أَيهَا الْمَلأ مَا علمت لكم من إِلَه غَيْرِي فَأوقد لي يَا هامان على الطين فَاجْعَلْ لي صرحا لعَلي أطلع إِلَى إِلَه مُوسَى وَإِنِّي لأظنه من الْكَاذِبين واستكبر هُوَ وَجُنُوده فِي الأَرْض بِغَيْر الْحق وظنوا أَنهم إِلَيْنَا لَا يرجعُونَ
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: لما قَالَ فِرْعَوْن {يَا أَيهَا الْمَلأ مَا علمت لكم من إِلَه غَيْرِي} قَالَ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام: يَا رب طَغى عَبدك فائذن لي فِي هَلَاكه قَالَ: يَا جِبْرِيل هُوَ عَبدِي وَلنْ يسبقني لَهُ أجل قد اجلته حَتَّى يجييء ذَلِك الْأَجَل
فَلَمَّا قَالَ {أَنا ربكُم الْأَعْلَى} النازعات الْآيَة 24 قَالَ: يَا جِبْرِيل قد سكنت روعتك
بغى عَبدِي وَقد جَاءَ أَوَان هَلَاكه
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كلمتان قالهما فِرْعَوْن {مَا علمت لكم من إِلَه غَيْرِي} وَقَوله {أَنا ربكُم الْأَعْلَى} قَالَ: كَانَ بَينهمَا أَرْبَعُونَ عَاما {فَأَخذه الله نكال الْآخِرَة وَالْأولَى} النازعات الْآيَة 26
أما قَوْله تَعَالَى {فَأوقد لي يَا هامان} الْآيَة أخرج ابْن عبد الحكم فِي فتوح مصر قَالَ: حَدثنَا أَسد عَن خَالِد بن عبد الله عَن مُحدث حَدثهُ قَالَ: كَانَ هامان نبطياً
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {فَأوقد لي يَا هامان على الطين} قَالَ على الْمدر يكون لَبَنًا مطبوخاً(6/415)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة قَالَ: بَلغنِي أَن فِرْعَوْن أول من طبخ الْآجر
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة قَالَ: كَانَ فِرْعَوْن أول من طبخ الْآجر وصنع لَهُ الصرح
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج قَالَ: فِرْعَوْن أول من صنع الْآجر وَبنى بِهِ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله {فَأوقد لي يَا هامان على الطين} قَالَ: اَوْقِدْ على الطين حَتَّى يكون آجراً
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ قَالَ: لما بنوا لَهُ الصرح ارْتقى فَوْقه فَأمر بنشابة فَرمى بهَا نَحْو السَّمَاء فَردَّتْ إِلَيْهِ وَهِي متلطخة دَمًا فَقَالَ: قتلت اله مُوسَى(6/416)
فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (40) وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنْصَرُونَ (41) وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ (42)
- قَوْله تَعَالَى: فأخذناه وَجُنُوده فنبذناهم فِي اليم فانظركيف كَانَ عَاقِبَة الظَّالِمين وجعلناهم أَئِمَّة يدعونَ إِلَى النَّار وَيَوْم الْقِيَامَة لَا ينْصرُونَ وأتبعناهم فِي هَذِه الدُّنْيَا لعنة وَيَوْم الْقِيَامَة هم من المقبوحين
أخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فنبذناهم فِي اليم} قَالَ: فِي الْبَحْر
بَحر يُقَال لَهُ ساف من وَرَاء مصر غرقهم الله فِيهِ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وجعلناهم أَئِمَّة يدعونَ إِلَى النَّار} قَالَ: جعلهم الله أَئِمَّة يدعونَ إِلَى الْمعاصِي
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله {وأتبعناهم فِي هَذِه الدُّنْيَا لعنة وَيَوْم الْقِيَامَة} لعنة أُخْرَى ثمَّ اسْتقْبل فَقَالَ {هم من المقبوحين}
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وأتبعناهم فِي هَذِه الدُّنْيَا لعنة وَيَوْم الْقِيَامَة} قَالَ: لعنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة هُوَ كَقَوْلِه {وأتبعناهم فِي هَذِه الدُّنْيَا لعنة وَيَوْم الْقِيَامَة}(6/416)
وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَى بَصَائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (43)
- قَوْله تَعَالَى: وَلَقَد آتَيْنَا مُوسَى الْكتاب من بعد مَا أهلكنا الْقُرُون الأولى بصائر للنَّاس وَهدى وَرَحْمَة لَعَلَّهُم يتذكرون
أخرج الْبَزَّار وَابْن الْمُنْذر وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا أهلك الله قوما وَلَا قرنا وَلَا أمة وَلَا أهل قَرْيَة بِعَذَاب من السَّمَاء مُنْذُ أنزل التَّوْرَاة على وَجه الأَرْض غير الْقرْيَة الَّتِي مسخت قردة
ألم تَرَ إِلَى قَوْله {وَلَقَد آتَيْنَا مُوسَى الْكتاب من بعد مَا أهلكنا الْقُرُون الأولى} وَأخرجه الْبَزَّار وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم من وَجه آخر عَن أبي سعيد مَوْقُوفا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {بصائر للنَّاس} قَالَ: بَيِّنَةٌ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد قَالَ: البصائر الْهدى
بصائر مَا فِي قُلُوبهم لذنوبهم(6/417)
وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ وَمَا كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ (44) وَلَكِنَّا أَنْشَأْنَا قُرُونًا فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ وَمَا كُنْتَ ثَاوِيًا فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (45)
- قَوْله تَعَالَى: وَمَا كنت بِجَانِب الغربي إِذْ قضينا إِلَى مُوسَى الْأَمر وَمَا كنت من الشَّاهِدين وَلَكنَّا أنشأنا قرونا فتطاول عَلَيْهِم الْعُمر وَمَا كنت ثاويا فِي أهل مَدين تتلو عَلَيْهِم آيَاتنَا وَلَكنَّا كُنَّا مرسلين
أخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَمَا كنت بِجَانِب الغربي} قَالَ: جَانب غربي الْجَبَل
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد فِي قَوْله {وَمَا كنت ثاوياً} قَالَ: الثاوي الْمُقِيم(6/417)
وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (46)
- قَوْله تَعَالَى: وَمَا كنت بِجَانِب الطّور إِذْ نادينا وَلَكِن رَحْمَة من رَبك لتنذر قوما مَا أَتَاهُم من نَذِير من قبلك لَعَلَّهُم يتذكرون(6/417)
أخرج الْفرْيَابِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم وَالْبَيْهَقِيّ مَعًا فِي الدَّلَائِل عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَمَا كنت بِجَانِب الطّور إِذْ نادينا} قَالَ: نُودُوا يَا أمة مُحَمَّد أَعطيتكُم قبل أَن تَسْأَلُونِي واستجبت لكم قبل أَن تَدعُونِي
وَأخرجه ابْن مرْدَوَيْه من وَجه آخر عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن عَسَاكِر عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ إِن رب الْعِزَّة نَادَى يَا أمة مُحَمَّد إِن رَحْمَتي سبقت غَضَبي ثمَّ أنزلت هَذِه الْآيَة فِي سُورَة مُوسَى وَفرْعَوْن {وَمَا كنت بِجَانِب الطّور إِذْ نادينا}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم فِي الدَّلَائِل وأيو نصر السجْزِي فِي الابانة والديلمي عَن عَمْرو بن عبسة قَالَ: سَأَلت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن قَوْله {وَمَا كنت بِجَانِب الطّور إِذْ نادينا وَلَكِن رَحْمَة من رَبك} مَا كَانَ النداء وَمَا كَانَت الرَّحْمَة قَالَ كتاب كتبه الله قبل أَن يخلق خلقه بألفي عَام ثمَّ وَضعه على عَرْشه ثمَّ نَادَى: يَا أمة مُحَمَّد سبقت رَحْمَتي غَضَبي أعيتكم قبل أَن تَسْأَلُونِي وغفرت لكم قبل أَن تستغفروني فَمن لَقِيَنِي مِنْكُم يشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّد عَبدِي ورسولي صَادِقا أدخلته الْجنَّة
وَأخرج الْحلِيّ فِي الديباج عَن سهل بن سعد السَّاعِدِيّ مَرْفُوعا
مثله
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم فِي الدَّلَائِل عَن حُذَيْفَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من شغله ذكري عَن مَسْأَلَتي أَعْطيته قبل أَن يسألني
وَذَلِكَ فِي قَوْله {وَمَا كنت بِجَانِب الطّور إِذْ نادينا} قَالَ: نُودُوا يَا أمة مُحَمَّد مَا دعوتمونا إِلَّا استجبنا لكم وَلَا سألتمونا إِلَّا أعطيناكم
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لما قرب الله مُوسَى إِلَى طور سينا نجينا قَالَ: أَي رب هَل أحد أكْرم عَلَيْك مني قربتني نجيا وكلمتني تكليماً قَالَ: نعم
مُحَمَّد أكْرم عَليّ مِنْك
قَالَ: فَإِن كَانَ مُحَمَّد أكْرم عَلَيْك مني فَهَل أمة مُحَمَّد أكْرم من بني إِسْرَائِيل فلقت لَهُم الْبَحْر وأنجيتهم من فِرْعَوْن وَعَمله وأطعمتهم الْمَنّ والسلوى
قَالَ: نعم
أمة مُحَمَّد أكْرم عَليّ من بني إِسْرَائِيل
قَالَ: إلهي أرنيهم قَالَ: إِنَّك لن تراهم وَإِن شِئْت أسمعتك(6/418)
صوتهم
قَالَ: نعم
إلهي فَنَادَى رَبنَا: أمة مُحَمَّد أجِيبُوا ربكُم فاجابوا وهم فِي أصلاب آبَائِهِم وأرحام امهاتهم إِلَى يَوْم الْقِيَامَة
فَقَالُوا: لبيْك
أَنْت رَبنَا حَقًا وَنحن عبيدك حَقًا قَالَ: صَدقْتُمْ وَأَنا ربكُم وَأَنْتُم عَبِيدِي حَقًا قد غفرت لكم قبل أَن تَدعُونِي وأعطيتكم قبل أَن تَسْأَلُونِي فَمن لَقِيَنِي مِنْكُم بِشَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله دخل الْجنَّة
قَالَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا: فَلَمَّا بعث الله مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَرَادَ أَن يمن عَلَيْهِ بِمَا اعطاه وَبِمَا أعْطى امته فَقَالَ: يَا مُحَمَّد {وَمَا كنت بِجَانِب الطّور إِذْ نادينا}
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو نصر السجْزِي فِي الإِبانة عَن مقَاتل {وَمَا كنت بِجَانِب الطّور} يَقُول: وَمَا كنت أَنْت يَا مُحَمَّد بِجَانِب الطّور إِذْ نادينا أمتك وهم فِي أصلاب آبَائِهِم أَن يُؤمنُوا بك إِذا بعثت
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {وَمَا كنت بِجَانِب الطّور إِذْ نادينا} قَالَ: إِذْ نادينا مُوسَى {وَلَكِن رَحْمَة من رَبك} أَي مِمَّا قَصَصنَا عَلَيْك(6/419)
وَلَوْلَا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (47) فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا لَوْلَا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ (48) قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (49) فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (50)
- قَوْله تَعَالَى: وَلَوْلَا أَن تصيبهم مُصِيبَة بِمَا قدمت أَيْديهم فيقولوا رَبنَا لَوْلَا أرْسلت إِلَيْنَا رَسُولا فنتبع آياتك ونكون من الْمُؤمنِينَ فَلَمَّا جَاءَهُم الْحق من عندنَا قَالُوا لَوْلَا أُوتِيَ مثل مَا أُوتِيَ مُوسَى أولم يكفروا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى من قبل قَالُوا ساحران تظاهرا وَقَالُوا إِنَّا بِكُل كافرون قل فَأتوا بِكِتَاب من عِنْد الله هُوَ أهْدى مِنْهُمَا أتبعه إِن كُنْتُم صَادِقين فَإِن لم يَسْتَجِيبُوا لَك فَاعْلَم أَنما يتبعُون أهواءهم وَمن أضلّ مِمَّن اتبع هَوَاهُ بِغَيْر هدى من الله إِن الله لَا يهدي الْقَوْم الظَّالِمين
أخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي سعيد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْهَالِك فِي الفترة يَقُول: رب لم يأتني كتاب وَلَا رَسُول
ثمَّ قَرَأَ هَذِه الْآيَة {رَبنَا لَوْلَا أرْسلت إِلَيْنَا رَسُولا فنتبع آياتك ونكون من الْمُؤمنِينَ}(6/419)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {فَلَمَّا جَاءَهُم الْحق من عندنَا قَالُوا لَوْلَا أُوتِيَ مثل مَا أُوتِيَ مُوسَى أَو لم يكفروا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى من قبل قَالُوا سحران تظاهرا وَقَالُوا إِنَّا بِكُل كافرون} قَالَ: هم أهل الْكتاب
يَقُول بالكتابين التَّوْرَاة وَالْفرْقَان فَقَالَ الله {قل فَأتوا بِكِتَاب من عِنْد الله هُوَ أهْدى مِنْهُمَا أتبعه إِن كُنْتُم صَادِقين}
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {لَوْلَا أُوتِيَ مثل مَا أُوتِيَ مُوسَى} قَالَ: يهود تَأمر قُريْشًا أَن تسْأَل مُحَمَّدًا {مثل مَا أُوتِيَ مُوسَى} من قبل يَقُول الله لمُحَمد: قل لقريش يَقُولُونَ لَهُم {أَو لم يكفروا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى من قبل قَالُوا سحران تظاهرا} قَالَ: قَول يهود لمُوسَى وَهَارُون {وَقَالُوا إِنَّا بِكُل كافرون} قَالَ: يهود تكفر أَيْضا بِمَا أُوتِيَ مُحَمَّد
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {أَو لم يكفروا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى من قبل} قَالَ: من قبل أَن يبْعَث مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن ابْن الزبير رَضِي الله عَنهُ أَنه كَانَ يقْرَأ {قَالُوا سحران تظاهرا}
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير أَنه كَانَ يقْرَأ {قَالُوا سحران تظاهرا} قَالَ: مُوسَى وَهَارُون
وَأخرج عبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ فِي تَارِيخه وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا انه قَرَأَ {سحران تظاهرا} بِالْألف قَالَ: يَعْنِي مُوسَى ومحمداً عَلَيْهِمَا السَّلَام
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ أَنه كَانَ يقْرَأ {سحران تظاهرا} قَالَ: هما كِتَابَانِ
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ {قَالُوا سحران تظاهرا} يَقُول: التَّوْرَاة وَالْفرْقَان
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ {قَالُوا سحران تظاهرا} قَالَ: التَّوْرَاة وَالْفرْقَان حِين صدق كل وَاحِد مِنْهُمَا صَاحبه
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَاصِم الجحدري أَنه كَانَ يقْرَأ {سحران تظاهرا}(6/420)
يَقُول: كِتَابَانِ التَّوْرَاة وَالْفرْقَان: أَلا ترَاهُ يَقُول {فَأتوا بِكِتَاب من عِنْد الله هُوَ أهْدى مِنْهُمَا}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لَو كَانَ يُرِيد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يقل {فَأتوا بِكِتَاب من عِنْد الله هُوَ أهْدى مِنْهُمَا أتبعه} إِنَّمَا أَرَادَ الْكِتَابَيْنِ
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي رزين رَضِي الله عَنهُ أَنه كَانَ يَقْرَأها {سحران تظاهرا} يَقُول: كِتَابَانِ التَّوْرَاة والإِنجيل
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {قَالُوا سحران تظاهرا} قَالَ: ذَلِك اعداء الله الْيَهُود للإِنجيل وَالْقُرْآن قَالَ: وَمن قَرَأَهَا (ساحران) يَقُول: مُحَمَّد وَعِيسَى
وَأخرج عبد بن حميد عَن عبد الْكَرِيم أبي أُميَّة قَالَ: سَمِعت عِكْرِمَة يَقُول {سحران} فَذكرت ذَلِك لمجاهد فَقَالَ: كذب العَبْد قرأتها على ابْن عَبَّاس (ساحران) فَلم يُعِبْ عَليّ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد قَالَ: سَأَلت ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا وَهُوَ بَين الرُّكْن وَالْبَاب والملتزم وَهُوَ متكىء على يَدي عِكْرِمَة فَقلت: أسحران تظاهرا أم ساحران فَقلت ذَلِك مرَارًا فَقَالَ عِكْرِمَة (ساحران تظاهرا) اذْهَبْ أَيهَا الرجل
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ {وَقَالُوا إِنَّا بِكُل كافرون} يَقُول: بِالتَّوْرَاةِ وَالْقُرْآن
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد {وَقَالُوا إِنَّا بِكُل كافرون} قَالَ: الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى وَالَّذِي جَاءَ بِهِ عِيسَى(6/421)
وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (51) الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ (52) وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ (53) أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (54) وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ (55)
- قَوْله تَعَالَى: وَلَقَد وصلنا لَهُم القَوْل لَعَلَّهُم يتذكرون الَّذين أتيناهم الْكتاب من قبلهم هم بِهِ يُؤمنُونَ وإذايتلى عَلَيْهِم قَالُوا آمنا بِهِ إِنَّه الْحق من رَبنَا إِنَّا كُنَّا من قبله مُسلمين أُولَئِكَ يُؤْتونَ أجرهم مرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا ويدرؤون بِالْحَسَنَة السَّيئَة وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفقُونَ وَإِذا سمعُوا اللَّغْو(6/421)
أَعرضُوا عَنهُ وَقَالُوا لنا أَعمالنَا وَلكم أَعمالكُم سَلام عَلَيْكُم لَا نبتغي الْجَاهِلين
أخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الْقَاسِم الْبَغَوِيّ فِي مُعْجَمه والباوردي وَابْن قَانِع الثَّلَاثَة فِي معاجم الصَّحَابَة وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه بِسَنَد جيد عَن رِفَاعَة الْقرظِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: نزلت {وَلَقَد وصلنا لَهُم القَوْل لَعَلَّهُم يتذكرون} إِلَى قَوْله {أُولَئِكَ يُؤْتونَ أجرهم مرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا} فِي عشرَة رَهْط: انا أحدهم
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {وَلَقَد وصلنا لَهُم} قَالَ: لقريش {القَوْل}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ {وَلَقَد وصلنا لَهُم القَوْل} قَالَ: بَيَّنا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {وَلَقَد وصلنا لَهُم القَوْل} قَالَ: وصل الله لَهُم القَوْل فِي هَذَا الْقُرْآن يُخْبِرهُمْ كَيفَ يصنع بِمن مضى وَكَيف صَنَعُوا وَكَيف هُوَ صانع
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن أبي رِفَاعَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: خرج عشرَة رَهْط من أهل الْكتاب - مِنْهُم أَبُو رِفَاعَة - إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فآمنوا فأوذوا فَنزلت {الَّذين آتَيْنَاهُم الْكتاب من قبله هم بِهِ يُؤمنُونَ}
وَأخرج البُخَارِيّ فِي تَارِيخه وَابْن الْمُنْذر عَن عَليّ بن رِفَاعَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ أبي من الَّذين آمنُوا بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أهل الْكتاب وَكَانُوا عشرَة فَلَمَّا جاؤا جعل النَّاس يستهزئون بهم وَيضْحَكُونَ مِنْهُم فَأنْزل الله {أُولَئِكَ يُؤْتونَ أجرهم مرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا}
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {الَّذين آتَيْنَاهُم الْكتاب} إِلَى قَوْله {لَا نبتغي الْجَاهِلين} قَالَ: فِي مسلمة أهل الْكتاب
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {الَّذين آتَيْنَاهُم الْكتاب من قبله هم بِهِ يُؤمنُونَ} قَالَ: كُنَّا نُحدث أَنَّهَا أنزلت فِي(6/422)
أنَاس من أهل الْكتاب كَانُوا على شَرِيعَة من الْحق يَأْخُذُونَ بهَا وينتهون إِلَيْهَا حَتَّى بعث الله مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وصبرهم على ذَلِك قَالَ: وَذكر لنا أَن مِنْهُم سلمَان وَعبد الله بن سَلام
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {الَّذين آتَيْنَاهُم الْكتاب من قبله هم بِهِ يُؤمنُونَ} قَالَ: يَعْنِي من آمن بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أهل الْكتاب
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن سلمَان الْفَارِسِي رَضِي الله عَنهُ قَالَ: تداولتني الموَالِي حَتَّى وَقعت بِيَثْرِب فَلَمَّا يكن فِي الأَرْض قوم أحب إِلَيّ من النَّصَارَى وَلَا دين أحب إِلَيّ من النَّصْرَانِيَّة لما رَأَيْت من اجتهادهم فَبينا أَنا كَذَلِك إِذْ قَالُوا: قد بعث فِي الْعَرَب نَبِي ثمَّ قَالُوا: قدم الْمَدِينَة فاتيته فَجعلت أسأله عَن النَّصَارَى قَالَ: لَا خير فِي النَّصَارَى وَلَا أحب النَّصَارَى قَالَ: فاخبرته أَن صَاحِبي قَالَ: لَو أَدْرَكته فَأمرنِي أَن أقع النَّار لوقعتها قَالَ: وَكنت قد استهترت بحب النَّصَارَى فَحدثت نَفسِي بالهرب وَقد جرد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم السَّيْف فَأَتَانِي آتٍ فَقَالَ: إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَدْعُوك فَقلت: اذْهَبْ حَتَّى أجيء وَأَنا أحدث نَفسِي بالهرب قَالَ لي: لن افارقك حَتَّى أذهب بك إِلَيْهِ فَانْطَلَقت بِهِ فَلَمَّا رَآنِي قَالَ: يَا سلمَان قد أنزل الله عذرك {الَّذين آتَيْنَاهُم الْكتاب من قبله هم بِهِ يُؤمنُونَ}
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ والخطيب فِي تَارِيخه عَن سلمَان الْفَارِسِي رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أَنا رجل من أهل رام هُرْمُز كُنَّا قوما مجوساً فَأَتَانَا رجل نَصْرَانِيّ من أهل الجزيرة فَنزل فِينَا وَاتخذ فِينَا ديراً وَكنت فِي كتاب فِي الفارسية وَكَانَ لَا يزَال غُلَام معي فِي الْكتاب يَجِيء مَضْرُوبا يبكي قد ضربه أَبَوَاهُ
فَقلت لَهُ يَوْمًا: مَا يبكيك قَالَ: يضربني أبواي قلت: وَلم يضربانك قَالَ: آتِي صَاحب هَذَا الدَّيْر فَإِذا علما ذَلِك ضرباني وَأَنت لَو أَتَيْته سَمِعت مِنْهُ حَدِيثا عجيباً قلت: فَاذْهَبْ بِي مَعَك فاتيناه فحدثنا عَن بَدْء الْخلق وَعَن بَدْء مغلق السَّمَوَات وَالْأَرْض وَعَن الْجنَّة وَالنَّار
فحدثنا باحاديث عجب وَكنت أختلف إِلَيْهِ مَعَه فَفطن لنا غلْمَان من الْكتاب فَجعلُوا يجيؤن مَعنا
فَلَمَّا رأى ذَلِك أهل الْقرْيَة أَتَوْهُ فَقَالُوا: يَا هَذَا إِنَّك قد جاورتنا فَلم نر من جوارك إِلَّا الْحسن وإننا لنا غلماننا يَخْتَلِفُونَ إِلَيْك وَنحن نَخَاف أَن تفسدهم علينا أخرج(6/423)
عَنَّا قَالَ: نعم
فَقَالَ لذَلِك الْغُلَام كَانَ يَأْتِيهِ: اخْرُج معي
قَالَ: لَا أَسْتَطِيع ذَلِك قد علمت شدَّة أَبَوي عَليّ قلت: لكنني أخرج مَعَك وَكنت يَتِيما لَا أَب لي فَخرجت مَعَه فأخذنا جبل رام هُرْمُز فَجعلنَا نمشي ونتوكل وَنَأْكُل من ثَمَر الشّجر حَتَّى قدمنَا الجزيرة فقدمنا نَصِيبين فَقَالَ لي صَاحِبي: يَا سلمَان ان هَهُنَا قوما عباد الأَرْض وَأَنا أحب أَن ألقاهم
فَجِئْنَا إِلَيْهِم يَوْم الْأَحَد وَقد اجْتَمعُوا فَسلم عَلَيْهِم صَاحِبي فحيوه وبشوا بِهِ وَقَالُوا: أَيْن كَانَ غَيْبَتِك قَالَ كنت فِي اخوان لي من قبل فَارس فتحدثنا مَا تحدثنا ثمَّ قَالَ لي صَاحِبي: قُم يَا سلمَان انْطلق قلت: لَا دَعْنِي مَعَ هَؤُلَاءِ قَالَ: إِنَّك لَا تطِيق مَا يُطيق هَؤُلَاءِ يَصُومُونَ الْأَحَد إِلَى الْأَحَد وَلَا ينامون هَذَا اللَّيْل فَإِذا فيهم رجل من أَبنَاء الْمُلُوك ترك الْمُلْكَ وَدخل فِي الْعِبَادَة فَكنت فيهم حَتَّى أمسينا فَجعلُوا يذهبون وَاحِدًا وَاحِدًا إِلَى غاره الَّذِي يكون فِيهِ فَلَمَّا أمسينا قَالَ ذَاك الَّذِي من أَبنَاء الْمُلُوك هَذَا الْغُلَام مَا تصنعونه ليأخذه رجل مِنْكُم فَقَالُوا: خُذْهُ أَنْت
فَقَالَ لي: قُم يَا سلمَان فَذهب بِي حَتَّى أَتَى غاره الَّذِي يكون فِيهِ فَقَالَ لي: يَا سلمَان هَذَا خبز وَهَذَا أَدَم فَكل إِذْ غرثت وصم إِذا نشطت وصل مَا بدا لَك ونم إِذا كسلت ثمَّ قَامَ فِي صلَاته فَلم يكلمني وَلم ينظر الي فأخذني الْغم تِلْكَ السَّبْعَة الْأَيَّام لَا يكلمني أحد حَتَّى كَانَ الْأَحَد فَانْصَرف الي فَهبت إِلَى مَكَانهَا الي كَانُوا يَجْتَمعُونَ وهم يَجْتَمعُونَ كل أحد يفطرون فِيهِ فَيلقى بَعضهم بَعْضًا فَيسلم بَعضهم على بعض ثمَّ لَا يلتقون إِلَى مثله
فَرَجَعت إِلَى منزلنا فَقَالَ لي: مثل مَا قَالَ لي أول مرّة: هَذَا خبز وخذا أَدَم فَكل مِنْهُ إِذا غرثت وصم إِذا نشطت وصل مَا بدا لَك ونم إِذا كسلت ثمَّ دخل فِي صلَاته فَلم يلْتَفت إِلَيّ وَلم يكلمني إِلَى الْأَحَد الآخر فاخذني غم وَحدثت نَفسِي بالفرار فَقلت: اصبر أحدين أَو ثَلَاثَة فَلَمَّا كَانَ الْأَحَد رَجعْنَا إِلَيْهِم فافطروا واجتمعوا فَقَالَ لَهُم: إِنِّي أُرِيد بَيت الْمُقَدّس
فَقَالُوا لَهُ: وَمَا تُرِيدُ إِلَى ذَاك قَالَ: لَا عهد بِهِ قَالُوا: إِنَّا نَخَاف أَن يحدث بك حدث فيليك غَيرنَا وَكُنَّا نحب أَن نليك قَالَ: لَا عهد بِهِ(6/424)
فَلَمَّا سمعته يذكر ذَاك فرحت قلت: نسافر ونلقى النَّاس فَيذْهب عني الْغم الَّذِي كنت أجد فَخرجت أَنا وَهُوَ وَكَانَ يَصُوم من الْأَحَد إِلَى الْأَحَد وَيُصلي اللَّيْل كُله وَيَمْشي بِالنَّهَارِ فَإِذا نزلنَا قَامَ يُصَلِّي
فَلم يزل ذَاك دأبه حَتَّى نزلنَا بَيت الْمُقَدّس وعَلى الْبَاب رجل مقْعد يسْأَل النَّاس فَقَالَ: اعطني
فَقَالَ: مَا معي شَيْء فَدَخَلْنَا بَيت الْمُقَدّس فَلَمَّا رَآهُ أهل بَيت الْمُقَدّس بشوا بِهِ وَاسْتَبْشَرُوا بِهِ فَقَالَ لَهُم: غلامي هَذَا فَاسْتَوْصُوا بِهِ فَانْطَلقُوا بِي فاطعموني خبْزًا وَلَحْمًا وَدخل فِي الصَّلَاة فَلم ينْصَرف إِلَيّ حَتَّى كَانَ يَوْم الْأَحَد الآخر ثمَّ انْصَرف فَقَالَ لي: يَا سلمَان إِنِّي أُرِيد أَن أَضَع رَأْسِي فَإِذا بلغ الظل مَكَان كَذَا وَكَذَا فايقظني
فَبلغ الظل الَّذِي قَالَ فَلم أوقظه رَحْمَة لَهُ مِمَّا رَأَيْت من اجْتِهَاده ونصبه فَاسْتَيْقَظَ مذعوراً فَقَالَ: يَا سلمَان ألم أكن قلت لَك إِذا بلغ الظل مَكَان كَذَا وَكَذَا فأيقظني قلت: بلَى
وَلَكِن إِنَّمَا مَنَعَنِي رَحْمَة لَك لما رَأَيْت من دأبك قَالَ: وَيحك يَا سلمَان
إِنِّي أكره أَن يفوتني شَيْء من الدَّهْر لم أعمل فِيهِ لله خيرا
ثمَّ قَالَ لي: يَا سلمَان اعْلَم أَن أفضل ديننَا الْيَوْم النَّصْرَانِيَّة
قلت: وَيكون بعد الْيَوْم دين أفضل من النَّصْرَانِيَّة كلمة ألقيت على لساني
قَالَ: نعم
يُوشك أَن يبْعَث نَبِي يَأْكُل الْهَدِيَّة وَلَا يَأْكُل الصَّدَقَة وَبَين كَتفيهِ خَاتم النُّبُوَّة فَإِذا أَدْرَكته فَاتبعهُ وَصدقه قلت: وَإِن أَمرنِي أَن أدع النَّصْرَانِيَّة قَالَ: نعم
فَإِنَّهُ نَبِي الله لَا يَأْمر إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَقُول إِلَّا حَقًا وَالله لَو أَدْرَكته ثمَّ أَمرنِي أَن أقع فِي النَّار لوقعتها
ثمَّ خرجنَا من بَيت الْمُقَدّس فمررنا على ذَلِك المقعد فَقَالَ لَهُ: دخلت فَلم تعطني وَهَذَا تخرج فاعطني
فَالْتَفت فَلم ير حوله أحدا قَالَ: فاعطني يدك فَأخذ بِيَدِهِ فَقَالَ: قُم باذن الله
فَقَامَ صَحِيحا سوياً فَتوجه نَحْو أَهله فاتبعته بَصرِي تَعَجبا مِمَّا رَأَيْت وَخرج صَاحِبي فأسرع الْمَشْي وتبعته فتلقاني رفْقَة من كلب اعراب فسبوني فحملوني على بعير وشدوني وثاقاً فتداولني البياع حَتَّى سَقَطت إِلَى الْمَدِينَة فاشتراني رجل من الْأَنْصَار فجعلني فِي حَائِط لَهُ من نخل فَكنت فِيهِ وَمن ثمَّ تعلمت الخوص أَشْتَرِي خوصاً بدرهم فاعلمه فابيعه بِدِرْهَمَيْنِ فأرد درهما إِلَى الخوص واستنفق درهما أحب أَن آكل من عمل يَدي فَبَلغنَا وَنحن بِالْمَدِينَةِ أَن رجلا خرج بِمَكَّة يزْعم أَن الله أرْسلهُ فَمَكثْنَا مَا شَاءَ الله أَن نمكث فَهَاجَرَ إِلَيْنَا(6/425)
وَقدم علينا فَقلت: وَالله لأجربنه إِلَى السُّوق فاشتريت لحم جزور ثمَّ طحنته فَجعلت قَصْعَة من ثريد فاحتملتها حَتَّى أَتَيْته بهَا على عَاتِقي حَتَّى وَضَعتهَا بَين يَدَيْهِ فَقَالَ: مَا هَذِه
أصدقة أم هَدِيَّة قلت: بل صَدَقَة فَقَالَ لأَصْحَابه: كلوا بِسم الله
وَأمْسك وَلم يَأْكُل فَمَكثَ أَيَّام ثمَّ اشْتريت لَحْمًا أَيْضا بدرهم فَاصْنَعْ مثلهَا فاحتملها حَتَّى أَتَيْته بهَا فَوَضَعتهَا بَين يَدَيْهِ فَقَالَ: مَا هَذِه
صَدَقَة أم هَدِيَّة فَقلت: بل هَدِيَّة
فَقَالَ لأَصْحَابه: كلوا بِسم الله وَأكل مَعَهم
قلت: هَذَا - وَالله - يَأْكُل الْهَدِيَّة وَلَا يَأْكُل الصَّدَقَة فَرَأَيْت بَين كَتفيهِ خَاتم النبوّة مثل بَيْضَة الْحَمَامَة فاسلمت
فَقلت لَهُ ذَات يَوْم: يَا رَسُول الله أَي قوم النَّصَارَى قَالَ: لَا خير فيهم وَلَا فِيمَن يُحِبهُمْ قلت فِي نَفسِي: أَنا - وَالله - أحبهم
قَالَ: وَذَاكَ حِين بعث السَّرَايَا وجرد السَّيْف
فسرية تخرج وسرية تدخل وَالسيف يقطر قلت: يحدث بِي الْآن أَنِّي أحبهم فيبعث إِلَيّ فَيضْرب عنقِي فَقَعَدت فِي الْبَيْت فَجَاءَنِي الرَّسُول ذَات يَوْم فَقَالَ: يَا سلمَان أجب رَسُول الله قلت: هَذَا - وَالله - الَّذِي كنت أحذر قلت: نعم
اذْهَبْ حَتَّى ألحقك قَالَ: لَا وَالله حَتَّى تَجِيء وَأَنا أحدث نَفسِي أَن لَو ذهب فأفر
فَانْطَلق بِي حَتَّى انْتَهَيْت إِلَيْهِ فَلَمَّا رَآنِي تَبَسم وَقَالَ لي: يَا سلمَان اُبْشُرْ فقد فرج الله عَنْك ثمَّ تَلا على هَؤُلَاءِ الْآيَات {الَّذين آتَيْنَاهُم الْكتاب من قبله هم بِهِ يُؤمنُونَ} إِلَى قَوْله {لَا نبتغي الْجَاهِلين} قلت: يَا رَسُول الله - وَالَّذِي بَعثك بِالْحَقِّ - سمعته يَقُول: لَو أَدْرَكته فَأمرنِي أَن أقع فِي النَّار لوقعتها إِنَّه نَبِي لَا يَقُول إِلَّا حَقًا وَلَا يَأْمر إِلَّا بِالْحَقِّ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله {الَّذين آتَيْنَاهُم الْكتاب من قبله هم بِهِ يُؤمنُونَ} قَالَ: نزلت فِي عبد الله بن سَلام لما أسلم أحب أَن يخبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعظمته فِي الْيَهُود ومنزلته فيهم وَقد ستر بَينه وَبينهمْ سترا فَكَلَّمَهُمْ ودعاهم فَأَبَوا فَقَالَ: أخبروني عَن عبد الله بن سَلام كَيفَ هُوَ فِيكُم قَالُوا: ذَاك سيدنَا وَأَعْلَمنَا قَالَ: أَرَأَيْتُم إِن آمن بِي وصدقني أتؤمنون بِي وتصدقوني قَالُوا: لَا يفعل ذَاك
هُوَ أفقه فِينَا من أَن يدع دينه ويتبعك قَالَ أَرَأَيْتُم إِن فعل قَالُوا: لَا يفعل قَالَ:(6/426)
أَرَأَيْتُم ان افْعَل قَالُوا إِذا نَفْعل
قَالَ: أخرج يَا عبد الله بن سَلام فَخرج فَقَالَ: أبسط يدك أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَنَّك رَسُول الله فَبَايعهُ فوقعوا بِهِ وشتموه وَقَالُوا: وَالله مَا فِينَا أحد أقل علما مِنْهُ وَلَا أَجْهَل بِكِتَاب الله مِنْهُ قَالَ: ألم تثنوا عَلَيْهِ آنِفا قَالُوا: انا استحينا أَن تَقول اغتبتم صَاحبكُم من خَلفه
فجعلوه يشتمونه فَقَامَ إِلَيْهِ أَمِين بن يَامِين فَقَالَ: أشهد أَن عبد الله بن سَلام صَادِق فابسط يدك فَبَايعهُ فَأنْزل الله فيهم {الَّذين آتَيْنَاهُم الْكتاب من قبله هم بِهِ يُؤمنُونَ وَإِذا يُتْلَى عَلَيْهِم قَالُوا آمنا بِهِ إِنَّه الْحق من رَبنَا إِنَّا كُنَّا من قبله مُسلمين} يَعْنِي إِبْرَاهِيم واسمعيل ومُوسَى وَعِيسَى وَتلك الْأُمَم وَكَانُوا على دين مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الرّبيع بن أنيس رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {أُولَئِكَ يُؤْتونَ أجرهم مرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا} قَالَ: هَؤُلَاءِ قوم كَانُوا فِي زمَان الفترة مُتَمَسِّكِينَ بالإِسلام مقيمين عَلَيْهِ صابرين على مَا أوذوا حَتَّى أدْرك رجال مِنْهُم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما أَتَى جَعْفَر وَأَصْحَابه النَّجَاشِيّ أنزلهم واحسن إِلَيْهِم فَلَمَّا أَرَادوا أَن يرجِعوا قَالَ من آمن من أهل مَمْلَكَته: ائْذَنْ لنا فلنصحب هَؤُلَاءِ فِي الْبَحْر ونأتي هَذَا النَّبِي فنحدث بِهِ عهدا فَانْطَلقُوا فقدموا على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَشَهِدُوا مَعَه أحدا وخيبر وَلم يصب أحد مِنْهُم فَقَالُوا للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ائْذَنْ لنا فلنأت أَرْضنَا فَإِن لنا أَمْوَالًا فنجيء بهَا فنفقها على الْمُهَاجِرين فانا نرى بهم جهدا فَأذن لَهُم فَانْطَلقُوا فجاؤا بِأَمْوَالِهِمْ فانفقوها على الْمُهَاجِرين فأنزلت فيهم الْآيَة {أُولَئِكَ يُؤْتونَ أجرهم مرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا ويدرؤون بِالْحَسَنَة السَّيئَة وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفقُونَ}
وَأخرج ابْن ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِن قوما من الْمُشْركين أَسْلمُوا فَكَانُوا يؤذونهم فَنزلت هَذِه الْآيَة فيهم {أُولَئِكَ يُؤْتونَ أجرهم مرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {وَإِذا سمعُوا اللَّغْو أَعرضُوا عَنهُ} قَالَ: أنَاس من أهل الْكتاب أَسْلمُوا فَكَانَ أنَاس من الْيَهُود إِذا مروا عَلَيْهِم سبوهم فَأنْزل الله هَذِه الْآيَة فيهم
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {سَلام عَلَيْكُم لَا نبتغي الْجَاهِلين}(6/427)
قَالَ: لَا يجاورون أهل الْجَهْل وَالْبَاطِل فِي باطلهم أَتَاهُم من الله مَا وقذهم عَن ذَلِك
وَأخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثَلَاثَة يُؤْتونَ أجرهم مرَّتَيْنِ
رجل من أهل الْكتاب آمن بِالْكتاب الأول وَالْكتاب الآخر
وَرجل كَانَت لَهُ أمة فأدبها وَأحسن تأديبها ثمَّ أعْتقهَا وَتَزَوجهَا
وَعبد مَمْلُوك أحسن عبَادَة ربه ونصح لسَيِّده
وَأخرج أَحْمد وَالطَّبَرَانِيّ عَن أبي أُمَامَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أسلم من أهل الْكتاب فَلهُ أجره مرَّتَيْنِ(6/428)
إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (56)
- قَوْله تَعَالَى: إِنَّك لَا تهدي من أَحْبَبْت وَلَكِن الله يهدي من يَشَاء وَهُوَ أعلم بالمهتدين
أخرج عبد بن حميد وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما حضرت وَفَاة أبي طَالب أَتَاهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ يَا عماه قل لَا إِلَه إِلَّا الله أشهد لَك بهَا عِنْد الله يَوْم الْقِيَامَة
فَقَالَ: لَوْلَا أَن تعيرني قُرَيْش يَقُولُونَ: مَا حمله عَلَيْهَا إِلَّا جزعه من الْمَوْت لأقررت بهَا عَيْنك فَأنْزل الله عَلَيْك {إِنَّك لَا تهدي من أَحْبَبْت وَلَكِن الله يهدي من يَشَاء وَهُوَ أعلم بالمهتدين}
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن الْمسيب نَحوه وَتقدم فِي سُورَة بَرَاءَة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {إِنَّك لَا تهدي من أَحْبَبْت} قَالَ: نزلت هَذِه الْآيَة فِي أبي طَالب
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَأَبُو دَاوُد فِي الْقدر وَالنَّسَائِيّ وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي سعيد بن رَافع قَالَ: قلت لِابْنِ عمر {إِنَّك لَا تهدي من أَحْبَبْت} أَفِي أبي طَالب نزلت قَالَ: نعم(6/428)
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن أبي سعيد بن رَافع قَالَ: سَأَلت ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا {إِنَّك لَا تهدي من أَحْبَبْت} أَفِي أبي جهل وَأبي طَالب قَالَ: نعم
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {إِنَّك لَا تهدي من أَحْبَبْت} قَالَ: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأبي طَالب: قل كلمة الاخلاص أجادل عَنْك بهَا يَوْم الْقِيَامَة قَالَ: يَا ابْن أخي مِلَّة الْأَشْيَاخ {وَهُوَ أعلم بالمهتدين} قَالَ: مِمَّن قدر الْهدى والضلالة
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {إِنَّك لَا تهدي من أَحْبَبْت} قَالَ: ذكر لنا أَنَّهَا نزلت فِي أبي طَالب عَم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: التمس مِنْهُ عِنْد مَوته أَن يَقُول لَا إِلَه إِلَّا الله كَيْمَا تحل لَهُ الشَّفَاعَة فَأبى عَلَيْهِ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ إِنَّك {لَا تهدي من أَحْبَبْت} يَعْنِي أَبَا طَالب {وَلَكِن الله يهدي من يَشَاء} قَالَ: الْعَبَّاس
وَأخرج أَبُو سهل السّري بن سهل الْجند يسابوري فِي الْخَامِس من حَدِيثه من طَرِيق عبد القدوس عَن أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {إِنَّك لَا تهدي من أَحْبَبْت وَلَكِن الله يهدي من يَشَاء} قَالَ: نزلت فِي أبي طَالب
ألح عَلَيْهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يسلم فَأبى
فَأنْزل الله {إِنَّك لَا تهدي من أَحْبَبْت} أَي لَا تقدر تلْزمهُ الْهدى وَهُوَ كَارِه لَهُ إِنَّمَا أَنْت نَذِير {وَلَكِن الله يهدي من يَشَاء} للايمان
وَأخرج أَيْضا من طَرِيق عبد القدوس عَن نَافِع عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {إِنَّك لَا تهدي من أَحْبَبْت} قَالَ: نزلت فِي أبي طَالب عِنْد مَوته وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عِنْد رَأسه وَهُوَ يَقُول: يَا عَم قل لَا إِلَه إِلَّا الله أشفع لَك بهَا يَوْم الْقِيَامَة
قَالَ أَبُو طَالب: لَا
يعيرني نسَاء قُرَيْش بعدِي إِنِّي جزعت عِنْد موتِي فَأنْزل الله {إِنَّك لَا تهدي من أَحْبَبْت} يَعْنِي لَا تقدر أَن تلْزمهُ الْهدى وَهُوَ يهوى الشّرك وَلَا تقدر تدخله لفعل وَلَيْسَ بفاعل حَتَّى يكون ذَلِك مِنْهُ
فاخبر الله بقدرته وَهُوَ كَقَوْلِه {لَعَلَّك باخع نَفسك أَلا يَكُونُوا مُؤمنين إِن نَشأ ننزل عَلَيْهِم من السَّمَاء آيَة فظلت أَعْنَاقهم لَهَا خاضعين} الشُّعَرَاء الْآيَة 3 فَأخْبر بقدرته أَنه لَا يعجزه شَيْء
وَأخرج الْعقيلِيّ وَابْن عدي وَابْن مرْدَوَيْه والديلمي وَابْن عَسَاكِر وَابْن النجار عَن(6/429)
عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعثت دَاعيا ومبلغاً وَلَيْسَ الي من الْهدى شَيْء وَخلق إِبْلِيس مزينا وَلَيْسَ إِلَيْهِ من الضَّلَالَة شَيْء(6/430)
وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (57) وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ (58) وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ (59) وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلَا تَعْقِلُونَ (60)
- قَوْله تَعَالَى: وَقَالُوا إِن نتبع الْهدى مَعَك نتخطف من أَرْضنَا أولم نمكن لَهُم حرما آمنا يجبى إِلَيْهِ ثَمَرَات كل شَيْء رزقا من لدنا وَلَكِن أَكْثَرهم لَا يعلمُونَ وَكم أهلكنا من قَرْيَة بطرت معيشتها فَتلك مساكنهم لم تسكن من بعدهمْ إِلَّا قَلِيلا وَكُنَّا نَحن الْوَارِثين وَمَا كَانَ رَبك مهلك الْقرى حَتَّى يبْعَث فِي أمهَا رَسُولا يَتْلُو عَلَيْهِم آيَاتنَا وَمَا كُنَّا مهلكي الْقرى إِلَّا وَأَهْلهَا ظَالِمُونَ وَمَا أُوتِيتُمْ من شَيْء فمتاع الْحَيَاة الدُّنْيَا وَزينتهَا وَمَا عِنْد الله خير وَأبقى أَفلا تعقلون
أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا: أَن نَاسا من قُرَيْش قَالُوا للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن نتبعك يتخطفنا النَّاس فَأنْزل الله تَعَالَى {وَقَالُوا إِن نتبع الْهدى مَعَك} الْآيَة
وَأخرج النَّسَائِيّ وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا: أَن الْحَارِث بن عَامر بن نَوْفَل الَّذِي قَالَ: {إِن نتبع الْهدى مَعَك نتخطف من أَرْضنَا}
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {أَو لم نمكن لَهُم حرما آمنا} قَالَ: كَانَ أهل الْحرم آمِنين يذهبون حَيْثُ شَاءُوا فَإِذا خرج أحدهم قَالَ: إِنَّا من أهل الْحرم لم يعرض لَهُ أحد وَكَانَ غَيرهم من النَّاس إِذا خرج أحدهم قتل وسلب
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {أَو لم نمكن لَهُم حرما آمنا} قَالَ: أَو لم يَكُونُوا آمِنين فِي حرمهم لَا يغزون فِيهِ وَلَا يخَافُونَ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {نتخطف} قَالَ: كَانَ بَعضهم يُغير على بعض(6/430)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {يجبى إِلَيْهِ ثَمَرَات كل شَيْء} قَالَ: ثَمَرَات الأَرْض
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ {وَمَا كَانَ رَبك مهلك الْقرى حَتَّى يبْعَث فِي أمهَا رَسُولا} قَالَ: فِي أوائلها
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {وَمَا كَانَ رَبك مهلك الْقرى حَتَّى يبْعَث فِي أمهَا رَسُولا} قَالَ: أم الْقرى: مَكَّة
بعث الله اليهم رَسُولا مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وَمَا كُنَّا مهلكي الْقرى إِلَّا وَأَهْلهَا ظَالِمُونَ} قَالَ: قَالَ الله لم نهلك قَرْيَة بايمان وَلكنه أهلك الْقرى بظُلْم إِذا ظلم أَهلهَا وَلَو كَانَت مَكَّة آمنُوا لم يهْلكُوا مَعَ من هلك وَلَكنهُمْ كذبُوا وظلموا فبذلك هَلَكُوا(6/431)
أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (61)
- قَوْله تَعَالَى: أَفَمَن وعدناه وَعدا حسنا فَهُوَ لاقيه كمن متعناه مَتَاع الْحَيَاة الدُّنْيَا ثمَّ هُوَ يَوْم الْقِيَامَة من المحضرين
أخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {أَفَمَن وعدناه وَعدا حسنا فَهُوَ لاقيه كمن متعناه مَتَاع الْحَيَاة الدُّنْيَا} قَالَ: نزلت فِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَفِي أبي جهل
وَأخرج ابْن جرير من وَجه آخر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {أَفَمَن وعدناه} الْآيَة
قَالَ: نزلت فِي حَمْزَة وَأبي جهل
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {أَفَمَن وعدناه وَعدا حسنا فَهُوَ لاقيه} قَالَ: حَمْزَة بن عبد الْمطلب {كمن متعناه مَتَاع الْحَيَاة الدُّنْيَا} قَالَ: أَبُو جهل بن هِشَام
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {أَفَمَن وعدناه وَعدا حسنا فَهُوَ لاقيه} قَالَ: هُوَ الْمُؤمن
سمع كتاب الله فَصدق بِهن وآمن بِمَا وعد فِيهِ من الْخَيْر وَالْجنَّة {كمن متعناه مَتَاع الْحَيَاة الدُّنْيَا} قَالَ: هُوَ الْكَافِر
لَيْسَ كالمؤمن {ثمَّ هُوَ يَوْم الْقِيَامَة من المحضرين} قَالَ: من المحضرين فِي عَذَاب الله(6/431)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن أبي حَاتِم عَن مَسْرُوق رَضِي الله عَنهُ أَنه قَرَأَ هَذِه الْآيَة (أَفَمَن وعدناه وَعدا حسنا فَهُوَ لاقيها)
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {من المحضرين} قَالَ: أهل النَّار أحضروها
وَأخرج البُخَارِيّ فِي تَارِيخه عَن عَطاء بن السَّائِب قَالَ: كَانَ مَيْمُون بن مهْرَان إِذا قدم ينزل على سَالم البراد فَقدم قدمة فَلم يلقه فَقَالَت لَهُ امْرَأَته: إِن أَخَاك قَرَأَ {أَفَمَن وعدناه وَعدا حسنا فَهُوَ لاقيه كمن متعناه} قَالَت: فشغل
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: من اسْتَطَاعَ مِنْكُم أَن يضع كنزه حَيْثُ لَا يَأْكُلهُ السوس فَلْيفْعَل
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن كَعْب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: مَكْتُوب فِي التَّوْرَاة
ابْن آدم ضع كَنْزك عِنْدِي فَلَا غرق وَلَا حرق أدفعه إِلَيْك أفقر مَا تكون إِلَيْهِ يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج مُسلم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: يَقُول الله عز وَجل يَا ابْن آدم مَرضت فَلم تعدني فَيَقُول: رب كَيفَ أعودك وَأَنت رب الْعَالمين فَيَقُول: أما علمت أَن عَبدِي فلَانا مرض فَلم تعده أما علمت أَنَّك لَو عدته لَوَجَدْتنِي عِنْده وَيَقُول: يَا ابْن آدم استسقيتك فَلم تَسْقِنِي فَيَقُول: أَي رب كَيفَ أسقيك وَأَنت رب الْعَالمين فَيَقُول تبَارك وَتَعَالَى: أما علمت أَن عَبدِي فلَانا استسقاك فَلم تسقه أما علمت أَنَّك لَو سقيته لوجدت ذَلِك عِنْدِي
قَالَ: وَيَقُول: يَا ابْن آدم استطعمتك فَلم تطعمني: فَيَقُول: أَي رب وَكَيف أطعمك وَأَنت رب الْعَالمين فَيَقُول: أما علمت أَن عَبدِي فلَانا استطعمك فَلم تطعمه أما أَنَّك لَو أطعمته لوجدت ذَلِك عِنْدِي
وَأخرج عبد الله بن أَحْمد فِي زَوَائِد الزّهْد عَن عبد الله بن عبيد بن عُمَيْر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: يحْشر النَّاس يَوْم الْقِيَامَة أجوع مَا كَانُوا وأعطش مَا كَانُوا وأعرى مَا كَانُوا فَمن أطْعم لله عز وَجل أطْعمهُ الله وَمن كسا لله عز وَجل كَسَاه الله وَمن سقى لله عز وَجل سقَاهُ الله وَمن كَانَ فِي رضَا الله كَانَ الله على رِضَاهُ أقدر(6/432)
وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (62) قَالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنَا أَغْوَيْنَاهُمْ كَمَا غَوَيْنَا تَبَرَّأْنَا إِلَيْكَ مَا كَانُوا إِيَّانَا يَعْبُدُونَ (63) وَقِيلَ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَرَأَوُا الْعَذَابَ لَوْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَهْتَدُونَ (64)
- قَوْله تَعَالَى: وَيَوْم يناديهم فَيَقُول أَيْن شركائي الَّذين كُنْتُم تَزْعُمُونَ قَالَ الَّذين حق عَلَيْهِم القَوْل رَبنَا هَؤُلَاءِ الَّذين أغوينا أغويناهم كَمَا غوينا تبرأنا إِلَيْك مَا كَانُوا إيانا يعْبدُونَ وَقيل ادعوا شركاءكم فدعوهم فَلم يَسْتَجِيبُوا لَهُم وَرَأَوا الْعَذَاب لَو أَنهم كَانُوا يَهْتَدُونَ
أخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {وَيَوْم يناديهم فَيَقُول أَيْن شركائي الَّذين كُنْتُم تَزْعُمُونَ} قَالَ: هَؤُلَاءِ بَنو آدم {قَالَ الَّذين حق عَلَيْهِم القَوْل} قَالَ: هم الْجِنّ {رَبنَا هَؤُلَاءِ الَّذين أغوينا أغويناهم} الْآيَة
وَقيل لبني آدم {ادعوا شركاءكم فدعوهم فَلم يَسْتَجِيبُوا لَهُم} وَلم يردوا عَلَيْهِم خيرا(6/433)
وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ (65) فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْبَاءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لَا يَتَسَاءَلُونَ (66) فَأَمَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَعَسَى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ (67)
- قَوْله تَعَالَى: وَيَوْم يناديهم فَيَقُول مَاذَا أجبتم الْمُرْسلين فعميت عَلَيْهِم الأنباء يَوْمئِذٍ فهم لَا يتساءلون فَأَما من تَابَ وآمن وَعمل صَالحا فَعَسَى أَن يكون من المفلحين
أخرج ابْن الْمُبَارك فِي الزّهْد وَعبد بن حميد وَالنَّسَائِيّ وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: مَا من أحد إِلَّا سيخلو الله بِهِ كَمَا يخلوا أحدكُم بالقمر لَيْلَة الْبَدْر فَيَقُول: يَا ابْن آدم مَا غَرَّك بِي يَا ابْن آدم مَاذَا عملت فِيمَا عملت يَا ابْن آدم مَاذَا أجبْت الْمُرْسلين
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {فعميت عَلَيْهِم الأنباء} قَالَ: الْحجَج {يَوْمئِذٍ فهم لَا يتساءلون} قَالَ: بالأنساب(6/433)
وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (68) وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ (69) وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (70)
- قَوْله تَعَالَى: وَرَبك يخلق مَا يَشَاء ويختار مَا كَانَ لَهُم الْخيرَة سُبْحَانَ الله وَتَعَالَى عَمَّا يشركُونَ وَرَبك يعلم مَا تكن صُدُورهمْ وَمَا يعلنون وَهُوَ الله لَا إِلَه إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمد فِي الأولى وَالْآخِرَة وَله الحكم وَإِلَيْهِ ترجعون(6/433)
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أَرْطَاة قَالَ: ذكرت لأبي عون الْحِمصِي شَيْئا من قَول الْقدر فَقَالَ: مَا تقرأون كتاب الله تَعَالَى {وَرَبك يخلق مَا يَشَاء ويختار مَا كَانَ لَهُم الْخيرَة}
وَأخرج البُخَارِيّ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ عَن جَابر بن عبد الله رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يعلمنَا الاستخارة فِي الْأَمر كَمَا يعلمنَا السُّورَة من الْقُرْآن
يَقُول: إِذا هم أحدكُم بِالْأَمر فليركع رَكْعَتَيْنِ من غير الْفَرِيضَة ثمَّ ليقل: اللَّهُمَّ إِنِّي أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك وَأَسْأَلك من فضلك الْعَظِيم فَإنَّك تقدر وَلَا أقدر وَتعلم وَلَا أعلم وَأَنت علام الغيوب
اللَّهُمَّ إِن كنت تعلم أَن هَذَا الْأَمر خير لي فِي ديني ومعاشي وعاقبة أَمْرِي وعاجل أَمْرِي وآجله فاقدره لي ويسره لي
وَإِن كنت تعلم أَن هَذَا الْأَمر شَرّ لي فِي دينين ومعاشي وعاقبة أَمْرِي وعاجل أَمْرِي وآجله فاصرفه عني واصرفني عَنهُ واقدر لي الْخَيْر حَيْثُ كَانَ وأرضني بِهِ
وَيُسمى حَاجته باسمها(6/434)
قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلَا تَسْمَعُونَ (71) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (72) وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (73) وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (74) وَنَزَعْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا فَقُلْنَا هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (75)
- قَوْله تَعَالَى: قل أَرَأَيْتُم إِن جعل الله عَلَيْكُم اللَّيْل سرمدا إِلَى يَوْم الْقِيَامَة من إِلَه غير الله يأتيكم بضياء أَفلا تَسْمَعُونَ قل أَرَأَيْتُم إِن جعل الله عَلَيْكُم النَّهَار سرمدا إِلَى يَوْم الْقِيَامَة من إِلَه غير الله يأتيكم بلَيْل تسكنون فِيهِ أَفلا تبصرون وَمن رَحمته جعل لكم اللَّيْل وَالنَّهَار لتسكنوا فِيهِ ولتبتغوا من فَضله ولعلكم تشكرون وَيَوْم يناديهم فَيَقُول أَيْن شركائي الَّذين كُنْتُم تَزْعُمُونَ وَنَزَعْنَا من كل أمة شَهِيدا فَقُلْنَا هاتوا برهانكم فَعَلمُوا أَن الْحق لله وضل عَنْهُم مَا كَانُوا يفترون
أخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {إِن جعل الله عَلَيْكُم اللَّيْل سرمداً} قَالَ: دَائِما(6/434)
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {سرمداً} قَالَ: دَائِما لَا يَنْقَطِع
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {سرمداً إِلَى يَوْم الْقِيَامَة} قَالَ: دَائِما {من إِلَه غير الله يأتيكم بضياء} قَالَ: بنهار
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج {وَمن رَحمته جعل لكم اللَّيْل وَالنَّهَار لتسكنوا فِيهِ} قَالَ: فِي اللَّيْل {ولتبتغوا من فَضله} قَالَ: فِي النَّهَار
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَنَزَعْنَا من كل أمة شَهِيدا} قَالَ: رَسُولا {فَقُلْنَا هاتوا برهانكم} قَالَ: هاتوا حجتكم بِمَا كُنْتُم تَعْبدُونَ وتقولون
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {وَنَزَعْنَا من كل أمة شَهِيدا} قَالَ: شهيدها: نبيها
ليشهد عَلَيْهَا أَنه قد بلغ رسالات ربه {فَقُلْنَا هاتوا برهانكم} قَالَ: بَيّنَتَكُمْ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {وضلّ عَنْهُم} فِي الْقِيَامَة {مَا كَانُوا يفترون} يكذبُون فِي الدُّنْيَا(6/435)
إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ (76) وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (77) قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ (78) فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (79) وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ (80) فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ (81) وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلَا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ (82)
- قَوْله تَعَالَى: إِن قَارون كَانَ من قوم مُوسَى فبغى عَلَيْهِم وأتيناه من الْكُنُوز مَا إِن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي الْقُوَّة إِذْ قَالَ لَهُ قومه لَا تفرح إِن الله لَا يحب الفرحين وابتغ فِيمَا آتاك الله الدَّار الْآخِرَة وَلَا تنس نصيبك من الدُّنْيَا وَأحسن كَمَا أحسن الله إِلَيْك وَلَا تَبْغِ الْفساد فِي الأَرْض إِن الله لَا يحب المفسدين قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتهُ على علم عِنْدِي أولم يعلم ان الله قد أهلك من قبله من الْقُرُون من هُوَ أَشد مِنْهُ قُوَّة وأكثرجمعا وَلَا يسْأَل عَن ذنوبهم المجرمون فَخرج على قومه فِي زينته قَالَ الَّذين يُرِيدُونَ الْحَيَاة الدُّنْيَا ياليت لنا مثل مَا أُوتِيَ قَارون إِنَّه لذُو حَظّ عَظِيم وَقَالَ الَّذين أُوتُوا(6/435)
الْعلم وَيْلكُمْ ثَوَاب الله خير لمن آمن وَعمل صَالحا وَلَا يلقاها إِلَّا الصَّابِرُونَ فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْض فَمَا كَانَ لَهُ من فِئَة ينصرونه من دون الله وَمَا كَانَ من المنتصرين وَأصْبح الَّذين تمنوا مَكَانَهُ بالْأَمْس يَقُولُونَ ويكأن الله يبسط الرزق لمن يَشَاء من عباده وَيقدر لَوْلَا أَن من الله علينا لخسف بِنَا ويكأنه لَا يفلح الْكَافِرُونَ
أخرج ابْن أبي شيبَة فِي المُصَنّف وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {إِن قَارون كَانَ من قوم مُوسَى} قَالَ: كَانَ ابْن عَمه وَكَانَ يَبْتَغِي الْعلم حَتَّى جمع علما فَلم يزل فِي أمره ذَلِك حَتَّى بغى على مُوسَى حسده
فَقَالَ لَهُ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام: إِن الله أَمرنِي أَن آخذ الزَّكَاة فَأبى فَقَالَ: إِن مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام يُرِيد أَن يَأْكُل أَمْوَالكُم
جَاءَكُم بِالصَّلَاةِ وَجَاءَكُم بأَشْيَاء فاحتملتموها فتحملوه أَن تعطوه قَالُوا: لَا نَحْتَمِلُ فَمَا ترى فَقَالَ لَهُم: أرى أَن أرسل إِلَى بغي من بَغَايَا بني إِسْرَائِيل فنرسلها إِلَيْهِ فَتَرْمِيه بِأَنَّهُ أرادها على نَفسهَا
فارسلوا إِلَيْهَا فَقَالُوا لَهَا: نعطيك حكمك على أَن تشهدي على مُوسَى أَنه فجر بك
قَالَت: نعم
فجَاء قَارون إِلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: اجْمَعْ بني إِسْرَائِيل فَأخْبرهُم بِمَا أَمرك رَبك قَالَ: نعم
فَجَمعهُمْ فَقَالُوا لَهُ: بِمَ أَمرك رَبك قَالَ: أَمرنِي أَن تعبدوا الله وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئا وَأَن تصلوا الرَّحِم وَكَذَا وَكَذَا وَقد أَمرنِي فِي الزَّانِي إِذا زنى وَقد أحصن أَن يرْجم
قَالُوا: وَإِن كنت أَنْت قَالَ: نعم
قَالُوا: فَإنَّك قد زَنَيْت قَالَ: أَنا
فأرسلوا إِلَى الْمَرْأَة فَجَاءَت فَقَالُوا: مَا تشهدين على مُوسَى فَقَالَ لَهَا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام: أنْشدك بِاللَّه إِلَّا مَا صدقت قَالَت: أما إِذْ نشدتني بِاللَّه فَإِنَّهُم دَعونِي وَجعلُوا لي جعلا على أَن أقذفك بنفسي وَأَنا أشهد أَنَّك بَرِيء وَأَنَّك رَسُول الله فَخر مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام سَاجِدا يبكي فَأوحى الله إِلَيْهِ: مَا يبكيك وَأَنَّك رَسُول الله فَخر مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام سَاجِدا يبكي فَأوحى الله إِلَيْهِ: مَا يبكيك قد سلطناك على الأَرْض فَمُرْهَا فَتُطِيعك(6/436)
فَرفع رَأسه فَقَالَ: خُذِيهِمْ فَأَخَذتهم إِلَى أَعْقَابهم فَجعلُوا يَقُولُونَ: يَا مُوسَى
يَا مُوسَى
فَقَالَ: خُذِيهِمْ إِلَى أَعْنَاقهم فَجعلُوا يَقُولُونَ: يَا مُوسَى
يَا مُوسَى
فَقَالَ: خُذِيهِمْ فَغَيَّبَتْهُمْ فَأوحى الله يَا مُوسَى: سَأَلَك عبَادي وَتَضَرَّعُوا إِلَيْك فَلم تجبهمْ وَعِزَّتِي لَو أَنهم دَعونِي لَأَجَبْتهمْ
قَالَ ابْن عَبَّاس: وَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْض} وَخسف بِهِ إِلَى الأَرْض السُّفْلى
وَأخرج الْفرْيَابِيّ عَن إِبْرَاهِيم رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ قَارون ابْن عَم مُوسَى
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {إِن قَارون كَانَ من قوم مُوسَى} قَالَ: كَانَ ابْن عَمه أخي أبي قَارون بن مصر بن فاهث أَو قاهث ومُوسَى بن عرموم بن فاهث أَو قاهث وعرموم بِالْعَرَبِيَّةِ عمرَان
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله قَالَ: كَانَ قَارون ابْن عَم مُوسَى أخي أَبِيه وَكَانَ قطع الْبَحْر مَعَ بني إِسْرَائِيل وَكَانَ يُسمى النُّور من حسن صَوته بِالتَّوْرَاةِ وَلَكِن عدوّ الله نَافق كَمَا نَافق السامري فَأَهْلَكَهُ الله ببغيه
وَإِنَّمَا بغى لِكَثْرَة مَاله وَولده
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله {فبغى عَلَيْهِم} قَالَ: فعلا عَلَيْهِم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن شهر بن حَوْشَب رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {إِن قَارون كَانَ من قوم مُوسَى فبغى عَلَيْهِم} قَالَ: زَاد عَلَيْهِم فِي طول ثِيَابه شبْرًا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَطاء رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَآتَيْنَاهُ من الْكُنُوز} قَالَ: أصَاب كنزاً من كنوز يُوسُف
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْوَلِيد بن زوران رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَآتَيْنَاهُ من الْكُنُوز} قَالَ: أصَاب كنزاً من كنوز يُوسُف
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْوَلِيد بن زوران رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَآتَيْنَاهُ من الْكُنُوز} قَالَ: كَانَ قَارون يعلم الكيمياء
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن سلمَان رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَت أَرض دَار قَارون من فضَّة وأساسها من ذهب
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر عَن خَيْثَمَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: وجدت فِي الإِنجيل أَن مَفَاتِيح خَزَائِن قَارون كَانَت وقر سِتِّينَ بغلاً غراً محجلةً مَا يزِيد مِنْهَا مِفْتَاح على أصْبع لكل مِفْتَاح كنز(6/437)
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن خَيْثَمَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَت مَفَاتِيح كنوز قَارون من جُلُود كل مِفْتَاح على خزانَة على حِدة فَإِذا ركب حملت المفاتيح على سبعين بغلاً أغر محجلاً
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي الْآيَة قَالَ: كَانَت المفاتيح من جُلُود الإِبل
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {لتنوء بالعصبة} يَقُول: لَا يرفعها الْعصبَة من الرِّجَال {أولي القوّة}
وَأخرج الطستي فِي مسَائِله عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَن نَافِع بن الْأَزْرَق سَأَلَهُ عَن قَوْله {لتنوء بالعصبة} قَالَ: لتثقل قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك
قَالَ: نعم
أما سَمِعت قَول امرىء الْقَيْس إِذْ يَقُول: تمشي فتثقلها عجيزتها مشي الضَّعِيف ينوء بالوسق وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ قَالَ الْعصبَة مَا بَين الْعشْرَة إِلَى الْخَمْسَة عشر و {أولي القوّة} خَمْسَة عشر
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر عَن الْكَلْبِيّ قَالَ {بالعصبة} مَا بَين الْخمس عشرَة إِلَى الْأَرْبَعين
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ {بالعصبة} أَرْبَعُونَ رجلا
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كُنَّا نُحدث أَن {بالعصبة} مَا فَوق الْعشْرَة إِلَى الْأَرْبَعين
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي صَالح مولى أم هانىء قَالَ {بالعصبة} سَبْعُونَ رجلا
قَالَ: وَكَانَت خزانته تُحْمَلُ على أَرْبَعِينَ بغلاً
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {إِذْ قَالَ لَهُ قومه لَا تفرح} قَالَ: هم الْمُؤْمِنُونَ مِنْهُم قَالُوا: يَا قَارون لَا تفرح بِمَا أوليت فتبطر
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {إِن الله لَا يحب الفرحين} قَالَ: المرحين الأشرين البطرين الَّذين لَا يشكرون الله على مَا أَعْطَاهُم(6/438)
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ وَالطَّبَرَانِيّ وَأَبُو نعيم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب والخرائطي فِي اعتلال الْقُلُوب عَن أبي الدَّرْدَاء رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الله يحب كل قلب حَزِين
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان وَقَالَ: هَذَا متن مُنكر عَن أبي ذَر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم زُرِ الْقُبُور تَذْكُر بهَا الْآخِرَة واغسل الْمَوْتَى فَإِن معالجة جَسَد خاو موعظة بليغة وصل على الْجَنَائِز لَعَلَّ ذَلِك يحزنك فَإِن الحزين فِي ظلّ الله يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {إِن الله لَا يحب الفرحين} قَالَ: الْفَرح هُنَا الْبَغي
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {إِن الله لَا يحب الفرحين} قَالَ: إِن الله لَا يحب بطراً {وابتغ فِيمَا آتاك الله الدَّار الْآخِرَة} قَالَ: تصدق وتقرب إِلَى الله تَعَالَى وصل الرَّحِم
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {إِن الله لَا يحب الفرحين} قَالَ: المرحين
وَفِي قَوْله {وابتغ فِيمَا آتاك الله الدَّار الْآخِرَة وَلَا تنس نصيبك من الدُّنْيَا} يَقُول: لَا تتْرك أَن تعْمل لله فِي الدُّنْيَا
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي حَاتِم من وَجه آخر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وَلَا تنس نصيبك من الدُّنْيَا} قَالَ: أَن تعْمل فِيهَا لآخرتك
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالْفِرْيَابِي وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَلَا تنس نصيبك من الدُّنْيَا} قَالَ: الْعَمَل بِطَاعَة الله نصِيبه من الدُّنْيَا الَّذِي يُثَاب عَلَيْهِ فِي الْآخِرَة
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن فِي قَوْله {وَلَا تنس نصيبك} قَالَ: قدم الْفضل وَأمْسك مَا يبلغك - وَفِي لفظ - قَالَ: امسك قوت سنة وَتصدق بِمَا بَقِي
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {وَلَا تنس نصيبك من الدُّنْيَا} قَالَ: أَن تَأْخُذ من الدُّنْيَا مَا أحل الله لَك فَإِن لَك فِيهِ غنى وكفاية
وَأخرج عبد الله بن أَحْمد فِي زَوَائِد الزّهْد عَن مَنْصُور رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَلَا تنس نصيبك من الدُّنْيَا}(6/439)
قَالَ: لَيْسَ هُوَ عرض من عرض الدُّنْيَا وَلَكِن هُوَ نصيبك عمرك أَن تقدم فِيهِ لآخرتك
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتهُ على علم عِنْدِي} يَقُول على خير عِنْدِي وَعلم عِنْدِي
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {إِنَّمَا أُوتِيتهُ على علم عِنْدِي} يَقُول: علم الله أَنِّي أهل لذَلِك
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَلَا يسْأَل عَن ذنوبهم المجرمون} قَالَ: الْمُشْركُونَ
لَا يسْأَلُون عَن ذنوبهم وَلَا يحاسبون لدُخُول النَّار بِغَيْر حِسَاب
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَلَا يسْأَل عَن ذنوبهم المجرمون} قَالَ: كَقَوْلِه {يعرف المجرمون بِسِيمَاهُمْ} الرَّحْمَن الْآيَة 41 سود الْوُجُوه زرق الْعُيُون الْمَلَائِكَة لَا تسْأَل عَنْهُم قد عرفتهم
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فَخرج على قومه فِي زينته} قَالَ: خرج على براذين بيض عَلَيْهَا سرج من أرجوان وَعَلَيْهَا ثِيَاب معصفرة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَطاء رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فَخرج على قومه فِي زينته} قَالَ: فِي ثَوْبَيْنِ أحمرين
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي الزبير رَضِي الله عَنهُ قَالَ: خرج قَارون على قومه فِي ثَوْبَيْنِ بِغَيْر عصفر كالقرمز
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فَخرج على قومه فِي زينته} قَالَ: فِي ثِيَاب صفر وحمر
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن زيد بن أسلم رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فَخرج على قومه فِي زينته} قَالَ: خرج فِي سبعين ألفا عَلَيْهِم المعصفرات وَكَانَ ذَلِك أول يَوْم فِي الأَرْض رؤيت المعصفرات فِيهَا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فَخرج على قومه فِي زينته} قَالَ: فِي حشمه
وَذكر لنا أَنهم خَرجُوا على أَرْبَعَة الاف دَابَّة(6/440)
عَلَيْهِم ثِيَاب حمر مِنْهَا ألف بغلة بَيْضَاء وعَلى دوابهم قطائف الأرجوان
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن جريج رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فَخرج على قومه فِي زينته} قَالَ: خرج على بغلة شهباء عَلَيْهَا الأرجوان وَعَلَيْهَا ثَلَاثمِائَة جَارِيَة على بغال شهب عَلَيْهِنَّ ثِيَاب حمر
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فَخرج على قومه فِي زينته} قَالَ: خرج فِي جوَار بيض على سروج من ذهب على قطف أرجوان وَهن على بغال بيض عَلَيْهِنَّ ثِيَاب حمر وحلى ذهب
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أَوْس بن أَوْس الثَّقَفِيّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {فَخرج على قومه فِي زينته} قَالَ فِي أَرْبَعَة آلَاف بغل يَعْنِي عَلَيْهِ البزيون
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَبدة بن أبي لبَابَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أول من صبغ بِالسَّوَادِ قَارون
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {قَالَ الَّذين يُرِيدُونَ الْحَيَاة الدُّنْيَا} قَالَ: أنَاس من أهل التَّوْحِيد قَالُوا: {يَا لَيْت لنا مثل مَا أُوتِيَ قَارون} وَفِي قَوْله {وَلَا يلقاها إِلَّا الصَّابِرُونَ} يَعْنِي لَا يلقى ثَوَاب الله وَالصَّوَاب من القَوْل
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {إِنَّه لذُو حَظّ عَظِيم} قَالَ: ذُو جد
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي حَاتِم عَن عبد الله بن الْحَرْث رَضِي الله عَنهُ
وَهُوَ ابْن نَوْفَل الْهَاشِمِي قَالَ: بلغنَا أَن قَارون أُوتِيَ من الْكُنُوز وَالْمَال حَتَّى جعل بَاب دَاره من ذهب وَجعل دَاره كلهَا من صَفَائِح الذَّهَب وَكَانَ الْمَلأ من بني إِسْرَائِيل يَغْدُونَ إِلَيْهِ وَيَرُوحُونَ يُطعمهُمْ الطَّعَام وَيَتَحَدَّثُونَ عِنْده وَكَانَ مُؤْذِيًا لمُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فَلم تَدعه الْقَسْوَة والهوى حَتَّى أرسل إِلَى امْرَأَة من بني إِسْرَائِيل مَذْكُورَة بالجمال كَانَت تذكر بريبة فَقَالَ لَهَا: هَل لَك أَن أُمَوِّلك وَأُعْطِيك وَأَخْلِطك بِنِسَائِي على أَن تأتين وَالْمَلَأ من بني إِسْرَائِيل عِنْدِي فتقولين: يَا قَارون أَلا تنهي مُوسَى عني فَقَالَت: بلَى
فلمّا جَاءَ أَصْحَابه واجتمعوا عِنْده دَعَا بهَا فَقَامَتْ على رؤوسهم فَقلب الله قَلبهَا وَرِزْقهَا التَّوْبَة فَقَالَت: مَا أجد الْيَوْم تَوْبَة أفضل من أَن(6/441)
أكذب عَدو الله وأبرىء رَسُول الله عَلَيْهِ فَقَالَت: إِن قَارون بعث إِلَيّ فَقَالَ: هَل لَك أَن أُمَوِّلك وَأُعْطِيك وَأَخْلِطك بِنِسَائِي على أَن تَأتِينِي وَالْمَلَأ من بني إِسْرَائِيل عِنْدِي وتقولين: يَا قَارون أَلا تنهي مُوسَى عني فَإِنِّي لم أجد الْيَوْم تَوْبَة أفضل من أَن أكذب عَدو الله وأبرىء رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَنَكس قَارون رَأسه وَعرف أَنه قد هلك
وَفَشَا الحَدِيث فِي النَّاس حَتَّى بلغ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام وَكَانَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام شَدِيد الْغَضَب
فَلَمَّا بلغه تَوَضَّأ ثمَّ صلى وَسجد وَبكى وَقَالَ: يَا رب
عَدوك قَارون كَانَ لي مُؤْذِيًا فَذكر أَشْيَاء ثمَّ لن يناه حَتَّى أَرَادَ فَضِيحَتِي
يَا رب سَلطنِي عَلَيْهِ
فَأوحى الله إِلَيْهِ: أَن مر الأَرْض بِمَا شِئْت تطعك
فجَاء مُوسَى إِلَى قَارون فَلَمَّا رَآهُ قَارون عرف الْغَضَب فِي وَجهه فَقَالَ: يَا مُوسَى ارْحَمْنِي فَقَالَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام: يَا أَرض خُذِيهِمْ فاضطربت دَاره وَخسف بِهِ وبأصحابه حَتَّى تغيبت أَقْدَامهم وَسَاخَتْ دَارهم على قدر ذَلِك فَقَالَ قَارون: يَا مُوسَى ارْحَمْنِي فَقَالَ: يَا أَرض خُذِيهِمْ فَخسفَ بِهِ وَبِدَارِهِ وبأصحابه فَلَمَّا خسف بِهِ قيل لَهُ: يَا مُوسَى مَا أفظك أما وَعِزَّتِي لَو إيَّايَ دَعَا لِرَحْمَتِهِ وَقَالَ أَبُو عمرَان الْجونِي: فَقيل لمُوسَى: لَا أعبد الأَرْض بعْدك أحدا
وَأخرج الْفرْيَابِيّ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْض} قَالَ: خسف بِهِ إِلَى الأَرْض السُّفْلى
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق قَتَادَة عَن أبي مَيْمُون عَن سَمُرَة بن جُنْدُب قَالَ: يخسف بقارون وَقَومه فِي كل يَوْم قدر قامة فَلَا يبلغ الأَرْض السُّفْلى إِلَى يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: ذكر لنا أَنه يخسف بِهِ كل يَوْم قامة وَأَنه يتجلجل فِيهَا لَا يبلغ قعرها إِلَى يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج رَضِي الله عَنهُ
مثله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِن الله أَمر الأَرْض أَن تُطِيعهُ سَاعَة(6/442)
وَأخرج عبد بن حميد عَن مَالك بن دِينَار رَضِي الله عَنهُ: أَن قَارون يخسف بِهِ كل يَوْم قامة
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما خسف بقارون فَهُوَ يذهب ومُوسَى قريب مِنْهُ قَالَ: يَا مُوسَى ادْع رَبك يرحمني
فَلم يجبهُ مُوسَى حَتَّى ذهب
فَأوحى الله إِلَيْهِ اسْتَغَاثَ بك فَلم تغثه وَعِزَّتِي وَجَلَالِي لَو قَالَ: يَا رب لِرَحْمَتِهِ
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن عون بن عبد الله الْقَارِي عَامل عمر بن عبد الْعَزِيز على ديوَان فلسطين أَنه بلغه: أَن الله عز وَجل أَمر الأَرْض أَن تطيع مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام فِي قَارون فَلَمَّا لقِيه مُوسَى قَالَ للْأَرْض: أطيعيني فَأَخَذته إِلَى الرُّكْبَتَيْنِ ثمَّ قَالَ: أطيعيني فوارته فِي جوفها فَأوحى الله إِلَيْهِ يَا مُوسَى مَا أَشد قَلْبك وَعِزَّتِي وَجَلَالِي لَو بِي اسْتَغَاثَ لأغثته قَالَ: رب غَضبا لَك فعلت
وَأخرج عبد بن حميد ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فَمَا كَانَ لَهُ من فِئَة ينصرونه من دون الله وَمَا كَانَ من المنتصرين} قَالَ: مَا كَانَت عِنْده مَنْعَة يمْتَنع بهَا من الله تَعَالَى
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {ويكأن الله} يَقُول: أَو لَا يعلم {أَن الله يبسط الرزق} وَفِي قَوْله {ويكأنه لَا يفلح الْكَافِرُونَ} يَقُول: أَو لَا يعلم {أَنه لَا يفلح الْكَافِرُونَ} وَالله أعلم(6/443)
تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (83) مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (84)
- قَوْله تَعَالَى: تِلْكَ الدَّار الْآخِرَة نَجْعَلهَا للَّذين لَا يُرِيدُونَ علوا فِي الأَرْض وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقبَة لِلْمُتقين من جَاءَ بِالْحَسَنَة فَلهُ خير مِنْهَا وَمن جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يجزى الَّذين عمِلُوا السَّيِّئَات إِلَّا مَا كَانُوا يعْملُونَ
أخرج الْمحَامِلِي والديلمي فِي مُسْند الفردوس عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله {تِلْكَ الدَّار الْآخِرَة نَجْعَلهَا للَّذين لَا يُرِيدُونَ علوا فِي الأَرْض وَلَا فَسَادًا} قَالَ: التجبر فِي الأَرْض وَالْأَخْذ بِغَيْر الْحق(6/443)
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُسلم البطين رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {للَّذين لَا يُرِيدُونَ علوا فِي الأَرْض وَلَا فَسَادًا} قَالَ: الْعُلُوّ التكبر فِي الأَرْض بِغَيْر الْحق
وَالْفساد الْأَخْذ بِغَيْر الْحق
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {لَا يُرِيدُونَ علوا فِي الأَرْض} قَالَ: بغيا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {للَّذين لَا يُرِيدُونَ علوا فِي الأَرْض} قَالَ: تَعَظُّمًا وتجبراً {وَلَا فَسَادًا} قَالَ: بِالْمَعَاصِي
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {تِلْكَ الدَّار الْآخِرَة} قَالَ: نجْعَل الدَّار الْآخِرَة {للَّذين لَا يُرِيدُونَ علوا فِي الأَرْض} قَالَ: التكبر وَطلب الشّرف والمنزلة عِنْد سلاطينها وملوكها {وَلَا فَسَادًا} قَالَ: لَا يعْملُونَ بمعاصي الله وَلَا يَأْخُذُونَ المَال بِغَيْر حَقه {وَالْعَاقبَة لِلْمُتقين} قَالَ: الْجنَّة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {لَا يُرِيدُونَ علوا فِي الأَرْض} قَالَ: الشّرف والعز عِنْد ذَوي سلطانهم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي مُعَاوِيَة الْأسود فِي قَوْله {لَا يُرِيدُونَ علوا فِي الأَرْض وَلَا فَسَادًا} قَالَ: لم ينازعوا أَهلهَا فِي عزها وَلَا يجزعوا من ذلها
وَأخرج ابْن أبي شَيْبه ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِن الرجل لَيُحِب أَن يكون شسع نَعله أفضل من شسع نعل صَاحبه فَيدْخل فِي هَذِه الْآيَة {تِلْكَ الدَّار الْآخِرَة نَجْعَلهَا للَّذين لَا يُرِيدُونَ علوا فِي الأَرْض وَلَا فَسَادًا}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه وَابْن عَسَاكِر عَن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ
أَنه كَانَ يمشي فِي الْأَسْوَاق وَحده وَهُوَ وَال يرشد الضال ويعين الضَّعِيف ويمر بالبقال وَالْبيع فَيفتح عَلَيْهِ الْقُرْآن وَيقْرَأ {تِلْكَ الدَّار الْآخِرَة نَجْعَلهَا للَّذين لَا يُرِيدُونَ علوا فِي الأَرْض وَلَا فَسَادًا} وَيَقُول: نزلت هَذِه الْآيَة فِي أهل الْعدْل والتواضع فِي الْوُلَاة وَأهل الْقُدْرَة من سَائِر النَّاس(6/444)
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا
نَحوه
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عدي بن حَاتِم رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما دخل على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ألْقى إِلَيْهِ وسَادَة فَجَلَسَ على الأَرْض فَقَالَ: أشهد أَنَّك لَا تبتغي فِي الأَرْض وَلَا فَسَادًا
فَأسلم(6/445)
إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جَاءَ بِالْهُدَى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (85) وَمَا كُنْتَ تَرْجُو أَنْ يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ ظَهِيرًا لِلْكَافِرِينَ (86) وَلَا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آيَاتِ اللَّهِ بَعْدَ إِذْ أُنْزِلَتْ إِلَيْكَ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (87)
- قَوْله تَعَالَى: إِن الَّذِي فرض عَلَيْك الْقُرْآن لرادك إِلَى معاد قل رَبِّي أعلم من جَاءَ بِالْهدى وَمن هُوَ فِي ضلال مُبين وَمَا كنت ترجوا أَن يلقى إِلَيْك الْكتاب إِلَّا رَحْمَة من رَبك فَلَا تكونن ظهيرا للْكَافِرِينَ وَلَا يصدنك عَن آيَات الله بعد إِذْ أنزلت إِلَيْك وادع إِلَى رَبك وَلَا تكونن من الْمُشْركين
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما خرج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من مَكَّة فَبلغ الْجحْفَة اشتاق إِلَى مَكَّة فَأنْزل الله {إِن الَّذِي فرض عَلَيْك الْقُرْآن لرادك إِلَى معاد} إِلَى مَكَّة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عَليّ بن الْحُسَيْن بن وَاقد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كل الْقُرْآن مكي أَو مدنِي غير قَوْله {إِن الَّذِي فرض عَلَيْك الْقُرْآن لرادك إِلَى معاد} فَإِنَّهَا أنزلت على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْجُحْفَةِ حِين خرج مُهَاجرا إِلَى الْمَدِينَة
فَلَا هِيَ مَكِّيَّة وَلَا مَدَنِيَّة وكل آيَة نزلت على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قبل الْهِجْرَة فَهِيَ مَكِّيَّة
فَنزلت بِمَكَّة أَو بغَيْرهَا من الْبلدَانِ وكل آيَة نزلت بِالْمَدِينَةِ بعد الْهِجْرَة فَإِنَّهَا مَدَنِيَّة
نزلت بِالْمَدِينَةِ أَو بغَيْرهَا من الْبلدَانِ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل من طرق عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {لرادك إِلَى معاد} قَالَ: إِلَى مَكَّة
زَاد ابْن مرْدَوَيْه (كَمَا أخرجك مِنْهَا)
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {لرادك إِلَى معاد} قَالَ: إِلَى مولدك
إِلَى مَكَّة
وَأخرج عبد بن حميد عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ
مثله(6/445)
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {لرادك إِلَى معاد} قَالَ: الْمَوْت
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي الله عَنهُ {لرادك إِلَى معاد} قَالَ: الْمَوْت
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو يعلى وَابْن جرير عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي الله عَنهُ {لرادك إِلَى معاد} قَالَ: الْآخِرَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {لرادك إِلَى معاد} قَالَ: إِلَى يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ
مثله
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {إِن الَّذِي فرض عَلَيْك الْقُرْآن لرادك إِلَى معاد} قَالَ: يُحْيِيك يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ {لرادك إِلَى معاد} قَالَ: إِن لَهُ معاد يَبْعَثهُ الله يَوْم الْقِيَامَة ثمَّ يدْخلهُ الْجنَّة
وَأخرج الْحَاكِم فِي التَّارِيخ والديلمي عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {لرادك إِلَى معاد} قَالَ الْجنَّة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ فِي تَارِيخه وَأَبُو يعلى وَابْن الْمُنْذر عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي الله عَنهُ {لرادك إِلَى معاد} قَالَ: معاده الْجنَّة وَفِي لفظ (معاده) آخرته
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {لرادك إِلَى معاد} قَالَ: إِلَى معدنك من الْجنَّة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس {إِن الَّذِي فرض عَلَيْك الْقُرْآن لرادك إِلَى معاد} قَالَ: لرادك إِلَى الْجنَّة ثمَّ سَائِلك عَن الْقُرْآن
وَأخرج الْفرْيَابِيّ عَن أبي صَالح رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {لرادك إِلَى معاد} قَالَ: إِلَى الْجنَّة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي(6/446)
الله عَنهُ فِي قَوْله {لرادك إِلَى معاد} قَالَ: هَذِه مِمَّا كَانَ يكتم ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن نعيم الْقَارِي رَضِي الله عَنهُ {لرادك إِلَى معاد} قَالَ: إِلَى بَيت الْمُقَدّس(6/447)
وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (88)
- قَوْله تَعَالَى: وَلَا تدع مَعَ الله إِلَهًا آخر لَا إِلَه إِلَّا هُوَ كل شَيْء هَالك إِلَّا وَجهه لَهُ الحكم وَإِلَيْهِ ترجعون
أخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما نزلت {كل من عَلَيْهَا فان} الرَّحْمَن الْآيَة 26 قَالَت الْمَلَائِكَة: هلك أهل الأَرْض فَلَمَّا نزلت {كل نفس ذائقة الْمَوْت} آل عمرَان الْآيَة 18 قَالَت الْمَلَائِكَة: هلك كل نفس فَلَمَّا نزلت {كل شَيْء هَالك إِلَّا وَجهه} قَالَت الْمَلَائِكَة: هلك أهل السَّمَاء وَأهل الأَرْض
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {كل نفس ذائقة الْمَوْت} قَالَ: لما نزلت قيل: يَا رَسُول الله فَمَا بَال الْمَلَائِكَة فَنزلت {كل شَيْء هَالك إِلَّا وَجهه} فَبين فِي هَذِه الْآيَة فنَاء الْمَلَائِكَة والثقلين من الْجِنّ والانس وَسَائِر عَالم الله وبريته من الطير والوحش وَالسِّبَاع والأنعام وكل ذِي روح أَنه هَالك ميت
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مقَاتل رَضِي الله عَنهُ {كل شَيْء هَالك إِلَّا وَجهه} يَعْنِي الْحَيَوَان خَاصَّة من أهل السَّمَوَات وَالْمَلَائِكَة وَمن فِي الأَرْض وَجَمِيع الْحَيَوَان ثمَّ تهْلك السَّمَاء وَالْأَرْض بعد ذَلِك وَلَا تهْلك الْجنَّة وَالنَّار وَمَا فِيهَا وَلَا الْعَرْش وَلَا الْكُرْسِيّ
وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {كل شَيْء هَالك إِلَّا وَجهه} إِلَّا مَا يُرِيد بِهِ وَجهه
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {كل شَيْء هَالك إِلَّا وَجهه} قَالَ: إِلَّا مَا أُرِيد بِهِ وَجهه
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن سُفْيَان قَالَ {كل شَيْء هَالك إِلَّا وَجهه} قَالَ: إِلَّا مَا أُرِيد بِهِ وَجهه من الْأَعْمَال الصَّالِحَة(6/447)
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب التفكر عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا
أَنه كَانَ إِذا أَرَادَ أَن يتَعَاهَد قلبه يَأْتِي الخربة يقف على بَابهَا فينادي بِصَوْت حَزِين: أَيْن أهلك ثمَّ يرجع إِلَى نَفسه فَيَقُول {كل شَيْء هَالك إِلَّا وَجهه}
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن ثَابت رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما مَاتَ مُوسَى بن عمرَان عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام جالت الْمَلَائِكَة عَلَيْهِم السَّلَام فِي السَّمَوَات يَقُولُونَ: مَاتَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام فَأَي نفس لَا تَمُوت(6/448)
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم -
سُورَة العنكبوت
مَكِّيَّة وآياتها تسع وَسِتُّونَ
- مُقَدّمَة سُورَة العنكبوت أخرج ابْن الضريس والنحاس وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: نزلت سُورَة العنكبوت بِمَكَّة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عبد الله بن الزبير رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: نزلت سُورَة العنكبوت بِمَكَّة
وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ فِي السّنَن عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يُصَلِّي فِي كسوف الشَّمْس وَالْقَمَر أَربع رَكْعَات وَأَرْبع سَجدَات يقْرَأ فِي الرَّكْعَة الاولى بالعنكبوت أَو الرّوم وَفِي الثَّانِيَة بيس(6/449)
الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3)
- آلمَ أَحسب النَّاس أَن يتْركُوا أَن يَقُولُوا آمنا وهم لَا يفتنون وَلَقَد فتنا الَّذين من قبلهم فليعملن الله الَّذين صدقُوا وليعلمن الْكَاذِبين أخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن الشّعبِيّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {آلمَ} {أَحسب النَّاس أَن يتْركُوا} قَالَ: أنزلت فِي أنَاس بِمَكَّة قد اقروا بالإِسلام فَكتب إِلَيْهِم أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الْمَدِينَة لما نزلت آيَة الْهِجْرَة: إِنَّه لَا يقبل مِنْكُم قَرَار وَلَا إِسْلَام حَتَّى تهاجروا قَالَ: فَخَرجُوا عَامِدين إِلَى الْمَدِينَة فأتبعهم الْمُشْركُونَ فردوهم فَنزلت فيهم هَذِه الْآيَة فَكَتَبُوا إِلَيْهِم أَنه قد نزلت فِيكُم آيَة كَذَا وَكَذَا فَقَالُوا: نخرج فَإِن اتَّبعنَا أحد قَاتَلْنَاهُ
فَخَرجُوا فاتبعهم الْمُشْركُونَ فقاتلوهم فَمنهمْ من قتل وَمِنْهُم من نجا فَأنْزل الله فيهم {ثمَّ إِن رَبك للَّذين هَاجرُوا من بعد مَا فتنُوا ثمَّ جاهدوا وصبروا إِن رَبك من بعْدهَا لغَفُور رَحِيم} النَّحْل الْآيَة 110(6/449)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {الم} {أَحسب النَّاس} قَالَ نزلت فِي أنَاس من أهل مَكَّة خَرجُوا يُرِيدُونَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَعرض لَهُم الْمُشْركُونَ فَرَجَعُوا فَكتب إِلَيْهِم إخْوَانهمْ بِمَا نزل فيهم من الْقُرْآن فَخَرجُوا فَقتل من قتل وخلص من خلص فَنزل الْقُرْآن (وَالَّذين جاهدوا فِينَا لنهدينهم سبلنا)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: نزلت هَذِه الْآيَات فِي الْقَوْم الَّذين ردهم الْمُشْركُونَ إِلَى مَكَّة وَهَؤُلَاء الْآيَات الْعشْر مدنيات وسائرها مكي
وَأخرج ابْن سعد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن عَسَاكِر عَن عبد الله بن عبيد بن عُمَيْر قَالَ: نزلت فِي عمار بن يَاسر يعذَّب فِي الله {أَحسب النَّاس أَن يتْركُوا}
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج قَالَ: سَمِعت ابْن عُمَيْر وَغَيره يَقُولُونَ: كَانَ أَبُو جهل لَعنه الله يعذب عمار بن يَاسر وَأمه وَيجْعَل على عمار درعاً من حَدِيد فِي الْيَوْم الصَّائِف وَطعن فِي حَيا أمه بِرُمْح
فَفِي ذَلِك نزلت {أَحسب النَّاس أَن يتْركُوا أَن يَقُولُوا آمنا وهم لَا يفتنون}
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وهم لَا يفتنون} قَالَ: لَا يبتلون فِي أَمْوَالهم وأنفسهم {وَلَقَد فتنا الَّذين من قبلهم} قَالَ: ابتلينا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة {أَحسب النَّاس أَن يتْركُوا أَن يَقُولُوا آمنا وهم لَا يفتنون} قَالَ: يبتلون {وَلَقَد فتنا الَّذين من قبلهم} قَالَ: ابتلينا الَّذين من قبلهم {فليعلمن الله الَّذين صدقُوا} قَالَ: ليعلم الصَّادِق من الْكَاذِب والطائع من العَاصِي وَقد كَانَ يُقَال: إِن الْمُؤمن ليضْرب بالبلاء كَمَا يفتن الذَّهَب بالنَّار وَكَانَ يُقَال: إِن مثل الْفِتْنَة كَمثل الدِّرْهَم الرِّيف يَأْخُذهُ الْأَعْمَى وَيَرَاهُ الْبَصِير
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ أَنه كَانَ يقْرَأ {فليعلمن الله الَّذين صدقُوا وليعلمن الْكَاذِبين} قَالَ: يعلمهُمْ النَّاس
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي الْآيَة(6/450)
قَالَ: كَانَ الله يبْعَث النَّبِي إِلَى أمته فيلبث فيهم إِلَى انْقِضَاء اجله فِي الدُّنْيَا ثمَّ يقبضهُ الله إِلَيْهِ فَتَقول الْأمة من بعده أَو من شَاءَ الله مِنْهُم: إِنَّا على منهاج النَّبِي وسبيله فَينزل الله بهم الْبلَاء فَمن ثَبت مِنْهُم على مَا كَانَ عَلَيْهِ فَهُوَ الصَّادِق وَمن خَالف إِلَى غير ذَلِك فَهُوَ الْكَاذِب
وَأخرج ابْن ماجة وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أول من أظهر اسلامه سَبْعَة
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَبُو بكر وَسُميَّة أم عمار وعمار وصهيب وبلال والمقداد فَأَما رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَمَنعه الله بِعَمِّهِ أبي طَالب وَأما أَبُو بكر فَمَنعه الله بقَوْمه وَأما سَائِرهمْ فَأَخذهُم الْمُشْركُونَ فَأَلْبَسُوهُمْ ادراع الْحَدِيد فَإِنَّهُ هَانَتْ عَلَيْهِ نَفسه فِي الله وَهَان على قومه فَأَخَذُوهُ فَأَعْطوهُ الْولدَان فَجعلُوا يطوفون بِهِ فِي شعاب مَكَّة وَهُوَ يَقُول: أحد أحد
وَالله تَعَالَى أعلم(6/451)
أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (4)
- قَوْله تَعَالَى: أم حسب الَّذين يعْملُونَ السَّيِّئَات أَن يسبقونا سَاءَ مايحكمون
أخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {أم حسب الَّذين يعْملُونَ السَّيِّئَات} قَالَ: الشّرك
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {أَن يسبقونا} قَالَ: ان يعجزونا(6/451)
مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (5) وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (6) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ (7)
- قَوْله تَعَالَى: من كَانَ يَرْجُو لِقَاء الله فَإِن أجل الله لآت وَهُوَ السَّمِيع الْعَلِيم وَمن جَاهد فَإِنَّمَا يُجَاهد لنَفسِهِ إِن الله لَغَنِيّ عَن الْعَالمين وَالَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات لنكفرن عَنْهُم سيئاتهم ولنجزينهم أحسن الَّذِي كَانُوا يعْملُونَ
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {من كَانَ يَرْجُو لِقَاء الله} قَالَ: من كَانَ يخْشَى الْبَعْث فِي الْآخِرَة(6/451)
وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (8) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ (9)
- قَوْله تَعَالَى: وَوَصينَا الإِنسان بِوَالِديهِ حسنا وَإِن جَاهَدَاك لتشرك بِي مَا لَيْسَ لَك بِهِ علم فَلَا تطعهما إِلَيّ مرجعكم فأنبئكم بِمَا كُنْتُم تَعْمَلُونَ وَالَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات لندخلنهم فِي الصَّالِحين
أخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن سعد بن أبي وَقاص رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَت أُمِّي: لَا آكل طَعَاما وَلَا أشْرب شرابًا حَتَّى تكفر بِمُحَمد فامتنعت من الطَّعَام وَالشرَاب حَتَّى جعلُوا يسجرون فاها بالعصا فَنزلت هَذِه الْآيَة {وَوَصينَا الإِنسان بِوَالِديهِ حسنا وَإِن جَاهَدَاك لتشرك بِي مَا لَيْسَ لَك بِهِ علم فَلَا تطعهما} الْآيَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {وَوَصينَا الإِنسان بِوَالِديهِ حسنا وَإِن جَاهَدَاك لتشرك بِي مَا لَيْسَ لَك بِهِ علم فَلَا تطعهما} قَالَ: أنزلت فِي سعد بن مَالك رَضِي الله عَنهُ لما هَاجر قَالَت امهِ: وَالله لَا يُظِلنِي ظلّ حَتَّى يرجع فَأنْزل الله فِي ذَلِك أَن يحسن إِلَيْهِمَا وَلَا يطيعهما فِي الشّرك(6/452)
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ (10) وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ (11)
- قَوْله تَعَالَى: وَمن النَّاس من يَقُول آمنا بِاللَّه فَإِذا أوذي فِي الله جعل فتْنَة النَّاس كعذاب الله وَلَئِن جَاءَ نصر من رَبك ليَقُولن إِنَّا كُنَّا مَعكُمْ أوليس الله بِأَعْلَم بِمَا فِي صُدُور الْعَالمين وليعلمن الله الَّذين آمنُوا وليعلمن الْمُنَافِقين
أخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَمن النَّاس من يَقُول آمنا بِاللَّه فَإِذا أوذي فِي الله} إِلَى قَوْله {وليعلمن الْمُنَافِقين} قَالَ: أنَاس يُؤمنُونَ بألسنتهم فَإِذا أَصَابَهُم بلَاء من النَّاس أَو مُصِيبَة فِي أنفسهم أَو أَمْوَالهم فتنُوا فَجعلُوا ذَلِك فِي الدُّنْيَا كعذاب الله فِي الْآخِرَة(6/452)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَمن النَّاس من يَقُول آمنا بِاللَّه} قَالَ: كَانَ أنَاس من الْمُؤمنِينَ آمنُوا وَهَاجرُوا فلحقهم أَبُو سُفْيَان فَرد بَعضهم إِلَى مَكَّة فعذبهم فافتتنوا فَأنْزل الله فيهم هَذَا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَطاء رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فَإِذا أوذي فِي الله} قَالَ: إِذا أَصَابَهُ بلَاء فِي الله عدل بِعَذَاب الله عَذَاب النَّاس
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {فتْنَة النَّاس} قَالَ: يرْتَد عَن دين الله إِذا أوذي فِي الله
وَأخرج أَحْمد وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَابْن ماجة وَأَبُو يعلى وَابْن حبَان وَأَبُو نعيم وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان والضياء عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لقد أوذيت فِي الله وَمَا يُؤْذى أحد وَلَقَد أخفت فِي الله وَمَا يخَاف أحد وَلَقَد أَتَت عَليّ ثَالِثَة وَمَا لي ولبلال طَعَام يَأْكُلهُ ذُو كبد إِلَّا مَا يواري ابط بِلَال
وَأخرج ابْن جرير عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَمن النَّاس من يَقُول آمنا بِاللَّه} قَالَ: نَاس من الْمُنَافِقين بِمَكَّة كَانُوا يُؤمنُونَ فَإِذا أوذوا وأصابهم بلَاء من الْمُشْركين رجعُوا إِلَى الْكفْر والشرك مَخَافَة من يؤذيهم وَجعلُوا اذى النَّاس فِي الدُّنْيَا كعذاب الله
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {وَمن النَّاس من يَقُول آمنا بِاللَّه} إِلَى قَوْله {وليعلمن الْمُنَافِقين} قَالَ: هَذِه الْآيَات نزلت فِي الْقَوْم الَّذين ردهم الْمُشْركُونَ إِلَى مَكَّة وَهَذِه الْآيَات الْعشْر مَدَنِيَّة(6/453)
وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (12) وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ (13)
- قَوْله تَعَالَى: وَقَالَ الَّذين كفرُوا للَّذين آمنُوا اتبعُوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم وماهم بحاملين من خطاياهم من شئ إِنَّهُم لَكَاذِبُونَ وليحملن أثقالهم وأثقالاً مَعَ أثقالهم وليسألن يَوْم الْقِيَامَة عَمَّا كَانُوا يفترون
أخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي(6/453)
حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {وَقَالَ الَّذين كفرُوا للَّذين آمنُوا اتبعُوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم} قَالَ: قَول كفار قُرَيْش بِمَكَّة لمن آمن مِنْهُم قَالُوا: لَا نبعث نَحن وَلَا أَنْتُم فاتبعونا فَإِن كَانَ عَلَيْكُم شَيْء فعلينا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك {وَقَالَ الَّذين كفرُوا} هم القادة من الْكفَّار {للَّذين آمنُوا} لمن آمن من الِاتِّبَاع {اتبعُوا سبيلنا} ديننَا واتركوا دين مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {وَمَا هم بحاملين} قَالَ: بفاعلين {وليحملن أثقالهم} قَالَ: أوزارهم {وأثقالا مَعَ أثقالهم} قَالَ: أوزار من أَضَلُّوا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة فِي المُصَنّف وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن الْحَنَفِيَّة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ أَبُو جهل وصناديد قُرَيْش يتلقون النَّاس اذا جاؤا إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يسلمُونَ يَقُولُونَ: إِنَّه يحرم الْخمر وَيحرم الزِّنَا وَيحرم مَا كَانَت تصنع الْعَرَب فَارْجِعُوا فَنحْن نحمل أوزاركم
فَنزلت هَذِه الْآيَة {وليحملن أثقالهم وأثقالاً مَعَ أثقالهم}
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {وليحملن أثقالهم وأثقالاً مَعَ أثقالهم} قَالَ: هِيَ مثل الَّتِي فِي النَّحْل {ليحملوا أوزارهم كَامِلَة يَوْم الْقِيَامَة وَمن أوزار الَّذين يضلونهم} النَّحْل الْآيَة 25
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {وليحملن أثقالهم وأثقالاً مَعَ أثقالهم} قَالَ: حملهمْ ذنُوب أنفسهم وذنوب من اطاعهم وَلَا يُخَفف ذَلِك عَمَّن اطاعهم من الْعَذَاب شَيْئا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أَيّمَا دَاع دَعَا إِلَى هدى فَاتبع عَلَيْهِ وَعمل بِهِ فَلهُ مثل أجور الَّذين اتَّبعُوهُ وَلَا ينقص ذَلِك من أُجُورهم شَيْئا وَأَيّمَا داعٍ دَعَا إِلَى ضَلَالَة فأتبع عَلَيْهَا وَعمل بهَا فَعَلَيهِ مثل أوزار الَّذين اتَّبعُوهُ وَلَا ينقص ذَلِك من أوزارهم شَيْئا قَالَ عون: وَكَانَ الْحسن رَضِي الله عَنهُ مِمَّا يقْرَأ عَلَيْهَا {وليحملن أثقالهم وأثقالاً مَعَ أثقالهم} إِلَى آخر الْآيَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي أُمَامَة رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ اياكم وَالظُّلم فَإِن الله يَقُول يَوْم الْقِيَامَة: وَعِزَّتِي لَا يجيزني الْيَوْم ظلم ثمَّ يُنَادي مُنَاد(6/454)
فَيَقُول: أَيْن فلَان بن فلَان فَيَأْتِي فيتبعه من الْحَسَنَات أَمْثَال الْجبَال فيشخص النَّاس إِلَيْهَا أَبْصَارهم ثمَّ يقوم بَين يَدي الرَّحْمَن ثمَّ يَأْمر الْمُنَادِي يُنَادي: من كَانَت لَهُ تباعة أَو ظلامة عِنْد فلَان بن فلَان فَهَلُمَّ فَيقومُونَ حَتَّى يجتمعوا قيَاما بَين يَدي الرَّحْمَن فَيَقُول الرَّحْمَن: اقضوا عَن عَبدِي فَيَقُولُونَ: كَيفَ نقضي عَنهُ فَيَقُول: خُذُوا لَهُ من حَسَنَاته
فَلَا يزالون يَأْخُذُونَ مِنْهَا حَتَّى لَا تبقى مِنْهَا حَسَنَة وَقد بَقِي من أَصْحَاب الظلامات فَيَقُول: اقضوا عَن عَبدِي فَيَقُولُونَ: لم يبْق لَهُ حَسَنَة فَيَقُول: خُذُوا من سيئاته فاحملوها عَلَيْهِ ثمَّ نزع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِهَذِهِ الْآيَة {وليحملن أثقالهم وأثقالاً مَعَ أثقالهم}
وَأخرج أَحْمد عَن حُذَيْفَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: سَأَلَ رجل على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأمْسك الْقَوْم ثمَّ إِن رجلا أعطَاهُ فَأعْطى الْقَوْم فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من سنّ خيرا فاستن بِهِ كَانَ لَهُ أجره وَمن أجور من تَبِعَهُمْ غير منتقص من أُجُورهم شَيْئا وَمن أسن شرا فاستن بِهِ كَانَ عَلَيْهِ وزره وَمن أوزار من تبعه غير منتقص من أوزارهم شَيْئا
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وحسنة وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة وَأبي الدَّرْدَاء قَالَا: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سِيرُوا سبق المفردون
قيل: يَا رَسُول الله وَمن المفردون قَالَ: الَّذين يهترون فِي ذكر الله يضع الذّكر عَنْهُم أثقالهم فَيَأْتُونَ يَوْم الْقِيَامَة خفافا(6/455)
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ (14) فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ (15)
- قَوْله تَعَالَى: وَلَقَد أرسلنَا نوحًا إِلَى قومه فَلبث فيهم ألف سنة إِلَّا خمسين عَاما فَأَخذهُم الطوفان وهم ظَالِمُونَ فأنجيناه وَأَصْحَاب السَّفِينَة وجعلناه آيَة للْعَالمين
أخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: بعث الله نوحًا وَهُوَ ابْن أَرْبَعِينَ سنة ولبث فيهم ألف سنة إِلَّا خمسين عَاما يَدعُوهُم إِلَى الله وعاش بعد الطوفان سِتِّينَ سنة حَتَّى كثر النَّاس وفشوا(6/455)
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ عمر نوح عَلَيْهِ السَّلَام قبل أَن يبْعَث إِلَى قومه وَبَعْدَمَا بعث الْفَا وَسَبْعمائة سنة
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد قَالَ: قَالَ لي ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا كم لبث نوح عَلَيْهِ السَّلَام فِي قومه قلت: ألف سنة إِلَّا خمسين عَاما قَالَ: فَإِن من كَانَ قبلكُمْ كَانُوا أطول أعماراً ثمَّ لم يزل النَّاس ينقصُونَ فِي الْأَخْلَاق والآجال والأحلام والأجسام إِلَى يومهم هَذَا
وَأخرج ابْن جرير عَن عون بن أبي شَدَّاد رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ: إِن الله أرسل نوحًا عَلَيْهِ السَّلَام إِلَى قومه وَهُوَ ابْن خمسين وثلاثمائة سنة فَلبث فيهم ألف سنة إِلَّا خمسين عَاما ثمَّ عَاشَ بعد ذَلِك خمسين وثلاثمائة سنة
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب ذمّ الدُّنْيَا عَن أنس بن مَالك رَضِي الله عَنهُ قَالَ: جَاءَ ملك الْمَوْت إِلَى نوح عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ: يَا أطول النَّبِيين عمرا كَيفَ وجدت الدُّنْيَا ولذتها قَالَ: كَرجل ردخل بَيْتا لَهُ بَابَانِ فَوقف وسط الْبَاب هنيهة ثمَّ خرج من الْبَاب الآخر
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فَأَخذهُم الطوفان} قَالَ: المَاء الَّذِي أرسل عَلَيْهِم
وَأخرج ابْن جرير عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ قَالَ {الطوفان} الْغَرق
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فأنجيناه وَأَصْحَاب السَّفِينَة} قَالَ: نوح وَبَنوهُ وَنسَاء بنيه
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وجعلناها آيَة للْعَالمين} قَالَ: أبقاها الله آيَة فَهِيَ على الجودي
وَالله أعلم(6/456)
وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (16) إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (17) وَإِنْ تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (18) أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (19) قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (20) يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ (21) وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (22) وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَلِقَائِهِ أُولَئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (23) فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنْجَاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (24) وَقَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (25) فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (26) وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (27)
- قَوْله تَعَالَى: وابراهيم إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعبدوا الله واتقوه ذَلِكُم خير لكم إِن كُنْتُم تعلمُونَ إِنَّمَا تَعْبدُونَ من دون الله أوثانا وتخلقون إفكا إِن الَّذين تَعْبدُونَ من دون الله لَا يملكُونَ لكم رزقا فابتغوا عِنْد الله الرزق واعبدوه واشكروا لَهُ وَإِلَيْهِ ترجعون وَإِن تكذبوا فقد كذب(6/456)
أُمَم من قبلكُمْ وَمَا على الرَّسُول إِلَّا الْبَلَاغ الْمُبين أولم يرَوا كَيفَ يُبْدِئ الله الْخلق ثمَّ يُعِيدهُ إِن ذَلِك على الله يسير قل سِيرُوا فِي الأَرْض فانظروا كَيفَ بَدَأَ الْخلق ثمَّ الله ينشيء النشأة الْآخِرَة أَن الله على كل شَيْء قدير يعذب من يَشَاء وَيرْحَم من يَشَاء وَإِلَيْهِ تقلبون وَمَا أَنْتُم بمعجزين فِي الأَرْض وَلَا فِي السَّمَاء وَمَا لكم من دون الله من ولي وَلَا نصير وَالَّذين كفرُوا بآيَات الله ولقائه أُولَئِكَ يئسوا من رَحْمَتي وَأُولَئِكَ لَهُم عَذَاب أَلِيم فَمَا كَانَ جَوَاب قومه إِلَّا أَن قَالُوا اقْتُلُوهُ أَو حرقوه فأنجاه الله من النَّار إِن فِي ذَلِك لآيَات لقوم يُؤمنُونَ وَقَالَ إِنَّمَا اتخذتم من دون الله أوثاناً مَوَدَّة بَيْنكُم فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا ثمَّ يَوْم الْقِيَامَة يكفر بَعْضكُم بِبَعْض ويلعن بَعْضكُم بَعْضًا ومأواكم النَّار وَمَا لكم من ناصرين فَآمن لَهُ لوط وَقَالَ إِنِّي مهَاجر إِلَى رَبِّي إِنَّه هُوَ الْعَزِيز الْحَكِيم وَوَهَبْنَا لَهُ اسحق وَيَعْقُوب وَجَعَلنَا فِي ذُريَّته النُّبُوَّة وَالْكتاب وَآتَيْنَاهُ أجره فِي الدُّنْيَا وَإنَّهُ فِي الْآخِرَة لمن الصَّالِحين
أخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة فِي قَوْله {إِنَّمَا تَعْبدُونَ من دون الله أوثاناً} قَالَ: أصناماً {وتخلقون إفكا} قَالَ: تَصْنَعُونَ أصناماً
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر عَن الْحسن فِي قَوْله {وتخلقون إفكا} قَالَ: تنحتون(6/457)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وتخلقون إفكا} قَالَ: تَصْنَعُونَ كذبا
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن جرير عَن مُجَاهِد
مثله
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {كَيفَ يُبْدِئ الله الْخلق ثمَّ يُعِيدهُ} قَالَ: يَبْعَثهُ
وَفِي قَوْله {فانظروا كَيفَ بَدَأَ الْخلق} قَالَ: خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض {ثمَّ الله ينشئ النشأة الْآخِرَة} قَالَ: الْبَعْث بعد الْمَوْت
وَفِي قَوْله {فَمَا كَانَ جَوَاب قومه} قَالَ: قوم إِبْرَاهِيم
وَفِي قَوْله {فأنجاه الله من النَّار} قَالَ: قَالَ كَعْب مَا أحرقت النَّار مِنْهُ إِلَّا وثَاقه
وَفِي قَوْله {وَقَالَ إِنَّمَا اتخذتم من دون الله أوثاناً مَوَدَّة بَيْنكُم فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا} قَالَ: انخذوها لثوابها فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا {ثمَّ يَوْم الْقِيَامَة يكفر بَعْضكُم بِبَعْض ويلعن بَعْضكُم بَعْضًا} قَالَ: صَارَت كل خلة فِي الدُّنْيَا عَدَاوَة على أَهلهَا يَوْم الْقِيَامَة إِلَّا خلة الْمُتَّقِينَ
وَفِي قَوْله {فَآمن لَهُ لوط} قَالَ: فصدقة لوط {وَقَالَ إِنِّي مهَاجر إِلَى رَبِّي} قَالَ: هاجرا جَمِيعًا من كوثي: وَهِي من سَواد الْكُوفَة إِلَى الشَّام
وَفِي قَوْله {وَآتَيْنَاهُ أجره فِي الدُّنْيَا} قَالَ: عَافِيَة وَعَملا صَالحا وثناء حسنا فلست تلقى أحدا من أهل الْملَل إِلَّا يرضى إِبْرَاهِيم يَتَوَلَّاهُ
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم بن أبي النجُود رَضِي الله عَنهُ أَنه قَرَأَ {وتخلقون افكا} خفيفتين وَقَرَأَ {اوثاناً مَوَدَّة} مَنْصُوبَة منونة {بَيْنكُم} نصب
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن جبلة بن سحيم قَالَ: سَأَلت ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا عَن صَلَاة الْمَرِيض على الْعود قَالَ: لَا آمركُم أَن تَتَّخِذُوا من دون الله أوثاناً
إِن اسْتَطَعْت أَن تصلي قَائِما وَإِلَّا فقاعداً وَإِلَّا فمضطجعاً
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {النشأة الْآخِرَة} قَالَ: هِيَ الْحَيَاة بعد الْمَوْت: وَهُوَ النشور
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {فَآمن لَهُ لوط} قَالَ: صدق إِبْرَاهِيم عَلَيْهِمَا السَّلَام
وَأخرج ابْن جرير عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله {وَقَالَ إِنِّي مهَاجر إِلَى رَبِّي} قَالَ: هُوَ إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام الْقَائِل إِنِّي مهَاجر إِلَى رَبِّي(6/458)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن كَعْب رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَقَالَ إِنِّي مهَاجر إِلَى رَبِّي} قَالَ: إِلَى حران
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج
مثله
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَقَالَ إِنِّي مهَاجر إِلَى رَبِّي} قَالَ: إِلَى الشَّام كَانَ مهَاجر
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ سيهاجر خِيَار أهل الأَرْض هِجْرَة بعج هِجْرَة إِلَى مهَاجر إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام
وَأخرج أَبُو يعلى وَابْن مرْدَوَيْه عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أول من هَاجر من الْمُسلمين إِلَى الْحَبَشَة بأَهْله عُثْمَان بن عَفَّان فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صحبهما الله إِن عُثْمَان لأوّل من هَاجر إِلَى الله بأَهْله بعد لوط
وَأخرج ابْن مَنْدَه وَابْن عَسَاكِر عَن أَسمَاء بنت أبي بكر رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَت: هَاجر عُثْمَان إِلَى الْحَبَشَة فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّه أول من هَاجر بعد إِبْرَاهِيم وَلُوط
وَأخرج ابْن عَسَاكِر وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم فِي الكنى عَن زيد بن ثَابت رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا كَانَ بَين عُثْمَان ورقية وَبَين لوط من مهَاجر
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: أول من هَاجر إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عُثْمَان بن عَفَّان كَمَا هَاجر لوط إِلَى إِبْرَاهِيم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاق وَيَعْقُوب} قَالَ: هما ولدا إِبْرَاهِيم
وَفِي قَوْله {وَآتَيْنَاهُ أجره فِي الدُّنْيَا} قَالَ: إِن الله رَضِي أهل الْأَدْيَان بِدِينِهِ فَلَيْسَ من أهل دين إِلَّا وهم يتولون إِبْرَاهِيم ويرضون بِهِ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وَآتَيْنَاهُ أجره فِي الدُّنْيَا} قَالَ: الثَّنَاء
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {وَآتَيْنَاهُ أجره فِي الدُّنْيَا} قَالَ: الْوَلَد الصَّالح وَالثنَاء(6/459)
وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ (28) أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (29) قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ (30) وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ (31) قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطًا قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ (32) وَلَمَّا أَنْ جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالُوا لَا تَخَفْ وَلَا تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلَّا امْرَأَتَكَ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ (33) إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (34) وَلَقَدْ تَرَكْنَا مِنْهَا آيَةً بَيِّنَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (35)
- قَوْله تَعَالَى: ولوطا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُم لتأتون الْفَاحِشَة مَا سبقكم بهَا من أحد من الْعَالمين أإنكم لتأتون الرِّجَال وتقطعون السَّبِيل وتأتون فِي ناديكم الْمُنكر فَمَا كَانَ جَوَاب قومه إِلَّا أَن قَالُوا إئتنا بِعَذَاب الله إِن كنت من الصَّادِقين قَالَ رب انصرني على الْقَوْم المفسدين وَلما جَاءَت رسلنَا إِبْرَاهِيم بالبشرى قَالُوا إِنَّا مهلكو أهل هَذِه الْقرْيَة إِن أَهلهَا كَانُوا ظالمين قَالَ إِن فِيهَا لوطاً قَالُوا نَحن أعلم بِمن فِيهَا لننجينه وَأَهله إِلَّا امْرَأَته كَانَت من الغابرين وَلما أَن جَاءَت رسلنَا لوطاً سيء بهم وضاق بهم ذرعا وَقَالُوا لَا تخف وَلَا تحزن إِنَّا منجوك وَأهْلك إِلَّا امْرَأَتك كَانَت من الغابرين إِنَّا منزلون على أهل هَذِه الْقرْيَة رجزا من السَّمَاء بِمَا كَانُوا يفسقون وَلَقَد تركنَا مِنْهَا آيَة بَيِّنَة لقوم يعْقلُونَ
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وتقطعون السَّبِيل} قَالَ: الطَّرِيق إِذا مر بهم الْمُسَافِر وَهُوَ ابْن السَّبِيل قطعُوا بِهِ وَعمِلُوا بِهِ ذَلِك الْعَمَل الْخَبيث
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم فِي قَوْله {وتأتون فِي ناديكم} قَالَ: مجلسكم
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَأحمد وَعبد بن حميد وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب الصمت وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم والشاشي فِي مُسْنده وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان وَابْن عَسَاكِر عَن أم هانىء بنت أبي طَالب رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: سَأَلت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن قَول الله تَعَالَى(6/460)
{وتأتون فِي ناديكم الْمُنكر} قَالَ كَانُوا يَجْلِسُونَ بِالطَّرِيقِ فيخذفون ابْن السَّبِيل ويسخرون مِنْهُم
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن جَابر رَضِي الله عَنهُ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَن الْخذف وَهُوَ قَول الله {وتأتون فِي ناديكم الْمُنكر}
وَأخرج ابْن ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وتأتون فِي ناديكم الْمُنكر} قَالَ: الْخذف فَقَالَ رجل: وَمَالِي قلت هَكَذَا فَأخذ ابْن عمر كفا من حَصْبَاء فَضرب بِهِ وَجهه وَقَالَ: فِي حَدِيث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَأْخُذ بالمعاريض
وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وتأتون فِي ناديكم الْمُنكر} قَالَ: الْخذف
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ {وتأتون فِي ناديكم الْمُنكر} قَالَ: كَانُوا يخذفون النَّاس
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَسَعِيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم والخرائطي فِي مساوىء الْأَخْلَاق عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وتأتون فِي ناديكم الْمُنكر} قَالَ: كَانَ يُجَامع بَعضهم بَعْضًا فِي الْمجَالِس
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة {وتأتون فِي ناديكم الْمُنكر} قَالَ كَانُوا يعْملُونَ الْفَاحِشَة فِي مجَالِسهمْ
وَأخرج البُخَارِيّ فِي تَارِيخه وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا فِي قَوْله {وتأتون فِي ناديكم الْمُنكر} قَالَ: الضراط
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن الْقَاسِم بن مُحَمَّد بن أبي بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ أَنه سُئِلَ عَن قَول الله {وتأتون فِي ناديكم الْمُنكر} مَاذَا كَانَ الْمُنكر الَّذِي كَانُوا يأْتونَ قَالَ: كَانُوا يتضارطون فِي مجَالِسهمْ يضرط بَعضهم على بعض
والنادي هُوَ الْمجْلس
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وتأتون فِي ناديكم الْمُنكر} قَالَ: الصفير وَلعب الْحمام والجلاهق وَحل ازرار القباء
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن عَسَاكِر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {قَالَ إِن فِيهَا لوطاً قَالُوا نَحن أعلم بِمن فِيهَا}(6/461)
قَالَ: لَا يلقى الْمُؤمن إِلَّا يرحم الْمُؤمن ويحوطه حَيْثُمَا كَانَ وَفِي قَوْله {إِلَّا امْرَأَته كَانَت من الغابرين} قَالَ: من البَاقِينَ فِي عَذَاب الله
وَفِي قَوْله {وَلما جَاءَت رسلنَا لوطاً سيء بهم وضاق بهم ذرعاً} قَالَ: سَاءَ بقَوْمه ظنا يتخوّفهم على اضيافه وضاق ذرعاً بضيفه مَخَافَة عَلَيْهِم
وَفِي قَوْله {إِنَّا منزلون على أهل هَذِه الْقرْيَة رجزاً من السَّمَاء} قَالَ: عذَابا من السَّمَاء
وَفِي قَوْله {وَلَقَد تركنَا مِنْهَا آيَة بَيِّنَة} قَالَ: هِيَ الْحِجَارَة الَّتِي أمْطرت عَلَيْهِم أبقاها الله
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَلَقَد تركنَا مِنْهَا آيَة بَيِّنَة} قَالَ: عِبْرَة(6/462)
وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (36) فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ (37) وَعَادًا وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَسَاكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ (38) وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ (39) فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (40)
- قَوْله تَعَالَى: وَإِلَى مَدين أَخَاهُم شعيبا فَقَالَ يَا قوم اعبدوا الله وارجوا الْيَوْم الآخر وَلَا تعثوا فِي الأَرْض مفسدين فَكَذبُوهُ فَأَخَذتهم الرجفة فَأَصْبحُوا فِي دَارهم جاثمين وعادا وثمودا وَقد تبين لكم من مساكنهم وزين لَهُم الشَّيْطَان أَعْمَالهم فصدهم عَن السَّبِيل وَكَانُوا مستبصرين وَقَارُون وَفرْعَوْن وهامان وَلَقَد جَاءَهُم مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ فاستكبروا فِي الأَرْض وَمَا كَانُوا سابقين فكلا أَخذنَا بِذَنبِهِ فَمنهمْ من أرسلنَا عَلَيْهِ حاصباً وَمِنْهُم من أَخَذته الصَّيْحَة وَمِنْهُم من خسفنا بِهِ الأَرْض وَمِنْهُم من أغرقنا وَمَا كَانَ الله ليظلمهم وَلَكِن كَانُوا أنفسهم يظْلمُونَ
أخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد {فَأَخَذتهم الرجفة} قَالَ: الصَّيْحَة
وَفِي قَوْله {وَكَانُوا مستبصرين} قَالَ: فِي الضَّلَالَة(6/462)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {فَأَصْبحُوا فِي دَارهم جاثمين} قَالَ: ميتين
وَفِي قَوْله {وَكَانُوا مستبصرين} قَالَ: معجبين بضلالتهم
وَفِي قَوْله {فَمنهمْ من أرسلنَا عَلَيْهِ حاصباً} قَالَ: هم قوم لوط {وَمِنْهُم من أَخَذته الصَّيْحَة} قَالَ: قوم صَالح وَقوم شُعَيْب {وَمِنْهُم من خسفنا بِهِ الأَرْض} قَالَ: قَارون {وَمِنْهُم من أغرقنا} قَالَ: قوم نوح وَفرْعَوْن وَقَومه
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {أرسلنَا عَلَيْهِ حاصباً} قَالَ: حِجَارَة(6/463)
مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (41) إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (42)
- قَوْله تَعَالَى: مثل الَّذين اتَّخذُوا من دون الله أَوْلِيَاء كَمثل العنكبوت اتَّخذت بَيْتا وَإِن أوهن الْبيُوت لبيت العنكبوت لَو كَانُوا يعلمُونَ أَن الله يعلم مَا يدعونَ من دونه من شَيْء وَهُوَ الْعَزِيز الْحَكِيم
أخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {مثل الَّذين اتَّخذُوا من دون الله أَوْلِيَاء كَمثل العنكبوت} قَالَ: هَذَا مثل ضربه الله للمشرك
انه لن يُغني عَنهُ إلهه شَيْئا من ضعفه وَقلة اجزائه مثل ضعف بَيت العنكبوت
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {مثل الَّذين اتَّخذُوا من دون الله أَوْلِيَاء} قَالَ: ذَاك مثل ضربه الله لمن عبد غَيره
إِن مثله كَمثل بَيت العنكبوت
وَأخرج أَبُو دَاوُد فِي مراسيله عَن يزِيد بن مرْثَد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم العنكبوت شَيْطَان مسخها الله فَمن وجدهَا فيلقتلها
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن زيد بن ميسرَة قَالَ (العنكبوت) شَيْطَان(6/463)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَطاء قَالَ: نسجت العنكبوت مرَّتَيْنِ
مرّة على دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام
وَالثَّانيَِة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج الْخَطِيب عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دخلت أَنا وَأَبُو بكر الْغَار فاجتمعت العنكبوت فَنسجَتْ بِالْبَابِ فَلَا تقتلوهن(6/464)
وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ (43) خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ (44)
- قَوْله تَعَالَى: وَتلك الْأَمْثَال نَضْرِبهَا للنَّاس وَمَا يَعْقِلهَا إِلَّا الْعَالمُونَ خلق الله السَّمَوَات وَالْأَرْض بِالْحَقِّ إِن فِي ذَلِك لآيَة للْمُؤْمِنين
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَمْرو بن مرّة قَالَ: مَا مَرَرْت بِآيَة فِي كتاب الله لَا أعرفهَا إِلَّا أحزنتني لِأَنِّي سَمِعت الله تَعَالَى يَقُول {وَتلك الْأَمْثَال نَضْرِبهَا للنَّاس وَمَا يَعْقِلهَا إِلَّا الْعَالمُونَ}(6/464)
اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ (45)
- قَوْله تَعَالَى: اتل مَا أُوحِي إِلَيْك من الْكتاب وأقم الصَّلَاة إِن الصَّلَاة تنْهى عَن الْفَحْشَاء وَالْمُنكر وَلذكر الله أكبر وَالله يعلم مَا تَصْنَعُونَ
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {إِن الصَّلَاة تنْهى عَن الْفَحْشَاء وَالْمُنكر} يَقُول: فِي الصَّلَاة مُنْتَهى ومزدجر عَن معاصي الله
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي الْعَالِيَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {إِن الصَّلَاة تنْهى عَن الْفَحْشَاء وَالْمُنكر} قَالَ: الصَّلَاة فِيهَا ثَلَاث خلال
الاخلاص والخشية وَذكر الله فَكل صَلَاة لَيْسَ فِيهَا من هَذِه الْخلال فَلَيْسَ بِصَلَاة
فالاخلاص يَأْمُرهُ بِالْمَعْرُوفِ والخشية تنهاه عَن الْمُنكر وَذكر الله الْقُرْآن يَأْمُرهُ وينهاه(6/464)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن الرّبيع بن أنس رَضِي الله عَنهُ أَنه كَانَ يقْرؤهَا (ان الصَّلَاة تَأمر بِالْمَعْرُوفِ تنْهى عَن الْفَحْشَاء وَالْمُنكر)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن عمرَان بن حُصَيْن رَضِي الله عَنهُ قَالَ: سُئِلَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن قَول الله {إِن الصَّلَاة تنْهى عَن الْفَحْشَاء وَالْمُنكر} فَقَالَ من لم تَنْهَهُ صلَاته عَن الْفَحْشَاء وَالْمُنكر فَلَا صَلَاة لَهُ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من لم تَنْهَهُ صلَاته عَن الْفَحْشَاء وَالْمُنكر لم يَزْدَدْ بهَا من الله إِلَّا بعدا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من لم تَنْهَهُ صلَاته عَن الْفَحْشَاء وَالْمُنكر فَلَا صَلَاة لهز وَفِي لفظ لم يَزْدَدْ بهَا من الله إِلَّا بعدا
وَأخرج الْخَطِيب فِي رُوَاة مَالك عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من صلى صَلَاة لم تَأمره بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَهُ عَن الْمُنكر لم تزِدْه صلَاته من الله إِلَّا بعدا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه بِسَنَد ضَعِيف عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول لَا صَلَاة لمن لم يطع الصَّلَاة وَطَاعَة الصَّلَاة أَن تنْهى عَن الْفَحْشَاء وَالْمُنكر
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ أَنه قيل لَهُ: إِن فلَانا يُطِيل الصَّلَاة قَالَ: إِن الصَّلَاة لَا تَنْفَع إِلَّا من أطاعها ثمَّ قَرَأَ {إِن الصَّلَاة تنْهى عَن الْفَحْشَاء وَالْمُنكر}
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَأحمد فِي الزّهْد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ: من لم تَأمره الصَّلَاة بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَهُ عَن الْمُنكر لم يَزْدَدْ من الله إِلَّا بعدا
وَأخرج أَحْمد وَابْن حبَان وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ جَاءَ رجل إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: إِن فلَانا يُصَلِّي بِاللَّيْلِ فَإِذا أصبح سرق قَالَ: إِنَّه سينهاه مَا تَقول(6/465)
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ قَالَ: يَا ابْن آدم إِنَّمَا الصَّلَاة الَّتِي تنْهى عَن الْفَحْشَاء وَالْمُنكر فَإِن لم تنهك صَلَاتك عَن الْفَحْشَاء وَالْمُنكر فَإنَّك لست تصلي
وَأخرج ابْن جرير عَن الْحسن قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من صلى صَلَاة لم تَنْهَهُ عَن الْفَحْشَاء وَالْمُنكر لم يَزْدَدْ من الله إِلَّا بعدا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي عون الْأنْصَارِيّ فِي قَوْله {إِن الصَّلَاة تنْهى عَن الْفَحْشَاء وَالْمُنكر} قَالَ: إِذا كنت فِي صَلَاة فَأَنت فِي مَعْرُوف وَقد حجزتك الصَّلَاة عَن الْفَحْشَاء وَالْمُنكر وَالَّذِي أَنْت فِيهِ من ذكر الله أكبر
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن حَمَّاد بن أبي سُلَيْمَان رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {إِن الصَّلَاة تنْهى عَن الْفَحْشَاء وَالْمُنكر} قَالَ: مَا دمت فِيهَا
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا {إِن الصَّلَاة تنْهى عَن الْفَحْشَاء وَالْمُنكر} قَالَ: الْقُرْآن الَّذِي يقْرَأ فِي الْمَسَاجِد
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وَلذكر الله أكبر} قَالَ: وَلذكر الله لِعِبَادِهِ إِذا ذَكرُوهُ أكبر من ذكرهم إِيَّاه
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَسَعِيد بن مَنْصُور وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن عبد الله بن ربيعَة قَالَ: سَأَلَني ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا عَن قَول الله {وَلذكر الله أكبر} فَقلت: ذكر الله بالتسبيح والتهليل وَالتَّكْبِير
قَالَ: لَا
ذكر الله إيَّاكُمْ أكبر من ذكركُمْ اياه ثمَّ قَرَأَ {فاذكروني أذكركم} الْبَقَرَة الْآيَة 152
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد الله بن أَحْمد بن حَنْبَل فِي زَوَائِد الزّهْد وَابْن جرير عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ {وَلذكر الله أكبر} قَالَ: ذكر الله العَبْد أكبر من ذكر العَبْد لله
وَأخرج ابْن السّني وَابْن مرْدَوَيْه والديلمي عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله {وَلذكر الله أكبر} قَالَ ذكر الله إيَّاكُمْ أكبر من ذكركُمْ إِيَّاه(6/466)
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيّ عَن عَطِيَّة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَلذكر الله أكبر} قَالَ: هُوَ قَوْله {فاذكروني أذكركم} فَذكر الله إيَّاكُمْ أكبر من ذكركُمْ إِيَّاه
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {وَلذكر الله أكبر} قَالَ: لذكر الله عَبده أكبر من ذكر العَبْد ربه فِي الصَّلَاة وَغَيرهَا
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن {وَلذكر الله أكبر} يَقُول: لذكر الله إيَّاكُمْ إِذا ذكرتموه أكبر من ذكركُمْ إِيَّاه
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن جَابر قَالَ: سَأَلت أَبَا قُرَّة عَن قَوْله {وَلذكر الله أكبر} قَالَ: ذكر الله أكبر من ذكركُمْ إِيَّاه
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وَلذكر الله} عِنْدَمَا حرمه وَذكر الله إيَّاكُمْ أعظم من ذكركُمْ إِيَّاه
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن أبي مَالك رَضِي الله عَنهُ {وَلذكر الله أكبر} قَالَ: ذكر الله العَبْد فِي الصَّلَاة أكبر من الصَّلَاة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَلذكر الله أكبر} قَالَ: لَا شَيْء أكبر من ذكر الله
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد وَابْن الْمُنْذر عَن معَاذ بن جبل رَضِي الله عَنهُ قَالَ: مَا عمل آدَمِيّ عملا أنجى لَهُ من عَذَاب الله من ذكر الله
قَالُوا: وَلَا الْجِهَاد فِي سَبِيل الله قَالَ: وَلَا أَن يضْرب بِسَيْفِهِ حَتَّى يَنْقَطِع لِأَن الله تَعَالَى يَقُول فِي كِتَابه {وَلذكر الله أكبر}
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَالْحَاكِم فِي الكنى وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن عنترة قَالَ: قلت لِابْنِ عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا: أَي الْعَمَل أفضل قَالَ: ذكر الله أكبر وَمَا قعد قوم فِي بَيت من بيُوت الله يدرسون كتاب الله ويتعاطونه بَينهم إِلَّا أظلتهم الْمَلَائِكَة بأجنحتها وَكَانُوا أضياف الله مَا داموا فِيهِ حَتَّى يفيضوا فِي حَدِيث غَيره وَمَا سلك رجل طَرِيقا يلْتَمس فِيهِ الْعلم إِلَّا سهل الله لَهُ طَرِيقا إِلَى الْجنَّة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير عَن أبي الدَّرْدَاء رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أَلا(6/467)
أخْبركُم بِخَير أَعمالكُم وأحبها إِلَى مليككم وأنماها فِي درجاتكم وَخير من أَن تلقوا عَدوكُمْ فيضربوا رِقَابكُمْ وتضربوا رقابهم وَخير من اعطاء الدَّنَانِير وَالدَّرَاهِم
قَالُوا: وَمَا هُوَ يَا أَبَا الدَّرْدَاء قَالَ: ذكر الله {وَلذكر الله أكبر}
وَأخرج ح وَالْبَيْهَقِيّ عَن ام الدَّرْدَاء رَضِي الله عَنْهَا قَالَت {وَلذكر الله أكبر} وَإِن صليت فَهُوَ من ذكر الله وَإِن صمت فَهُوَ من ذكر الله وكل خير تعمله فَهُوَ من ذكر الله وكل شَرّ تجتنبه فَهُوَ من ذكر الله وَأفضل من ذَلِك تَسْبِيح الله
وَأخرج ابْن جرير عَن سلمَان رَضِي الله عَنهُ أَنه سُئِلَ أَي الْعَمَل أفضل قَالَ: أما تقْرَأ الْقُرْآن {وَلذكر الله أكبر} لَا شَيْء أفضل من ذكر الله
وَالله أعلم(6/468)
وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (46) وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الْكَافِرُونَ (47)
- قَوْله تَعَالَى: وَلَا تجادلوا أهل الْكتاب إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أحسن إِلَّا الَّذين ظلمُوا مِنْهُم وَقُولُوا آمنا بِالَّذِي أنزل إِلَيْنَا وأزل إِلَيْكُم وإلهنا وإلهكم وَاحِد وَنحن لَهُ مُسلمُونَ وَكَذَلِكَ أنزلنَا إِلَيْك الْكتاب فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُم الْكتاب يُؤمنُونَ بِهِ وَمن هَؤُلَاءِ من يُؤمن بِهِ وَمَا يجْحَد بِآيَاتِنَا إِلَّا الْكَافِرُونَ
أخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَلَا تجادلوا أهل الْكتاب إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أحسن إِلَّا الَّذين ظلمُوا مِنْهُم} قَالَ: الَّذين قَالُوا: مَعَ الله اله أَو لَهُ ولد أَوله شريك أَو يَد الله مغلولة أَو الله فَقير وَنحن أَغْنِيَاء أَو آذَى مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وهم أهل الْكتاب
وَفِي قَوْله {وَقُولُوا آمنا بِالَّذِي أنزل إِلَيْنَا وَأنزل إِلَيْكُم} قَالَ: لمن يَقُول هَذَا مِنْهُم
يَعْنِي من لم يقل مَعَ الله اله أَوله ولد أَوله شريك أَو يَد الله مغلولة أَو الله فَقِيرا وآذى مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَلَا تجادلوا أهل الْكتاب إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أحسن} قَالَ: إِن قَالُوا شرا فَقولُوا خيرا {إِلَّا الَّذين ظلمُوا مِنْهُم} فانتصروا مِنْهُم
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَلَا تجادلوا أهل الْكتاب إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أحسن إِلَّا الَّذين ظلمُوا مِنْهُم}(6/468)
قَالَ: لَا تقاتلوا إِلَّا من قَاتل وَلم يُعْط الْجِزْيَة وَمن أدّى مِنْهُم الْجِزْيَة فَلَا تَقولُوا لَهُم إِلَّا حسنا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وَلَا تجادلوا أهل الْكتاب إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أحسن} قَالَ: بِلَا إِلَه إِلَّا الله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سُفْيَان بن حُسَيْن فِي الْآيَة قَالَ {الَّتِي هِيَ أحسن} قُولُوا {آمنا بِالَّذِي أنزل إِلَيْنَا وَأنزل إِلَيْكُم وإلهنا وإلهكم وَاحِد وَنحن لَهُ مُسلمُونَ} فَهَذِهِ مجادلتهم بِالَّتِي هِيَ أحسن
وَأخرج أَبُو دَاوُد فِي ناسخه وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن الْأَنْبَارِي فِي الْمَصَاحِف عَن قَتَادَة {وَلَا تجادلوا أهل الْكتاب إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أحسن} قَالَ: نهى عَن مجادلتهم فِي هَذِه الْآيَة
ثمَّ نسخ ذَلِك فَقَالَ {قَاتلُوا الَّذين لَا يُؤمنُونَ بِاللَّه وَلَا بِالْيَوْمِ الآخر} وَلَا مجادلة أَشد من السَّيْف
وَأخرج البُخَارِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الْإِيمَان عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ أهل الْكتاب يقرأون التَّوْرَاة بالعبرانية ويفسرونها بِالْعَرَبِيَّةِ لأهل الْإِسْلَام فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تصدقوا أهل الْكتاب وَلَا تكذبوهم وَقُولُوا {آمنا بِالَّذِي أنزل إِلَيْنَا وَأنزل إِلَيْكُم وإلهنا وإلهكم وَاحِد وَنحن لَهُ مُسلمُونَ}
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالْفِرْيَابِي وَابْن جرير عَن عَطاء بن يسَار رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَت الْيَهُود يحدثُونَ أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فيسبحون كَأَنَّهُمْ يعْجبُونَ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تُصَدِّقُوهُمْ وَلَا تكذبوهم وَقُولُوا {آمنا بِالَّذِي أنزل إِلَيْنَا وَأنزل إِلَيْكُم وإلهنا وإلهكم وَاحِد وَنحن لَهُ مُسلمُونَ}
وَأخرج عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف وَابْن سعد وَأحمد وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن أبي نملة الانصاري رَضِي الله عَنهُ أَن رجلا من الْيَهُود قَالَ لجنازة: أَنا أشهد أَنه تَتَكَلَّم
فَقَالَ: رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا حَدثكُمْ أهل الْكتاب فَلَا تُصَدِّقُوهُمْ وَلَا تكذبوهم وَقُولُوا: آمنا بِاللَّه وَكتبه وَرُسُله فَإِن كَانَ حَقًا لم تكذبوهم وَإِن كَانَ بَاطِلا لم تُصَدِّقُوهُمْ
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه وَفِي الشّعب والديلمي وَأَبُو نصر السجْزِي فِي الإِبانة عَن جَابر بن عبد الله رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تسألوا هَل الْكتاب عَن(6/469)
شَيْء فَإِنَّهُم لن يهدوكم وَقد ضلوا إِمَّا أَن تصدقوا بباطل أَو تكذبوا بِحَق وَالله لَو كَانَ مُوسَى حَيا بَين أظْهركُم مَا حل لَهُ إِلَّا أَن يَتبعني
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن زيد بن أسلم قَالَ: بَلغنِي أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَا تسألوا أهل الْكتاب عَن شَيْء فَإِنَّهُم لن يهدوكم وَقد ضلوا أنفسهم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لَا تسألوا أهل الْكتاب عَن شَيْء فَإِنَّهُم لن يهدوكم وَقد ضلوا لتكذبوا بِحَق وتصدقوا بباطل
فَإِن كُنْتُم سائليهم لَا محَالة فانظروا مَا واطأ كتاب الله فَخُذُوهُ وَمَا خَالف كتاب الله فَدَعوهُ(6/470)
وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ (48) بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ (49) وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (50)
- قَوْله تَعَالَى: وَمَا كنت تتلو من قبله من كتاب وَلَا تخطه بيمينك إِذا لارتاب المبطلون بل هُوَ آيَات بَيِّنَات فِي صُدُور الَّذين أُوتُوا الْعلم وَمَا يجْحَد بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ وَقَالُوا لَوْلَا أنزل عَلَيْهِ آيَات من ربه قل إِنَّمَا الْآيَات عِنْد الله وَإِنَّمَا أَنا نَذِير مُبين
أخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد
فِي قَوْله {وَمَا كنت تتلو من قبله من كتاب وَلَا تخطه بيمينك} قَالَ: كَانَ أهل الْكتاب يَجدونَ فِي كتبهمْ أَن مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يخط بِيَمِينِهِ وَلَا يقْرَأ كتابا
فَنزلت {وَمَا كنت تتلو من قبله من كتاب وَلَا تخطه بيمينك إِذا لارتاب المبطلون} قُرَيْش
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه والاسمعيلي فِي مُعْجَمه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَمَا كنت تتلو من قبله من كتاب وَلَا تخطه بيمينك} قَالَ: لم يكن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقْرَأ وَلَا يكْتب كَانَ أُمِّيا
وَفِي قَوْله {بل هُوَ آيَات بَيِّنَات فِي صُدُور الَّذين أُوتُوا الْعلم} قَالَ: كَانَ الله أنزل شَأْن مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي التَّوْرَاة والإِنجيل لأهل الْعلم وَعلمه لَهُم وَجعله لَهُم آيَة فَقَالَ لَهُم: إِن آيَة نبوته أَن يخرج حِين يخرج لَا يعلم كتابا وَلَا يخطه بِيَمِينِهِ
وَهِي الْآيَات الْبَينَات الَّتِي قَالَ الله تَعَالَى(6/470)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَمَا كنت تتلو من قبله من كتاب وَلَا تخطه بيمينك} قَالَ: كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يقْرَأ كتابا قبله وَلَا يخطه بِيَمِينِهِ وَكَانَ أُمِّيا لَا يكْتب
وَفِي قَوْله {آيَات بَيِّنَات} قَالَ: النَّبِي آيَة بَيِّنَة {فِي صُدُور الَّذين أُوتُوا الْعلم من أهل الْكتاب} قَالَ: وَقَالَ الْحسن: الْقُرْآن {آيَات بَيِّنَات فِي صُدُور الَّذين أُوتُوا الْعلم} يَعْنِي الْمُؤمنِينَ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك فِي الْآيَة قَالَ: كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يقْرَأ وَلَا يكْتب وَكَذَلِكَ جعل نَعته فِي التَّوْرَاة والإِنجيل أَنه أُمِّي لَا يقْرَأ وَلَا يكْتب
وَهِي الْآيَة الْبَيِّنَة
وَهِي قَوْله {وَمَا يجْحَد بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ} قَالَ: يَعْنِي صفته الَّتِي وصف لأهل الْكتاب يعرفونه بِالصّفةِ
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَمَا كنت تتلو من قبله من كتاب} قَالَ: لم يكن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقْرَأ وَلَا يكْتب(6/471)
أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (51) قُلْ كَفَى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيدًا يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (52)
- قَوْله تَعَالَى: أولم يَكفهمْ أَنا أنزلنَا عَلَيْك الْكتاب يُتْلَى عَلَيْهِم إِن فِي ذَلِك لرحمة وذكرى لقوم يُؤمنُونَ قل كفى بِاللَّه بيني وَبَيْنكُم شَهِيدا يعلم مَا فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض وَالَّذين آمنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفرُوا بِاللَّه أُولَئِكَ هم الخاسرون
أخرج الدَّارمِيّ وَأَبُو دَاوُد فِي مراسيله وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن يحي بن جعدة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: جَاءَ نَاس من الْمُسلمين بكتب قد كتبوها فِيهَا بعض مَا سَمِعُوهُ من الْيَهُود
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كفى بِقوم حمقا أَو ضَلَالَة أَن يَرْغَبُوا عَمَّا جَاءَ بِهِ نَبِيّهم إِلَيْهِم إِلَى مَا جَاءَ بِهِ غَيره إِلَى غَيرهم
فَنزلت {أَو لم يَكفهمْ أَنا أنزلنَا عَلَيْك الْكتاب يُتْلَى عَلَيْهِم} الْآيَة
وَأخرج الاسمعيلي فِي مُعْجَمه وَابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق يحيى ابْن جعدة عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ نَاس من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَكْتُبُونَ من(6/471)
التَّوْرَاة فَذكرُوا ذَلِك لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ إِن أَحمَق الْحمق وأضل الضَّلَالَة قوم رَغِبُوا عَمَّا جَاءَ بِهِ نَبِيّهم إِلَى نَبِي غير نَبِيّهم والى أمة غير أمتهم
ثمَّ أنزل الله {أَو لم يَكفهمْ أَنا أنزلنَا عَلَيْك الْكتاب يُتْلَى عَلَيْهِم}
وَأخرج عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن الزُّهْرِيّ: أَن حَفْصَة جَاءَت إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِكِتَاب من قصَص يُوسُف فِي كتف فَجعلت تَقْرَأهُ عَلَيْهِ وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَتلون وَجهه فَقَالَ وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لَو أَتَاكُم يُوسُف وَأَنا بَيْنكُم فاتبعتموه وتركتموني لَضَلَلْتُمْ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن سعد وَابْن الضريس وَالْحَاكِم فِي الكنى وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن عبد الله بن ثَابت بن الْحَرْث الْأنْصَارِيّ قَالَ: دخل عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِكِتَاب فِيهِ مَوَاضِع من التَّوْرَاة فَقَالَ: هَذِه أصبتها مَعَ رجل من أهل الْكتاب أعرضها عَلَيْك
فَتغير وَجه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تغيراً شَدِيدا لم أر مثله قطّ فَقَالَ عبد الله بن الْحَارِث لعمر رَضِي الله عَنْهُمَا: أما ترى وَجه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ: رَضِينَا بِاللَّه رَبًّا وبالإِسلام دينا وَبِمُحَمَّدٍ نَبيا
فسرى عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ وَلَو نزل مُوسَى فأتبعوه وتركتموني لَضَلَلْتُمْ انا حظكم من النَّبِيين وَأَنْتُم حظي من الْأُمَم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي قلَابَة أَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ مر بِرَجُل يقْرَأ كتابا فاستمعه سَاعَة فَاسْتَحْسَنَهُ فَقَالَ للرجل: اكْتُبْ لي من هَذَا الْكتاب قَالَ: نعم
فَاشْترى أديما فهيأه ثمَّ جَاءَ بِهِ إِلَيْهِ فنسخ لَهُ فِي ظَهره وبطنه ثمَّ أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَجعل يقرأه عَلَيْهِ وَجعل وَجه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَتلون فَضرب رجل من الْأَنْصَار بِيَدِهِ الْكتاب وَقَالَ: ثكلتك أمك يَا ابْن الْخطاب أما ترى وَوجه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُنْذُ الْيَوْم وَأَنت تقْرَأ عَلَيْهِ هَذَا الْكتاب فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عِنْد ذَلِك إِنَّمَا بعثت فاتحاً وخاتماً وَأعْطيت جَوَامِع الْكَلم وفواتحه وَاخْتصرَ لي الحَدِيث اختصاراً فَلَا يهلكنكم المتهوكون
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ وَضَعفه عَن عمر بن الْخطاب قَالَ: سَأَلت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن تعلم التَّوْرَاة فَقَالَ لَا تتعلمها وآمن بهَا وتعلموا مَا أنزل إِلَيْكُم وآمنوا بِهِ(6/472)
وَأخرج ابْن الضريس عَن الْحسن أَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: يَا رَسُول الله إِن أهل الْكتاب يحدثونا بِأَحَادِيث قد أخذت بقلوبنا وَقد هممنا أَن نكتبها فَقَالَ يَا ابْن الْخطاب أمتهوكون أَنْتُم كَمَا تهوكت الْيَهُود والنصاري أما وَالَّذِي نفس مُحَمَّد بِيَدِهِ لقد جِئتُكُمْ بهَا بَيْضَاء نقية وَلَكِنِّي أَعْطَيْت جَوَامِع الْكَلم واخْتُصِرَ لي الحَدِيث اختصاراً
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن ابْن أبي ملكية قَالَ: أهْدى عبد الله بن عَامر بن كرز إِلَى عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا هَدِيَّة فظنت أَنه عبد الله بن عَمْرو فَردَّتهَا وَقَالَت: يتتبع الْكتب وَقد قَالَ الله {أَو لم يَكفهمْ أَنا أنزلنَا عَلَيْك الْكتاب يُتْلَى عَلَيْهِم} فَقيل لَهَا: إِنَّه عبد الله بن عَامر
فَقَبلتهَا(6/473)
وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَوْلَا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجَاءَهُمُ الْعَذَابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (53) يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ (54) يَوْمَ يَغْشَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَيَقُولُ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (55)
- قَوْله تَعَالَى: ويستعجلونك بِالْعَذَابِ وَلَوْلَا أجل مُسَمّى لجاءهم الْعَذَاب وليأتينهم بَغْتَة وهم لَا يَشْعُرُونَ يستعجلونك بِالْعَذَابِ وَإِن جَهَنَّم لمحيطة بالكافرين يَوْم يَغْشَاهُم الْعَذَاب من فَوْقهم وَمن تَحت أَرجُلهم وَيَقُول ذوقوا مَا كُنْتُم تَعْمَلُونَ
أخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة {ويستعجلونك بِالْعَذَابِ} قَالَ: قَالَ نَاس من جهلة هَذِه الْأمة {اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَذَا هُوَ الْحق من عنْدك فَأمْطر علينا حِجَارَة من السَّمَاء أَو ائتنا بِعَذَاب أَلِيم}
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله {وليأتينهم بَغْتَة وهم لَا يَشْعُرُونَ} قَالَ: يَوْم بدر
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وَإِن جَهَنَّم لمحيطة بالكافرين} قَالَ: جَهَنَّم هُوَ هَذَا الْبَحْر الْأَخْضَر تنتثر الْكَوَاكِب فِيهِ وَيكون فِيهِ الشَّمْس وَالْقَمَر ثمَّ تستوقد ثمَّ يكون هُوَ جَهَنَّم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله {وَإِن جَهَنَّم لمحيطة} قَالَ: الْبَحْر(6/473)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {يَوْم يَغْشَاهُم الْعَذَاب} قَالَ: النَّار(6/474)
يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ (56)
- قَوْله تَعَالَى: يَا عبَادي الَّذين آمنُوا إِن أرضي وَاسِعَة فإياي فاعبدون
- أخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن جرير وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {يَا عبَادي الَّذين آمنُوا إِن أرضي وَاسِعَة} قَالَ: إِذا عمل فِي الأَرْض بِالْمَعَاصِي فأخرجوا مِنْهَا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن سعد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {إِن أرضي وَاسِعَة} قَالَ: من أَمر بِمَعْصِيَة فليهرب
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {يَا عبَادي الَّذين آمنُوا إِن أرضي وَاسِعَة فإياي فاعبدون} قَالَ: فَهَاجرُوا وَجَاهدُوا
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي الْعُزْلَة وَابْن جرير عَن عَطاء فِي الْآيَة قَالَ: إِذا أمرْتُم بِالْمَعَاصِي فاذهبوا فَإِن أرضي وَاسِعَة
وَأخرج أَحْمد عَن الزبير بن الْعَوام رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْبِلَاد بِلَاد الله والعباد عباد الله فَحَيْثُمَا أصبت خيرا فأقم
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ والقضاعي والشيرازي فِي الألقاب والخطيب وَابْن النجار وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سافروا وتصحوا وتغنموا(6/474)
كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (57) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (58) الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (59)
- قَوْله تَعَالَى: كل نفس ذائقة الْمَوْت ثمَّ إِلَيْنَا ترجعون وَالَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات لنبوئنهم من الْجنَّة غرفا تجْرِي من تحتهَا الْأَنْهَار خَالِدين فِيهَا نعم أجر العاملين الَّذين صَبَرُوا وعَلى رَبهم يَتَوَكَّلُونَ
أخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم(6/474)
لما نزلت هَذِه الْآيَة إِنَّك ميت وَإِنَّهُم ميتون) قلت: يَا رب أيموت الْخَلَائق كلهم [] وَتبقى الْأَنْبِيَاء نزلت {كل نفس ذائقة الْمَوْت ثمَّ إِلَيْنَا ترجعون}(6/475)
وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (60) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (61) اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (62) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (63)
- قَوْله تَعَالَى: وكأين من دَابَّة لَا تحمل رزقها الله يرزقها وَإِيَّاكُم وَهُوَ السَّمِيع الْعَلِيم وَلَئِن سَأَلْتُم من خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض وسخر الشَّمْس وَالْقَمَر ليَقُولن الله فَأنى يؤفكون الله يبسط الرزق لمن يَشَاء من عباده وَيقدر لَهُ إِن الله بِكُل شَيْء عليم وَلَئِن سَأَلْتُم من نزل من السَّمَاء ماءا فأحيا بِهِ الأَرْض من بعد مَوتهَا ليَقُولن الله قل الْحَمد لله بل أَكْثَرهم لايعقلون
أخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ وَابْن عَسَاكِر بِسَنَد ضَعِيف عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: خرجت مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى دخل بعض حيطان الْمَدِينَة فَجعل يلتقط من التَّمْر وَيَأْكُل فَقَالَ يَا ابْن عمر مَالك لَا تَأْكُل قلت: لَا أشتهيه يَا رَسُول الله
قَالَ: لكني أشتهيه وَهَذِه صبح رَابِعَة مُنْذُ لم أذق طَعَاما وَلم أَجِدهُ وَلَو شِئْت لَدَعَوْت رَبِّي فَأَعْطَانِي مثل ملك كسى وَقَيْصَر فَكيف بك يَا ابْن عمر إِذا بقيت فِي قوم يخبؤون رزق سنتهمْ ويضعف الْيَقِين قَالَ: فو الله مَا برحنا ولارمنا حَتَّى نزلت {وكأين من دَابَّة لَا تحمل رزقها الله يرزقها وَإِيَّاكُم وَهُوَ السَّمِيع الْعَلِيم} فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن الله لم يَأْمُرنِي بكنز الدُّنْيَا وَلَا بِاتِّبَاع الشَّهَوَات أَلا وَإِنِّي لَا أكنز دِينَارا وَلَا درهما وَلَا أدخر رزقا لغد
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وكأين من دَابَّة لَا تحمل رزقها} قَالَ: الطير والبهائم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن عَليّ بن الْأَقْمَر فِي قَوْله {وكأين من دَابَّة لَا تحمل رزقها} قَالَ: لَا تظفر شَيْئا لغد
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن أبي مجلز فِي الْآيَة قَالَ: من الدَّوَابّ لَا يَسْتَطِيع أَن يدّخر لغد يوفق رزقه كل يَوْم حَتَّى يَمُوت(6/475)
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة {فَأنى يؤفكون} قَالَ: يعدلُونَ(6/476)
وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (64) فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ (65) لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (66)
- قَوْله تَعَالَى: وَمَا هَذِه الْحَيَاة الدُّنْيَا إِلَّا لخو وَلعب وَإِن الدَّار الْآخِرَة لهي الْحَيَوَان لَو كَانُوا يعلمُونَ فَإِذا ركبُوا فِي الْفلك دعوا الله مُخلصين لَهُ الدّين فَلَمَّا نجاهم إِلَى الْبر إِذا هم يشركُونَ ليكفروا بِمَا آتَيْنَاهُم وليتمتعوا فَسَوف يعلمُونَ
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وَإِن الدَّار الْآخِرَة لهي الْحَيَوَان} قَالَ: بَاقِيَة
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله {لهي الْحَيَوَان} قَالَ: الْحَيَاة الدائمة
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الْإِيمَان عَن أبي جَعْفَر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَا عجبا كل الْعجب للمصدق بدار الْحَيَوَان وَهُوَ يسْعَى لدار الْغرُور
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {فَإِذا ركبُوا فِي الْفلك} قَالَ: الْخلق كلهم يُقِرُّونَ لله أَنه رَبهم ثمَّ يشركُونَ بعد ذَلِك
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {فتمتعوا فَسَوف تعلمُونَ} قَالَ: مَا كَانَ فِي الدُّنْيَا فَسَوف تَرَوْنَهُ وَمَا كَانَ فِي الْآخِرَة فسيبدو لكم(6/476)
أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ (67) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ (68) وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (69)
- قَوْله تَعَالَى: أولم يرَوا أَنا جعلنَا حرما آمنا وَيُتَخَطَّف النَّاس من حَولهمْ أفبالباطل يُؤمنُونَ وبنعمة الله يكفرون وَمن أظلم مِمَّن افترى على الله كذبا أَو كذب بِالْحَقِّ لما جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّم مثوى للْكَافِرِينَ وَالَّذين جاهدوا فِينَا لنهدينهم سبلنا وَإِن الله لمع الْمُحْسِنِينَ(6/476)
أخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {أَو لم يرَوا أَنا جعلنَا حرما آمنا} قَالَ: قد كَانَ لَهُم فِي ذَلِك آيَة إِن النَّاس يغزون ويتخطفون وهم آمنون {أفبالباطل يُؤمنُونَ} أَي بالشرك {وبنعمة الله يكفرون} أَي يجحدون
وَأخرج جُوَيْبِر عَن الضَّحَّاك عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَنهم قَالُوا: يَا مُحَمَّد مَا يمنعنا أَن ندخل فِي دينك إِلَّا مَخَافَة أَن يتخطفنا النَّاس لقلتنا وَالْعرب أَكثر منا فَمَتَى بَلغهُمْ أَنا قد دَخَلنَا فِي دينك اختطفنا فَكُنَّا أَكلَة رَأس
فَأنْزل الله {أَو لم يرَوا أَنا جعلنَا حرما آمنا} العنكبوت الْآيَة 67(6/477)
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم -
سُورَة الرّوم
مَكِّيَّة وآياتها سِتُّونَ
- مُقَدّمَة سُورَة الرّوم أخرج ابْن الضريس والنحاس وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل من طرق عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: نزلت سُورَة الرّوم بِمَكَّة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن الزبير
مثله
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَأحمد بِسَنَد حسن عَن رجل من الصَّحَابَة
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى بهم الصُّبْح فَقَرَأَ فِيهَا سُورَة الرّوم
وَأخرج الْبَزَّار عَن الاغر الْمُزنِيّ رَضِي الله عَنهُ
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَرَأَ فِي صَلَاة الصُّبْح بِسُورَة الرّوم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن معمر بن عبد الْملك بن عُمَيْر
أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَرَأَ فِي الْفجْر يَوْم الْجُمُعَة بِسُورَة الرّوم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة فِي المُصَنّف وَأحمد وَابْن قَانِع من طَرِيق عبد الْملك بن عُمَيْر عَن أبي روح رَضِي الله عَنهُ قَالَ: صلى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الصُّبْح فَقَرَأَ سُورَة الرّوم فتردد فِيهَا فَلَمَّا انْصَرف قَالَ انما يلبس علينا صَلَاتنَا قوم يحْضرُون الصَّلَاة بِغَيْر طهُور من شهد الصَّلَاة فليحسن الطّهُور(6/478)
الم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (5) وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (6)
- الم غلبت الرّوم فِي أدنى الأَرْض وهم من بعد غلبهم سيغلبون فِي بضع سِنِين لله الْأَمر من قبل وَمن بعد ويومئذ يفرح الْمُؤْمِنُونَ بنصر الله ينصر من يَشَاء وَهُوَ الْعَزِيز الرَّحِيم وعد الله لَا يخلف الله وعده وَلَكِن أَكثر النَّاس لَا يعلمُونَ(6/478)
أخرج أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه وَالنَّسَائِيّ وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل والضياء عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {الم غلبت الرّوم} قَالَ: غلبت
وغلبت قَالَ: كَانَ الْمُشْركُونَ يحبونَ أَن تظهر فَارس على الرّوم لأَنهم أَصْحَاب أوثان وَكَانَ الْمُسلمُونَ يحبونَ أَن تظهر الرّوم على فَارس لأَنهم أَصْحَاب كتاب فذكروه لأبي بكر رَضِي الله عَنهُ فَذكره أَبُو بكر لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أما أَنهم سيغلبون فَذكره أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ لَهُم فَقَالُوا: اجْعَل بَيْننَا وَبَيْنك أَََجَلًا فَإِن ظهرنا كَانَ لنا كَذَا وَكَذَا وَإِن ظهرتم كَانَ لكم كَذَا وَكَذَا
فَجعل بَينهم أَََجَلًا خمس سِنِين فَلم يظهروا فَذكر ذَلِك أَبُو بكر لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: الا جعلته أرَاهُ قَالَ: دون الْعشْر فظهرت الرّوم بعد ذَلِك فَذَلِك قَوْله {الم غلبت الرّوم} فَغلبَتْ ثمَّ غلبت بعد
يَقُول الله {لله الْأَمر من قبل وَمن بعد ويومئذ يفرح الْمُؤْمِنُونَ بنصر الله} قَالَ سُفْيَان: سَمِعت أَنهم قد ظَهَرُوا عَلَيْهِم يَوْم بدر
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ فَارس ظَاهِرين على الرّوم وَكَانَ الْمُشْركُونَ يحبونَ أَن تظهر فَارس على الرّوم وَكَانَ الْمُسلمُونَ يحبونَ أَن تظهر الرّوم على فَارس لأَنهم أهل كتاب وهم أقرب إِلَى دينهم
فَلَمَّا نزلت {الم غلبت الرّوم فِي أدنى الأَرْض وهم من بعد غلبهم سيغلبون فِي بضع سِنِين} قَالُوا: يَا أَبَا بكر إِن صَاحبك يَقُول إِن الرّوم تظهر على فَارس فِي بضع سِنِين
قَالَ: صدق قَالُوا: هَل لَك إِلَى أَن نقامرك فَبَايعُوهُ على أَرْبَعَة قَلَائِص إِلَى سبع سِنِين فَمضى السَّبع سِنِين وَلم يكن شَيْء
ففرح الْمُشْركُونَ بذلك وشق على الْمُسلمين
وَذكر ذَلِك للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ مَا بضع سِنِين قَالَ: فَمَا مَضَت السنتان حَتَّى جَاءَت الركْبَان بِظُهُور الرّوم على فَارس ففرح الممؤمنون بذلك وَأنزل الله {الم غلبت الرّوم} إِلَى قَوْله {وعد الله لَا يخلف الله وعده}
وَأخرج أيو يعلى وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَابْن عَسَاكِر عَن الْبَراء بن عَازِب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما أنزلت {الم غلبت الرّوم} قَالَ الْمُشْركُونَ لأبي بكر(6/479)
رَضِي الله عَنهُ: أَلا ترى إِلَى مَا يَقُول صَاحبك
يزْعم أَن الرّوم تغلب فَارس قَالَ: صدق صَاحِبي
قَالُوا: هَل لَك أَن نخاطرك فَجعل بَينه وَبينهمْ أَََجَلًا فَحل الْأَجَل قبل أَن يبلغ الرّوم فَارس فَبلغ ذَلِك النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فساءه وَكَرِهَهُ وَقَالَ لأبي بكر مَا دعَاك إِلَى هَذَا قَالَ: تَصْدِيقًا لله وَرَسُوله فَقَالَ: تعرض لَهُم وَأعظم الْخطر واجعله إِلَى بضع سِنِين
فَأَتَاهُم أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ: هَل لكم فِي الْعود فَإِن الْعود أَحْمد قَالُوا: نعم
ثمَّ لم تمض تِلْكَ السنون حَتَّى غلبت الرّوم فَارس وربطوا خيولهم بِالْمَدَائِنِ وبنوا الرومية فقمر أَبُو بكر فجَاء بِهِ أَبُو بكر يحملهُ إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: هَذَا السُّحت تصدق بِهِ
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَالدَّارقطني فِي الافراد وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم فِي الدَّلَائِل وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن يسَار بن مكرم السّلمِيّ قَالَ: لما نزلت {الم غلبت الرّوم}
كَانَت فَارس يَوْم نزلت هَذِه الْآيَة قاهرين الرّوم وَكَانَ الْمُسلمُونَ يحبونَ ظُهُور الرّوم عَلَيْهِم لِأَنَّهُمَا وإياهم أهل كتاب وَفِي ذَلِك يَقُول الله {ويومئذ يفرح الْمُؤْمِنُونَ بنصر الله} وَكَانَت قُرَيْش تحب ظُهُور فَارس لأَنهم وإياهم لَيْسُوا أهل كتاب وَلَا إِيمَان ببعث فَلَمَّا أنزل الله هَذِه الْآيَة خرج أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ يَصِيح فِي نواحي مَكَّة {الم غلبت الرّوم فِي أدنى الأَرْض وهم من بعد غلبهم سيغلبون فِي بضع سِنِين} فَقَالَ نَاس من قُرَيْش لأبي بكر: ذَاك بَيْننَا وَبَيْنكُم يزْعم صَاحبك إِن الرّوم ستغلب فَارس فِي بضع سِنِين أَفلا نراهنك على ذَاك قَالَ: بلَى - وَذَلِكَ قبل تَحْرِيم الرِّهَان - فارتهن أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ الْمُشْركُونَ وتواضعوا الرِّهَان وَقَالُوا لأبي بكر: لم تجْعَل الْبضْع ثَلَاث سِنِين إِلَى تسع سِنِين فسم بَيْننَا وَبَيْنك وسطا تَنْتَهِي إِلَيْهِ قَالَ: فسموا بَينهم سِتّ سِنِين فمضت السِّت قبل أَن يظهروا فَأخذ الْمُشْركُونَ رهن أبي بكر رَضِي الله عَنهُ فَلَمَّا دخلت السّنة السابعه ظَهرت الرّوم على فَارس فعاب الْمُسلمُونَ على أبي بكر رَضِي الله عَنهُ بتسميته سِتّ سِنِين قَالَ: لِأَن الله قَالَ {فِي بضع سِنِين} فَأسلم عِنْد ذَلِك نَاس كثير
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَحسنه وَابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لأبي بكر رَضِي الله عَنهُ: لما نزلت {الم غلبت الرّوم} أَلا يغالب الْبضْع دون الْعشْر(6/480)
وَأخرج ابْن عبد الحكم فِي فتوح مصر وَابْن أبي حَاتِم وة وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل وَابْن عَسَاكِر عَن ابْن شهَاب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: بلغنَا أَن الْمُشْركين كَانُوا يجادلون الْمُسلمين وهم بِمَكَّة يَقُولُونَ: الرّوم أهل كتاب وَقد غلبتهم الْفرس وَأَنْتُم تَزْعُمُونَ أَنكُمْ ستغلبون بِالْكتاب الَّذِي أنزل على نَبِيكُم وسنغلبكم كَمَا غلبت فَارس الرّوم فَأنْزل الله {الم غلبت الرّوم} قَالَ ابْن شهابك فاخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبَة بن مَسْعُود قَالَ: إِنَّه لما نزلت هَاتَانِ الْآيَتَانِ فَأمر أَبُو بكر بعض الْمُشْركين - قبل أَن يحرم الْقمَار - على شَيْء إِن لم تغلب الرّوم فَارس فِي بضع سِنِين فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم فعلت فَكل مَا دون الْعشْر بضع فَكَانَ ظُهُور فَارس على الرّوم فِي سبع سِنِين ثمَّ أظهر الله الرّوم على فَارس زمن الْحُدَيْبِيَة ففرح الْمُسلمُونَ بِظُهُور أهل الْكتاب
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَحسنه وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي سعيد قَالَ: كَانَ يَوْم بدر ظَهرت الرّوم على قارس فأعجب ذَلِك الْمُؤمنِينَ فَنزلت {الم غلبت الرّوم} قَرَأَهَا بِالنّصب إِلَى قَوْله {يفرح الْمُؤْمِنُونَ بنصر الله} قَالَ: ففرح المؤمنو بِظُهُور الرّوم على فَارس قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَكَذَا قَرَأَ {غلبت}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل وَابْن عَسَاكِر من طَرِيق عَطِيَّة الْعَوْفِيّ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {الم غلبت الرّوم} قَالَ: قد مضى
كَانَ ذَلِك فِي أهل فَارس وَالروم وَكَانَت فَارس قد غلبتهم ثمَّ غلبت الرّوم بعد ذَلِك والتقى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَعَ مُشْركي الْعَرَب وَنصر أهل الْكتاب على الْعَجم
قَالَ عَطِيَّة: وَسَأَلت أَبَا سعيد الْخُدْرِيّ عَن ذَلِك عَن ذَلِك فَقَالَ: الْتَقَيْنَا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ومشركي الْعَرَب والتقت الرّوم وَفَارِس فنصرنا على مُشْركي الْعَرَب وَنصر أهل الْكتاب على الْمَجُوس ففرحنا بنصر الله إيانا على الْمُشْركين وفرحنا بنصر أهل الْكتاب على الْمَجُوس فَذَلِك قَوْله {ويومئذ يفرح الْمُؤْمِنُونَ بنصر الله}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ عَن قَتَادَة {الم غلبت الرّوم فِي أدنى الأَرْض} قَالَ: غلبتهم أهل فَارس على أدنى أَرْضك الشَّام
{وهم من بعد غلبهم سيغلبون} قَالَ: لما أنزل الله هَؤُلَاءِ الْآيَات صدق الْمُسلمُونَ رَبهم وَعرفُوا أَن الرّوم(6/481)
ستظهر على أهل فَارس فاقتمروا هم وَالْمُشْرِكُونَ خمس قَلَائِص وأجلوا بَينهم خمس سِنِين فولي قمار الْمُسلمين أَبُو بكر وَولي قمار الْمُشْركين أبي بن خلف - وَذَلِكَ قبل أَن ينْهَى عَن الْقمَار - فجَاء الْأَجَل وَلم تظهر الرّوم على فَارس فَسَأَلَ الْمُشْركُونَ قمارهم فَذكر ذَلِك أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ ألم تَكُونُوا أَحِقَّاءَ أَن تؤجلوا أَََجَلًا دون الْعشْر فَإِن الْبضْع مَا بَين الثَّلَاث إِلَى الْعشْر فزايدوهم وَمَا دوهم فِي الْأَجَل فأظهر الله الرّوم على فَارس عِنْد رَأس السَّبع من قمارهم الأول فَكَانَ ذَلِك مرجعهم من الحديبيه وَكَانَ مِمَّا شدّ الله بِهِ الإِسلام فَهُوَ قَوْله {ويومئذ يفرح الْمُؤْمِنُونَ بنصر الله}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ عَن الزبير الْكلابِي قَالَ: رَأَيْت غَلَبَة فَارس الرّوم ثمَّ رَأَيْت غَلَبَة الرّوم فَارس ثمَّ رَأَيْت غَلَبَة الْمُسلمين فَارس وَالروم وظهورهم على الشَّام وَالْعراق
كل ذَلِك فِي خمس عشرَة سنة
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن أبي الدَّرْدَاء رَضِي الله عَنهُ قَالَ: سَيَجِيءُ أَقوام يقرأون {غلبت الرّوم} وَإِنَّمَا هِيَ {غُلبت}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عبد الرَّحْمَن بن غنم قَالَ: سَأَلت معَاذ بن جبل رَضِي الله عَنهُ عَن قَول الله {الم غلبت الرّوم} أَو {غلبت} فَقَالَ: اقرأني رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {الم غلبت الرّوم}
وَأخرج ابْن عبد الحكم فِي فتوح مصر وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {الم غلبت الرّوم} قَالَ: غلبتهم فَارس ثمَّ غلبت الرّوم فَارس
وَفِي قَوْله {فِي أدنى الأَرْض} قَالَ: فِي طرف الأَرْض: الشَّام
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الْبضْع مَا بَين السَّبع إِلَى الْعشْرَة وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَابْن مرْدَوَيْه عَن نيار بن مكرم قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْبضْع: مَا بَين الثَّلَاث إِلَى التسع
وَأخرج ابْن عبد الحكم فِي فتوح مصر من طَرِيق ابراهيم بن سعد عَن أبي الْحُوَيْرِث رَضِي الله عَنهُ
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ {بضع سِنِين} مَا بَين خمس إِلَى سبع(6/482)
وَأخرج ابْن عبد الحكم من طَرِيق الْكَلْبِيّ عَن أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ الْبضْع سبع سِنِين
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {الم غلبت الرّوم} إِلَى قَوْله {أَكثر النَّاس لَا يعلمُونَ} قَالَ: ذكر غَلَبَة فَارس اياهم وادالة الرّوم على فَارس وَفَرح الْمُؤْمِنُونَ بنصر الله أهل الْكتاب على فَارس من أهل الْأَوْثَان
وَأخرج ابْن جرير عَن عِكْرِمَة أَن الرّوم وَفَارِس اقْتَتَلُوا فِي أدنى الأَرْض قَالَ: وَأدنى الأَرْض يَوْمئِذٍ أَذْرُعَات
بهَا الْتَقَوْا فهزمت الرّوم فَبلغ ذَلِك النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه وهم بِمَكَّة فشق ذَلِك عَلَيْهِم وَكَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يكره أَن يظْهر الأميون من الْمَجُوس على أهل الْكتاب من الرّوم وَفَرح الْكفَّار بِمَكَّة وشمتوا فَلَقوا أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالُوا: انكم أهل الْكتاب وَإِنَّكُمْ إِن قَاتَلْتُمُونَا لَنَظْهَرَنَّ عَلَيْكُم
فَأنْزل الله {الم غلبت الرّوم}
فَخرج أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ إِلَى الْكفَّار فَقَالَ: فرحتم بِظُهُور إخْوَانكُمْ على اخواننا فَلَا تفرحوا وَلَا يقرن الله عينكم فوَاللَّه لَتظْهرنَّ الرّوم على فَارس أخبرنَا بذلك نَبينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَامَ إِلَيْهِ أبي بن خلف فَقَالَ: كذبت
فَقَالَ لَهُ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ: أَنْت أكذب يَا عَدو الله
قَالَ: إِنَّا أحبك عشر قَلَائِص مني وَعشر فلائص مِنْك فَإِن ظَهرت الرّوم على فَارس غرمت وَإِن ظَهرت فَارس غرمت إِلَى ثَلَاث سِنِين فجَاء أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأخْبرهُ فَقَالَ مَا هَكَذَا ذكرت إِنَّمَا الْبضْع من الثَّلَاث إِلَى التسع فَزَايِدْهُ فِي الْخطر وَمَاده فِي الْأَجَل فَخرج أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ فلقي أَبَيَا فَقَالَ: لَعَلَّك نَدِمت قَالَ: لَا
قَالَ: تعال أُزَايِدك فِي الْخطر وَأُمَادّك فِي الْأَجَل فاجعلها مائَة قلُوص إِلَى تسع سِنِين قَالَ: قد فعلت
وَأخرج ابْن جرير عَن سليط قَالَ: سَمِعت ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا يقْرَأ {الم غلبت الرّوم} قيل لَهُ: يَا أَبَا عبد الرَّحْمَن على أَي شَيْء غلبوا قَالَ: على ريف الشَّام
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن جريج {لله الْأَمر من قبل} دولة فَارس على الرّوم {وَمن بعد} دولة الرّوم على فَارس(6/483)
يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ (7) أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ (8) أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (9) ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَى أَنْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ (10) اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (11) وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ (12) وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَكَائِهِمْ شُفَعَاءُ وَكَانُوا بِشُرَكَائِهِمْ كَافِرِينَ (13)
- قَوْله تَعَالَى: يعلمُونَ ظَاهرا من الْحَيَاة الدُّنْيَا وهم عَن الْآخِرَة هم غافلون أولم يتفكروا فِي أنفسهم مَا خلق الله السَّمَوَات وَالْأَرْض وَمَا بَينهمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأجل مُسَمّى وَإِن كثيرا من النَّاس بلقاء رَبهم لكافرون أولم يَسِيرُوا فِي الأَرْض فينظروا كَيفَ كَانَ عَاقِبَة الَّذين من قبلهم كَانُوا أَشد مِنْهُم قُوَّة وأثاروا الأَرْض وعمروها أَكثر مِمَّا عمروها وجاءتهم رسلهم بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ الله ليظلمهم وَلَكِن كَانُوا أنفسهم يظْلمُونَ ثمَّ كَانَ عَاقِبَة الَّذين أساؤوا السوء أَن كذبُوا بآيَات الله وَكَانُوا بهَا يستهزؤون الله يبدؤ الْخلق ثمَّ يُعِيدهُ ثمَّ إِلَيْهِ ترجعون وَيَوْم تقوم السَّاعَة يبلس المجرمون وَلم يكن لَهُم من شركائهم شُفَعَاء وَكَانُوا بشركائهم كَافِرين
أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {يعلمُونَ ظَاهرا من الْحَيَاة الدُّنْيَا} يَعْنِي مَعَايشهمْ
مَتى يغرسون وَمَتى يزرعون وَمَتى يحصدون
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {يعلمُونَ ظَاهرا من الْحَيَاة الدُّنْيَا} يعْرفُونَ عمرَان الدُّنْيَا
وهم فِي أَمر الْآخِرَة جهال
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قتاردة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {يعلمُونَ ظَاهرا من الْحَيَاة الدُّنْيَا} قَالَ: يعلمُونَ تجارتها وحرفتها وَبَيْعهَا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {يعلمُونَ ظَاهرا من الْحَيَاة الدُّنْيَا} قَالَ: مَعَايشهمْ وَمَا يصلحهم
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ فِي الْآيَة قَالَ: ليبلغ من حذق أحدهم بِأَمْر دُنْيَاهُ أَنه يقلب الدِّرْهَم على ظفره فيخبرك بوزنة وَمَا يحسن يُصَلِّي
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عبد الله بن عَمْرو فِي قَوْله {كَانُوا هم أَشد مِنْهُم قُوَّة} قَالَ:(6/484)
كَانَ الرجل مِمَّن كَانَ قبلكُمْ بَين مَنْكِبَيْه ميل
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وأثاروا الأَرْض} قَالَ: حرثوا الأَرْض
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله {وأثاروا الأَرْض} يَقُول: جنانها وأنهارها وزروعها {وعمروها أَكثر مِمَّا عمروها} يَقُول: عاشوا فِيهَا أَكثر من عيشكم فِيهَا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {ثمَّ كَانَ عَاقِبَة الَّذين أساؤوا السوأى} قَالَ: الَّذين كفرُوا جزاؤهم الْعَذَاب
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي الْآيَة قَالَ {السوأى} الاساءة جَزَاء المسيئين
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {يبلس} قَالَ: ييأس
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {يبلس} قَالَ: يكتئب
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ قَالَ {يبلس} قَالَ: يكتئب
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: الابلاس الفضيحة(6/485)
وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ (14) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ (15) وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآخِرَةِ فَأُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ (16)
- قَوْله تَعَالَى: وَيَوْم تقوم السَّاعَة يَوْمئِذٍ يتفرقون فَأَما الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات فهم فِي رَوْضَة يحبرون وَأما الَّذين كفرُوا وكذبوا بِآيَاتِنَا ولقاء الْآخِرَة فَأُولَئِك فِي الْعَذَاب محضرون
أخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَيَوْم تقوم السَّاعَة يَوْمئِذٍ يتفرقون} قَالَ: فرقة لَا اجْتِمَاع بعْدهَا(6/485)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {يَوْمئِذٍ يتفرقون} قَالَ: هَؤُلَاءِ فِي عليين وَهَؤُلَاء فِي أَسف سافلين
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي مَالك فِي قَوْله {فِي رَوْضَة} يَعْنِي بساتين الْجنَّة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فِي رَوْضَة يحبرون} قَالَ: فِي جنَّة يكرمون
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {يحبرون} قَالَ: يكرمون
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {يحبرون} قَالَ: ينعمون
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة وهناد بن السّري وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث والخطيب فِي تَارِيخه عَن يحيى بن أبي كثير {فِي رَوْضَة يحبرون} قَالَ: لَذَّة السماع فِي الْجنَّة
وَأخرج عبد بن حميد عَن يحيى بن أبي كثير فِي قَوْله (يحبرون) قيل: يَا رَسُول الله مَا الحبر قَالَ اللَّذَّة وَالسَّمَاع
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن الْأَوْزَاعِيّ فِي قَوْله {فِي رَوْضَة يحبرون} قَالَ: هوالسماع إِذا أَرَادَ أهل الْجنَّة أَن يطربوا أوحى الله إِلَى ريَاح يُقَال لَهَا: الهفافة
فَدخلت فِي آجام قصب اللُّؤْلُؤ الرطب فحركته فَضرب بعضه بَعْضًا فتطرب الْجنَّة فَإِذا طربت لم يبْق فِي الْجنَّة شَجَرَة إِلَّا وَردت
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وهناد وَابْن جرير وَالْبَيْهَقِيّ عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ
أَنه سُئِلَ هَل فِي الْجنَّة سَماع فَقَالَ: إِن فِيهَا لشَجَرَة يُقَال لَهَا القيض لَهَا سَماع لم يسمع السامعون إِلَى مثله
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي ذمّ الملاهي والاصبهاني فِي التَّرْغِيب عَن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر قَالَ: إِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة يُنَادي مُنَاد أَيْن الَّذين ينزعون أنفسهم عَن اللَّهْو مَزَامِير الشَّيْطَان أسكنوهم رياض الْمسك ثمَّ يَقُول للْمَلَائكَة: أسمعوهم حمدي وثنائي وأعلموهم أَن لَا خوف عَلَيْهِم وَلَا هم يَحْزَنُونَ
وَأخرج الدينَوَرِي فِي المجالسة عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: يُنَادي مُنَاد يَوْم(6/486)
الْقِيَامَة أَيْن الَّذين كَانُوا ينزهون أَصْوَاتهم وأسماعهم عَن اللَّهْو وَمَزَامِير الشَّيْطَان فيحملهم الله فِي رياض الْجنَّة من مسك فَيَقُول للْمَلَائكَة اسمعوا عبَادي تحميدي وتمجيدي وأخبروهم أَن لَا خوف عَلَيْهِم وَلَا هم يَحْزَنُونَ
وَأخرج الديلمي عَن جَابر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة قَالَ الله: أَيْن الَّذين كَانُوا ينزهون اسماعهم وأبصارهم عَن مَزَامِير الشَّيْطَان ميزوهم فيميزون فِي كتب الْمسك والعنبر ثمَّ يَقُول للْمَلَائكَة: أسمعوهم من تسبيحي وتحميدي وتهليلي قَالَ: فيسبحون بِأَصْوَات لم يسمع السامعون بِمِثْلِهَا قطّ
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا والضياء الْمَقْدِسِي كِلَاهُمَا فِي صفة الْجنَّة بِسَنَد صَحِيح عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: فِي الْجنَّة شَجَرَة على سَاق قدر مَا يسير الرَّاكِب الْمجد فِي ظلها مائَة عَام فَيخرج أهل الْجنَّة أهل الغرف وَغَيرهم فيتحدثون فِي ظلها فيشتهي بَعضهم وَيذكر لَهو الدُّنْيَا فَيُرْسل الله ريحًا من الْجنَّة فَتحَرك تِلْكَ الشَّجَرَة بِكُل لَهو كَانَ فِي الدُّنْيَا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن سابط قَالَ: إِن فِي الْجنَّة لشَجَرَة لم يخلق الله من صَوت حسن إِلَّا وَهُوَ فِي جرمها يلذذهم وينعمهم
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رجل: يَا رَسُول الله إِنِّي رجل حبب إليّ الصَّوْت الْحسن فَهَل فِي الْجنَّة صَوت حسن فَقَالَ أَي وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ إِن الله يوحي إِلَى شَجَرَة فِي الْجنَّة: أَن أسمعي عبَادي الَّذين اشتغلوا بعبادتي وذكري عَن عزف البرابط والمزامير فَترفع بِصَوْت لم يسمع الْخَلَائق بِمثلِهِ من تَسْبِيح الرب وتقديسه
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ عَن أبي مُوسَى الاشعري رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من اسْتمع إِلَى صَوت غناء لم يُؤذن لَهُ أَن يسمع الروحانيين فِي الْجنَّة
قيل: وَمن الروحانيون يَا رَسُول الله قَالَ: قراء أهل الْجنَّة
وَأخرج الْخَطِيب فِي الْمُتَّفق والمفترق عَن سعيد بن أبي سعيد الْحَارِثِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِن فِي الْجنَّة آجاما من قصب من ذهب حملهَا اللُّؤْلُؤ اذا اشتها أهل الْجنَّة صَوتا بعث الله ريحًا على تِلْكَ الآجام فأتتهم بِكُل صَوت حسن يشتهونه
وَالله أعلم(6/487)
فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ (17) وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ (18) يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ (19)
- قَوْله تَعَالَى: فسبحان الله حِين تمسون وَحين تُصبحُونَ وَله الْحَمد فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض وعشياً وَحين تظْهرُونَ يخرج الْحَيّ من الْمَيِّت وَيخرج الْمَيِّت من الْحَيّ ويحيي الأَرْض بعد مَوتهَا وَكَذَلِكَ تخرجُونَ
أخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: أدنى مَا يكون من الْحِين بكرَة وعشيا ثمَّ قَرَأَ {فسبحان الله حِين تمسون وَحين تُصبحُونَ}
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالْفِرْيَابِي وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن أبي رزين رَضِي الله عَنهُ قَالَ: جَاءَ نَافِع بن الْأَزْرَق إِلَى ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: هَل تَجِد الصَّلَوَات الْخمس فِي الْقُرْآن قَالَ: نعم
فَقَرَأَ {فسبحان الله حِين تمسون} صَلَاة الْمغرب {وَحين تُصبحُونَ} صَلَاة الصُّبْح {وعشيا} صَلَاة الْعَصْر {وَحين تظْهرُونَ} صَلَاة الظّهْر وَقَرَأَ (وَمن بعد صَلَاة الْعشَاء)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: جمعت هَذِه الْآيَة مَوَاقِيت الصلوة {فسبحان الله حِين تمسون} قَالَ: الْمغرب وَالْعشَاء {وَحين تُصبحُونَ} الْفجْر {وعشيا} الْعَصْر {وَحين تظْهرُونَ} الظّهْر
وَأخرج أَحْمد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن السّني فِي عمل يَوْم وَلَيْلَة وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّعْوَات عَن معَاذ بن أنس رَضِي الله عَنهُ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَلا أخْبركُم لم سمّى الله إِبْرَاهِيم خَلِيله الَّذِي وفى لِأَنَّهُ كَانَ يَقُول كلما أصبح وَأمسى {فسبحان الله حِين تمسون وَحين تُصبحُونَ وَله الْحَمد فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض وعشياً وَحين تظْهرُونَ}
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن السّني وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من قَالَ حِين يصبح {فسبحان الله حِين تمسون وَحين تُصبحُونَ وَله الْحَمد فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض وعشياً وَحين تظْهرُونَ يخرج الْحَيّ من الْمَيِّت وَيخرج الْمَيِّت من الْحَيّ ويحيي الأَرْض بعد مَوتهَا وَكَذَلِكَ تخرجُونَ} أدْرك مَا(6/488)
فَاتَهُ فِي يَوْمه وَمن قَالَهَا حِين يُمْسِي أدْرك مَا فَاتَهُ من ليلته
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه والخرائطي فِي مَكَارِم الْأَخْلَاق عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من قَالَ حِين أصبح سُبْحَانَ الله وَبِحَمْدِهِ ألف مرّة فقد اشْترى نَفسه من الله وَكَانَ آخر يَوْمه عتيقاً من النَّار
وَأخرج ابْن ماجة فِي تَفْسِيره وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ: أما الْحَمد فقد عَرفْنَاهُ فقد يحمد الْخَلَائق بَعضهم بَعْضًا وَأما لَا إِلَه إِلَّا الله فقد عرفناها فقد عبدت الْآلهَة من دون الله وَأما الله أكبر فقد يكبر الْمُصَلِّي وَأما سُبْحَانَ الله فَمَا هُوَ فَقَالَ رجل من الْقَوْم: الله أعلم فَقَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ: قد شقي عمر إِن لم يكن يعلم أَن الله يعلم فَقَالَ عَليّ رَضِي الله عَنهُ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ اسْم مَمْنُوع أَن يَنْتَحِلهُ أحد من الْخَلَائق وَإِلَيْهِ يفزع الْخلق واحب أَن يُقَال لَهُ فَقَالَ: هُوَ كَذَاك
وَأخرج أَحْمد وَالْحَاكِم والضياء عَن أبي سعيد وَأبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنْهُمَا
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن الله اصْطفى من الْكَلَام أَرْبعا
سُبْحَانَ الله وَالْحَمْد لله وَلَا إِلَه إِلَّا الله وَالله أكبر
فَمن قَالَ سُبْحَانَ الله
كتبت لَهُ عشرُون حَسَنَة وحطت عَنهُ عشرُون سَيِّئَة وَمن قَالَ الله أكبر
مثل ذَلِك وَمن قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله
مثل ذَلِك وَمن قَالَ الْحَمد لله رب الْعَالمين
من قبل نَفسه لَهُ ثَلَاثُونَ حَسَنَة وحطت عَنهُ ثَلَاثُونَ سَيِّئَة
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن الْحسن الْبَصْرِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: من قَرَأَ الْآيَات {فسبحان الله حِين تمسون وَحين تُصبحُونَ} إِلَى آخرهَا
لم يفته شَيْء فِي يَوْمه وَلَيْلَته وَأدْركَ مَا فَاتَهُ من يَوْمه وَلَيْلَته(6/489)
وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ (20) وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21) وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ (22) وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (23) وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (24) وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ (25) وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ (26)
- قَوْله تَعَالَى: وَمن آيَاته أَن خَلقكُم من تُرَاب ثمَّ إِذا أَنْتُم بشرتنتشرون وَمن آيَاته إِن خلق لكم من أَنفسكُم أَزْوَاجًا لتسكنوا إِلَيْهَا وَجعل بَيْنكُم مَوَدَّة وَرَحْمَة إِن فِي ذَلِك لآيَات لقوم يتفكرون وَمن آيَاته خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض وإختلاف أَلْسِنَتكُم وألوانكم إِن فِي ذَلِك لآيَات(6/489)
للْعَالمين وَمن آيَاته منامكم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَار وابتغاؤكم من فَضله إِن فِي ذَلِك لآيَات لقوم يسمعُونَ وَمن آيَاته يريكم الْبَرْق خوفًا وَطَمَعًا وَينزل من السَّمَاء مَاء فيحيي بِهِ الأَرْض بعد مَوتهَا إِن فِي ذَلِك لآيَات لقوم يعْقلُونَ وَمن آيَاته أَن تقوم السَّمَاء وَالْأَرْض بأَمْره ثمَّ إِذا دعَاكُمْ دَعْوَة من الأَرْض إِذا أَنْتُم تخرجُونَ وَله من فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض كل لَهُ قانتون
أخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَمن آيَاته} قَالَ: كل شَيْء فِي الْقُرْآن آيَات
بذلك تعرفُون الله
إِنَّكُم لن تروه فتعرفونه على رُؤْيَة وَلَكِن تعرفُون بآياته وخلقه
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَمن آيَاته أَن خَلقكُم من تُرَاب} قَالَ: آدم من تُرَاب {ثمَّ إِذا أَنْتُم بشر تنتشرون} يَعْنِي ذُريَّته {وَمن آيَاته إِن خلق لكم من أَنفسكُم أَزْوَاجًا} قَالَ: حَوَّاء
خلقهَا الله من ضلع من أضلاع آدم
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَجعل بَيْنكُم مَوَدَّة} قَالَ: الْجِمَاع {وَرَحْمَة} قَالَ: الْوَلَد
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {وَمن آيَاته أَن تقوم السَّمَاء وَالْأَرْض بأَمْره} قَالَ: قامتا بأَمْره بِغَيْر عمد ثمَّ {إِذا دعَاكُمْ دَعْوَة من الأَرْض إِذا أَنْتُم تخرجُونَ} قَالَ: دعاهم من السَّمَاء فَخَرجُوا من الأَرْض
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {إِذا أَنْتُم تخرجُونَ} قَالَ: من قبوركم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْأَزْهَر بن عبد الله الجزاري قَالَ: يقْرَأ على الْمُصَاب إِذا أَخذ {وَمن آيَاته أَن تقوم السَّمَاء وَالْأَرْض بأَمْره ثمَّ إِذا دعَاكُمْ دَعْوَة من الأَرْض إِذا أَنْتُم تخرجُونَ}(6/490)
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله (كل لَهُ قانتون) يَقُول: مطيعون يَعْنِي الْحَيَاة والنشور وَالْمَوْت
وهم عاصون لَهُ فِيمَا سوى ذَلِك من الْعِبَادَة
وَالله تَعَالَى أعلم(6/491)
وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (27)
- قَوْله تَعَالَى: وَهُوَ الَّذِي يبدؤ الْخلق ثمَّ يُعِيدهُ وَهُوَ أَهْون عَلَيْهِ وَله الْمثل الْأَعْلَى فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض وَهُوَ الْعَزِيز الْحَكِيم
أخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن الْأَنْبَارِي فِي الْمَصَاحِف عَن عِكْرِمَة قَالَ: تعجب الْكفَّار من احياء الله الْمَوْتَى فَنزلت {وَهُوَ الَّذِي يبْدَأ الْخلق ثمَّ يُعِيدهُ وَهُوَ أَهْون عَلَيْهِ} قَالَ: اعادة الْخلق أَهْون عَلَيْهِ من ابْتِدَائه
وَأخرج آدم بن أبي إِيَاس وَالْفِرْيَابِي وَابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن الْأَنْبَارِي وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَهُوَ أَهْون عَلَيْهِ} قَالَ: الاعادة أَهْون عَلَيْهِ من الْبدَاءَة والبداءة عَلَيْهِ هَين
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وَهُوَ أَهْون عَلَيْهِ} قَالَ: أيسر
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ فِي الْآيَة قَالَ: فِي عقولكم اعادة شَيْء إِلَى شَيْء كَانَ أَهْون من ابْتِدَائه إِلَى شَيْء لم يكن
وَأخرج ابْن الْأَنْبَارِي عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله وَهُوَ أَهْون عَلَيْهِ قَالَ: الاعادة أَهْون على الْمَخْلُوق لِأَنَّهُ يَقُول لَهُ يَوْم الْقِيَامَة {كن فَيكون} وَابْتِدَاء الْخلق من نطقة ثمَّ من علقَة ثمَّ من مُضْغَة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كل عَلَيْهِ هَين
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وَله الْمثل الْأَعْلَى} يَقُول {لَيْسَ كمثله شَيْء} الشورى الْآيَة 11 وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {وَله الْمثل الْأَعْلَى} قَالَ: شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {وَله الْمثل الْأَعْلَى} قَالَ: مثله أَنه لَا إِلَه إِلَّا هُوَ وَلَا معبود غَيره(6/491)
ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (28) بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (29)
- قَوْله تَعَالَى: ضرب لكم مثلا من أَنفسكُم هَل لكم من مَا ملكت إيمَانكُمْ من شُرَكَاء فِي مَا رزقناكم فَأنْتم فِيهِ سَوَاء تخافونهم كخيفتكم أَنفسكُم كَذَلِك نفصل الْآيَات لقوم يعْقلُونَ بل اتبع الَّذين ظلمُوا أهواءهم بِغَيْر علم فَمن يهدي من أضلّ الله وَمَا لَهُم من ناصرين
أخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ يُلَبِّي أهل الشّرك لبيْك اللَّهُمَّ لبيْك لبيْك لَا شريك لَك إِلَّا شريك هُوَ لَك تملكه ملك فَأنْزل الله {هَل لكم من مَا ملكت أَيْمَانكُم من شُرَكَاء}
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {هَل لكم من مَا ملكت أَيْمَانكُم} الْآيَة
قَالَ: هِيَ فِي الْآلهَة وَفِيه يَقُول: تخافونهم أَن يرثوكم كَمَا يَرث بَعْضكُم بَعْضًا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {ضرب لكم} الْآيَة
قَالَ هَذَا مثل ضربه الله لمن عدل بِهِ شَيْئا من خلقه يَقُول: أَكَانَ أحد مِنْكُم مشاركاً مَمْلُوكه فِي مَاله وَنَفسه وَزَوجته فَكَذَلِك لَا يرضى الله تَعَالَى أَن يعدل بِهِ أحد من خلقه(6/492)
فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (30)
- قَوْله تَعَالَى: فأقم وَجهك للدّين حَنِيفا فطرت الله الَّتِي فطر النَّاس عَلَيْهَا لَا تَبْدِيل لخلق الله ذَلِك الدّين الْقيم وَلَكِن أَكثر النَّاس لَا يعلمُونَ
أخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فطْرَة الله الَّتِي فطر النَّاس عَلَيْهَا} قَالَ: الدّين الإِسلام {لَا تَبْدِيل لخلق الله} قَالَ: لدين الله(6/492)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فطْرَة الله الَّتِي فطر النَّاس عَلَيْهَا} قَالَ: الإِسلام
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله {فطْرَة الله الَّتِي فطر النَّاس عَلَيْهَا} قَالَ: دين الله الَّذِي فطر خلقه عَلَيْهِ
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول عَن مَكْحُول رَضِي الله عَنهُ
أَن الْفطْرَة معرفَة الله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {لَا تَبْدِيل لخلق الله} قَالَ: دين الله {ذَلِك الدّين الْقيم} قَالَ: الْقَضَاء الْقيم
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن حَمَّاد بن عمر الصفار قَالَ: سَأَلت قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ عَن قَوْله {فطْرَة الله الَّتِي فطر النَّاس عَلَيْهَا} فَقَالَ: حَدثنِي أنس بن مَالك رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {فطْرَة الله الَّتِي فطر النَّاس عَلَيْهَا} قَالَ: دين الله
وَأخرج ابْن جرير عَن معَاذ بن جبل رَضِي الله عَنهُ
ان عمر رَضِي الله عَنهُ قَالَ لَهُ: مَا قوام هَذِه الْأمة قَالَ: ثَلَاث وَهِي المنجيات
الاخلاص: وَهِي الْفطْرَة الَّتِي فطر النَّاس عَلَيْهَا
وَالصَّلَاة: وَهِي الْملَّة
وَالطَّاعَة: وَهِي الْعِصْمَة
فَقَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ: صدقت
وَأخرج ابْن جرير عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ {لَا تَبْدِيل لخلق الله} قَالَ: لدين الله
وَأخرج ابْن جرير عَن عِكْرِمَة وَقَتَادَة وَالضَّحَّاك وَإِبْرَاهِيم وَابْن زيد
مثله
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا من مَوْلُود إِلَّا يُولد على الْفطْرَة فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ ويمجسانه كَمَا تنْتج الْبَهِيمَة بَهِيمَة جَمْعَاء هَل تُحِسُّونَ فِيهَا من جَدْعَاء ثمَّ يَقُول أَبُو هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ: اقرأوا ان شِئْتُم {فطْرَة الله الَّتِي فطر النَّاس عَلَيْهَا لَا تَبْدِيل لخلق الله ذَلِك الدّين الْقيم}
وَأخرج مَالك وَأَبُو دَاوُد وَابْن مردوية عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كل مَوْلُود يُولد على الْفطْرَة فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ كَمَا تنْتج الابل من بَهِيمَة جَمْعَاء هَل تحس من جَدْعَاء) قَالُوا: يَا رَسُول الله أَفَرَأَيْت من يَمُوت وَهُوَ صَغِير قَالَ: الله أعلم بِمَا كَانُوا عاملين(6/493)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة وَأحمد وَالنَّسَائِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه عَن الْأسود بن سريع رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعث سَرِيَّة إِلَى خَيْبَر فَقَاتلُوا الْمُشْركين فَانْتهى بهم الْقَتْل إِلَى الذُّرِّيَّة فَلَمَّا جاؤا قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ماحملكم على قتل الذُّرِّيَّة قَالُوا: يَا رَسُول الله إِنَّمَا كَانُوا أَوْلَاد الْمُشْركين قَالَ: وَهل خياركم إِلَّا أَوْلَاد الْمُشْركين وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ مَا من نسمَة تولد إِلَّا على الْفطْرَة حَتَّى يعرب عَنْهَا لسانها(6/494)
مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (32) وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (33) لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (34) أَمْ أَنْزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِمَا كَانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ (35) وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ (36) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (37) فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (38) وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ (39) اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (40)
- قَوْله تَعَالَى: منيبين إِلَيْهِ واتقوه وَأقِيمُوا الصَّلَاة وَلَا تَكُونُوا من الْمُشْركين من الَّذين فرقوا دينهم وَكَانُوا شيعًا كل حزب بِمَا لديهم فَرِحُونَ وَإِذا مس النَّاس ضرّ دعوا رَبهم منيبين إِلَيْهِ ثمَّ إِذا أذاقهم مِنْهُ رَحْمَة إِذا فريق مِنْهُم برَبهمْ يشركُونَ ليكفروا بِمَا آتَيْنَاهُم فتمتعوا فَسَوف تعلمُونَ أم أنزلنَا عَلَيْهِم سُلْطَانا فَهُوَ يتَكَلَّم بِمَا كَانُوا بِهِ يشركُونَ وَإِذا أذقنا النَّاس رَحْمَة فرحوا بهَا وَإِن تصبهم سَيِّئَة بِمَا قدمت أَيْديهم إِذا هم يقنطون أولم يرَوا أَن الله يبسط الرزق لمن يَشَاء وَيقدر إِن فِي ذَلِك لآيَات لقوم يُؤمنُونَ فَآت ذَا الْقُرْبَى حَقه والمسكين وَابْن السَّبِيل ذَلِك خير للَّذين يُرِيدُونَ وَجه الله وَأُولَئِكَ هم المفلحون وَمَا آتيتم من رَبًّا ليربوا فِي أَمْوَال النَّاس فَلَا يربوا عِنْد الله وماأتيتم من زَكَاة تُرِيدُونَ وَجه الله فَأُولَئِك هم المضعفون الله الَّذِي خَلقكُم ثمَّ رزقكم ثمَّ يميتكم ثمَّ يُحْيِيكُمْ هَل من شركائكم من يفعل من ذَلِكُم من شَيْء سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يشركُونَ
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {منيبين إِلَيْهِ} قَالَ: تَائِبين إِلَيْهِ(6/494)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة {من الَّذين فرقوا دينهم} قَالَ: هم الْيَهُود وَالنَّصَارَى
وَفِي قَوْله {أم أنزلنَا عَلَيْهِم سُلْطَانا} قَالَ: يَأْمُرهُم بذلك
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {أم أنزلنَا عَلَيْهِم سُلْطَانا فَهُوَ يتَكَلَّم بِمَا كَانُوا بِهِ يشركُونَ} يَقُول: أم أنزلنَا عَلَيْهِم كتابا فَهُوَ ينْطق بشركهم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ
مثله
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فَآت ذَا الْقُرْبَى حَقه والمسكين وَابْن السَّبِيل} قَالَ: الضَّيْف {ذَلِك خير للَّذين يُرِيدُونَ وَجه الله وَأُولَئِكَ هم المفلحون} قَالَ: هَذَا الَّذِي يقبله الله ويضاعفه لَهُم عشر أَمْثَالهَا وَأكْثر من ذَلِك
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وَمَا آتيتم من رَبًّا} قَالَ: الرِّبَا رباآن
رَبًّا لَا بَأْس بِهِ
وَربا لَا يصلح فَأَما الرِّبَا الَّذِي لَا بَأْس بِهِ
فهدية الرجل إِلَى الرجل يُرِيد فَضلهَا أَو اضعافها
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {وَمَا آتيتم من رَبًّا}
قَالَ هُوَ مَا يُعْطي النَّاس بَعضهم بَعْضًا يُعْطي الرجل الرجل الْعَطِيَّة يُرِيد أَن يعْطى أَكثر مِنْهَا
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَمَا آتيتم من رَبًّا ليربو فِي أَمْوَال النَّاس فَلَا يَرْبُو عِنْد الله} قَالَ: هِيَ الْهَدَايَا
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَمَا آتيتم من رَبًّا ليربو فِي أَمْوَال النَّاس فَلَا يَرْبُو عِنْد الله} قَالَ: يُعْطي مَا لَهُ يَبْتَغِي أفضل مِنْهُ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ {وَمَا آتيتم من رَبًّا ليربو فِي أَمْوَال النَّاس فَلَا يَرْبُو عِنْد الله} قَالَ: مَا أعطيتم من عَطِيَّة لتثابوا عَلَيْهَا فِي الدُّنْيَا فَلَيْسَ فِيهَا أجر
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن(6/495)
الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَمَا آتيتم من رَبًّا} قَالَ: هُوَ الرِّبَا الْحَلَال
أَن تهدي أَكثر مِنْهُ وَلَيْسَ لَهُ أجر وَلَا وزر وَنهى عَنهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَاصَّة فَقَالَ {وَلَا تمنن تستكثر}
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا
مثله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ رَضِي الله عَنهُ {وَمَا آتيتم من رَبًّا} قَالَ: الرجل يُعْطي الشَّيْء ليكافئه بِهِ ويزداد عَلَيْهِ {فَلَا يَرْبُو عِنْد الله} وَالْآخر الَّذِي يُعْطي الشَّيْء لوجه الله وَلَا يُرِيد من صَاحبه جَزَاء وَلَا مُكَافَأَة فَذَلِك الَّذِي يضعف عِنْد الله تَعَالَى
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وَمَا آتيتم من زَكَاة} قَالَ: هِيَ الصَّدَقَة(6/496)
ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (41) قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ (42)
- قَوْله تَعَالَى: ظهر الْفساد فِي الْبر وَالْبَحْر بِمَا كسبت أَيدي النَّاس ليذيقهم بعض الَّذِي عمِلُوا لَعَلَّهُم يرجعُونَ قل سِيرُوا فِي الأَرْض فانظروا كَيفَ كَانَ عَاقِبَة الَّذين من قبل كَانَ أَكْثَرهم مُشْرِكين
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {ظهر الْفساد فِي الْبر وَالْبَحْر} قَالَ {الْبر} الْبَريَّة الَّتِي لَيْسَ عِنْدهَا نهر
و {الْبَحْر} مَكَان من الْمَدَائِن والقرى على شط نهر
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {ظهر الْفساد فِي الْبر وَالْبَحْر بِمَا كسبت أَيدي النَّاس} الْآيَة
قَالَ: نُقْصَان الْبركَة بأعمال الْعباد كي يتوبوا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ {ظهر الْفساد فِي الْبر وَالْبَحْر} قَالَ: قُحُوط الْمَطَر
قيل لَهُ: قُحُوط الْمَطَر لن يضر الْبَحْر
قَالَ: إِذا قل الْمَطَر قل الغوص
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن عَطِيَّة رَضِي الله عَنهُ فِي الْآيَة
أَنه قيل لَهُ: هَذَا الْبر وَالْبَحْر أَي فَسَاد فِيهِ قَالَ: إِذا قل الْمَطَر قل الغوص
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن زيد بن رفيع رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {ظهر الْفساد فِي الْبر وَالْبَحْر}(6/496)
قَالَ: انْقِطَاع الْمَطَر
قيل: فالبحر قَالَ: إِذا لم يمطر عميت دَوَاب الْبَحْر
وَأخرج الْفرْيَابِيّ عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {ظهر الْفساد فِي الْبر وَالْبَحْر} قَالَ {الْبر} الفيافي الَّتِي لَيْسَ فِيهَا شَيْء
و {الْبَحْر} الْقرى
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ أَنه سُئِلَ عَن قَوْله {ظهر الْفساد فِي الْبر وَالْبَحْر} قَالَ: الْبر قد عَرفْنَاهُ فَمَا بَال الْبَحْر قَالَ: إِن الْعَرَب تسمي الْأَمْصَار الْبَحْر
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {ظهر الْفساد فِي الْبر وَالْبَحْر} قَالَ: فَسَاد الْبر: قَتْلُ ابنُ آدمَ أَخَاهُ
وَالْبَحْر: أَخْذُ الملكِ السفنَ غصبا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {ظهر الْفساد فِي الْبر وَالْبَحْر} قَالَ: هَذَا قبل أَن يبْعَث مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَجَعَ رَاجِعُون من النَّاس
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {ظهر الْفساد فِي الْبر وَالْبَحْر} قَالَ {الْبر} كل قَرْيَة نائية عَن الْبَحْر
مثل مَكَّة وَالْمَدينَة و {الْبَحْر} كل قَرْيَة على الْبَحْر
مثل كوفة وَالْبَصْرَة وَالشَّام وَفِي قَوْله {بِمَا كسبت أَيدي النَّاس} قَالَ: بِمَا عمِلُوا من الْمعاصِي
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَطاء رَضِي الله عَنهُ فِي الْآيَة قَالَ: الْبَحْر الجزائر
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {لَعَلَّهُم يرجعُونَ} قَالَ: يتوبون
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {لَعَلَّهُم يرجعُونَ} قَالَ: عَن الذُّنُوب
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير عَن الْحسن رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {ظهر الْفساد فِي الْبر وَالْبَحْر بِمَا كسبت أَيدي النَّاس} قَالَ: أفسدهم الله بِذُنُوبِهِمْ فِي بر الأَرْض وبحرها بأعمالهم الخبيثة {لَعَلَّهُم يرجعُونَ} قَالَ: يرجع من بعدهمْ(6/497)
فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ (43) مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ (44) لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ (45) وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (46)
- قَوْله تَعَالَى: فأقم وَجهك للدّين الْقيم من قبل أَن يَأْتِي يَوْم لَا مردّ لَهُ من الله يَوْمئِذٍ يصدعون من كفر فَعَلَيهِ كفره وَمن عمل صَالحا فلأنفسهم يمهدون ليجزي الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات من فَضله إِنَّه لَا يحب الْكَافرين وَمن آيَاته أَن يُرْسل الرِّيَاح مُبَشِّرَات وليذيقكم من رَحمته ولتجري الْفلك بأَمْره ولتبتغوا من فَضله ولعلكم تشكرون
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فأقم وَجهك للدّين الْقيم} قَالَ: الإِسلام {من قبل أَن يَأْتِي يَوْم لَا مردّ لَهُ من الله} قَالَ: يَوْم الْقِيَامَة {يَوْمئِذٍ يصدعون} قَالَ: فريق فِي الْجنَّة وفريق فِي السعير
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {يَوْمئِذٍ يصدعون} قَالَ: يتفرقون
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {يَوْمئِذٍ يصدعون} يَوْمئِذٍ يتفرقون
وَقَرَأَ {فَأَما الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات فهم فِي رَوْضَة يحبرون وَأما الَّذين كفرُوا وكذبوا بِآيَاتِنَا ولقاء الْآخِرَة فَأُولَئِك فِي الْعَذَاب محضرون} قَالَ: هَذَا حِين يصدعون يتفرقون إِلَى الْجنَّة وَالنَّار
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية وَالْبَيْهَقِيّ فِي عَذَاب الْقَبْر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {فلأنفسهم يمهدون} قَالَ: يسوّون الْمضَاجِع فِي الْقَبْر
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَمن آيَاته أَن يُرْسل الرِّيَاح مُبَشِّرَات} قَالَ: بالمطر {وليذيقكم من رَحمته} قَالَ: الْمَطَر {ولتجري الْفلك بأَمْره} قَالَ: السفن فِي الْبحار {ولتبتغوا من فَضله} قَالَ: التِّجَارَة فِي السفن(6/498)
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَانْتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ (47)
- قَوْله تَعَالَى: وَلَقَد أرسلنَا من قبلك رسلًا إِلَى قَومهمْ فجاؤوهم بِالْبَيِّنَاتِ فانتقمنا من الَّذين أجرموا وَكَانَ حَقًا علينا نصر الْمُؤمنِينَ
أخرج ابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي الدَّرْدَاء رضى الله عَنهُ قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول مَا من امرىء مُسلم يرد عَن عرض أَخِيه إِلَّا كَانَ حَقًا على الله أَن يرد عَنهُ نَار جَهَنَّم يَوْم الْقِيَامَة
ثمَّ تَلا {وَكَانَ حَقًا علينا نصر الْمُؤمنِينَ}(6/499)
اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (48) وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ (49) فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (50) وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحًا فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ (51)
- قَوْله تَعَالَى: الله الَّذِي يُرْسل الرِّيَاح فتثير سحابا فيبسطه فِي السَّمَاء كَيفَ يَشَاء ويجعله كسفا فترى الودق يخرج من خلاله فَإِذا أصَاب بِهِ من يَشَاء من عباده إِذا هم يستبشرون وَإِن كَانُوا من قبل أَن ينزل عَلَيْهِم من قبله لمبلسين فَانْظُر إِلَى آثَار رَحْمَة الله كَيفَ يحيي الأَرْض بعد مَوتهَا إِن ذَلِك لمحيي الْمَوْتَى وَهُوَ على كل شَيْء قدير وَلَئِن أرسلنَا ريحًا فرؤوه مصفرا لظلوا من بعده يكفرون
أخرج أَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: يُرْسل الله الرّيح فتأتي بالسحاب من بَين الْخَافِقين - طرف السَّمَاء حِين يَلْتَقِيَانِ - فتخرجه ثمَّ تنشره فيبسطه فِي السَّمَاء كَيفَ يَشَاء فيسيل المَاء على السَّحَاب ثمَّ يمطر السَّحَاب بعد ذَلِك
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: يُرْسل الله الرّيح فَتحمل المَاء من السَّحَاب فتمر بِهِ السَّحَاب فتدر كَمَا تدر النَّاقة وثجاج مثل العزالي غير أَنه متفرق
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فيبسطه فِي السَّمَاء} قَالَ: يجمعه ويجعله {كسفا} قَالَ: قطعا(6/499)
وَأخرج أَبُو يعلى وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {ويجعله كسفاً} قَالَ: قطعا يَجْعَل بَعْضهَا فَوق بعض {فترى الودق} قَالَ: الْمَطَر {يخرج من خلاله} قَالَ: من بَينه
وَأخرج الْفرْيَابِيّ عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فترى الودق} قَالَ: الْقطر
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {ويجعله كسفاً} قَالَ: سَمَاء دون سَمَاء وَفِي قَوْله {لمبلسين} قَالَ: القنطين(6/500)
فَإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (52) وَمَا أَنْتَ بِهَادِ الْعُمْيِ عَنْ ضَلَالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ (53)
- قَوْله تَعَالَى: فَإنَّك لَا تسمع الْمَوْتَى وَلَا تسمع الصم الدُّعَاء إِذا ولوا مُدبرين وَمَا أَنْت بهاد الْعمي عَن ضلالتهم إِن تسمع إِلَّا من يُؤمن بِآيَاتِنَا فهم مُسلمُونَ
أخرج مُسلم وَابْن مرْدَوَيْه عَن أنس بن مَالك رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ترك قَتْلَى بدر أَيَّامًا حَتَّى جيفوا ثمَّ أَتَاهُم فَقَامَ يناديهم فَقَالَ: يَا أُميَّة بن خلف يَا أَبَا جهل بن هِشَام يَا عتبَة بن ربيعَة
هَل وجدْتُم مَا وعد ربكُم حَقًا فَسمع عمر رَضِي الله عَنهُ صَوته فجَاء فَقَالَ: يَا رَسُول الله تناديهم بعد ثَلَاث وَهل يسمعُونَ يَقُول الله {إِنَّك لَا تسمع الْمَوْتَى} فَقَالَ: وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ مَا أَنْتُم بأسمع مِنْهُم وَلَكنهُمْ لَا يُطِيقُونَ أَن يجيبوا
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَالنَّسَائِيّ وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: وقف النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على قليب بدر فَقَالَ هَل وجدْتُم مَا وعد ربكُم حَقًا ثمَّ قَالَ: إِنَّهُم الْآن يسمعُونَ مَا أَقُول
فَذكر لعَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا فَقَالَت: انما قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِنَّهُم الْآن ليعلمون أَن الَّذِي كنت أَقُول لَهُم هُوَ الْحق ثمَّ قَرَأت {إِنَّك لَا تسمع الْمَوْتَى} حَتَّى قَرَأت الْآيَة
وَأخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ من طَرِيق قَتَادَة قَالَ: ذكر لنا أنس بن مَالك عَن أبي طَلْحَة رَضِي الله عَنْهُمَا أَن نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر يَوْم بدر بأَرْبعَة وَعشْرين رجلا من صَنَادِيد قُرَيْش فقذفوا فِي طوى من أطواء بدر خَبِيث مخبث وَكَانَ إِذا ظهر على قوم أَقَامَ بالْعَرَصَةِ ثَلَاث لَيَال فَلَمَّا كَانَ ببدر الْيَوْم الثَّالِث أَمر براحلته فَشد عَلَيْهَا رَحلهَا ثمَّ مَشى وَاتبعهُ أَصْحَابه قَالُوا: مَا ترى ينْطَلق(6/500)
إِلَّا لبَعض حَاجته حَتَّى قَامَ على شفة الركى فَجعل يناديهم بِأَسْمَائِهِمْ وَأَسْمَاء آبَائِهِم
يَا فلَان بن فلَان وَيَا فلَان بن فلَان أيسركم أَنكُمْ أطعتم الله وَرَسُوله فَإنَّا قد وجدنَا مَا وعدنا رَبنَا حَقًا فَهَل وجدْتُم مَا وعد ربكُم حَقًا فَقَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ: يَا رَسُول الله مَا تكلم من أجساد لَا أَرْوَاح فِيهَا: فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِنَّهُم لأسْمع لما أَقُول مِنْكُم قَالَ قَتَادَة: أحياهم الله حَتَّى أسمعهم قَوْله توبيخاً وتصغيراً ونقمة وحسرة وندماً
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق الْكَلْبِيّ عَن أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: نزلت هَذِه الْآيَة فِي دُعَاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأهل بدر {إِنَّك لَا تسمع الْمَوْتَى وَلَا تسمع الصم الدُّعَاء إِذا ولوا مُدبرين}(6/501)
اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ (54)
- قَوْله تَعَالَى: الله الَّذِي خَلقكُم من ضعف ثمَّ جعل من بعد ضعف قوّة ثمَّ جعل من بعد قُوَّة ضعفا وَشَيْبَة يخلق مَا يَشَاء وَهُوَ الْعَلِيم الْقَدِير
أخرج سعيد بن مَنْصُور وَأحمد وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه وَابْن الْمُنْذر وَالطَّبَرَانِيّ والشيرازي فِي الألقاب وَالدَّارقطني فِي الافراد وَابْن عدي وَالْحَاكِم وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية وَابْن مرْدَوَيْه والخطيب فِي تالي التَّلْخِيص عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: قَرَأت على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {الله الَّذِي خَلقكُم من ضعف} فَقَالَ من ضعف يَا بني
وَأخرج الْخَطِيب عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَرَأَ (الله الَّذِي خَلقكُم من ضعف) بِالضَّمِّ
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يقْرَأ هَذَا الْحَرْف فِي الرّوم {خَلقكُم من ضعف ثمَّ جعل من بعد ضعف قوّة ثمَّ جعل من بعد قُوَّة ضعفا}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {الله الَّذِي خَلقكُم من ضعف} قَالَ: من نُطْفَة {ثمَّ جعل من بعد قُوَّة ضعفا} قَالَ: الْهَرم {وَشَيْبَة} قَالَ: الشمط(6/501)
وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ (55) وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (56) فَيَوْمَئِذٍ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (57) وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُبْطِلُونَ (58) كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (59) فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ (60)
- قَوْله تَعَالَى: وَيَوْم تقوم السَّاعَة يقسم المجرمون مَا لَبِثُوا غير سَاعَة كَذَلِك كَانُوا يؤفكون وَقَالَ الَّذين أُوتُوا الْعلم وَالْإِيمَان لقد لبثتم فِي كتاب الله إِلَى يَوْم الْبَعْث فَهَذَا يَوْم الْبَعْث وَلَكِنَّكُمْ كُنْتُم لَا تعلمُونَ فَيَوْمئِذٍ لَا ينفع الَّذين ظلمُوا معذرتهم وَلَا هم يستعتبون وَلَقَد ضربنا للنَّاس فِي هَذَا الْقُرْآن من كل مثل وَلَئِن جئتهم بِآيَة ليَقُولن الَّذين كفرُوا إِن أَنْتُم إِلَّا مبطلون كَذَلِك يطبع الله على قُلُوب الَّذين لَا يعلمُونَ فاصبر إِن وعد الله حق وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذين لَا يوقنون
أخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَيَوْم تقوم السَّاعَة يقسم المجرمون مَا لَبِثُوا غير سَاعَة} قَالَ: يعنون فِي الدُّنْيَا اسْتَقل الْقَوْم أجل الدُّنْيَا لما عاينوا الْآخِرَة {كَذَلِك كَانُوا يؤفكون} قَالَ: كَذَلِك كَانُوا يكذبُون فِي الدُّنْيَا {وَقَالَ الَّذين أُوتُوا الْعلم} الْآيَة
قَالَ: هَذَا من تقاديم الْكَلَام وتأويلها: وَقَالَ الَّذين أُوتُوا الإِيمان وَالْعلم فِي كتاب الله لقد لبثتم إِلَى يَوْم الْبَعْث
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الرّبيع بن أنس رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {لقد لبثتم فِي كتاب الله إِلَى يَوْم الْبَعْث} قَالَ: لَبِثُوا فِي علم الله فِي البرزخ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة لَا يعلم مَتى علم وَقت السَّاعَة إِلَّا الله وَفِي ذَلِك أنزل الله {وَأجل مُسَمّى عِنْده} طه الْآيَة 129
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ أَن رجلا من الْخَوَارِج ناداه وَهُوَ فِي صَلَاة الْفجْر فَقَالَ {وَلَقَد أُوحِي إِلَيْك وَإِلَى الَّذين من قبلك لَئِن أشركت ليحبطن عَمَلك ولتكونن من الخاسرين} فَأَجَابَهُ عَليّ رَضِي الله عَنهُ وَهُوَ فِي الصَّلَاة {فاصبر إِن وعد الله حق وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذين لَا يوقنون}(6/502)
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم -
سُورَة لُقْمَان
مَكِّيَّة وآياتها ارْبَعْ وَثَلَاثُونَ
- مُقَدّمَة سُورَة لُقْمَان أخرج ابْن الضريس وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: أنزلت سُورَة لُقْمَان بِمَكَّة
وَأخرج النّحاس فِي تَارِيخه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: سُورَة لُقْمَان نزلت بِمَكَّة سوى ثَلَاث آيَات مِنْهَا نزلت بِالْمَدِينَةِ {وَلَو أَنما فِي الأَرْض من شَجَرَة أَقْلَام} لُقْمَان الْآيَة 27 إِلَى تَمام الْآيَات الثَّلَاث
وَأخرج النَّسَائِيّ وَابْن ماجة عَن الْبَراء رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كُنَّا نصلي خلف النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الظّهْر ونسمع مِنْهُ الْآيَة بعد الْآيَة من سُورَة لُقْمَان والذاريات(6/503)
الم (1) تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ (2) هُدًى وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ (3) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4) أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (6)
- الم تِلْكَ آيَات الْكتاب الْحَكِيم هدى وَرَحْمَة للمحسنين الَّذين يُقِيمُونَ الصَّلَاة وَيُؤْتونَ الزَّكَاة وهم بِالآخِرَة هم يوقنون أُولَئِكَ على هدى من رَبهم وَأُولَئِكَ هم المفلحون وَمن النَّاس من يَشْتَرِي لَهو الحَدِيث ليضل عَن سَبِيل الله بِغَيْر علم ويتخذها هزوا أُولَئِكَ لَهُم عَذَاب مهين
أخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وَمن النَّاس من يَشْتَرِي لَهو الحَدِيث} يَعْنِي بَاطِل الحَدِيث
وَهُوَ النَّضر بن الْحَارِث بن عَلْقَمَة
اشْترى أَحَادِيث الْعَجم وصنيعهم فِي دهرهم وَكَانَ يكْتب الْكتب من الْحيرَة وَالشَّام ويكذب بِالْقُرْآنِ فَأَعْرض عَنهُ فَلم يُؤمن بِهِ(6/503)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَمن النَّاس من يَشْتَرِي لَهو الحَدِيث} قَالَ: شِرَاؤُهُ اسْتِحْبَابه
وبحسب الْمَرْء من الضَّلَالَة أَن يخْتَار حَدِيث الْبَاطِل على حَدِيث الْحق
وَفِي قَوْله {ويتخذها هزوا} قَالَ: يستهزىء بهَا ويكذبها
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {ويتخذها هزوا} قَالَ: سَبِيل الله يتَّخذ السَّبِيل هزوا
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وَمن النَّاس من يَشْتَرِي لَهو الحَدِيث} قَالَ: بَاطِل الحَدِيث
وَهُوَ الْغناء وَنَحْوه {ليضل عَن سَبِيل الله} قَالَ: قِرَاءَة الْقُرْآن وَذكر الله
نزلت فِي رجل من قُرَيْش اشْترى جَارِيَة مغنية
وَأخرج جُوَيْبِر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وَمن النَّاس من يَشْتَرِي لَهو الحَدِيث} قَالَ: أنزلت فِي النَّضر بن الْحَارِث
اشْترى قينة فَكَانَ لَا يسمع بِأحد يُرِيد الإِسلام إِلَّا انْطلق بِهِ إِلَى قَيْنَته فَيَقُول: أطعميه واسقيه وغنيه هَذَا خير مِمَّا يَدْعُوك إِلَيْهِ مُحَمَّد من الصَّلَاة وَالصِّيَام وَأَن تقَاتل بَين يَدَيْهِ فَنزلت
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَأحمد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن ماجة وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي ذمّ الملاهي وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي أُمَامَة رَضِي الله عَنهُ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَا تَبِيعُوا الْقَيْنَات وَلَا تَشْتَرُوهُنَّ وَلَا تُعَلِّمُوهُنَّ وَلَا خير فِي تِجَارَة فِيهِنَّ وَثَمَنهنَّ حرَام
فِي مثل هَذَا أنزلت هَذِه الْآيَة {وَمن النَّاس من يَشْتَرِي لَهو الحَدِيث} إِلَى آخر الْآيَة
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي ذمّ الملاهي وَابْن مرْدَوَيْه عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ان الله حرم الْقَيْنَة وَبَيْعهَا وَثمنهَا وَتَعْلِيمهَا وَالِاسْتِمَاع إِلَيْهَا
ثمَّ قَرَأَ {وَمن النَّاس من يَشْتَرِي لَهو الحَدِيث}
وَأخرج البُخَارِيّ فِي الْأَدَب الْمُفْرد وَابْن أبي الدُّنْيَا وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {وَمن النَّاس من يَشْتَرِي لَهو الحَدِيث} قَالَ: هُوَ الْغناء وأشباهه
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {وَمن النَّاس من يَشْتَرِي لَهو الحَدِيث}(6/504)
قَالَ: هُوَ شِرَاء الْمُغنيَة
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن مَكْحُول رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَمن النَّاس من يَشْتَرِي لَهو الحَدِيث} قَالَ: الْجَوَارِي الضاربات
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن أبي الدُّنْيَا وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن أبي الصَّهْبَاء قَالَ: سَأَلت عبد الله بن مَسْعُود رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ عَن قَوْله تَعَالَى {وَمن النَّاس من يَشْتَرِي لَهو الحَدِيث} قَالَ: هُوَ - وَالله - الْغناء
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَابْن جرير عَن شُعَيْب بن يسَار قَالَ: سَأَلت عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ عَن {لَهو الحَدِيث} قَالَ: هُوَ الْغناء
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَسَعِيد بن مَنْصُور وَابْن أبي الدُّنْيَا وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {وَمن النَّاس من يَشْتَرِي لَهو الحَدِيث} قَالَ: هُوَ الْغناء وكل لعب لَهو
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا من طَرِيق حبيب بن أبي ثَابت عَن إِبْرَاهِيم رَضِي الله عَنهُ {وَمن النَّاس من يَشْتَرِي لَهو الحَدِيث} قَالَ: هُوَ الْغناء وَقَالَ مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ: هُوَ لَهو الحَدِيث
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَطاء الْخُرَاسَانِي رَضِي الله عَنهُ {وَمن النَّاس من يَشْتَرِي لَهو الحَدِيث} قَالَ: الْغناء وَالْبَاطِل
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ قَالَ: نزلت هَذِه الْآيَة {وَمن النَّاس من يَشْتَرِي لَهو الحَدِيث} فِي الْغناء والمزامير
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: الْغناء ينْبت النِّفَاق فِي الْقلب كَمَا ينْبت المَاء الزَّرْع وَالذكر ينْبت الإِيمان فِي الْقلب كَمَا ينْبت المَاء الزَّرْع
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن إِبْرَاهِيم رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانُوا يَقُولُونَ: الْغناء ينْبت النِّفَاق فِي الْقلب
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْغناء ينْبت النِّفَاق فِي الْقلب كَمَا ينْبت المَاء البقل(6/505)
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ: إِذا ركب الرجل الدَّابَّة وَلم يسم ردفه شَيْطَان فَقَالَ: تغنه فَإِن كَانَ لَا يحسن قَالَ لَهُ: تمنه
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي أُمَامَة رَضِي الله عَنهُ
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: مَا رفع أحد صَوته بغناء إِلَّا بعث الله إِلَيْهِ شَيْطَانَيْنِ يجلسان على مَنْكِبَيْه يضربان باعقابهما على صَدره حَتَّى يمسك
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيّ عَن الشّعبِيّ عَن الْقَاسِم بن مُحَمَّد رَضِي الله عَنهُ أَنه سُئِلَ عَن الْغناء فَقَالَ: أَنهَاك عَنهُ وأكرهه لَك
قَالَ السَّائِل: احرام هُوَ قَالَ: انْظُر يَا ابْن أخي
إِذا ميز الله الْحق من الْبَاطِل فِي أَيهمَا يَجْعَل الْغناء
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيّ عَن الشّعبِيّ قَالَ: لعن الْمُغنِي والمغنى لَهُ
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيّ عَن فُضَيْل بن عِيَاض قَالَ: الْغناء رقية الزِّنَا
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي عُثْمَان اللَّيْثِيّ قَالَ: قَالَ يزِيد بن الْوَلِيد النَّاقِص: يَا بني أُميَّة إيَّاكُمْ والغناء فَإِنَّهُ ينقص الْحيَاء وَيزِيد فِي الشَّهْوَة ويهدم الْمُرُوءَة وَإنَّهُ لينوب عَن الْخمر وَيفْعل مَا يفعل السكر فَإِن كُنْتُم لابد فاعلين فجنبوه النِّسَاء فَإِن الْغناء دَاعِيَة الزِّنَا
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن أبي جَعْفَر الْأمَوِي عمر بن عبد الله قَالَ: كتب عمر بن عبد الْعَزِيز رَضِي الله عَنهُ إِلَى مؤدب وِلْدِهِ: من عبد الله عمر أَمِير الْمُؤمنِينَ إِلَى سهل مَوْلَاهُ
أما بعد فَإِنِّي اخْتَرْتُك على علم مني لتأديب وِلْدِي وصرفتهم إِلَيْك عَن غَيْرك من مواليَّ وَذَوي الْخَاصَّة بِي فخذهم بالجفاء فَهُوَ أمكن لاقدامهم وَترك الصُّحْبَة فَإِن عَادَتهَا تكسب الْغَفْلَة وَكَثْرَة الضحك فَإِن كثرته تميت الْقلب وَليكن أول مَا يَعْتَقِدُونَ من أدبك بغض الملاهي الَّتِي بدؤها من الشَّيْطَان وعاقبتها سخط الرَّحْمَن فَإِنَّهُ بَلغنِي عَن الثِّقَات من حَملَة الْعلم إِن حُضُور المعازف واستماع الأغاني واللهج بهما ينْبت النِّفَاق فِي الْقلب كَمَا ينْبت المَاء العشب ولعمري ولتوقي ذَلِك بترك حُضُور تِلْكَ المواطن أيسر على ذَوي الذِّهْن من الثُّبُوت على النِّفَاق فِي قلبهن وَهُوَ حِين يفارقها لَا يعْتَقد مِمَّا سَمِعت أذنَاهُ على شَيْء ينْتَفع بِهِ وليفتح كل غُلَام مِنْهُم بجزئه من الْقُرْآن يثبت فِي قِرَاءَته فَإِذا فرغ مِنْهُ تنَاول قوسه وكنانته(6/506)
وَخرج إِلَى الْغَرَض حافياً فَرمى سَبْعَة ارشاق ثمَّ انْصَرف إِلَى القائلة فان ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ كَانَ يَقُول: يَا بني قيلوا فَإِن الشَّيَاطِين لَا تقيل وَالسَّلَام
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن رَافع بن حَفْص الْمدنِي قَالَ: أَربع لَا ينظر الله إلَيْهِنَّ يَوْم الْقِيَامَة
الساحرة
والنائحة
والمغنية
وَالْمَرْأَة مَعَ الْمَرْأَة
وَقَالَ: من أدْرك ذَلِك الزَّمَان فَأولى بِهِ طول الْحزن
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن عَليّ بن الْحُسَيْن رَضِي الله عَنهُ قَالَ: مَا قدّست أمة فِيهَا البربط
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف رَضِي الله عَنهُ
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِنَّمَا نهيت عَن صَوْتَيْنِ أَحْمَقَيْنِ فاجرين
صَوت عِنْد نَغمَة لَهو وَلعب وَمَزَامِير شَيْطَان وَصَوت عِنْد مُصِيبَة
خدش وُجُوه وشق جُيُوب وَرَنَّة شَيْطَان
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن الْحسن رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ: صوتان ملعونان
مزمار عِنْد نَغمَة
وَرَنَّة عِنْد مُصِيبَة
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن أنس بن مَالك رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ: أَخبث الْكسْب كسب الزمارة
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيّ عَن نَافِع قَالَ: كنت أَسِير مَعَ عبد الله بن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا فِي طَرِيق فَسمع زمارة رَاع فَوضع أصبعيه فِي أُذُنَيْهِ ثمَّ عدل عَن الطَّرِيق فَلم يزل يَقُول: يَا نَافِع أتسمع قلت: لَا
فَأخْرج أصبعيه من أُذُنَيْهِ وَقَالَ: هَكَذَا رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صنع
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عبد الله بن عمر أَنه سمع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: فِي هَذِه الْآيَة {وَمن النَّاس من يَشْتَرِي لَهو الحَدِيث} إِنَّمَا ذَلِك شِرَاء الرجل اللّعب وَالْبَاطِل
وَأخرج الْحَاكِم فِي الكنى عَن عَطاء الْخُرَاسَانِي رَضِي الله عَنهُ قَالَ: نزلت هَذِه الْآيَة {وَمن النَّاس من يَشْتَرِي لَهو الحَدِيث} فِي الْغناء وَالْبَاطِل والمزامير
وَأخرج آدم وَابْن جرير وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَمن النَّاس من يَشْتَرِي لَهو الحَدِيث} قَالَ: هُوَ اشتراؤه الْمُغنِي والمغنية بِالْمَالِ الْكثير وَالِاسْتِمَاع إِلَيْهِ وَإِلَى مثله من الْبَاطِل(6/507)
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَمن النَّاس من يَشْتَرِي لَهو الحَدِيث} قَالَ: هُوَ رجل يَشْتَرِي جَارِيَة تغنيه لَيْلًا أَو نَهَارا(6/508)
وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (7)
- قَوْله تَعَالَى: وَإِذا تتلى عَلَيْهِ آيَاتنَا ولى مستكبرا كَأَن لم يسْمعهَا كَأَن فِي أُذُنَيْهِ وقرا فبشره بِعَذَاب أَلِيم
أخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {وَإِذا تتلى عَلَيْهِ آيَاتنَا ولى مستكبراً} قَالَ: مُكَذبا بهَا
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وقرا} قَالَ: ثقلا(6/508)
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ (8) خَالِدِينَ فِيهَا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (9) خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (10)
- قَوْله تَعَالَى: إِن الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات لَهُم جنَّات النَّعيم خَالِدين فِيهَا وعد الله حَقًا وَهُوَ الْعَزِيز الْحَكِيم خلق السَّمَوَات بِغَيْر عمد ترونها وَألقى فِي الأَرْض رواسي أَن تميد بكم وَبث فِيهَا من كل دَابَّة وأنزلنا من السَّمَاء مَاء فَأَنْبَتْنَا فِيهَا من كل زوج كريم
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مَالك بن دينا رَضِي الله عَنهُ قَالَ: {جنَّات النَّعيم} بَين جنَّات الفردوس وَبَين جنَّات عدن وفيهَا جوَار خُلِقْنَ من ورد الْجنَّة
قيل: وَمن يسكنهَا قَالَ: الَّذين هموا بِالْمَعَاصِي فَلَمَّا ذكرُوا عظمتي راقبوني وَالَّذين انْثَنَتْ أصلابهم فِي خَشْيَتِي(6/508)
هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (11)
- قَوْله تَعَالَى: هَذَا خلق الله فأروني مَاذَا خلق الَّذين من دونه بل الظَّالِمُونَ فِي ضلال مُبين(6/508)
أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {هَذَا خلق الله} أَي مَا ذكر من خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض وَمَا بَث فِيهَا من الدَّوَابّ وَمَا أنبت من كل زوج {فأروني مَاذَا خلق الَّذين من دونه} يَعْنِي الْأَصْنَام
وَالله أعلم(6/509)
وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (12) وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (13)
- قَوْله تَعَالَى: وَلَقَد آتَيْنَا لُقْمَان الْحِكْمَة أَن اشكر لله وَمن يشْكر فَإِنَّمَا يشْكر لنَفسِهِ وَمن كفر فَإِن الله غَنِي حميد وَإِذ قَالَ لُقْمَان لِابْنِهِ وَهُوَ يعظه يَا بني لَا تشرك بِاللَّه إِن الشّرك لظلم عَظِيم
أخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَتَدْرُونَ مَا كَانَ لُقْمَان قَالُوا: الله وَرَسُوله أعلم قَالَ: كَانَ حَبَشِيًّا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة فِي الزّهْد وَأحمد وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب المملوكين وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ لُقْمَان عَلَيْهِ السَّلَام عبدا حَبَشِيًّا نجاراً
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عبد الله بن الزبير رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: قلت لجَابِر بن عبد الله رَضِي الله عَنْهُمَا: مَا انْتهى إِلَيْكُم من شَأْن لُقْمَان عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: كَانَ قَصِيرا أفطس من النّوبَة
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن حبَان فِي الضُّعَفَاء وَابْن عَسَاكِر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اتَّخذُوا السودَان فَإِن ثَلَاثَة مِنْهُم سَادَات أهل الْجنَّة
لُقْمَان الْحَكِيم
وَالنَّجَاشِي
وبلال الْمُؤَذّن قَالَ الطَّبَرَانِيّ: أَرَادَ الْحَبَشَة
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن عبد الرَّحْمَن بن يزِيد عَن جَابر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَادَات السودَان أَرْبَعَة
لُقْمَان الحبشي
وَالنَّجَاشِي
وبلال
وَمهجع
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن الْمسيب رَضِي الله عَنهُ أَن لُقْمَان عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ أسود من سودان مصر ذَا مشافر
أعطَاهُ الله الْحِكْمَة وَمنعه النُّبُوَّة(6/509)
وَأخرج ابْن جرير عَن عبد الرَّحْمَن ابْن حَرْمَلَة قَالَ: جَاءَ أسود إِلَى سعيد بن الْمسيب رَضِي الله عَنهُ يسْأَله فَقَالَ لَهُ سعيد رَضِي الله عَنهُ: لَا تحزن من أجل أَنَّك أسود فَإِنَّهُ كَانَ من أخير النَّاس ثَلَاثَة من السودَان: بِلَال
وَمهجع مولى عمر بن الْخطاب
ولقمان الْحَكِيم كَانَ أسود نوبياً ذَا مشافر
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ لُقْمَان عَلَيْهِ السَّلَام عبد أسود
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد فِي الزّهْد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ لُقْمَان عَلَيْهِ السَّلَام عبدا حَبَشِيًّا غليظ الشفتين مصفح الْقَدَمَيْنِ قَاضِيا لبني إِسْرَائِيل
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد فِي الزّهْد وَابْن الْمُنْذر عَن سعيد بن الْمسيب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ
أَن لُقْمَان عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ خياطاً
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ لُقْمَان عَلَيْهِ السَّلَام من أَهْون مملوكيه على سَيّده وَإِن أول مَا رُؤِيَ من حكمته أَنه بَيْنَمَا هُوَ مَعَ مَوْلَاهُ إِذْ دخل الْمخْرج فَأطَال فِيهِ الْجُلُوس فناداه لُقْمَان أَن طول الْجُلُوس على الْحَاجة ينجع مِنْهُ الكبد وَيكون مِنْهُ الْبَاسُور ويصعد الْحر إِلَى الرَّأْس فأجلس هوينا وَأخرج فَخرج فَكتب حكمته على بَاب الحش قَالَ: وسكر مَوْلَاهُ فخاطر قوما على أَن يشرب مَاء بحيرة فَلَمَّا أَفَاق عرف مَا وَقع مِنْهُ فَدَعَا لُقْمَان فَقَالَ: لمثل هَذَا كنت أخبؤك
فَقَالَ: اجمعهم فَلَمَّا اجْتَمعُوا قَالَ: على أَي شَيْء خاطرتموه قَالُوا: على أَن يشرب مَاء هَذِه الْبحيرَة قَالَ: فَإِن لَهَا مواد فاحبسوا موادها عَنْهَا قَالُوا: كَيفَ نستطيع أَن نحبس موادها قَالَ: وَكَيف يَسْتَطِيع أَن يشْربهَا وَلها مواد
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وَلَقَد آتَيْنَا لُقْمَان الْحِكْمَة} قَالَ: يَعْنِي الْعقل والفهم والفطنة
من غير نبوّة
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول عَن أبي مُسلم الْخَولَانِيّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن لُقْمَان كَانَ عبدا كثير التفكر حسن الظَّن كثير الصمت أحب الله فَأَحبهُ الله تَعَالَى فَمن عَلَيْهِ بالحكمة نُودي بالخلافة قبل دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام فَقيل لَهُ: يَا لُقْمَان هَل لَك أَن يجعلك الله خَليفَة تحكم بَين النَّاس(6/510)
بِالْحَقِّ قَالَ لُقْمَان: إِن أجبرني رَبِّي عز وَجل قبلت فَإِنِّي أعلم أَنه إِن فعل ذَلِك أعانني
وَعَلمنِي
وعصمني
وَإِن خيرني رَبِّي قبلت الْعَافِيَة وَلم أسأَل الْبلَاء فَقَالَت الْمَلَائِكَة: يَا لُقْمَان لم قَالَ: لِأَن الْحَاكِم بأشد الْمنَازل وأكدرها يَغْشَاهُ الظُّلم من كل مَكَان فيخذل أَو يعان فَإِن أصَاب فبالحري أَن ينجو وَإِن أَخطَأ أَخطَأ طَرِيق الْجنَّة وَمن يكون فِي الدُّنْيَا ذليلاً خير من أَن يكون شريفا ضائعا وَمن يخْتَار الدُّنْيَا على الْآخِرَة فَاتَتْهُ الدُّنْيَا وَلَا يصير إِلَى ملك الْآخِرَة
فَعجب الْمَلَائِكَة من حسن مَنْطِقه فَنَامَ نومَة فغط بالحكمة غطاً فانتبه فَتكلم بهَا ثمَّ نُودي دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام بعده بالخلافة فقبلها وَلم يشْتَرط شَرط لُقْمَان فَأَهوى فِي الْخَطِيئَة فصفح عَنهُ وَتجَاوز
وَكَانَ لُقْمَان يؤازره بِعِلْمِهِ وحكمته فَقَالَ دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام: طُوبَى لَك يَا لُقْمَان أُوتيت الْحِكْمَة فصرفت عَنْك البلية وأوتي دَاوُد الْخلَافَة فَابْتلى بالذنب والفتنة
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَأحمد فِي الزّهْد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَلَقَد آتَيْنَا لُقْمَان الْحِكْمَة} قَالَ: الْعقل
وَالْفِقْه
والاصابة فِي القَوْل فِي نبوّه
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَلَقَد آتَيْنَا لُقْمَان الْحِكْمَة} قَالَ: الْفِقْه فِي الإِسلام وَلم يكن نَبيا وَلم يُوح إِلَيْهِ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: خير الله تَعَالَى لُقْمَان بَين الْحِكْمَة والنبوّة
فَاخْتَارَ الْحِكْمَة على النبوّة فَأَتَاهُ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام وَهُوَ نَائِم فذر عَلَيْهِ الْحِكْمَة فاصبح ينْطق بهَا فَقيل لَهُ: كَيفَ اخْتَرْت الْحِكْمَة على النبوّة وَقد خيرك رَبك فَقَالَ: لَو أَنه أرسل إِلَيّ بالنبوّة عَزمَة لرجوت فِيهَا الْفَوْز مِنْهُ ولكنت أَرْجُو أَن أقوم بهَا وَلكنه خيرني فَخفت أَن أَضْعَف عَن النبوّة فَكَانَت الْحِكْمَة أحب إليَّ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن وهب بن مُنَبّه رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَنه سُئِلَ أَكَانَ لُقْمَان عَلَيْهِ السَّلَام نَبيا قَالَ: لَا
لم يُوح إِلَيْهِ وَكَانَ رجلا صَالحا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ: كَانَ لُقْمَان عَلَيْهِ السَّلَام نَبيا(6/511)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن لَيْث رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ: كَانَت حِكْمَة لُقْمَان عَلَيْهِ السَّلَام نبوّة
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ: كَانَ لُقْمَان عَلَيْهِ السَّلَام رجلا صَالحا وَلم يكن نَبيا
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ والرامهرمزي فِي الْأَمْثَال بِسَنَد ضَعِيف عَن أبي أُمَامَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن لُقْمَان عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ لِابْنِهِ: يَا بني عَلَيْك بمجالس الْعلمَاء واستمع كَلَام الْحُكَمَاء فَإِن الله يحي الْقلب الْمَيِّت بِنور الْحِكْمَة كَمَا تحيا الأَرْض الْميتَة بوابل الْمَطَر
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي الدَّرْدَاء رَضِي الله عَنهُ أَنه ذكر لُقْمَان الْحَكِيم فَقَالَ: مَا أُوتِيَ مَا أُوتِيَ عَن أهل وَلَا مَال
وَلَا حسب
وَلَا خِصَال
وَلكنه كَانَ رجلا صمصامة سكيتاً طَوِيل التفكر عميق النّظر لم ينم نَهَارا قطّ وَلم يره أحد يبزق وَلَا يتنحخ وَلَا يَبُول وَلَا يتغوّط وَلَا يغْتَسل وَلَا يعبث وَلَا يضْحك كَانَ لَا يُعِيد منطقاً نطقه إِلَّا أَن يَقُول: حِكْمَة يستعيدها إِيَّاه وَكَانَ قد تزوج وَولد لَهُ أَوْلَاد فماتوا فَلم يبك عَلَيْهِم وَكَانَ يغشى السُّلْطَان وَيَأْتِي الْحُكَمَاء لينْظر ويتفكر وَيعْتَبر
فبذلك أُوتِيَ مَا أُوتِيَ
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب الصمت وَابْن جرير عَن عمر بن قيس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: مر رجل بلقمان عَلَيْهِ السَّلَام وَالنَّاس عِنْده فَقَالَ: أَلَسْت عبد بني فلَان قَالَ: بلَى
قَالَ: أَلَسْت الَّذِي كنت ترعى عِنْد جبل كَذَا وَكَذَا قَالَ: بلَى
قَالَ: فَمَا الَّذِي بلغ بك مَا أرى قَالَ: تقوى الله وَصدق الحَدِيث وَأَدَاء الْأَمَانَة وَطول السُّكُوت عَمَّا لَا يعنيني
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن مُحَمَّد بن جحادة رَضِي الله عَنهُ
مثله
وَأخرج أَحْمد والحكيم التِّرْمِذِيّ وَالْحَاكِم فِي الكنى وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن لُقْمَان الْحَكِيم كَانَ يَقُول: إِن الله إِذا استودع شَيْئا حفظه
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي نعت الْخَائِفِينَ عَن الْفضل الرقاشِي قَالَ: مَا زَالَ لُقْمَان يعظ ابْنه حَتَّى انشقت مرارته فَمَاتَ(6/512)
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن حَفْص بن عمر الْكِنْدِيّ قَالَ: وضع لُقْمَان عَلَيْهِ السَّلَام جراباً من خَرْدَل إِلَى جنبه وَجعل يعظ ابْنه موعظة وَيخرج خردلة فنفذ الْخَرْدَل فَقَالَ: يَا بني لقد وعظتك موعظة لَو وعظتها جبلا لتفطر
فتفطر ابْنه
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم عَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لُقْمَان لِابْنِهِ وَهُوَ يعظه: يَا بني إياك والتقنع فَإِنَّهَا مخوفة بِاللَّيْلِ ومذلة بِالنَّهَارِ
وَأخرج العسكري فِي الْأَمْثَال وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن أنس
أَن لُقْمَان عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ عبدا لداود وَهُوَ يسْرد الدرْع فَجعل يفتله هَكَذَا بِيَدِهِ فَجعل لُقْمَان عَلَيْهِ السَّلَام يتعجب وَيُرِيد أَن يسْأَله وتمنعه حكمته أَن يسْأَله فَلَمَّا فرغ مِنْهَا صبها على نَفسه وَقَالَ: نعم درع الْحَرْب هَذِه
فَقَالَ لُقْمَان: الصمت من الْحِكْمَة وَقَلِيل فَاعله كنت أردْت أَن أَسأَلك فَسكت حَتَّى كفيتني
وَأخرج أَحْمد وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن عون بن عبد الله رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ لُقْمَان لِابْنِهِ: يَا بني ارج الله رَجَاء لَا تأمن فِيهِ مكره وخف الله مَخَافَة لَا تيأس بهَا من رَحمته فَقَالَ: يَا أبتاه وَكَيف أَسْتَطِيع ذَلِك وَإِنَّمَا لي قلب وَاحِد قَالَ: الْمُؤمن كَذَا لَهُ قلبان
قلب يَرْجُو بِهِ
وقلب يخَاف بِهِ
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن سُلَيْمَان التَّيْمِيّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ: قَالَ لُقْمَان عَلَيْهِ السَّلَام لِابْنِهِ: يَا بني أَكثر من قَول: رب اغْفِر لي
فَإِن لله سَاعَة لَا يرد فِيهَا سَائل
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ والصابوني فِي الْمِائَتَيْنِ عَن عمرَان بن سليم رَضِي الله عَنهُ قَالَ: بَلغنِي أَن لُقْمَان عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ لِابْنِهِ: يَا بني حملت الْحِجَارَة وَالْحَدِيد وَالْحمل الثقيل فَلم أحمل شَيْئا أثقل من جَار السوء يَا بني إِنِّي قد ذقت المر كُله فَلم أذق شَيْئا أَمر من الْفقر
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي الْيَقِين عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ لُقْمَان لِابْنِهِ: يَا بني إِن الْعَمَل لَا يُسْتَطَاع إِلَّا بِالْيَقِينِ وَمن يضعف يقينه يضعف عمله يَا بني إِذا جَاءَك الشَّيْطَان من قبل الشَّك والريبة فاغلبه بِالْيَقِينِ والنصيحة وَإِذا جَاءَك(6/513)
من قبل الكسل والسآمة فاغلبه بِذكر الْقَبْر وَالْقِيَامَة وَإِذا جَاءَك من قبل الرَّغْبَة والرهبة فاخبره أَن الدُّنْيَا مُفَارقَة متروكة
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب التَّقْوَى عَن وهب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ: قَالَ لُقْمَان عَلَيْهِ السَّلَام لِابْنِهِ: يَا بني اتخذ تقوى الله تِجَارَة يأتك الرِّبْح من غير بضَاعَة
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي الرِّضَا عَن سعيد بن الْمسيب قَالَ: قَالَ لُقْمَان عَلَيْهِ السَّلَام لِابْنِهِ: يَا بني لَا ينزلن بك أَمر رضيته أَو كرهته إِلَّا جعلت فِي الضَّمِير مِنْك أَن ذَلِك خير لَك
قَالَ: أهذه فَلَا أقدر أعطيكها دون أَن أعلم مَا قلت كَمَا قلت قَالَ: يَا بني فَإِن الله قد بعث نَبيا
هَلُمَّ حَتَّى تَأتيه فَصدقهُ
قَالَ: اذْهَبْ يَا أَبَت
فَخرج على حمَار وَابْنه على حمَار وتزودا ثمَّ سارا أَيَّامًا وليالي حَتَّى تلقتهما مفازة فأخذا أهبتهما لَهَا فدخلاها فسارا مَا شَاءَ الله حَتَّى ظهرا وَقد تَعَالَى النَّهَار وَاشْتَدَّ الْحر ونفد المَاء والزاد واستبطاآ حماريهما فَنزلَا فَجعلَا يَشْتَدَّانِ على سَوْقِهِما فَبَيْنَمَا هما كَذَلِك إِذْ نظر لُقْمَان أَمَامه فَإِذا هم بسواد ودخان فَقَالَ فِي نَفسه: السوَاد: الشّجر
وَالدُّخَان: الْعمرَان وَالنَّاس
فَبَيْنَمَا هما كَذَلِك يَشْتَدَّانِ إِذْ وطىء ابْن لُقْمَان على عظم فِي الطَّرِيق فَخر مغشياً عَلَيْهِ فَوَثَبَ إِلَيْهِ لُقْمَان عَلَيْهِ السَّلَام فضمه إِلَى صَدره واستخرج الْعظم بِأَسْنَانِهِ ثمَّ نظر إِلَيْهِ فذرفت عَيناهُ فَقَالَ: يَا أَبَت أَنْت تبْكي وَأَنت تَقول: هَذَا خير لي كَيفَ يكون هَذَا خير لي وَقد نفذ الطَّعَام وَالْمَاء وَبقيت أَنا وَأَنت فِي هَذَا الْمَكَان فَإِن ذهبت وتركتني على حَالي ذهبت بهم وغم مَا بقيت وان أَقمت معي متْنا جَمِيعًا فَقَالَ: يَا بني
أما بُكَائِي فرقة الْوَالِدين وَأما مَا قلت كَيفَ يكون هَذَا خير لي فَلَعَلَّ مَا صرف عَنْك أعظم مِمَّا ابْتليت بِهِ وَلَعَلَّ مَا ابْتليت بِهِ أيسر مِمَّا صرف عَنْك ثمَّ نظر لُقْمَان أَمَامه فَلم يَرَ ذَلِك الدُّخان والسواد
وَإِذا بشخص أقبل على فرس أبلق عَلَيْهِ ثِيَاب بيض وعمامة بَيْضَاء يمسح الْهَوَاء مسحاً فَلم يزل يرمقه بِعَيْنِه حَتَّى كَانَ مِنْهُ قَرِيبا قتوارى عَنهُ ثمَّ صَاح بِهِ: أَنْت لُقْمَان قَالَ: نعم
قَالَ: أَنْت الْحَكِيم قَالَ: كَذَلِك
فَقَالَ: مَا قَالَ لَك ابْنك قَالَ: يَا عبد الله من أَنْت اسْمَع كلامك وَلَا أرى وَجهك قَالَ: أَنا جِبْرِيل
أَمرنِي رَبِّي(6/514)
بخسف هَذِه الْمَدِينَة وَمن فِيهَا فاخبرت انكما تريدانها فدعوت رَبِّي أَن يحبسكما عَنْهَا بِمَا شَاءَ فحبسكما بِمَا ابْتُلِيَ بِهِ ابْنك وَلَوْلَا ذَلِك لخسف بكما مَعَ من خسفت ثمَّ مسح جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام يَده على قدم الْغُلَام فَاسْتَوَى قائمان وَمسح يَده على الَّذِي كَانَ فِيهِ الطَّعَام فَامْتَلَأَ طَعَاما وعَلى الَّذين كَانَ فِيهِ المَاء فَامْتَلَأَ مَاء ثمَّ حملهَا وحماريهما فزجل بهما كَمَا يزجل الطير فَإِذا هما فِي الدَّار الَّذِي خرجا بعد أَيَّام وليال
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَليّ بن رَبَاح اللَّخْمِيّ
أَنه لما وعظ لُقْمَان عَلَيْهِ السَّلَام ابْنه قَالَ: {إِنَّهَا إِن تَكُ}
أَخذ حَبَّة من خَرْدَل فَأتى بهَا إِلَى اليرموك فألقاها فِي عرضه ثمَّ مكث مَا شَاءَ الله ثمَّ ذكرهَا وَبسط يَده فَأقبل بهَا ذُبَاب حَتَّى وَضعهَا فِي رَاحَته
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن مَالك رَضِي الله عَنهُ قَالَ: بَلغنِي أَن لُقْمَان عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ لِابْنِهِ: لَيْسَ غنى كصحة وَلَا نعيم كطيب نفس
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن وهب بن مُنَبّه رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ لُقْمَان عَلَيْهِ السَّلَام لِابْنِهِ: من كذب ذهب مَاء وَجهه وَمن سَاءَ خلقه كثر غمه وَنقل الصخور من موَاضعهَا أيسر من إفهام من لَا يفهم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد فِي الزّهْد وَالْبَيْهَقِيّ عَن الْحسن رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَن لُقْمَان قَالَ لِابْنِهِ: يَا بني حملت الجندل
وَالْحَدِيد
وكل شَيْء ثقيل
فَلم أحمل شَيْئا هُوَ أثقل من جَار السوء وذقت المر فَلم أذق شَيْئا هُوَ أَمر من الْفقر يَا بني لَا ترسل رَسُولك جَاهِلا فَإِن لم تَجِد حكيماً فَكُن رَسُول نَفسك يَا بني إياك وَالْكذب فَإِنَّهُ شهي كلحم العصفور عَمَّا قَلِيل يقلي صَاحبه يَا بني احضر الْجَنَائِز وَلَا تحضر الْعرس فَإِن الْجَنَائِز تذكرك الْآخِرَة والعرس تشهيك الدُّنْيَا يَا بني لَا تَأْكُل شبعاً على شبع فَإنَّك إِن تلقه للكلب خير من أَن تَأْكُله يَا بني لَا تكن حلواً فتبلع وَلَا مرا فتلفظ
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن الْحسن رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَن لُقْمَان عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ لِابْنِهِ: يَا بني لَا تكونن أعجز من هَذَا الديك الَّذِي يصوّت بالأسحار وَأَنت نَائِم على فراشك(6/515)
وَأخرج عبد الله فِي زوائده وَالْبَيْهَقِيّ عَن عُثْمَان بن زَائِدَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ: قَالَ لُقْمَان عَلَيْهِ السَّلَام لِابْنِهِ: يَا بني لَا تُؤخر التَّوْبَة فَإِن الْمَوْت يَأْتِي بَغْتَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَالْبَيْهَقِيّ عَن سيار بن الحكم قَالَ: قيل للقمان عَلَيْهِ السَّلَام: مَا حكمتك قَالَ: لَا أسأَل عَمَّا قد كفيت وَلَا أتكلف مَا لَا يعنيني
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن أبي عُثْمَان الْجَعْدِي رجل من أهل الْبَصْرَة قَالَ: قَالَ لُقْمَان عَلَيْهِ السَّلَام لِابْنِهِ: يَا بني لَا ترغب فِي ود الْجَاهِل فَيرى أَنَّك ترْضى عمله وَلَا تهاون بمقت الْحَكِيم فيزهد فِيك
وَأخرج عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف عَن عِكْرِمَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَن لُقْمَان عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: لَا تنْكح أمة غَيْرك فتورث بنيك حزنا طَويلا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد فِي الزّهْد عَن مُحَمَّد بن وَاسع رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ لُقْمَان عَلَيْهِ السَّلَام يَقُول لِابْنِهِ: يَا بني اتَّقِ الله وَلَا تَرَ النَّاس أَنَّك تخشى الله ليكرموك بذلك وقلبك فَاجر
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَابْن جرير عَن خَالِد الربعِي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ: كَانَ لُقْمَان عبدا حَبَشِيًّا نجاراً فَقَالَ لَهُ سَيّده: اذْبَحْ لي شَاة
فذبح لَهُ شَاة فَقَالَ لَهُ: ائْتِنِي بأطيب مضغتين فِيهَا
فَأَتَاهُ بِاللِّسَانِ وَالْقلب فَقَالَ: أما كَانَ شَيْء أطيب من هذَيْن قَالَ: لَا
فَسكت عَنهُ مَا سكت ثمَّ قَالَ لَهُ: اذْبَحْ لي شَاة
فذبح لَهُ شَاة فَقَالَ لَهُ: ألق أخبثها مضغتين
فَرمى بِاللِّسَانِ وَالْقلب فَقَالَ أَمرتك بِأَن تَأتي بأطيبها مضغتين فأتيني بِاللِّسَانِ وَالْقلب وأمرتك أَن تلقي أخبثها مضغتين فألقيت اللِّسَان وَالْقلب فَقَالَ: إِنَّه لَيْسَ شَيْء بأطيب مِنْهَا إِذا طابا وَلَا بأخبث مِنْهُمَا إِذا خبثا
وَأخرج عبد الله فِي زوائده عَن عبد الله بن زيد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ لُقْمَان عَلَيْهِ السَّلَام: أَلا أَن يَد الله على أَفْوَاه الْحُكَمَاء
لَا يتَكَلَّم أحدهم إِلَّا مَا هيأ الله لَهُ
وَأخرج عبد الله عَن سُفْيَان رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ لُقْمَان عَلَيْهِ السَّلَام لِابْنِهِ: يَا بني مَا نَدِمت على الصمت قطّ وَإِن كَانَ الْكَلَام من فضَّة كَانَ السُّكُوت من ذهب
وَأخرج أَحْمد عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ أَن لُقْمَان عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ لِابْنِهِ: يَا بني(6/516)
اعتزل الشَّرّ كَيْمَا يعتزلك فَإِن الشَّرّ للشر خلق
وَأخرج عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه قَالَ: مَكْتُوب فِي الْحِكْمَة - يَعْنِي حِكْمَة لُقْمَان عَلَيْهِ السَّلَام - يَا بني إياك والرغب كل الرغب فَإِن الرغب كل الرغب [] ينفذ الْقرب من الْقرب وَيتْرك الْحلم مثل [] الرطب يَا بني إياك وَشدَّة الْغَضَب فَإِن شدَّة الْغَضَب ممحقة لفؤاد الْحَكِيم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد عَن عبيد بن عُمَيْر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ لُقْمَان عَلَيْهِ السَّلَام لِابْنِهِ وَهُوَ يعظه: يَا بني اختر الْمجَالِس على عَيْنك فَإِذا رَأَيْت الْمجْلس يذكر الله عز وَجل فِيهِ فاجلس مَعَهم فَإنَّك إِن تَكُ عَالما ينفعك علمك وَإِن تَكُ غبياً يعلموك وان يطلع الله عز وَجل إِلَيْهِم برحمة تصبك مَعَهم يَا بني لَا تجْلِس فِي الْمجْلس الَّذِي لَا يذكر فِيهِ الله فَإنَّك إِن تَكُ عَالما لَا ينفعك علمك وَإِن تَكُ عَيِياً يزيدوك عياً وان يطلع الله إِلَيْهِم بعد ذَلِك بسخط يصبك مَعَهم وَيَا بني لَا يغيظنك امْرُؤ رحب الذراعين يسفك دِمَاء الْمُؤمنِينَ فَإِن لَهُ عِنْد الله قَاتلا لَا يَمُوت
وَأخرج عبد الله فِي زوائده عَن أبي سعيد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ لُقْمَان عَلَيْهِ السَّلَام لِابْنِهِ: لَا يَأْكُل طَعَامك إِلَّا الأتقياء وشاور فِي أَمرك الْعلمَاء
وَأخرج أَحْمد عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه قَالَ: مَكْتُوب فِي الْحِكْمَة - يَعْنِي حِكْمَة لُقْمَان - لتكن كلمتك طيبَة وَليكن وهجك بسيطاً تكن أحب إِلَى النَّاس مِمَّن يعطيهم الْعَطاء وَقَالَ: مَكْتُوب فِي التَّوْرَاة كَمَا تَرحمون تُرحمون
وَقَالَ: مَكْتُوب فِي الْحِكْمَة: كَمَا تَزْرَعُونَ تَحْصِدُون
وَقَالَ: مَكْتُوب فِي الْحِكْمَة: أحب خَلِيلك وخليل أَبِيك
وَأخرج أَحْمد عَن أبي قلَابَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قيل للقمان عَلَيْهِ السَّلَام: أَي النَّاس أَصْبِر قَالَ: صَبر لَا مَعَه أَذَى
قيل: فَأَي النَّاس أعلم قَالَ: من ازْدَادَ من علم النَّاس إِلَى علمه
قيل فَأَي النَّاس خير قَالَ: الْغَنِيّ
قيل: الْغَنِيّ من المَال قَالَ: لَا
وَلَكِن الْغَنِيّ إِذا التمس عِنْده خير وجدوا لَا أغْنى نَفسه عَن النَّاس
وَأخرج أَحْمد عَن سُفْيَان رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قيل للقمان عَلَيْهِ السَّلَام: أَي النَّاس شَرّ قَالَ: الَّذِي لَا يُبَالِي أَن يرَاهُ النَّاس مسيئاً
وَأخرج أَحْمد عَن مَالك بن دِينَار رَضِي الله عَنهُ قَالَ: وجدت فِي بعض(6/517)
الْحِكْمَة
يبرد الله عِظَام الَّذين يَتَكَلَّمُونَ باهواء النَّاس وَوجدت فِي الْحِكْمَة: لَا خير لَك فِي أَن تتعلم مَا لم تعلم إِذا لم تعْمل بِمَا قد علمت فَإِن مثل ذَلِك رجل احتطب حطباً فَحمل حزمة فَذهب يحملهَا فعجز عَنْهَا فضم إِلَيْهَا أُخْرَى
وَأخرج أَحْمد عَن مُحَمَّد بن جحادة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ لُقْمَان عَلَيْهِ السَّلَام: يَأْتِي على النَّاس زمَان لَا تقر فِيهِ عين حَكِيم
وَأخرج أَحْمد عَن سُفْيَان رَضِي الله عَنهُ عَمَّن أخبرهُ أَن لُقْمَان عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ لِابْنِهِ: أَي بني إِن الدُّنْيَا بَحر عميق وَقد غرق فِيهَا نَاس كثير فَاجْعَلْ سفينتك فِيهَا تقوى الله وحشوها الإِيمان بِاللَّه وشراعها التَّوَكُّل على الله لَعَلَّك أَن تنجو وَلَا أَرَاك ناجياً
وَأخرج عبد الله فِي زوائده عَن عَوْف بن عبد الله رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ لُقْمَان لِابْنِهِ: يَا بني إِنِّي حملت الجندل وَالْحَدِيد فَلم أحمل شَيْئا أثقل من جَار السوء وذقت المرارة كلهَا فَلم أذق أَشد من الْفقر
وَأخرج أَحْمد عَن شُرَحْبِيل بن مُسلم رَضِي الله عَنهُ أَن لُقْمَان قَالَ: أقصر من اللجاجة وَلَا أنطق فِيمَا لَا يعنيني وَلَا أكون مضحاكاً من غير عجب وَلَا مشاء إِلَى غير أرب
وَأخرج أَحْمد عَن أبي الْجلد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَرَأت فِي الْحِكْمَة: من كَانَ لَهُ من نَفسه واعظاً كَانَ لَهُ من الله حَافِظًا وَمن أنصف النَّاس من نَفسه زَاده الله بذلك عزا والذل فِي طَاعَة الله أقرب من التعزز بالمعصية
وَأخرج أَحْمد عَن عبد الله بن دِينَار رَضِي الله عَنهُ أَن لُقْمَان عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ لِابْنِهِ: يَا بني انْزِلْ نَفسك منزلَة من لَا حَاجَة لَهُ بك ولَا بُد لَك مِنْهُ يَا بني كن كمن لَا يَبْتَغِي محمدة النَّاس وَلَا يكْسب ذمهم فنفسه مِنْهُ فِي عناء وَالنَّاس مِنْهُ فِي رَاحَة
وَأخرج أَحْمد عَن ابْن أبي يحيى رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ: قَالَ لُقْمَان لِابْنِهِ: أَي بني أَن الْحِكْمَة أجلست الْمَسَاكِين مجَالِس الْمُلُوك
وَأخرج أَحْمد عَن مُعَاوِيَة بن قُرَّة قَالَ: قَالَ لُقْمَان عَلَيْهِ السَّلَام لِابْنِهِ: يَا بني جَالس الصَّالِحين من عباد الله فَإنَّك تصيب بمجالستهم خيرا وَلَعَلَّه أَن يكون آخر(6/518)
ذَلِك تنزل عَلَيْهِم الرَّحْمَة فتصيبك مَعَهم يَا بني لَا تجَالس الأشرار فانك لَا يصيبك من مجالستهم خير وَلَعَلَّه أَن يكوه فِي آخر ذَلِك أَن تنزل عَلَيْهِم عُقُوبَة فتصيبك مَعَهم
وَأخرج أَحْمد عَن ابْن أبي نجيح رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ لُقْمَان عَلَيْهِ السَّلَام: الصمت حكم وَقَلِيل فَاعله فَقَالَ طَاوس رَضِي الله عَنهُ: أَي أَبَا نجيح من قَالَ وَاتَّقَى الله خير مِمَّن صمت وَاتَّقَى الله
وَأخرج أَحْمد عَن عون رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ لُقْمَان عَلَيْهِ السَّلَام لِابْنِهِ: يَا بني إِذا انْتَهَيْت إِلَى نَادِي قوم فَارْمِهِمْ بِسَهْم الإِسلام ثمَّ اجْلِسْ فِي ناحيتهم فَإِن أفاضوا فِي ذكر الله فاجلس مَعَهم وَإِن أفاضوا فِي غير ذَلِك فتحول عَنْهُم
وَأخرج عبد الله فِي زوائده عَن عبد الله بن دِينَار رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: أَن لُقْمَان قدم من سفر فَلَقِيَهُ غُلَام فِي الطَّرِيق فَقَالَ: مَا فعل أبي قَالَ: مَاتَ
قَالَ: الْحَمد لله ملكت أَمْرِي قَالَ: مَا فعلت أُمِّي قَالَ: مَاتَت
قَالَ: ذهب همي قَالَ: مَا فعلت امْرَأَتي قَالَ: مَاتَت قَالَ: جدد فِرَاشِي قَالَ: مَا فعلت أُخْتِي قَالَ: مَاتَت قَالَ: سترت عورتي قَالَ: مَا فعل أخي قَالَ: مَاتَ قَالَ: انْقَطع ظَهْري
وَأخرج عبد الله فِي زوائده عَن عبد الْوَهَّاب بن بخت الْمَكِّيّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ: قَالَ لُقْمَان عَلَيْهِ السَّلَام لِابْنِهِ: يَا بني جَالس الْعلمَاء وزاحمهم بركبتيك فَإِن الله ليحيي الْقُلُوب الْميتَة بِنور الْحِكْمَة كَمَا يحيي الأَرْض الْميتَة بوابل السَّمَاء
وَأخرج عَن عبد الله بن قيس رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ: قَالَ لُقْمَان عَلَيْهِ السَّلَام لِابْنِهِ: يَا بني امْتنع مِمَّا يخرج من فِيك فَإنَّك مَا سكت سَالم وَإِنَّمَا يَنْبَغِي لَك من القَوْل مَا ينفعك
وَأخرج أَحْمد عَن مُحَمَّد بن وَاسع رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ لُقْمَان عَلَيْهِ السَّلَام لِابْنِهِ: يَا بني لَا تتعلم مَا لَا تعلم حَتَّى تعْمل بِمَا تعلم
وَأخرج أَحْمد عَن بكر الْمُزنِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ لُقْمَان عَلَيْهِ السَّلَام: ضرب الْوَالِد لوَلَده كَالْمَاءِ للزَّرْع
وَأخرج القالي فِي أَمَالِيهِ عَن الْعُتْبِي قَالَ: بَلغنِي أَن لُقْمَان عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ(6/519)
يَقُول: ثَلَاثَة لَا يعْرفُونَ إِلَّا ثَلَاثَة مَوَاطِن
الْحَلِيم عِنْد الْغَضَب
والشجاع عِنْد الْحَرْب
وأخوك عِنْد حَاجَتك إِلَيْهِ
وَأخرج وَكِيع فِي الْغرَر عَن الْحَنْظَلِي رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ لُقْمَان لِابْنِهِ: يَا بني إِذا أردْت أَن تؤاخي رجلا فاغضبه قبل ذَلِك فَإِن أنصفك عِنْد غَضَبه وَإِلَّا فاحذره
وَأخرج الدَّارقطني عَن مَالك بن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: بَلغنِي أَن لُقْمَان عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ لِابْنِهِ: يَا بني إِنَّك مُنْذُ نزلت إِلَى الدُّنْيَا استدبرتها واستقبلت الْأُخْرَى فَدَارٌ أَنْت إِلَيْهَا تسير أقرب من دَار أَنْت عَنْهَا تُبَاعِد
وَأخرج ابْن الْمُبَارك عَن ابْن أبي مليكَة رَضِي الله عَنهُ أَن لُقْمَان عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يَقُول: اللَّهُمَّ لَا تجْعَل أَصْحَابِي الغافلين
إِذا ذكرتك لم يعينوني وَإِذا نسيتك لم يذكروني وَإِذا أمرت لم يطيعوني وَإِن صمت أحزنوني
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ عَن مُعْتَمر عَن أَبِيه أَن لُقْمَان عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ لِابْنِهِ: يَا بني عود لسَانك أَن يَقُول: اللَّهُمَّ اغْفِر لي
فَإِن لله سَاعَة لَا يرد فِيهَا الدُّعَاء
وَأخرج الْخَطِيب عَن الْحسن رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ: قَالَ لُقْمَان عَلَيْهِ السَّلَام لِابْنِهِ: يَا بني إياك والدَيْن فَإِنَّهُ ذُلُّ النهارِ هَمُّ الليلِ
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن وهب بن مُنَبّه رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ لُقْمَان لِابْنِهِ: يَا بني ارج الله رَجَاء لَا يجرئك على مَعْصِيَته وخف الله خوفًا لَا يؤيسك من رَحمته
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن عمر بن عبد الْعَزِيز رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ لُقْمَان عَلَيْهِ السَّلَام: إِذا جَاءَك الرجل وَقد سَقَطت عَيناهُ فَلَا تقض لَهُ حَتَّى يَأْتِي خَصمه قَالَ: يَقُول لَعَلَّه أَن يَأْتِي وَقد نزع أَرْبَعَة أعين
وَأخرج عبد الله بن أَحْمد فِي زَوَائِد الزّهْد عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ الله عز وَجل يَا ابْن آدم خلقتك وَتعبد غَيْرِي وَتَدْعُو إِلَيّ وتفر مني وتذكرني وتنساني هَذَا أظلم ظلم فِي الأَرْض ثمَّ يَتْلُو الْحسن {إِن الشّرك لظلم عَظِيم}(6/520)
وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14) وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (15) يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (16) يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (17) وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (18) وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ (19)
- قَوْله تَعَالَى: وَوَصينَا الْإِنْسَان بِوَالِديهِ حماته أمه وَهنا على وَهن وفصاله فِي عَاميْنِ أَن اشكر لي ولوالديك إِلَيّ الْمصير وَإِن جَاهَدَاك على أَن تشرك بِي مَا لَيْسَ لَك بِهِ علم فَلَا تطعهما وصاحبهما فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفا وَاتبع سَبِيل من أناب إليَّ ثمَّ إِلَيّ مرجعكم فأنبئكم بِمَا كُنْتُم تَعْمَلُونَ يَا بني إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَال حَبَّة من خَرْدَل فتكن فِي صَخْرَة أَو فِي السَّمَوَات أَو فِي الأَرْض يَأْتِ بهَا الله إِن الله لطيف خَبِير يَا بني أقِم الصَّلَاة وام بِالْمَعْرُوفِ وانه عَن الْمُنكر واصبر على مَا أَصَابَك إِن ذَلِك من عزم الْأُمُور وَلَا تصعر خدك للنَّاس وَلَا تمش فِي الآرض مرحاً إِن الله لَا يحب كل مختال فخور واقصد فِي مشيك واغضض من صَوْتك إِن أنكر الْأَصْوَات لصوت الْحمير
أخرج أَبُو يعلى وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَابْن عَسَاكِر عَن أبي عُثْمَان النَّهْدِيّ قَالَ: إِن سعد بن أبي وَقاص قَالَ: نزلت هَذِه الْآيَة {وَإِن جَاهَدَاك على أَن تشرك بِي مَا لَيْسَ لَك بِهِ علم فَلَا تطعهما وصاحبهما فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفا} كنت رجلا برا بأمي فَلَمَّا أسلمت قَالَت: يَا سعد وَمَا هَذَا الَّذِي أَرَاك قد أحدَثْتَ لتَدَعَنَّ دينَك هَذَا أَو لَا آكل وَلَا أشْرب حَتَّى أَمُوت فَتُعَيَّرَ بِي فيُقال يَا قَاتل أمه قلت: يَا أمه لَا تفعلي فَإِنِّي لَا أدع ديني هَذَا لشَيْء فَمَكثت يَوْمًا وَلَيْلَة لَا تَأْكُل فاصبحت قد جهدت فَمَكثت يَوْمًا آخر وَلَيْلَة وَقد اشْتَدَّ جهدها فَلَمَّا رَأَيْت ذَلِك قلتك يَا أمه تعلمين وَالله لَو كَانَت لَك مائَة نفس فَخرجت نفسا نفسا مَا تركت ديني هَذَا لشَيْء فَإِن شِئْت فكلي وَإِن شِئْت فَلَا تأكلي فَلَمَّا رَأَتْ ذَلِك أكلت
فَنزلت هَذِه الْآيَة
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن سعد قَالَ: نزلت فيَّ أَربع آيَات الْأَنْفَال {وصاحبهما فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفا} وَالْوَصِيَّة وَالْخمر
وَأخرج ابْن جرير عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: نزلت هَذِه الْآيَة فِي سعد بن أبي(6/521)
وَقاص رَضِي الله عَنهُ {وَإِن جَاهَدَاك على أَن تشرك بِي}
وَأخرج ابْن سعد بن أبي وَقاص رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ: جِئْت من الرَّمْي فَإِذا النَّاس مجتمعون على أُمِّي حمْنَة بنت سُفْيَان بن أُميَّة بن عبد شمس وعَلى أخي عَامر حِين أسلم فَقلت: مَا شَأْن النَّاس فَقَالُوا: هَذِه أمك قد أخذت أَخَاك عَامِرًا تُعْطِي الله عهدا: أَن لَا يُظِلّهَا ظلّ وَلَا تَأْكُل طَعَاما وَلَا تشرب شرابًا حَتَّى يدع الصباوة
فَأقبل سعد رَضِي الله عَنهُ حَتَّى تخلص إِلَيْهَا فَقَالَ: عَليّ يَا أمه فاحلفي قَالَت: لم قَالَ: أَن لَا تستظلي فِي ظلّ وَلَا تأكلي طَعَاما وَلَا تشربي شرابًا حَتَّى تريْ مَقْعَدك من النَّار فَقَالَت: إِنَّمَا أَحْلف على ابْني الْبر
فَأنْزل الله {وَإِن جَاهَدَاك على أَن تشرك بِي مَا لَيْسَ لَك بِهِ علم فَلَا تطعهما وصاحبهما فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفا} إِلَى آخر الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وَهنا على وَهن} قَالَ: شدَّة بعد شدَّة وخلقاً بعد خلق
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَطاء الْخُرَاسَانِي فِي قَوْله {وَهنا على وَهن} قَالَ: ضعفا على ضعف
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَهنا على وَهن} قَالَ: مشقة وَهُوَ الْوَلَد
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَهنا على وَهن} قَالَ: الْوَلَد على وَهن قَالَ: الوالدة وضعفها
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فِي قَوْله {وصاحبهما فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفا} قَالَ: تعودهما إِذا مَرضا وتتبعهما إِذا مَاتَا وتواسيهما مِمَّا أَعْطَاك الله {وَاتبع سَبِيل من أناب إليَّ}
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَاتبع سَبِيل من أناب إِلَيّ} قَالَ: مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَال حَبَّة من خَرْدَل} قَالَ: من خير أَو شَرّ {فتكن فِي صَخْرَة} قَالَ: فِي جبل
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: الأَرْض على نون(6/522)
وَالنُّون على بَحر وَالْبَحْر على صَخْرَة خضراء فخضرة المَاء من تِلْكَ الصَّخْرَة قَالَ: والصخرة على قرن ثَوْر وَذَلِكَ الثور على الثرى وَلَا يعلم مَا تَحت الثرى إِلَّا الله
فَذَلِك قَوْله: {لَهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْض وَمَا بَينهمَا وَمَا تَحت الثرى} طه الْآيَة 6 فَجَمِيع مَا فِي السَّمَوَات وَمَا فِي الأَرْض وَمَا بَينهمَا وَمَا تَحت الثرى فِي حرم الرَّحْمَن فَإِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة لم يبْق شَيْء من خلقه قَالَ: {لمن الْملك الْيَوْم} فيهتز مَا فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض فيجيب هُوَ نَفسه فَيَقُول: {لله الْوَاحِد القهار}
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن جرير عَن أبي مَالك رَضِي الله عَنهُ {يَأْتِ بهَا الله} قَالَ: يعلمهَا الله
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {إِن الله لطيف} قَالَ: باستخراجها
قَالَ: بمستقرها
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَأمر بِالْمَعْرُوفِ} يَعْنِي بِالتَّوْحِيدِ {وانه عَن الْمُنكر} يَعْنِي عَن الشّرك {واصبر على مَا أَصَابَك} فِي أَمرهمَا يَقُول: إِذا أمرت بِمَعْرُوف أَو نهيت عَن مُنكر وأصابك فِي ذَلِك أَذَى وَشدَّة فاصبر عَلَيْهِ {إِن ذَلِك} يَعْنِي هَذَا الصَّبْر على الْأَذَى فِي الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر {من عزم الْأُمُور} يَعْنِي من حق الْأُمُور الَّتِي أَمر الله تَعَالَى
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله {واصبر على مَا أَصَابَك} من الْأَذَى فِي ذَلِك {إِن ذَلِك من عزم الْأُمُور} يَقُول: مِمَّا عزم الله عَلَيْهِ من الْأُمُور وَمِمَّا أَمر الله بِهِ من الْأُمُور
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد فِي الزّهْد وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر والخطيب فِي تالي التَّلْخِيص عَن أبي جَعْفَر الخطمي رَضِي الله عَنهُ أَن جده عُمَيْر بن حبيب وَكَانَت لَهُ صُحْبَة أوصى بنيه قَالَ: يَا بني إيَّاكُمْ ومجالسة السُّفَهَاء فَإِن مجالستهم دَاء إِنَّه من يحلم عَن السَّفِيه يسر بحلمه وَمن يُحِبهُ ينْدَم وَمن لَا يقر بِقَلِيل مَا يَأْتِي بِهِ السَّفِيه يقر بالكثير وَمن يصبر على مَا يكره يدْرك مَا يحب وَإِذا أَرَادَ أحدكُم أَن يَأْمر النَّاس بِالْمَعْرُوفِ وينهاهم عَن الْمُنكر فليوطن نَفسه على الصَّبْر على الْأَذَى وليثق بالثواب من الله وَمن يَثِق بالثواب من الله لَا يجد مس الْأَذَى
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن عدي وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي أَيُّوب الْأنْصَارِيّ رَضِي الله(6/523)
عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سُئِلَ عَن قَول الله {وَلَا تصعر خدك للنَّاس} قَالَ: ليّ الشدق
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وَلَا تصعر خدك للنَّاس} يَقُول: لَا تتكبر
فتحقر عباد الله وَتعرض عَنْهُم بِوَجْهِك إِذا كلموك
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وَلَا تصعر خدك للنَّاس} قَالَ: هُوَ الَّذِي إِذا سلم عَلَيْهِ لوى عُنُقه كالمستكبر
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن جرير عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَلَا تصعر خدك للنَّاس} قَالَ: الصدود والإِعراض بِالْوَجْهِ عَن النَّاس
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَلَا تصعر خدك للنَّاس} يَقُول: لَا تعرض وَجهك عَن فُقَرَاء النَّاس تكبراً
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن الرّبيع بن أنس رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَلَا تصعر خدك للنَّاس} قَالَ: ليكن الْفَقِير والغني عنْدك فِي الْعلم سَوَاء وَقد عوتب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {عبس وَتَوَلَّى}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {واقصد فِي مشيك} قَالَ: تواضع
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ عَن يزِيد ابْن أبي حبيب رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {واقصد فِي مشيك} قَالَ: يَعْنِي السرعة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {واقصد فِي مشيك} يَقُول: لَا تختال: {واغضض من صَوْتك} قَالَ: اخْفِضْ من صَوْتك عَن الْمَلأ {إِن أنكر الْأَصْوَات} قَالَ: أقبح الْأَصْوَات {لصوت الْحمير}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {واقصد فِي مشيك} قَالَ: نَهَاهُ عَن الْخُيَلَاء {واغضض من صَوْتك} قَالَ: أمره بالاقتصاد فِي صَوته {إِن أنكر الْأَصْوَات} قَالَ: أقبح الْأَصْوَات {لصوت الْحمير} قَالَ: أوّله زفير وَآخره شهيق
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله(6/524)
{إِن أنكر الْأَصْوَات لصوت الْحمير} قالك أنكرها على السّمع
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سُفْيَان الثَّوْريّ رَضِي الله عَنهُ قالك صياح كل شَيْء تسبيحه إِلَّا الْحمار
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لَو كَانَ رفع الصَّوْت خيرا مَا جعله الله للحمير(6/525)
أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ (20) وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ (21) وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ (22) وَمَنْ كَفَرَ فَلَا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (23) نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلًا ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَى عَذَابٍ غَلِيظٍ (24) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (25) لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (26)
- قَوْله تَعَالَى: ألم تروا أَن الله سخر لكم مَا فِي السَّمَوَات وَمَا فِي الأَرْض وأسبغ عَلَيْكُم نعمه ظَاهِرَة وباطنة وَمن النَّاس من يُجَادِل فِي الله بِغَيْر علم وَلَا هدى وَلَا كتاب مُنِير وَإِذا قيل لَهُم اتبعُوا مَا أنزل الله قَالُوا بل نتبع مَا وجدنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أولو كَانَ الشَّيْطَان يَدعُوهُم إِلَى عَذَاب السعير وَمن يسلم وَجهه إِلَى الله وَهُوَ محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى وَإِلَى الله عَاقِبَة الْأُمُور وَمن كفر فَلَا يحزنك كفره إِلَيْنَا مرجعهم فننبئهم بِمَا عمِلُوا إِن الله عليم بِذَات الصُّدُور نمتعهم قَلِيلا ثمَّ نضطرهم إِلَى عَذَاب غليظ وَلَئِن سَأَلتهمْ من خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض ليَقُولن الله قل الْحَمد لله بل أَكْثَرهم لَا يعلمُونَ لله مَا فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض إِن الله هُوَ الْغَنِيّ الحميد
أخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن عَطاء رَضِي الله عَنهُ قَالَ: سَأَلت ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا عَن قَوْله {وأسبغ عَلَيْكُم نعمه ظَاهِرَة وباطنة} قَالَ: هَذِه من كنوز عَليّ قَالَ: سَأَلت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: أما الظَّاهِرَة فَمَا سوى من خلقك وَأما الْبَاطِنَة فَمَا ستر من عورتك وَلَو أبداها لقلاك أهلك فَمن سواهُم
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ والديلمي وَابْن النجار عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: سَأَلت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن قَول {وأسبغ عَلَيْكُم نعمه ظَاهِرَة وباطنة} قَالَ: أما الظَّاهِرَة
فالإِسلام وَمَا سوى من خلقك وَمَا أَسْبغ عَلَيْك من رزقه وَأما(6/525)
الْبَاطِنَة فَمَا ستر من مساوىء عَمَلك يَا ابْن عَبَّاس إِن الله تَعَالَى يَقُول: ثَلَاث جعلتهن لِلْمُؤمنِ: صَلَاة الْمُؤمنِينَ عَلَيْهِ من بعده
وَجعلت لَهُ ثلث مَاله أكفر عَنهُ من خطاياه
وسترت عَلَيْهِ من مساوىء عمله فَلم أفضحه بِشَيْء مِنْهَا وَلَو أبديتها لنبذه أَهله فَمن سواهُم
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وأسبغ عَلَيْكُم نعمه ظَاهِرَة وباطنة} قَالَ: النِّعْمَة الظَّاهِرَة: الإِسلام
وَالنعْمَة الْبَاطِنَة: كل مَا ستر عَلَيْكُم من الذُّنُوب والعيوب وَالْحُدُود
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَنه قَرَأَ {وأسبغ عَلَيْكُم نعمه ظَاهِرَة وباطنة} قَالَ: هِيَ لَا إِلَه إِلَّا الله
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَنه كَانَ يقرأوها {وأسبغ عَلَيْكُم نعمه} قَالَ: لَو كَانَت نعْمَة كَانَت نعْمَة دون نعْمَة
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وأسبغ عَلَيْكُم نعمه} قَالَ: لَا إِلَه إِلَّا الله ظَاهِرَة قَالَ: على اللِّسَان {وباطنة} قَالَ: فِي الْقلب
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ عَن مقَاتل رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {نعمه ظَاهِرَة} قَالَ: الإِسلام {وباطنة} قَالَ: ستره عَلَيْكُم الْمعاصِي
وَأخرج الخرائطي فِي مَكَارِم الْأَخْلَاق عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وأسبغ عَلَيْكُم نعمه ظَاهِرَة وباطنة} قَالَ: أما الظَّاهِرَة ك فالإِسلام
وَالْقُرْآن وَأما الْبَاطِنَة: فَمَا ستر من الْعُيُوب(6/526)
وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (27)
- قَوْله تَعَالَى: وَلَو أَن مَا فِي الأَرْض من شَجَرَة أَقْلَام وَالْبَحْر يمده من بعده سَبْعَة أبحر مَا نفذت كَلِمَات الله إِن الله عَزِيز حَكِيم
أخرج ابْن إِسْحَق وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَن(6/526)
أَحْبَار يهود قَالُوا لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْمَدِينَةِ ك يَا مُحَمَّد أَرَأَيْت قَوْلك وَمَا أُوتِيتُمْ من الْعلم إِلَّا قَلِيلا ايانا تُرِيدُ أم قَوْمك فَقَالَ: كلا
فَقَالُوا: أَلَسْت تتلو فِيمَا جَاءَك أَنا قد أوتينا التَّوْرَاة وفيهَا تبيان كل شَيْء فَقَالَ: إِنَّهَا فِي علم الله قَلِيل
فَأنْزل الله فِي ذَلِك {وَلَو أَنما فِي الأَرْض من شَجَرَة أَقْلَام}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ اجْتمعت الْيَهُود فِي بَيت فارسلوا إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن ائتنا
فجَاء فَدخل عَلَيْهِم فَسَأَلُوهُ عَن الرَّجْم فَقَالَ: أخبروني بأعلمكم
فأشاروا إِلَى ابْن صوريا الْأَعْوَر قَالَ: أَنْت أعلمهم قَالَ: إِنَّهُم يَزْعمُونَ ذَاك قَالَ: فنشدتك بالمواثيق الَّتِي أخذت عَلَيْكُم وبالتوراة الَّتِي أنزلت على مُوسَى
مَا تَجِدُونَ فِي التَّوْرَاة قَالَ: لَوْلَا أَنَّك نشدتني بِمَا نشدتني بِهِ مَا أَخْبَرتك أجد فِيهَا الرَّجْم قَالَ: فَقضى عَلَيْهِم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالُوا: صدقت يَا مُحَمَّد عندنَا التَّوْرَاة فِيهَا حكم الله فَكَانُوا قبل ذَلِك لَا يظفرون من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِشَيْء قَالَ: فَنزل على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وَمَا أُوتِيتُمْ من الْعلم إِلَّا قَلِيلا} الاسلااء الْآيَة 85
فَاجْتمعُوا فِي ذَلِك الْبَيْت فَقَالَ رئيسهم: يَا معشر الْيَهُود لقد ظفرتم بِمُحَمد فأرسلوا إِلَيْهِ
فجَاء فَدخل عَلَيْهِم فَقَالُوا: يَا مُحَمَّد أَلَسْت أَنْت أخبرتنا أَنه أنزل عَلَيْك {وَكَيف يحكمونك وَعِنْدهم التَّوْرَاة فِيهَا حكم الله} ثمَّ تخبرنا أَنه أنزل عَلَيْك {وَمَا أُوتِيتُمْ من الْعلم إِلَّا قَلِيلا} فَهَذَا مُخْتَلف
فَسكت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلم يرد عَلَيْهِم قَلِيلا وَلَا كثيرا قَالَ: وَنزل على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وَلَو أَنما فِي الأَرْض من شَجَرَة أَقْلَام} وَجَمِيع خلق الله كتاب وَهَذَا الْبَحْر يمد فِيهِ سَبْعَة أبحر مثله فَمَاتَ هَؤُلَاءِ الْكتاب كلهم وَكسرت هَذِه الأقلام كلهَا ويبست هَذِه البحور الثَّمَانِية وَكَلَام الله كَمَا هُوَ لَا ينقص وَلَكِنَّكُمْ أُوتِيتُمْ التَّوْرَاة فِيهَا شَيْء من حكم الله وَذَلِكَ فِي حكم الله قَلِيل
فَأرْسل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأتوهُ فَقَرَأَ عَلَيْهِم هَذِه الْآيَة قَالَ: فَرَجَعُوا مخصومين بشر
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا شَاءَ الله أَن يَقُول
فَقَالَ رجل: يَا مُحَمَّد تزْعم أَنَّك أُوتيت الْحِكْمَة وَأُوتِيت الْقُرْآن وأوتيتنا التَّوْرَاة فَأنْزل الله {وَلَو أَنما فِي الأَرْض من شَجَرَة أَقْلَام وَالْبَحْر يمده من بعده سَبْعَة أبحر مَا نفدت كَلِمَات الله} وَفِيه يَقُول: علم الله أَكثر من ذَلِك(6/527)
{وَمَا أُوتِيتُمْ من الْعلم} فَهُوَ كثير لكم لقولكم قَلِيل عِنْدِي
وَأخرج ابْن جرير عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: سَأَلَ أهل الْكتاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الرّوح
فَأنْزل الله {ويسألونك عَن الرّوح قل الرّوح من أَمر رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ من الْعلم إِلَّا قَلِيلا} فَقَالُوا: تزْعم أَنا لم نُؤْت من الْعلم إِلَّا قَلِيلا وَقد أوتينا التَّوْرَاة: وَهِي الْحِكْمَة {وَمن يُؤْت الْحِكْمَة فقد أُوتِيَ خيرا كثيرا} فَنزلت {وَلَو أَنما فِي الأَرْض من شَجَرَة أَقْلَام}
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة وَأَبُو نصر السجْزِي فِي الإِبانة عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ الْمُشْركُونَ: إِنَّمَا هَذَا كَلَام يُوشك أَن ينْفد فَنزلت {وَلَو أَنما فِي الأَرْض من شَجَرَة أَقْلَام} يَقُول: لَو كَانَ شجر الأَرْض أقلاماً وَمَعَ الْبَحْر سَبْعَة أبحر مداد لتكسرت الأقلام ونفد مَاء البحور قبل أَن تنفد عجائب ربين وحكمته وَعلمه
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ حَيّ بن أَخطب: يَا مُحَمَّد تزْعم أَنَّك أُوتيت الْحِكْمَة {وَمن يُؤْت الْحِكْمَة فقد أُوتِيَ خيرا كثيرا} وتزعم أَنا لم نُؤْت من الْعلم إِلَّا قَلِيلا فَكيف يجْتَمع هَاتَانِ فَنزلت هَذِه الْآيَة {وَلَو أَنما فِي الأَرْض من شَجَرَة أَقْلَام} وَنزلت الَّتِي فِي الْكَهْف {قل لَو كَانَ الْبَحْر مداداًَ لكلمات رَبِّي}
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَأَبُو نصر السجْزِي فِي الإِبانة عَن أبي الجوزاء رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَلَو أَنما فِي الأَرْض من شَجَرَة أَقْلَام} يَقُول: لَو كَانَ كل شَجَرَة فِي الأَرْض أقلاما والبحرا مداد لنفد المَاء وتكسرت الأقلام قبل أَن تنفد كَلِمَات رَبِّي
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَرَأَ (وَالْبَحْر يمده) رفع(6/528)
مَا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (28) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (29) ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (30) أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آيَاتِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (31) وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ (32) يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (33)
- قَوْله تَعَالَى: مَا خَلقكُم وَلَا بعثكم إِلَّا كَنَفس وَاحِدَة إِن الله سميع بَصِير ألم تَرَ أَن الله يولج اللَّيْل فِي النَّهَار ويولج النَّهَار فِي اللَّيْل وسخر الشَّمْس وَالْقَمَر كل يجْرِي إِلَى أجل مُسَمّى وَأَن الله بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِير ذَلِك بِأَن الله هُوَ الْحق وَإِن مَا يدعونَ(6/528)
من دونه الْبَاطِل وَأَن الله هُوَ الْعلي الْكَبِير ألم تَرَ أَن الْفلك تجْرِي فِي الْبَحْر بِنِعْمَة الله ليريكم من آيَاته إِن فِي ذَلِك لآيَات لكل صبار شكور وأذا غشيهم موج كالظلل دعوا الله مُخلصين لَهُ الدّين فَلَمَّا نجاهم إِلَى الْبر فَمنهمْ مقتصد وَمَا يجْحَد بِآيَاتِنَا إِلَّا كل ختار كفور يَا أَيهَا النَّاس اتَّقوا ربكُم واخشوا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِد عَن وَلَده وَلَا مَوْلُود هُوَ جَازَ عَن وَالِده شَيْئا إِن وعد الله حق فَلَا تَغُرَنَّكم الْحَيَاة الدُّنْيَا وَلَا يَغُرنكُمْ بِاللَّه الْغرُور
أخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {مَا خَلقكُم وَلَا بعثكم إِلَّا كَنَفس وَاحِدَة} قَالَ: يَقُول لَهُ كن فَيكون
الْقَلِيل وَالْكثير
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فِي قَوْله {مَا خَلقكُم وَلَا بعثكم إِلَّا كَنَفس وَاحِدَة} يَقُوله إِنَّمَا خلق الله النَّاس كلهم وبعثهم كخلق نفس وَاحِدَة وبعثها
وَفِي قَوْله {ألم تَرَ أَن الله يولج اللَّيْل فِي النَّهَار} قَالَ: نُقْصَان اللَّيْل زِيَادَة النَّهَار {ويولج النَّهَار فِي اللَّيْل} نُقْصَان النَّهَار زِيَادَة فِي اللَّيْل {كل يجْرِي إِلَى أجل مُسَمّى} لذَلِك كُله وَقت وَاحِد مَعْلُوم لَا يعدوه وَلَا يقصر دونه
وَفِي قَوْله {إِن فِي ذَلِك لآيَات لكل صبار شكور} قَالَ: إِن أحب عباد الله إِلَيْهِ الصبار الشكُور الَّذِي إِذا أعطي شكر وَإِذا ابْتُلِيَ صَبر
وَفِي قَوْله {وَإِذا غشيهم موج كالظلل} قَالَ: كالسحاب وَفِي قَوْله {وَمَا يجْحَد بِآيَاتِنَا إِلَّا كل ختار كفور} قَالَ: غدار بِذِمَّتِهِ كفور بربه
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فَمنهمْ مقتصد} قَالَ: فِي القَوْل وَهُوَ كَافِر {وَمَا يجْحَد بِآيَاتِنَا إِلَّا كل ختار} قَالَ: غدار {كفور} قَالَ: كَافِر
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {ختار} قَالَ: جحاد(6/529)
وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله {كل ختار كفور} قَالَ: الْجَبَّار
الغدار
الظلوم
الغشوم
{الكفور} الَّذِي يُغطي النِّعْمَة قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم
أما سَمِعت قَول الشَّاعِر وَهُوَ يَقُول: لقد علمت واستيقنت ذَات نَفسهَا بِأَن لَا تخَاف الدَّهْر صرمي وَلَا ختري وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {كل ختار} قَالَ: الَّذِي يغدر بعهده {كفور} قَالَ: بربه
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ورَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وَلَا يَغُرنكُمْ بِاللَّه الْغرُور} قَالَ: هُوَ الشَّيْطَان
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ {وَلَا يَغُرنكُمْ بِاللَّه الْغرُور} قَالَ: الشَّيْطَان
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {وَلَا يَغُرنكُمْ بِاللَّه الْغرُور} قَالَ: الشَّيْطَان
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ {وَلَا يَغُرنكُمْ بِاللَّه الْغرُور} قَالَ: أَن تعْمل بالمعصية وتتمنى الْمَغْفِرَة(6/530)
إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (34)
- قَوْله تَعَالَى: إِن الله عِنْده علم السَّاعَة وَينزل الْغَيْث وَيعلم مَا فِي الْأَرْحَام وَمَا تَدْرِي نفس مَاذَا تكسب غَدا وَمَا تَدْرِي نفس بِأَيّ أَرض تَمُوت إِن الله عليم خَبِير
أخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ قَالَ جَاءَ رجل من أهل الْبَادِيَة فَقَالَ: إِن امْرَأَتي حُبْلَى فاخبرني مَا تَلد وبلادنا مُجْدِبَة فَأَخْبرنِي مَتى ينزل الْغَيْث وَقد علمت مَتى ولدت فَأَخْبرنِي مَتى أَمُوت فَأنْزل الله {إِن الله عِنْده علم السَّاعَة} الْآيَة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ أَن رجلا يُقَال لَهُ: الوراث
من بني مَازِن بن حَفْصَة بن قيس غيلَان
جَاءَ إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا مُحَمَّد مَتى قيام(6/530)
السَّاعَة وَقد أجدبت بِلَادنَا فَمَتَى تخصب وَقد تركت امْرَأَتي حُبْلَى فَمَتَى تَلد وَقد علمت مَا كسبت الْيَوْم فَمَاذَا أكسب غَدا وَقد علمت بِأَيّ أَرض ولدت فَبِأَي أَرض أَمُوت فَنزلت هَذِه الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {إِن الله عِنْده علم السَّاعَة} قَالَ: خمس من الْغَيْب اسْتَأْثر بِهن الله فَلم يطلع عَلَيْهِنَّ ملكا مقرباً وَلَا نَبيا مُرْسلا {إِن الله عِنْده علم السَّاعَة} فَلَا يدْرِي أحد من النَّاس مَتى تقوم السَّاعَة فِي أَي سنة وَلَا فِي أَي شهر أليلاً أم نَهَارا {وَينزل الْغَيْث} فَلَا يعلم أحد مَتى ينزل الْغَيْث أليلاً أم نَهَار {وَيعلم مَا فِي الْأَرْحَام} فَلَا يعلم أحد مَا فِي الْأَرْحَام أذكر أم أُنْثَى أَحْمَر أَو أسود {وَمَا تَدْرِي نفس مَاذَا تكسب غَدا} أخير أم شرا {وَمَا تَدْرِي نفس بِأَيّ أَرض تَمُوت} لَيْسَ أحد من النَّاس يدْرِي أَيْن مضجعه من الأَرْض أَفِي بَحر أم بر فِي سهل أم فِي جبل
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَفَاتِيح الْغَيْب خمس لَا يعلمهُنَّ إِلَّا الله
لَا يعلم مَا فِي غَد إِلَّا الله
وَلَا مَتى تقوم السَّاعَة إِلَّا الله
وَلَا يعلم مَا فِي الْأَرْحَام إِلَّا الله
وَلَا مَتى ينزل الْغَيْث إِلَّا الله
وَمَا تَدْرِي نفس بِأَيّ أَرض تَمُوت إِلَّا الله
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَابْن أبي حَاتِم وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ ان رجلا يَا رَسُول الله مَتى السَّاعَة قَالَ: مَا المسؤول عَنْهَا بِأَعْلَم من السَّائِل وَلَكِن سأحدثكم بأشراطها: إِذا ولدت الْأمة ربتها فَذَاك من أشراطها وَإِذا كَانَت الحفاة العراة رُؤُوس النَّاس فَذَاك من أشراطها وَإِذا تطاول رعاء الْغنم فِي الْبُنيان فَذَاك من أشراطها فِي خمس من الْغَيْب لَا يعلمهُنَّ إِلَّا الله ثمَّ تَلا {إِن الله عِنْده علم السَّاعَة وَينزل الْغَيْث} إِلَى آخر الْآيَة
وَأخرج أَحْمد وَالْبَزَّار وَابْن مرْدَوَيْه وَالرُّويَانِيّ والضياء بِسَنَد صَحِيح عَن بُرَيْدَة رَضِي الله عَنهُ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول خمس لَا يعلمهُنَّ إِلَّا الله {إِن الله عِنْده علم السَّاعَة} الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ
مثله
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي امامة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَن أَعْرَابِيًا وقف على(6/531)
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم بدر على نَاقَة لَهُ عشراء فَقَالَ: يَا مُحَمَّد مَا فِي بطن نَاقَتي هَذِه فَقَالَ: لَهُ رجل من الْأَنْصَار: دع عَنْك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وهلم إِلَيّ حَتَّى أخْبرك: وَقعت أَنْت عَلَيْهَا وَفِي بَطنهَا ولد مِنْك فَأَعْرض عَنهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ قَالَ: إِن الله يحب كل حَيّ كريم متكره وَيبغض كل لئيم متفحش ثمَّ أقبل على الْأَعرَابِي فَقَالَ: خمس لَا يعلمهُنَّ إِلَّا الله {إِن الله عِنْده علم السَّاعَة}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن سَلمَة بن الْأَكْوَع رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قبَّة حَمْرَاء إِذْ جَاءَ رجل على فرس فَقَالَ: من أَنْت قَالَ أَنا رَسُول الله قَالَ: مَتى السَّاعَة قَالَ: غيب وَمَا يعلم الْغَيْب إِلَّا الله قَالَ: مَا فِي بطن فرسي قَالَ: غيب وَمَا يعلم الْغَيْب إِلَّا الله: فَمَتَى تمطر قَالَ: غيب وَمَا يعلم الْغَيْب إِلَّا الله
وَأخرج أَحْمد وَالطَّبَرَانِيّ عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أُوتيت مَفَاتِيح كل شَيْء إِلَّا الْخمس {إِن الله عِنْده علم السَّاعَة}
وَأخرج أَحْمد وَأَبُو يعلى وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أُوتِيَ نَبِيكُم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَفَاتِيح كل شَيْء غير الْخمس {إِن الله عِنْده علم السَّاعَة}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ قَالَ لم يعم على نَبِيكُم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَّا الْخمس من سرائر الْغَيْب هَذِه الْآيَة
فِي آخر لُقْمَان إِلَى آخر السُّورَة
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَأحمد وَالْبُخَارِيّ فِي الْأَدَب عَن ربعي بن حِرَاش رَضِي الله عَنهُ قَالَ: حَدثنِي رجل من بني عَامر أَنه قَالَ: يَا رَسُول الله هَل بَقِي من الْعلم شَيْء لَا تعلمه فَقَالَ: لقد عَلمنِي الله خيرا وَإِن من الْعلم مَا لَا يُعلمهُ إِلَّا الله
الْخمس {إِن الله عِنْده علم السَّاعَة}
وَأخرج ابْن ماجة عَن الرّبيع بنت معوذ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا قَالَت: دخل عليَّ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَبِيحَة عرسي وَعِنْدِي جاريتان تُغنيَانِ وَتَقُولَانِ: وَفينَا نَبِي يعلم مَا فِي غَد
فَقَالَ: أما هَذَا فَلَا تقولاه لَا يعلم مَا فِي غَد إِلَّا الله
وَأخرج الطَّيَالِسِيّ وَأحمد وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن أبي غرَّة الْهُذلِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا أَرَادَ الله(6/532)
قبض عبد بِأَرْض جعل لَهُ إِلَيْهَا حَاجَة فَلم ينْتَه حَتَّى يقدمهَا ثمَّ قَرَأَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وَمَا تَدْرِي نفس بِأَيّ أَرض تَمُوت}
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وحسنة وَابْن مرْدَوَيْه عَن مطر بن عكامس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا قضى الله لرجل أَن يَمُوت بِأَرْض جعل لَهُ إِلَيْهَا حَاجَة
وَأخرج أَحْمد عَن عَامر أَو أبي مَالك أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَيْنَمَا هُوَ جَالس فِي مَجْلِسه فِيهِ أَصْحَابه جَاءَهُ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام فِي غير صورته فحسبه رجلا من الْمُسلمين فَسلم فَرد عَلَيْهِ السَّلَام ثمَّ وضع يَده على ركبتي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ لَهُ: يَا رَسُول الله مَا الإِسلام قَالَ: أَن تسلم وَجهك لله وَتشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله وتقيم الصَّلَاة وتؤتي الزَّكَاة قَالَ: فَإِذا فعلت ذَلِك فقد أسلمت قَالَ: نعم
قَالَ: مَا الإِيمان قَالَ: أَن تؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر وَالْمَلَائِكَة وَالْكتاب والنبيين وَالْمَوْت والحياة بعد الْمَوْت وَالْجنَّة وَالنَّار والحساب وَالْمِيزَان وَالْقدر خَيره وشره
قَالَ: فَإِذا فعلت ذَلِك فقد آمَنت قَالَ: نعم
ثمَّ قَالَ: مَا الإِحسان قَالَ: أَن تعبد الله كَأَنَّك ترَاهُ فَإِن كنت لَا ترَاهُ فَهُوَ يراك قَالَ: فَإِذا فعلت ذَلِك فقد أَحْسَنت قَالَ: نعم
قَالَ: فَمَتَى السَّاعَة يَا رَسُول الله فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ك سُبْحَانَ الله
خمس لَا يعلمهَا إِلَّا الله {إِن الله عِنْده علم السَّاعَة وَينزل الْغَيْث وَيعلم مَا فِي الْأَرْحَام وَمَا تَدْرِي نفس مَاذَا تكسب غَدا وَمَا تَدْرِي نفس بِأَيّ أَرض تَمُوت إِن الله عليم خَبِير}(6/533)
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم -
سُورَة السَّجْدَة
مَكِّيَّة وآياتها ثَلَاثُونَ
- مُقَدّمَة سُورَة السَّجْدَة أخرج ابْن الضريس وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: نزلت (الم) السَّجْدَة بِمَكَّة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عبد الله بن الزبير
مثله
وَأخرج النّحاس عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: نزلت سُورَة السَّجْدَة بِمَكَّة سوى ثَلَاث آيَات {أَفَمَن كَانَ مُؤمنا} إِلَى تَمام الْآيَات الثَّلَاث
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقْرَأ فِي الْفجْر يَوْم الْجُمُعَة {ألم تَنْزِيل} السَّجْدَة و {هَل أَتَى على الإِنسان}
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا
أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يقْرَأ فِي صَلَاة الْفجْر يَوْم الْجُمُعَة ب {الم تَنْزِيل} السَّجْدَة و {هَل أَتَى على الإِنسان}
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه من حَدِيث ابْن مَسْعُود
مثله
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأَبُو دَاوُد وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى الظّهْر فَسجدَ فظنا انه قَرَأَ {الم تَنْزِيل} السَّجْدَة
وَأخرج أَبُو يعلى عَن الْبَراء رَضِي الله عَنهُ قَالَ: سجدنا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الظّهْر فظننا انه قَرَأَ {تَنْزِيل} السَّجْدَة
وَأخرج أَبُو عبيد فِي فضائله وَأحمد وَعبد بن حميد والدارمي وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه عَن جَابر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا ينَام حَتَّى يقْرَأ {الم تَنْزِيل} السَّجْدَة {تبَارك الَّذِي بِيَدِهِ الْملك}
وَأخرج ابْن نصر وَالطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ:(6/534)
من صلى أَربع رَكْعَات خلف الْعشَاء الْآخِرَة قَرَأَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الأولتين {قل يَا أَيهَا الْكَافِرُونَ} و {قل هُوَ الله أحد} وَفِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ {تبَارك الَّذِي بِيَدِهِ الْملك} {الم تَنْزِيل} السَّجْدَة كتبت لَهُ كأربع رَكْعَات من لَيْلَة الْقدر
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من قَرَأَ {تبَارك الَّذِي بِيَدِهِ الْملك} و {الم تَنْزِيل} السَّجْدَة بَين الْمغرب وَالْعشَاء الْآخِرَة فَكَأَنَّمَا قَامَ لَيْلَة الْقدر
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا قَالَت: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من قَرَأَ فِي لَيْلَة {الم تَنْزِيل} السَّجْدَة و {يس} و {اقْتَرَبت السَّاعَة} و {تبَارك الَّذِي بِيَدِهِ الْملك} كن لَهُ نورا وحرزاً من الشَّيْطَان وَرفع فِي الدَّرَجَات إِلَى يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج ابْن الضريس عَن الْمسيب بن رَافع رَضِي الله عَنهُ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: {الم تَنْزِيل} تَجِيء لَهَا جَنَاحَانِ يَوْم الْقِيَامَة تظل صَاحبهَا وَتقول لَا سَبِيل عَلَيْهِ لَا سَبِيل عَلَيْهِ
وَأخرج الدَّارمِيّ عَن خَالِد بن معدان رَضِي الله عَنهُ قَالَ: اقرأوا المنجية وَهِي {الم تَنْزِيل} فانه بَلغنِي أَن رجلا كَانَ يقرأوها وَمَا هوى شَيْئا غَيرهَا وَكَانَ كثير الْخَطَايَا فنشرت جناحها عَلَيْهِ وَقَالَت: رب اغْفِر لَهُ فانه كَانَ يكثر قراءتي فشفعها الرب فِيهِ وَقَالَ اكتبوا لَهُ بِكُل خَطِيئَة حَسَنَة وَارْفَعُوا لَهُ دَرَجَة
وَأخرج الدَّارمِيّ عَن خَالِد بن معدان رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ: ان {الم تَنْزِيل} تجَادل عَن صَاحبهَا فِي الْقَبْر تَقول: اللَّهُمَّ ان كنت من كتابك فشفعني فِيهِ وان لم أكن من كتابك فامحني مِنْهُ وانها تكون كالطير تجْعَل جناحها عَلَيْهِ فتشفع لَهُ فتمنعه من عَذَاب الْقَبْر وَفِي {تبَارك} مثله
فَكَانَ خَالِد رَضِي الله عَنهُ لَا يبيت حَتَّى يقْرَأ بهما
وَأخرج الدَّارمِيّ وَابْن ضريس عَن كَعْب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: من قَرَأَ فِي لَيْلَة {الم تَنْزِيل} السَّجْدَة {تبَارك الَّذِي بِيَدِهِ الْملك} كتب لَهُ سَبْعُونَ حَسَنَة وَحط عَنهُ سَبْعُونَ سَيِّئَة وَرفع لَهُ سَبْعُونَ دَرَجَة
وَأخرج الدَّارمِيّ وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن طَاوس رَضِي الله عَنهُ قَالَ {الم تَنْزِيل} و {تبَارك الَّذِي بِيَدِهِ الْملك} تفضلان على كل سُورَة فِي الْقُرْآن بستين حَسَنَة(6/535)
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن طَاوس رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَنه كَانَ يقْرَأ {ألم تَنْزِيل} السَّجْدَة و {تبَارك الَّذِي بِيَدِهِ الْملك} فِي صَلَاة الْعشَاء وَصَلَاة الْفجْر كل يَوْم وَلَيْلَة فِي السّفر والحضر وَيَقُول: من قرأهما كتب لَهُ بِكُل آيَة سَبْعُونَ حَسَنَة فضلا عَن سَائِر الْقُرْآن ومحيت عَنهُ سَبْعُونَ سَيِّئَة وَرفعت لَهُ سَبْعُونَ دَرَجَة
وَأخرج ابْن الضريس عَن يحي بن أبي كثير قَالَ: كَانَ طَاوس رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ لَا ينَام حَتَّى يقْرَأ هَاتين السورتين {تَنْزِيل} و {تبَارك} وَكَانَ يَقُول: كل آيَة مِنْهُمَا تشفع سِتِّينَ آيَة يَعْنِي تعدل سِتِّينَ آيَة
وَأخرج الخرائطي فِي مَكَارِم الْأَخْلَاق من طَرِيق حَاتِم بن مُحَمَّد عَن طَاوس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: مَا على الأَرْض رجل يقْرَأ {الم تَنْزِيل} السَّجْدَة {تبَارك الَّذِي بِيَدِهِ الْملك} فِي لَيْلَة إِلَّا كتب الله لَهُ مثل أجر لَيْلَة الْقدر قَالَ حَاتِم رَضِي الله عَنهُ: فَذكرت ذَلِك لعطاء رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ: صدق طَاوس وَالله مَا تركتهن مُنْذُ سَمِعت بِهن إِلَّا أَن أكون مَرِيضا
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: عزائم سُجُود الْقُرْآن {الم تَنْزِيل} السَّجْدَة {الم تَنْزِيل} السَّجْدَة {والنجم} و {اقْرَأ باسم رَبك الَّذِي خلق}
وَأخرج أَحْمد وَمُسلم وَأَبُو يعلى عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ: حزرنا قيام رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الظّهْر فِي الرَّكْعَتَيْنِ الأولتين قدر ثَلَاثِينَ آيَة
قدر قِرَاءَة {تَنْزِيل} السَّجْدَة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن أبي الْعَالِيَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ: كَانَ أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رمقوه فِي الظّهْر فحزروا قِرَاءَته فِي الرَّكْعَة الأولى من الظّهْر {تَنْزِيل} السَّجْدَة(6/536)
الم (1) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (3) اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ (4)
- الم تَنْزِيل الْكتاب لَا ريب فِيهِ من رب الْعَالمين أم يَقُولُونَ افتراه بل هُوَ الْحق من رَبك لتنذر قوما مَا أَتَاهُم من نَذِير من قبلك لَعَلَّهُم يَهْتَدُونَ الله الَّذِي خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض وَمَا بَينهمَا فِي(6/536)
سِتَّة أَيَّام ثمَّ اسْتَوَى على الْعَرْش مَا لكم من دونه من ولي وَلَا شَفِيع أَفلا تذكرُونَ
أخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فِي قَوْله {لتنذر قوما} قَالَ: قُرَيْش {مَا أَتَاهُم من نَذِير من قبلك} قَالَ: لم يَأْتهمْ وَلَا آياءهم لم يَأْتِ الْعَرَب رَسُول من الله عز وَجل(6/537)
يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (5) ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (6)
- قَوْله تَعَالَى: يدبر الْأَمر من السَّمَاء إِلَى الأَرْض ثمَّ يعرج إِلَيْهِ فِي يَوْم كَانَ مِقْدَاره ألف سنة مِمَّا تَعدونَ ذَلِك عَالم الْغَيْب وَالشَّهَادَة الْعَزِيز الرَّحِيم
أخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {يدبر الْأَمر} قَالَ: ينحدر الْأَمر {من السَّمَاء إِلَى الأَرْض} ويصعد من الأَرْض إِلَى السَّمَاء فِي يَوْم وَاحِد مِقْدَاره ألف سنة فِي السّير خَمْسمِائَة حِين ينزل وَخَمْسمِائة حِين يعرج
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فِي قَوْله {يدبر الْأَمر} الْآيَة
قَالَ: ينزل الْأَمر من السَّمَاء الدُّنْيَا إِلَى الأَرْض الْعليا ثمَّ يعرج إِلَى مِقْدَار يَوْم لَو ساره النَّاس ذَاهِبين وجائين لساروا ألف سنة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {يدبر الْأَمر} قَالَ: هَذَا فِي الدُّنْيَا
تعرج الْمَلَائِكَة فِي يَوْم مِقْدَاره ألف سنة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن أبي مَالك رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {يدبر الْأَمر} الْآيَة
قَالَ: تعرج الْمَلَائِكَة وتهبط فِي يَوْم مِقْدَاره ألف سنة
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {يدبر الْأَمر من السَّمَاء إِلَى الأَرْض ثمَّ يعرج إِلَيْهِ فِي يَوْم كَانَ مِقْدَاره ألف سنة} قَالَ: من الْأَيَّام السِّتَّة الَّتِي خلق الله فِيهَا السَّمَوَات وَالْأَرْض
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَسَعِيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن الْأَنْبَارِي(6/537)
فِي الْمَصَاحِف وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن عبد الله بن أبي مليكَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ: دخلت على ابْن عَبَّاس أَنا وَعبد الله بن فَيْرُوز مولى عُثْمَان بن عَفَّان رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ فَيْرُوز: يَا أَبَا عَبَّاس قَوْله {يدبر الْأَمر من السَّمَاء إِلَى الأَرْض ثمَّ يعرج إِلَيْهِ فِي يَوْم كَانَ مِقْدَاره ألف سنة} فَكَأَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا اتهمه فَقَالَ: مَا يَوْم كَانَ مِقْدَاره خمسين ألف سنة فَقَالَ: إِنَّمَا سَأَلتك لتخبرني فَقَالَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا: هما يَوْمَانِ ذكرهمَا الله فِي كِتَابه الله أعلم بهما وأكره أَن أَقُول فِي كتاب الله مَا لَا أعلم فَضرب الدَّهْر من ضرباته حَتَّى جَلَست إِلَى ابْن الْمسيب رَضِي الله عَنهُ فَسَأَلَهُ عَنْهَا انسان فَلم يخبر وَلم يدر فَقلت: أَلا أخْبرك بِمَا أحضرت من ابْن عَبَّاس قَالَ: بلَى
فَأَخْبَرته فَقَالَ للسَّائِل: هَذَا ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَبى أَن يَقُول فِيهَا وَهُوَ أعلم مني
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {كَانَ مِقْدَاره ألف سنة} قَالَ: لَا ينتصف النَّهَار فِي مِقْدَار يَوْم من أَيَّام الدُّنْيَا فِي ذَلِك الْيَوْم حَتَّى يقْضِي بَين الْعباد فَينزل أهل الْجنَّة الْجنَّة وَأهل النَّار النَّار وَلَو كَانَ إِلَى غَيره لم يفرغ من ذَلِك خمسين ألف سنة
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ {فِي يَوْم كَانَ مِقْدَاره ألف سنة} يَعْنِي بذلك نزُول الْأَمر من السَّمَاء إِلَى الأَرْض وَمن الأَرْض إِلَى السَّمَاء فِي يَوْم وَاحِد وَذَلِكَ مِقْدَار ألف سنة لِأَن مَا بَين السَّمَاء إِلَى الأَرْض مسيرَة خَمْسمِائَة عَام
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فِي الْآيَة يَقُول: مِقْدَار مسيرَة فِي ذَلِك الْيَوْم {ألف سنة مِمَّا تَعدونَ} وَمن أيامكم من أَيَّام الدُّنْيَا بِخَمْسِمِائَة نُزُوله وَخَمْسمِائة صُعُوده فَذَلِك ألف سنة
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {ثمَّ يعرج إِلَيْهِ فِي يَوْم} من أيامكم هَذِه ومسيرة مَا بَين السَّمَاء وَالْأَرْض خَمْسمِائَة عَام
وَأخرج ابْن جرير عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ {ألف سنة مِمَّا تَعدونَ} قَالَ: من أَيَّام الدُّنْيَا
وَالله أعلم(6/538)
الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ (7) ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ (8) ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ (9) وَقَالُوا أَإِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ هُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ (10)
- قَوْله تَعَالَى: الَّذِي أحسن كل شَيْء خلقه وَبَدَأَ خلق الإِنسان من طين ثمَّ جعل نَسْله من سلالة من مَاء مهين ثمَّ سواهُ وَنفخ فِيهِ من روحه وَجعل لكم السّمع والأبصار والأفئدة قَلِيلا مَا تشكرون وَقَالُوا أإذا ضللنا فِي الأَرْض أإنا لفي خلق جَدِيد بل هم بلقاء رَبهم كافرون
أخرج ابْن أبي شيبَة والحكيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا كَانَ يَقْرَأها {الَّذِي أحسن كل شَيْء خلقه} قَالَ: أما رَأَيْت القردة لَيست بحسنة وَلكنه أحكم خلقهَا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله {أحسن كل شَيْء خلقه} قَالَ: اما إِن آست القردة لَيْسَ بحسنة وَلكنه أحكم خلقهَا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {أحسن كل شَيْء خلقه} قَالَ: صورته
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {أحسن كل شَيْء خلقه} فَجعله الْكَلْب فِي خلقه حسنا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {أحسن كل شَيْء خلقه} قَالَ: أحسن بِخلق كل شَيْء الْقَبِيح وَالْحسن والحيات والعقارب وكل شَيْء مِمَّا خلق وَغَيره لَا يحسن شَيْئا من ذَلِك
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {أحسن كل شَيْء خلقه} قَالَ: اتقن
لم يركب الإِنسان فِي صُورَة الْحمار وَلَا الْحمار فِي صُورَة الإِنسان
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن أبي أُمَامَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ بَيْنَمَا نَحن مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذْ لحقنا عَمْرو بن زُرَارَة الْأنْصَارِيّ فِي حلَّة قد أسبل فَأخذ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِنَاحِيَة ثَوْبه فَقَالَ: يَا رَسُول الله إِنِّي أخمش السَّاقَيْن فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَا عَمْرو بن زُرَارَة إِن الله أحسن كل شَيْء خلقه يَا عَمْرو بن زُرَارَة إِن الله لَا يحب المسبلين(6/539)
وَأخرج أَحْمد وَالطَّبَرَانِيّ عَن الشريد بن سُوَيْد رَضِي الله عَنهُ قَالَ أبْصر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رجلا قد أسبل ازاره فَقَالَ لَهُ: ارْفَعْ ازارك فَقَالَ: يَا رَسُول الله إِنِّي أحنف: تصطك ركبتاي قَالَ: ارْفَعْ ازارك كل خلق الله حسن
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَبَدَأَ خلق الإِنسان من طين} قَالَ: آدم {ثمَّ جعل نَسْله} قَالَ: وَلَده {من سلالة} من بني آدم {من مَاء مهين} قَالَ: ضَعِيف نُطْفَة الرجل
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {جعل نَسْله} قَالَ: ذُريَّته {من سلالة} هِيَ المَاء {ثمَّ سواهُ} يَعْنِي ذُريَّته
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {من سلالة} قَالَ: مَاء يسل من الإِنسان {من مَاء مهين} قَالَ: ضَعِيف
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فِي قَوْله {أئذا ضللنا} قَالَ: هلكنا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج عَن عَطاء بن أبي رَبَاح أَنه سمع ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا يَقُول {أئذا ضللنا فِي الأَرْض أئنا لفي خلق جَدِيد} كَيفَ نعاد وَنَرْجِع كَمَا كُنَّا وأخبرت أَن الَّذِي قَالَ {أئذا ضللنا} أبي بن خلف(6/540)
قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (11)
- قَوْله تَعَالَى: قل يتوفاكم ملك الْمَوْت الَّذِي وكل بكم ثمَّ إِلَى ربكُم ترجعون
أخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي ذكر الْمَوْت وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَنه سُئِلَ عَن نفسين اتّفق مَوْتهمَا فِي طرفَة عين
وَاحِد فِي الْمشرق وَوَاحِد فِي الْمغرب
كَيفَ قدره ملك الْمَوْت عَلَيْهِمَا
قَالَ: مَا قدرَة ملك الْمَوْت على أهل الْمَشَارِق والمغارب والظلمات والهواء والبحور إِلَّا كَرجل بَين يَدَيْهِ مائدة يتَنَاوَل من أَيهَا شَاءَ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن زُهَيْر بن مُحَمَّد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قيل يَا رَسُول الله ملك الْمَوْت وَاحِد والزحفان يَلْتَقِيَانِ من الْمشرق وَالْمغْرب وَمَا بَينهمَا من السقط(6/540)
والهلاك فَقَالَ: إِن الله حوى الدُّنْيَا لملك الْمَوْت حَتَّى جعلهَا كالطست بَين يَدي أحدكُم فَهَل يفوتهُ مِنْهَا شَيْء
وَأخرج ابْن جرير عَن الْكَلْبِيّ عَن أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: ملك الْمَوْت الَّذِي يتوفى الْأَنْفس كلهَا وَقد سلط على مَا فِي الأَرْض كَمَا سلط أحدكُم على مَا فِي رَاحَته مَعَه مَلَائِكَة من مَلَائِكَة الرَّحْمَة وملائكة من مَلَائِكَة الْعَذَاب فَإِذا توفى نفسا طيبَة دَفعهَا إِلَى الْمَلَائِكَة الرَّحْمَة وَإِذا توفّي خبيثة دَفعهَا إِلَى مَلَائِكَة الْعَذَاب
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي ذكر الْمَوْت عَن ابْن مَسْعُود وَابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَا: لما اتخذ الله إِبْرَاهِيم خَلِيلًا سَأَلَ ملك الْمَوْت ربه أَن يَأْذَن لَهُ فيبشر إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام بذلك فَأذن لَهُ فَأَتَاهُ فَقَالَ لَهُ إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام: يَا ملك الْمَوْت أَرِنِي كَيفَ تقبض أنفاس الْكفَّار قَالَ: يَا إِبْرَاهِيم لَا تطِيق ذَلِك قَالَ: بلَى
قَالَ: فاعرض إِبْرَهِيمُ ثمَّ نظر إِلَيْهِ فَإِذا بِرَجُل أسود ينَال رَأسه السَّمَاء يخرج من فِيهِ لَهب النَّار لَيْسَ من شَعْرَة فِي جسده إِلَّا فِي صُورَة رجل يخرج من فِيهِ ومسامعه لَهب النَّار فَغشيَ على إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام ثمَّ أَفَاق وَقد تحوّل ملك الْمَوْت فِي الصُّورَة الأولى فَقَالَ: يَا ملك الْمَوْت لَو لم يلق الْكَافِر من الْبلَاء والحزن إِلَّا صُورَتك لكفاه فأرني كَيفَ تقبض أَرْوَاح الْمُؤمنِينَ قَالَ: أعرض فَأَعْرض ثمَّ الْتفت فَإِذا هُوَ بِرَجُل شَاب أحسن النَّاس وَجها وأطيبه فِي ثِيَاب بيض فَقَالَ: يَا ملك الْمَوْت لَو لم ير الْمُؤمن عِنْد مَوته من قُرَّة الْعين والكرامة إِلَّا صُورَتك هَذِه لَكَانَ يَكْفِيهِ
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَأَبُو نعيم وَابْن مَنْدَه كِلَاهُمَا فِي الصَّحَابَة عَن الْخَزْرَج سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: وَنظر إِلَى ملك الْمَوْت عِنْد رَأس رجل من الْأَنْصَار فَقَالَ: يَا ملك الْمَوْت أرْفق بصاحبي فَإِنَّهُ مُؤمن فَقَالَ ملك الْمَوْت عَلَيْهِ السَّلَام: طب نفسا وقر عينا واعمل بِأَنِّي بِكُل مُؤمن رَفِيق وَاعْلَم يَا مُحَمَّد إِنِّي لأقبض روح ابْن آدم فَإِذا صرخَ صارخ قُمْت فِي الدَّار وَمَعِي روحه فَقلت: مَا هَذَا الصَّارِخ وَالله مَا ظلمناه وَلَا سبقنَا أَجله وَلَا استعجلنا قدره ومالنا فِي قَبضه من ذَنْب فَإِن ترضوا بِمَا صنع الله تؤجروا وَأَن تسخطوا تأثموا وتؤزروا وَإِن لنا عنْدكُمْ عودة بعد عودة فالحذر فالحذر وَمَا من أهل بَيت شعر وَلَا مدر بر وَلَا فَاجر سهل وَلَا(6/541)
جبل إِلَّا أَنا أتصفحهم فِي كل يَوْم وَلَيْلَة حَتَّى أَنا لاعرف بصغيرهم وَكَبِيرهمْ مِنْهُم بِأَنْفسِهِم وَالله لَو أردْت أَن أَقبض روح بعوضة مَا قدرت على ذَلِك حَتَّى يكون الله هُوَ يَأْذَن بقبضها
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن أَشْعَث بن شُعَيْب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: سَأَلَ إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام ملك الْمَوْت واسْمه عزرائيل وَله عينان فِي وَجهه وَعين فِي قَفاهُ فَقَالَ: يَا ملك الْمَوْت مَا تصنع إِذا كَانَت نفس بالمشرق وَنَفس بالمغرب وَوضع الوباء بِأَرْض والتقى الزحفان كَيفَ تصنع قَالَ أَدْعُو الْأَرْوَاح بِإِذن الله فَتكون بَين أُصْبُعِي هَاتين
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَأَبُو الشَّيْخ وَأَبُو نعيم فِي الْحِيلَة عَن شهر بن حَوْشَب رَضِي الله تعلى عَنهُ قَالَ: ملك الْمَوْت جَالس وَالدُّنْيَا بَين رُكْبَتَيْهِ واللوح الَّذِي آجال بني آدم بَين يَدَيْهِ وَبَين يَدَيْهِ مَلَائِكَة قيام وَهُوَ يعرض اللَّوْح لَا يطرف فَإِذا أَتَى على أجل عبد قَالَ: اقبضوا هَذَا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة فِي المُصَنّف عَن خَيْثَمَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ: اتى ملك الْمَوْت عَلَيْهِ السَّلَام سُلَيْمَان بن دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام وَكَانَ لَهُ صديقا فَقَالَ لَهُ سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام: مَا لَك تَأتي أهل الْبَيْت فتقبضهم جَمِيعًا وَتَدَع أهل الْبَيْت إِلَى جنبهم لَا تقبض مِنْهُم أحد قَالَ: لَا أعلم بِمَا أَقبض مِنْهَا إِثْمًا أكون تَحت الْعَرْش فَيلقى إليّ صكاك فِيهَا أَسمَاء
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن ابْن جريج رَضِي الله عَنهُ قَالَ: بلغنَا أَنه يُقَال لملك الْمَوْت اقبض فلَانا فِي وَقت كَذَا فِي يَوْم كَذَا
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَأحمد فِي الزّهْد وَأَبُو الشَّيْخ عَن عَطاء بن يسَار رَضِي الله عَنهُ قَالَ: مَا من أهل بَيت الا يتصفحهم ملك الْمَوْت عَلَيْهِ السَّلَام فِي كل يَوْم خمس مَرَّات هَل مِنْهُم أحد أَمر بِقَبْضِهِ
وَأخرج جُوَيْبِر عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ: وكل ملك الْمَوْت عَلَيْهِ السَّلَام بِقَبض أَرْوَاح الْآدَمِيّين فَهُوَ الَّذِي يَلِي قبض أَرْوَاحهم وَملك فِي الْجِنّ وَملك فِي الشَّيَاطِين وَملك فِي الطير والوحش وَالسِّبَاع وَالْحِيتَان والنمل فهم أَرْبَعَة أَمْلَاك وَالْمَلَائِكَة عَلَيْهِم السَّلَام يموتون فِي(6/542)
الصعقة الأولى وَإِن ملك الْمَوْت يَلِي قبض أَرْوَاحهم ثمَّ يَمُوت
فَأَما الشُّهَدَاء فِي الْبَحْر فَإِن الله يَلِي قبض أَرْوَاحهم لَا يكل ذَلِك إِلَى ملك الْمَوْت لكرامتهم عَلَيْهِ
وَأخرج ابْن ماجة عَن أبي أُمَامَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: إِن الله وكل ملك الْمَوْت عَلَيْهِ السَّلَام بِقَبض الْأَرْوَاح إِلَّا شُهَدَاء الْبَحْر فَإِنَّهُ يتَوَلَّى قبض أَرْوَاحهم
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا والمروزي فِي الْجَنَائِز وَأَبُو الشَّيْخ عَن أبي الشعْثَاء جَابر بن زيد رَضِي الله عَنهُ
أَن ملك الْمَوْت كَانَ يقبض الْأَرْوَاح بِغَيْر وجع فَسَبهُ النَّاس ولعنوه فَشَكا إِلَى ربه فَوضع الله الأوجاع وَنسي ملك الْمَوْت
وَأخرج أَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن الْأَعْمَش رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ ملك الْمَوْت عَلَيْهِ السَّلَام يظْهر للنَّاس
فَيَأْتِي للرجل فَيَقُول: اقْضِ حَاجَتك فَإِنِّي أُرِيد أَن أَقبض روحك فَشَكا فَأنْزل الدَّاء وَجعل الْمَوْت خُفْيَة
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: خطْوَة ملك الْمَوْت عَلَيْهِ السَّلَام مَا بَين الْمشرق وَالْمغْرب
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن أبي جَعْفَر مُحَمَّد بن عَليّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: دخل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على رجل من الْأَنْصَار يعودهُ فَإِذا ملك الْمَوْت عَلَيْهِ السَّلَام عِنْد رَأسه فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَا ملك الْمَوْت أرْفق بصاحبي فَإِنَّهُ مُؤمن آدم فيصرخ أَهله فأقوم فِي جَانب من الدَّار فَأَقُول: وَالله مَا لي من ذَنْب وَإِن لي لعودة وعودة الحذر الحذر وَمَا خلق الله من أهل بَيت وَلَا مدر وَلَا شعر وَلَا وبر فِي بر وَلَا بَحر إِلَّا وَأَنا أتصفحهم فِي كل يَوْم وَلَيْلَة خمس مَرَّات حَتَّى أَنِّي لأعرف بصغيرهم وَكَبِيرهمْ مِنْهُم بِأَنْفسِهِم وَالله يَا مُحَمَّد إِنِّي لَا أقدر أَقبض روح بعوضة حَتَّى يكون الله تبَارك وَتَعَالَى هُوَ الَّذِي يَأْمر بِقَبْضِهِ
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {قل يتوفاكم ملك الْمَوْت} قَالَ: ملك الْمَوْت يتوفاكم وَله أعوان من الْمَلَائِكَة
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {قل يتوفاكم ملك الْمَوْت} قَالَ: حويت لَهُ الأَرْض فَجعلت لَهُ مثل طست يتَنَاوَل مِنْهَا حَيْثُ يَشَاء(6/543)
وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ (12) وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (13) فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (14) إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (15)
- قَوْله تَعَالَى: وَلَو ترى إِذْ المجرمون ناكسوا رؤوسهم عِنْد رَبهم رَبنَا أبصرنا وَسَمعنَا فارجعنا نعمل صَالحا انا موقنون وَلَو شِئْنَا لآتينا كل نفس هداها وَلَكِن حق القَوْل مني لأملأن جَهَنَّم من الْجنَّة وَالنَّاس أَجْمَعِينَ فَذُوقُوا بِمَا نسيتم لِقَاء يومكم هَذَا إِنَّا نسيناكم وذوقوا عَذَاب الْخلد بِمَا كُنْتُم تَعْمَلُونَ إِنَّمَا يُؤمن بِآيَاتِنَا الَّذين إِذا ذكرُوا بهَا خروا سجدا وسبحوا بِحَمْد رَبهم وهم لَا يَسْتَكْبِرُونَ
أخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَلَو ترى إِذْ المجرمون ناكسو رؤوسهم عِنْد رَبهم رَبنَا أبصرنا وَسَمعنَا} قَالَ: أبصروا حِين لم يَنْفَعهُمْ الْبَصَر وسمعوا حِين لم يَنْفَعهُمْ السّمع
وَفِي قَوْله {وَلَو شِئْنَا لآتينا كل نفس هداها} قَالَ: لَو شَاءَ الله لهدى النَّاس جَمِيعًا وَلَو شَاءَ الله أنزل عَلَيْهِمَا من السَّمَاء آيَة {فظلت أَعْنَاقهم لَهَا خاضعين} الشُّعَرَاء الْآيَة 4
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ عَن أبي هُرَيْرَة رضى الله عَنهُ قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول إِن الله يعْتَذر إِلَى آدم يَوْم الْقِيَامَة بِثَلَاثَة معاذير
يَقُول: يَا آدم لَوْلَا أَنِّي لعنت الْكَذَّابين وَأبْغض الْكَذِب وَالْخلف وأعذب عَلَيْهِ لرحمت الْيَوْم ذريتك أَجْمَعِينَ من شدَّة مَا أَعدَدْت لَهُم من الْعَذَاب وَلَكِن حق القَوْل مني لمن كذب رُسُلِي وَعصى أَمْرِي {لأملأن جَهَنَّم مِنْكُم أَجْمَعِينَ} الْأَعْرَاف الْآيَة 18 وَيَقُول: يَا آدم إِنِّي لَا أَدخل أحدا من ذريتك النَّار وَلَا أعذب أحدا مِنْهُم بالنَّار إِلَّا من قد علمت فِي سَابق علمي أَنِّي لَو رَددته إِلَى الدُّنْيَا لعاد إِلَى شَرّ مِمَّا كَانَ فِيهِ لم يُرَاجع وَلم يعتب وَيَقُول لَهُ: يَا آدم قد جعلتك الْيَوْم حكما بيني وَبَين ذريتك قُم عِنْد الْمِيزَان فَانْظُر مَا يرفع إِلَيْك من أَعْمَالهم فَمن رجح مِنْهُم خَيره على شَره مِثْقَال ذرة فَلهُ الْجنَّة حَتَّى تعلم أَنِّي لَا أَدخل النَّار الْيَوْم مِنْهُم إِلَّا ظَالِما
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فَذُوقُوا بِمَا نسيتم لِقَاء يومكم هَذَا} قَالَ: تركْتُم أَن تعملوا للقاء يومكم هَذَا(6/544)
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ {فَذُوقُوا بِمَا نسيتم} قَالَ: الْيَوْم نترككم فِي النَّار كَمَا تركْتُم أَمْرِي
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {إِنَّا نسيناكم} قَالَ: تركناكم
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: نزلت هَذِه الْآيَة فِي شَأْن الصَّلَوَات الْخمس {إِنَّمَا يُؤمن بِآيَاتِنَا الَّذين إِذا ذكرُوا بهَا خروا سجدا} أَي أتوها {وسبحوا} أَي صلوا بِأَمْر رَبهم {وهم لَا يَسْتَكْبِرُونَ} عَن اتيان الصَّلَوَات فِي الْجَمَاعَات(6/545)
تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (16)
- قَوْله تَعَالَى: تَتَجَافَى جنُوبهم عَن الْمضَاجِع يدعونَ رَبهم خوفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفقُونَ
أخرج التِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَمُحَمّد بن نصر فِي كتاب الصَّلَاة عَن أنس بن مَالك رَضِي الله عَنهُ أَن هَذِه الْآيَة {تَتَجَافَى جنُوبهم عَن الْمضَاجِع} نزلت فِي انْتِظَار الصَّلَاة الَّتِي تدعى الْعَتَمَة
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن أنس بن مَالك رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {تَتَجَافَى جنُوبهم عَن الْمضَاجِع} قَالَ: كَانُوا لَا ينامون حَتَّى يصلوا الْعشَاء
وَأخرج البُخَارِيّ فِي تَارِيخه وَابْن مرْدَوَيْه عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ نزلت {تَتَجَافَى جنُوبهم عَن الْمضَاجِع} فِي صَلَاة الْعشَاء
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كُنَّا نجتنب الْفرش قبل صَلَاة الْعشَاء
وَأخرج مُحَمَّد بن نصر وَابْن جرير عَن أبي سَلمَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {تَتَجَافَى جنُوبهم عَن الْمضَاجِع} فِي صَلَاة الْعَتَمَة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف وَابْن مرْدَوَيْه عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: مَا رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَاقِدًا قبل الْعشَاء وَلَا متحدثاً بعْدهَا فَإِن هَذِه الْآيَة نزلت فِي ذَلِك {تَتَجَافَى جنُوبهم عَن الْمضَاجِع}(6/545)
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: نزلت فِينَا معاشر الْأَنْصَار كُنَّا نصلي الْمغرب فَلَا نرْجِع إِلَى رحالنا حَتَّى نصلي الْعشَاء مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَنزلت فِينَا {تَتَجَافَى جنُوبهم عَن الْمضَاجِع}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ {تَتَجَافَى جنُوبهم عَن الْمضَاجِع} قَالَ: هم الَّذِي لَا ينامون قبل الْعشَاء فَأثْنى عَلَيْهِم فَلَمَّا ذكر ذَلِك جعل الرجل يعتزل فرَاشه مَخَافَة أَن تغلبه عينه فوقتها قبل أَن ينَام الصَّغِير ويكسل الْكَبِير
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {تَتَجَافَى جنُوبهم عَن الْمضَاجِع} قَالَ: أنزلت فِي صَلَاة الْعشَاء الْآخِرَة كَانَ أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا ينامون حَتَّى يصلوها
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأَبُو دَاوُد وَمُحَمّد بن نصر وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن أنس رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {تَتَجَافَى جنُوبهم عَن الْمضَاجِع} قَالَ: كَانُوا ينتظرون مَا بَين الْمغرب وَالْعشَاء يصلونَ
وَأخرج عبد الله بن أَحْمد بن حَنْبَل فِي زَوَائِد الزّهْد وَابْن عدي وَابْن مرْدَوَيْه عَن مَالك بن دِينَار رَضِي الله عَنهُ قَالَ: سَأَلت أنس بن مَالك رَضِي الله عَنهُ عَن هَذِه الْآيَة {تَتَجَافَى جنُوبهم عَن الْمضَاجِع} قَالَ: كَانَ قوم من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الْمُهَاجِرين الْأَوَّلين يصلونَ الْمغرب وَيصلونَ بعْدهَا إِلَى عشَاء الْآخِرَة فَنزلت هَذِه الْآيَة فيهم
وَأخرج الْبَزَّار وَابْن مرْدَوَيْه عَن بِلَال رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كُنَّا نجلس فِي الْمجْلس وناس من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يصلونَ الْمغرب إِلَى الْعشَاء فَنزلت {تَتَجَافَى جنُوبهم عَن الْمضَاجِع}
وَأخرج مُحَمَّد بن نصر وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن الْمُنْكَدر وَأبي حَازِم فِي قَوْله {تَتَجَافَى جنُوبهم عَن الْمضَاجِع} قَالَا: هِيَ مَا بَين الْمغرب وَالْعشَاء صَلَاة الْأَوَّابِينَ
وَأخرج مُحَمَّد بن نصر عَن عبد الله بن عِيسَى رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ نَاس من الْأَنْصَار يصلونَ مَا بَين الْمغرب وَالْعشَاء فَنزلت فيهم {تَتَجَافَى جنُوبهم عَن الْمضَاجِع}(6/546)
وَأخرج أَحْمد وَابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن معَاذ بن جبل رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله {تَتَجَافَى جنُوبهم عَن الْمضَاجِع} قَالَ قيام العَبْد من اللَّيْل
وَأخرج أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَابْن نصر فِي كتاب الصَّلَاة وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن معَاذ بن جبل رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كنت مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي سفر فاصبحت يَوْمًا قَرِيبا مِنْهُ وَنحن نسير فَقلت: يَا نَبِي الله اخبرني بِعَمَل يدخلني الْجنَّة وَيُبَاعِدنِي عَن النَّار قَالَ لقد سَأَلت عَن عَظِيم وانه الْيَسِير على من يسره الله عَلَيْهِ
تعبد الله وَلَا تشرك بِهِ شَيْئا وتقيم الصَّلَاة وتؤتي الزَّكَاة وتصوم رَمَضَان وتحج الْبَيْت ثمَّ قَالَ: أَلا أدلك على أَبْوَاب الْخَيْر الصَّوْم جنَّة وَالصَّدَََقَة تطفىء الْخَطِيئَة وَصَلَاة الرجل فِي جَوف اللَّيْل ثمَّ قَرَأَ {تَتَجَافَى جنُوبهم عَن الْمضَاجِع} حَتَّى بلغ {يعْملُونَ} ثمَّ قَالَ: أَلا أخْبرك بِرَأْس الْأَمر وعموده وذروة سنامه فَقلت: بلَى يَا رَسُول الله قَالَ: رَأس الْأَمر الإِسلام وعموده الصَّلَاة وذروة سنامه الْجِهَاد ثمَّ قَالَ أَلا أخْبرك بملاك ذَلِك كُله فَقلت: بلَى يَا نَبِي الله فَأخذ بِلِسَانِهِ فَقَالَ: كف عَنْك هَذَا فَقلت: يَا رَسُول الله وانا لمؤاخذون بِمَا نتكلم بِهِ فَقَالَ: ثكلتك أمك يَا معَاذ
وَهل يُكِبُّ النَّاس فِي النَّار على وُجُوههم إِلَّا حصائد ألسنتهم
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: ذكر لنا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قيام اللَّيْل فَفَاضَتْ عَيناهُ حَتَّى تحادرت دُمُوعه فَقَالَ {تَتَجَافَى جنُوبهم عَن الْمضَاجِع}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ أَن رجلا قَالَ يَا رَسُول الله أَخْبرنِي بِعَمَل أهل الْجنَّة قَالَ: قد سَأَلت عَن عَظِيم وَإنَّهُ ليسير على من يسره الله عَلَيْهِ
تعبد الله لَا تشرك بِهِ شَيْئا وَتُؤَدِّي الصَّلَاة الْمَكْتُوبَة - وَلَا أَدْرِي ذكر الزَّكَاة أم لَا - وَإِن شِئْت أَنْبَأتك بِرَأْس هَذَا الْأَمر وعموده وذروة سنامه رَأسه الإِسلام من أسلم سلم وعموده الصَّلَاة وذروة سنامه الْجِهَاد فِي سَبِيل الله وَالصِّيَام جنَّة وَالصَّدَََقَة تمحو الْخَطِيئَة وَصَلَاة الرجل فِي جَوف اللَّيْل ثمَّ تَلا هَذِه الْآيَة {تَتَجَافَى جنُوبهم عَن الْمضَاجِع}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أنس رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {تَتَجَافَى جنُوبهم عَن الْمضَاجِع}(6/547)
قَالَ: كَانَت لَا تمر عَلَيْهَا لَيْلَة إِلَّا أخذُوا مِنْهَا بحظ
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَمُحَمّد بن نصر وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {تَتَجَافَى جنُوبهم عَن الْمضَاجِع} قَالَ: يقومُونَ فيصلون بِاللَّيْلِ
وَأخرج ابْن نصر وَابْن جرير عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {تَتَجَافَى جنُوبهم عَن الْمضَاجِع} قَالَ: قيام اللَّيْل
وَأخرج عبد الله بن أَحْمد فِي زَوَائِد الزّهْد من طَرِيق أبي عبد الله الجدلي عَن عبَادَة بن الصَّامِت عَن كَعْب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِذا حشر النَّاس نَادَى مُنَاد: هَذَا يَوْم الْفَصْل أَيْن الَّذين {تَتَجَافَى جنُوبهم عَن الْمضَاجِع} أَيْن الَّذين {يذكرُونَ الله قيَاما وقعوداً وعَلى جنُوبهم} آل عمرَان الْآيَة 191 ثمَّ يخرج عنق من النَّار فَيَقُول: أمرت بِثَلَاث
بِمن جعل مَعَ الله إِلَهًا آخر
وَبِكُل جَبَّار عنيد
وَبِكُل مُعْتَد لأَنا أعرف بِالرجلِ من الْوَالِد بولده والمولود بوالده وَيُؤمر بفقراء الْمُسلمين إِلَى الْجنَّة فيحسبون فَيَقُولُونَ: تحسبونا مَا كَانَ لنا أَمْوَال وَلَا كُنَّا أُمَرَاء
وَأخرج مُحَمَّد بن نصر وَابْن جرير عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {تَتَجَافَى جنُوبهم عَن الْمضَاجِع يدعونَ رَبهم خوفًا وَطَمَعًا} قَالَ: هم قوم لَا يزالوان يذكرُونَ الله إِمَّا فِي الصَّلَاة وَإِمَّا قيَاما واما قعُودا وَإِمَّا إِذا استيقظوا من منامهم
هم قوم لَا يزالون يذكرُونَ الله تَعَالَى
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ربيعَة الجرشِي رَضِي الله عَنهُ قَالَ: يجمع الله الْخَلَائق يَوْم الْقِيَامَة فِي صَعِيد وَاحِد فيكونون مَا شَاءَ الله أَن يَكُونُوا فينادي مُنَاد
سَيعْلَمُ أهل الْجمع لمن الْعِزّ الْيَوْم وَالْكَرم ليقمْ الَّذين {تَتَجَافَى جنُوبهم عَن الْمضَاجِع يدعونَ رَبهم خوفًا وَطَمَعًا} فَيقومُونَ وَفِيهِمْ قلَّة ثمَّ يلبث مَا شَاءَ الله أَن يلبث ثمَّ يعود فينادي سَيعْلَمُ أهل الْجمع لمن الْعِزّ وَالْكَرم ليقمْ الَّذين {لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَة وَلَا بيع عَن ذكر الله} النُّور الْآيَة 37 فَيقومُونَ وهم أَكثر من الْأَوَّلين ثمَّ يلبث مَا شَاءَ الله أَن يلبث ثمَّ يعود وينادي: سَيعْلَمُ أهل الْجمع لمن الْعِزّ الْيَوْم وَالْكَرم ليقمْ الْحَمَّادُونَ لله على كل حَال فَيقومُونَ وهم أَكثر من الْأَوَّلين
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {تَتَجَافَى جنُوبهم عَن الْمضَاجِع} يَقُول: تَتَجَافَى لذكر الله كلما استيقظوا ذكرُوا الله
اما فِي الصَّلَاة(6/548)
وَإِمَّا فِي قيام أَو قعُود أَو على جنُوبهم فهم لَا يزالون يذكرُونَ الله(6/549)
فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (17)
- قَوْله تَعَالَى: فَلَا تعلم نفس مَا أُخْفِي لَهُم من قُرَّة أعين جَزَاء بِمَا كَانُوا يعْملُونَ
أخرج الْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَرَأَ {فَلَا تعلم نفس مَا أُخْفِي لَهُم من قُرَّة أعين}
وَأخرج أَبُو عبيد فِي فضائله وَسَعِيد بن مَنْصُور وَابْن أبي حَاتِم وَابْن الْأَنْبَارِي فِي الْمَصَاحِف عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ {فَلَا تعلم نفس مَا أُخْفِي لَهُم من قُرَّة أعين}
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَمُحَمّد بن نصر وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ عرش الله على المَاء فَاتخذ جنَّة لنَفسِهِ ثمَّ اتخذ دونهَا أُخْرَى ثمَّ أطبقهما لؤلؤة وَاحِدَة ثمَّ قَالَ: وَمن دونهمَا جنتان لم يعلم الْخلق مَا فيهمَا وَهِي الَّتِي قَالَ الله {فَلَا تعلم نفس مَا أُخْفِي لَهُم من قُرَّة أعين جَزَاء بِمَا كَانُوا يعْملُونَ} يَأْتِيهم فِيهَا كل يَوْم تحفة
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم والطبراين وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِنَّه لمكتوب فِي التَّوْرَاة (لقد أعد الله للَّذين تَتَجَافَى جنُوبهم عَن الْمضَاجِع مَا لم ترَ عين وَلم تسمع أذن وَلم يخْطر على قلب بشر وَلَا يعلم ملك مقرب وَلَا نَبِي مُرْسل وَإنَّهُ لفي الْقُرْآن {فَلَا تعلم نفس مَا أُخْفِي لَهُم من قُرَّة أعين} )
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وهناد كِلَاهُمَا فِي الزّهْد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَابْن الْأَنْبَارِي عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ قَالَ الله تَعَالَى: أَعدَدْت لعبادي الصَّالِحين مَا لَا عين رَأَتْ وَلَا أذن سَمِعت وَلَا خطر على قلب بشرن قَالَ أَبُو هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ: اقرؤا إِن شِئْتُم {فَلَا تعلم نفس مَا أُخْفِي لَهُم من قُرَّة أعين}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَامر بن عبد الْوَاحِد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: بَلغنِي إِن(6/549)
الرجل من أهل الْجنَّة يمْكث فِي مَكَانَهُ سبعين سنة ثمَّ يلْتَفت فَإِذا هُوَ بِامْرَأَة أحسن مِمَّا كَانَ فِيهِ فَتَقول لَهُ: قد آن لَك أَن يكون لنا مِنْك نصيب
فَيَقُول: من أَنْت فَتَقول: أَنا مزِيد فيمكث مَعهَا سبعين سنة ويلتفت فَإِذا هُوَ بِامْرَأَة أحسن مِمَّا كَانَ فِيهِ فَتَقول: قد آن لَك أَن يكون لنا مِنْك نصيب فَيَقُول: من أَنْت فَتَقول: أَنا الَّذِي قَالَ الله {فَلَا تعلم نفس مَا أُخْفِي لَهُم من قُرَّة أعين}
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِن الرجل من أهل الْجنَّة ليجيء فيشرف عَلَيْهِ النِّسَاء فيقلن: يَا فلَان بن فلَان مَا أَنْت حِين خرجت من عندنَا بِأولى بك منا فَيَقُول: من أنتن فيقلن: نَحن من اللَّاتِي قَالَ الله {فَلَا تعلم نفس مَا أُخْفِي لَهُم من قُرَّة أعين جَزَاء بِمَا كَانُوا يعْملُونَ}
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ قَالَ: يدْخلُونَ عَلَيْهِم على مِقْدَار كل يَوْم من أَيَّام الدُّنْيَا ثَلَاث مَرَّات مَعَهم التحف من الله من جنَّات عدن مِمَّا لَيْسَ فِي جناتهم
وَذَلِكَ قَوْله {فَلَا تعلم نفس مَا أُخْفِي لَهُم من قُرَّة أعين}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن كَعْب قَالَ: سأصف لكم منزل الرجل من أهل الْجنَّة كَانَ يطْلب فِي الدُّنْيَا حَلَالا وَيَأْكُل حَلَالا حَتَّى لَقِي الله على ذَلِك فَإِنَّهُ يعْطى يَوْم الْقِيَامَة قصراً من لؤلؤة وَاحِدَة لَيْسَ فِيهَا صدع وَلَا وصل فِيهَا سَبْعُونَ ألف غرفَة وأسفل الغرف سَبْعُونَ ألف بَيت فِي كل بَيت سقفه صَفَائِح الذَّهَب وَالْفِضَّة لَيْسَ بموصول وَلَوْلَا أَن الله سخر لَهُ النّظر إِلَيْهِ لذهب بَصَره من نوره عرض الْحَائِط اثْنَا عشر ميلًا وَطوله فِي السَّمَاء سَبْعُونَ ميلًا فِي كل بَيت سَبْعُونَ ألف بَاب يدْخل عَلَيْهِ فِي كل بَيت من كل بَاب سَبْعُونَ ألف خَادِم لَا يراهم من فِي هَذَا الْبَيْت وَلَا من فِي هَذَا الْبَيْت فَإِذا خرج فِي قصره صَار فِي ملكه مثل عمر الدُّنْيَا يسير فِي ملكه عَن يَمِينه وَعَن يسَاره وَمن وَرَائه وأزواجه مَعَه وَلَيْسَ مَعَه ذكر غَيره وَمن بَين يَدَيْهِ مَلَائِكَة قد سخروا لَهُ بَينه وَبَين أَزوَاجه ستر وَبَين يَدَيْهِ ستر ووصفاء ووصائف قد أفهموا مَا يَشْتَهِي أَزوَاجه وَلَا يَمُوت هُوَ وَلَا أَزوَاجه وَلَا خُدَّامه أبدا نعيمهم يزْدَاد كل يَوْم من غير أَن يبْلى الأول وقرة عين لَا تَنْقَطِع أبدا لَا يدْخل عَلَيْهِ فِيهِ روعة أبدا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ(6/550)
وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لَو أَن آخر أهل الْجنَّة رجلا أضَاف آدم فَمن دونه وَوضع لَهُم طَعَاما وَشَرَابًا حَتَّى يخرجُوا من عِنْده لَا ينقصهُ ذَلِك مِمَّا أعطَاهُ الله
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَمُسلم وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن جرير وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَمُحَمّد بن نصر فِي كتاب الصَّلَاة من طَرِيق أبي صَخْر عَن أبي حَازِم عَن سهل بن سعد قَالَ: بَيْنَمَا نَحن عِنْد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ يصف الْجنَّة حَتَّى انْتهى ثمَّ قَالَ فيهمَا مَا لَا عين رَأَتْ وَلَا أذن سَمِعت وَلَا خطر على قلب بشر ثمَّ قَرَأَ {تَتَجَافَى جنُوبهم عَن الْمضَاجِع} قَالَ أَبُو صَخْر: فَذَكرته للقرظي فَقَالَ: إِنَّهُم أخفوا عملا وأخفى الله لَهُم ثَوابًا فقدموا على الله فقرت تِلْكَ الْأَعْين
وَأخرج ابْن جرير عَن أبي الْيَمَان الْهُذلِيّ قَالَ: الْجنَّة مائَة دَرَجَة
أَولهَا دَرَجَة فضَّة وأرضها فضَّة وآنيتها فضَّة وترابها الْمسك
وَالثَّانيَِة ذهب ومساكنها ذهب وآنيتها ذهب وترابها الْمسك
وَالثَّالِثَة لُؤْلُؤ وأرضها لُؤْلُؤ ومساكنها لُؤْلُؤ وآنيتها لُؤْلُؤ وترابها الْمسك
وَسبع وَتسْعُونَ بعد ذَلِك مَا لَا عين رَأَتْ وَلَا أذن سَمِعت وَلَا خطر على قلب بشر وتلا هَذِه الْآيَة {فَلَا تعلم نفس مَا أُخْفِي لَهُم من قُرَّة أعين}
وَأخرج ابْن جرير وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان من طَرِيق الْحَاكِم بن أبان عَن الغطريف عَن جَابر بن زيد عَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الرّوح الْأمين قَالَ يُؤْتى بحسنات العَبْد وسيئاته فيقتص بَعْضهَا من بعض فَإِن بقيت حَسَنَة وَاحِدَة أدخلهُ الله الْجنَّة قَالَ: فَدخلت على يَزْدَان فَحدث بِمثل هَذَا فَقلت: فَإِن ذهبت الْحَسَنَة قَالَ: {أُولَئِكَ الَّذين نتقبل عَنْهُم أحسن مَا عمِلُوا ونتجاوز عَن سيئاتهم} الْأَحْقَاف الْآيَة 16 قلت: أَفَرَأَيْت قَوْله {فَلَا تعلم نفس مَا أُخْفِي لَهُم من قُرَّة أعين} قَالَ: هُوَ العَبْد يعْمل سرا أسره إِلَى الله لم يعلم بِهِ النَّاس فَأسر الله لَهُ يَوْم الْقِيَامَة {قُرَّة أعين}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن أدنى أهل الْجنَّة حظاً قوم يخرجهم الله من النَّار برحمته بعد أَن يحترقوا يرتاح لَهُم الرب أَنهم كَانُوا لَا يشركُونَ بِاللَّه شَيْئا فينبذون بالعراء فينبتون كَمَا ينْبت البقل حَتَّى(6/551)
إِذا رجعت الْأَرْوَاح إِلَى أجسادها قَالُوا: رَبنَا كَالَّذي أخرجتنا من النَّار وَرجعت الْأَرْوَاح إِلَى أَجْسَادنَا فاصرف وُجُوهنَا عَن النَّار فَيصْرف وُجُوههم عَن النَّار وَيضْرب لَهُم شَجَرَة ذَات ظلّ وفيء فَيَقُولُونَ: رَبنَا كَالَّذي أخرجتنا من النَّار فانقلنا إِلَى ظلّ هَذِه الشَّجَرَة فينقلهم إِلَيْهَا فيرون أَبْوَاب الْجنَّة فيقولن: رَبنَا كَالَّذي أخرجتنا من النَّار فانقلنا إِلَى أَبْوَاب الْجنَّة فيفعل فَإِذا نظرُوا إِلَى مَا فِيهَا من الْخيرَات والبركات قَالَ: وَقَرَأَ أَبُو هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ {فَلَا تعلم نفس مَا أُخْفِي لَهُم من قُرَّة أعين} قَالُوا: رَبنَا كَالَّذي أخرجتنا من النَّار فادخلنا الْجنَّة قَالَ: فَيدْخلُونَ الْجنَّة ثمَّ يُقَال لَهُم: تمنوا فَيَقُولُونَ: يَا رب اعطنا حَتَّى إِذا قَالُوا: يَا رَبنَا حَسبنَا قَالَ: هَذَا لكم وَعشرَة أَمْثَاله
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن الْمُغيرَة ابْن شُعْبَة رَضِي الله عَنهُ يرفعهُ إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام سَأَلَ ربه فَقَالَ: رب أَي أهل الْجنَّة أدنى منزلَة فَقَالَ: رجل يَجِيء بَعْدَمَا دخل أهل الْجنَّة الْجنَّة فَيُقَال لَهُ: ادخل
فَيَقُول: كَيفَ ادخل وَقد نزلُوا مَنَازِلهمْ وَأخذُوا أخذاتهم فَيُقَال لَهُ: اترضى أَن يكون لَك مثل مَا كَانَ لملك من مُلُوك الدُّنْيَا فَيَقُول: نعم
أَي رب قد رضيت فَيُقَال لَهُ: فَإِن لَك هَذَا وَعشرَة أَمْثَاله مَعَه فَيَقُول: أَي رب رضيت فَيُقَال لَهُ: فَإِن لَك من هَذَا مَا اشتهت نَفسك ولذت عَيْنك فَقَالَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام: أَي رب فَأَي أهل الْجنَّة ارْفَعْ منزله قَالَ: إِيَّاهَا أردْت وسأحدثك عَنْهُم إِنِّي غرست كرامتهم بيَدي وختمت عَلَيْهَا فَلَا عين رَأَتْ وَلَا أذن سَمِعت وَلَا خطر على قلب بشرن قَالَ: ومصداق ذَلِك فِي كتاب الله تَعَالَى {فَلَا تعلم نفس مَا أُخْفِي لَهُم من قُرَّة أعين}(6/552)
أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ (18) أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلًا بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (19) وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (20)
- قَوْله تَعَالَى: أَفَمَن كَانَ مُؤمنا كمن كَانَ فَاسِقًا لَا يستوون أما الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات فَلهم جنَّات المأوى نزلا بِمَا كَانُوا يعْملُونَ وَأما الَّذين فسقوا فمأواهم النَّار كلما أَرَادوا أَن يخرجُوا مِنْهَا أعيدوا فِيهَا وَقيل لَهُم ذوقوا عَذَاب النَّار الَّذِي كُنْتُم بِهِ تكذبون(6/552)
أخرج أَبُو الْفرج الْأَصْفَهَانِي فِي كتاب الأغاني والواحدي وَابْن عدي وَابْن مرْدَوَيْه والخطيب وَابْن عَسَاكِر من طرق عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ الْوَلِيد بن عقبَة لعَلي بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ: أَنا أحد مِنْك سِنَانًا وأبسط مِنْك لِسَانا واملاء للكتيبة مِنْك فَقَالَ لَهُ عَليّ رَضِي الله عَنهُ: اسْكُتْ فَإِنَّمَا أَنْت فَاسق
فَنزلت {أَفَمَن كَانَ مُؤمنا كمن كَانَ فَاسِقًا لَا يستوون} يَعْنِي بِالْمُؤمنِ: عليا
وَبِالْفَاسِقِ: الْوَلِيد بن عقبَة بن أبي معيط
وَأخرج ابْن إِسْحَق وَابْن جرير عَن عَطاء بن يسَار قَالَ: نزلت بِالْمَدِينَةِ فِي عَليّ بن أبي طَالب والوليد بن عقبَة بن أبي معيط قَالَ: كَانَ بَين الْوَلِيد وَبَين عَليّ كَلَام فَقَالَ الْوَلِيد بن عقبَة: أَنا أبسط مِنْك لِسَانا وَأحد مِنْك سِنَانًا وأرد مِنْك للكتيبة فَقَالَ عَليّ رَضِي الله عَنهُ: اسْكُتْ فانك فَاسق
فَانْزِل {أَفَمَن كَانَ مُؤمنا كمن كَانَ فَاسِقًا لَا يستوون}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ مثله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {أَفَمَن كَانَ مُؤمنا كمن كَانَ فَاسِقًا لَا يستوون} قَالَ: نزلت فِي عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ والوليد بن عقبَة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه والخطيب وَابْن عَسَاكِر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {أَفَمَن كَانَ مُؤمنا كمن كَانَ فَاسِقًا} قَالَ: أما الْمُؤمن
فعلي بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ وَأما الْفَاسِق
فعقبة بن أبي معيط وَذَلِكَ لسباب كَانَ بَينهمَا فَأنْزل الله ذَلِك
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {أَفَمَن كَانَ مُؤمنا كمن كَانَ فَاسِقًا لَا يستوون} قَالَ: لَا فِي الدُّنْيَا لَا عِنْد الْمَوْت وَلَا فِي الْآخِرَة
وَفِي قَوْله {وَأما الَّذين فسقوا} قَالَ: هم الَّذين أشركوا وَفِي قَوْله {كُنْتُم بِهِ تكذبون} قَالَ: هم يكذبُون كَمَا ترَوْنَ(6/553)
وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (21)
- قَوْله تَعَالَى: ولنذيقنهم من الْعَذَاب الْأَدْنَى دون الْعَذَاب الْأَكْبَر لَعَلَّهُم يرجعُونَ(6/553)
أخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن منيع وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه والخطيب وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {ولنذيقنهم من الْعَذَاب الْأَدْنَى} قَالَ: يَوْم بدر {دون الْعَذَاب الْأَكْبَر} قَالَ: يَوْم الْقِيَامَة {لَعَلَّهُم يرجعُونَ} قَالَ: لَعَلَّ من بَقِي مِنْهُم يرجع
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالنَّسَائِيّ وَابْن الْمُنْذر وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {ولنذيقنهم من الْعَذَاب الْأَدْنَى} قَالَ: سنُون اصابتهم {لَعَلَّهُم يرجعُونَ} قَالَ: يتوبون
وَأخرج مُسلم وَعبد الله بن أَحْمد فِي زَوَائِد الْمسند وَأَبُو عوانه فِي صَحِيحه وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الْإِيمَان عَن أبي بن كَعْب رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {ولنذيقنهم من الْعَذَاب الْأَدْنَى} قَالَ: مصائب الدُّنْيَا واللزوم وَالْبَطْشَة وَالدُّخَان
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي إِدْرِيس الْخَولَانِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: سَأَلت عبَادَة بن الصَّامِت رَضِي الله عَنهُ عَن قَول الله {ولنذيقنهم من الْعَذَاب الْأَدْنَى دون الْعَذَاب الْأَكْبَر} فَقَالَ: سَأَلت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَنْهَا فَقَالَ هِيَ المصائب والاسقام والانصاب عَذَاب للمسرف فِي الدُّنْيَا دون عَذَاب الْآخِرَة قلت: يَا رَسُول الله فَمَا هِيَ لنا قَالَ: زَكَاة وطهور
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {ولنذيقنهم من الْعَذَاب الْأَدْنَى} قَالَ: مصائب الدُّنْيَا وأسقامها وبلاياها يَبْتَلِي الله بهَا الْعباد كي يتوبوا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير عَن إِبْرَاهِيم رَضِي الله عَنهُ {ولنذيقنهم من الْعَذَاب الْأَدْنَى دون الْعَذَاب الْأَكْبَر} قَالَ: أَشْيَاء يصابون بهَا فِي الدُّنْيَا {لَعَلَّهُم يرجعُونَ} قَالَ: يتوبون
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {ولنذيقنهم من الْعَذَاب الْأَدْنَى دون الْعَذَاب الْأَكْبَر} قَالَ: الْحُدُود {لَعَلَّهُم يرجعُونَ} قَالَ: يتوبون
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد {ولنذيقنهم من الْعَذَاب الْأَدْنَى} قَالَ: عَذَاب الدُّنْيَا وَعَذَاب الْقَبْر(6/554)
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {ولنذيقنهم من الْعَذَاب الْأَدْنَى} قَالَ: الْقَتْل والجوع لقريش فِي الدُّنْيَا وَالْعَذَاب الْأَكْبَر يَوْم الْقِيَامَة فِي الْآخِرَة
وَأخرج هناد عَن أبي عُبَيْدَة فِي قَوْله {ولنذيقنهم من الْعَذَاب الْأَدْنَى} قَالَ: عَذَاب الْقَبْر(6/555)
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ (22)
- قَوْله تَعَالَى: وَمن أظلم مِمَّن ذكر بآيَات ربه ثمَّ أعرض عَنْهَا إِنَّا من الْمُجْرمين منتقمون
أخرج ابْن منيع وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه بِسَنَد ضَعِيف عَن معَاذ بن جبل رَضِي الله عَنهُ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول ثَلَاث من فعلهن فقد أجرم
من عقد لِوَاء فِي غير حق
أَو عق وَالِديهِ
أَو مَشى مَعَ ظَالِم لِيَنْصُرهُ فقد أجرم يَقُول الله عز وَجل {إِنَّا من الْمُجْرمين منتقمون}(6/555)
وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَلَا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ (23) وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ (24) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (25) أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ أَفَلَا يَسْمَعُونَ (26)
- قَوْله تَعَالَى: وَلَقَد آتَيْنَا مُوسَى الْكتاب فَلَا تكن فِي مرية من لِقَائِه وجعلناه هدى لبني إِسْرَائِيل وَجَعَلنَا مِنْهُم أَئِمَّة يهْدُونَ بأمرنا لما صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يوقنون إِن رَبك هُوَ يفصل بَينهم يَوْم الْقِيَامَة فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ أولم يهد لَهُم كم أهلكنا من قبلهم من الْقُرُون يَمْشُونَ فِي مساكنهم إِن فِي ذَلِك لآيَات أَفلا يسمعُونَ
أخرج عبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل من طَرِيق قَتَادَة عَن أبي الْعَالِيَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَأَيْت لَيْلَة أسرِي بِي مُوسَى بن عمرَان رجلا طوَالًا جَعدًا كَأَنَّهُ من رجال شنوأة وَرَأَيْت عِيسَى بن مَرْيَم عَلَيْهِ السَّلَام مَرْبُوع الْخلق إِلَى الْحمرَة وَالْبَيَاض سبط الرَّأْس وَرَأَيْت مَالِكًا خَازِن جَهَنَّم والدجال فِي آيَات أراهن الله(6/555)
إِيَّاه قَالَ {فَلَا تكن فِي مرية من لِقَائِه} فَكَانَ قَتَادَة يُفَسِّرهَا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد لَقِي مُوسَى {وجعلناه هدى لبني إِسْرَائِيل} قَالَ: جعل الله مُوسَى هدى لبني إِسْرَائِيل
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه والضياء فِي المختارة بِسَنَد صَحِيح عَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {فَلَا تكن فِي مرية من لِقَائِه} من لِقَاء مُوسَى ربه {وجعلناه هدى لبني إِسْرَائِيل} قَالَ: جعل مُوسَى هدى لبني إِسْرَائِيل
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي الْعَالِيَة فِي قَوْله {فَلَا تكن فِي مرية من لِقَائِه} قَالَ: من لِقَاء مُوسَى قيل: أَو لَقِي مُوسَى قَالَ: نعم
أَلا ترى إِلَى قَوْله {واسأل من أرسلنَا من قبلك من رسلنَا} الزخرف الْآيَة 45
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد {فَلَا تكن فِي مرية من لِقَائِه} قَالَ: من أَن تلقى مُوسَى
وَأخرج الْحَاكِم عَن مَالك أَنه تَلا {وَجَعَلنَا مِنْهُم أَئِمَّة يهْدُونَ بأمرنا لما صَبَرُوا} فَقَالَ: حَدثنِي الزُّهْرِيّ أَن عَطاء بن يزِيد حَدثهُ عَن أبي هُرَيْرَة أَنه سمع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول مَا رزق عبد خيرا لَهُ أوسع من الصَّبْر
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَجَعَلنَا مِنْهُم أَئِمَّة} قَالَ: رُؤَسَاء فِي الْخَيْر سوى الْأَنْبِيَاء {يهْدُونَ بأمرنا لما صَبَرُوا} قَالَ: على ترك الدُّنْيَا
وَالله أعلم(6/556)
أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلَا يُبْصِرُونَ (27)
- قَوْله تَعَالَى: أولم يرَوا أَنا نسوق المَاء إِلَى الأَرْض الجرز فنخرج بِهِ زرعا تَأْكُل مِنْهُ أنعامهم وأنفسهم أَفلا يبصرون
أخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {أولم يرَوا أَنا نسوق المَاء إِلَى الأَرْض الجرز} قَالَ: الجرز الَّتِي لَا تمطر إِلَّا قطراً لَا يُغني عَنْهَا شَيْئا إِلَّا مَا يَأْتِيهَا من السُّيُول
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {إِلَى الأَرْض الجرز} قَالَ: أَرض بِالْيمن
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {إِلَى الأَرْض الجرز} قَالَ: هِيَ الَّتِي لَا تنْبت هن أبين وَنَحْوهَا من الأَرْض(6/556)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة {إِلَى الأَرْض الجرز} قَالَ: السمطاء
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ {إِلَى الأَرْض الجرز} قَالَ: إِلَى الأَرْض الْميتَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن {إِلَى الأَرْض الجرز} قَالَ: قرى فِيمَا بَين الْيمن وَالشَّام
وَأخرج أَبُو بكر وَابْن حبَان فِي كتاب الْغرَر عَن الرّبيع بن سيرة قَالَ: الْأَمْثَال أقرب إِلَى الْعُقُول من الْمعَانِي ألم تسمع إِلَى قَوْله {أولم يرَوا أَنا نسوق المَاء إِلَى الأَرْض الجرز} ألم تَرَ {ألم يرَوا}(6/557)
وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (28) قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (29) فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ (30)
- قَوْله تَعَالَى: وَيَقُولُونَ مَتى هَذَا الْفَتْح إِن كُنْتُم صَادِقين قل يَوْم الْفَتْح لَا ينفع الَّذين كفرُوا إِيمَانهم وَلَا هم ينظرُونَ فَأَعْرض عَنْهُم وانتظر إِنَّهُم منتظرون
أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة قَالَ: قَالَ الصَّحَابَة أَن لنا يَوْم يُوشك أَن نستريح فِيهِ ونتنعم فِيهِ
فَقَالَ الْمُشْركُونَ {مَتى هَذَا الْفَتْح إِن كُنْتُم صَادِقين} فَنزلت
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَيَقُولُونَ مَتى هَذَا الْفَتْح إِن كُنْتُم صَادِقين} قَالَ: يَوْم بدر فتح النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلم {ينفع الَّذين كفرُوا إِيمَانهم} بعد الْمَوْت
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {قل يَوْم الْفَتْح} قَالَ: يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {قل يَوْم الْفَتْح} قَالَ: يَوْم الْقَضَاء
وَفِي قَوْله {وانتظر إِنَّهُم منتظرون} قَالَ: يَوْم الْقِيَامَة(6/557)
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم -
سُورَة الاحزاب
مَدَنِيَّة وآياتها ثَلَاث وَسَبْعُونَ
- مُقَدّمَة سُورَة الاحزاب أخرج ابْن الضريس والنحاس وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل من طرق عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: نزلت سُورَة الاحزاب بِالْمَدِينَةِ
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن الزبير
مثله
وَأخرج عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف وَالطَّيَالِسِي وَسَعِيد ابْن مَنْصُور وَعبد الله بن أَحْمد فِي زَوَائِد الْمسند وَابْن منيع وَالنَّسَائِيّ وَابْن الْمُنْذر وَابْن الْأَنْبَارِي فِي الْمَصَاحِف وَالدَّارقطني فِي الإِفراد وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه والضياء فِي المختارة عَن زر قَالَ: قَالَ لي أبي بن كَعْب: كَيفَ تقْرَأ سُورَة الاحزاب أَو كم تعدها قلت ثَلَاثًا وَسبعين آيَة فَقَالَ أبي: قد رَأَيْتهَا وانها لتعادل سُورَة الْبَقَرَة وَأكْثر من سُورَة الْبَقَرَة وَلَقَد قَرَأنَا فِيهَا (الشَّيْخ وَالشَّيْخَة اذا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا أَلْبَتَّة نكالا من الله وَالله عَزِيز حَكِيم) فَرفع مِنْهَا مَا رفع
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن الثَّوْريّ قَالَ: بلغنَا أَن نَاسا من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانُوا يقرأون الْقُرْآن أصيبوا يَوْم مُسَيْلمَة فَذَهَبت حُرُوف من الْقُرْآن
وَأخرج عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: أَمر عمر بن الْخطاب مناديا فَنَادَى أَن الصَّلَاة جَامِعَة ثمَّ صعد الْمِنْبَر فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ: يَا أَيهَا النَّاس لَا تجزعن من آيَة الرَّجْم فانها آيَة نزلت فِي كتاب الله وقرأناها وَلكنهَا ذهبت فِي قُرْآن كثير ذهب مَعَ مُحَمَّد وَآيَة ذَلِك أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد رجم وان أَبَا بكر قد رجم ورجمت بعْدهَا وَابْنه سَيَجِيءُ قوم من هَذِه الْأمة يكذبُون بِالرَّجمِ
وَأخرج مَالك وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَابْن ضريس عَن ابْن عَبَّاس أَن عمر قَامَ فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ: أما بعد أَيهَا النَّاس إِن الله بعث مُحَمَّدًا بِالْحَقِّ(6/558)
وَأنزل عَلَيْهِ الْكتاب فَكَانَ فِيمَا أنزل عَلَيْهِ آيَة الرَّجْم فقرأناها ووعيناها (الشَّيْخ وَالشَّيْخَة اذا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا الْبَتَّةَ) ورجم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ورجمنا بعده فاخشى ان يطول بِالنَّاسِ زمَان فَيَقُول قَائِل: لَا نجد آيَة الرَّجْم فِي كتاب الله
فيضلوا بترك فَرِيضَة أنزلهَا الله
وَأخرج أَحْمد وَالنَّسَائِيّ عَن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف أَن عمر بن الْخطاب خطب النَّاس فَسَمعته يَقُول: إِلَّا وان نَاس يَقُولُونَ: مَا بَال الرَّجْم
وَفِي كتاب الله الْجلد وَقد رجم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ورجمنا بعده وَلَوْلَا ان يَقُول قَائِلُونَ وَيتَكَلَّم متكلمون: ان عمر زَاد فِي كتاب الله مَا لَيْسَ مِنْهُ لاثبتها كَمَا نزلت
وَأخرج النَّسَائِيّ وَأَبُو يعلى عَن كثير بن الصَّلْت قَالَ: كُنَّا عِنْد مَرْوَان وَفينَا زيد بن ثَابت فَقَالَ زيد: مَا تقْرَأ (الشَّيْخ وَالشَّيْخَة اذا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا الْبَتَّةَ) قَالَ مَرْوَان: إِلَّا كتبتها فِي الْمُصحف قَالَ: ذكرنَا ذَلِك وَفينَا عمر بن الْخطاب فَقَالَ: اشفيكم من ذَلِك قُلْنَا: فَكيف قَالَ: جَاءَ رجل إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا رَسُول الله انبئني آيَة الرَّجْم قَالَ: لَا أَسْتَطِيع الْآن
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن حُذَيْفَة قَالَ: قَالَ لي عمر بن الْخطاب: كم تَعدونَ سُورَة الاحزاب قلت: اثْنَتَيْنِ أَو ثَلَاثًا وَسبعين قَالَ: إِن كَانَت لتقارب سُورَة الْبَقَرَة وان كَانَ فِيهَا لآيَة الرَّجْم
وَأخرج ابْن الضريس عَن عِكْرِمَة قَالَ: كَانَت سُورَة الاحزاب مثل سُورَة الْبَقَرَة أَو اطول وَكَانَ فِيهَا آيَة الرَّجْم
وَأخرج ابْن سعد عَن سعيد بن الْمسيب أَن عمر قَالَ: اياكم أَن تهلكوا عَن آيَة الرَّجْم وان يَقُول قَائِل: لَا نجد حَدَّيْنِ فِي كتاب الله فقد رجم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ورجمنا بعده فلولا ان يَقُول النَّاس: أحدث عمر فِي كتاب الله لكتبتها فِي الْمُصحف لقد قرأناها (الشَّيْخ والشيخه إِذا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا البته قَالَ سعيد فَمَا انْسَلَخَ ذُو الْحجَّة حَتَّى طعن
وَأخرج ابْن الضريس عَن أبي أُمَامَة بن سهل بن حنيف ان خَالَته أخْبرته قَالَت: لقد أقرأنا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم آيَة الرَّجْم (الشَّيْخ وَالشَّيْخَة اذا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا الْبَتَّةَ بِمَا قضيا من اللَّذَّة)(6/559)
وَأخرج ابْن الضريس عَن عمر قَالَ قلت لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما نزلت آيَة الرَّجْم: اكتمها يَا رَسُول الله قَالَ: لَا أَسْتَطِيع ذَلِك
وَأخرج ابْن الضريس عَن زيد بن أسلم أَن عمر بن الْخطاب خطب النَّاس فَقَالَ: لَا تَشكوا فِي الرَّجْم فانه حق قد رجم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ورجم أَبُو بكر ورجمت وَلَقَد هَمَمْت أَن أكتب فِي الْمُصحف فَسَأَلَ أبي بن كَعْب عَن آيَة الرَّجْم فَقَالَ أبي: أَلَسْت أتيتني وانا أستقرئها رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَدفعت فِي صَدْرِي وَقلت: أتستقرئه آيه الرَّجْم وهم يتسافدون تسافد الْحمر
وَأخرج البُخَارِيّ فِي تَارِيخ عَن حُذَيْفَة قَالَ: قَرَأت سُورَة الاحزاب على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فنسيت مِنْهَا سبعين آيَة مَا وَجدتهَا
وَأخرج أَبُو عبيد فِي الْفَضَائِل وَابْن الْأَنْبَارِي وَابْن مرْدَوَيْه عَن عَائِشَة قَالَت: كَانَت سُورَة الاحزاب تقْرَأ فِي زمَان النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِائَتي آيَة فَلَمَّا كتب عُثْمَان الْمَصَاحِف لم يقدر مِنْهَا إِلَّا على مَا هُوَ الْآن(6/560)
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (1) وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (2) وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا (3)
- يَا أَيهَا النَّبِي اتَّقِ الله وَلَا تُطِع الْكَافرين وَالْمُنَافِقِينَ إِن الله كَانَ عليماً حكيماً وَاتبع مَا يُوحى إِلَيْك من رَبك إِن الله كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرا وتوكل على الله وَكفى بِاللَّه وَكيلا
أخرج ابْن جرير من طَرِيق جُوَيْبِر عَن الضَّحَّاك عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: إِن أهل مَكَّة مِنْهُم الْوَلِيد بن الْمُغيرَة وَشَيْبَة بن ربيعَة دعوا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى أَن يرجع عَن قَوْله على أَن يعطوه شطرا أَمْوَالهم وخوفه المُنَافِقُونَ وَالْيَهُود بِالْمَدِينَةِ إِن لم يرجع قَتَلُوهُ فَأنْزل الله {يَا أَيهَا النَّبِي اتَّقِ الله وَلَا تُطِع الْكَافرين وَالْمُنَافِقِينَ}
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج {وَلَا تُطِع الْكَافرين} أبي بن خلف {وَالْمُنَافِقِينَ} أَبُو عَامر الراهب وَعبد الله بن أُبي بن سلول وَالْحَد بن قيس(6/560)
مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ (4)
- قَوْله تَعَالَى: مَا جعل الله لرجل من قلبين فِي جَوْفه وَمَا جعل أزواجكم الائي تظاهرون مِنْهُنَّ أُمَّهَاتكُم وَمَا جعل أدعياءكم أبناءكم ذَلِكُم قَوْلكُم بأفواهكم وَالله يَقُول الْحق وَهُوَ يهدي السَّبِيل
أخرج أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه والضياء فِي المختارة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَامَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمًا يُصَلِّي فخطر خطرة فَقَالَ المُنَافِقُونَ الَّذين يصلونَ مَعَه: أَلا ترى أَن لَهُ قلبين قلباً مَعكُمْ
وَقَلْبًا مَعَهم
فَأنْزل الله {مَا جعل الله لرجل من قلبين فِي جَوْفه} ابْن عَبَّاس وَأخرج ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق خصيف عَن سعيد بن جُبَير وَمُجاهد وَعِكْرِمَة قَالُوا: كَانَ رجل يدعى ذَا القلبين فَأنْزل الله {مَا جعل الله لرجل من قلبين فِي جَوْفه}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَ رجل من قُرَيْش يُسمى من دهائه ذَا القلبين فَأنْزل الله هَذَا فِي شَأْنه
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن قَالَ: كَانَ رجل على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُسمى ذَا القلبين
كَانَ يَقُول: لي نفس تَأْمُرنِي وَنَفس تنهاني فَأنْزل الله فِيهِ مَا تَسْمَعُونَ
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد قَالَ: إِن رجلا من بني فهر قَالَ: إِن فِي جوفي قلبين اعقل بِكُل وَاحِد مِنْهُمَا أفضل من عقل مُحَمَّد فَنزلت
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ: أَنَّهَا نزلت فِي رجل من قُرَيْش من بني جمح يُقَال لَهُ: جميل بن معمر
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ صلى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَلَاة فَسَهَا فِيهَا فخطرت مِنْهُ كلمة فَسَمعَهَا المُنَافِقُونَ فَأَكْثرُوا فَقَالُوا: إِن لَهُ قلبين
ألم تسمعوا إِلَى قَوْله وَكَلَامه فِي الصَّلَاة إِن لَهُ قلباً مَعكُمْ وَقَلْبًا مَعَ أَصْحَابه فَنزلت {يَا أَيهَا النَّبِي اتَّقِ الله وَلَا تُطِع الْكَافرين وَالْمُنَافِقِينَ}(6/561)
إِلَى قَوْله {مَا جعل الله لرجل من قلبين فِي جَوْفه}
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير عَن الزُّهْرِيّ فِي قَوْله {مَا جعل الله لرجل من قلبين فِي جَوْفه} قَالَ: بلغنَا أَن ذَلِك كَانَ فِي زيد بن حَارِثَة ضرب لَهُ مثلا يَقُول: لَيْسَ ابْن رجل آخر ابْنك
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد قَالَ: كَانَ الرجل يَقُول لامْرَأَته: أَنْت عليَّ كَظهر أُمِّي
فَقَالَ الله {وَمَا جعل أزواجكم اللائي تظاهرون مِنْهُنَّ أُمَّهَاتكُم} وَكَانَ يُقَال: زيد بن مُحَمَّد
فَقَالَ الله {وَمَا جعل أدعياءكم أبناءكم}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَمَا جعل أزواجكم اللائي تظاهرون مِنْهُنَّ أُمَّهَاتكُم} أَي مَا جعلهَا أمك وَإِذا ظَاهر الرجل من امْرَأَته فَإِن الله لم يَجْعَلهَا أمه وَلَكِن جعل فِيهَا الْكَفَّارَة {وَمَا جعل أدعياءكم أبناءكم} يَقُول: مَا جعل دعيك ابْنك
يَقُول: إِن ادّعى رجل رجلا فَلَيْسَ بِابْنِهِ
ذكر لنا أَن نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَقُول من ادّعى إِلَى غير أَبِيه مُتَعَمدا حرم الله عَلَيْهِ الْجنَّة
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَمَا جعل أدعياءكم أبناءكم} قَالَ: نزلت فِي زيد بن حَارِثَة رَضِي الله عَنهُ(6/562)
ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (5)
- قَوْله تَعَالَى: ادعوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أقسط عِنْد الله فَإِن لم تعلمُوا آبَاءَهُم فاخوانكم فِي الدّين ومواليكم وَلَيْسَ عَلَيْكُم جنَاح فِيمَا أخطأتم بِهِ وَلكم مَا تَعَمّدت قُلُوبكُمْ وَكَانَ الله غَفُورًا رحِيما
أخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن عمر: أَن زيد بن حَارِثَة مولى رَسُول الله(6/562)
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا كُنَّا نَدْعُوهُ إِلَّا زيد بن مُحَمَّد
حَتَّى نزل الْقُرْآن {ادعوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أقسط عِنْد الله} فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَنْت زيد بن حَارِثَة بن شرَاحِيل
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن عَائِشَة أَن أَبَا حُذَيْفَة بن عتبَة بن ربيعَة بن عتبَة بن عبد شمس وَكَانَ مِمَّن شهد بَدْرًا تبنى سالما وأنكحه بنت أَخِيه هِنْد بنت الْوَلِيد بن عتبَة بن ربيعَة وَهُوَ مولى لَا مرأة من الْأَنْصَار كَمَا تبنى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم زيدا وَكَانَ من تبنى رجلا فِي الْجَاهِلِيَّة دَعَاهُ النَّاس إِلَيْهِ وَورثه من مِيرَاثه حَتَّى أنزل الله فِي ذَلِك {ادعوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أقسط عِنْد الله فَإِن لم تعلمُوا آبَاءَهُم فإخوانكم فِي الدّين ومواليكم} فَردُّوا إِلَى آبَائِهِم فَمن لم يعلم لَهُ أَب كَانَ مولى وأخاً فِي الدّين فَجَاءَت سهلة بنت سُهَيْل بن عَمْرو إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَت: إِن سالما كَانَ يدعى لأبي حُذَيْفَة رَضِي الله عَنهُ وَإِن الله قد أنزل فِي كِتَابه {ادعوهُمْ لِآبَائِهِمْ} وَكَانَ يدْخل عليَّ وَأَنا وحدي وَنحن فِي منزل ضيق فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ارضعي سالما تحرمي عَلَيْهِ)
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ من أَمر زيد بن حَارِثَة رَضِي الله عَنهُ أَنه كَانَ فِي أَخْوَاله بني معن من بني ثعل من طَيء فأصيب فِي غلمة من طَيء فَقدم بِهِ سوق عكاظ وَانْطَلق حَكِيم بن حزَام بن خويلد إِلَى عكاظ يتسوق بهَا فأوصته عمته خَدِيجَة رَضِي الله عَنْهَا أَي يبْتَاع لَهَا غُلَاما ظريفاً عَرَبيا ان قدر عَلَيْهِ فَلَمَّا جَاءَ وجد زيدا يُبَاع فِيهَا فأعجبه ظرفه فابتاعه فَقدم بِهِ عَلَيْهَا وَقَالَ لَهَا: إِنِّي قد ابتعت لَك غُلَاما ظريفاً عَرَبيا فَإِن أعْجبك فَخذيهِ وَإِلَّا فدعيه فَإِنَّهُ قد أعجبني فَلَمَّا رَأَتْهُ خَدِيجَة اعجبها فَأَخَذته فتزوّجها رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ عِنْدهَا فأعجب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ظرفه فاستوهبه مِنْهَا فَقَالَت: هُوَ لَك فَإِن أردْت عتقه فَالْولَاء لي فَأبى عَلَيْهَا فَوَهَبته لَهُ إِن شَاءَ أعتق وَإِن شَاءَ أمسك قَالَ: فشب عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
ثمَّ إِنَّه خرج فِي إبل طَالب إِلَى الشَّام فَمر بِأَرْض قومه
فَعرفهُ عَمه فَقَامَ إِلَيْهِ فَقَالَ: من أَنْت يَا غُلَام قَالَ: غُلَام من أهل مَكَّة
قَالَ: من أنفسهم قَالَ: لَا
فحر أَنْت أم مَمْلُوك قَالَ: بل مَمْلُوك قَالَ: لمن قَالَ: لمُحَمد بن عبد الله بن عبد الْمطلب فَقَالَ لَهُ: أعربي أَنْت أم عجمي قَالَ:(6/563)
بل عَرَبِيّ قَالَ: مِمَّن أهلك قَالَ: من كلب قَالَ: من أَي كلب قَالَ: من بني عبدود قَالَ: وَيحك
ابْن من أَنْت قَالَ: ابْن حَارِثَة بن شرَاحِيل قَالَ: وَأَيْنَ أصبت قَالَ: فِي أخوالي قَالَ: وَمن أخوالك قَالَ: طي قَالَ: مَا اسْم أمك قَالَ: سعدي
فَالْتَزمهُ وَقَالَ ابْن حَارِثَة: ودعا أَبَاهُ وَقَالَ: يَا حَارِثَة هَذَا ابْنك
فَأَتَاهُ حَارِثَة فَلَمَّا نظر إِلَيْهِ عرفه قَالَ: كَيفَ صنع مَوْلَاك إِلَيْك قَالَ: يؤثرني على أَهله وَولده وَرزقت مِنْهُ حبا فَلَا أصنع إِلَّا مَا شِئْت
فَركب مَعَه وَأَبوهُ وَعَمه وَأَخُوهُ حَتَّى قدمُوا مَكَّة فَلَقوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لَهُ حَارِثَة: يَا مُحَمَّد أَنْتُم أهل حرم الله وجيرانه وَعند بَيته
تفكون العاني وتطعمون الاسير
ابْني عَبدك فامتن علينا وَأحسن إِلَيْنَا فِي فدائه فَإنَّك ابْن سيد قومه فَإنَّا سنرفع لَك فِي الْفِدَاء مَا أَحْبَبْت
فَقَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أُعْطِيكُم خيرا من ذَلِك قَالُوا: وَمَا هُوَ قَالَ: أخيره فَإِن اختاركم فَخُذُوهُ بِغَيْر فدَاء وَإِن اختارني فكفوا عَنهُ قَالُوا: جَزَاك الله خيرا فقد أَحْسَنت فَدَعَاهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا زيد اتعرف هَؤُلَاءِ قَالَ: نعم
هَذَا أبي وَعمي وَأخي فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: فَأَنا من قد عَرفته فَإِن اخترتهم فَأذْهب مَعَهم وَإِن اخترتني فَأَنا من تعلم فَقَالَ زيد: مَا أَنا بمختار عَلَيْك أحدا أبدا أَنْت مني بمَكَان الْوَالِد وَالْعم قَالَ لَهُ أَبوهُ وَعَمه: يَا زيد تخْتَار الْعُبُودِيَّة على الربوبية قَالَ: مَا أَنا بمفارق هَذَا الرجل
فَلَمَّا رأى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حرصه عَلَيْهِ قَالَ: اشْهَدُوا أَنه حر وَإنَّهُ ابْني يَرِثنِي وَأَرِثهُ فطلبت نفس أَبِيه وَعَمه لما رَأَوْا من كرامته عَلَيْهِ فَلم يزل فِي الْجَاهِلِيَّة يدعى: زيد بن مُحَمَّد
حَتَّى نزل الْقُرْآن {ادعوهُمْ لِآبَائِهِمْ} فدعي زيد بن حَارِثَة
وَأخرج ابْن عَسَاكِر من طَرِيق زيد ابْن شيبَة عَن الْحسن بن عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ قَالَ: حَدثنِي عدَّة من الْفُقَهَاء وَأهل الْعلم قَالُوا: كَانَ عَامر بن ربيعَة يُقَال لَهُ: عَامر بن الْخطاب وَإِلَيْهِ كَانَ ينْسب فَأنْزل الله فِيهِ وَفِي زيد بن حَارِثَة وَسَالم مولى أبي حُذَيْفَة والمقداد بن عَمْرو {ادعوهُمْ لِآبَائِهِمْ}
وَأخرج ابْن جرير عَن أبي بكرَة رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ: قَالَ الله {ادعوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أقسط عِنْد الله فَإِن لم تعلمُوا آبَاءَهُم فإخوانكم فِي الدّين ومواليكم} فَإنَّا(6/564)
مِمَّن لَا يعلم أَبوهُ وَأَنا من اخوانكم فِي الدّين
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة {ادعوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أقسط عِنْد الله} أعدل عِنْد الله {فَإِن لم تعلمُوا آبَاءَهُم فإخوانكم فِي الدّين ومواليكم} فَإِذا لم تعلم من أَبوهُ فَإِنَّمَا هُوَ أَخُوك فِي الدّين ومولاك
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله {فَإِن لم تعلمُوا آبَاءَهُم فإخوانكم فِي الدّين ومواليكم} قَالَ: إِن لم تعرف أَبَاهُ فأخوك فِي الدّين ومولاك مولى فلَان
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مقَاتل فِي الْآيَة يَقُول: إِن لم تعلمُوا لَهُم آياء تدعوهم إِلَيْهِم فانسبوهم اخوانكم فِي الدّين إِذْ تَقول: عبد الله وَعبد الرَّحْمَن وَعبيد الله وأشباههم من الْأَسْمَاء وَأَن يدعى إِلَى اسْم مَوْلَاهُ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {فَإِن لم تعلمُوا آبَاءَهُم فإخوانكم فِي الدّين ومواليكم} يَقُول: أَخُوك فِي الدّين ومولاك مولى بني فلَان
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سَالم بن أبي الْجَعْد قَالَ: لما نزلت {ادعوهُمْ لِآبَائِهِمْ} لم يعرفوا لسالم أَبَا وَلَكِن مولى أبي حُذَيْفَة إِنَّمَا كَانَ حليفاً لَهُم
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَلَيْسَ عَلَيْكُم جنَاح فِيمَا أخطأتم بِهِ} قَالَ: هَذَا من قبل النَّهْي فِي هَذَا وَغَيره {وَلَكِن مَا تَعَمّدت قُلُوبكُمْ} بعد مَا أمرْتُم وَبعد النَّهْي
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَلَيْسَ عَلَيْكُم جنَاح فِيمَا أخطأتم بِهِ} قَالَ: لَو دَعَوْت رجلا لغير أَبِيه وَأَنت ترى أَنه أَبوهُ لم يكن عَلَيْك بَأْس وَلَكِن مَا أردْت بِهِ الْعمد
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة يرفعهُ إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ وَالله مَا أخْشَى عَلَيْك الْخَطَأ وَلَكِن أخْشَى عَلَيْك الْعمد
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنِّي لست أَخَاف عَلَيْكُم الْخَطَأ وَلَكِن أَخَاف عَلَيْكُم الْعمد(6/565)
النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا (6)
- قَوْله تَعَالَى: النَّبِي أولى بِالْمُؤْمِنِينَ من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وأولو الْأَرْحَام بَعضهم أولى بِبَعْض فِي كتاب الله من الْمُؤمنِينَ والمهاجرين إِلَّا أَن تَفعلُوا إِلَى أوليائكم مَعْرُوفا كَانَ ذَلِك فِي الْكتاب مسطوراً
أخرج البُخَارِيّ وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: مَا من مُؤمن إِلَّا وَأَنا أولى النَّاس بِهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة اقرأوا إِن شِئْتُم {النَّبِي أولى بِالْمُؤْمِنِينَ من أنفسهم} فأيما مُؤمن ترك مَالا فليرثه عصبته من كَانُوا فَإِن ترك دينا أَو ضيَاعًا فَليَأْتِنِي فَأَنا مَوْلَاهُ
وَأخرج الطَّيَالِسِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ الْمُؤمن إِذا توفّي فِي عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأتي بِهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَأَلَ هَل عَلَيْهِ دين فَإِن قَالُوا: نعم
قَالَ: هَل ترك وَفَاء لدينِهِ فَإِن قَالُوا: نعم
صلى عَلَيْهِ وَإِن قَالُوا: لَا
قَالَ: صلوا على صَاحبكُم فَلَمَّا فتح الله علينا الْفتُوح قَالَ: أَنا أولى بِالْمُؤْمِنِينَ من أنفسهم فَمن ترك دينا فإليّ وَمن ترك مَالا فللوارث
وَأخرج أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَابْن مرْدَوَيْه عَن جَابر رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم انه كَانَ يَقُول: أَنا أولى بِكُل مُؤمن من نَفسه
فأيما رجل مَاتَ وَترك دينا فإليّ وَمن ترك مَالا فَهُوَ لوَرثَته
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَالنَّسَائِيّ عَن بُرَيْدَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: غزوت مَعَ عَليّ الْيمن فَرَأَيْت مِنْهُ جفوة فَلَمَّا قدمت على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذكرت عليا فتنقصته فَرَأَيْت وَجه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تغير وَقَالَ: يَا بُرَيْدَة أَلَسْت أولى بِالْمُؤْمِنِينَ من أنفسهم قلت: بلَى يَا رَسُول الله
قَالَ: من كنت ملاه فعلي مَوْلَاهُ
أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وأزواجه أمهاتهم} قَالَ: يعظم بذلك حقهن
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وأزواجه أمهاتهم} يَقُول: أمهاتهم فِي الْحُرْمَة لَا يحل لمُؤْمِن أَن ينْكح امْرَأَة من نسَاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حَيَاته ان طلق وَلَا بعد مَوته
هِيَ حرَام على كل مُؤمن مثل حُرْمَة أمه(6/566)
وَأخرج ابْن سعد وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن عَائِشَة أَن امْرَأَة قَالَت لَهَا: يَا أُمِّي فَقَالَت: أَنا أم رجالكم وَلست أم نِسَائِكُم
وَأخرج ابْن سعد عَن أم سَلمَة قَالَت: أَنا أم الرِّجَال مِنْكُم وَالنِّسَاء
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَسَعِيد بن مَنْصُور واسحق بن رَاهَوَيْه وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ عَن بجالة قَالَ: مر عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ بِغُلَام وَهُوَ يقْرَأ فِي الْمُصحف (النَّبِي أولى بِالْمُؤْمِنِينَ من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وَهُوَ أَب لَهُم) فَقَالَ: يَا غُلَام حكها فَقَالَ: هَذَا مصحف أبي فَذهب إِلَيْهِ فَسَأَلَهُ فَقَالَ: إِنَّه كَانَ يلهيني الْقُرْآن ويلهيك الصفق بالأسواق
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَنه كَانَ يقْرَأ هَذِه الْآيَة (النَّبِي أولى بِالْمُؤْمِنِينَ من أنفسهم وَهُوَ أَب لَهُم وأزواجه أمهاتهم)
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ أَنه قَرَأَ (النَّبِي أولى بِالْمُؤْمِنِينَ من أنفسهم وَهُوَ أَب لَهُم)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ فِي الْحَرْف الأول (النَّبِي أولى بِالْمُؤْمِنِينَ من أنفسه وَهُوَ أَب لَهُم)
وَأخرج ابْن جرير عَن الْحسن قَالَ: فِي الْقِرَاءَة (النَّبِي أولى بِالْمُؤْمِنِينَ من أنفسهم وَهُوَ أَب لَهُم)
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {وأولو الْأَرْحَام بَعضهم أولى بِبَعْض فِي كتاب الله من الْمُؤمنِينَ والمهاجرين} قَالَ: لبث الْمُسلمُونَ زَمَانا يتوارثون بِالْهِجْرَةِ الاعرابي الْمُسلم لَا يَرث من المُهَاجر شَيْئا
فَأنْزل الله هَذِه الْآيَة فخلط الْمُؤمنِينَ بَعضهم بِبَعْض فَصَارَت الْمَوَارِيث بالملل
وَأخرج الْفرْيَابِيّ ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {إِلَّا أَن تَفعلُوا إِلَى أوليائكم مَعْرُوفا} قَالَ: توصون لحلفائكم الَّذين والى بَينهم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن مُحَمَّد بن عَليّ بن الْحَنَفِيَّة رَضِي(6/567)
الله عَنهُ فِي قَوْله {إِلَّا أَن تَفعلُوا إِلَى أوليائكم مَعْرُوفا} قَالَ: نزلت هَذِه الْآيَة فِي جَوَاز وَصِيَّة الْمُسلم لِلْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيّ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {إِلَّا أَن تَفعلُوا إِلَى أوليائكم} قَالَ: القرابه من أهل الشّرك {مَعْرُوفا} قَالَ: وَصِيَّة وَلَا مِيرَاث لَهُم {كَانَ ذَلِك فِي الْكتاب مسطوراً} قَالَ: وَفِي بعض الْقرَاءَات (كَانَ ذَلِك عِنْد الله مَكْتُوبًا) أَن لَا يَرث الْمُشرك الْمُؤمن
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن قَتَادَة وَالْحسن رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {إِلَّا أَن تَفعلُوا إِلَى أوليائكم مَعْرُوفا} قَالَا: إِلَّا أَن يكون لَك ذُو قرَابَة على دينك فتوصي لَهُ بالشَّيْء وَهُوَ وليك فِي النّسَب وَلَيْسَ وليك فِي الدّين(6/568)
وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا (7) لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا أَلِيمًا (8)
- قَوْله تَعَالَى: وَإِذ أَخذنَا من النَّبِيين ميثاقهم ومنك وَمن نوح وَإِبْرَاهِيم ومُوسَى وَعِيسَى بن مَرْيَم وأخذنا مِنْهُم ميثاقاً غليظاً ليسأل الصَّادِقين عَن صدقهم وَأعد للْكَافِرِينَ عذَابا أَلِيمًا
أخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَإِذ أَخذنَا من النَّبِيين ميثاقهم} قَالَ: فِي ظهر آدم {وأخذنا مِنْهُم ميثاقاً غليظاً} قَالَ: أغْلظ مِمَّا أَخذه من النَّاس {ليسأل الصَّادِقين عَن صدقهم} قَالَ: المبلغين من الرُّسُل المؤدين
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَإِذ أَخذنَا من النَّبِيين ميثاقهم} الْآيَة
قَالَ: أَخذ الله على النَّبِيين خُصُوصا أَن يصدق بَعضهم بَعْضًا وَأَن يتبع بَعضهم بَعْضًا
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم فِي الدَّلَائِل عَن أبي مَرْيَم الغساني رَضِي الله عَنهُ: أَن أَعْرَابِيًا قَالَ: يَا رَسُول الله مَا أول نبوّتك قَالَ: أَخذ الله مني الْمِيثَاق كَمَا أَخذ من النَّبِيين ميثاقهم ثمَّ تَلا {وَإِذ أَخذنَا من النَّبِيين ميثاقهم ومنك وَمن نوح وَإِبْرَاهِيم ومُوسَى وَعِيسَى ابْن مَرْيَم وأخذنا مِنْهُم ميثاقاً غليظاً} ودعوة أبي إِبْرَاهِيم قَالَ(6/568)
{وَابعث فيهم رَسُولا مِنْهُم} الْبَقَرَة الْآيَة 129 وَبشَارَة الْمَسِيح بن مَرْيَم وَرَأَتْ أم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي منامها: أَنه خرج من بَين رِجْلَيْهَا سراج أَضَاءَت لَهُ قُصُور الشَّام
وَأخرج الطَّيَالِسِيّ وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي الْعَالِيَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خلق الله الْخلق وَقضى الْقَضِيَّة وَأخذ مِيثَاق النَّبِيين وعرشه على المَاء فَأخذ أهل الْيَمين بِيَمِينِهِ وَأخذ أهل الشمَال بِيَدِهِ الْأُخْرَى وكلتا يَدي الرَّحْمَن يَمِين فَأَما أَصْحَاب الْيَمين فاستجابوا إِلَيْهِ فَقَالُوا: لبيْك رَبنَا وَسَعْديك قَالَ {أَلَسْت بربكم قَالُوا بلَى} الْأَعْرَاف الْآيَة 172 فخلط بَعضهم بِبَعْض فَقَالَ قَائِل مِنْهُم: يَا رب لم خلطت بَيْننَا فان {وَلَهُم أَعمال من دون ذَلِك هم لَهَا عاملون} قَالَ: أَن يَقُولُوا يَوْم الْقِيَامَة {إِنَّا كُنَّا عَن هَذَا غافلين} ثمَّ ردهم فِي صلب آدم عَلَيْهِ السَّلَام فَأهل الْجنَّة أَهلهَا وَأهل النَّار أَهلهَا فَقَالَ قَائِل: فَمَا الْعَمَل إِذا فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يعْمل كل قوم لمنزلتهم فَقَالَ: ابْن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ: إِذن نجتهد يَا رَسُول الله
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: قيل يَا رَسُول الله مَتى أَخذ مِيثَاقك قَالَ: وآدَم بَين الرّوح والجسد
وَأخرج ابْن سعد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رجل للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَتى استنبئت قَالَ: وآدَم بَين الرّوح والجسد حِين أَخذ مني الْمِيثَاق
وَأخرج الْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَأَبُو نعيم فِي الدَّلَائِل عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: قيل يَا رَسُول الله مَتى كنت نَبيا قَالَ: وآدَم بَين الرّوح والجسد
وَأخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ فِي تَارِيخه وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَأَبُو نعيم وَالْبَيْهَقِيّ مَعًا فِي الدَّلَائِل عَن ميسرَة الْفَخر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قلت يَا رَسُول الله مَتى كنت نَبيا قَالَ: وآدَم بَين الرّوح والجسد
وَأخرج الْحَاكِم وَأَبُو نعيم وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قيل للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَتى وَجَبت لَك النبوّة قَالَ: بَين خلق آدم وَنفخ الرّوح فِيهِ
وَأخرج أَبُو نعيم وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قيل للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَتى وَجَبت لَك النبوّة قَالَ: بَين خلق آدم وَنفخ الرّوح فِيهِ
وَأخرج أَبُو نعيم عَن الصنَابحِي قَالَ: قَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ: مَتى جعلت نَبيا قَالَ وآدَم منجدل فِي الطين
وَأخرج ابْن سعد عَن ابْن أبي الجدعاء رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قلت يَا رَسُول الله(6/569)
مَتى جعلت نَبيا قَالَ: وآدَم بَين الرّوح والجسد
وَأخرج ابْن سعد عَن مطرف بن عبد الله بن الشخير رَضِي الله عَنهُ أَن رجلا سَأَلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَتى كنت نَبيا قَالَ: وآدَم بَين الرّوح والطين
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا قَرَأَ {وَإِذ أَخذنَا من النَّبِيين ميثاقهم ومنك وَمن نوح} قَالَ: ذكر لنا أَن نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَقُول كنت أول الْأَنْبِيَاء فِي الْخلق وَآخرهمْ فِي الْبَعْث
وَأخرج ابْن أبي عَاصِم والضياء فِي المختارة عَن أبيّ بن كَعْب {وَإِذ أَخذنَا من النَّبِيين ميثاقهم ومنك وَمن نوح} قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَوَّلهمْ نوح ثمَّ الأول فَالْأول
وَأخرج الْحسن بن سُفْيَان وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم فِي الدَّلَائِل والديلمي وَابْن عَسَاكِر من طَرِيق قَتَادَة عَن الْحسن عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله الله {وَإِذ أَخذنَا من النَّبِيين ميثاقهم} قَالَ كنت أول النَّبِيين فِي الْخلق وَآخرهمْ فِي الْبَعْث فبدىء بِهِ قبلهم
وَأخرج الْبَزَّار عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: خِيَار ولد آدم خَمْسَة
نوح
وَإِبْرَاهِيم
ومُوسَى
وَعِيسَى
وَمُحَمّد وَخَيرهمْ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق الضَّحَّاك عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {ميثاقهم} عَهدهم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ بِسَنَد صَحِيح عَن ابْن عَبَّاس {وَإِذ أَخذنَا من النَّبِيين ميثاقهم} قَالَ: إِنَّمَا أَخذ الله مِيثَاق النَّبِيين على قَومهمْ
وَأخرج أَبُو نعيم والديلمي عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْسَ من عَالم إِلَّا وَقد أَخذ الله ميثاقه يَوْم أَخذ مِيثَاق النَّبِيين يدْفع عَنهُ مساوىء عمله لمحاسن عمله إِلَّا أَنه لَا يُوحى اليه(6/570)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا (9) إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (10) هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا (11) وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا (12)
- قَوْله تَعَالَى: يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا اذْكروا نعْمَة الله عَلَيْكُم إِذْ جاءتكم جنود فَأَرْسَلنَا عَلَيْهِم ريحًا وجنودا لم تَرَوْهَا وَكَانَ الله بِمَا تَعْمَلُونَ بَصيرًا إِذْ جاؤوكم من فَوْقكُم وَمن أَسْفَل مِنْكُم وَإِذ زاغت الْأَبْصَار وَبَلغت الْقُلُوب الْحَنَاجِر وتظنون بِاللَّه الظنونا هُنَالك ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وزلزلوا زلزالاً شَدِيدا وَإِذ يَقُول المُنَافِقُونَ وَالَّذين فِي قُلُوبهم مرض مَا وعدنا الله وَرَسُوله إِلَّا غرُورًا
أخرج الْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَابْن عَسَاكِر وَأَبُو نعيم وَالْبَيْهَقِيّ كِلَاهُمَا فِي الدَّلَائِل من طرق عَن حُذَيْفَة قَالَ لقد رَأَيْتنَا لَيْلَة الْأَحْزَاب وَنحن صافون قعُود وَأَبُو سُفْيَان وَمن مَعَه من الْأَحْزَاب فَوْقنَا وَقُرَيْظَة الْيَهُود أَسْفَل نخافهم على ذرارينا وَمَا أَتَت علينا لَيْلَة قطّ أَشد ظلمَة وَلَا أَشد ريحًا مِنْهَا أصوات رِيحهَا أَمْثَال الصَّوَاعِق وَهِي ظلمَة مَا يرى أحد منا اصبعه فَجعل المُنَافِقُونَ يستأذنون النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَيَقُولُونَ {إِن بُيُوتنَا عَورَة وَمَا هِيَ بِعَوْرَة} فَمَا يَسْتَأْذِنهُ أحد مِنْهُم إِلَّا أذن لَهُ يَتَسَلَّلُونَ وَنحن ثلثمِائة أَو نَحْو ذَلِك اذ استقبلنا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رجلا رجلا حَتَّى مر عَليّ وَمَا عَليّ جنَّة من الْعَدو وَلَا من الْبرد إِلَّا مرط لامرأتي مَا يُجَاوز ركبتي فَأَتَانِي وَأَنا جاث على ركبتي فَقَالَ: من هَذَا قلت: حُذَيْفَة فتقاصرت إِلَى الأَرْض فَقلت: بلَى يَا رَسُول الله كَرَاهِيَة أَن أقوم فَقَالَ: قُم
فَقُمْت فَقَالَ: إِنَّه كَانَ فِي الْقَوْم خبر فأتني بِخَبَر الْقَوْم قَالَ: وَأَنا من أَشد النَّاس فَزعًا وأشدهم قراً فَخرجت فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: اللَّهُمَّ احفظه من بَين يَدَيْهِ وَمن خَلفه وَعَن يَمِينه وَعَن شِمَاله وَمن فَوْقه وَمن تَحْتَهُ قَالَ: فو الله مَا خلق الله فَزعًا وَلَا قراً فِي جَوف إِلَّا خرج من جوفي فَمَا أجد مِنْهُ شَيْئا فَلَمَّا وليت قَالَ: يَا حُذَيْفَة لَا تحدث فِي الْقَوْم شَيْئا حَتَّى تَأتِينِي فَخرجت حَتَّى إِذا دَنَوْت من عَسْكَر الْقَوْم نظرت فِي ضوء نَار لَهُم توقد واذا بِرَجُل أدهم ضخم يَقُول بِيَدِهِ على النَّار وَيمْسَح خاصرته وَيَقُول: الرحيل
الرحيل
ثمَّ دخل الْعَسْكَر فَإِذا فِي النَّاس رجال من بني عَامر يَقُولُونَ: الرحيل
الرحيل يَا آل عَامر لَا مقَام لكم وَإِذا الرحيل فِي عَسْكَرهمْ مَا يُجَاوز(6/571)
عَسْكَرهمْ شبْرًا فوَاللَّه أَنِّي لأسْمع صَوت الْحِجَارَة فِي رحالهم وَمن بَينهم الرّيح يَضْرِبهُمْ بهَا ثمَّ خرجت نَحْو النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا انتصفت فِي الطَّرِيق أَو نَحْو ذَلِك إِذا أَنا بِنَحْوِ من عشْرين فَارِسًا متعممين فَقَالُوا: اخبر صَاحبك أَن الله كَفاهُ الْقَوْم فَرَجَعت إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ يشْتَمل فِي شملة يُصَلِّي وَكَانَ إِذا حز بِهِ أَمر صلى فَأَخْبَرته خبر الْقَوْم أَنِّي تَركتهم يرتحلون
فَأنْزل الله {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا اذْكروا نعْمَة الله عَلَيْكُم إِذْ جاءتكم جنود}
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن عَسَاكِر عَن إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ عَن أَبِيه قَالَ: قَالَ رجل: لَو أدْركْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لحملته ولفعلت
فَقَالَ حُذَيْفَة: لقد رَأَيْتنِي لَيْلَة الْأَحْزَاب وَنحن مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي من اللَّيْل فِي لَيْلَة بَارِدَة مَا قبله وَلَا بعده برد كَانَ أَشد مِنْهُ فحانت مني التفاتة فَقَالَ أَلا رجل يذهب إِلَى هَؤُلَاءِ فَيَأْتِينَا بخبرهم - جعله الله معي يَوْم الْقِيَامَة - قَالَ: فَمَا قَامَ مِنْهُ انسان قَالَ: فَسَكَتُوا ثمَّ عَاد
فَسَكَتُوا ثمَّ قَالَ: يَا أَبَا بكر ثمَّ قَالَ: اسْتغْفر الله رَسُوله ثمَّ قَالَ: إِن شِئْت ذهبت فَقَالَ: يَا عمر فَقَالَ: اسْتغْفر الله رَسُوله ثمَّ قَالَ: يَا حُذَيْفَة فَقلت: لبيْك
فَقُمْت حَتَّى أتيت وَإِن جَنْبي ليضربان من الْبرد فَمسح رَأْسِي ووجهي ثمَّ قَالَ: ائْتِ هَؤُلَاءِ الْقَوْم حَتَّى تَأْتِينَا بخبرهم وَلَا تحدث حَدثا حَتَّى ترجع ثمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ احفظه من بَين يَدَيْهِ وَمن خَلفه وَعَن يَمِينه وَعَن شِمَاله وَمن فَوْقه وَمن تَحْتَهُ حَتَّى يرجع
قَالَ فلَان: يكون أرسلها كَانَ أحب إليَّ من الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا
قَالَ: فَانْطَلَقت فَأخذت أَمْشِي نحوهم كَأَنِّي أَمْشِي فِي حمام قَالَ: فوجدتهم قد أرسل الله عَلَيْهِم ريحًا فَقطعت أطنابهم وَذَهَبت بخيولهم وَلم تدع شَيْئا إِلَّا أهلكته قَالَ: وَأَبُو سُفْيَان قَاعد يصطلي عِنْد نَار لَهُ قَالَ فَنَظَرت إِلَيْهِ فَأخذت سَهْما فَوَضَعته فِي كبد قوسي قَالَ: - وَكَانَ حُذَيْفَة رامياً - فَذكرت قَول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تحدثن حَدثا حَتَّى ترجع قَالَ: فَرددت سهمي فِي كِنَانَتِي قَالَ: فَقَالَ رجل من القو: الا فِيكُم عين للْقَوْم فَأخذ كل بيد جليسه فَأخذت بِيَدِهِ جليسي فَقلت: من أَنْت قَالَ: سُبْحَانَ الله أما تعرفنِي أَنا فلَان بن فلَان فَإِذا رجل من هوَازن فَرَجَعت إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَخْبَرته الْخَبَر فَلَمَّا أخْبرته فَضَحِك حَتَّى بَدَت أنيابه فِي سَواد اللَّيْل وَذهب عني(6/572)
الدفء فأدناني رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأنامني عِنْد رجلَيْهِ وَألقى عَليّ طرف ثَوْبه فَإِن كنت لألزق بَطْني وصدري بِبَطن قَدَمَيْهِ فَلَمَّا أَصْبحُوا هزم الله الْأَحْزَاب وَهُوَ قَول {فَأَرْسَلنَا عَلَيْهِم ريحًا وجنوداً لم تَرَوْهَا}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا اذْكروا نعْمَة الله عَلَيْكُم إِذْ جاءتكم جنود} قَالَ: كَانَ يَوْم أبي سُفْيَان يَوْم الْأَحْزَاب
وَأخرج أَحْمد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قُلْنَا يَوْم الخَنْدَق: يَا رَسُول الله هَل من شَيْء نقُول: فقد بلغت الْقُلُوب الْحَنَاجِر قَالَ: نعم
قُولُوا: اللَّهُمَّ اسْتُرْ عوراتنا وآمن روعاتنا قَالَ: فَضرب الله وُجُوه أعدائه بِالرِّيحِ فَهَزَمَهُمْ الله بِالرِّيحِ
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة وَالْبَيْهَقِيّ عَن مُجَاهِد {إِذْ جاءتكم جنود} قَالَ: الْأَحْزَاب
عُيَيْنَة بن بدر وَأَبُو سُفْيَان وَقُرَيْظَة {فَأَرْسَلنَا عَلَيْهِم ريحًا} قَالَ: يَعْنِي ريح الصِّبَا أرْسلت على الْأَحْزَاب يَوْم الخَنْدَق حَتَّى كفأت قدورهم على أفواهها ونزعت فساطيطهم حَتَّى اظعنتهم {وجنوداً لم تَرَوْهَا} يَعْنِي الْمَلَائِكَة قَالَ: وَلم تقَاتل الْمَلَائِكَة يَوْمئِذٍ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم فِي الكنى وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة وَأَبُو نعيم فِي الدَّلَائِل عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: لما كَانَت لَيْلَة الْأَحْزَاب جَاءَت الشمَال إِلَى الْجنُوب قَالَت: انطلقي فانصري الله وَرَسُوله فَقَالَت الْجنُوب: إِن الْحرَّة لَا تسري بِاللَّيْلِ فَغَضب الله عَلَيْهَا وَجعلهَا عقيماً فَأرْسل الله عَلَيْهِم الصِّبَا فأطفأت نيرانهم وَقطعت أطنابهم فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نصرت بالصبا وأهلكت عَاد بالدبور فَذَلِك قَوْله {فَأَرْسَلنَا عَلَيْهِم ريحًا وجنوداً لم تَرَوْهَا}
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَالنَّسَائِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا لم يُقَاتل من أول النَّهَار أخر الْقِتَال حَتَّى تَزُول الشَّمْس وتهب الرِّيَاح
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن(6/573)
مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن عَائِشَة فِي قَوْله {إِذْ جاؤوكم من فَوْقكُم وَمن أَسْفَل مِنْكُم} قَالَت: كَانَ ذَلِك يَوْم الخَنْدَق
وَأخرج ابْن سعد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل منطريق كثير بن عبد الله بن عَمْرو بن عَوْف الْمُزنِيّ عَن أَبِيه عَن جده قَالَ: خطّ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الخَنْدَق عَام الْأَحْزَاب فَخرجت لنا من الخَنْدَق صَخْرَة بَيْضَاء مدوّرة فَكسرت حَدِيدَنَا وَشقت علينا فشكونا إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأخذ الْمعول من سلمَان فَضرب الصخر ضَرْبَة صَدعهَا وَبَرقَتْ مِنْهَا برقة أَضَاءَت مَا بَين لَا بتي الْمَدِينَة حَتَّى لكأن مصباحاً فِي جَوف ليل مظلم فَكبر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكبر الْمُسلمُونَ ثمَّ ضربهَا الثَّانِيَة فَصَدَعَهَا وبرق مِنْهَا برقة أَضَاء مَا بَين لَا بتيها فَكبر وَكبر الْمُسلمُونَ ثمَّ ضربهَا الثَّالِثَة فَصَدَعَهَا وبرق مِنْهَا برقة أَضَاء مَا بَين لَا بتيها وَكبر وَكبر الْمُسلمُونَ فَسَأَلْنَاهُ فَقَالَ: أَضَاء لي فِي الأولى قُصُور الْحيرَة وَمَدَائِن كسْرَى كَأَنَّهَا أَنْيَاب الْكلاب فَأَخْبرنِي جِبْرِيل أَن أمتِي ظَاهِرَة عَلَيْهَا وأضاء لي فِي الثَّانِيَة قُصُور الْحمر من أَرض الرّوم كَأَنَّهَا أَنْيَاب الْكلاب وَأَخْبرنِي جِبْرِيل أَن أمتِي ظَاهِرَة عَلَيْهَا وأضاء لي فِي الثَّالِثَة قُصُور صنعاء كَأَنَّهَا أَنْيَاب الْكلاب وَأَخْبرنِي جِبْرِيل أَن أمتِي ظَاهِرَة عَلَيْهَا فابشروا بالنصر
فَاسْتَبْشَرَ الْمُسلمُونَ وَقَالُوا: الْحَمد لله موعد صَادِق بِأَن وعدنا النَّصْر بعد الْحصْر فطلعت الْأَحْزَاب فَقَالَ الْمُسلمُونَ {هَذَا مَا وعدنا الله وَرَسُوله وَصدق الله وَرَسُوله وَمَا زادهم إِلَّا إِيمَانًا وتسليماً} وَقَالَ المُنَافِقُونَ: الا تعْجبُونَ يُحَدثكُمْ وَيَعدكُمْ وَيُمَنِّيكُمْ الْبَاطِل يخبر أَنه يبصر من يثرب قُصُور الْحيرَة وَمَدَائِن كسْرَى وَإِنَّهَا تفتح لكم وَإِنَّكُمْ تَحْفِرُونَ الخَنْدَق وَلَا تَسْتَطِيعُونَ أَن تبْرزُوا وَأنزل الْقُرْآن مردويهن {وَإِذ يَقُول المُنَافِقُونَ وَالَّذين فِي قُلُوبهم مرض مَا وعدنا الله وَرَسُوله إِلَّا غرُورًا}
وَأخرج ابْن إِسْحَق وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: أنزل الله فِي شَأْن الخَنْدَق وَذكر نعمه عَلَيْهِم وكفايته إيَّاهُم عدوهم بعد سوء الظَّن ومقالة من تكلم من أهل النِّفَاق {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا اذْكروا نعْمَة الله عَلَيْكُم إِذْ جاءتكم جنود فَأَرْسَلنَا عَلَيْهِم ريحًا وجنوداً لم تَرَوْهَا} وَكَانَت الْجنُود الَّتِي أَتَت الْمُسلمين
أَسد
وغَطَفَان
وسليما
وَكَانَت الْجنُود الَّتِي بعث الله عَلَيْهِم من الرّيح الْمَلَائِكَة فَقَالَ {إِذْ جاؤوكم من فَوْقكُم وَمن أَسْفَل مِنْكُم}(6/574)
فَكَانَ الَّذين جاؤهم من فَوْقهم بني قُرَيْظَة وَالَّذين جاؤهم من أَسْفَل مِنْهُم قُريْشًا وأسداً وغَطَفَان فَقَالَ: {هُنَالك ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وزلزلوا زلزالاً شَدِيدا وَإِذ يَقُول المُنَافِقُونَ وَالَّذين فِي قُلُوبهم مرض مَا وعدنا الله وَرَسُوله إِلَّا غرُورًا} يَقُول: معتب بن قُشَيْر وَمن كَانَ مَعَه على رَأْيه {وَإِذ قَالَت طَائِفَة مِنْهُم يَا أهل يثرب لَا مقَام لكم فَارْجِعُوا ويستأذن فريق مِنْهُم النَّبِي} يَقُول أَوْس بن قيظي وَمن كَانَ مَعَه على مثل رَأْيه {وَلَو دخلت عَلَيْهِم من أقطارها} إِلَى {وَإِذا لَا تمتعون إِلَّا قَلِيلا} ثمَّ ذكر يَقِين أهل الايمان حِين أَتَاهُم الْأَحْزَاب فحصروهم وظاهرهم بَنو قُرَيْظَة فَاشْتَدَّ عَلَيْهِم الْبلَاء فَقَالَ: {وَلما رأى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَاب} إِلَى {إِن الله كَانَ غَفُورًا رحِيما} قَالَ: وَذكر الله هزيمَة الْمُشْركين وكفايته الْمُؤمنِينَ فَقَالَ: {ورد الله الَّذين كفرُوا بغيظهم}
وَأخرج ابْن إِسْحَق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن عُرْوَة بن الزبير وَمُحَمّد بن كَعْب الْقرظِيّ قَالَا: قَالَ معتب بن قُشَيْر: كَانَ مُحَمَّدًا يرى أَن يَأْكُل من كنز كسْرَى وَقَيْصَر وأحدنا لَا يَأْمَن ان يذهب إِلَى الغائطن وَقَالَ أَوْس بن قيظي فِي مَلأ من قومه من بني حَارِثَة {إِن بُيُوتنَا عَورَة} وَهِي خَارِجَة من الْمَدِينَة: إئذن لنا فنرجع إِلَى نسائنا وأبنائنا وذرارينا فَأنْزل الله على رَسُوله حِين فرغ مِنْهُم مَا كَانُوا فِيهِ من الْبلَاء يذكر نعْمَته عَلَيْهِم وكفايته إيَّاهُم بعد سوء الظَّن مِنْهُم ومقالة من قَالَ من أهل النِّفَاق {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا اذْكروا نعْمَة الله عَلَيْكُم إِذْ جاءتكم جنود فَأَرْسَلنَا عَلَيْهِم ريحًا وجنوداً لم تَرَوْهَا} فَكَانَت الْجنُود قُريْشًا وغَطَفَان وَبني قُرَيْظَة وَكَانَت الْجنُود الَّتِي أرسل عَلَيْهِم مَعَ الرّيح الْمَلَائِكَة {إِذْ جاؤوكم من فَوْقكُم} بَنو قُرَيْظَة {وَمن أَسْفَل مِنْكُم} قُرَيْش
وغَطَفَان
إِلَى قَوْله {مَا وعدنا الله وَرَسُوله إِلَّا غرُورًا} يَقُول: معتب بن قُشَيْر وَأَصْحَابه {وَإِذ قَالَت طَائِفَة مِنْهُم يَا أهل يثرب} يَقُول: أَوْس بن قيظي وَمن كَانَ مَعَه على ذَلِك من قومه
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الْبَراء بن عَازِب قَالَ: لما كَانَ حَيْثُ أمرنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن نحفر الخَنْدَق عرض لنا فِي بعض الْجَبَل عَظِيمَة شَدِيدَة لَا تدخل فِيهَا المعاول فاشتكينا ذَلِك إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فجَاء رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا رَآهَا أَخذ الْمعول وَألقى ثَوْبه وَقَالَ: بِسم الله ثمَّ ضرب ضَرْبَة فَكسر ثلثهَا وَقَالَ:(6/575)
الله أكبر
أَعْطَيْت مَفَاتِيح الشَّام وَالله إِنِّي لَأبْصر قُصُورهَا الْحمر السَّاعَة ثمَّ ضرب الثَّانِيَة فَقطع ثلثا آخر فَقَالَ: الله أكبر
أَعْطَيْت مَفَاتِيح فَارس وَالله إِنِّي لَأبْصر قُصُور الْمَدَائِن الْبيض ثمَّ ضرب الثَّالِثَة فَقَالَ: بِسم الله
فَقطع بَقِيَّة الْحجر وَقَالَ: الله أكبر
أَعْطَيْت مَفَاتِيح الْيمن وَالله إِنِّي لَأبْصر أَبْوَاب صنعاء
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَإِذ أَخذنَا ميثاقكم ورفعنا فَوْقكُم} قَالَ عُيَيْنَة بن حصن {وَمن أَسْفَل مِنْكُم} قَالَ: سُفْيَان بن حَرْب
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عَائِشَة فِي قَوْله {إِذْ جاؤوكم من فَوْقكُم وَمن أَسْفَل مِنْكُم} قَالَ: كَانَ ذَلِك يَوْم الخَنْدَق
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {إِذْ جاؤوكم من فَوْقكُم وَمن أَسْفَل مِنْكُم} قَالَ: نزلت هَذِه الْآيَة يَوْم الْأَحْزَاب وَقد حصر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شهرا فَخَنْدَق رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَقْبل أَبُو سُفْيَان بِقُرَيْش وَمن مَعَه من النَّاس حَتَّى نزلُوا [] بعفوة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَقْبل عُيَيْنَة بن حصن أَخُو بني بدر بغطفان وَمن تبعه حَتَّى نزلُوا بعفوة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وكاتبت الْيَهُود أَبَا سُفْيَان فظاهروه فَبعث الله عَلَيْهِم الرعب وَالرِّيح
فَذكر أَنهم كَانُوا كلما بنوا بِنَاء قطع الله أطنابه وَكلما ربطوا دَابَّة قطع الله رباطها وَكلما أوقدوا نَارا أطفأها الله حَتَّى لقد ذكر لنا أَن سيد كل حَيّ يَقُول: يَا بني فلَان هَلُمَّ إِلَيّ
حَتَّى إِذا اجْتَمعُوا عِنْده قَالَ: النجَاة
النجَاة
أتيتم لما بعث الله عَلَيْهِم الرعب
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {إِذْ جاؤوكم من فَوْقكُم} قَالَ: عُيَيْنَة بن حصن فِي أهل نجد {وَمن أَسْفَل مِنْكُم} قَالَ: أَبُو سُفْيَان بن حَرْب فِي أهل تهَامَة ومواجهتهم قُرَيْظَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَإِذ زاغت الْأَبْصَار} قَالَ: شخصت الْأَبْصَار
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَبَلغت الْقُلُوب الْحَنَاجِر} قَالَ: شخصت من مَكَانهَا فلولا أَنه ضَاقَ الْحُلْقُوم عَنْهَا أَن تخرج لَخَرَجت
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله {وَبَلغت الْقُلُوب الْحَنَاجِر}(6/576)
قَالَ: فزعها وَلَفظ ابْن أبي شيبَة قَالَ: إِن الْقُلُوب لَو تحركت أَو زَالَت خرجت نَفسه وَلَكِن إِنَّمَا هُوَ الْفَزع
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن فِي قَوْله {وتظنون بِاللَّه الظنونا} قَالَ: ظنون مُخْتَلفَة ظن المُنَافِقُونَ أَن مُحَمَّدًا وَأَصْحَابه يستأصلون وأيقن الْمُؤْمِنُونَ أَن مَا وعدهم الله وَرَسُوله حق أَنه سَيظْهر على الدّين كُله
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وتظنون بِاللَّه الظنونا} قَالَ: هم النافقون يظنون بِاللَّه ظنوناً مُخْتَلفَة
وَفِي قَوْله {هُنَالك ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ} قَالَ: محصوا
وَفِي قَوْله {وَإِذ يَقُول المُنَافِقُونَ} تكلمُوا بِمَا فِي أنفسهم من النِّفَاق وَتكلم الْمُؤْمِنُونَ بِالْحَقِّ والإِيمان {قَالُوا هَذَا مَا وعدنا الله وَرَسُوله}
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: لما حفر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه الخَنْدَق وَأصَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْمُسْلِمين جهد شَدِيد فَمَكَثُوا ثَلَاثًا لَا يَجدونَ طَعَاما حَتَّى ربط النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على بَطْنه حجرا من الْجُوع
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة قَالَ: قَالَ المُنَافِقُونَ يَوْم الْأَحْزَاب حِين رَأَوْا الْأَحْزَاب قد اكتنفوهم من كل جَانب فَكَانُوا فِي شكّ وريبة من أَمر الله قَالُوا: إِن مُحَمَّدًا كَانَ يعدنا فتح فَارس وَالروم وَقد حصرنا هَهُنَا حَتَّى مَا يَسْتَطِيع يبرز أَحَدنَا لِحَاجَتِهِ
فَأنْزل الله {وَإِذ يَقُول المُنَافِقُونَ وَالَّذين فِي قُلُوبهم مرض مَا وعدنا الله وَرَسُوله إِلَّا غرُورًا}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ قَالَ: حفر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الخَنْدَق وَاجْتمعت قُرَيْش وكنانة وغَطَفَان فاستأجرهم أَبُو سُفْيَان بلطيمة قُرَيْش فاقبلوا حَتَّى نزلُوا بفنائه فَنزلت قُرَيْش أَسْفَل الْوَادي وَنزلت غطفان عَن يَمِين ذَلِك وطليحة الْأَسدي فِي بني أَسد يسَار ذَلِك وظاهرهم بَنو قُرَيْظَة من الْيَهُود على قتال النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا نزلُوا بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تحصن بِالْمَدِينَةِ وحفر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الخَنْدَق فَبَيْنَمَا هُوَ يضْرب فِيهِ بمعوله إِذْ وَقع الْمعول فِي صفا فطارت مِنْهُ كَهَيئَةِ الشهَاب من النَّار فِي السَّمَاء وَضرب الثَّانِي فَخرج مثل ذَلِك فَرَأى ذَلِك سلمَان رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ: يَا رَسُول الله قد رَأَيْت خرج من كل ضَرْبَة كَهَيئَةِ الشهَاب فسطع إِلَى السَّمَاء(6/577)
فَقَالَ لقد رَأَيْت ذَلِك فَقَالَ نعم يَا رَسُول الله قَالَ تفتح لكم أَبْوَاب الْمَدَائِن وقصور الرّوم وَمَدَائِن الْيمن فَفَشَا ذَلِك فِي أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فتحدثوا بِهِ فَقَالَ رجل من الْأَنْصَار يدعى قُشَيْر بن معتب يعدنا مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن يفتح لنا مَدَائِن الْيمن وبيض الْمَدَائِن وقصور الرّوم وأحدنا لَا يَسْتَطِيع أَن يقْضِي حَاجته إِلَّا قتل هَذَا وَالله الْغرُور فَأنْزل الله تَعَالَى فِي هَذَا {وَإِذ يَقُول المُنَافِقُونَ وَالَّذين فِي قُلُوبهم مرض مَا وعدنا الله وَرَسُوله إِلَّا غرُورًا}(6/578)
وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا (13)
قَوْله تَعَالَى {وَإِذ قَالَت طَائِفَة مِنْهُم يَا أهل يثرب لَا مقَام لكم فَارْجِعُوا ويستأذن فريق مِنْهُم النَّبِي يَقُولُونَ إِن بُيُوتنَا عَورَة وَمَا هِيَ بِعَوْرَة إِن يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا} أخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَإِذ قَالَت طَائِفَة مِنْهُم} مقَال من الْمُنَافِقين وَأخرج ابْن أبي حَاتِم من طريبق ابْن الْمُبَارك عَن هَارُون بن مُوسَى قَالَ أمرت رجلا فَسَأَلَ الْحسن رَضِي الله عَنهُ لَا مُقام لكم أَو لَا مقَام لكم قَالَ كلتهما عَرَبِيَّة قَالَ بن الْمُبَارك رَضِي الله عَنهُ الْمقَام الْمنزل حَيْثُ هُوَ قَائِم وَالْمقَام الاقامة وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {لَا مقَام لكم} قَالَ لَا مقَاتل لكم هَهُنَا فَفرُّوا ودعوا هَذَا الرجل وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله لَا مقَام لكم فَارْجِعُوا فروا ودعوا مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأخرج مَالك وَأحمد وَعبد الرَّزَّاق وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى عَلَيْهِ وَسلم أمرت بقرية تَأْكُل الْقرى يَقُولُونَ يثرب وَهِي الْمَدِينَة تَنْفِي النَّاس كَمَا يَنْفِي الْكِير خبث الْحَدِيد وَأخرج أَحْمد وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن الْبَراء بن عَازِب رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من سمى الْمَدِينَة يثرب فليستغفر الله هِيَ طابة هِيَ طابة هِيَ طابة(6/578)
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَا تدعونها يثرب فَإِنَّهَا طيبَة يَعْنِي الْمَدِينَة وَمن قَالَ يثرب فليستغفر الله ثَلَاث مَرَّات هِيَ طيبَة هِيَ طيبَة هِيَ طيبَة وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله وَإِذ قَالَت طَائِفَة مِنْهُم يَا أهل يثرب لَا مقَام لكم فَارْجِعُوا قَالَ إِلَى الْمَدِينَة عَن قتال أبي سُفْيَان ويستأذن فريق مِنْهُم النَّبِي قَالَ جَاءَهُ رجلَانِ من الْأَنْصَار وَمن بَين حَارِثَة أَحدهمَا يدعى أَبَا عرابة بن أَوْس وَالْآخر يدعى أَوْس بن قيظي فَقَالَ يَا رَسُول الله إِن بُيُوتنَا عَورَة يعنون أَنَّهَا ذليلة الْحِيطَان وَهِي فِي أقْصَى الْمَدِينَة وَنحن نَخَاف السرق فائذن لنا فَقَالَ الله مَا هِيَ بِعَوْرَة إِن يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا وَأخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه والبهقي فِي الدَّلَائِل عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {ويستأذن فريق مِنْهُم النَّبِي} قَالَ هم بَنو حَارِثَة قَالُوا بيتنا مخلية نخشى عَلَيْهَا السرق وأخرجد ابْن مرْدَوَيْه عَن جَابر بن عبد الله رَضِي الله عَنهُ قَالَ إِن الَّذين قَالُوا بيتنا عَورَة يَوْم الخنذق بَنو حَارِثَة بن الْحَارِث وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله فِي قَوْله {إِن بُيُوتنَا عَورَة} نَخَاف عَلَيْهَا السرق(6/579)
وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيرًا (14) وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْئُولًا (15) قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لَا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا (16) قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (17) قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا (18)
قَوْله تَعَالَى
- وَلَو دخلت عَلَيْهِم من أقطارها ثمَّ سئلوا الْفِتْنَة لآتوها وَمَا تلبثوا بهَا إِلَّا يَسِيرا وَلَقَد كَانُوا عَاهَدُوا الله من قبل لَا يولون الأدبار وَكَانَ عهد الله مسؤلا قل لن ينفعكم الْفِرَار إِن فررتم من الْمَوْت أَو الْقَتْل وَإِذا لَا تمتعون إِلَّا قَلِيلا قل من ذاالذي يعصمكم مِمَّن الله إِن أَرَادَ بكم سوء أَو أَرَادَ بكم رَحْمَة وَلَا يَجدونَ لَهُم من دون الله وليا وَلَا نَصِيرًا قد يعلم الله الموقين مِنْكُم والقائلين لإخوانهم هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلَا يأْتونَ الْبَأْس إِلَّا قَلِيلا(6/579)
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: جَاءَ تَأْوِيل هَذِه الْآيَة على رَأس سِتِّينَ سنة {وَلَو دخلت عَلَيْهِم من أقطارها ثمَّ سئلوا الْفِتْنَة لآتوها} قَالَ: لأعطوها يَعْنِي إِدْخَال بني حَارِثَة أهل الشَّام على الْمَدِينَة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَلَو دخلت عَلَيْهِم من أقطارها} قَالَ: من نَوَاحِيهَا {ثمَّ سئلوا الْفِتْنَة لآتوها} قَالَ: لَو دعوا إِلَى الشّرك لأجابوا
وخ ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَلَو دخلت عَلَيْهِم من أقطارها} قَالَ: من أطرافها {ثمَّ سئلوا الْفِتْنَة} يَعْنِي الشّرك
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَلَو دخلت عَلَيْهِم من أقطارها} أَي لَو دخل عَلَيْهِم من نواحي الْمَدِينَة {ثمَّ سئلوا الْفِتْنَة} قَالَ: الشّرك {لآتوها وَمَا تلبثوا بهَا إِلَّا يَسِيرا} يَقُول: لأعطوه طيبَة بِهِ أنفسهم {وَمَا تلبثوا بهَا إِلَّا يَسِيرا} {وَلَقَد كَانُوا عَاهَدُوا الله من قبل} قَالَ: كَانَ نَاس غَابُوا عَن وقْعَة بدر وَرَأَوا مَا أعْطى الله سُبْحَانَهُ أهل بدر من الْفَضِيلَة والكرامة قَالُوا: لَئِن أشهدنا الله قتالاً لنقاتلن فساق الله إِلَيْهِم ذَلِك حَتَّى كَانَ فِي نَاحيَة الْمَدِينَة فصنعوا مَا قصّ الله عَلَيْكُم
وَفِي قَوْله {قل لن ينفعكم الْفِرَار إِن فررتم} قَالَ: لن تزدادوا على آجالكم الَّتِي أجلكم الله وَذَلِكَ قَلِيل وَإِنَّمَا الدُّنْيَا كلهَا قَلِيل
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن الرّبيع بن خثيم رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَإِذا لَا تمتعون إِلَّا قَلِيلا} قَالَ: مَا بَينهم وَبَين الْأَجَل
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {قد يعلم الله المعوقين مِنْكُم} قَالَ: الْمُنَافِقين يعوقون النَّاس عَن مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {قد يعلم الله المعوقين مِنْكُم} قَالَ: هَذَا يَوْم الْأَحْزَاب انْصَرف رجل من عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَوجدَ أَخَاهُ بَين يَدَيْهِ شواء ورغيف فَقَالَ لَهُ: أَنْت هَهُنَا فِي الشواء والرغيف والنبيذ وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَين الرماح وَالسُّيُوف
قَالَ: هَلُمَّ الي لقد بلغ بك وبصاحبك - وَالَّذِي يحلف بِهِ - لَا يَسْتَقِي لَهَا مُحَمَّد أبدا قَالَ: كذبت - وَالَّذِي يحلف بِهِ - وَكَانَ أَخَاهُ من أَبِيه وَأمه وَالله لأخبرن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِأَمْرك وَذَهَبت إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُخبرهُ(6/580)
فَوَجَدَهُ قد نزل جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام بِخَبَرِهِ {قد يعلم الله المعوقين مِنْكُم والقائلين لإخوانهم هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلَا يأْتونَ الْبَأْس إِلَّا قَلِيلا}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {قد يعلم الله المعوقين مِنْكُم} قَالَ: هَؤُلَاءِ أنَاس من الْمُنَافِقين كَانُوا يَقُولُونَ: لاخوانهم: مَا مُحَمَّدًا وَأَصْحَابه إِلَّا أَكلَة رَأس وَلَو كَانُوا لَحْمًا لالتهمهم أَبُو سُفْيَان وَأَصْحَابه دعوا هَذَا الرجل فَإِنَّهُ هَالك {والقائلين لإخوانهم} أَي من الْمُؤمنِينَ {هَلُمَّ إِلَيْنَا} أَي دعوا مُحَمَّدًا وَأَصْحَابه فَإِنَّهُ هَالك ومقتول {وَلَا يأْتونَ الْبَأْس إِلَّا قَلِيلا} قَالَ: لَا يحْضرُون الْقِتَال إِلَّا كارهين
وان حَضَرُوهُ كَانَت أَيْديهم من الْمُسلمين وَقُلُوبهمْ من الْمُشْركين(6/581)
أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُولَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (19)
- قَوْله تَعَالَى: أشحة عَلَيْكُم فَإِذا جَاءَ الْخَوْف رَأَيْتهمْ ينظرُونَ إِلَيْك تَدور أَعينهم كَالَّذي يغشى عَلَيْهِ من الْمَوْت فَإِذا ذهب الْخَوْف سلقوكم بألسنة حداد أشحة على الْخَيْر أُولَئِكَ لم يُؤمنُوا فأحبط الله أَعْمَالهم وَكَانَ ذَلِك على الله يَسِيرا
أخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {أشحة عَلَيْكُم} بِالْخَيرِ المُنَافِقُونَ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {أشحة عَلَيْكُم} قَالَ: فيالغنائم إِذا أَصَابَهَا المسملون شاحوهم عَلَيْهَا قَالُوا بألسنتهم: لَسْتُم باحق بهَا منا قد شَهِدنَا وقاتلنا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فَإِذا جَاءَ الْخَوْف رَأَيْتهمْ ينظرُونَ إِلَيْك} قَالَ: إِذا حَضَرُوا الْقِتَال والعدو {رَأَيْتهمْ ينظرُونَ إِلَيْك} أجبن قوم وأخذله للحق {تَدور أَعينهم} قَالَ: من الْخَوْف
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {تَدور أَعينهم} قَالَ: فرقا من الْمَوْت
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {سلقوكم} قَالَ: استقبلوكم(6/581)
وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَن نَافِع بن الأرزق قَالَ لَهُ أَخْبرنِي عَن قَوْله عزَّ وَجل {سلقوكم بألسنة حداد} قَالَ الطعْن بِاللِّسَانِ قَالَ وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ نعم أما سَمِعت الْأَعْشَى وَهُوَ يَقُول فيهم الْخطب والسماحة والنجدة فيهم والخاطب المسلاق وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فَإِذا ذهب الْخَوْف سلقوكم بألسنة حداد} قَالَ أما عِنْد الْغَنِيمَة فأشح قوم وأسوأه مقاسمة أعطونا أعطونا إِنَّا قد شَهِدنَا مَعكُمْ وَأما عِنْد الْبَأْس فأجبن قوم وأخذله للحق وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله أشحة على الْخَيْر قَالَ على المَال وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وَكَانَ ذَلِك على الله يَسِيرا} يَعْنِي هيناً وَالله أعلم(6/582)
يَحْسَبُونَ الْأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ وَلَوْ كَانُوا فِيكُمْ مَا قَاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا (20)
قَوْله تَعَالَى
- يحسبون الْأَحْزَاب لم يذهبوا وَإِن يَأْتِ الْأَحْزَاب يودوا لَو أَنهم بادون فِي الْأَعْرَاب يسئلون عَن أنبائكم وَلَو كَانُوا فِيكُم مَا قَاتلُوا إِلَّا قَلِيلا أخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله يحسبون الْأَحْزَاب لم يذهبوا قَالَ يحسبونهم قَرِيبا لم يبعدوا وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله يحسبون الْأَحْزَاب لم يذهبوا قَالَ كَانُوا يتحدثون بمجيء أبي سُفْيَان وَأَصْحَابه وَإِنَّمَا سموا الْأَحْزَاب لأَنهم حزبوا من قبائل الْأَعْرَاب على النَّبِي صلى الله علييه وَسلم {وَإِن يَأْتِي الْأَحْزَاب} قَالَ أَبُو سُفْيَان وَأَصْحَابه {يودوا لَو أَنهم بادون فِي الْأَعْرَاب} يَقُول يود المُنَافِقُونَ وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ قي قَوْله {وَإِن يَأْتِ الْأَحْزَاب} قَالَ أَبُو سُفْيَان وَأَصْحَابه {يودوا لَو أَنهم بادون} يَقُول يود المنافقيون وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله وَإِن يَأْتِ الْأَحْزَاب {يودوا لَو أَنهم بادون فِي الْأَعْرَاب} قَالَ هم المُنَافِقُونَ بِنَاحِيَة الْمَدِينَة كَانُوا يتحدثون بِنَبِي(6/582)
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه وَيَقُولُونَ أما هلكون بعد وَلم يعلمُوا بذهبا الْأَحْزَاب قد سرهم أَن جَاءَهُم الْأَحْزَاب أهم بادون فِي الاعراب مَخَافَة الْقِتَال وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {يسْأَلُون عَن أنبائكم} قَالَ عَن أَخْبَار النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه وَمَا فعلوا وَأخرج ابْن الْأَنْبَارِي فِي الْمَصَاحِف والخطيب فِي تالي التَّلْخِيص عَن أَسد بن يزِيد أَن فِي مصحف عُثْمَان بن عَفَّان رَضِي الله عَنهُ يسلون عَن أنبائكم السُّؤَال بِغَيْر ألف(6/583)
لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21)
قَوْله تَعَالَى
- لقد كَانَ لكم فِي رَسُول الله أُسْوَة حَسَنَة لمن كَانَ يرجوا الله وَالْيَوْم الآخر وَذكر الله كثير أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله لقد كَانَ لكم فِي رَسُول الله أُسْوَة حَسَنَة قَالَ مواساة عِنْد الْقِتَال وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه والخطيب قَالَ فِي جوع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأخرج مَالك وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة عَن سعيد بن يسَار قَالَ كنت مَعَ ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا فِي طَرِيق مَكَّة فَلَمَّا خشيت الصُّبْح نزلت فأوترت فَقَالَ ابْن عمر رَضِي الله عَنهُ أَلَيْسَ لَك فِي رَسُول الله أُسْوَة حَسَنَة قلت بلَى قَالَ فَإِنَّهُ كَانَ يُوتر على الْبَعِير وَأخرج ابْن ماجة وَابْن أبي حَاتِم عَن حَفْص بن عَاصِم رَضِي الله عَنهُ قَالَ قلت لعبد الله بن عمر ضي الله عَنْهُمَا رَأَيْتُك فِي السّفر لَا تصلي قبل الصَّلَاة وَلَا بعْدهَا فَقَالَ يَا ابْن أخي صَحِبت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَذَا وَكَذَا فَلم أره يُصَلِّي قبل الصَّلَاة وَلَا بعْدهَا وَقَول الله تَعَالَى لقد كَانَ لكم فِي رَسُول اله أُسْوَة حَسَنَة وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن(6/583)
ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا
أَنه سُئِلَ عَن رجل مُعْتَمر طَاف بِالْبَيْتِ: أيقع على امْرَأَته قبل أَن يطوف بالصفا والمروة فَقَالَ: قدم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَطَافَ بِالْبَيْتِ وَصلى خلف الْمقَام رَكْعَتَيْنِ وسعى بَين الصَّفَا والمروة ثمَّ قَرَأَ {لقد كَانَ لكم فِي رَسُول الله أُسْوَة حسنه}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَطاء رَضِي الله عَنهُ أَن رجلا أَتَى ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فَقَالَ: إِنِّي نذرت أَن أنحر نَفسِي
فَقَالَ ابْن عَبَّاس {لقد كَانَ لكم فِي رَسُول الله أُسْوَة حَسَنَة} {وفديناه بِذبح عَظِيم} فَأمره بكبش
وَأخرج الطَّيَالِسِيّ وَعبد الرَّزَّاق وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَابْن ماجة وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: إِذا حرم الرجل عَلَيْهِ امْرَأَته فَهُوَ يَمِين يكفرهَا وَقَالَ {لقد كَانَ لكم فِي رَسُول الله أُسْوَة حَسَنَة}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا أَنه أهلّ وَقَالَ: إِن حيل بيني وَبَينه فعلت كَمَا فعل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَنا مَعَه ثمَّ تَلا {لقد كَانَ لكم فِي رَسُول الله أُسْوَة حَسَنَة}
وَأخرج عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: هم عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ أَن يُنْهِي عَن الْحبرَة من صباغ الْبَوْل فَقَالَ لَهُ رجل: أَلَيْسَ قد رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يلبسهَا قَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ: بلَى
قَالَ الرجل: ألم يقل الله {لقد كَانَ لكم فِي رَسُول الله أُسْوَة حَسَنَة} فَتَركهَا عمر
وَأخرج أَحْمد عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا ان عمر رَضِي الله عَنهُ أكب على الرُّكْن فَقَالَ: إِنِّي لَا علم أَنَّك حجر وَلَو لم أر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قبلك واستلمك مَا استلمتك
وَلَا قبلتك {لقد كَانَ لكم فِي رَسُول الله أُسْوَة حَسَنَة}
وَأخرج أَحْمد وَأَبُو يعلى عَن يعلى بن أُميَّة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: طفت مَعَ عمر رَضِي الله عَنهُ فَلَمَّا كنت عِنْد الرُّكْن الَّذِي يَلِي الْبَاب مِمَّا يَلِي الْحجر أخذت بِيَدِهِ ليستلم فَقَالَ: مَا طفت مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قلت: بلَى
قَالَ: فَهَل رَأَيْته يستلمه قلت: لاز قَالَ: مَا بعد عَنْك فَإِن لَك فِي رَسُول الله أُسْوَة حَسَنَة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن عِيسَى بن عَاصِم عَن أَبِيه قَالَ: صلى ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا صَلَاة من صَلَاة النَّهَار فِي السّفر فَرَأى بَعضهم يسبح فَقَالَ ابْن عمر(6/584)
رَضِي الله عَنْهُمَا: لَو كنت مسبحاً لأتممت الصَّلَاة حججْت مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَكَانَ لَا يسبح بِالنَّهَارِ وَحَجَجْت مَعَ أبي بكر فَكَانَ لَا يسبح بِالنَّهَارِ وَحَجَجْت مَعَ عمر فَكَانَ لَا يسبح بِالنَّهَارِ وَحَجَجْت مَعَ عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ فَكَانَ لَا يسبح بِالنَّهَارِ ثمَّ قَالَ ابْن عمر رَضِي الله عَنهُ {لقد كَانَ لكم فِي رَسُول الله اسوة حَسَنَة}(6/585)
وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا (22)
- قَوْله تَعَالَى: وَلما رأى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَاب قَالُوا هَذَا مَا وعدنا الله وَرَسُوله وَصدق الله وَرَسُوله وَمَا زادهم إِلَّا إِيمَانًا وتسليما
أخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الطلائل عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {وَلما رأى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَاب} إِلَى آخر الْآيَة قَالَ إِن الله تَعَالَى قَالَ لَهُم فِي سُورَة الْبَقَرَة {أم حسبتم أَن تدْخلُوا الْجنَّة وَلما يأتكم مثل الَّذين خلوا من قبلكُمْ مستهم البأساء وَالضَّرَّاء} الْبَقَرَة الْآيَة 214 فَلَمَّا مسهم الْبلَاء حَيْثُ رابطوا الْأَحْزَاب فِي الخَنْدَق {قَالُوا هَذَا مَا وعدنا الله وَرَسُوله} فتأول الْمُؤْمِنُونَ ذَلِك فَلم يزدهم إِلَّا إِيمَانًا وتسليماً
وَأخرج جُوَيْبِر عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: أنزلت هَذِه الْآيَة قبل [] تحوّل {أم حسبتم أَن تدْخلُوا الْجنَّة وَلما يأتكم مثل الَّذين خلوا من قبلكُمْ}
وَصدق الله ورصوله فِيمَا أخبرا بِهِ من الْوَحْي قبل أَن يكون
وَأخرج الطَّيَالِسِيّ وَعبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أنزل الله فِي سُورَة الْبَقَرَة {أم حسبتم أَن تدْخلُوا الْجنَّة}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَمَا زادهم إِلَّا إِيمَانًا وتسليماً} قَالَ: مَا زادهم الْبلَاء إِلَّا إِيمَانًا بالرب وتسليماً للْقَضَاء(6/585)
مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا (23) لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (24)
- قَوْله تَعَالَى: من الْمُؤمنِينَ رجال صدقُوا مَا عَاهَدُوا الله عَلَيْهِ فَمنهمْ من قضى نحبه وَمِنْهُم من ينْتَظر وَمَا بدلُوا تبديلا ليجزي الله الصَّادِقين بصدقهم ويعذب الْمُنَافِقين إِن شَاءَ أَو يَتُوب عَلَيْهِم إِن الله كَانَ غَفُورًا رحِيما(6/585)
أخرج عبد الرَّزَّاق وَأحمد وَالْبُخَارِيّ وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن أبي دَاوُد فِي الْمَصَاحِف وَالْبَغوِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن زيد بن ثَابت رَضِي الله عَنهُ قَالَ لما نسخنا الْمُصحف فِي الْمَصَاحِف فقدت آيَة من سُورَة الْأَحْزَاب كنت أسمع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقْرَأها لم أَجدهَا مَعَ أحد إِلَّا مَعَ خُزَيْمَة بن ثَابت الْأنْصَارِيّ الَّذِي جعل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شَهَادَته بِشَهَادَة رجلَيْنِ {من الْمُؤمنِينَ رجال صدقُوا مَا عَاهَدُوا الله عَلَيْهِ} فَأَلْحَقْتهَا فِي سورتها فِي الْمُصحف وَأخرج البُخَارِيّ وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم فِي الْمعرفَة عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ نرى هَذِه الْآيَة نزلت فِي أنس بن النَّضر رَضِي الله عَنهُ {من الْمُؤمنِينَ رجال صدقُوا مَا عَاهَدُوا الله عَلَيْهِ} وَأخرج ابْن سعد وَأحمد وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَالْبَغوِيّ فِي مُعْجَمه وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية والبيقي فِي الدَّلَائِل عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ غَابَ عمي أنس بن النَّضر عَن بدر فشق عَلَيْهِ وَقَالَ أول مشْهد شهده رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غبت عَنهُ لَئِن أَرَانِي الله مشهدا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيمَا بعد ليرين الله مَا أصنع فَشهد يَوْم أحد فَاسْتَقْبلهُ سعد بن معَاذ رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ يَا أَبَا عَمْرو إِلَى لَا أَيْن قَالَ واهاً لريح الْجنَّة أَجدهَا دون أحد فقاتل حَتَّى قتل فَوجدَ فِي جسده بضع وَثَمَانُونَ من بَين ضَرْبَة بِسيف وطعنة بِرُمْح ورمية بِسَهْم وَنزلت هَذِه الْآيَة {رجال صدقُوا مَا عَاهَدُوا الله عَلَيْهِ} وَكَانُوا يرَوْنَ أَنَّهَا نزلت فِيهِ وَفِي أَصْحَابه وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ وَالنَّسَائِيّ وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم فِي الْمعرفَة عَن أنس رَضِي الله عَنهُ أَن عَمه غَابَ عَن قتال بدر فَقَالَ غبت عَن أول قتال قَاتله النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمُشْركين لَئِن أشهدني الله تَعَالَى قتالاً للْمُشْرِكين ليرين الله كَيفَ أصنع فَلَمَّا كَانَ يَوْم أحد انْكَشَفَ الْمُشْركُونَ فَقَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي ابرأ إِلَيْك مِمَّا جَاءَ بِهِ هَؤُلَاءِ يَعْنِي الْمُشْركُونَ وَاعْتذر إِلَيْك مِمَّا صنع هَؤُلَاءِ عَنى أَصْحَابه ثمَّ تقدم فَلَقِيَهُ سعد رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ يَا أخي مَا فعلق فَأَنا مَعَك فَلم أستطع أَن أصنع مَا صنع فَوجدَ فِيهِ بضعاً وَثَمَانِينَ من ضَرْبَة بِسيف وطعنة بِرُمْح ورمية(6/586)
بِسَهْم فَكُنَّا نقُول فِيهِ وَفِي أَصْحَابه نزلت {فَمنهمْ من قضى نحبه وَمِنْهُم من ينْتَظر} وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ وَتعقبه الذَّهَبِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين انْصَرف من أحد مر على مُصعب بن عُمَيْر رَضِي الله عَنهُ وَهُوَ مقتول فَوقف عَلَيْهِ ودعا لَهُ ثمَّ قَرَأَ {من الْمُؤمنِينَ رجال صدقُوا مَا عَاهَدُوا الله عَلَيْهِ} ثمَّ قَالَ أشهد أَن هَؤُلَاءِ شُهَدَاء عِنْد الله يَوْم الْقِيَامَة فائتوهم وزوروهم فوالذي نَفسِي بِيَدِهِ لَا يسلم عَلَيْهِم أحد إِلَى يَوْم الْقِيَامَة إِلَّا ردوا عَلَيْهِ وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن أبي ذَر رَضِي الله عَنهُ قَالَ لما فرغ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم أحد مر على مُصعب بن عُمَيْر رَضِي الله عَنهُ مقتولاً على طَرِيقه فَقَرَأَ {من الْمُؤمنِينَ رجال صدقُوا مَا عَاهَدُوا الله عَلَيْهِ} وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق خباب رَضِي الله عَنهُ مثله وَأخرج ابْن أبي عَاصِم وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه وَأَبُو يعلى وَابْن جرير وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن طَلْحَة رَضِي الله عَنهُ أَن أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالُوا لَا عرابي جَاهِل سَله عَمَّن قضى نحبه من هُوَ وَكَانُوا لَا يجترؤن على مَسْأَلته يوقرونه ويهابونه فَسَأَلَهُ الْأَعرَابِي فَأَعْرض عَنهُ ثمَّ سَأَلَهُ فَأَعْرض عَنهُ ثمَّ إِنِّي انْطَلَقت من بَاب الْمَسْجِد فَقَالَ أَيْن السَّائِل عَمَّن قضى نحبه قَالَ الْأَعرَابِي أَنا قَالَ هَذَا مِمَّن قضى نحبه وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن طَلْحَة بن عبيد الله رَضِي الله عَنهُ قَالَ لما رَجَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أَحْمد صعد الْمِنْبَر فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ ثمَّ قَرَأَ هَذِه الْآيَة {من الْمُؤمنِينَ رجال صدقُوا مَا عَاهَدُوا الله عَلَيْهِ} كلهَا فَقَامَ إِلَيْهِ رجل فَقَالَ يَا رَسُول الله من هَؤُلَاءِ فَأَقْبَلت فَقَالَ أيا السَّائِل هَذَا مِنْهُم وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن مُعَاوِيَة رَضِي الله عَنهُ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول طَلْحَة مِمَّن قضى نحبه وَأخرج الْحَاكِم عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت دخل طَلْحَة رَضِي الله عَنهُ على(6/587)
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا طَلْحَة أَنْت مِمَّن قضى نحبه
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَأَبُو يعلى وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو نعيم وَابْن مرْدَوَيْه عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: من سره أَن ينظر إِلَى رجل يمشي على الأَرْض قد قضى نحبه فَلْينْظر إِلَى طَلْحَة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه من حَدِيث جَابر بن عبد الله عَنهُ
مثله
وَأخرج ابْن مَنْدَه وَابْن عَسَاكِر عَن أَسمَاء بنت أبي بكر رَضِي الله عَنْهَا قَالَت دخل طَلْحَة بن عبيد الله على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا طَلْحَة
أَنْت مِمَّن قضى نحبه
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ وَابْن عَسَاكِر عَن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ أَنهم قَالُوا: حَدثنَا عَن طَلْحَة قَالَ: ذَاك امروء نزل فِيهِ آيَة من كتاب الله {فَمنهمْ من قضى نحبه وَمِنْهُم من ينْتَظر} طَلْحَة مِمَّن قضى نحبه لَا حِسَاب عَلَيْهِ فِيمَا يسْتَقْبل
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْأَنْبَارِي فِي الْمَصَاحِف عَن ابْن عَبَّاس أَنه كَانَ يقْرَأ {فَمنهمْ من قضى نحبه وَمِنْهُم من ينْتَظر} وَآخَرُونَ {وَمَا بدلُوا تبديلاً}
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {فَمنهمْ من قضى نحبه} قَالَ: الْمَوْت على مَا عَاهَدُوا الله عَلَيْهِ {وَمِنْهُم من ينْتَظر} على ذَلِك
وَأخرج الطستي فِي مسَائِله عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَن نَافِع بن الْأَزْرَق سَأَلَهُ عَن قَوْله {قضى نحبه} قَالَ: أَجله الَّذِي قدر لَهُ
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم
أما سَمِعت قَول لبيد: أَلا تَسْأَلَانِ الْمَرْء مَاذَا يحاول أنحب فَيقْضى أم ضلال وباطل وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَسَعِيد بن مَنْصُور وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {فَمنهمْ من قضى نحبه} قَالَ: عَهده {وَمِنْهُم من ينْتَظر} يَوْمًا فِيهِ جِهَاد فَيَقْضِي نحبه يَعْنِي عَهده بِقِتَال أَو صدق فِي لِقَاء
وَأخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن سُلَيْمَان بن صرد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم الْأَحْزَاب الْآن نغزوهم وَلَا يغزونا(6/588)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ حبسنا يَوْم الخَنْدَق عَن الظّهْر وَالْعصر وَالْمغْرب وَالْعشَاء حَتَّى كَانَ بعد الْعشَاء بهك كفينا ذَلِك
فَأنْزل الله {وَكفى الله الْمُؤمنِينَ الْقِتَال وَكَانَ الله قَوِيا عَزِيزًا} فَأمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِلَالًا فَأَقَامَ ثمَّ صلى الظّهْر كَمَا كَانَ يُصليهَا قبل ذَلِك ثمَّ أَقَامَ فصلى الْعَصْر كَمَا كَانَ يُصليهَا قبل ذَلِك ثمَّ أَقَامَ الْمغرب فَصلاهَا كَمَا كَانَ يُصليهَا قبل ذَلِك ثمَّ أَقَامَ الْعشَاء فَصلاهَا كَمَا كَانَ يُصليهَا قبل ذَلِك
وَذَلِكَ قبل أَن تنزل صَلَاة الْخَوْف {فَإِن خِفْتُمْ فرجالاً أَو ركباناً} الْبَقَرَة الْآيَة 239
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن عِيسَى بن طَلْحَة قَالَ: دخلت على أم الْمُؤمنِينَ وَعَائِشَة بنت طَلْحَة وَهِي تَقول لأمها أَسمَاء: أَنا خير مِنْك وَأبي خير من أَبِيك فَجعلت أَسمَاء تشتمها وَتقول: أَنْت خير مني فَقَالَت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا: أَلا أقضين بَيْنكُمَا قَالَت: بلَى
قَالَت: فان أَبَا بكر رَضِي الله عَنهُ دخل على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لَهُ: أَنْت عَتيق من النَّار قَالَت: فَمن يَوْمئِذٍ سمى عتيقا ثمَّ دخل طَلْحَة رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ: أَنْت يَا طَلْحَة مِمَّن قضى نحبه
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عبد الله بن اللهف عَن أَبِيه رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فَمنهمْ من قضى نحبه} قَالَ: نَذره وَقَالَ الشَّاعِر: قَضَت من يثرب نحبها فاستمرت وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {فَمنهمْ من قضى نحبه} قَالَ: مَاتَ على مَا هُوَ عَلَيْهِ من التَّصْدِيق والإِيمان {وَمِنْهُم من ينْتَظر} ذَلِك {وَمَا بدلُوا تبديلاً} وَلم يُغيرُوا كَمَا غير المُنَافِقُونَ
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {من الْمُؤمنِينَ رجال صدقُوا مَا عَاهَدُوا الله عَلَيْهِ فَمنهمْ من قضى نحبه} على الصدْق وَالْوَفَاء {وَمِنْهُم من ينْتَظر} من نَفسه الصدْق وَالْوَفَاء {وَمَا بدلُوا تبديلاً} يَقُول: مَا شكوا وَلَا ترددوا فِي دينهم وَلَا استبدلوا بِهِ غَيره {ويعذب الْمُنَافِقين إِن شَاءَ أَو يَتُوب عَلَيْهِم} قَالَ: يميتهم على نفاقهم فَيُوجب لَهُم الْعَذَاب أَو يَتُوب عَلَيْهِم قَالَ: يخرجهم من النِّفَاق بِالتَّوْبَةِ حَتَّى يموتوا وهم تائبون من النِّفَاق فَيغْفر لَهُم(6/589)
وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا (25)
قَوْله تَعَالَى
- ورد الله الَّذين كفرُوا بغيظهم لم ينالوا خيرا وَكفى الله الْمُؤمنِينَ الْقِتَال وَكَانَ الله قَوِيا عزيا أخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {ورد الله الَّذين كفرُوا بغيظهم} قَالَ الْأَحْزَاب وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قي قَوْله {ورد الله الَّذين كفرُوا بغيظهم} قَالَ أَبُو سُفْيَان وَأَصْحَابه {لم ينالوا خيرا} قَالَ لم يُصِيبُوا من مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه ظفراً وَكفى الله الْمُؤمنِينَ الْقِتَال انْهَزمُوا بِالرِّيحِ من غير قتال وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله وَكفى {الله الْمُؤمنِينَ الْقِتَال} قَالَ بالجنود من عِنْده وَالرِّيح الَّتِي بعث عَلَيْهِ {وَكَانَ الله قَوِيا} فِي أمره {عَزِيزًا} فِي نقمته وَأخرج ابْن سعد عَن سعيد بن الْمسيب رَضِي الله عَنهُ قَالَ لما كَانَ يَوْم الْأَحْزَاب حصر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَأَصْحَابه بضعَة عشرَة لَيْلَة حَتَّى خلص إِلَى كل امرىء مِنْهُم الكرب وَحَتَّى قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اللَّهُمَّ إِنِّي أنْشدك عَهْدك وَوَعدك الله أَنَّك إِن تشأ لَا تعبد فَبَيْنَمَا هم على ذَلِك إِذْ جَاءَهُم نعيم بن مَسْعُود الْأَشْجَعِيّ وَكَانَ يأمنه الْفَرِيقَانِ جَمِيعًا فخذل بَين النَّاس فَانْطَلق الْأَحْزَاب منهزمين من غير قتال فَذَلِك قَوْله {وَكفى الله الْمُؤمنِينَ} الْقِتَال وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن جَابر رَضِي الله عَنهُ قَالَ لما كَانَ يَوْم الْأَحْزَاب ردهم الله {بغيظهم لم ينالوا خيرا} فَقَالَ النَّبِي من يحمي أَعْرَاض الْمُسلمين قَالَ كَعْب رَضِي الله عَنهُ أَنا يَا رَسُول الله قَالَ عبد الله بن رَوَاحَة رَضِي الله عَنهُ أَنا يَا رَسُول الله فَقَالَ إِنَّك تحسن الشّعْر فَقَالَ حسان أَنا يَا رَسُول الله فَقَالَ نعم اهجهم أَنْت فَإِنَّهُ سيعينك عَلَيْهِم روح الْقُدس وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَابْن عَسَاكِر عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ أَنه كَانَ يقْرَأ هَذَا الْحَرْف {وَكفى الله الْمُؤمنِينَ الْقِتَال} بعلي بن أبي طَالب(6/590)
وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا (26) وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا (27)
قَوْله تَعَالَى
- وَأنزل الَّذين ظاهروهم من أهل الْكتاب من صياصيهم وَقذف فِي قُلُوبهم الرعب فريقا تقتلون وتأسرون فريق وأورثكم أَرضهم وديارهم وَأَمْوَالهمْ وأرضا لم تطؤها وَكَانَ الله على كل شَيْء قَدِيرًا أخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَأنزل الَّذين ظاهروهم من أهل الْكتاب} قَالَ قُرَيْظَة {من صياصيهم} قَالَ قصورهم وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس ضي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {من صياصيهم} قَالَ حصونهم وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَأنزل الَّذين ظاهروهم من أهل الْكتاب} قَالَ هم بَنو قُرَيْظَة ظاهروا أَبَا سُفْيَان وراسلوه وَنَكَثُوا الْعَهْد الَّذِي بَينهم وَبَين النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَبَيْنَمَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عِنْد زَيْنَب بنت جحش يغسل رَأسه وَقد غسلت شقَّه إِذْ أَتَاهُ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ عَفا الله عَنْك مَا وضعت الْمَلَائِكَة عَلَيْهِم السَّلَام سلاحها مُنْذُ أَرْبَعِينَ لَيْلَة فانهض إِلَى بني قُرَيْظَة فَإِنِّي قد قطعت أوتادهم وَفتحت أَبْوَابهم وتركتهم فِي زلزال وبلبال فَأرْسل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَحَاصَرَهُمْ وناداهم يَا اخوة القردة فَقَالُوا يَا أَبَا الْقَاسِم مَا كنت فحاشاً فنزلوا على حكم سعد بن معَاذ وَكَانَ بَينهم وَبَين قومه حلف فَرجوا أَن تَأْخُذهُ فيهم مَوَدَّة فَأَوْمأ إِلَيْهِم أَبُو لبَابَة فَأنْزل الله {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تخونوا الله وَالرَّسُول} فَحكم فيهم أَن تقتل مُقَاتلَتهمْ وَأَن تسبى ذَرَارِيهمْ وَأَن عقارهم للمهاجرين دون الْأَنْصَار فَقَالَ قومه وعشيرته آثر الْمُهَاجِرين بالأعقار علينا فَقَالَ إِنَّكُم كُنْتُم ذَوي أعقار وَأَن الْمُهَاجِرين كَانُوا لَا أعقار لَهُم فَذكر لنا أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ كبر وَقَالَ مضى فِيكُم بِحكم الله وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَقذف فِي قُلُوبهم الرعب} قَالَ بصنيع جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام {فريقاً تقتلون} قَالَ الَّذين ضربت(6/591)
أَعْنَاقهم وَكَانُوا أَرْبَعمِائَة مقَاتل فَقتلُوا حَتَّى أَتَوا على آخِرهم {وتأسرون فريقاً} قَالَ: الَّذين سبوا وَكَانُوا فِيهَا سَبْعمِائة سبي
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وأورثكم أَرضهم وديارهم وَأَمْوَالهمْ} قَالَ: قُرَيْظَة وَالنضير أهل الْكتاب {وأرضا لم تطؤوها} قَالَ: خَيْبَر
فتحت بعد قُرَيْظَة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وأرضا لم تطؤوها} قَالَ: كُنَّا نُحدث أَنَّهَا مَكَّة وَقَالَ الْحسن رَضِي الله عَنهُ: هِيَ أَرض الرّوم وَفَارِس وَمَا فتح عَلَيْهِم
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَسَعِيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله {وأرضا لم تطؤوها} قَالَ: يَزْعمُونَ أَنَّهَا خَيْبَر وَلَا أحسبها إِلَّا كل أَرض فتحهَا الله على الْمُسلمين أَو هُوَ فاتحها إِلَى يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج ابْن سعد عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: كَانَ يَوْم الخَنْدَق بِالْمَدِينَةِ فجَاء أَبُو سُفْيَان بن حَرْب وَمن تبعه من قُرَيْش وَمن تبعه من كنَانَة وعيينة بن حصن وَمن تبعه من غطفان وطليحة وَمن تبعه من بني أَسد وَأَبُو الْأَعْوَر وَمن تبعه من بني سليم وَقُرَيْظَة كَانَ بَينهم وَبَين رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عهد فنقضوا ذَلِك وظاهروا الْمُشْركين فَأنْزل الله فيهم {وَأنزل الَّذين ظاهروهم من أهل الْكتاب من صياصيهم} فَأتى جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام وَمَعَهُ الرّيح فَقَالَ حِين سرى جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام: أَلا أَبْشِرُوا ثَلَاثًا
فَأرْسل الله عَلَيْهِم فهتكت القباب وكفأت الْقُدُور ودفنت الرِّجَال وَقطعت الْأَوْتَاد فَانْطَلقُوا لَا يلوي أحد على أحد فَأنْزل الله {إِذْ جاءتكم جنود فَأَرْسَلنَا عَلَيْهِم ريحًا وجنوداً لم تَرَوْهَا}
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَابْن مرْدَوَيْه عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: خرجت يَوْم الخَنْدَق أقفو النَّاس فَإِذا أَنا بِسَعْد بن معَاذ ورماه رجل من قُرَيْش يُقَال لَهُ ابْن العرقة بِسَهْم فَأصَاب أكحله فَقَطعه فَدَعَا الله سعد فَقَالَ: اللَّهُمَّ لَا تمتني حَتَّى تقرعيني من قُرَيْظَة وَبعث الله الرّيح على الْمُشْركين {وَكفى الله الْمُؤمنِينَ الْقِتَال} وَلحق أَبُو سُفْيَان وَمن مَعَه بتهامة وَلحق عُيَيْنَة بن بدر وَمن مَعَه بِنَجْد وَرجعت بَنو قُرَيْظَة فَتَحَصَّنُوا فِي صياصيهم وَرجع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْمَدِينَة وَأمر(6/592)
بقبة من أَدَم فَضربت على سعد رَضِي الله عَنهُ فِي الْمَسْجِد قَالَت: فجَاء جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام - وَإِن على ثناياه نقع الْغُبَار - فَقَالَ: أوقد وضعت السِّلَاح لَا وَالله مَا وضعت الْمَلَائِكَة السِّلَاح بعد أخرج إِلَى بني قُرَيْظَة فَقَاتلهُمْ فَلبس رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لامته وَأذن فِي النَّاس بالرحيل: أَن يخرجُوا فَأَتَاهُم فَحَاصَرَهُمْ خمْسا وَعشْرين لَيْلَة فَلَمَّا اشْتَدَّ حصرهم وَاشْتَدَّ الْبلَاء عَلَيْهِم فَقيل لَهُم: انزلوا على حكم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالُوا: ننزل على حكم سعد بن معَاذ فنزلوا وَبعث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى سعد بن معَاذ فَأتي بِهِ على حمَار فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: احكم فيهم فَقَالَ: إِنِّي أحكم فيهم
أَن تقتل مُقَاتلَتهمْ وتسبى ذَرَارِيهمْ وتقسم أَمْوَالهم قَالَ: فَلَقَد حكمت فيهم بِحكم الله وَحكم رَسُوله
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن مُوسَى بن عقبَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أنزل الله فِي قصَّة الخَنْدَق وَبني قُرَيْظَة تسعا وَعشْرين آيَة فاتختها {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا اذْكروا نعْمَة الله عَلَيْكُم إِذْ جاءتكم جنود} وَالله تَعَالَى أعلم(6/593)
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (28) وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا (29) يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (30)
- قَوْله تَعَالَى: يَا أَيهَا النَّبِي قل لِأَزْوَاجِك إِن كنتن تردن الْحَيَاة الدُّنْيَا وَزينتهَا فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحاً جميلاً وَإِن كنتن تردن الله وَرَسُوله وَالدَّار الْآخِرَة فَإِن الله أعد للمحسنات مِنْكُن أجرا عَظِيما يَا نسَاء النَّبِي من يَأْتِ مِنْكُن بِفَاحِشَة مبينَة يُضَاعف لَهَا الْعَذَاب ضعفين وَكَانَ ذَلِك على الله يَسِيرا
أخرج أَحْمد وَمُسلم وَالنَّسَائِيّ وَابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق أبي الزبير عَن جَابر قَالَ: أقبل أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ يسْتَأْذن على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالنَّاس بِبَابِهِ جُلُوس وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جَالس فَلم يُؤذن لَهُ ثمَّ أذن لأبي بكر وَعمر رَضِي الله عَنْهُمَا فدخلا وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جَالس وَحَوله نساؤه وَهُوَ سَاكِت فَقَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ: لأُكلمَن(6/593)
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَعَلَّه يضْحك فَقَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ: يَا رَسُول الله لَو رَأَيْت ابْنة زيد امْرَأَة عمر سَأَلتنِي النَّفَقَة آنِفا فَوَجَأْت عُنُقهَا فَضَحِك النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى بدا ناجذه وَقَالَ: هن حَولي يَسْأَلْنَنِي النَّفَقَة
فَقَامَ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ إِلَى عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا ليضربها وَقَامَ عمر إِلَى حَفْصَة كِلَاهُمَا يَقُولَانِ: تَسْأَلَانِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا لَيْسَ عِنْده
فَنَهَاهُمَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن هَذَا فَقُلْنَ نساؤه: وَالله لَا نسْأَل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعد هَذَا الْمجْلس مَا لَيْسَ عِنْده
وَأنزل الله الْخِيَار فَبَدَأَ بعائشة رَضِي الله عَنْهَا فَقَالَ إِنِّي ذَاكر لَك أمرا مَا أحب أَن تعجلِي فِيهِ حَتَّى تَسْتَأْمِرِي أَبَوَيْك
قَالَت: مَا هُوَ فَتلا عَلَيْهَا {يَا أَيهَا النَّبِي قل لِأَزْوَاجِك}
قَالَت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا: أفيك استأمر أَبَوي بل اخْتَار الله وَرَسُوله وَأَسْأَلك أَن لَا تذكر إِلَى امْرَأَة من نِسَائِك امْرَأَة مَا اخْتَرْت فَقَالَ: إِن الله لم يَبْعَثنِي مُتَعَنتًا وَإِنَّمَا بَعَثَنِي معلما مبشراً لَا تَسْأَلنِي امْرَأَة مِنْهُنَّ عَمَّا اخْتَرْت إِلَّا أخْبرتهَا
وَأخرج ابْن سعد عَن أبي سَلمَة الْحَضْرَمِيّ قَالَ جَلَست مَعَ أبي سعيد الْخُدْرِيّ وَجَابِر بن عبد الله رَضِي الله عَنْهُمَا وهما يتحدثان وَقد ذهب بصر جَابر رَضِي الله عَنهُ فجَاء رجل فَجَلَسَ ثمَّ قَالَ: يَا أَبَا عبد الله أَرْسلنِي إِلَيْك عُرْوَة بن الزبير أَسأَلك فيمَ هجر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نِسَاءَهُ فَقَالَ جَابر رَضِي الله عَنهُ: تركنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْلَة لم يخرج إِلَى الصَّلَاة فأخذنا مَا تقدم وَمَا تَأَخّر فَاجْتَمَعْنَا بِبَابِهِ يسمع كلامنا وَيعلم مَكَاننَا فأطلنا الْوُقُوف فَلم يَأْذَن لنا وَلم يخرج إِلَيْنَا فَقُلْنَا: قد علم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَكَانكُمْ وَلَو أَرَادَ أَن يَأْذَن لكم لأذن فَتَفَرَّقُوا لَا تؤذوه فَتَفَرَّقُوا غير عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ يَتَنَحْنَح وَيتَكَلَّم ويستأذن حَتَّى أذن لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ: فَدخلت عَلَيْهِ وَهُوَ وَاضع يَده على خَدّه أعرف بِهِ الكآبة فَقلت لَهُ: أَي نَبِي الله - بِأبي وَأمي يَا رَسُول الله - مَا الَّذِي رَابَك وَمَا الَّذِي لَقِي النَّاس بعدكم من فقدهم لرؤيتك فَقَالَ: يَا عمر سَأَلتنِي الاماء مَا لَيْسَ عِنْدِي - يَعْنِي نِسَاءَهُ - فَذَاك الَّذِي بلغ بِي مَا ترى
فَقلت: يَا نَبِي الله قد صككت جميلَة بنت ثَابت صَكَّة ألصقت خدها مِنْهَا بِالْأَرْضِ لِأَنَّهَا سَأَلتنِي مَا لَيْسَ عِنْدِي وَأَنت يَا رَسُول الله على موعد من رَبك وَهُوَ جَاعل بعد الْعسر يسرا
قَالَ: فَلم أزل ُأكَلِّمهُ حَتَّى رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد تحلل(6/594)
عَنهُ بعض ذَلِك فَخرجت فَلَقِيت أَبَا بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ فَحَدَّثته الحَدِيث فَدخل أَبُو بكر على عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قد علمت أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يدّخر عنكن شَيْئا فَلَا تسأليه مَا لَا يجد انظري حَاجَتك فاطلبيها إِلَيّ وَانْطَلق عمر رَضِي الله عَنهُ إِلَى حَفْصَة فَذكر لَهَا مثل ذَلِك ثمَّ اتبعا أُمَّهَات الْمُؤمنِينَ فَجعلَا يذكران لَهُنَّ مثل ذلكن فَأنْزل الله تَعَالَى فِي ذَلِك {يَا أَيهَا النَّبِي قل لِأَزْوَاجِك إِن كنتن تردن الْحَيَاة الدُّنْيَا وَزينتهَا فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحاً جميلاً} يَعْنِي مُتْعَة الطَّلَاق وَيَعْنِي بتسريحهن: تطليقهن طَلَاقا جميلاً {وَإِن كنتن تردن الله وَرَسُوله وَالدَّار الْآخِرَة فَإِن الله أعد للمحسنات مِنْكُن أجرا عَظِيما}
فَانْطَلق رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَبَدَأَ بعائشة رَضِي الله عَنْهَا فَقَالَ: إِن الله قد أَمرنِي أَن أخيركن بَين أَن تخترن الله وَرَسُوله وَالدَّار الْآخِرَة وَبَين أَن تخترن الدُّنْيَا وَزينتهَا وَقد بدأت بك وَأَنا أخيرك قَالَت: وَهل بدأت بِأحد قبلي مِنْهُنَّ قَالَ: لَا
قَالَت: فَإِنِّي أخْتَار الله وَرَسُوله وَالدَّار الْآخِرَة فاكتم عَليّ وَلَا تخبر بِذَاكَ نِسَاءَك قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: بل أخبرهن بِهن فأخبرهن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جَمِيعًا فاخترن الله وَرَسُوله وَالدَّار الْآخِرَة فَكَانَ خِيَاره بَين الدُّنْيَا وَالْآخِرَة
اتخترن الْآخِرَة أَو الدُّنْيَا قَالَ {وَإِن كنتن تردن الله وَرَسُوله وَالدَّار الْآخِرَة فَإِن الله أعد للمحسنات مِنْكُن أجرا عَظِيما} فاخترن أَن لَا يتزوجن بعده ثمَّ قَالَ {يَا نسَاء النَّبِي من يَأْتِ مِنْكُن بِفَاحِشَة مبينَة} يَعْنِي الزِّنَا {يُضَاعف لَهَا الْعَذَاب ضعفين} يَعْنِي فِي الْآخِرَة {وَكَانَ ذَلِك على الله يَسِيرا وَمن يقنت مِنْكُن لله وَرَسُوله} يَعْنِي تطيع الله وَرَسُوله {وتعمل صَالحا نؤتها أجرهَا مرَّتَيْنِ} مضاعفاً لَهَا فِي الْآخِرَة {وأعتدنا لَهَا رزقا كَرِيمًا} {يَا نسَاء النَّبِي لستن كَأحد من النِّسَاء إِن اتقيتن فَلَا تخضعن بالْقَوْل فيطمع الَّذِي فِي قلبه مرض} يَقُول فجور {وقلن قولا مَعْرُوفا وَقرن فِي بيوتكن} يَقُول لَا تخرجن من بيوتكن {وَلَا تبرجن} يَعْنِي إِلْقَاء القناع فعل الْجَاهِلِيَّة الأولى ثمَّ قَالَ جَابر رَضِي الله عَنهُ: ألم يكن الحَدِيث هَكَذَا قَالَ: بلَى
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جاءها حِين أمره الله أَن يُخَيّر أَزوَاجه قَالَت: فَبَدَأَ بِي فَقَالَ: إِنِّي ذَاكر لَك أمرا فَلَا عَلَيْك أَن(6/595)
تستعجلي حَتَّى تَسْتَأْمِرِي أَبَوَيْك قد علم أَن أَبَوي لم يَكُونَا يَأْمُرَانِي بِفِرَاقِهِ فَقَالَ: إِن الله قَالَ {يَا أَيهَا النَّبِي قل لِأَزْوَاجِك إِن كنتن تردن الْحَيَاة الدُّنْيَا وَزينتهَا} إِلَى تَمام الْآيَتَيْنِ
فَقلت لَهُ: فَفِي أَي هَذَا استأمر أَبَوي فَإِنِّي أُرِيد الله وَرَسُوله وَالدَّار الْآخِرَة وَفعل أَزوَاج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مثل مَا فعلت
وَأخرج ابْن سعد عَن عَمْرو بن سعيد عَن أَبِيه عَن جده قَالَ لما خير رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نِسَاءَهُ بَدَأَ بعائشة رَضِي الله عَنْهَا قَالَ: إِن الله خيرك فَقَالَت: اخْتَرْت الله وَرَسُوله ثمَّ خير حَفْصَة رَضِي الله عَنْهَا فَقُلْنَ جَمِيعًا: اخترنا الله وَرَسُوله غير العامرية اخْتَارَتْ قَومهَا فَكَانَت بعد تَقول: أَنا الشقية ن وَكَانَت تلقط البعر وتبيعه وتستأذن على أَزوَاج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَتقول: أَنا الشقية
وَأخرج ابْن سعد عَن أبي جَعْفَر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ نسَاء رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا نسَاء أغْلى مهوراً منا فغار الله لنَبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأمره أَن يعتزلهن فاعتزلهن تِسْعَة وَعشْرين يَوْمًا ثمَّ أمره أَن يُخَيِّرهُنَّ فخيرهن
وَأخرج ابْن سعد عَن أبي صَالح قَالَ: اخترنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جَمِيعًا غير العامرية كَانَت ذَاهِبَة الْعقل حَتَّى مَاتَت
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت حلف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ليهجرنا شهرا فَدخل عليَّ صَبِيحَة تِسْعَة وَعشْرين فَقلت: يَا رَسُول الله ألم تكن حَلَفت لتهجرنا شهرا قَالَ: إِن الشَّهْر هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا
وَضرب بِيَدِهِ جَمِيعًا وخنس يقبض أصبعاً فِي الثَّالِثَة ثمَّ قَالَ: يَا عَائِشَة إِنِّي ذَاكر لَك أمرا فَلَا عَلَيْك أَن تعجلِي حَتَّى تستشيري أَبَوَيْك وخشي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَدَاثَة سني قلت: وَمَا ذَاك يَا رَسُول الله قَالَ: إِنِّي أمرت أَن أخيركن ثمَّ تَلا هَذِه الْآيَة {يَا أَيهَا النَّبِي قل لِأَزْوَاجِك إِن كنتن تردن الْحَيَاة الدُّنْيَا وَزينتهَا} إِلَى قَوْله {أجرا عَظِيما} قَالَت: فيمَ استشير أَبَوي يَا رَسُول الله بل اخْتَار الله وَرَسُوله فسر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بذلك وَسمع نساؤه فتواترن عَلَيْهِ
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: إِنَّمَا خير رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَزوَاجه بَين الدُّنْيَا وَالْآخِرَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة وَالْحسن رَضِي الله عَنْهُمَا(6/596)
قَالَا: أمره الله أَن يُخَيِّرهُنَّ بَين الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَالْجنَّة وَالنَّار قَالَ الْحسن رَضِي الله عَنهُ: فِي شَيْء كن أردنه من الدُّنْيَا
وَقَالَ قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ: فِي غيرَة كَانَت غارتها عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا وَكَانَ تَحْتَهُ يَوْمئِذٍ تسع نسْوَة خمس من قُرَيْش
عَائِشَة
وَحَفْصَة
وَأمر حَبِيبَة بنت أبي سُفْيَان
وَسَوْدَة بنت زَمعَة
وَأم سَلمَة بنت أبي أُميَّة
وَكَانَت تَحْتَهُ صَفِيَّة بنت حَيّ الْخَيْبَرِية
ومَيْمُونَة بنت الْحَارِث الْهِلَالِيَّة
وَزَيْنَب بنت جحش الأَسدِية
وَجُوَيْرِية بنت الْحَارِث من بني المصطلق
وَبَدَأَ بعائشة رَضِي الله عَنْهَا فَلَمَّا اخْتَارَتْ الله وَرَسُوله وَالدَّار الْآخِرَة رُؤِيَ الْفَرح فِي وَجه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَتَتَابَعْنَ كُلهنَّ على ذَلِك فَلَمَّا خيرهن واخترن الله وَرَسُوله وَالدَّار الْآخِرَة شكرهن الله تَعَالَى على ذَلِك ان قَالَ {لَا يحل لَك النِّسَاء من بعد وَلَا أَن تبدل بِهن من أَزوَاج وَلَو أعْجبك حسنهنَّ} فَقَصره الله تَعَالَى عَلَيْهِنَّ وَهن التسع اللَّاتِي اخْترْنَ الله وَرَسُوله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {يَا أَيهَا النَّبِي قل لِأَزْوَاجِك}
قَالَ أَمر الله تَعَالَى نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن يخبر نِسَاءَهُ فِي هَذِه الْآيَة فَلم تختر وَاحِدَة مِنْهُنَّ نفسا غير الحميرية
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي السّنَن عَن مقَاتل بن سُلَيْمَان رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {يَا نسَاء النَّبِي من يَأْتِ مِنْكُن بِفَاحِشَة مبينَة} يَعْنِي الْعِصْيَان للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {يُضَاعف لَهَا الْعَذَاب ضعفين} فِي الْآخِرَة {وَكَانَ ذَلِك على الله يَسِيرا} يَقُول: وَكَانَ عَذَابهَا عِنْد الله هيناً {وَمن يقنت} يَعْنِي من يطع مِنْكُن الله وَرَسُوله {وتعمل صَالحا نؤتها أجرهَا مرَّتَيْنِ} فِي الْآخِرَة بِكُل صَلَاة أَو صِيَام أَو صَدَقَة أَو تَكْبِيرَة أَو تَسْبِيحَة بِاللِّسَانِ مَكَان كل حَسَنَة تكْتب عشْرين حَسَنَة {واعتدنا لَهَا رزقا كَرِيمًا} يَعْنِي حسنا
وَهِي الْجنَّة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {يُضَاعف لَهَا الْعَذَاب ضعفين} قَالَ: عَذَاب الدُّنْيَا وَعَذَاب الْآخِرَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {يُضَاعف لَهَا الْعَذَاب ضعفين} قَالَ: يَجْعَل عذابهن ضعفين وَيجْعَل على من قذفهن الْحَد ضعفين
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الرّبيع بن أنس رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {يَا نسَاء النَّبِي}(6/597)
قَالَ: إِن الْحجَّة على الْأَنْبِيَاء أَشد مِنْهَا على الأتباع فِي الْخَطِيئَة وَإِن الْحجَّة على الْعلمَاء أَشد مِنْهَا على غَيرهم فَإِن الْحجَّة على نسَاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَشد مِنْهَا على غَيْرهنَّ فَقَالَ: إِنَّه من عصى مِنْكُن فَإِنَّهُ يكون عَلَيْهَا الْعَذَاب الضعْف مِنْهُ على سَائِر نسَاء الْمُؤمنِينَ وَمن عمل صَالحا فَإِن الْأجر لَهَا الضعْف على سَائِر نسَاء الْمُسلمين(6/598)
وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا (31) يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا (32)
- قَوْله تَعَالَى: وَمن يقنت مِنْكُن لله وَرَسُوله وتعمل صَالحا نؤتها أجرهَا مرَّتَيْنِ وأعتدنا لَهَا رزقا كَرِيمًا يَا نسَاء النَّبِي لستن كَأحد من النِّسَاء إِن اتقيتن فَلَا تخضعن بالْقَوْل فيطمع الَّذِي فِي قلبه مرض وقلن قولا مَعْرُوفا
أخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وَمن يقنت مِنْكُن لله وَرَسُوله وتعمل صَالحا} قَالَ: يَقُول من يطع الله مِنْكُن وتعمل صَالحا لله وَرَسُوله بِطَاعَتِهِ
وَأخرج ابْن سعد عَن عَطاء بن يسَار رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَمن يقنت مِنْكُن لله وَرَسُوله} يَعْنِي تطيع الله وَرَسُوله {وتعمل صَالحا} تَصُوم وَتصلي
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن أبي أُمَامَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَرْبَعَة يُؤْتونَ أجرهم مرَّتَيْنِ
مِنْهُم أَزوَاج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد رَضِي الله عَنهُ يجْرِي أَزوَاجه مجرانا فِي الثَّوَاب وَالْعِقَاب
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {لستن كَأحد من النِّسَاء} قَالَ: كَأحد من نسَاء هَذِه الْأمة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {يَا نسَاء النَّبِي لَسْتُنَّ كَأحد} الْآيَة
يَقُول: أنتن أَزوَاج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَعَهُ تنظرن إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَإِلَى الْوَحْي الَّذِي يَأْتِيهِ من السَّمَاء وأنتن أَحَق بالتقوى من سَائِر النِّسَاء {فَلَا تخضعن بالْقَوْل} يَعْنِي الرَّفَث من الْكَلَام
أمرهن أَن لَا يَرْفِثْنَ بالْكلَام {فيطمع الَّذِي فِي قلبه مرض} يَعْنِي الزِّنَا(6/598)
قَالَ: مقاربة الرجل فِي القَوْل حَتَّى {فيطمع الَّذِي فِي قلبه مرض}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فَلَا تخضعن بالْقَوْل} قَالَ: لَا ترفثن بالْقَوْل
وَأخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {فَلَا تخضعن بالْقَوْل} يَقُول: لَا ترخصن بالْقَوْل وَلَا تخضعن بالْكلَام
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فيطمع الَّذِي فِي قلبه مرض} قَالَ: شَهْوَة الزِّنَا
وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا
أَن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله {فيطمع الَّذِي فِي قلبه مرض} قَالَ: الْفُجُور وَالزِّنَا
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم
أما سَمِعت الْأَعْشَى وَهُوَ يَقُول: حَافظ لِلْفَرجِ راضٍ بالتقى لَيْسَ مِمَّن قلبه فِيهِ مرض وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن زيد بن عَليّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: الْمَرَض مرضان
فَمَرض زنا وَمرض نفاق
وَأخرج ابْن سعد عَن عَطاء بن يسَار رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فيطمع الَّذِي فِي قلبه مرض} يَعْنِي الزِّنَا {وقلن قولا مَعْرُوفا} يَعْنِي كلَاما ظَاهرا لَيْسَ فِيهِ طمع لأحد
وَأخرج ابْن سعد عَن مُحَمَّد بن كَعْب رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وقلن قولا مَعْرُوفا} يَعْنِي كلَاما لَيْسَ فِيهِ طمع لأحد(6/599)
وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا (33)
- قَوْله تَعَالَى: وَقرن فِي بيوتكن وَلَا تبرجن تبرج الْجَاهِلِيَّة الأولى وأقمن الصَّلَاة وآتين الزَّكَاة وأطعن الله وَرَسُوله إِنَّمَا يُرِيد الله ليذْهب عَنْكُم الرجس أهل الْبَيْت وَيُطَهِّركُمْ تَطْهِيرا
أخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُحَمَّد بن سِيرِين قَالَ: نبئت أَنه قيل لسودة زوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَضِي الله عَنْهَا: مَالك لَا تَحُجِّين وَلَا تعتمرين كَمَا يفعل أخواتك فَقَالَت: قد حججْت واعتمرت وَأَمرَنِي الله أَن أقرّ فِي بَيْتِي فول الله(6/599)
لَا أخرج من بَيْتِي حَتَّى أَمُوت قَالَ: فوَاللَّه مَا خرجت من بَاب حُجْرَتهَا حَتَّى أخرجت بجنازتها
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن سعد وَعبد الله بن أَحْمد فِي زَوَائِد الزّهْد وَابْن الْمُنْذر عَن مَسْرُوق رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا إِذا قَرَأت {وَقرن فِي بيوتكن} بَكت حَتَّى تبل خمارها
وَأخرج أَحْمد عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لنسائه عَام حجَّة الْوَدَاع هَذِه ثمَّ ظُهُور الْحصْر قَالَ: فَكَانَ كُلهنَّ يَحُجن إِلَّا زَيْنَب بنت جحش وَسَوْدَة بنت زَمعَة وكانتا تقولان: وَالله لَا تحركنا دَابَّة بعد أَن سمعنَا ذَلِك من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أم نائلة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: جَاءَ أَبُو بَرزَة فَلم يجد أم وَلَده فِي الْبَيْت وَقَالُوا ذهبت إِلَى الْمَسْجِد فَلَمَّا جَاءَت صَاح بهَا فَقَالَ: ان الله نهى النِّسَاء أَن يخْرجن وأمرهن يقرن فِي بُيُوتهنَّ وَلَا يتبعن جَنَازَة وَلَا يَأْتِين مَسْجِدا وَلَا يشهدن جُمُعَة
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَالْبَزَّار عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن الْمَرْأَة عَورَة فَإِذا خرجت استشرفها الشَّيْطَان وَأقرب مَا تكون من رَحْمَة رَبهَا وَهِي فِي قَعْر بَيتهَا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: احْبِسُوا النِّسَاء فِي الْبيُوت فَإِن النِّسَاء عَورَة وَإِن الْمَرْأَة إِذا خرجت من بَيتهَا استشرفها الشَّيْطَان وَقَالَ لَهَا: إِنَّك لَا تمرين بِأحد إِلَّا أعجب بك
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عمر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: اسْتَعِينُوا على النِّسَاء بالعري أَن أحداهن إِذا كثرت ثِيَابهَا وَحسنت زينتا أعجبها الْخُرُوج
وَأخرج الْبَزَّار عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: جئن النِّسَاء إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقُلْنَ: يَا رَسُول الله ذهب الرِّجَال بِالْفَضْلِ وَالْجهَاد فِي سَبِيل الله فَمَا لنا عمل ندرك فضل الْمُجَاهدين فِي سَبِيل الله فَقَالَ من قعدت مِنْكُن فِي بَيتهَا فَإِنَّهَا تدْرك عمل الْمُجَاهدين فِي سَبِيل الله(6/600)
أما قَوْله تَعَالَى: وَلَا تبرجن تبرج الْجَاهِلِيَّة الأولى
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الْإِيمَان عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: كَانَت الْجَاهِلِيَّة الأولى فِيمَا بَين نوح وادريس عَلَيْهِمَا السَّلَام وَكَانَت ألف سنة وَإِن بطنين من ولد آدم كَانَ أَحدهمَا يسكن السهل وَالْآخر يسكن الْجبَال فَكَانَ رجال الْجبَال صباحاً وَفِي النِّسَاء دمامة وَكَانَ نسَاء السهل صباحاً وَفِي الرِّجَال دمامة وَإِن إِبْلِيس أَتَى رجلا من أهل السهل فِي صُورَة غُلَام فأجر نَفسه فَكَانَ يَخْدمه وَاتخذ إِبْلِيس شَبابَة مثل الَّذِي يزمر فِيهِ الرعاء فجَاء بِصَوْت لم يسمع النَّاس مثله فَبلغ ذَلِك من حوله فانتابوهم يسمعُونَ إِلَيْهِ وَاتَّخذُوا عيداً يَجْتَمعُونَ إِلَيْهِ فِي السّنة فتتبرج النِّسَاء للرِّجَال وتتبرج الرِّجَال لَهُنَّ وَإِن رجلا من أهل الْجَبَل هجم عَلَيْهِم فِي عيدهم ذَلِك فَرَأى النِّسَاء وصباحتهن فَأتى أَصْحَابه فَأخْبرهُم بذلك فتحوّلوا إلَيْهِنَّ فنزلوا مَعَهُنَّ وَظَهَرت الْفَاحِشَة فِيهِنَّ فَهُوَ قَول الله {وَلَا تبرجن تبرج الْجَاهِلِيَّة الأولى}
وَأخرج ابْن جرير عَن الحكم رَضِي الله عَنهُ {وَلَا تبرجن تبرج الْجَاهِلِيَّة الأولى} قَالَ: كَانَ بَين آدم ونوح عَلَيْهِمَا السَّلَام ثَمَانمِائَة سنة فَكَانَ نِسَاؤُهُم من أقبح مَا يكون من النِّسَاء ورجالهما حسان وَكَانَت الْمَرْأَة تُرِيدُ الرجل على نَفسه فأنزلت هَذِه الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ سَأَلَهُ فَقَالَ: أَرَأَيْت قَول الله تَعَالَى لِأَزْوَاج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وَلَا تبرجن تبرج الْجَاهِلِيَّة الأولى} هَل كَانَت الْجَاهِلِيَّة غير وَاحِدَة فَقَالَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا: مَا سَمِعت بِأولى إِلَّا وَلها آخِرَة
فَقَالَ: لَهُ عمر رَضِي الله عَنهُ: فأنبئني من كتاب الله مَا يصدق ذَلِك قَالَ: إِن الله يَقُول {وَجَاهدُوا فِي الله حق جهاده} كَمَا جاهدتم أول مرّة (الْحَج الْآيَة 78) فَقَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ: من أمرنَا أَن نجاهد قَالَ: بني مَخْزُوم وَعبد شمس
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم من وَجه آخر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وَلَا تبرجن تبرج الْجَاهِلِيَّة} قَالَ: تكون جَاهِلِيَّة أُخْرَى(6/601)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا أَنَّهَا تلت هَذِه الْآيَة فَقَالَت: الْجَاهِلِيَّة الأولى كَانَت على عهد إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام
وَأخرج ابْن سعد عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: {الْجَاهِلِيَّة الأولى} الَّتِي ولد فِيهَا إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام والجاهلية الْآخِرَة: الَّتِي ولد فِيهَا مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج ابْن عَبَّاس عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ {الْجَاهِلِيَّة الأولى} بَين عِيسَى وَمُحَمّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج ابْن جرير عَن الشّعبِيّ رَضِي الله عَنهُ
مثله
وَأخرج ابْن سعد وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَت الْمَرْأَة تخرج فتمشي بَين الرِّجَال فَذَلِك {تبرج الْجَاهِلِيَّة الأولى}
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن أبي أذينة الصَّدَفِي رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ شَرّ النِّسَاء المتبرجات وَهن المنافقات لَا يدْخل الْجنَّة مِنْهُنَّ إِلَّا مثل الْغُرَاب الأعصم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَلَا تبرجن تبرج الْجَاهِلِيَّة} يَقُول: إِذا خرجتن من بيوتكن وَكَانَت لَهُنَّ مشْيَة فِيهَا تكسير وتغنج فنهاهن الله عَن ذَلِك
وَأخرج ابْن سعد وَابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن أبي نجيح رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَلَا تبرجن تبرج الْجَاهِلِيَّة الأولى} قَالَ: التَّبَخْتُر
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مقَاتل رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَلَا تبرجن} قَالَ: التبرج إِنَّهَا تلقي الْخمار على رَأسهَا وَلَا تشده فيواري قلائدها وقرطها وعنقها ويبدو ذَلِك كُله مِنْهَا وَذَلِكَ التبرج ثمَّ عَمت نسَاء الْمُؤمنِينَ فِي التبرج
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: لما بَايع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم النِّسَاء قَالَ {وَلَا تبرجن تبرج الْجَاهِلِيَّة الأولى} قَالَت امْرَأَة: يَا رَسُول الله أَرَاك تشْتَرط علينا أَن لَا نتبرج وَأَن فُلَانَة قد أسعدتني وَقد مَاتَ أَخُوهَا فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: اذهبي فاسعديها ثمَّ تعالي فبايعيني
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن عَسَاكِر من طَرِيق عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ عَن ابْن(6/602)
عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {إِنَّمَا يُرِيد الله ليذْهب عَنْكُم الرجس أهل الْبَيْت} قَالَ: نزلت فِي نسَاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَاصَّة
وَقَالَ عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ: من شَاءَ بأهلته أَنَّهَا نزلت فِي أَزوَاج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: نزلت فِي نسَاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {إِنَّمَا يُرِيد الله ليذْهب عَنْكُم الرجس أهل الْبَيْت} قَالَ: لَيْسَ بِالَّذِي تذهبون إِلَيْهِ إِنَّمَا هُوَ نسَاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج ابْن سعد عَن عُرْوَة رَضِي الله عَنهُ {إِنَّمَا يُرِيد الله ليذْهب عَنْكُم الرجس أهل الْبَيْت} قَالَ: يَعْنِي أَزوَاج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نزلت فِي بَيت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أم سَلمَة رَضِي الله عَنْهَا زوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ ببيتها على منامة لَهُ عَلَيْهِ كسَاء خيبري فَجَاءَت فَاطِمَة رَضِي الله عَنْهَا ببرمة فِيهَا خزيرة فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ادعِي زَوجك وابنيك حسنا وَحسَيْنا فدعتهم فَبَيْنَمَا هم يَأْكُلُون إِذْ نزلت على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {إِنَّمَا يُرِيد الله ليذْهب عَنْكُم الرجس أهل الْبَيْت وَيُطَهِّركُمْ تَطْهِيرا} فَأخذ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بفضلة ازاره فغشاهم إِيَّاهَا ثمَّ أخرج يَده من الكساء وَأَوْمَأَ بهَا إِلَى السَّمَاء ثمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ هَؤُلَاءِ أهل بَيْتِي وخاصتي فَاذْهَبْ عَنْهُم الرجس وطهرهم تَطْهِيرا قَالَهَا ثَلَاث مَرَّات
قَالَت أم سَلمَة رَضِي الله عَنْهَا: فادخلت رَأْسِي فِي السّتْر فَقلت: يَا رَسُول الله وَأَنا مَعكُمْ فَقَالَ: إِنَّك إِلَى خير مرَّتَيْنِ
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن أم سَلمَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: جَاءَت فَاطِمَة رَضِي الله عَنْهَا إِلَى أَبِيهَا بثريدة لَهَا تحملهَا فِي طبق لَهَا حَتَّى وَضَعتهَا بَين يَدَيْهِ
فَقَالَ لَهَا أَيْن ابْن عمك قَالَت: هُوَ فِي الْبَيْت
قَالَ: اذهبي فادعيه وابنيك فَجَاءَت تقود ابنيها كل وَاحِد مِنْهُمَا فِي يَد وَعلي رَضِي الله عَنهُ يمشي فِي أثرهما حَتَّى دخلُوا على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأجلسهما فِي حجره وَجلسَ عَليّ رَضِي الله عَنهُ عَن يَمِينه وَجَلَست فَاطِمَة رَضِي الله عَنْهَا عَن يسَاره قَالَت أم سَلمَة رَضِي الله عَنْهَا: فَأخذت من تحتي كسَاء كَانَ بساطنا على المنامة فِي الْبَيْت(6/603)
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن أم سَلمَة رَضِي الله عَنْهَا أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لفاطمة رَضِي الله عَنْهَا ائْتِنِي بزوجك وابنيه فَجَاءَت بهم فالقى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلَيْهِم كسَاء فدكيا ثمَّ وضع يَده عَلَيْهِم ثمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ إِن هَؤُلَاءِ أهل مُحَمَّد - وَفِي لفظ آل مُحَمَّد - فَاجْعَلْ صلواتك وبركاتك على آل مُحَمَّد كَمَا جَعلتهَا على آل إِبْرَاهِيم إِنَّك حميد مجيد
قَالَت أم سَلمَة رَضِي الله عَنْهَا: فَرفعت الكساء لأدخل مَعَهم فَجَذَبَهُ من يَدي وَقَالَ إِنَّك على خير
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أم سَلمَة قَالَت نزلت هَذِه الْآيَة فِي بَيْتِي {إِنَّمَا يُرِيد الله ليذْهب عَنْكُم الرجس أهل الْبَيْت وَيُطَهِّركُمْ تَطْهِيرا} وَفِي الْبَيْت سَبْعَة
جِبْرِيل وَمِيكَائِيل عَلَيْهِمَا السَّلَام وَعلي وَفَاطِمَة وَالْحسن وَالْحُسَيْن رَضِي الله عَنْهُم وَأَنا على بَاب الْبَيْت قلت: يَا رَسُول الله أَلَسْت من أهل الْبَيْت قَالَ: إِنَّك إِلَى خير إِنَّك من أَزوَاج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه والخطيب عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ يَوْم أم سَلمَة أم الْمُؤمنِينَ رَضِي الله عَنْهَا فَنزل جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِهَذِهِ الْآيَة {إِنَّمَا يُرِيد الله ليذْهب عَنْكُم الرجس أهل الْبَيْت وَيُطَهِّركُمْ تَطْهِيرا} قَالَ: فَدَعَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِحسن وحسين وَفَاطِمَة وَعلي فضمهم إِلَيْهِ وَنشر عَلَيْهِم الثَّوْب
والحجاب على أم سَلمَة مَضْرُوب ثمَّ قَالَ اللَّهُمَّ هَؤُلَاءِ أهل بَيْتِي الله اذْهَبْ عَنْهُم الرجس وطهرهم تَطْهِيرا
قَالَت أم سَلمَة رَضِي الله عَنْهَا: فانا مَعَهم يَا نَبِي الله قَالَ: أَنْت على مَكَانك وَإنَّك على خير
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه من طرق عَن أم سَلمَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: فِي بَيْتِي نزلت {إِنَّمَا يُرِيد الله ليذْهب عَنْكُم الرجس أهل الْبَيْت} وَفِي الْبَيْت فَاطِمَة وَعلي وَالْحسن وَالْحُسَيْن
فجللهم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بكساء كَانَ عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ هَؤُلَاءِ أهل بَيْتِي فَاذْهَبْ عَنْهُم الرجس وطهرهم تَطْهِيرا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نزلت هَذِه الْآيَة فِي خَمْسَة
فيّ وَفِي عَليّ وَفَاطِمَة وَحسن وحسين {إِنَّمَا يُرِيد الله ليذْهب عَنْكُم الرجس أهل الْبَيْت وَيُطَهِّركُمْ تَطْهِيرا}(6/604)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَمُسلم وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: خرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غَدَاة وَعَلِيهِ مرط مرجل من شعر أسود فجَاء الْحسن وَالْحُسَيْن رَضِي الله عَنْهُمَا فأدخلهما مَعَه ثمَّ جَاءَ عَليّ فَادْخُلْهُ مَعَه ثمَّ قَالَ {إِنَّمَا يُرِيد الله ليذْهب عَنْكُم الرجس أهل الْبَيْت وَيُطَهِّركُمْ تَطْهِيرا}
وَأخرج ابْن جرير وَالْحَاكِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن سعد قَالَ نزل على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْوَحْي فَادْخُلْ عليا وَفَاطِمَة وابنيهما تَحت ثَوْبه ثمَّ قَالَ اللَّهُمَّ هَؤُلَاءِ أَهلِي وَأهل بَيْتِي
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن وَاثِلَة بن الْأَسْقَع رَضِي الله عَنهُ قَالَ جَاءَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى فَاطِمَة وَمَعَهُ حسن وحسين وَعلي حَتَّى دخل فأدنى عليا وَفَاطِمَة
فاجلسهما بَين يَدَيْهِ وأجلس حسنا وَحسَيْنا
كل وَاحِد مِنْهُمَا على فَخذه ثمَّ لف عَلَيْهِم ثَوْبه وَأَنا مستدبرهم ثمَّ تَلا هَذِه الْآيَة {إِنَّمَا يُرِيد الله ليذْهب عَنْكُم الرجس أهل الْبَيْت وَيُطَهِّركُمْ تَطْهِيرا}
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أنس رَضِي الله عَنهُ
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يمر بِبَاب فَاطِمَة رَضِي الله عَنْهَا إِذا خرج إِلَى صَلَاة الْفجْر وَيَقُول الصَّلَاة يَا أهل الْبَيْت الصَّلَاة {إِنَّمَا يُرِيد الله ليذْهب عَنْكُم الرجس أهل الْبَيْت وَيُطَهِّركُمْ تَطْهِيرا}
وَأخرج مُسلم عَن زيد بن أَرقم رَضِي الله عَنهُ
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أذكركم الله فِي أهل بَيْتِي فَقيل: لزيد رَضِي الله عَنهُ: وَمن أهل بَيته أَلَيْسَ نساؤه من أهل بَيته قَالَ: نساؤه من أهل بَيته وَلَكِن أهل بَيته من حرم الصَّدَقَة بعده آل عَليّ وَآل عقيل وَآل جَعْفَر وَآل عَبَّاس
وَأخرج الْحَكِيم وَالتِّرْمِذِيّ وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم وَالْبَيْهَقِيّ مَعًا فِي الدَّلَائِل عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الله قسم الْخلق قسمَيْنِ فجعلني فِي خيرهما قسما
فَذَلِك قَوْله {وَأَصْحَاب الْيَمين} الْوَاقِعَة الْآيَة 27 و {أَصْحَاب الشمَال} الْوَاقِعَة الْآيَة 41 فَأَنا من أَصْحَاب الْيَمين وَأَنا خير أَصْحَاب الْيَمين ثمَّ جعل الْقسمَيْنِ(6/605)
أَثلَاثًا فجعلني فِي خَيرهَا ثلثا فَذَلِك قَوْله وَأَصْحَاب الميمنة مَا أَصْحَاب الميمنة وَأَصْحَاب المشأمة مَا أَصْحَاب المشأمة وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (الْوَاقِعَة الْآيَة 8 - 10) فَأَنا من السَّابِقين وَأَنا خير من السَّابِقين ثمَّ جعل الأثلاث قبائل فجعلني فِي خَيرهَا قَبيلَة وَذَلِكَ قَوْله {وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إِن أكْرمكُم عِنْد الله أَتْقَاكُم} الحجرات الْآيَة 13 وَأَنا أتقى ولد آدم وَأكْرمهمْ على الله تَعَالَى وَلَا فَخر
ثمَّ جعل الْقَبَائِل بُيُوتًا فجعلني فِي خَيرهَا بَيْتا فَذَلِك قَوْله {إِنَّمَا يُرِيد الله ليذْهب عَنْكُم الرجس أهل الْبَيْت وَيُطَهِّركُمْ تَطْهِيرا} فَأَنا وَأهل بَيْتِي مطهرون من الذُّنُوب
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {إِنَّمَا يُرِيد الله ليذْهب عَنْكُم الرجس أهل الْبَيْت وَيُطَهِّركُمْ تَطْهِيرا} قَالَ: هم أهل بَيت طهرهم الله من السوء واختصم برحمته قَالَ: وَحدث الضَّحَّاك بن مُزَاحم رَضِي الله عَنهُ
أَن نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَقُول نَحن أهل بَيت طهرهم الله من شَجَرَة النُّبُوَّة وَمَوْضِع الرسَالَة ومختلف الْمَلَائِكَة وَبَيت الرَّحْمَة ومعدن الْعلم
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما دخل عَليّ رَضِي الله عَنهُ بفاطمة رَضِي الله عَنْهَا
جَاءَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَرْبَعِينَ صباحاً إِلَى بَابهَا يَقُول السَّلَام عَلَيْكُم أهل الْبَيْت وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته الصَّلَاة رحمكم الله {إِنَّمَا يُرِيد الله ليذْهب عَنْكُم الرجس أهل الْبَيْت وَيُطَهِّركُمْ تَطْهِيرا} انا حَرْب لمن حَارَبْتُمْ أَنا سلم لمن سَالَمْتُمْ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي الْحَمْرَاء رَضِي الله عَنهُ قَالَ حفظت من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثَمَانِيَة أشهر بِالْمَدِينَةِ
لَيْسَ من مرّة يخرج إِلَى صَلَاة الْغَدَاة إِلَّا أَتَى إِلَى بَاب عَليّ رَضِي الله عَنهُ فَوضع يَده على جنبتي الْبَاب ثمَّ قَالَ: الصَّلَاة
الصَّلَاة
{إِنَّمَا يُرِيد الله ليذْهب عَنْكُم الرجس أهل الْبَيْت وَيُطَهِّركُمْ تَطْهِيرا}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ شَهِدنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تِسْعَة أشهر يَأْتِي كل يَوْم بَاب عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ عِنْد وَقت كل صَلَاة فَيَقُول: السَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته أهل الْبَيْت {إِنَّمَا يُرِيد الله ليذْهب عَنْكُم الرجس أهل الْبَيْت وَيُطَهِّركُمْ تَطْهِيرا} الصَّلَاة رحمكم الله كل يَوْم خمس مَرَّات(6/606)
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن أبي الْحَمْرَاء رَضِي الله عَنهُ قَالَ: رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَأْتِي بَاب عَليّ وَفَاطِمَة سِتَّة أشهر فَيَقُول {إِنَّمَا يُرِيد الله ليذْهب عَنْكُم الرجس أهل الْبَيْت وَيُطَهِّركُمْ تَطْهِيرا}(6/607)
وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا (34)
- قَوْله تَعَالَى: واذكرن مَا يُتْلَى فِي بيوتكن من آيَات الله وَالْحكمَة إِن الله كَانَ لطيفا خَبِيرا
أخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن سعد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {واذكرن مَا يُتْلَى فِي بيوتكن من آيَات الله وَالْحكمَة} قَالَ: الْقُرْآن وَالسّنة عتب عَلَيْهِنَّ بذلك
وَأخرج ابْن سعد عَن أبي أُمَامَة بن سهل رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {واذكرن مَا يُتْلَى فِي بيوتكن من آيَات الله وَالْحكمَة} قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي عِنْد بيُوت أَزوَاجه النَّوَافِل بِاللَّيْلِ وَالنَّهَار(6/607)
إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (35)
- قَوْله تَعَالَى: إِن الْمُسلمين وَالْمُسلمَات وَالْمُؤمنِينَ وَالْمُؤْمِنَات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات وَالصَّابِرِينَ والصابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات والصائمين والصائمات والحافظون فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيرا وَالذَّاكِرَات أعد الله لَهُم مغْفرَة وَأَجرا عَظِيما
أخرج أَحْمد وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه وَالطَّبَرَانِيّ عَن ام سَلمَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت قلت للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا لنا لَا نذْكر فِي الْقُرْآن كَمَا يذكر الرِّجَال فَلم يرعني مِنْهُ ذَات يَوْم إِلَّا نداؤه على الْمِنْبَر وَهُوَ يَقُول: يَا أَيهَا النَّاس إِن الله يَقُول {إِن الْمُسلمين وَالْمُسلمَات} إِلَى آخر الْآيَة(6/607)
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن سعد وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن أم سَلمَة
رَضِي الله عَنْهَا انها قَالَت للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا لي أسمع الرِّجَال يذكرُونَ فِي الْقُرْآن وَالنِّسَاء لَا يُذْكَرْنَ فَأنْزل الله {إِن الْمُسلمين وَالْمُسلمَات}
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَسَعِيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أم عمَارَة الانصارية رَضِي الله عَنْهَا: انها أَتَت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَت: مَا أرى كل شَيْء إِلَّا للرِّجَال وَمَا أرى النِّسَاء يذكرن بِشَيْء فَنزلت هَذِه الْآيَة {إِن الْمُسلمين وَالْمُسلمَات}
وَأخرج ابْن جرير وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه بِسَنَد حسن عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: قَالَت النِّسَاء: يَا رَسُول الله مَا باله يذكر الْمُؤْمِنُونَ وَلم يذكر الْمُؤْمِنَات فَنزل {إِن الْمُسلمين وَالْمُسلمَات}
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: دخل نسَاء على نسَاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقُلْنَ: قد ذَكَرَكُنَّ الله فِي الْقُرْآن وَلم نذْكر بِشَيْء أما فِينَا مَا يذكر فَأنْزل الله {إِن الْمُسلمين وَالْمُسلمَات}
وَأخرج ابْن سعيد عَن عِكْرِمَة وَمن وَجه آخر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما ذكر أَزوَاج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ النِّسَاء: لَو كَانَ فِينَا خير لذكرن
فَأنْزل الله {إِن الْمُسلمين وَالْمُسلمَات}
وَأخرج ابْن سعد عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ النِّسَاء للرِّجَال: أسلمنَا أسلمتم وَفعلنَا كَمَا فَعلْتُمْ فتذكرون فِي الْقُرْآن وَلَا نذْكر وَكَانَ النَّاس يسمون الْمُسلمين فَلَمَّا هَاجرُوا سموا الْمُؤمنِينَ فَأنْزل الله {إِن الْمُسلمين وَالْمُسلمَات وَالْمُؤمنِينَ وَالْمُؤْمِنَات والقانتين والقانتات} يَعْنِي المطيعين والمطيعات {والصادقين والصادقات وَالصَّابِرِينَ والصابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات والصائمين والصائمات} شهر رَمَضَان {والحافظين فروجهم والحافظات} يَعْنِي من النِّسَاء {والذاكرين الله كثيرا وَالذَّاكِرَات} يَعْنِي ذكر الله وَذكر نعمه {أعد الله لَهُم مغْفرَة وَأَجرا عَظِيما}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {إِن الْمُسلمين وَالْمُسلمَات}(6/608)
يَعْنِي المخلصين لله من الرِّجَال والمخلصات من النِّسَاء {وَالْمُؤمنِينَ وَالْمُؤْمِنَات} يَعْنِي المصدقين والمصدقات {والقانتين والقانتات} يَعْنِي المطيعين والمطيعات {والصادقين والصادقات} يَعْنِي الصَّادِقين فِي ايمانهم {وَالصَّابِرِينَ والصابرات} يَعْنِي على أَمر الله {والخاشعين} يَعْنِي المتواضعين لله فِي الصَّلَاة من لَا يعرف عَن يَمِينه وَلَا من عَن يسَاره وَلَا يلْتَفت من الْخُشُوع لله {والخاشعات} يَعْنِي المتواضعات من النِّسَاء {والصائمين والصائمات} قَالَ: من صَامَ شهر رَمَضَان وَثَلَاثَة أَيَّام من كل شهر فَهُوَ من أهل هَذِه الْآيَة {والحافظين فروجهم والحافظات} قَالَ: يَعْنِي فروجهم عَن الْفَوَاحِش ثمَّ أخبر بثوابهم فَقَالَ {أعد الله لَهُم مغْفرَة} يَعْنِي لذنوبهم و {أجرا عَظِيما} يَعْنِي جَزَاء وافر فِي الْجنَّة
وَأخرج عبد بن حميد وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَأَبُو يعلى وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن حبَان وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي الله عَنهُ
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِذا أيقظ الرجل امْرَأَته من اللَّيْل فَصَليَا رَكْعَتَيْنِ كَانَا تِلْكَ اللَّيْلَة من الذَّاكِرِينَ الله كثيرا وَالذَّاكِرَات
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَسَعِيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لَا يكْتب الرجل من الذَّاكِرِينَ الله كثيرا حَتَّى يذكر الله قَائِما وَقَاعِدا ومضطجعاً(6/609)
وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا (36)
- قَوْله تَعَالَى: وَمَا كَانَ لمُؤْمِن إِذا قضى الله وَرَسُوله أمرا أَن يكون لَهُم الْخيرَة من أَمرهم وَمن يَعْصِ الله وَرَسُوله فقد ضل ضلال مُبينًا
أخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم انْطلق ليخطب على فتاة زيد بن حَارِثَة فَدخل على زَيْنَب بنت جحش الأَسدِية فَخَطَبَهَا قَالَت: لست بناكحته قَالَ: بلَى
فانكحيه قَالَت: يَا رَسُول الله أوَامِر فِي نَفسِي
فَبَيْنَمَا هما يتحدثان أنزل الله هَذِه الْآيَة على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَا كَانَ لمُؤْمِن وَلَا مُؤمنَة إِذا قضى الله وَرَسُوله أمرا
الْآيَة
قَالَت: قد رضيته لي يَا رَسُول الله منكحاً قَالَ: نعم
قَالَت: إِذن لَا أعصي رَسُول الله قد أنكحته نَفسِي(6/609)
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: خطب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم زَيْنَب بنت جحش لزيد بن حَارِثَة فاستنكفت مِنْهُ وَقَالَت: أَنا خير مِنْهُ حسباً وَكَانَت امْرَأَة فِيهَا حِدة
فَأنْزل الله {وَمَا كَانَ لمُؤْمِن وَلَا مُؤمنَة}
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالطَّبَرَانِيّ عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: خطب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم زَيْنَب وَهُوَ يريدها لزيد رَضِي الله عَنهُ فظنت أَنه يريدها لنَفسِهِ فَلَمَّا علمت أَنه يريدها لزيد أَبَت فَأنْزل الله {وَمَا كَانَ لمُؤْمِن وَلَا مُؤمنَة إِذا قضى الله وَرَسُوله أمرا}
فرضيت وسلمت
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد {وَمَا كَانَ لمُؤْمِن وَلَا مُؤمنَة إِذا قضى الله وَرَسُوله أمرا} قَالَ: زَيْنَب بنت جحش وكراهتها زيد بن حَارِثَة حِين أمرهَا بِهِ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِزَيْنَب رَضِي الله عَنْهَا اني أَن أزَوجك زيد بن حَارِثَة فَإِنِّي قد رضيته لَك
قَالَت: يَا رَسُول الله لكني لَا أرضاه لنَفْسي وَأَنا أيم قومِي وَبنت عَمَّتك فَلم أكن لأَفْعَل
فَنزلت هَذِه الْآيَة {وَمَا كَانَ لمُؤْمِن} يَعْنِي زيدا {وَلَا مُؤمنَة} يَعْنِي زَيْنَب {إِذا قضى الله وَرَسُوله أمرا} يَعْنِي النِّكَاح فِي هَذَا الْموضع {أَن يكون لَهُم الْخيرَة من أَمرهم} يَقُول: لَيْسَ لَهُم الْخيرَة من أَمرهم خلاف مَا أَمر الله بِهِ {وَمن يَعْصِ الله وَرَسُوله فقد ضل ضلالا مُبينًا} قَالَت: قد أطعتك فَاصْنَعْ مَا شِئْت فَزَوجهَا زيدا وَدخل عَلَيْهَا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: نزلت فِي أم كُلْثُوم بنت عقبَة بن أبي معيط وَكَانَت أول امْرَأَة هَاجَرت من النِّسَاء فَوهبت نَفسهَا للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَزَوجهَا زيد بن حَارِثَة فَسَخِطَتْ هِيَ وأخوها وَقَالَت: إِنَّمَا أردنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَزَوجهَا عَبده فَنزلت
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن طَاوس أَنه سَأَلَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا عَن رَكْعَتَيْنِ بعد الْعَصْر فَنَهَاهُ
وَقَالَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {وَمَا كَانَ لمُؤْمِن وَلَا مُؤمنَة إِذا قضى الله وَرَسُوله أمرا أَن يكون لَهُم الْخيرَة من أَمرهم}(6/610)
وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا (37) مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا (38) الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا (39) مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (40)
- قَوْله تَعَالَى: وَإِذ تَقول للَّذي أنعم الله عَلَيْهِ وأنعمت عَلَيْهِ أمسك عَلَيْك زَوجك وَاتَّقِ الله وتخفي فِي نَفسك مَا الله مبديه وتخشى النَّاس وَالله أَحَق أَن تخشاه فَلَمَّا قضى زيد مِنْهَا وطرا زَوَّجْنَاكهَا لكَي لَا يكون على الْمُؤمنِينَ حرج فِي أَزوَاج أدعيائهم إِذا قضوا مِنْهُنَّ وطرا وَكَانَ أَمر الله مَفْعُولا مَا كَانَ على النَّبِي من حرج فِيمَا فرض الله لَهُ سنة الله فِي الَّذين خلوا من قبل وَكَانَ أَمر الله قدرا مَقْدُورًا الَّذين يبلغون رسالات الله ويخشونه وَلَا يَخْشونَ أحدا إِلَّا الله وَكفى بِاللَّه حسيبا مَا كَانَ مُحَمَّدًا أَبَا أحد من رجالكم وَلَكِن رَسُول الله وَخَاتم النَّبِيين وَكَانَ الله بِكُل شَيْء عليما
أخرج الْبَزَّار وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أُسَامَة بن زيد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: جَاءَ الْعَبَّاس وَعلي بن أبي طَالب إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَا يَا رَسُول الله جئْنَاك لتخبرنا أَي أهلك أحب إِلَيْك قَالَ: أحب أَهلِي إليَّ فَاطِمَة
قَالَا: مَا نَسْأَلك عَن فَاطِمَة قَالَ: فاسامة بن زيد الَّذِي أنعم الله عَلَيْهِ وأنعمت عَلَيْهِ
قَالَ عَليّ رَضِي الله عَنهُ: ثمَّ من يَا رَسُول الله قَالَ: ثمَّ أَنْت ثمَّ الْعَبَّاس رَضِي الله عَنهُ: يَا رَسُول الله جعلت عمك آخرا قَالَ: إِن عليا سَبَقَك بِالْهِجْرَةِ
وَأخرج عبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن أنس رَضِي الله عَنهُ
أَن هَذِه الْآيَة {وتخفي فِي نَفسك مَا الله مبديه} نزلت فِي شَأْن زَيْنَب بنت جحش وَزيد بن حَارِثَة
وَأخرج أَحْمد وَعبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن الْمُنْذر وَالْحَاكِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ جَاءَ زيد بن حَارِثَة رَضِي الله عَنهُ يشكو زَيْنَب إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَجعل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: اتَّقِ الله وامسك عَلَيْك زَوجك فَنزلت {وتخفي فِي نَفسك مَا الله مبديه} قَالَ: أنس رَضِي الله عَنهُ(6/611)
فَلَو كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَاتِما شَيْئا لكَتم هَذِه الْآيَة
فَتَزَوجهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَمَا أولم على امْرَأَة من نِسَائِهِ مَا أولم عَلَيْهَا
ذبح شَاة {فَلَمَّا قضى زيد مِنْهَا وطرا زوّجناكها} فَكَانَت تَفْخَر على أَزوَاج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَقول: زوّجكن أهاليكن وزوّجني الله من فَوق سبع سموات
وَأخرج ابْن سعد وَأحمد وَالنَّسَائِيّ وَأَبُو يعلى وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما انْقَضتْ عدَّة زَيْنَب قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لزيد اذْهَبْ فاذكرها عليَّ فَانْطَلق قَالَ: فَلَمَّا رَأَيْتهَا عظمت فِي صَدْرِي فَقلت: يَا زَيْنَب أَبْشِرِي أَرْسلنِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يذكرك قَالَت: مَا أَنا بِصَانِعَةٍ شَيْئا حَتَّى أوَامِر رَبِّي فَقَامَتْ إِلَى مَسْجِدهَا وَنزل الْقُرْآن وَجَاء رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَدخل عَلَيْهَا بِغَيْر إِذن وَلَقَد رَأَيْتنَا حِين دخلت على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أطعمنَا عَلَيْهَا الْخبز وَاللَّحم فَخرج النَّاس وَبَقِي رجال يتحدثون فِي الْبَيْت بعد الطَّعَام فَخرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم واتبعته فَجعل يتبع حُجَرَ نِسَائِهِ يسلم عَلَيْهِنَّ وَيَقُلْنَ: يَا رَسُول الله كَيفَ وجدت أهلك فَمَا أَدْرِي أَنا أخْبرته أَن الْقَوْم قد خَرجُوا أَو أخبر فَانْطَلق حَتَّى دخل الْبَيْت فَذَهَبت ادخل مَعَه فَألْقى السّتْر بيني وَبَينه فَنزل الْحجاب وَوعظ الْقَوْم بِمَا وعظو بِهِ {لَا تدْخلُوا بيُوت النَّبِي إِلَّا أَن يُؤذن لكم}
وَأخرج ابْن سعد وَالْحَاكِم عَن مُحَمَّد بن يحيى بن حَيَّان رَضِي الله عَنهُ قَالَ جَاءَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَيت زيد بن حَارِثَة يَطْلُبهُ وَكَانَ زيد إِنَّمَا يُقَال لَهُ زيد بن مُحَمَّد فَرُبمَا فَقده رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَيَجِيء لبيت زيد بن حَارِثَة يَطْلُبهُ فَلم يجده وَتقوم إِلَيْهِ زَيْنَب بنت جحش زَوجته فاعرض رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَنْهَا فَقَالَت: لَيْسَ هُوَ هَهُنَا يَا رَسُول الله فَادْخُلْ فَأبى أَن يدْخل فأعجبت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فولى وَهُوَ يهمهم بِشَيْء لَا يكَاد يفهم مِنْهُ إِلَّا رُبمَا أعلن سُبْحَانَ الله الْعَظِيم سُبْحَانَ مصرف الْقُلُوب فجَاء زيد رَضِي الله عَنهُ إِلَى منزله فَأَخْبَرته امْرَأَته أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَتَى منزله فَقَالَ زيد رَضِي الله عَنهُ: إِلَّا قلت لَهُ أَن يدْخل قَالَت: قد عرضت ذَلِك عَلَيْهِ فَأبى قَالَ: فَسمِعت شَيْئا قَالَت: سمعته حِين ولى تكلم بِكَلَام وَلَا أفهمهُ وسمعته يَقُول: سُبْحَانَ الله سُبْحَانَ مصرف الْقُلُوب فجَاء زيد رَضِي الله عَنهُ حَتَّى أَتَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا رَسُول الله بَلغنِي أَنَّك جِئْت منزلي فَهَلا دخلت(6/612)
يَا رَسُول الله لَعَلَّ زَيْنَب أعجبتك فأفارقها فَيَقُول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {أمسك عَلَيْك زَوجك} فَمَا اسْتَطَاعَ زيد إِلَيْهَا سَبِيلا بعد ذَلِك الْيَوْم فَيَأْتِي لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فيخبره فَيَقُول {أمسك عَلَيْك زَوجك} ففارقها زيد واعتزلها وَانْقَضَت عدتهَا فَبينا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جَالس يتحدث مَعَ عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا إِذْ أَخَذته غشية فسرى عَنهُ وَهُوَ يبتسم وَيَقُول: من يذهب إِلَى زَيْنَب فيبشرها أَن الله زوجنيها من السَّمَاء وتلا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وَإِذ تَقول للَّذي أنعم الله عَلَيْهِ وأنعمت عَلَيْهِ أمسك عَلَيْك زَوجك} الْقِصَّة كلهَا قَالَت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا: فأخذني مَا قرب وَمَا بعد لما يبلغنَا من جمَالهَا
وَأُخْرَى هِيَ أعظم الْأُمُور وَأَشْرَفهَا زَوجهَا الله من السَّمَاء وَقلت: هِيَ تَفْخَر علينا بِهَذَا
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: لَو كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَاتِما شَيْئا من الْوَحْي لكَتم هَذِه الْآيَة {وَإِذ تَقول للَّذي أنعم الله عَلَيْهِ} يَعْنِي بالإِسلام {وأنعمت عَلَيْهِ} بِالْعِتْقِ {أمسك عَلَيْك زَوجك} إِلَى قَوْله {وَكَانَ أَمر الله مَفْعُولا} وَأَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما تزَوجهَا قَالُوا: تزوج خَلِيلَة ابْنه
فَأنْزل الله تَعَالَى {مَا كَانَ مُحَمَّد أَبَا أحد من رجالكم وَلَكِن رَسُول الله وَخَاتم النَّبِيين} وَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تبناه وَهُوَ صَغِير فَلبث حَتَّى صَار رجلا يُقَال لَهُ: زيد بن مُحَمَّد
فَأنْزل الله {ادعوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أقسط عِنْد الله} يَعْنِي أعدل عِنْد الله
وَأخرج الْحَاكِم عَن الشّعبِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَت زَيْنَب رَضِي الله عَنْهَا تَقول للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِنَّا أعظم نِسَائِك عَلَيْك حَقًا أَنا خيرهن منكحاً وأكرمهن سترا وأقربهن رحما وزوّجنيك الرَّحْمَن من فَوق عَرْشه وَكَانَ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام هُوَ السفير بذلك وَأَنا بنت عَمَّتك لَيْسَ لَك من نِسَائِك قريبَة غَيْرِي
وَأخرج ابْن جرير عَن الشّعبِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَت زَيْنَب تَقول للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِنِّي لأدل عَلَيْك بِثَلَاث مَا من نِسَائِك امْرَأَة تدل بِهن
إِن جدي وَجدك وَاحِد
وَإِنِّي أنكحينك الله من السَّمَاء
وان السفير لجبريل عَلَيْهِ السَّلَام
وَأخرج ابْن سعد وَابْن عَسَاكِر عَن أم سَلمَة رَضِي الله عَنْهَا عَن زَيْنَب رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: إِنِّي وَالله مَا أَنا كَأحد من نسَاء رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إنَّهُنَّ زوّجن بالمهور(6/613)
وزوّجهن الْأَوْلِيَاء وزوّجني الله وَرَسُوله وَأنزل فِي الْكتاب يقرأه الْمُسلمُونَ لَا يُغير وَلَا يُبدل {وَإِذ تَقول للَّذي أنعم الله عَلَيْهِ}
وَأخرج ابْن سعد وَابْن عَسَاكِر عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: يرحم الله زَيْنَب بنت جحش لقد نَالَتْ فِي هَذِه الدُّنْيَا الشّرف الَّذِي لَا يبلغهُ شرِيف
ان الله زَوجهَا نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الدُّنْيَا ونطق بِهِ الْقُرْآن
وَأخرج ابْن سعد عَن عَاصِم الْأَحول أَن رجلا من بني أَسد فاخر رجلا فَقَالَ الْأَسدي: هَل مِنْكُم امْرَأَة زَوجهَا الله من فَوق سبع سموات يَعْنِي زَيْنَب بنت جحش
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَإِذ تَقول للَّذي أنعم الله عَلَيْهِ} قَالَ: زيد بن حَارِثَة أنعم الله عَلَيْهِ بالإِسلام {وأنعمت عَلَيْهِ} أعْتقهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {أمسك عَلَيْك زَوجك وَاتَّقِ الله} يَا زيد بن حَارِثَة قَالَ: جَاءَ إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا نَبِي الله إِن زَيْنَب قد اشْتَدَّ عليّ لسانها وَأَنا أُرِيد أَن أطلقها فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: اتَّقِ الله وامسك عَلَيْك زَوجك قَالَ: وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يحب أَن يطلقهَا ويخشى قالة النَّاس إِن أمره بِطَلَاقِهَا
فَأنْزل الله {وتخفي فِي نَفسك مَا الله مبديه} قَالَ: كَانَ يخفي فِي نَفسه وذاته طَلاقهَا قَالَ: قَالَ الْحسن رَضِي الله عَنهُ: مَا أنزلت عَلَيْهِ آيَة كَانَت أَشد عَلَيْهِ مِنْهَا وَلَو كَانَ كَاتِما شَيْئا من الْوَحْي لكتمها {وتخشى النَّاس} قَالَ: خشِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قالة النَّاس {فَلَمَّا قضى زيد مِنْهَا وطراً} قَالَ: طَلقهَا زيد {زوّجناكها} فَكَانَت تَفْخَر على أَزوَاج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَقول: أما أنتن زوّجكن آباؤكن وَأما أَنا فزوّجني ذُو الْعَرْش {لكَي لَا يكون على الْمُؤمنِينَ حرج فِي أَزوَاج أدعيائهم إِذا قضوا مِنْهُنَّ وطراً} قَالَ: إِذا طلقوهن وَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تبنى زيد بن حَارِثَة رَضِي الله عَنهُ {مَا كَانَ على النَّبِي من حرج فِيمَا فرض الله لَهُ سنة الله فِي الَّذين خلوا من قبل} يَقُول: كَمَا هوى دَاوُد النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام الْمَرْأَة الَّتِي نظر اليها فهويها فتزوّجها فَكَذَلِك قضى الله لمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فتزوّج زَيْنَب كَمَا كَانَ سنة الله فِي دَاوُد أَن يزوّجه تِلْكَ الْمَرْأَة {وَكَانَ أَمر الله قدرا مَقْدُورًا} فِي أَمر زَيْنَب
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن عَليّ(6/614)
بن زيد بن جدعَان قَالَ: قَالَ لي عَليّ بن الْحُسَيْن: مَا يَقُول الْحسن رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وتخفي فِي نَفسك مَا الله مبديه} فَقلت لَهُ
فَقَالَ: لَا
وَلَكِن الله أعلم نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن زَيْنَب رَضِي الله عَنْهَا سَتَكُون من أَزوَاجه قبل أَن يتزوّجها فَلَمَّا أَتَاهُ زيد يشكو إِلَيْهِ قَالَ: اتَّقِ الله وامسك عَلَيْك زَوجك فَقَالَ: قد أَخْبَرتك أَنِّي مزوّجكها {وتخفي فِي نَفسك مَا الله مبديه}
وَأخرج ابْن سعد عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {مَا كَانَ على النَّبِي من حرج فِيمَا فرض الله لَهُ سنة الله فِي الَّذين خلوا من قبل} قَالَ: يَعْنِي يتَزَوَّج من النِّسَاء مَا شَاءَ هَذَا فَرِيضَة وَكَانَ من كَانَ من الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام هَذَا سنتهمْ قد كَانَ لِسُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام ألف امْرَأَة وَكَانَ لداود عَلَيْهِ السَّلَام مائَة امْرَأَة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَالطَّبَرَانِيّ عَن ابْن جريج رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {سنة الله فِي الَّذين خلوا من قبل} قَالَ: دَاوُد وَالْمَرْأَة الَّتِي نَكَحَهَا وَاسْمهَا اليسعية فَذَلِك سنة الله فِي مُحَمَّد وَزَيْنَب {وَكَانَ أَمر الله قدرا مَقْدُورًا} كَذَلِك فِي سنته فِي دَاوُد وَالْمَرْأَة وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَزَيْنَب
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن أبي سعيد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لَا نِكَاح إِلَّا بوليّ وشهود وَمهر إِلَّا مَا كَانَ للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه وَابْن عَسَاكِر من طَرِيق الْكُمَيْت بن يزِيد الْأَسدي قَالَ: حَدثنِي مَذْكُور مولى زَيْنَب بنت جحش قَالَت خطبني عدَّة من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأرْسلت إِلَيْهِ أخي يشاوره فِي ذَلِك قَالَ: زيد بن حَارِثَة
فَغضِبت وَقَالَت: تزوّج بنت عَمَّتك مَوْلَاك ثمَّ أَتَتْنِي فأخبرتني بذلك فَقلت: أَشد من قَوْلهَا وغضبت أَشد من غَضَبهَا فَأنْزل الله تَعَالَى {وَمَا كَانَ لمُؤْمِن وَلَا مُؤمنَة إِذا قضى الله وَرَسُوله أمرا أَن يكون لَهُم الْخيرَة من أَمرهم} فَأرْسلت إِلَيْهِ زَوجنِي من شِئْت فزوّجني مِنْهُ فَأَخَذته بلساني فَشَكَانِي إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لَهُ: اذن طَلقهَا فطلقني فَبت طَلَاقي فَلَمَّا انْقَضتْ عدتي لم أشعر إِلَّا وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَنا مكشوفة الشّعْر فَقلت: هَذَا أَمر من السَّمَاء دخلت يَا رَسُول الله بِلَا خطْبَة وَلَا شَهَادَة قَالَ: الله المزوّج وَجِبْرِيل الشَّاهِد(6/615)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَإِذ تَقول للَّذي أنعم الله عَلَيْهِ وأنعمت} قَالَ: بلغنَا أَن هَذِه الْآيَة أنزلت فِي زَيْنَب بنت جحش رَضِي الله عَنْهَا وَكَانَت امها أُمَيْمَة بنت عبد الْمطلب عمَّة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَرَادَ أَن يزوّجها زيد بن حَارِثَة رَضِي الله عَنهُ فَكرِهت ذَلِك ثمَّ إِنَّهَا رضيت بِمَا صنع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فزوّجها إِيَّاه ثمَّ أعلم الله نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعد أَنَّهَا من أَزوَاجه فَكَانَ يستحي أَن يَأْمر زيد بن حَارِثَة بِطَلَاقِهَا وَكَانَ لَا يزَال يكون بَين زيد وَزَيْنَب بعض مَا يكون بَين النَّاس فيأمره رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يمسك عَلَيْهِ زوجه وَأَن يَتَّقِي الله وَكَانَ يخْشَى النَّاس أَن يعيبوا عَلَيْهِ
أَن يَقُولُوا: تزوّج امْرَأَة ابْنه وَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد تبنى زيدا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اشْترى زيد بن حَارِثَة فِي الْجَاهِلِيَّة من عكاظ بحلى امْرَأَته خَدِيجَة فاتخذه ولدان فَلَمَّا بعث الله نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مكث مَا شَاءَ الله أَن يمكثن ثمَّ أَرَادَ أَن يزوّجه زَيْنَب بنت جحش فَكرِهت ذَلِك فَأنْزل الله {وَمَا كَانَ لمُؤْمِن وَلَا مُؤمنَة إِذا قضى الله وَرَسُوله أمرا أَن يكون لَهُم الْخيرَة من أَمرهم} فَقيل لَهَا: إِن شِئْت الله وَرَسُوله وان شِئْت ضلالا مُبينًا فقالتك بل الله وَرَسُول
فزوّجه رَسُول الله إِيَّاهَا فَمَكثت مَا شَاءَ الله أَن تمكث ثمَّ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دخل يَوْمًا بَيت زيد فرآها وَهِي بنت عمته فَكَأَنَّهَا وَقعت فِي نَفسه قَالَ عِكْرِمَة: رَضِي الله عَنهُ فَأنْزل الله {وَإِذ تَقول للَّذي أنعم الله عَلَيْهِ} يَعْنِي زيدا بالإِسلام {وأنعمت عَلَيْهِ} يَا مُحَمَّد بِالْعِتْقِ {أمسك عَلَيْك زَوجك وَاتَّقِ الله وتخفي فِي نَفسك مَا الله مبديه وتخشى النَّاس وَالله أَحَق أَن تخشاه} قَالَ: عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ فَكَانَ النِّسَاء يَقُولُونَ: من شدَّة مَا يرَوْنَ من حب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لزيد رَضِي الله عَنهُ أَنه ابْنه فَأَرَادَ الله أمرا قَالَ الله {فَلَمَّا قضى زيد مِنْهَا وطراً زوَّجناكها} يَا مُحَمَّد {لكَي لَا يكون على الْمُؤمنِينَ حرج فِي أَزوَاج أدعيائهم} وَأنزل الله {مَا كَانَ مُحَمَّد أَبَا أحد من رجالكم وَلَكِن رَسُول الله وَخَاتم النَّبِيين} فَلَمَّا طَلقهَا زيد تزَوجهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فعذرها قَالُوا: لَو كَانَ زيد بن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا تزوّج امْرَأَة ابْنه
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ وَابْن جرير عَن مُحَمَّد بن عبد الله بن جحش قَالَ:(6/616)
تفاخرت زَيْنَب وَعَائِشَة رَضِي الله عَنْهُمَا فَقَالَت زَيْنَب رَضِي الله عَنْهَا: أَنا الَّذِي نزل تزويجي من السَّمَاء
وَقَالَت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا: أَنا نزل عُذْري من السَّمَاء فِي كِتَابه حِين حَملَنِي ابْن الْمُعَطل على الرَّاحِلَة
فَقَالَت لَهَا زَيْنَب رَضِي الله عَنْهَا: مَا قلت حِين ركبتيها قَالَت: قلت حسبي الله وَنعم الْوَكِيل قَالَ: قلت كلمة الْمُؤمنِينَ
وَأخرج ابْن جرير عَن ورَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {مَا كَانَ مُحَمَّد أَبَا أحد من رجالكم} قَالَ: نزلت فِي زيد بن حَارِثَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن عَسَاكِر عَن عَليّ بن الْحُسَيْن رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {مَا كَانَ مُحَمَّد أَبَا أحد من رجالكم وَلَكِن رَسُول الله} قَالَ: نزلت فِي زيد بن حَارِثَة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {مَا كَانَ مُحَمَّد أَبَا أحد من رجالكم} قَالَ: نزلت فِي زيد رَضِي الله عَنهُ أَي أَنه لم يكن بِابْنِهِ ولعمري لقد ولد لَهُ ذُكُور وَإنَّهُ لأبو الْقَاسِم وَإِبْرَاهِيم وَالطّيب والمطهر
وَأخرج التِّرْمِذِيّ عَن الشّعبِيّ فِي قَوْله {مَا كَانَ مُحَمَّد أَبَا أحد من رجالكم} قَالَ: مَا كَانَ ليعيش لَهُ فِيكُم ولد ذكر
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَلَكِن رَسُول الله وَخَاتم النَّبِيين} قَالَ: آخر نَبِي
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن فِي قَوْله {وَخَاتم النَّبِيين} قَالَ: ختم الله النَّبِيين بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَانَ آخر من بعث
وَأخرج أَحْمد وَمُسلم عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مثلي وَمثل النَّبِيين كَمثل رجل بنى دَارا فأتمها إِلَّا لبنة وَاحِدَة فَجئْت أَنا فأتممت تِلْكَ اللبنة
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن جَابر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مثلي وَمثل الْأَنْبِيَاء كَمثل رجل ابتنى دَارا فأكملها وأحسنها إِلَّا مَوضِع لبنة فَكَانَ من دَخلهَا فَنظر إِلَيْهَا قَالَ: مَا أحْسنهَا إِلَّا مَوضِع اللبنة فَأَنا مَوضِع اللبنة فختم بِي الْأَنْبِيَاء(6/617)
وَأخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالنَّسَائِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ مثلي وَمثل الْأَنْبِيَاء من قبلي كَمثل رجل بنى دَارا بِنَاء فأحسنه وأجمله إِلَّا مَوضِع لبنة من زَاوِيَة من زواياها فَجعل النَّاس يطوفون بِهِ ويتعجبون لَهُ وَيَقُولُونَ: هلا وضعت هَذِه اللبنة فَأَنا اللبنة وَأَنا خَاتم النَّبِيين
وَأخرج أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ عَن أبيّ بن كَعْب رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ مثلي فِي النَّبِيين كَمثل رجل بنى دَارا فأحسنها وأكملها وأجملها وَترك فِيهَا مَوضِع هَذِه اللبنة لم يَضَعهَا فَجعل النَّاس يطوفون بالبنيان ويعجبون مِنْهُ وَيَقُولُونَ: لَو تمّ موشع هَذِه اللبنة فَأَنا فِي النَّبِيين مَوضِع تِلْكَ اللبنة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ثَوْبَان رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّه سَيكون فِي أمتِي كذابون ثَلَاثُونَ كلهم يزْعم أَنه نَبِي وَأَنا خَاتم النَّبِيين لَا نَبِي بعدِي
وَأخرج أَحْمد عَن حُذَيْفَة رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فِي أمتِي كذابون ودجالون سَبْعَة وَعِشْرُونَ مِنْهُم أَربع نسْوَة وَإِنِّي خَاتم النَّبِيين لَا نَبِي بعدِي
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: قُولُوا خَاتم النَّبِيين وَلَا تَقولُوا لَا نَبِي بعده
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الشّعبِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رجل عِنْد الْمُغيرَة بن أبي شُعْبَة صلى الله على مُحَمَّد خَاتم الْأَنْبِيَاء لَا نَبِي بعده فَقَالَ الْمُغيرَة: حَسبك إِذا قلت خَاتم الْأَنْبِيَاء فَإنَّا كُنَّا نُحدث أَن عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام خَارج فَإِن هُوَ خرج فقد كَانَ قبله وَبعده
وَأخرج ابْن الْأَنْبَارِي فِي الْمَصَاحِف عَن أبي عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ قَالَ: كنت اقرىء الْحسن وَالْحُسَيْن فَمر بِي عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ وَأَنا اقرئهما فَقَالَ لي: اقرئهما وَخَاتم النَّبِيين بِفَتْح التَّاء
وَالله الْمُوفق(6/618)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (41)
- قَوْله تَعَالَى: يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا اذْكروا الله ذكرا كثيرا
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي(6/618)
قَوْله {اذْكروا الله ذكرا كثيرا} يَقُول: لَا يفْرض على عبَادَة فَرِيضَة إِلَّا جعل لَهَا حدا مَعْلُوما ثمَّ عذر أَهلهَا فِي حَال عذر غير الذّكر فَإِن الله تَعَالَى لم يَجْعَل لَهُ حدا يَنْتَهِي إِلَيْهِ وَلم يعْذر أحدا فِي تَركه إِلَّا مَغْلُوبًا على عقله فَقَالَ: اذْكروا الله قيَاما وقعوداً وعَلى جنوبكم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَار فِي الْبر وَالْبَحْر فِي السّفر والحضر فِي الْغنى والفقر وَالصِّحَّة والسقم والسر وَالْعَلَانِيَة وعَلى كل حَال وَقد سبحوه بكرَة وَأَصِيلا فَإِذا فَعلْتُمْ ذَلِك صلى عَلَيْكُم وَهُوَ وَمَلَائِكَته
قَالَ الله تَعَالَى {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُم وَمَلَائِكَته}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مقَاتل فِي قَوْله {اذْكروا الله ذكرا كثيرا} قَالَ: بِاللِّسَانِ بالتسبيح وَالتَّكْبِير والتهليل والتحميد واذكروه على كل حَال {وسبحوه بكرَة وَأَصِيلا} يَقُول: صلوا لله بكرَة بِالْغَدَاةِ وَأَصِيلا بالْعَشي
وَأخرج أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سُئِلَ أَي الْعباد أفضل دَرَجَة عِنْد الله يَوْم الْقِيَامَة قَالَ: الذاكرون الله كثيرا قلت يَا رَسُول الله: وَمن الْغَازِي فِي سَبِيل الله قَالَ: لَو ضرب بِسَيْفِهِ فِي الْكفَّار وَالْمُشْرِكين حَتَّى ينكسر ويختضب دَمًا لَكَانَ الذاكرون الله أفضل مِنْهُ دَرَجَة
وَأخرج أَحْمد وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سبق المفردون قَالُوا: وَمَا المفردون يَا رَسُول الله قَالَ: الذاكرون الله كثيرا
وَأخرج أَحْمد وَالطَّبَرَانِيّ عَن معَاذ رَضِي الله عَنهُ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن رجلا سَأَلَهُ فَقَالَ: أَي الْمُجَاهدين أعظم أجرا قَالَ: أَكْثَرهم لله ذكرا قَالَ: فَأَي الصائمين أعظم أجرا قَالَ: أَكْثَرهم لله ذكرا
الصَّلَاة وَالزَّكَاة وَالْحج وَالصَّدَََقَة
كل ذَلِك وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: أَكْثَرهم لله ذكرا فَقَالَ أَبُو بكر لعمر رَضِي الله عَنْهُمَا: يَا أَبَا حَفْص ذهب الذاكرون بِكُل خير فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أجل
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن مرْدَوَيْه عَن معَاذ بن جبل رَضِي الله عَنهُ قَالَ: بَيْنَمَا نَحن نسير مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالدف بَين حمدَان قَالَ يَا معَاذ أَيْن السَّابِقُونَ قلت(6/619)
مضى نَاس قَالَ: أَيْن السَّابِقُونَ الَّذين يستهترون بِذكر الله من أحب أَن يرتع فِي رياض الْجنَّة فليكثر ذكر الله
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن أم أنس رَضِي الله عَنْهَا أَنَّهَا قَالَت يَا رَسُول الله أوصني قَالَ: اهجري الْمعاصِي فَإِنَّهَا أفضل الْهِجْرَة وحافظي على الْفَرَائِض فَإِنَّهَا أفضل الْجِهَاد واكثري من ذكر الله فَإنَّك لَا تأتين الله بِشَيْء أحب الله بِشَيْء أحب إِلَيْهِ من كَثْرَة ذكره
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من لم يكثر ذكر الله فقد برىء من الايمان
وَأخرج أَحْمد وَأَبُو يعلى وَابْن حبَان وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أَكْثرُوا ذكر الله حَتَّى يَقُولُوا: مَجْنُون
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اذْكروا الله حَتَّى يَقُول المُنَافِقُونَ: انكم مراؤون
وَأخرج عبد الله بن أَحْمد فِي زَوَائِد الزّهْد عَن أبي الجوزاء رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اكثروا من ذكر الله حَتَّى يَقُول المُنَافِقُونَ: انكم مراؤون(6/620)
وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (42)
- قَوْله تَعَالَى: وسبحوه بكرَة واصيلا
أخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وسبحوه بكرَة وَأَصِيلا} قَالَ: صَلَاة الصُّبْح وَصَلَاة الْعَصْر
وَأخرج أَحْمد عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيمَا يذكر عَن ربه تبَارك وَتَعَالَى اذْكُرْنِي بعد الْفجْر وَبعد الْعَصْر سَاعَة أكفك مَا بَينهمَا
وَأخرج أَحْمد عَن أبي أُمَامَة رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لِأَن أقعد أذكر الله وأكبره وأحمده وأسبحه وأهلله حَتَّى تطلع الشَّمْس أحب إِلَيّ من أَن أعتق رقبتين أَو أَكثر من ولد اسمعيل وَمن بعد الْعَصْر حَتَّى تغرب الشَّمْس أحب إِلَيّ من أَن أعتق أَربع رِقَاب من ولد إِسْمَعِيل(6/620)
وَأخرج أَحْمد عَن أبي الدَّرْدَاء رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَا يدع رجل مِنْكُم أَن يعْمل لله ألف حَسَنَة حِين يصبح يَقُول: سُبْحَانَ الله وَبِحَمْدِهِ مائَة مرّة فَإِنَّهَا ألف حَسَنَة فَإِنَّهُ لن يعْمل إِن شَاءَ الله مثل ذَلِك فِي يَوْمه من الذُّنُوب وَيكون مَا عمل من خير سوى ذَلِك وافراً
وَأخرج أَحْمد عَن معَاذ بن أنس رَضِي الله عَنهُ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من قَالَ سُبْحَانَ الله الْعَظِيم نبت لَهُ غرس فِي الْجنَّة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من قَالَ سُبْحَانَ الله الْعَظِيم نبت لَهُ غرس فِي الْجنَّة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلَيْكُم يَقُول سُبْحَانَ الله وَبِحَمْدِهِ انهما القريبتان
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن جَابر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من قَالَ سُبْحَانَ الله الْعَظِيم غرس لَهُ نَخْلَة أَو سجرة فِي الْجنَّة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن ماجة وَابْن حبَان عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من قَالَ فِي يَوْم مائَة مرّة سُبْحَانَ الله وَبِحَمْدِهِ حطت خطاياه وَلَو كَانَت مثل زبد الْبَحْر
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن هِلَال بن يسَار رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَت امْرَأَة من هَمدَان تسبح وتحصيه بالحصى أَو النَّوَى فَقَالَ لَهَا عبد الله: أَلا أدلك على خير من ذَلِك تَقُولِينَ: الله أكبر كَبِيرا وَسُبْحَان الله بكرَة وَأَصِيلا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن سعد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لنا يعجز أحدكُم أَن يكْسب فِي الْيَوْم ألف حَسَنَة فَقَالَ رجل كَيفَ يكْسب أَحَدنَا ألف حَسَنَة قَالَ: يسبح الله مائَة تَسْبِيحَة فتكتب لَهُ ألف حَسَنَة وتحط عَنهُ ألف خَطِيئَة(6/621)
هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا (43)
- قَوْله تَعَالَى: هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُم وَمَلَائِكَته ليخرجكم من الظُّلُمَات إِلَى النُّور وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رحِيما(6/621)
أخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما نزلت {إِن الله وَمَلَائِكَته يصلونَ على النَّبِي} قَالَ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ: يَا رَسُول الله مَا أنزل الله عَلَيْك خيرا إِلَّا أشركنا فِيهِ فَنزلت {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُم وَمَلَائِكَته}
وَأخرج الْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن سليم بن عَامر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: جَاءَ رجل إِلَى أبي أُمَامَة فَقَالَ: إِنِّي رَأَيْت فِي مَنَامِي أَن الْمَلَائِكَة تصلي عَلَيْك كلما دخلت وَكلما خرجت وَكلما قُمْت وَكلما جَلَست قَالَ: وَأَنْتُم لَو شِئْتُم صلت عَلَيْكُم الْمَلَائِكَة ثمَّ قَرَأَ {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا اذْكروا الله ذكرا كثيرا وسبحوه بكرَة وَأَصِيلا}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي الْعَالِيَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُم وَمَلَائِكَته} قَالَ: صَلَاة الله: ثَنَاؤُهُ
وَصَلَاة الْمَلَائِكَة عَلَيْهِم: الصلام الدُّعَاء
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: صَلَاة الرب: الرَّحْمَة
وَصَلَاة الْمَلَائِكَة: الاسْتِغْفَار
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُم وَمَلَائِكَته} قَالَ: الله يغْفر لكم وَتَسْتَغْفِر لكم مَلَائكَته
وخ ابْن أبي حَاتِم عَن سُفْيَان رَضِي الله عَنهُ أَنه سُئِلَ عَن قَوْله اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد كَمَا صليت على إِبْرَاهِيم وعَلى آل إِبْرَاهِيم قَالَ: أكْرم الله أمة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فصلى عَلَيْهِم كَمَا صلى على الْأَنْبِيَاء فَقَالَ {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُم وَمَلَائِكَته}
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُم} قَالَ: إِن بني إِسْرَائِيل سَأَلُوا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام هَل يُصَلِّي رَبك فَكَانَ ذَلِك كبر فِي صدر مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام فَأوحى الله إِلَيْهِ أخْبرهُم اني أُصَلِّي وَأَن صَلَاتي ان رَحْمَتي سبقت غَضَبي
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن مُصعب بن سعد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِذا قَالَ العَبْد: سُبْحَانَ الله
قَالَت الْمَلَائِكَة: وَبِحَمْدِهِ
وَإِذ قَالَ: سُبْحَانَ الله وَبِحَمْدِهِ
صلوا عَلَيْهِ(6/622)
وَأخرج عبد بن حميد عَن شهر بن حَوْشَب رَضِي الله عَنهُ فِي الْآيَة قَالَ: قَالَ بَنو اسرائيل: يَا مُوسَى سل لنا رَبك هَل يُصَلِّي فتعاظم عَلَيْهِ ذَلِك فَقَالَ يَا مُوسَى مَا يَسْأَلك قَوْمك فَأخْبرهُ قَالَ: نعم
أخْبرهُم اني أُصَلِّي وَأَن صَلَاتي ان رَحْمَتي سبقت غَضَبي وَلَوْلَا ذَلِك لهلكوا
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عَطاء بن أبي رَبَاح رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُم وَمَلَائِكَته} قَالَ: صلَاته على عباده سبوح قدوس تغلب رَحْمَتي غَضَبي
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق عَطاء بن أبي رَبَاح عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قلت لجبريل عَلَيْهِ السَّلَام: هَل يُصَلِّي رَبك قَالَ: نعم
قلت: وَمَا صلَاته قَالَ: سبوح قدوس سبقت رَحْمَتي غَضَبي(6/623)
تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا (44)
- قَوْله تَعَالَى: تحيتهم يَوْم يلقونه سَلام وَأعد لَهُم أجرا كَرِيمًا
أخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {تحيتهم يَوْم يلقونه سَلام} تَحِيَّة أهل الْجنَّة: السَّلَام {وَأعد لَهُم أجرا كَرِيمًا} أَي الْجنَّة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة فِي المُصَنّف وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي ذكر الْمَوْت عبد بن حميد وَأَبُو يعلى وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الْإِيمَان عَن الْبَراء بن عَازِب رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {تحيتهم يَوْم يلقونه سَلام} قَالَ: يَوْم يلقون ملك الْمَوْت لَيْسَ من مُؤمن يقبض روحه إِلَّا سلم عَلَيْهِ
وَأخرج الْمروزِي فِي الْجَنَائِز وَابْن أبي الدُّنْيَا وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِذا جَاءَ ملك الْمَوْت ليقْبض روح الْمُؤمن قَالَ: رَبك يُقْرِئك السَّلَام(6/623)
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (45) وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا (46) وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا (47) وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا (48)
- قَوْله تَعَالَى: يَا أَيهَا النَّبِي إِنَّا أَرْسَلْنَاك شَاهدا وَمُبشرا وَنَذِيرا وداعياً إِلَى الله بِإِذْنِهِ وسراجا منيرا وَبشر الْمُؤمنِينَ بِأَن لَهُم من الله فضلا كَبِيرا وَلَا تُطِع الْكَافرين وَالْمُنَافِقِينَ ودع أذاهم وتوكل على الله وَكفى بِاللَّه وَكيلا
أخرج ابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه والخطيب وَابْن عَسَاكِر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: لما نزلت {يَا أَيهَا النَّبِي إِنَّا أَرْسَلْنَاك شَاهدا وَمُبشرا وَنَذِيرا} وَقد كَانَ أَمر عليا ومعاذ أَن يَسِيرا إِلَى الْيمن فَقَالَ انْطَلقَا فَبَشِّرا وَلَا تُنَفِّرا ويَسِّرا وَلَا تُعَسِّرا فَإِنَّهُ قد أنزل عليَّ {يَا أَيهَا النَّبِي إِنَّا أَرْسَلْنَاك شَاهدا وَمُبشرا وَنَذِيرا} قَالَ: شَاهدا على أمتك وَمُبشرا بِالْجنَّةِ وَنَذِيرا من النَّار وداعياً إِلَى شَهَادَة لَا إِلَه إِلَّا الله {بِإِذْنِهِ وسراجاً منيراً} بِالْقُرْآنِ
وَأخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن عَطاء بن يسَار رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لقِيت عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ فَقلت: أَخْبرنِي عَن صفة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي التَّوْرَاة قَالَ: أجل وَالله انه لموصوف فِي التَّوْرَاة بِبَعْض صفته فِي الْقُرْآن {يَا أَيهَا النَّبِي إِنَّا أَرْسَلْنَاك شَاهدا وَمُبشرا وَنَذِيرا} وحرزاً للأميين أَنْت عَبدِي ورسولي سميتك المتَوَكل لَيْسَ بِفَظٍّ وَلَا غليظ وَلَا سخاب فِي الْأَسْوَاق وَلَا تجزىء بِالسَّيِّئَةِ السَّيئَة وَلَكِن تَعْفُو وتصفح
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ عَن الْعِرْبَاض بن سَارِيَة رَضِي الله عَنهُ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول اني عبد الله وَخَاتم النَّبِيين وَأبي منجدل فِي طينته وأخبركم عَن ذَلِك أَنا دَعْوَة أبي إِبْرَاهِيم وَبشَارَة عِيسَى ورؤيا أُمِّي الَّتِي رَأَتْ وَكَذَلِكَ أُمَّهَات النَّبِيين يرين وَإِن أم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَأَتْ حِين وَضعته نورا أَضَاءَت لَهَا قُصُور السام
ثمَّ تَلا {يَا أَيهَا النَّبِي إِنَّا أَرْسَلْنَاك شَاهدا وَمُبشرا وَنَذِيرا} إِلَى قَوْله {منيراً}
وَأخرج ابْن جرير عَن عِكْرِمَة وَالْحسن الْبَصْرِيّ قَالَا: لما نزلت ليغفر لَك الله مَا تقدم من ذَنْبك وَمَا تَأَخّر (الْفَتْح الْآيَة 2) قَالُوا: يَا رَسُول الله قد علمنَا مَا يفعل بك فَمَاذَا(6/624)
يفعل بِنَا فَأنْزل الله {وَبشر الْمُؤمنِينَ بِأَن لَهُم من الله فضلا كَبِيرا} قَالَ: الْفضل الْكَبِير: الْجنَّة
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: اجْتمع عتبَة
وَشَيْبَة
وَأَبُو جهل
وَغَيرهم فَقَالُوا: أسقط السَّمَاء علينا كسفا أَو ائتنا بِعَذَاب أَو امطر علينا حِجَارَة من السَّمَاء
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا ذَاك إِلَيّ
إِنَّمَا بعثت إِلَيْكُم دَاعيا وَمُبشرا وَنَذِيرا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {يَا أَيهَا النَّبِي إِنَّا أَرْسَلْنَاك شَاهدا} قَالَ: على أمتك بالبلاغ {وَمُبشرا} بِالْجنَّةِ {وَنَذِيرا} من النَّار {وداعياً إِلَى الله} إِلَى الشَّهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله {بِإِذْنِهِ} قَالَ: بأَمْره {وسراجاً منيراً} قَالَ: كتاب الله يَدعُوهُم إِلَيْهِ {وَبشر الْمُؤمنِينَ بِأَن لَهُم من الله فضلا كَبِيرا} وَهِي الْجنَّة {وَلَا تُطِع الْكَافرين وَالْمُنَافِقِينَ ودع أذاهم} قَالَ: اصبر على أذاهم
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {ودع أذاهم} قَالَ: اعْرِض عَنْهُم(6/625)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (49)
- قَوْله تَعَالَى: يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذا نكحتم الْمُؤْمِنَات ثمَّ طلقتموهن من قبل أَن تمَسُّوهُنَّ فَمَا لكم عَلَيْهِنَّ من عدَّة تعتدونها فمتعوهن وسرحوهن سراحا جميلا
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {إِذا نكحتم الْمُؤْمِنَات} الْآيَة
قَالَ: هَذَا فِي الرجل
يتَزَوَّج الْمَرْأَة ثمَّ يطلقهَا من قبل أَن يَمَسهَا فَإِذا طَلقهَا وَاحِدَة بَانَتْ مِنْهُ لَا عدَّة عَلَيْهَا تتَزَوَّج من شَاءَت ثمَّ قَالَ {فمتعوهن وسرحوهن سراحاً جميلاً} يَقُول: ان كَانَ سمي لَهَا صَدَاقا فَلَيْسَ لَهَا إِلَّا النّصْف وَإِن لم يكن سمي لَهَا صَدَاقا مَتعهَا على قدر عسره ويسره وَهُوَ السراح الْجَمِيل
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: الَّتِي نكحت وَلم(6/625)
يَبْنِ بهَا وَلم يفْرض لَهَا فَلَيْسَ لَهَا صدَاق وَلَيْسَ عَلَيْهَا عدَّة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {إِذا نكحتم الْمُؤْمِنَات ثمَّ طلقتموهن} قَالَ: هِيَ مَنْسُوخَة نسختها الْآيَة الَّتِي فِي الْبَقَرَة {فَنصف مَا فرضتم} الْبَقَرَة الْآيَة 237
وَأخرج عبد بن حميد عَن سعيد بن الْمسيب رَضِي الله عَنهُ {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذا نكحتم الْمُؤْمِنَات} إِلَى قَوْله {فمتعوهن} قَالَ: هِيَ مَنْسُوخَة
نسختها الْآيَة الَّتِي فِي الْبَقَرَة {وَإِن طلقتموهن من قبل أَن تمَسُّوهُنَّ وَقد فرضتم لَهُنَّ فَرِيضَة فَنصف مَا فرضتم} الْبَقَرَة ن الْآيَة 237 فَصَارَ لَهَا نصف الصَدَاق وَلَا مَتَاع لَهَا
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ عَن أبي الْعَالِيَة رَضِي الله عَنهُ قَالَا: لَيست بمنسوخة لَهَا نصف الصَدَاق وَلها الْمَتَاع
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لكل مُطلقَة مَتَاع
دخل أَو لم يدْخل بهَا فرض لَهَا أَو لم يفْرض لَهَا
وَأخرج عبد بن حميد عَن حُسَيْن بن ثَابت رَضِي الله عَنهُ قَالَ: جَاءَ رجل إِلَى عَليّ بن حُسَيْن فَسَأَلَهُ عَن رجل قَالَ: ان تزوجت فُلَانَة فَهِيَ طَالِق قَالَ: لَيْسَ بِشَيْء
بَدَأَ الله بِالنِّكَاحِ قبل الطَّلَاق فَقَالَ {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذا نكحتم الْمُؤْمِنَات ثمَّ طلقتموهن}
وَأخرج عبد بن حميد عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ قَالَ: سُئِلَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا عَن رجل يَقُول: ان تزوجت فُلَانَة فَهِيَ طَالِق
قَالَ: لَيْسَ بِشَيْء
إِنَّمَا الطَّلَاق لمن يملك
قَالَ ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ: كَانَ يَقُول: إِذا وَقت وقتا فَهُوَ كَمَا قَالَ
قَالَ: رحم الله أَبَا عبد الرَّحْمَن لَو كَانَ كَمَا قَالَ: لقَالَ الله {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذا طلّقْتُم النِّسَاء ثمَّ نكحتموهن} وَلَكِن إِنَّمَا قَالَ {إِذا نكحتم الْمُؤْمِنَات ثمَّ طلقتموهن}
وَأخرج عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف عَن ابْن جريج رَضِي الله عَنهُ قَالَ: بلغ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا: أَن ابْن مَسْعُود يَقُول: إِن طلق مَا لم ينْكح فَهُوَ جَائِز فَقَالَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا: أَخطَأ فِي هَذَا
إِن الله تَعَالَى يَقُول {إِذا نكحتم الْمُؤْمِنَات ثمَّ طلقتموهن من قبل أَن تمَسُّوهُنَّ} وَلم يقل {إِذا طلّقْتُم الْمُؤْمِنَات ثمَّ نكحتموهن}(6/626)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ من طَرِيق طَاوس عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَنه تَلا {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذا نكحتم الْمُؤْمِنَات ثمَّ طلقتموهن من قبل أَن تمَسُّوهُنَّ} قَالَ: فَلَا يكون طَلَاق حَتَّى يكون نِكَاح
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَنه قَالَ: إِذا قَالَ كل امْرَأَة أَتَزَوَّجهَا فَهِيَ طَالِق أَو ان تزوجت فُلَانَة فَهِيَ طَالِق فَلَيْسَ لشَيْء إِنَّمَا الطَّلَاق لمن يملك من أجل أَن الله يَقُول {إِذا نكحتم الْمُؤْمِنَات ثمَّ طلقتموهن}
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي السّنَن من طَرِيق عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: مَا قَالَهَا ابْن مَسْعُود وَإِن يكن قَالَهَا فزلة من عَالم فِي الرجل يَقُول: إِن تزوجت فُلَانَة فَهِيَ طَالِق
قَالَ الله تَعَالَى {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذا نكحتم الْمُؤْمِنَات} وَلم يقل {إِذا طلّقْتُم الْمُؤْمِنَات ثمَّ نكحتموهن}
وَأخرج الْحَاكِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ {لَا طَلَاق إِلَّا بعد نِكَاح وَلَا عتق إِلَّا بعد ملك}
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن عمر بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا طَلَاق فِيمَا لَا تملك وَلَا بيع فِيمَا لَا تملك وَلَا وَفَاء نذر فِيمَا لَا تملكن وَلَا نذر إِلَّا فِيمَا ابْتغى وَجه الله تَعَالَى وَمن حلف على مَعْصِيّة فَلَا يَمِين لَهُ وَمن حلف على قطيعة رحم فَلَا يَمِين لَهُ
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن جَابر بن عبد الله رَضِي الله عَنْهُمَا أَنه سمع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول لَا طَلَاق فِيمَا لَا تملك وَلَا عتق فِيمَا لَا تملك
وَأخرج ابْن ماجة وَابْن مرْدَوَيْه عَن الْمسور بن مُحرمَة رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَا طَلَاق قبل نِكَاح وَلَا عتق قبل ملك(6/627)
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (50)
- قَوْله تَعَالَى: يَا أَيهَا النَّبِي إِنَّا أَحللنَا لَك أَزوَاجك الَّاتِي أتيت أُجُورهنَّ وَمَا ملكت يَمِينك مِمَّا أَفَاء الله عَلَيْك وَبَنَات عمك وَبَنَات عَمَّاتك وَبَنَات خَالك وَبَنَات خَالَاتك اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَك وَامْرَأَة مُؤمنَة إِن وهبت نَفسهَا للنَّبِي إِن(6/627)
أَرَادَ النَّبِي أَن يستنكحها خَالِصَة لَك من دون الْمُؤمنِينَ قد علمنَا مَا فَرضنَا عَلَيْهِم فِي أَزوَاجهم وَمَا ملكت أَيْمَانهم لكيلا يكون عَلَيْك حرج وَكَانَ الله غَفُورًا رحِيما
أخرج ابْن سعد وَابْن رَاهَوَيْه وَعبد بن حميد وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ عَن أم هانىء بنت أبي طَالب رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: خطبني رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فاعتذرت إِلَيْهِ فعذرني فَأنْزل الله {يَا أَيهَا النَّبِي إِنَّا أَحللنَا لَك أَزوَاجك} إِلَى قَوْله {هَاجَرْنَ مَعَك} قَالَت: فَلم أكن أحل لَهُ لِأَنِّي لم أُهَاجِر مَعَه كنت من الطُّلَقَاء
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه من وَجه آخر عَن أم هانىء رَضِي الله عَنْهَا قَالَت نزلت فيَّ هَذِه الْآيَة {وَبَنَات عَمَّاتك وَبَنَات خَالك وَبَنَات خَالَاتك اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَك} فَأَرَادَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يَتَزَوَّجنِي فَنهى عني إِذْ لم أُهَاجِر
وَأخرج ابْن سعد عَن أبي صَالح مولى أم هانىء قَالَ: خطب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أم هانىء بنت أبي طَالب فَقَالَت: يَا رَسُول الله إِنِّي مؤتمة وَبني صغَار فَلَمَّا أدْرك بنوها عرضت عَلَيْهِ نَفسهَا فَقَالَ: الْآن فَلَا
إِن الله تَعَالَى أنزل عليَّ {يَا أَيهَا النَّبِي إِنَّا أَحللنَا لَك أَزوَاجك} إِلَى {هَاجَرْنَ مَعَك} وَلم تكن من الْمُهَاجِرَات
وَأخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {يَا أَيهَا النَّبِي إِنَّا أَحللنَا لَك أَزوَاجك} إِلَى قَوْله {خَالِصَة لَك من دون الْمُؤمنِينَ} قَالَ: فَحرم الله عَلَيْهِ سوى ذَلِك من النِّسَاء وَكَانَ قبل ذَلِك ينْكح فِي أَي النِّسَاء شَاءَ لم يحرم ذَلِك عَلَيْهِ وَكَانَ نساؤه يجدن من ذَلِك وجدا شَدِيدا أَن ينْكح فِي أَي النِّسَاء أحب فَلَمَّا أنزل الله عَلَيْهِ
إِنِّي قد حرمت عَلَيْك من النِّسَاء سوى مَا قصصت عَلَيْك أعجب ذَلِك نِسَاءَهُ
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {إِنَّا أَحللنَا لَك أَزوَاجك} قَالَ: هن أَزوَاجه الأول اللَّاتِي كن قبل أَن تنزل هَذِه الْآيَة فِي قَوْله {اللَّاتِي آتيت أُجُورهنَّ} قَالَ: صدقاتهن(6/628)
{وَمَا ملكت يَمِينك} قَالَ: هِيَ الاماء الَّتِي أَفَاء الله عَلَيْهِ
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الشّعبِيّ رَضِي الله عَنهُ فِي الْآيَة قَالَ: رخص لَهُ فِي بَنَات عَمه وَبَنَات عماته وَبَنَات خَاله وَبَنَات خالاته اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَه أَن يتزوّج مِنْهُنَّ وَلَا يتَزَوَّج من غَيْرهنَّ وَرخّص لَهُ فِي امْرَأَة مُؤمنَة إِن وهبت نَفسهَا للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {إِن وهبت نَفسهَا للنَّبِي} قَالَ: بِغَيْر صدَاق أحل لَهُ ذَلِك وَلم يكن ذَلِك أحل لَهُ إِلَّا {خَالِصَة لَك من دون الْمُؤمنِينَ} قَالَ: خَاصَّة للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي السّنَن عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: الَّتِي وهبت نَفسهَا للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
خَوْلَة بنت حَكِيم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن سعد وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن عُرْوَة رَضِي الله عَنهُ: أَن خَوْلَة بنت حَكِيم بن الأقوص كَانَت من اللَّاتِي وهبْنَ أَنْفسهنَّ لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج ابْن سعد عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَامْرَأَة مُؤمنَة} قَالَ: نزلت فِي أم شريك الدوسية
وَأخرج ابْن سعد عَن مُنِير بن عبد الله الدوسي
أَن أم شريك غزيَّة بنت جَابر بن حَكِيم الدوسية عرضت نَفسهَا على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَانَت جميلَة فقبلها فَقَالَت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا: مَا فِي امْرَأَة حِين وهبت نَفسهَا لرجل خير قَالَت أم شريك رَضِي الله عَنْهَا: فَأَنا تِلْكَ فسماها الله تَعَالَى {مُؤمنَة} فَقَالَ {وَامْرَأَة مُؤمنَة إِن وهبت نَفسهَا للنَّبِي} فَلَمَّا نزلت هَذِه الْآيَة قَالَت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا: إِن الله يُسَارع لَك فِي هَوَاك
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن أبي حَاتِم عَن مُحَمَّد بن كَعْب وَعمر بن الحكم وَعبد الله بن عُبَيْدَة قَالُوا: تزوج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثَلَاث عشرَة امْرَأَة
سِتّ من قُرَيْش خَدِيجَة
وَعَائِشَة
وَحَفْصَة
وَأم حَبِيبَة
وَسَوْدَة
وَأم سَلمَة وَثَلَاث من بني عَامر بن صعصعة وَامْرَأَتَيْنِ من بني هِلَال
مَيْمُونَة بنت الْحَرْث وَهِي الَّتِي وهبت نَفسهَا للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَزَيْنَب أم الْمَسَاكِين وَهِي الَّتِي اخْتَارَتْ الدُّنْيَا
وَامْرَأَة من بني(6/629)
الْحَارِث وَهِي الَّتِي اتسعاذت مِنْهُ
وَزَيْنَب بنت جحش الأَسدِية
والسبيتين صَفِيَّة بنت حييّ
وَجُوَيْرِية بنت الْحَارِث الْخُزَاعِيَّة
وَأخرج ابْن سعد وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالطَّبَرَانِيّ عَن عَليّ بن الْحُسَيْن رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَامْرَأَة مُؤمنَة} هِيَ أم شريك الْأَزْدِيَّة الَّتِي وهبت نَفسهَا للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وخ ابْن سعد عَن ابْن أبي عون: ان ليلى بنت الْحطيم وهبت نَفسهَا للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ووهبن نسَاء أَنْفسهنَّ فَلم نسْمع أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قبل مِنْهُنَّ أحدا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير عَن الشّعبِيّ: إِنَّهَا امْرَأَة من الْأَنْصَار وهبت نَفسهَا للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهِي مِمَّا أرجا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي السّنَن عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: لم يكن عِنْد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم امْرَأَة وهبت نَفسهَا لَهُ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَسَعِيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ عَن سعيد بن الْمسيب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لَا تحل الْهِبَة لأحد بعد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن سعد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن الزُّهْرِيّ وابراهيم النَّخعِيّ رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {خَالِصَة لَك من دون الْمُؤمنِينَ} قَالَا: لَا تحل الْهِبَة لأحد بعد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن طَاوس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لَا يحل لأحد أَن يهب ابْنَته بِغَيْر مهر إِلَّا للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن مَكْحُول وَالزهْرِيّ قَالَا: لم تحل الْمَوْهُوبَة لأحد بعد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن ابْن شهَاب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لَا يحل لرجل أَن يهب ابْنَته بِغَيْر صدَاق قد جعل الله ذَلِك للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَاصَّة دون الْمُؤمنِينَ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد عَن عَطاء رَضِي الله عَنهُ فِي امْرَأَة وهبت نَفسهَا لرجل قَالَ: لَا يصلح إِلَّا بِالصَّدَاقِ لم يكن ذَلِك إِلَّا للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم(6/630)
وَأخرج البُخَارِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: جَاءَت امْرَأَة إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَت: يَا نَبِي الله هَل لَك فِي حَاجَة فَقَالَت ابْنة أنس: مَا كَانَ أقل حياءها فَقَالَ هِيَ خير مِنْك رغبت فِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فعرضت نَفسهَا عَلَيْهِ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن عُرْوَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كُنَّا نتحدث أَن أم شريك رَضِي الله عَنْهُمَا كَانَت مِمَّن وهبت نَفسهَا للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَانَت امْرَأَة صَالِحَة
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {وَامْرَأَة مُؤمنَة إِن وهبت نَفسهَا للنَّبِي} قَالَ: هِيَ مَيْمُونَة بنت الْحَرْث
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن سعد وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: وهبت مَيْمُونَة بنت الْحَرْث نَفسهَا للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج مَالك وَعبد الرَّزَّاق وَأحمد والخباري وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه عَن سهل بن سعد السَّاعِدِيّ: ان امْرَأَة جَاءَت إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَوهبت نَفسهَا لَهُ فَصمت فَقَالَ رجل: يَا رَسُول الله زوجنيها إِن لم يكن لَك بهَا حَاجَة قَالَ مَا عنْدك تعطيها قَالَ: مَا عِنْدِي إِلَّا ازاري قَالَ: ان أعطيتهَا ازارك جَلَست لَا ازار لَك فالتمس شَيْئا قَالَ: مَا أجد شَيْئا فَقَالَ: قد زوّجناكها بِمَا مَعَك من الْقُرْآن
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {إِن وهبت نَفسهَا للنَّبِي} قَالَ: فعلت وَلم يفعل
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {خَالِصَة لَك من دون الْمُؤمنِينَ} قَالَ: لَا تحل الْمَوْهُوبَة لغيرك وَلَو ان امْرَأَة وهبت نَفسهَا لرجل لم تحل لَهُ حَتَّى يُعْطِيهَا شَيْئا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {خَالِصَة لَك من دون الْمُؤمنِينَ} يَقُول: لَيْسَ لامْرَأَة أَن تهب نَفسهَا لرجل بِغَيْر ولي وَلَا مهر إِلَّا للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَت خَاصَّة لَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من دون النَّاس يَزْعمُونَ أَنَّهَا نزلت فِي مَيْمُونَة بنت الْحَارِث
هِيَ الَّتِي وهبت نَفسهَا للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم(6/631)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {قد علمنَا مَا فَرضنَا عَلَيْهِم} قَالَ: فرض الله أَن لَا تنْكح امْرَأَة إِلَّا بولِي وصداق وشهداء وَلَا ينْكح الرجل إِلَّا أَرْبعا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {قد علمنَا مَا فَرضنَا عَلَيْهِم فِي أَزوَاجهم} قَالَ: لَا يُجَاوز الرجل أَربع نسْوَة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {قد علمنَا مَا فَرضنَا عَلَيْهِم فِي أَزوَاجهم} قَالَ: فرض عَلَيْهِم أَنه لَا نِكَاح إِلَّا بولِي وشاهدين
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {قد علمنَا مَا فَرضنَا عَلَيْهِم فِي أَزوَاجهم} قَالَ: فرض عَلَيْهِم أَن لَا نِكَاح إِلَّا بولِي وشاهدين وَمهر
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {لكيلا يكون عَلَيْك حرج} قَالَ: جعله الله تَعَالَى فِي حل من ذَلِك وَكَانَ نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقسم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الشّعبِيّ أَنه قيل لَهُ: ان أَبَا مُوسَى نهى حِين فتح تستر أَن لَا تُوطأ الحبالى وَلَا يُشَارك الْمُشْركُونَ فِي أَوْلَادهم فَإِن المَاء يزِيد فِي الْوَلَد أَشَيْء قَالَه بِرَأْيهِ أَو شَيْء رَوَاهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم أَوْطَاس أَن تُوطأ حَامِل حَتَّى تضع أَو حَائِل حَتَّى تستبرأ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَالطَّبَرَانِيّ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَيْسَ منا من وطئ حُبْلَى وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالدَّارقطني وَأَبُو دَاوُد وَابْن منيع وَالْبَغوِيّ والباوردي وَابْن قَانِع وَالْبَيْهَقِيّ والضياء عَن أبي مُورق مولى نجيب قَالَ: غزونا مَعَ رويفع بن ثَابت الْأنْصَارِيّ نَحْو الْمغرب ففتحنا قَرْيَة يُقَال لَهَا: جربة
فَقَامَ فِينَا خَطِيبًا فَقَالَ: إِنِّي لَا أَقُول لكم إِلَّا مَا سَمِعت من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَامَ فِينَا يَوْم خَيْبَر قَالَ من كَانَ يُؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر فَلَا يسقين مَاءَهُ زرع غَيره
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما فتح تستر أصَاب أَبُو مُوسَى سَبَايَا فَكتب إِلَيْهِ عمر رَضِي الله عَنهُ: أَن لَا يَقع أحد على امْرَأَة حُبْلَى حَتَّى تضع وَلَا تشاركوا الْمُشْركين فِي أَوْلَادهم فَإِن المَاء تَمام الْوَلَد(6/632)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن تُوطأ الْحَامِل حَتَّى تضع والحائل حَتَّى تستبرأ بِحَيْضَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن طَاوس أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر منادياً فِي غَزْوَة غَزَاهَا: لَا يطَأ الرجل حَامِلا حَتَّى تضع وَلَا حَائِلا حَتَّى تحيض
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي أُمَامَة رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى يَوْم خَيْبَر أَن لَا تُوطأ الحبالى حَتَّى يَضعن(6/633)
تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلَا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَلِيمًا (51)
- قَوْله تَعَالَى: ترجي من تشَاء مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْك من تشَاء وَمن ابْتَغَيْت مِمَّن عزلت فَلَا جنَاح عَلَيْك ذَلِك أدنى أَن تقر أعينهن وَلَا يحزن ويرضين بِمَا آتيناهن كُلهنَّ وَالله يعلم مَا فِي قُلُوبكُمْ وَكَانَ الله عليما حكيما
أخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس {ترجي من تشَاء} يَقُول: تُؤخر
وَأخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {ترجي من تشَاء مِنْهُنَّ} قَالَ: أُمَّهَات الْمُؤمنِينَ {وَتُؤْوِي} يَعْنِي نسَاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَيَعْنِي بالارجاء يَقُول: من شِئْت خليت سَبيله مِنْهُنَّ وَيَعْنِي بالايواء يَقُول: من أَحْبَبْت أَمْسَكت مِنْهُنَّ
وَقَوله {وَمن ابْتَغَيْت مِمَّن عزلت فَلَا جنَاح عَلَيْك ذَلِك أدنى أَن تقر أعينهن وَلَا يحزن ويرضين بِمَا آتيتهن كُلهنَّ} يَعْنِي بذلك النِّسَاء اللَّاتِي أحلهن الله لَهُ من بَنَات الْعمة وَالْخَال وَالْخَالَة وَقَوله {اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَك} يَقُول: إِن مَاتَ من نِسَائِك الَّتِي عنْدك أحد أَو خليت سَبِيلهَا قد أحللت لَك مَكَان من مَاتَ من نِسَائِك اللَّاتِي كن عنْدك أَو خليت سَبِيلهَا فقد أحللت لَك أَن تستبدل من اللَّاتِي أحللت لَك وَلَا يصلح لَك ان تزد على عدَّة نِسَائِك اللَّاتِي عنْدك شَيْئا
وخ ابْن مرْدَوَيْه عَن مُجَاهِد قَالَ: كَانَ للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تسع نسْوَة فَخَشِينَا أَن يُطَلِّقهُنَّ فَقُلْنَ: يَا رَسُول الله اقْسمْ لنا من نَفسك وَمَالك وَمَا شِئْت وَلَا تطلقنا فَأنْزل الله {ترجي من تشَاء مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْك من تشَاء} إِلَى آخر الْآيَة
قَالَ: وَكَانَ المؤويات خَمْسَة: عَائِشَة
وَحَفْصَة
وَأم سَلمَة
وَزَيْنَب
وَأم حَبِيبَة
والمرجآت أَرْبَعَة: جوَيْرِية
ومَيْمُونَة
وَسَوْدَة
وَصفِيَّة(6/633)
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن سعيد بن الْمسيب عَن خَوْلَة بنت حَكِيم قَالَ: وَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تزوّجها فارجأها فِيمَن أرجا من نِسَائِهِ
وَأخرج ابْن سعد عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم موسعاً عَلَيْهِ فِي قسم أَزوَاجه يقسم بَينهُنَّ كَيفَ شَاءَ وَذَلِكَ قَوْله الله {ذَلِك أدنى أَن تقر أعينهن} إِذا علِمْنَ أَن ذَلِك من الله
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم موسعاً عَلَيْهِ فِي قسم أَزوَاجه أَن يقسم بَينهُنَّ كَيفَ شَاءَ فَلذَلِك قَالَ الله {ذَلِك أدنى أَن تقر أعينهن} إِذا علِمْنَ أَن ذَلِك من الله
وَأخرج عبد بن حميد عَن الشّعبِيّ
أَن امْرَأَة من الْأَنْصَار وهبت نَفسهَا للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَانَت فِيمَن ارجىء
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن الْحسن قَالَ: كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا خطب امْرَأَة لم يكن لرجل أَن يخطبها حَتَّى يتزوّجها أَو يَتْرُكهَا
وَأخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَابْن جرير عَن الْحسن وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن عَائِشَة قَالَت: كنت أغار من اللَّاتِي وهبْنَ أَنْفسهنَّ لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَقُول: كَيفَ تهب نَفسهَا فَلَمَّا أنزل الله {ترجي من تشَاء مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْك من تشَاء وَمن ابْتَغَيْت مِمَّن عزلت فَلَا جنَاح عَلَيْك} قلت: مَا أرى رَبك الا يُسَارع فِي هَوَاك
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن ماجة وَابْن الْمُنْذر وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا أَنَّهَا كَانَت تَقول: أما تَسْتَحي الْمَرْأَة أَن تهب نَفسهَا للرجل فَأنْزل الله فِي نسَاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {ترجي من تشَاء مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْك من تشَاء} فَقَالَ عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا: أرى رَبك يُسَارع فِي هَوَاك
وَأخرج ابْن سعد عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: لما نزلت {ترجي من تشَاء مِنْهُنَّ} قلت: إِن الله يُسَارع لَك فِيمَا تُرِيدُ
وَأخرج ابْن سعد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي السّنَن عَن الشّعبِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كن وهبْنَ أَنْفسهنَّ لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَدخل ببعضهن وارجأ بَعضهنَّ فَلم يقربن حَتَّى توفّي وَلم ينكحن بعده
مِنْهُنَّ أم شريك فَذَلِك قَوْله(6/634)
{ترجي من تشَاء مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْك من تشَاء}
وَأخرج ابْن سعد وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي زيد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: هم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يُطلق من نِسَائِهِ فَلَمَّا رأين ذَلِك أتينه فَقُلْنَ: لَا تخل سبيلنا وَأَنت فِي حل فِيمَا بَيْننَا وَبَيْنك افْرِضْ لنا من نَفسك وَمَالك مَا شئتن فَأنْزل الله {ترجي من تشَاء مِنْهُنَّ} نسْوَة يَقُول: تعزل من تشَاء فارجأ مِنْهُنَّ واوى نسْوَة وَكَانَ مِمَّن أَرْجَى مَيْمُونَة
وَجُوَيْرِية
وَأم حَبِيبَة
وَصفِيَّة
وَسَوْدَة
وَكَانَ يقسم بَينهُنَّ من نَفسه وَمَاله مَا شَاءَ وَكَانَ مِمَّن آوى عَائِشَة
وَحَفْصَة
وَأم سَلمَة
وَزَيْنَب
فَكَانَت قسمته من نَفسه وَمَاله بَينهُنَّ سَوَاء
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن شهَاب رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {ترجي من تشَاء} قَالَ: هَذَا أَمر جعله الله إِلَى نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي تأديبه نِسَاءَهُ لكَي يكون ذَلِك أقرّ لأعينهن وأرضى فِي عيشتهن وَلم نعلم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أرجأ مِنْهُنَّ شَيْئا وَلَا عَزله بعد أَن خيرهن فاخترنه
وَأخرج ابْن سعد عَن ثَعْلَبَة بن مَالك رَضِي الله عَنهُ قَالَ: هم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ان يُطلق بعض نسائهن فجعلنه فِي حل فَنزلت {ترجي من تشَاء مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْك من تشَاء}
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن سعد وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {ترجي من تشَاء مِنْهُنَّ} قَالَ: تَعْتَزِل من تشَاء مِنْهُنَّ لَا تَأتيه بِغَيْر طَلَاق {وَتُؤْوِي إِلَيْك من تشَاء} قَالَ: ترده إِلَيْك {وَمن ابْتَغَيْت مِمَّن عزلت} أَن تؤويه إِلَيْك إِن شِئْت
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {ترجي} قَالَ: تُؤخر
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لم يكن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُطلق كَانَ يعتزل
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يسْتَأْذن فِي يَوْم الْمَرْأَة منا بعد أَن أنزلت هَذِه الْآيَة {ترجي من تشَاء مِنْهُنَّ} فَقلت لَهَا: مَا كنت تَقُولِينَ(6/635)
قَالَت: كنت أَقُول لَهُ: إِن كَانَ ذَاك إِلَيّ فَإِنِّي لَا أُرِيد ان أوثر عَلَيْك أحدا(6/636)
لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا (52)
- قَوْله تَعَالَى: لَا يحل لَك النِّسَاء من بعد وَلَا أَن تبدل بِهن من أَزوَاج وَلَو أعْجبك حسنهنَّ إِلَّا مَا ملكت يَمِينك وَكَانَ الله على كل شَيْء رقيبا
أخرج الْفرْيَابِيّ والدارمي وَابْن سعد وَعبد الله بن أَحْمد فِي زَوَائِد الْمسند وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه والضياء فِي المختارة عَن زِيَاد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قلت لأبي رَضِي الله عَنهُ: أَرَأَيْت لَو أَن ازواج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم متن أما يحل لَهُ أَن يتَزَوَّج قَالَ: وَمَا يمنعهُ من ذَلِك قلت: قَوْله {لَا يحل لَك النِّسَاء من بعد} فَقَالَ: إِنَّمَا أحل لَهُ ضربا من النِّسَاء وَوصف لَهُ صفة فَقَالَ {يَا أَيهَا النَّبِي إِنَّا أَحللنَا لَك أَزوَاجك} الْأَحْزَاب الْآيَة 50 إِلَى قَوْله {وَامْرَأَة مُؤمنَة} ثمَّ قَالَ {لَا يحل لَك النِّسَاء من بعد} هَذِه الصّفة
وَأخرج عبد بن حميد وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن أَصْنَاف النِّسَاء إِلَّا مَا كَانَ من الْمُؤْمِنَات الْمُهَاجِرَات قَالَ {لَا يحل لَك النِّسَاء من بعد وَلَا أَن تبدل بِهن من أَزوَاج وَلَو أعْجبك حسنهنَّ إِلَّا مَا ملكت يَمِينك} فأحل لَهُ الفتيات الْمُؤْمِنَات {وَامْرَأَة مُؤمنَة إِن وهبت نَفسهَا للنَّبِي} الْأَحْزَاب الْآيَة 50 وَحرم كل ذَات دين إِلَّا الإِسلام وَقَالَ {يَا أَيهَا النَّبِي إِنَّا أَحللنَا لَك أَزوَاجك} الْأَحْزَاب الْآيَة 50 إِلَى قَوْله {خَالِصَة لَك من دون الْمُؤمنِينَ} وَحرم مَا سوى ذَلِك من أَصْنَاف النِّسَاء
وَأخرج أَبُو دَاوُد فِي ناسخه وَابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ يَقُول {لَا يحل لَك النِّسَاء من بعد} هَؤُلَاءِ الَّتِي سمى الله تَعَالَى لَهُ إِلَّا بَنَات عمك وَبَنَات عَمَّاتك وَبَنَات خَالك وَبَنَات خَالَاتك
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَأَبُو دَاوُد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {لَا يحل لَك النِّسَاء من بعد} مَا بيّنت لَك من هَذِه الْأَصْنَاف بَنَات عمك وَبَنَات عَمَّاتك وَبَنَات خَالك وَبَنَات خَالَاتك وَامْرَأَة مُؤمنَة إِن وهبت نَفسهَا للنَّبِي فأحل لَهُ من هَذِه الْأَصْنَاف أَن ينْكح مَا شَاءَ(6/636)
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {لَا يحل لَك النِّسَاء من بعد} يهوديات وَلَا نصرانيات لَا يَنْبَغِي أَن يكن أُمَّهَات الْمُؤمنِينَ {إِلَّا مَا ملكت يَمِينك} قَالَ: هِيَ اليهوديات والنصرانيات لَا بَأْس أَن يَشْتَرِيهَا
وَأخرج عبد بن حميد عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {لَا يحل لَك النِّسَاء من بعد} قَالَ: يَهُودِيَّة وَلَا نصرانيه
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس {لَا يحل لَك النِّسَاء من بعد} قَالَ: نهي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يتزوّج بعد نِسَائِهِ الأول شَيْئا
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {لَا يحل لَك النِّسَاء من بعد وَلَا أَن تبدل بِهن من أَزوَاج} قَالَ: حَبسه الله عَلَيْهِنَّ كَمَا حبسهن عَلَيْهِ
وَأخرج أَبُو دَاوُد فِي ناسخه وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما خيرهن الله فاخترن الله وَرَسُوله قصره عَلَيْهِنَّ فَقَالَ {لَا يحل لَك النِّسَاء من بعد}
وَأخرج ابْن سعد عَن عِكْرِمَة قَالَ: لما خير رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَزوَاجه اخْترْنَ الله وَرَسُوله فَأنْزل الله {لَا يحل لَك النِّسَاء من بعد} هَؤُلَاءِ التسع الَّتِي اخترنك فقد حرم عَلَيْك تَزْوِيج غَيْرهنَّ
وَأخرج ابْن سعد وَابْن أبي حَاتِم عَن ام سَلمَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: لم يمت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى أحل الله لَهُ أَن يتَزَوَّج من النِّسَاء مَا شَاءَ إِلَّا ذَات محرم وَذَلِكَ قَول الله {ترجي من تشَاء مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْك من تشَاء}
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَسَعِيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَأَبُو دَاوُد فِي ناسخه وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ من طَرِيق عَطاء عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: لم يمت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى أحل الله لَهُ أَن يتَزَوَّج من النِّسَاء مَا شَاءَ إِلَّا ذَات محرم لقَوْله {ترجي من تشَاء مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْك من تشَاء}
وَأخرج ابْن سعد عَن ابْن عَبَّاس
مثله
وَأخرج ابْن سعد عَن أبي بكر بن عبد الرَّحْمَن بن الْحَارِث بن هِشَام فِي قَوْله(6/637)
{لَا يحل لَك النِّسَاء من بعد} قَالَ: حبس رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على نِسَائِهِ فَلم يتَزَوَّج بعدهن
وَأخرج ابْن سعد عَن سُلَيْمَان بن يسَار رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما تزوج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الكندية وَبعث فِي العامريات ووهبت لَهُ أم شريك رَضِي الله عَنْهَا نَفسهَا قَالَت أَزوَاجه: لَئِن تزوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الغرائب مَاله فِينَا من حَاجَة فَأنْزل الله تَعَالَى حبس النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على أَزوَاجه وَأحل لَهُ من بَنَات الْعم والعمة وَالْخَال وَالْخَالَة مِمَّن هَاجر مَا شَاءَ وَحرم عَلَيْهِ مَا سوى ذَلِك إِلَّا مَا ملكت الْيَمين غير الْمَرْأَة المؤمنة الَّتِي وهبت نَفسهَا للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهِي أم شريك
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن سعد وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي ذَر رَضِي الله عَنهُ {لَا يحل لَك النِّسَاء من بعد} قَالَ: من المشركات إِلَّا مَا سبيت فملكته يَمِينك
وَأخرج الْبَزَّار وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ الْبَدَل فِي الْجَاهِلِيَّة أَن يَقُول الرجل: تنزل لي عَن امْرَأَتك وَأنزل لَك من امْرَأَتي فَأنْزل الله {وَلَا أَن تبدل بِهن من أَزوَاج وَلَو أعْجبك حسنهنَّ} قَالَ: فَدخل عُيَيْنَة بن حصن الْفَزارِيّ على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعِنْده عَائِشَة بِلَا اذن فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَيْن الاسْتِئْذَان قَالَ: يَا رَسُول الله مَا اسْتَأْذَنت على رجل من الْأَنْصَار مُنْذُ أدْركْت ثمَّ قَالَ: من هَذِه الْحُمَيْرَاء إِلَى جَنْبك فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: هَذِه عَائِشَة أم الْمُؤمنِينَ قَالَ: أَفلا أنزل لَك عَن أحسن الْخلق قَالَ: يَا عُيَيْنَة إِن الله حرم ذَلِك
فَلَمَّا ان خرج قَالَت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا: من هَذَا قَالَ: أَحمَق مُطَاع وَأَنه على مَا تَرين لسَيِّد فِي قومه
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن زيد بن أسلم رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَلَا أَن تبدل بِهن من أَزوَاج} قَالَ: كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّة يَقُول الرجل للرجل الآخر وَله امْرَأَة جميلَة: تبادل امْرَأَتي بامرأتك وَأَزِيدك إِلَى مَا ملكت يَمِينك وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن عبد الله بن شَدَّاد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَلَا أَن تبدل بِهن من أَزوَاج} قَالَ: ذَلِك لَو طلقهن لم(6/638)
يحل لَهُ أَن يسْتَبْدل وَقد كَانَ ينْكح بعد مَا نزلت هَذِه الْآيَة مَا شَاءَ قَالَ: وَنزلت وَتَحْته تسع نسْوَة ثمَّ تزوج بعد أم حَبِيبَة رَضِي الله عَنْهَا بنت أبي سُفْيَان وَجُوَيْرِية بنت الْحَارِث
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عَليّ بن زيد عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَلَا أَن تبدل بِهن من أَزوَاج} قَالَ: قصره الله على نِسَائِهِ التسع اللَّاتِي مَاتَ عَنْهُن قَالَ عَليّ: فاخبرت عَليّ بن الْحُسَيْن رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ: لَو شَاءَ تزوج غَيْرهنَّ وَلَفظ عبد بن حميد فَقَالَ: بل كَانَ لَهُ أَيْضا أَن يتَزَوَّج غَيْرهنَّ
وَأخرج عبد بن حميد عَن أنس بن مَالك قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم نزلت هَذِه الْآيَة {وَلَا أَن تبدل بِهن من أَزوَاج} قَالَ: كَانَ يَوْمئِذٍ يتَزَوَّج مَا شَاءَ
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {وَكَانَ الله على كل شَيْء رقيبا} أَي حفيظا(6/639)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا (53) إِنْ تُبْدُوا شَيْئًا أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (54)
- قَوْله تَعَالَى: يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تدْخلُوا بيُوت النَّبِي إِلَّا أَن يُؤذن لكم إِلَى طَعَام غير ناظرين إناه وَلَكِن إِذا دعيتم فادخلوا فَإِذا طَعِمْتُمْ فَانْتَشرُوا وَلَا مستأنسين لحَدِيث إِن ذَلِكُم كَانَ يُؤْذِي النَّبِي فيستحي مِنْكُم وَالله لَا يستحي من الْحق وَإِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعا فَاسْأَلُوهُنَّ من وَرَاء حجاب ذَلِكُم أطهر لقلوبكم وقلوبهن وَمَا كَانَ لكم أَن تُؤْذُوا رَسُول الله وَلَا أَن تنْكِحُوا أَزوَاجه من بعده أبدا إِن ذَلِكُم كَانَ عِنْد الله عَظِيما إِن تبدوا شَيْئا أَو تُخْفُوهُ فَإِن الله بِكُل شَيْء عليما
أخرج البُخَارِيّ وَابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ: يَا رَسُول الله يدْخل عَلَيْك الْبر والفاجر فَلَو أمرت أُمَّهَات الْمُؤمنِينَ بالحجاب فَأنْزل الله آيَة الْحجاب(6/639)
وَأخرج أَحْمد وَعبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه من طرق عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما تزوج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم زَيْنَب بنت جحش رَضِي الله عَنْهَا دَعَا الْقَوْم فطعموا ثمَّ جَلَسُوا يتحدثون وَإِذا هُوَ كَأَنَّهُ يتهيأ للْقِيَام فَلم يقومُوا فَلَمَّا رأى ذَلِك قَامَ فَلَمَّا قَامَ قَامَ من قَامَ وَقعد ثَلَاثَة نفر فجَاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ليدْخل فَإِذا الْقَوْم جُلُوس ثمَّ إِنَّهُم قَامُوا فَانْطَلَقت فَجئْت فاخبرت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنهم قد انْطَلقُوا فجَاء حَتَّى دخل فَذَهَبت أَدخل فَألْقى الْحجاب بيني وَبَينه فَأنْزل الله تَعَالَى {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تدْخلُوا بيُوت النَّبِي}
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَحسنه وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ كنت مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأتى بَاب امْرَأَة عرس بهَا فَإِذا عِنْدهَا قوم فَانْطَلق فَقضى حَاجته فَرجع وَقد خَرجُوا فَدخل وَقد أرْخى بيني وَبَينه سترا فَذَكرته لأبي طَلْحَة فَقَالَ: لَئِن كَانَ كَمَا تَقول لينزلن فِي هَذَا شَيْء
فَنزلت آيَة الْحجاب
وَأخرج ابْن سعد وَعبد بن حميد وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الْإِيمَان عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ كنت أَدخل على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِغَيْر إِذن فَجئْت يَوْمًا لأدخل فَقَالَ عَليّ: مَكَانك يَا بني إِنَّه قد حدث بعْدك أَمر لَا تدخل علينا إِلَّا بِإِذن
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ دخل رجل على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فاطال الْجُلُوس فَقَامَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مرَارًا كي يتبعهُ وَيقوم فَلم يفعل فَدخل عمر رَضِي الله عَنهُ فَرَأى الرجل وَعرف الْكَرَاهِيَة فِي وَجه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَنظر إِلَى الرجل المقعد فَقَالَ: لَعَلَّك آذيت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَفطن الرجل فَقَامَ فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لقد قُمْت مرَارًا كي يَتبعني فَلم يفعل فَقَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ: لَو اتَّخذت حِجَابا فَإِن نِسَاءَك لسن كَسَائِر النِّسَاء وَهُوَ أطهر لقلوبهن
فَأنْزل الله تَعَالَى {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تدْخلُوا بيُوت النَّبِي}
فَأرْسل إِلَى عمر رَضِي الله عَنهُ فَأخْبرهُ بذلك
وَأخرج النَّسَائِيّ وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه بِسَنَد صَحِيح عَن عَائِشَة(6/640)
رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: كنت آكل مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم طَعَاما فِي قَعْب فَمر عمر فَدَعَاهُ فَأكل فاصابت أُصْبُعه أُصْبُعِي فَقَالَ عمر: أوه لَو أطَاع فيكُن مَا رَأَتْكُنَّ عين
فَنزلت آيَة الْحجاب
وَأخرج ابْن سعد عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: نزل حجاب رَسُول الله فِي عمر
أكل مَعَ النَّبِي طَعَاما فاصاب يَده بعض أَيدي نسَاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأمر بالحجاب
وَأخرج ابْن سعد وَابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: مَا بَقِي أحد أعلم بالحجاب مني وَلَقَد سَأَلَني أبي بن كَعْب رَضِي الله عَنهُ فَقلت: نزل فِي زَيْنَب
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تدْخلُوا بيُوت النَّبِي} إِلَى قَوْله {غير ناظرين إناه} قَالَ: غير متحينين طَعَامه {وَلَكِن إِذا دعيتم فادخلوا فَإِذا طَعِمْتُمْ فَانْتَشرُوا} قَالَ: كَانَ هَذَا فِي بَيت أم سَلمَة رَضِي الله عَنْهَا أكلُوا ثمَّ أطالوا الحَدِيث فَجعل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يخرج وَيدخل
ويستحي مِنْهُم وَالله لَا يستحي من الْحق {وَإِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعا فَاسْأَلُوهُنَّ من وَرَاء حجاب} قَالَ: بلغنَا انهم أمرو بالحجاب عِنْد ذَلِك {لَا جنَاح عَلَيْهِنَّ فِي آبائهن} قَالَ: فَرخص لَهُنَّ أَن لَا يحتجبن من هَؤُلَاءِ
وَأخرج عبد بن حميد عَن الرّبيع بن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانُوا يجيئون فَيدْخلُونَ بَيت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَيَجْلِسُونَ فيتحدثون ليدرك الطَّعَام فَأنْزل الله تَعَالَى {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تدْخلُوا بيُوت النَّبِي إِلَّا أَن يُؤذن لكم إِلَى طَعَام غير ناظرين إناه} ليدرك الطَّعَام {وَلَا مستأنسين لحَدِيث} وَلَا تجلسوا فتحدثوا
وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله {غير ناظرين إناه} قَالَ: الانا: النضيج
يَعْنِي إِذا أدْرك الطَّعَام قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم
أما سَمِعت قَول الشَّاعِر: ينعم ذَاك الانا الغبيك كَمَا ينعم غرب المحالة الْجمل وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يطعم وَمَعَهُ بعض أَصْحَابه فاصابت يَد رجل مِنْهُم يَد عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا فكره ذَلِك النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَنزلت آيَة الْحجاب(6/641)
وَأخرج ابْن جرير عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا
ان أَزوَاج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كن يخْرجن بِاللَّيْلِ إِذا برزن إِلَى المناصع وَهُوَ صَعِيد فيح
وَكَانَ عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ يَقُول للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أحجب نِسَاءَك فَلم يكن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يفعل فَخرجت سَوْدَة رَضِي الله عَنْهَا بنت زَمعَة لَيْلَة من اللَّيَالِي عشَاء وَكَانَت امْرَأَة طَوِيلَة فناداها عمر رَضِي الله عَنهُ بِصَوْتِهِ أَلا قد عرفناك يَا سَوْدَة حرصاً على أَن ينزل الْحجاب فَأنْزل الله تَعَالَى الْحجاب
قَالَ الله تَعَالَى {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تدْخلُوا بيُوت النَّبِي}
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {غير ناظرين إناه} قَالَ: غير متحينين نضجه {وَلَا مستأنسين لحَدِيث} بعد أَن تَأْكُلُوا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {إناه} قَالَ: نضجه
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سُلَيْمَان بن أَرقم رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَلَا مستأنسين لحَدِيث} قَالَ: نزلت فِي الثُّقَلَاء
وَأخرج الْخَطِيب عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانُوا إِذا طعموا جَلَسُوا عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَجَاء أَن يَجِيء شَيْء فَنزلت {فَإِذا طَعِمْتُمْ فَانْتَشرُوا وَلَا مستأنسين لحَدِيث}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَإِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعا} قَالَ: أَزوَاج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلَيْهِنَّ الْحجاب
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَإِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعا} قَالَ: حَاجَة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: فضل النَّاس عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ بِأَرْبَع
بِذكرِهِ الاسارى يَوْم بدر أَمر بِقَتْلِهِم فَأنْزل الله {لَوْلَا كتاب من الله سبق} الْأَنْفَال الْآيَة 68
وبذكره الْحجاب أَمر نسَاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن(6/642)
يحتجبن فَقَالَت لَهُ زَيْنَب رَضِي الله عَنْهَا: وانك لَتَغَار علينا يَا ابْن الْخطاب وَالْوَحي ينزل فِي بُيُوتنَا
فَأنْزل الله {وَإِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعا}
وبدعوة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اللَّهُمَّ أيد الإِسلام بعمر
وبرأيه فِي أبي بكر كَانَ أول النَّاس بَايعه
وَأخرج ابْن سعد عَن مُحَمَّد بن كَعْب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا نَهَضَ إِلَى بَيته بادروه فَأخذُوا الْمجَالِس فَلَا يعرف بذلك فِي وَجه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا ببسط يَده إِلَى الطَّعَام مستحياً مِنْهُم فعوتبوا فِي ذَلِك فَأنْزل الله {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تدْخلُوا بيُوت النَّبِي}
وَأخرج ابْن سعد عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: نزل الْحجاب مبتنى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِزَيْنَب بنت جحش رَضِي الله عَنْهَا وَذَلِكَ سنة خمس من الْهِجْرَة وحجب نساؤه من يَوْمئِذٍ وَأَنا ابْن خمس عشرَة
وَأخرج ابْن سعد عَن صَالح بن كيسَان قَالَ: نزل حجاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على نِسَائِهِ فِي ذِي الْقعدَة سنة خمس من الْهِجْرَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {كَانَ لكم أَن تُؤْذُوا رَسُول الله} قَالَ: نزلت فِي رجل هم أَن يتزوّج بعض نسَاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعده قَالَ سُفْيَان: ذكرُوا أَنَّهَا عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رجل: لَئِن مَاتَ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأَتَزَوَّجَن عَائِشَة
فَأنْزل الله {وَمَا كَانَ لكم أَن تُؤْذُوا رَسُول الله}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن عبد الرَّحْمَن بن زيد بن أسلم قَالَ: بلغ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن رجلا يَقُول: إِن توفّي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تزوجت فُلَانَة من بعده فَكَانَ ذَلِك يُؤْذِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَنزل الْقُرْآن {وَمَا كَانَ لكم أَن تُؤْذُوا رَسُول الله}(6/643)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: بلغنَا أَن طَلْحَة بن عبيد الله قَالَ: أيحجبنا مُحَمَّد عَن بَنَات عمنَا ويتزوج نِسَاءَنَا من بَعدنَا لَئِن حدث بِهِ حدث لنتزوجن نِسَاءَهُ من بعده
فَنزلت هَذِه الْآيَة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ طَلْحَة بن عبيد الله: لَو قبض النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تزوجت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا
فَنزلت {وَمَا كَانَ لكم أَن تُؤْذُوا رَسُول الله}
وَأخرج ابْن سعد عَن أبي بكر بن مُحَمَّد بن عَمْرو بن حزم فِي قَوْله {وَمَا كَانَ لكم أَن تُؤْذُوا رَسُول الله} قَالَ: نزلت فِي طَلْحَة بن عبيد الله لِأَنَّهُ قَالَ: إِذا توفّي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تزوجت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي السّنَن عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رجل من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَو قد مَاتَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تزوجت عَائِشَة
أَو أم سَلمَة
فَأنْزل الله {وَمَا كَانَ لكم أَن تُؤْذُوا رَسُول الله}
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَن رجلا أَتَى بعض أَزوَاج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فكلمها وَهُوَ ابْن عَمها
فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا تقومن هَذَا الْمقَام بعد يَوْمك هَذَا فَقَالَ: يَا رَسُول الله إِنَّهَا ابْنة عمي وَالله مَا قلت لَهَا مُنْكرا وَلَا قَالَت لي قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: قد عرفت ذَلِك أَنه لَيْسَ أحد أغير من الله وَأَنه لَيْسَ أحد أغير مني فَمضى ثمَّ قَالَ: يَمْنعنِي من كَلَام ابْنة عمي لأَتَزَوَّجَنَّها من بعده فَأنْزل الله هَذِه الْآيَة فاعتق ذَلِك الرجل رَقَبَة وَحمل على عشرَة ابعرة فِي سَبِيل الله وَحج مَاشِيا فِي كَلمته
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أَسمَاء بنت عُمَيْس رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: خطبني عَليّ رَضِي الله عَنهُ فَبلغ ذَلِك فَاطِمَة رَضِي الله عَنْهَا فَاتَت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَت: إِن أَسمَاء متزوجة عليا فَقَالَ لَهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا كَانَ لَهَا أَن تؤذي الله وَرَسُوله
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي السّنَن عَن حُذَيْفَة رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ لامْرَأَته: إِن سرك أَن تَكُونِي زَوْجَتي فِي الْجنَّة فَلَا تتزوجي بعدِي فَإِن الْمَرْأَة فِي الْجنَّة لآخر أزواجها فِي الدُّنْيَا فَلذَلِك حرم أَزوَاج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن ينكحن بعده لِأَنَّهُنَّ أَزوَاجه فِي الْجنَّة
وَأخرج ابْن سعد عَن أبي أُمَامَة بن سهل بن حنيف فِي قَوْله {إِن تبدوا شَيْئا أَو تُخْفُوهُ} قَالَ: ان تتكلموا بِهِ فتقولن: نتزوج فُلَانَة لبَعض أَزوَاج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَو تخفوا ذَلِك فِي أَنفسكُم فَلَا تنطقوا بِهِ يُعلمهُ الله
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن شهَاب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: بلغنَا أَن الْعَالِيَة بنت ظبْيَان طَلقهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قبل أَن يحرم نساؤه على النَّاس فنكحت ابْن عَم لَهَا وَولدت فيهم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مقَاتل رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {إِن تبدوا شَيْئا} قَالَ:(6/644)
مِمَّا يكرههُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {أَو تُخْفُوهُ فِي أَنفسكُم فَإِن الله كَانَ بِكُل شَيْء عليماً} يَقُول: فَإِن الله يُعلمهُ(6/645)
لَا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ وَلَا أَبْنَائِهِنَّ وَلَا إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاءِ إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاءِ أَخَوَاتِهِنَّ وَلَا نِسَائِهِنَّ وَلَا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ وَاتَّقِينَ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا (55)
- قَوْله تَعَالَى: لَا جنَاح عَلَيْهِنَّ فِي آبائهن وَلَا أبنائهن وَلَا إخوانهن وَلَا أَبنَاء إخوانهن وَلَا أَبنَاء أخواتهن وَلَا نسائهن وَلَا مَا ملكت أيمانهن واتقين الله إِن الله كَانَ على كل شَيْء شَهِيدا
أخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {لَا جنَاح عَلَيْهِنَّ فِي آبائهن} حَتَّى بلغ {وَلَا نسائهن} قَالَ: أنزلت هَذِه اآلآية فِي نسَاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَاصَّة وَقَوله {نسائهن} يَعْنِي نسَاء المسلمات {أَو مَا ملكت أيمانهن} من المماليك والاماء وَرخّص لَهُنَّ أَن يروهن بعد مَا ضرب عَلَيْهِنَّ الْحجاب
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَأَبُو دَاوُد فِي ناسخه وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {لَا جنَاح عَلَيْهِنَّ فِي آبائهن} وَمن ذكر مَعَهُنَّ أَن يروهن يَعْنِي أَزوَاج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج ابْن سعد عَن الزُّهْرِيّ رَضِي الله عَنهُ أَنه قيل لَهُ: من كَانَ يدْخل على أَزوَاج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: كل ذِي رحم محرم من نسب أَو رضَاع قيل: فسائر النَّاس قَالَ: كن يحتجبن مِنْهُ حَتَّى إنَّهُنَّ ليكلمنه من وَرَاء حجاب وَرُبمَا كَانَ سترا وَاحِدًا إِلَّا المملوكين والمكاتبين فَإِنَّهُنَّ كن لَا يحتجبن مِنْهُم
وَأخرج ابْن سعد وَابْن أبي شيبَة وَأَبُو دَاوُد فِي ناسخه عَن أبي جَعْفَر مُحَمَّد بن عَليّ
أَن الْحسن وَالْحُسَيْن رَضِي الله عَنْهُمَا كَانَ لَا يريان أُمَّهَات الْمُؤمنِينَ فَقَالَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا: أَن رُؤْيَتهمَا لَهُنَّ لحل
وَأخرج ابْن سعد وَابْن أبي شيبَة وَأَبُو دَاوُد فِي ناسخه عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: بلغ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا ان عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا احْتَجَبت من الْحسن رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ: إِن رُؤْيَته لَهَا لتحل
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {لَا جنَاح عَلَيْهِنَّ} الْآيَة
قَالَ: لم يذكر الْعم وَالْخَال لانهما ينعتانها لابنائهما(6/645)
إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (56)
- قَوْله تَعَالَى: إِن الله وَمَلَائِكَته يصلونَ على النَّبِي يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا صلوا عَلَيْهِ وسلموا تَسْلِيمًا
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {يصلونَ} يتبركون
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي الْعَالِيَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: صَلَاة الله عَلَيْهِ: ثَنَاؤُهُ عَلَيْهِ عِنْد الْمَلَائِكَة وَصَلَاة الْمَلَائِكَة عَلَيْهِ: الدُّعَاء لَهُ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا
أَن بني إِسْرَائِيل قَالُوا لمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام: هَل يُصَلِّي رَبك فناداه ربه يَا مُوسَى إِن سألوك هَل يُصَلِّي رَبك فَقل: نعم
أَنا أُصَلِّي وملائكتي على أنبيائي ورسلي فَأنْزل الله على نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {إِن الله وَمَلَائِكَته يصلونَ على النَّبِي} الْآيَة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله {إِن الله وَمَلَائِكَته} الْآيَة
قَالَ: لما نزلت جعل النَّاس يهنؤنه بِهَذِهِ الْآيَة وَقَالَ أبي بن كَعْب: مَا أنزل فِيك خيرا إِلَّا خلطنا بِهِ مَعَك إِلَّا هَذِه الْآيَة
فَنزلت {وَبشر الْمُؤمنِينَ} التَّوْبَة الْآيَة 112
وَأخرج ابْن مردوية عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي الْآيَة قَالَ: صَلَاة الله على النَّبِي هِيَ مغفرته
إِن الله لَا يُصَلِّي وَلَكِن يغْفر وَأما صَلَاة النَّاس على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَهِيَ الاسْتِغْفَار
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ أَنه قَرَأَ (صلوا عَلَيْهِ كَمَا صلّى عَلَيْهِ وسلموا تَسْلِيمًا)
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن كَعْب بن عجْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما نزلت {إِن الله وَمَلَائِكَته يصلونَ على النَّبِي يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا صلوا عَلَيْهِ وسلموا تَسْلِيمًا} قُلْنَا: يَا رَسُول الله قد علمنَا السَّلَام عَلَيْك فَكيف الصَّلَاة عَلَيْك قَالَ قُولُوا: اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد كَمَا صليت على إِبْرَاهِيم وعَلى آل إِبْرَاهِيم انك حميد مجيد وَبَارك على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد كَمَا باركت على إِبْرَاهِيم وَآل إِبْرَاهِيم إِنَّك حميد مجيد
وَأخرج ابْن جرير عَن يُونُس بن خباب قَالَ: خَطَبنَا بِفَارِس فَقَالَ {إِن الله وَمَلَائِكَته}(6/646)
الْآيَة
قَالَ: انبأني من سمع ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا يَقُول: هَكَذَا انْزِلْ فَقَالُوا: يَا رَسُول الله قد علمنَا السَّلَام عَلَيْك فَكيف الصَّلَاة عَلَيْك فَقَالَ قُولُوا اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد كَمَا صليت على إِبْرَاهِيم وَآل ابرهيم إِنَّك حميد مجيد وَارْحَمْ مُحَمَّد وَآل مُحَمَّد كَمَا رحمت آل إِبْرَاهِيم انك حميد مجيد وَبَارك على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد كَمَا باركت على إِبْرَاهِيم وعَلى آل إِبْرَاهِيم إِنَّك حميد مجيد
وَأخرج ابْن جرير عَن إِبْرَاهِيم رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {إِن الله وَمَلَائِكَته} قَالُوا: يَا رَسُول الله هَذَا السَّلَام قد عَرفْنَاهُ فَكيف الصَّلَاة عَلَيْك فَقَالَ: قُولُوا اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد عَبدك وَرَسُولك وَأهل بَيته كَمَا صليت على إِبْرَاهِيم وَآل إِبْرَاهِيم إِنَّك حميد مجيد وَبَارك على مُحَمَّد وعَلى آل بَيته كَمَا باركت على آل إِبْرَاهِيم إِنَّك حميد مجيد
وَأخرج ابْن جرير عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي كثير بن أبي مَسْعُود الانصاري رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما نزلت {إِن الله وَمَلَائِكَته يصلونَ على النَّبِي} قَالُوا: يَا رَسُول الله هَذَا السَّلَام عَلَيْك قد عَرفْنَاهُ فَكيف الصَّلَاة عَلَيْك وَقد غفر لَك مَا تقدم من ذَنْبك وَمَا تَأَخّر قَالَ قُولُوا اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد كَمَا صليت على إِبْرَاهِيم اللَّهُمَّ بَارك على مُحَمَّد كَمَا باركت على آل إِبْرَاهِيم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق من طَرِيق أبي بكر بن مُحَمَّد بن عَمْرو بن حزم عَن رجل من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَقُول: اللَّهُمَّ على مُحَمَّد وعَلى أهل بَيته وعَلى أَزوَاجه وَذريته كَمَا صليت على إِبْرَاهِيم وَآل إِبْرَاهِيم إِنَّك حميد مجيد وَبَارك على مُحَمَّد وعَلى أهل بَيته وأزواجه وَذريته كَمَا باركت على إِبْرَاهِيم إِنَّك حميد مجيد
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة وَأحمد وَعبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَابْن مرْدَوَيْه عَن كَعْب بن عجْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رجل يَا رَسُول الله أما السَّلَام عَلَيْك فقد علمناه فَكيف الصَّلَاة عَلَيْك قَالَ قل اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد كَمَا صليت على آل إِبْرَاهِيم إِنَّك حميد مجيد اللَّهُمَّ بَارك على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد كَمَا باركت على آل إِبْرَاهِيم إِنَّك حميد مجيد(6/647)
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من سره أَن يكتال بالمكيال الأوفى إِذا صلى علينا أهل الْبَيْت فَلْيقل: اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد النَّبِي وأزواجه وَذريته وَأهل بَيته كَمَا صليت على آل إِبْرَاهِيم إِنَّك حميد مجيد
وَأخرج ابْن عدي عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من سره أَن يكتال بالمكيال الأوفى إِذا صلى علينا أهل الْبَيْت فَلْيقل اللَّهُمَّ اجْعَل صلواتك ورحمتك على مُحَمَّد وأزواجه وَذريته وَأُمَّهَات الْمُؤمنِينَ كَمَا صليت على إِبْرَاهِيم إِنَّك حميد مجيد
وَأخرج الدَّارقطني فِي الْأَفْرَاد وَابْن النجار فِي تَارِيخه عَن أبي بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كنت عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَجَاءَهُ رجل فَسلم فَرد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم واطلق وَجهه وَأَجْلسهُ إِلَى جنبه فَلَمَّا قضى الرجل حَاجته نَهَضَ فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَا أَبَا بكر هَذَا رجل يرفع لَهُ كل يَوْم كعمل أهل الأَرْض قلت: وَلم ذَاك قَالَ: إِنَّه كلما أصبح صلى عَليّ عشر مَرَّات كَصَلَاة الْخلق أجمع قلت: وَمَا ذَاك قَالَ: يَقُول: اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد النَّبِي عدد من صلى عَلَيْهِ من خلقك وصل على مُحَمَّد النَّبِي كَمَا يَنْبَغِي لنا أَن نصلي عَلَيْهِ وصل على مُحَمَّد النَّبِي كَمَا أمرتنا أَن نصلي عَلَيْهِ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَالنَّسَائِيّ وَابْن أبي عَاصِم والهيثم بن كُلَيْب الشَّاشِي وَابْن مرْدَوَيْه عَن طَلْحَة بن عبيد الله قَالَ: قلت يَا رَسُول الله كَيفَ الصَّلَاة عَلَيْك قَالَ قل اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد كَمَا صليت على إِبْرَاهِيم وعَلى آل إِبْرَاهِيم انك حميد مجيد
وَأخرج ابْن جرير عَن طَلْحَة بن عبيد الله رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أَتَى رجل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: سَمِعت الله يَقُول {إِن الله وَمَلَائِكَته يصلونَ على النَّبِي} فَكيف الصَّلَاة عَلَيْك قَالَ قل اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد كَمَا صليت على إِبْرَاهِيم انك حميد مجيد وَبَارك على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد كَمَا باركت على إِبْرَاهِيم إِنَّك حميد مجيد
وَأخرج ابْن جرير عَن كَعْب بن عجْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما نزلت {إِن الله وَمَلَائِكَته يصلونَ على النَّبِي}
قُمْت إِلَيْهِ فَقلت: السَّلَام عَلَيْك قد عَرفْنَاهُ(6/648)
فَكيف الصَّلَاة عَلَيْك يَا رَسُول الله قَالَ قل اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد كَمَا صليت على إِبْرَاهِيم وَآل إِبْرَاهِيم إِنَّك حميد مجيدوبارك على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد كَمَا باركت على إِبْرَاهِيم وَآل إِبْرَاهِيم إِنَّك حميد مجيد
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَعبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قُلْنَا يَا رَسُول الله هَذَا السَّلَام عَلَيْك قد علمناه فَكيف الصَّلَاة عَلَيْك قَالَ قُولُوا اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد عَبدك وَرَسُولك كَمَا صليت على آل إِبْرَاهِيم وَبَارك على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد كَمَا باركت على آل إِبْرَاهِيم
وَأخرج عبد بن حميد وَالنَّسَائِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ
انهم سَأَلُوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَيفَ نصلي عَلَيْك قَالَ قُولُوا اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد وَبَارك على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد كَمَا صليت وباركت على إِبْرَاهِيم وَآل إِبْرَاهِيم فِي الْعَالمين إِنَّك حميد مجيد
وَالسَّلَام كَمَا قد علمْتُم
وَأخرج مَالك وَعبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي مَسْعُود الْأنْصَارِيّ رَضِي الله عَنهُ
أَن بشير بن سعد قَالَ: يَا رَسُول الله أمرنَا الله أَن نصلي عَلَيْك فَكيف نصلي عَلَيْك فَسكت حَتَّى تمنينا أَنا لم نَسْأَلهُ ثمَّ قَالَ قُولُوا الله صل على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد كَمَا صليت على إِبْرَاهِيم وَبَارك على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد كَمَا باركت على إِبْرَاهِيم فِي الْعَالمين إِنَّك حميد مجيد
وَالسَّلَام كَمَا قد علمْتُم
وَأخرج مَالك وَأحمد وَعبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي حميد السَّاعِدِيّ رَضِي الله عَنهُ
أَنهم قَالُوا: يَا رَسُول الله كَيفَ نصلي عَلَيْك فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قُولُوا اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد وأزواجه وَذريته كَمَا صليت على إِبْرَاهِيم وَبَارك على مُحَمَّد وأزواجه وَذريته كَمَا باركت على آل إِبْرَاهِيم إِنَّك حميد مجيد
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عَليّ قَالَ: قلت يَا رَسُول الله كَيفَ نصلي عَلَيْك قَالَ قُولُوا اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد كَمَا صليت على إِبْرَاهِيم وَآل إِبْرَاهِيم إِنَّك حميد مجيد(6/649)
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قُلْنَا يَا رَسُول الله قد علمنَا كَيفَ السَّلَام عَلَيْك فَكيف نصلي عَلَيْك قَالَ قُولُوا اللَّهُمَّ اجْعَل صلواتك وبركاتك على آل مُحَمَّد كَمَا جَعلتهَا على آل إِبْرَاهِيم إِنَّك حميد مجيد
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِذا قَالَ الرجل فِي الصَّلَاة {إِن الله وَمَلَائِكَته يصلونَ على النَّبِي}
فَليصل عَلَيْهِ
وَأخرج ابْن خُزَيْمَة وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن أبي مَسْعُود عقبَة بن عَمْرو
أَن رجلا قَالَ: يَا رَسُول الله أما السَّلَام عَلَيْك فقد عَرفْنَاهُ فَكيف نصلي عَلَيْك إِذا نَحن صلينَا عَلَيْك فِي صَلَاتنَا فَصمت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ قَالَ إِذا أَنْتُم صليتم عليَّ فَقولُوا: اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد النَّبِي الْأُمِّي وعَلى آل مُحَمَّد كَمَا صليت على إِبْرَاهِيم وعَلى آل إِبْرَاهِيم وَبَارك على مُحَمَّد النَّبِي الْأُمِّي وعَلى آل مُحَمَّد كَمَا باركت على إِبْرَاهِيم وعَلى آل إِبْرَاهِيم انك حميد مجيد
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: يتَشَهَّد الرجل ثمَّ يُصَلِّي على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ يَدْعُو لنَفسِهِ
وَأخرج البُخَارِيّ فِي الْأَدَب الْمُفْرد عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أَيّمَا رجل مُسلم لم يكن عِنْده صَدَقَة فَلْيقل فِي دُعَائِهِ اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد عَبدك وَرَسُولك وصل على الْمُؤمنِينَ وَالْمُؤْمِنَات وَالْمُسْلِمين وَالْمُسلمَات فَإِنَّهَا لَهُ زَكَاة
وَأخرج البُخَارِيّ فِي الْأَدَب الْمُفْرد عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من قَالَ: اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد كَمَا صليت على إِبْرَاهِيم وَآل إِبْرَاهِيم وَبَارك على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد كَمَا باركت على إِبْرَاهِيم وَآل إِبْرَاهِيم وترحم على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد كَمَا ترحمت على إِبْرَاهِيم وَآل إِبْرَاهِيم
شهِدت لَهُ يَوْم الْقِيَامَة بِالشَّهَادَةِ وشفعت لَهُ
وَأخرج البُخَارِيّ فِي الْأَدَب عَن أنس وَمَالك بن أَوْس بن الْحدثَان
أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام جَاءَنِي فَقَالَ: من صلى عَلَيْك وَاحِدَة صلى الله عَلَيْهِ عشرا وَرفع لَهُ عشر دَرَجَات
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَالْبُخَارِيّ فِي الْأَدَب عَن أنس بن مَالك رَضِي الله(6/650)
عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من صلى عليَّ صَلَاة وَاحِدَة صلى الله عَلَيْهِ عشر صلوَات وَحط عَنهُ عشر خطيآت
وَأخرج البُخَارِيّ فِي الْأَدَب وَمُسلم عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من صل عليَّ صَلَاة وَاحِدَة صلى الله عَلَيْهِ عشرا
وَأخرج البُخَارِيّ فِي الْأَدَب عَن جَابر بن عبد الله رَضِي الله عَنهُ
أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رقي الْمِنْبَر فَلَمَّا رقي الدرجَة الأولى قَالَ آمين ثمَّ رقي الثَّانِيَة فَقَالَ: آمين ثمَّ رقي الثَّالِثَة فَقَالَ: آمين
فَقَالُوا: يَا رَسُول الله سمعناك تَقول آمين ثَلَاث مَرَّات قَالَ: لما رقيت الدرجَة الأولى جَاءَنِي جِبْرِيل فَقَالَ شقي عبد أدْرك رَمَضَان فانسلخ مِنْهُ وَلم يغْفر لَهُ فَقلت آمين
ثمَّ قَالَ: شقي عبد أدْرك وَالِديهِ أَو أَحدهمَا فَلم يدْخلَاهُ الْجنَّة فَقلت آمين
ثمَّ قَالَ: شقي عبد ذكرت عِنْده وَلم يصل عَلَيْك فَقلت آمين
وَأخرج ابْن سعد وَأحمد وَالنَّسَائِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن زيد بن أبي خَارِجَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قلت يَا رَسُول الله قد علمنَا كَيفَ السَّلَام عَلَيْك فَكيف نصلي عَلَيْك فَقَالَ صلوا عليَّ واجتهدوا ثمَّ قُولُوا: اللَّهُمَّ بَارك على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد كَمَا باركت على إِبْرَاهِيم وَآل إِبْرَاهِيم إِنَّك حميد مجيد
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أنس رَضِي الله عَنهُ
أَن رهطاً من الْأَنْصَار قَالُوا: يَا رَسُول الله كَيفَ الصَّلَاة عَلَيْك قَالَ: قُولُوا اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد وَآل مُحَمَّد كَمَا صليت على إِبْرَاهِيم وَآل إِبْرَاهِيم
فَقَالَ فَتى من الْأَنْصَار: يَا رَسُول الله من آل مُحَمَّد قَالَ: كل مُؤمن
وَأخرج أَحْمد وَعبد بن حميد وَابْن مرْدَوَيْه عَن بُرَيْدَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قُلْنَا يَا رَسُول الله قد علمنَا كَيفَ نسلم عَلَيْك فَكيف نصلي عَلَيْك قَالَ قُولُوا اللَّهُمَّ اجْعَل(6/651)
صلواتك ورحمتك وبركاتك على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد كَمَا جَعلتهَا على إِبْرَاهِيم إِنَّك حميد مجيد
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّكُم تعرضون عليَّ بأسمائكم ومسماكم فاحسنوا الصَّلَاة عليَّ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن مُجَاهِد عَن أبي طَلْحَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: دخلت على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَوَجَدته مَسْرُورا فَقلت: يَا رَسُول الله مَا أَدْرِي مَتى رَأَيْتُك أحسن بشرا وَأطيب نفسا من الْيَوْم قَالَ وَمَا يَمْنعنِي وَجِبْرِيل خرج من عِنْدِي السَّاعَة فبشرني أَن لكل عبد صلّى عليَّ صَلَاة يكْتب لَهُ بهَا عشر حَسَنَات ويمحى عَنهُ عشر سيئات وَيرْفَع لَهُ بهَا عشر دَرَجَات ويعرض عَليّ كَمَا قَالَهَا وَيرد عَلَيْهِ بِمثل مَا دَعَا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن ابْن عُيَيْنَة قَالَ: أَخْبرنِي يَعْقُوب بن زيد التَّيْمِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَتَانِي آتٍ من رَبِّي فَقَالَ: لَا يُصَلِّي عَلَيْك عبد صَلَاة إِلَّا صلّى عَلَيْهِ عشرا
فَقَالَ رجل: يَا رَسُول الله أَلا أجعَل نصف دعائي لَك قَالَ: إِن شِئْت قَالَ: أَلا أجعَل كل دعائي لَك قَالَ: إِذن يَكْفِيك الله هم الدُّنْيَا وَالْآخِرَة
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَابْن النجار عَن الْحسن بن عَليّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالُوا يَا رَسُول الله أَرَأَيْت قَول الله {إِن الله وَمَلَائِكَته يصلونَ على النَّبِي} قَالَ إِن هَذَا لمن المكتوم وَلَوْلَا أَنكُمْ سَأَلْتُمُونِي عَنهُ مَا أَخْبَرتكُم إِن الله وكل بِي ملكَيْنِ لَا أذكر عِنْد عبد مُسلم فَيصَلي عليَّ إِلَّا قَالَ ذَانك الْملكَانِ: غفر الله لَك وَقَالَ الله وَمَلَائِكَته جَوَابا لِذَيْنِك الْملكَيْنِ: آمين
وَلَا أذكر عِنْد عبد مُسلم فَلَا يُصَلِّي عليّ إِلَّا قَالَ: ذَلِك الْملكَانِ لَا غفر الله لَك وَقَالَ الله وَمَلَائِكَته لِذَيْنِك الْملكَيْنِ: آمين
وَأخرج مُسلم وَأحمد وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن حبَان عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من صلّى عليَّ وَاحِدَة صلى الله عَلَيْهِ عشرا
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَحسنه وَابْن حبَان عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أولى النَّاس بِي يَوْم الْقِيَامَة أَكْثَرهم عليَّ صَلَاة(6/652)
وَأخرج أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه وَابْن حبَان عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أولى النَّاس بِي يَوْم الْقِيَامَة أَكْثَرهم عليَّ صَلَاة
وَأخرج أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ عَن الْحُسَيْن بن عَليّ رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الْبَخِيل من ذكرت عِنْده فَلم يصل عليَّ
وَأخرج ابْن ماجة عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَا: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من نسي الصَّلَاة عليَّ اخطأ طَرِيق الْجنَّة
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَحسنه عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ مَا جلس قوم مَجْلِسا لم يذكرُوا الله فِيهِ وَلم يصلوا على نَبِيّهم إِلَّا كَانَ عَلَيْهِم ترة فَإِن شَاءَ عذبهم وَإِن شَاءَ غفر لَهُم
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن جَابر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا اجْتمع قوم ثمَّ تفَرقُوا عَن غير ذكر الله وَصَلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَّا قَامُوا عَن أنتن جيفة
وَأخرج النَّسَائِيّ وَابْن أبي عَاصِم وَأَبُو بكر فِي الغيلانيات وَالْبَغوِيّ فِي الجعديات وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب والضياء عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَا يجلس قوم مَجْلِسا لَا يصلونَ فِيهِ على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَّا كَانَ عَلَيْهِم حسرة وَإِن دخلُوا الْجنَّة لما يرَوْنَ من الثَّوَاب
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَتَانِي جِبْرِيل فَقَالَ: رغم أنف امرىء ذكرت عِنْده فَلم يصل عَلَيْك
وَأخرج القَاضِي اسمعيل عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كفى بِهِ شحا أَن يذكرنِي قوم فَلَا يصلونَ عليَّ
وَأخرج الْأَصْفَهَانِي فِي التَّرْغِيب والديلمي عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن أنجاكم يَوْم الْقِيَامَة من أهوالها ومواطنها أَكْثَرَكُم عليَّ فِي دَار الدُّنْيَا صَلَاة إِنَّه قد كَانَ فِي الله وَمَلَائِكَته كِفَايَة وَلَكِن خص الْمُؤمنِينَ بذلك ليثيبهم عَلَيْهِ
وَأخرج الْخَطِيب فِي تَارِيخه والأصفهاني عَن أبي بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ(6/653)
قَالَ: الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أمحق للخطايا من المَاء الْبَارِد وَالسَّلَام على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أفضل من عتق الرّقاب وَحب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أفضل من مهج الْأَنْفس أَو قَالَ من ضرب السَّيْف فِي سَبِيل الله
وَأخرج ابْن عدي عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا وَأبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلوا عليَّ صلى الله عَلَيْكُم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَعبد بن حميد وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن أبيّ بن كَعْب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رجل يَا رَسُول الله أَرَأَيْت ان جعلت صَلَاتي كلهَا عَلَيْك قَالَ إِذا يَكْفِيك الله مَا أهمك من دنياك وآخرتك
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَعبد بن حميد وَالتِّرْمِذِيّ عَن أبي طَلْحَة الانصاري رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أصبح رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمًا طيب النَّفس يرى فِي وَجهه الْبشر قَالُوا: يَا رَسُول الله أَصبَحت الْيَوْم طيبا يرى فِي وَجهك الْبشر قَالَ أَتَانِي آتٍ من رَبِّي فَقَالَ: من صلى عَلَيْك من أمتك صَلَاة كتب الله لَهُ بهَا عشر حَسَنَات ومحا عَنهُ عشر سيآت وَرفع لَهُ عشر دَرَجَات ورد عَلَيْهِ مثلهَا
وَفِي لفظ فَقَالَ: أَتَانِي الْملك فَقَالَ: يَا مُحَمَّد أما يرضيك أَن رَبك يَقُول: إِنَّه لَا يُصَلِّي عَلَيْك أحد من أمتك إِلَّا صليت عَلَيْهِ عشرا وَلَا يسلم عَلَيْك أحد من أمتك إِلَّا سلمت عَلَيْهِ عشرا قَالَ: بلَى
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان وَابْن عَسَاكِر وَابْن الْمُنْذر فِي تَارِيخه عَن أنس بن مَالك رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن أقربكم مني يَوْم الْقِيَامَة فِي كل موطن أَكْثَرَكُم عليَّ صَلَاة فِي الدُّنْيَا من صلّى عليَّ يَوْم الْجُمُعَة وَلَيْلَة الْجُمُعَة مائَة مرّة قضى الله لَهُ مائَة حَاجَة سبعين من حوائج الْآخِرَة وَثَلَاثِينَ من حوائج الدُّنْيَا ثمَّ يُوكل الله بذلك ملكا يدْخلهُ فِي قَبْرِي كَمَا يدْخل عَلَيْكُم الْهَدَايَا يُخْبِرنِي بِمن صلّى عليَّ باسمه وَنسبه إِلَى عشرَة فأثبته عِنْدِي فِي صحيفَة بَيْضَاء
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب والخطيب وَابْن عَسَاكِر عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من صلّى عليَّ عِنْد قَبْرِي سمعته وَمن صلّى عليَّ نَائِيا كفى أَمر دُنْيَاهُ وآخرته وَكنت لَهُ شَهِيدا وشفيعاً يَوْم الْقِيَامَة(6/654)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَكْثرُوا الصَّلَاة عليَّ يَوْم الْجُمُعَة فَإِنَّهَا معروضة عليّ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم فِي الكنى عَن عَامر بن ربيعَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من صلّى عليَّ صَلَاة صلّى الله عَلَيْهِ عشرا فَأَكْثرُوا أَو أقلوا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا
أَنه كَانَ إِذا صلى على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: اللَّهُمَّ تقبل شَفَاعَة مُحَمَّد الْكُبْرَى وارفع دَرَجَته الْعليا وأعطه سؤله فِي الْآخِرَة وَالْأولَى كَمَا آتيت إِبْرَاهِيم ومُوسَى
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن ماجة وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِذا صليتم على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأحْسنُوا الصَّلَاة عَلَيْهِ فَإِنَّكُم لَا تَدْرُونَ لَعَلَّ ذَلِك يعرض عَلَيْهِ
قَالُوا: فَعلمنَا
قَالَ: قُولُوا اللَّهُمَّ اجْعَل صلواتك ورحمتك وبركاتك على سيد الْمُرْسلين وَإِمَام الْمُتَّقِينَ وَخَاتم النَّبِيين مُحَمَّد عَبدك وَرَسُولك إِمَام الْخَيْر وقائد الْخَيْر وَرَسُول الرَّحْمَة اللَّهُمَّ ابعثه مقَاما مَحْمُودًا يغبطه بِهِ الأوّلون وَالْآخرُونَ اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد كَمَا صليت على إِبْرَاهِيم وَآل إِبْرَاهِيم إِنَّك حميد مجيد
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قُلْنَا يَا رَسُول الله قد عرفنَا كَيفَ السَّلَام عَلَيْك فَكيف نصلي عَلَيْك قَالَ قُولُوا اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد وأبلغه دَرَجَة الْوَسِيلَة من الْجنَّة اللَّهُمَّ اجْعَل فِي المصطفين محبته وَفِي المقربين مودته وَفِي عليين ذكره وداره وَالسَّلَام عَلَيْك وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد كَمَا صليت على إِبْرَاهِيم وعَلى آل إِبْرَاهِيم انك حميد مجيد وَبَارك على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد
وَأخرج الْخَطِيب فِي تَارِيخه عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: زَينُوا مجالسكم بِالصَّلَاةِ على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج الشِّيرَازِيّ فِي الألقاب عَن زيد بن وهب قَالَ: قَالَ ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ: يَا زيد بن وهب لَا تدع إِذا كَانَ يَوْم الْجُمُعَة أَن تصلي على النَّبِي ألف مرّة تَقول: اللَّهُمَّ صل على النَّبِي الْأُمِّي(6/655)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالْقَاضِي اسمعيل وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الْإِيمَان عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ صلوا على أَنْبيَاء الله وَرُسُله فَإِن الله بَعثهمْ كَمَا بَعَثَنِي
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْقَاضِي اسمعيل وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الْإِيمَان عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: لَا تصلح الصَّلَاة على أحد إِلَّا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَكِن يدعى للْمُسلمين وَالْمُسلمَات بالاستغفار
وَأخرج ابْن أبي دَاوُد فِي الْمَصَاحِف عَن حميدة قَالَت: أوصت لنا عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا بمتاعها فَكَانَ فِي مصحفها {إِن الله وَمَلَائِكَته يصلونَ على النَّبِي} وَالَّذين يصفونَ الصُّفُوف الأول(6/656)
إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا (57)
- قَوْله تَعَالَى: إِن الَّذين يُؤْذونَ الله وَرَسُوله لعنهم الله فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَأعد لَهُم عذَابا مهينا
أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {إِن الَّذين يُؤْذونَ الله وَرَسُوله} الْآيَة
قَالَ: نزلت فِي الَّذين طعنوا على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين أَخذ صَفِيَّة بنت حَيّ رَضِي الله عَنْهَا
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: أنزلت فِي عبد الله بن أبي وناس مَعَه قذفوا عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا فَخَطب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ من يعذرني فِي رجل يُؤْذِينِي وَيجمع فِي بَيته من يُؤْذِينِي فَنزلت
وَأخرج الْحَاكِم عَن ابْن أبي مليكَة قَالَ: جَاءَ رجل من أهل الشَّام فسب عليا رَضِي الله عَنهُ عِنْد ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فَحَصَبه ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا وَقَالَ: يَا عدوّ الله آذيت رَسُول الله {إِن الَّذين يُؤْذونَ الله وَرَسُوله لعنهم الله فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة} لَو كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَيا لآذيته
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {إِن الَّذين يُؤْذونَ الله وَرَسُوله لعنهم الله فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة} قَالَ: آذوا الله فِيمَا يدعونَ مَعَه وآذوا رَسُول الله قَالُوا: إِنَّه سَاحر مَجْنُون(6/656)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {إِن الَّذين يُؤْذونَ الله وَرَسُوله} قَالَ: أَصْحَاب التصاوير
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي الْآيَة قَالَ: ذكر لنا أَن نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَقُول فِيمَا يروي عَن ربه عز وَجل شَتَمَنِي ابْن آدم وَلم يَنْبغ لَهُ أَن يَشْتمنِي وَكَذبَنِي وَلم يَنْبغ لَهُ أَن يكذبنِي فَأَما شَتمه إيَّايَ فَقَوله {اتخذ الله ولدا} الْبَقَرَة الْآيَة 116 وَأَنا الْأَحَد الصَّمد وَأما تَكْذِيبه إيَّايَ فَقَوله: لن يُعِيدنِي كَمَا بَدَأَنِي
قَالَ قَتَادَة: إِن كَعْبًا رَضِي الله عَنهُ كَانَ يَقُول: يخرج يَوْم الْقِيَامَة عنق من النَّار فَيَقُول: يَا أَيهَا النَّاس إِنِّي وكلت مِنْكُم بِثَلَاث بِكُل عَزِيز كريم وَبِكُل جَبَّار عنيد وبمن دَعَا مَعَ الله إِلَهًا آخر فيلتقطهم كَمَا يلتقط الطير الْحبّ من الأَرْض فتنطوي عَلَيْهِم فَتدخل النَّار فَتخرج عنق أُخْرَى فَتَقول: يَا أَيهَا النَّاس أَنِّي وكلت مِنْكُم بِثَلَاثَة
بِمن كذب الله وَكذب على الله وآذى الله فَأَما من كذب الله فَمن زعم أَن الله لَا يَبْعَثهُ بعد الْمَوْت وَأما من كذب على الله فَمن زعم أَن الله يتَّخذ ولدا وَأما من آذَى الله: فَالَّذِينَ يصورون وَلَا يحيون
فتلقطهم كَمَا تلقط الطير الْحبّ من الأَرْض فتنطوي عَلَيْهِم فَتدخل النَّار(6/657)
وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (58)
- قَوْله تَعَالَى: وَالَّذين يُؤْذونَ الْمُؤمنِينَ وَالْمُؤْمِنَات بِغَيْر مَا اكتسبوا فقد احتملوا بهتاناً وإثما مُبينًا
أخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن سعد فِي الطَّبَقَات وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَالَّذين يُؤْذونَ الْمُؤمنِينَ وَالْمُؤْمِنَات} قَالَ: يقعون {بِغَيْر مَا اكتسبوا} يَقُول: بِغَيْر مَا علمُوا {فقد احتملوا بهتاناً} قَالَ: إِثْمًا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي الْآيَة قَالَ: يلقى الجرب على أهل النَّار فيحكون حَتَّى تبدو الْعِظَام فَيَقُولُونَ: رَبنَا بِمَ أَصَابَنَا هَذَا فَيُقَال: بأذاكم الْمُسلمين
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي(6/657)
الْآيَة قَالَ: إيَّاكُمْ وأذى الْمُؤمنِينَ فَإِن الله يحوطهم ويغضب لَهُم وَقد زَعَمُوا أَن عمر بن الْخطاب قَرَأَهَا ذَات يَوْم فأفزعه ذَلِك حَتَّى ذهب إِلَى أُبي بن كَعْب رَضِي الله عَنهُ فَدخل عَلَيْهِ فَقَالَ: يَا أَبَا الْمُنْذر إِنِّي قَرَأت آيَة من كتاب الله تَعَالَى فَوَقَعت مني كل موقع {وَالَّذين يُؤْذونَ الْمُؤمنِينَ وَالْمُؤْمِنَات} وَالله إِنِّي لأعاقبهم وأضربهم فَقَالَ لَهُ: إِنَّك لست مِنْهُم إِنَّمَا أَنْت معلم
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الشّعبِيّ رَضِي الله عَنهُ أَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِنِّي لأبغض فلَانا فَقيل للرجل: مَا شَأْن عمر رَضِي الله عَنهُ يبغضك فَلَمَّا أَكثر الْقَوْم فِي الذّكر جَاءَ فَقَالَ: يَا عمر أفتقت فِي الإِسلام فتقاً قَالَ: لَا
قَالَ: فجنيت جِنَايَة قَالَ: لَا
قَالَ: أحدثت حَدثا قَالَ: لَا
قَالَ: فعلام تبغضني وَقد قَالَ الله {وَالَّذين يُؤْذونَ الْمُؤمنِينَ وَالْمُؤْمِنَات بِغَيْر مَا اكتسبوا فقد احتملوا بهتاناً وإثماً مُبينًا} فقد آذيتني فَلَا غفرها الله لَك
فَقَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ: صدق وَالله مَا فتق فتقاً وَلَا وَلَا فاغفرها لي فَلم يزل بِهِ حَتَّى غفرها لَهُ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا {وَالَّذين يُؤْذونَ الْمُؤمنِينَ وَالْمُؤْمِنَات} إِلَى قَوْله {وإثماً مُبينًا} قَالَ: فَكيف بِمن أحسن إِلَيْهِم يُضَاعف لَهُم الْأجر
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَابْن عَسَاكِر عَن عبد الله بن يسر رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَيْسَ منَّا ذُو حسد وَلَا نميمة وَلَا خِيَانَة وَلَا إهانة ثمَّ تَلا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَذِه الْآيَة {وَالَّذين يُؤْذونَ الْمُؤمنِينَ وَالْمُؤْمِنَات}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الْإِيمَان عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأَصْحَابه أَي الرِّبَا أربى عِنْد الله قَالُوا: الله وَرَسُوله أعلم قَالَ: أربى الرِّبَا عِنْد الله استحلال عرض امرىء مُسلم ثمَّ قَرَأَ {وَالَّذين يُؤْذونَ الْمُؤمنِينَ وَالْمُؤْمِنَات بِغَيْر مَا اكتسبوا}(6/658)
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (59)
- قَوْله تَعَالَى: يَا أَيهَا النَّبِي قل لِأَزْوَاجِك وبناتك وَنسَاء الْمُؤمنِينَ يدنين عَلَيْهِنَّ من جلابيبهن ذَلِك أدنى أَن يعرفن فَلَا يؤذين وَكَانَ الله غَفُورًا رحِيما(6/658)
أخرج ابْن سعد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: خرجت سَوْدَة رَضِي الله عَنْهَا بعد مَا ضرب الْحجاب لحاجتها وَكَانَت امْرَأَة جسيمة لَا تخفى على من يعرفهَا فرآها عمر رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ: يَا سَوْدَة إِنَّك وَالله مَا تخفين علينا فانظري كَيفَ تخرجين فَانْكَفَأت رَاجِعَة وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي بَيْتِي وَإنَّهُ ليتعشى وَفِي يَده عِرْقٌ فَدخلت وَقَالَت: يَا رَسُول الله إِنِّي خرجت لبَعض حَاجَتي فَقَالَ لي عمر رَضِي الله عَنهُ: كَذَا
كَذَا
فَأُوحي إِلَيْهِ ثمَّ رفع عَنهُ وان العِرْقَ فِي يَده فَقَالَ: إِنَّه قد أذن لَكِن ان تخرجن لحاجتكن
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن سعد وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي مَالك قَالَ: كَانَ نسَاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يخْرجن بِاللَّيْلِ لحاجتهن وَكَانَ نَاس من الْمُنَافِقين يتعرضون لَهُنَّ فيؤذين فَقيل: ذَلِك لِلْمُنَافِقين فَقَالُوا: إِنَّمَا نفعله بالإِماء
فَنزلت هَذِه الْآيَة {يَا أَيهَا النَّبِي قل لِأَزْوَاجِك وبناتك وَنسَاء الْمُؤمنِينَ يدنين عَلَيْهِنَّ من جلابيبهن ذَلِك أدنى أَن يعرفن فَلَا يؤذين} فَأمر بذلك حَتَّى عرفُوا من الأماء
وَأخرج ابْن جرير عَن أبي صَالح رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قدم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَدِينَة على غير منزل فَكَانَ نسَاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وغيرهن إِذا كَانَ اللَّيْل خرجن يقضين حوائجهن وَكَانَ رجال يَجْلِسُونَ على الطَّرِيق للغزل فَأنْزل الله {يَا أَيهَا النَّبِي قل لِأَزْوَاجِك وبناتك}
يَعْنِي بالجلباب حَتَّى تعرف الْأمة من الْحرَّة
وَأخرج ابْن سعد عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ رجل من الْمُنَافِقين يتَعَرَّض لِنسَاء الْمُؤمنِينَ يؤذيهن فَإِذا قيل لَهُ قَالَ: كنت أحسبها أمة فأمرهن الله تَعَالَى أَن يخالفن زِيّ الأماء ويدنين عَلَيْهِنَّ من جلابيبهن تخمر وَجههَا إِلَّا إِحْدَى عينيها {ذَلِك أدنى أَن يعرفن} يَقُول: ذَلِك أَحْرَى أَن يعرفن
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي هَذِه الْآيَة قَالَ: أَمر الله نسَاء الْمُؤمنِينَ إِذا خرجن من بُيُوتهنَّ فِي حَاجَة أَن يغطين وجوههن من فَوق رؤوسهن بالجلابيب ويبدين عينا وَاحِدَة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَأَبُو دَاوُد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ام سَلمَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: لما نزلت هَذِه الْآيَة {يدنين عَلَيْهِنَّ من جلابيبهن} خرج نسَاء الْأَنْصَار كَأَن على رؤوسهن الْغرْبَان من أكسيه سود يلبسنها(6/659)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي قلَابَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ لَا يدع فِي خِلَافَته أمة تقنع وَيَقُول: إِنَّمَا القناع للحرائر لكيلا يؤذين
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: رأى عمر رَضِي الله عَنهُ جَارِيَة مقنعة فضربها بدرته وَقَالَ: القي القناع لَا تشبهين بالحرائر
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عَائِشَة قَالَت: رحم الله نسَاء الْأَنْصَار لما نزلت {يَا أَيهَا النَّبِي قل لِأَزْوَاجِك وبناتك وَنسَاء الْمُؤمنِينَ}
شققْنَ مُرُوطهنَّ
فاعتجرن بهَا فصلين خلف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَكَأَنَّمَا على رؤوسهن الْغرْبَان
وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن شهَاب رَضِي الله عَنهُ أَنه قيل لَهُ: الْأمة تزوج فتخمر قَالَ {يَا أَيهَا النَّبِي قل لِأَزْوَاجِك وبناتك وَنسَاء الْمُؤمنِينَ يدنين عَلَيْهِنَّ من جلابيبهن} فَنهى الله الاماء أَن يتشبهن بالحرائر
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُحَمَّد بن سِيرِين رَضِي الله عَنهُ قَالَ: سَأَلت عُبَيْدَة رَضِي الله عَنهُ عَن هَذِه الْآيَة {يدنين عَلَيْهِنَّ من جلابيبهن} فَرفع ملحفة كَانَت عَلَيْهِ فقنع بهَا وغطى رَأسه كُله حَتَّى بلغ الحاجبين وغطى وَجهه وَأخرج عينه الْيُسْرَى من شقّ وَجهه الْأَيْسَر مِمَّا يَلِي الْعين
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة فِي قَوْله {يَا أَيهَا النَّبِي قل لِأَزْوَاجِك وبناتك وَنسَاء الْمُؤمنِينَ يدنين عَلَيْهِنَّ من جلابيبهن} قَالَ: أَخذ الله عَلَيْهِنَّ إِذا خرجن أَن يعدنها على الحواجب {ذَلِك أدنى أَن يعرفن فَلَا يؤذين} قَالَ: قد كَانَت الْمَمْلُوكَة يتناولونها فَنهى الله الْحَرَائِر يتشبهن بالاماء
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْكَلْبِيّ فِي الْآيَة قَالَ: كن النِّسَاء يخْرجن إِلَى الجبابين لقَضَاء حوائجهن فَكَانَ الْفُسَّاق يتعرضون لَهُنَّ فيؤذونهن فأمرهن الله أَن يدنين عَلَيْهِنَّ من جلابيبهن حَتَّى تعلم الْحرَّة من الْأمة
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُعَاوِيَة بن قُرَّة ان دعارا من دعار أهل الْمَدِينَة كَانُوا يخرجُون بِاللَّيْلِ فَيَنْظُرُونَ النِّسَاء ويغمزونهن وَكَانُوا لَا يَفْعَلُونَ ذَلِك بالحرائر إِنَّمَا يَفْعَلُونَ ذَلِك بالإِماء فَأنْزل الله هَذِه الْآيَة {يَا أَيهَا النَّبِي قل لِأَزْوَاجِك وبناتك وَنسَاء الْمُؤمنِينَ} إِلَى آخر الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي الْآيَة قَالَ:(6/660)
كَانَت الْحرَّة تلبس لِبَاس الْأمة فَأمر الله نسَاء الْمُؤمنِينَ أَن يدنين عَلَيْهِم من جلابيبهن وَأدنى الجلباب: أَن تقنع وتشده على جبينها
وَأخرج ابْن سعد عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {يَا أَيهَا النَّبِي قل لِأَزْوَاجِك وبناتك وَنسَاء الْمُؤمنِينَ يدنين عَلَيْهِنَّ من جلابيبهن ذَلِك أدنى أَن يعرفن فَلَا يؤذين} قَالَ: أماؤكن بِالْمَدِينَةِ يتَعَرَّض لَهُنَّ السُّفَهَاء فيؤذين فَكَانَت الْحرَّة تخرج فيحسب أَنَّهَا أمة فتؤذى فأمرهن الله أَن يدنين عَلَيْهِم من جلابيبهن
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ فِي الْآيَة قَالَ: كَانَ أنَاس من فساق أهل الْمَدِينَة بِاللَّيْلِ حِين يخْتَلط الظلام يأْتونَ إِلَى طرق الْمَدِينَة فيتعرضون للنِّسَاء وَكَانَت مسَاكِن أهل الْمَدِينَة ضيقَة فَإِذا كَانَ اللَّيْل خرج النِّسَاء إِلَى الطّرق فيقضين حاجتهن فَكَانَ أُولَئِكَ الْفُسَّاق يتبعُون ذَلِك مِنْهُنَّ فَإِذا رَأَوْا امْرَأَة عَلَيْهَا جِلْبَاب قَالُوا: هَذِه حرَّة فكفوا عَنْهَا وَإِذا رَأَوْا الْمَرْأَة لَيْسَ عَلَيْهَا جِلْبَاب قَالُوا: هَذِه أمة فَوَثَبُوا عَلَيْهَا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {يدنين عَلَيْهِنَّ من جلابيبهن} قَالَ: يسدلن عَلَيْهِنَّ من جلابيبهن
وَهُوَ القناع فَوق الْخمار وَلَا يحل لمسلمة أَن يَرَاهَا غَرِيب إِلَّا أَن يكون عَلَيْهَا القناع فَوق الْخمار وَقد شدت بِهِ رَأسهَا ونحرها
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ فِي الْآيَة قَالَ: تدني الجلباب حَتَّى لَا يرى ثغرة نحرها
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن عبد الله بن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {يدنين عَلَيْهِنَّ من جلابيبهن} قَالَ: هُوَ الرِّدَاء
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {يدنين عَلَيْهِنَّ من جلابيبهن} قَالَ: يتجلببن بهَا فيعلمن أَنَّهُنَّ حرائر فَلَا يعرض لَهُنَّ فَاسق بأذى من قَول وَلَا ريبه
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُحَمَّد بن سِيرِين رَضِي الله عَنهُ قَالَ: سَأَلت عبيدا السَّلمَانِي رَضِي الله عَنهُ عَن قَوْله الله {يدنين عَلَيْهِنَّ من جلابيبهن} فتقنع بملحفة فَغطّى رَأسه وَوَجهه وَأخرج احدى عَيْنَيْهِ(6/661)
لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا (60) مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا (61) سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا (62)
- قَوْله تَعَالَى: لَئِن لم ينْتَه المُنَافِقُونَ وَالَّذين فِي قُلُوبهم مرض والمرجفون فِي الْمَدِينَة لنغرينك بهم ثمَّ لَا يجاورونك فِيهَا إِلَّا قَلِيلا ملعونين أَيْنَمَا ثقفوا أخذُوا وقتِّلوا تقتيلا سنة الله فِي الَّذين خلوا من قبل وَلنْ تَجِد لسنة الله تبديلاً
أخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِن أُنَاسًا من الْمُنَافِقين أَرَادوا أَن يظهروا نفاقهم فَنزلت فيهم {لَئِن لم ينْتَه المُنَافِقُونَ وَالَّذين فِي قُلُوبهم مرض والمرجفون فِي الْمَدِينَة لنغرينك بهم} لنحرشنك بهم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي الْآيَة قَالَ (الارجاف) الْكَذِب الَّذِي كَانَ يذيعه أهل النِّفَاق وَيَقُولُونَ: قد أَتَاكُم عدد وعدة
وَذكر لنا: إِن الْمُنَافِقين أَرَادوا أَن يظهروا مَا فِي قُلُوبهم من النِّفَاق فأوعدهم الله بِهَذِهِ الْآيَة {لَئِن لم ينْتَه المُنَافِقُونَ وَالَّذين فِي قُلُوبهم مرض} إِلَى قَوْله {لنغرينك بهم} أَي لنحملك عَلَيْهِم ولنحرشنك بهم فَلَمَّا أوعدهم الله بِهَذِهِ الْآيَة كتموا ذَلِك وأسروه {ثمَّ لَا يجاورونك فِيهَا إِلَّا قَلِيلا} أَي بِالْمَدِينَةِ {ملعونين} قَالَ: على كل حَال {أَيْنَمَا ثقفوا أخذُوا وَقتلُوا تقتيلاً} قَالَ: إِذا هم أظهرُوا النِّفَاق {سنة الله فِي الَّذين خلوا من قبل} يَقُول: هَكَذَا سنة الله فيهم إِذا أظهرُوا النِّفَاق
وَأخرج ابْن سعد عَن مُحَمَّد بن كَعْب رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {لَئِن لم ينْتَه المُنَافِقُونَ} قَالَ: يَعْنِي الْمُنَافِقين بأعيانهم {وَالَّذين فِي قُلُوبهم مرض} شكّ
يَعْنِي الْمُنَافِقين أَيْضا
وَأخرج ابْن سعد عَن عبيد بن حنين رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {لَئِن لم ينْتَه المُنَافِقُونَ} قَالَ: عرف الْمُنَافِقين بأعيانهم {وَالَّذين فِي قُلُوبهم مرض والمرجفون فِي الْمَدِينَة} هم المُنَافِقُونَ جَمِيعًا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن طَاوس رَضِي الله عَنهُ فِي الْآيَة قَالَ: نزلت فِي بعض أُمُور النِّسَاء(6/662)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مَالك بن دِينَار رَضِي الله عَنهُ قَالَ: سَأَلت عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ عَن قَول الله {لَئِن لم ينْتَه المُنَافِقُونَ وَالَّذين فِي قُلُوبهم مرض} قَالَ: أَصْحَاب الْفَوَاحِش
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَطاء رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَالَّذين فِي قُلُوبهم مرض} قَالَ: أَصْحَاب الْفَوَاحِش
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَطاء رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَالَّذين فِي قُلُوبهم مرض} قَالَ: كَانُوا مُؤمنين وَكَانَ فِي أنفسهم أَن يزنوا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {لَئِن لم ينْتَه المُنَافِقُونَ} قَالَ: كَانَ النِّفَاق على ثَلَاثَة وُجُوه
نفاق مثل نفاق عبد الله بن أُبي بن سلول
ونفاق مثل نفاق عبد الله بن نَبْتَل وَمَالك بن داعس فَكَانَ هَؤُلَاءِ وُجُوهًا من وُجُوه الْأَنْصَار فَكَانُوا يستحبون أَن يَأْتُوا الزِّنَا يصونون بذلك أنفسهم {وَالَّذين فِي قُلُوبهم مرض} قَالَ: الزِّنَا إِن وجدوه عملوه وَإِن لم يجدوه لم يبتغوه
ونفاق يكابرون النِّسَاء مُكَابَرَة وهم هَؤُلَاءِ الَّذين كَانُوا يكابرون النِّسَاء {لَنُغْرِيَنَّكَ بهم} يَقُول: لَنُعلِّمَنَّك بهم ثمَّ قَالَ {ملعونين} ثمَّ فَصله فِي الْآيَة {أَيْنَمَا ثقفوا} يعْملُونَ هَذَا الْعَمَل مُكَابَرَة النِّسَاء {أخذُوا وَقتلُوا تقتيلاً} قَالَ: السّديّ رَضِي الله عَنهُ: هَذَا حكم فِي الْقُرْآن لَيْسَ يعْمل بِهِ
لَو أَن رجلا أَو أَكثر من ذَلِك اقتصوا أثر امْرَأَة فغلبوها على نَفسهَا فَفَجَرُوا بهَا كَانَ الحكم فيهم غير الْجلد وَالرَّجم
ان يؤخذوا فَتضْرب أَعْنَاقهم {سنة الله فِي الَّذين خلوا من قبل} كَذَلِك كَانَ يفعل بِمن مضى من الْأُمَم {وَلنْ تَجِد لسنة الله تبديلاً} قَالَ: فَمن كَابر امْرَأَة على نَفسهَا فغلبها فَقتل فَلَيْسَ على قَاتله دِيَة لِأَنَّهُ مكابر
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {لنغرينك بهم} قَالَ: لنسلطنك عَلَيْهِم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر والخطيب فِي تالي التَّلْخِيص عَن مُحَمَّد بن سِيرِين رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {لَئِن لم ينْتَه المُنَافِقُونَ} قَالَ: لَا أعلم أغري بهم حَتَّى مَاتَ
وَأخرج ابْن الْأَنْبَارِي عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ(6/663)
لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله {لنغرينك بهم} قَالَ: لنولعنك قَالَ الْحَارِث بن حلزة: لَا تخلنا على غرائك انا قَلما قد رشى بِنَا الْأَعْدَاء(6/664)
يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا (63) إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا (64) خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (65) يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا (66)
- قَوْله تَعَالَى: يَسْأَلك النَّاس عَن السَّاعَة قل إِنَّمَا علمهَا عِنْد الله وَمَا يدْريك لَعَلَّ السَّاعَة تكون قَرِيبا إِن الله لعن الْكَافرين وَأعد لَهُم سعيرا خَالِدين فِيهَا أبدا لَا يَجدونَ وليا وَلَا نَصِيرًا يَوْم تقلب وُجُوههم فِي النَّار يَقُولُونَ ياليتنا أَطعْنَا الله وأطعنل الرسولا
أخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كل شَيْء فِي الْقُرْآن {وَمَا يدْريك} فَلم يُخبرهُ بِهِ وَمَا كَانَ {مَا أَدْرَاك} فقد أخبرهُ(6/664)
وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا (67) رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا (68)
- قَوْله تَعَالَى: وَقَالُوا رَبنَا إِنَّا أَطعْنَا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا رَبنَا آتهم ضعفين من الْعَذَاب والعنهم لعنا كَبِيرا
أخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {رَبنَا إِنَّا أَطعْنَا سادتنا وكبراءنا} أَي رؤوسنا فِي الشَّرّ والشرك {رَبنَا آتهم ضعفين من الْعَذَاب} يَعْنِي بذلك جَهَنَّم
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {سادتنا وكبراءنا} قَالَ: مِنْهُم أَبُو جهل بن هِشَام(6/664)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا (69)
- قَوْله تَعَالَى: يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِين آذوا مُوسَى فبرأه الله مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْد الله وجيها
أخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن جرير وَابْن(6/664)
الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه من طرف عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ رجلا حيياً ستيراً لَا يرى من جلده شَيْء استحياء مِنْهُ فأذاه من أَذَاهُ من بني إِسْرَائِيل وَقَالُوا مَا يسْتَتر هَذَا السّتْر إِلَّا من عيب بجلده
إِمَّا برص وَإِمَّا أدرة وَإِمَّا آفَة وَإِن الله أَرَادَ أَن يُبرئهُ مِمَّا قَالُوا وان مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام خلا يَوْمًا وَحده فَوضع ثِيَابه على حجر ثمَّ اغْتسل فَلَمَّا فرغ أقبل إِلَى ثِيَابه ليأخذها وَإِن الْحجر عدا بِثَوْبِهِ فَأخذ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام عَصَاهُ وَطلب الْحجر فَجعل يَقُول: ثوبي حجر ثوبي حجر حَتَّى انْتهى إِلَى مَلأ من بني إِسْرَائِيل فرأوه عُريَانا أحسن مَا خلق الله وأبرأه مِمَّا يَقُولُونَ وَقَامَ الْحجر فَأخذ ثَوْبه فلبسه وطفق بِالْحجرِ ضربا بعصاه فوَاللَّه إِن بِالْحجرِ لندباً من أثر ضربه
ثَلَاثًا
أَو أَرْبعا أَو خمْسا
فَذَلِك قَوْله {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِين آذوا مُوسَى فبرأه الله مِمَّا قَالُوا}
وَأخرج الْبَزَّار وَابْن الْأَنْبَارِي فِي الْمَصَاحِف وة عَن أنس رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: كَانَ مُوسَى رجلا حيياً وَإنَّهُ أَتَى ليغتسل فَوضع ثِيَابه على صَخْرَة وَكَانَ لَا يكَاد تبدو عَوْرَته فَقَالَت بَنو إِسْرَائِيل: إِن مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام آدر بِهِ آفَة - يعنون أَنه لَا يضع ثِيَابه - فاحتملت الصَّخْرَة ثِيَابه حَتَّى صَارَت بحذاء مجَالِس بني إِسْرَائِيل فنظروا إِلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام كأحسن الرِّجَال فَأنْزل الله {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِين آذوا مُوسَى فبرأه الله مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْد الله وجيهاً}
وَأخرج أَحْمد عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن مُوسَى بن عمرَان كَانَ إِذا أَرَادَ أَن يدْخل المَاء لم يلق ثَوْبه حَتَّى يواري عَوْرَته فِي المَاء
وَأخرج ابْن أبي شيبَة فِي المُصَنّف وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {لَا تَكُونُوا كَالَّذِين آذوا مُوسَى} قَالَ: قَالَ لَهُ قومه: إِنَّه آدر
فَخرج ذَات يَوْم يغْتَسل فَوضع ثِيَابه على صَخْرَة فَخرجت الصَّخْرَة تشتد بثيابه فَخرج مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام يتبعهَا عُريَانا حَتَّى انْتَهَت بِهِ إِلَى مجَالِس بني إِسْرَائِيل فرأوه وَلَيْسَ بآدر فَذَلِك قَوْله {فبرأه الله مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْد الله وجيهاً}(6/665)
وَأخرج ابْن منيع وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا عَن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {لَا تَكُونُوا كَالَّذِين آذوا مُوسَى} قَالَ: صعد مُوسَى وَهَارُون الْجَبَل فَمَاتَ هَارُون عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَت بَنو إِسْرَائِيل لمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام: أَنْت قتلته كَانَ أَشد حبا لنا مِنْك وألين فآذوه من ذَلِك فَأمر الله الْمَلَائِكَة عَلَيْهِم السَّلَام فَحَملته فَمروا بِهِ على مجَالِس بني إِسْرَائِيل وتكلمت الْمَلَائِكَة عَلَيْهِم السَّلَام بِمَوْتِهِ فبرأه الله من ذَلِك فَانْطَلقُوا بِهِ فدفنوه وَلم يعرف قَبره إِلَّا الرخم وان الله جعل أَصمّ أبكم
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ من طَرِيق السّديّ رَضِي الله عَنهُ عَن أبي مَالك عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا وَعَن مرّة عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ وناس من الصَّحَابَة
أَن الله أوحى إِلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام: إِنِّي متوفِ هَارُون فَائت بِهِ جبل كَذَا وَكَذَا
فَانْطَلقَا نَحْو الْجَبَل فَإِذا هم بشجرة وَبَيت فِيهِ سَرِير عَلَيْهِ فرش وريح طيب فَلَمَّا نظر هَارُون عَلَيْهِ السَّلَام إِلَى ذَلِك الْجَبَل وَالْبَيْت وَمَا فِيهِ أعجبه قَالَ: يَا مُوسَى إِنِّي أحب أَن أَنَام على هَذَا السرير قَالَ: نم عَلَيْهِ قَالَ: نم معي
فَلَمَّا نَامَا أَخذ هَارُون عَلَيْهِ السَّلَام الْمَوْت فَلَمَّا قبض رفع ذَلِك الْبَيْت وَذَهَبت تِلْكَ الشَّجَرَة وَرفع السرير إِلَى السَّمَاء فَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام إِلَى بني إِسْرَائِيل قَالُوا: قتل هَارُون عَلَيْهِ السَّلَام وحسده حب بني إِسْرَائِيل لَهُ وَكَانَ هَارُون عَلَيْهِ السَّلَام أكف عَنْهُم وألين لَهُم وَكَانَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام فِيهِ بعض الغلظة عَلَيْهِم فَلَمَّا بلغه ذَلِك قَالَ: وَيحكم انه كَانَ أخي أفتروني أَقتلهُ فَلَمَّا أَكْثرُوا عَلَيْهِ قَامَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ ثمَّ دَعَا الله فَنزلت الْمَلَائِكَة بالسرير حَتَّى نظرُوا إِلَيْهِ بَين السَّمَاء وَالْأَرْض فصدقوه
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: أنزل الله {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِين آذوا مُوسَى فبرأه الله مِمَّا قَالُوا} قَالَ: لَا تُؤْذُوا مُحَمَّدًا كَمَا آذَى قوم مُوسَى
مُوسَى
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قسم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قسما فَقَالَ رجل: إِن هَذِه لقسمة مَا أُرِيد بهَا وَجه الله فَذكر ذَلِك للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فاحمر وَجهه ثمَّ قَالَ رَحْمَة الله على مُوسَى لقد أوذي بِأَكْثَرَ من هَذَا فَصَبر(6/666)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَكَانَ عِنْد الله وجيهاً} قَالَ: مستجاب الدعْوَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سِنَان عَمَّن حَدثهُ فِي قَوْله {وَكَانَ عِنْد الله وجيهاً} قَالَ: مَا سَأَلَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام ربه شَيْئا قطّ إِلَّا أعطَاهُ إِيَّاه إِلَّا النّظر(6/667)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71)
- قَوْله تَعَالَى: يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا اتَّقوا الله وَقُولُوا قولا سديداً يصلح لكم أَعمالكُم وَيغْفر لكم ذنوبكم وَمن يطع الله وَرَسُوله فقد فَازَ فوزا عَظِيما أخرج ابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: صلى بِنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَلَاة الظّهْر ثمَّ قَالَ على مَكَانكُمْ اثبتوا ثمَّ أَتَى الرِّجَال فَقَالَ: إِن الله أَمرنِي أَن آمركُم أَن تتقوا الله وَأَن تَقولُوا قولا سديداً ثمَّ أَتَى النِّسَاء فَقَالَ: إِن الله أَمرنِي أَن آمركن أَن تتقين الله وَأَن تقلن قولا سديداً
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد وَأَبُو دَاوُد فِي الْمَرَاسِيل عَن عُرْوَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أَكثر مَا كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على الْمِنْبَر يَقُول {اتَّقوا الله وَقُولُوا قولا سديداً}
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب التَّقْوَى عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: مَا قَامَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على الْمِنْبَر إِلَّا سمعته يَقُول {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا اتَّقوا الله وَقُولُوا قولا سديداً}
وَأخرج سمويه فِي فَوَائده عَن سهل بن سعد السَّاعِدِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا خطب النَّاس أَو علمهمْ لَا يدع هَذِه الْآيَة أَن يتلوها {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا اتَّقوا الله وَقُولُوا قولا سديداً} إِلَى قَوْله {فقد فَازَ فوزاً عَظِيما}
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه عَن سهل بن سعد السَّاعِدِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: مَا جلس رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على هَذَا الْمِنْبَر قطّ إِلَّا تَلا هَذِه الْآيَة {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا اتَّقوا الله وَقُولُوا قولا سديداً}
وَأخرج الطستي فِي مسَائِله عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَن نَافِع بن الْأَزْرَق سَأَلَهُ عَن قَوْله {قولا سديداً} قَالَ: قولا عدلا حَقًا
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم
أما سَمِعت قَول حَمْزَة بن عبد الْمطلب:(6/667)
أَمِين على مَا استودع الله قلبه فَإِن قَالَ قولا كَانَ فِيهِ مُسَددًا وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَقُولُوا قولا سديداً} قَالَ: صدقا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {قولا سديداً} قَالَ: عدلا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {قولا سديداً} قَالَ: سداداً
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَقُولُوا قولا سديداً} قَالَ: قُولُوا لَا إِلَه إِلَّا الله
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات من طَرِيق عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وَقُولُوا قولا سديداً} قَالَ: قُولُوا لَا إِلَه إِلَّا الله(6/668)
إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا (72) لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (73)
- قَوْله تَعَالَى: إِنَّا عرضنَا الْأَمَانَة على السَّمَوَات وَالْأَرْض وَالْجِبَال فأبين أَن يحملنها وأشفقن مِنْهَا وَحملهَا الإِنسان إِنَّه كَانَ ظلوماً جهولا ليعذب الله الْمُنَافِقين والمنافقات وَالْمُشْرِكين والمشركات وَيَتُوب الله على الْمُؤمنِينَ وَالْمُؤْمِنَات وَكَانَ الله غَفُورًا رحِيما
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن الْأَنْبَارِي فِي كتاب الأضداد عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {إِنَّا عرضنَا الْأَمَانَة} الْآيَة
قَالَ: الامانة الْفَرَائِض عرضهَا الله على السَّمَوَات وَالْأَرْض وَالْجِبَال إِن أدُّوها أثابهم وَإِن ضيعوها عذبهم فكرهوا ذَلِك واشفقوا من غير مَعْصِيّة وَلَكِن تَعْظِيمًا لدين الله أَن لَا يقومُوا بهَا ثمَّ عرضهَا على آدم فقبلها بِمَا فِيهَا
وَهُوَ قَوْله {وَحملهَا الإِنسان إِنَّه كَانَ ظلوماً جهولاً} يَعْنِي غراً بِأَمْر الله
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي الْعَالِيَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {إِنَّا عرضنَا الْأَمَانَة على السَّمَاوَات وَالْأَرْض} قَالَ: الْأَمَانَة: مَا أمروا بِهِ(6/668)
ونهوا عَنهُ
وَفِي قَوْله {وَحملهَا الإِنسان} قَالَ: آدم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم قَالَ: إِن الله عرض الْأَمَانَة على السَّمَاء الدُّنْيَا فَأَبت ثمَّ الَّتِي تَلِيهَا حَتَّى فرغ مِنْهَا ثمَّ الأَرْض ثمَّ الْجبَال ثمَّ عرضهَا على آدم عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ: نعم
بَين أُذُنِي وعاتقي قَالَ الله فَثَلَاث آمُرك بِهن فَإِنَّهُنَّ لَك عون
إِنِّي جعلت لَك بصراً وَجعلت لَك شفرتين ففضهما عَن كل شَيْء نهيتك عَنهُ وَجعلت لَك لِسَانا بَين لحيين فكفه عَن كل شَيْء نهيتك عَنهُ وَجعلت لَك فرجا وواريته فَلَا تكشفه إِلَى مَا حرمت عَلَيْك
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن الْأَنْبَارِي عَن ابْن جريج رَضِي الله عَنهُ فِي الْآيَة قَالَ: بَلغنِي أَن الله تَعَالَى لما خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض وَالْجِبَال قَالَ إِنِّي فارض فَرِيضَة وخالق جنَّة وَنَارًا وثواباً لمن أَطَاعَنِي وعقاباً لمن عَصَانِي فَقَالَت السَّمَاء: خلقتني فسخرت فيَّ الشَّمْس وَالْقَمَر والنجوم والسحاب وَالرِّيح والغيوب فانا مسخرة على مَا خلقتني لَا أتحمل فَرِيضَة وَلَا أبغي ثَوابًا وَلَا عقَابا وَقَالَت الأَرْض خلقتني وسخرتني فجرت فيَّ الْأَنْهَار فأخرجت مني الثِّمَار وخلقتني لما شِئْت فَأَنا مسخرة على مَا خلقتني لَا أتحمل فَرِيضَة وَلَا أبغي ثَوابًا وَلَا عقَابا وَقَالَت الْجبَال: خلقتني رواسي الأَرْض فَأَنا على مَا خلقتني لَا أتحمل فَرِيضَة وَلَا أبغي ثَوابًا وَلَا عقَابا فَلَمَّا خلق الله آدم عرض عَلَيْهِ فَحَمله {إِنَّه كَانَ ظلوماً} ظلمه نَفسه فِي خطيئته {جهولاً} بعاقبة مَا تحمل
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي الْآيَة قَالَ: لما خلق الله السَّمَوَات وَالْأَرْض وَالْجِبَال عرض الْأَمَانَة عَلَيْهِنَّ فَلم يقبلوها فَلَمَّا خلق آدم عَلَيْهِ السَّلَام عرضهَا عَلَيْهِ قَالَ: يَا رب وَمَا هِيَ قَالَ: هِيَ إِن أَحْسَنت أجرتك وَإِن أَسَأْت عَذَّبْتُك قَالَ: فقد تحملت يَا رب قَالَ: فَمَا كَانَ بَين أَن تحملهَا إِلَى أَن أخرج إِلَّا قدر مَا بَين الظّهْر وَالْعصر
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن الْأَنْبَارِي فِي كتاب الأضداد وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {إِنَّا عرضنَا الْأَمَانَة} قَالَ: عرضت على آدم عَلَيْهِ السَّلَام فَقيل: خُذْهَا بِمَا فِيهَا فَإِن أَطَعْت غفرت لَك وَإِن عصيت عَذَّبْتُك قَالَ:(6/669)
قبلتها بِمَا فِيهَا فَمَا كَانَ إِلَّا قدر مَا بَين الظّهْر إِلَى اللَّيْل من ذَلِك الْيَوْم حَتَّى أصَاب الذَّنب
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن أَشوع فِي الْآيَة قَالَ عرض عَلَيْهِنَّ الْعَمَل وَجعل لَهُنَّ الثَّوَاب فضججن إِلَى الله ثَلَاثَة أَيَّام ولياليهن فَقُلْنَ: رَبنَا لَا طَاقَة لنا بِالْعَمَلِ وَلَا نُرِيد الثَّوَاب
وَأخرج أَبُو عبيد وَابْن الْمُنْذر عَن الآزواعي أَن عمر بن عبد الْعَزِيز رَضِي الله عَنهُ عرض الْعَمَل على مُحَمَّد بن كَعْب فَأبى فَقَالَ لَهُ عمر رَضِي الله عَنهُ: أتعصي فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أَخْبرنِي عَن الله تَعَالَى حِين عرض {الْأَمَانَة على السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَالْجِبَال فأبين أَن يحملنها وأشفقن مِنْهَا} هَل كَانَ ذَلِك مِنْهَا مَعْصِيّة قَالَ: لَا
فَتَركه
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير من طَرِيق الضَّحَّاك عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: إِن الله قَالَ لآدَم عَلَيْهِ السَّلَام إِنِّي عرضت الْأَمَانَة على السَّمَوَات وَالْأَرْض وَالْجِبَال فَلم تطقها فَهَل أَنْت حاملها بِمَا فِيهَا قَالَ: أَي رب وَمَا فِيهَا قَالَ: إِن حملتها أجرت وَإِن ضيعتها عذبت قَالَ: قد حملتها بِمَا فِيهَا قَالَ: فَمَا عبر فِي الْجنَّة إِلَّا قدر مَا بَين الأولى وَالْعصر حَتَّى أخرجه إِبْلِيس من الْجنَّة قيل للضحاك: وَمَا الْأَمَانَة قَالَ: هِيَ الْفَرَائِض وَحقّ على كل مُؤمن أَن لَا يَغُشَّ مُؤمنا وَلَا معاهداً فِي شَيْء قَلِيل وَلَا كثير فَمن فعل فقد خَان أَمَانَته وَمن انْتقصَ من الْفَرَائِض شَيْئا فقد خَان أَمَانَته
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {إِنَّا عرضنَا الْأَمَانَة على السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَالْجِبَال} قَالَ: يَعْنِي بِهِ الدّين والفرائض وَالْحُدُود {فأبين أَن يحملنها وأشفقن مِنْهَا} قيل لَهُنَّ: أَن تحملنها وتؤدين حَقّهَا
فَقُلْنَا: لَا نطيق ذَلِك {وَحملهَا الإِنسان} قيل لَهُ: أتحملها قَالَ: نعم
قيل: أتؤدي حَقّهَا فَقَالَ: أُطِيق ذَلِك قَالَ الله {إِنَّه كَانَ ظلوماً جهولاً} أَي ظلوماً بهَا جهولاً عَن حَقّهَا {ليعذب الله الْمُنَافِقين والمنافقات وَالْمُشْرِكين والمشركات} قَالَ: هَذَا اللَّذَان خاناها {وَيَتُوب الله على الْمُؤمنِينَ وَالْمُؤْمِنَات} قَالَ: هَذَا اللَّذَان أدياها {وَكَانَ الله غَفُورًا رحِيما}(6/670)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ {إِنَّا عرضنَا الْأَمَانَة} قَالَ: الْفَرَائِض
وَأخرج الْفرْيَابِيّ عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {إِنَّا عرضنَا الْأَمَانَة} قَالَ: الدّين
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن زيد بن أسلم رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْأَمَانَة ثَلَاث
الصَّلَاة وَالصِّيَام وَالْغسْل من الْجَنَابَة
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن أبي بن كَعْب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: من الْأَمَانَة أَن ائتمنت الْمَرْأَة على فرجهَا
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي الْوَرع والحكيم التِّرْمِذِيّ عَن عبد الله بن عَمْرو قَالَ: أول مَا خلق الله من الإِنسان فرجه ثمَّ قَالَ: هَذِه أمانتي عنْدك فَلَا تضيعها إِلَّا فِي حَقّهَا
فالفرج أَمَانَة والسمع أَمَانَة وَالْبَصَر أَمَانَة
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن عَمْرو رَضِي الله عَنهُ قَالَ: من تَضْييع الْأَمَانَة: النّظر فِي الحجرات والدور
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الا وَمن الْأَمَانَة الا وَمن الْخِيَانَة أَن يحدث الرجل أَخَاهُ بِالْحَدِيثِ فَيَقُول: اكتم عني
فيفشيه
وَأخرج أَحْمد وَعبد بن حميد وَمُسلم عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن من أعظم الْأَمَانَة عِنْد الله يَوْم الْقِيَامَة الرجل يُفْضِي إِلَى امْرَأَته وتفضي إِلَيْهِ ثمَّ ينشر سرها
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَأحمد وَعبد بن حميد وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه وَأَبُو يعلى وَالْبَيْهَقِيّ والضياء عَن جَابر رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِذا حدث الرجل بِالْحَدِيثِ ثمَّ الْتفت فَهِيَ أَمَانَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {ليعذب الله الْمُنَافِقين} قَالَ: هما اللَّذَان ظلماها واللذان خاناها: الْمُنَافِق والمشرك
وَأخرج ابْن جرير بِسَنَد ضَعِيف عَن الحكم بن عُمَيْر وَكَانَ من أَصْحَاب النَّبِي(6/671)
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الْأَمَانَة وَالْوَفَاء نزلا على ابْن آدم مَعَ الْأَنْبِيَاء فأرسلوا بِهِ فَمنهمْ رَسُول الله وَمِنْهُم نَبِي وَمِنْهُم نَبِي رَسُول الله وَنزل الْقُرْآن وَهُوَ كَلَام الله وَنزلت الْعَرَبيَّة والعجمية فَعَلمُوا أَمر الْقُرْآن وَعَلمُوا أَمر السّنَن بألسنتهم وَلنْ يدع الله شئيا من أمره مِمَّا يأْتونَ وَمِمَّا يجتنبون وَهِي الْحجَج عَلَيْهِم إِلَّا بيّنت لَهُم فَلَيْسَ أهل لِسَان إِلَّا وهم يعْرفُونَ الْحسن من الْقَبِيح ثمَّ الْأَمَانَة أول شَيْء يرفع وَيبقى أَثَرهَا فِي جذور قُلُوب النَّاس ثمَّ يرفع الْوَفَاء والعهد والذمم وَتبقى الْكتب لعالم يعلمهَا وجاهل يعرفهَا وينكرها وَلَا يحملهَا حَتَّى وصل إليّ وَإِلَى أمتِي فَلَا يهْلك على الله إِلَّا هَالك وَلَا يغفله إِلَّا تَارِك والحذر أَيهَا النَّاس وَإِيَّاكُم والوسواس الخناس فَإِنَّمَا يبلوكم أَيّكُم أحسن عملا وَالله أعلم(6/672)
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم -
سُورَة سبأ
مَكِّيَّة وآياتها أَربع وَخَمْسُونَ
- مُقَدّمَة سُورَة سبأ أخرج ابْن الضريس والنحاس وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: نزلت سُورَة سبأ بِمَكَّة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: سُورَة سبأ مَكِّيَّة(6/673)
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (1) يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ (2) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (3) لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4) وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ (5) وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (6) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ (7) أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَمْ بِهِ جِنَّةٌ بَلِ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذَابِ وَالضَّلَالِ الْبَعِيدِ (8) أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (9)
- الْحَمد لله الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَوَات وَمَا فِي الأَرْض وَله الْحَمد فِي الْآخِرَة وَهُوَ الْحَكِيم الْخَبِير يعلم مَا يلج فِي الأَرْض وَمَا يخرج مِنْهَا وَمَا ينزل من السَّمَاء وَمَا يعرج فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيم الغفور وَقَالَ الَّذين كفرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَة قل بلَى وربي لتأتينكم عَالم الْغَيْب لَا يعزب عَنهُ مِثْقَال ذرة فِي السَّمَوَات وَلَا فِي الأَرْض وَلَا أَصْغَر من ذَلِك وَلَا أكبر إِلَّا فِي كتاب مُبين ليجزي الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات أُولَئِكَ لَهُم مغْفرَة ورزق كريم وَالَّذين سعوا فِي آيَاتنَا معاجزين أُولَئِكَ لَهُم عَذَاب من رجز أَلِيم وَيرى الَّذين أُوتُوا الْعلم الَّذِي أنزل إِلَيْك من رَبك هُوَ الْحق وَيهْدِي إِلَى صِرَاط الْعَزِيز الحميد وَقَالَ الَّذين كفرُوا هَل ندلكم على رجل ينبئكم إِذا مزقتم كل ممزق إِنَّكُم لفي خلق جَدِيد أفترى على الله كذبا أم بِهِ جنَّة بل الَّذين لَا يُؤمنُونَ(6/673)
بِالآخِرَة فِي الْعَذَاب والضلال الْبعيد أفلم يرَوا إِلَى مَا بَين أَيْديهم وَمَا خَلفهم من السَّمَاء وَالْأَرْض إِن نَشأ نخسف بهم الأَرْض أَو نسقط عَلَيْهِم كسفاً من السَّمَاء إِن فِي ذَلِك لآيَة لكل عبد منيب
أخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَهُوَ الْحَكِيم الْخَبِير} قَالَ {حَكِيم} فِي أمره {خَبِير} بخلقه
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {يعلم مَا يلج فِي الأَرْض} قَالَ: من الْمَطَر {وَمَا يخرج مِنْهَا} قَالَ: من النَّبَات {وَمَا ينزل من السَّمَاء} قَالَ: الْمَلَائِكَة {وَمَا يعرج فِيهَا} قَالَ: الْمَلَائِكَة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {قل بلَى وربي لتأتينكم عَالم الْغَيْب} قَالَ: يَقُول: بلَى وربي عَالم الْغَيْب لتأتينكم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {أُولَئِكَ لَهُم مغْفرَة ورزق كريم} قَالَ: مغْفرَة لذنوبهم {ورزق كريم} فِي الْجنَّة {وَالَّذين سعوا فِي آيَاتنَا معاجزين} قَالَ: أَي لَا يعجزون وَفِي قَوْله {أُولَئِكَ لَهُم عَذَاب من رجز أَلِيم} قَالَ: الرجز هُوَ الْعَذَاب الْأَلِيم الموجع
وَفِي قَوْله {وَيرى الَّذين أُوتُوا الْعلم الَّذِي أنزل إِلَيْك من رَبك هُوَ الْحق} قَالَ: أَصْحَاب مُحَمَّد
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله {وَيرى الَّذين أُوتُوا الْعلم} قَالَ: الَّذين أُوتُوا الْحِكْمَة {من قبل} قَالَ: يَعْنِي الْمُؤمنِينَ من أهل الْكتاب
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَقَالَ الَّذين كفرُوا هَل ندلكم على رجل ينبئكم} قَالَ: قَالَ ذَلِك مشركو قُرَيْش {إِذا مزقتم كل ممزق} يَقُول: إِذا أكلتكم الأَرْض وصرتم عظاماً ورفاتاً
وتقطعتكم السبَاع وَالطير {إِنَّكُم لفي خلق جَدِيد} إِنَّكُم ستحيون وتبعثون قَالُوا: ذَلِك تَكْذِيبًا بِهِ {أفترى على الله كذبا أم بِهِ جنَّة} قَالَ: قَالُوا: إِمَّا أَن يكون يكذب على الله واما أَن يكون مَجْنُونا {أفلم يرَوا إِلَى مَا بَين أَيْديهم وَمَا خَلفهم من السَّمَاء وَالْأَرْض}(6/674)
قَالَ: إِنَّك إِن نظرت عَن يَمِينك وَعَن شمالك وَمن بَين يَديك وَمن خَلفك رَأَيْت السَّمَاء وَالْأَرْض {إِن نَشأ نخسف بهم الأَرْض} كَمَا خسفنا بِمن كَانَ قبلهم {أَو نسقط عَلَيْهِم كسفاً من السَّمَاء} أَي قطعا من السَّمَاء إِن يَشَأْ يعذب بسمائه فعل وان يَشَأْ يعذب بأرضه فعل وكل خلقه لَهُ جند قَالَ قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ: وَكَانَ الْحسن رَضِي الله عَنهُ يَقُول: إِن الزّبد لمن جنود الله {إِن فِي ذَلِك لآيَة لكل عبد منيب} قَالَ قَتَادَة: تائب مقبل على الله عز وَجل(6/675)
وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ (10) أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (11)
- قَوْله تَعَالَى: وَلَقَد آتَيْنَا دَاوُد منا فضلا يَا جبال أوّبي مَعَه وَالطير وألنا لَهُ الْحَدِيد أَن اعْمَلْ سابغات وَقدر فِي السرد وَاعْمَلُوا صَالحا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِير
أخرج ابْن أبي شيبَة فِي المُصَنّف وَابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {أوّبي مَعَه} قَالَ: سبحي مَعَه
وَأخرج ابْن جرير عَن أبي ميسرَة رَضِي الله عَنهُ {أوّبي مَعَه} قَالَ: سبحي مَعَه بِلِسَان الْحَبَشَة
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {أوّبي مَعَه} قَالَ: سبحي
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة وَأبي عبد الرَّحْمَن
مثله
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {يَا جبال أوّبي مَعَه وَالطير} أَيْضا يَعْنِي يسبح مَعَه الطير
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن وهب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أَمر الله الْجبَال وَالطير أَن تسبح مَعَ دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام اذا سبح
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن وهب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أَمر الله الْجبَال وَالطير أَن تسبح مَعَ دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام إِذا سبح(6/675)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد رَضِي الله عَنهُ أَنه قَرَأَ (الطير) بِالنّصب بجملة قَالَ: سخرنا لَهُ الطير
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وألنَّا لَهُ الْحَدِيد} قَالَ: كالعجين
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وألنَّا لَهُ الْحَدِيد} قَالَ: ليَّن الله لَهُ الْحَدِيد فَكَانَ يسرده حلقا بِيَدِهِ يعْمل بِهِ كَمَا يعْمل بالطين من غير أَن يدْخلهُ النَّار وَلَا يضْربهُ بِمِطْرَقَةٍ وَكَانَ دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام أول من صنعها وَإِنَّمَا كَانَت قبل ذَلِك صَفَائِح من حَدِيد يتحصنون بهَا من عدوهم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وألنَّا لَهُ الْحَدِيد} فَيصير فِي يَده مثل الْعَجِين فيصنع مِنْهُ الدروع
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم من طرق عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وَقدر فِي السرد} قَالَ: حلق الْحَدِيد
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَقدر فِي السرد} قَالَ: السرد المسامير الَّتِي فِي الْحلق
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالْحَاكِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وَقدر فِي السرد} قَالَ: لَا تدق المسامير
وَتوسع الْحلق فتسلسل وَلَا تغلظ المسامير وتضيق الْحلق فتنقصم واجعله قدرا
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {وَقدر فِي السرد} قَالَ: قدر المسامير وَالْحلق لَا تدق المسمار فيسلسل وَلَا تحلها فينقصم
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن شَوْذَب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام يرفع فِي كل يَوْم درعاً فيبيعها بِسِتَّة آلَاف دِرْهَم
أَلفَيْنِ لَهُ ولأهله وَأَرْبَعَة آلَاف يطعم بهَا بني إِسْرَائِيل الْخبز الْحوَاري(6/676)
وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ (12)
- قَوْله تَعَالَى: ولسليمان الرّيح غدوّها شهر ورواحها شهر وأسلنا لَهُ عين الْقطر وَمن الْجِنّ من يعْمل بَين يَدَيْهِ بِإِذن ربه وَمن يزغ مِنْهُم عَن أمرنَا نذقه من عَذَاب السعير
أخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن عَاصِم رَضِي الله عَنهُ أَنه قَرَأَ (ولسليمان الرّيح) رفع الْحَاء
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {ولسليمان الرّيح غدوّها شهر ورواحها شهر} قَالَ: تَغْدُو مسيرَة شهر وَتَروح مسيرَة شهر فِي يَوْم
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: الرّيح مسيرها شَهْرَان فِي يَوْم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِن سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام لما شغلته الْخَيل فَأَتَتْهُ صَلَاة الْعَصْر غضب لله فعقر الْخَيل فأبدله الله مَكَانهَا خيرا مِنْهَا وأسرع الرّيح تجْرِي بأَمْره كَيفَ شَاءَ فَكَانَ غُدُوُّها شهرا ورواحها شهرا وَكَانَ يَغْدُو من ايليا فيقيل بقريرا وَيروح من قريرا فيبيت بكابل
وَأخرج الْخَطِيب فِي رِوَايَة مَالك عَن سعيد بن الْمسيب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام يركب الرّيح من اصطخر فيتغدى بِبَيْت الْمُقَدّس ثمَّ يعود فيتعشى باصطخر
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {غدوها شهر ورواحها شهر} قَالَ: كَانَ سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام يَغْدُو من بَيت الْمُقَدّس فيقيل باصطخر ثمَّ يروح من اصطخر فيقيل بقلعة خُرَاسَان
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وأسلنا لَهُ عين الْقطر} قَالَ: النّحاس(6/677)
وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله {وأسلنا لَهُ عين الْقطر} قَالَ: أعطَاهُ الله عينا من صفر تسيل كَمَا يسيل المَاء قَالَ: وَهل تعرف الْعرف ذَلِك قَالَ: نعم
أما سَمِعت قَول الشَّاعِر: فَألْقى فِي مراجل من حَدِيد قدور الْقطر لَيْسَ من البرام وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {وأسلنا لَهُ عين الْقطر} قَالَ: عين النّحاس كَانَت باليمنوان مَا يصنع النَّاس الْيَوْم مِمَّا أخرج الله لِسُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وأسلنا لَهُ عين الْقطر} قَالَ: أسَال الله تَعَالَى لَهُ الْقطر ثَلَاثَة أَيَّام يسيل كَمَا يسيل المَاء قيل: إِلَى أَيْن قَالَ: لَا أَدْرِي
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: سيلت لَهُ عين من نُحَاس ثَلَاثَة أَيَّام
وَأخرج ابْن الْمُنْذر من طَرِيق ابْن جريج عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ {الْقطر} النّحاس
لم يقدر عَلَيْهَا أحد بعد سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام وَإِنَّمَا يعْمل النَّاس بعد فِيمَا كَانَ أعْطى سُلَيْمَان
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {عين الْقطر} قَالَ: الصفر
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لَيْسَ كل الْجِنّ صَخْر لَهُ كَمَا تَسْمَعُونَ {وَمن الْجِنّ من يعْمل بَين يَدَيْهِ بِإِذن ربه وَمن يزغ مِنْهُم عَن أمرنَا} قَالَ: يعدل عَمَّا يَأْمُرهُ سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد {وَمن يزغ مِنْهُم عَن أمرنَا} قَالَ: من الْجِنّ(6/678)
يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ (13)
- قَوْله تَعَالَى: يعْملُونَ لَهُ مَا يَشَاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات اعْمَلُوا آل دَاوُد شكرا وَقَلِيل من عبَادي الشكُور(6/678)
أخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {يعْملُونَ لَهُ مَا يَشَاء من محاريب وتماثيل} قَالَ: من شبه ورخام
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {من محاريب} قَالَ: بُنيان دون الْقُصُور {وتماثيل} قَالَ: من نُحَاس {وجِفَان} قَالَ: صحاف كالجوابي قَالَ: الْجَفْنَة مثل الجوبة من الأَرْض {وقدور راسيات} قَالَ: عِظَام
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَطِيَّة رَضِي الله عَنهُ فِي الْآيَة قَالَ المحاريب الْقُصُور
والتماثيل الصُّور {وجفان كالجوابِ} قَالَ: كالجوبة من الأَرْض
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {من محاريب} قَالَ: قُصُور ومساجد {وتماثيل} قَالَ: من رُخَام وَشبه {وجفان كالجواب} كالحياض {وقدور راسيات} قَالَ: ثابتات لَا يزلن عَن مكانهن كن يُرَيْنَ بِأَرْض الْيمن
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وتماثيل} قَالَ: اتخذ سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام تماثيل من نُحَاس فَقَالَ: يَا رب انفخ فِيهَا الرّوح فَإِنَّهَا أقوى على الْخدمَة فَنفخ الله فِيهَا الرّوح فَكَانَت تخدمه وَكَانَ اسفيديار من بقاياهم فَقيل لداود عَلَيْهِ السَّلَام {اعْمَلُوا آل دَاوُد شكرا وَقَلِيل من عبَادي الشكُور}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {من محاريب} قَالَ: الْمَسَاجِد {وتماثيل} قَالَ: الصُّور {وجفان كالجوابِ} قَالَ: كحياض الإِبل الْعِظَام {وقدور راسيات} قَالَ: قدرو عِظَام كَانُوا ينحتونها من الْجبَال
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وجفان كالجوابِ} قَالَ: كالجوبة من الأَرْض {وقدور راسيات} قَالَ: أثافيها مِنْهَا
وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله {وجفان كالجواب} قَالَ: كالحياض الواسعة تسع الْجَفْنَة الْجَزُور(6/679)
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم
أما سَمِعت طرفَة بن العَبْد وَهُوَ يَقُول: كالجوابي لَا هِيَ مترعة لقرى الأضياف أَو للمحتضر وَقَالَ أَيْضا: يجْبر المجروب فِينَا مَاله بقباب وجفان وخدم وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ {وجفان كالجوابِ} قَالَ: كالحياض {وقدور راسيات} قَالَ: الْقُدُور الْعِظَام الَّتِي لَا تحوّل من مَكَانهَا
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ {وقدور راسيات} قَالَ: عِظَام تفرغ افراغاً
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {اعْمَلُوا آل دَاوُد شكرا} قَالَ: إعملوا شكرا لله على مَا أنعم بِهِ عَلَيْكُم
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن شهَاب فِي قَوْله {اعْمَلُوا آل دَاوُد شكرا} قَالَ: قُولُوا الْحَمد لله
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد فِي الزّهْد وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الْإِيمَان عَن ثَابت الْبنانِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: بلغنَا أَن دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام جزأ الصَّلَاة على بيوته على نِسَائِهِ وَولده فَلم تكن تَأتي سَاعَة من اللَّيْل وَالنَّهَار إِلَّا وإنسان قَائِم من آل دَاوُد يُصَلِّي فعمتهم هَذِه الْآيَة {اعْمَلُوا آل دَاوُد شكرا وَقَلِيل من عبَادي الشكُور}
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ دَاوُد لِسُلَيْمَان عَلَيْهِمَا السَّلَام: قد ذكر الله الشُّكْر فَاكْفِنِي قيام النَّهَار أكفك قيام اللَّيْل
قَالَ: لَا أَسْتَطِيع قَالَ: فَاكْفِنِي صَلَاة النَّهَار
فكفاه
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: الشُّكْر تقوى الله وَالْعَمَل بِطَاعَتِهِ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الفضيل رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام: يَا رب كَيفَ أشكرك وَالشُّكْر نعْمَة مِنْك قَالَ: الْآن شكرتني حِين علمت أَن النعم مني
وَأخرج أَحْمد بن حَنْبَل فِي الزّهْد وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن الْمُغيرَة بن عتبَة قَالَ: قَالَ دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام: يَا رب هَل بَات أحد من خلقك اللَّيْلَة أطول(6/680)
ذكرا لَك مني فَأوحى الله إِلَيْهِ: نعم
الضفدع وَأنزل الله تَعَالَى على دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام: يَا رب كَيفَ أُطِيق شكرك وَأَنت الَّذِي تنعم عَليّ ثمَّ ترزقني على النِّعْمَة الشُّكْر
فالنعمة مِنْك وَالشُّكْر مِنْك فَكيف أُطِيق شكرك قَالَ: يَا دَاوُد الْآن عَرفتنِي حق معرفتي
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد وَابْن أبي حَاتِم فِي كتاب الشُّكْر وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن أبي الْجلد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَرَأت فِي مساءلة دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام أَنه قَالَ: أَي رب كَيفَ لي أَن أشكرك وَأَنا لَا أصل إِلَى شكرك الا بنعمتك قَالَ: فَأَتَاهُ الْوَحْي: إِن يَا دَاوُد أَلَيْسَ تعلم أَن الَّذِي بك من النعم مني قَالَ: قَالَ دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام: إلهي لَو أَن لكل شَعْرَة مني لسانين يسبحانك اللَّيْل وَالنَّهَار والدهر كُله مَا قضيت حق نعْمَة وَاحِدَة من نعمك عَليّ
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {اعْمَلُوا آل دَاوُد شكرا} قَالَ: لم يَنْفَكّ مِنْهُم مصلٍ
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما قيل لَهُم {اعْمَلُوا آل دَاوُد شكرا} لم يَأْتِ على الْقَوْم سَاعَة إِلَّا وَمِنْهُم يُصَلِّي
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن عَطاء بن يسَار رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ يخْطب النَّاس على الْمِنْبَر وَقَرَأَ هَذِه الْآيَة {اعْمَلُوا آل دَاوُد شكرا} قَالَ: ثَلَاث من أوتيهن فقد أُوتِيَ مَا أُوتِيَ آل دَاوُد قيل: وَمَا هن يَا رَسُول الله قَالَ: الْعدْل فِي الْغَضَب وَالرِّضَا وَالْقَصْد فِي الْفقر والغنى وَذكر الله فِي السِّرّ وَالْعَلَانِيَة
وَأخرجه ابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق عَطاء بن يسَار عَن حَفْصَة رَضِي الله عَنْهَا مَرْفُوعا بِهِ وَأخرجه الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ من طَرِيق عَطاء بن يسَار عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ
مَرْفُوعا بِهِ
وَأخرجه ابْن النجار فِي تَارِيخه من طَرِيق عَطاء بن يسَار عَن أبي ذَر رَضِي الله عَنهُ
مَرْفُوعا بِهِ
وَقَالَ خشيَة الله فِي السِّرّ وَالْعَلَانِيَة وَالله أعلم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وَقَلِيل من عبَادي الشكُور} يَقُول: قَلِيل من عبَادي الْمُوَحِّدين توحيدهم(6/681)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رجل عِنْد عمر رَضِي الله عَنهُ: اللَّهُمَّ اجْعَلنِي من الْقَلِيل
فَقَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ: مَا هَذَا الدُّعَاء الَّذِي تَدْعُو بِهِ قَالَ: إِنِّي سَمِعت الله يَقُول {وَقَلِيل من عبَادي الشكُور} فَأَنا أدعوا الله أَن يَجْعَلنِي من ذَلِك الْقَلِيل فَقَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ: كل النَّاس أعلم من عمر(6/682)
فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ (14)
- قَوْله تَعَالَى: فَلَمَّا قضينا عَلَيْهِ بِالْمَوْتِ مَا دلهم على مَوته إِلَّا دَابَّة الأَرْض تَأْكُل منسأته فَلَمَّا خر تبينت الْجِنّ أَن لَو كَانُوا يعلمُونَ الْغَيْب مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَاب المهين
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام يَخْلُو فِي بَيت الْمُقَدّس السّنة والسنتين والشهر والشهرين وَأَقل من ذَلِك وَأكْثر وَيدخل طَعَامه وَشَرَابه فَأدْخلهُ فِي الْمرة الَّتِي مَاتَ فِيهَا وَكَانَ بَدْء ذَلِك أَنه لم يكن يَوْمًا يصبح فِيهِ الا نَبتَت فِي بَيت الْمُقَدّس شَجَرَة فيأتيها فيسألها مَا اسْمك فَتَقول: الشَّجَرَة اسْمِي كَذَا وَكَذَا
فَيَقُول لَهَا: لأي شَيْء نبت فَتَقول: نبت لكذا وَكَذَا
فيأمر بهَا فتقطع
فَإِن كَانَت نَبتَت لغرس غرسها وَإِن كَانَت نَبتَت دَوَاء قَالَت: نَبَتُّ دَوَاء لكذا وَكَذَا
فيجعلها لذَلِك حَتَّى نَبتَت شَجَرَة يُقَال لَهَا الخرنوبة قَالَ لَهَا: لأي شَيْء نبت قَالَت: نبت لخراب هَذَا الْمَسْجِد فَقَالَ سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام: مَا كَانَ الله ليخربه وَأَنا حَيّ أَنْت الَّذِي على وَجهك هلاكي وخراب بَيت الْمُقَدّس فنزعها فغرسها فِي حَائِط لَهُ ثمَّ دخل الْمِحْرَاب فَقَامَ يُصَلِّي مُتكئا على عَصا فَمَاتَ وَلَا تعلم بِهِ الشَّيَاطِين فِي ذَلِك وهم يعْملُونَ لَهُ مَخَافَة أَن يخرج فيعاقبهم
وَكَانَت الشَّيَاطِين حول الْمِحْرَاب يَجْتَمعُونَ وَكَانَ الْمِحْرَاب لَهُ كواً من بَين يَدَيْهِ وَمن خَلفه وَكَانَ الشَّيْطَان المريد الَّذِي يُرِيد أَن يخلع يَقُول: أَلَسْت جليداً إِن دخلت فَخرجت من ذَلِك الْجَانِب فَيدْخل حَتَّى يخرج من الْجَانِب(6/682)
الآخر فَدخل شَيْطَان من أُولَئِكَ فَمر وَلم يكن شَيْطَان ينظر إِلَى سُلَيْمَان الا احْتَرَقَ فَمر وَلم يسمع صَوت سُلَيْمَان ثمَّ رَجَعَ فَلم يسمع صَوته ثمَّ عَاد فَلم يسمع ثمَّ رَجَعَ فَوَقع فِي الْبَيْت وَلم يَحْتَرِق وَنظر إِلَى سُلَيْمَان قد سقط مَيتا فَخرج فَأخْبر النَّاس: أَن سُلَيْمَان قد مَاتَ ففتحوا عَنهُ فأخرجوه فوجدوا منسأته - وَهِي الْعَصَا بِلِسَان الْحَبَشَة - قد أكلتها الأرضة وَلم يعلمُوا مُنْذُ كم مَاتَ فوضعوا الأرضة على الْعَصَا فَأكلت مِنْهَا يَوْم وَلَيْلَة ثمَّ حسبوا على نَحْو ذَلِك فوجدوه قد مَاتَ مُنْذُ سنة
وَهِي فِي قِرَاءَة ابْن مَسْعُود (فَمَكَثُوا يدينون لَهُ من بعد مَوته حولا كَامِلا) فأيقن النَّاس عِنْد ذَلِك أَن الْجِنّ كَانُوا يكذبُون وَلَو أَنهم علمُوا الْغَيْب لعلموا بِمَوْت سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام وَلما لَبِثُوا فِي الْعَذَاب سنة يعْملُونَ لَهُ وَلَو كنت تشربين أَتَيْنَاك بأطيب الشَّرَاب ولكننا ننقل إِلَيْك الطين وَالْمَاء فهم ينقلون إِلَيْهَا حَيْثُ كَانَت ألم تَرَ إِلَى الطين الَّذِي يكون فِي جَوف الْخشب فَهُوَ مِمَّا يَأْتِيهَا الشَّيَاطِين شكرا لَهَا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس {دَابَّة الأَرْض تَأْكُل منسأته} عَصَاهُ
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لبث سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام على عَصَاهُ حولا بَعْدَمَا مَاتَ ثمَّ خر على رَأس الْحول فَأخذت الإِنس عَصا مثل عَصَاهُ ودابة مثل دَابَّته فأرسلوها عَلَيْهَا فَأَكَلتهَا فِي سنة
وَكَانَ ابْن عَبَّاس يقْرَأ (فَلَمَّا خر تبينت الْإِنْس إِن لَو كَانَ الْجِنّ يعلمُونَ الْغَيْب مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَاب المهين سنة) قَالَ سُفْيَان: وَفِي قِرَاءَة ابْن مَسْعُود (وهم يدأبون لَهُ حولا)
وَأخرج الْبَزَّار وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن السّني فِي الطِّبّ النَّبَوِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: كَانَ سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام إِذا صلى رأى شَجَرَة نابتة بَين يَدَيْهِ فَيَقُول لَهَا: مَا اسْمك فَتَقول: كَذَا وَكَذَا
فَإِن كَانَت لغرس غرست وَإِن كَانَت لدواء نَبتَت
فصلى ذَات يَوْم فَإِذا شَجَرَة نابتة بَين يَدَيْهِ فَقَالَ: لَهَا: مَا اسْمك قَالَت: الخرنوب
قَالَ: لأي شَيْء أنتِ قَالَت: لخراب هَذَا الْبَيْت فَقَالَ سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام: اللَّهُمَّ عَم عَن الْجِنّ موتِي(6/683)
حَتَّى يعلم الإِنس
أَن الْجِنّ لَا يعلمُونَ الْغَيْب فَأخذ عَصا فتوكأ عَلَيْهَا وَقَبضه الله وَهُوَ متكىء فَمَكثَ حينا مَيتا وَالْجِنّ تعْمل فَأَكَلتهَا الأرضة فَسَقَطت فَعَلمُوا عِنْد ذَلِك بِمَوْتِهِ فتبينت الإِنس
أَن الْجِنّ لَو كَانُوا يعلمُونَ الْغَيْب مَا لَبِثُوا حولا فِي الْعَذَاب المهين
وَكَانَ ابْن عَبَّاس يَقْرَأها كَذَلِك فَشَكَرت الْجِنّ الأرضة فأينما كَانَت يأتونها بِالْمَاءِ
وَأخرج الْبَزَّار وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس
مَوْقُوفا
وَأخرج الديلمي عَن زيد بن أَرقم
مَرْفُوعا
يَقُول الله أَنِّي تفضلت على عبَادي بِثَلَاث
ألقيت الدَّابَّة على الْحبَّة وَلَوْلَا ذَلِك لكنزتها الْمُلُوك كَمَا يكنزون الذَّهَب وَالْفِضَّة
وألقيت النتن على الْجَسَد وَلَوْلَا ذَلِك لم يدْفن حبيب حَبِيبه وأسليت الحزين وَلَوْلَا ذَلِك لذهب التسلي
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة قَالَ: كَانَت الْجِنّ تخبر الإِنس أَنهم يعلمُونَ من الْغَيْب أَشْيَاء وَأَنَّهُمْ يعلمُونَ مَا فِي غَد فابتلوا بِمَوْت سُلَيْمَان عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فَمَاتَ فَلبث سنة على عَصَاهُ وهم لَا يَشْعُرُونَ بِمَوْتِهِ وهم مسخرون تِلْكَ السّنة ويعملون دائبين {فَلَمَّا خر تبينت الْجِنّ} وَفِي بعض الْقِرَاءَة (فَلَمَّا خر تبينت الْإِنْس إِن لَو كَانَ الْجِنّ يعلمُونَ الْغَيْب مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَاب المهين) وَقد لَبِثُوا يدأبون ويعملون لَهُ حولا بعد مَوته
وَأخرج عبد بن حميد من طَرِيق قيس بن سعد عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: كَانَت الإِنس تَقول فِي زمن سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام: أَن الْجِنّ تعلم الْغَيْب فَلَمَّا مَاتَ سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام مكث قَائِما على عَصَاهُ مَيتا حولا وَالْجِنّ تعْمل بقيامه (فَلَمَّا خر تبينت الْإِنْس إِن لَو كَانَ الْجِنّ يعلمُونَ الْغَيْب مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَاب المهين) كَانَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا كَذَلِك يَقْرَأها قَالَ قيس بن سعد رَضِي الله عَنهُ: وَهِي قِرَاءَة أُبيّ بن كَعْب رَضِي الله عَنهُ كَذَلِك
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام لملك الْمَوْت: إِذا أمرت بِي فاعلمني فَأَتَاهُ فَقَالَ: يَا سُلَيْمَان قد أمرت بك قد بقيت لَك سويعة فَدَعَا الشَّيَاطِين فبنوا عَلَيْهِ صرحاً من قَوَارِير لَيْسَ عَلَيْهِ بَاب فَقَامَ يُصَلِّي فاتكأ على عَصَاهُ فَدخل عَلَيْهِ ملك الْمَوْت عَلَيْهِ السَّلَام فَقبض(6/684)
روحه وَهُوَ متكىء على عَصَاهُ وَلم يصنع ذَلِك فِرَارًا من الْمَوْت قَالَ: وَالْجِنّ تعْمل بَين يَدَيْهِ وَيَنْظُرُونَ يحسبون أَنه حَيّ فَبعث الله {دَابَّة الأَرْض} دَابَّة تَأْكُل العيدان يُقَال لَهَا: القادح فَدخلت فِيهَا فَأَكَلتهَا حَتَّى إِذا أكلت جَوف الْعَصَا ضعفت وَثقل عَلَيْهَا فَخر مَيتا فَلَمَّا رَأَتْ ذَلِك الْجِنّ انْفَضُّوا وذهبوا
فَذَلِك قَوْله {مَا دلهم على مَوته إِلَّا دَابَّة الأَرْض تَأْكُل منسأته}
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما رد الله الْخَاتم إِلَيْهِ لم يصلِّ صَلَاة الصُّبْح يَوْمًا إِلَّا نظر وَرَاءه فَإِذا هُوَ بشجرة خضراء تهتز فَيَقُول: يَا شَجَرَة أما يأكلنك جن وَلَا إنس وَلَا طير وَلَا هوَام وَلَا بهائم فَتَقول: إِنِّي لم أجعَل رزقا لشَيْء وَلَكِن دَوَاء من كَذَا
ودواء من كَذَا
فَقَامَ الإِنس وَالْجِنّ يقطعونها ويجعلونها فِي الدَّوَاء فصلى الصُّبْح ذَات يَوْم والتفت فَإِذا بشجرة وَرَاءه قَالَ: مَا أَنْت يَا شَجَرَة قَالَت: أَنا الخرنوبة قَالَ: وَالله مَا الخرنوبة إِلَّا خراب بَيت الْمُقَدّس وَالله لَا يخرب مَا كنت حَيا وَلَكِنِّي أَمُوت فَدَعَا بحنوط فتحنط وتكفن ثمَّ جلس على كرسيه ثمَّ جمع كفيه على طرف عَصَاهُ ثمَّ جعلهَا تَحت ذقنه وَمَات فَمَكثَ الْجِنّ سنة يحسبون أَنه حَيّ وَكَانَت لَا ترفع أبصارها إِلَيْهِ وَبعث الله الارضة فَأكلت طرف الْعَصَا فَخر منكباً على وَجهه فَعلمت الْجِنّ أَنه قد مَاتَ
فَذَلِك قَوْله {تبينت الْجِنّ} وَلَقَد كَانَت الْجِنّ تعلم أَنَّهَا لَا تعلم الْغَيْب وَلَكِن فِي الْقِرَاءَة الأولى (تبينت الإِنس أَن لَو كَانَت الْجِنّ يعلمُونَ الْغَيْب مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَاب المهين)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: بلغت نصف الْعَصَا فتركوها فِي النّصْف الْبَاقِي فَأَكَلتهَا فِي حول فَقَالُوا: مَاتَ عَام أول
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: مكث سُلَيْمَان بن دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام حولا على عَصَاهُ مُتكئا حَتَّى أكلتها الأرضة فَخرَّ
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {إِلَّا دَابَّة الأَرْض تَأْكُل منسأته} قَالَ: عَصَاهُ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: الأرضة أكلت عَصَاهُ حَتَّى خرَّ(6/685)
وَأخرج عبد بن حميد عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ {تَأْكُل منسأته} قَالَ: الْعَصَا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ أَنه سُئِلَ عَن المنسأة قَالَ: هِيَ الْعَصَا وَأنْشد فِيهَا شعرًا قَالَه عبد الْمطلب: أَمن أجل حَبل لَا أبالك صدته بمنسأة قد جر حبلك أحبلا وَأخرج ابْن جرير عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: المنسأة الْعَصَا بِلِسَان الْحَبَشَة(6/686)
لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ (15) فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ (16) ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ (17) وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ (18) فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (19)
- قَوْله تَعَالَى: لقد كَانَ لسبإ فِي مساكنهم آيَة جنتان عَن يَمِين وشمال كلوا من رزق ربكُم واشكروا لَهُ بَلْدَة طيبَة وَرب غَفُور فأعرضوا فَأَرْسَلنَا عَلَيْهِم سيل العرم وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي أكل خمط واثل وَشَيْء من سدر قَلِيل ذَلِك جزيناهم بِمَا كفرُوا وَهل نجازي إِلَّا الكفور وَجَعَلنَا بَينهم وَبَين الْقرى الَّتِي باركنا فِيهَا قرى ظَاهِرَة وقدرنا فِيهَا السّير سِيرُوا فِيهَا ليَالِي وأياماً آمِنين فَقَالُوا رَبنَا باعد بَين أسفارنا وظلموا أنفسهمفجعلناهم أَحَادِيث ومزقناهم كل ممزق إِن فِي ذَلِك لآيَات لكل صبار شكور
أخرج أَحْمد وَعبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ فِي تَارِيخه وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه وَابْن الْمُنْذر وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه عَن فَرْوَة بن مسيك الْمرَادِي رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أتيت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقلت: يَا رَسُول الله أَلا أقَاتل من أدبر من قومِي بِمن أقبل مِنْهُم فَأذن لي فِي قِتَالهمْ وَأَمرَنِي فَلَمَّا خرجت من عِنْده أرسل فِي أثري فردني فَقَالَ ادْع الْقَوْم فَمن أسلم مِنْهُم فاقبل مِنْهُ وَمن لم يسلم فَلَا تعجل حَتَّى أحدث إِلَيْك وَأنزل فِي سبأ مَا أنزل فَقَالَ رجل: يَا رَسُول الله وَمَا سبأ أَرض أم امْرَأَة قَالَ: لَيْسَ بِأَرْض وَلَا امْرَأَة وَلكنه رجل ولد عشرَة من الْعَرَب فَتَيَامَنَ مِنْهُم(6/686)
سِتَّة وتشاءَمَ مِنْهُم أَرْبَعَة فاما الَّذين تشاءموا فلخم وجذام وغسان وعاملة
وَأما الَّذين تيامنوا فالازد والاشعريون وحمير وَكِنْدَة ومذحج وأنمار
فَقَالَ رجل: يَا رَسُول الله وَمَا أَنْمَار قَالَ: الَّذين مِنْهُم خثعم وبجيلة
وَأخرج أَحْمد وَعبد بن حميد وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن أبي حَاتِم وَابْن عدي وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَن رجلا سَأَلَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن سبأ أرجل هُوَ أَو امْرَأَة أم أَرض فَقَالَ: بل هُوَ رجل ولد عشرَة فسكن الْيمن مِنْهُم سِتَّة وبالشام مِنْهُم أَرْبَعَة فَأَما اليمانيون فمذحج وَكِنْدَة والأزد والأشعريون وأنمار وحِمْيَر
وَأما الشاميون فلخم وجذام وعاملة وغسان
وَأخرج الْحَاكِم عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَرَأَ {لقد كَانَ لسبإ فِي مسكنهم}
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم رَضِي الله عَنهُ أَنه قَرَأَ (لقد كَانَ لسبإ) بالخفض منوّنة مَهْمُوزَة (فِي مساكنهم) على الْجِمَاع بِالْألف
وَأخرج الْفرْيَابِيّ عَن يحيى بن وثاب أَنه يَقْرَأها {لقد كَانَ لسبإ فِي مسكنهم}
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ لسأ جنتان بَين جبلين فَكَانَت الْمَرْأَة تمر ومكتلها على رَأسهَا فتمشي بَين جبلين فتمتلىء فَاكِهَة وَمَا مسته بِيَدِهَا فَلَمَّا طغوا بعث الله عَلَيْهِم دَابَّة يُقَال لَهَا: الجرذ فَنقبَ عَلَيْهِم فغرقهم فَمَا بَقِي مِنْهُم الا أثل وَشَيْء من سدر قَلِيل
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {لقد كَانَ لسبإ فِي مسكنهم}
قَالَ لم يكن يرى فِي قريتهم بعوضة قطّ وَلَا ذُبَاب وَلَا برغوث وَلَا عقرب وَلَا حَيَّة وان الركب لَيَأْتُونَ فِي ثِيَابهمْ الْقمل وَالدَّوَاب فَمَا هُوَ إِلَّا أَن ينْظرُوا إِلَى بيوتها فتموت تِلْكَ الدَّوَابّ وَإِن كَانَ الإِنسان ليدْخل الجنتين فَيمسك القفة على رأسة وَيخرج حِين يخرج وَقد امْتَلَأت تِلْكَ القفة من أَنْوَاع الْفَاكِهَة وَلم يتَنَاوَل مِنْهَا شَيْئا بِيَدِهِ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {بَلْدَة طيبَة وَرب غَفُور} قَالَ: هَذِه الْبَلَد طيبَة وربكم غَفُور لذنوبكم
وَفِي قَوْله {فاعرضوا} قَالَ: بطر الْقَوْم أَمر الله وَكَفرُوا نعْمَته(6/687)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ أهل سبأ أعْطوا مَا لم يُعْطه أحد من أهل زمانهم فَكَانَت الْمَرْأَة تخرج على رَأسهَا المكتل فتريد حَاجَتهَا فَلَا تبلغ مَكَانهَا الَّذِي تُرِيدُ حَتَّى يمتلىء مِكْتَلُهَا من أَنْوَاع الْفَاكِهَة فَأَجْمعُوا ذَلِك فكذبوا رسلهم وَقد كَانَ السَّيْل يَأْتِيهم من مسيرَة عشرَة أَيَّام حَتَّى يسْتَقرّ فِي وَادِيهمْ فَيجمع المَاء من تِلْكَ السُّيُول وَالْجِبَال فِي ذَلِك الْوَادي وَكَانُوا قد حفروه بمسناة - وهم يسمون المسناة العرم - وَكَانُوا يفتحون اذا شاؤا من ذَلِك المَاء فيسقون جنانهم إِذا شَاءُوا فَلَمَّا غضب الله عَلَيْهِم وَأذن فِي هلاكهم دخل رجل إِلَى جنته - وَهُوَ عَمْرو بن عَامر فِيمَا بلغنَا وَكَانَ كَاهِنًا - فَنظر إِلَى جرذة تنقل أَوْلَادهَا من بطن الْوَادي إِلَى أَعلَى الْجَبَل فَقَالَ: مَا نقلت هَذِه أَوْلَادهَا من هَهُنَا إِلَّا وَقد حضر أهل هَذِه الْبِلَاد عَذَاب وَيقدر أَنَّهَا خرقت ذَلِك العرم فنقبت نقباً فَسَالَ ذَلِك النقب مَاء إِلَى جنته فَأمر عَمْرو بن عَامر بذلك النقب فسد فَأصْبح وَقد انفجر بأعظم مَا كَانَ فَأمر بِهِ أَيْضا فسد ثمَّ انفجر بأعظم مَا كَانَ فَلَمَّا رأى ذَلِك دَعَا ابْن أَخِيه فَقَالَ: إِذا أَنا جَلَست العشية فِي نَادِي قومِي فائتني فَقل: علام تحبس عَليّ مَالِي فَإِنِّي سأقول لَيْسَ لَك عِنْدِي مَال وَلَا ترك أَبوك شَيْئا وَإنَّك لَكَاذِب
فَإِذا أَنا كذبتك فَكَذبنِي وأردد عليّ مثل مَا قلت لَك فَإِذا فعلت ذَلِك فَإِنِّي سأشتمك فاشتمني
فَإِذا أَنْت شتمتني لطمتك فَإِذا أَنا لطمتك فَقُمْ فالطمني
قَالَ: مَا كنت لاستقبلك بذلك يَا عَم قَالَ: بلَى
فافعل فَإِنِّي أُرِيد بهَا صلاحك وَصَلَاح أهل بَيْتك فَقَالَ الْفَتى فَلَطَمَهُ فَقَالَ الشَّيْخ: يَا معشر بني فلَان الطم فِيكُم لَا سكنت فِي بلد لطمني فِيهِ فلَان أبدا من يبْتَاع مني
فَلَمَّا عرف الْقَوْم مِنْهُ الْجد أَعْطوهُ فَنظر إِلَى أفضلهم عَطِيَّة فَأوجب لَهُ البيع فَدَعَا بِالْمَالِ فنقده وَتحمل هُوَ وَبَنوهُ من ليلته فَتَفَرَّقُوا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ فِي سبأ كهنة وَكَانَت الشَّيَاطِين يسْتَرقونَ السّمع فَأخْبرُوا الكهنة بِشَيْء من أَخْبَار السَّمَاء وَكَانَ فيهم رجل كَاهِن شرِيف كثير المَال أَنه أخبر أَن زَوَال أَمرهم قد دنا وَأَن الْعَذَاب قد أظلهم فَلم يدر كَيفَ يصنع لِأَنَّهُ كَانَ لَهُ مَال كثير من عقر فَقَالَ لرجل(6/688)
من بنيه وَهُوَ أعزهم أخوالاً: إِذا كَانَ غَدا وأمرتك بِأَمْر فَلَا تَفْعَلهُ فَإِذا نهرتك فَانْتَهرنِي فَإِذا تناولتك فالطمني قَالَ: يَا أَبَت لَا تفعل إِن هَذَا أَمر عَظِيم وَأمر شَدِيد قَالَ: يَا بني قد حدث أَمر لَا بُد مِنْهُ فَلم يزل حَتَّى هيأه على ذَلِك فَلَمَّا أَصْبحُوا وَاجْتمعَ النَّاس قَالَ: يَا بني افْعَل كَذَا وَكَذَا
فَأبى فانتهره أَبوهُ فَأَجَابَهُ فَلم يزل ذَلِك بَينهمَا حَتَّى تنَاوله أَبوهُ فَوَثَبَ على أَبِيه فَلَطَمَهُ فَقَالَ: ابْني يلطمني عليَّ بالشفرة قَالُوا: وَمَا تصنع بالشفرة قَالَ: اذبحه قَالُوا: تذبح ابْنك الطمه واصنع مَا بدا لَك فَأبى إِلَّا أَن يذبحه فأرسلوا إِلَى أَخْوَاله فاعلموهم بذلك فجَاء أَخْوَاله فَقَالُوا: خُذ منا مَا بدا لَك فَأبى إِلَّا أَن يذبحه قَالُوا: فلتموتن قبل أَن تَدعُوهُ قَالَ: اشْتَروا مني دوري اشْتَروا مني أرضي فَلم يزل حَتَّى بَاعَ دوره وأرضه وعقاره
فَلَمَّا صَار الثّمن فِي يَده وأحرزه قَالَ: أَي قوم أَن الْعَذَاب قد أظلكم وَزَوَال أَمركُم قد دنا فَمن أَرَادَ مِنْكُم دَارا جَدِيدا وجملاً شَدِيدا وسفراً فليلحق بعمان وَمن أَرَادَ مِنْكُم الْخمر والخمير والعصير فليلحق ببصرى
وَمن أَرَادَ مِنْكُم الراسخات فِي الوحل المطعمات فِي الْمحل المقيمات فِي الضحل فليلحق بِيَثْرِب ذَات نخل فأطاعه قوم فَخرج أهل عمان إِلَى عمان وَخرجت غَسَّان إِلَى بصرى وَخرجت الْأَوْس والخزرج وَبَنُو كَعْب بن عَمْرو إِلَى يثرب فَلَمَّا كَانُوا بِبَطن نخل قَالَ بَنو كَعْب: هَذَا مَكَان صَالح لَا نبتغي بِهِ بَدَلا فأقاموا فَلذَلِك سموا خُزَاعَة لأَنهم انخزعوا عَن أَصْحَابهم وَأَقْبَلت الْأَوْس والخزرج حَتَّى نزلُوا بِيَثْرِب
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {لقد كَانَ لسبإ}
قَالَ: كَانَ لَهُم مجْلِس مشيد بالمرمر فَأَتَاهُم نَاس من النَّصَارَى فَقَالُوا: أشكروا الله الَّذِي أَعْطَاكُم هَذَا قَالُوا: وَمن أعطاناه إِنَّمَا كَانَ لآبائنا فورثناه فَسمع ذَلِك ذُو يزن فَعرف أَنه سَيكون لكلمتهم تِلْكَ خبر فَقَالَ لِابْنِهِ: كلامك عَليّ حرَام ذَلِك ذُو يزن فَعرف أَنه سَيكون لكلمتهم تِلْكَ خبر فَقَالَ لِابْنِهِ: كلامك عَليّ حرَام إِن لم تأت غَدا وَأَنا فِي مجْلِس قومِي فتصك وَجْهي فَفعل ذَلِك فَقَالَ: لَا أقيم بِأَرْض فعل هَذَا ابْني بِي فِيهَا إِلَّا من بيتاع مني مَالِي فَابْتَدَرَهُ النَّاس فابتاعوه(6/689)
فَبعث الله جرذاً أعمى يُقَال لَهُ الْخلد من جرذان عمى فَلم يزل يحْفر السد حَتَّى خرقه فانهدم وَذهب المَاء بالجنتين
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن وهب بن مُنَبّه رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لقد بعث الله إِلَى سبأ ثَلَاثَة عشر نَبيا فكذبوهم وَكَانَ لَهُم سد كَانُوا قد بنوه بنياناً أبدا وَهُوَ الَّذِي كَانَ يرد عَنْهُم السَّيْل إِذا جَاءَ أَن يغشى أَمْوَالهم وَكَانَ فِيمَا يَزْعمُونَ فِي علمهمْ من كهانتهم أَنه إِنَّمَا يخرب سدهم ذَلِك فارة فَلم يتْركُوا فُرْجَة بَين حجرين إِلَّا ربطو عِنْدهَا هرة فَلَمَّا جَاءَ زَمَانه وَمَا أَرَادَ الله بهم من التَّفْرِيق أَقبلت فِيمَا يذكرُونَ فَأْرَة حَمْرَاء إِلَى هرة من تِلْكَ الهرر فساورنها حَتَّى استأخرت عَنْهَا الْهِرَّة فَدخلت فِي الفرجة الَّتِي كَانَت عِنْدهَا فتغلغلت بالسد فحفرت فِيهِ حَتَّى رققته للسيل وهم لَا يَدْرُونَ فَلَمَّا أَن جَاءَ السَّيْل وجد عللاً فَدخل فِيهِ حَتَّى قلع السد وفاض على الْأَمْوَال فاحتملها فَلم يبْق مِنْهَا إِلَّا مَا ذكر عَن الله تبَارك وَتَعَالَى
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ فِي الْآيَة قَالَ: كَانَت أَوديَة الْيمن تسيل إِلَى وَادي سبأ وَهُوَ وَاد بَين جبلين فَعمد أهل سبأ فسدوا مَا بَين الجبلين بالقير وَالْحِجَارَة وَتركُوا مَا شَاءُوا لجناتهم فعاشوا بذلك زَمَانا من الدَّهْر ثمَّ إِنَّهُم عتوا وَعمِلُوا بِالْمَعَاصِي فَبعث الله على ذَلِك السد جرذاً فنقبه عَلَيْهِم فَعرض الله مساكنهم وجناتهم وبدلهم بمَكَان جنتهم جنتين خمط والخمط الاراك وَائِل الاثل الْقصير من الشّجر الَّذِي يصنعون مِنْهُ الأقداح
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {سيل العرم} قَالَ: الشَّديد
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن عَمْرو بن شُرَحْبِيل رَضِي الله عَنهُ {سيل العرم} قَالَ: المنساة بلحن الْيمن
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {سيل العرم} قَالَ: {العرم} بِالْحَبَشَةِ وَهِي المنساة الَّتِي يجْتَمع فِيهَا المَاء ثمَّ ينشف
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَطاء رَضِي الله عَنهُ قَالَ {العرم} اسْم الْوَادي
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {سيل العرم} قَالَ: وادٍ كَانَ بِالْيمن كَانَ يسيل إِلَى مَكَّة(6/690)
وَأخرج ابْن جرير عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ قَالَ: وَادي سبأ يدعى {العرم}
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {سيل العرم} السد مَاء أَحْمَر أرْسلهُ الله فِي السد فشقه وهمه وحفر الْوَادي عَن الجنتين فارتفعا وغار عَنْهُمَا المَاء فيبستا وَلم يكن المَاء الْأَحْمَر من السد كَانَ شَيْئا أرْسلهُ الله عَلَيْهِم
وَفِي قَوْله {أكل خمط} قَالَ: الخمط الْأَرَاك
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس أرْسلهُ الله عَلَيْهِم
وَفِي قَوْله (أكل خمط) قَالَ: (الخمط) الْأَرَاك
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {أكل خمط} قَالَ: الْأَرَاك {وأثل} قَالَ: الطرفاء
وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله {أكل خمط} قَالَ: الْأَرَاك قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم
أما سَمِعت الشَّاعِر يَقُول: مَا معول فود تراعى بِعَينهَا أغن غضيض الطّرف من خلل الخمط وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَمْرو بن شُرَحْبِيل رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وأثل} قَالَ الاثل شجر لَا يأكلها شَيْء وَإِنَّمَا هِيَ حطب
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي الْآيَة قَالَ الخمط الاراك والاثل النضار والسدر النبق
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {لقد كَانَ لسبإ فِي مسكنهم}
قَالَ: قوم أَعْطَاهُم الله نعْمَة وَأمرهمْ بِطَاعَتِهِ ونهاهم عَن مَعْصِيَته قَالَ الله {فأعرضوا} قَالَ: ترك الْقَوْم أَمر الله {فَأَرْسَلنَا عَلَيْهِم سيل العرم} ذكر لنا {العرم} وَادي سبأ كَانَت تَجْتَمِع إِلَيْهِ مسايل من أَوديَة شَتَّى فعمدوا فسدوا مَا بَين الجبلين بالقير وَالْحِجَارَة وَجعلُوا عَلَيْهِ أبواباً وَكَانُوا يَأْخُذُونَ من مائَة مَا احتاجوا إِلَيْهِ ويسدون عَنْهُم مَا لم يعبؤا بِهِ من مَائه فَلَمَّا تركُوا أَمر الله بعث الله عَلَيْهِم جرذاً فنقبه من أَسْفَله فاتسع حَتَّى غَرَّقَ الله بِهِ حروثَهم وخَرَّبَ بِهِ أراضيهم عُقُوبَة بأعمالهم قَالَ الله {وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي أكل خمط}(6/691)
والخمط الْأَرَاك و {أكل} بربرة و {وأثل وَشَيْء من سدر قَلِيل} بَيْنَمَا شجر الْقَوْم من خير الشّجر إِذْ صيره الله من شَرّ الشّجر عُقُوبَة بأعمالهم قَالَ الله {ذَلِك جزيناهم بِمَا كفرُوا وَهل نجازي إِلَّا الكفور} إِن الله إِذا أَرَادَ بِعَبْد كَرَامَة أَو خيرا تقبل حَسَنَاته وَإِذا أَرَادَ بِعَبْد هواناً أمسك عَلَيْهِ بِذَنبِهِ
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: الخمط هُوَ الْأَرَاك
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن وَأبي مَالك
مثله
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَهل نجازي إِلَّا الكفور} قَالَ: تِلْكَ المناقشة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن طَاوس {وَهل نجازي إِلَّا الكفور} قَالَ: هُوَ المناقشة فِي الْحساب وَمن نُوقِشَ الْحساب عذب وَهُوَ الْكَافِر لَا يغْفر لَهُ
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي حَيْوَة وَكَانَ من أَصْحَاب عَليّ قَالَ: جَزَاء الْمعْصِيَة الوهن فِي الْعِبَادَة والضيق فِي الْمَعيشَة والمنغص فِي اللَّذَّة قيل: وَمَا المنغص قَالَ: لَا يُصَادف لَذَّة حَلَال إِلَّا جَاءَهُ من ينغصه إِيَّاهَا
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد {الْقرى الَّتِي باركنا فِيهَا} قَالَ: الشَّام
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة {وَجَعَلنَا بَينهم وَبَين الْقرى الَّتِي باركنا فِيهَا} قَالَ: هِيَ قرى الشَّام
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن سعيد بن جُبَير
مثله
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن فِي قَوْله {وَجَعَلنَا بَينهم وَبَين الْقرى الَّتِي باركنا فِيهَا قرى ظَاهِرَة} قَالَ: كَانَ فِيمَا بَين الْيمن إِلَى الشَّام قرى متواصلة و {الْقرى الَّتِي باركنا فِيهَا} الشَّام
كَانَ الرجل يَغْدُو فَيقبل فِي الْقرْيَة ثمَّ يروح فيبيت فِي الْقرْيَة الْأُخْرَى وَكَانَت الْمَرْأَة تخرج وزنبيلها على رَأسهَا فَمَا تبلغ حَتَّى يمتلىء من كل الثِّمَار
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن أبي ملكية فِي قَوْله {وَجَعَلنَا بَينهم وَبَين الْقرى الَّتِي باركنا فِيهَا قرى ظَاهِرَة}(6/692)
قَالَ: كَانَت قراهم مُتَّصِلَة ينظر بَعضهم إِلَى بعض وثمرهم متدل فبطروا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله {وقدرنا فِيهَا السّير} قَالَ: دانينا فِيهَا السّير
وَأخرج اسحق بن بشر وَابْن عَسَاكِر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَجَعَلنَا بَينهم} يَعْنِي بَين مساكنهم {وَبَين الْقرى الَّتِي باركنا فِيهَا} يَعْنِي الأَرْض المقدسة {قرى} فِيمَا بَين مَنَازِلهمْ مساكنهم وَبَين أَرض الشَّام {سِيرُوا فِيهَا} يَعْنِي إِذا ظعنوا من مَنَازِلهمْ إِلَى أَرض الشَّام من الأَرْض المقدسة
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن زيد بن أسلم فِي قَوْله {ظَاهِرَة} قَالَ: قرى بِالشَّام
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {سِيرُوا فِيهَا ليَالِي وأياماً آمِنين} قَالَ: لَا يخَافُونَ جوعا وَلَا ظمأ إِنَّمَا يَغْدُونَ فيقيلون فِي قَرْيَة وَيَرُوحُونَ فيبيتون فِي قَرْيَة أهل جنَّة ونهر حَتَّى ذكر لنا: أَن الْمَرْأَة كَانَت تضع مكتلها على رَأسهَا فيمتلىء قبل أَن ترجع إِلَى أَهلهَا وَكَانَ الرجل يُسَافر لَا يحمل مَعَه زاداً فبطروا النِّعْمَة {فَقَالُوا رَبنَا باعد بَين أسفارنا} فمزقوا {كل ممزق} وَجعلُوا أَحَادِيث
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله {فَقَالُوا رَبنَا باعد بَين أسفارنا} قَالَ: قَالُوا يَا لَيْت هَذِه الْقرى يبعد بَعْضهَا عَن بعض فنسير على نجائبنا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن يحيى بن يعمر رَضِي الله عَنهُ أَنه قَرَأَ (قَالُوا رَبنَا بعد بَين أسفارنا) مثقلة قَالَ: لم يدعوا على أنفسهم وَلَكِن شكوا مَا أَصَابَهُم
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْكَلْبِيّ رَضِي الله عَنهُ أَنه قَرَأَ (قَالُوا رَبنَا بعد بَين أسفارنا) مثقلة على معنى فعِّل
وَأخرج عبد بن حميد عَن سعيد بن أبي الْحسن رَضِي الله عَنهُ أَنه قَرَأَ (بَعُدَ بَين أسفارنا) بِنصب الْبَاء وَرفع الْعين
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم رَضِي الله عَنهُ أَنه قَرَأَ (رَبنَا) بِالنّصب (باعد) بِنصب الْبَاء وَكسر الْعين على الدُّعَاء
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن الشّعبِيّ رَضِي الله عَنهُ فِي(6/693)
قَوْله {ومزقناهم كل ممزق} قَالَ: أما غَسَّان فَلَحقُوا بِالشَّام وَأما الْأَنْصَار فَلَحقُوا بِيَثْرِب وَأما خُزَاعَة فَلَحقُوا بتهامة وَأما الأزد فَلَحقُوا بعمان
فمزقهم الله كل ممزق
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {إِن فِي ذَلِك لآيَات لكل صبار شكور} قَالَ: مطرف فِي قَوْله {إِن فِي ذَلِك لآيَات} نعم العَبْد الصبار الشكُور الَّذِي إِذا أعطي شكر واذا ابْتُلِيَ صَبر
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَابْن جرير وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن عَامر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: الشُّكْر نصف الإِيمان وَالصَّبْر نصف الإِيمان وَالْيَقِين الإِيمان كُله
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن أبي الدَّرْدَاء قَالَ: سَمِعت أَبَا الْقَاسِم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: إِن الله قَالَ: يَا عِيسَى بن مَرْيَم إِنِّي باعث بعْدك أمة إِن أَصَابَهُم مَا يحبونَ حمدوا وشكروا وَإِن أَصَابَهُم مَا يكْرهُونَ احتسبوا وصبروا وَلَا حلم وَلَا علم
قَالَ: يَا رب كَيفَ يكون هَذَا لَهُم وَلَا حلم وَلَا علم قَالَ: أعطيهم من حلمي وَعلمِي
وَأخرج أَحْمد وَمُسلم وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان والدارمي وَابْن حبَان عَن صُهَيْب قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: عجبا لأمر الْمُؤمن أَمر الْمُؤمن كُله خير إِن أَصَابَته سراء شكر كَانَ خيرا وَإِن أَصَابَته ضراء صَبر كَانَ خيرا
وَأخرج أَحْمد وَالْبَيْهَقِيّ عَن سعد بن أبي وَقاص قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: عجبت لِلْمُؤمنِ أَن أعطي قَالَ الْحَمد لله فَشكر وَإِن ابْتُلِيَ قَالَ الْحَمد لله فَصَبر فالمؤمن يُؤجر على كل حَال حَتَّى اللُّقْمَة يرفعها إِلَى فِيهِ
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب وَأَبُو نعيم عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من نظر فِي الدّين إِلَى من هُوَ فَوْقه وَفِي الدُّنْيَا إِلَى من هُوَ تَحْتَهُ كتبه الله صَابِرًا وشاكراً وَمن نظر فِي الدّين إِلَى من هُوَ تَحْتَهُ وَنظر فِي الدُّنْيَا إِلَى من هُوَ فَوْقه لم يَكْتُبهُ الله صَابِرًا وَلَا شاكراً وَالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أعلم(6/694)
وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (20) وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ (21)
- قَوْله تَعَالَى: وَلَقَد صدق عَلَيْهِم إِبْلِيس ظَنّه فَاتَّبعُوهُ إِلَّا فريق من الْمُؤمنِينَ وَمَا كَانَ لَهُم عَلَيْهِ من سُلْطَان إِلَّا لنعلم من يُؤمن بِالآخِرَة مِمَّن هُوَ مِنْهَا فِي شكّ وَرَبك على كل شَيْء حفيظ
أخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وَلَقَد صدق عَلَيْهِم إِبْلِيس ظَنّه} قَالَ إِبْلِيس: إِن آدم خلق من تُرَاب وَمن طين وَمن حمإ مسنون خلقا ضَعِيفا وَإِنِّي خلقت من نَار وَالنَّار تحرق كل شَيْء {لأحتنكن ذُريَّته إِلَّا قَلِيلا} الاسراء الْآيَة 62 قَالَ: فَصدق ظَنّه عَلَيْهِم فَاتَّبعُوهُ إِلَّا فريقاً من الْمُؤمنِينَ قَالَ: هم الْمُؤْمِنُونَ كلهم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَنه كَانَ يَقْرَأها {وَلَقَد صدق عَلَيْهِم إِبْلِيس ظَنّه} مُشَدّدَة قَالَ: ظن بهم ظنا فَصدقهُ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَلَقَد صدق عَلَيْهِم إِبْلِيس ظَنّه} قَالَ: على النَّاس إِلَّا من أطَاع ربه
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَلَقَد صدق عَلَيْهِم إِبْلِيس ظَنّه} ظن بهم فَوَافَقَ ظَنّه
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما أهبط آدم عَلَيْهِ السَّلَام من الْجنَّة وَمَعَهُ حوّاء عَلَيْهَا السَّلَام هَبَط إِبْلِيس فَرحا بِمَا أصَاب مِنْهُمَا وَقَالَ: إِذا أصبت من الْأَبَوَيْنِ مَا أصبت فالذرية أَضْعَف وَكَانَ ذَلِك ظنا من إِبْلِيس عِنْد ذَلِك فَقَالَ: لَا أُفَارِق ابْن آدم مَا دَامَ فِيهِ الرّوح أغره وأمنيه وأخدعه فَقَالَ الله تَعَالَى: وَعِزَّتِي لَا أحجب عَنهُ التَّوْبَة مَا لم يُغَرْغر بِالْمَوْتِ وَلَا يدعوني إِلَّا أَجَبْته وَلَا يسألني إِلَّا أَعْطيته وَلَا يستغفرني إِلَّا غفرت لَهُ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَمَا كَانَ لي عَلَيْكُم من سُلْطَان} قَالَ: وَالله مَا ضَربهمْ(6/695)
بعصا وَلَا سيف وَلَا سَوط وَمَا أكرههم على شَيْء وَمَا كَانَ إِلَّا غرُورًا وأماني دعاهم إِلَيْهَا فاجابوه
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {إِلَّا لنعلم} قَالَ: إِنَّمَا كَانَ بلَاء ليعلم الله الْكَافِر من الْمُؤمن(6/696)
قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ (22)
- قَوْله تَعَالَى: قل ادعوا الَّذين زعمتم من دون الله لَا يملكُونَ مِثْقَال ذرة فِي السَّمَاوَات وَلَا فِي الأَرْض وَمَا لَهُم فيهمَا من شرك وَمَا لَهُ مِنْهُم من ظهير
أخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {وَمَا لَهُم فيهمَا من شرك} يَقُول: مَا لله من شريك فِي السَّمَوَات وَلَا فِي الأَرْض {وَمَا لَهُ مِنْهُم} قَالَ: من الَّذين دعوا من دونه {من ظهير} يَقُول: من عون بِشَيْء
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَمَا لَهُ مِنْهُم من ظهير} يَقُول: من عون من الْمَلَائِكَة(6/696)
وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (23) قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (24) قُلْ لَا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ (25) قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ (26) قُلْ أَرُونِيَ الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكَاءَ كَلَّا بَلْ هُوَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (27)
- قَوْله تَعَالَى: وَلَا تَنْفَع الشَّفَاعَة عِنْده إِلَّا لمن أذن لهحتى إِذا فزع عَن قلويهم قَالُوا مَاذَا قَالَ ربكُم قَالُوا الْحق وَهُوَ الْعلي الْكَبِير قل من يرزقكم من السَّمَاوَات وَالْأَرْض قل الله وَإِنَّا أَو إيَّاكُمْ لعلى هدى أَو فِي ضلال مُبين قل لَا تسْأَلُون عَمَّا أجرمنا وَلَا نسْأَل عَمَّا تَعْمَلُونَ قل يجمع بَيْننَا رَبنَا ثمَّ يفتح بَيْننَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الفتاح الْعَلِيم قل أروني الَّذين ألحقتم بِهِ شُرَكَاء كلا بل هُوَ الله الْعَزِيز الْحَكِيم
أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {فزع عَن قُلُوبهم} قَالَ: خلى(6/696)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: لما أوحى الْجَبَّار إِلَى مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دَعَا الرَّسُول من الْمَلَائِكَة ليَبْعَثهُ بِالْوَحْي فَسمِعت الْمَلَائِكَة عَلَيْهِم السَّلَام صَوت الْجَبَّار يتَكَلَّم بِالْوَحْي فَلَمَّا كشف عَن قُلُوبهم سئلوا عَمَّا قَالَ الله فَقَالُوا: الْحق
وَعَلمُوا أَن الله تَعَالَى لَا يَقُول إِلَّا حَقًا قَالَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا: وَصَوت الْوَحْي كصوت الْحَدِيد على الصَّفَا فَلَمَّا سمعُوا خروا سجدا فَلَمَّا رفعوا رؤوسهم {قَالُوا مَاذَا قَالَ ربكُم قَالُوا الْحق وَهُوَ الْعلي الْكَبِير}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ إِذا نزل الْوَحْي كَانَ صَوته كوقع الْحَدِيد على الصفوان فيصعق أهل السَّمَاء {حَتَّى إِذا فزع عَن قُلُوبهم قَالُوا مَاذَا قَالَ ربكُم} قَالَت الرُّسُل عَلَيْهِم السَّلَام {الْحق وَهُوَ الْعلي الْكَبِير}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: ينزل الْأَمر إِلَى السَّمَاء الدُّنْيَا لَهُ وَقع كوقعة السلسلة على الصَّخْرَة فَيفزع لَهُ جَمِيع أهل السَّمَوَات فَيَقُولُونَ {مَاذَا قَالَ ربكُم} ثمَّ يرجعُونَ إِلَى أنفسهم فَيَقُولُونَ {الْحق وَهُوَ الْعلي الْكَبِير}
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل من طَرِيق معمر عَن الزُّهْرِيّ عَن عَليّ بن حُسَيْن عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جَالِسا فِي نفر من أَصْحَابه فَرمى بِنَجْم فَاسْتَنَارَ قَالَ: مَا كُنْتُم تَقولُونَ إِذا كَانَ هَذَا فِي الْجَاهِلِيَّة قَالُوا: كُنَّا نقُول يُولد عَظِيم أَو يَمُوت عَظِيم قَالَ: فَإِنَّهَا لَا ترمى لمَوْت أحد وَلَا لِحَيَاتِهِ وَلَكِن رَبنَا إِذا قضى أمرا سبح حَملَة الْعَرْش ثمَّ سبح أهل السَّمَاء الَّذين يلون حَملَة الْعَرْش فَيَقُول الَّذين يلون حَملَة الْعَرْش {مَاذَا قَالَ ربكُم} فَيُخْبِرُونَهُمْ ويخبر أهل كل سَمَاء سَمَاء حَتَّى يَنْتَهِي الْخَبَر إِلَى هَذِه السَّمَاء وتخطف الْجِنّ السّمع فيرمون فَمَا جاؤا بِهِ على وَجهه فَهُوَ محق وَلَكنهُمْ يحرفونه وَيزِيدُونَ فِيهِ قَالَ معمر: قلت لِلزهْرِيِّ: أَكَانَ يَرْمِي بهَا فِي الْجَاهِلِيَّة قَالَ: نعم
قَالَ أَرَأَيْت {وَأَنا كُنَّا نقعد مِنْهَا مقاعد للسمع فَمن يستمع الْآن يجد لَهُ شهاباً رصداً} الْجِنّ الْآيَة 9 قَالَ: غلظت وشدد أمرهَا حِين بعث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن(6/697)